65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

ج8.شفاء الغرام

 المتقدم إليه أن عدد الأساطين التي بجوانب المسجد الحرام وأبوابه: أربعمائة أسطوانة وأربعة وثمانون أسطوانة1، منها على الأبواب، عشرون أسطوانة. ووصف الأزرقي جميع هذه الأساطين2. والأساطين التي هي الآن في جوانب المسجد الحرام وأبوابه، على غير ما ذكره الأزرقي في العدد أو الصفة الآن، لأن في الجوانب الأربعة من المسجد الحرام غير الزيادتين، أربعمائة أسطوانة وتسعة وستين أسطوانة، وعلى أبواب المسجد من داخله وخارجه سبعة وعشرون أسطوانة، فتصير جملة الأساطين بجوانب المسجد الحرام وما على أبوابه أربعمائة أسطوانة وستة وتسعين أسطوانة بتقديم التاء على السين غير ما في الزيادتين وذلك يزيد على ما ذكره الأزرقي عشرة أساطين. وجملة الأساطين التي بالجانب الشرقي: ثمانية وثمانون أسطوانة، كلها رخام خلا واحدة في الصف الأوسط عند باب علي. فإنها آجُر مجصَّص. وجملة الأساطين التي في هذا الجانب الشمالي ويقال له الشامي، الذي يلي دار الندوة ودار العجلة: مائة أسطوانة وأربعة أساطين، منها الأسطوانة الحمراء، وهي الثانية والعشرون من عدد الصف المقدم من هذا الجانب، وجميع الأساطين التي في هذا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 1 كان عددها عام 984هـ: 496 أسطوانة "انظر: تاريخ عمارة المسجد الحرام ص: 101". 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 88. ج / 1 ص -309- الجانب رخام، خلا أربعة عشرة أسطوانة من آخر الصف الأوسط مما يلي دار العجلة وباب السدرة فإنها حجارة منحوتة. وجملة الأساطين التي في الجانب الغربي: سبعة وثمانون أسطوانة، كلها حجارة منحوتة، وهي مما عمل بعد الحريق للمسجد الحرام لتكسر أساطينه الرخام التي كانت فيه قبل الحريق. وجملة الأساطين التي في الجانب الجنوبي وهو اليماني مائة وأربعون أسطوانة، وجميعها رخام خلا خمسة وعشرين أسطوانة فإنها غير رخام، وهي حجارة منحوتة، خلا اثنين فآجر مجصص وجميع ما في جوانب المسجد الحرام وأبوابه الآن من الأساطين الرخام: ثلاثمائة أسطوانة وأربعون أسطوانة، وجميع ما فيه من الأساطين غير الرخام: مائة أسطوانة وسبعة وعشرون أسطوانة كلها حجارة منحوتة، خلا ثلاثة أساطين فإنها أجر مجصص، وقد تقدم بيان موضع هذه الأساطين، والأساطين الحجارة المنحوتة وكذا الأساطين الرخام في جوانب المسجد الحرام وأبوابه. ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها: فأما عددها: فمائتين وثلاثون أسطوانة، وأما صفتها: فأربعة عشر منها حجارة منحوتة دقيقة، والباقي آجر مجصص، وبين كل من الأساطين خشبة ممدودة راكبة عليها وعلى المقابل لها، لأجل القناديل التي تعلق فيها، وكان في موضع هذه الأساطين قبل ذلك أخشاب على صفة الأساطين، وعمل ذلك للاستضاءة بالقناديل حول الكعبة. وكلام القاضي عز الدين بن جماعة يوهم أن ذلك وقع بعد العشرين وسبعمائة1 وأن الأساطين الحجارة جعلت في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم ثارت ريح عاصفة في سنة إحدى وخمسين فألقتها ثم جددت فيها. وكلام ابن محفوظ المكي يوهم أن إحداث هذا الدائر للقناديل في سنة ست وثلاثين وسبعمائة2، والله أعلم. وجدد بعض هذه الأساطين في عصرنا وفيما قبله غير مرة. ذكر الأزرقي أنه كان حول الطواف عشرة أعمدة من صفر تستصبح بها على أهل الطواف بعث بها الواثق العباسي، وأن أول من استصبح لأهل الطواف: جده عقبة بن الأزرقي. الغساني3. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هداية السالك 1/ 1334. 2 إتحاف الورى 3/ 207، ودرر الفرائد "ص: 305". 3 أخبار مكة للأزرقي "1/ 286". ج / 1 ص -310- ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة: عدد أساطين هذه الزيادة: ستة وستون أسطوانة في جميع جوانبها الأربعة، منها في الجهة الشرقية اثنتا عشرة، ومنها في الجهة الشامية عشرون، ومنها في الجهة الغربية إحدى عشرة، ومنها في الجهة الجنوبية ثلاث وعشرون. ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم: عدد أساطين هذه الزيادة سبع وعشرون أسطوانة حجارة منحوتة، منها في الرواق الشرقي الذي يلي المسجد الكبير: سبع عشرة في صفين، وأربعة من هذه الأساطين السبعة عشر لاصقة بجدار رباط الخوزي ورباط رامشت، بكل رباط اثنتان، وفي الجانب الشمالي ستة أساطين، واحدة منها لاصقة بجدار الإيوان الغربي، وفي الجانب الجنوبي ستة أساطين، واحدة منها لاصقة بالمنارة التي كانت بهذه الزيادة وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر شيء من خبرها، وليس بالجانب الغربي من هذه الزيادة أساطين كما قدمناه في صفتها1. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 "كان عدد الأسطوانات الرخام التي وجدت بالمسجد الحرام حتى "984" في جوانبه الأربعة غير الزيادة في باب زيادة "دار الندوة" وزيادة باب إبراهيم أربعمائة وتسعة وستين أسطوانة. وما كان على الأبواب سبع وعشرون فيكون مجموع ذلك "496" أسطوانة" كلها من الأساطين الرخام. عدا أسطوانة كانت من الحجر الصوان المنحوت. أما الأساطين التي كانت في زيادة دار الندوة فمجموعها "27" أسطوانة. وفي زيادة باب إبراهيم "27" أسطوانة. أما ما هو موجود بالمسجد الحرام بعد عمارة السلطان سليم عام "984هـ" فكانت "311" أسطوانة من الرخام من الحجر الصوان المنحوت وأما عدد الأعمدة أو الدعائم المعمولة من الحجر الشمسي أو الحجر الصوان فمجموعها مائتان وست وسبعون عمودا، وهي قد عملت على ثلاثة أشكال معظمها على شكل مثمن الأضلاع. وقليل منها على شكل مسدس ومربع. "أما العقود فقد كانت في عموم أروقة المسجد الحرام في عصر أمير المؤمنين الخليفة محمد المهدي ذات عقود مطوية في رءوس الأسطوانات الرخام وعددها 484 طاقا. وعدد طاقات زيادة دار الندوة "68" طاقا وزيادة باب إبراهيم "36" طاقا وقد أحصى كتاب "تاريخ عمارة المسجد الحرام" عدد العقود التي أنشئت في العمارة التي جرت سنة "984هـ" وكان "881" عقدا، وعقود صغار على مائة عقد". والقبب والطواجن بعد نفس العمارة التي تمت عام 984هـ" "152" قبة. وأما الطواجن فجملتها "232" طاجنا، وعدد شرفات المسجد الحرام: "993"، من خارجه: "495" شرفة، ومن داخله "498" شرفة. ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله: أما عدد الطاقات التي بجوانب المسجد الحرام وهي العقود التي على الأساطين بجوانبه الأربعة غير الزيادتين: فأربعمائة طاق: وأربعمائة وثمانون طاقا. من ذلك بالجانب الشرقي: تسعة وتسعون طاقا في ثلاثة صفوف. ومن ذلك بالجانب الشامي: مائة وستة وخمسون في ثلاثة صفوف. ومن ذلك بالجانب الغربي: ثمانية وثمانون في ثلاثة صفوف. ومن ذلك بالجانب الجنوبي وهو اليماني مائة وواحد وأربعون في ثلاثة صفوف. وفيما ذكره الأزرقي في عدد طاقات المسجد الحرام مخالفة لما ذكرناه، لأنه قال: وعلى الأساطين أربعمائة طاقة وثمان وتسعون طاقة1 وبيّن ما في كل جهة منها. وقد ذكرناها في أصل هذا الكتاب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقة 2/ 84. ج / 1 ص -311- ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة: جملة هذه الطاقات التي على الأساطين بهذه الزيادة في جوانبها الأربعة: ثمانية وستون طاقا، منها في الجهة الشرقية: أربعة عشر في صفين. ومنها في الجهة الشامية: أربعة وعشرون في صفين. ومنها في الجهة الشرقية أربعة عشر. ومنها في الجهة الجنوبية: أربع وعشرون في صفين، في كل صف منها اثنا عشر. وذلك غير الطاقات التي في جدار المسجد الكبير في هذه الجهة، وهي إحدي عشرة طاقة، وغير ما على الأبواب من الطاقات، والطاقات هي العقود. ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم: عدد طاقات هذه الزيادة ستة وثلاثون طاقا: منها: خمسة على جدر دار زبيدة ورباط الخوزي. ومنها: خمسة على الجدر المقابل لهذا الجدار، وهو جدر رباط رامشت، والباقي على الأساطين، منها: ستة عشر على الأساطين التي في الجانب الشرقي، ثمانية في كل صف. ومنها خمسة على الأساطين التي في الجانب الشمالي. ومنها: خمسة على الأساطين التي في الجانب الغربي. ج / 1 ص -312- شرفات المسجد الحرام: وأما عدد شرفاته التي تلي بطن المسجد الحرام فهي: أربعمائة وثلاثة وعشرون شرافة، وسبعة أنصاف شرافات. منها في الجانب الشرقي: إحدى وثمانون شرافة ونصف. ومنها في الجانب الشمالي: مائة وخمسة وعشرون شرافة ونصفان. ومنها في الجانب الغرب: سبعة وتسعون شرافة وأربعة أنصاف. ومنها في الجانب الجنوبي: مائة وثمانية وعشرون شرافة. وفي نحو النصف من كل جهة من هذه الأربعة جهات شباك كبير مخرم من آجر معقود بالنورة. وأما الشرافات التي على جدار المسجد الحرام من خارجه، فهي: اثنان وخمسون شرافة منها: خمس عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب العباس. ومنها: إحدى عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب علي. ومنها: إحدى عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب بازان بالجانب الجنوبي. ومنها: ثلاثة شرافات على باب أجياد بالجانب الجنوبي أيضا. ومنها: ست شرافات على الباب الذي يليه. ومنها: ست شرافات على الباب الذي يليه أيضا. وما ذكرناه من عدد الشراريف مخالف لما ذكره الأزرقي في ذلك، لأنه قال: الشراف الذي على جدران المسجد الحرام من خارجه مائتا شرافة واثنتان وسبعون شرافة1... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 95. ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة: والجوانب الأربع من هذه الزيادة التي تلي بطنها: اثنتان وسبعون شرافة، في كل جهة ثماني عشرة، وكلها متساوية في الشكل، إلا التي في الأركان فإنها مخالفة لها في الصفة. ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم: عدد الشرافات التي بجوانب هذه الزيادة مما يلي بطنها: بضع وأربعون، منها: عشر في الجهة الشرقية. ومنها: اثنتا عشرة في الجنوبية، وكذلك في الشمالية وفي الغرب: ست بمحاذاة القبة، وبقية الصف خال، والظاهر أنه كان هناك شرافات فتخربت، والله أعلم. ج / 1 ص -313- ذكر عدد قناديل المسجد الحرام: وأما ذكر عدد قناديل المسجد الحرام الآن المرتبة فيه غالبا فهي ثلاثة وتسعون قنديلا بتقديم التاء على السين منها في الجانب الشرقي: سبعة قناديل. ومنها في الجانب الشمالي: أحد عشر قنديلا. ومنها في الجانب الغربي: سبعة أيضا بتقديم السين على الباء كالجانب الشرقي. ومنها في الجانب الجنوبي: ثمانية قناديل. ومنها في الدائرة التي حول المطاف ثلاثون قنديلا. ومنها في مقام الخليل إبراهيم: أربعة قناديل. ومنها في كل مقام من المقامات الأربعة حول المطاف: خمسة قناديل. ومنها: قنديل على باب بني شيبة من خارجه. ومنها: ثلاثة قناديل بزيادة دار الندوة في كل جانب منها قنديل، خلاف الجانب الشرقي منها فإنه لا قنديل فيه. ومنها: قنديل عند باب الزيادة بالجانب الغربي المعروف بباب إبراهيم من داخله فهذه القناديل المرتبة في المسجد الحرام غالبا. ويزاد فيه في شهر رمضان من كل سنة ثلاثون قنديلا في الدائر الذي حول المطاف، وزاد في هذا الدائر في كل من المقامات الأربعة وفي مقام إبراهيم عدة قناديل في بعض ليالي العشر الأخير من رمضان في كل سنة عند ختم المصلين، فهذه الأماكن للقرآن الكريم ويزاد في هذا الدائر في زمن الموسم نظير ما يزاد فيه في شهر رمضان ويزاد في جوانب المسجد الحرام الأربعة في زمن الموسم عدة قناديل، في سلاسل معلقة في الرواق الأوسط من هذه الجوانب، وهي التي فيها القناديل المرتبة المشار إليها. إلا أن في الرواق الثالث من الجانب الشمالي الذي يلي زيادة دار الندوة ست سلاسل مفرقة. وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب أيضا تسع سلاسل بتقديم التاء على السين، وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب أيضا تسع سلاسل بتقديم التاء على السين، وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب الجنوبي: عشر سلاسل، وفيه وفي الجانب الشرقي والغربي سلاسل مقطعة، وجميع هذه السلاسل لا قناديل فيها، وعدد قناديل المسجد الحرام وسلاسله الآن تنقص كثيرا عما ذكره الأزرقي في قناديل المسجد الحرام، لأنه ذكر أن فيه من القناديل أربعمائة قنديل وخمسة وستين قنديلا1... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 98. ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها: للمسجد الحرام -الآن- تسعة عشر بابا بتقديم التاء على السين، تفتح على ثمانية وثلاثين طاقا، منها: في الجانب الشرقي أربعة أبواب: الأول: ثلاث طاقات، وهو الباب المعروف بباب بني شيبة، ويقال له أيضا باب السلام. الثاني: طاقان، ويعرف بباب الجنائز؛ لأن الجنائز يخرج بها منه في الغالب. ذكر الأزرقي أنه باب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج منه ويدخل إلى منزله دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في زقاق العطارين1. وذكر أنه كان طاقا واحدا، ولم أدر متى جعل له طاقان، إلا أنه كان على ذلك من سنة تسع وتسعين وخمسمائة؛ لأن ابن جبير ذكره هكذا في أخبار رحلته، وكانت في هذه السنة2. الباب الثالث: ثلاث طاقات، يعرف بباب العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، لأنه يقابل داره بالمسعى، وعرفه بذلك الأزرقي1، وسماه ابن الحاج في "منسكه" باب الجنائز، لأنه قال لما ذكر صفة السعي: ثم ينزل عن الصفا ماشيا حتى يحاذي العلم الأخضر، وهو أول بطن الوادي، يسعى سعيا في الهرولة حتى يجاوز العلم الأخضر الذي عند باب الجنائز. وهو آخر بطن الوادي، فيمشي على هيئته حتى يأتي المروة... انتهى. ولعل تسميته له بباب الجنائز والله أعلم، لأن الجنائز كان يصلى عليها فيه، كما ذكر الفاكهي3. وذكر أيضا موضعين غيره من أبواب المسجد الحرام كان يصلى على الجنائز فيهما، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا. الباب الرابع: ثلاث طاقات أيضا، ويعرف بباب علي، وقد عرفه بذلك ابن جبير، لأنه قال: وباب علي رضي الله عنه2، وعرفه الأزرقي بباب بني هاشم4. وبالجانب الجنوبي سبعة أبواب: الأول: طاقان، ويقال له باب بازان، لأن عين مكة المعروفة ببازان قربه، وعرفه الأزرقي بباب ابن عائذ5. الثاني: طاقان، ويعرف بباب البغلة بباء موحدة وغين معجمة ولم أدر ما سبب هذه التسمية والشهرة، وعرفه الأزرقي بباب بني سفيان6. الثالث: باب الصفا، لأنه يليه، وهو خمسة أبواب. قال الأزرقي: ويقال له اليوم باب بني مخزوم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78. 2 رحلة ابن جبير "ص: 82". 3 أخبار مكة للفاكهي 2/ 189. 4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 88. 5 أخبار مكة للأزرقي 2/ 89. 6 هو باب بني سفيان بن عبد الأسد. ج / 1 ص -315- الباب الرابع: طاقان، ويعرف بباب أجياد الصغير. وسماه بذلك ابن جبير1، وسماه أيضا بباب الخلقيين، قال الأزرقي: ويقال له باب بني مخزوم2. الباب الخامس: طاقان أيضا، ويعرف بباب المجاهدية، لأن عنده مدرسة الملك المؤيد المجاهد صاحب اليمن، ويقال له باب الرحمة، وما عرفت سبب هذه التسمية، وهو من أبواب بني مخزوم على ما ذكره الأزرقي. الباب السادس: طاقان أيضا، ويعرف الآن بباب مدرسة الشريف عجلان صاحب مكة، لأنها عنده. قال الأزرقي: ويقال لهذا الباب باب بني تيم. الباب السابع: طاقان، ويعرف الآن بباب أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، وعرفه بذلك الأزرقي، ويقال له الآن أيضا باب الملاعبة، لأنه بحذاء دار تنسب للقواد تسمى الملاعبة. ووجدت بخط الشيخ أبي طيبة محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري، نزيل الحرمين الشريفين تعريف هذا الباب بباب الفرج. والجانب الغربي ثلاثة أبواب: الأول: طاقان، ويعرف بباب عزورة، وهي الحزورة التي صحفت بهذه اللفظة كما سبق بيانه، قال الأزرقي: ويقال له باب بني حكيم بن حزام، وبني الزبير بن العوام والغالب عليه باب الحزامية، لأنه يلي الحزامية. الثاني: طاق واحد كبير، يقال له: باب إبراهيم في الزيادة التي بهذا الجانب، وإبراهيم المنسوب إليه هذا الباب خياط كان عنده على ما قيل كما ذكر ذلك أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، وذكر أن العوام نسبوه إليه، ووقع للحافظ أبي القاسم ابن عساكر3، وابن جبير وغيرهما من أهل العلم ما يقتضي أن إبراهيم المنسوب إليه هذا الباب هو إبراهيم الخليل عليه السلام وذلك بعيد، لأنه لا وجه لنسبته إليه، والله أعلم. الباب الثالث: طاق واحد، ويعرف بباب العمرة، لأن المعتمرين من التنعيم يخرجون منه ويدخلون منه في الغالب. وذكر تسميته بباب العمرة: ابن جبير في رحلته1، والمحب الطبري في "القرى"، وسماه الأزرقي بباب بني سهم2. وبالجانب الشمالي -ويقال له الشامي- خمسة أبواب: الأول: طاق واحد ويعرف بباب السدة، وسماه بذلك ابن جبير في رحلته، وغيره. ويقال له على -ما ذكر الأزرقي: باب عمرو بن العاص رضي الله عنه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 82". 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 90. 3 هو صاحب تاريخ دمشق وغيره، توفي سنة 571هـ. ج / 1 ص -316- الثاني: طاق واحد، ويعرف بباب العجلة، لكونه عند دار العجلة. الثالث: طاق واحد، بزيادة دار الندوة في ركنها الغربي. الرابع: طاقان بالزيادة المذكورة في جانبها الشامي. الخامس: طاق واحد، يعرف بباب الدريبة عند المنارة التي عند باب بني شيبة. فهذه أبواب المسجد الحرام الآن وأسماؤها ..... وقد ذكر الأزرقي رحمه الله- عدد أبوابه وصفاتها وأسمائها1، وقد تغير بعده كثير من ذلك في العدد والصفة والتسمية. أما العدد: فلأنه ذكر أنها ثلاثة وعشرون بابا، فيها ثلاثة وأربعون طاقا. وأما الصفة: فلأن بعض الأبواب التي ذكرها زال عنها مكانه. وذلك أربعة أبواب بالجانب الغربي، وأربعة أبواب بالجانب الشامي، وبعضها تغيرت صفته مع بقائه على مكانه. وأما التسمية فلأنه لا يعرف منها الآن كما ذكره الأزرقي إلا خمسة أبواب باب بني شيبة، وباب العباس، وباب الصفا، وباب أم هانئ وباب العجلة وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب كلامه بنصه وبينا ما فيه، مع ما ذكره ابن جبير في أبواب المسجد الحرام وأسمائها، ولم يذكر ابن جبير فيها باب بني سفيان2. ولم أذكر في أبواب المسجد الحرام أبواب الدور التي في المسجد، وإن كان الأزرقي ذكرها، لأنها أبواب للدور لا للمسجد، وفي غالب هذه الدور أبواب صغار يخرج منها إلى سطح المسجد، وكانت سدت قبيل سنة ثمانمائة، أو فيما بعدها حسما لمادة مفاسد تقع في سطح المسجد، ثم فتحت واستمرت إلى الآن فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ونشير إلى أبواب المسجد الحرام التي ذكر الفاكهي أن فيها كان يصلى على الجنائز، وهي: باب بني شيبة، وباب العباس، وباب الصفا. قال الفاكهي: وكان الناس فيما مضى من الزمان يصلون على الرجل المذكور في المسجد الحرام3... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 86. 2 رحلة ابن جبير "ص: 82، 83". 3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 97، وقد ظلت هذه الأبواب كما هي في العدد منذ ذلك العهد حتى عهد الملك "سعود بن عبد العزيز" الذي قام بأول توسعة للحرم بعد أن ظل "1609" عاما بدون زيادة، حيث قال بزيادة أبواب الحرم إلى "51" بابا ما بين صغير وكبير، ثم جاء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ليدخل التكنولوجيا الحديثة للتسهيل على زوار بيت الله الحرام، فقام بزيادة أبواب الحرم، حيث ضمت التوسعة مدخلا رئيسيا هو "باب الملك فهد"، و"14" مدخلا فرعيا ومدخلان = ج / 1 ص -317- ومراده بالمذكور: المشهور. والناس اليوم يصلون على الموتى جميعا داخل المسجد الحرام، إلا أن المذكور من الناس يصلون عليه عند باب الكعبة. ويذكر أنهم كانوا إنما يصلون عند باب الكعبة على الأشراف وقريش، وأدركناهم يصلون عند باب الكعبة على غيرهم من الأعيان، وبعض الناس تسامح في ذلك بالنسبة لغير قريش والأشراف، وتسامح أيضا في إخراج غيرهم، وإن عظم قدره من باب بني شيبة، ولم أر في الخروج بالموتى من باب بني شيبة شيئا يستأنس به، وعندي: أن الخروج بالموتى من المسجد من الباب المعروف بباب الجنائز أولى، لأنه كان طريق النبي صلى الله عليه وسلم من منزل زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى المسجد الحرام، ولذلك قيل له: باب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الصلاة على الموتى عند باب الكعبة: فرأيت فيه خبرا ذكره الأزرقي يقتضي أن آدم عليه السلام صُلِّيَ عليه عند باب الكعبة1، والذين لا يُصلَّى عليهم عند باب الكعبة يُصلَّى عليهم خلف مقام إبراهيم عليه السلام عند مقام الشافعي، وبعضهم يُصلَّى عليه عند باب الحزورة، وهم الفقراء الطرحاء، وذلك داخل المسجد الحرام أمام الرواق، لكون ذلك بالقرب من الموضع الذي يغسلونهم فيه، وكونه إلى موضع دفنهم أقرب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = للبدروم، وبذلك أصبح عدد المداخل الرئيسية للحرم4 مداخل وعدد المداخل الفرعية 54 مدخلا، وست مداخل للبدرومات، هذا غير المداخل الفرعية العلوية للطابق الثاني. وكذلك السلالم الكهربائية المتحركة. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين تم استخدام سطح المسجد الحرام للصلاة فيه، وهو يستوعب أكثر من 80000 مصلٍّ بعد تحسينه وإعداد ثلاث مبان للسلالم المتحركة التي يستخدمها زوار بيت الله الحرام من الاتجاهات الأربع خارج المسجد. وقد وجه خادم الحرمين الشريفين أوامره لزيادة عدد السلالم المتحركة والثابتة في مبنى التوسعة بعد أن تمت تهيئة الأسطح بالسلالم لمساعدة المصلين على الصعود بكل يسر إلى هذه الساحات. وقد صممت هذه السلالم بشكل يسهل حركة الصعود. وقد أضيف مبنيان للسلالم المتحركة. أحدهما في شمال مبنى التوسعة. والآخر جنوبه .... ومساحة كل منهما "375م". ويحتوي على مجموعتين من السلالم طاقة كل منهما "15" ألف شخص في الساعة. إضافة إلى مجموعتين أخريين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي وبذلك يصبح مجموع السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانب المدخل الرئيسي. وبذلك يصبح مجموع السلالم المتحركة سبعة عشر تنتشر حول الحرم كله لخدمة الدول الأول والأسطح بإجمالي "56" سلما كهربائيا بطاقة حركة "105000" شخص في الساعة. أما السلالم وقد أضيفت ستة سلالم في التوسعة ليصبح المجموع 13 "سلما في الحرم المكي كله. وزعتا على جانبي بوابة الملك فهد وعلى المداخل الثانوية شمال التوسعة وجنوبها. والسبعة الباقية موزعة على جوانب المبنى القائم وقد أنشئت هذه السلالم بالخرسانة المسلحة وكسيت بالرخام. وقد استهلكت الأعمال الإنشائية لأساسات مباني السلالم الكهربائية ما مقداره "1186"م3 من الخرسانة المسلحة. وبالنسبة للسلالم الثابتة فقد بلغت كمياتها من الخرسانة المسلحة "49"م3 من نوع "ب" و"1174" م3 من نوع. 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 98. ج / 1 ص -318- ذكر منائر المسجد الحرام: للمسجد الحرام الآن خمس منائر، منها أربعة في أركانه، وواحدة في زيادة الندوة، وذكر ابن جبير أنه كان بالمسجد الحرام سبع منائر عد فيها هذه الخمسة، ثم قال: وأخرى على باب الصفا وهي أصغرها، وهي علم لباب الصفا وليس يصعد إليها لضيقها، قال: وعلى باب إبراهيم صومعة1... انتهى. وهذه الصومعة هي التي يقال لها الآن: خزانة القاضي نور الدين علي النويري، وأعلاها الآن منهدم، هدمه بعض أمراء مكة، لإشرافها على داره على ما قيل والله أعلم. وعمَّر أبو جعفر المنصور من منائر المسجد الحرام: منارة باب العمرة. وعمر ابنه المهدي منها: المنارة التي على باب بني شيبة، والمنارة التي على باب علي، والمنارة التي على باب الحزورة. وعمر الخواجا جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير صاحب الموصل منائر المسجد الحرام على ما ذكر بعض مشايخنا، والله أعلم بحقيقة ذلك2. وأخبرني من اعتمده، أنه رأى اسمه مكتوبا في منارة باب العمرة، بما معناه أنه أمر بعمارتها في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة3. وعمرت منارة باب الحزورة في زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين صاحب الموصل وكانت سقطت في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة4، وسلم الناس منها، فوصل المعمرون لعمارتها في موسم هذا السنة، وفرغ منها في المحرم مفتتح شهور سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة5. وعمرت منارة باب بني شيبة في زمن مولانا السلطان الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق، وذلك بعد أن سقطت في آخر شعبان سنة تسع وثمانمائة6، وابتدأ في عمارتها سنة عشر، ولم يكمل بناءها إلا في آخر ذي القعدة من السنة التي بعدها واستحسنت عمارتها.7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 68". 2 وقد قام السلطان العثماني سليمان القانوني بتجديدها سنة "931" ثم جددها الشريف سرور سنة "1201هـ". 2 إتحاف الورى 2/ 517. 4 العقد الثمين 5/ 10، وبدائع الزهور 1/ 2/ 97، ودرر الفرائد "ص: 311". 5 إتحاف الورى 3/ 313. 6 إتحاف الورى 3/ 454. 7 إتحاف الورى 3/ 457. ج / 1 ص -319- وذكر الفاكهي منائر المسجد الحرام الأربعة التي بجوانبه الأربعة، وبدأ في ذكرها بمنارة باب بني سهم. ثم بمنارة باب الحزورة ثم بالمنارة التي فيها الميل الذي يهرول الساعي بين الصفا والمروة عنده، ثم بمنارة باب بني شيبة. وذكر الفاكهي أن في منارة باب بني سهم يؤذن صاحب الوقت بمكة، ومراده بصاحب الوقت والله أعلم: الذي يقال له في هذا الزمان رئيس المؤذنين، وهذا يخالف ما عليه الناس اليوم بمكة، لأن منارة صاحب الوقت الآن هي منارة باب بني شيبة1. وذكر الفاكهي أن في منارة باب الحزورة يسحر المؤذن في شهر رمضان، ولم يذكر أن ذلك يصنع في غيرها، فدل ذلك على أن اختصاصها به، والذي عليه المؤذنون الآن بمكة أنهم يسحرون في جميع منائر المسجد الحرام الخمس، وإنما لم يذكر الأزرقي والفاكهي المنارة الخامسة التي بزيادة الندوة لحدوثها بعدهما2. ونختم هذه الترجمة بمنائر في غير المسجد الحرام كان يؤذن فيها بمكة وظاهرها، ذكرها الفاكهي ونص ما ذكره الفاكهي: ذكر عدد المنارات التي على رؤوس الجبال بمكة. وكان أهل مكة فيما مضى من الزمان لا يؤذنون على رؤوس الجبال، وإنما كان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 202- 203. 2 ظلت هذه المنائر على حالها وقد تم تجديدها وبيان ذلك كما يلي: 1- منارة باب العمرة التي عمرها "محمد الجواد الأصفهاني" وزير صاحب الموصل سنة "551هـ. وجددت سنة "931هـ" في عهد السلطان: "سليمان القانوني"، ثم في عهد الشريف سرور سنة "1201"هـ. 2- منارة باب الوداع التي عمرها الملك الأشرف شعبان سنة "771هـ" بعد سقوطها. 3- منارة باب علي التي هدمها السلطان العثماني "سليمان بن سليم" عام "970م"، ثم أعاد بناءها. 4- منارة قايتباي، وكانت أجمل المنائر السبع. 5- منارة باب السلام التي هدمت في عصر السلطان الناصر فرج بن برقوق الجركسي، ثم أمر السلطان مراد الثالث بإعادة إعمارها سنة "983هـ". 6- منارة السلطان سليمان، التي كانت تعرف بمنارة الحكمة. 7- منارة باب زيادة التي أعاد بناءها الملك الأشرف برسباي سنة "838هـ" بعد سقوطها، ثم هدمت على يد الأمير سودون المحمدي سنة "1113هـ". وقد تم إزالة جميع هذه المنائر عند التوسعة السعودية الأولى عام "1374هـ" وأبدلت بسبع منائر جديدة ذات طراز معماري واحد، وقد وزعت هذه المنائر الجديدة على الأبواب الرئيسية كل باب بمنارتين وبالقرب من باب الصفا المنارة السابعة. وبعد الزيادة الضخمة التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين، أضيفت مئذنتان جديدتان تتشابهان في شكلهما مع المآذن السبع. وبذلك وصل عدد المنائر تسع منائر. ج / 1 ص -320- الأذان في المسجد الحرام وحده، فكان الناس تفوتهم الصلاة من كان منهم في فجاج مكة، ونائيا عن المسجد، حتى كان في زمن أمير المؤمنين هارون، فقدم عبد الله بن مالك أو غيره من نظرائه بمكة، ففاتته الصلاة ولم يسمع الأذان، فأمر أن يتخذ على رؤوس الجبال منارات تشرف على فجاج مكة وشعابها، يؤذن فيها للصوات، وأجرى على المؤذنين في ذلك أرزاقا، ولعبد الله بن مالك الخزاعي على جبل أبي قبيس المشرف على المسجد الحرام منارة على القبلة بعينها، ومنارة أخرى بحذائها مشرفة على أجياد، ومنارة إلى جنب المنارة التي على القبلة، وأخرى تحتها، فتلك أربع منارات، ولعبد الله بن مالك منارة على جبل مرازم المشرف على شعب ابن عامر، وجبل الأعرج. ثم أمر بُغا مولى أمير المؤمنين الذي يكنى بأبي موسى1 بمنارة على رأس الفلق، فبنيت به، ولعبد الله بن مالك منارة تشرف على المجزرة، وله هناك منارتان على جبل تفاحة، ولعبد الله بن مالك منارة على رأس الجبل الأحمر. بناها على موضع منه يقال له الكبش مرتفع على جبل الأحمر، وعليه منارة لبغا أيضا. ولعبد الله بن مالك منارة على جبل خليفة بن عمر البكري ومعها منارة لبغا أيضا، ولعبد الله على كُدَيّ منارة تشرف على وادي مكة، ولبغا منارة على جبل المقبرة، وله أيضا منارة على جبل الحزورة، وله منارتان على جبل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعلى جبل الأنصار الذي يلي "أجياد" منارة، وله منارة على ثنية أم الحارث، تشرف على الحصحاص، ولبغا منارة على جبل معدان مشرفة على حائط خرمان، وله أيضا منارة تشرف على الخضراء وبئر ميمون، ولبغا أيضا منارة بمنى عند مسجد الكبش، فكانت هذه المنارات عليها قوم يؤذنون فيها للصلوات وتُجرى عليهم الأرزق في كل شهر، ثم قطع ذلك عنهم، فترك ذلك بعضُهم، وبقي منها مناراتٌ يؤذن عليها، يجري على من يؤذن فيها: عبد العزيز بن عبد الله السهمي اليوم... انتهى. وقد ترك الأذان على جميع هذه المنارات في عصرنا، إلا أن في شهر رمضان يسحر جماعة من الناس على جبال بمكة، في كل جبل إنسان، ويؤذن كل منهم في الجبل الذي يسحر عليه، وهي: جبل أبي قبيس، والجبل الذي على القرارة المعروف بلعلع، وفي الجبل الأحمر، ويقال له جبل الحارثي نسبة إلى مؤذن كان يسحر فيه. ويؤذن، وللمؤذن على هذه الجبال جامكية2 يسيرة تصل من مصر مع ما يصل لمؤذني المسجد الحرام وأرباب الوظائف به. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو: بغا الكبير، أبو موسى التركي. أحد قواد المتوكل وأكبرهم له فتوحات ووقعات، مات حوالي سنة "250هـ" انظر ترجمته في :الوافي بالوفيات 10م 172، 173 رقم 4656". 2 الجامكية: هو اصطلاح كان شائعا في عصر المماليك، وهو يعني: مخصصات أو مرتبات شهرية أو سنوية. ج / 1 ص -321- ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحته أو لنفع الناس به: مما صنع في المسجد الحرام لمصلحته: قبة كبيرة بين زمزم وسقاية العباس رضي الله عنه لحفظ الأشياء الموقوفة لمصالح المسجد، وما فيها من الربعات والمصاحف الشريفة، منها: مصحف عثمان رضي الله عنه على ما يقال، وفيها ما يقتضي أنها عمرت في زمن الناصر العباسي، وكانت موجودة قبل ذلك على ما ذكر ابن عبد ربه في "العقد"1، وقد تقدم أنه توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وذكرها ابن جبير في أخبار رحلته، وذكر أنها تنسب لليهودية2، ولم يبين سبب هذه التسمية والنسبة، وعمر بعضها في سنة إحدى وثمانمائة3. ومن ذلك "المزولة" التي بصحن المسجد الحرام، وهي من عمل الوزير الجواد، واسمه مكتوب في اللوح النحاسي المعمول لمعرفة الوقت، وهو بأعلى هذه المزولة، يقال لها أيضا ميزان الشمس، وبينها وبين ركن الكعبة الشامي الذي يقال له العراقي: ثلاثة وأربعون ذراعا بذراع الحديد وثمن ذراع. ومنها ظلة للمؤذنين في سطح المسجد، تظلهم من الشمس، ذكرها الأزرقي4، ولا أثر لها الآن. ومنها: فسقية من رخام بين زمزم والركن والمقام، عملها "خالد القسري"5 في ولايته لمكة بأمر سليمان بن عبد الملك، وساق إليها ماء عذبا ضاهى به زمزم، وقيل: إنه عمل ذلك بأمر الوليد بن عبد الملك، ذكر هذا القول السهيلي6، والأول ذكره الأزرقي7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العقد الفريد 6/ 258. 2 رحلة ابن جبير "ص: 66. 3 إتحاف الورى 3/ 416. 4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 99. 5 كان أمير العراقيين من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك، وولي مكة سنة 89هـ وقتل سنة 126هـ. 6 الروض الأنف 1/ 224. 7 أخبار مكة للأزرقي 2/ 60. ج / 1 ص -322- ثم بطلت فلم يبق لها أثر، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائة، أبطلها داود بن علي العباسي لما قدم مكة واليا عليها لابن أخيه أبي العباس السفاح1. ومما جعل في المسجد الحرام لينتفع الناس بذلك: المنابر التي يخطب عليها، وأول من خطب على منبر بمكة معاوية بن أبي سفيان2، وهو منبر صغير على ثلاث درجات، قدم به من الشام لما حج، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك يخطبون يوم الجمعة قياما على أرجلهم في وجه الكعبة وفي الحجر، وكان منبر معاوية يعمر إذا تخرب، ولم يزل يخطب عليه حتى حج هارون الرشيد، وأهدى له منبر منقوش عظيم في تسع درجات، أهداه له عامله على مصر موسى بن عيسى، فكان منبر مكة وجعل المنبر القديم بعرفة، ثم أمر الواثق العباس بعمل منبر بمكة، ومنبر بمنى، ومنبر بعرفة، هذا ما ذكره الأزرقي من خبر المنابر3. وذكر الفاكهي ذلك، وزاد أن المنتصر ابن المتوكل العباس لما حج في خلافة أبيه، جعل منبرا عظيما يخطب عليه بمكة ثم خرج وخلفه بها... انتهى . وجعل بعد ذلك عدة منابر للمسجد الحرام منها: منبر عمله وزير المقتدر4 العباسي. وكان منبرا هائلا استقام بألف دينار ولما وصل إلى مكة أحرق، لأنه كان بعث به ليخطب عليه للخليفة المقتدر فمنع من ذلك المصريون وخطبوا للمستنصر العبيدي صاحب مصر، وأحرقوا المنبر المشار إليه. ومنها: منبر عمل في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر في سنة ست وستين وسبعمائة5. ومنها: منبر بعث به الملك الظاهر برقوق صاحب مصر سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وهو باق يخطب عليه الخطباء إلى تاريخه6، وأصلح بعد وصوله إلى مكة غير مرة. ومنها منبر حسن أنفذه الملك المؤيد صاحب مصر في موسم سنة ثماني عشرة وثمانمائة، فخطب عليه في سابع ذي الحجة7، وهجرت الخطبة على الذي قبله، وأنفذ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 166. 2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 203. 3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 100. 4 تولى المقتدر الخلافة من سة 295-320هـ. 5 إتحاف الورى 3/ 304. 6 أي إلى تاريخ هذا التأليف، وفي إتحاف الورى 3/ 396: أن هذا المنبر ظل يخطب عليه حتى سنة 818هـ. 7 إتحاف الورى 3/ 528. ج / 1 ص -323- معه درجة حسنة للكعبة، فنصبت للرقي عليها إلى الكعبة، وأعرض عن التي قبلها وكانت عملت في سنة ست وستين وسبعمائة من قبل الأشرف شعبان صاحب مصر، وكان مدة الرقي عليها إلى الكعبة اثنتين وخمسين سنة أو تزيد قليلا، وكان مدة الخطبة على المنبر الذي عمل في دولة الأشرف إحدى وثلاثين سنة أو تزيد قليلا، والله أعلم1. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 وأهديت بعض المنابر على مر القرون من بعد حتى أهدى السلطان سليمان العثماني سنة "173هـ = 1654م" منبرا وهو مصنوع من المرمر البراق الناصع البياض. ويحتوي على ثلاث عشرة درجة. وفي أعلاه أربعة أعمدة من المرمر تحمل قبة مستطيلة صنعت من الخشب المتين. وصفحت بألواح من الفضة طليت بالذهب. وفي أعلى القبة هلال. ويبلغ طول المنبر اثني عشر مترا تقريبا. ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها: أما صفة المقامات فإنها غير مقام الحنفي أسطوانتان من حجارة، عليها عقد مشرف من أعلاه، وفيه خشبة معترضة فيها خطاطيف للقناديل، وما بين الأسطوانتين من مقام الشافعي لا بناء فيه وما بينهما في مقام المالكي والحنبلي مبنى بحجارة مبيضة بالنورة، وفي وسط هذا البناء محراب، وكان عمل هذه الثلاثة المقامات على هذه الصفة في سنة سبع وثمانمائة1. رغبة في بقائها، فقد ذكرنا صفتها القديمة في أصل هذا الكتاب. وأما صفة مقام الحنفي الآن: فأربع أساطين من حجارة منحوتة، عليها سقف مدهون مزخرف، وأعلا السقف مما يلي السماء مدكوك بالآجر، مطلي بالنورة، وبين الأسطوانتين المتقدمتين بناء فيه محراب مرخم، وكان ابتداء عمله على هذه الصفة في شوال، أو في ذي القعدة من سنة إحدى وثمانمائة، وفرغ منه في أوائل سنة اثنتين وثمانمائة2. وأنكر عمله على هذه الصفة، جماعة من العلماء من مشايخنا وغيرهم، منهم: العلامة زين الدين الفارسكوري الشافعي3، وألف في ذلك تأليفا حسنا، ثم أخبرني بالقاهرة في أوائل سنة اثنين وثمانمائة أن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني4، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 442. 2 إتحاف الورى 3/ 412. 3 هو عبد الرحمن بن علي بن خلف أبو المعالي، ولي قضاء المدينة المنورة ولكنه لم يباشره، وجاور بمكة وصنف بها شيئا في مقام إبراهيم، توفي 808هـ "انظر ترجمته في الضوء اللامع 4/ 69، 97". 4 هو: عمر بن رسلان بن نصير، برع في الفقه وأصوله، وتولى القضاء وتأهل للتدريس والفتيا، توفي سنة 805هـ" انظر ترجمته في الضوء اللامع 6/ 85 - 90". ج / 1 ص -324- وابنه سيدنا ومولانا قاضي القضاة بالديار المصرية الآن شيخ الإسلام جلال الدين1 أبقاه الله ورحم سلفه وقضاة القضاء بالديار المصرية في هذه السنة أفتوا بهدم هذا المقام، وتعزير من أفتى بجواز بنائه على هذه الصفة، وأن ذلك جنحة فيه، وأن وَلِيّ الأمر بمصر رسم بهدمه، فعارض في ذلك بعض ذوي الهوى، فتوقف في ذلك. وسبب الإنكار في بناء هذا المقام، ما حصل فيه من كثرة شغل الأرض بالبناء وقلة الانتفاع بموضعه في الليالي الحارة لأجل سقفه إلا بمشقة فادحة، وما يتوقع من إفساد أهل اللهو فيه، لأجل سترته لهم وغير ذلك. وأما مواضعها في المسجد الحرام: فإن مقام الشافعي خلف مقام إبراهيم الخليل عليه السلام والحنفي بين الركنين الشامي والغربي، والمالكي بن الركن الغربي واليماني والحنبلي تجاه الحجر الأسود. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو عبد الرحمن بن رسلان، توفي سنة 824هـ "انظر ترجمته في الضوء اللامع 4/ 106- 113". ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة: أما مقام الشافعي: فبينه وبين جدار الكعبة الشرقي تسعة وثلاثون ذراعًا ونصف ذراع بذراع الحديد، وبينه وبين الأسطوانتين المؤخرتين ساباط مقام إبراهيم عليه السلام تسعة أذرع ونصف. وأما مقام الحنفي: فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الحجر اثنين وثلاثين ذراعا إلا سدس ذراع. وقد تقدم في الباب السابع عشر في أخبار الحجر مقدار ما بين جدار دائر الحجر من داخله إلى جدار البيت، وعرض جدار الحجر، فأغنى ذلك عن ذكره هنا، ومن جدار محرابه إلى حاشية المطاف: عشرة أذرع ونصف بالعتبة، وعرض العتبة نصف ذراع وقيراطان. وأما مقام المالكي: فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الكعبة على الاستواء: سبعة وثلاثين ذراعا وثلثا ذراع، ومن جدار المحراب إلى حاشية المطاف بالعتبة عشرة أذرع وثلث. وأما مقام الحنبلي فإن من جدار محرابه إلى الحجر الأسود: ثمانية وعشرين ذراعا إلا ثلثا بعتبة الحاشية، والذراع المحرر به هو ذراع الحديد1. وكان تحرير ذلك بحضوري. وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب ارتفاع هذه المقامات وذرعها بزيادة في ذلك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المقامات الأربعة تغيرت صفتها مع مرور الزمن، أما مكانها حول المطاف فلم يتغير حتى عام "1360م"، وعندما قام جلالة الملك "سعود" رحمه الله بالتوسعات الأولى للحرم قام بإزالة هذه المقامات عام "1377هـ"، حيث كانت مصدرا لتعدد الجماعات، وسببا من أسباب التفرقة. وقد كان المغفور له الملك "عبد العزيز آل سعود" رحمه الله قد أبطل الصلاة فيها عام "1343هـ" بعد إجماع العلماء على أن الصلاة فيها بدعة ابتدعتها الجماعات. ج / 1 ص -325- ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها: أما كيفية صلاتهم: فإنهم يصلون مرتين، الشافعي، ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، وذكر ابن جبير ما يقتضي أن المالكي كان يصلي قبل الحنفي1، وأدركناه كذلك، ثم تقدم عليه الحنفي بعد التسعين بتقديم التاء على السين وسبعمائة، واضطراب كلام ابن جبير في الحنفي والحنبلي، لأنه ذكر ما يقتضي أن كلا منهما يصلي قبل الآخر، وهذا كله في غير صلاة المغرب فإنهم يصلونها جميعا في وقت واحد، وسبب اجتماعهم في هذه الصلاة: أنه يحصل للمصلين لبس كثير بسبب التباس أصوات المبلغين، واختلاف حركات المصلين، وهذا الفعل ضلال في الدين، لما فيه من المنكرات التي لا تخفى إلا على من غلب عليه الهوى. ولم يزل العلماء ينكرون ذلك قديما وحديثا نسأل الله زوال البدعة ثم زالت هذه البدعة بسعي جماعة من أهل الخير فيها عند ولي الأمر أثابهم الله تعالى، وذلك أن في موسم سنة إحدى عشرة وثمانمائة ورد أمر السلطان الملك الناصر فرج نصره الله تعالى بأن الإمام الشافعي بالمسجد الحرام يصلي المغرب بمفرده دون الأئمة الباقين، فنفذ أمره الشريف بمكة كما رسم به2. واستمر هذا الحال إلى أن ورد أمر الملك المؤيد أبي النصر شيخ صاحب مصر بأن الأئمة الثلاثة يصلون المغرب كما كانوا يصلون قبل ذلك. ففعلوا ذلك، وأول وقت فعل فيه ذلك ليلة السادس من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثمانمائة3. وكذلك تجمع الأئمة الثلاثة غير الشافعي على صلاة العشاء في رمضان، ويجتمع أيضا هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة بالمسجد الحرام في صلاة التراويح في المسجد، وتحصل بسبب اجتماعهم في ذلك: المنكر القبيح الذي كان يقع دائما في صلاة المغرب وأعظم، لكثرة الأئمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وأما حكم صلاة الأئمة الثلاثة: الحنفي والمالكي، والحنبلي، في الفرائض على الصفة التي يصفونها، فاختلف فيه آراء العلماء المالكية، لأن الشيخ الإمام أبا القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الحباب المالكي4 أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 79". 2 إتحاف الورى 3/ 466. 3 إتحاف الورى 3/ 509. 4 لم نعثر على ترجمته، وانظر الخبر في إتحاف الورى 2/ 516. ج / 1 ص -326- الصلاة بأئمة متعددة، وجماعات مترتبة بحرم الله تعالى، وعدم جوازها على مذاهب العلماء الأربعة. ثم إن بعض الناس استفتى في ذلك بعض علماء الإسكندرية، فأفتوا بخلاف ما رآه ابن الحباب، والذي أفتى بذلك. شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، والشيخ أبو طاهر بن عوف بن الزهري. ولما وقف ابن الحباب على فتاويهم أملى في الرد عليهم أشياء كثيرة حسنة، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من العلماء. الشافعية، والحنفية، والمالكية، حضروا الموسم بمكة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، فمن الشافعية: أبو النجيب مدرس النظامية، ويوسف الدمشقي صاحب أسعد البهتي، ونقل عنهما أنهما قالا: وأما صلاة المغرب فهي أشنع وأبشع، وأقره العطاري في بقية فقهاء نيسابور، ومحمد بن جعفر الطائي يعني صاحب الأربعين. ومن الحنفية: الشرف الغزنوي. ومن المالكية: عمر المقدسي، وأقام الدلالة على فسادها، وأنها مخالفة لرأي مالك وأصحابه، وذكر ابن الحباب أن أبا بكر الطرسوسي، ويحيى الزياتي شيخ شداد بن المقدم لم يصليا خلف إمام المالكية بالحرم الشريف ركعة مع كونه مغموصا عليه، قال: ولا شيء أقبح من جهل الإنسان بحال شيوخه. وأما وقت حدوثهم: فلم أعرفه تحقيقا، ورأيت ما يدل على أن الحنفي والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأن الحنبلي لم يكن فيه موجودا وذلك لأن الحافظ أبا طاهر السلفي1 حج في هذه السنة، ورأى فيها أبا محمد بن العرضي القروي المقرئ إمام مقام الخليل عليه السلام وذكر أنه أول من يصلي من أئمة الحرم المقدسي قبل المالكية والحنفية والزيدية... انتهى. ووجه الدلالة من هذا على ما ذكرناه من أن الحنبلي لم يكن موجودا في هذه السنة: عدم ذكر السلفي له، وذكره لإمام الزيدية، ولو كان الحنبلي موجودا حينئذ لذكره السلفي، فإنه أولى بالذكر من إمام الزيدية، والله أعلم. ووجدت ما يدل على أنه كان موجودا في عشر الأربعين وخمسمائة، وقد ذكرت ذلك في أصل هذا الكتاب، والله أعلم. وكان بعض المتعصبين على الحنابلة قلع حطيمهم من مكة، لأن أبا المظفر سبط ابن الجوزي قال في كتابه "مرآة الزمان" في ترجمة "مرجان" خادم المقتفي العباسي2 بعد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو: أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي، صاحب كتاب "معجم السفر" المتوفى سنة 576هـ. 2 هو: أبو عبد الله الحسيني المقتفي لأمر الله، بويع بالخلافة سنة 530هـ واستمر فيها إلى أن توفي سنة 555هـ. ج / 1 ص -327- أن ذكر عنه أنه قال: قصدي أن أقلع مذهب الحنابلة، لأنه لما حج قلع الحطيم1 الذي كان لهم بمكة، وأبطل إمامتهم بها وبالغ في أذاهم... انتهى2. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 79". 2 ظل المقام إلى قبل عام "1387هـ-1967م" داخل مقصورة نحاسية مربعة الشكل. وعليها قبة قائمة على أربعة أعمدة، غير أن ازدياد عدد الحجاج في تلك السنوات حتى ضاق المطاف حول الكعبة من استيعابهم، وأصبح ذلك من عوامل إعاقة الحركة حول بيت الله الحرام. مما أدى إلى مناقشات مستفيضة بين علماء المسلمين. وقضي الأمر إلى قرار من رابطة العالم الإسلامي في جلسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي المنعقدة في 25/ 12/ 1384هـ بإزالة جميع الزوائد الموجودة حول المقام. وإبقاء المقام في مكانه على أن يجعل عليه صندوق من البللور السميك القوي على قدر وارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين. وتتسنى معه رؤية المقام. فعمل له غطاء من البللور الممتاز. وأحيط هذا الغطاء بحاجز وعملت له قاعدة من الرخام فوقها قاعدة نحاسية نصبت حول المقام لا تزيد مساحتها عن 180× 130 سم وبارتفاع "75 سم" وتم هذا في رجب عام "1387هـ = 1967م". وفي يوم السبت 18/ 7/ 1387هـ جرى رفع الستار عن الغطاء البللوري في حفل جليل بيد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله. شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ج / 1 ص -328- الباب العشرون: ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها: أول من أظهر زمزم على وجه الأرض جبريل عليه السلام عند ظمأ إسماعيل عليه السلام سقيا من الله تعالى، واختلفت الروايات في كيفية صنع الأمين جبريل عليه السلام حين أخرج ماء زمزم، ففي رواية: "بحث بعقبه"، وفي رواية: "همز بعقبه"، وهاتان الروايتان في "صحيح البخاري". ولما أظهر الله ماء زمزم لإسماعيل عليه السلام حوضت عليه أمه هاجر خشية أن يفوتها قبل أن تملأ منه شنها ولو تركته لكان عينا تجري، على ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح. وذكر الفاكهي خبرا يقتضي: أن الخليل عليه السلام حفر زمزم وقصته كانت بينه وبين ذي القرنين في زمزم، لأنه قال: حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي، قال: حدثنا سعد بن سالم قال: حدثنا عثمان بن ساج قال: بلغنا في الحديث المأثور عن وهب بن منبه قال: كان بطن مكة ليس فيه ماء، وليس لأحد فيه قرار، حتى أنبطه الله لإسماعيل لما أراد من عمارة بيته لم يكن لأحد بها يومئذ مقام1. قال عثمان: وذكر غيره: أن زمزم تدعى سابق، وكانت وطأة من جبريل. وكانت سقياها لإسماعيل عليه السلام يوم فرج له عنها جبريل، وهو يومئذ وأمه عطاش، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 122. ج / 1 ص -329- فحفر إبراهيم بعد ذلك البئر، ثم غلبه عليها ذو القرنين، وأظن أن ذا القرنين كان سال إبراهيم عليه السلام أن يدعو الله له، فقال: كيف، وقد أفسدتم بئري؟ فقال ذو القرنين: ليس عن أمري، ولم يخبرني أحد أن البئر بئر إبراهيم، فوضع السلاح، وأهدى إبراهيم إلى ذي القرنين بقرا وغنما، فأخذ إبراهيم سبعة أكبش، فأقرنهم وحدهم، فقال ذو القرنين: ما شأن هذه الأكبش يا إبراهيم؟ فقال إبراهيم: هؤلاء يشهدون في يوم القيامة أن البئر بئر إبراهيم... انتهى. وفي حاشية كتاب الفاكهي في هذا الحديث مكتوب ما صورته: عطاشا ما أقرأ عبد الله بن عمران عطاشا، قال أبو عبد الله: والصواب عطشانان1... انتهى. ولم تزل ماء زمزم ظاهرا ينتفع به سكان مكة، إلى أن استخفت جرهم بحرمة الكعبة والحرم، فدرس موضعه ومرت عليه السنون عصرا بعد عصر، إلى أن صار لا يعرف. وقيل: إن جرهما دفنتها حين نفت عن مكة، ذكره الزبير بن بكار وغيره، والله أعلم. ثم بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم لما خصه الله به من الكرامة، فأتي في المنام وأمر بحفرها، وأعلمت له بعلامات استبان بها موضع زمزم فحفرها، وكان حفره لها قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا روينا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن جده عبد المطلب حين حفر زمزم لم يكن له ولد سوى ابنه الحارث، روينا ذلك عنه في سيرة ابن إسحاق2 بسند رجالُه ثقات. وروينا في تاريخ الأزرقي، عن الزهري، ما يقتضي أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأزرقي روى بسنده إلى الزهري: أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد الفيل3، والنبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل على الصحيح، والله أعلم. وروينا في مسند البزار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة وهو غلام، وإسناد هذا الحديث ضعيف، وبتقدير صحته، فعلاج أبي طالب غير علاج عبد المطلب، لأن حديث علي رضي الله عنه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طالب لم يكونا موجودين حين حفر عبد المطلب زمزم، لأنه ذكر فيه أنه لم يكن لعبد المطلب حين حفرها ابن غير ابنه الحارث، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 122. 2 السيرة لابن هشام 1/ 133. 3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 42. ج / 1 ص -330- ذكر علاج زمزم في الإسلام: روينا عن الأزرقي بالسند المتقدم إليه أنه قال: ثم كان قد قل ماؤها جدا، حتى كانت تجم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين وأربع وعشرين ومائتين قال: وخرب فيها تسعة أذرع سحا في الأرض في تقرير جوانبها، ثم قال: وقد كان سالم بن الجراح قد خرب فيها في خلافة الرشيد أذرعا، وكان قد خرب فيها في خلافة المهدي أيضا، وكان عمر بن ماهان وهو على البريد والصواف في خلافة الأمين محمد بن الرشيد قد خرب فيها، وكان ماؤها قد قل حتى كان رجل يقال له: محمد بن بشير من أهل الطائف يعمل فيها، قال: وأنا صليت في قعرها1... انتهى باختصار2. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 43. 2 تجددت العمارة للبئر والقبة في مراحل تالية حتى كان وضعها قبل التوسعة السعودية. فكانت بئرا مستديرة الفوهة. عليها قطعة من المرمر على قدر سعة الفوهة والأرض المحيطة بالبئر فرشت بالرخام. ويحيط بالبئر من أعلى "درابزين" من حديد لمنع السقوط به، وفوقه شبكة من حديد، والبناء القائم على البئر مربع من الداخل طول كل ضلع "11"ذراعا "5.5م" وباب قبة زمزم في الجهة الشرقية. وفي المرحلة الثانية من التوسعة السعودية الأولى ما بين عامي 1381-1388هـ تمت إزالة المباني على البئر، وخفضت فوهة البئر على عمق "2.7" مترا، يتم النزول فيه بدرج. وفيه قسمان أحدهما مخصص للرجال والآخر للنساء، ومزود بالصنابير. وقد تم تطوير البدروم في مرحلة تالية لزيادة استيعابه. وأصبح ماء زمزم متاحا في كل أنحاء الحرم المكي الشريف من خلال بئر زمزم نفسه. وبواسطة حافظات ترامس موحدة لماء زمزم المبرد موزعة بشكل متناسق في كل طوائف الحرم وحول صحن الطواف. إضافة إلى مجمعات مياه زمزم خارج الحرم لملء الجوالين، وسبل الملك عبد العزيز رحمه الله. ويتم تصنيع الثلج الذي يوضع في ماء زمزم لتبريده من ماء زمزم، ويصنع في مصنع خاص، وبذلك يصبح ماء زمزم المبرد كماء زمزم، وتم فيما بعد تبريد ماء زمزم آليا. ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن: وأما ذرعها: فذكره الأزرقي، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: كان ذرع غور زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعا، وفي قعرها ثلاث عيون عين حذاء الركن الأسود، وعين حذاء أبي قبيس والصفا، وعين حذاء المروة، وذكر ذلك الفاكهي1. وذكر الفاكهي خبرا به: أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال لكعب الأحبار: فأي عيونها أغزر؟ العين التي تجري من قبل الحجر الأسود، قال: صدقت2... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 1/ 74. 2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 31230، وطبقات ابن سعد 7/ 445، وابن حجر في الإصابة 3/ 298. ج / 1 ص -331- وبه إلى الأزرقي قال: فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعا، كله بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهو تسعة وعشرون ذراعا. قلت: هذا مخالف لما تقدم في غورها، والله أعلم بالصواب. وبه إلى الأزرقي قال: وذرع حنك زمزم في السماء: ذراعان وشبر، وذرع تدوير فم زمزم: أحد عشر ذراعا، وسعة فم زمزم: ثلاثة أذرع وثلثا ذراع1... انتهى. وقد اعتبر بعض أصحابنا بحضوري ارتفاع فم زمزم عن الأرض، وسعته، وتدويره، فكان ارتفاع فمها في السماء: ذراعين إلا ربعا، وسعته: أربعة أذرع ونصف، وتدويره: خمسة عشر ذراعا إلا قيراطين، كل ذلك بذراع الحديد المشار إليه. وأما صفة الموضع الذي فيه زمزم: فهو بيت مربع، وفي جدرانه تسعة أحواض للماء، تملآن من بئر زمزم، ليتوضأ الناس منها، إلا واحدا منها معطلا، وفي الحائط الذي يلي الكعبة، شبابيك، وهذا البيت مسقوف بالساج ما خلا الموضع الذي يحاذي بئر زمزم، فإنما عليه شباك خشب، ولم أدر من عمل هذا الموضع على هذه الصفة، وهي غير الصفة التي ذكرها الإمام الأزرقي فيه. وكانت ظلة المؤذنين التي فوق البيت الذي فيه بئر زمزم قد خربت لأكل الأرضة لأساطينها الخشب والأرضة دابة صغيرة كنصف العدسة، تأكل الخشب وتفسده كثيرا فشدت الظلة المذكورة بأخشاب تمنعها من السقوط في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، فلما كان السابع من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة هدمت الظلة المذكورة، وأزيل المقرنص الخشبي الذي كان تحتها ليصلح، والدرابزين الذي كان يطيف بها وبسطح البيت الذي فيه بئر زمزم، فوجد الخشب المقرنص مركبا خرابا لأكل الأرضة له، فاقتضى الحال قلعه، وأن يبنى فوق الجدار الذي يلي الكعبة، والجدار الذي يلي مقام الشافعي، والجدار الذي يلي الخلوة التي إلى جانب هذا البيت أساطين دقيقة من آجر بالنورة لئلا تفسدها الأرضة كما أفسدت الأساطين الخشب قبلها، ليعمل عليها ظلة للمؤذنين، وأن يقوى الجدار الشامي من هذا البيت، وهو الجدار الذي يلي مقام الشافعي بزيادة بناء في عرضها، فسلخ الجدران المشار إليها من أعلاها إلى الأرض، وأوسعوا في أساس الجدار الذي يلي الكعبة نحو ذراع باليد، وذلك لإحكام البناء، ونزلوه به في الأرض نحو قامة، وبنوا ذلك مخالطا للأساس الأول ووجدوا الأساس الذي يلي مقام الشافعي عريضا محكم البناء، فبنوا عليه وأكملوا بناء ما سلخ من الجدارين حتى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 61. ج / 1 ص -332- اتصل ذلك بالسقف، وعملوا في كل من الجدارين ثلاثة عقود بالنورة، وفيما بين كل عقد من العقود التي في الجدار الذي يلي الكعبة أسطوانة دقيقة من رخام مشدودة بالرصاص، وترك لها محلا خاليا من البناء في الجدار المذكور، وأوسعوا في الشبابيك التي في هذين الجدارين، وفي الأحواض التي في هذين الجدارين من داخل البيت، لاتساع عرض الجدارين، وبنوا عليهما منحوتة كبار يقال لها: الفصوص، وبنوا ما فوق العقود بحجارة غير منحوتة، وكل ذلك بالنورة، وسلخوا من الجدار الشرقي من البيت الذي فيه زمزم أيضا ما فوق العتبة العليا من هذا الجدار إلى أعلاه، وبنوا ذلك بالنورة والآجر، وبنوا بهما أسطوانتين فوق هذا الجدار الشرقي يشدان الدرابزين الخشب المخروط الذي يكون في ذلك ولم يكونا قبل وكشفوا سقف هذا البيت، وأخرجوا من ذلك ما كان متخربا من الخشب، وعوضوا عنه بخشب جديد، وبنوا فوق الجدار الغربي من هذا البيت. ثلاث أساطين دقيقة من آجر بالنورة، وبنوا أسطوانتين مثل ذلك، إحداهما في الجدار الشامي، والأخرى في الجدار اليماني من هذا البيت، ونصبوا أسطوانة من خشب بين هاتين الأسطوانتين تحاذي الأسطوانة الوسطى من الأساطين الآجر المشار إليها، وركبوا بين كل أسطوانة من الست الأساطين أخشابا، وستروا جميع هذه الأخشاب بألوح من خشب مدهونة وركبوا فيها بين الأساطين المشار إليها سقفا من خشب مدهون، ساترا لمقدار ما بن الست الأساطين، إلا أنهم جعلوا بعض ما بين الأسطوانة الآجر الوسطى، والأسطوانة الخشب المقابلة لها خاليا من السقف، وركبوا في هذا الموضع الخالي قبة من خشب مدهونة، وجعلوا فوقها قبة ساترة لها من خشب وجريد وقصب، وجعلوا رفرفا من خشب مدهون يليق بهذا السقف الذي هو ظلة للمؤذنين وأتقنوا تسمير السقف والقبة والرفرف إتقانا كثيرا بمسامير زنة كل سبعة منها مَنٍّ1 من حديد، وزنة بعضها دون ذلك، وبكلاليب من حديد، وجعلوا فوق هذا السقف المدهون سقفا من خشب غير مدهون، ودكوا ما فوق السقف الأعلى بالآجر والنورة، وطلوا ما فوق الآجر بالنورة، وطلوا ما فوق القبة التي في وسط هذا السقف بالجبس، وأتقنوا ذلك وأصلحوا جميع سطح البيت الذي فيه زمزم بالنورة والآجر، وجعلوا درابزين من خشب مخروط يطيف بجميع جوانب البيت الذي فيه زمزم خلا الجانب اليماني، وجعلوا درابزين أيضا يطيف بجانبي ظلة المؤذنين اليماني والشرقي، ولم يكن قبل ذلك درابزين أيضا يطيف بجانبي ظلة المؤذنين اليماني والشرقي، ولم يكن قبل ذلك درابزين في هذين الجانبين، وجعلوا شباكا من حديد فوق بئر زمزم ليمنع من السقوط فيها، بعد أن ضيقوا سعة الفتحة التي كانت تحاذي بئر زمزم بأخشاب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المن: كيل أو ميزان، وهو شرعا مائة وثمانون مثقالا، وعرفا: مائتان وثمانون مثقالا، والجمع: أمنان. ج / 1 ص -333- مسمرة جعلت هنالك، ولم يكن هناك قبل ذلك شباك من حديد، وجعلوا درابزين من خشب مخروط يطيف بجوانب هذه الشبابيك الأربعة، وكان قبل ذلك في موضع هذه الدرابزين أخشاب مرتفعة كالقامة يطيف بما يحاذي البئر من الجوانب الأربعة، مطلية بالنورة. وزنة الشباك الحديدي الذي فوق بئر زمزم الآن: اثنان وستون منًّا كل منٍّ: مائتان وستون درهما. وزادوا حديدا في بعض الشبابيك التي في الجدار الغربي من بيت زمزم،، ووسعوا الدرجة التي يصعد منها إلى سطح البيت الذي فيه بئر زمزم، وإلى ظلة المؤذنين، لضيق الدرجة حين عُمِّرت في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، لما عمرت الخلوة التي إلى جانب هذا البيت سبيلا. وجعلوا لهذه الدرجة درابزين خشب غير مخروط، واستحسنت توسعة هذه الدرجة، وكذا جميع ما عمر من جدران بيت زمزم، وما صنع في سطحه من ظلة المؤذنين وغيرها استحسانا كثيرا، وكان الفراغ من ذلك في أثناء رجب سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان القائم بأمر مصروف هذه العمارة الجناب العالي الكبير العلائي خواجه شيخ علي بن محمد بن عبد الكريم الجيلاني1، نزيل مكة المشرفة، زاده الله رفعة وتوفيقا2. وكان إلى جانب هذا البيت خلوة فيها بركة تملأ من زمزم، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة وكان لها باب إلى جهة الصفا، ثم سد وجعل في موضع الخلوة بركة مقبوة، وفي جدارها الذي يلي الصفا زبازيب يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت عند الزبازيب، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة، وشباك إلى جهة الصفا، وطابق صغير إلى البركة، وكان عمل ذلك على هذه الصفة في ذي الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة3، لما قيل من أن بعض الجهلة من العوام يستنجي هناك. وعمر عوض ذلك سبيل لمولانا السلطان الملك المؤيد أبي النصر شيخ نصره الله ينتفع الناس بالشراب منه، فتضاعف له الدعاء، ولمن كان السبب في ذلك. وصفة هذا السبيل: بيت مربع مستطيل، فيه ثلاثة شبابيك كبار من حديد فوق كل شباك لوح من خشب صنعته حسنة، منها واحد إلى جهة الكعبة، واثنان إلى جهة الصفا، وتحت كل شباك حوض في داخل البيت، وفيه بركة حاملة للماء، وله سقف مدهون يراه من دخل السبيل، وبابه إلى جهة الصفا، وله رفرف خشب من خارجه مدهون، وفوق ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 انظر ترجمته في الضوء اللامع 5/ 313 رقم 1034. 2 إتحاف الورى 3/ 566. 3 إتحاف الورى 3/ 522، العقد الثمين 3/ 392. ج / 1 ص -334- ذلك شراريف من حجارة منحوتة، وباطن السبيل منور، وظاهره مرخم بحجارة ملونة، وجاءت عمارته حسنة، وفرغ منه في شهر رجب سنة ثماني عشرة وثمانمائة1، وابتدئ في عمله بأثر سفر الحجاج. وفي موضع هذه الخلوة كان مجلس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما على مقتضى ما ذكره الأزرقي والفاكهي2. وبين الحجر الأسود إلى وسط جدار البيت الذي فيه بئر زمزم: أحد وثلاثون ذراعا وسدس ذراع، بذراع الحديد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 528. 2 أخبار مكة للأزرقي 612، أخبار مكة للفاكهي 3/ 81. ذكر أسماء زمزم: قال الفاكهي: أعطاني أحمد بن محمد بن إبراهيم كتابا ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة، فكتبته من كتابه، فقال: هذه هي تسمية أسماء زمزم، وهي: همزة جبريل، وسقيا الله إسماعيل، لا تنزف، ولا تذم، وهي بركة، وسيدة، ونافعة، ومضنونة، وعونة، وبشرى، وصافية، وبرة، وعصمة، وسالمة، وميمونة، ومباركة، وكافية، وعافية، ومغذية، وطاهرة، ومفداة، وحرمية، ومروية، ومؤنسة، وطعام طعم، وشفاء سقم1... انتهى. ومن أسمائها على ما قيل: طيبة وتكتم وشباعة العيال، وشراب الأبرار، وقرية النمل، ونقرة الغراب، وهزمة إسماعيل، وحفيرة العباس، ذكر هذا الاسم ياقوت، لأنه ذكر أنه الحفيرة عشرة مواضع، وقال في عددها وحفيرة العباس من أسماء زمزم. انتهى من "مختصر معجم البلدان"2 لياقوت وهو غريب، والله أعلم. ومن أسماء زمزم: همزة جبريل بتقديم الميم على الزاي ذكر هذا الاسم السهيلي، لأنه قال: وذكر أن جبريل عليه السلام همز بعقبه في موضع زمزم فنبع الماء، وكذلك زمزم تسمى همزة جبريل بتقديم الميم على الزاي، ثم قال: وحكى في أسماء زمزم: زمازم حكي ذلك عن المطرز3، ورأيت في النسخة التي رأيتها من "الروض الأنف": وزمزم مضبوطة بالشكل على الزاي ضمة، وعلى الميم الأولى شدة وفوق الشدة فتحة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 3/ 68، وسبل الهدى والرشاد 1/ 214، والأعلاق النفسية لابن رستة "ص: 44". 2 المشترك وضعا لياقوت الحموي "ص: 140: 141". 3 الروض الأنف: 1/ 134. ج / 1 ص -335- ومن أسماء زمزم: سابق، ذكر ذلك الفاكهي في خبر رواه عن عثمان بن ساج وفيه قال عثمان: وذكر غيره يعني غير وهب بن منبه أن زمزم تدعى: سابق1... انتهى. وقد اختلف في تسمية زمزم بزمزم، فقيل: لكثرة مائها، قال ابن هشام: والزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع. وقيل: إنها سميت زمزم، لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، ولو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شيء، وهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما ذكره البرقي. وقيل: سميت زمزم: لزمزمة الماء، وهو صوته. قال الحربي: وقيل: سميت زمزم، لأن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول فزمزمت عليها. قال المسعودي2: قيل لي: والزمزمة صوت يخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء، وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن أنهوا الفرس عن الزمزمة... أنشد المسعودي: زمزمت الفرس على زمزم وذلك في3 سالفها الأقدم وقيل: إنها غير مشتقة، والله أعلم. وقد ذكرنا معاني بعض هذه الأسماء في أصل هذا الكتاب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 86. 2 مروج الذهب 1/ 242. 3 في مروج الذهب 1/ 242: "من" بدل "في". ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه: روينا في "معجم الطبراني" بسند رجاله ثقات، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم"1. وروينا معنى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تاريخ الأزرقي2. وسمعت العلامة زين الدين الفارسكوري يقول: إن شيخنا، شيخ الإسلام، سراج الدين البلقيني قال: إن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر. وعلل ذلك لكونه غسل به صدر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ليغسل إلا بأفضل المياه... انتهى بالمعنى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 معجم الطبراني الكبير "11167"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه للطبراني في الكبير، وقال: رجاله ثقات، وابن عدي 1/ 230، والفاكهي في أخبار مكة 2/ 40. 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 55. ج / 1 ص -336- وذكر شيخنا الحافظ العراقي الحكمة من غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم، ليقوى به صلى الله عليه وسلم على رؤية ملكوت السماوات والأرض، والجنة والنار، لأن من خواص ماء زمزم: أنه يقوي القلب، ويسكن الروع... انتهى. وروينا في تاريخ الأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: اشربوا من شراب الأبرار. وفسره بماء زمزم1. وروينا فيه عن وهب بن منبه معنى ذلك2. وروينا في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن التضلع من ماء زمزم علامة ما بيننا وبين المنافقين"3. وروينا من حديثه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم: أخرج هذه الأحاديث الحافظ شرف الدين الدمياطي، وقال فيما أثبت به عنه: إسناد صحيح. وروينا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا الله إسماعيل"4. أخبرني بهذا الحديث أحمد بن محمد بن عبد الله الحميري، وإبراهيم بن عمر، ومحمد بن محمد الصالحيان إذنا عن الحافظ شرف الدين الدمياطي، أن الحافظ يوسف بن خليل أخبره، قال: أخبرنا أبو الفتح ناصر بن محمد الوبرج5، قال: أخبرنا إسماعيل بن الفضل الإخشيد، قال: أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، قال: أخبرنا الحافظ أبو الحسن الدارقطني، قال: حدثنا عمر بن الحسن بن علي، قال: حدثنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 53. 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 49. 3 أخرجه: ابن ماجه 2/ 1017، والحاكم 1/ 472، والبيهقي في السنن 5/ 147، والدارقطني 2/ 288، والسيوطي في الكبير 1/ 3، وعزاه للبخاري في التاريخ الكبير، وابن ماجه، وأبي نعيم في الحلية، والطبراني في الكبير. 4 أخرجه: الدارقطني 2/ 284، وفيه: "وإذا شربته لشبعك أشبعك الله به" وابن ماجه "3062"، والطبراني في الأوسط "853"، وأحمد 3/ 220، والبيهقي في السنن 5/ 148، والمستدرك "1739"، والديلمي في الفردوس "3171"، والعقيلي 2/ 303، وابن عدي 4/ 1455، والبيهقي في شعب الإيمان "4127". 5 انظر: العبر للذهبي 4/ 282، والنجوم الزاهرة 6/ 143، وشذرات الذهب 4/ 215، وقد اختلف لقبه من كتاب لآخر فذكر: "الدبري" عند الدارقطني، و"الوبرج" في العبر، و"التوترح" في النجوم الزاهرة "018". في سنن الدارقطني 2/ 284: "المردزي"، وكذلك في المستدرك 1/ 473، وميزان الاعتدال 3/ 185. ج / 1 ص -337- محمد بن هشام بن علي المروزي، قال: حدثنا محمد بن حبيب الجارودي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم ... فذكره، أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم في الجارودي1. قال شيخنا العراقي الحافظ: قد سلم منه، فلله الحمد، فإن الخطيب ذكره في "تاريخ بغداد"، وقال: كان صدوقا2. وحسن شيخنا الحافظ العراقي هذا الحديث من هذا الطريق، وقال في "نكته" على ابن الصلاح: إن حديث ابن عباس أصح من حديث جابر... انتهى. ولكن يعكر على ما ذكره شيخنا العراقي ما ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمة عمر بن الحسن القاضي الإشناني بسنده: فآفة3 هذا هو عمر، فلقد أثم الدارقطني بسكوته عنه، فإنه بهذا الإسناد باطل، ما رواه ابن عيينة قط4، هذا والمعروف حديث عبد الله بن المؤمل، عن ابن الزبير، عن جابر مختصرا. وقال الذهبي بعد أن ذكر أن الدارقطني ضعف الإشناني وكذبه5: وهذا الإشناني صاحب بلايا، فمن ذلك قال الدارقطني... وساق الحديث... انتهى. وحديث جابر رضي الله عنه رواه الحافظ الدمياطي بسنده إلى سويد بن سعيد، عن ابن المبارك، عن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المستدرك "1739". 2 تاريخ بغداد 2/ 277 رقم 750. 3 في الأصل: "فأمه" والتصويب من ميزان الاعتدال 3/ 185، رقم 6071. 4 قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان 4/ 291: "والذي يغلب على الظن أن المؤلف هو الذي أثم بتأثيمه الدارقطني، فإن الإشناني لم ينفرد بهذا: بل تابعه عليه الحاكم في مستدركه: 1/ 743، ولقد عجبت من قول المؤلف: ما رواه ابن عيينة قط، مع أنه رواه عنه الحميدي، وابن أبي عمر، وسعيد بن منصور، وغيرهم إلا أنهم وقفوه على مجاهد، ولم يذكروا ابن عباس فيه: فغايته أن يكون محمد بن حبيب وهم في رفعه..."وفي التلخيص الحبير لابن حجر 1/ 222: والجارودي صدق إلا أن روايته شاذة، فقد رواه حفاظ: ابن عيينة والحميدي وابن أبي عمر وغيرهم، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وقال ابن حجر في لسان الميزان 5/ 414 في محمد بن هشام الإشناني: قال ابن القطان: لا يعرف حاله، وكلام الحاكم يقتضي أنه ثقة عنده، فإنه قال عقب الحديث: صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، قال: قلت: وقد قال الزكي المنذري مثل ما قال ابن القطان "الترغيب والترهيب 2/ 133". 5 كذا في الأصل. والذي في الميزان ولسانه: ويروى عن الدارقطني أنه كذاب، ولم يصح هذا، وقد ترجم لعمر بن الحسن: الخطيب البغدادي، ونقل عن الدارقطني أنه قال: ضعيف "تاريخ بغداد 11/ 236- 238". ج / 1 ص -338- عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصحح الدمياطي هذا الحديث والإسناد، وفي صحته نظر على ما ذكره الحافظ ابن حجر1. وقد أخرجنا في أصل هذا الكتاب حديث جابر رضي الله عنه من طرق، وحديثا لعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في هذا المعنى، وبينا ما في ذلك، وذكرنا فيها أخبارا عمن شرب ماء زمزم لقصد له فناله، فمن ذلك أن الإمام الشافعي رضي الله عنه شربه للعلم، فكان فيه غايته، وللرمي، فكان يصيب العشرة من العشرة، والتسعة من العشرة. ومنها: ما ذكره الفاكهي، لأنه قال: وحدثني أحمد بن محمد بن حمزة بن واصل، عن أبيه، أو عن غيره من أهل مكة أنه ذكر: أنه رأى رجلا في المسجد الحرام مما يلي باب الصفا والناس مجتمعون عليه، فدنوت منه، فإذا برجل مكعوم قد عكم نفسه بقطعة خشب، فقلت: ما له؟ فقالوا: هذا رجل شرب سويقا، وكانت في السويق إبرة فذهبت في حلقه، وقد اعترضت في حلقه، وقد بقى لا يقدر يطبق فمه، وإذا الرجل في مثل الموت، فأتاه آت، فقال له: اذهب إلى ماء زمزم فاشرب منه، وجدد النية، وسل الله عز وجل الشفاء، فدخل زمزم فشرب بالجهد منه حتى أساغ منه شيئا، ثم رجع إلى موضعه، وانصرفت في حاجتي، ثم لقيته بعد ذلك بأيام وليس به بأس، فقلت له: ما شأنك؟ فقال: شربت من ماء زمزم، ثم خرجت على مثل حالي الأول حتى انتهيت إلى أسطوانة، فأسندت ظهري إليها، فغلبتني عيني، فنمت، فانتبهت من نومي وأنا لا أحس من الأثر شيئا2... انتهى. ومنها: أن شيخنا الحافظ العراقي ذكر أنه شرب ماء زمزم لأمور، منها: الشفاء من داء معين ببطنه، فشفي منه بغير دواء. ومنها: أن أحمد بن عبد الله الشريفي الفراش بالحرم الشريف بمكة شربه للشفاء من عماء حصل له، فشفي منه، على ما أخبرني به عنه شيخنا العلامة تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الخير الفاسي، رحمة الله عليهم أجمعين. ومنها: أن الفقيه العلامة المدرس المفتي أبا بكر بن عمر بن منصور الأصبحي المعروف بالشنيني، بشين معجمة، ثم نون، ثم ياء مثناة من تحت ونون وياء للنسبة، أحد العلماء المعتبرين ببلاد اليمن، شرب ماء زمزم بنية الشفاء من استسقاء عظيم أصابه بمكة، فشفي بأثر شربه له على ما أخبرني به عنه ولده الفقيه الصالح عفيف الدين بن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 التلخيص الحبير 1/ 221- 222 والبيهقي في شعب الإيمان 5/ 248. 2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 35. ج / 1 ص -339- عبد الله بمكة، وأخبرني عن أبيه: أنه لما اشتد به الاستسقاء خرج يتعرض لطبيب بمكة، فأعرض عنه الطبيب الذي قصده، فأنكر خاطره لذلك، وألقى الله تعالى بباله أن يشرب من ماء زمزم للحديث الوارد في أنه لما شرب له، فقصد زمزم، واستسقى بدلو، فشرب منها حتى تضلع، وأنه بعد أن تضلع منه أحس بانقطاع شيء في جوفه، فبادر حتى وصل إلى رباط السدرة ليستنجي به، فما وصل إليه إلا وهو شديد الخوف من أن يلوث في المسجد، فألقى شيئا كثيرا، ثم عاد إلى زمزم فشرب منه ثانيا حتى تضلع، وأخرج شيئا كثيرا، ثم صح، وبينما هو في بعض الأيام برباط ربيع بمكة يغسل ثوبا له وهو يطؤه برجله، وإذا بالطبيب الذي قد أعرض عن ملاطفته، فقال له: أنت صاحب تلك العلة؟ قال: نعم، قال له: بِمَ تداويت؟ قال: بماء زمزم، فقال الحكيم: لطف بك. قال: وبلغني عن ذلك الحكيم أنه قال حين رآه أولا: هذا ما يعيش ثلاثة أيام. هذا ما أخبرني به الفقيه عبد الله ابن الفقيه أبي بكر الشنيني المذكور عن أبيه، في خبر مرضه بالاستسقاء وخبر استشفائه بماء زمزم، وهذه الأخبار مما تؤيد صحة حديث "ماء زمزم لما شرب له" مع أنه صحح بالإسناد كما سبق بيانه. ولم ينصف ابن الجوزي في ذكره هذا الحديث في كتاب "الموضوعات" لكونه صحيحا أو حسنا، كما سبق بيانه، ويتعجب من هذا، لأنه روى في كتاب "الأذكياء" له بإسناده إلى سفيان قصة فيها أنه قال: هذا الحديث صحيح1، ولم يتعقب ذلك، وليس بين هذا الحديث وحديث "الباذنجان" لم أكل له" تساو في الثبوت، لأن حديث "ماء زمزم" صحيح أو حسن، وحديث الباذنجان" غير صحيح. بل هو موضوع على ما بلغني عن العلامة الكبير شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي، وقال لي شيخنا الحافظ نور الدين الهيثمي: إنه موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشين به الشريعة، هذا معنى كلام شيخنا نور الدين الهيثمي. وأنبأني شيخنا الحافظ العراقي قال: وأما ما اشتهر على ألسنة الناس، بل على ألسنة كثير من أهل العلم، أن حديث "الباذنجان لما أكل له"، أصح من حديث "ماء زمزم لما شرب له"، فلا يصح ذلك بوجه من الوجوه، ولم نجد لحديث الباذنجان أصلا إلا في أثناء حديث "مسند الفردوس" بإسناد مظلم، وليس له أصل في كتب الإسلام المتداولة بين الناس، وذكر أن مؤلف مسند الفردوس كثير الأوهام... انتهى مختصرا. ورويناه في خبر ابن عكيك بإسناد ساقط. ومن خواص ماء زمزم: أنه يبرد الحمى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في سنن النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو في صحيح البخاري على الشك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الأذكياء "ص: 98". ج / 1 ص -340- ومنها على ما قال الضحاك بن مزاحم: أنه يذهب الصداع. ومنها: أن المياه العذبة ترفع وتغور قبل يوم القيامة إلا ماء زمزم، قاله الضحاك أيضا، والله أعلم بذلك. ومنها: أنه يفضل مياه الأرض كلها طبا وشرعا، على ما ذكر شيخنا بالإجازة الإمام بدر الدين بن الصاحب المصري، لأنه قال فيما أنبأنا به: وازنت ماء زمزم بماء عين مكة، فوجدت زمزم أثقل من العين بنحو الربع، ثم اعتبرتها بميزان الطب، فوجدتها تفضل مياه الأرض كلها طبا وشرعا. ورأيت لشيخنا بدر الدين بن الصاحب هذا أبياتا حسنة في فضل زمزم، رأيت أن أثبتها هنا، منها: قوله فيما أنبأنا به: شفيت يا زمزم داء السقيم فأنت أشفى ما يُعاطى النديم وكم رضيع لك أشواقه إليك بعد الشيب مثل الفطيم ومنها: قوله فيما أنبأنا به: يا زمزم الطيبة المخبر يا من علت غورا على المشرب رضيع أخلافك لا يشتهي فطام إلا لدى الكوثر1 ومنها: قوله فيما أنبأنا به: بالله قولوا لنيل مصر بأنني عنه في غناء بزمزم العذب عند بيت مخلق1 الشرب بالوفاء ومنها: قوله فيما أنبأنا به: لزمزم نفع في الفؤاد وقوة يزيد على ماء الشباب لذي فتك وزمزم فاقت كل ماء بطيبها ولو أن ماء النيل يجري على المسك ومنها: أن ماءها يحلو ليلة النصف من شعبان ويطيب، ذكر ذلك ابن الحاج المالكي في منسكه نقلا عن الشيخ مكي بن أبي طالب، ونص كلامه: قال الشيخ مكي بن أبي طالب: وفي ليلة النصف من شعبان تحلو زمزم ويطيب ماؤها، يقول أهل مكة إن عين سلوان تتصل بها تلك الليلة، ويبذل على أخذ الماء في تلك الليلة الأموال، ويقع الزحام فلا يصل إلى الماء إلا ذو جاه وشرف، قال: عاينت هذا ثلاث سنين... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 كذا بالأصل. ج / 1 ص -341- ومن خواص ماء زمزم: أن يكثر في ليلة النصف من شعبان في كل سنة، بحيث إن البئر تفيض بالماء على ما قيل لكن لا يشاهد ذلك إلا العارفون، وممن شاهد ذلك: الشيخ العام أبو الحسن المعروف بكرباج، على ما وجدت بخط جد أبي الشريف أبي عبد الله الفاسي، نقلا عن الشيخ فخر الدين التوزري، عن الشيخ على كرباج. ومن فضائل بئر زمزم: أن الاطلاع فيها يجلو البصر، قاله الضحاك بن مزاحم. ومن فضائلها أيضا: أن الاطلاع فيها يحط الأوزار والخطايا، لأن أبا الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني من الشافعية ذكر في كتاب "الإرشاد في المناسك" له: أنه يستحب لمن جاء إلى زمزم الإطلاع فيها، لأن النظر فيها عبادة وحط للأوزار والخطايا... انتهى. ولم أقف على هذا الكتاب، وإنما نقل إلى ذلك عنه من اعتمده، وذكر: أنه رأى ذلك بخط من يعتمد عليه من حفاظ الحديث. وروى نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا في كتاب الفاكهي، لأنه قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: حدثنا بقية بن الوليد، عن ثور، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظر في زمزم عبادة وهي تحط الخطايا"1. ومنها: أن من حثا على رأسه ثلاث حثيات من ماء زمزم لم تصبه ذلة. ذكر ذلك الفاكهي، لأنه قال: وحدثني قريش بن بشير التميمي، قال: حدثنا إبراهيم بن بشير، عن محمد بن حرب، عمن حدثه: أنه أسر في بلاد الروم، وأنه صار إلى الملك، فقال له: من أي بلد أنت؟ قال: من أهل مكة، فقال: هل تعرف بمكة هزمة جبريل؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها برة؟ قال: نعم. قال: فهل لها اسم غير هذا؟ قال: نعم، هي اليوم تعرف بزمزم. قال: فذكر من جملة بركتها، ثم قال: أما أنك إن قلت هذا، إنا نجد في كتبنا أنه لا يحثو رجل على رأسه منها ثلاث حثيات فأصابته ذلة أبدا2... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 41، وهو ضعيف الإسناد، فيه "إسحاق بن إبراهيم الطبري" ضعيف، انظر لسان الميزان 1/ 344. 2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 39. ج / 1 ص -342- ذكر آداب شربه: يستحب لشاربه أن يستقبل القبلة، ويذكر اسم الله تعالى، ويتنفس ثلاثا، ويتضلع منه، ويحمد الله تعالى، ويدعو بما كان ابن عباس رضي الله عنه يدعو به إذا شرب ماء زمزم، لأن في مستدرك الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنه السابق: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء1... انتهى. ولا يقتصر على هذا الدعاء بل يدعو بما أحبه من أمر الآخرة في الدعاء، ويجتنب الدعاء بما فيه مأثمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 مستدرك الحاكم 1/ 473. ذكر حكمة التطهير بماء زمزم: أما حكم التطهير فإنه صحيح بالإجماع على ما ذكره الروميني في بحره، والماوردي في "حاويه"، والنووي في "شرح المهذب". وينبغي توقي إزالة النجاسة به، وخصوصا مع وجود غيره، وخصوصا في الاستنجاء به، فقد قيل: إنه يورث الباسور، ويقال إن ذلك جرى لمن استنجى به، وجزم المحب الطبري بتحريم إزالة النجاسة به، وإن حصل به التطهير، وأخذ ذلك من كلام الماوردي، ووافقه في الجزم بذلك، وأخذه من كلام الماوردي الشيخ كمال الدين النشائي في كتابه "جامع المختصرات وشرحه". ولابن شعبان من أصحابنا المالكية، ما يوافق ما ذكره الماوردي في منع التطهير بماء زمزم، لأنه قال: لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة... انتهى. ومقتضى ما ذكره ابن حبيب من المالكية: استحباب التوضؤ به، ومذهب الشافعي رضي الله عنه استحباب الوضوء والغسل به، ولم يكره الوضوء به إلا أحمد بن حنبل رضي الله عنه في رواية عنه. وذكر الفاكهي: أن أهل مكة يغسلون موتاهم بماء زمزم إذا فرغوا من غسل الميت وتنظيفه تبركا به، وذكر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما غسلت ابنها عبد الله بن الزبير بماء زمزم1. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 47، والحديث إسناده حسن "انظر: التقريب 1/ 360". ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان: أما نقله فإنه يجوز باتفاق المذاهب الأربعة، بل هو مستحب عند المالكية والشافعية، والفرق عند الشافعية بينه وبين حجارة الحرم في عدم جواز نقلها، وجواز نقل ماء زمزم، أن الماء ليس بشيء يزول فلا يعود، أشار إلى هذه التفرقة: الشافعي فيما حكاه عنه البيهقي. والأصل في جواز نقله: ما رويناه في "جامع الترمذي" عن عائشة رضي الله عنها: أنها حملت من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، وكان يصب على المرضى ويسقيهم1. ورويناه في "شعب الإيمان" للبيهقي، وفي سننه، وقال: أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه2... انتهى. ويدل لذلك ما رويناه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو من ماء زمزم3. أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات. ورويناه في تاريخ الأزرقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعجل سهيلا في إرسال ذلك إليه، وأنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بروايتين4. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الترمذي 4/ 183، والمستدرك 1/ 485، وأخبار مكة للفاكهي 2/ 49. 2 شعب الإيمان 5/ 202. 3 مصنف عبد الرزاق 5/ 115، القرى "ص: 491"، والإصابة 4/ 221، في ترجمة أثيلة الخزاعية، وعزاه الفاكهي وعمر بن شبة. 4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 50. ج / 1 ص -343- ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: صفة هذه السقاية الآن: بيت مربع في أعلاه قبة كبيرة ساترة لجميعه، والقبة من آجر معقودة بالنورة، وفي أسفل جدرانها خلا الجنوبي شبابيك من حديد تشرف على المسجد الحرام، في كل جهة شباكان من حديد. وفي جانبها الشمالي من خارجها حوضان من رخام مفردان، وباب السقاية بينهما. وفي هذا البيت بركة كبيرة تملأ من بئر زمزم، يسكب الماء من البئر في خشبة طويلة على صفة الميزاب، متصلة بالجدار الشرقي من حجرة زمزم، ويجري الماء منها إلى الجدار المشار إليه، ثم إلى قناة تحت الأرض حتى يخرج إلى البركة من فوارة في وسطها. وأحدث وقت عمرت فيه هذه القبة سنة سبع وثمانمائة، وسبب عمارتها في هذه السنة: أن القبة التي كانت في سقف هذه السقاية أكلت الأرضة بعض الخشب الذي كان فيها فسقطت1. والأرضة دويبة صغيرة تأكل الخشب. وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب شيئا من خبر عمارة هذا المكان، وما ذكره الأزرقي في صفة هذه السقاية وهو يخالف هذه الصفة، ولذلك تركنا ذكره هنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 443، العقد الثمين 2/ 212. ج / 1 ص -344- وقد ذكر الأزرقي ذرع ما بين هذه السقاية وبين الحجر الأسود، وذرع ما بينها وبين جدارات المسجد، لأنه قال: ومن الركن الأسود إلى سقاية العباس وهو بيت الشراب خمسة وتسعون ذراعا. ومن وسط سقاية العباس إلى جدار المسجد الذي يلي المسعى: مائة ذراع. ومن وسط السقاية إلى الجدار الذي يلي باب بني جمح: مائتا ذراع، وإحدى وتسعون ذراعا. ومن وسط السقاية إلى الجدار الذي يلي دار الندوة: مائتا ذراع، ومن وسط السقاية إلى الجدار الذي يلي الوادي: خمسة وثمانون ذراعا1... انتهى. وقد حررنا مقدار ما بين هذه السقاية والحجر الأسود، فكان ما بين ذلك: ثمانون ذراعا ونصف ذراع، بذراع الحديد، وذلك من الحجر الأسود إلى وسط جدار السقاية مارًّا من جانب زمزم اليماني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 104، 105. شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ج / 1 ص -345- الباب الحادي والعشرون: في ذكر الأماكن المباركة التي ينبغي زيارتها الكائنة بمكة المشرفة وحرمها وقربه: هذه الأماكن مسجد ودور وجبال ومقابر، والمساجد أكثر من غيرها إلا أن بعض هذه المساجد مشتهر باسم المولد، وبعضها باسم الدار، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر هذين الأمرين قريبا، والمقصود ذكره هنا ما اشتهر من ذلك بالمسجد الحرام فمن ذلك: مسجد بقرب المجزرة الكبيرة من أعلاها على يمين الهابط إلى مكة ويسار الصاعد منها، يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه المغرب على ما وجدت بحجرين فيه، أحدهما: بخط عبد الرحمن بن أبي حرمي، وفيه: أنه عُمِّرَ في رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وفي الآخر: أنه عمر في سنة سبع وأربعين وستمائة. وطول هذا المسجد من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له: سبعة أذرع إلا ربعا، بذراع الحديد المستعمل في القماش بديار مصر ومكة، وعرضه: خمسة أذرع وثمن. وذلك من الجدار الذي فيه محرابه إلى الجدار المقابل له، وكان تحرير ذلك بحضوري. وبين باب هذا المسجد وجدار باب بني شيبة أحد أبواب المسجد الحرام: خمسمائة ذراع وعشرة أذرع ونصف ذراع اليد المتقدم ذكره، ويكون ذلك بذراع الحديد أربعمائة ذراع وستة وأربعين ذراعا وخمسة أثمان ذراع ونصف ثمن، وحرر ذلك بحضوري أيضا. ويوهم بعض أهل العصر أن هذا المسجد هو الذي ذكر الأزرقي أن عنده قرن مسقلة عند موقف الغنم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم باع الناس عنده يوم فتح مكة على ما يقال، وسبب هذا التوهم: أن المسجد الذي ذكرنا ذرعه وشيئا من خبره يلحق بجبل وعنده الآن سوق الغنم، وليس هذا التوهم صحيحا، لأن الجبل الذي عنده هذا المسجد هو المشرف على المروة، ويسمى جبل الديلمي على ما ذكره الأزرقي، وهو في شق معلاة مكة ج / 1 ص -346- الشامي، وقرن مسقلة الذي أشار إليه الأزرقي: ذكره الأزرقي في شق معلاة مكة اليماني، ونص كلامه في أخبار هذه الجهة: وقرن مسقلة وهو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار "سَمُرَة" عن موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابعة في أصله1... انتهى. وشعب ابن عامر هو الذي تسميه الناس اليوم شعب عامر بأعلى مكة بشقها اليماني، وبين المكانين بعد كثير، والله أعلم. ومن ذلك: مسجد فوقه يقال له: مسجد الراية، وعرفه بذلك المحب الطبري في "القرى" وهو من المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقال كما ذكر الأزرقي، وذكر أن عبد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بناه، وفيه الآن لوحان مكتوبان: أحدهما: كوفى لا يعرف، والآخر: فيه أن المستعصم العباسي أمر بعمله في شعبان سنة أربعين وستمائة2، وعمره في أوائل سنة إحدى وثمانمائة الأمير قطلوبك الحسامي المنجكي3 عمارته التي هو عليها الآن. وطول هذا المسجد من داخله ستة عشر ذراعا بالحديد، وذلك من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له، وعرضه ستة أذرع إلا ثلث ذراع، وذلك من الجدار الذي فيه محرابه إلى الجدار المقابل له، وكان تحرير ذلك بحضوري، وبين باب هذا المسجد وجدار باب بني شيبة أحد أبواب المسجد الحرام: تسعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بذراع الحديد، فيكون ذلك بذراع اليد ألف ذراع وستة وخمسون ذراعا، وكان تحرير ذلك بحضوري. ومن ذلك: مسجد بسوق الليل قرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: المختبأ، يزوره الناس كثيرا في صبيحة اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل سنة، ولم أر من ذكره ولا عرفت شيئا من خبره. وطول هذا المسجد من وسط الجدار إلى وسط الجدار المقابل له الذي فيه محرابه: ثمانية أذرع إلا ثلثا، وعرضه سبعة أذرع وثلث، الجميع بذراع الحديد، وكان تحرير ذلك بحضوري. ومن ذلك: مسجد بأسفل مكة ينسب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ويقال: إنه من داره التي هاجر منها إلى المدينة والله أعلم. وقد ذكر ابن جبير هذا المسجد4. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 270. 2 العقد الثمين 5/ 290، إتحاف الورى 3/ 59. 3 إتحاف الورى 3/ 416، والعقد الثمين 7/ 76. 4 رحلة ابن جبير "ص: 93". ج / 1 ص -347- وذكرنا كلامه في أصل هذا الكتاب مع شيء من حال هذا المكان الآن، وهو مكان مشهور بالموضع المعروف بالحجارية براء مهملة بأسفل مكة بالقرب من باب الماجن. ومن ذلك: مساجد خارج مكة من أعلاها، منها: المسجد الذي يقال له مسجد الإجابة على يسار الذاهب إلى منى في شعب بقرب ثنية أذاخر، وهو مسجد مشهور يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وقد ذكره الأزرقي، وذكر شيا من خبر الشعب الذي هو به، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم، شعب آل قنفذ، هو الشعب الذي فيه دار آل خلف بن عبد ربه بن السائب، مستقبل قصر محمد بن سليمان، وكان يسمى شعب اللام1. وهو قنفذ بن زهير من بني أسد بن خزيمة، وهو الشعب الذي على يسارك وأنت ذاهب إلى منى من مكة فوق حائط خرمان، وفيه اليوم دار الخلعيين من بني مخزوم، وفي هذا الشعب مسجد مبني يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وينزله اليوم في الموسم الحضارمة2... انتهى. وهذا المسجد الآن متخرب جدا، وجدرانه ساقطة إلا القبلي، وفيه حجر مكتوب فيه إنه مسجد الإجابة، وأن عبد الله بن محمد، عمره في سنة عشرين وسبعمائة3، وما عرفت عبد الله بن محمد المشار إليه. وطول هذا المسجد من الجدار الذي فيه محرابه إلى الجدار المقابل له: ثمانية عشر ذراعا بذراع الحديد، وعرضه كذلك، وحرر ذلك بحضوري، وكثير من الناس يقصدون زيارة هذا المسجد في بكرة أول سبت من شهر ذي القعدة الحرام كل سنة، وما عرفت سبب مثابرتهم على زيارته في هذا اليوم، والله أعلم. ومن ذلك: المسجد الذي يقال له مسجد البيعة، وهي البيعة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الأنصار بحضرة عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه على ما ذكر أهل الأخبار. وهذا المسجد بقرب العقبة التي هي حد منى من جهة مكة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكة، في شعب على يسار الداخل إلى منى، وفيه حجران مكتوب في أحدهما: أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله ببنيان هذا المسجد، مسجد البيعة التي كانت أول بيعة بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بعقد عقده له العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هكذا في الأصل، وفي أخبار مكة للأزرقي 2/ 286: "مسجد اللئام". 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 286، 287. 3 إتحاف الورى 3/ 127. ج / 1 ص -348- وفي الآخر: تعريفه بمسجد البيعة، وأنه بني في سنة أربع وأربعين ومائة1 وأمير المؤمنين المشار إليه هو أبو جعفر المنصور العباسي. وعمره أيضا المستنصر العباسي على ما وجدته مكتوبا في حجر ملقى حول هذا المسجد لتخربه، وفيه: أن ذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، وقد ذكره الأزرقي2، ولم يذكر شيئا من خبر عمارته في زمن المنصور. وصفة هذا المسجد: رواقان كل منهما مسقوف بثلاث قبب على أربعة عقود، وخلفها رحبة، وله بابان في الجهة الشامية، وبابان في الجهة اليمانية، وطول الرواق المتقدم من الجهة الشامية إلى الجهة اليمانية، ثلاثة وعشرون ذراعا، وعرضه أربعة عشر ذراعا، والرواق الثاني نحو ذلك، وطول الرحبة من جدارها الشامي إلى اليماني: أربعة وعشرون ذراعا ونصف ذراع، وعرضها: ثلاثة وثلاثون ذراعا وسدس، الجميع بذراع الحديد، وأبواب كل رواق التي يدخل منها إلى الآخر ثلاثة، وأكثر هذا المسجد الآن متخرب، وكان تحرير ما ذكرناه من ذرعه بحضوري. ومن ذلك مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار المنحر، بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة، وهذا المسجد ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقال، لأن فيه حجرًا مكتوبا فيه: هذا مسجد سيد الأولين والآخرين صلى فيه الضحى ونحر هديه، وفيه: أن الملك قطب الدين أبا بكر بن الملك المنصور عمر بن علي ابن رسول صاحب اليمن، أمر بتجديد عمارته بعد زيارته في سنة خمس وأربعين وستمائة3. وهذا المسجد في قبلته إيوانان، وخلفه رحبة، ولا حائط له من جهة المشرق، وله أربعة أبواب: باب في الجهة الشامية، وباب في الجهة اليمانية، وبابان في حائطه القبلي: واحد عن يمين محرابه، وآخر عن يسراه. وطول هذا المسجد من المحراب إلى مؤخره: ثمانية أذرع، وعرضه سبعة أذرع، الجميع بذراع الحديد، وكان تحرير ذلك بحضوري. ومن ذلك: المسجد الذي يقال له: مسجد الكبش بمنى على يسار الذاهب إلى عرفة، وهو مشهور بمنى. والكبش المشار إليه هو الذي فدى الله تعالى به نبيه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقيل: إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام حين أراد الخليل عليه السلام ذبحه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ا أخبار مكة للأزرقي 2/ 206، والجامع اللطيف "ص: 333". 2 أخبار مكة للأزرقي2/ 201. 3 إتحاف الورى 3/ 66. ج / 1 ص -349- وفي تاريخ الأزرقي زيادة في خبر هذا المكان1، وفيه القولان في تعيين الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل، قال المحب: والأكثر على أنه إسحاق2... انتهى. وذكر الفاكهي ما يقتضي أن هذا الكبش نحر في غير هذا الموضع، لأنه روى حديثا بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة ذبح إبراهيم لإسماعيل، وفيه فنزل عليه كبش من ثبير فاضطره إلى الجبل، ثم جاء به حتى نحره بين الجمرتين. انتهى. وسيأتي هذا الخبر في الباب السادس والعشرين من هذا الكتاب. وذكر المحب الطبري ما يؤيد ذلك، وتبين هذا المنحر الذي بين الجمرتين، لأنه نقل عن أبي ذر الهروي خبرا لفظه: وعن ابن عباس قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في منحر إبراهيم الذي نحر فيه الكبش، فاتخذوه منحرا. وهو المنحر الذي ينحر فيه الخلفاء اليوم يقال هذا منحر، وكل منى منحر. وقال ابن عباس رضي الله عنهما تقول اليهود: إن المفدى إسحاق، وكذبت، إنما هو إسماعيل. أخرجه أبو داود. ثم قال: وعنه رضي الله عنه قال: الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسماعيل أو إسحاق... انتهى باختصار. ثم قال: أخرجه أبو سعيد في "شرف النبوة" ثم قال: وهذان الحديثان بينهما تضاد، لأن حديث أبي سعيد يتضمن أن مكان ذبح إبراهيم في أصل ثبير، وحديث أبي ذر يتضمن أنه منحر الخلفاء اليوم، وذلك في سفح الجبل المقابل له... انتهى. وهذا المنحر هو الدار المعروفة بدار المنحر بمنى بين الجمرتين الأولى والوسطى بقرب المسجد الذي سبق ذكره قبل هذا المسجد، وهي مشهورة بذلك عند الناس. وعندها ينحر هدي صاحب اليمن. والمسجد المعروف بمسجد الكبش ثلاثة أروقة مكشوفة لا سقف لها، وفي كل من المقدمين عقدان، وله أبواب خمسة: اثنان في جداره القبلي عن يمين المحراب ويساره، واثنان في مؤخرة حائطه الشرقي والغربي، وبابه الخامس خوخة في جداره المؤخر، وفي الرواق الأوسط بابان يدخل منهما إلى الرواق المقدم، وفي مؤخره عند الباب الذي يلي المشرق حفرة صغيرة فيها حجر مبني في الجدار فيه أثر يقال إنه أثر الكبش الذي فدي به الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام. وطول هذا المسجد من مؤخره إلى جداره القبلي: تسعة عشر ذراعا وربع ذراع وعرضه: ثلاثة عشر ذراعا وسدس، الجميع بذراع الحديد،وأكثر هذا المسجد الآن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 175. 2 القرى "ص: 450". ج / 1 ص -350- متخرب. وكان كل من رواقيه المقدمين مسقوفا بثلاث قبب فسقط جميع ذلك. وكان تحرير ذرعه بحضوري. ومن ذلك: مسجد الخيف بمنى، وهو مسجد عظيم الفضل، لأحاديث وأخبار وردت في ذلك، منها: ما رويناه في "المعجم الأوسط" للطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الخيف، والمسجد الحرام، ومسجدي هذا" وهذا الحديث إسناده ضعيف، وإنما أوردناه لهذه الفائدة الغريبة. ومنها: ما رويناه في "معجم الطبراني الكبير" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا منهم موسى"1. رويناه في تاريخ الأزرقي. ورويناه عن مجاهد أنه: "صلى في مسجد الخيف خمسة وسبعون نبيا"2. ورويناه في مسند البزار من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا"3 وإسناد رجاله ثقات. وذكر الفاكهي فيما رواه بسنده إلى عروة بن الزبير: أن آدم عليه السلام دفن بمسجد الخيف بعد أن صلى عليه جبريل عليه السلام بباب الكعبة4. ذكر ما جاء في استحباب زيارة مسجد الخيف كل سبت: وبالسند المتقدم إلى الأزرقي قال: حدثني جدي، عن عبد المجيد عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لو كنت من أهل مكة لأتيت إلى مسجد الخيف كل سبت5. وقال الجنيدي: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا أبو قزة، قال: ذكر ابن جريج، عن عطاء، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لو كنت امرأ من أهل مكة ما أتى علي سبت حتى آتى مسجد الخيف فأصلي فيه ركعتين. ذكر تعيين مصلى النبي صلى الله عليه وسلم من مسجد الخيف: وبه إلى ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، أن خالد بن مطرس أخبره أنه رأي أشياخا من الأنصار يتحرون مصلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام المنارة قريبا منها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المعجم الكبير للطبراني "12283". 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 174. 3 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 298، وعزاه للبزار، وقال: رجاله ثقات، "وانظر: كشف الأستار 2/ 48- 49" وأخبار مكة للفاكهي 5/ 266". 4 أخبار مكة للفاكهي 4/ 268. 5 أخبار مكة للأزرقي 2/ 174. ج / 1 ص -351- وبه إلى الأزرقي قال جدي: الأحجار التي بين يدي المنارة هي موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يزل الناس وأهل العلم يصلون هنالك1. ذكر صفة مسجد الخيف الآن وذرعه بذراع الحديد: ذكر الأزرقي رحمه الله ذرع مسجد الخيف بذراع اليد وصفته في عصره2، وذكرنا ذلك في أصل هذا الكتاب، مع صفته الآن، وذرعه بذراع الحديد المتقدم ذكره، وشيء من خبر عمارته بعد الأزرقي رحمه الله واقتصرنا هنا على ذكر صفته الآن، وذرعه بذراع الحديد، لكونه أبلغ في تعريفه مع ما علمناه من خبر عمارته. ذكر صفته الآن: هو مسجد كبير مربع، في قبلته أربع محاريب غير محرابه الكبير، ثلاثة عن يساره وواحد عن يمينه، ومنبره درج عالية، وفي مقدمه أربعة أروقة مسقوفة بآجر معقود بالنورة كالأطباق، وله رواق آخر لاصق بجداره الذي يلي الطريق العظمى، غير مسقوف، وبابه الأعظم في نحو وسط هذا الجدار، وله باب آخر كبير في جداره المؤخر الذي يلي عرفات، وخوختان في جداره الذي يلي الجبل، وفي وسطه منارة مربعة بين يديها موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم محوط بحجارة فيها محراب صغير، وفي طول المسجد فيما بين بابه الكبير والمنارة سقاية كبيرة معقودة في الأرض على أعمدة لها خمسة أبواب، تسقي الناس منها، وعن يمين القبلة من خارج الأروقة درجة لاصقة بالرواق الذي يلي الطريق، يصعد منه إلى أعلى سقف الأروقة المذكورة، وجدران المسجد عالية لها شرافات، وعلى باب المسجد الكبير نصب عال قد سقط أكثره. وكذلك سقط جانب من المسجد مما بين بابه الكبير والقبلة. وقبة كبيرة كانت على المحراب سقطت أيضا مع جانب من وسط حائطه القبلي. ذكر ذرعه: طوله من وسط حائطه القبلي إلى مؤخره: مائتا ذراع وعشرة أذرع، وعرضه من الجدار الذي فيه بابه الكبير إلى الجدار المقابل له الذي يلي الجبل: مائة ذراع وسبعة وتسعون ذراعا ونصف ذراع. وذرع ارتفاع جداره القبلي من داخله من الأرض: أحد عشر ذراعا، ومن خارجه: سبعة أذرع ونصف، وارتفاع جداره الذي يلي الجبل من داخله: ثمانية أذرع إلا ثلث ومن خارجه: أربعة أذرع، وارتفاع جداره الذي يلي عرفة من داخله: سبعة أذرع، ومن خارجه، خمسة أذرع إلا ثلث، وارتفاع جداره الذي يلي الطريق من داخل المسجد: ستة أذرع وربع ذراع. ومن خارجه: تسعة أذرع إلا ثلث، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 174. 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 181. ج / 1 ص -352- وارتفاع باب المسجد الكبير في السماء: سبعة أذرع وسدس، وعرضه: أربعة أذرع إلا سدس، وارتفاع عتبته من خارج: نصف ذراع، وارتفاع بابه الذي في مؤخره في السماء: أربعة أذرع وربع، وعرضه: ذراعان: ذكر ذرع أروقته: ذرع الأروقة التي في مقدمه من جداره القبلي إلى مؤخرها الذي هو طرف الصحن: أحد وثلاثون ذراعا، وذرع كل رواق منها طولا من الجدار الذي يلي الطريق إلى الجدار الذي يلي الجبل: خمسة وثمانون ذراعا وثلثا ذراع. وعرضه: سبعة أذرع ونصف إلا الرواق الذي يلي الصحن فإنه سبعة فقط، وأما رواقه الملاصق لجداره الذي يلي الطريق: فطوله من جدار القبلة إلى باب المسجد الكبير: سبعون ذراعا وسدس ذراع. وعرضه: سبعة أذرع ونصف، وطول باقيه من باب المسجد الكبير إلى مؤخره: مائة وأربعون ذراعا وسدس ذراع، وعرضه سبعة أذرع وربع، وفي كل من جانبي هذا الرواق من الأبواب النافذة إلى صحن المسجد: ثلاثة أبواب: اثنان متلاصقان، وآخر مفرد يلي باب المسجد الكبير. ذكر عدد أساطينه وصفتها وذرع ما بينها: أما عددها: فهو أربع وثمانون أسطوانة في أربع صفوف، الأربعة المقدمة منه، منها في كل صف إحدى وعشرون أسطوانة وهي حجارة مجصصة، وذرع ما بين كل أسطوانتين من كل صف: خمسة أذرع وثلث، وبعض ذلك يزيد قليلا. ذكر عدد عقوده: عدد العقود التي في الأروقة المقدمة: مائة وثمانية وستون عقدا، منها في كل رواق: اثنان وعشرون في عرضه، وفي كل صف: اثنان وعشرون في طوله. ذكر ذرع موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام المنارة: ذرعه طولا من جدار المنار القبلي إلى أقصى محرابه: ثلاثة وعشرون ذراعا ونصف ذراع وثمن ذراع، وعرضه عن يمين المصلى ويساره: أربعة وعشرون ذراعا وربع ذراعا، وسعة فتحة محرابه: ثمانية أذرع وثمن، وطوله إلى جهة القبلة: ذراعان ونصف، وما بين هذا المحراب وطرف صحن المسجد مما يلي القبلة: خمسة وثمانون ذراعا. ذكر عدد شرفات المسجد من داخله وخارجه: أما التالي في خارجه ففي حائط مؤخره منها: ستة وسبعون شرافة، وفي حائطه الذي يلي الطريق العظمى من مؤخر المسجد إلى بابه الكبير: اثنتان وسبعون شرافة، منها ثلاثة مهدومة، وتمام ما على هذا الحائط من الشرفات أكثر من عشرين، لأنه سقط كثير منها مما يلي الباب. ج / 1 ص -353- وعلى الحائط الذي يلي الجبل ستة وتسعون، منها ست مهدومة. وأما الشرفات التي تلي باطن المسجد: فعلى الرواق المؤخر من الأربعة الذي يلي صحن المسجد: مائة وثلاث شرفات، منها اثنتان وسبعون من مؤخر المسجد إلى بابه الأعظم، وثلاثة وثلاثون تمام ذلك إلى جداره القبلي. ذكر ذرع المنارة وصفتها وعدد درجها وما بين المنارة وبين نواحي المسجد: طولها إلى المسجد: أحد وعشرون ذراعا وثمن ذراع، وذرع تربيعها من جهة القبلة: ستة أذرع إلا قيراط. ومن مؤخرها كذلك، ومما يلي الجبل إلى بابها: ستة أذرع ونصف إلا قيراطين. والمقابل له الذي يلي باب المسجد الأعظم كذلك، وفيها من الطاقات: إحدى عشرة طاقة في كل جهة ثلاث خلا الجهة التي تلي مؤخر المسجد فاثنتان فقط. وعدد درجها: أربعة وستون، وبينها وبين جدار المسجد الذي يلي الجبل: ثلاثة وثمانون ذراعا وربع ذراع، وبينها وبين الرواق الملاصق لجدار المسجد الذي يلي الطريق: ثمانية وثمانون ذراعا وربع ذراع، وبينها وبين جدار المسجد المؤخر: سبعة وتسعون ذراعا ونصف. وقد تقدم ما بينها وبين طرف صحن المسجد مما يلي القبلة، وما بين ذلك والجدار القبلي. ذكر ذرع السقاية المذكورة: طولها: تسع وثلاثون ذراعا وربع ذراع، وبينها وبين محاذاة المنارة: ثلاثة وخمسون ذراعا إلا ثمن ذراع، وبينها وبين عتبة باب المسجد الكبير: اثنان وأربعون ذراعا وسدس ذراع. وكان تحرير ما ذكرناه كله من أمر هذا المسجد بحضوري. عمارة المسجد بعد زمن الأزرقي: وأما خبر عمارة هذا المكان بعد الأزرقي فقد خفي علينا كثير من ذلك، لعدم تدوين من قبلنا له، فمن ذلك بعد الأزرقي، فيما أحسب عمارة في زمن الخليفة المعتمد أحمد بن المتوكل العباسي في سنة ست وخمسين ومائتين1. ومن ذلك بعد الأزرقي يقينا أن الوزير الجواد الأصفهاني عمره، وأن أم الخليفة الناصر لدين الله العباسي عمرته واسمها مكتوب على بابه الكبير، وأن الملك المظفر صاحب اليمن عمر ما تشعث منه في سنة أربع وسبعين وستمائة2. وفي هذه السنة أمر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 334، ولم نعثر على هذا الخبر في غيره من المراجع التي تيسرت لنا. 2 العقد الثمين 7/ 489، وإتحاف الورى 3/ 104. ج / 1 ص -354- بإنشاء المنارة التي هي الآن فيه، واسمه مكتوب في لوح فيها إلى الآن. وأن أحمد بن عمر المعروف بابن المرجاني التاجي الدمشقي عمره لما كان مجاورا بمكة في سنة عشرين وسبعمائة بما زيد على عشرين ألف درهم، وأصلح فيه بعد ذلك مواضع متشعثة في عصرنا وفيما قبله، وقد كثر تشعثه في عصرنا، وزال كثير من ذلك بعمارته في سنة عشرين وثمانمائة1 والذي تطوع بمصروف هذه العمارة ما عرفته، والمتولي لمصروفها الشيخ علي البغداني شيخ رباط موالينا جهة فرحان بمكة، ولكن ضيق بابه الكبير الذي يلي الطريق العظمى إلى عرفة ومكة، ولو لم يضيقه كان أحسن، للحاجة إلى سعته في أيام الحج2. ومن ذلك: المسجد الذي اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد حجها في حجة الوداع وهذا المسجد بالتنعيم3. واختلف فيه فقيل: هو المسجد الذي يقال له: المسجد الهليلجة، بشجرة هليلجة كانت فيه وسقطت من قريب، وهو المتعارف عند أهل مكة على ما ذكر سليمان بن خليل، وفيه حجارة مكتوب فيها ما يؤيد ذلك، والله أعلم. وقيل: هو المسجد الذي بقربه بئر، وهو بين هذا المسجد وبين المسجد الذي يقال له مسجد علي، بطريق وادي مر الظهران، وفي هذا أيضا حجارة مكتوب فيها ما يشهد لذلك. والخلاف في ذلك من قديم ذكره الفاكهي وغيره. ورجح المحب الطبري أنه المسجد الذي بقربه البئر، وهو الذي يقتضيه كلام إسحاق الخزاعي وغيره، والله أعلم. وعمره على ما ذكر إسحاق الخزاعي: عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى العباسي أمير مكة ثم العجوز والدة المقتدر العباسي على ما ذكر الخزاعي ثم زوج الملك المنصور صاحب اليمن، وتاريخ عمارتها في سنة خمس وأربعين وستمائة أو في سنة أربع وأربعين وستمائة4 على ما ذكر المحب الطبري في تاريخ عمارتها5. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 172 والعقد الثمين 3/ 113، والبداية والنهاية 14/ 96. 2 وعمره الملك الأشرف عام 874هـ، والسلطان محمد قزلار الأغا عام 1072هـ، وسليمان أغا عام 1902م من قبل الخليفة العثماني محمد رشاد، وجددت عمارته في عهد الملك عبد العزيز آل سعود. 3 ويعرف هذا المسجد باسم مسجد التنعيم، والتنعيم هو حد الحرم من جهة المدينة. 4 في إتحاف الورى أن ذلك تم في آخر هذه السنة وأول السنة التي بعدها "إتحاف الورى 3م 64، ودرر الفرائد ص: 704". 5 القرى "ص: 665. ج / 1 ص -355- وممن عمر مسجد الهليلجة: أبو النصر الأستراباذي عنه وعن أخيه في سنة ست وستين وأربعمائة1. ثم الملك المسعود صاحب اليمن ومكة في سنة تسع عشرة وستمائة2، وتاريخ عمارته وعمارة أبي النصر في حجرين مكتوب فيهما ذلك بالمسجد المذكور3. وقد حررنا ذرع هذين المسجدين، فكان طول المسجد المعروف بمسجد الهليلجة من وسط المحراب إلى الجدار الذي في آخر رحبته: خمسة وعشرين ذراعا، وطوله خارجا عن الرحبة: أحد عشر ذراعا، وعرضه: ثلاثة وعشرون ذراعا وربع ذراع، وبين هذا المسجد وبين أول الأعلام التي في الأرض لا التي في الجبل بالتنعيم: سبعمائة ذراع وأربعة عشر ذراعا. كل ذلك حرر بذراع الحديد. وكان طول المسجد الآخر المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها الذي يلي مسجد الهليلجة المشار إليه من المحراب إلى جدار الرحبة المقابل له أربعة وعشرين ذراعا وثلثي ذراع: وعرض الموضع المعبر منه: ثلاثة وعشرون ذراعا وثلاثة أرباع الذراع بالذراع الحديد أيضا. وذرع ما بين المسجدين المشار إليهما: ثمانمائة ذراع، واثنان وسبعون ذراعا بالذراع المذكور. ومنها: مسجد يقال له: مسجد الفتح بالقرب من الجموم من وادي مر الطهران، يقال: إنه من المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ذكره شيخنا القاضي زين الدين بن حسين المراغي المدني في "تاريخه للمدينة المنورة" في المساجد التي نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها بين مكة والمدينة. ونص كلامه: ومسجد في المسيل الذي بوادي مر الظهران حين يهبط من الصفراوات عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، ومر الظهران وهو بطن مر المعروف الآن بمسجد الفتح... انتهى. وممن عمر هذا المسجد على ما بلغني الشريف أبو نمى صاحب مكة وبلغني أنه سبق عمه الشريف إدريس بن قتادة إلى عمارته لما بلغه أن عمه يريد أن يعمره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 475، والعقد الثمين 3/ 261، والنجوم الزاهرة 5/ 95. 2 العقد الثمين 6/ 340، والنجوم الزاهرة 7/ 72. 3 وعمره السلطان العثماني محمود عام 1011هـ ومحمود بك والي جدة عام 1012هـ، وأصلح الوزير سنان بك بئرا بجواره وذلك عام 978هـ، وجددت عمارة المسجد في عهد الملك عبد العزيز آل سعود. ج / 1 ص -356- وممن عمره بعد ذلك: الشريف راجح الحسني، وبيضه في عصرنا من نحو ثمان سنين صاحب مكة الشريف حسن بن عجلان، بياضه الذي هو به الآن، ورفع أبوابه لصونه عن الغنم وشبهها، أثابهم الله تعالى. فهذه الأماكن المباركة بمكة وحرمها وقربه المعروفة الآن بالمساجد. وقد ذكر الأزرقي مساجد أُخَر لا يعرف موضعها الآن، وذكرنا كلامه في أصل هذا الكتاب. ذكر المواضع المباركة بمكة المشرفة المعروفة بالمواليد: هذه المواضع هي مساجد وإنما هي معروفة عند الناس بالمواليد، ولذلك أفردناها عن المساجد بالذكر. فمنها: الموضع الذي يقال له: مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالموضع الذي يقال له سوق الليل، وهو مشهور عند أهل مكة، وذكر الأزرقي أن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه أخذه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يزل بيده ويد ولده حتى باعه بعضهم من محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف الثقفي، فأدخله في داره التي يقال لها: دار البيضاء: ولم يزل هذا البيت في هذه الدار حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى، وهارون فجعلته مسجدا يصلى فيه، وأخرجته من الدار، وشرعته إلى الزقاق الذي في أصل تلك الدار1... انتهى. وذكر السهيلي رحمه الله ما يستغرب في تعيين الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفيمن بناه، لأنه قال: وولد في الشعب، وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بيد محمد بن يوسف أخي الحجاج. ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت2... انتهى. وذكر الحافظ علاء الدين مغلطاي في "سيرته" ما يستغرب أيضا في تعيين الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قال فيما أنبئت به عنه: ولد بمكة، ثم قال: في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف. ويقال: بالشعب. ويقال: بالردم، ويقال: بعسفان... انتهى. والمستغرب من ذلك ما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بالردم، وقيل: بعسفان. والقول بأنه ولد بالردم رواه أبو حفص بن شاهين في "الناسخ والمنسوخ"، لأنه قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن السكن، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردم، وختن بالردم، واستبعث من الردم، وحمل من الردم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 198، القرى "ص: 664"، أخبار مكة للفاكهي "4م 50. 2 الروض الأنف "1/ 184". ج / 1 ص -357- قال البكري: ردم بني جمح بمكة، كانت فيه حرب بينهم وبين بني محارب بن فهر، فقتلت بنو محارب من بني جمح أشد القتل، فسمي ذلك الموضع بما ردم عليه من القتلى... انتهى. ذكر شيء مما ورد في بركة الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم: روى الأزرقي بسنده عن بعض من كان يسكن هذا الموضع قبل أن تخرجه الخيزران من الدار البيضاء أنهم قالوا: لا والله ما أصابنا فيه جائحة ولا حاجة، فأخرجنا منه فاشتد الزمان علينا1... انتهى. ذكر صفة هذا المكان: أما صفته التي أدركناه عليها، فإنه بيت مربع وفيه أسطوانة عليها عقدان، وفي ركنه الغربي مما يلي الجنوب زاوية كبيرة قبالة بابه الذي يلي الجبل، وله باب آخر في جانبه الشرقي أيضا، وفيه عشرة شبابيك، أربعة في حائطه الشرقي، وهو الذي فيه باباه المتقدم ذكرهما، وفي حائطه الشمالي ثلاثة، وفي الغربي واحد. وفي الزاوية اثنان، واحد في جانبها الشمالي، وواحد في جانبها اليماني، وفيه محراب. وبقرب المحراب حفرة عليها درابزين من خشب، وذرع تربيع الحفرة من كل ناحية: ذراع وسدس، الجميع بذراع الحديد المتقدم ذكره وفي وسط الحفرة رخامة خضراء، وكانت هذه الرخامة مطوقة بالفضة على ما ذكره ابن جبير، وذكر أن سعتها مع الفضة ثلثا شبر2... انتهى. وهذا الموضع جعل علامة للموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المكان، وذرع هذا المكان طولا: أربعة وعشرون ذراعا وربع ذراع. وذلك من الجدار الشمالي إلى الجدار المقابل له، وهو الجنوبي الذي يلي الجبل، وذرعه عرضا: أحد عشر ذراعا وثمن ذراع، وذلك من الشرقي الذي فيه بابه إلى جداره الغربي المقابل له، وطول الزاوية المشار إليها: ثلاثة عشر ذراعا ونصف ذراع، وعرضها: ثمانية ونصف، الجميع بذراع الحديد. وكان تحرير ذلك بحضوري. ولم يذكر الأزرقي صفة هذا المكان ولا ذرعه، وقد خفي علينا كثير من خبر عمارته، والذي علمته من ذلك: أن الناصر العباسي عمره في سنة ست وسبعين وخمسمائة3. ثم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أخبار مكة للأزرقي 2/ 199. 2 كذا في الأصل، وعند ابن جبير في "رحلته" "ص: 141": "فتكون سعتها مع الفضلة المتصلة بها شبرا". 3 إتحاف الورى 2/ 544. ج / 1 ص -358- الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ستة وستين وستمائة1، ثم حفيده المجاهد في سنة أربعين وسبعمائة2، وفي سنة ثمان وخمسين وسبعمائة من قبل الأمير شيخون أحد كبار الدولة بمصر، وفي دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر بإشارة مدبر دولته يلبغا الخاصكي3 سنة ست وستين وسبعمائة4، وفي آخر سنة إحدى وثمانمائة أو في التي بعدها، من المال الذي أنفذه الملك الظاهر برقوق صاحب مصر لعمارة المسجد الحرام وغيره بمكة. وكانت عمارة هذا المولد بعد موته5. ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، وهذا المكان من دار أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في الزقاق المعروف بزقاق الحجر بمكة المشرفة، ويقال: للدار كلها مولد فاطمة رضي الله عنها. والموضع الذي يقال إن فاطمة رضي الله عنها ولدت فيه مشهور في هذه الدار، وطوله: خمسة أذرع إلا ثمنا، وعرضه من وسط جداره: ثلاثة أذرع وربع وثمن، الجميع بذراع الحديد. وفي هذا الموضع موضع صغير على صفة البركة مدورة، وسعة فمها طولا من داخل البناء المحوط عليه: ذراع، وعرضها: كذلك، وفي وسطها حجر أسود يقال إنه مسقط رأسها، ولا ريب في كون فاطمة رضي الله عنها ولدت في هذه الدار، وكان تحرير ما ذكرنا من ذرعه بحضوري. ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قريبا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاه مما يلي الجبل، وهو مشهور عند أهل مكة بذلك لا اختلاف بينهم فيه، ولم يذكره الأزرقي، وذكره ابن جبير6، وعلى بابه مكتوب: هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وفيه ربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام أبو العباس أحمد بن الناصر لدين الله أمير المؤمنين في سنة ثمان وستمائة7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 92، ودرر الفرائد "ص: 281". 2 في العقد الثمين 1/ 318، 6/ 158، أن ذلك كان سنة 739هـ، وفي العقود اللؤلؤية 2/ 68 أن ذلك كان سنة 740هـ، كما هو مذكور. 3 يلبغا هو: "يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري" الأمير الكبير المشهور، قتل سنة 768هـ، قال عنه ابن حجر: كانت ليلبغا صدقات كثيرة على طلبة العلم، وقد كان معروفا في بلاد الحجاز "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 4/ 438- 440 رقم 1218". 4 العقد الثمين 5/ 10، 11، وإتحاف الورى 3/ 305. 5 إتحاف الورى 3/ 416. 6 رحلة ابن جبير "ص: 141". 7 إتحاف الورى 3/ 13. ج / 1 ص -359- ذكر صفة هذا المكان وذرعه: هذا المكان رواقان بينهما عقدان كالبابين، طول الرواق المقدم من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له الذي يلي الجبل: أربعة وعشرون ذراعا ونصف وثمن ذراع، وطول الرواق المؤخر: خمسة وعشرون ذراعا ونصف، وعرض الرواقين جميعا: خمسة عشر ذراعا وثلث ذراع، وفي الرواق المقدم ثلاثة محاريب، وفي طرف الرواق المؤخر درجة يصعد منه إلى أعلى هذا الموضع، وهي الآن متخربة، وفي طرف هذا الرواق مما يلي الشرق خوخة صغيرة يدخل منها إلى هذا المكان، وفي طرف الرواق المقدم باب هذا المكان. وفي هذا المكان من العقود سبعة عقود، غير العقدين اللذين بين الرواقين، منها في الرواق المقدم ثلاثة، وفي المؤخر أربعة، وفي طرف الرواق المقدم مما يلي الجبل حفرة صغيرة كالبركة، يقال إنها الموضع الذي ولد فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وطولها: نصف ذراع، وكذلك عرضها، والذراع المشار إليه هو ذراع الحديد، وكان تحرير ذرع ذلك بحضوري. ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه بأسفل مكة، بقرب باب الماجن، وعنده عين مكة المعروفة ببازان1، ولم أر شيئا يدل لصحة ذلك، بل في صحته نظر، لأن هذا الموضع ليس محلا لبني هاشم، والله أعلم. وطول هذا الموضع: خمسة عشر ذراعا وثلث ذراع، وعرضه: سبعة أذرع وربع ذراع وثمن ذراع، وذلك من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له وهو القبلي، وبابه إلى جهة باب الماجن، وهذا المكان الآن خراب جدا، ولا سقف له، وكان تحرير ما ذكرناه من ذرعه بحضوري، والذراع المحرر به هو ذراع الحديد. ومنها: الموضع الذي يقال له مولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجبل الذي يسميه أهل مكة النوبي2 وهو جبل مشهور بأسفل مكة، ولا أعلم في ذلك شيئا يستأنس به، إلا أن جدي لأمي القاضي أبا الفضل النويري كان يزور هذا الموضع في جمع من أصحابه في ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من كل سنة في الغالب، والله أعلم بحقيقة ذلك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ما زال هذا المكان معروفا إلى الآن بمسجد سيدنا حمزة، وهو بقرب بازان المسفلة المسمى ببازان السبعة آبار. 2 اسم الجبل اليوم: "جبل عمران". ج / 1 ص -360- ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد جعفر الصادق بالدار المعروفة بدار أبي سعيد بقرب دار العجلة، لأن على بابه حجرا مكتوب فيه: هذا مولد جعفر الصادق رضي الله عنه، ودخله النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أن بعض المجاورين أمر بعمارته في صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة1... انتهى. ويقال لهذا الموضع مولد جعفر بن أبي طالب المعروف بالطيار، والله أعلم بحقيقة ذلك. وطول هذا الموضع من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له وهو القبلي: ستة عشر ذراعا وثلث ذراع، وعرضه: سبعة أذرع إلا ربع ذراع، الجميع بذراع الحديد وكان تحرير ذلك بحضوري. ذكر الدور المباركة بمكة المشرفة: بمكة دور مباركة معروفة عند الناس وغالبها مساجد، ولكنها مشهورة عند الناس بالدور، ولذلك أفردناها بالذكر عن المساجد. منها: دار خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها بالزقاق المعروف بزقاق الحجر بمكة، ويقال له أيضا: زقاق العطارين على ما ذكره الأزرقي2، وتعرف هذه الدار بمولد فاطمة رضي الله عنها، لكونها ولدت فيها هي وإخوتها أولاد خديجة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكره الأزرقي، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بخديجة فيها، وأنها توفيت فيها، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم ساكنا فيها حتى هاجر إلى المدينة، فأخذها عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم اشتراها منه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وهو خليفة، فجعلها مسجدا يصلى فيه وبناه... انتهى باختصار. وذكر في موضع آخر أن معتب بن أبي لهب أخذ بيت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فباعه من معاوية رضي الله عنه بمائة ألف درهم3... انتهى. وهذا يخالف ما ذكره من أن عقيلا رضي الله عنه أخذ بيت خديجة، والله أعلم بالصواب. وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد، لأن فيها رواقا فيه سبعة عقود على ثمانية أساطين، في وسط جداره القبلي ثلاثة محاريب، وفيه ست وعشرون سلسلة في صفين، وأمامه رواق فيه أربعة عقود على خمس أسطوانات، وبين هذين الرواقين صحن، والرواق الثاني أخصر من الرواق المتقدم، لأن قربه بعض المواضع التي يقصدها الناس بالزيارة في هذه الدار، وهي ثلاثة مواضع: الأول: الموضع الذي يقال له مولد فاطمة رضي الله عنها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 41. 2 أخار مكة للأزرقي 2/ 78. 3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 246. ج / 1 ص -361- والثاني: الموضع الذي يقال له قبة الوحى، وهو ملاصق لمولد فاطمة. والثالث: الموضع الذي يقال له المختبأ، وهو ملاصق لقبة الوحي، زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختبئ فيه من الحجارة التي يرميه بها المشركون1، والله أعلم بحقيقة ذلك. وذرع الموضع الذي يقال له "المختبأ": أربعة أذرع وثلث ذراع، وذلك من الجدار الذي فيه المحراب إلى الجدار المقابل له، وهو طرف جدار قبة الوحي الغربي، هذا ذرعه طولا. وذرعه عرضا: ثلاثة أذرع وثلثا ذراع، وذلك من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له، وذرع الموضع الذي يقال له قبة الوحي من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له: ثمانية أذرع وثلثا ذراع، هذا ذرعه طولا، وأما ذرعه عرضا: فثمانية أذرع ونصف، بذراع الحديد المتقدم ذكره. وقد تقدم ذرع الموضع الذي يقال له مولد فاطمة رضي الله عنها من هذه الدار وذرع الرواق المقدم من هذه الدار من وسط جداريه على الاستواء: ثمانية وثلاثون ذراعا هذا ذرعه طولا، وذرعه عرضا: سبعة أذرع وربع، وذرع ما بين كل أسطوانتين منه: خمسة أذرع وربع، وذرع الرواق المؤخر من هذه الدار من جدار قبة الوحي إلى الجدار المقابل له: ثلاثة وعشرون ذراعا، هذا ذرعه طولا، وذرعه عرضا: عشرة أذرع، وكان تحرير ما ذكرناه من ذرع هذه المواضع بذراع الحديد، وحرر ذلك بحضوري. وعلى باب هذه الدار مكتوب أنها عمرت في خلافة الناصر العباسي، وفي زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر. وفي الرواق المقدم من هذه الدار أن المقتدي العباسي أمر بعمله. وعمر بعض هذه الدار في أول دولة الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق من المال الذي أنفذه أبوه لعمارة المسجد الحرام وغيره، ولم يعمر ذلك إلا بعد موته في آخر سنة إحدى وثمانمائة أو في التي بعدها2. ومما عُمِّر في هذا التاريخ من هذه الدار: الموضع المعروف بقبة الوحي بعد سقوطه، وبلغني أن القبة الساقطة كانت من عمارة الملك المظفر صاحب اليمن، وإلى جانب هذه الدار حوش كبير على بابه حجر مكتوب فيه: إن هذا الموضع مربد مولد فاطمة رضي الله عنها وأن الناصر العباسي عمره، ووقفه على مصالح دار خديجة التي إلى جانبه... انتهى بالمعنى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 142". 2 إتحاف الورى 3/ 416. ج / 1 ص -362- وحكى بعض الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يكثر التردد إلى هذه المواضع وذكر المحب الطبري أن دار خديجة أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام، ولا شك في ذلك1 والله أعلم. ومنها على ما يقال: دار لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بهذا الزقاق، وهي مشهورة فيه، وعلى بابها حجر مكتوب فيه: هذه الدار دار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ورفيقه في الأسفار إلى أن قال الكاتب: أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أمر بعمارته طلبا لثواب الله تعالى، الأمير الكبير نور الدين عمر بن علي بن رسول المالكي المسعود في نعمة السلطان الملك المسعود، ذكر الكاتب ألقابه وألقاب أبيه، ثم قال: وذلك في المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة2... انتهى. والآمر بهذه العمارة هو الذي بنى المسجد الذي فيها، والله أعلم. ولم يذكر الأزرقي هذه الدار للصديق رضي الله عنه، وذكرها ابن جبير في مشاهد مكة، لأنه قال لما ما ذكر مشاهدها: ومن مشاهدها الكريمة: دار لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي اليوم دارسة الأثر، ويقابلها جدار فيه حجر مبارك يتبرك الناس بلمسه، يقال إنه كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم متى اجتاز عليه3... انتهى. وذكر خطيب سبتة الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن عمر بن رشيد بضم الراء المهملة الفهري في "رحلته" شيئا من خبر هذه الدار، وهذا الحجر، لأنه ذكر أن ممن لقي بمكة المشرفة فقيهيْ الحرم: الرضا محمد بن أبي بكر بن خليل وأخاه العلم أحمد، ثم قال: فلما زرناهما، جزنا بالطريق طريق دارهما بحجر يتبرك الناس بالتمسح به، فسألت علم الدين عنه فقال: أخبرني عمي سليمان قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف، قال: أخبرني أبو حفص الميانشي، قال: أخبرني كل من لقيت بمكة أن هذا الحجر هو الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحجر الذي مررنا به هو الذي بجهة باب النبي صلى الله عليه وسلم أمام دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه بارزا هنالك عن الحائط قليلا... انتهى. وهذ الحجر إن صح كلامه للنبي صلى الله عليه وسلم فلعله الحجر الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على ليالي بعثت"4... انتهى بالمعنى. وقد اختلف في هذا الحجر، فقيل: هو الحجر الأسود، وقيل: حجر غيره بمكة لعله هذا، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 القرى "ص: 664". 2 العقد الثمين 6/ 340، إتحاف الورى 3/ 41. 3 رحلة ابن جبير "ص: 92". 4 أخرجه: مسلم "الفضائل: 2277". ج / 1 ص -363- وطول هذا المسجد الذي في هذه الدار المذكورة: ثمانية أذرع، وعرضه: ستة أذرع، وذلك من جدار المحراب إلى باب المسجد، وكان تحرير ذرع ذلك بذراع الحديد، وحرر بحضوري. ومنها: دار الأرقم المخزومي، وهي الدار المعروفة بدار الخيزران عند الصفا والممقصود بالزيارة منها هو المسجد الذي فيها، وهو مشهور، وهو من المساجد التي ذكرها الأزرقي، وذكر أن النبي صلى اللهعليه وسلم كان مختبئا فيه. وفيه أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه1... انتهى. ولعل هذا الموضع أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لكثرة مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيه يدعو الناس للإسلام مستخفيا، وإقامته صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع دون إقامته بدار خديجة رضي الله عنها، لذلك كانت أفضل من هذا الموضع، والله أعلم. وطول هذا المسجد: ثمانية أذرع إلا قيراطين: وعرضه: سبعة أذرع وثلث، الجميع بذراع الحديد. حرر ذلك بحضوري، وفيه مكتوب: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] هذا مختبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الخيزران، وفيه مبتدأ الإسلام، أمر بتجديده الفقيرة إلى الله تعالى مولاة أمير الملك مفلح سنة ست... وذهب بقية التاريخ. وعمره أيضا الوزير الجواد وعمره أيضا المستنصر العباس، وعُمر أيضا في عصرنا من قبل امرأة مجاورة يقال لها: مرة العصماء، وعمر أيضا في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة2، والذي أمر بهذه العمارة لا أعرفه، والمتولي لصرف النفقة فيها علاء الدين علي بن ناصر محمد بن الصارم المعروف بالقائد. ومن الدور المباركة بمكة: دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بالمسعى، وفيها العلم الأخضر، وهي الآن رباط الفقراء. ومنها: الرباط المعروف برباط الموفق بأسفل مكة، لأني وجدت بخط جد أبي الشريف عبد الله الفاسي أنه سمع الشيخ أبا عبد الله بن مطرف نزيل مكة يقول: ما وضعت يدي في حلقة باب الرباط قال جدي: يريد رباط الموفق إلا وقع في نفسي كم ولي لله وضع يده في هذه الحلقة... انتهى. وبلغني أن الشيخ خليلا المالكي كان يقول: إن الدعاء مستجاب فيه أو عند بابه، وأنه كان يكثر إتيانه للدعاء، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 200. 2 إتحاف الورى 3/ 365. ج / 1 ص -364- ومنها: الموضع الذي يقال له: معبد الجُنَيد، بلحف الجبل الذي يقال له الأحمر، أحد أخشبي مكة، ويقال له الآن: قعيقعان، ويسميه أهل مكة أيضا جبل أبي الحارث، والله أعلم. وهو مشهور بمكة المشرفة. ذكر الجبال المباركة بمكة وحرمها: بمكة وحرمها جبال مباركة منها: الجبل المعروف بجبل أبي قبيس، لأن فيه قبر آدم عليه السلام على ما يقال لأن صاحب "المورد العذب الهني" قال: قال -يعني ابن منبه: حفر له -يعني آدم في موضع في أبي قبيس في غار يقال له غار الكنز، فاستخرجه نوح عليه السلام وجعله في تابوت معه في السفينة، فلما نضب الماء رده نوح عليه السلام إلى مكانه... انتهى. وهذا الغار لا يعرف الآن، وقد اختلف في موضع قبر آدم عليه السلام على أربعة أقوال: الأول: أنه كان بأبي قبيس، كما قال وهب. والثاني: أنه بمسجد الخيف، كما قال عروة بن الزبير فيما روى عنه الفاكهي بسنده، وقد تقدم لنا ذلك في أخبار مسجد الخيف، وفيه أنه دفن به بعد أن صلى عليه جبريل بباب الكعبة. والقول الثالث: أنه عند مسجد الخيف، حكى هذا القول الذهبي في تأليف له ترجم فيه تاريخ مدة آدم وبنيه، رأيته بخط الذهبي قال فيه: بعد أن ذكر قول وهب السابق في قبر آدم بالمعنى: وقيل: دفنه سام بن نوح عند مسجد الخيف، ولم يحك هذا القول وهب إلا بصيغة التمريض. والقول الرابع: أنه ببلاد الهند في الموضع الذي أهبط إليه من الجنة، وصحح هذا القول الحافظ عماد الدين بن كثير في "تفسيره" والله أعلم. ووقع في تاريخ الإمام الأزرقي ما لعله يوهم أن قبر آدم عليه السلام كان في بيت المقدس، لأن فيه: وأخبرني مقاتل قال: في المسجد الحرام بين زمزم، قبر تسعين نبيا منهم: هود، وصالح، وإسماعيل، وقبر آدم، وإبراهيم، وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام في بيت المقدس1... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 73. ج / 1 ص -365- وفي أبي قبيس على ما يقال قبر شيث بن آدم وأمه حواء، لأن الذهبي قال في الجزء الذي ألفه في تاريخ مدة آدم وبنيه ما نصه: وخلفه بعده ابنه شيث، وأنزلت عليه خمسون صحيفة، وعاش تسعمائة سنة، ودفن مع أبويه في غار أبي قبيس... انتهى. ومن خط الذهبي نقلت ذلك، والله أعلم. وفي أعلى جبل أبي قبيس موضع يقول الناس فيه: انشق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم أر ما يدل لصحة هذه المقالة، بل رأيت ما يدل على أن الانشقاق وقع في هذا الجبل في غير هذا الموضع الذي يقوله الناس، لأن أبا نعيم روى بسنده إلى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذلك كان -ويعني انشقاق القمر- ليلة أربع عشرة، فانشق القمر نصفين، نصفا على الصفا، ونصفا على المروة... انتهى. والصفا: من جبل أبي قبيس على ما قال العلماء: وهو بأسفله ويروى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ما يقتضي أن القمر انشق على أبي قبيس من غير بيان موضعه، وهذا في كتاب الفاكهي، لأنه روى بسنده إلى ابن جريج، عن مجاهد شيئا في انشقاق القمر، ثم عقب ذلك بقوله قال: أخبرني أبو معمر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت القمر ينشق شقين مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، شقة على أبي قبيس، وشقة على كُدَي وكداء... انتهى باختصار. وما عرفت المراد بكدي وكداء: هل الثنية السفلى لمقابلتها لأبي قبيس، أو مكان آخر، ويتأكد كون الثنية السفلى بأن القطب الحلبي ذكر شيئا في انشقاق القمر، قال: كان يرى نصفه على قعيقعان1. ونصفه الآخر على أبي قبيس... انتهى. وقعيقعان عنده الثنية السفلى، وهي على مقتضى ما ذكر المحب الطبري: الثنية التي بني عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة، ولعلها من قعيقعان، والله أعلم. وقوله: نصفا على الصفا في الخبر الذي ذكره أبو نعيم لا يعارض قول ابن مسعود رضي الله عنه شقة على أبي قبيس وقول القطب الحلبي: ونصفه على أبي قبيس لما سبق من قول العلماء: إن الصفاء من أبي قبيس... وقوله: ونصفا على المروة: لا يوافق كون المراد بكدي وكداء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثنية السفلى، وما ذكرناه عن القطب الحلبي مذكور في كتابه "المورد العذب الهني في شرح سيرة عبد الغني المقدسي" وعليه اعتمدت في نقل الحديث الذي نقلناه عن أبي نعيم، لأنه في كتابه المذكور، وقال بعد ذكره له: فعلى هذا يكون الانشقاق بنفس بلد مكة... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 قعيقعان: بالضم ثم الفتح، بلفظ تصغير، اسم لجبل بمكة "معجم البلدان 4م 379". ج / 1 ص -366- ويدل على وقوع الانشقاق بمكة: الحديث الذي رويناه في مسند عبد بن حميد ولفظه: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] إلى قوله: {سِحْرٌ مُسْتَمِرّ} [ القمر:2]. وأخرجه الترمذي: عن عبد بن حميد، فوقع لنا موافقة له عالية بدرجتين بالنسبة إلى روايتنا المتصلة بالسماع، وفي بعض طرق حديث أنس رضي الله عنه: سأل أهل مكة النبي صلى الله علبيه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما. وذكر القاضي عياض في "الشفا": أن مسروقا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الانشقاق كان بمكة، وروى ذلك أبو يعلي في مسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على ما نقل بعض مشايخنا1، وروينا من حديث ابن مسعود رض الله عنه أيضا ما يقتضي أن الانشقاق كان بمنى، لأن مسلما قال في صحيحه: وحدثنا منجاب بن الحرب التميمي واللفظ له. أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش بن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا"2. ولا تعارض بين رواية من روى أن الانشقاق كان بمكة، وبين رواية من روى أنه كان بمنى، لأن سبب الانشقاق أن بعض المشركين سأل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر، وأظهره الله تعالى هكذا ليراه من بمكة وحولها، تصديقا لنبيه صلى الله عليه وسلم، في المعجزة التي طلبت منه، فإن بعض المشركين تردد في ذلك وعد ذلك سحرا، وأحال بعضهم الأمر في صحة ذلك على السُّفّار، فأخبر السُّفّارُ عند قدومهم برؤيتهم القمر منشقا، حتى أنه رؤي هكذا في آفاق مكة على ما ذكره القطب الحلبي. ونقل القاضي عياض، عن السمرقندي، عن الضحاك: أن أبا جهل بن هشام، هو القائل، هذا سحر، وأنه قال: فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى ينظروا أرأوا ذلك أم لا؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا، فقال -يعنى للكفار: هذا سحر مستمر... انتهى. وروينا معنى ذلك في مسند أبي داود الطيالسي، لأن فيه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وانشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء السفار فقالوا ذلك... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الشفاء 1/ 281. 2 أخرجه مسلم "الفضائل: 280". ج / 1 ص -367- وانشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم من معجزاته الباهرة المتواترة بنص القرآن العظيم، في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر} [القمر: 1]، وثبوتها في السنة الصحيحة الشريفة من حديث أنس، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم وحديثهم في صحيح مسلم1. وروي من حديث علي بن أبي طالب، وجبير بن مطعم، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين، ولا عبرة باستبعاد كثير من الملاحدة الانشقاق، فإن ذلك شقاوة منهم، وإنكار لأمر محسوس متواتر وقوعه في النقل، ولم يستحل جوازه في العقل. وفي "الشفاء" للقاضي عياض ذكر حجتهم في ذلك والرد عليهم بما فيه الكفاية ونشير هنا لشيء من ذلك، قال فيما رويناه عنه: ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم، أنه لم تنقل الناس لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة، فلم يروه انشق، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز غالبهم على الكذب لكثرتهم لما كانت به علينا حجة، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض، فيه يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلتهم من أقطار الأرض... إلى آخر كلامه. وذكر القطب الحلبي وجها في الرد على من استبعد ذلك، فقال: ويحتمل أن يكون خرق العادة في ذلك الوقت لصرف جميع أهل الأرض عن الالتفات إليه في تلك الساعة، ليخص أهل مكة بهذه الآية التي طلبوها... انتهى. ومن فضائل جبل أبي قبيس: أنه كان يدعى الأمين، لأن الحجر الأسود استودع فيه زمن الطوفان، فلما بنى إبراهيم الخليل عليه السلام البيت، نادى أبو قبيس: الركن مِنِّي بمكان كذا وكذا، وجاء جبريل عليه السلام فوضعه موضعه من الكعبة. ومن فضائله: أن الدعاء فيه يستجاب، لأن الفاكهي ذكر في خبر وفد عاد للاستسقاء لقومهم بسبب جدب بلادهم: أنهم نزلوا على بكر بن معاوية سيد العماليق يومئذ بمكة، فأقاموا عنده شهرا يسقيهم الخمر، ويطعمهم اللحم، وتغنيهم الجرادتان، فلهوا عما جاءوا له، واستحيا بكر من مشافهتهم بذلك، فعمل شعرا غنتهم به الجرادتان، فأقاموا من غفلتهم، فنهضوا، فلما رآهم بكر بن معاوية قال لهم: اعلوا هذا الجبل يعني أبا قبيس، فإنه لم يعله خاطئ يعرف الله تعالى منه الإنابة إلا أجابه إلى ما دعاه إليه، وذكر بقية الخبر في دعاء كل من الوفد، واستجابة دعائه، وما ذكرناه منه باللفظ وبعضه بالمعنى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 صحيح مسلم "الفضائل: 2800". ج / 1 ص -368- ومن فضائله: أنه أول جبل وضعه الله تعالى في الأرض على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما وسمعت بعض علماء العصر يقول: إنه أفضل جبال مكة حتى أنه فضله على حراء، وعلل ذلك بكونه أقرب الجبال إلى الكعبة، وفي النفس شيء من تفضيله على حراء، لكونه صلى الله عليه وسلم كان يكثر إتيانه للعبادة، ويقيم فيه لأجلها شهرا في كل عام، وفيه أكرمه الله بالرسالة، ولم يتفق له صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في جبل سواه، وذلك مما يقتضي امتيازه بالفضل، ويؤيد ذلك أن المحب الطبري قال في دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بمكة إنها أفضل المواضع بمكة بعد المسجد الحرام، وليس لتفضيل دار خديجة رضي الله عنها على غيرها من دور الصحابة بمكة موجب سوى طول سكنى النبي صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي عليه فيها، ولو كانت الأفضلية تحصل بالقرب من الكعبة من غير نظر إلى شيء من المعاني التي ذكرناها في تفضيل حراء ودار خديجة رضي الله عنها لفضل على جبل حراء كل جبل كان أقرب منه إلى الكعبة، ولفضل على دار خديجة ما هو أقرب منها إلى الكعبة كدار العباس رضي الله عنه بالمسعى، ودار الأرقم المخزومي رضي الله عنه بالصفا، المعروفة بدار الخيزران، وأستبعد أن يقال ذلك، والله أعلم. ومن خواص جبل أبي قبيس: ما ذكره أبو عبد الله محمد بن محمد القزويني في كتابه "عجائب المخلوقات" لأنه قال: جبل أبي قبيس مطل على مكة، يزعم الناس أن من أكل عليه الرأس المشوي يأمن أوجاع الرأس، وكثير من الناس يفعل ذلك... انتهى1، وهذا عجيب والله أعلم بحقيقة ذلك. ومنها: جبل الخندمة، لما روي فيها من الفضل، لأن الفاكهي قال بعد تعريفه للخندمة: فحدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم المليكي قال: حدثني عبد الله بن عمر بن أسامة الحميدي قال: حدثنا أبو صفوان المرواني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما مطرت مكة قط إلا كان للخندمة غرة، وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا... انتهى، والله أعلم بصحته. وقال الفاكهي في تعريف جبل الخندمة: الخندمة ما بين حرف السويد إلى الثنية التي عليها بئر ابن أبي شمير في شعب عمر، ومشرفة على أجياد الصغير، وعلى شعب ابن عامر، على دار محمد بن سليمان في طريق منى، وهو جبل في ظهر أبي قبيس، ومن قافية الخندمة من ظهرها المشرف على دار ابن صيفي المخزومي بين الثنية التي يسلك منها من شعب ابن عامر إلى شعب آل سفيان دون شعب الخور، وذلك الموضع الذي على يمين من انحدر من الثنية التي يسلك منها من شعب ابن عامر، وعلى دار ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 عجائب المخلوقات "ص: 126". ج / 1 ص -369- محمد بن سليمان في طريق منى إذا جاوزت المقبرة عن يمين الذاهب إلى منى... انتهى. وذكر الأزرقي في تعريف الخندمة نحو ما ذكره الفاكهي باختصار1، والخندمة الآن معروفة عند الناس بمكة، وفيها يقول القائل: إنك لو شهدت يوم الخندمة الأبيات المشهورة في خبر فتح مكة. ومنها: جبل حراء بأعلى مكة، لكثرة مجاورة الني صلى الله عليه وسلم، وما خصه صلى الله عليه وسلم به فيه من الكرامة بالرسالة إليه، ونزول الوحي فيه عليه، وكان نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار فيه، لأن في بعض طرق الحديث: حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، وهذا الغار بأعلى حراء، في مؤخره، وهو غار مشهور عند الناس، نقله الخلف عن السلف، ويقصدونه بالزيارة. وذكر الأزرقي موضع هذا الغار، لأنه قال بعد ذكره لحائط حراء: وهو مشرف القلة مقابل لثَبير غَيْناء، ومحجة العراقي بينه وبينه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه واختبأ فيه من المشركين من أهل مكة في غار في رأسه، مشرف القلة مما يلي القبلة1... انتهى. وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم اختفى بحراء من أذى المشركين وهذا غريب، وكذلك ما ذكره الأزرقي، لأن المعروف في الغار الذي اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين أنه غار ثور لا غار حراء، فإنه كان يأتيه للعبادة، والله أعلم، وإن صح اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم بحراء فهو غير اختفائه بثور، والله أعلم. وذكره أبو عبيد البكري مع شيء من خبره، لأنه قال: حراء مشهور، بينه وبين مكة ميل ونصف، وهو جبل صعب المرتقى لا يصعد إلى أعلاه إلا من موضع واحد على رصفة ملساء، وهو في جميع جوانبه منقطع لا يرقاه راق، والموضع الذي نزل جبريل عليه السلام فيه في أعلاه من مؤخره في شق مبارك... انتهى. قلت: ما ذكره أبو عبيد من أن بين حراء ومكة ميلا ونصفا فيه نظر، لمخالفته ما نقله صاحب "المطالع"، لأنه قال: وهو على ثلاثة أميال من مكة، وذكر ذلك غيره وهو ابن جبير، لأنه قال: ومن جبال مكة المشهورة جبل حراء، وهو في الشرق منها على فرسخ أو نحوه2، وذكره في موضع آخر من رحلته أنه في مكة على ثلاثة أميال... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 222. 2 رحلة ابن جبير "ص: 90". ج / 1 ص -370- قلت: والعيان يشهد بخلاف ما ذكره البكري في مقدار ما بين حراء ومكة، ولصحة ما ذكر ابن جبير وصاحب "المطالع" في مقداره، والله أعلم. وقال ابن عطية المفسر في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] ورأيت عن بعض أقوياء العرب أنه كان يمكو على الصفا فيسمع من حراء وبينهما أربعة أميال... انتهى. وهذا قول ثالث فيما بين حراء ومكة والله أعلم، والمكاء: الصفير. وذكر الخطابي أن أهل الحديث يخطئون فيه ثلاثة مواضع: يفتحون حاءه، ويكسرون الراء وهما مفتوحان، ويقصرونه وهو ممدود... انتهى. وكانت أهل الجاهلية تعظمه وتذكره في أشعارها، فمن ذلك قول أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم: وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل وذكره المسلمون في أشعارهم1. ومنها: جبل ثور بأسفل مكة، لاختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيه حين هاجرا إلى المدينة، وذلك في غار مشهور فيه، وهو الغار الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]. وقد جاء في فضله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنا أبا بكر الصديق قال لابنه: يا بني إن حدث في الناس حدث فأت الغار الذي اختبأت فيه، فإنه سيأتيك رزقك غدوة وعشية، وهذا الحديث رواه البزار في مسنده، إلا أن في سنده موسى بن مطير وهو كذاب2. ويروى أن هذا الجبل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إليَّ يا محمد فقد آويت قبلك سبعين نبيا. وهذا الغار مشهور في هذا الجبل، يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة. وقد ذكر ابن جبير في رحلته أن طول الغار ثمانية عشر شبرًا، وطول فمه الضيق خمسة أشبار، وسعته وارتفاعه عن الأرض مقدار شبر في الوسط منه، ومن جانبيه ثلثا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 معجم البلدان 2/ 86، وفيه: "وعير وراق" وانظر شعرا عنه في معجم ما استعجم 2/ 432. 2 الجرح والتعديل 8/ 162 رقم 717، التاريخ لابن معين 2/ 569 رقم 1608، وميزان الاعتدال 4/ 223، ولسان الميزان 6/ 130، والخبر ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 297، وعزاه للبزار. ج / 1 ص -371- شبر، وعلى الوسط منه يكون الدخول، وسعة الباب الثاني المتسع في مدخله خمسة أشبار... انتهى. وقد وسع بابه في عصرنا -الآن- بعض الناس، ولج فيه فانحبس فيه، فنحت عنه الحجر حتى اتسع عليه، وذلك في سنة ثمانمائة أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل1. وذكر ابن جبير: أن أكثر الناس يتجنبون دخوله من بابه الضيق2، لما فيه من المشقة التي يقاسيها الداخل، ولما يقال من أن من لا يدخل منه ليس لأبيه، وذكر أن بعض الناس يقولون: ليس يصعد جبل أبي ثور أحد إلا ثور... انتهى. قلت: اللهم غفرا. وذكر ابن جبير: أنه من مكة على ثلاثة أميال، وهكذا نرى ابن الحاج في "منسكه" وسماه بأبي ثور على ما نقل عنه المحب الطبري، وقال المحب: والمعروف المشهور فيه ثور1... انتهى. وسماه البكري بأبي ثور، وقال: إنه من مكة على ميلين، ويكون ارتفاعه نحو الميل. وفي أعلاه الغار الذي دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه وهو المذكور في الكتاب العزيز، والبحر يرى من أعلا هذا الجبل، وفيه من كل نبات الحجاز وشجره، وفيه شجر اللبان، وفيه شجرة من حمل منها شيئا لم تلدغه هامة... انتهى. وقال في "القاموس" بعد ذكره لهذا الجبل ما نصه: "ويقال: له ثور أطحل. واسم الجبل أطحل، نزله ثور بن عبد مناة فنسب إليه"3... انتهى. وفيه فيما قيل قتل قابيلُ هابيل، وهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، ذكر ذلك شيخنا الإمام كمال الدين الدميري4 في تعاليقه، ونص المكتوب بخطه: عجيبة قتل قابيل هابيل، قال ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات إنه كان في جبل ثور بقرب مكة... انتهى. أفادني ذلك عن خط شيخنا بعض أصحابنا المعتمدين. قلت: وثور أيضا جبل بالمدينة مذكور في حد حرمها، وكما في صحيح مسلم5 من حديث علي رضي الله عنه، وهو جبل صغير جدا، أُحد عن يساره ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 القرى "ص: 665". 2 رحلة ابن جبير "ص: 94". 3 القاموس المحيط 1/ 384، معجم ما استعجم 1/ 348. 4 هو صاحب كتاب "الحيوان" المشهور، توفى عام 818هـ. 5 صحيح مسلم "الفضائل: 1370، وجاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور". ج / 1 ص -372- ذكره العفيف بن مزروع، ونقل ذلك عن طوائف من العرب عارفين بتلك المواضع، وأنكر بعضهم أن يكون ثور بالمدينة1 والله أعلم. ومن الجبال المباركة بحرم مكة: جبل ثبير، لأنا روينا في "تارخ الأزرقي" قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن معاوية بن عبد الله الأزدي، عن معاوية بن قرة، عن الخلد بن أيوب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما تجلى الله عز وجل للجبل تشظي، فطارت لطلعته ستة أجبل، فوقعت بمكة ثلاثة وبالمدينة ثلاثة، فوقع بمكة: حراء، وثبير، وثور، ووقع بالمدينة أحد، وورقان، ورضوى"2. وقال أبو عبد الله محمد بن محمد القزويني في كتابه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات": جبل ثبير بمكة بقرب منى، هو جبل مبارك يقصده الزوار، وهو الذي أهبط الله تعالى عليه الكبش الذي جعله فداء لإسماعيل عليه السلام، والعرب تقول: أشرق ثبير كيما نُغِير3... انتهى. قوله: "بمكة" سبق إليه الجوهري، وهو يجوز، لكونه بقرب مكة، وقوله بقرب منى ينبئني على قول من قال: إنه جبل بالمزدلفة، وهو قول مرجوح، ويؤيده ما ذكره من أنه أُهبط عليه الكبش الذي فُدِيَ به إسماعيل، ولم يختلفوا في أن هذا الجبل بمنى، وهو على يسار الذاهب إلى عرفة... انتهى، والله أعلم. وقال شيخنا قاضي القضاة مجد الدين الشيرازي في كتابه "الوصل والمنى في فضل منى" إن أبا بكر النقاش المفسر قال في "منسكه" إن الدعاء يستجاب في ثبير يعني ثبير الأثبرة الذي يلحقه مغارة الفتح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يتعبد فيه قبل النبوة وأيام ظهور الدعوة، ولهذا جاورت به عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وذكر أن بقرب المغارة التي أنشأها يلحق ثبير معتكف عائشة رضي الله عنها... انتهى بالمعنى. ويعرف هذا الموضع بصخرة عائشة، والله أعلم بحقيقة ذلك. ومنها: الجبل الذي يلحق مسجد الخيف، لأن فيه غارا يقال له غار المرسلات، لأن فيه أثر رأس النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقال، ذكر ذلك ابن جبير، لأنه قال بعد ذكر مسجد الخيف: وبقربه منه على يمين المار في الطريق حجر كبير مسند إلى سفح الجبل مرتفع على الأرض يظلّ ما تحته، ذُكِرَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد تحته مستظلا، ومس رأسه المكرم فيه، فلان الحجرُ حتى أثر فيه تأثيرا بقدر دورة الرأس، فتبادر الناس بوضع رءوسهم في هذا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 معجم ما استعجم 1/ 350. 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 280، 281. 3 عجائب المخلوقات "ص: 127". ج / 1 ص -373- الموضع تربكا واستجارة لها بموضع مسّ الرأس الكريم ألا يمسه النار برحمته عز وجل1... انتهى. وذكره ابن خليل، لأنه قال: ويستحب أن يزور مسجد المرسلات، وفيه نزلت سورة المرسلات، وهو يماني مسجد الخيف. وذكر المحب الطبري نحو ذلك، لأنه قال في كتابه "القرى" في الباب الثلاثين: ما جاء في الغار الذي أنزلت فيه سورة "والمرسلات"، عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات عرفا، وإنه ليتلوها، وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حية فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اقتلوها" فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقيت شركم كما وقيتم شرها"، أخرجه البخاري2 في باب ما يقتل المحرم من الدواب، وهذا الغار مشهور بمنى خلف مسجد الخيف نحو الجبل مما يلي اليمن، كذلك يأثره الخلف عن السلف، والله أعلم3... انتهى. وبلغني عن شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي ما معناه أنه قرأ في هذه الغار سورة "المرسلات" في جماعة من أصحابه، فخرجت عليهم منه حية، فابتدروها ليقتلوها فهربت، وهذا من غريب الاتفاق لموافقة القصة التي اتفقت للنبي صلى الله عليه وسلم كما في "صحيح البخاري" وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. ورأيت في نسختي من مسند ابن مسعود رضي الله عنه ومن مسند ابن حنبل ما يقتضي أن هذه القصة اتفقت للنبي صلى الله عليه وسلم بحراء، لأنه قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} ليلة الحية، فقلنا: وما ليلة الحية يا أبا عبد الرحمن؟ قال: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه بحراء ليلا، خرجت علينا حية من الجبل، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها، فطلبناها فأعجزتنا، فقال: "دعوها فقد وقاها الله شركم كما وقيتم شرها"4... انتهى. فإن لم يكن قوله بحراء تصحيفا فهو يخالف ما قيل إن الغار المعروف بغار المرسلات بمنى، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 138". 2 البخاري 4/ 29 في الحج باب ما يقتل من الدواب. 3 القرى "ص: 539، 540". 4 أخرجه أحمد في المسند 1/ 458، وفيه: "دعوها عنكم". ج / 1 ص -374- ذكر مقابر مكة المباركة: بمكة المشرفة مقابر مباركة، منها: المقبرة المعروفة بالمعلاة1، ويقال: المعلي بلام وياء، وهي مشهورة، وروينا بالسند المتقدم إلى الأزرقي قال: وأخبرني جدي عن الزنجي قال: كان أهل مكة في الجاهلية، وفي صدر الإسلام يدفنون موتاهم في شعب أبي ذئب، وبين الحجون إلى الشعب الصفي -صفي الشباب- وفي الشعب الملاصق لثنية المذنبين، الذي هو اليوم مقبرة أهل مكة، ثم تمضي المقبرة مصعدة لاصقة بالجبل إلى ثنية أذاخر بحائط خرمان، ثم قال الأزرقي وكان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يمنة وشأمة في الجاهلية والإسلام، ثم حول الناس جميعا قبورهم في الشعب الأيسر لما جاء من الرواية فيه، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الشعب، ونعم المقبرة"2. وبالإسناد المتقدم إلى الأزرقي قال: قال جدي: لا نعلم بمكة شعبا يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف إلا شعب المقبرة، فإنه يستقبل وجه الكعبة كله. وبه إليه قال:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...