65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الخميس، 18 مايو 2023

كتاب: الأصول في النحو الجزء الثاني تأليف: محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي

3

كتاب: الأصول في النحو
 

الجزء الثاني

تأليف:  محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
316
هـ
دراسة وتحقيق:
عبد الحسين الفتلي
الناشر:
مؤسسة الرسالة لبنان - بيروت

بعد باب الافعال المبنية واول
باب الحروف التي جاءت للمعاني32
32
الأصول في النحو
ج / 2 ص -206- باب الحروف التي جاءت للمعاني:
قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرفُ به الحرف والفرق بينه وبين الاسم والفعل، وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها, وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني, وحقها البناء على السكون وما بنيَ منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركًا، وهي تنقسم أربعة أقسامٍ: ساكنٌ يقال لهُ موقوفٌ, ومضمومٌ, ومكسور, ومفتوح الأولِ.
الموقوف: ويبدأ بما كان منه على حرفين وذلكَ أَمْ، وأَوْ، وهَلْ وتكون بمعنى: "قَدْ", ولَم نفيُ فَعَلٍ, ولَنْ نفيُ سيفعلُ, فإنْ للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول، وتكون لغوًا في "ما إنْ يفعلُ" وتكون "كما" في معنى "ليسَ" قال الشاعر:

وَرجِّ الفتى لِلخَيْرِ ما إنْ رأَيتَهُ1


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 2/ 306 على زيادة "إن" بعد "ما" للتوكيد، وما ههنا مؤدية عن معنى الزمان، فموضعها نصب على الظرفية. وهو صدر بيت عجزه:
على السن خيرًا لا يزال يزيد
والمعنى: وجه للخير ما رأيته يزيد خيره بزيادة سنه ويكف عن صباه وجهله، ولم يعرف قائل هذا البيت.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 513, والخصائص 1/ 110, والارتشاف 383، ومفاتيح العلوم للسكاكي/ 53، وابن يعيش 8/ 130، والمغني 2/ 756.



ج / 2 ص -207- ومن ذلك "أنْ" المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر، وتكون بمنزلة "أَي" وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغوًا نحو قولك: لمَّا أَنْ جَاءَ. وأما واللهِ أَنْ فَعَلْتَ, فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك: أَنْ تأتيني خيرٌ لَك واللام تحذف من أَنْ كقوله: أَنْ تقتلَ أحدهما وأنْ كانَ ذَا مالٍ, ويجوز أن تضيف إلى "أَنْ" الأسماء تقول: إنهُ أَهلٌ أَن يفعلَ ومخافة أَن يفعلَ، وإنْ شئت قلت: إنَّهُ أهلٌ أنْ يفعلَ ومخافةُ أنْ يفعلَ, وإنَّهُ خليقٌ لأَنْ يفعلَ, وإنَّهُ خليقٌ أنْ يفعلَ, وعسيتَ أَنْ تفعلَ, وقاربتَ أَنْ تفعلَ ودنوتَ أَنْ تفعلَ، ولا تقول: عسيتَ الفعل ولا للفعلِ وتقول: عسى أَنْ يفعلَ وعسى أَن يفعلا وعسى أَن يفعلوا، وتكون عسى للواحد وللاثنين وللجميع, والمذكر والمؤنث. ومن العرب من يقول: عَسى, وعَسيا، وعسوا، وعسيتُ، وعسيتِ، وعسينَ، فمن قال ذاك كانت "أَنْ" فيهن منصوبةً, ومن العرب من يقول: عس يفعلُ فشبهها بكادَ يفعلُ، فيفعلُ في موضعِ الاسمِ المنصوب في قوله: عسَى الغويرُ أَبؤسًا1.
فأما "كادَ" فلا يذكرونَ فيها "أَنْ" وكذلك كربَ يفعلُ ومعناهما واحدٌ, وجعلَ وأَخذَ فالفعلُ هنا بمنزلة الفعلِ في "كانَ" إذا قلت: كانَ يقولُ, وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثَم وقد جاء في الشعر: كادَ أن يفعلَ, ويجوزُ في الشعر: لعلِّي أَن أفعلَ بمنزلة عسيتُ أَنْ أفعلَ، وتقول: يوشكُ أَنْ تجيءَ، فيكون موضعُ "أَن" رفعًا, ويجوز أن يكون نصبًا وقد يجوز: "يُوشكُ" تجيء بمنزلة "عسَى" قال أمية بن أبي الصلتِ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هذا مثل استشهد به سيبويه 1/ 478 وفي مجمع الأمثال 2/ 17 "الغوير: تصغير غار, والأبؤس جمع بؤس وهو الشدة". وأصل هذا المثل فيما يقال من قول الزباء, حين قالت لقومها عند رجوع قصير من العراق ومعه الرجال, وبات بالغوير على طريقه: عسى الغوير أبؤسًا، أي: لعل الشر يأتيكم من قبل الغار.
وهو يضرب للرجل يخبر بالشر فيتهم به.
وانظر: مجالس ثعلب/ 372, ومعجم البلدان 4/ 220, واللسان 19/ 284, والخزانة 4/ 78-79, وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2/ 50.



ج / 2 ص -208- يُوشكُ مَنْ فُرَّ مِنْ منيتهِ في بعضِ غراتهِ يُوافقُها1

قال سيبويه: وسألتهُ, يعني الخليل عن معنى أريدُ لأَنْ تفعلَ؟ فقال: المعنى إرادتي لهذا, كما قال تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}2.
وأما "أنْ" التي بمعنى "أيْ" فنحو قوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}3 ومثله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّه}4 فأما كتبت إليه أن افعل، وأمرتهُ أَنْ قُمْ فتكون على وجهينِ: على التي تنصب الأفعالَ وعلى "أَي" ووصلك لها بالأمرِ كوصلِكَ للذي يفعلُ إذا خاطبتَ, والدليل على أنَّها يجوز أن تكون الناصبة قولُكَ: أَوعز إليهِ بأَن افعلْ وقولُهم: أرسل إليه أنْ ما أَنتَ وذَا فهي على أي والتي بمعنى أَنْ لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام؛ لأنها تفسيرٌ وأما مخففةٌ من الثقيلة فنحو قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}5، يريدُ "أَنهُ" ويجوز الإِضمار بعد أَنْ هذه وقولُكَ "كأنَّ" وهي أنَّ دخلت عليها الكاف6 كما دخلت على ما خففت منه, وقال سيبويه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 479 على إسقاط أن بعد يوشك ضرورة كما أسقطت بعد "عسى" والمستعمل في الكلام إثباتها، ومعنى يوشك يقارب، والغرة: الغفلة عن الدهر وصروفه أي: لا ينجي من المنية شيء.
وانظر: الكامل 43, والصاحبي 172, والمفصل للزمخشري 172, وابن يعيش 7/ 126, والتصريح 1/ 206, والأشموني 1/ 444, وشواهد الألفية للعاملي 102.
2
الزمر: 12, في سيبويه 1/ 479 كما قال عز وجل:.... الآية, إنما هو أمرت لهذا.
3
سورة ص: 6.
4
المائدة: 117.
5
يونس: 10 وانظر الكتاب 1/ 480.
6
اتفق البصريون والكوفيون على تركيب "كأن" فقد ذكر الفراء أنها مركبة من "إن" وكاف التشبيه والأصل: إن زيدًا كأسد، ثم قدم الكاف للاهتمام بالتشبيه، وفتحت همزة إن؛ لأن المكسورة لا تقع بعد حرف الجر. وانظر الكتاب 3/ 67، وشرح الكافية 2/ 334, والهمع 9/ 133.

ج / 2 ص -209- لو أنَّهم جعلوا أن المخففة بمنزلة إنَّما كان قويا1 وفي هذا البابِ شيءٌ مشكلٌ أنا أبينهُ.
اعلم: أن الأفعال على ضروب ثلاثة: فضرب منها يقين وهو عَلِمتُ وضَرب هو لتوقعِ الشيءِ نحو: رجوتُ وخفتُ، وضربٍ هو بينهما يحمل على ذا, وعلى ذَا نحو: ظننتُ وحسبتُ.
واعلم: أن "أنّ" إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك و"أَنْ" الخفيفة إنما هي لما لَم يقعْ نحو قولك: أُريد أَنْ تذهبَ، فإذا كانت أن الخفيفة بعد "علمتُ" فهي مخففةٌ من الثقيلة وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضًا مما حذف, وجعلوا حذفها دليلًا على الإِضمار, وقد ذكروا فيما تقدم و"أَنْ" التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفتُ؛ تقول: خفتُ أَنْ لا تفعلَ. فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين: إنْ كان حسبانكَ قد استقر كانت مخففة من الثقيلة وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}2, تقرأ بالرفع والنصب, فمن رفع فكأنه أرادَ وحسبوا أَنْ لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا3.
وقد حكي عن المازني نحو منه ثم يتسعون فيحملون "رجوتُ" على علمتُ إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها.
وحكي عن أبي العباس ولستُ أحفظهُ من قوله, أنه إن سُئلَ عن "أَنْ" الخفيفة المفتوحة ومواضعها قال: "أنْ" الخفيفة المفتوحة أصلها أَنَّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها، وإنها مفتوحة كما انفتحت أَنَّ المعمول فيها كأنما خففت أنَّ فصارت أنْ مخففة, فلها في الكلام موضعان: أحدهما تقع فيه على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 466.
2
المائدة: 71 "والقراءتان برفع الفعل ونصبه من السبعة". غيث النفع/ 86, والنشر 2/ 255.
3
انظر المقتضب 2/ 32 و3/ 7-8.



ج / 2 ص -210- الأسماء والأخبار, والآخر: تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء. فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار, فإن ذلك لها إذا دخلت محل "أَنَّ" الثقيلة أعني: في التأكيد للابتداء والخبر, فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه, وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنَّ العامل فيها غير واجب ولا واقع، وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجبًا على "أن" ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسمًا لها. وأما قولهم: أما أَن جزاكَ الله خيرًا، أو أما أنْ يغفر الله لكَ, قال سيبويه: إنما جاز لأنه دعاءٌ وقال: سمعناهم يحذفونَ إنَّ المكسورة في هذا الموضع، ولا يجوز حذفها في غيره. يقولون: أما إنْ جزاكَ الله خيرًا1، وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال: يجوزُ ما علمتُ إلا أنْ تأتيهُ إذا أردت معنى الإِشارة، لا أنكَ علمتَ ذلك وتيقنتهُ2, والمبتدأ وخبره بعد "أَن" يحسنُ بلا تعويض تقول: قَد علمتُ أَن عمرو ذاهبٌ وأَنت تريدُ "أَنهُ" ويجوز: كتبتُ إليه أن لا تقلْ ذاكَ، وأَن ترفعَ "تقولُ" وأنْ تنصب, فالجزم على النهي، والنصبُ على "لئلا", والرفعُ على "لأنَكَ لا تقول" أو بأنَّكَ لا تقول وقد تكون أَنْ بمنزلة لام القسم في قول الله: {أنْ لَوْ فَعَلَ} وتوكيدًا في قوله: لَما أَن فَعَلَ.
ومن الحروف "مَا" وهي تكونُ نفي هو يفعلُ إذا كان في الحال وتكونُ كلَيْسَ في لغة أهل الحجاز3, وتكون توكيدًا لغوًا4 تغيرُ الحرفَ عن عمله نحو: إنما وكأَنما ولعلما جعلتهنَّ بمنزلة حروف الابتداء، ومن [ذلك]5 حيثما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 482.
2
انظر الكتاب 1/ 482.
3
في الكتاب 1/ 28 "وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها".
وانظر الخصائص 1/ 125, وأمالي ابن الشجري 2/ 260, والإنصاف/ 107.
4
قال المبرد في المقتضب 2/ 54: "فما" تدخل على ضربين: أحدهما: أن تكون زائدة للتوكيد فلا يتغير الكلام بها عن عمل ولا معنى.
5
أضفت كلمة "ذلك" لإيضاح المعنى.



ج / 2 ص -211- صارت بمجيء "ما" بمنزلة "إنْ" التي للجزاء وما في "لمَّا" مغيرة عن حال لم كما غيرت "لو ما" ألا ترى أنك تقول: "لمَّا" ولا تتبعها شيئًا, ومنها "لا" وهي نفي لقوله يَفْعل ولم يقع الفعلُ، وتكون "كما" في التوكيد واللغو في قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}1 وهو لأن يعلم ولا تكون توكيدًا إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإِيجاب بالنفي من أجل المعنى. وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعلُ "مَا" وذلك قولك: "لولا" غيرت معنى لَو وستبين إذا ذكرنا معنى "لو" وكذلك هَلا صيرتْ "لا" هل في معنى آخر، وتكون ضدا لنَعَمْ وَبَلى, ومنها "لوْ" وهو كان التي للجزاء لأَنَّ إنْ توقع الثاني مِنْ أجل وقوع الأول، ولم تمنع الثاني من أجل امتناع الأول تقول: إنْ جئتني أكرمتك فالإِكرامُ إنما يكون متى إذا كان منك مجيءٌ وتقول: لو جئتني لأكرمتُكَ، والمعنى: أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك. وقال سيبويه: "لو" لما كان سيقع لوقوع غيره2، وهو يرجع إلى هذا المعنى؛ لأنه لم يقع الأول لَمْ يقع الثاني, فتقدير إنْ قبل "لَو" تقول: إنْ أتيتني أَتيتكَ, يريد فيما يستقبل, فإذا لم تفعلْ وطالبتكَ بالإِتيان قلت: لو أتيتني أَتيتُكَ. ومنها "لَولا" وهي مركبة مِنْ معنى إنْ ولَو, وتبتدأ بعدها الأسماء وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول, تقول: لَولا زيدٌ لهَلكنا تريدُ: لولا زيدٌ في هذا المكان لهلكنا, وإنما امتنع الهلاك لوجود زيدٍ في المكان وقال عز وجل: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}3 وقد يستعملونها بمعنى هَلا يولونها الفعل، ومنها "كي" وهي جواب لقوله: كيمه, كما تقول: لِمه4. ومنها "بَلْ" وهي لترك شيءٍ من الكلام وأخذٍ في غيره. ومنها "قَدْ" وهي جوابٌ لقوله: لمَّا يفعلْ, وزعم الخليل: أَنَّ هذا لقومٍ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الحديد: 29، قال سيبويه 1/ 306: وأما "لا" فتكون "كما" في التوكيد واللغو. وذكر الآية وقال: وتكون لا نفيًا لقوله: يفعل ولم يقع فتقول: لا يفعل.
2
انظر الكتاب 2/ 307.
3
سبأ: 31.
4
قال سيبويه 2/ 306: وأما "كي" فجواب لقوله: كيمه، كما يقول: لمه فتقول: ليفعل كذا وكذا.



ج / 2 ص -212- ينتظرونَ الخبرَ1, وقد تكونُ "قَدْ" بمنزلة رُبَّما. ومنها "يَا" وهي تنبيهٌ وقد ذكرناها في بابِ النداء، ومنها "مِنْ" وهي لابتداء الغايةِ وتكون للتبعيض وتدخل توكيدًا بمنزلة "مَا" إلا أنها تجرُّ, وذلك قوله: ما أتاني من رجلٍ وويحَهُ من رجلٍ أكدتهما بمنْ, وقد ذكرناها فيما تقدمَ. ومنها "مذْ" وهي في قول مَن جَرَّ بَها حرفٌ فهي لابتداء غاية الأيام والأحيان وحقُّ "مذ" أن لا تدخل على ما تدخلُ عليهِ "مِن" وكذلك "مِنْ" لا تدخلُ على ما تدخل عليه "مذ". ومنها "عن" وهي لِمَا عدا الشيء وقد استعملت اسمًا, وقد ذكرتها في الظروف. وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء فقال: "عن" اسم إذا قلتَ: مِنْ عَن يمينِ كذا2, وأما "مَع" فهي اسمٌ3 ويدلك على أَنها اسمٌ أنها متحركة، ولو كانت حرفًا لَمَا جاز أَن تحرك العين؛ لأنَّ الحروفَ لا تحرك إذا كان قبلها متحركٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 307.
2
انظر الكتاب 2/ 309، قال سيبويه: "وأما عن فاسم إذا قلت: من عن يمينك، لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء". وقال في 2/ 308: "وأما عن فلما عدا الشيء وذلك قولك: أطعمه عن جوع, جعل الجوع منصرفًا تاركًا له قد جاوزه".
3
قال سيبويه 2/ 309: "وإذ وهي لما مضى من الدهر" وهي ظرف بمنزلة "مع".



ج / 2 ص -213- باب أم وأو والفصل بينهما:
اعلم: أنَّ "أَمْ" لا تكون إلا استفهامًا، وهي على وجهين: على معنى أيهما وأيهم, وعلى أن تكون منقطعة من الأول. فإذا كان الكلام بها بمنزلة أيهما وأيّهم فهو نحو قولك: أزَيدٌ عندكَ أمْ عمرٌو؟ وأزيدًا لقيت أم بشرًا؟ تقديم الاسم أحسن؛ لأَنكَ عنه تسألُ ويجوزُ تقديم الفعل. وإذا قلت: أضَربتَ زيدًا أمْ قتلتَهُ كان البدء بالفعلِ أحَسن لأنك عنهُ تسأل، وتقول: ما أبالي أزَيدًا لقيتُ أمْ عمرًا وسواءٌ عليَّ أزَيدًا كلمتُ أمْ عمرًا، وما أدَري أزيدٌ ثُمَّ عمرو أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا: ما أدري أقامَ أمْ قعدَ على التسوية. وأما المنقطعة، فنحو قولك: أعَمرٌو عندكَ أمْ عندكَ زيدٌ؟ وإنَّها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ؟ ويجوز حذف ألف الاستفهام في الضرورة. فأما "أو" فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أمْ, وقد تختلطُ مسائلهما لاشتراك بينهما في بعض المعاني.
واعلم: أنَّ "أَوْ" إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء, وأنَّ أَمْ مرتبتها أنْ تأتي بعد أو, ويقول القائل: لقيَ زيدٌ عمرًا أوْ خالدًا, فيثبت عندك أنه قد لقيَ أحدهما إلا أنكَ لا تدري أيَّهما هو فتقول: حَسبَ أعَمرًا لقيَ زيدٌ أَمْ خالدًا. وكذلك إذا قال لك القائل: قد وهبَ لكَ أبوك غلامًا أوْ جاريةً, فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك, إلا أنك لا تدري أَغلامٌ أم جاريةٌ, فإذا سألتَ أباكَ عنْ ذلك قلتَ: أَغلامًا وهبتَ لي أمْ جاريةً؟ وتقول: أَيَّهم تضربُ أو تقتلُ؟ ومن يأتيكَ أو يحدثكَ؟ لأن "أَمْ" قد استقر على أَي ومَنْ, وكأنَّكَ قلتَ: زيدًا أمْ عمرًا تضربُ أوَ تقتلُ؟ ثم أَتيت بأَي موضع زيدٍ وعمرٍو



ج / 2 ص -214- فقلت: أيهما تضربُ أوْ تقتلُ؟ وعلى هذا يجري "مَا ومَتى وكيفَ وأينَ" لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهامًا فقد قامت مقام الألف وأمْ جميعًا.
واعلم: أن جواب أوْ, نَعَمْ أو لا, وجواب "أَم" الشيء بعينه؛ إن سأل سائلٌ عن اسم أجبت بالاسم وإن سأل عن الفعل أجبتَ بالفعل، إذا قال: أَزيدٌ في الدارِ أَوْ عمرٌو؟ فالجوابُ نَعَمْ أو لا؛ لأن المعنى: أَأَحدهُما في الدار؟ وجوابُ أَأَحدهما في الدار: نَعَمْ أو لا, وكذلك إذا قال: أَتقعدُ أو تقومُ؟ فالجوابُ: نَعمْ أو لا, فإن قال: أزيدٌ أم عمرو في الدار؟ فالجواب أن تقولَ: زيدٌ إذا كانَ هو الذي في الدار. وكذلك إذا قال: أَتقومُ أمَ تقعدُ؟ قلت: أَقعدُ, "فأَوْ" تثبتُ أَحدَ الشيئين أَو الأشياء مبهمًا وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم, و"أَوْ" تقوم مقامَ "أَمْ" مع هل وذلك لأنكَ لم تذكر الألف وأو لا تعادلُ الألفَ وذلك قولُهم: هَلْ عندكَ شعيرٌ أو برٌّ أو تَمرٌ؟ وهل تأتينا أو تحدثنا؟ لا يجوز أن تدخلَ "أَمْ" في "هَلْ" إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام وتقول: ما أدري هَل تأتينا أو تحدثنا؟ يكون في التسوية كما هو في الاستفهام وإذا قلت: أَزيدٌ أفضل أَمْ عمرو؟ لا يجوز إلا "بأَمْ" لأنك تسأل عن أيهما أفضلُ ولو قلت: "أَو" لم يصلح؛ لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليسَ هذا بكلام ولكنك لو قلت: أَزيدٌ أو عمرو أَفضلُ أم خالدٌ؟ جاز لأنَّ المعنى أحد ذَينِ أفضل أمْ خالدٌ؟ وجواب هذه المسألة أن تقول: خالدٌ إنْ كان هو الأفضل، أو أحدهما إنْ كان هو الأفضل, ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل: الحسنُ أو الحسينُ أَشرفُ أم ابن الحنفيةِ؟ فالجواب في هذه المسألة أن تقول: أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول: الحسنُ دونَ الحسينِ أو الحسينُ دونَ الحسنِ؛ لأنه إنما سألك: أأَحدهما أَشرفُ أَم ابن الحنفيةِ؟ وكذَاكَ الدرُّ أو الياقوتُ أَفضلُ أم الزجاج؟ فالجواب أحدهما, فإن كان قال: الزُّجاجُ أو الخزفُ أفضلْ أم الياقوت؟ قلت: الياقوتُ. وتقول: ما أدري أقامَ أو قعدَ، إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن, كما تقول: تكلمتُ ولَم أَتكلم فيجوز أن يكونَ ثمَّ كلامٌ ولكنه لقلّته جعلهُ بمنزلة مَنْ لم يتكلمْ، ويجوز أن يكون لَم يبلغ



ج / 2 ص -215- به المراد فصار بمنزلة مَنْ لم يتكلم، وهذا في الحكم بمنزلة قولك: صليتَ ولَمْ تصلِّ فإذا قال: ما أَدري أقام أو قعدَ، وهو يريد ذا المعنى فهو قد عَلمَ منه قيامه, ولكنه لم يعتد به وليس "لأمْ" هنا معنى؛ لأنهُ إذا قال: ما أَدري أَقامَ أمْ قعدَ, فقد استوى جهلهُ في القيام والقعود، وههنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك، فعلى هذا تقول: ما أدري أَقامَ أو قعدَ إذا كان لم يبن قيامهُ حتى قعدَ, فهذا الباب كله إنما جعل بأَوْ. وكذلك أَأَذنَ أو أقامَ إذا كان ساعة إذنٍ أقامَ، وما أدري أَبكى أو سكتَ لأنهُ لم يعد بكاؤهُ بكاءً ولا سكوته سكوتًا، فإن كان لا يدري أَأَذنَ أم أَقامَ قال: ما أدري أَأذنَ أم أقامَ كما تقول: ما أدري أَزيدٌ في الدار أو عمرٌو، إذا كنت تستيقن أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو.



ج / 2 ص -216- باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف:
فمن ذلك "عَلَى" ذكر محمد بن يزيد أنها تكون حرفًا واسمًا وفعلًا1، وأنّ جميع ذلك مأخوذٌ من الاستعلاء وقد ذكرتها فيما تقدم. وقال سيبويه: "عَلى" معناها استعلاءُ الشيءِ، ويكون أَن تطوي مستعليًا كقولك: أمررت يدي عليه ومررتُ على فلانٍ كالمثل, وكذلك علينا أميرٌ وعليه دينٌ؛ لأنهُ شيءٌ اعتلاهُ2, ويكونُ مررتُ عليه: مررت على مكانه. ويجيءُ كالمثل وهو اسم لا يكونُ إلا ظرفًا، قال3: ويدل على أنه اسمٌ قول بعضهم: غَدَتْ مِنْ عَليهِ4.... ومن ذلكَ "إلى" وهي منتهًى لابتداءِ الغايةِ ومنها "سَوفَ" وهي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد في المقتضب 1/ 46: وقد يكون اللفظ واحدًا ويدل على اسم وفعل نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا الجبل، فيكون "علا" فعلًا، ويكون حرفًا خافضًا، والمعنى قريب. وقال في ج3/ 53: فأما "على" فلا تصلح إمالتها؛ لأنها من علوت وهي اسم، يدلك على ذلك قولهم: جئت من عليه، أي: من فوقه.
2
انظر الكتاب: 2/ 310.
3
الذي قال هو سيبويه, انظر الكتاب 2/ 310.
4
يشير إلى قول الشاعر مزاحم العقيلي في وصف قطاة:

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها تصل وعن قيض ببيداء مجهل

وهو من شواهد سيبويه 2/ 310، على دخول "من" على "على" لأنها اسم في تأويل "فوق" كأنه قال: غدت من فوقه.
وصف قطاة غدت عن فرخها طالبة للورد بعد تمام الخمس، وهو أن تبقى عن الماء ثلاثًا بعد يوم الورد ثم ترد اليوم الخامس ليوم الورد، معنى تصل: يصل جوفها يبس من العطش، والصلال والصلصال: كل شيء جاف يصوت إذا قرع كالفخار.
والقيض: قشور البيض، يريد أنها كما أفرخت بيضها فهي تسرع في طيرانها إشفاقًا عليها، والبيداء: القفر، والمجهل: الذي لا يهتدى فيه، ويروى البيت: بزيراء مجهل.
وانظر: المقتضب 2/ 53, والكامل 488، وأدب الكاتب 500، ومعجم مقاييس اللغة 4/ 116، والمخصص 14/ 57، وابن يعيش 8/ 39، والاقتضاب للبطليوسي 428, والعيني 3/ 311، والخزانة 4/ 253.



ج / 2 ص -217- تنفيسٌ فيما لم يكن بعد. ألا تراه يقول: سوفتهُ وهذا لفظُ سيبويه1، ومنها "إنَّ" وهي توكيد لقوله: زيدٌ منطلقٌ، وإذا خففت فهي كذلك غير أنَّ لامَ التوكيد تلزمها إذا خفضت عوضًا لما ذهب منها لئلا تلتبس بأن التي للنفي، ومنها "ليت" وهي تَمنٍّ, ومنها بَلى, وهي توجبُ [بها بعد النفي]2 ومنها نعم وهي عدةٌ وتصديقٌ, قال سيبويه: ولَيس بَلى ونَعَمْ اسمين وإذا استفهمتَ فأجبتَ بنَعمْ3، قال أبو بكر: والدليلُ على أنَّ "نعَم" حرفٌ, أنها نقيضةُ "لا" ومنها "إذن" وهي جوابٌ وجزاءٌ, ومنها إلا وهي تنبيهٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 311.
2
التصحيح من سيبويه 2/ 312.
3
انظر الكتاب 2/ 312.



ج / 2 ص -218- باب ما جاء منها على أربعة حروف:
من ذلك: حتى, هي كإلى وقد بين أَمرها في بابها ولها نحو ليس "لإِلى" يقول الرجلُ: إنما أَنا إليكَ أي: أنتَ غايتي ولا تكون "حتى" ههُنا، وهي أَعم في الكلام [من]1 حتى. تقول: قمتُ إليه فتجعلهُ منتهًى لهُ مِنْ مكانِكَ، ولا تقولُ: حتاهُ، ومنها "لكنْ" خفيفةٌ وثقيلةٌ, توجبُ بها بعد النفي, وقد ذكرناها فيما تقدمَ. لَعَلَّ, قال سيبويه: لعلَّ وعسى طَمعٌ وإشفاق2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أضفت كلمة "من" لإيضاح المعنى، وانظر الكتاب 2/ 310 "... ولها في الفعل نحو: ليس لإلى ويقول الرجل: إنما أنا إليك... أي: إنما أنت غايتي، ولا تكون "حتى" ههنا، فهذا أمر "إلى" وأصله وإن اتسعت، وهي أعم في الكلام من "حتى".
2
انظر الكتاب 2/ 311.



ج / 2 ص -219- باب ما جاء منها على حرف واحد:
كل هذه التي جاءت على حرف واحد متحركات إلا لام المعرفة, فإنها ساكنة, فإذا أرادوا أن يبدءوا أيضًا أتوا بألف الوصل قبلها، وأما لام الأمر فهي مكسورة, ويجوز أن تسكن ولا تسكن إلا أن يكون قبلها شيءٌ نحو قولك: فليقمْ زيدٌ, فالحروف على ثلاثة أضربٍ: مبني على السكون وعلى الفتح وعلى الكسر؛ فأما المبني على الفتح فواو العطف وليس فيه دليل أن أحد المعطوفين قبل الآخر, والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض, وكاف الجر للتشبيه ولام الإِضافة مع المضمر وفي الاستغاثة وواو القسم وتاء القسم بمنزلتها, والسين في "سيفعلُ" وزعم الخليل أنها جواب لَن1, وألف الاستفهام ولام اليمين في لأفعلنَّ، ولام الابتداء في قولك: لزيدٌ منطلقٌ, وأما المبني على الكسر فباء الجر, وهي للإِلزاق والاختلاط، ولام الإِضافة مع الظاهر، ومعناها المُلْك واستحقاقُ الشيء. فجميع هذه جاءت قبل الحرف الذي جيء بها له, فأَما ما جاء بَعْدُ فالكاف التي تكون للخطاب فقط في قولك: ذاكَ, والتاء في أَنتَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 304.



ج / 2 ص -220- باب الحرف المبني مع حرف:
من الحروف ما يبنى مع غيره ويصير كالحرف الواحد ويغير المعنى؛ فمن ذلك لولا غيرت، "لاَ" معنى لَو, وكذلك لما غيرت "مَا" معنى لَمْ و"مهما" زعموا أنها "ما" ضُمت إليها "مَا" وأبدلوا الألف الأولى هاء1، ولما فعلوا ذلك صار فيها معنى المبالغة والتأكيد، فكأنَّ القائل إذا قال: مهما تفعلْ أَفعلْ فقد قال: لا أصغر عن كبير من فعلكَ ولا أكبر عن صغيرٍ أو ما أشبه هذا المعنى. ومن ذلك "إنَّما" إذا رفعت ما بعدها يصير فيها معنى التقليل, تقول: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ}2، إذا أردت التواضع, وقال أَصحابنا: إنَّ اللام في "لعل"3 زائدة؛ لأنهم يقولون عَلَّ، والذي عندي أنهما لغتان وأن الذي يقول لَعلَّ لا يقولُ عَلَّ إلا مستعيرًا لغةَ غيره؛ لأَني لَم أَرَ زائدًا لغير معنًى. فإنْ قيل: إنها زيدت توكيدًا فهو قولٌ. ومن ذلكَ كأَنَّ بنيت الكافَ للتشبيه مع أنَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
مهما: مركبة عند الخليل من "ما" أدخلت معها "ما" لغوًا بمنزلتها مع "متى" إذا قلت: متى ما تأتني آتك... ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظًا واحدًا، فيقولوا: ما ما، فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى، أما عند سيبويه فمركبة من "مه" ضُم إليها "ما" كما تُضم "ما" إلى "إذ" فتصبح إذ ما فيجازى بها. وانظر الكتاب 1/ 433.
2
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110].
3
استدل سيبويه على زيادة اللام الأولى في لعل أنها تجيء محذوفة اللام، قال: ألا ترى أنك تقول: علك. انظر الكتاب 2/ 67.



ج / 2 ص -221- وجعلت صدرًا1، ولولا بناؤها معها لم يجز أن تبتدئ بها إلا وأنتَ تريد التأخير، ومنها: هلاّ بنيت "لا" مع "هَلْ" فصار فيها معنى التحضيض وما لم أذكره فهذا مجراه فيما بني له حرفٌ مع حرفٍ، قال أبو بكر: قد أَتينا على ذكر الاسم والفعل والحرف وإعرابها وبنائها ونحنُ نتبعُ ذلك ما يعرض في الكلام من التقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار, إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 67، 3 من هنا تبدأ نسخة المتحف البريطاني.







=====.

33



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -222- باب التقديم والتأخير:
الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر سنذكرها، وأما ما يجوز تقديمه فكل1 ما عمل فيه فعلٌ متصرفٌ أو كان خبرًا لمبتدأ سوى ما استثنيناه، فالثلاثة العشر التي لا يجوز تقديمها: الصلة على الموصول والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى إلا ما جاء على شريطة التفسير2 والصفة وما اتصل بها على الموصوف وجميع توابع الاسم حكمها كحكم3 الصفة، والمضافُ إليه وما اتصل به على المضاف، وما عمل فيه حرف أو اتصل به حرفٌ4 زائدٌ لا يقدم على الحرف وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعه على منصوبه، والفاعل لا يقدم على الفعل والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها5، والصفات المشبهة بأسماءِ6 الفاعلين، والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه، والحروف التي لها صدر الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها، وما عمل فيه معنى الفعل فلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: "وكلما".
2
الواو ساقطة في "ب".
3
في "ب" حكم.
4
زيادة من "ب".
5
الواو ساقطة في "ب".
6 "
بأسماء" ساقطة في "ب".



ج / 2 ص -223- يقدم المنصوب عليه، ولا يقدم التمييز [وما عمل فيه معنى الفعل]1, وما بعد إلا, وحروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها ولا يقدم مرفوعه على منصوبه2، ولا يفرق بين الفعل العامل والمعمول فيه بشيءٍ لم يعمل فيه الفعل3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من في "ب".
2
ولا يقدم مرفوعه على منصوبه, ساقط في "ب".
3
نقل السيوطي هذا الباب حرفيا من الأصول.
وانظر: الأشباه والنظائر 1/ 143.

شرح الأول من ذلك: وهو الصلة:
لا يجوز أن تقدم على الموصول؛ لأنها كبعضه وذلك نحو صلة "الذي" وأَنْ فالذي توصل بأربعة أشياء؛ بالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وجوابه والظرف ولا بدّ من أن تكون في صلتها ما يرجع إليها، والألف واللام إذا كانت بمنزلة "الذي" فصلتها1 كصلة "الذي" إلا أنكَ تنقل الفعلَ إلى اسم الفاعلِ في "الذي" فتقول في "الذي قامَ": القائمُ, وتقول في "الذي ضَربَ زيدًا": الضاربُ زيدًا, فتصير الألف واللام اسمًا يحتاج إلى صلة، وأنْ تكون في صلته ما يرجع إلى الألف واللام, فلو قلتَ: "الذي ضَربَ زيدًا عمرٌو" فأردت أن تقدم زيدًا على "الذي" لم يجزْ ولا يصلح أن تقدم شيئًا في الصلة ظرفًا كان أو غيره على "الذي" ألبتة، فأما قوله: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}2 فلا يجوز أن تجعلَ "فيه" في الصلة. وقد كان بعضُ مشايخ3 البصريين يقول: إنَّ الألف واللام ههنا ليستا في معنى "الذي" وإنَّهما دخلتا كما تدخلان على الأسماء للتعريف، وأَجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجزْ أن يعمل ما دخلت عليه في شيءٍ فيحتاج فيه إلى عامل فيها, قال [أبو بكر]4: وأنا أظن أنهُ مذهبُ أَبي العباسِ [يعني أنَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وصلتها.
2
يوسف: 20.
3
في "ب" المشايخ.
4
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -224- الألفَ واللامَ للتعريفِ]1 والذي عندي فيه: أنَّ التأويل "وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين" فحذف "زاهدينَ" وبينَهُ [بقولِه]2: {مِنَ الزاهدينَ} وهو قول الكسائي, ولكنه لم يفسر هذا التفسيرَ وكان هو والفراءُ لا يجيزانِه إلا [في]3 صفتين في "مِن وفي" فيقولان: "أَنتَ فينا مِنَ الراغبينَ4، وما أَنت فينا من الزاهدينَ" وأما "أَنْ" فنحو قولكَ: "أَن تقيمَ الصلاةَ خيرٌ لكَ" لا يجوز أن تقول: "الصلاةُ أنْ5 تقيمَ خيرٌ لكَ" ولا تقدمُ "تقيمُ" على "أَنْ" وكذلك لو قلت: "أنْ تقيمَ الصلاةَ الساعةَ خيرٌ لكَ" لم يجزْ تقديمُ "الساعةَ" على "أَنْ" وكذلك إذا قلت: "أَأَنْ تلد ناقتكم6 ذكرًا أَحبُّ إليكم7 أَمْ أُنثى" لم يجز أن تقول: أَذكرًا أَأنْ8 تلدُ ناقتكُم أَحبُّ إليكم أم أُنثى؛ لأن "ذكرًا" العاملُ فيهِ "تلدُ" وتلدُ في صلة "أَنْ" وكذلك المصادر التي في معنى "أَن نفعلَ"9 لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها, لو قلت: أَولادةُ ناقتكم10 ذكرًا أَحبُّ إليكم11 أم ولادتُها أُنثى، ما جاز أَن تقدم "ذكرًا" على "ولادةٍ"، وكل12 ما كان13 في صلة شيءٍ من اسمٍ أو فعلٍ مما لا يتمُّ إلا به فلا يجوز أن نفصلَ بينَهُ وبين صلته بشيءٍ غريب منه، لو قلت: "زيدٌ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" من الزاهدين.
5
انظر الكتاب 1/ 457, باب الحروف التي لا يقدم فيها الأسماء الفعل.
6
في "ب" ناقتك.
7
في "ب" إليك.
8
في "ب" أن، بهمزة واحدة.
9
أي: المصادر الصريحة.
10
في "ب" ناقتك.
11
في "ب" إليك.
12
في الأصل "وكلما".
13
في "ب" من.



ج / 2 ص -225- نفسهُ راغبٌ فيكم"1 لم يجزْ أن تؤخر "نفسَهُ" فتجعلهُ بين "راغبٍ" و"فيكم"2 فتقول: زيدٌ راغبٌ نفسهُ فيكم، فإن جعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا لما في "راغبٍ" جاز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فيك.
2
في "ب" فيك.

شرح الثاني: توابع الأسماء.
وهي الصفةُ والبدلُ والعطفُ، لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف، ولا أن تُعملَ الصفة فيما قبل الموصوف، ولا تقدم شيئًا [بصيغة المجهول]1 مما يتصل بالصفة على الموصوف2، وكذلك البدل إذا قلت: مررتُ برجلٍ ضاربٍ "زيدًا" لم يجز أن تقدم "زيدًا" على "رجل", وكذلك إذا قلت: "هذا رجلٌ يضربُ زيدًا" لم يجز أن تقول: "هذا زيدًا رجلٌ يضربُ" لأن الصفة مع الاسم بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك كل ما اتصل بها، فإذا قلت: "عبد الله رجلٌ يأكلُ طعامَكَ" لم يجز أن تقدم "طعامَك" قبل "عبد الله" ولا قبل "رجل". والكوفيون يجيزون إلغاء "رجلٍ" فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون: "طعامَكَ عبد اللهِ رجلٌ يأكلُ" لا يعتدون "برجلٍ" وتقديره عندهم: "طعامكَ عبد الله يأكلُ" وإلغاء هذا غيرُ معروف، وللإِلغاء حقوق سنذكرها إن شاءَ الله, ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أنْ تجعل "رجلًا" بدلًا من "عبد الله" ترفعهُ3 بالابتداء وتجعلُ "يأكلُ" خبرًا، فحينئذٍ يصلحُ تقديم "طعامَك"، وأما4 البدلُ فلا يتقدم على المبدلِ منه، وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الاسم المبدلِ منه. وأما العطفُ فهو كذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
لأن الصفة والموصوف كالشيء الواحد.
3
في "ب" فترفعه.
4
في "ب" فأما.



ج / 2 ص -226- لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه، وكذلك ما اتصل به، والذين أجازوا من ذلك شيئًا أجازوه في الشعر, ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولًا لزال الكلام عن جهته, فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نُسقَ به عليه وقالوا: إذا لم يكن شيءٌ يرفعُ لم يجزْ تقديم الواو, والبيتُ الذي أنشدوه:

عليكِ ورحمةُ اللهِ السلامُ1

فإنما جاز عندهم؛ لأن الرافع في مذهبهم "عليك" وقد تقدم، ولا يجيزونَ للشاعر إذا اضطر أن يقول: "إنَّ وزيدًا عمرًا قائمان" لأن "إنّ" أداةٌ وكل شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن تليه الواو عندهم على كل حالٍ, فهذا شاذ لا يقاسُ عليه2، وليس شيءٌ منصوب مما3 بعد حرف النسق يجوز تقديمه إلا شيئًا أجازهُ الكوفيونَ فقط, وذلك قولهم: زيدًا قمتُ فَضَربتُ, وزيدًا أَقبلَ عبد اللهِ فشتمَ. وقالوا: الإِقبالُ والقيام هُنا لغوٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
صدر بيت للأحوص, وقد مر في الجزء الأول 373 من الأصل.
2
في "ب" ليس عليه، ولا معنى له.
3
في "ب" بما.

شرح الثالث: وهو المضاف إليه:
لا يجوز أن تقدم على المضاف ولا ما اتصل به، ولا يجوز أن تقدم عليه نفسه ما اتصل به فتفصل به بين المضاف والمضاف إليه إذا قلت: "هذا يومُ تضربُ زيدًا" لَمْ يجزْ أن تقول: "هذا زيدًا يومُ تضربُ"، ولا هذا يومُ زيدًا "تضربُ", وكذلك1: هذا يومُ ضربِكَ زيدًا، لا يجوز أن تقدم "زيدًا"2 على "يومٍ" ولا على3 "ضربِكَ" وأما قولُ الشاعر4:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فقولك.
2
زيدًا ساقط في "ب".
3 "
على" ساقطة من "ب".
4
من شواهد سيبويه 1/ 91 على الفصل بالظرف بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة وهو عجز بيت صدره:

لما رأت ساتيدما استعبرت لله در.................

وساتيدما: جبل بالهند لا يعدم ثلجه أبدًا, ورجح البغدادي أنه نهر قرب أرزن. واستعبرت: بكت.
والبيت لعمرو بن قميئة قاله في خروجه مع امرئ القيس إلى ملك الروم وهو الذي عناه بقوله:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا

وانظر: المقتضب 4/ 377، ومجالس ثعلب 152، ومعجم البلدان 3/ 168-169، وشرح السيرافي 2/ 72، وابن يعيش 3/ 30، والضرائر 43، والإنصاف 1/ 226، والخزانة 2/ 247، والديوان 2/ 62.



ج / 2 ص -227- للِه دَرُّ اليومَ مَنْ لاَمَهَا

وقوله:

كَما خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يومًا [يهوديٍّ يُقارِبُ أو يُزِيلُ]1

فزعموا2: أن هذا لما اضطر فصل بالظرف؛ لأنَّ الظروف3 تقع مواقعَ لا تكون فيها غيرها، وأجازوا: "أَنا طعامَكَ غيرُ آكلٍ" وكان شيخنا يقول: حملته على "لا" إذ كانت "لا" تقعُ موقعَ "غير". [قال أبو بكر]4:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشطر الثاني زيادة من "ب" وهو من شواهد سيبويه 1/ 91 على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف للضرورة، والأصل: بكف يهودي، وصف رسوم الدار، فشبهها بالكتابة في دقتها والاستدلال بها، وخص اليهود لأنهم أهل كتاب، وجعل الكتابة بعضها متقارب وبعضها مفترق متباين، ومعنى يزيل: يفرق ويباعد, ونسب الشاهد إلى أبي حية النميري.
وانظر: المقتضب 4/ 377، وشرح السيرافي 2/ 72، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، وابن يعيش 1/ 103، والعيني 3/ 470، والتصريح 2/ 59.
2
في "ب" فزعم.
3
في "ب" الظرف.
4
زيادة من "ب".

ج / 2 ص -228- والحق في ذا عندي أنْ يكون طعامُكَ منصوبًا بغيرِ "آكلٍ" هذا، ولكن تقدر ناصبًا يفسره "هذا" كأنك قلت1: أنا لا آكلُ طعامَك، واستغنيت "بغيرِ آكلٍ" ومثل هذا في العربية كثيرٌ مما يضمرُ إذا أتى بما يدل عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قلت: ساقط من "ب".

شرح الرابع: الفاعل:
لا يجوزُ أن يقدم على الفعل؛ إذا قلت: "قامَ زيدٌ" لا يجوز أن تقدم الفاعل فتقول: زيدٌ قامَ فترفع "زيدًا" بقامَ ويكون "قامَ" فارغًا، ولو جاز هذا لجاز أن تقول: "الزيدانِ قامَ، والزيدونَ قامَ" تريد: "قام الزيدانِ، وقامَ الزيدونَ" وما قام مقام الفاعل مما لم يُسم فاعلهُ, فحكمه حكم الفاعل إذا قلت: "ضُرِبَ زيدٌ" لم يجز أن تقدم "زيدًا" فتقول: "زيدٌ ضُرِبَ" وترفع زيدًا "بضُرِبَ" ولو جاز ذلك لجاز: "الزيدانِ ضُرِبَ, والزيدونَ ضُرِبَ", فأما تقديم المفعول على الفاعل وعلى الفعل1 إذا كان الفعل متصرفًا فجائزٌ, وأعني بمتصرفٍ أن يقال: [منه]2 فَعَلَ يفعلُ فهو فاعلٌ، كضَرَبَ يضربُ وهو ضاربٌ, وكذلك اسم الفاعل الذي يعملُ عملَ الفعل حكمهُ حكمُ الفعلِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
على الفعل، ساقط في "ب".
2
زيادة من "ب".

الخامس: الأفعال التي لا تتصرف:
لا يجوز أن يقدم عليها شيءٌ مما عملتْ فيه وهي نحو: نِعْمَ وبِئْسَ وفِعلُ التعجب و"ليسَ" تجري عندي ذلك المجرى؛ لأنها غير متصرفةٍ، ومَه وصَه وعليكَ, وما أشبهَ هذا أبعد في التقديم والتأخير.



ج / 2 ص -229- السادس: ما أعمل من الصفات تشبيهًا بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل:
وذلك نحو "حَسَنٌ وشديدٌ وكريمٌ" إذا قلتَ: هو كريمٌ حَسبَ الأبِ, وهو حَسَن وجهًا، لم يجز أن تقول: هُوَ وجهًا حَسَنٌ، ولا هُوَ حَسَب الأبِ كريمٌ، وما كان من الصفات لا يشبه أسماء الفاعلين فهو أَبعدُ لهُ من العمل والتقديم، وكل ما كان فيه معنى فعل وليسَ بفعلٍ ولا اسم1 فاعلٍ، فلا يجوزُ أن يتقدم ما عَمِلَ فيهِ عليهِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تصحيح من "ب" والأصل "والاسم".

السابع: التمييز:
اعلم: أن الأسماء التي تنتصب انتصاب التمييز لا يجوز أن تقدم على ما عمل فيها، وذلك قولك: "عشرونَ درهمًا" لا يجوزُ: "درهمًا عشرونَ" وكذلك: له عندي رطلٌ زيتًا, لا يجوز: "زيتًا رطلٌ" وكذلك إذا قلت: "هو خيرٌ عبدًا" لا يجوز: "هُو عبدًا خَيرٌ" فإن كان العامل في التمييز فعلًا، فالناس1 على ترك إجازة تقديمه سوى المازني، ومن قال بقوله وذلكَ قولكَ: "تفقأتُ سمنًا" فالمازني يجيز: "سمنًا تفقأتُ"2 وقياس بابه أن لا يجوز؛ لأنه فاعل في الحقيقة وهو مخالف للمفعولات، ألا ترى أنهُ إذا قال: "تفقأتُ شحمًا" فالشحمُ هو المفقأ، كما أنه إذا قال: "هو خيرٌ عبدًا" فالعبدُ هو خيرٌ، ولا يجوز تعريفهُ فبابه أولى به، وإن كان العاملُ فيه فعلًا، وفي الجملة أن المفسر إنَّما "ينبغي أن"3 يكون بعد المفسر، واختلف النحويون في: بطرتِ القريةُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 1/ 105: وقد جاء من الفعل ما أنفذ إلى المفعول ولم يقوَ قوة غيره مما قد تعدى إلى مفعول, وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحمًا.. ولا يقدم المفعول فيه, فتقول: ماء امتلأت.
2
انظر: المقتضب 2/ 36، والإنصاف/ 493, وشرح ابن يعيش 2/ 73.
3
ينبغي أن, ساقط في "ب".



ج / 2 ص -230- معيشتَها، وسفه زيدٌ رأيَه, فقال بعضهم: نصبُه كنصبِ التفسير، والمعنى: "سَفِهَ رأي زيد" ثم حول السفهُ إلى زيدٍ فخرج الرأي مفسرًا فكأن حكمه أن يكون: "سفَه زيدٌ رأيًا" فترك على إضافته ونُصبَ كنصبِ النكرة، قالوا: وكما1 لا يجوز تقديم ما نصب على التفسير لا يجوز تقديم هذا، وأجاز2 بعض التقديم وهو عندي القياس؛ لأن المفسر لا يكون إلا نكرةً، وإنما يجري هذا -والله أعلم- على: جَهِلَ زيدٌ رأيهُ، وضيّعَ زيدٌ رأيهُ, وما أشبه هذا. وكذلك: بطرتْ معيشَتها, كأنه: كرهت معيشتها وأحسبُ البطر أنه كراهيةُ الشيءِ من غير أنْ يستحق أن يكره, وكان شيخنا3 -رحمه الله- لا يجيز: "وجعَ عبد اللهِ رأسَهُ" في تقديمٍ ولا تأخيرٍ؛ لأن "وجعَ" لا تكون متعدية وهي جائزةٌ في قول الكسائي والفراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فكما.
2
في الأصل "وجاز" والتصحيح من "ب".
3
أي: أبو العباس المبرد.

الثامن: العوامل1 في الأسماء، والحروف التي تدخل على الأفعال:
الأول2 من ذلك: ما يدخلُ على الأسماء ويعمل فيها, فمن ذلك: حروف الجر، لا يجوز أن يقدم عليها ما عملت فيه، ولا يجوز أن يفرق بينها وبين ما تعملُ3 فيه، ولا يجوز أن يفصل بين الجار والمجرور حشو إلا ما جاء في ضرورة الشعر، لا يجوز أن تقول: "زيدٌ في اليوم الدارِ" تريدُ: "في الدار اليومَ" ولا ما أشبه ذلك، وقد أجاز قومٌ: "لستَ زيدًا بضاربٍ" لأن الباء تسقط، والقياس يوجب أن تضمر فعلًا ينصب "زيدًا" تفسرهُ4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" العاملة.
2
في "ب" فالأول.
3
في "ب" وما عملت.
4
في "ب" تفسيره.



ج / 2 ص -231- "بضاربٍ" ومن ذلك "إنَّ وأخواتها" لا يجوز أن يقدم عليهن ما عَملن فيه، ولا يجوز أن تفرقَ بينهن وبين ما عَملن فيه بفعلٍ، ولا تقدمُ أخبارهن على أسمائِهن إلا أن تكون الأخبارُ ظروفًا، فإن كان الخبرُ ظرفًا قلت: إنَّ في الدار زيدًا، وإنَّ خلفكَ عمرًا، والظروف يتسع فيهن خاصة، ولكن لا يجوز أن تقدم الظرف على "إنَّ"، ومن الحروف التي لا يقدم عليها ما يليها: "إلا" وجميع ما يستثنى به؛ لأنَّ ما بعد حرف الاستثناء نظيرُ ما بعد "لا" إذا كانت عاطفةً، وقد فسرنا1 هذا فيما تقدم2.
وأما الحروف التي تدخلُ على الأفعال فلا تتقدم فيها الأسماء, وهي3 على ضربين: حروفٌ عواملُ، وحروفٌ غير عواملَ، فالحروفُ العوامل في الأفعالِ الناصبةِ نحو: "جئتكَ كي زيدٌ يقولَ ذاكَ"، لا يجوز4: "ولا خفتُ أن زيدٌ يقول ذاكَ"5، ومنها الحروف الجوازم وهي: لَمْ ولمَّا ولا التي تجزمُ في النهي واللام التي تجزم في الأمر6، لا يجوزُ أن تقولَ: "لَمْ زيد يأتِكَ" لأن الجزمَ نظير الجر, ولا يجوز لك أن تفصل بينها وبين الفعلِ بحشو، كما لا يجوز لك أن تفصل بين الجار والمجرور بحشوٍ إلا في ضرورة شعرٍ، ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهية أن تشبه بما يعمل في الأسماء؛ لأن الاسم ليس كالفعل كذلك7 "ما يشبههُ"8، ألا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فسر.
2
شرح هذا/ 324 من الجزء الأول.
3
في "ب" فهي.
4 "
لا يجوز" ساقط في "ب".
5
انظر الكتاب 1/ 456-457.
6
لما كان الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فكما لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومعموله، كذلك لا يجوز الفصل بين حرف الجزم ومعموله.
7
قال سيبويه 1/ 457: ومما لا تقدم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة وتلك: لم، ولما، ولا التي تجزم الفعل في النهي, واللام التي في الأمر.
8 "
ما يشبهه" ساقطة في "ب".



ج / 2 ص -232- ترى كثرة ما يعمل في الاسم وقلة ما يعملُ في الفعلِ، وحروف الجزاء يقبحُ1 أن يقدم2 الاسمُ معها على3 الأفعال, شبهوها بالجوازم التي لا تخلو من الجزم إلا أنَّ حروف الجزاءِ "فقط"4 جاز ذلك فيها في الشعر؛ لأن حروف الجزاء يدخلها "فَعَلَ ويفعلُ" ويكون فيها الاستفهام، ويجوز في الكلام أن يلي "إن" الاسم إذا لم تجزم نحو قوله:

عَاودْ هراةَ وإنْ معمورُها خرِبا5

وإن جزمت فلا يجوز إلا في الشعر؛ لأنها تشبهُ "بلَم"، وإنما جازَ هذا في "إنْ" لأنها أم الجزاء لا تفارقه كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا: "إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌّ" وهي على كل حالٍ إنْ لَم يلها فِعلٌ في اللفظ فهو مقدر في الضمير. وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيفٌ, ومما جاء في الشعر مجزومًا في غير "إنْ" قول عَدي بن زيدٍ6:

فَمَتَى وَاغِلٌ يَنُبْهُم يُحيُّو هُ وتُعْطَفْ عليهِ كَأْسُ السَّاقي7


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: يصح، ولا معنى له.
2
في "ب" الأسماء.
3
في "ب" قبل الأفعال.
4
في "ب" فقط ساقطة.
5
من شواهد الكتاب 1/ 457 على تقديم الاسم على الفعل بعد "إن" وحمله على إضمار فعل؛ لأن حرف الشرط يقتضيه مظهرًا أو مضمرًا، وجاز تقديمه مع الفعل الماضي في "إن" لأنها أم حروف الجزاء، فقويت وتصرفت في التقديم والتأخير.
قال الأعلم: وهراة: اسم أرض، وقال ياقوت: هراة: مدينة عظيمة من أمهات مدن خراسان زارها سنة 607هـ، وهذا الشاهد لم ينسب لقائل معين ولم تعرف بقيته. وانظر الحماسة للمرزوقي 1/ 174.
6
في "ب" فإن.
7
من شواهد سيبويه 1/ 458، والواغل: الداخل على الشرب من غير دعوة بمنزلة الوارش في الطعام، ينبهم: ينزل بهم. ورواه البغدادي في الخزانة:

فمتى واغل يزرهم.....

وانظر المقتضب 2/ 76، وابن الشجري 2/ 332، والإنصاف/ 617، وابن يعيش 9/ 10, والخزانة 1/ 456 و3/ 639، وحماسة البحتري/ 140.



ج / 2 ص -233- وقال الحسامُ:

صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ في حَائِرٍ أيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ1

وإذا قالوا في الشعر: "إنْ زيدٌ يأتكَ يكن كَذا" إنما ارتفع2 على فعل هذا تفسيره، وهذا يبين في باب ما يضمر من الفعل, ويظهر إن شاء الله.
الضرب الثاني [منه]3 الحروف التي لا تعمل فمنها4:
"
قَدْ" وهي جواب لقوله: "أَفعلُ" كما كانت "ما فعلَ" جوابًا لِهَلْ "فَعَلَ" إذا أخبرت أنه لم يقع، ولما يفعلْ وقد فَعلَ, إنما هُما لقومٍ ينتظرون شيئًا، فمن ثم أشبهت "قَد" لما في أنها لا يفصل بينها وبين الفعلِ، ومن هذه الحروف "سوفَ يفعلُ" لا يجوز أن تفصل بين "سوفَ" وبين "يفعلُ" لأنها بمنزلة "السين" في "سيفعلُ" وهي إثبات لقوله: "لَنْ يفعلَ" ومما شبهَ5 بهذه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 458 على تقديم الاسم على الفعل مع "أينما" ضرورة، والصعدة: القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف وتعديل، والحائر: المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف، وإنما قيل له حائر؛ لأن المياه تحير فيه فتجيء وتذهب. وصف امرأة فشبه قدها بقناة وجعلها في حائر؛ لأن ذلك أنعم لها وأشد لتثنيها إذا اختلفت الريح.
ونسب البغدادي هذا البيت إلى ابن جعيل.
وانظر: المقتضب 2/ 75، وابن الشجري 1/ 332، والإنصاف 618, والعيني 4/ 434، والخزانة 1/ 457 و3/ 460.
2
في "ب" تقع.
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" منها.
5
في "ب" يشبه.



ج / 2 ص -234- الحروف "رُبَّمَا، وقَلما، وأشباههما" جعلوا "رُبَّ" مع "مَا" بمنزلة كلمة واحدة ليذكر بعدها الفعلُ، ومثل ذلك "هَلاَّ ولولا وألا, ألزموهن لا" وجعلوا كل واحدة مع "لا" بمنزلة حرف واحد، وأخلصوهن للفعلِ حيثُ دخل فيهن معنى التحضيض، وقد يجوز في الشعر تقديمُ الاسم، قال الشاعر:

صَدَدْتِ فأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّما وِصَالٌ على طُولِ الصُّدودِ يَدُومُ1

وهذا لفظُ سيبويه2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 12 و1/ 459 على وقوع الجملة الاسمية بعد "قلما" ضرورة؛ لأن ما تكف الفعل "قل" ولا يقع بعد "قلما" إلا الجمل الفعلية. ونسبه الأعلم للمرار الفقعسي، ونسبه سيبويه لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه/ 494 في قسم الشعر المنسوب إليه. وأطولت: من طال، وكان عليه أن يقول: أطلت, فقد جاء تصحيح الفعل "أطول" شاذًّا قياسًا.
وانظر: المنصف 1/ 191، والمقتضب 1/ 84، وابن يعيش 7/ 116, وشرح السيرافي 4/ 13، والمحتسب 1/ 96، وشرح الرماني 3/ 163، والخصائص 1/ 143، وأمالي ابن الشجري 2/ 139.
2
انظر الكتاب 1/ 459, والتذييل والتكميل 3/ 263.

التاسع: الحروف التي تكون صدور1 الكلام:
هذه الحروف عاملة كانت أو غير عاملةٍ, فلا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها وذلك نحو ألف الاستفهام, و"ما" التي للنفي، ولامُ الابتداء, لا يجوز أن تقول: "طعامَكَ أَزيد آكلٌ" ولا "طعامَكَ لزيدٌ آكلٌ" وإنَّما أَجزنا: إنَّ زيدًا طعامَك لآكلٌ؛ لأن تقدير اللام أنْ يكون قبل "إنَّ" وقد بينا هذا فيما تقدم, هذه اللام التي تكسر "إنَّ" هي لام الابتداء، وإنما فُرقَ بينهما لأن معناهما في التأكيد واحدٌ, فلما أُزيلت عن المبتدأ وقعت2 على خبره, وهي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" صدر.
2
في "ب" أوقعت.



ج / 2 ص -235- لا يجوز أن تقع إلا على اسم "إنَّ" أو يكون بعدها خبره، فالاسم نحو قولك: "إنَّ خلفَك لزيدًا" والخبرُ نحو: "إنَّ زيدًا لآكلٌ طعامَكَ" فإن قلت: "إنَّ زيدًا آكلٌ لطعامكَ" لم يجز؛ لأنها لم تقع على الاسم ولا الخبر. ومن ذلك "ما" النافية، تقول: "ما1 زيدٌ آكلًا طعامَك"، ولا2 يجوزُ أن تقدم "طعامَكَ" فتقول: "طعامَكَ ما زيدٌ آكلًا" ولا يجوز عندي تقديمهُ وإن رفعت الخبر, وأما الكوفيون3 فيجيزون: "طعامَكَ ما زيد آكلًا" يشبهونها "بلَم" و"لنْ" وأَباهُ البصريون4، وحجة البصريين أنهم لا يوقعون المفعول إلا حيثُ يصلحُ لناصبه أن يقعه، فلما لم يجزْ أن يتقدم الفعلُ على ما لم يجز أن يتقدم ما عَمِلَ فيه الفعل, والفرق بين "مَا" وبين "لَمْ ولَنْ": أنَّ "لَنْ ولَمْ لا يليهما إلا الفعلُ, فصارتا مع الفعلِ بمنزلة حروف الفعل"5. وأجازَ البصريون6: "ما طعامَكَ آكلٌ إلاّ زيدٌ" وأحالها الكوفيونَ إلا أحمد بن يحيى7.
ومن ذلك "لا" التي تعمل في النكرة النصب وتُبنى معها لا تكون إلا صدرًا ولا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها وهي مشبهة8 "بإنَّ"، وإنما يقع بعدها المبتدأُ والخبرُ، فكما لا يجوز أن تقدم ما بعد "إنَّ" عليها كذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ما زيدًا، وهو خطأ.
2
في "ب" لا بدون الواو.
3
جوز الكوفيون: ما زيد آكل؛ لأن "ما" بمنزلة لم ولن ولا، لأنها نافية، كما أنها نافية... وانظر الإنصاف/ 101.
4
لأن "ما" معناها النفي ويليها الاسم والفعل, فأشبهت حرف الاستفهام. وحرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله، فكذلك "ما" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وانظر الإنصاف/ 101.
5
في "ب" حروف من الفعل.
6
في "ب" وأجازه.
7
أي: ثعلب.
8
في "ب" تشبه.



ج / 2 ص -236- هي، والتقديم فيها أَبعدُ لأن "إنَّ" أشبهُ بالفعل منها، فأما "لا" إذا كانت تلي الأسماء والأفعال، وتصرفت في ذلك ولم تُشبه "بليسَ" فلك التقديم والتأخير؛ تقول: "أَنتَ زيدًا1 لا ضاربٌ ولا مكرمٌ" وما أشبه ذلك, ومن ذلك "إنْ" التي للجزاء لا تكون إلا صدرًا، ولا بُدَّ من شرط2 وجوابٍ، فالجزاء مشبه بالمبتدأ والخبر إذ كان لا يستغني أحدهما عن الآخر ولا يتم الكلام إلا بالجميع3 فلا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها، لا يجوز أن تقول: "زيدًا إنْ تضربْ أَضربْ" بأي الفعلين نصبته فهو غير جائزٍ؛ لأنه إذا لم يجز4 أن يتقدم العاملُ لم يجز أن يتقدم المعمولُ عليه5 وأجاز الكسائي أن تنصبهُ بالفعل الأول6، ولم يجزها أحدٌ من النحويين, وأجاز هو والفراءُ أن يكون منصوبًا بالفعل الثاني. قال الفراء: إنما أَجزتُ أن يكونَ منصوبًا بالفعل الثاني وإنْ كان مجزومًا؛ لأنهُ يصلحُ فيه الرفعُ وأن يكون مقدمًا فإذا قلت: "إنْ زيدًا تضربْ آتِكَ" فليس بينهم خلاف "وتضربْ جَزمٌ" إلا أنهم يختلفون في نصب "زيدٍ"، فأَهل البصرة يضمرونَ فعلًا ينصبُ وبعضهم ينصبه بالذي بعدهُ, وهو قولُ الكوفيينَ وأجازوا: "إنْ تأتني زيدًا أضربْ" إلا أنَّ البصريينَ يقولونَ بجزمِ الفعلِ بعد "زيدٍ" وأبى7 الكوفيونَ جزمَهُ، وكان الكسائي يجيزُ الجزمَ إذا فرق بين الفعلين بصفةٍ, نحو قولك: "إنْ تأتني إليك أَقصدْ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" زيد، بالرفع.
2
في "ب" شرك، وهو خطأ.
3
في "ب" ولا.
4
في "ب" لم يكن.
5
في "ب" فيه.
6
في الإنصاف/ 327، ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط نحو: زيدًا إن تضرب أضرب، واختلفوا في جواز نصبه بالشرط، فأجازه الكسائي ولم يجزه الفراء.
7
في الأصل: "وأبا".



ج / 2 ص -237- فإذا1 فرق بينهما بشيءٍ من سبب الفعل الأول فكلهم2 يجزم الفعل الثاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وإذا.
2
في الأصل: وكلهم، والتصحيح من "ب".

العاشر: أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس للعامل فيه سبب, وهو غريب منه:
وقد1 بينا أنَّ2 العوامل على ضربين: فعل وحرف، وقد شرحنا أمر الحرف فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينه وبينَ ما عَمِلَ3 فيه4 فنحو قولك: "كانت زيدًا الحمى تأخذ" هذا لا يجوز5؛ لأنك فرقتَ بين "كانَ" واسمها بما هو غريبٌ منها؛ لأن "زيدًا" ليس بخبرٍ لها ولا اسم, ولا يجوز: "زيدٌ فيكَ وعمرٌو رغبَ" إذا أردت: "[زيدٌ]6 فيكَ رَغِبَ وعمرٌو" لأنك فرقتَ بين "فيكَ" ورغب بما ليس منهُ. وإذا قلت: "زيدٌ راغبٌ نفسه فيكَ" فجعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا "لزيدٍ" لم يجزْ؛ لأنك فرقت بينَ "راغبٍ وفيكَ" بما هو غريب منه, فإنْ جعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا لما7 في "راغبٍ" جازَ، وكذلك الموصولاتُ لا يجوز أن يفرقَ8 بين بعض صلاتها وبعضٍ بشيءٍ غريب منها، تقول: "ضربي زيدًا قائمًا" تريد: إذا كان قائمًا، "فقائمًا" حالٌ لزيدٍ، وقد سدت9 مسدَّ الخبر؛ لأن "ضربي" مبتدأ، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فقد.
2 "
أنّ" ساقط من "ب".
3
في "ب" أعمل.
4
فيه ساقطة في "ب".
5
قال سيبويه / 36: لو قلت: كان زيدًا الحمى تأخذ، وتأخذ الحمى، لم يجز وكان قبيحًا.
6
زيادة من "ب".
7 "
في" ساقط من "ب".
8
في "ب" بينها وبين صلاتها.
9
في "ب" سد، بإسقاط التاء.



ج / 2 ص -238- قدمت "قائمًا" على زيدٍ، لم يجزْ لأن "زيدًا" في صلة "ضربي" و"قائمًا" بمنزلة الخبر، فكما لا يجوزُ: "ضَرْبي حَسَنٌ زيدًا" تريد: "ضربي زيدًا حَسَنٌ" كذلك لا يجوز هذا، وكذلك جميع الصلات.

الحادي عشر: تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى:
أما تقديم المضمر على الظاهر الذي يجوز في اللفظ فهو أن يكون مقدمًا في اللفظ مؤخرًا في معناهُ ومرتبته، وذلك نحو قولك: "ضَربَ غلامَه زيدٌ" كان الأصل: ضَرَبَ زيدٌ غلامَهُ, فقدمتَ ونيتُكَ التأخير، ومرتبةُ المفعول أن يكون بعد الفاعل, فإذا قلت: "ضَربَ زيدًا غلامُه" كان الأصل: "ضَرَبَ غلامُ زيد زيدًا" فلما قدمتَ "زيدًا" المفعول فقلت: ضَربَ زيدًا, قلت: غلامهُ وكان الأصل: "غلامُ زيدٍ" فاستغنيت عن إظهارهِ لتقدمِه، قال الله عز وجل: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ}1 وهذه المسألة في جميع أحوالها لم تقدم2 فيها مضمر3 على مظهرٍ, إنما جئتَ بالمضمر بعدَ المظهرِ إذا استغنيتَ عن إعادته، فلو4 قدمتَ فقلت: "ضَربَ غلامهُ زيدًا" تريدُ: ضربَ زيدًا غلامهُ لم يجزْ؛ لأنك قدمتَ المضمرَ على الظاهر في اللفظ [والمرتبةِ]5 لأن حق الفاعل أن يكون قبل المفعول، فإذا كان في موضعه وعلى معناه فليس لك أن تنوي به غير موضعه، إنما تنوي بما كان في غير موضعهِ موضعَه6 فافهم هذا, فإنَّ هذا7 الباب عليه يدور. فإذا قلت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
البقرة: 124، و"بكلمات" زيادة من "ب".
2
في "ب" يتقدم، بصيغة المبني للمفعول.
3
في "ب" مضمرًا بالنصب.
4
في "ب" لو.
5
زيادة من "ب".
6
في "ب" وموضعه، بزيادة واو.
7
في "ب" فإن ذا.



ج / 2 ص -239- "في بيتهِ يؤتى الحكمُ"، جازَ1؛ لأن التقدير "يؤتى الحكمُ في بيتهِ"، فالذي قامَ مقامَ الفاعلِ ظاهرٌ وهو "الحكمُ" ولم تقدم ضميرًا على ظاهرٍ2 مرتبتُه أنْ يكون قبل الظاهر، فإن قلت: "في بيتِ الحكمِ يؤتى الحكمُ" جاز أن تقول: "يؤتى" وتضمر استغناءً عن إظهاره إذ كان قد ذكره كما تقول إذا ذكر إنسانٌ زيدًا: قامَ وفعلَ، وكذلك إذا ذكر اثنين قلت: "قاماَ وفَعلا" فتضمر اسم من لم تذكر استغناءً بأنَّ ذاكرًا قد ذكره, فإنْ لم تقدره هذا التقدير لم يجز, فإن قدمت فقلت: "يؤتيانِ في بيتِ الحكمينِ" تريد: "في بيتِ الحكمينِ يؤتيانِ" لم يجز, ومن هذا: زيدًا أبوهُ ضَربَ, أو يضربُ، أو ضاربٌ، فحقهُ3 أن تقول: "زيدًا أبو زيدٍ ضَرَبَ" واختلفوا في قولهم: "ما أَرادَ أَخَذ زيدٌ" فأجازهُ البصريون, ورفعوا زيدًا "بأَخذَ" وفي "أَرادَ" ذكرٌ من زيدٍ، وأبى4 ذلك الكوفيون ففرقوا5 بينهُ وبين "غلامَهُ ضَربَ زيدٌ" بأن الهاءَ من نفس الاسم بمنزلة التنوين فصار بمنزلة: غلامًا ضَربَ زيدٌ, ويقولُ قومٌ من النحويين: إذا كان المخفوض ليس في نية نصب فلا يقدم مكنيهُ تقول: "في داره ضربتُ زيدًا" ولا يجوز عندهم: "في داره قيامُ زيدٍ" وهذا الذي لم يجيزوهُ هو كما قالوا مِنْ قبل: إني إذا قلت: "قيامُ زيدٍ" فقيام مبتدأ، ويجوز أن يسقط "زيدٌ" فيتم الاسم, فهو بمنزلة ما ليس في الكلام لأنَّهُ من حشو الاسم وليسَ بالاسم، وإنما أجزت: "قيام زيدٍ في دارهِ"، استغناءً بذكرِ "زيدٍ" ولو قلت: قيام زيدٍ في دارٍ, تمَّ الكلام ولم يُضطر فيه إلى إضمار، فإذا جاءَ الضمير والكلام غير مضطر إليه كان بمنزلة ما لم يذكر، فإذا كان الضمير مؤخرًا بهذه الصفة فهو في التقديم أَبعدُ. واختلفوا في قولهم: "لبستُ مِنَ الثياب أَلينَها" فمنهم من يجيزها كما يجيز: درهَمهُ أَعطيتُ زيدًا، ومن أَباهُ قال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
جاز، ساقط من "ب".
2
الحكم، ولم تقدم ضميرًا على ظاهر، ساقط في "ب".
3
في "ب" حقه، بإسقاط الفاء.
4
في الأصل: "وأبا".
5
في "ب" وفرقوا.



ج / 2 ص -240- الفعلُ واقعٌ على "أَلينَ" دون الثيابِ, وأَجازوا جميعًا: "أَخذَ ما أرَادَ زيدٌ"، "وأحبَّ ما أَعجبَهُ زيدٌ" "وخَرجَ راكبًا زيدٌ" لم يختلفوا إذا قدموا الفعلَ, وأهل البصرة أجازوا1: "راكبًا خَرجَ زيدٌ" ولم يجزها الفراءُ والكسائي وقالا2: فيها ذكر من الاسم فلا يقدم على الظاهرِ، ولو كان لا يقدمُ ضمير ألبتة على ظاهرٍ لوجبَ ما قالا3 ولكن المضمر4 يقدمُ على الظاهر إذا كان في غير موضعه بالصفة التي ذكرت لك، وأجمعوا على قولهم: "أَحرز زيدًا أَجلُه" وفي القرآن: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}5 لأنه ليس في ذا تقديمُ مضمرٍ على ظاهرٍ، وأجمعوا على: "أَحرزَ زيدًا أَجلُه" وعلى: "زيدًا أحرزَ أَجلهُ" فإن قالوا: "زيدًا أَجلهُ أَحرزَ" فأكثر النحويين المتقدمين وغيرهم يحيلُها إلاّ هِشامًا6 وهي تجوز لأن المعنى: "أَجلُ زيدٍ أحرزَ زيدًا" فلما قلت: "زيدًا أَجلُ زيدٍ أحرزَ" لم تحتج إلى إظهار زيدٍ مع الأجلِ، واختلفوا في: "ثوبِ أَخويكَ يلبسانِ" وهي عندي جائزةٌ؛ لأن المعنى: "ثوبُ أَخويكَ يلبسُ أَخواكَ" فاستغنى عن إعادة الأخوين بذكرهما فأُضمرا.
وأجاز الفراء: دارُ قومِكَ يهدمُ هُم "ويهدمونَ هُم" وتقول: "حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ" لأنكَ تريد: "حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ زيدٌ" فلو أظهرتهُ لجاز واستغنى عن إضماره7 بذكرِ زيدٍ، ولو أظهرتهُ لظن أنه زيدٌ آخرُ، وهو على إلباسه يجوزُ، ولَيس هذا مثل: "زيدًا ضَربَ" إذا أردتَ: "ضَربَ نفسهُ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" يجيزون.
2
في الأصل "قالوا" وهذه مسألة شرحها ابن الأنباري في الإنصاف. انظر ص142-144.
3
في الأصل "قالوا".
4
في الأصل "الضمير" والتصحيح من "ب".
5
الأنعام: 158.
6
هشام: أبو عبد الله هشام بن معاوية الضرير من نحاة الكوفة, مات سنة 209هـ، ترجمته في معجم الأدباء 19/ 292.
7
في "ب" إظهاره.



ج / 2 ص -241- لأن هذا إنما امتنع؛ لأنه فاعل مفعولٍ، وقد جعلت المفعولَ [لا بدّ منهُ]1، وحقُّ الفاعل أن يكون غير المفعول إلا في الظن وأخواته، فإذا أردت هذا المعنى قلت: "ضَربَ زيدًا نفسُهُ" "وضَربَ زيدٌ نفسَهُ" وقالوا: فإن لم تجئ بالنفس فلا بدّ من إظهار المكني ليقوم مقامَ ما هو منفصلٌ من الفعل؛ لأن الضميرَ المنفصل بمنزلة الأجنبي، فتقول: "ضَربَ زيدًا هُوَ" و"ضَربَ زيدٌ إيَّاهُ" واحتجوا بقوله عز وجل2: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}3 كأنه في التقدير: "وما يَعلمُ جنودَ ربِّكَ إلاّ ربُّكَ" ولو جاز أن تقولَ: ضربتني وضربتُكَ فأوقعتَ4 فعلَكَ على نفسِكَ ومَنْ تخاطِبهُ للزمكَ5 أن6 تقول: "ضَربهُ" للغائبِ، فتوقع فِعْلَ الغائب على نفسه بالكناية فلا يعلم لمن الهاء فإذا قلت: "ضَربَ نفسَهُ" بان لكَ ذلكَ, وأما الذي يجوز فيه تعدي فعلِ الفاعل إلى نفسهِ فقولك: "ظننتني قائمًا وخلتني جالسًا" فإنَّ هذا وما أشبههُ يتعدى فيه فعلُ المضمر إلى المضمر ولا يتعدى فعلُ المضمر إلى الظاهر؛ لأنَّهُ يصيرُ فيه المفعولُ الذي هو فضلةٌ لا بدَّ منهُ وإلا بطلَ الكلام. وهذه مسألةٌ شرحها أبو العباس وذكر قول أصحابه ثم قولهُ، قالَ: قال سيبويه: "أزيدًا7 ضربَهُ أبوهُ" لأن ما كانَ من سببهِ موقعٌ به الفِعلَ كما يوقعه ما ليس من سببه ولا أقول: "أزيدًا ضربَ" فيكون الضمير في "ضربَ" هو الفاعلُ، وزيدٌ مفعولًا, فيكون هو الضاربُ نفسَهُ وأضع الضمير في موضع أبيه حيث كان فاعلًا، قيلَ لهُ: لِمَ8 لا يجوزُ هذا وما9 الفصلُ بينَهُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
عز وجل ساقط في "ب".
3
المدثر: 31.
4
في "ب" فتوقع.
5
في "ب" للزم.
6
في "ب" كأن.
7
في "ب" زيدًا، بدون الهمزة.
8
في "ب" فلم.
9
في الأصل "وأما" والتصحيح من "ب".



ج / 2 ص -242- وبينَ أبيه, وقد رأينا ما كانَ من سببه يحلُّ محلَّهُ في أَبوابٍ؟ فالجوابُ في ذلك: أنَ المفعولَ منفصلٌ مستغنٍ عنهُ بمنزلةِ ما ليس في الكلامِ، وإنما ينبغي أن يصححَ الكلامُ بغير مفعولٍ ثم يؤتى بالمفعول فضلةً, وأنت إذا قلت: "أزيدًا ضَربَ" فَلو حذفتَ المفعول بطلَ الكلامُ، فصار المفعولُ لا يستغنى عنه، وإنما الذي لا بدّ منه مع الفعلِ الفاعلُ. وكذلك1 لا تقول: "أَزيدًا ظنهُ منطلقًا" لأن الفاعلَ إذا مَثُلَ بطلَ فصرتَ إنْ قدمتهُ لتضعهُ في موضعه، صار "ظَنَّ زيدًا منطلقًا" فأضمرتَ قبلَ الذكرِ، ولكن لو قلت: "ظنهُ زيدٌ قائمًا" وإياهُ ظُن زيدٌ أَخًا, كان أجود كلامٍ؛ لأنَّ فِعلَ زيدٍ يتعدى2 إليه في باب "ظننتُ وعلمتُ وأَخواتهما" ولا يتعدى إليه في "ضَربَ" ونحوه، ألا ترى أنكَ تقول: "غلامُ هندٍ ضَربَها" فترد الضمير إليها لأنها3 مستغنٍ عنها؛ لأنكِ لو قلت: "غلامُ هندٍ ضَربَ" لم تحتج إلى المفعول، فلما كانت في ذكرك رددتَ إليها وحلتْ محل الأجنبي, ولو قلتَ: "غلامُ هندٍ ضربتَ" تجعل ضمير هندٍ الفاعل لكان غلطًا عند بعضهم لأن هندًا من تمام الغلام, والغلامُ مفعولٌ, فقد جعلت المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه ليرجع الضمير الذي هو الفاعلُ إليه, فإن قلت: فما بالي أقول: "غلامُ هندٍ ضاربتهُ هي" فيجوز واجعل هِيَ إنْ شئت إظهارَ الفاعل وهو "لهند"4، وإنْ شئت ابتداءً وخبرًا، فالجواب فيه أنه إنما جازَ هنا لأن الغلام مبتدأٌ و"ضاربتهُ" على هذا التقدير مبتدأٌ والفاعلُ يسدُّ مسدَّ الخبرِ, فهو منفصلٌ بمنزلةِ الأجنبي, ألا ترى أنَّكَ لو وضعتَ مكانَ "هي" جاريتَكَ أو غيرها استقامَ، والفاعلُ المتصلُ لا يحل محلَّهُ غيرهُ، فإن قلت أَفتجيزُ: "غلامُ هندٍ ضاربتُه هي" تجعلُ "هي" إن شئتَ ابتداءً مؤخرًا وإن شئتَ جعلت "ضاربتُه"5 ابتداءً، و"هي" فاعلٌ يسدُّ مسد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فكذلك.
2
في "ب" عليه.
3
في "ب" لأنه.
4
في "ب" لهند.
5
في "ب" ضاربته ضاربة.



ج / 2 ص -243- الخبر فكل هذا جيد لأن "هي" منفصلٌ بمنزلة الأجنبي، ولو قلت: "غلامَ هندٍ ضربتْ أمُّها" كان جيدًا؛ لأن الأم منفصلة وإنَّما أضفتها إلى هند لما تقدم من ذكرها, فهندٌ ههنا وغيرها سواءٌ ألا ترى أني1 لو قلتُ: غلامُ هندٍ ضربتْ أمُّ هندٍ كانَ بتلك المنزلةِ، إلا أن الإِضمار أحسن لما تقدم الذكر، والضمير المتصل لا يقع موقعه المنفصل2 المذكور إلا على معناه وتقديره، وإنما هذا كقولك: "زيدًا ضَربَ أَبُوه" لأنَّ الأب ظاهرٌ ولو حذفت ما أضفت إليه صَلُحَ فقلت: أبٌ وغلامٌ ونحوهما والأول بمنزلة: "زيدًا ضَربَ" الذي لا يحل محله ظاهرٌ؛ فلذلك استحالَ.
قال أبو العباس: وأنا أرى أنه يجوز: "غُلامَ هندٍ ضَرَبتْ" وباب جوازه أنَّك أضمرتَ "هندًا" لذكركَ إياها، وكان التقدير: غُلامَ هندٍ "ضَربَتْ هِندٌ" فلم تحتج إلى إظهارها لتقدم ذكرها، وكان الوجه "غلامَها ضَربَتْ هندٌ" ويجوز الإِظهار على قولك: "ضَربَ أبَا زيدٍ زيدٌ" ولو قلت: "أَباهُ" كان أحسن فإنما أَضمرتَها في موضع ذكرها الظاهر، ولكن لا يجوز بوجهٍ من الوجوه: "زيدًا ضَربَ" إذا جعلت ضمير زيدٍ ناصبًا لظاهره لعلتين: إحداهما: أنَّ فعلَهُ لا يتعدى إليه في هذا الباب, لا تقول: "زيدٌ ضربَهُ" إذا رددتَ الضمير إلى "زيدٍ"، ولا تقول: ضربتني إذا كنتَ الفاعلَ والمفعولَ وقد بينَ هذا, والعلة الأخرى: ما تقدم ذكره من أن المفعول الذي فضلةٌ يصيرُ لازمًا؛ لأنَّ الفاعل الذي لا بدّ منه معلق به؛ ولهذا لم يجز: زيدًا ظَنَّ منطلقًا، إذا أضمرتَ "زيدًا" في "ظَنَّ" وإن كان فعله في هذا الباب يتعدى إليه نحو: "ظننتني أَخاكَ" ولكن لم يتعد المضمر إلى الظاهر لما ذكرتُ لكَ، وأما3 "غُلامَ هندٍ ضَرَبَتْ" فجاز، لأن هندًا غيرُ الغلامِ وإن كانت بالإِضافة قد صارت من تمامه، ألا ترى أنك تقول: "غلامُ هندٍ ضَربهَا" ولا تقول: "زيدٌ ضربهُ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أنك.
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" فأما.



ج / 2 ص -244- فهذا بَينٌ جدًّا واختلفوا في: "ضربني وضربت زيدًا"، فرواهُ سيبويه وذكر أنهم أضمروا الفاعلَ قبلَ ذكره على شريطة التفسير1، وزعم الفراء أنه لا يجيزُ نصبَ "زيدٍ" وأجاز الكسائي على أن "ضربَ" لا شيء فيها وحذفَ "زيدًا" وقال بعضُ علمائنا "رحمه الله"2: والذي قال الفراء, لولا السماعُ لكانَ قياسًا. وأما "عبد اللهِ زيدٌ ضاربٌ أباهُ" فالبصريونَ يجيزون: "أَباهُ عبد اللهِ زيدٌ ضاربٌ"3, وغيرهم لا يجيزها وهو عندي قبيحٌ؛ لبعدِ العاملِ من الذي عَمِلَ فيه. وطعامَكَ زيدٌ يأكلُ أبوه، لا يجيزها الفراء ولا يجيزُ: "آكلٌ" أيضًا ويجيزها الكسائي إذا قال: "طعامَكَ زيدٌ آكلٌ أبوهُ" لأن زيدًا ارتفع عنده "بآكلٍ" فأجاز تقديم الطعام, ولما كان يرتفع بما عاد عليه من الذكر لم يجزه, وقال الفراء: هو في الدائم4 غيرُ جائزٍ؛ لأنه لا يخلو من أن أقدرَهُ تقديرَ الأفعال، فيكون بمنزلة الماضي والمستقبل إذا قَدَرهُ تقديرَ الأسماءِ, فلا يجوزُ أنْ أُقدم مفعول الأسماء, ولكني أجيزهُ في الصفات ويعني بالصفات "الظروف"5. وهذه المسألةُ لم يقدم فيها مضمرٌ على ظاهرٍ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 41.
2
رحمه الله، ساقط من "ب".
3
في الدائم، ساقط من "ب".
4
يقصد الكوفيون بالدائم أسماء الفاعلين، فقد قالوا: إنها أفعال دائمة عندهم فليست هي من الأسماء العاملة، ولها من قوة العمل ما للأفعال، ما يؤيد ذلك أنهم كانوا يعملونها في الماضي والحال والاستقبال مطلقًا وبلا شرط كما تعمل الأفعال في هذه الأزمنة الثلاثة أخذًا بقول الكسائي. وتجويزه أن يعمل بمعنى الماضي، كما يعمل بمعنى الحال والاستقبال سواء، وتمسك بجواز نحو: زيد معطي عمرو أمس درهمًا.
انظر: شرح الكافية 2/ 200.
5
ويعني به الكوفيون الظرف الذي يطلقه البصريون على نحو: أمام وخلف ويمين وشمال وغيرها من ظروف المكان، وعلى نحو: يوم وليلة، وقبل, وبعد من ظروف الزمان، ومجافاة الكوفيين للتأثر بالفلسفة ظاهرة في هذا المصطلح فلم تعرف العربية كلمة الظرف في هذا المعنى؛ لأن الظرف فيها هو الوعاء، واعتبار مدلولات هذه الألفاظ أوعية للموجودات غنًى بالتأثر الفلسفي.



ج / 2 ص -245- والمضمرُ في موضعه إلا أن "أَبوهُ" فاعلُ "يأكلُ" وطعامكَ مفعولٌ، وقد بعد ما بينهما، وفرقت بين الفاعل والمفعول [بهِ]1 "بزيدٍ" وليسَ لهُ في الفعل نصيبٌ, ولكن يجوز أن تقولهُ من حيث قلت: "طعامَكَ زيدٌ يأكلُ" فالفاعلُ2 مضمرٌ فقامَ "أَبوهُ" مقامَ ذلك المضمرِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" والفاعل.

الثاني عشر: التقديم إذا ألبس1 على السامع أنه مقدم:
وذلك نحو قولكَ: "ضربَ عيسى موسى" إذا كان "عيسى" الفاعل لم يجز أن يقدم "موسى" عليه؛ لأنه ملبس لا يبين2 فيه إعرابٌ، وكذلك: "ضرَبَ العَصا الرحى" لا يجوز التقديم والتأخير، فإن قلت: "كسر3 الرحى العصا" وكانت الرحى هي الفاعل وقد عُلِمَ أنَّ العَصا لا تكسرُ الرحى جاز التقديم والتأخير، ومن ذلك قولك: "ضربتُ زيدًا قائمًا" إذا كان السامع لا يعلم من القائم, الفاعلُ أم المفعولُ, لم يجز أن تكون الحال مِن صاحبها إلا في وضع الصفة ولم يجز أن تقدم على صاحبها، فإن كنت أنتَ القائم قلت: "ضربتُ قائمًا زيدًا" وإن كان زيدٌ القائمَ قلت: ضربتُ زيدًا قائمًا، فإن لم يُلبس4 جاز التقديمُ والتأخير, وكذلك إذا قلت: "لقيتُ مصعدًا زيدًا منحدرًا"5 لا يجوز أن يكون المصعدُ إلا أنتَ، والمنحدرُ إلا "زيدًا" لأنك إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
ب" التبس.
2 "
ب" يتبين.
3 "
ب" كسرت.
4
في "ب" يلتبس.
5
انظر المقتضب 4/ 169، وابن الشجري 2/ 282، والبحر المحيط 1/ 71, وهذه المسألة مشروحة بالتفصيل.



ج / 2 ص -246- قدمت وأخرتَ التبسَ، ولو قلت: "ضربَ هَذا هَذا" تريدُ تقديمًا وتأخيرًا لم يجز, فإذا قلت: "ضربَ هَذا هذهِ" جازَ التقديمُ والتأخيرُ فقلت: "ضربَ هَذه هَذا" لأنه غيرُ ملبسٍ1، ولو قلتَ: "ضَرَب الذي في الدار الذي في البيت" لم يجز التقديمُ والتأخيرُ لإِلباسه2, ومن ذلك إذا قلت: "أعطيتُ زيدًا عمرًا" لم يجز أن تقدم "عمرًا" على "زيدٍ" وعمرو هو المأخوذ؛ لأنه ملبس3 إذا كان كل واحدٍ منهما يجوز أن يكون الآخذَ، فإذا4 قلت: "أعطيتُ زيدًا درهمًا" جازَ التقديم والتأخير5 فقلت: "أعطيتُ درهمًا زيدًا" لأنه غير ملبسٍ6، والدرهم لا يكون إلا مأخوذًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ملتبس.
2
في "ب" لالتباسه.
3
في "ب" ملتبس.
4
في "ب" وإذا.
5
زيادة من "ب".
6
في "ب" ملتبس.

الثالث عشر: إذا كان العامل معنى الفعل1 ولم يكن فعلًا:
لا يجوز أن يقدم ما عمل فيه عليه، إلا أن يكون ظرفًا وذلك قولك: "فيها زيد قائمًا" لا يجوز أن تقدم "قائمًا" على فيها؛ لأنه ليس هنا فعلٌ، وإنما أعملتَ "فيها" في الحال لما تدل عليه من الاستقرار، وكذلك إذا قلت: "هذا زيدٌ منطلقًا" لا يجوز أن تقدم "منطلقًا" على "هذا" لأن العامل [هنا دلَّ على]2 ما دل عليه "هذا" وهو التنبيه وليس بفعلٍ ظاهر، ومن3 ذلك: "هُو عبد الله حقا" لا يجوز أن تقدم "حقًّا" على "هُوَ" لأن العامل هو المعنى4، وإنما نصبت "حقا" لأنك لما قلت: هُو عبد الله، دَلَّكَ على "أحق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فعل.
2
هذه الزيادة من "ب".
3 "
من" ساقطة في "ب".
4
في "ب" الابتداء بدلًا من المعنى.



ج / 2 ص -247- ذَلكَ" فقلت "حقا" فأما الظرف1 الذي يقدم إذا كان العامل فيه معنى فنحو2 قولك: "أكلُّ يومٍ لَكَ ثوبٌ" العامل في "كُلّ" معنى "لَكَ" وهو الملك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الظروف.
2
في الأصل: "فكنحو" والتصحيح من "ب".

ذكر ما يعرض من الإِضمار والإِظهار:
اعلم: أنَّ الكلام يجيء على ثلاثة أضربٍ: ظاهر لا يحسنُ إضمارهُ, ومضمر مستعمل إظهارهُ, ومضمر متروك إظهاره.
الأول: الذي لا يحسنُ إضمارهُ: ما ليس عليه دليل من لفظٍ ولا حال مشاهدةٍ، لو قلت: زيدًا، وأنت تريدُ: "كَلِّمْ زيدًا" فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على "كَلِّمْ" ولم يكن إنسان مستعدًّا للكلام لم يجز, وكذلك غيره من جميع الأفعال.
الثاني: المضمرُ المستعملُ إظهارهُ: هذا الباب إنما يجوز إذا علمت1 أنَّ الرجل مستغنٍ عن لفظكَ بما تضمره, فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي، وهو أن يكون الرجل في حال ضربٍ فتقول: زيدًا2 ورأسَهُ وما أشبه ذلك تريد: اضربْ رأسَهُ, وتقول في النهي: الأسدَ الأسدَ، نهيتهُ أنْ يقربَ الأسد، وهذا الإِضمار أجمع في الأمر والنهي، وإنما يجوز مع المخاطب ولا يجوز مع الغائب، ولا يجوز إضمار حرف الجر، ومن ذلك أن ترى رجلًا يسدد سهمًا فتقول: "القرطاس واللهِ" أي: يصيبُ القرطاسَ, أو رأيتهُ في حال رجلٍ قد أوقعَ فِعْلًا أو أخبرت عنهُ بفعلٍ فقلتَ: "القرطاسَ واللهِ" أي: أصاب القرطاسَ، وجاز أن تضمر الفعلَ للغائبِ؛ لأنه غير مأمورٍ ولا منهيٍّ، وإنما الكلامُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" إذا أعملت، وهو خطأ.
2
في "ب" أو رأسه.



ج / 2 ص -248- خبرٌ فلا لبسَ فيه كما1 يقع في الأمر, وقالوا: "الناسُ مجزيونَ بأعمالهم" إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ، يراد إن كانَ خيرًا.
ومن العرب من يقول: "إنْ خيرًا فخيرًا"2 كأنه قال: "إنْ كان ما فَعلَ خيرًا جُزي خيرًا"3 والرفع في الآخر أكثر؛ لأن ما بعد الفاء حقه الاستئناف ويجوز: "إن خيرٌ فخيرٌ" على أن تضمر "كانَ" التي لها خبر وتضمر خبرها، وإن شئت أضمرت "كانَ" التي بمعنى "وقَع" ومثل ذلك: قد مررتُ برجلٍ إنْ طويلًا وإنْ قصيرًا, ولا يجوز في هذا إلا النصب4, وزعم يونس: أنَّ من العرب من يقول: "إنْ لا صالحٌ فطالحٌ"، على: إنْ لا أكن مررتُ بصالحٍ فطالحٍ5 وقال سيبويه: هذا ضعيفٌ قبيحٌ, قال: ولا يجوزُ أن تقول: عبد الله المقتولُ6 وأنت تريد "كن عبد اللهِ" لأنه ليس فعلًا يصلُ من الشيء إلى الشيء7 ومن ذلك: "أو فرقًا خيرًا مِنْ حُبٍّ" ولو رفع جاز، كأنه قال8: "أو امرئٍ فرقٌ"، وألا طعامَ ولو تمرًا أي: "ولو كانَ الطعامُ تمرًا" ويجوز: "ولو تمرٌ" أي: ولو كان تمرٌ9، ومن هذا الباب: "خيرَ مقدمٍ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
كما" ساقط في "ب".
2
قال سيبويه 1/ 457 مستدلًّا على تقديم الفعل بعد إن الشرطية وحمله على إضمار فعل؛ لأن حرف الشرط يقتضيه مضمرًا أو مظهرًا، جاز تقديمه مع الفعل الماضي في "إن" لأنها أم حروف الجزاء، قال:... هذا كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا: إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. انظر: الكتاب 1/ 130.
3
في الأصل: أجزى، والتصحيح من "ب".
4
لأنه لا يجوز أن يحمل الطويل والقصير على غير الأول.
5
انظر الكتاب 1/ 132.
6
المقتول، ساقط في "ب".
7
انظر الكتاب 1/ 133.
8
كأنه قال، ساقط في "ب".
9
قال سيبويه 1/ 136: ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره, قولك: ألا طعام ولو تمرًا، كأنك قلت: ولو كان تمرًا.



ج / 2 ص -249- أي: قدمتَ، وإن شئتَ قلتَ: "خيرُ مقدمٍ" فجميع ما يرفع إنما تضمرُ في نفسك ما تظهرُ، وجميع ما ينصبُ إنما تضمر في نفسكَ غير ما تظهرُ [فافْهم هذا, فإنَّ عليه يجري هذا البابُ، ألا ترى أنكَ إذا قلت: خيرَ مقدمٍ فالمعنى: قدمتَ, فقدمتَ فعْلٌ، وخيرَ مقدم اسمٌ, والاسمُ غيرُ الفعلِ فانتصبَ بالفعل, فإذا رفعتَ فكأنَّك قلت: قدومُكَ خيرُ مقدم]1 فإنما تضمر، قدومك خيرُ مقدمٍ, فقدومكَ "هو خيرُ مقدمٍ"، وخبرُ المبتدأ هو المبتدأُ وإذا قلت: "خير مقدمٍ" فالذي أضمرت "قدمت" وهو فعلٌ وفاعلٌ, والفعل والفاعل غير المفعول, فافهم هذا فإن عليه يجري هذا الباب, ومن هذا الباب قولهم: "ضربت وضربني زيدٌ" تريد: "ضربتُ زيدًا وضربني" إلا أن هذا الباب أضمرت ما عَمِلَ فيه الفعلُ, وذلك أضمرت الفعل نفسهُ, وكذلك كلُّ فعلين يعطفُ أحدهما على الآخر فيكون الفاعل فيهما هو المفعول, فلك أن تضمره مع الفعل وتعمل المجاور له, فتقول على هذا: متى ظننتُ أو قلتُ: زيدٌ منطلقٌ؛ لأنَّ ما بعد القول محكي, وتقول: "متى قلتَ أو ظننتَ زيدًا منطلقًا" فإذا قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا" ثنيت فقلت: "ضرباني وضربتُ الزيدينِ" فأضمرت قبل الذكر؛ لأنَّ الفعلَ لا بد لهُ من فاعل, ولولا أنَّ هذا مسموعٌ من العرب لم يجز، وإنما حَسُنَ هذا لأنكَ إذا قلت: ضربتُ وضربني زيدٌ, وضربني وضربتُ زيدًا, فالتأويل: تضاربنا, فكل واحدٍ فاعلٌ مفعولٌ في المعنى فسُومِحَ في اللفظ لذلك. ومن ذلك: "ما منهم يقومُ" فحذفَ المبتدأُ، كأنهُ قال: "أحدٌ منهم يقومُ" ومن ذلك قوله عز وجل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}2, أي: "أَمرى صبرٌ جميلٌ".
الثالث: المضمرُ المتروك إظهارهُ: المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه، وقد يجوز فيه غيره، فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير, نحو قولهم: "إياكَ" إذا حذرته، والمعنى: "باعدْ إياكَ" ولكن لا يجوز إظهاره،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ما بين القوسين زيادة من "ب".
2
يوسف: 83.



ج / 2 ص -250- وإياك والأسدَ وإياك الشرَّ, كأنه قال: إيايَ لأتقينَّ وإياكَ فاتقينَّ, فصارت "إياكَ" بدلًا من اللفظ بالفعلِ، ومن ذلك: "رأسَهُ والحائطَ, وشأنك والحجَّ, وامرأً ونفسَهُ" فجميع هذا المعطوفِ إنما يكون بمنزلة "إياكَ" لا يظهر فيه الفعلُ ما دام معطوفًا, فإن أفردتَ جازَ الإِظهار والواو ههنا بمعنى "مَع". ومما جُعلَ بدلًا من الفعل: "الحذرَ الحذرَ, والنجاءَ النجاءَ, وضربًا ضربًا" انتصب على "الزم"1 ولكنهم حذفوا لأنه صار بمعنى "افعل" ودخولُ "الزم" على "افعلْ" محالٌ, وتقول: "إياكَ أنت نفسُكَ أنْ تفعلَ" ونفسك إنْ وصفتَ المضمر الفاعل رفعت [وإنْ أضفتَ إياكَ نصبتَ وذلك]2 لأنَّ "إياكَ" بدلٌ من فِعْلٍ وذلك الفعلُ لا بُدَّ لَهُ من ضمير الفاعل المأمور وإنْ وصفت "إياكَ" نصبتَ وتقول: "إياكَ أنتَ وزيدٌ, وزيدًا"3 بحسب ما تقدر، ولا يجوز: "إياكَ زيدًا" بغير واوٍ، وكذلك: "إياكَ أن تفعلَ" إن أردتَ: "إياك والفعلَ" وإنْ4 أردت: إياكَ أعِظُ مخافةَ أَنْ تفعلَ5, جازَ. وزعموا أن ابن أبي إسحاق6 أجازَ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 1/ 139: ومما جعل بدلًا من اللفظ بالفعل قولهم: الحذر الحذر, والنجاء النجاء، وضربًا ضربًا، فإنما انتصب هذا على: الزم الحذر وعليك النجاء, ولكنهم حذفوا لأنه صار بمنزلة أفعل، ودخول الزم وعليك على "أفعل" محال.
2
زيادة من "ب".
3
قال سيبويه 1/ 140: "فإن قلت: إياك أنت وزيد" فأنت بالخيار، إن شئت حملته على المنصوب, وإن شئت على المضمر المرفوع.
4
في "ب" "فإن".
5
لأنك تريد أن تضمه إلى الاسم الأول، كأنك قلت: نحِّ لمكان كذا وكذا.
6
ابن أبي إسحاق: هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، كان أعلم أهل البصرة وأعقلهم, هو الذي فرع النحو وقاسه، وتكلم في الهمز حتى عمل فيه كتابًا مما أملاه, وكان رئيس الناس وواحدهم، أخذ النحو عن يحيى بن يعمر، وأخذ القراءة عنه وعن نصر بن عاصم, مات سنة 117هـ, وقال ابن تغري بردي: إنه توفي سنة 127هـ. وترجمته في طبقات الزبيدي/ 7، وإنباه الرواة 2/ 107، ومراتب النحويين/ 12، والنجوم الزاهرة 1/ 303.



ج / 2 ص -251- إيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فإنَّهُ إلى الشَّرِّ دعاءٌ ولِلخَيْرِ زَاجِرُ1

كأنهُ قال: "إياكَ" ثم أضمر بعد "إياك" فعلًا آخر, فقال: اتقِ المراءَ2.
وقال الخليل: لو أنَّ رجلًا قالَ: إياكَ نفسَكَ لم أُعنفْهُ3، يريدُ أن "الكافَ" اسمٌ وموضعها خفضٌ، قال سيبويه: وحدثني منْ لا أتهم4 عن الخليلِ أنهُ سمعَ أعرابيا يقول: "إذا بلغَ الستينَ فإيَّاهُ وإيا الشواب5" ومن ذلك: "ما شأنُكَ وزيدًا" كأنهُ قال: "وما شأنكَ وملابسَة زيدًا"، وإنما فعلوا ذلك فرارًا من العطف على المضمر المخفوض وحكوا: ما أنتَ وزيدًا، وما شأنُ عبد الله وزيدًا كأنه قال ما كان7. فأما: ويلَهُ وأَخاهُ فانتصب بالفعل الذي نصبَ ويلَهُ, كأنَّكَ قلت: ألزمهُ الله ويلَهُ. وإن قلت: ويلٌ لَهُ وأَخاهُ نصبت؛ لأنَّ فيه ذلك المعنى، ومن ذلك: سقيًا ورعيًا وخيبةً ودفرًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 141، على نصب "المراء" بعد إياك مع إسقاط حرف العطف ضرورة، والمعروف في الكلام: إياك والمراء، ورواية سيبويه:

إلى الشر دعاء وللشر جالب.

وكذلك رواية المبرد في المقتضب, والمراء: مصدر ماريته مماراة، ومراء، أي: جادلته، ويقال: ماريته أيضًا إذا طعنت في قوله تزييفًا للقول وتصغيرًا للقائل، ولا يكون المراء اعتراضًا بخلاف الجدال، فإنه يكون ابتداء واعتراضًا.
والبيت ينسب للفضل بن عبد الرحمن القريشي, يقوله لابنه القاسم بن الفضل.
وانظر: المقتضب 3/ 213, والخصائص 3/ 112, والمعجم للمرزباني 310، وابن يعيش 2/ 25, والعيني 4/ 113, والخزانة 1/ 465.
2
انظر الكتاب 1/ 141.
3
قال سيبويه 1/ 141: قال الخليل: لو أن رجلًا قال: إياك نفسك، لم أعنفه؛ لأن هذه الكاف مجرورة.
4
لعله يعني أبا زيد الأنصاري.
5
انظر الكتاب 1/ 141, والشواب جمع شابة.
6
قال سيبويه 1/ 141: "قالوا: ما شأنك وزيدًا" أي: ما شأنك وتناولك زيدًا.
7
يريد: ما كان شأن عبد الله وزيدًا.

ج / 2 ص -252- وجدعًا وعَقْرًا وبؤسًا وأفةً وتفةً [لهُ]1 وبُعدًا وسحقًا وتعْسًا وتَبًّا وبَهْرًا، وجميع هذا بدل من الفعلِ كأنه قال: سقاكَ الله ورعاكَ، وأما ذكرهم "لَكَ" بعد "سقيًا" فليبينوا المعنى بالدعاء وليس بمبني على الأول2، ومنه: "تُربًا" و"جَنْدَلًا" أي: ألزمكَ الله وقالوا: فاهًا لفيك يريدون: الداهية، ومنه هنيئا مَرِيا ومنها ويْلَكَ وويْحَكَ وويْسكَ وويبَكَ وعَوْلكَ لا يتكلمُ به مفردًا ولا يكون إلا بعد "ويلكَ"3. ومن ذلك سبحان الله ومعاذَ الله وريحانهُ, وعمْرِكَ الله إلا فعلتَ, وقعدك الله إلا فعلت بمنزلة: نشدتُكَ الله, وزعمَ الخليلُ: أنهُ تمثيلٌ لا يتكلمُ به4، ومنه قولهم: كَرَمًا وصَلَفًَا وفيه معنى التعجب كأنه قال: "أَلزمكَ الله"5 وصار بدلًا من أكرمْ به وأصْلِفْ بهِ, ومنه: لبيكَ وسعديكَ وحنانيكَ وهذا مثنى، وجميعُ ذا6 الباب إنما يعرف بالسماع ولا يقاسُ, وفيما ذكرنا ما يدلُّكَ على الشيءِ المحذوف إذا سمعته, ومن ذلك قولهم: "مررتُ به فإذا لَهُ صوتٌ صوت حمارٍ" لأنَّ معنى "لَهُ صوتٌ" هو يصوتُ، فصار لهُ صوتٌ بدلًا منهُ, ومن هذا: "أَزيدًا ضربتَهُ" تريد: أضَرَبْتَ زيدًا ضربتَهُ فاستغنى7 "بضربتَهُ" وأُضمر فِعْلٌ يلي حرف الاستفهام، وكذلك يحسنُ في كل موضعٍ هو بالفعل أولى، كالأمر والنهي والجزاء، تقول: "زيدًا اضربهُ" وعمرًا لا يقطع الله يدهُ، وبكرًا لا تضربْهُ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
يريد: أنه ليس خبرًا له.
3
انظر الكتاب 160-166.
4
انظر الكتاب 1/ 163.
5
قال سيبويه 1/ 165: "ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره ولكنه في معنى التعجب, قوله: كرمًا وصلفًا، كأنه يقول: ألزمك الله وأدام لك كرمًا، وألزمت صلفًا، ولكنهم حذفوا الفعل ههنا، كما حذفوه في الأول لأنه صار بدلًا من قولك: أكرم به وأصلف به..".
6
في "ب" هذان بدلًا من "ذا" وهو خطأ.
7
في "ب" واستغنى.



ج / 2 ص -253- وإنْ زيدًا ترهُ تضربهُ، وكذلك إذا عطفت جملةً على جملةٍ فكانت الجملة الأولى فيها الاسم مبني على الفعل، كان الأحسنُ في الجملة الثانية أن تشاكلَ الأولى، وذلك نحو: "ضربتُ زيدًا وعمرًا كلمتهُ" والتقدير: ضربتُ زيدًا وكلمتُ عمرًا فأضمرت فعلًا يفسرهُ1 "كلمتهُ" وكذلك إن اتصلَ الفعل2 بشيءٍ من سبب الأول تقول: "لقيتُ زيدًا وعمرًا ضربتُ أَبَاهُ" كأنك قلت: "لقيتُ زيدًا وأهنتُ عمرًا وضربتُ أبَاهُ" فتضمر ما يليق بما ظهر، فإن كان في الكلام الأول المعطوف عليه جملتان متداخلتان كنت بالخيار, وذلك نحو قولك: "زيدٌ ضربتُه وعمرٌو كلمتهُ" إن عطفت على الجملة الأولى التي هي [الابتداءُ والخبرُ رفعتَ وإنْ عطفت على الثانية]3 التي هي فِعْلٌ وفاعلٌ وذلك قولك: ضربتُه، نصبتَ، ومن ذلك قولهم: أمَّا سمينًا فسمينٌ، وأما عالِمًا فعالمٌ, ومنه4 قولهم: "لكَ الشاءُ شاةً بدرهمٍ" ومنه قولهم: "هذا ولا زعَماتِكَ" أي: لا أتوهم [زَعماتِكَ]5 وكِليهما وتمرًا6. ومن العرب من يقول: "كِلاهما وتمرًا" كأنه قال "كِلاهما لي ثابتانِ, وزدني تمرًا" ومن ذلك: "{انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}7، ووراءكَ أوسع لك, وحسبك خيرًا لك" لأنَّك تخرجهُ منْ أمرٍ وتدخله في آخر ولا يجوزُ ينتهي خيرًا لي؛ لأنَّكَ إذا نهيتَهُ فأنتَ ترجيه إلى أمرٍ، وإذا أخبرتَ فلستَ تريد شيئًا من ذلك، ومن ذلك: "أخذتُه فصاعدًا وبدرهمٍ فزائدًا"8. أخبرت بأدنى الثمن، فجعلتَهُ أولًا، ثم قررت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" تفسيره.
2
في "ب" الفعل بالفعل شيء بشيء.
3
ما بين القوسين ساقط في "ب".
4
في "ب" ومنهم، والصحيح ما أثبتناه.
5
زيادة من "ب" وهذا مثل, أي: هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك... ولا يجوز ظهور العامل الذي قبله أتوهم؛ لأنه أجرى أتوهم مثلًا، والأمثال لا تغير. وانظر الأشباه والنظائر 1/ 89.
6
انظر الكتاب 1/ 142.
7
النساء: 171, وتكملة الآية: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.
8
انظر الكتاب 1/ 146-147 بعد زيد.



ج / 2 ص -254- شيئًا بعد شيءٍ لأثمانٍ شتى، ولا يجوز دخولُ الواو1 هنا، ويجوز دخول "ثُمَّ" وممَّا انتصب على الفعل المتروك إظهارهُ المنادى في قولِكَ: "يا عبد الله" وقد ذكرت ذلك2 في بابِ النداءِ3.
قال سيبويه: ومما يدلُّكَ على أنهُ انتصبَ على الفعل قولُكَ: "يا إياَّكَ" إنما قلت: يا إياكَ أَعني, ولكنهم حذفوا4، وذكر أَمَّا أنت منطلقًا انطلقتُ معكَ فقال: إنها "إن" ضمت إليها "مَا"5 وجعلت عوضًا من اللفظ بالفعل، تريد: إن كنتَ منطلقًا، قال6: ومثل ذلك: "إمّا لا" كأنَّهُ قال: "افعلْ هذا إنْ كنتَ لا تفعلُ غيرهُ"، وإنما هي "لا" أميلت في هذا الموضع؛ لأنَّها جعلت مع ما قبلها كالشيء الواحد, فصارت كأنها ألفٌ رابعةٌ, فأميلتْ لِذاكَ, ومن ذلك: مرحبًا وأهلًا، زعم الخليل أنه بدلٌ من: رحبت بلادكَ7، ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما يظهر8.
واعلم: أن جميع ما يحذف, فإنهم لا يحذفون شيئًا إلا وفيما أبقوا دليلٌ على ما ألقوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 1/ 147: "فالواو لم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، لم يكن في هذا دليل على أنك: مررت بعمرو".
2
في "ب" لك.
3
مر هذا في الجزء الأول ص414.
4
انظر الكتاب 1/ 147.
5
انظر الكتاب 1/ 147.
6
في "ب" وقال، بزيادة واو.
7
انظر الكتاب 1/ 149، فإنما رأيت رجلًا قاصدًا إلى مكان أو طالبًا أمرًا، فقلت: مرحبًا وأهلًا، أي: أدركت ذلك وأصبت, فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه، فكأنه صار بدلًا من رحبت بلادك.
8
في سيبويه 1/ 149: ما يضمر هو ما أظهر.









34



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -255- الاتساع:
اعلم: أن الاتساع ضربٌ من الحذف إلا أن الفرقَ بين هذا الباب والباب الذي قبلهُ، أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربهُ بإعرابه, وذلك الباب تحذف العاملَ فيه وتدعُ ما عَمِلَ فيه على1 حالهِ في الإِعراب، وهذا البابُ العاملُ فيه بحاله وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف, أو تجعل الظرف يقوم مقامَ الاسم. فأمَّا الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قولِه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}2 تريد: أهل القرية، وقول العرب: بنو فلانٍ يطؤهم الطريقُ, يريدون: أهل الطريقِ وقولهُ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}3 إنما هو بر مَنْ آمنَ بالله4. وأما اتساعهم في الظروف فنحو قولهم: "صيدَ عليه يومانِ" وإنما المعنى: صيدَ عليه الوحش في يومين, و"ولدَ لَهُ ستونَ عامًا" والتأويل: "ولدَ لَهُ الولد في ستين عامًا" ومن ذلك قولهُ عز وجل5: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}6 وقولهم: "نَهاركَ صائمٌ وليلُكَ قائمٌ" وإنما المعنى: "أنَّكَ صائمٌ في النهار وقائمٌ في الليل" وكذلك:

يا ساَرِقَ اللَّيلةِ أهلَ الدَّارْ7

وإنما سرق في الليلة, وهذا الاتساع أكثر في كلامهم من أن يحاط به، وتقول: "سرتُ فرسخينِ يومينِ"8 إن شئت نصبتَ انتصابَ الظروف، وإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" من، بدلًا من "على".
2
يوسف: 82, وانظر الكتاب 1/ 108 وج2/ 25، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}.
3
البقرة: 177، وانظر الكتاب 1/ 108, والمقتضب 3/ 231.
4
في سيبويه 1/ 108: إنما هو: "ولكنَّ الْبر برّ من آمن باللَّهِ".
5
في "ب" تعالى.
6
سبأ: 33, وانظر الكتاب 1/ 108.
7
هذا رجز من شواهد الكتاب 1/ 89 و2/ 99، وقد مر تفسيره في الجزء الأول ص/ 235.
8
انظر الكتاب 1/ 114.



ج / 2 ص -256- شئت جعلت نصبهما بأنهما مفعولان1 على السعة، وعلى ذلك قولك: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" إذا جعلت الفرسخين يقومان مقامَ الفاعل، ولك أن تقول: سِيرَ بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، فتقوم اليومين مقامَ الفاعل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: "مفعولين" وهو خطأ، وما بعد مفعولين إلى آخر الباب ساقط في "ب".









35



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -257- باب الزيادة والإلغاء:
اعلم: أن الإِلغاء إنما هو أن تأتي الكلمة لا موضع لها من الإِعراب إنْ كانت مما تعرب, وأنها متى أسقطت من الكلام لم يختل الكلام، وإنما يأتي ما يلغى من الكلام تأكيدًا أو تبيينًا [والجملُ التي تأتي مؤكدةً ملغاة أيضًا، وقد عَمِلَ بعضُها في بعضٍ فلا موضعَ لها من الإِعراب]1 والتي تلغى تنقسم أربعة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ وجملةٌ.
الأول: الاسمُ: وذلك نحو: "هو"2 إذا كان الكلام فصلًا3 فإنه لا موضع له من الإِعراب، ولو كان له موضع لوجبَ أن يكون له خبرٌ إن كان مبتدأ أو يكون له مبتدأٌ إنْ كان هو خبرًا، وقيل في قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}4 "ذلك" [زائدةٌ]5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
يرى الكوفيون أن لهذا الضمير محلًّا من الإعراب وسموه عمادًا؛ لأنه يفصل بين النعت والخبر، أما البصريون فيسمونه ضمير الفصل؛ لأنه يفصل بين النعت والخبر إذا كان الخبر مضارعًا لنعت الاسم، ليخرج من معنى النعت ولا موضع له من الإعراب عندهم؛ لأنه إنما دخل لمعنى هو الفصل. وانظر الإنصاف/ 376.
3 "
الكلام" ساقط في "ب".
4
الأعراف: 26.
5
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -258- الثاني: الفِعْلُ: ولا يجوز عندنا أن يُلغى فعلٌ ينفذ منك إلى غيركَ ولكن الملغى نحو: "كانَ" في قولك: "ما كانَ أحسنَ زيدًا" الكلامُ: ما أحسنَ زيدًا و"كانَ" إنما جِيءَ بها لتبين أنَّ ذلك [كان]1 فيما مضى.
الثالث: الحرفُ: وذلك نحو: ما في قوله عز وجل2: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}3 لو كان "لِمَا" موضع من الإِعراب ما عملت الباء في "نقضِهم"، وإنما جِيءَ بها زائدةً للتأكيد، ومن ذلك "إنْ" الخفيفة تدخل مع "ما" للنفي4 في نحو قوله: وما إنْ طُبنا جُبن5, وكذلك "إنْ" في قولك: "لما إنْ جَاء قمتُ إليه"6 المعنى: "لَما جاءَ قمتَ" وكذلك "مَا" إذا كانت كافةً فلا موضع لها من الإِعراب في نحو قولك: "إنَّما زيدٌ منطلقٌ" كفت "مَا" "إنْ" عن الإِعراب [كما منعت إنْ "مَا" مِنَ الإِعراب]7 وكذلك "رُبَّما" تقول: "رُبَّما يقومُ زيدٌ" لولا "ما" لما8 جاز أن يلي "رُبَّ" فِعلٌ, ومن ذلك "بعدَما"9، قال الشاعر:

أَعلاقَة أُمَّ الوُلَيِّدِ بَعْدَمَا أَفنانُ رأسِكَ كالشِّهَابِ المُخْلِس10


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2 "
عز وجل" ساقط من "ب".
3
النساء: 155.
4
في "ب" من، بدلًا من "في".
5
مر شرحه في الجزء الأول، ص/ 286.
6 "
إليه" ساقط في "ب".
7
زيادة من "ب".
8
في الأصل "ما" وإضافة اللام من "ب".
9
حذفت جملة "زيد منطلق" إذ إنها دخيلة هنا.
10
من شواهد سيبويه 1/ 283، على زيادة "ما" وجعلها كافة "لبعد" عن الإضافة، ويروى الشاهد: كالثغام المخلس.
والعلاقة: الحب, والأفنان: جمع فنن، وهو الغصن، وأراد بها ذوائب الشعر على سبيل الاستعارة, والشهاب معروف, والثغام على روايته به جمع ثغامة، وهي خيوط طوال دقاق من أصل واحد، إذا جفت ابيضت كلها, المخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد، وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة, والبيت للمرار الفقعسي.
وانظر: المقتضب 2/ 54، والكامل/ 194، وابن الشجري 2/ 242, والمغني 2/ 10, وإصلاح المنطق/ 45, والجمهرة 2/ 220، وشرح السيرافي 1/ 450.



ج / 2 ص -259- فجميع هذه لا موضع لها من الإِعراب، وقد جاءت حروفٌ خافضةٌ، وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعانٍ1 فمن ذلك: "ليس زيدٌ بقائمٍ" أصل الكلام: "ليسَ زيدٌ قائمًا" ودخلت الباء لتؤكد النفي [وخُص النفي بها دون الإِيجاب]2 ومن ذلك: "مَا مِنْ رجلٍ في الدارِ" دخلت "مِنْ" لتبين أن الجنس كله منفي وأنه لم3 يرد القائلُ أن ينفي رجلًا واحدًا. [قال أبو بكر]4: وحقُّ الملغى عندي أنْ لا يكونَ عاملًا ولا معمولًا فيه5 حتى يلغى من الجميع وأنْ يكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير6 التأكيد، وهذه الحروف التي خُفضَ بها قد دخلت لمعانٍ غير التأكيد. من الحروف الملغاة "لا" شبهوها "بمَا" فمن ذلك قولك: "ما قامَ زيدٌ ولا عمرٌو" والواو العاطفةُ ولا لَغْوٌ [و"لا" إنما دخلت تأكيدًا للنفي، وليزولَ بها اللبسُ إذا كانَ منفيا؛ لأنَّهُ قد يجوزُ أنْ تقول: ما قامَ زيدٌ وعمرٌو ما قاما معًا]7 وقالوا في قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}8: إنّ "لا" زائدةٌ، {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}9 إنما هو: لأَنْ يعلَم، وجملةُ الأمر أنها لا تزادُ إلا في موضع غير مُلبسٍ كما لا تزاد10 "مَا" وأما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "لمعاني".
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" ليس، بدلًا من "لم".
4
زيادة من "ب".
5
انظر شرح المفصل 8/ 137, فقد ذكر ابن يعيش هذا عن ابن السراج.
6 "
غير" ساقطة في "ب".
7
زيادة من "ب".
8
القيامة: 1.
9
الحديد: 29.
10
كما لا تزاد، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -260- قولك1: "حسبُكَ بِه" كلامٌ صحيحٌ كما تقول: كفايتُك بهِ وفيه معنى الأمر2 أو التعجب وقولهم: {كَفَى بِاللَّهِ}3 قال سيبويه: إنما هو "كفى الله" والباء زائدة4، والقياس يوجب أنْ يكون التأويل: "كفى كفايتي بالله" فحذفَ المصدر5 لدلالة الفعل عليه، وهذا في العربية موجود6.
الرابع: الجملةُ: وذلك نحو قولك: "زيدٌ ظننتُ منطلقٌ" بنيتَ "منطلقًا" على "زيد" ولم تعمل "ظننتُ" وألغيته وصار المعنى: زيدٌ منطلقٌ في ظني, فإنْ قدمت "ظننتُ" قَبُحَ الإِلغاء. ومن هذا الباب الاعتراضات, وذلك نحو قولك: زيدٌ -أشهدُ بالله- منطلقٌ, وإنَّ زيدًا -فافهمْ ما أقولُ- رجلُ صدْقٍ, وإنَّ عمرًا -والله- ظالمٌ, وإنَّ زيدًا -هو المسكينُ- مرجومٌ، وعلى ذلك يتأول قوله عز وجل7: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}8، فـ{أُولَئِكَ} هو الخبر و{إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} "اعتراض" ومنه قول الشاعر:

إنِّي لأَمنَحُكَ الصُّدُودَ وإنَّني -قسمًا- إلَيكَ معَ الصُّدودِ لأَميَلُ9


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" قولهم.
2
في "ب" والتعجب.
3
العنكبوت: 52.
4
انظر الكتاب 1/ 19.
5
في "ب" المضاف.
6
في "ب" موجود في العربية.
7
كلمتا "عز وجل" ساقطتان في "ب".
8
الكهف: 30.
9
من شواهد سيبويه 1/ 190، على نصب "قسمًا" على المصدر المؤكد لما قبله، وابن السراج جعله توكيدًا على جهة الاعتراض. والبيت للأحوص يمدح به عمر بن عبد العزيز.
وانظر الأغاني 18/ 195، والعقد الفريد 4/ 363, وابن يعيش 1/ 116, ومهذب الأغاني 3/ 187، وشرح الرماني 3/ 163, والخزانة 1/ 247 و4/ 15.



ج / 2 ص -261- قوله "قسمًا" اعتراض, وجملة هذا الذي يجيء معترضًا, إنما يكون توكيدًا للشيء أو لدفعه؛ لأنَّهُ بمنزلة الصفة في الفائدة يوضحُ عن الشيء ويؤكده.
واعلم: أنهُ لا يجوز أن يعترض بين واو العطف وبين المعطوف بشيءٍ, لا يجوز أن تقول: "قامَ زيدٌ -فافْهَم- عمرٌو، ولا قام زيدٌ -ووالله- عمرٌو". وقد أجاز قوم الاعتراض في "ثُمَّ وأوْ ولا" لأنَّ أوْ ولا وثُمَّ "يقمنَ بأنفسهنَّ" فيقولون: "قامَ زيدٌ ثم -والله- محمدٌ". ومما يلغيه الكوفيون ولا يعرفه البصريون: "زيدًا قمتُ فضربتُ"، يلغون القيام كأنهم قالوا: "زيدًا ضربتُ" وهذا رديءٌ في الإِلغاء؛ لأن ما يلغى ليس حقه أن يكون بعد فاءٍ تعلق ما بعدها به. [قال أبو بكر]1: قد انتهينا إلى الموضع الذي يتساوى فيه كتابُ الأصول وكتاب الجُمل بعد ذكر "الذي" والألف واللام ثُمَّ لا فرق بينهما إلا أنَّ بعد التصريف زيادة المسائل فيه, والجملُ ليسَ فيه ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب". وقد ذكر البغدادي في شرح هذا البيت قول ابن السراج في الأصول.

ذكر الذي والألف واللام:
الإِخبار بالذي والألف واللام التي في معناهُ: ضربٌ من المبتدأ والخبر، وموضع "الذي" من الكلام أن يكون مع صلته صفةً لشيءٍ وإنما اضطر إلى الصفة "بالذي" للمعرفة؛ لأن وصف النكرة على ضربين: مفردٌ وجملةٌ, فالمفرد نحو قولك: مررتُ برجلٍ عاقلٍ وقائمٍ وما أشبه ذلك, والجملة التي توصفُ بها النكرة تنقسم قسمين: مبتدأٌ وخبرٌ, نحو قولهم: مررتُ برجلٍ "أبوهُ منطلقٌ" وفِعْلٌ وفاعلٌ نحو قولك: مررتُ برجلٍ قامَ أبوهُ، فلما كانت النكرات قد توصف بالحديث والكلام التام احتيج في المعرفة إلى مثل ذلك، فلم يجز أن توصف المعرفة بما توصفُ به النكرة لأن



ج / 2 ص -262- صفة النكرةِ نكرةٌ مثلها وصفة المعرفةِ معرفةٌ مثلها، فجاز وصف النكرة بالجمل؛ لأن كُلَّ جملةٍ فهي نكرةٌ ولولا أنها نكرة ما كان للمخاطب فيها فائدة؛ لأن ما يعرف لا يستفاد, فلما كان الأمر كذلك وأريد مثلهُ في المعرفة جاءوا باسمٍ مبهمٍ معرفةٍ لا يصح معناه إلا بصلتهِ1 وهو "الذي" فوصلوهُ بالجمل التي أرادوا أن يضعوا المعرفة بها لتكونَ صفةُ المعرفةِ معرفةً كما أن صفةَ النكرةِ نكرةٌ، "فالذي"2 عند البصريين أصلُه "لذي" مثل "عمى" ولزمته الألف واللام فلا يفارقانه ويثنى فيقال: "اللذانِ" في الرفع "واللذينِ" في الخفض والنصبِ3، ويجمع فيقال: "الذينَ" في الرفع وغيره, ومنهم من يقول: "اللذونَ" في الرفع "واللذينَ" في الخفض والنصب, والمؤنث "التي واللتان واللاتي واللواتي" وقد حكي في "الذي" "الذي" بإثبات الياء "والذِ" بكسر الذال بغير ياء و"الذْ"4 بإسكان الذال، "والذيّ" بتشديد الياء وفي التثنية "اللذان" بتشديد النون, "واللّذا" بحذف النون وفي الجمع "الذينَ والذونَ واللاءونَ, وفي النصب والخفض اللائينَ واللاءِ بلا نونٍ واللاي" بإثبات الياء في كل حالٍ [والأولى]5 وللمؤنث، التي واللاءِ بالكسر ولا ياءَ والتي والتِ بالكسر بغير ياءٍ, والتْ بإسكان التاء, واللتانِ واللتا بغير نونٍ, واللتانَّ بتشديد النون وجمعُ "التي" اللاتي, واللاتِ بغير ياءٍ, واللواتي واللواتِ بالكسر بغير ياء, واللواء واللاءِ بهمزةٍ مكسورةٍ, واللااتِ مثل اللغات, ممدودٌ مكسور التاءِ وطيء6 تقول: "هذا ذو قالَ ذاكَ" يريدون: الذي [قالَ ذلكَ]7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" بصلة.
2
في "ب" والذي.
3
في "ب" في النصب والخفض.
4
في "ب" واللذ.
5
زيادة من "ب".
6
انظر: التصريح 1/ 137.
7
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -263- و"مررت بذو قال ذاك"1 في كل وجهٍ في الجمع، وحكي2: أنه يجوز ذواتِ قلت ذاكَ3، ورأيتُ ذو قالَ ذاكَ, وللأنثى: ذاتَ قالتْ ذاكَ قُلتِ ذاكَ "فذو" يكون في كل حالٍ رفعًا ويكون موحدًا في التثنية والجمع من المذكر والمؤنث، قالوا: ويجوز في المؤنث أن تقول: "هذه ذاتُ قالتْ ذاكَ" في الرفع والنصب والخفض، فأما التثنية في "ذو وذاتِ"، فلا يجوز فيه إلا الإِعراب في كل الوجوه، وحكي: أنه قد سمع في "ذاتِ" و"ذواتِ" الرفع في كل حالٍ.
وقال غير البصريين: إن أصل "الذي" هَذا, وهَذا عندهم أصلهُ ذال واحدةٌ وما قالوه: بعيد جدا لأنه لا يجوز أن يكون اسمٌ على حرفٍ في كلام العرب إلا المضمر المتصل, ولو كان أيضًا الأصلُ حرفًا واحدًا ما جاز أن يصغر والتصغير لا يدخلُ إلا على اسمٍ ثلاثي، وقد صغرت العربُ "ذَا" والموجودُ والمسموعُ مع ردنا له إلى الأصول من "الذي" ثلاثة أحرفٍ: لامٌ وذالٌ وياءٌ، وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة البينة على أني لا أدفع أنَّ "ذَا" يجوز أن يستعمل في موضع "الذي" فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة؛ لأنه نقل من الإِشارة إلى الحاضر إلى الإِشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا.
وقال سيبويه: إن "ذَا" تجري بمنزلة "الذي" وحدها وتجري مع "مَا" بمنزلة اسم واحد, فأما4 إجراؤهم "ذَا" بمنزلة "الذي" فهو قولهم: ماذا رأيت؟ فيقول: متاعٌ حَسَنٌ5، وقال لبيد:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
ذاك" ساقط من "ب".
2
في "ب" ويحكى.
3
زيادة من "ب".
4
في الأصل "فإنما" والتصحيح من "ب".
5
انظر الكتاب 1/ 405.



ج / 2 ص -264- أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلُ1

وأما إجراؤهم إياه مع "مَا" بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيتَ؟ فتقولُ: خيرًا, كأنك قلت: مَا رأيتَ؟ [ومثل ذلكَ قولهم]2: ماذا تَرى؟ فتقول: خيرًا3 وقال الله4: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا: خَيْرًا}5 [كأنه قال: ما أنزلَ ربكم؟ قالوا: خيرًا, أي: أَنزل خيرًا"6 فلو كان "ذَا" لغوًا لَمَا قالت العربُ: عما ذا تسألُ؟ ولَقالوا: عَمَّ ذَا تسألُ؟ ولكنهم جعلوا "مَا وذَا" اسمًا واحدًا كما جَعلوا "مَا وإنَّ" حرفًا واحدًا حين قالوا: "إنَّما" ومثل ذلكَ كأنَّما و"حيثُما" في الجزاء ولو كان "ذَا" بمنزلة "الذي" في هذا الموضع ألبتة لكان الوجه في "ماذا رأيتُ؟" إذا أراد الجواب أن تقول: خيرٌ7، فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم "ذَا" بمنزلة "الذي"، فأما أنْ تكون "الذي" هي "ذَا" فبعيدٌ جدا، ألا ترى أنَّهم حين استعملوا "ذَا" بمنزلة "الذي" استعملوها بلفظها ولم يغيروها، والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم, ولا يعرف له نظير في كلامهم. ومَنْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 405، على رفع "نحب" وما بعده، وهو مردود على "ما" في قوله: ماذا، فدل ذلك على أن "ذا" في معنى الذي، وما بعده من صلته. والنحب: النذر، يقول: ألا تسألان مجتهدًا في أمر الدنيا وتتبعها، فكأنما أوجب على نفسه ذلك نذرًا يجري إلى قضائه وهو منه في ضلال.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 182, وابن يعيش 3/ 149, والمغني/ 332, والتصريح 1/ 139, والخزانة 2/ 556، واللسان "نحب", والسيوطي/ 711, والأشموني 1/ 79, والشعراء المخضرمين د. الحبوري/ 237, والديوان 254 "ط. ليبسك".
2
ما بين القوسين ساقط في "ب".
3
في "ب" خير، بالرفع.
4
وقال الله، ساقط من "ب".
5
النحل: 30، وانظر الكتاب 1/ 405.
6
زيادة من "ب".
7
انظر الكتاب 1/ 405.

ج / 2 ص -265- ومَا وأي، يستعملن بمعنى "الذي" فيوصلن كما توصل، ولكن لا يجوز أن "يوصفَ بهن"1 كما وصف "بالذي" لأنها أسماءٌ لمعانٍ تلزمها, ولهن تصرفٌ غير تصرف "الذي" لأنهن يكنَّ استفهامًا وجزاء, وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع "الذي"2 في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم, فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل, والفعل يريدون فيقولون في موضع "الذي قامَ" القائم [فالألفُ]3 واللام قد صارتا اسمًا وزال المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ههنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ, أَلاَ تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول: "هذا ضَاربٌ زيدًا أَمسِ" حتى تضيف, ويجوز أن تقولَ: "هَذا الضاربُ زيدًا أمسِ" لأنك تنوي "بالضاربِ" الذي ضربَ, ومتى لم تنو بالألف واللام "الذي" لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه, وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب "الذي" بغير صلةٍ؛ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ, وكان الأخفش يقول: "إنَّ زيدًا" في قولك: "الضارب زيدًا أَمسِ" منصوبٌ انتصابَ: الحسَنِ وجهًا4، وأنه إنما نصب لأنه جاء بعد تمام الاسم. وقال5 أبو بكر: ليس عندي كَما قَالَ؛ لأن الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الاسم إنما يكنَّ نكراتٍ, والحَسَنُ وما أشبههُ قد قال سيبويه: إنه مشبه باسم الفاعلِ6، وقد ذكرنا ذَا فيما تقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يوصف بهن، ساقط من "ب".
2
قال سيبويه 1/ 93: "هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى وما يعمل فيه، وذلك قولك: هذا الضارب زيدًا، في معنى: هذا الذي ضرب زيدًا، وعمل علمه؛ لأن الألف واللام منعتا الإضافة وصارتا بمنزلة التنوين".
3
زيادة من "ب".
4
منصوب على التمييز، انظر التذييل والتكميل لأبي حيان 1/ 378، وشرح الإيضاح للرهاوي 1/ 50.
5
في "ب" قال، بإسقاط الواو.
6
انظر الكتاب 1/ 99.



ج / 2 ص -266- ذكر ما يوصل به الذي1:
اعلمْ: أنَّ "الذي" لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تام وهي توصل بأربعة أشياء: بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ, ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه, فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي يوصل به "الذي" ينقسم انقسامه [أربعة أقسام]2 قبل أن يكون صلةً: فِعْلٌ غير متعد، وفِعل متعد إلى مفعولٍ واحدٍ، وفِعلٌ متعد إلى مفعولين, وفِعْلٌ متعد إلى ثلاثة مفاعيل, وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو "كانَ" و"ليسَ" فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها "الذي" مع جميع ما عملت فيه, وذلك قولك: الذي قامَ والذي ضَربَ زيدًا, والذي ظَنَّ زيدًا منطلقًا, والذي أعطى زيدًا درهمًا، والذي أعلمَ زيدًا عمرًا أبَا فلانٍ "والذي كانَ قائمًا والذي ليسَ منطلقًا" ففي هذه كلها ضمير "الذي" وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ، فاستتر3 في الفعل ضمير الفاعل؛ لأنه قد جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر4 الضمير وقلت: "الذي قامَ أبوهُ أَخوك" والذي ضربَ أخوهُ زيدًا صاحبكَ، وأما وصله بالمبتدأ فنحو "الذي هُوَ زيدٌ أخوك" والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في الدار عبد الله. وأما صلته بالظرف فنحو قولك: "الذي خلفَكَ زيدٌ" كأنَّك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أطال ابن السراج القول في هذا الباب ولم يوجد في كتب النحو مثل هذه الإطالة سوى ما في المقتضب 3/ 89 إلى 132. وشرح الكافية للرضي 2/ 42، وقد لام العصام الرضي على هذا فقال في شرحه للكافية/ 201: أكثر الرضي عنه لا سيما في الإخبار عن المتنازع فيه وفي إملال لا يتبعه مزيد نفع، ومسائل الرضي هذه منقولة من كتاب أصول ابن السراج/ 223 وما بعدها، وقد تنبه البغدادي إلى هذه الحقيقة. انظر الخزانة 2/ 530.
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" فانستر.
4
في "ب" ينستر.



ج / 2 ص -267- قلت: "الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ"1 والذي عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك: "الذي إنْ تأتِه يأتِك عمرو" و"الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ" ولا يجوز أن تصلَ "الذي" إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الاستخبار فلا يجوز أنْ يوصل به "الذي" وأَخواتُها, لا يجوز أن تقول: "الذي أَزيدٌ أَبوهُ قائمٌ" وكذلك النداءُ والأمر والنهي. وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه صدقٌ وكذبٌ، وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به "الذي" ويجوز أن تصل بالنفي فتقول: "الذي ما قامَ عمرو" لأنه خبرٌ يجوز فيه الصدقُ والكذبُ ولأنك2 قد تصفُ به النكرة فتقول: "مررتُ برجلٍ ما صَلى", وكل فعلٍ تصلُ به "الذي" أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف, فغير جائزٍ أن تصل به "الذي"3 لو قلت: "مررتُ برجلٍ نِعم الرجلُ" لَما جاز إلا أن تريد: "هُوَ نِعْمَ الرجلُ" فتضمر المبتدأ على جهةِ الحكاية. ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ، لا يجوز أن تصل به ولا تصف، لا تقول: "مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ" لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين4 بعضها من بعض, وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودةً متحصلة, فأما إذا كانت مبهمة [غير متحصلةٍ]5 فلا يجوز، ألا ترى أنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 3/ 102 قال المبرد: اعلم أن كل ظرف متمكن فالإخبار عنه جائز، وذلك قولك إذا قال قائل: زيد خلفك، أخبر عن "خلف" قلت: الذي زيد فيه خلفك، فترفعه؛ لأنه اسم، وقد خرج من أن يكون ظرفًا. وإنما يكون ظرفًا إذا تضمن شيئًا نحو: زيد خلفك؛ لأن المعنى: زيد مستقر في هذا الموضع والخلف مفعول فيه.
2
في "ب" لأنك، بإسقاط الواو.
3 "
الذي" ساقط في "ب".
4
في "ب" وبين.
5
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -268- إذا قلت: "أكرم بزيد وما أكرمه" فقد فضلتهُ في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضربٍ من الكرم، فإذا قلت: أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل1 به، فنعم وبئس من هذا الباب، فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ؛ لأن الكلام يصير خبرًا فتقول: مررتُ برجلٍ يقالُ [لَهُ]2: ما أحسنه ويقالُ: أَحسنْ به، وبرجلٍ تقولُ لَهُ: اضربْ زيدًا وبالذي يقالُ لهُ: اضربْ زيدًا, وبالذي يقول: اضربْ زيدًا, ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل هُوَ، أي: تقولُ: نِعْمَ الرجلُ هُوَ, وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي: بالذي يقول: نِعْمَ الرجلُ هُوَ.
واعلم: أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه، فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ فالأولى به أن يكون حاضرًا كالاسم، ألا ترى أنكَ إذا قلت: مررتُ برجلٍ "قائمٍ" فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ، وإذا قلت: "هذا رجلٌ قامَ أمسِ" فكأنكَ قلتَ: "هذا رجلٌ معلومٌ" أي: "أعلمه"3 الساعة أنهُ قامَ أمسِ، ولأنكَ4 محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقت حديثكَ، وكذلكَ إذا قلت: "هذا رجل يقومُ غدًا" فإنما المعنى: "هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ يقومُ غدًا" وعلى هذا أجازوا: مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائدًا به غدًا, فنصبوا "صائدًا" على الحال؛ لأنَّ التأويل "مقدرًا الصيد بهِ غدًا" فإن لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ, وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ لزمته في وقته, وكذلك الصلة إذا قلت: "الذي قامَ أمسِ، والذي يقومُ غدًا" فإن وصلت "الذي" بالفعل المقسم عليه نحو قولك: "ليقومنَّ" لم تحتج إليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" نصف, وهو خطأ.
2
زيادة من "ب".
3
أي: أعلمه، ساقط من "ب".
4
في "ب" لأنك، بإسقاط الواو.



ج / 2 ص -269- لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه، والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان, وبابها: أن يكون خبرًا خالصًا لا يخلطه معنى قسم ولا غيره، فإن وصل به فهو عندي جائز؛ لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبرًا, وأما إنَّ وأخواتها فحكم "إنَّ" من بين أخواتها، حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة, فالكلام غير محتاج إليها وإن ذكرتها جاز, فقلت: "الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ" وفي "إنَّ" ما ليس في الفعل المقسم عليه؛ لأن خبر "إنَّ" قد يكون حاضرًا وهو بابها, وفعلُ القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضيًا أو مستقبلًا فحكمه حكم الفعلِ1 الماضي والمستقبل إذا وصف به، و"ليت ولعلَّ" لا يجوز أن يوصلَ بهما؛ لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ، و"لكنَّ" لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنها لا تكون إلا بعد كلام. وأما "كأَنَّ" فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من "إنَّ" من أجل كافِ التشبيه، تقول: "الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ, ومررت بالذي2 كأنَّهُ الأسدُ" لأنه في معنى قولك: مثلُ الأسَدِ [واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن تقدم الصلة على الموصولِ، ولا تفرق بين الصلة والموصول بالخبر، ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ، وما أشبه ذلك]3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الفعل، ساقط في "ب".
2
في "ب" برجل، ولا معنى لها.
3
زيادة من "ب".

ذكر الإِخبار عن الذي:
اعلم: أنَّ "الذي" إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبرًا لمبتدأ، فتقول: "قامَ الذي في الدارِ, ورأيت الذي في الدار، ومررتُ بالذي في الدار، وزيدٌ الذي في الدار" فيكون خبرًا1، والذي في الدار زيدٌ، فتكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
فيكون خبرًا، ساقط في "ب".



ج / 2 ص -270- "الذي" مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ، وإذا جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون1 وجعلوه كحد من الحدودِ، فيقولون: إذا قلتَ "قامَ زيدٌ" كيف تخبر عن زيدٍ بالذي وبالألف واللام؟ فيكون الجواب: الذي قامَ زيدٌ والقائمُ زيدٌ "فتكون" الذي مبتدأ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ. وهو في المعنى: "زيدٌ" لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ، فهو في المعنى الفاعلُ, كما كان حين قلتَ: "قامَ زيدٌ" وكذلك إذا دخلت الألف واللامُ بدلًا من الذي قلت: "القائمُ زيد" فالألف واللامُ قد قامتا مقامَ الذي و"قائم"2 [قَدْ] حَلَّ مقامَ "قامَ" وفي "قائمٍ" ضمير يرجع إلى الألف واللام, والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت "القائمَ" بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ "للذي" وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك, وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع موضعه ضميرًا يقومُ مقامهُ، ويكون ذلك الضمير راجعًا إلى الذي أو الألف واللام، وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسمًا مفردًا في المعنى هُوَ هُوَ، فإذا ابتدأتَ "بالذي" وجعلت اسمًا من الأسماء خبره, فالخبر هو "الذي" والذي هو الخبر, وهذا شرط المبتدأ والخبر, وإنما الأخبار عن "الذي والألف واللامِ" ضربٌ من المبتدأ والخبر, وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة صفة3 ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت: "ضربتُ زيدًا" كيف تخبر عن زيد، قلت: "الذي ضربتهُ زيدٌ" فجعلت موضع "زيدٍ" الهاء وهي مفعول كما كان زيدٌ وهو4 "الذي والذي هو زيد" فإن جعلته صفةً قلت: "رجلٌ ضربتهُ زيدٌ" إلا أنَّ حذف الهاء في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 3/ 99 وما بعدها، وشرح الرضي 2/ 42 وما بعدها.
2 ......
3
في الأصل "صلة" والتصحيح من "ب".
4
في الأصل "وهي" والتصحيح من "ب".



ج / 2 ص -271- صلة "الذي" حَسَنٌ؛ لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة "فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ" فصرن1 مع "الذي" أربعة أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الاسم، ولك أن تثبتها على الأصلِ, فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت: "الضاربُهُ أنا زيدٌ" وكان حذفُها قبيحًا, وقد أجازوهُ على قبحه. وقال المازني: لا يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في الشعر. والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ: أخبرْ عن "زيدٍ" من قولك: "زيدٌ أَخوكَ" قلت: "الذي هو أَخوك زيدٌ" أخذت زيدًا من الجملة وجعلت بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان, وقولك: هو وأخوك جميعًا صلة "الذي" وهي راجعة إلى "الذي" والذي هو "زيدٌ" وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت: "رجلٌ هُو أخوكَ زيدٌ" فقولك2: هو أخوكَ جملةٌ, وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ, فإن أردت أن تخبر عن "أخوكَ" قلت: "الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ" فجعلت الضميرَ موضعَ "الذي" انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبرًا, وإنما قال النحويونَ: أخبر عنهُ وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ, ولأنه قد يكون خبرًا3 ولا يجوز أن يحدث4 عنه نحو الفعل، والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك, وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً إن شاء الله, فإن كان خبر المبتدأ فعلًا أو ظرفًا غير متمكنٍ لم يجز الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ: "زيدٌ قامَ" كيفَ تخبرُ عن "قامَ" لم يجز؛ لأن الفعل لا يضمر، وكذا5 لو قال: "زيدٌ في الدار" أخبر عن "في الدار" لم يجز؛ لأن هذا مما لا يضمر، وقد بينا أن معنى قولهم: أخبر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فصارت.
2
في "ب" وقولك.
3
زيادة الواو من "ب".
4
في "ب" يخبر.
5
في "ب" وكذلك.



ج / 2 ص -272- عنهُ أي: انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ ضميرًا، ثم اجعله خبرًا، فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف.
واعلم: أنهُ إذا كان صلةُ "الذي" فعلًا جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو: "قامَ فلَهُ درهمٌ" والذي جاءني فأنا أكرمهُ, شبهَ هذا1 بالجزاء لأن قولك: فلَهُ درهمٌ تبع المجيء، وكذلك هو في الصفة تقول: "كُلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ, وكلُّ رجلٍ قام فإني2 أكرمهُ" والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل؛ ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في كل حالٍ [وبأن]3 لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ" لم يجزْ؛ لأن معنى الجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قامَ [فلَهُ درهمٌ]4 إنْ أعطاني أعطيتهُ" جاز لأنه بمنزلة قولك: "زيدٌ إن أعطاني أعطيتهُ" وكذلك إذا قلت: "الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ دينارٌ" لا يجوز أن تدخل الفاء على "لَهُ دينارٌ" فالفاء إذا دخلت في خبر "الذي" أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول، ألا ترى أنكَ إذا قلت: الذي يأتيني لهُ درهمٌ, قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل إتيانهِ، ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه, فإذا قلت: الذي يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ الإِتيان, إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي في صلة "الذي" يجوز أن يكون ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، والجزاء لا يكون إلا مستقبلًا وإذا جاءت الفاء فحق الصلة5 أن تكون6 على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
هذا" ساقط من "ب".
2
في "ب" فأنا.
3
زيادة من "ب".
4
زيادة من "ب".
5
في "ب" الصفة.
6
تكون، ساقطة من "ب".



ج / 2 ص -273- وإن1 اختلفَ المعنى. فمن أجل هذا يقبحُ أن تقول: "الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ" لأنه لا يجوز أن تقول: "إنْ ما أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و"لاَ" كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ" إذا أردتَ هذا المعنى, قلت: "الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ, وكُلُّ رجلٍ لم يأتني فلَهُ درهمٌ" والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين "الذي [وبين]2 الجزاء" لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي "إنْ" وكان المعنى مفهومًا غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته، وإنما أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ, وإنما لم يجز "ما" مع "إنْ" في الجزاء؛ لأن "ما" لا تكون إلا صدرًا والجزاء لا يكون إلا صدرًا فلم يجز لأن "إن" تعمل فيما بعد "ما" فلما أرادوا النفي أتوا "بلَمْ" وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو "بلا" فقالوا: "إنْ لَمْ تَقمْ قمتُ، وإنْ لم3 تقمْ لا أقمْ".
واعلم: أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه, فلا يجوز أن يكون خبرًا في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد [من]4 أن تضمر في موضعه، كما خبرتُكَ. ولك اسم مبني إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن في5 أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبرًا "للذي"6، وكذلك كلُّ ظرفٍ غير متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبرًا [للذي]7 لأن جميع الأسماء إذا صارت أخبارًا "للذي" والذي مبتدأ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
إن" ساقطة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" وإن لا تقم لا أقم.
4
زيادة من "ب".
5
زيادة من "ب".
6
في "ب" للمبتدأ.
7
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -274- لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا1 يرتفع لا يجوز أن يكون خبرًا، لو قلت: الموضع الذي فيه زيدٌ عندك، لم يجز لأنه كان يلزم أن يرفع "عنه" وهو لا يرتفع, وكذلك ما أشبهه, ولو قلتَ: الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ, جاز لأن "خلفَ" قد يرفعُ ويتسعُ فيه فيقالُ: "خلفكَ2 واسع" وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك: "الذي في الدار هَذا، والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك، والذي في الدار هُوَ" وكذلك ما كان في معنى "الذي" تقول: "الذي في الدار مَنْ تُحبُّ, والذي في الدار ما تحبُّ" فيكون3 الخبر "مَا ومَن" بصلتهما وتمامهما فإن كانتا4 مفردتين لم يجز أن يكونا خبرًا5 "للذي" وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبرًا وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله:

بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي6...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فما.
2
يكون خلفك هنا خبرًا وليس بظرف؛ لأنه من الظروف المتصرفة، ومثل ذلك اليوم، تقول: يوم الجمعة، تخبر عن اليوم كما تخبر عن سائر الأسماء؛ لأنه ليس بظرف.
3
في "ب" ليكون.
4
في "ب" كانا.
5
في "ب" خبرين.
6
من شواهد الكتاب 1/ 376، على حذف الصلة اختصارًا لعلم السامع. واقتصر على الشطر الأول كذلك فعل ابن السراج.
واستشهد به 2/ 140 على تصغير التي على اللتيا، وتكملة البيت:

بعد اللتيا واللتيا والتي إذا علتها أنفس تردت

اللتيا والتي ههنا، إنما هو لتأنيث الداهية، وتردت: تفعلت، من الردى مصدر ردى: إذا هلك، أو من التردي الذي هو السقوط من علو. وينسب هذا الرجز إلى العجاج.
وانظر: المقتضب 2/ 289, والرماني 3/ 56, وأمالي ابن الشجري 1/ 24, وشرح المفصل 5/ 140, والديوان/ 5, وارتشاف الضرب/ 135, والخزانة 2/ 560.



ج / 2 ص -275- فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة، ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره، فإذا أضمرته زال أن يكون نعتًا، لو قيل لك: أخبر عن العاقل في قولك: "زيدٌ العاقلُ أخوكَ" فأخبرت, لزمكَ أنْ تقول: "الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ" فتضع موضع "العاقل" هو1 فيصيرُ نعتًا لزيدٍ وهو لا يكون نعتًا ولا يجوز أن تخبر عن "زيدٍ" وحده في هذه المسألة؛ لأنه يلزمك أن تقول: "الذي هو العاقل أخوك زيدٌ, فتصف "هُوَ" بالعاقل وهذا لا يجوز, ولكن إذا قيل لك: أخبر عن مثل هذا فانتزع زيدًا وصفتهُ جميعًا من الكلام, وقل: "الذي هو أخوكَ زيدٌ العاقلُ" ومما لا يجوز أن يكون خبرًا المضافُ دون المضاف إليه, لو قيل: "هذا غلامُ زيدٍ" أخبر عن "غلامٍ" ما جاز؛ لأنه كان يلزم أن تضمرَ موضع غلامٍ وتضيفه إلى "زيدٍ" والمضمر لا يضاف، فأما المضاف إليه فيجوز أن2 يكون خبرًا؛ لأنه يجوز أن يضمر، وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحًا إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هو، ساقط في "ب".
2
في "ب" يضمر بعد "أن" ولا معنى لها.











36



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -276- باب ما جاز أن يكون خبرًا:
اعلم: أن أصول الكلام جملتان: فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ، وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبرًا وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبرًا مخبرًا عنه في هذا الباب، وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما، وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى، فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه [مما تقدمَ]1 فهو جائز أن تخبر عنه، إلا أن يكون اسمًا نكرةً لا يجوز أن يضمر [فيعرف]2 فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز, فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها [مميزٌ]3 أربعة عشر بابًا:
الأول: الفعل الذي لا يتعدى.
والثاني: الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ.
والثالث4: ما يتعدى إلى مفعولين، ولكَ5 أن تقتصر على أحدهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" الفعل، بدلًا من "ما".
5
في "ذلك" بإسقاط الواو.



ج / 2 ص -277- والرابع: ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما.
والخامس: ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ.
والسادس: الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ.
والسابع: الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ.
والثامن: الظروف من الزمان والمكان.
والتاسع: المصدرُ.
والعاشر: المبتدأُ والخبرُ.
والحادي عشر: المضافُ إليهِ.
والثاني عشر: البدلُ.
والثالث عشر: العطفُ.
والرابع عشر: المضمرُ.
وقد كان يجب أن يقدم باب1 ما يخبر فيه "بالذي" ولا يجوز أن يخبر عنه2 بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب. فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن3 إدخال "الذي" على "الذي" و"التي" وركبوه من ذلك, فنحن نفرده بعد إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "الباب" التصحيح من "ب".
2
في الأصل "فيه" والتصحيح من "ب".
3
الواو، زيادة من "ب".

الأول: باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول:
وهو "ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ"1 وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" عمرو بدلًا من خالد.



ج / 2 ص -278- لا تتعدى إذا قيل لك: أخبرْ عن "زيدٍ" بالذي قلت: "الذي ذَهَبَ زيدٌ"1 فالذي مبتدأٌ, و"ذهبَ" صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى "الذي" فقد تم "الذي" بصلته وخبرهُ زيدٌ, فإن قيل لك: أخبر عنه بالألف واللام قلت: "الذاهبُ أَخوكَ" فرفعت الذاهب؛ لأنهُ اسمٌ ومعناه: "الذي ذهبَ" ولم يكن بد من رفعه؛ لأن اللام لا تنفصل من الصلة كانفصال "الذي" وهي2 جزءٌ من الاسم ولكن المعنى معنى "الذي" فإن ثنيتَ "الذي" قلت: "اللذان قاما أَخواكَ" فإن جعلتَ "موضعَ" الذي3، الألف واللام قلت: "القائمانِ أخواك" ثنيتَ "القائمَ" إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام, والتأويل: "اللذان قاما" ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في "القائمينِ" وليست الألفُ بضميرٍ في "قائمانِ" وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال، كما تقول: الزيدان أخواكَ, فإن جمعتَ قلت: "الذينَ قاموا إخوتُكَ" وبالألف واللام: "القائمونَ إخوتُكَ" وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية، ومن استفهم قال4: "القائمونَ إخوتُكَ" و"القائمانِ أخواكَ"5 ولا يجوز أن تقول: "القائمُ إخوتُكَ" على قول من قالَ: "أَقائمٌ إخوتُكَ" لأن قولهم6: "أقائمٌ إخوتكَ"7 يجري مجرى: أَيقومُ إخوتُكَ، وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى؛ لأنه قد تكمل اسمًا معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ؛ لأن الأفعالَ نكراتٌ، ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو "قائمٌ" فتقول: "القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ, والقائمُ أَبوهما أَخواكَ" ولا يجوز أن تقول: "القائمانِ أَبواهما أَخواكَ" من أجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
زيد" ساقط من "ب", وانظر المقتضب 3/ 91.
2
في "ب" وهو.
3
في "ب" اللين، ولا معنى له.
4
قال: ساقط في "ب".
5
في "ب" الذاهبان.
6
في "ب" قولك.
7
أي: إن إعراب "إخوتك" فاعل سد مسد الخبر، وأقائم: مبتدأ.



ج / 2 ص -279- أنَّ "قائمٌ" قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى، فإذا1 أَعملت "ما" في صلة الألف واللام في "فاعل" امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول: "القائمانِ أَخواكَ" لأن الاسم قد تم والضمير الذي في "القائمِ" لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه، وإنما احتمل الضمير الاسم إذا كان في2 صلة ما هو له وجاريًا عليه استغناءً بعلم السامع، وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال، فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلًا في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبرًا لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة، وقد بينتُ ذا فيما تقدم. وتقول: "القائمُ أخواهُ زيدٌ, والقائمُ إخوتهُ عمرٌو" لأن الفعلَ للأَخوينَ وللإخوة وهو مقدمٌ, فالضمير أبدًا عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحدًا كان واحدًا، وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى, وإن عنيتَ جميعًا كان جمعًا، وكذلك الألف واللام والذي، إنما هي3 بحسب من تضمر في العدة، وإذا4 قلت: "اللذانِ ذهبا أخواك" قلت: "الذاهبان أخواك" وإذا قلت "الذين يذهبونَ قومكَ" قلت: "الذاهبونَ قومُكَ" تثني اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثني فيه الفِعْلَ, ألا ترى أنكَ تقولُ: "الزيدانِ ذاهبانِ" لما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبانِ" ولا يجوز أن تقول "الزيدانِ ذاهبٌ" وتضمرهما, وتقول: "الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما" كما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبُ5 أَبوهما" إلا أنَّ تقدير الألف في "ذاهبانِ" غير تقديرها6 في "يذهبان" لأنَّ ألفَ7 "يذهبانِ" للتثنية والضمير, وهي في "ذاهبانِ" تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة الفاء من "ب".
2
في "ب" من، بدلًا من "في".
3
في "ب" هو.
4
في "ب" فإذا.
5
في الأصل "يذهبان" والتصحيح من "ب".
6
الهاء في "تقديرها" ساقطة من "ب".
7
في "ب" لأنها "في".



ج / 2 ص -280- الثاني: الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد.
وذلك قولك: "ضَربَ زيدٌ عمرًا" اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع1 مسائله اسمانِ في كل مسألة: فاعلٌ ومفعولٌ, فإن قيل لك: "أخبرْ عن الفاعلِ بالذي" قلت: "الذي ضَربَ عمرًا زيدٌ" فالذي رفع بالابتداء "وضَربَ عمرًا" صلتهُ وفي "ضَرَبَ" ضميرُ "الذي" هو راجع إليه, وضَربَ وعمرو في صلة "الذي" وبهما تم اسم, والخبرُ زيدٌ, وزيدٌ هو "الذي", فإن قيلَ لكَ: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "اللذانِ ضربا عمرًا الزيدانِ" والذين ضربوا عمرًا الزيدونَ, لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساويًا لهُ, وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي2 كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ [الذي والضميرُ والخبرُ]3، فإن قيل لك: أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت: "الضاربُ عمرًا زيدٌ" والتفسير كالتفسير في "الذي" فإن قيل لك4: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "الضاربانِ عمرًا الزيدانِ" والضاربون عمرًا الزيدون، ولا يجوز أن تقول: "الضارب عمرًا الزيدانِ" لأن المبتدأَ قد نقص عدده5 عن عدة الخَبر، والضاربُ عمرًا واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ، فإذا6 ثنيتَ وجمعت قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا، وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع "اللذين" في الألف واللام أن يكون الاسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظير "الذي" وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه, فإن رفعتَ "الذي" رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ, وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ7, وكذلك يكونان إذا قامَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "أربع" والتصحيح من "ب".
2
وهي، ساقطة في "ب".
3
زيادة من "ب".
4
زيادة من "ب".
5
في الأصل "عدته" والتصحيح من "ب".
6
في "ب" وإذا.
7
الواو، زيادة من "ب".



ج / 2 ص -281- أحدهما مقامَ الآخر. ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو: "الضاربُ" كإعرابِ "الذي" كذلك ثُني وجُمع تثنيته1 وجمعهُ، ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لانفصلت كانفصال "الذي" من الصلة, فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الاسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول، فإن قيل لكَ: أخبرْ عن المفعول في قولك: ضَربَ زيدٌ عمرًا قلت: "الذي ضربَهُ زيدٌ عمرٌو" وحذف الهاء حسنٌ2 كما خبرتك به، وإنْ3 شئت قلتَ: الذي ضربه4 زيدٌ عمرو، فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ, والهاء ترجع5 إلى "الذي" وعمرو خبر المبتدأ، والذي هو عمرو. فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ، والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ، فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ: الضاربهُ زيدٌ عمرٌو، جعلتَ: الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيدًا6 بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه، فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: الضاربهما7 زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ، فإذا8 قلتَ: "ضربتُ زيدًا" فقيلَ لك: أَخبر عن "التاءِ" فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي9 بالمكني المنفصل فتقول: "الذي ضَربَ زيدًا أنا" فإن10 قيل لك: أَخبرْ عن زيدٍ، قلتَ: "الذي ضربتهُ زيدٌ" لأن الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل، فإن ثنيتَ أو جمعتَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" بتثنية.
2
في "ب" لما.
3
في "ب" فإن.
4
في الأصل "ضرب" والتصحيح من "ب".
5
في الأصل "راجع" والتصحيح من "ب".
6
في "ب" عمرًا.
7
في الأصل: الضاربهم، والتصحيح ما أثبت.
8
في "ب" وإذا.
9
في "ب" فتأتي.
10
في "ب" وإن.



ج / 2 ص -282- قلت: "اللذان ضربا زيدًا نحن"1 والذين ضربوا زيدًا نحن، فإن أتيت بالألف واللام قلت: "الضارب زيدًا أنا" فالضارب مبتدأ [الذي هو صلة الألف واللام]2 وفي "ضارب"3 ضمير الألف واللام فهو يرجع إليهما، "وأنا" الخبر، "فأنا والذي" والضمير الذي يرجع إلى "الذي" هذه الثلاثة شيء واحد في كل مسألة [إذا كان خبر المبتدأ اسمًا واحدًا]4 فافهم ذا5 فإن عليه تدور هذه المسائل، فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قلت: "الضاربه أنا زيد" فلم يكن بد من أن تأتي "بأنا" موضع الفاعل؛ لأن الضارب اسم والتاء إنما تتصل بالفعل فإن ثنيت وجمعت قلت: الضاربهما أنا الزيدانِ، والضاربهم أنا الزيدونَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
نحن" ساقط في "ب".
2
زيادة من "ب".
3
وفي "ضارب" ساقط من "ب".
4
زيادة من "ب".
5
زيادة من "ب".

الثالث: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين:
ولك أن تقتصر على أحدهما وذلك قولك: "أعطى عبد الله زيدًا درهمًا1، وكسا عبد الله زيدًا جبةً، واختار عبد الله الرجالَ زيدًا" فإن أخبرت عن الفاعل "بالذي" فعلت به ما فعلت به2 فيما تقدم, قلت3: "الذي أعطى زيدًا درهمًا عبد الله" فالذي مبتدأ و"أعطى زيدًا درهمًا" صلة "الذي" وعبد الله الخبر، وإن ثنيت قلت: اللذان أعطيا زيدًا درهمًا عبد الله، وإن جمعت قلت: "الذين أعطوا زيدًا درهمًا عبد الله" وكذلك تقول: "الذي كسا زيدًا جبة عبد الله" فانتزعت4 عبد الله من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 16، والمقتضب 3/ 96.
2 "
به" ساقط من "ب".
3
في "ب" فقلت.
4
الفاء ساقطة في "ب".



ج / 2 ص -283- الكلام وجعلت موضعه ضميرًا يرجع إلى "الذي" والذي هو عبد الله كما عرفتك، فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: المعطي زيدًا درهمًا عبد الله، فإن ثنيت قلت: المعطيان زيدًا درهمًا عبد الله, أضمرت في "معطيان"1 ما يرجع إلى الألف واللام، وإذا جمعت قلت: المعطون. [وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: الذي أعطى عبد الله درهمًا زيد]2 تريد الذي أعطاه، ولكنك حذفت الهاء [وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف]3 لما عرفتك، ويجوز إثباتها، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله درهمًا الزيدان، وكذلك إن جمعت قلت: "الذين أعطى عبد الله درهمًا الزيدون" وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف, فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطية عبد الله درهمًا زيد" وإن ثنيت قلت: المعطيهما عبد الله درهمًا الزيدان، وإن جمعت قلت: "المعطيهم عبد الله درهمًا الزيدون"، فإن أخبرت عن الدرهم "بالذي" قلت: "الذي أعطى عبد الله زيدًا درهمٌ" تريد: الذي أعطاه عبد الله زيدًا درهم، فحذفت الهاء ويجوز إثباتها، ولك أن تقول: "الذي أعطى عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس؛ لأنك جعلت ضمير الدرهم في موضعه، ألا ترى أنك لو جعلت في هذه المسألة موضع الدرهم عمرًا، لم يحسن أن تجعل الضمير إلا [في]4 موضع المفعول الثاني لأنه ملبس، وليس كالدرهم الذي لا يكون إلا مأخوذًا ولا يكون آخذًا، ومن قال في شيء من هذه المسائل "إياه" لم يجز حذفه لأنه كالظاهر، وليس بمنزلة الضمير المتصل بالفعل؛ لأنهم قد يحذفون من الفعل فكان ما اتصل به أولى أن يحذف إذا أمن الالتباس، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله زيدًا درهمان، [وإن شئت قلت: أعطاهما]5، [وإن جمعت قلت: اللواتي أعطى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" المعطيان.
2
ما بين القوسين ساقط من "ب".
3
ما بين القوسين ساقط من "ب".
4
زيادة من "ب".
5
ما بين القوسين ساقط من "ب".



ج / 2 ص -284- عبد الله زيدًا دراهم، وإن شئت قلت "التي"1] فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطيه عبد الله زيدًا درهم" وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس كما خبرتك.
قال المازني: في2 الإخبار عن الدرهم: المعطيه عبد الله زيدًا درهم، فجعلت الدرهم معلقًا بالمعطي، لأنك إذا قدرت على الهاء لم تجئ بإياه، ألا ترى أنك تقول: ضربته3 ولا تقول: ضربت إياه، قال: وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" فجعلت ضمير الدرهم في موضعه, إذ كان مظهرًا فهذا مذهب حسن.
قال أبو بكر: وهذا الذي قال المازني: إنه مذهب هو عندي الأجود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في الأصل "وليس" والتصحيح من "ب".
3
في الأصل "ضربته إياه" والتصحيح من "ب".

الرابع: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما1:
وذلك قولك: "ظننت زيدًا أخاك، وعلمت زيدًا صاحبك، وحسبت زيدًا أبا عبد الله" فإن أخبرت عن الفاعل من قولك: ظننت زيدًا أخاك "بالذي" قلت: الذي ظن زيدًا أخاك أنا "فالذي" مبتدأ و"ظن" وما عمل فيه في صلته و"أنا" الخبر، وقياسه قياس الباب الذي قبله لا فرق بينهما إلا أن ذاك يجوز الاقتصار فيه على المفعول الأول، وهذا لا يجوز "ذلك فيه"2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 18، والمقتضب 3/ 95.
2
في "ب" فيه ذلك.



ج / 2 ص -285- الخامس: الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين:
قال سيبويه: وليس لك أن تقتصر على المفعول الأول؛ لأن المفعول الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله1، وقال المازني: مثلُ ذلك [قال أبو بكر]2 والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما "كانَ"3 يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ. وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى "أَفعلَ" تعدى، فلما كانَ يجوز أن أقول: "عَلمَ زيدٌ" فاقتصر4 على الفاعل, جاز أنْ أقول: "أَعلمَ اللّهُ زيدًا" ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب؛ لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله5، وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى؛ لأنَّكَ إذا قلت: "ظننتُ زيدًا منطلقًا" فالشكُّ إنما وقعَ في الانطلاق لا في زيدٍ؛ فلذلك لا يجوز أن تقول: "ظننتُ زيدًا" وتقطع الكلام ويجوز أن تقول: ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ, وهذا لا خلاف فيه, وإذا جازَ أن تقول: "ظننتُ وتسكت فيساوي6 "قمت" في أنه لا يتعدى جاز أن تقول: "أظننت زيدًا" إذا جعلته يظن [بهِ]7، [كما تقول: أَقمتُ زيدًا]8 لأنه لا فرق بين "ظَنَّ زيدٌ" إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ [كما تقولُ: أَقمتُ زيدًا]9 وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى "أفعلَ" تعدّى إلى واحدٍ, فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين, وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ، فإن نقلتَ "فَعَلَ" إلى "فُعِلَ" كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى "فُعِلَ"، وإنْ10 كان يتعدى إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 19.
2
زيادة من "ب".
3 "
كان" ساقط من "ب".
4
في "ب" اقتصر بإسقاط الفاء.
5
أي: باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين.
6
في الأصل "فيتعدى" والتصحيح من "ب".
7
زيادة من "ب".
8
ما بين القوسين ساقط من "ب".
9
زيادة من "ب".
10
في "ب" فإن.



ج / 2 ص -286- مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعد بعدهُ إلى مفعولٍ، وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ تعدى إلى مفعولينِ "فَفُعِلَ" ينقصُ [مِن]1 المفعولاتِ و"أَفعل" يزيدُ فيها إذا كان منقولًا من "فَعَلَ" فإذا أخبرتَ عن الفاعل "بالذي" من قولكَ: أعلمَ اللّهُ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ، قلت: "الذي أَعلمَ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ اللّهُ"2 وتفسيرهُ كتفسير ما قبله, فإن قيلَ لكَ: ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ, كُفرٌ؛ لأنَّ الله -عز وجل- لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه، ولكن لو قلت: "أعلمَ بكرٌ عمرًا زيدًا خيرَ الناسِ" لجاز تثنية بكرٍ3 وجمعهُ على ما تقدمَ من البيان، وإن قلته4 بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله, وذلك قولك: "المعلمُ زيدًا عمرًا خير الناسِ اللّهُ" والمنبئ زيدًا عمرًا أَخاكَ اللّهُ, وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: "المعلمهُ الله عمرًا خيرَ الناسِ زيدٌ" وإثباتُ الهاءِ ههنا هو الوجه وحذفها جائز, وهو ههنا أسهل [عندَ المازني وعندي]5 لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ، وإن6 أخبرت عن المفعول الثاني قلت: "المعلمهُ الله زيدًا خيرَ الناسِ عمرٌو" وإن شئتَ قلت: "المعلم الله زيدًا إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمرو" وهو الوجهُ والقياسُ7؛ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لبْسًا، فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ, أَعن الأول أم8 الثاني؟ وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث [قدمتَ الضمير إنْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2 "
الله" ليس في "ب".
3 "
بكر" ساقط في "ب".
4
في الأصل: قلت هو، والتصحيح من "ب".
5
زيادة من "ب".
6
في "ب" فإن.
7
والقياس: ساقط من "ب".
8
في "ب" أو بدلًا من أم.



ج / 2 ص -287- شئتَ]1 قلت: "المعلمهُ الله زيدًا عمرًا خيرُ الناسِ" وإنْ أخرت قلت: المعلمُ اللّهُ زيدًا عمرًا إيَّاهُ خيرُ الناسِ, وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ، ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقع الاسم الذي انتزع ليخبر عنه في2 موضعه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في الأصل "وفي" والتصحيح من "ب".

السادس: الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به:
اعلم: أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل, حكمهُ حكم الفاعل، تقول: ضُرِبَ زيدٌ كما تقول: "ضَربَ زيدٌ" فإذا أردت أن تخبر عن "زيدٍ" من قولك: ضُربَ زيدٌ بالذي، قلت: "الذي ضُرِبَ زيدٌ" ففي "ضُرِبَ" ضميرُ "الذي" والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ، وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل, فإن ثنيتَ قلت: "اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ" فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت: "المضروب زيدٌ" لأن مفعولًا في هذا الباب كفاعل في غيره, أَلا ترى أنَّكَ إذا1 جعلتهُ صفة قلتَ: "رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ" ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ، فإن ثنيتَ قلت: "المضروبانِ الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "المضروبونَ الزيدونَ" وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل, فإن قلتَ: "أُعطِي زيدٌ درهمًا" فأخبرتَ عن "زيدٍ" قلتَ: "أُعطي درهمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ: "الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ" ولكَ أن تقولَ: "أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ" وهو القياسُ؛ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس2، ولكن لو كان أصل المسألة: أُعطي زيدٌ عمرًا, ما جاز هذا عندي فيه؛ لأنه ملبس3 لا يعرف المأخوذ من الآخذ، وليس الدرهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
إذا" ساقطة من "ب".
2
في "ب" ملتبس.
3
في "ب" كذاك.



ج / 2 ص -288- كذلك1؛ لأنه لا يجوز أن يكون آخذًا وعلى هذا المثال: "بابُ ظننتُ وأخواتُها" تقول: ظُنَّ زيدٌ قائمًا, فإن أخبرتَ عن "زيدٍ" بالذي قلتَ: الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ, وإن2 أخبرت عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ, ولكَ أن تقول: "الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ" وهو القياسُ، وإن3 قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن "زيدٍ" قلتَ: "المظنونُ قائمًا" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهُ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ" فإن ثنيتَ قلتَ: "المظنونانِ قائمين الزيدانِ" وإن جمعتَ قلتَ: "المظنونون قائمينَ الزيدونَ"4، فإذا5 أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهما الزيدانِ قائمانِ" وإن شئت قلت: "المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ" وعلى هذا القياسُ [في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ]6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل كذاك، وما أثبته من "ب".
2
في "ب" فإن.
3
في "ب" فإن.
4
في الأصل "زيدون" والتصحيح من "ب".
5
في "ب" وإن.
6
زيادة من "ب".

السابع: الفاعل1 الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد2:
وذلك, كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ، وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ, تقول3: "كانَ عبدُ الله أَخاكَ، وأَصبحَ زيدٌ أَباك"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الفاعل، ساقط من "ب".
2
قال سيبويه 1/ 20: "هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول, واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد".
3
في "ب" وتقول.



ج / 2 ص -289- فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت: "الذي كانَ أخاكَ عبد اللهِ" ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها, وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة "الذي" و"الذي" مبتدأٌ وعبد اللهِ خبرهُ, والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله.
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت: "الكائنُ أَخاكَ زيدٌ" وتقديرهُ تقديرُ: "الضاربِ أخاكَ زيدٌ" ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم "كانَ" فأما خبرها ففيه اختلاف1، فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول: الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ, والمصبحهُ عمرو أخوكَ, وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلًا فقلت: "الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ, وقال قوم: إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ؛ لأن معناهُ: "كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا" فكما لا يجوز أن تخبر عن "كانَ من أمرهِ كذا وكذا" كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا2 كان في معناه, كذا حكى المازني جميع هذا. قال أبو بكر: والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ؛ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس3 إضمارهُ متصلًا إنما هو مجازٌ، وعلامات الإِضمارِ ههنا غيرُ محكمةٍ؛ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع "إياَّه" ذلك الموقع, فإجازتهم إيّاهُ "في" كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ههنا, قال الشاعر:

ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْرًا4 لا تَرى فيه عَريبا

لَيْسَ إيَّايَ وإيَّا كَ ولا نَخْشَى رَقِيبَا5

فقال: "ليسَ" إيَّاي، ولم يقل: ليسني، فقد فارقَ باب "ضربني" وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 3/ 97، وشرح الكافية للرضي 2/ 44، والهمع 2/ 147-148.
2
في الأصل "إذ" والتصحيح من "ب".
3 "
ليس" ساقطة من "ب".
4
في "ب" شهر بالرفع، وتجوز الروايتان.
5
مر تفسيره 2/ 98 من هذا الجزء.



ج / 2 ص -290- روى "عليهِ رجلًا1 ليسني" وإنما هذا كالمثل؛ لأنهم لا يأمرون "بعليكَ" إلا المخاطبَ، فقد شذ هذا من جهتين من قولهم: "عليهِ" فأمروا غائبًا2 ومن قولهم: "ليسني" فأجروهُ مجرى "ضربني" فإذا قلت: "ليسَ زيدٌ أخاكَ" وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول3 فإنَّهُ لا يجوز إلا "بالذي" ولا يجوز بالألف واللام4؛ لأن "ليسَ" لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ، أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول: "يفعلُ" منها ولا شيئًا من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ، وأصلها "لَيِسَ" مثل "صَيِدَ" [البعيرُ]5, وألزمتِ الإِسكانَ إذ6 كانت غير متصرفةٍ، فتقول إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ "ليسَ زيدٌ أَخاكَ": "الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ"7 وإن أخبرتَ عن المفعول قلت: "الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ" على قياسِ الذين أجازوهُ في "كانَ" والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ "كانَ" وأخواتِها يحتجون8 بقول أبي9 الأَسود الدؤلي:

فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها10

فجعله كقولك: اضربها11 ويضربها، ولو قلت: "كانَ زيدٌ حسنًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب: 1/ 381، فقد جوز سيبويه: ليسني، وكأنني.
2
في الأصل "غائب" وهو خطأ.
3
في الأصل "أو" والتصحيح من "ب".
4
في "ب" فإنه لا يجوز بالألف واللام, ولا يجوز إلا بالذي.
5
زيادة من "ب".
6
في "ب" إذا.
7
ما بين القوسين ساقط من "ب".
8
في "ب" احتجوا.
9
أبي، ساقط من "ب".
10
مر تفسيره في الجزء الأول صفحة 104.
11
في "ب" وتضربه.



ج / 2 ص -291- وجههُ" فأخبرت1 عن الوجه لم يجز؛ لأنَّك كنتَ تضع موضعهُ "هُوَ" فتقول: الذي كانَ زيدٌ حسنًا هُو وجههُ، إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الاسم الذي تخبر عنه ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" كما بينت فيما تقدمَ، فإذا2 كان "هو" يرجع إلى "الذي" لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ [وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي]3 ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ: "حسنًا وجههُ بأَسرهِ" جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب, فتقول: الكائنهُ زيدٌ حَسنٌ وجههُ, ولو أخبرتَ "بالذي" لقلت: "الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ" وحذفت4 ضميرَ المفعولِ من "كانَ" كما حذفتهُ من "ضَرَبتُ" [حينَ قلتَ: الذي ضَربَ زيدٌ"5 ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ, وإنْ أخبرت بالذي على6 قول من جعل المفعول "إيَّاهُ" لم يجز حذفهُ؛ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول: الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وأخبرت.
2
في "ب" وإذا.
3
زيادة من "ب".
4
ضمير، ساقط من "ب".
5
ما بين القوسين ساقط من "ب".
6
في "ب" عن.

الثامن: الظروف من الزمان والمكان:
اعلم: أنَّ الظرف1 إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسمًا وصار كسائر المفعولات، إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلى ضميره إلا بحرف الجر2 إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبه كنصبِ سائر المفعولاتِ, وهذه الظروف منها ما يكون اسمًا وظرفًا, ومنها ما يكونُ ظرفًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الظروف.
2
في "ب" جر, بلا ألف ولام.



ج / 2 ص -292- ولا يكون اسمًا1 وقد تقدم ذكرها في هذا2 الكتاب, إلا أنَّا نعيدُ منه شيئًا هاهنا3 ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه, فالذي يكون [منه]4 ظرفًا واسمًا [ضمّ]5 اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك, وأما ما6 يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: "ذاتَ مرةٍ وبُعيدات بَين وبكرًا وسَحَرًا" إذا أردتَ "سَحرًا" بعينه ولم تصرف7 ولَم تُردْ سحرًا من الأسحارِ، وكذلك ضحيًّا إذا أردت ضُحَى يومِكَ, وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ, لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفًا8، وأما الأماكن وما يكون منها اسم فنحو: المكان والخَلْف والقدام والأمام والناحية، وتكون هذه أيضًا ظروفًا والظروفُ كثيرةٌ, وأما ما يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: عندَ وسوى وسواء إذا أردتَ بهنَّ معنى "غير" لم تستعمل إلا ظروفًا9، ورُبَّما كان الظرفُ ظرفًا والعمل في بعضه لاَ في كله، نحو: آتيكَ يومَ الجمعةِ, وإنما تأتيهِ في بعضه [لا كلهِ]10, وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب "مَتى" فعلى هذا يجيء, وأما ما كان جوابًا "لكم" فلا يكون العمل إلا فيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يرى سيبويه أن الجر يكون في كل مضاف إليه, وأنه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف، وبشيء يكون ظرفًا، وباسم لا يكون ظرفًا. انظر: الكتاب 1/ 209.
2
في "ب" ذا.
3 "
ها" ساقطة في "ب".
4
زيادة من "ب".
5
زيادة من "ب".
6 "
ما" ساقطة من "ب".
7
في "ب" تصرفه.
8
انظر الكتاب 1/ 115، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، نقلًا عن أصول ابن السراج.
9
في الأصل "ظرفًا" والتصحيح من "ب".
10
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -293- كله نحو: سرتُ فرسخينِ وفرسخًا وميلًا, لا يجوز1 العمل في بعضه دون بعضٍ. وإذا2 قلت: صمتُ يومًا، لم يجزْ أن يكون الصوم في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُله. فما كان من الظروف قد يستعمل اسمًا فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفًا لم يجز الإِخبارُ عنه، تقول3: "ذهبتُ اليومَ" فإذا قيلَ لكَ: أَخبرْ عنِ اليومِ "بالذي" قلتَ: الذي ذهبتُ فيهِ اليوم, ولَمْ يجز حذفُ "فيهِ" كما كان يجوز حذف الهاء؛ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجر, وكذلك إذا قلتَ: "قمتُ اليومَ يا هذا" فجعلتَ اليومَ مبتدأ, قلت: "اليومُ قمتُ فيهِ" لأنه قد صار اسمًا والمضمر لا يكون ظرفًا وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ، وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه, وذلك المعنى يُراد به, فإن ثنيتَ قلتَ: اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ, فإن قلت ذلك بالألف واللامِ قلتَ: "الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ" والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ, فالألفُ واللامُ قد قامَتا مقامَ "الذي" وأفردت "ذاهبًا" ولم تثنهِ؛ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده [وإنْ جمعتَ قلتَ: الذاهبُ فيهن أَنا الأيامُ]4 وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت: "جلستُ مكانكَ" فإذا5 أردتَ الإِخبارَ عن "مكانك" قلت: "الذي جلستُ فيه مكانكَ" واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ, وبالألف واللامِ: "الجالسُ فيهِ أنا مكانكَ" والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ, فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره, فقلت في: "ذهبتُ اليوم" إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي, قلت: "الذي ذهبتُ اليوم" كما تخبرُ عن زيدٍ في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" لا يكون.
2
في "ب" فإذا.
3
في "ب" وتقول بزيادة الواو.
4
زيادة من "ب".
5
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -294- قولك: "ضربتُ زيدًا" تريد: الذي ذهبتهُ1 اليوم، وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ [وهو الأصل]2 وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ؛ لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام, وتقولهُ بالألف واللام: الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول: "سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين" فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان, فإن أخبرت عن اليومين "بالذي" قلت: اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ, وبالألف واللام: السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين "فيهما يومان" وإن أخبرت عنهما على3 السعة قلت: السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، وبالذي: اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ, وإن شئتَ قلت: سرتهما وهو أحبها4 إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ، فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" فأنتَ بالخيار، إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ, وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ5، إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولًا على السعة؛ لأنه قد صار اسمًا وخرج عن حد الظرف, وتجعلُ الثاني ظرفًا إن شئت, وإن شئتَ جعلتهُ مفعولًا على السعة أيضًا, فإذا أخبرتَ عن الفرسخين -فيمن رفعهما- بالذي قلت: "اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ" وإن قلتهُ بالألف واللام قلت: "المسيرانِ بزيدٍ يومينِ فرسخانِ" وإن أخبرت عن "اليومينِ" في هذه المسألة -وقد رفعت الفرسخينِ- قلت: "المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ" هذا إذا كان "اليومانِ" ظرفًا فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: "المسيرُهما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ" وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك: "سير بزيدٍ فرسخانِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ذهبت بإسقاط الهاء.
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" في، بدلًا من "على".
4
في "ب" أحب، بإسقاط "ها".
5
إن نصبتهما نصبت الظروف, قلت: فرسخين يومين. قال المبرد في المقتضب 3/ 106: والاختيار أن تقيم أحدهما مقام الفاعل، وإن نصبت اليومين نصبت الظرف، قلت: سير بزيد فرسخان يومين.



ج / 2 ص -295- يومينِ" قلت: "الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ" فجعلت ضمير الفرسخينِ في "سِيرَ" فقلت: سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما, فإن قدمت اليومين قلت: "اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ" فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار "اليومينِ" فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ, فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت: "الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ" فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين, هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة, فإن لم تجعلهما كذلك قلت: سيرا فيهما وكل1 ما قدمته فقد قامَ مقامهُ ضميره, فإن أدخلت "اللذينِ" في "سيرَ" وجعلتَ "اللذينِ" هما الفرسخانِ قلت: "الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما" فالفرسخان: مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ2 فيهما والخبرُ "هُما" والألف في "سيرا" ترجع إلى اللذين و"فيهما" ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة, واليومان وما بعدهما3 خَبر الفرسخينِ، وإن شئتَ قلت: "اللذانِ سيراهما" فإن أخبرت بالألف واللام قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرانِ بزيدٍ فيهما هما" وإن شئت قلت على الاتساع: "الفرسخان اليومان المسيراهما بزيد هما" واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره, فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ, ألا ترى أن قولك: "هما" ضمير الفرسخين و"هُما" التي في قولكَ: المسيراهُما ضمير اليومين, فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام: "المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ" فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل4 هذه المسائل, فإن جعلتَ "اللذين" في هذه المسألة لليومين قلت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فكل ما.
2
في الأصل: "وبزيد سيرا بزيد" والتصحيح من "ب".
3
في الأصل: "بعده" والتصحيح من "ب".
4 "
كل" ساقط من "ب".



ج / 2 ص -296- الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما [بزيدٍ]1 فالفرسخان مبتدأٌ, واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و"اللذانِ" خبرُ "اليومينِ" وهُما اليومانِ, والألفُ في "سيرا" ضمير الفرسخين, وفيهما ضميرُ "اللذينِ" فلو جعلتَ "الفرسخين" موضعَ ضميرهما لقلت: اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ [هما]2 فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما "لليومين" أيضًا قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما" فهما الأولى: مفعول على السعةِ والثانيةُ: فاعل, وإنما ظهر الفاعل ههنا لأن كُلَّ اسم كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه, وإنما جاز في "اللذينِ سيرا" لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جاريًا على غير مَنْ هُو لهُ, ومعنى قولي: جَارٍ على غير مَنْ هو له, أن اللذينِ لليومين والألف في "سيرا" للفرسخين, فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول: المسيراهما كما قلت: "اللذانِ سيراهما" لأن مسيرًا اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه3 ضمير الألف واللام، ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم, لا يجوز أن تقول4: القائمان، وضمير الفاعل5 للألف واللام, وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف "الذي" [وحده]6 لأنها تتحد مع الاسم الذي بعدها فيثنى تثنية "الذي" وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ, فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل, واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ, فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له7 أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهرًا وإما مكنيا, فلذلك قلت: الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما؛ لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3 "
فيه" ساقطة من "ب".
4 "
تقول" ساقطة من "ب".
5
في "ب" إلا للألف واللام.
6
زيادة من "ب".
7
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -297- لقلت: اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ, ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول: الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ "هما" فتجعل الأولى مفعولا والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ؛ لأن1 قولك: مسيرهما هُما الفرسخانِ, فإذا جعلت "مسيرهما" خبرًا عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الاسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوع, ولو قلت: "الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ" جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول: "زيدٌ ضاربُه أَنا" ولو قلت: "زيدٌ اضربْهُ" لم تحتجْ إلى "أنا" لأن الفعل مما يضمر فيه, وإن جرى على غير صاحبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" لقولك.

التاسع: الإِخبار عن المصدر:
اعلَم: أن المصدر إذا كان منصوبًا وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفًا1، فالإِخبار عنه قبيحٌ؛ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "ضربتُ ضربًا" فليس في "ضربًا" فائدةٌ لم تكن في "ضربتُ" وإنما تجيء تأكيدًا, فإذا قلت: ضربتُ ضربًا شديدًا أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمرًا لم يكن في "ضربتُ" فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه, فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت: "الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ" تريد: "الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ" وإن قلت: "سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" قلت: "الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف, قال الله تبارك وتعالى2: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}3. وذكر المازني أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب, وأن الأحسن أن يكون معرفةً أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" موصولًا.
2
في "ب" عز وجل.
3
الحاقة: 13، وانظر المقتضب 3/ 104.



ج / 2 ص -298- موصوفًا، وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعًا من الفعل, فتقول على ذلك: "ضُرِبَ ضَرْبٌ" أي: نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ, وتقول: "ضربتُكَ ضربًا شديدًا" فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت: "الضاربكَ1 أنا ضَرْبٌ شديدٌ" أي: "الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ" فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار؛ لأنك تقول: ضُرِبَ ضربتانِ, فتكونُ فيه فائدة لأن قولك: "ضُرِبَ" لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت: "ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ" أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً, فإذا قلت: "ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ" قلت: "المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ" و"المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ"2, وإذا قلت: "شربتُ شربَ الإبلِ" قلت: "الشاربهُ أَنا شرب الإِبلِ" وإذا قلت: "تبسمتُ وميضَ البرقِ" قلت: المتبسمه أنا وميضُ البرقِ, وقد قال قومٌ: إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على "فعلٍ" غير "تبسمتُ"3 كأنهم قالوا: "ومضتُ وميضَ البرقِ" فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن4 هذه الجهة، ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها, كما لا يجوز الإِخبار عن الحال, وإذا كانت المصادر وغيرها أيضًا5 حالًا فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو: أَرسلها العِراكَ, والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ, ورجعَ عودَهُ على بدئهِ, وما أشبه هذا مما جاء حالًا وهو معرفة, وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به, وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ, وقد ذكرنا هذا فيما تقدم, فقصة: رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ, وكُلُّ شاةٍ وسخلتها, وما أشبه هذا مما جاء معطوفًا نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ, ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر "رُبّ" فتقول: "الذي رُبّهُ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الضاربكه.
2
قال المبرد في المقتضب 3/ 104: "فإن أخبرت عن الصور قلت: المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور، وإن أخبرت عن النفخة قلت: المنفوخة في الصور نفخة واحدة.
3
انظر: ارتشاف الضرب/ 146, نقل هذه المسألة من أصول ابن السراج.
4 "
عن" ساقط في "ب".
5
في "ب" وأيضًا بعد "حالًا".



ج / 2 ص -299- ولا حجةَ في قول العربِ: رُبّهُ رجلًا, ورُبّها امرأةً؛ لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسم تقدم. قال المازني: وأما قول العرب: "ويحَهُ رجلًا" فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ, وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول: "الذي ويحهُ رجلًا هو"1 وفيه قبحٌ؛ لأنَّ "ويح" بمعنى2 الدعاءِ مثل الأمر والنهي, والذي لا يوصل بالأمر والتي؛ لأنَّهما لا يوضحانه, والدعاءُ بتلكَ المنزلة, قال: إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخبر [قال أبو بكر]3 أنا أقولُ: "وهو عندي غير جائزٍ؛ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك, وأما ما جاء من المصادر مضمرًا فعله مثل: إنما أنتَ ضربًا وأنتَ سيرًا وضربًا ضربًا" فلا يجوز عندي الإِخبار عنها لأنها مصادر استغني بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه, فلا يجوز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل, والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل4. والمازني يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن "سير"5 من قولك: إنَّما6 أَنتَ سيرًا، قلتَ7: "الذي أنتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ" كأنَّكَ قلتَ: الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 43-45.
2
في "ب" في معنى.
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" فعل، بدون الألف واللام.
5
انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 43.
6
زيادة من "ب".
7
قلت: ساقط من "ب".

العاشر: الابتداء والخبر:
اعلمْ: أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإخبار فيه إلا بالذي؛ لأنه لا يكونُ منه فاعل, وذلك قولكَ: "زيدٌ أخوكَ" إن أخبرتَ عن "زيد" قلت: "الذي



ج / 2 ص -300- هو أخوكَ زيدٌ" انتزعت زيدًا من الصلة وجعلتَ موضعهُ "هو" فرجع1 إلى "الذي" والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم, وإن أخبرت عن الأخ قلت: "الذي زيد هو أخوكَ" جعلتَ "هو" مكان الخبر كما كان في أصل المسألة, ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ2. وتقولُ: "أنتَ منطلقٌ" للذي تخاطبُ وإن3 أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت: "الذي هو منطلق أنت" وإن أخبرتَ عن "منطلق" قلت: "الذي أنت هو منطلقٌ" وإنْ أخبرتَ عن المضمر في "منطلقٍ" لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأ ليس في خبره ما يرجع إليه, وإذا قلت: "زيدٌ ضربته" فأخبرت عن "زيدٍ" أقمت مقامه "هو" فقلت: "الذي هو ضربتهُ زيدٌ" فهو, يرجع إلى "الذي" والهاءُ في "ضربتهُ" لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول: "الذي زيدٌ ضربتهُ هو" فإن جعلت الهاء التي في "ضربتهُ" ترجع إلى "زيدٍ" لم يرجع إلى "الذي" شيءٌ, وإن رددته إلى "الذي" لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ.
قال المازني: هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى؛ لأنَّ زيدًا هو الذي في المعنى؟ فإن ذلك أيضًا غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى, ولا يجوز الإِخبار عن "ضربتهُ" في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ, والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ, وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت: زيدٌ ذهب عمرو إليهِ, جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول: "الذي هو4 ذهبَ عمرو إليه زيدٌ" لأنك تجعل الهاء التي في "إليه" ترجع إلى "هو" وتجعلُ "هو" يرجع إلى "الذي" وإن أخبرت عن "عمرو" فجائزٌ فتقول: "الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمرو" وتجعل5 للفاعل في "ذهب" ضميرًا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ورجع.
2
في "ب" ملتبس.
3
في "ب" فإن.
4
هو، ساقطة من "ب".
5
في "ب" فتجعل.





ج / 2 ص -301- يرجع إلى "الذي" وتجعل عمرًا خبرًا للمبتدأ وإن جعلت في1 موضع "عمرو" في هذه المسألة "هندًا" كان أبين إذا قلت: "زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ" فأخبرتَ عن "هندٍ" قلتُ: التي زيد2 ذهبتْ إليهِ هندٌ, فإن ثنيتَ هندًا قلت: "اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ" فصار3 الكلام أوضح لما ظهر ضمير الفاعل, وهو الراجع إلى "اللتين" فإن أخبرتَ عن "الهاءِ" في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في "زيد ضربتهُ" فإن قلت: "زيدٌ ذاهبٌ إليه عمرو" فأخبرتَ عن "عمرو" قلت: الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو "عمرو" جعلتَ "هو" فاعلًا وجعلتَ "هو"4 منفصلًا؛ لأن "ذاهبًا" اسمٌ إذا صار خبرًا لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالًا صار فاعلهُ منفصلًا والفعلُ ليس كذلك, وقد مضى تفسير هذا وتقول: "زيدٌ يضربهُ أبوهُ" فإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: "الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ" جعلتَ "هو" موضعَ "زيدٍ" وهو الراجعُ إلى "الذي" والهاء في يضربهُ ترجع إلى "هو" وكذلك الهاء في "أبيهِ" كما كان في أصل المسألة, وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ: "الذي زيدٌ يضربه أبوهُ" فتجعل5 في "يضربهُ" فاعلًا وهو صلة "الذي" وجعلت الأب خبرًا وهو "الذي". وهذه المسألة تلبس6 بقولك: "زيدٌ يضربُ أبَاهُ" لو قيلَ لك: أخبر عن "الأبِ" لقلت: الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ, ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ, لو قيلَ لك: كيفَ تخبرُ عن الأم من قولك: "زيدٌ تضربهُ أمهُ" لقلت: "التي زيدٌ تضربهُ أمهُ" ولو قلت: "زيدٌ يضرب أمه" فأخبرت عن الأم لقلتَ: "التي زيدٌ يضربُها أمهُ" وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
في" ساقطة من "ب".
2
في "ب" الذي، بدلًا من "زيد".
3
في "ب" وصار.
4
في "ب" وجعلته.
5
في "ب" وتجعل.
6
في "ب" تلتبس.



ج / 2 ص -302- المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ1 فلم يعلم الفاعلُ من المفعول, فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفردًا والآخر مثنى أو مجموعًا أو تجعلَ أحدهما مذكرًا والآخر مؤنثًا زال اللبسُ, ألا ترى أن أصل المسألة2 إذا قلت: "زيدٌ يضربهُ عمرو" وعمرٌو فاعلٌ لو قيلَ لك: قدم عمرًا لقلت: عمرٌو زيدٌ يضربهُ ففي "يضربُه" ضمير "عمرٍو" مرفوعٌ, ولو قيلَ لك: قدم عمرًا من3 قولك: "زيدٌ يضربُ عمرًا" لقلت: "عمرٌو زيدٌ يضربهُ" ففي "يضربهُ" ضمير "زيدٍ" واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمرًا فاعلًا أو مفعولًا إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الاسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بان المرادُ, وذلك أن تجعلَ موضع عمرٍو "العمرانِ" فإذا قلتَ: زيدٌ يضربهُ العمرانِ, فقدمتَ العمرين مبتدأينِ قلت: "العمرانِ زيدٌ يضربانهِ" وإن4 قلت: "زيدٌ يضربُ العمرين" فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت: العمرانِ زيدٌ يضربهما, فإن جعلت موضعَ "يضربُ"5 ضاربًا من قولك: زيدٌ6 يضربهُ أبوهُ، قلتَ: زيدٌ ضاربهُ أبوهُ, فإن أخبرتَ عن الأب قلت: الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ, فأظهرتَ "هو" منفصلةً لما تقدم ذكره, فإن أخبرتَ عن الأب من قولك: "زيدٌ ضاربٌ أباهُ" قلتَ: "الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ" ولم تحتجْ إلى "هو" لأن "ضاربَ" إلى جانب زيدٍ وهو لهُ, فأما قولهم: "السمنُ منوانِ بدرهمٍ" فهذا مستعملٌ بالحذف, يريدونَ: السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ, فإن أخبرتَ عن السمن قلت: "والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ" تريد: "الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ" نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله, والهاءُ التي في "منهُ" ترجِعُ إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" التبس.
2
في "ب" وإذا قيل لك، وهي جملة دخيلة.
3
في "ب"، بدل "من".
4
في "ب" وإذا.
5
في "ب" يضربه.
6
زيد ساقط من "ب".



ج / 2 ص -303- "هو" كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة. وإن1 أخبرت عن "المنوينِ" قلت: "اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ" وإن أتممت الكلامَ قلت: "اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوان" والإِتمامُ هو2 أحبُّ إليّ؛ لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه3 أن يترك على لفظه ليدل على ما حذف منه، وهذه المسألة نظير قولك4: "زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليه" فزيدٌ: مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان مبتدأٌ ثانٍ كعمرٍو, وقولكَ: "بدرهمٍ منهُ" خبر "منوينِ" والهاءُ في "منهُ" ترجعُ إلى "السمنِ" كرجوع الهاء في "إليهِ" فإن قيلَ لك: أخبر عن خبر السمنِ بأسره, وهو قولك: "منوانِ منهُ بدرهمٍ"5 لم يجز؛ لأن الجمل لا تضمر، وكذلكَ لو قيلَ لك: أخبر في قولك: زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليهِ, عن خبر "زيدٍ" بأسرهِ لَمْ يَجزْ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فإن.
2
هو، ساقط من "ب".
3
في "ب" فحقه.
4
في "ب" قولهم.
5
في "ب" بدرهم منوان منه.

الحادي عشر: المضاف إليه1:
اعلم: أن المضاف إليه2 على ضربين: فضربٌ [منه]3 يكون الاسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمرٍو, يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو4 عبد الملك, فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه؛ لأنه كبعض حروف الاسم, وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو: "دارُ عبد الله" وغلامُ زيدٍ, فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلك, ومتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
إليه، ساقط في "ب".
2
إليه، ساقط في "ب".
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" وعبد الملك.



ج / 2 ص -304- زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه, أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه ألبتة, أعني "غلامًا ودارًا" إذا قلت: غلامُ زيدٍ ودارُ عمرٍو؛ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف, فإذا قلت: "هذا غلامُ زيدٍ" فأردت1 الإِخبار عن "زيدٍ" قلت: "الذي هذا غلامهُ زيدٌ" جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت: "قمتُ في دار زيدٍ" فأخبرت عن زيد, قلت: "الذي قمتُ في داره زيدٌ" فإن قلت: هذا ابن عرس وسام أبرص, وحَمارُ قَبان وأبو الحرثِ, وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيئًا يقصدُ إليه, وإنما حُمار قبان اسم للدابةِ, ليس أن قبان شيءٌ يقصدُ إليهِ, كما كان زيد شيئًا يقصد إليه. وقال أبو العباس عن أبي عثمان: إنه قد جاء الإِخبار في مثل حُمار قبان وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وأردت.

الثاني عشر: البدل:
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب؛ فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب1, قال أبو بكر: وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني, ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ, فإذا قلت: "مررتُ برجلٍ أخيكَ" فأخبرت عن "رجلٍ" قلت: الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ, والمار به أنا رجلٌ أخوكَ, تجعلُ الرجل خبرًا ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة, وقومٌ يقولون: المار به أنا أخيك رجلٌ, فيجعلون "الأخ" بدلًا من الاسم المضمر كما كان بدلًا من مظهرٍ2. قال المازني: فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك: "مررتُ برجلٍ أخيكَ"3 قلت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: المقتضب 3/ 111، وشرح الكافية للرضي 2/ 42، والهمع 2/ 148.
2
في "ب" مظهره.
3 "
من" ساقطة في "ب".



ج / 2 ص -305- المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ, قال: وهذا قبيحٌ؛ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به, فجعلته بعدما قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا, قال: ومن أجاز هذا أجازَ: "زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ" قال: وهو جائز على قبحه [قال أبو بكر]1: ومعنى قول المازني: قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا يعني: أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل؛ لأن حقَّ البدلِ أن يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ, فلو قلت: "المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ" لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ، فكان2 الكلام فاسدًا وكذلك لو قلت: "زيدٌ ضربتَ أخاكَ" لم يجز؛ لأنهُ لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ, وقولكَ: "أباهُ" بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام [قال المازني: وكِلا القولينِ مذهبٌ, وليسا بقويين]3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" وكان.
3
زيادة من "ب".

الثالث عشر: العطف:
اعلم: أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ؛ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه, وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول, والنعتُ والبدلُ هما الأول, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "زيدٌ العاقلُ" فالعاقل هو زيدٌ، وإذا1 قلت: "مررتُ بزيدٍ أخيكَ" فأخوكَ هو زيدٌ، وإذا قلت: "قامَ زيدٌ وأخوكَ" فأخوك غيرُ زيدٍ؛ فلذلك يجوز أن تخبر عن الاسم [المعطوفِ عليهِ الأولِ]2، ويجوز أن تخبر عن الاسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ, ولك أن تخبر عنهما جميعًا؛ تقول: زيدٌ وعمرٌو في الدارِ, فإن أخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمرٌو"،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وكان.
2
ما بين القوسين ساقط من "ب".



ج / 2 ص -306- وإن1 أخبرتَ عن زيدٍ قلت: "الذي هو وعمرٌو في الدار زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "عمرٍو" قلت: "الذي زيدٌ وهو في الدار عمرٌو" وإن شئت قلتَ: "الذي هو وزيدٌ في الدار عمرٌو" لأن المعنى واحدٌ فإن قلت: "قامَ زيدٌ وعمرٌو" فأخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ قاما زيدٌ وعمرٌو" وإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: الذي قامَ هو وعمرٌو "زيدٌ" فأكدت الضمير في "قامَ" بهو؛ لتعطف عليه الظاهر, ويجوز أن لا تذكر2 "هو" فتقول: "الذي قامَ وعمرٌو زيدٌ" وفيه قبحٌ، وإن3 أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي قامَ زيدٌ وهو عمرٌو زيدٌ" فإن قلت في هذه المسائل4 بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم, وإن أخبرت عن المفعول من قولك: ضربتُ زيدًا وعمرًا [فإن]5 أردتَ أن تخبر عن "زيدٍ" قلت: الذي ضربتهُ وعمرًا زيدٌ, وإن أخبرتَ عن عمرٍو قلت: "الذي ضربتُ زيدًا وإياهُ عمرٌو" فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت: الذي ضربتهُ وزيدًا عمرٌو, وجاز ذلك لأنَّ قولك: "ضربتُ زيدًا وعمرًا, وضربتُ عمرًا وزيدًا" في الفائدة سواءٌ, فإن قلت: ضربتُ زيدًا وقامَ عمرٌو, لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما؛ لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان, فلو أخبرت عن "زيدٍ" لكنت قائلًا: "الذي ضربتهُ وقامَ عمرٌو زيدٌ" فليس لقولكَ: قامَ عمرٌو اتصالٌ بالصلة, فإن زدتَ في الكلام [فقلتَ]6: وقامَ عمرٌو إليه أو من أجله جاز, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو عمرًا فأخبرت عن "زيدٍ" فإن الأخفش يقولُ: "الضاربهُ أنا أو عمرًا زيدٌ" قال لأنَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فإن.
2
في الأصل "تؤكد" والتصحيح من "ب".
3
في "ب" فإن.
4
في "ب" المسألة.
5
زيادة من "ب".
6
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -307- عمرًا قد1 صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ, كما تقول: مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو2 عمرو, ولو قلت: أو ذاهبٌ عمرٌو لم يجز؛ لأنهما لم يجتمعا في فِعْلٍ واحدٍ فيصير عمرٌو إذا جعلت لهُ فعلًا على حدته3 كأنك قلت: مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمرٌو وكذلك لا يجوز: الضاربه أنا والضاربُ زيدًا عمرٌو [قال أبو بكر]4: لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ, وإذا قلت: ضربتُ أو شتمتُ عمرًا فأخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" تريد: "الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمرٌو" فالفعلانِ داخلانِ في الصلة، فإن5 قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول: الضاربه أنا والشاتمه أنا عمرٌو, فأخرجتَ ما كان في صلة "الذي" عنها؛ لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل, وهذا لا يجوز, ومعنى الكلام أيضًا يتغير لأنك إذا قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" فالشك واقع في الفعلين, وإذا قلت: "الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمرٌو" فالشك في الاسمين, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو شتمتُ عمرًا لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى "زيدٍ" فتقول: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرًا من أجله أو لهُ زيدٌ".
واعلم: أنه قد جاء في العطف أشياء مخالفةٌ للقياس, فمن ذلك قولك: "مررت برجلٍ قائمٍ أبواه, لا قاعدين" فقولك: "لا قاعدينِ" معطوفٌ على "قائمٍ" وليس في قولك: "قاعدينِ" شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ, [كما كان في قولك: قائمٌ أبواهُ, ضميرٌ يرجع إلى "رجل"6] فجاز هذا في المعطوف على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
قد" ساقط في "ب".
2
في "ب" وعمرو.
3
في "ب" حده.
4
زيادة من "ب".
5
في "ب" فإذا.
6
ما بين القوسين ساقط من "ب".



ج / 2 ص -308- غير قياسٍ، وهذا لفظُ المازني وقول كلّ من يرضى قوله, وكان ينبغي أن تقول: مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه, وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكي عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياسًا مستقيمًا, ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب: "كُلُّ شاةٍ وسخلتها بدرهمٍ"1 ولو جعلتَ السخلةَ تلي "كُلّ" لم يستقمْ, ومثلهُ: "ربَّ رجلٍ وأخيهِ" فلو كان الأخ يلي "رُبَّ" لم يجز, ومن كلام العرب: "هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ" ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جرا, وينشدونَ هذا البيتَ [جرا]2:

الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها عوذًا تُزجَّى خلفَها أطفالها3

وكان أبو العباس4 -رحمهُ الله-5 يفرقُ بين عبدها وزيدٍ, ويقول: إن الضمير في "عبدِها" هو للمائة فكأنه قال: وعبدُ المائة, ولا يستحسنُ6 ذلك في "زيدٍ" ولا يجيزه7 وأجاز ذلك سيبويه8 والمازني, ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت. وقال المازني: إنه من كلام العرب, والذي قال أبو العباس9 أولى وأحسن, فإذا قلت: "مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه, لا القاعدينِ" أجريتَ "القاعدينِ" على: القائم أبواه عطفًا, فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في "القاعدينِ" ما يرجع إلى الموصول في اللفظ, ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة, وتقول على هذا القياس: مررتُ بهند القائمِ أبواها لا القاعدين, فتجري "القاعدينِ" عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 244، وشرح الرماني 2/ 45، والخزانة 2/ 181.
2
زيادة من "ب".
3
مر تفسيره في الجزء الأول، صفة 88 من الأصل.
4
انظر: الخزانة 2/ 181، والدرر اللوامع 2/ 57.
5
رحمه الله، ساقط من "ب".
6
في "ب" استحسن.
7
في "ب" أجيزه.
8
انظر الكتاب 1/ 93, والخزانة 2/ 181, والدرر اللوامع 2/ 57.
9
انظر: المقتضب 4/ 164.



ج / 2 ص -309- قال المازني: وقد قال قوم من أهل العلم: نجيزُ هذا في الألف واللام، ولا نجيزهُ في "الذي"؛ لأن الألف واللام ليستا على القياس و"الذي" لا بد في صلته من ضميره, وقال هؤلاء: ألا ترى أنك تقول: "نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ, ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ, ونِعْمَ الضارب زيدًا عمرٌو" ولا تقول: "نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ" ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلًا لا يدخلهُ "الذي" وكذلك1 جاز: مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ، ولم يجز: "مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا2 اللذينِ قَعَدا" وقال الآخرون: نجيزهُ "بالذي" معطوفًا ونجعل صلتهُ على المعنى, كما قلنا: أنا الذي قمتُ, وأنت الذي قمتَ, وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى، إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفًا؛ لأنّا قد رأينا أشياء تكون في العطف فلا تكون في غيره، فإذا كانت صلةُ "الذي" جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالًا, فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك. قال المازني: وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول: "اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك" فتجعل الضمير الذي في "قام وقعد" يرجع إلى "اللذينِ" على معناهما لا على لفظِهما. ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولًا على معناه لا على لفظه:

وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْرًا بالقَنَا وتَرَكْتُ تَغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ3

ولو حمله على لفظه لقال4: "قَتَل" قال: وليس كل كلام يحتمل5 أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فكذلك.
2
في "ب" إلا، ولا معنى لها ههنا.
3
الشاهد فيه "قتَّلت" والكثير: قتل, والقنا: جمع قناة، يكتب بالألف؛ لأنك تقول في جمعه: قنوات, والبيت للمهلهل بن ربيعة. وانظر: المقتضب 4/ 132, والمقصور والممدود لابن ولاد 88, والأبيات المشكلة للفارقي/ 238, وشرح السيرافي 3/ 136.
4
في "ب" قال.
5
في "ب" محتملًا.



ج / 2 ص -310- يحمل على المعنى, لو قلت: أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ: قامَ أحدهُما، لم يكن كلامًا؛ لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجئ في خبرهما بما1 يرجعُ إليهما, فلذلك لم يجز هذا, ولو قلت: أخواكَ قام وقعد فحملت "قامَ وقعدَ" على معنى الأخوين, كان هذا أقوى؛ لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل, ولو قلت: "اللذانِ قامَ أخواكَ" تريد: "اللذان قامَ أحدهما أخواك" لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشيء على المعنى فيكون ذلك جائزا2 كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه، ولا يجوز ذلك في غير الشعر [فكلُّ ما شنَع في السمع أجازته ولم يستعمل لا تجزه]3. وقال الأخفش: لو أنَّ رجلًا أجاز: مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس -يعني في هذا الباب- وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياسًا على قبحه، وعلى أنه ليس من كلام العرب، ومن لم يجز هذا لم يجز: "مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ" إذا أرادَ معنى "الذي" ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى "الذي" ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة, وإذا قلت: "ضربتُ زيدًا فعمرًا" فأردتَ الإِخبارَ عن "زيدٍ"4 قلت: "الذي ضربتُه فعمرًا زيدٌ" فإن أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ زيدًا فإياهُ عمرٌو" ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلًا وتقدمهُ كما فعلت في الواو؛ لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء, وكذلك "لا" إذا كانت5 عاطفة فإذا قلت: "ضربتُ زيدًا ثمَّ شتمتُ عمرًا" لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام؛ لأنهُ يلزمكَ أن تقول: "الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمرًا زيدٌ" فلا يكون لقولك: "الشاتمُ أنا عمرًا" اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت، لو قلت: الذي ضربتهُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "ما" والتصحيح من "ب".
2
جائز، ساقط في "ب".
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" زيد عمرو.
5
في "ب" كان.



ج / 2 ص -311- وضربتُ عمرًا زيدٌ, أو ثمَّ ضربتُ عمرًا أو فضربتُ عمرًا لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد: "ضربتهُ وزيدًا" فتقول: ضربتهُ وضربتُ زيدًا, تريد الفعل الثاني توكيدًا فيجوز على هذا وهو أيضًا قبيحٌ, وكذلك لو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ, لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ, ألا ترى أنَّكَ لو قلت: "مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا" جاز ولو قلت: "مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا" لم يجز إلا على ما ذكرت [لك]1 من الضمير فتقول2: وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت: "الذي ضربتُه فبكى3 زيدٌ أخَوكَ" جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ, ولو قلت: "الضاربهُ أنا4 والباكي زيدٌ أَخوكَ" لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل, ولو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيدًا؛ لأنَّ الفعلين جميعًا من صلة "الذي". وقال الأخفش: لو قلت: الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزًا على المعنى؛ لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ5، وفي "كتاب الله عز وجل"6: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ}7، ولو قلت: "الضاربه أنا، والقائم أنا زيدٌ" لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله, والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ, ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فمبكيه أنتَ" كان جائزًا8 على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ؛ لأنك لو قلت: الضاربُ زيدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" تقول.
3
في الأصل "فبكا".
4 "
أنا" ساقط من "ب".
5
الذي ضربته، ساقط من "ب".
6
في "ب" قال الله عز وجل.
7
الحديد: 18.
8
في "ب" جاز على أن يكون.



ج / 2 ص -312- [فبكى أنا "كان جيدًا"]1 ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فالباكي هو أنا" لم يحسن. وقال الأخفش: إلا على وجهٍ بعيدٍ, كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ, كما قالت العرب: هم فيها الجماءَ الغفير, يريدون: هُم فيها جما غفيرًا, وأرسلها العراك2 يريد: أرَسلها عِراكًا, وقال: قالت العربُ: "همُ الخمسة العشَر" يريدون: "هُم الخمسةَ عَشَرَ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ما بين القوسين ساقط في "ب".
2
أي: إن الألف واللام زائدتان، والعراك تعرب حالًا.

الرابع عشر: الإِخبار عن المضمر:
إذا قلت: "قمتُ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنَا" فإن1 قلت: "قمتَ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنتَ" فإنْ كان الضمير غائبًا قلتُ: "القائمُ هوَ" وإن أخبرتَ "بالذي" قلت: "الذي قامَ هُوَ, والذي قامَ أنتَ, والذي قامَ أنَا" لأنك لو قلت: "الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ" لم يكن في صلة "الذي" شيءٌ يرجع إليه, وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم: أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ, إذا بدأت بالمخاطب قبل "الذي" أو بدأ المتكلم "بأنا" قبل "الذي" فحملت "الذي" في هذا الباب على المعنى, والجيد2: أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ, فإذا قلتَ: "ضربتني" فأخبرت عن المفعول قلت: "الذي ضربته أنا" فإن قلت: "ضربتك" فأخبرت عن الفاعل قلت: الذي ضربكَ3 أنا, ولا يجوز: "الذي ضربتُكَ أنتَ" ولا "الذي ضربتني أنا" إذا أخبرت عن "التاء" فإن قدمت "نفسَكَ" قبلَ "الذي" قلتَ: "أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني". قال المازني: ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه4 لفساده, وإذا قلتَ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وإن.
2
في "ب" الجيد، بإسقاط الواو.
3 "
ضربك" ساقط من "ب".
4
في "ب" رددناه بإسقاط اللام.



ج / 2 ص -313- ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي, قلت: "الذي ضربتُ أنتَ" إن شئتَ حذفتَ الهاء من "ضربتُ" وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت: مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن "الكاف"1 بالذي, قلت: "الذي مررتُ بهِ أنتَ" فإن قلتَ: ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ: "الذي مررتُ بهِ أنا, والذي ضربتهُ أنا" فالمجرور2 والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا, فإذا قلت: هذا غلامُك فأخبرت عن "الكاف" قلت: الذي هذا غلامهُ أنتَ, وإذا قلت: هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت: "الذي هذا غلامهُ أنَا"3 وإذا قلت: "هذا غلامُه" قلت: "الذي هذا غلامُه هُوَ"4 لأن "أنَا" للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب. وقال المازني في هذا الباب: إنه جائزٌ عند جميع النحويين, ثم قال: وهو عندي رديءٌ في القياس, ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ, قال أبو بكر: والذي جعلهُ عندهُ رديئًا في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر؛ لأن "الذي" وإن كان مبهمًا فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكاف، ساقط من "ب".
2
في "ب" والمجرور.
3
في "ب" هو.
4
هو، ساقط في "ب".











37



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -314- باب ما تخبر فيه1 بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه2 بالألف واللام, وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي [وذلك المبتدأ والخبر]3:
أما ما يخبر فيه "بالذي" ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر, وقد بيناه فيما تقدم, وكذلك ما جرى مجراهما, والمضاف إليه, والاسم المعطوف, وكل اسمٍ لا يتصلُ به فعلٌ فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جر, لا يجوز أن تخبر4 عنهُ إلا "بالذي" وكل فعلٍ لا يتصرف فلا يجوز عنه الإِخبار إلا "بالذي"5، وقد تقدم ذكر هذا. وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز "بالذي" مكانَهُ فقال الأخفش تقول: "مررتُ بالقائم أخواهُ إلا القاعدين" ولو قلت: "مررتُ بالذي قعدت جاريتاهُ لا الذي قامَتا" لم يجز؛ لأن "الذي" لا بد من أن يكون في صلتها ذكرها, وكذلك لو قلت: "مررتُ بالقاعد أبواها6 لا القائمين" كان جيدًا. ولو قلت: مررت بالتي7 قعدَ أبواها8 لا التي قاما لم يجز؛ لأنه ليس في صلة "التي" ذكر لها, ألا ترى أنكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" عن.
2
في "ب" عن.
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" الإخبار.
5
الذي، ساقط في "ب".
6
في "ب" أبواه.
7
في "ب" الذي.
8
في "ب" أبواه.



ج / 2 ص -315- تقول: "المضرُوبُ الوجه عبد الله" ولا تقول: "الذي ضُرِبَ الوجهُ عبد الله" وتقول: المضروبةُ الوجهِ ضربتين أمةُ الله, ولا تقول: التي ضُرِبتِ الوجهُ ضربتين أمةُ الله؛ لأنهُ ليسَ في صلة "التي" لها ذِكْرٌ.

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون:
وذلك قولك: "ضربتُ وضربَني زيدٌ" وضربني وضربتُ زيدًا, قال الأخفش: إذا قلتَ: "ضربتُ وضربني زيدٌ" فأدخلتَ عليه الألفَ واللام, وجعلتَ "زيدًا" خبرًا قلت: "الضاربهُ أنَا, والضاربي زيدٌ" لا يحسن غير ذلك؛ لأنك حين طرحتَ المفعول في "ضربتُ وضربني" لم تزد على ذلك, وأنت لو طرحتَ "الهاءَ" من قولكَ: "الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ" كنتَ قد طرحتَ المفعول به كما طرحتَهُ في "ضربتُ" وطرحت الشيءَ الذي تصحُّ به الصلة؛ لأن كلَّ شيءٍ من صلة "الذي" لا يرجع فيه ذكر "الذي" فليس هو بكلام, قال: إلا أنَّ بعض النحويين قد أجازَ هذا, وهو عندي غير جائز لطول الاسم لأنه صيرَ "الضارب أنا والضاربي" كالشيء الواحد, وإذا جعلتَ "أنا" هُو الخبر يعني: إذا أخبرت عن "التاء" كان حذفُ "الهاء" أمثل من هذا وذلك أنك إذا قلت: "الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنَا" إنما أوقعت من "الضاربِ" المفعول به ولم توقع ذكر "الذي" فلم تزد على مثل ما صنعت في "ضربتُ وضربني زيدٌ" لأنك إنما ألغيتَ, ثم المفعول, وألغيتهُ ههُنا أيضًا وإن كان في قولك: "الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنا" أقبح منهُ في "ضربتُ وضربني زيدٌ" لأنَّ هذا مما يخل بصلة الاسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الاسم كأنهُ لم يتعد.
قال المازني: إذا أردتَ الإِخبار عن زيد فإن ناسًا من النحويين يقولون: "الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ"1, قال: وما أرى ما قالوا إلا محالًا, إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تجعل الضارب مبتدأ، وأنا خبره ولا تعده، كما لم يكن في الفعل متعديا، وتأتي بالفعل والفاعل في الإخبار، وهو: والضاربي زيد؛ لأن الكلام إنما كان: ضربت وضربني زيد فجعلت الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، وجعلت المتعدي متعديا، والممتنع ممتنعًا. انظر المقتضب 3/ 128, وشرح الكافية للرضي 2/ 49.



ج / 2 ص -316- كنت لم تنوِ أن يكون في "الضارب" مفعولٌ محذوفٌ, فإن كنت أردت أن يكون محذوفًا فإثباته أجودُ, قال: وإن قلت: إني1 إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل فإن ذلك غير جائز؛ لأنكَ حين حذفته في الفعل لم تضمر, وأنت [ها]2 هنا تحذفه مضمرًا فحذفهما مختلف؛ فلذلك لم يكن مثله في الفعل, قال: والقياس عندي أن أقول: "الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ" فأجعل "الضارب" مبتدأ وأجعل "أنا" خبره, فأجعل "الضاربي" مبتدأ وأجعل زيدًا خبره, وأجعله تفسيرًا لما وقع عليه "ضربتُ" كما كان تفسيرًا له مع الفعل, وأجعل الضارب الأول غير متعدٍّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدٍّ, وأجعل "أنا" خبرًا له؛ لأن الفعل والفاعلَ نظيرهما من الأسماء المبتدأ والخبر لأنك إذا قلت: "ضرب زيدٌ" فلا بد لضرب من "زيدٍ" كما أنك إذا قلت: "زيدٌ منطلقٌ" فلا بد له من "منطلقٍ" أو ما أشبههُ, فجعلت الأول مبتدأً و"أنا" خبره, وعطفت عليه مبتدأ وخبره لتكون جملة عطفتَها على جملةٍ, كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلًا وفاعلًا جملةً, قال: فهذا أشبه وأقيسُ مما قال النحويون.
قال أبو بكر: وهذا الباب عندي لا يجوز الإِخبار فيه من أجل [أن]3 هاتين الجملتين كجملة واحدة؛ لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية, وإذا أدخلت الألف واللام فصلت, فإن أحوجت الضرورة إلى الإِخبار فهما بالألف واللام, فأَقيسُ المذهبين مذهب المازني ليكون الاسم محذوفًا ظاهرًا غير مضمرٍ, كما كان في الفعل. وقال الأخفش: من جوز الحذف في "ضربتُ وضربني زيدٌ" إذا أَدخلَ عليه الألف واللام, قال في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
إني" ساقط في "ب".
2
زيادة من "ب".
3
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -317- "ظننتُ وظنني زيدٌ عاقلًا" إذا أعمل الآخر: "الظانُّ" [أنَا]1 و"الظاني عاقلًا زيدٌ" فإن قال: قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت: أما الأول منهما فأضمرتهُ ليكونَ له في الصلة ذكرٌ, والثاني أضمرتهُ لأنهُ لا بد إذا أعملتَ الفعلَ في واحد من أن تعمله في الآخر, قال: فإن جعلتَ "أنَا" هو الخبر يعني: إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثل شيء؛ لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام, فتقول: "الظانُّ والظانهُ زيدٌ عاقلًا أنا" وإن ألحقت "الهاء" قلت: "الظانهُ إياهُ, والظانهُ عاقلًا زيدٌ أنا". قال المازني: فإن قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا" فأخبرت عن "زيدٍ" قلت: "الضاربي هُوَ والضاربهُ أنَا" فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلًا في "ضربني" ليكون الضاربُ يستغني2، ويكون "هُو" يحتاج3 إلى أن يفسر كما كان محتاجًا وهو في موضع "ضربني" وليكون جملةً معطوفة على جملةٍ, وكذلك إن كان فعلًا تعدى إلى مفعولين نحو: أعطيتُ وأعطاني زيدٌ درهمًا إذا أخبرت عن نفسك قلت: المعطي أنا, والمعطي درهمًا زيدٌ, فجعلت "أنا" الأول خبرًا "للمعطي" كما كان فاعلًا "لأعطيتُ" وجعلت الثاني مبتدأ وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة, قال أبو بكر4: فعلى هذا يجيء هذا الباب وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم؛ لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها, وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" مستغنيًا.
3
في "ب" محتاجًا.
4
قال أبو بكر: ساقط من "ب".



ج / 2 ص -318- باب ما ألف النحويون من "الذي" و"التي" وإدخال الذي على "الذي" وما ركب من ذلك:
وقياسه قد تقدم من قولنا: إن "الذي" لا يتم إلا بصلة, وإنه وصلتهُ بمنزلة اسم مفرد, فمتى وصلت "الذي" بالذي فانظر إلى الأخير منهما فهو صلته1، فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسمًا مضافًا إلى ضمير ما قبله؛ لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح, فإذا كان الأول مبتدأً فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير "الذي" ويكون "الذي" الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه, إلا أن "الذي" التالي للأول يحتاج [إلى]2 أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني, والآخر يرجع إلى "الذي"3 الأول، وإن كان "الذي" بعد "الذي" [الأول]4، مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا أو ما بلغ, فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبرًا له, تقول: "الذي التي قامت في داره هندٌ عمرٌو" فيكون "الذي"5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: المقتضب 3/ 130، وشرح الكافية 2/ 43.
2
زيادة من "ب".
3
الذي، ساقط من "ب".
4
زيادة من "ب".
5
الذي، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -319- الأول مبتدأً وتكون "التي" الثانية مبتدأ أيضًا, ويكون "قامت في داره" فيه ضميران: أحدهما مرفوع وهو المضمر في "قامتْ" وهو راجع إلى "التي" والهاءُ راجعة إلى "الذي" الأول, وتكون "هندٌ" خبر "التي" الثانية, وتكون "التي" الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي "الأول" ويكون "عمرٌو" خبر "الذي" الأول, فإن ثنيت قلت: "اللذانِ اللتانِ قامَتا في دارهما الهندانِ العمرانِ" فظهر الضمير الذي كان في "قامت" في الواحدة والتفسير ذلك التفسير, وكذلك لو قلت: الذي التي في داره هندٌ عمرٌو, ففي "داره" ضميران أحدهما مرفوعٌ والآخر مجرور, فالمرفوع مضمر في الاستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه, "فالتي" مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضمير "الذي" ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك "أُختهُ" لجاز أن تقول: "الذي أُختهُ هندٌ عمرٌو" وتقول: "الذي [الذي]1 ضرب عمرٌو زيدٌ" تجعل الفاعل الذي في "ضَربَ" يرجع إلى "الذي" الأول, وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في "ضرب" يرجع إلى الآخر, وتجعل عمرًا خبرًا للثاني وزيدًا خبرًا للأول, وتقول: "الذي التي أختهُ أُمها هندٌ زيدٌ" فتجعلُ "الذي" مبتدأً والتي مبتدأً ثانيًا, وأختهُ أمها "صلة التي" وفيها ما يرجع إلى "الذي" وإلى "التي" وهند خبر "التي" فصارت "التي" مع صلتها مبتدأ خبره "هندٌ" وهذا المبتدأُ والخبر صلةُ "الذي" وقد تم به؛ لأن فيه ذكره و"زيدٌ" خبر "الذي" فكأنكَ قلت: "الذي أُختهُ هندٌ زيدٌ" فلو2 قلت: الذي التي أُختهُ هندٌ أُختها زيدٌ, لم يجز لأنك لم تجعل في صلة "التي" شيئًا يرجع إليهما, ولو قلت: "الذي التي أُختها هندٌ أُخته زيدٌ" جازَ؛ لأنكَ جعلتَ "أُختَها" مبتدأ و"هندًا" خبرًا, وهما في صلة "التي" وجعلت قولك: أُختهُ خبر التي وجعلت "الهاء" التي أضفت الأخت إليها راجعةً إلى "الذي" وجعلت التي وصلتها وخبرها صلةً "للذي" فصار خبرها مضافًا إلى الضمير الذي يرجع إلى "الذي"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الذي، ساقط من "ب".
2
في "ب" ولو.



ج / 2 ص -320- في صلته وصار زيدٌ خبرًا عن "الذي" فكأنك قلت: "الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ" فصلح أن تضع هذا موضع "التي" لأنه ليس في "التي" وصلتها ما يرجع إلى "الذي" ولولا الهاء في "أخته" ما كان كلامًا, فإن أدخلت كان1 على هذا قلت: "كان الذي التي أُختها هندٌ أختهُ زيدًا" وإن أدخلت "ظننتُ" قلت: "ظننتُ الذي التي أُختها هندٌ أخته زيدًا" فنصبت "الذي وزيدًا" وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعًا, فإن أدخلت في هذه المسائل "الذي" ثالثة فالقياس واحد, تقول: "اللذان الذي التي أُخته أُختها أخُتهما [هندٌ]2 زيدٌ أخواكَ"3 لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات4. فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأٌ فتجعل اللذين ابتداءً, والذي ابتداءً ثانيًا, والتي ابتداءً ثالثًا, وتجعل أُخته أُختها صلة "للتي" والهاء في "أُختهِ" ترجع إلى "الذي" وها في "أُختها صلة للتي" والهاء في "أُختِه" ترجع إلى "الذي" وها في "أُختها" ترجع إلى "التي" وأُختهما خبر للتي وهي مضافةٌ إلى ضمير "اللذين" وهي وصلتها وخبرها صلة "للذي" وزيدٌ خبر الذي, والذي وصلته وخبره صلة للذين, وأخواك خبر "اللذين" وتعتبر هذا بأن تجعل موضع "التي" مع صلتها اسمًا مؤنثًا مضافًا إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك: "أُختهُ" فتقول: "اللذانِ الذي أمهُ أختهما زيدٌ أخواكَ" فتجعل موضع "الذي" بتمامه صاحبهما فتقول: "اللذان صاحبهُما زيدٌ أخواكَ" فالكلام وإن طال فإلى هذا يرجع, فنعتبره إذا طال بهذا الامتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب. وتقول: "اللذان الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوه أخواكَ" تجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانيًا و"أخوهُ زيدٌ" صلة الذي, و"أخوهما" ابتداءً و"أبوهُ" خبرهُ, وهما جميعًا خبر "الذي" والضمير الذي في "أخيهما" راجع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: المقتضب 3/ 132.
2
زيادة من "ب".
3
وخبره، ساقط من "ب".
4
الموصولات، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -321- إلى "اللذينِ" والضمير الذي في قولك: "أبوه" راجع إلى الذي, والكلام الذي بعد "اللذين" إلى قولك: "أبوهُ" صلة للذينِ, وأخواكَ خبرٌ عنهما, ولو أدخلت على هذا "كانَ" أو ظننتُ وما أشبههما من العوامل, كان الكلام على حاله كله1 ما خلا "اللذين وأخويكَ" فإنهما يتغيرانِ وذلك قولك: "ظننت اللذينِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ أخَويك" فلو أخبرت عن اللذينِ لقلت: "الظانّهما أنا أخويكَ اللذانِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ". قال المازني2: فإن3 أخبرت عن زيد جازَ فقلت: "الظانُّ أنَا اللذين الذي أخوهُ هو أَخوهما أَبوهُ أخويك زيدٌ" جعلت "الظانَّ" ابتداءً وأوقعته على "اللذين والأخوينِ" وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك: هو راجعًا إلى "الظانِّ" فلذلك صح الكلام, قال: ولو أخبرت عن "غير زيدٍ" مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير "زيدٍ" كلها مضافات إلى مضمراتٍ4، فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميرًا فلا يقومُ مقامَ الراجع الذي كان شيءٌ, ولو أخبرت عن "الذي" لقلت: الظانُّ أنا اللذينِ هو أَخوهما أبوه أَخويكَ الذي أخوهُ زيدٌ. [وقال أبو بكر]5: وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ, والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته, قال: لو قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُختهُ زيدٌ"6 جاز [أن]7 تجعل "الذي" مبتدأً "والتي" مبتدأ أيضًا "واللذين" مبتدأين والتي مبتدأ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" كله على حاله.
2
انظر المقتضب 3/ 128-129.
3
في "ب" وإن.
4
مضمرات، ساقط في "ب".
5
زيادة من "ب".
6
انظر: المقتضب 3/ 132.
7
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -322- وتجعل "أبوها" مبتدأً وهو مضاف إلى ضمير "التي" الثانية وأبوهما خبر "أبيها" وهو مضاف إلى ضمير "اللذينِ" وأُختها خبر "التي" الثانية وهو مضاف إلى ضمير "التي" الأولى, وهذا كله صلة للذينِ, وأخواك خبر اللذينِ وهذا كله صلة للتي الأولى, يعني اللذينِ وصلتهما وخبرهما "وأُختهُ" خبر عن "التي" وهي وصلتُها وخبرها صلة "للذي" وزيدٌ خبر عن "الذي". قال أبو بكر: ويعتبر هذا بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسمًا حتى تردَّ الجميع إلى واحد, فإذا قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُختهُ زيدٌ" عمدت إلى "التي" الثانية وصلتها أبوها أبَوهما, فأَقمتَ مقامهما "أمهما" فصار الكلام: الذي التي اللذان أُمهما أختها أخواكَ أختهُ زيدٌ, ثم تقيم مقام "اللذين" وصلتهما اسمًا فتقول: الذي التي صاحباها أَخواكَ أختهُ زيدٌ, ثم تقيم مقام "التي" مع صلتها "هندٌ" فيصير الكلام: "الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ" فإلى1 هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل وإن طالت. وإذا قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُخته زيدٌ" فأردت الإِخبار عن "الذي" قلت: "الذي هو زيدٌ الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُخته" لأن هذا كله صلة "للذي" الذي أخبرت عنه, وإن أخبرت عن شيءٍ في الصلة وكان مضافًا إلى ضمير لم يجز, وإن كان غير مضاف فالإِخبار عنه جائزٌ نحو الأخوين وزيدٍ فالإِخبار عن هذا كله جائز, وتقول: "الذي إنَّهُ زيدٌ الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ" تجعل "الذي" مبتدأ وتعمل "إنَّ" في ضميره وتجعل "زيدًا" خبرًا "لأن" وتجعل "إن" وما عملت فيه صلة "للذي" وتجعل "الذي" الثاني خبرًا للذي الأول وتجعل "إنَّ أباهُ منطلقٌ" صلة للذي الثاني. قال المازني: وإنما جاز أن تجعل في صلة "الذي" إنَّ؛ لأنهُ2 قد جاء في القرآن: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ}3 كأنهُ قال, والله أعلم: الذي إنَّ "مفاتحهُ" لأن "ما" إذا كانت بمنزلة "الذي" كانت صلتها كصلة الذي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وإلى.
2
في "ب" أنه.
3
القصص: 76، وانظر الكتاب 1/ 473, والمقتضب 3/ 194.



ج / 2 ص -323- باب أخوات الذي:
وهي "ما ومن وأي" مضافات ومفردات, يكُنَّ استفهامًا وجزاءً وخبرًا بمنزلة "الذي" فإذا كن استفهامًا أو جزاءً لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو: "من أبوك؟" وما مالك؟ وأي أبوك؟ والجزاء نحو: "من يأتنا نأته" وأي يذهب تذهب معه, وأيا تأكل آكل, وقد يكن بمنزلة "الذي" فإذا كن كذلك وصلن1 بما وصل به "الذي" بالابتداء والخبر وبالظروف وبالفعل, وما يعمل فيه نحو: "اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق" وكل ما أكل زيد, تريد: "ما أكله زيد" وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة "الذي" لطول الاسم, وقد توصل "أي" بالابتداء والخبر, وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتى بالخبر, فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها, كقولك: اضرب أيهم أفضل, واضرب أيهم قائم, ومثل ذلك قراءة الناس: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}2 لأنك لو وضعت "الذي" ههنا كان قبيحًا, إنما تقول: "الذي هو قائم" فإن قلت: "الذي قائم" كان قبيحًا, فإن قلت: اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك, نصبت لأنك لو وضعت "الذي" ههنا كان حسنًا وزعموا أن من العرب من يقول: "اضرب أيهم أفضل" على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وصلت.
2
مريم: 69.



ج / 2 ص -324- القياس وقد قرأ بعض1 أهل الكوفة2: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، وإنما حذف المبتدأ من صلة "أي" مضافة لكثرة استعمالهم إياها, فإذا كانت مفردة لزمها الإِعراب فقلت: "اضرب أيًّا أفضل" ولا تثني ههنا, وإن كانت "الذي" تقبح ههنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس. قال أبو بكر: هذا مذهب أصحابنا3 وأنا أستبعد بناء "أي" مضافة, وكانت مفردة أحق بالبناء، ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية4، كأنه إذا قال: "اضرب أيهم أفضل" فكأنه قال: اضرب رجلًا إذا قيل: "أيهم أفضل" قيل: هو. والمحذوفات في كلامهم كثيرة والاختصار في كلام الفصحاء كثير5 موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون, وهذا الذي اختاره مذهب الخليل. قال سيبويه: زعم الخليل أن "أيهم" إنما وقع في قولهم: اضرب أيهم على أنه حكاية, كأنه قال: "اضرب الذي يقال له: أيُّهم أفضل"6.
وشبهه بقول الأخطل:

ولَقَدْ أَبِيتُ مِنَ الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ فَأَبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ7


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بعض، ساقط من "ب".
2
انظر الكتاب 1/ 397.
3
أي: البصريين، انظر الكتاب 1/ 397.
4
ذكر سيبويه 1/ 398 أن الخليل زعم أن "أيهم" وقع في: اضرب أيهم أفضل على أنه حكاية, كأنه قال: اضرب الذي يقال له: أيهم أفضل, يعني: أن من رفعها من العرب إذا حذف المبتدأ من صلتها فهو يعرب أيًّا مطلقًا، وإن أضيفت وحذف صدر صلتها وجعل "أيا" استفهامية محكية بقول مقدر. أما يونس فيجعلها استفهامية أيضًا لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها عن العمل؛ لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب, وكذلك يراها مبنية لا معربة.
وقد نقل ابن الشجري 2/ 297-298 ما ذكره ابن السراج بشأن "أي".
5
في "ب" منهم.
6
انظر الكتاب 1/ 397-398.
7
من شواهد الكتاب 1/ 259، على رفع "حرج" و"محروم" وكان وجه الكلام نصبهما على الحال والخبر، ووجه رفعهما عند الخليل على الحكاية، والمعنى: فأبيت كالذي يقال له: لا حرج ولا محروم.
وانظر: شرح الرماني 2/ 109, وشرح السيرافي 2/ 197, والحماسة/ 80، والمخصص 8/ 69, واللسان مادة "حرج", والخزانة 2/ 553، وابن يعيش 2/ 67، والديوان/ 84, وروايته:

ولقد أكون من الفتاة بمنزل ..........................



ج / 2 ص -325- وأما يونس فزعم: أنه بمنزلة قولك: "أشهد أنه لعبد الله" واضرب "معلقة"1 يعني "بمعلقةٍ" أنها لا تعمل شيئًا2، والبناء مذهب سيبويه3 والمازني4 وغيرهما من أصحابنا, ومن العرب من يعمل "منْ" وما نكرتين، فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة, قالوا: اضرب من طالحًا, أو امرر بمن صالح, قال الشاعر:

يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا رُحْنَ عَلَى بَغْضائِه واغْتَدَيْن5

وقال الآخر:

رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَال6

فجعلها نكرة وأدخل عليها "رُبَّ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 398، والإنصاف/ 379.
2
شيئًا، ساقطة في "ب".
3
انظر الكتاب 1/ 397.
4
ذكر ابن الشجري في أماليه 2/ 397 أن المازني يرى أن "أيا" مبنية؛ لأن التقدير عنده: الذي هو أشد على الرحمن عتيا، أو الذين هم أشد, فالضمة على قوله ضمة بناء, لا ضمة إعراب.
5
من شواهد الكتاب 1/ 270، على إدخال "رب" على "من" والاستدلال على تنكيرها؛ لأن رب لا تعمل إلا في نكرة, ويبغض في موضع الوصف "لمن".
والمعنى: إنهم محسودون لشرفهم وكثرة مالهم، والحاسد لا ينال منهم أكثر من إظهار البغضاء لهم؛ لعزهم ومنعتهم.
والشاهد لعمرو بن قميئة.
وانظر: المقتضب 1/ 41، وأمالي ابن الشجري 2/ 311, وابن يعيش 4/ 11، وشرح الرماني 2/ 122، والوحشيات/ 9، ومعجم الشعراء/ 214.
6
مر تفسيره صفحة 141 من هذا الجزء.



ج / 2 ص -326- واعلم: أنه يجوز أن تقول: لأضربن أيهم في الدار, وسأضرب أيهم في الدار, ولا يجوز: "ضربت أيهم في الدار" وهذه المسألة سُئِلَ عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي, فطُولب بالفرق فقال: "أي" كذا خلقت1. قال أبو بكر: والجواب عندي [في ذلك]2 أن "أيا" بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول, فإذا كان الفعل ماضيًا فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له "أيّ" والمستقبل ليس كذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر حاشية الصبان 1/ 312.
2
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -327- باب الاستفهام إذا أردت الإِخبار عنه:
إذا قلت: "أيهم كان أخاك" فأردت الإِخبار عن الأخ, قلت: أيهم الذي هو كانه أخوك, وإن شئت "كان إيّاه" كما ذكر في مفعول "كان" المضمر فيما مضى, وذلك أن اسم "أي" كان مضمرًا في "كان" ولم يستقم أن تجعل "الذي" قبل "أي" لأنه استفهام, فجعلت "هو الذي" هو1 ضمير أي تقوم مقامه فصار "أي" ابتداء في "كان", وأخوك خبر "الذي" والذي وخبره خبر أي, وتقديره تقدير: زيد الذي أبوه ضربه عمرو؛ تجعل "الذي" لعمرو والأب هو الفاعل, فإن أخبرت عن "أي" في هذه المسألة قلت: "أيهم الذي هو ضرب أخاك" تجعل2 "أيهم" خبرًا مقدمًا وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل: "الذي هو ضرب أخاك أيُّهم" ثم قدمته؛ لأنه بمنزلة: زيد ضرب أخاك, فالإِخبار عن "زيد" الذي هو ضرب أخاك زيد, فإذا قدمت زيدًا وأدخلت عليه ألف الاستفهام قلت: "أزيد الذي هو ضرب أخاك" فهذا نظير "أيهم" فإن قلت: "أيهم ضرب أخوك؟" فجعلت "أي" مفعولًا فأردت الإِخبار عن "أي" قلت: أيهم الذي إياهُ ضربت أخوك, والتقدير: "الذي إياه ضرب أخوك أيهم" إلا أنك قدمت "أي" وهي3 خبر الابتداء لأنها استفهام،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هو، ساقط في "ب".
2
في "ب" فجعل.
3
في "ب" هو.



ج / 2 ص -328- ويسهل هذه المسائل أن تجعل "بعضهم" موضع "أيهم" ونعتبره، وإن قلت: "أيهم زيد" فجعلتها ابتداء وزيد الخبر فأخبرت عن "أي" قلت: "أيهم الذي هو زيد" وتقديرها: "الذي هو زيد أيهم" كأنك قلت: "الذي هو زيد بعضهم" ثم قدمت لأنه استفهام, وإن أخبرت على هذه الشريطة عن "زيد" قلت: أيهم الذي هو هو زيد، وتقديره: الذي أيهم هو "زيد" فجعلت "هو" الأولى1 ضمير "أي" يقوم مقامها إذ لم يجز أن تزيل "أي" عن أول الكلام، فهذا إخبار على المعنى، فأما "أي" فلا يجوز أن تكون صلة. وإن2 قلت: "أيهم كان أبوه منطلقًا" فأخبرت عن "أي" قلت: "أيهم الذي هو كان أبوه منطلقًا" قدمت "أيًّا" وهي الخبر، وتقديرها: "الذي هو كان أبوه منطلقًا أيهم" كأنك قلت: بعضهم ولكنك قدمت لأنه استفهام، وإن أخبرت عن "أبيه" لم يجز من أجل الضمير، وإن أخبرت عن "منطلق" قلت: "أيهم الذي هو كان أبوه إياه منطلق" وتقديرها: "الذي أيهم كان أبوه إياه منطلق" كأنك قلت: الذي بعضهم، فقدمت "أيا" لما ذكرت لك وجعلت "هو" يقوم مقامه؛ لأنك لو قلت: "زيد كان أبوه منطلقًا" ثم أخبرت عن "منطلق" لقلت: الذي زيد أبوه إياه منطلق" ويسهل عليك هذا الباب أن تضع أبدًا "بعضهم" موضع "أيهم" فتنظر ما يجب أن تفعله في "بعضهم" فتفعله في "أيهم" فإذا قلت: "أيهم زيد" فكأنك قلت: "أبعضهم زيد" فإن أردت أن تخبر عن "بعضهم" والألف معه لم يجز إلا أن تقدمه فتقول: "أبعضهم الذي هو زيد" والتقدير: "الذي هو زيد بعضهم" ثم قدمت "بعضهم" وأدخلت عليها ألف الاستفهام، وكذلك إذا أردت أن تخبر عن "زيد" في هذه المسألة، فإنك قلت: "أبعضهم زيد" فإذا احتجت إلى أن تخبر عن "زيد" احتجت إلى أن تضمره وتحتاج أن تضمر "بعضهم" فتقول: "أبعضهم الذي هو هو زيد" كأنك قلت: "الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الأول.
2
في "ب" فإن.



ج / 2 ص -329- بعضهم هو زيد" ولكنك قدمت للاستفهام1، "فبعض" يجوز فيها التقديم والتأخير وأن تقع صلةً وغير صلةٍ وخبرًا, وأيهم إذا كانت استفهامًا لا يجوز أن تكون إلا صدرًا كسائر حروف الاستفهام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الاستفهام.



ج / 2 ص -330- باب من الألف واللام يكون فيه المجاز:
تقول في قولك: "ضربنا الذي ضربني" إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلًا ضربك, فأردت أن تجعل اسميكما1 الخبر قلت: "الضاربان الذي ضربني نحن"2، وتصحيح المسألة: "الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن" وإنما جاز أن تقول: "الذي ضربني" على المجاز وإنه في المعنى واحد, ألا ترى أنك لا تقول: "الضارب الذي ضربني أنا" إلا على المجاز, وتصحيح المسألة: "الضارب الذي ضربه أنا" لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا, على قصد الإِبهام كأنه قال: "من ضرب الذي ضربك", فأجبته بحسب سؤاله فقلت: "الضارب الذي ضربني أنا" كما تقول: "الضارب غلامي أنا" والأحسن: "الضارب غلامه أنا" لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره, والأحسن3 أن تضيفه إلى ضميره, فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك: "ضربنا الذي ضربني" قلت: "الضاربه نحن الذي ضربني" هذا المجاز, وتصحيح المسألة: الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "اسماكما".
2
ما بين القوسين، ساقط من "ب".
3
في "ب" فالأحسن.



ج / 2 ص -331- باب مسائل [من]1 الألف واللام:
تقول: هذا ثالث ثلاثة قلت: الذين هذا ثالثهم ثلاثة, فإن قيل لك في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر: أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر, لم يجز أن تقول: الذين هذا حاديهم أحد عشر, ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر, كما قلت: الذين هذا ثالثهم ثلاثة؛ لأن أصل "حادي" أحد عشر وثالث ثلاثة عشر, حادي عشر أحد عشر, وثالث عشر ثلاثة عشر, هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين, فلما ذهب لفظ "أحد عشر" وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله. ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك: حادي أحد عشر2 وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول: حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم, وأنت تريد ثلث ثلاثة3، ولو أردت إدخال الألف واللام فقلت: الحادي عشر هم أنا أو4،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في سيبويه 2/ 172: ومن قال: خامس خمسة، قال: خامس خمسة عشر, وحادي أحد عشر، وكان القياس أن يقول: حادي عشر أحد عشر؛ لأن حادي عشر وخامس عشر بمنزلة: خامس وسادس، ولكنه يعني: حادي ضم إلى عشر بمنزلة "حضرموت". وانظر الإنصاف/ 199.
3
في "ب" بثالهم، ولا معنى لها.
4
في "ب" والثاني.



ج / 2 ص -332- الثاني الثاني عشرهم أنا, لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين؛ لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل لأنه اشتقّ من شيئين, وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس, ولولا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس, وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل, وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة. قال الأخفش: ألا ترى أن العرب لا تقول: هذا خامس خمسة عددًا ولا ثاني اثنين عددًا, وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام؛ لأن ذلك بناء يكون في الأفعال وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى, قال: ولكنه في القياس جائز أن تقول: الثاني اثنين أنا, والثانيهما أنا اثنان, ليس بكلام حسن, وإذا قلت: هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه؛ لأنك تريد: هذا الذي جعل اثنين ثلاثة, والذي جعل ثلاثةً أربعةً, ومع ذلك فهو ضعيفٌ؛ لأنه ليس1 له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد, وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق "ضارب"2 من الضرب ومن ضرب، فإذا3 قلت: هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة, فأخبرت عن ثلاثة, قلت: الذين هذا رابعهم ثلاثةٌ، وبالألف واللام: الرابعهم هذا ثلاثة وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة؛ لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال, ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به, فثالث ورابع, مشبه4 بفاعل وليس به, وتقول: مررت بالضاربين أجمعون زيدًا, فتؤكد المضمرين في "الضاربين" لأن المعنى: "الذين ضربوا أجمعون زيدًا" ولو قلت: مررت بالضاربينَ أجمعين زيدًا, لم يجز لأن الصلة ما تمت, ولا يجوز أن تؤكد "الذين" قبل أن يتم بالصلة, ألا ترى أنك لو قلت: "مررت بالذين أجمعين في الدار" لم يجز لأنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ليس، ساقط من "ب".
2
انظر: المقتضب 2/ 183.
3
في "ب" إذا.
4
في "ب" يشبه.



ج / 2 ص -333- وصفت الاسم قبل أن يتم. وتقول: "زيد الذي كان أبواه راغبين فيه" فزيد: مبتدأٌ و"الذي" خبره, ولا بد من أن يرجع إليه ضمير, أما الهاء في "أبويه"1 وأما الهاء في "فيه" لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى "الذي" والآخر إلى "زيد" فكأنك قلت: "زيد الرجل الذي من2 قصته كذا وكذا" فإن جعلت "الذي" صفة لزيد, احتجت إلى خبر فقلت: زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق, فكأنك3 قلت: "زيد الظريف منطلق" فإن جعلت موضع زيد "الذي" فلا بد من صلة, ولا يجوز أن تكون "الذي" الثانية صفة؛ لأن "الذي" لا يوصف حتى يتم بصلته, فإذا قلت: الذي الذي كان أبواه راغبين فيه, فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم, فإذا4 جئت بخبر تمت صلة الأولى "بالذي الثانية" وخبرها, فصار جميعه يقوم مقام قولك: زيد فقط واحتجت إلى خبر, فإن قلت: أخوك تم الكلام فقلت: الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك, كأنك قلت: "الذي أبوه منطلق أخوكَ" فإن جعلت موضع "منطلق" مبتدأ وخبرًا لأن كل مبتدأ يجوز5 أن تجعل خبره مبتدأ وخبرًا, قلت: "الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ أخوك"6. فكأنك قلت: "الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك" فإن جعلت موضع "أخوك" مبتدأ وخبرًا قلت: الذي7 الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه، فالذي الثانية صلتها: "كان أبواه راغبين فيه" وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته, وجاريته ومنطلقة جميعًا خبر الذي الثانية, والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أبويه، ساقط من "ب".
2
في "ب" في.
3
في "ب" كأنك.
4
في "ب" وإذا.
5
في "ب" فيجوز.
6
في "ب" أخواك.
7
الذي، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -334- للذي الأولى, فقد تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ, وعمرو مبتدأ ثانٍ, وأخوه خبر عمرو, وعمرو وأخوه جميعًا خبر الذي الأولى, فإن جعلت "من" موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما, تقول: مَنْ مَنْ كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه, فإن أدخلت "كان" على "من" الثانية قلت: "من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه" لا فرق بينهما في اللفظ, إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب, ألا ترى أنك لو جعلت خبر "من" الثانية اسمًا مفردًا كمنطلق لقلت: "من من كان أبواه راغبين فيه منطلقًا عمرو أخوه" فإن أدخلت على "من" الأولى "ليس" فاللفظ كما كان في هذه المسألة, إلا أن موضع قولك: "عمرو أخوه" نصب؛ لأن "من" بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر, فكأنك قلت: "ليس زيد عمرو أخوه". وقال الأخفش: "إذا قلت الضاربهما أنا رجلان" جاز ولا يجوز: الثانيهما أنا اثنانِ؛ لأنك إذا قلت: "الضاربهما" لم يعلم أرجلانِ1، أم امرأتان فقلت: رجلان أو امرأتان، وإذا قلت: الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين، فكان2 هذا الكلام فضلًا أن تقول: الثانيهما أنا اثنانِ, قال: ولو قالت3 المرأة: الثانيتهما أنا اثنان, كان كاملًا لأنها قد تقول4: الثانيتهما أنا اثنتان، إذا كانت هي وامرأة قال: فإن قلت: الضاربتهن أنا إماء اللّهِ, والضاربهن أنا إماء الله, وقد علم إذا قلت: الضاربهن أنهن من المؤنث قلت: أجل, ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا, ولو قالت المرأة: "الثالثتهن أنا ثلاث" كان رديئًا؛ لأنه قد علم إذا قالت: الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث, وكذلك إذا قالت: الرابعتهن أنا أربع, يكون رديئًا لأنه قد علم. فإذا5 قلت: رأيت الذي قاما إليه, فهو غير جائز؛ لأن قولك:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الهمزة، ساقطة من "ب".
2
في "ب" وكان.
3
في "ب" قلت.
4
لأنها قد تقول, ساقط من "ب".
5
في "ب" وإذا.



ج / 2 ص -335- الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له, وتصحيح المسألة: رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك, فترجع الألف في "قاما" إلى "اللذين" والهاء في "إليه" إلى "الذي" وأخوك خبر "الذي" فتمت صلة اللذين وصح الكلام, ولو قلت: "ظننت الذي التي تكرمه يضربها" لم يجز, وإن تمت الصلة لأن "التي" ابتداء ثانٍ, وتكرمه صلة لها, وتضربها خبر "التي" وجميع ذلك صلة "الذي" فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول "لظننت" وتحتاج "ظننت" إلى مفعولين, فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولًا ثانيًا, فتقول: "ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك" وما أشبه [ذلك]1 وتقول: "ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمهُ عبد الله" فاللذان ارتفعا "بضرب" والقائمان إلى "زيد" مبتدأ, وأخواهما خبرهما, وجميع ذلك صلة اللذين, فقد تمت صلة "اللذينِ" والذي مفعول, والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره, وجميع ذلك صلة "الذي" وقد تم بصلته, وإن جعلت "الذي" الفاعل نصبت "اللذينِ" وتقول: رأيت الراكبَ الشاتمهُ فرسكَ, والتقدير: رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتَمهُ فرسكَ2، وتقول: "مررت بالدار الهادمها المصلح داره عبد الله" فقولك: "الهادمها" في معنى "التي3 هدمها الرجل الذي أصلح دارَهُ عبدُ الله" وتقول: "رأيت الحاملَ المطعمَةُ طعامَك4 غلامُكَ" [أردت: رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك]5 وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام "الذي" مع صلته اسمًا مفردًا وموضع "الذي" صفة مفردة لتتبين صحة المسألة, وتقدير هذه المسألة: رأيت الحاملَ الرجلَ الظريفَ, وتقول: "جاءني القائم إليه الشارب ماءهُ الساكن داره الضارب أخاه زيد" فالقائم إليه اسم واحد, وهذا كله في صلته, والشارب ارتفع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
معناها: رأيت الرجل الذي شتمه الرجل الذي ركب فرسك.
3
في "ب" الذي.
4
في "ب" غلامك طعامك.
5
ما بين القوسين، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -336- بقائم والساكن ارتفع "بشارب" والضارب ارتفع "بساكن" وزيد "بضارب" وتقول: "الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا أكرم الآكل طعامَهُ غلامَهُ" تريد: "أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامَهُ الضاربُ الشاتم المكرم المعطيهُ درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا"1 كأنك قلت: أكرم زيد الضارب الرجل سوطًا.
واعلم: أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته, ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا, فمن قولك "الضارب" إلى أن تفرغ من قولك سوطًا اسم واحد, فيجوز أن تبدل2 من القائم بشرًا ومن المعطي بكرًا ومن المكرم عمرًا ومن الشاتم خالدًا, ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول: "عبد الله" فتصير المسألة حينئذ: الضاربُ الشاتمُ المكرمُ المعطيهُ درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا بشر بكرًا عمرًا خالدًا عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه3، وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته؛ لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من "المعطيه" قبل البدل من "القائم" لأنك إذا4 فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من "القائم" في صلة المعطي, والبدل من المعطي في صلة المكرم, فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإِبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله, فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول؛ لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه, ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات؛ لأنها كلها في صلة الضارب, ولو فعلت ذلك كنت قد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" سوطان.
2
فيجوز أن تبدل، ساقط من "ب".
3
انظر: المقتضب 4/ 59، مثل هذا الذي ذكره ابن السراج تحت عنوان: مسائل يمتحن بها المتعلمون.
4
في "ب" إذ لو.



ج / 2 ص -337- أبدلت منه قبل أن يتم. فإن أبدلت من الفاعل وهو "الآكل" فلك ذاك, فتقول: الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا أكرم الآكل طعامَهُ غلامهُ جعفر, وتقول: الذي ضربني إياه ضربت, فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت, والهاء في "إياه" ترجع إلى الذي, وإنما جاء الضمير منفصلًا لأنك قدمته [وتقول: بالذي مررت بأخيه مررت, تريد: مررت بأخيه]1 إذا قلت: "الذي كان أخاه زيد" إن أردت النسب, لم يجز لأن النسب لازم في كل الأوقات, وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز أن تكون الهاء ضمير رجل مذكور, وتقول: الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته, وداره مبتدأ ثان, ودارك خبرها وهما جميعًا خبر "الذي" وتقول: "الذي ضربت زيد أخوك" فالذي مبتدأ و"ضربت" صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد, وتقول: الذي ضربت زيدًا شتمت تريد: "شتمت الذي ضربته زيدًا" فتجعل زيدًا بدلًا من الهاء المحذوفة2, وتقول: "الذي إياه ظننت زيد" "الذي ظننته زيدًا" وتجعل إياه لشيء مذكور, ولا يجوز أن تقول: "الذي إياه ظننت زيد" إن جعلت "إياه" للذي؛ لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد, فإن قلت: المفعول الثاني الهاء محذوفة3 من "ظننت" فلا يجوز في هذا الموضع أن تحذف الهاء؛ لأنها ليست براجعة إلى الذي, وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي, وإنما تحذف الهاء من صلة "الذي" متى كانت ترجع إلى "الذي" وكذاك: "الذي أخاه ظننت زيد" وإن أضمرت هاء في "ظننت" ترجع إلى الذي جاز وإن جعلت الهاء في "أخيه" ترجع إلى "الذي" لم يجز أن تحذف الهاء من "ظننت" لأنها حينئذ لمذكور غير الذي, وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير "الذي" لأنها [حينئذ]4 لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الاسم كما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" المحذوفة.
4
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -338- حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا: اشهباب لطول الاسم1. فأما إذا كانت الهاء ضميرًا لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك ألبتة, فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه, وتقول: "الذي ضارب أخوك" تريد: الذي هو ضارب أخوك, فتحذف هو وإثباتها أحسن "فهو" مبتدأ وضارب خبره, وهما جميعًا صلة "الذي" وهو يرجع إلى "الذي". وتقول: الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك؛ نسقت بعبد الله على "هو" فتقول في هذه المسألة على قول من حذف: "هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك" عطفت "عبد الله" على "هو" المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه2، وإنما استقبحته لأن المحذوف ليس كالموجود وإن كنا ننويه, ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية, فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسمًا واحدًا لا ثاني له, ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك, وذلك قولك: "قمت وزيد" يستقبحونه حتى يقولوا: [قم]3 أنت وزيد، فَاذْهَبْ4 أَنْتَ وَرَبُّكَ}5؛ لأنه لو قال: "اذهب وربكَ" كان في السمع العطف على الفعل, وإن كان المعنى غير ذلك, وهو يجوز على قبحه وتقول: "الذي هو وعبد الله ضَرباني أخوكَ" فإن حذفت "هو" من هذه المسألة لم يجز, لا تقول: "الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ" فتضمر "هو" لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسمًا, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "الذي هو ضربني زيد" لم يجز أن تحذف "هو" وأنت تريده فتقول: "الذي ضربني زيد" لأنَّ الذي قد وصلت بفعل وفاعل, والفاعلُ ضمير "الذي" ولا دليل في "ضربني" على أن هنا محذوفًا كما يكون في الأسماء, ألا ترى أنك إذا قلت: "الذي منطلقٌ زيد" فقد دلك ارتفاع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 3/ 122.
2
انظر معاني القرآن 1/ 132.
3
زيادة من "ب".
4
في الأصل "واذهب" والآية {فَاذْهَبْ}.
5
المائدة: 24, وانظر المقتضب 3/ 210, والكتاب 1/ 390.



ج / 2 ص -339- "منطلقٍ" على أن ثم محذوفًا قد ارتفع به, ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه, فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك: "الذي1 وعبد الله ضرباني أخوكَ" وجاز في قولك: "الذي وعبد الله ضاربانِ لي أخوكَ" فهذا فرق ما بين المسألتين, ولا يجوز أيضًا: "الذي وعبد اللّهِ خلفكَ زيد" تريد: "الذي هو"2 فإن أظهرت "هو" جاز, والفراء يجيز: الذي نفسه محسن أخوكَ، تريد: الذي هو نفسهُ محسن أخوكَ, يؤكد المضمر وكذاك: "الذين أجمعون محسنون إخوتك"3 تريد: "الذين هم أجمعونَ" فيؤكد المضمر, قال: ومحال: "الذي نفسهُ يقومُ زيد" وقام أيضًا, وكذلك في الصفة يعني الظرف, محال: الذي نفسه عندنا عبد اللّهِ, فإن أبرزته فجيد4 في هذا كله, ومن قال: "الذي ضربتُ عبد اللّهِ" لم يقل: "الذي كان ضربتُ عبد الله" وفي "كان" ذكر الذي؛ لأن الضمير الراجع إلى الذي في "كان" فليس لك أن تحذفه من "ضربت"5 لأن الهاء إذا جاءت بعد ضميرٍ يرجع إلى "الذي" لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي, فإن جعلت في "كان" مجهولًا جاز أن تضمر الهاء؛ لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة "ككان" تقول: "الذي ليس أضربُ عبد اللّهِ" وفي "ليس" مجهول, فإن كان فيه ذكر "الذي" لم يجز6، فإن ذهبت "بليس" مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى "الذي" فإذا قلت: "الذي ما ضربتُ عبد اللّهِ" الهاء المضمرة ترجع إلى "الذي" فإن قلت: "الذي ما هو أكرمتُ زيد" في قول من جعل "هو" مجهولًا جاز؛ لأن الإِضمار يرجع إلى "الذي" وتقول: "الذي كنت أكرمتُ عبد الله" تريد: أكرمتهُ, وتقول: "الذي أكرمتُ ورجلًا صالحًا عبد الله"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" لم يجز الذي في قولك.
2
هو ساقط في "ب".
3
أجمعون محسنون إخوتك، ساقط من "ب".
4
في "ب" وإن أردت هو.
5
في "ب" ضربته.
6
من لم يجز إلى ما يعادل صفحة، ساقط في "ب".



ج / 2 ص -340- تريد: أكرمته، وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها، وتقول: "الذي محسنًا ظننتُ أخوكَ" تريد: ظننتهُ, ومحسنًا مفعول ثان, فإذا قلت: "الذي محسنًا ظننتُ وعبد الله أخوك" قلت: محسنينِ؛ لأنك تريد: الذي ظننتهُ وعبد الله محسنينِ. وأجاز الفراء: "ما خلا أخاهُ سارَ الناسُ عبد اللّهِ" تريد: الذي سارَ الناسُ ما خلا أخاهُ عبد اللّه, ويقول: الذي قيامًا ليقومن عبد الله، تريد: "الذي ليقومن قيامًا عبد الله" وكذلك: "الذي عبد الله ليضربن محمدٌ". ورد بعض أهل النحو "الذي ليقومن1 زيدٌ" فيما حكى الفراء, وقال: فاحتججنا عليه بقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}2 وإذا قلت: "الذي ظنَّكَ زيدًا منطلقًا عبد الله" فهو خطأ؛ لأنه لم يعد على الذي ذكره, وإذا قلت: "الذي ظنكَ زيدًا إياهُ عبد الله" فهو خطأ أيضًا؛ لأنه لا خبر3 للظن وهو مبتدأ, فإن قلت: "الذي ظنكَ زيدًا إياهُ صواب عبد الله" جاز لأن الذكر قد عاد على "الذي" وقد جاء الظن بخبر, ولا يجوز أن تقول: "الذي مررتُ زيدٌ" تريد: "مررت به زيدٌ" كما بينت فيما تقدم. ويجوز: "الذي مررت مَمر حسنٌ" لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و"الذي" هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول: "الذي مررتهُ ممر حسنٌ" وقال الفراء: لا إضمار هنا لأنه مصدر, كأنك قلت: "ممركَ مَمر حَسنٌ" واحتج بقول الله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}4 وقال: لا إضمار هنا لأنه في مذهب المصدر, وكذاك: {مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}5 لم يعد على "ما" ذكر؛ لأنه في مذهب المصدر، قال أبو بكر: أما قوله في "ما" ففيها خلاف من النحويين, من يقول: إنها وما بعدها قد يكونان بمعنى المصدر6،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر معاني القرآن 1/ 276.
2
النساء: 72.
3
في الأصل "لا خير" بالياء.
4
الحجر: 94, وانظر معاني القرآن 2/ 93.
5
الليل: 3.
6
انظر: المقتضب 3/ 197.



ج / 2 ص -341- ومنهم من يقول: إنها إذا وقعت بمعنى1 المصدر فهي أيضًا التي تقومُ مقامَ "الذي" ولا أعلم أحدًا من البصريين يجيز أن تكون "الذي" بغير صلة, ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهرًا وإما محذوفًا, ولا أعرف لمن ادعى ذلك في "الذي" حجة قاطعة, وقوله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قد بينت ذلك: أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه2 يتعدى إلى المصدر بغير حرف جر, وتقول: "ما تضربُ أخويك عاقلين" تجعل "ما" وتضرب في تأويل المصدر, كأنك قلت: "ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقلين وإذْ كانا عاقلينِ" ولا يجوز أن تقدم "عاقلين" فتقول: "ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ" ولا يجوز أيضًا: ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ, وإنما استحال ذلك3 من قبل أن صلة "ما" لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض, ولا بين "ما" وبينها بشيءٍ ليس من الصلة. وتقول: الذي تضربُ أَخوينا "قبيحينِ" تريد: "إذا كانا قبيحينِ" فإن قلت: قبيحٌ, رفعت فقلت: "الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ".
واعلم: أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا "الذي" وحدها لأن "الذي" لها تصرف ليس هو لمنْ وما, ألا ترى أنك تقول: "رأيتُ الرجلَ الذي في الدار" ولا تقول: رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار, وأنت تريد الصفة وتقول: "رأيتُ الشيءَ الذي في الدار" ولا تقول: "رأيتُ الشيءَ ما في الدار" وأنت تريد الصفة, فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف, و"مَنْ وما" لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا, ويفرق بين الذي وبين "مَنْ" وما, أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ, وللواحد العلم وللجنس, وهي تقوم -في كل موضع- مقام الصفة و"مَنْ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" على معنى.
2
فإنه، ساقط في "ب".
3
ذلك، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -342- مخصوصة بما يعقل1 ولا تقع موقع الصفة, و"ما" مخصوصة بغير ما يعقل2 ولا يوصف بها. وقال الفراء: مَنْ نعت "مَنْ وما" على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب، قال: وإنما جاز في القياس؛ لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته, قال: وأما "ما ومن" فتؤكدان يقال: نظرتُ إلى ما عندكَ نفسه ومررت بمَن عندكَ نفسِه, قال أبو بكر: والتأكيد عندي جائزٌ كَما قال, وأما وصفهما فلا يجوز؛ لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين "الذي" وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات, وأما "أنْ" إذا وصلتها فلا يجوز وصفها؛ لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الاسم, وإنما تذكر "أن" إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى, أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمانٍ بعينه, فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى "أنْ" وتقول: "مَنْ أحمرُ أخوكَ" تريد: منْ هو أحمرُ أخوكَ, مَنْ حمراءُ جاريتُكَ, تريد: مَنْ هي حمراءُ جاريتُكَ, وليس لك أن تقول: "منْ أَحمر جاريتُكَ" فتذكر أحمر للفظ "مَنْ" لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضًا باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه, لا يجوز أن تقول: "مَنْ أحمر جاريتُكَ"3 ويجوز أن تقول: منْ محسنٌ جاريتُكَ؛ لأنك تقول: محسنٌ ومحسنةٌ, كما تقول: ضَربَ وضربتُ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 2/ 309: "من" هي للمسألة عن الأناسي ويكون بها الجزاء للأناسي وتكون بمنزلة الذي للأناسي. وانظر المقتضب 2/ 50 و3/ 63 و4/ 217.
2
في الكتاب 2/ 309 "ما" مثل "من" إلا أنها مبهمة تقع على كل شيء، أي لغير ذوي العقول. وانظر المقتضب 2/ 296.
3
يذهب ابن السراج هنا إلى منع الجمع بين الجملتين, وذلك إذا كان هذا الجمع بين الجملتين من الصفات المفصول بين مذكرها ومؤنثها بالتاء.
فإن كان من غيرها وكانت صفة المذكر والمؤنث ترجع إلى مادة واحدة وأدى الحمل إلى جعل صفة المذكر للمؤنث، وصفة المؤنث للمذكر لم يجزه الكسائي. وأجاز الفراء: من كانت حمراء جاريتك على معنى "من" كان حمراء جاريتك، الاسم على اللفظ والخبر على المعنى. انظر الارتشاف/ 140.



ج / 2 ص -343- فليس بين محسنٍ ومحسنةٍ في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث, وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حَسنٌ, تقول: منْ أحسَن جاريتُكَ ومن أحسنت جاريتكَ كلٌّ عربي فصيح ولست1 تحتاج أن تضمر "هو" ولا "هي" فإذا قلت: "محسنٌ جاريتُكَ" فكأنَّكَ قلت: "مَنْ هو محسنٌ جاريتُكَ, فأكدت تذكير "مَنْ" بهو, ثم يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت "هو" وهو مع الحذف أحسن, وتقول: "ضربتُ الذي ضربني زيدًا" إذا جعلته بدلًا من "الذي" فإن جعلته بدلًا من اسم الفاعل وهو المضمر في "ضربني" رفعته فقلت: ضربتُ الذي ضربني زيدٌ؛ لأن في "ضربني" اسمًا مرفوعًا تبدل زيدًا منه, وتقول: "ضربتُ وجه الذي ضَربَ وجهي أخيكَ" لأن الأخ بدل من "الذي" فإن أبدلتهُ من اسم الفاعل المضمر في "ضربَ" رفعته, ولا يجوز أن تنصب "الأخ" على البدل من الوجه؛ لأن الأخَ غير الوجه. وتقول: ضربتُ وجوهَ اللذينِ ضربا وجهي أخويكَ إذا جعلت أخويكَ بدلًا من "اللذينِ" فإن جعلتهما بدلًا من الألف التي في "ضربا" رفعت, وإنما قلت: ضربتُ وجوهَ "اللذينِ" لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة. قال الله جل ثناؤه2: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}3 وقال: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}4 وتقول: "ضربَ وجهي الذين ضربتُ وجوههم إخوتُكَ" ترفع الإخوة إذا جعلتهم بدلًا من "الذين" فإن جعلتهم بدلًا من الهاء والميم اللتين في وجوههم جررت. وتقول: "مررت باللذينِ مَرا بي أخويكَ" إذا كانا بدلًا من "اللذينِ" فإن5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: وليست.
2
في "ب" عز وجل.
3
المائدة: 38، والآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}.
4
التحريم: 4، وانظر معاني القرآن 1/ 307. وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنان في الإنسان: اليدان، والرجلان، والعينان, فلما جرى أكثره على هذا ذهب الواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية.
5
في "ب" وأن.



ج / 2 ص -344- كانا بدلًا من الألف في "مَرا" رفعت فقلت: "أخواكَ" لأن في "مَرا" اسمين مضمرين, ولو قلت: "ضربني اللذان ضربتُ الصالحانِ" وأكرمتُ, وأنت تريد أن تجعل: "وأكرمت" من الصلة لم يجز؛ لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها, وتقول: المدخولُ به السجنَ زيدٌ؛ لأن السجن قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء, فالمدخولُ به [السجنَ]1 ابتداء وزيد خبر الابتداء, وتقول: المدخل السجن زيد, على خبر الابتداء وأضمرت الاسم الذي يقوم مقامَ الفاعل في "المدخل" ويدلك على أن في "المدخل" إضمارًا أنك لو ثنيته لظهر، [فقلت]2 المدخلان, وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد, وإن شئت قلت: "المدخلهُ السجنَ زيدٌ" كأنك قلت: "الذي أَدخلهُ السجن زيد" ولك أن تقول: "الذي أُدخلَ السجن إياهُ زيد" لأن "أدخل" في الأصل يتعدى إلى مفعولين, فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولًا آخر, ولا بدّ من إظهار الهاء في "المدخله" وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم. وتقول: "أُدخلَ المدخلُ السجنَ الدارَ"3 لأن في "المدخل" ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل, والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة, والمدخلُ وصلته مرفوع4 بأدخل, والدار منصوبة بأدخل لأنه مفعول له5, كأنك قلت: أدخلَ زيد الدارَ, وتقول: "أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدارَ" قام المدخول به مقام الفاعل, ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء, ومن قال: "دخلَ بزيدٍ السجنُ" قال: أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدار. وتقول: "دُخلَ بالمدخلِ السجنَ الدار" والتأويل: "دخلَ بالذي أدخلَ السجنَ الدارُ" فإن ثنيت قلت: "باللذينِ أُدخلا السجنُ الدارَ" وتقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في الأصل "تقول" والتصحيح من "ب".
3
انظر: المقتضب 4/ 58.
4
في "ب" مرفوعًا، وهو خطأ.
5 "
له" ساقط من "ب".



ج / 2 ص -345- "جاريةُ منْ تضربْ نضربْ" تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت "مَنْ" بمعنى "الذي" كأنك قلت: "جارية الذي تضربه تضربُ" فإن جعلت "من" للجزاء قلت: "جاريةُ مَنْ تضربْ نضربْ" تجزم الفعلين, وتنصب الجارية بالفعل الأول؛ لأن الثاني جواب فإن جعلت "من" استفهامًا قلت: "جاريةُ من تضربْ" جزمت "أضرب" لأنه جواب, كما تقول: "أتضربُ زيدًا أضربْ" أي: إنْ تفعل ذاك أفعل, وتقول: جارية من تضربها نضربْ, ترفع الجارية بالابتداء وشغلت الفعل بالهاء و"من" وحدها اسم؛ لأنه استفهام والكلام مستغن في الاستفهام والجزاء لا يحتاج "من" فيهما إلى صلة, فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء, وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت, وتقول: على منْ أنتَ نازل؟ إذا كنت مستفهمًا توصل نازلًا "بعلى" إلى "من" فإن جعلت "من" بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلامًا؛ لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها، فإن1 كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر, وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها, فلو قلت: على من أنت نازلٌ عليه, لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى "من" شيئًا, فإن قلت: "نزلتُ على من أنتَ عليه2 نازلٌ" جاز, وتقول: أبا مَنْ تكنى؟ وأبا من أنتَ مكنى؟ "فمنْ" في هذا استفهام, ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى "الذي" أضمرت3 الاسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى، وتكنى ونصبت أبا منْ؛ لأنه مفعول به متقدم, وإنما نصبته "بتكنى" وهو لا يجوز أن يستقدم عليه؛ لأنه استفهام, فالاستفهام صدر أبدًا مبتدأ كان أو مبنيًّا على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولًا, ولا يجوز تقديم الفعل على الاستفهام, وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الاستفهام, لا تكون إلا صدرًا, ولا يجوز أن يقدم على حرف الاستفهام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وإن.
2
في "ب" نازل عليه.
3
أضمرت، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -346- شيء مما يستفهم عنه من الكلام, وتقول: أبو مَنْ أنتَ مكنى به؟ رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك: "به" كأنك قلت: أأبو زيد أنتَ مكنى به1، ولو قلت: بأبي من تكنى به، كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة, ألا ترى أنك تقول: "بعبد الله مررتُ" ولا يجوز: "بعبد الله مررتُ به" ولو جعلت "من" في هذه المسألة بمعنى "الذي" لم يجز حتى تزيد فيها فتقول: "أبو منْ أنت مكنى به زيد؟" ألا ترى أنك تقول: من قام؟ فيكون كلامًا تاما في الاستفهام, فإن جعلت "من" بمعنى "الذي" صار "قام" صلة واحتاجت إلى الخبر, فلا بدّ أن تقول: "من قام زيد" وما أشبهه وتقول: "إنَّ بالذي به جراحات أخيكَ زيد عيبين" فقولك: "عيبين" اسم "إنَّ" وجعلت الهاء2 بدلًا من الذي ثم جعلت زيدًا بدلًا من الأخ, وتقول: إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان, تجعل الأخ بدلًا من "الذي" وزيدًا بدلًا من الأخ, وبه عيبين خبر إنّ. وتقول: "إنّ الذي في الدار جالسًا زيدٌ" تريد: إنّ الذي هو في الدار جالسًا زيد, وإن شئت لم تضمر وأعملت الاستقرار في الحال, ألا ترى أن "الذي" يتم بالظرف كما يتم بالجمل, وإن شئت قلت: "إنّ الذي في الدار جالس زيد" تريد: "الذي هو في الدار جالس" فتجعل جالسًا خبر هو, وتقول: "إنّ الذي فيكَ راغب زيد" لا يكون في "راغب" إلا الرفع لأنه لا يجوز أن تقول: "إن الذي فيك زيدٌ" وتقول: "إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو" تريد: "إنّ" أخويك3 اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو، فزيد وعمرو خبر "إنّ" ولا يجوز أن تنصب كفيلين؛ لأن بك لا تتم بها صلة "الذي" في هذا المعنى, وقال الأخفش: تقول: "إنّ الذي به كفيل أخواك زيد" لأنها صفة مقدمة, قال: وإن شئت قلت: "كفيلًا" في قول من قال: أكلوني البراغيثُ4. قال أبو بكر: معنى قوله: صفة مقدمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 121.
2
في "ب" ساقط ما يعادل ثلاثة أسطر.
3
أخويك، ساقط في "ب".
4
أي: من يجعل الواو في "أكلوني" علامة للجمع وليست فاعلًا.



ج / 2 ص -347- يعني أن كفيلا صفة وحقها التأخير, فإذا قدمت أعملت عمل الفعل, ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيءٍ قبلها وقد بينا هذا في مواضع, ومعنى قوله: في قول من قال: "أكلوني البراغيث" أي: تثنيه على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو: قامَ وقامتْ, وقد مضى تفسير هذا أيضًا. وتقول: "إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا" تريد: أن اللذين أخواكَ في دارهما جالسين, تنصب "جالسين" على الحال من الظرف. وإن رفعت "جالسين" [فقلت: إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا, تريد أن اللذين أخواك في دارهما جالسينِ, رفعت وجعلتهما خبر الأخوينِ]1 وتقول: منهن منْ كان أختُكَ, وكانت أُختكَ؛ فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل, وكذلك: منهن من كانتا أُختيكَ, ومنهن من كان أخواتك, وكنَّ أخواتكَ, ومن يختصمان أخواك, وإن شئت: من يختصمُ أخواكَ توحد اللفظ, وكذاك: من يختصمُ إخوتُكَ ويختصمون, وتقول: منْ ذاهب, وعبد الله محمد, نسقت بعبد الله على ما في "ذاهب" والأجود أن تقول: "من هو وعبد الله ذاهبان محمد" فإذا قلت: "من ذاهب وعبد الله محمد" فالتقدير من2 هو ذاهب هو وعبد الله محمد "فهو الأول" مبتدأ محذوف. وتقول: "من يحسن إخوتك" ولك أن تقول: "من يحسنون إخوتُكَ" مرة على اللفظ ومرة على المعنى. وتقول: "من يحسنُ ويسيءُ إخوتُكَ, ومن يحسنون ويسيئونَ إخوتك, وقبيح أن تقول: "من يحسنُ ويسيئونَ إخوتُكَ لخلطك المعنى باللفظ في حالٍ واحدة, وتقول: "الذي ضربتُ عبد الله فيها" تجعل عبد الله بدلًا من "الذي" بتمامها, فإن أدخلت "إن" قلت: "إن الذي ضربتُ عبد الله فيها" نصبت عبد الله على البدل, فإن3 قلت: "الذي فيك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2 "
من" ساقط في "ب".
3
في "ب" فإذا.



ج / 2 ص -348- عبد الله راغب" لم يجز لأن "راغبًا" مع "فيك" تمام الذي, فلا يجوز أن يفرق بينهما, وتقول: "الذي هو هو مثلُكَ" الأول كناية عن الذي, والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم1 ضمير الأجنبي ومن قال: "الذي منطلق أخوك" وهو يريد: "الذي هو منطلق أخوك" جاز أن تقول: "الذي هو مثلك" يريد: "الذي هو هو مثلُكَ" فتحذف "هو" التي هي ضمير الذي, وتتركُ "هو" التي هي ضمير مذكور, وقد تقدم لأنها موضع "منطلق" من قولك: الذي منطلق مثلك. وتقول: "مررتُ بالذي هو مسرع, ومسرعًا" فمن رفع "مسرعًا" جعل هو مكنيا من "الذي" ومن نصب فعلَى إضمار "هو" أخرى, كأنه قال: الذي هو هو مسرعًا؛ لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام. وتقول: "مررت بالذي أنت محسنًا" تريد: الذي هو أنت محسنًا, ولا يجوز رفع "محسن" في هذه المسألة, وتقول: من عندك أضرب نفسهُ, تنصب "نفسه" لأنه تأكيد "لمنْ" فموضع2 "من" نصب "بأضربُ" فإن جعلت نفسه تأكيدًا للمضمر في "عند" رفعت وقدمته قبل "أضربُ" ولم يجز تأخيره؛ لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة, فتقول: إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب, وتقول: "من من أضربُ أنفسهم عبد الله" تؤكد "من" فتجر, وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر, كأنك قلت: من3 من أضربُهم أنفسَهم, وأجاز الفراء: "من4 من أضربُ أنفسهُ" يجعل الهاء "لمْن" ويوحد للفظ "من" وقال: حكى الكسائي عن العرب: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسهِ5، الهاء للفظ الجراد, وقال: تقول: "من من داره تبنى زيد؟" تريد: "مِنَ الذينَ دورهم تبنى زيد؟" قال: ولا يجوز أن تقول: "مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد" حتى تقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تقديم، ساقط في "ب".
2
في "ب" وموضع.
3
من، ساقط من "ب".
4
من، ساقط من "ب".
5
في "ب" نفسه.



ج / 2 ص -349- "مِنْ مَنْ أَرؤسهُ مخضوباتٌ" فرق بين رأس ودار؛ لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة, قال: ويجوز: "مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد" فيمن أجاز: ضربت رأسكم وتقول: "مِنَ المضروبين أحدُهم محسنٌ زيدٌ" تريد: "مِنَ المضروبين وأحدهم محسن زيد" والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول, فإن لم يكن لم يجز حذف الواو, فإن قلت: "من المظنونين أحدُهم محسن زيد" جاز بغير إضمار واو لأن قولك: "أحدُهم محسنٌ" مفعول للظن, كما تقول: "ظننت القوم أحدهم محسن" فأحدهم محسن مبتدأ وخبر1 في موضع مفعول ثانٍ للظن, فإذا رددته إلى ما لم يُسم فاعله قلت: "ظُنَّ القومُ أحدُهم محسنٌ" وتقول: "مررت بالتي بنى عبد الله" تريد: "الدار التي بناها عبد الله" وتقول: "الذي بالجارية كفل أبوهُ أبوها" ولا يجوز: "الذي بالجارية كفل أبوهُ" ولو جازَ هذا لجاز: زيد أبوهُ, وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد؛ لأنه لا2 يجب منه أن يكون زيد أبا نفسِه, وهذا محال إلا أن تريد التشبيه, أي: زيد كأبيهِ, وتقول: "مررت بالذي كَفلَ بالغلامين أبيهما" تجعل "الأبَ" بدلًا من الذي "وهما في أبيهما ضمير الغلامين" وكذاك: "إنَّ الذي كفلَ بالغلامين أبوهما" فأبوهما خبر إن "وهما" من أبيهما يرجع إلى الغلامين, وتقول: "مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله" نسقت "ألطفني" على "أكرمني" وهما جميعًا في صلة الذي, وعبد الله بدل من الذي, فإن عطفت "ألطفني" على مررت رفعت عبد الله, فقلت: "مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله" فأخرجت "ألطفني عبد الله" من الصلة, كأنك قلت: "مررت بزيد وألطفني عبد الله" وتقول: "الذي مررت وأكرمني عبد الله" رجع إلى الذي ما في "أكرمني" فصح الكلام, ولا تبال أن لا تعدى "مررت" إلى شيءٍ, هو نظير قولك: الذي قعدتُ وقمتُ إليه زيدٌ. فإن قلت: "الذي أكرمني ومررتُ عبد الله" جاز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
وخبر" ساقط في "ب".
2 "
لا" ساقط من "ب".



ج / 2 ص -350- أيضًا؛ لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول: "أكرمني زيد ومررتُ" لا تريد: أنك مررت بشيءٍ وإنما تريد: مضيتَ. وقال قوم: "الذي أكرمني ومررت عبد الله" محال, لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك: "الذي أكرمني ومررت به عبد الله" وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدي "مررت" إلى ضمير الذي, فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون: "الذي مررت وأكرمني عبد الله" على معنى الإِضمار, وإذا قلت: "الذي أكرمتُ وظننتُ محسنًا زيد" جاز تريد: "ظننتهُ" لا بدّ من إضمار الهاء في "ظننتُ" لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد, وأما أكرمتُ فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر, كما فعلت في "مررت". وتقول: "مررت بالذي ضربتُ ظننتُ عبد الله" تلغي الظن, فإن قدمت "ظننت" على "ضربتُ" قبح؛ لأن الإِلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول: "الذي ضربتُ ضربتُ عبد الله" والتأويل: "الذي ضربتهُ أمس ضربُ اليوم" "فالذي" منصوب "بضربتُ" الثاني وعبد الله بدل من "الذي". وتقول: "للذي ظننتهُ عبد الله درهمان" تريد: للذي ظننته عبد الله درهمان, فإذا قلت: للذي ظننت ثم عبد الله درهمان, صار "ثم" المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من "ظننت" وجررت عبد الله مبدلًا له من الذي, وتقول: تكلم الذي يكلم أخاكَ مرتين, إن نصبت أخاك "بيكلم" الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة, وإن شئت كان منصوبًا بتكلم بالفعل الناصب "للذي" فإن جعلت أخاك بدلًا من "الذي" لم يجز أن يكون "مرتين" منصوبًا بالفعل الذي في الصلة؛ لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها. وتقول: الذين كلمت عامةً إخوتك تريد: "الذين كلمتهم عامة إخوتُكَ" والذين كلمتُ جميعًا1 أخوتكَ, مثله تنصب "عامة" [وجميعًا]2 نصب الحال, فإن قلت: الذين "عامة" كلمتُ إخوتُكَ, قبحَ عندي لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد, والمؤكِّدُ لا يكون قبل المؤكَّدِ، كما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بعد جميعًا، ساقط من "ب" مقدار صفحة واحدة على الأقل.
2
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -351- أن الصفة لا تكون قبل الموصوف, وتقول: "الذي عَن الذي عنكَ معرضٌ زيدٌ" تريد: الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد, كأنك قلت: "الذي معرض عن الرجل زيدٌ" وهذا شيءٌ يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد, وتقول: "أعجبني ما تصنع حسنًا" تريد: "ما تصنعهُ حَسنًا" وكذلك: "أعجبني ما تضربُ أخاكَ" تريد: "ما تضربهُ أخاكَ" فما وصلتُها في معنى مصدر وكذلك: "أعجبني الذي تضربُ أخاكَ" تريد: الذي تضربهُ أخاكَ و"ما" أكثر في هذا من "الذي" إذا جاءت بمعنى المصدر.
واعلم: أنك إذا قلت: "الذي قائم زيد" فرفعت قائمًا وأضمرت "هو" لم يجز أن تنسق على1 هو ولا تؤكده, لا تقول: "الذي نفسه قائمٌ زيدٌ" ولا الذي وعمرو قائمان زيد, وقوم يقولون إذا قلت: "الذي قمتُ فضربتهُ زيد": إن كان القيام لغوًا فالصلة "الضربُ", وإن كان غير لغوٍ فهو الصلة, ولا يجيزون أن يكون لغوًا إلا مع الفاء, ولا يجيزونَهُ مع جميع حروف النسق, فإن زدت في الفعل جحدًا أو2 شيئًا فسد، نحو قولك: "الذي لَم يقمْ فضربته زيد" وإلغاء القيام لا يعرفه البصريون, وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو: "كانَ وظننتُ" لأن الكلام بتم دونها و"قامَ" ليس من هذه الأفعال, وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء "القيام" إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه: ما جاءت حاجتك3، أي: صارت على جهة الشذوذ, فالشاذ محكي ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه, وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغوٍ لشبهة دخلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
على، ساقط من "ب".
2
جحدًا، ساقط من "ب".
3
انظر الكتاب 1/ 25. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: ما جاءت حاجتك كثير كما تقول: من كانت أمك، ولم يقولوا: ما جاء حاجتك، كما قالوا: من كان أمك؛ لأنه بمنزلة المثل فألزموه التاء.



ج / 2 ص -352- عليهم، وقال من يجيز اللغو: إذا قلت: "الذي قامَ قيامًا فضربتهُ زيد" خطأٌ إذا أردت اللغو, وكذاك: الذي قمتُ قيامًا فضربتهُ وهؤلاء يجيزون: "الذي ضاربٌ أنتَ زيد" يريدون: "الذي ضاربهُ أنتَ زيدٌ" فإذا حذفوا نونوا, ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضاربٍ وتقيمه مقامَ الفعل, كما تقول: "زيد ضاربهُ أنتَ" تريدُ: "ضارب أنت إيَّاهُ" إذا أقمنا "ضاربٌ" مقام الفعل حذفنا معه, كما تحذف مع الفعل ضرورة, ولا يحسن عندي في غير ضرورة؛ لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل, وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته, وإنما هذا شيءٌ قاسوهُ ولا أعرف له أصلًا في كلام العرب, وهؤلاء لا يجيزون: "الذي يقوم كان زيدٌ" على أن تجعل "يقومُ" خبر كان, تريد: "الذي كانَ يقومُ زيدٌ" والقياس يوجبه؛ لأنه في موضع "قائم" وهو يقبح عندي من أجل أن "كان" إنما تدخل على مبتدأ وخبر, فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ, فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت "كانَ" وأنت إذا قلت: "زيدٌ يقوم" فليس لك أن تقدم "يقومُ" على أنه خبر زيدٍ, وإذا قلت: "الذي كانَ أضربُ زيدٌ" كان خطأ؛ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في "كان" ولا تعود على الذي, وإنما يحذف الضمير إذا عاد على "الذي" فإن قلت: "الذي كنتُ أضرب زيد" جاز لأن الهاء "للذي" وتقول: "الذي ضربتُ فأوجعتُ زيد" تريد: "الذي ضربته فأوجعتهُ" إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به, جاز أن تضمر في الثاني. وكذلك: "الذي أحسنتُ إليه وأسأتُ زيدٌ" أحسنت تعدت "بإليهِ" وأسأتُ مثلها, وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت: "الذي ذهبتُ إليه1 وكفلتُ زيد" تريد: بهِ لم يجز؛ لأن "به" خلاف "إليه" وحكوا: مررتُ بالذي مررتُ وكفلتُ بالذي كفلتُ, فاجتزوا بالأول, فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا: "كفلتُ بالذي ذهبتُ" لم يجز حتى تقول: إليه. وقالوا: "أمرُّ بِمَنْ تمرُّ وأرغب فيمن ترغبُ" قالوا: وهو في "مَنْ" أجود لأَن تأويل الكلام عندهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
إليه" ساقط من "ب".



ج / 2 ص -353- جزاءٌ, ومن قولهم: "إنْ هذا والرجلُ" وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرةٍ وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل "الذي" فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة, وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة, وإذا كان في الصلة معرفة جئت "بهو" لا غير فتقول في هذا والرجل قام: "هذا ظريفًا" فظريف حال من "هذا" وهو في صلة "هذا" وضربت هذا قائمًا1، وقام الرجل ظريفًا، وظريف في صلة الرجل, وضربتُ الرجلَ يقومُ وقامَ، وعندك يجري على ما جرى عليه "الذي" لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة، فتقول2 في النكرة: ضربتُ رجلًا قامَ ويقومُ وقائمًا, وضربتُ رجلًا ضربتُ, وضربت في صلة "رجلٍ" وثم هاء تعود على "رجل" ويقولون إذا قلت: "أنتَ الذي تقومُ وأنت رجلٌ تقومُ وأنتَ الرجلُ تقوم" فإن هذا كله يلغى؛ لأن الاعتماد على الفعل فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا: "أنت الرجلُ يقوم" وقالوا إذا قلت: "أنت من يقومُ": لم يجز إلا بالياء؛ لأن "مَنْ" لا تلغى وقالوا: [قلت]3: "أنت رجلٌ تأكلُ طعامَنا" وقدمت الطعام حيث شئت فقلت: "أنت طعامنا رجلٌ تأكلُ" أجازوه في4 "رجل" وفي كل نكرة, وهذا لا يجوز عندنا لأن إلغاء "رجلٍ" والرجل والذي غير معروف [عندهم]5 وهؤلاء يقولون إذا قلت: "أنت الرجل تأكلُ طعامَنا" أو آكلًا طعامَنا: لم يجز أن تقول: "أنت طعامَنا الرجل آكلًا" لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما, وقالوا: إذا قلت: "أنت فينا الذي ترغبُ" كان خطأ؛ لأن "الذي" لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة, قالوا: فإن جعلت "الذي" مصدرًا جاز, فقلت: "أنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قائمًا منصوب على الحال.
2
في "ب" وتقول.
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" من.
5
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -354- فينا الذي ترغب" ووحدت "الذي" في التثنية والجمع, قال الله عز وجل: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}1 يريد: كخوضهم, ويقولون على هذا القياس: "أنت فينا الذي ترغبُ" وأنتما فينا الذي ترغبان, وأنتم فينا الذي ترغبونَ, وكذاك المؤنث: "أنتِ فينا الذي ترغبينَ" تريد: "أنتِ فينا رغبتُك" ولا تثنى "الذي" ولا تجمع2 ولا تؤنث, وكذاك: "الذي تضربُ زيدًا قائمًا, وما تضربُ زيدًا قائمًا" تريد: "ضربكَ زيدًا قائمًا" قالوا: ولا يجوز هذا في "إنْ" لأن "إنْ" أصله الجزاء3 عندهم، وإذا4 قدمت رجلًا والرجل, والذي وهو ملغى كان خطأ في قول الفراء قال: إنه لا يلغى متقدمًا, وقال الكسائي: تقديمه وتأخيره واحد. وإذا قلت: "أين الرجلُ الذي قلتَ؟ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ؟" فإن العرب تكتفي "بقلتُ وزعمتُ" من جملة الكلام الذي بعده؛ لأنه حكاية, تريد: الذي قلتَ: إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي، والذي5 ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون, وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون: إنه ليس من كلام العرب, ويذكرون أنه إن اختلف جاز, وينشدون:

مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا6


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
التوبة: 69.
2 "
تجمع" ساقط من "ب".
3
قال سيبويه 1/ 434: وزعم الخليل أن "إن" هي أم حروف الجزاء.
4
في "ب" فإذا.
5
انظر: المقتضب 3/ 130، وشرح الرضي 2/ 43.
6
اختلف في رواية هذا الشاهد، فرواه صاحب الموشح:

من النفر البيض الذين إذا اعتزوا وهاب اللئام....

ورواه القالي:

من النفر البيض الذين إذا انتموا وهاب اللئام...

ورواه الجاحظ:

من النفر البيض الذين إذا انتموا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا

وكذلك روى: من النفر الشم...
والنفر: اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه. وإنما أطلقه الشاعر هنا على الكرام إشارة إلى أنهم ذوو عدد قليل. واللئام جمع لئيم، وهو الشحيح والدنيء النفس والمهيمن، واللؤم: ضد الكرم، وحلقة بفتح اللام جمع: حالق، وحلقة القوم وهم الذين يجتمعون مستديرين, وقعقعوا بمعنى: ضربوا الحلقة على الباب ليصوت. ونسب البغدادي هذا الشاهد إلى الربيس بن عباد بن عباس بن عوف.
وانظر: الحيوان للجاحظ 3/ 486، والموشح للمرزباني 245, والكامل للمبرد 103, وشرح الكافية 2/ 50, والخزانة 2/ 530.



ج / 2 ص -355- قالوا: فهذا جاء على إلغاء أحدهما، وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين "اللائي والذينَ" ويقولون: "على هذا مررتُ بالذي ذو قال ذاك" على الإِلغاء, فقال أبو بكر: وهذا عندي أقبحُ؛ لأن الذي يجعل "ذو" في معنى "الذي" من العرب طيءٌ1, فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون: "الذي منْ قامَ زيدٌ" على اللغو؟ ويحتجون بأنَّ "منْ" تكون معرفة ونكرة, مررتُ بالذي القائم "أبوهُ" على أن تجعل الألف واللام للذي2، وما عاد من الأب على الألف واللام, ويخفض [القائم]3 يتبع "الذي" وهذا لا يجوز عندنا؛ لأن "الذي" لا بدّ لها من صلة توضحها, ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم, وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها, كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة, ويقولون: إن العرب إذا جعلت "الذي والتي" لمجهول مذكر أو مؤنث, تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر التصريح 1/ 137, والخزانة 2/ 530.
2 "
للذي" ساقط من "ب".
3
أضفت كلمة "القائم" لأن المعنى يحتاجها. وانظر الخزانة 2/ 530, وشرح الكافية 1/ 43.



ج / 2 ص -356- فإن أَدْعُ اللَّوَاتِي مِنْ أُنَاسٍ أَضَاعُوهُنَّ لا أَدعُ الَّذِينا1

ويقولون: الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه؛ لأنه مجهول, لا تقول: "الذي يقومُ الظريفُ فأخواكَ, ولا الذي يقوم وعمرو فأَخواكَ" لأنهُ مجهول "وعمرو" عندهم2 معروف. قال أبو بكر: إن كانَ "أخاهُ" من النسب فلا معنى لدخول الفاء؛ لأنه أخوه على كل حال, وإن كان من المؤاخاة فجائز, وأما النعت والتوكيد فهو عندي -كما قالوا- إذا جعلت "الذي" في معنى الجزاء؛ لأنه لم يثبت شيئًا منفصلًا من أمة فيصفه, وإذا قلت: "الذي يأتيني فلَهُ درهم" على معنى الجزاء فقد أردت: "كل من يأتيني" فلا معنى للصفة هنا, والعطف يجوز عندي كما تقول: الذي يجيءُ مع زيد فلهُ درهم, فعلى هذا المعنى تقول: "الذي يجيء هو وزيد فلهُ درهم" أردت الجائي مع زيد فقط, ولك أيضًا أن تقول في هذا الباب: "الذي يجيئني راكبًا فلهُ درهم" ويجيزون [أيضًا]3 الدار تدخلُ فدارنا, يجعلونها مثل "الذي" كأنك قلت: "الدار4 التي تدخلُ فدارُنا" وهذا لا يجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في [كلام]5 العرب, وأجازوا "الذي يقوم مع زيد أخواكَ" يريدون: "الذي يقومُ وزيد أخواكَ" يعطفون "زيدًا" على "الذي" وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاما, وإذا كان ناقصًا لم يجز هذا.
قال6 الفراء: إذا قلت: "الذي يقومُ مع زيدٍ أخواكَ" لم أقل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشاهد فيه حذف صلة الموصول وهذا قليل، والمعنى: أنه لا يهجو النساء ولكن يهجو الرجال الذين لم يمنعوهن. وانظر ارتشاف الضرب 135.
2
عندهم، ساقط من "ب".
3
زيادة من "ب".
4
الدار، ساقطة من "ب".
5
أضفت كلمة "كلام" لإيضاح المعنى.
6
في "ب" وقال.

ج / 2 ص -357- "أخواكَ الذي يقومُ مع زيدٍ" قال: ولا أقولُ: "الذي يختصمُ مع زيدٍ أخواكَ" لأن الاختصام لا يتم, والطوال1 وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير, ويجعلون "مع" بمنزلة الواو, والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء, وإذا قلت: "الذي يختصمُ وزيدٌ أخواكَ" فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الاختصام؛ لأنه لا يستغني عن اسمين, ويقول: "اللذانِ اختصما كلاهما أخواكَ" فاللذان ابتداء, واختصما صلة لهما, و"كلاهما" ابتداء ثانٍ, وأخواك خبره, وهذه الجملة خبر اللذين فإن جعلت "كلاهما" تأكيدًا لما في اختصما, لم يجز لأن الاختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد هنا, فإن قلت: اللذان اختصما كلاهما أخوان, لم يجز على تأويل, وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك: "أخوان" أن كل واحد منهما أخ لصاحبه, لم يجز لأن "كلاهما" لا معنى لها ها2 هنا, وصار مثل "اختصما" الذي لا يكون إلا من اثنين؛ لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه, مثل المتخاصمين والمتجالسين, فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز؛ لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخًا لزيد ولا يكون الآخر أخًا لزيد, فإذا كان أحدهما أخًا لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخًا له فلا معنى "لكلا" ههنا, وتقول: "الذي يطيرُ الذبابُ فيغضبُ زيدٌ" فالراجع إلى "الذي" ضميره في "يغضبُ" والمعنى: الذي إذا طار الذباب غضب زيد, ولا يجوز: "الذي يطير الذبابُ" فالذي يغضبُ زيدٌ؛ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها, وقوم يجيزون: الطائر الذباب "فالغاضبُ زيدٌ" لأن الألف واللام الثانية ملغاة عندهم, فكأنهم قالوا: "الطائرُ الذبابُ" فغاضبٌ زيدٌ وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني: إلغاء الألف واللام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الطوال: محمد بن أحمد أبو عبد الله من أهل الكوفة، صاحب الفراء، كان حاذقًا بإلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصنيف، مات سنة 243هـ، ترجمته في تاريخ بغداد 9/ 365-366، والفهرست 68, وطبقات الزبيدي 96, وإنباه الرواة 2/ 92، ومعجم الأدباء 2/ 116-117، وطبقات القراء 1/ 338.
2
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -358- واعلم: أن من قال: "من يقومُ ويقعدونَ قومُكَ, ومن يقعدونَ ويقومونَ إخوتكَ" فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى, فإنه لا يجيز أن تقول: "من قاعدونَ وقائمُ إخوتكَ" فيرد "قائمًا" إلى لفظ "مَنْ" لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ, وتقول: "منْ كان قائمًا إخوتُكَ, ومن كان يقومُ إخوتُكَ" ترد ما في كان على لفظ "مَنْ" وتوحد, فإذا وحدت اسم كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحدًا، فإذا1 قلت: مَنْ كانوا؟ قلت: قيامًا ويقومون, ولا يجوز: "منْ كانَ يقومونَ إخوتُكَ" وقوم يقولون إذا قلت: "أعجبني ما تفعلُ" فجعلتها مصدرًا فإنه لا عائد لها مثل "أَنْ" فكما أنَّ "أَنْ" لا عائد لها2 فكذلك ما, وقالوا: إذا قلت: "عبد الله أحسنُ ما يكون قائمًا" فجاءوا "بما" مع "يكونُ" لأن "ما" مجهول و"يكون" مجهول, فاختاروا "ما" مع يكون, أردت: "عبد الله أحسن شيء يكونُ" فما في "يكون" "لِمَا" فإذا قلت: "عبد اللهِ أحسنُ مَنْ يكونُ" فأردت أحسن من خلق, جاز ولا فعل "ليكون" يعنون: لا خبر لها3، وقالوا إذا قلت: "عبد الله أحسنُ ما يكونُ قائمًا" إذا أردت أن تنصب "قائمًا" على الحال أي: أحسن الأشياء في حال قيامه, قالوا: ولك أن ترفع عبد الله بما في "يكون" وترفع أحسن بالحال, وتثني وتجمع فتقول: "الزيدانِ أحسنُ ما يكونانِ قائمينِ, والزيدونَ أحسنُ ما يكونون قائمينَ" يرفعون "أحسنَ" بالحال ولا يستغنى عن الحال ههنا عندهم, فإن قلت: "عبد اللهِ أحسنُ ما يكونُ" وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير, لم يجز لأَن عبد الله إذا ارتفع بما في "يكون" لم يكن لأحسن خبر4، ومعنى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وإذا.
2
زيادة الفاء من "ب".
3
أي "كان" هنا تامة.
4
في الكتاب 1/ 200، وبعضهم يقول: الحرب أول ما تكون فتية، كأنه قال: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، كما تقول: عبد الله أحسن ما يكون قائمًا, لا يجوز فيه إلا النصب؛ لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائمًا على وجه من الوجوه.



ج / 2 ص -359- قولهم: ارتفع بما في "يكون" يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر, وهذا خلاف مذهب البصريين؛ لأن البصريين يرفعون بالابتداء, قالوا: فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللهِ بجملته, فإن أردت: "عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه" فهو جائز وهو صفة, فإذا قلت: "أحسنُ ما يكون عبد الله قائمًا" جرى مجرى: "ضربي زيدًا قائمًا" وقال محمد بن يزيد1: قول سيبويه: أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا, تقديره على ما وضع عليه الباب: أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائمًا، كما قال2: "هذا بُسْرًا أطيبُ منه تمرًا"3 فإن قال قائل: أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام, أي: "أخطبُ أحوالهِ القيامُ"؟ فالجواب في ذلك: أن "القيامَ" مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه, فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره, وإنما المصدر لذات الفعل, فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية, ولأنه مبني له, وذلك نحو: "جاءني زيدٌ راكبًا" لأن في "راكب" ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل, فإن احتج القائل في إجازتنا: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة4، فالتقدير: "أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة" فجعلت الخطبة للأيام على السعة, وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبينًا, كما قال الله عز وجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}5 أي: مكركم فيهما. قال محمد6: وجملة هذا أن الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه, وقد يخلو من فعل إلى آخر, وقال في موضع آخر: كان سيبويه يقول في قولهم: أكثرُ ضربي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" رحمه الله.
2
في "ب" قالوا.
3
ذكر المبرد في المقتضب 3/ 252 أن الحال يسد مسد الخبر، كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائمًا. وانظر الكتاب 1/ 200.
4
انظر الكتاب 1/ 200.
5
سبأ: 33 وانظر المقتضب 3/ 105.
6 "
محمد" ساقط في "ب" وهو محمد بن يزيد المبرد, أستاذ المصنف.



ج / 2 ص -360- زيدًا قائمًا، إن قائمًا سَد مسدّ الخبر وهو حال1, قال: وأصله إنما هو على "إذ كان" وإذا كان, ومثله: "أخطبُ ما يكونُ الأمير قائمًا, وأكثر شربي السويقَ ملتوتًا, وضربي زيدًا قائمًا" وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدرًا, وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف, نحو قولك: أخطبُ ما يكونُ الأمير يوم الجمعة, وأحسنُ ما يكونُ زيدٌ عندكَ, وقال: وكان أبو الحسن الأخفش يقول: "أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمٌ" ويقول: أضفت أخطبَ إلى أحوال, قائم أحدُها, ويزعم سيبويه أنك إذا قلت: "أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمًا" فإنما أردت: "أخطبُ ما يكون الأمير إذا كان قائمًا" فحذفت؛ لأنه دل عليهما ما قبلها, و"قائمًا" حال وقد بقي منها بقية2، وكذلك قوله: ضربي زيدًا راكبًا أي: إذا كان راكبًا وهي "كان" التي معناها "وقع" فأما: أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيءٍ؛ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه: ظننتُ ضربي زيدًا قائمًا, وظننتُ أكثر شربي السويقَ ملتُوتًا, أنه أتى "لظننتُ" بمفعول ثانٍ على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر, فإن قيل: إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل: إن الشك واقع في "إذ كان" و"إذا كان" والحال دليل؛ لأن فيها الشك وأن يعمل فيها "ظننت" ولكن في موضعها كما كنت قائلًا: القتالُ يوم الجمعةِ, فتنصب يوم الجمعة بقولك: القتالُ, فإن جئت بظننت قلت: "ظننتُ القتالَ يوم الجمعةِ" فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال, وليس "بظننتُ" والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم, هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم [وتقول: إنَّ القتالَ اليومَ ظننتُ]3 فتنصب؛ لأنَّ "إنَّ" لا تعمل فيه4 شيئًا، إنما تعمل في موضعه كما وصفت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: المقتضب 3/ 252.
2
انظر الكتاب 1/ 200-201.
3
زيادة من "ب".
4
في "ب" فيها.



ج / 2 ص -361- لك، وقياس "ظننتُ" وإن وكان والابتداء [والخبر]1 واحد، وكذلك لو قلت: "كانَ زيدٌ خلفكم"2 لم تكن كانَ الناصبة "لخلف"3 فكذلك إذا قلت: "كانَ أكثر شربي السويقَ ملتُوتًا" نصب4 "ملتُوتًا" بما كان انتصب به قبل دخول "كانَ" سد مسد خبرها, كما سد مسد خبر الابتداء, ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الابتداء, فإذا قلت: "كان زيدٌ خلفكم" فتقديره: "كان زيد مستقرًّا خلفكم"5 وكان ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، وما كان مثلهن فهذا مجراه. [تم الكتابُ بمَنِّ الله وعونِه من باب الألف واللام]6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" خلفك.
3
في "ب" بخلف.
4
في "ب" نصبت وهو الصحيح.
5
هذا مذهب البصريين، أما الكوفيون فلا يقدرون مستقرًّا، بل يعربون الظروف والمجرورات أخبارًا.
6
ما بين القوسين غير موجود في "ب" ويظن أنه من عمل الناسخ.











38



















الأصول في النحو

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم، وما يسكن من المتحركات، وما تغير حركته لغير إعراب، وما يحذف لغير جزم:
أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين: إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين, وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه. الأول على ضربين: أحدهما: إما أن يكون آخر الحرف ساكنًا فيلقاه ساكن نحو قولك: {قُمِ اللَّيْلَ}1 حركت الميم بالكسر لالتقاء الساكنين, وأصل التحريكات لالتقاء الساكنين الكسر, ولم تردِ الواو؛ لأن الكسر غير لازمة في الوقف, وكذلك قولك: "كَمِ المالُ؟ ومَنِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المزمل: 2، قرئ بالكسر والفتح والضم في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ}، وانظر البحر الميحط.



ج / 2 ص -362- الرجلُ؟" فإن قلت: "مِنَ الرجل" فالفتح1 أحسن، من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الاستعمال أيضًا, والكسرة الأصل, فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك، من ذلك قولك: "هذا زيد العاقلُ" حركت التنوين بالكسر.
والآخر: ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها، وليس التحريك تحريك البناء كأين وأولاءِ وحيث, فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه, وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد؛ فأهل الحجاز يقولون: "ارددْ وإنْ تضاررْ أضاررْ"2 وغيرهم3 يقول: "ردَّد" وفرّ, وإنْ تردَّ أرَدّ ويقولون: لا تضار؛ لأن الألف يقع بعدها المدغم, والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر, فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي: حركة كانت وذلك4 رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئن واستعدَّ واجترَّ؛ لأن قبلها فتحة5، فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحوا أبدًا فقالوا: رُدَّها وعُضَّها وفُرَّها؛ لأن الهاء خفية فكأنه قال: فِرّا ورِدّا ولم يذكرها، فإذا6 كانت الهاء [مضمومة]7 في مثل قولهم: ردهو ضموا كأنهم قالوا: رُدوا. فإن جئت بالألف واللام [وأردت]8 الوصل كسرت الأول كله فقلت: رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم؛ وذلك لأن الأصل: ارْدُدْ فهو ساكن, فلو قلت: اردُدِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يقول الكسائي: إن سبب فتح النون في "من" هو أن أصلها "منا" انظر شرح الشافية 2/ 446, وفي اللسان 17/ 311 أن قبيلة قضاعة تقول "منا" بدلًا من "من".
2
انظر الكتاب 2/ 158، وقرأ ابن مسعود: "ولا تضارر" على لغة أهل الحجاز، البقرة: 233، وانظر البحر المحيط.
3
يريد بني تميم وكثيرًا من العرب، انظر الكتاب 2/ 158-159.
4
في "ب" نحو.
5
انظر: الكتاب 2/ 159.
6
في "ب" وإذا.
7
زيادة من "ب".
8
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -363- القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك1 وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز2، ألا ترى أن الذال في "مُذْ" واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لالتقاء الساكنين رُدَّ إلى3 الأصل، وأصلها الضم4، فقلت: مُذُ اليوم وذهبتمُ اليوم؛ لأن أصل "مُذْ" منذُ يا هذا, وأصل ذهبتم: ذهبتُمُ يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة, ومنهم من يفتح على كل [حال]5 إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد, قال الخليل: شبهوه "بأين وكيف"6 ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحًا، يجعله في جميع الأشياء "كأينَ" ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة "اضرب الرجلَ" وإن لم تجئ بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين والذين يكسرون كعب وغني7. ولا يكسر هلم8 ألبتة من قال: هلما، وهلمي9 ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء: ارددنَ؛ لأن سكون الدال هنا لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يشير إلى أن الدال الساكنة هي نفسها التي كسرت لالتقاء الساكنين.
2
انظر الكتاب 2/ 160.
3
في "ب" ردوا.
4
قال سيبويه 2/ 160: "ومثل ذلك مذ وذهبتم فيمن أسكن، تقول: مذ اليوم، وذهبتم اليوم؛ لأنك لم تبن الميم على أن أصله السكون، ولكنه حذف كياء قاضٍ ونحوها.
5
زيادة من "ب".
6
قال سيبويه 2/ 160: زعم الخليل: أنهم شبهوه بأين وكيف وسوف وأشباه ذلك وفعلوا به إذا جاء بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون وهم بنو أسد وغيرهم من بني تميم.
7
كعب وغني من قيس، انظر الكتاب 2/ 160, وشرح الرضي 2/ 243.
8
لم يكسر "هلم" لأنه ضعف تمكنه وتصرف بما ضم إليه, فألزموه أخف الحركات كما اجتمعوا على فتح الدال في "رويد" انظر الكتاب 2/ 160.
9
في "ب" أو.



ج / 2 ص -364- يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي؛ لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء1، وزعم الخليل وغيره أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون: "ردَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ"2، كأنهم قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء, والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل, ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن, وسنذكر باب الهمزة3 إن شاء الله.
والثاني: ما يسكن لغير جزم وإعراب, وهو على ثلاثة أضرب: إسكان لوقف وإسكان لإِدغام وإسكان لاستثقال؛ أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والابتداء. وأما الإِدغام فنحو قولك: "جَعَلَ لَكَ" فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام. وأما إسكان الاستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرئ القيس في قوله4:

"
فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ إثمًا مِنَ الله ولا وَاغِلِ"5


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يشير إلى تاء: رددتُ، ورددتِ، ورددتَ.
2
انظر الكتاب 2/ 160.
3
في "ب" الهمز.
4
من شواهد سيبويه 2/ 297 على تسكين الباء من قوله: "أشرب" في حال الرفع والوصل، ويروى: فاليوم فأشرب..
وكذلك: فاليوم أسقى.. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
والمستحقب: المكتسب, وأصله من استحقب، أي: وضع الحقيبة، وهي خرج يربط بالسرج خلف الراكب، والواغل: الذي يأتي شراب القوم من غير أن يدعى إليه. وهو مأخوذ من الوغول, وهو الدخول, ومعناه أنه وغل في القوم وليس منهم.
وانظر: شرح السيرافي 1/ 229, والتمام في تفسير أشعار هذيل 205، والخصائص 1/ 74 وج2/ 274, والحماسة 612, والفاخر للمفضل بن سلمة 63, وابن يعيش 1/ 48, وإصلاح المنطق 245, والشعر والشعراء 98, والأصمعيات 40, والضرائر 225, والحجة 1/ 86، والخزانة 3/ 531, والديوان 150.
5
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -365- كان الأصل: أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكن في "عَضُدِ" فتقول: "عَضْدٌ" للاستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من نفس الكلمة, وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب, ولكن الذين قالوا "وهو" فأسكنوا الهاء تشبيهًا "بِعَضْدٍ" والذين يقولون في "عَضُدٍ": "عَضْدٌ"؛ وفي "فَخذٍ" إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا.
الثالث: ما غيرت حركته لغير إعراب تقول: هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك قلت: غُلامي, فزالت حركت الإِعراب, وحدث موضعها كسرة, وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركًا, فإن كان قبلها ياءٌ نحو: "يا قاضي" قلت: قاضِيّ وجواريّ, فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو "مسلميّ" فإن كان ما قبلها1 ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول: "رأيتُ غُلامي" تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفًا مكسورًا فلحقته الواو والنون والياء للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضمومًا, تقول في "قاضٍ" إذا جمعت: "قاضونَ" وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لالتقاء الساكنين, فإن أضفت "قاضُون" إلى نفسك قلت: "قاضي" كما قلت: مُسلِميّ, وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب2 من يقول: بُشرايَ بفتح الياء, ومنهم من يقول: بشريّ, وأما قولهم: في عَلَيّ عليكَ, ولَدَيّ لديكَ, فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه: وحدثنا الخليل3، أن ناسًا من العرب يقولون: علاكَ ولداكَ وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف, وهؤلاء على القياس, قال: وسألته عَنْ مَنْ قال: رأيتُ كلا أَخويكَ, ومررت بكلا أخويكَ, ومررت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
ما" ساقطة من "ب".
2
في الأصل "فالأعرف" والتصحيح من "ب".
3
انظر الكتاب 2/ 104-105, والحجة للفارسي 1/ 32.



ج / 2 ص -366- بكليهما، فقال: جعلوه بمنزلة: عليكَ ولديكَ، وكِلا لا تفرد أبدًا, إنما تكون للمثنى1.
الرابع: ما حذف لغير جزم, وذلك على ضربين: أحدهما ما يحذف من الحروف المعتلة لالتقاء الساكنين, والآخر ما2 يحذف في الوقف ويثبت في الإِدراج. فأما الذي يحذف لالتقاء الساكنين, فالألف والياءُ التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة, وذلك نحو: هو يغزو الرجل, ويرمي القومَ, ويلقي الفارسَ, وكذلك إن كانت واو جمع أو ياء نحو: مسلمو القوم ومسلمي الرجل, فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف؛ لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لالتقاء الساكنين, وهي مع ذلك لو حذفت لالتبست بالواحد, وذلك قولك: هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ, والفتح مع ذلك أخف من الضم, وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والابتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا, ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 105.
2 "
ما" ساقطة من "ب".



ج / 2 ص -367- باب ذكر الابتداء:
كل كلمة يبتدأ بها من اسم1 وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ, فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب, أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف2 الهمزة ويلقي الحركة على الساكن, وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة, فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أو.
2
في الأصل "يخفف" والتصحيح من "ب".

ألف الوصل:
ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والاسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن, وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة، ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال، وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت على حرف من الحروف التي جاءت لمعنى, ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله. أما كونها في الأفعال غير المضارعة1 فنحو قولك مبتدئًا: اضربْ, اقتلْ2، اسمعْ, اذهب، كان الأصل: تذهبُ، تضربُ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 271.
2
في "ب" أقبل.



ج / 2 ص -368- وتقتلُ، وتسمعُ، فلما أزلت حرف المضارعة وهو "التاءُ" بقي ما بعد الحرف ساكنًا فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون, فكان أصل هذه الهمزة أيضًا السكون فحركتها لالتقاء الساكنين بالكسر, فإن كان الثالث في الفعل مضمومًا ضممتها, وتكون هذه الألف في "انفعلت" نحو: انطلقت, وافعللت نحو: احمررتُ, وافتعلتُ نحو: احتبستُ, وتكون في استفعلتُ نحو: استخرجتُ, وافعللتُ نحو: اقعنسستُ, وافعاللتُ نحو: اشهاببتُ, وافعولتُ نحو: اجلوذتُ, وافعوعلتُ نحو: اغدودنتُ, وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ, نحو: احرنجمت واقشعررتُ, فألف الوصل في الفعل في الابتداء مكسورة أبدًا إلا أن يكون الثالث مضمومًا فتضمها نحو قولك: اقتل, استضعف, احتقر, احرنجم, والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها1 وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها في الفعل, ولا تكون إلا مكسورة تقول: انطلقتُ انطلاقًا واحمررتُ احمرارًا واحتبستُ احتباسًا واستخرجت2 استخراجًا واقعنسستُ اقعنساسًا واشتهاببتُ اشتهبابًا واجلوذتُ اجلواذًا واغدودنتُ اغديدانًا, وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة, فهي: ابن وابنة واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَة وابنم واسم واستٌ, فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء3، ولا يلتفت إلى ضم الثالث, تقول مبتدئًا: ابنم وامرءٌ؛ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل, وأما الحرف4 الذي تدخل عليه5 ألف الوصل، فاللام التي يعرف بها الأسماء, نحو: القوم والخليل والرجل والناس وما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
كلها، ساقطة في "ب".
2
في "ب" استخرجت قبل احتبست.
3
انظر الكتاب 2/ 273.
4
في "ب" الحروف.
5
عليه، ساقط في "ب".



ج / 2 ص -369- أشبه ذلك, إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الاستفهام, فإنهم يقولون: أَالرجل عندك؟ فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالاستفهام, وقد شبهوا بهذه الألف التي في "ايم وايمن" في القسم ففتحوها لما كان اسمًا مضارعًا للحروف, وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من "هو" إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم: فهو قالَ ذاكَ وهي أُمكَ, وكذلك لامُ [الأمر]1 في قولك: لتضربْ زيدًا, إذا كان قبلها واو [وصلت]2 فقلت: ولتضربْ, والعرب تختلف في ذلك, فمنهم من يدع الهاء في "هو" على حالها ولا يسكن, وكذلك هي, ومن ترك الهاء على حالها في "هي" و"هو" ترك الكسرة في اللام على حالها, فقال في قوله: فلينظرْ "فلينظر"3 فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لالتقاء الساكنين, وإن كان مما يحذف لالتقاء الساكنين حذفته, فأما الذي يحرك لالتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب, يحرك بالكسر والضم والفتح؛ فالمكسور نحو قولك: "اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ" و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ4، اللَّهُ}5، وإن الله6، وعنِ الرجلِ, وقَطِ الرجل، وأما الضم فنحو قوله: "قُلْ اُنُّظُرُوْا}7, وقالتُ اُخرج"8 {وَعَذَابٍ، ارْكُضْ}9 ومِنهُ10 {أَوِ انْقُصْ} 11، إنما فعل هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
فلينظر، ساقط من "ب".
4
الإخلاص: 1. والشاهد في الآية كسر التنوين في أحدن الله.
5
قال سيبويه 2/ 275: لأن التنوين ساكن وقع بعد حرف ساكن، فصار بمنزلة باء أضرب ونحو ذلك.
6
انظر: الكتاب 2/ 275.
7
يونس: 101، ضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء. وقد قرأ حفص بكسر اللام من "قل" على أصل التقاء الساكنين، انظر الكتاب 2/ 275.
8
يوسف: 31، والآية: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ}، وقراءة حفص بكسر التاء على أصل التقاء الساكنين.
9
سورة ص: 41 والآية: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ {وَعَذَابٍ، ارْكُضْ}.
10
أضفت "ومنه" لأن المعنى يقتضيها.
11
المزمل: 3، والآية: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا}.



ج / 2 ص -370- من أجل1 الضم الذي بعد الساكن، ومنهم من يقول: قلِ انظرا ويكسر جميع ما ضم غيره, ومن2 ذلك الواو التي هي علامة الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحًا نحو: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ}3 قال الخليل4: لفصلَ بينها وبين واو "لَو" وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم5، وقال قوم: لو استطعنا، والياء التي هي علامة الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير, نحو: اخشي الرجل يا هذهِ, وواو الجميع وياؤه مثل الضمير تقول: مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في النصب والجر, وأما الفتح فجاء في حرفين {الم, اللَّهُ}6 فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء, والآخر: مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت7, وناس من العرب يقولون: "مِنِ الله"8 واختلفت العرب في "مِنْ" إذا كان بعدها ألف وصل غير الألف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أجل، ساقط في "ب".
2
في "ب" إلا أن الواو التي هي علامة الإضمار, والمعنى واحد.
3
البقرة: 237، وانظر الكتاب 2/ 276، والجدير بالذكر: أن همز هذه الواو هو لغة قيس عامة وغني خاصة، كما قال ابن جني في المحتسب 1/ 20، وقد وردت قراءات شاهدة على هذه اللغة في قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ}، وفي قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} [البقرة: 16]، وذلك لانضمام الواو.
4
انظر الكتاب 2/ 276، قال سيبويه: وزعم الخليل أنهم جعلوا حركة منها ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف، نحو: واو لو وأو.
5
ضموا واو "لو" شبهوها بواو اخشوا الرجل حيث كانت ساكنة مفتوحًا ما قبلها وهي في القلة بمنزلة: ولا تنسوا الفضل بينكم فيمن كسر الواو في "لا تنسوا".
6
آل عمران: 1.
7
انظر الكتاب 2/ 275، والجملة ناقصة هنا، قال سيبويه: لما كثرت في كلامهم ولم تكن فعلًا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا، وشبهوها بأين وكيف.
8
أي: يكسرونه ويجرونه على القياس لالتقاء الساكنين.



ج / 2 ص -371- واللام, فكسره قوم ولم يكسره قوم1، ولم يكسروا في الألف واللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام, وذلك: "مِن ابنِك" "ومِنِ امرئ" وقد فتح قوم فصحاء فقالوا: "مِنَ ابنكَ" وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف, الألف والياء التي قبلها حرف مكسور2، والواو التي قبلها حرف مضموم؛ فالألف نحو: رمى الرجل3، وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ, دخلت التاء وهي ساكنة على ألف "رَمَى" فسقطت وقالوا: رَمَيا وغَزَوا؛ لئلا4 يلتبس بالواحد وقالوا: حبليان وذفريانِ5، لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث, والياء مثل: يقضي القوم ويرمي الناس, والواو نحو: يغزو القوم, ومن ذلك: لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ, فإذا قلت: لم يخفِ الرجلُ ولم يبعِ الرجلُ ورمت المرأة, لم ترد الساكنَ الساقط وكان الأصل في "يبع" "يبيعُ" وفي "يخف" يخاف وفي "يَقلْ" يقول, فلم نرد لأنها حركة جاءت لالتقاء الساكنين غير لازمة, وقولهم: "رَمَتا" إنما حركوا للساكن الذي بعده, ولا يلزم هذا في "لم يخافاَ" و"لم يبيعَا" لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم, ولم تلحق الألف شيئًا6 حقه السكون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 275.
2
في "ب" قبلها كسرة.
3
انظر الكتاب 2/ 276.
4
في الأصل لأن لا.
5
في "ب" مغزيان, والذفري: العظم الشاخص خلف الأذن.
6
زيادة من "ب".

ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف:
أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام: اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ.
الأول: الأسماء الظاهرة السالمة نحو: "هذا خالدٌ، وهذا حَجر،



ج / 2 ص -372- ومررت بخالد وحجرٍ" فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: إسكان مجرد وإشمام وروم التحريك والتضعيف, وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط1, فالإِشمام نقطة علامة2, وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين3، فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة؛ لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ, وإشمامُك للرفع4 إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع, فإذا قلت: "هذا مَعْنٌ" فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت, ورومُ الحركة صوت ضعيف ناقص, فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ, وأما التضعيف فقولك: هذا خالدٌ, وهو يجعل, وهذا فَرِحٌ, ومن ثم قالت العرب5 في الشعر في القوافي: "سبسبا, تريد: السبسب, وعَيهَل تريد: العَيهل" وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكنًا لم يضعفوا نحو "عمرٍو"6 فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول: "رأيتُ زيدًا وخالدًا" فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب، وأزد السراة7 يقولون:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 582. قال سيبويه: ولهذه علامات، فللإشمام نقطة, والذي أجرى مجرى الجزم والإسكان الخاء، ولزوم الحركة خط بين يدي الحرف, وللتضعيف الشين.
2
علامة، ساقطة من "ب".
3
لم يذكر ابن السراج الذي أجرى مجرى الجزم والإسكان, والذي جعل له سيبويه علامة هي "خ".
4
في "ب" الرفع.
5
العرب، ساقط في "ب".
6
لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكنًا؛ لأنه ساكن، وانظر الكتاب 2/ 382.
7
قال سيبويه 2/ 281: "وزعم أبو الخطاب: أن أزد السراة يقولون: هذا زيدو وهذا عمرو، ومررت بزيدي وبعمري، جعلوه قياسًا واحدًا فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف".



ج / 2 ص -373- هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ, ومررت بزيدي؛ يجعلون الخفض والرفع مثل النصب، والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر [والنصب]1 والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضًا في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون2، فيقولون: مررت بخالد ورأيت أحمر. وقال سيبويه: وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابيا يقول3: أبيضه، يريد: أبيض وألحق4 الهاء مبنيا للحركة, فأما5 المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف، وبعضُ العرب يقول في "بكرٍ": هذا بكرو من بكرٍ, فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا: رأيتُ البكرَ؛ لأنه في موضع التنوين, وقالوا: هذا عِدِل وفِعِل فأتبعوها الكسرة الأولى؛ لأنه ليس من كلامهم فِعلٌ7، وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى؛ لأنه ليس في الأسماء فُعِل وهم الذين يقولون في الصلة: اليُسْر فيخففون, وقالوا: "رأيتُ العِكِمَ"8 ولا يكون هذا في "زيدٍ وعَوْنٍ" ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ, فإن كان اسمٌ آخره هاء9 التأنيث نحو: "طلحة وتمرةٍ وسفرجلةٍ" وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاء في الوصل, فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت: زيدانِ ومسلمانِ, وزيدونَ ومسلمونَ, تقف على النون في جميع ذلك, ومن العرب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
لا، ساقط من "ب".
3
انظر الكتاب 2/ 283 ألحق الهاء في أبيضه, كما ألحقها في "هنه" وهو يريد: هن.
4
في "ب" فألحق.
5
في "ب" وأما.
6
انظر الكتاب 2/ 283.
7
قال سيبويه 2/ 284: وقالوا: هذا عدل وفعل، فأتبعوها الكسرة الأولى ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول؛ لأنه ليس من كلامهم "فعل" فشبهوها "بمنتن" أتبعوها الأول.
8
لم يفتحوا كاف "العكم" كما لم يفتحوا كاف "البكر" وجعلوا الضمة إذا كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت، وهو قولك: رأيت الحجر. انظر الكتاب 2/ 284.
9
هاء، ساقط من "ب".



ج / 2 ص -374- من يقول: ضَاربانِهْ، ومسلمونَهْ، فيزيد هاء يبين1 بها الحركة، ويقف عليها, والأجود ما بدأت به, وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء2، وكذلك الوصل لا فرق بينهما، فإذا استفهمت منكرًا, فمن العرب من [يقول]3 إذا قلت: رأيت زيدًا قال: أزيدنيه, وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا فهذا حكمه [في إلحاق الزيادة فيه, فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من الإِعراب]4 فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء الساكنين، وإن كان مضمومًا جعلته واوًا، وإن كان مكسورًا جعلته ياءً, وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ زيدًا وعمرًا" قلت: أَزيدًا وعمرنَيْهِ, وإذا5 قال: "ضربتُ عُمَر" قلت: أَعمراهُ, وإن قال: "ضربتُ زيدًا الطويلَ" قلت: الطويلاه, فإن قال: "أَزيدًا يا فتى؟" تركت العلامة لما وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم "إنْ" فتقول: أعمرَانِيه.
القسم الثاني: وهو الظاهر المعتل:
المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب: ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو همزة أو ألف مقصورة, فأما ما لامه ياءٌ فنحو: "هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا العَمِ" يريد: القاضيَ والغازيَ والعَمِيَ, أسقطوها في الوقف؛ لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين. قال سيبويه6: وحدثنا7 أبو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" لبيان.
2
التاء، ساقط من "ب".
3
أضفت كلمة يقول؛ لأن المعنى يحتاجها.
4
زيادة من "ب".
5
في "ب" فإذا.
6
انظر الكتاب 2/ 288.
7
في "ب" وحكى.



ج / 2 ص -375- الخطاب1 أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: "هذا رامي وغازي وعَمِي" يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود, فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف, وذلك قولك: هذا القاضِي والعاصِي, وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل, ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام, كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون: "هذا القاض والعاص" هذا في الرفع والخفضِ, فأما النصب فليس فيه إلا البيان؛ لأنها ثابتة في الوصل, تقول: رأيتُ قاضيًا ورأيتُ القاضي2، وقال الله3 عز وجل: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}4 وتقول: رأيت جواريَ, وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في الوصل, ومررتُ بجوارٍ, فالياء كياء "قاضي" والياء الزائدة ههنا كالأصلية نحو ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل. قال سيبويه5: وسألت الخليلَ عن "القاضي" في النداء, فقال: "اختر يا قاضي" لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي6 فأما يونس فقال: "يا قاض"7 بغير ياء, وقالا في "مُر" وهو اسم من أرى: هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه -لو قالوا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أبو الخطاب وهو المعروف بالأخفش الكبير، واسمه عبد الحميد بن عبد المجيد، والأخافش الثلاثة المشهورون من النحاة, وهم: أبو الخطاب وسعيدة بن مسعدة وعلي بن سليمان, أخذ النحو عن أبي عمرو بن العلاء, مات ولم تعرف سنة وفاته.
ترجمته في أخبار النحويين 37, ومراتب النحويين 23, وطبقات الزبيدي 35, وإنباه الرواة 2/ 157.
2
لأنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتلّ.
3
في "ب" تبارك وتعالى.
4
القيامة: 26.
5
انظر الكتاب 2/ 289.
6
انظر الكتاب 2/ 289.
7
قال سيبويه 2/ 289: "وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء أجدر، لأن النداء موضع حذف، يحذفون التنوين ويقولون: يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل".



ج / 2 ص -376- مُر-1 ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله: مُرئِي مثل: مُرْعِي, فإن كان الاسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو "ظَبيٍ وكرسيٍّ" وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ لأنها خفيفة فيقولون: هذا تميمج, يريدون "تميمي" وهذا عَلِجّ يريدون "عَلي" وعربَانج يريدون "عرباني" والبرنج2 يريدون "البِرَني" وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا3 يختار فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي، فالفواصل4 قول الله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}5, و{ذَلِكَ... نَبْغِ}6, {يَوْمَ التَّنَادِ}7 {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}8.
الضرب الثاني: وهو ما كان آخره همزة:
ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح وإعرابُه كإعرابِه, تقول: هذا كساءٌ ومررتُ بكساء, وهو9 مثل حُمارٍ في الوصل والوقف, فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلها ساكن فحكمها [حكم الصحيح وحكمها]10 أن تكون كغيرها من الحروف كالعين, وذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يريد "مفعل" من "رأيت".
2
يشير إلى قول الشاعر: وبالغداة فلق البرنج.. يريد: البرني، انظر الكتاب: 2/ 288.
3
سيبويه، ساقط من "ب".
4
في "ب" والفواصل.
5
الفجر: 4.
6
الكهف: 64، والآية: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا}.
7
غافر: 32، والآية: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ}.
8
الرعد: 9، والآية: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}.
9
وهو، ساقط من "ب".
10
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -377- قولك: الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في الإِسكان, وروم الحركة والإِشمام, فتقول: هو الخَبْء, ساكن, والخَبء بروم الحركة, والخَبَءْ تشم, وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة1، ومنهم تميم وأسد، يقولون2: "هو الوثُوء" فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ3 وهو البطء, ومن البطيء, ورأيت البطأ, وهو الردؤ, وتقديرها: الردعُ ومن الرديء ورأيتُ الردأ4، وناس من بني5 تميم يقولون: هو الردِيء كرهوا الضمة بعد الكسرة6، وقالوا: رأيتُ الردِيء سووا بين الرفع والنصب, وقالوا: من البُطء؛ لأنه ليس في الكلام "فُعِلٌ" ومن العرب من يقول: هو الوَثُو، فيجعلها واوًا7 من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب, وإذا كان ما قبل الهمزة متحركًا لزم الهمزة ما يلزم النَّطع من الإِشمام والسكون وروم الحركة8، وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها، وذلك قولك: هو الخَطأ، والخَطأ تشم والخَطأ ترومُ، قال سيبويه: ولم نسمعهم ضاعفوا؛ لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة, ومن العرب من يقول: هو الكَلَو حرصًا على البيان, ويقول: من الكَلَى ورأيت الكلاء9, وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون: الكَلاَ, وأكمُو, وأهنى10، يبدل من الهمزة حرفًا من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يعني حركة الهمزة.
2
في "ب" فيقولون.
3
الوثوء، والوثيء: البطء، انظر الكتاب 2/ 286.
4
الردأ يعني به: الصاحب.
5
بني، ساقط من "ب".
6
لأنه ليس في الكلام "فعل" فتنكبوا هذا اللفظ؛ لاستنكار هذا في كلامهم.
7
حرصًا على البيان، ويقول: من الوثي فيجعلها ياء، انظر الكتاب 2/ 286.
8
انظر الكتاب 2/ 286.
9
انظر الكتاب 2/ 286.
10
تقديرها: أهنع.



ج / 2 ص -378- جنس الحركة التي قبلها, وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف.
الضرب الثالث منه: وهو ما كان في آخره ألف مقصورة:
حقُّ هذا الاسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين, وإن كان منصرفًا فتقول: هذا قَفَا ورأيت قَفا ومررت بقفا, إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضًا من التنوين في النصب, وسقطت الألف التي هي لام لالتقاء الساكنين, كما تسقط مع التنوين في الوصل, هذا إذا كان الاسم مما ينون مثلهُ, وبعض العرب يقول في الوقف: هذا أَفْعَى, وحُبْلَى1، وفي مُثنّى مُثَنًّى2، فإذا وصل صيرها ألفًا وكذلك كل ألف في آخر3 اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول: "أَفْعَو"4 لأنها أبين من الياء, وحكى الخليل عن بعضهم: هذه حُبْلأ, مهموز مثل حُبْلَع, ورأيت رَجُلًا مثل رَجُلَع, فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك5.
القسم الثالث: وهي الأسماء المكنية:
من ذلك: "أَنا" الوقف بألف, فإذا وصلت قلت: أَنَ فعلت ذاك, بغير ألف, ومن العرب من يقول في الوقف: هذا غُلام, يريد: هذا غُلامي،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: يقول في أفعى وحبلى.
2
ومثنى ساقط من "ب".
3
في سيبويه 2/ 287 "حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة، أما الأكثر الأعرف فإن تدع الألف في الوقف على حالها ولا تبدلها ياء, وإذا وصلت استوت اللغتان.
4
يشير إلى أفعى، قال سيبويه 2/ 287: "وأما طيء فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف لأنها خفية لا تحرك، قريبة من الهمزة، حدثنا بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب.. زعموا أن بعض طيء يقول: "أفعو" لأنها أبين من الياء".
5
انظر الكتاب 2/ 285.



ج / 2 ص -379- شبهها1 بياء قاضٍ، وقد أسقَان وأَسْقِن يريد: أسقاني وأسقني لأن "في" اسم. وقد قرأ أبو عمرو فيقول: {رَبِّي أَكْرَمَنِ}2، و{رَبِّي أَهَانَنِ}3 على الوقف، وترك4 الحذف أقيس, فأما: هذا قاضِيَّ وهذا غلاميَّ ورأيتُ غلاميَّ فليس أحد يحذف هذا, ومن قال: غلاميَّ فاعلم, وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضي في النصب, ومن ذلك قولهم: "ضربَهُو زيد وعليهُو مالٌ, ولديهو رجلٌ, وضربَها زيد" وعليها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن5 وأكثر، وذلك قولك: عليه يا فتى ولديه فلان ورأيتُ أباهُ قَبلُ, وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}6 {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ}7، {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}8، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}9. والإِتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في "هَا" وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم: منهُ يا فتى وأصابتهُ جائحةٌ والإِتمام أجودُ, فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركًا فالإِثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث, وهاتان, والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية تسقطان في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" تشبيها.
2
الفجر: 15، انظر البحر المحيط.
3
الفجر: 16.
4
في "ب" وتركوا.
5
لأن الياء من مخرج الألف، والألف تشبه الياء والواو تشبيهًا في المد وهي أختهما، فلما اجتمعت حروف متشابهة حذفوا، وهو أحسن وأكثر، وذلك قولك: عليه يا فتى، وانظر الكتاب 2/ 291.
6
الإسراء: 106.
7
الأعراف: 176.
8
يوسف: 20.
9
الحاقة: 30.



ج / 2 ص -380- الوقف، هذا في المكني المتصل, فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو: هُو وهي وهما وهنَّ, فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيءٌ, ومن العرب من يقول: هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتنَّهْ وغُلاميهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربنهْ, فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء, وَهِيَهْ يريدون "هي" وهوَهْ يريدون "هُوَ" يا هذا, وخُذه بحكمكهْ, وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت: عليكمو1 مال، وأنتُمو ذاهبونَ2، ولديهمي مال، فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل3 ويسكن الميم، والجميع إذا وقفوا وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في "عليه مال" لاجتمع أربعة متحركات نحو: "رُسُلكمو"4، وهم يكرهون الجمع بين أربعة متحركات، وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها؛ لأنها في الوصل متحركة بعدها5 واو كما أنها في الاثنين متحركة بعدها ألف نحو: غُلامكُما، وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافًا وذلك قولك: كنتُمُ اليومَ وفعلتُمُ الخير وتقول: مررتُ بهي قَبلُ, ولديهي مال، ومررت بدارهي, وأهل الحجاز يقولون: مررتُ بِهُو قَبلُ, ولديهو مال6 ويقرءون: "فخسفنا بهو" وبدارهُو الأرض7، وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول: بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال: "بدارِهُو الأرض" قال: عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "عليكموا".
2
في الأصل "وأنتم".
3
الوصل، ساقط من "ب".
4
في الأصل "رسلكم" وهو يشير إلى الآية الكريمة: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر: 50]، وانظر الكتاب: 2/ 292.
5
في "ب" وبعدها.
6
مال، ساقط من "ب".
7
القصص: 81، وانظر الكتاب 1/ 293-294، والمقتضب 1/ 37.



ج / 2 ص -381- الرابع: المبهم المبني:
تقول في الوصل: علامَ تقولُ كَذا وكَذا؟1، وفيمَ صنعتَ؟ ولِمَ فعلتَ؟ وحتامَ؟ وكان الأصل: على "مَا" وفي ما ولِما صنعت, فالأصل "مَا" إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان "ما"2 استفهامًا, فإذا وقفت فلك أن تقول: فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ, ولك أن تأتي بالهاء فتقول: لِمَه وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ, وإثبات الهاء أجود في هذه الحروف؛ لأنك حذفت الألف من "ما" فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة, وأما قولهم: مجيءُ مَ جِئتَ؟ ومثلُ مَ أنتَ؟ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء لأن "مجيء ومثل" يستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان, ويقولون: مثلَ ما أنتَ, ومجيءُ ما جئتَ, وأما حَيهلَ إذا وصلت فقلت: حَيهلَ بِعُمَر, وإذا وقفت فإن شئت قلت: حَيهلْ وإن شئت قلت: حَيهلا تقف على الألف كما وقفت في "أنَا" وتقول: هذي أمةُ الله, فإذا وقفت قلت: "هَذِهْ" فتكون الهاء عوضًا عن الياء, وقد مضى ذكر ذا, وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف؛ لأن3 الألف خفية وذلك قولهم: هؤلاءِ وههُناهُ, والأجود أن تقف بغير هاءٍ4، ومن قال: هؤلاء وههُناه لم يقل في "أَفعى وأَعمى" ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة؛ لأنه لو قال: أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير.
واعلم: أنهم لا يتبعون الهاء ساكنًا سوى هذا الحرف5 الذي يمتد به الصوت؛ لأنه خفي, وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وكذا، ساقط من "ب".
2
ما، ساقط من "ب".
3
في الأصل: إلا أن، والتصحيح من "ب".
4
ما، ساقط من "ب".
5
أي: الألف؛ لأنه خفي فأرادوا البيان كما أرادوا أن يحركوا.
6
انظر الكتاب 2/ 281.



ج / 2 ص -382- الوقف على الفعل:
الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين: سالم ومعتلّ, فأما السالم فما لم تكن لامه ألفًا ولا ياءً ولا واوًا, والمعتل ما كان لامهُ ألفًا أو ياءً أو واوًا.
الأول: الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الاسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الاسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه, تقول: لن نضرب أما1 المجزوم فقد استغني فيه عن الإِشمام والروم وغيره؛ لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر, تقول: لم يضربْ ولَم يقتلْ, واضربْ واقتلْ, وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الاسم المنصوب فتقول: اضربا, ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف: اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ, ومنهم من لا يلحق الهاء, وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة.
الثاني: الفعل المعتل:
نحو: يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى, وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف, ولا يحذف منه في الوقف شيء2؛ لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف, فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان: من العرب من يقول: ارْمِهْ ولَم يَغْزه واخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ3، ومنهم من يقول: ارمِ واغزُ واخشَ, فيقف بغير هاء. قال سيبويه: حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس, وهذه اللغة أقل اللغتين4، فأما: لا تقهِ من وقيتُ, وإن تَعِ أَعِهْ من "وعَيتُ" فإنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فأما.
2
شيء، ساقط من "ب".
3
قال سيبويه 2/ 278: لأنهم كرهوا ذهاب اللامات والإسكان جميعًا، فلما كان ذلك إخلالًا بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك، فهذا تبيان أنه قد حذف من آخرها هذه الحروف.
4
انظر الكتاب 2/ 278.



ج / 2 ص -383- يلزمها الهاء في الوقف من تركها في "اخشَ"1 وقد قالوا: لا أَدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا: "لم يَكُ" شبهت النون بالياء حيث سكنت, ولا يقولون: لَم يكُ الرجلُ؛ لأنها في موضع تحريك فيه, فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في: أَدرِ وما أَدرِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 278.

الوقف على الحرف:
الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها, فالصحيح فيها والمعتل سواء, وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال: إنَّهْ, يريدون "أنَّ" ومعناها أَجَلْ, قال الشاعر:

ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهُ1

ولَيتَهْ, ولعَلهْ كذاك2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 2/ 279 على تبين حركة النون بالهاء، وعلته أنها حركة بناء لا تتغير، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. وينسب هذا الشاهد إلى ابن الرقيات وهو موجود في ديوانه.
وانظر: الأغاني 1/ 16, وابن يعيش 8/ 6, والمغني 1/ 37, والسمط 2/ 939, والجمهرة 1/ 22, والخزانة 4/ 485, والديوان 142, وشرح السيرافي 5/ 405, وأمالي ابن الشجري 1/ 322.
2
انظر الكتاب 2/ 287 في ليت ولعل.



ج / 2 ص -384- باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإِضمار:
وذلكَ قولك في: "ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُه, وقَدهُ, ومِنه, وعَنه" قال سيبويه: سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء1، وقال أبو النجم:

فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه...2

وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون: قد ضَرَبتِهْ وأَخَذتِهْ حرك لسكون الهاء وخفائها, فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبينُ.
الوقف على القوافي:
العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت3 الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون؛ لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه: أما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 287.
2
من شواهد سيبويه 2/ 287 على نقل حركة الهاء إلى اللام ليكون أبين لها في الوقف؛ لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى لها.
ومعنى: أزحله: أبعده، ومنه سمي زحل لبعده عن الأرض أكثر من غيره من النجوم.
انظر: الكامل 325، والمفصل للزمخشري 339.
3
في "ب" ألحقوا.



ج / 2 ص -385- أهل الحجاز، فيدعون هذه القوافي ما نونَ منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم؛ ليفرقوا بينهُ وبين الكلام، فيقولون:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي1

وفي النصب:

فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنما قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا2

وفي الرفع:

هُرَيْرَةَ وَدعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو...3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 2/ 298 على وصل اللام في حال الكسر بالياء للترنم ومد الصوت. والشاعر قد أجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرونة ألسنتهم عليه. وقيل: يجوز أن يكون المراد: قف، قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ.
والشاهد صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه:

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وانظر: المنصف 1/ 225, وشرح السيرافي 5/ 477, والحجة لأبي علي 1/ 54, وارتشاف الضرب 382, والمحتسب 2/ 49, والمغني 1/ 394, وشرح المعلقات السبع 3, والخزانة 4/ 397.
2
من شواهد سيبويه 2/ 298، على إثبات الألف في الوقف في حال النصب كما ثبت الياء في الجر والواو في الرفع للترنم.
ويروى:

فبتنا نصد الوحش عنا كأننا....

وصف الشاعر أنه خلا بمن يحب بحيث لا يطلع عليهما إلا الوحش. والبيت لزيد بن الطثرية، وقيل: لامرئ القيس ولم يوجد في ديوانه.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 476.
3
من شواهد الكتاب 2/ 298 على وصل القافية بالواو في حال الرفع. وهو صدر بيت للأعشى, وعجزه:

غداة غد أم أنت للبين واجم

يعاتب فيه يزيد بن مسهر الشيباني، وهريرة: مولاة حسن بن عمرو بن مرثد، وواجم: حزين.
وانظر الكامل للمبرد 394، والحجة للفارسي 1/ 54, وشرح السيرافي 5/ 447, وشعراء النصرانية 371، والديوان 646.



ج / 2 ص -386- هذا فيما ينون, فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون, فقول جرير في الرفع:

مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيَامُو1

وقال في الجر:

أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيقَةٍ كَانَتْ مُبَارَكةً مِنَ الأَيامِي2

وفي النصب:

أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا3 وقُولِي: إنْ أَصَبْت لَقَد أَصَابَا4

فهذا وجهٌ.
الثاني: ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم, يقولون:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه أيضًا 2/ 298 على وصل القافية بالواو مع الألف اللام. وذي طلوح: اسم موضع، وسمي بما فيه من الطلح وهو الشجر.
وانظر: التصريف 1/ 224, والحماسة 617, وشرح السيرافي 1/ 201, والارتشاف 302, والجمهرة 2/ 171, والعمدة 2/ 38.
2
من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالياء في الجر، وأيهات لغة في هيهات، وروي في الخصائص:

هيهات منزلنا...

ونعف سويقة: موضع، وقوله: مباركة, أي: كانت تلك الأيام التي جمعتنا ومن نحب، فأضمرها ولم يجر لها ذكرًا لما جاء بعد ذلك من التفسير. والبيت لجرير، وانظر شرح السيرافي 5/ 477، والخصائص 3/ 43, وابن يعيش 3/ 67، والعيني 1/ 38.
3
من شواهد سيبويه 2/ 298، على إجراء المنصوب وفيه الألف واللام مجرى ما لا ألف فيه ولا لام؛ لأن المنون وغير المنون في القوافي سواء. والبيت لجرير أيضًا وهو مطلع قصيدة مشهورة يهجو فيها الراعي النميري. وانظر المقتضب 1/ 240, والخصائص 1/ 171، وشرح السيرافي 1/ 134, والمنصف 1/ 224, والنقائض 432, والحجة لأبي علي الفارسي 1/ 54, والديوان 64.
4
زيادة من "ب".



ج / 2 ص -387- يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكنْ1 ويا صاحِ ما هاجَ الدموعَ الذُّرفنَّ2...

وقال العجاجُ:

مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنهجن3 ..............................

وكذلك الجر والرفع, والمكسور والمبني, والمفتوحُ المبني, والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب.
الثالث: إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر، يقولون:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 2/ 299 و1/ 388 على وصل القافية؛ لضرب من الترنم.
قيل: هذا الشاهد لرؤبة، ونسبه سيبويه للعجاج، وهو موجود في زيادات ديوان رؤبة بن العجاج وقبله:

تقول بنيتي: قد أني أناكا يا أبتا علك أو عساكا

وانظر شرح السيرافي 5/ 477, والخصائص 2/ 96, وشروح سقط الزند 2/ 714, ارتشاف الضرب 350.
2
هذا الرجز من شواهد سيبويه 2/ 299، على وصل القافية بالنون لضرب من الترنم, والذرفن: جمع ذارف. والرجز للعجاج من أرجوزة طويلة منها:

وقاتم الأعماق خاوي المخترفن

وانظر السيرافي 1/ 207, والمحتسب 1/ 86, والجمهرة 2/ 236, والحجة 1/ 65, ومقاييس اللغة 2/ 172, وشروح سقط الزند 2/ 582, والديوان 104.
3
من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالنون كالذي قبله, وهو عجز بيت وصدره:

ما هاج أشجانًا وشجوًا قد شجن

وشجن أصله: شجًا، فألحقه تنوين الترنم، وأنهجن رسم بالألف "أنهجا" والأتحمي: ضرب من البرود، وشبه الطلل به في اختلاف آثاره، ومعنى أنهجن: أخلق، وهذا الرجز من نفس الأرجوزة التي ذكرت في الشاهد الذي قبل هذا الشاهد.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 478, والخصائص 1/ 171, والديوان 7.

ج / 2 ص -388- أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب1

وقال الأخطلُ:

واسأَلْ بمصقَلة البَكْرِي ما فَعَلْ2...

ويقولون:

قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا3

يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب, كما يفعلون في الكلام, والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ, إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي, فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا, من أثبت الزائد أثبت الأصل, ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل, فمن ذلك إنشادهم لزهير:

وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْر4...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من تفسيره وهو الشاهد رقم 3 ص409.
2
من شواهد سيبويه 2/ 299 على حذف الألف من "فعلا" حيث لم يرد الترنم ومد الصوت. وهذا عجز بيت صدره:

دع المضمر لا تسأل بمصرعه واسأل......................

والبيت للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح فيها مصقلة بن هبيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان.
وانظر أدب الكتاب 507, وشرح السيرافي 5/ 478, والاقتضاب 434.
3
من شواهد الكتاب 2/ 300 على إثبات الألف في قوله "حفصا" لأنه منون ولا تحذف ألفه هنا في الوقف كما لا تحذف في الكلام إلا على ضعف، ولم يعرف قائل هذا الشاهد. وانظر شرح السيرافي 5/ 478.
4
من شواهد سيبويه 2/ 300 على حذف الياء، وإن شاء أثبتها في "يفري" والشاهد عجز بيت صدره:

ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم.....

وهو من قصيدة لزهير يمدح فيها هرم بن سنان المري بالحزم ومضاء العزيمة.
قال شارح الديوان: قوله: لأنت تفري ما خلقت, هذا مثل ضربه، والخالق: الذي يقدد الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه، والفري: القطع، والمعنى: إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ثم لا يقدم عليه ولا يمضيه عجزًا وضعف همة.
وانظر: الشعر والشعراء 139, والأغاني 5/ 164, والحجة 1/ 307, والمفصل للزمخشري 341, والحيوان للجاحظ 3/ 383, والحماسة 2/ 74, والديوان 94.

ج / 2 ص -389- وكذلك: يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفًا الواو إن شئت، وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل, فتقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}1 إذا وقفت وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلًا من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب, ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: لم يعلمْ لنا الناسُ مصرع2، فتحذف الألف, قال رؤبة:

دايَنتُ أروى والدُّيونُ تُقضَى فَمَطَلتْ بعضًا وأَدَّتْ بَعْضَا3

فكما لا تحذف ألف "بعضا" لا تحذف ألف "تقضى". وزعم الخليل أن واو يغزو, وياء "يقضي" إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في "وقاتم الأعماق خاوي4 المخترق"5 حرف رويٍّ، فكما لا تحذف القاف لا تحذف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الفجر: 4. يريد في الآية: "والليلِ إذا يَسْري" بالياء.
2
يشير إلى قول يزيد بن الطثرية الذي مر "صفحة 408".
3
رجز من شواهد سيبويه 2/ 300 على إثبات الألف في "تقضى" كما تثبت ألف "بعضا" لأنها عوض من التنوين في حال النصب.
وينسب هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج, داينت فلانًا: إذا أقرضته وأقرضك، وداينت فلانًا: إذا عاملته فأعطيته دينًا وأخذت بدين.
وانظر شرح السيرافي 5/ 484, والخصائص 2/ 96, والحجة 1/ 58, والجمهرة 1/ 18, والخزانة 4/ 334, وديوان رؤبة 79.
4
في الأصل "خاوٍ".
5
من شواهد الكتاب 2/ 30 على ما يلزم من إثبات الياء والواو إذا كانتا قافيتين لما يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي.
والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق... والقاتم: المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة.
وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب 1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582.



ج / 2 ص -390- واحدة منهما، وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي, فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم. وقال سيبويه1: وقد دعاهم حذف ياء "يقضي" إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء "يقضي" لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين [بنيا]2 على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله3:

يا عَجبًا لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ4

وقال: سمعت من العرب من يروي هذا الشعر:

لا يُبْعِد الله أصحابًا تَركْتُهُمُ لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاة الأمْسِ ما صَنَعْ5

يريدُ: ما صنعوا.
وقال عنترةُ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي.
والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق... والقاتم: المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة.
وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب 1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582.
1
قال سيبويه، ساقط في "ب" وانظر الكتاب 2/ 301.
2
أضفت كلمة "بنيا" لإيضاح المعنى.
3
زيادة من "ب".
4
من شواهد سيبويه 2/ 301، على لزوم الياء والواو، إذا كانتا للإضمار واتصلتا بحرف الروي. والشتى: المتفرقة المختلفة، أي: تأتي بخير وشر. وانظر الحجة 1/ 57.
5
من شواهد الكتاب 2/ 301، على حذف واو الجماعة من "صنعوا" كما تحذف الواو الزائدة إذا لم يريدوا الترنم, وهذا قبيح.
ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، بل قال: إنه سمعه من بعض العرب. انظر: الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, والمفصل للزمخشري 341.



ج / 2 ص -391- يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ1...

يريد: تكلمي. فأما "الهاءُ" فلا تحذف من قولك: شتَّى طرائقهُ2 وما أشبهه؛ لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين، قال3: وأنشدنا الخليل:

خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أو قعَا4...

فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من "يقضى" فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط, ولم يجئ في الألف ولم يجز لما تقدم ذكره.
واعلم: أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي5، فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك, وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها, ولا يقع ذلك في غير المجرور, كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لالتقاء الساكنين كسروا, قال امرؤ القيس:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 2/ 302 على حذف الياء من "تكلمي" وهي ضمير المؤنث, كما حذفت واو الجماعة من "صنعوا" في الشاهد الذي قبله.
والشاهد صدر بيت عجزه:

وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي

والجواء: اسم موضع، وعبلة اسم معشوقة الشاعر، يقول: يا دار, حبيبتي بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا. ثم أضرب عن استخبارها إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار عبلة.
وانظر: الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, وشروح سقط الزند 2/ 607, وشرح المعلقات السبع للزوزني 163, والديوان 214.
2
يشير إلى شطر البيت السابق ص414.
3
يعني سيبويه، انظر الكتاب 2/ 302.
4
من شواهد سيبويه 2/ 302 على أن الألف من قوله: "قعا" لا تحذف، كما لا تحذف ألف "بعضا" يقال: وقع الطائر: إذا نزل بالأرض، والوقوع ضد الطيران.
وانظر الحجة 1/ 57، وشرح السيرافي 5/ 487.
5
قال سيبويه 2/ 303: ولو لم يفعلوا ذلك لضاق عليهم, ولكنهم توسعوا بذلك.

ج / 2 ص -392- أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي وأنَّك مَهْمَا تَأمري القَلْبَ يَفْعَلِ1

وقال طرفة:

مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسًا رَوِيَّةً فإنْ كُنْتَ عَنْها غَانِيًا فَاغْنَ وَازْدَدِ2

ولو كانت في قواف3 مرفوعة أو منصوبة كان إقواء, وقال أبو النجم:

إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلِ4...

وحلْ، مسكنة في الكلام. قال سيبويه5: ويقول الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامهُ: "قالا" فيمد "قال" و"يقولوا" فيمد "يقولُ" ومن6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 2/ 303 على كسر اللام في حال الجزم للإطلاق والوصل وإجرائها في ذلك مجرى المجرور، والشاهد لامرئ القيس يقول: قد غرك مني كون حبي لك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله. وانظر شرح السيرافي 5/ 488، وشرح المعلقات السبع 13, والديوان 143.
2
في "ب" ساقط بيت طرفة.
والشاهد في كتاب سيبويه 2/ 303، على أن ازدد بالسكون، ولكنه كسر للإطلاق في القافية ووصلها بحرف المد للترنم.
وأراد بالكأس: الخمر في إنائها ولا تسمى كأسًا إلا كذلك، ومعنى أصبحك: أسقك صبوحًا، وهو شرب الغداة، والروية: المروية، وهي فعلية بمعنى مفعلة.
3
الغاني والمستغني سواء، يقال: غنيت عن الشيء, استغنيت.
وصف الشاعر كلفه بالخمر واستهلاكه في شربها، والبيت من معلقة طرفة.
وانظر: المقتضب 2/ 49, وشرح السيرافي 5/ 488, وجمهرة أشعار العرب 138, وشرح المعلقات السبع لابن الأنباري 187, والديوان 25 في الأصل "قوافي".
4
من شواهد الكتاب 2/ 303، على كسر لام "حل" للإطلاق والوصل، وحوب وحل زجر للناقة لحثها وحملها على السير، وحوب مكسورة لالتقاء الساكنين كما كسرت "جير" و"حل" ساكنة على ما يجب فيها، إلا أنها حركت للإطلاق. ونسب هذا الرجز إلى أبي النجم العجلي، وانظر: شرح السيرافي 5/ 488, والمخصص 7/ 80.
5
انظر الكتاب 2/ 303.
6
انظر الكتاب 2/ 303، ونص سيبويه: و"بين" بدلًا من "من".

ج / 2 ص -393- العامي فيمدُّ "العام" سمعناهم يتكلمون به في الكلام, ويجعلونه علامة ما يتذكرونه1 ولم يقطعوا2 كلامهم، فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون: إنه "قدي" في "قَدْ" ويقولون: إلى في الألف واللام يتذكرون3 الحارث ونحوه. قال: وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: "هذا سيفني يريد: سيفٌ, ولكنَّهُ تذكر بعدُ كلامًا ولم يرد أن يقطع اللفظ, ولو أراد القطعَ ما نونَ, فالتنوين حرف ساكن فكسر كما كسر دال4 "قَدْ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يتذكر به".
2
انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يقطع".
3
نص الكتاب 2/ 303 "يتذكر الحارث".
4
في الأصل "ذاك" وهو تصحيف؛ لأنه يريد كسر دال قد في "قدي".











39



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -394- باب "من" وأي إذا كنت مستفهمًا عن نكرة:
إذا قال القائل: رأيتُ رجلًا قلتَ: مَنَا وإذا قال: هذا رجلٌ قلت: مَنُو وإن قال: رأيتُ رجلين قلت: مَنَيْن وإن قال: "هذانِ رجلانِ" قلت: مَنَان وفي الجميع: مَنونْ ومَنَينْ, وللمؤنث: مَنَهْ ومَنَتْ مثل بنتٍ وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ. وزعَمَ الخليل1: أنَّ هذا الباب في "مَا" إذا وصلت قلت: مَنْ يَا فتى؟ وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط. قال سيبويه2: وحدثنا يونس أن ناسًا يقولون: مَنَا ومِنَي ومَنَو واحدًا كان أو اثنين أو جماعة, وإذا قال: رأيتُ امرأة ورجلًا قلت: مَنْ ومَنَا؛ لأنكَ تقول: مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت: مَنْ ومنَهْ؟ قال: فإذا قال: "رأيتُ عبد اللهِ" فلا تقل: مَنَا, لا يصلح ذلك في شيءٍ من المعرفة، قال سيبويه3: وسمعنا من العرب من يقال لهُ: ذهب4 مَعَهم, فيقول: مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ: مَنَا, وذلك أنه سأله, على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم, والعرب تختلف في الاسم المعروف فأهل الحجاز5 إذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 403.
2
انظر الكتاب 1/ 402.
3
انظر الكتاب 1/ 403.
4
في الكتاب 1/ 403، ذهبنا بدلًا من "ذهب".
5
انظر الكتاب 1/ 403.



ج / 2 ص -395- قال الرجلُ: "رأيتُ زيدًا" قال: "مَنْ زيدًا" يحكون النصب أو الرفع أو الجر, وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الاسم الغالب فإذا قال: "رأيتُ أَخا زيدٍ" لم يجز: "منْ أخا زيدٍ" إلا قول من قال: "دَعنا من تمرتانِ"1 وليس بقرشيا2، والواجبُ الرفعُ3 وقال يونس4: إذا قال رجل: رأيت زيدًا وعمرًا أو زيدًا وأخاهُ أو زيدًا أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد: ما زيد إلا منطلق إلى الأصل, فأما ناس فإنهم قالوا: منْ أخو زيدٍ وعمرٍو؟ ومَنْ عمرًا وأخا زيدٍ؟ يتبع الكلام بعضُه بعضًا وإذا قالوا: "منْ عمرًا؟ ومنْ أخو زيدٍ؟" رفعوا "أخا زيدٍ"5 قال6: وسألت يونس عن: رأيت زيد بن عمرٍو فقال: أقول: مَنْ زيد بن عمرو لأنه كالواحد, فَمنْ نونَ زيدًا رفع في قول يونس7، فإن أدخلت الواو والفاء في "مَنْ" فقلت: فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع, ويقول القائل: رأيت زيدًا فتقول: المَنيَّ فإن قال: رأيت زيدًا وعمرًا قلت: المَنين وإن ذكر ثلاثة قلت: المنيين, تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت: القرشيَّ أم الثقفيَّ, نصب, وإن شاء رفع على "هو" كما قال صالح في جواب: كيف أنتَ؟ وما أي فهي مخالفة "لِمَنْ" لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت إذا قال: رأيتُ رجلًا, أيا؟ فإن قال: رجلين قلت: أيين؟ وللجميع: أيينَ فإن ألحقت "يا فتى" فهي على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يعني الحكاية لقوله: ما عنده تمرتان.
2
انظر الكتاب 1/ 403.
3
لأنه ليس باسم غالب.
4
انظر الكتاب 1/ 403.
5
انظر الكتاب 1/ 403-404، تبدأ الزيادة من "ب" من هذه الصفحة إلى 422 من الأصل.
6
أي: سيبويه، انظر الكتاب 1/ 404.
7
لأنه يجعل الابن صفة منفصلة.



ج / 2 ص -396- حالها1، وإذا قلت: رأيتُ امرأةً, قلت: أية يا فتى؟ وللاثنتين: أَيتين يا فتى؟ والجماعة: أيَّات يا فتى؟ وإن تكلم بجميع ما ذكرنا مجرورًا جررت وإن رفع رفعت, فإن قال: رأيت عبد الله فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع "أيٍّ" في المعرفة إلا الرفع, فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان؛ فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى "الذي" تقول: اضرب أيهم هو أفضل وأعط أيهم كان أفضل واضربْ أيهم أبوهُ زيد, كما تقول: اضربْ منْ أبوهُ زيد, ومن هو أفضل, فإن قلت: "اضربْ أيهم عاقلٌ" رفعت هذا مذهب سيبويه2، وهو عندي مبني "لأنَّ" الذي عاقل قبيح, فإن دخلت "هو" نصبت, وزعم الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: ما أنا بالذي قال لك شيئًا3، فعلى هذا تقول: اضربْ أيهم قائل لك خيرًا, إذا طال الكلام حَسُنَ حذف "هو" ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت: اضربْ منْ أفضلُ, ورفع اضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى "الذي" عندي ناقص لأصول العربية, إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَرب من الضروب يمنع الفعل من الاتصال "بأي" وما يفارق "أي" فيه "من" أن أي تضاف و"من" لا تضاف, ومن تصلح للواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث, فمن ذلك: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}4، ومَنْ كانت أُمُّكَ، وتقول أيضًا: أَيهم كانت أمُّكَ؟ وزعمَ الخليل5 أن بعضهم قرأ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ}6، وقال الفرزدق:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه: فإن ألحقت "يا فتى" في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق "يا فتى". وانظر الكتاب 1/ 401.
2
انظر الكتاب 1/ 399.
3
انظر الكتاب 1/ 399.
4
يونس: 43.
5
انظر الكتاب 1/ 404.
6
الأحزاب: 31.



ج / 2 ص -397- نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ1

فأي: إنما هي بعض لما أضيفت إليه، ومن قد حكي فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك: مررت بمن صالح, وقالوا: من تكون استفهامًا وتعجبًا وجزاءً, قال بعض الكوفيين: إذا وقعت على نكرة كانت تعجبًا ولم تكن استفهامًا, ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها, وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والاستفهام, فإذا قلت: أيُّ الرجلين أخواكَ؟ وأي رجالٍ إخوتُكَ؟ فهو على العدد, وإذا قلت: أي الزيدينِ أخوكَ؟ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ؟ فلا يجوز أصحابكَ لأنها تزيد بعد المعرفة.
واعلم: أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض؛ لأنك إذا قلت: أي الرجلينِ أخواكَ؟ إنما تريد: أي الرجالِ, إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ أخواك, وقد حكي أن "ذا" قد جاءت بمعنى "الذي".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 404 على تثنية "يصطحبان" حملًا على معنى "من" لأنها كناية عن اثنين وأخبر عنه وعن الذئب فجعله ونفسه بمنزلتهما في الاصطحاب، وهو عجز بيت صدره:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني.

ويروى يصطلحان, ورواه المبرد: تعش فإن عاهدتني لا تخونني.
وصف ذئبًا طرقه عندما أوقد نارًا فدعاه إلى العشاء والصحبة. وانظر المقتضب 2/ 295، 3/ 253، وشرح السيرافي 1/ 76، وارتشاف الضرب/ 140، وأمالي ابن الشجري 2/ 311، والمحتسب 1/ 219، والخصائص 2/ 422، والعيني 1/ 461، والديوان/ 870.

ج / 2 ص -398- باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام:
يقول الرجل: ضربتُ زيدًا, فتقول إذا أنكرت: أزيدَنِيه, وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا فهذا حكمه. إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ لالتقاء الساكنين مثل التنوين, وإن كان مضمومًا جعلته واوًا, وإن كان مكسورًا جعلته ياءً, وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ زيدًا وعمرًا" قلت: أزيدًا وعَمرنيه وإذا قال: ضربتُ عمر, قلت: أعُمراهُ, فإن قال: ضربتُ زيدًا الطويلَ قلت: الطويلاه وإن قلت: أزيدًا يا فتى, تركت الزيادة إذا وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الاسم أن فيقول: أَعُمرانيه, قال سيبويه: سمعنا رجلًا من أهل البادية قيل له: أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ؟ فقال: أَنَا إِنِيه منكرًا1. ومما زادوا الهاء فيه بيانًا قولهم: اضْرِبْهُ يريد: اضرِبْ وتقول: إني قد ذهبتُ فيقول: أذهبتوه ويقول: أنا خارج فتقول: أنا إنِيه, تلحق الزيادة ما لفظتهُ وتحكيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 406.











40



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -399- ذكر الهمز وتخفيفه:
الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فالساكنة لها ثلاث جهات, إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة, فإن كان قبلها فتحة أبدلت ألفًا وذلك في رأس, راس, وفي يأس ياس, وفي قرأتُ قراتُ, وإن كان قبلها كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم في الذئب: الذيبُ, وفي المئرةِ1: الميرةُ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا, وذلك قولك في البؤسِ: البوسُ, والمؤمنِ: المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها؛ لأنه ليس شيءٌ أقرب منه, فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء, والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكنًا أو متحركًا فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين: همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمد. والضرب الآخر: همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول: الهمزة المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واو أو ياء, وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم, وأبدلت الهمزة واوًا, وإنما فعلت ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ, وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء, تقول في خطيئةٍ: خَطيّة, في النسيء: النسيُّ يا هذا, وفي أفَيئسٍ تصغير أفْؤسٍ أُفَيّس, وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل: سُويَلٍ, فياء التصغير بمنزلة ياء خطيةٍ. وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحًا قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبدًا, وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير نحو ألف دراهم, ألا ترى أنك تقول: دُرَيهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف, ولا تحرك كما لا تحرك الألف, وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفًا جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين: "بَينَ بينَ" أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها, فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة, وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة, وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة. وقال سيبويه2:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المئرة بالهمزة: النحل والعداوة، وجمعها: مئر.
2
انظر الكتاب 2/ 124.




ج / 2 ص -400- ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في التخفيف, إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن, ولولا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في المسائِل المسايل, يجعلها بين الياء والهمزة, وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ, فيجعلونها بين الهمزة والألف, يلينُ الصوتُ بها وتقول في جزاءُ أُمه, جَزاؤامهِ.
الضرب الثاني:
الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ, فَمنْ يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها، وذلك قولك في المرأة، المَرة، وفي الكمأة الكَمَة, وقال الذين يخففون: "أَلا يسْجدوا لِلَّهِ الَّذي يُخْرجُ الْخبَ فِي السَّمواتِ وَالْأرْضِ"1، ومن ذلك: مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك: الحمر تريد الأحمر, وقد قالوا: الكماةُ والمراة ومثله قليل, ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قولهم: أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى. وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت: رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره: أرَأوهُ مثل: أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل, فإن أمرت واحدًا قلت: ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل أرْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في: اخشَ يا هذا وكان الأصل: اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء, فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها, قال سيبويه: وحدثني أبو الخطاب2 أنه سُمعَ من يقول: قد أَراهُم فجاء به على الأصل3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النمل: 25. وهذه القراءة من الشواذ، انظر شواذ ابن خالويه 109، وتنسب إلى أبي بكر وعيسى بن عمر الثقفي, وقراءة الجمهور الخبء بالهمز.
2
أي: الأخفش الكبير.
3
انظر: الكتاب 2/ 165.



ج / 2 ص -401- باب ذكر الهمزة المتحركة:
لا تخلو الهمزة المتحركة من أحد ثلاث جهات من الضم أو الكسر أو الفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة, فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك؛ لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف, والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا وذلك محال, فأما ما تجعل من ذلك "بينَ بينَ" فنحو: سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ, وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة, فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ بينَ, بين الألف والهمزة, وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودة, فيجعلونها واوًا خالصة, ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك, وفي المئرِ1 المير ياء خالصة، وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ, وإن كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء وذلك في يَئسَ ييسَ, وفي سَئِمَ سَيِمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ}2. وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك: ضربتُ أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المئرة: جمع مئرة وهي العداوة.
2
البقرة: 126، 260.



ج / 2 ص -402- بينَ, وذلك: هذا دِرهمُ أُختِكَ، وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ, وذلك من عند أُختكَ؟ وقال سيبويه: وهو قول العرب والخليل1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 164.



ج / 2 ص -403- باب الهمزتين إذا التقتا:
وذلك على ضربين: فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة, وضرب في كلمتين منفصلتين, اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من إبدال الآخرةِ ولا تخفف, فمن ذلك قولك في فاعل من "جئت": جائي, أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفًا نحو آدمَ لانفتاح ما قبلها، قال1: وسألت الخليل2 عن فَعْلَلٍ من جئتُ [فقال]3: جَيأَي, مِثال جَيعا, وإذا جمعت آدم قلت: أَوادم كما أنك إذا حقرت قلت: أُويدم, صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ؛ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف "خالدٍ" لانفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها, وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل ياء، فتصير: خطائي فقلبوا الياء ألفًا ورفَعوا ما قبلها, كما قالوا "مُداري" أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا "مَطايا" وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف, وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا, وذلك قولهم: كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان؛ لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف الآخرة تسقط, ويجري الاسم في الكلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي سيبويه، انظر الكتاب 2/ 169.
2
انظر الكتاب 2/ 169.
3
أضفت كلمة "فقال" للمعنى.



ج / 2 ص -404- الضرب الثاني: من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين:
اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة, فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما, كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة, وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عينًا مضاعفة في الأصل نحو سماءين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو1 وذلك قول الله عز وجل: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}2، {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا}3، ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة, وكان الخليل4 يستحب هذا ويقول: لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم, وأخذ به أبو عمرو5 في قوله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}6 فحقق الأولى وقال سيبويه: وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة، ويدلك على ذلك قول الأعشى7:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: أبو عمرو بن العلاء، وانظر الكتاب 2/ 167، والمقتضب 1/ 158.
2
محمد عليه الصلاة السلام: 18.
3
مريم: 7 والآية: {زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}.
4
انظر الكتاب 2/ 196.
5
انظر الكتاب 2/ 197.
6
هود: 72 وفيها قراءات كثيرة سبعية، انظر إتحاف فضلاء البشر/ 259، وغيث النفع/ 130.
7
من شواهد الكتاب 2/ 167 على أن الهمزة المخففة بزنة المحققة، ولولا ذلك لانكسر البيت؛ لأن بعد الهمزة نونًا ساكنة، فلو كانت بين بين في حكم الساكنة، لالتقى ساكنان في الحشو، ولا يكون ذلك في الشعر إلا في القوافي. وعجز البيت:

ريب المنون ودهر مفسد خبل.

ورأيت بمعنى: أبصرت، والأعشى: هو الذي لا يبصر بالليل.
وانظر المقتضب 1/ 155، والحجة 1/ 231، وشرح السيرافي 5/ 11، والإنصاف/ 389، والديوان/ 55.



ج / 2 ص -405- أَانْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ...

فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت, وأما أهل الحجاز1 فيخففون الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت, فتقول: اقرأ آية في قول من خفف الأولى؛ لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها, ومن حقق الأولى قال: اقْر آية ويقولون: اقْرِي مثل: اقر آية؛ لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن, وأما أهل الحجاز2 فيقولون: اقرأ آيةً ويقولون: أَقرِي باكَ السلام, يبدلون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها, ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها, ومن العرب ناس3 يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفًا إذا التقتا؛ وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا: اخشينانِ4، فهؤلاء أهل التحقيق، وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول: آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار [أبو عمرو]5 ويدخلون بين الهمزتين ألفًا ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين, وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة, وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعًا ويدخلون6 بينها ألفًا, وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية, واعلم: أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين, قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحًا والياء إذا كان ما قبلها مكسورًا, ياء مكسورة, وليس هذا بقياس مطرد، وإنما يحفظ عن العرب7 حفظًا، فمن ذلك قولهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 167-168.
2
انظر الكتاب 2/ 168.
3
انظر الكتاب 2/ 168.
4
فصلوا هنا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة.
5
أبو عمرو، زيادة من الكتاب 2/ 168 يقتضيها المعنى.
6
في سيبويه 2/ 168: "ولا يدخلون"، وأظنها أصح من عبارة: "ويدخلون".
7
انظر الكتاب 2/ 169.

ج / 2 ص -406- في "منسأةٍ" مِنْسأة, ومن العرب من يقول في أوْ أَنْتَ, أوَّنْتَ وأبو يوب في "أبو أيوب" وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء: سَوَّةٌ وضَو شبهوهما بأوَّنْتَ, فإن خففت في قولهم: أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية لاجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها, وبعضهم يقول: يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يجيكَ ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو, وعلى هذا تقول: هُوَ يَرم خوانَهُ يريد: يَرمِ إخْوانه حذف الهمزة وأذهب الياء لالتقاء الساكنين. قال أبو بكر: ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه, والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود, والتثنية والجمع الذي على حدها, والعدد, وجمع التكسير, والتصغير, والنسب, والمصادر وما اشتق منها, والإمالة, والأبنية, والتصريف, والإِدغام، وضرورة الشاعر.











41



















الأصول في النحو

ج / 2 ص -407- باب المذكر والمؤنث
التأنيث يكون على ضربين: بعلامة وغير علامة؛ فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين: فأحد اللفظين التاء, تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة, والآخر الألف, أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب.
الأول: دخولها على نعت يجري على فعله وذلك قولك: في قائمٍ ومفطرٍ وكريم ومنطلقٍ إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يُسم فهذا بابه, وجميع هذا نعت لا محالة, وهو مأخوذ من الفعل.
الثاني: دخولها فرقًا بين الاسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأُنثاهُ ذكر, وذلك قولهم: امرؤٌ وامرأةٌ ومرءٌ ومرأةٌ, ويقولون: رجَلٌ وللأُنثى رَجُلةٌ, قال الشاعر:

وَلَمْ يُبالوا حُرْمةَ الرَّجُلَة1

والثالث: دخولها فرقًا بين الجنس والواحد منه, نحو قولك: تَمْرٌ وتَمرةٌ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هذا عجز بيت وصدره:

خرقوا جيب فتاتهم ولم يبالوا حرمة الرجلة

ويروى: فرقوا مكان "خرقوا" وأراد بجيبها هنها. والشاهد فيه "التاء" للفرق بين جنس المذكر والمؤنث, ولم يعرف قائل هذا الشاهد.
وانظر: الكامل 159, وشروح سقط الزند 3/ 1211, وأمالي ابن يعيش 5/ 98.



ج / 2 ص -408- وبُسرٌ وبُسرةٌ، وشعير وشعيرةٌ وبقَر وبقَرةٌ, فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والتذكير, فتقول: هو التَّمرُ وهو البُسرُ وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه, ولك أن تقول: هي التمرُ وهي الشعيرُ, وكذلك ما كان مثلها قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}1 فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة, ومن هذا الباب جَرادٌ وجرادةٌ، وإنما هو واحد من الجنس, ليس جرادٌ بذكرِ جَرادةٍ.
واعلم: أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه؛ لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع, وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة, فأما حَيّةٌ فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس: "حَيٌّ" لأنه في الأصل نعت حَي يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب.
الرابع: ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذَكرٌ, وذلك: بلدة ومدينة وقرية وغُرفة.
الخامس: ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه, وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك: عَلاّمةٌ ونَسابةٌ وراويةٌ, فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان, فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره, لمذكر أو مؤنث, قَلتْ أو كثرتْ.
السادس: الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفَاعِلَ, وبابه ينقسم إلى ثلاث أنحاء, فمن ذلك ما يراد به النَّسبُ نحو الأَشاعثةِ والمهالبةِ والمناذرةِ والثاني: أن يكون من الأعجمية المعربة نحو الجَواربةِ والمَوازجةِ والسيابجةِ والبرابرةِ. وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار.
الثالث: أن تقع الهاء في الجمع عوضًا من "ياء" محذوفة فلا بد منها أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الحاقة: 7.



ج / 2 ص -409- من الياء وذلك في جمع جحجاجٍ، جَحاجيج, وفي جمع زنديق, زَناديق وفي فرزان, فرازين, فإن حذفت الياء قلت: فَرازنةٌ وزَنادقةٌ وجحاجحَةٌ, وليس هذا كعَساقلةٍ وصيَاقلةٍ لأنك حذفت من هذا شيئًا لا يجتمع هو والهاء, ولو اجتمعا لم يكن مُعاقبًا ولا عوضًا. وإنما قلت: إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء, ألا ترى أن الاسم تمنعه الهاء من الانصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة, وإن الهاء كياء النسب تقول: بطةٌ وبَط وتَمرةٌ وتَمرٌ, فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء, وكذلك تقول: "زنجي وزنجٌ, وسندي وسندٌ, وروميٌّ ورومٌ, ويهوديٌّ ويهودٌ" فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة, وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة, تأتي بها في أي وزن كان, وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تَميمي: تُميميٌّ, وفي تصغير جمزي: جُمَيزيٌّ, وتقول في عنترةَ: عُنيتريٌّ, فالاسم على ما كان عليه.
السابع: ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى, وذلك نحو حمامةٍ, ودجاجةٍ، وبطةٍ، وبقرةٍ، واقع على الذكر والأنثى، ألا ترى قول جرير:

لمَّا تَذَكَّرتُ بِالدَّيْرَيْنِ أَرَّقَنِي صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ1

إنما يريد: زُقاء الديوكِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشاهد فيه: صوت الدجاج، وإنما يريد: زقاء الديوك.
وقيل: إنه أراد ديرًا واحدًا هو دير الوليد بالشام، وقد صرح ياقوت أنه أراد ديرين: دير فطرس ودير بطرس بظاهر دمشق. وانظر: الكامل 61, والحيوان للجاحظ 2/ 342, والعقد الفريد 5/ 388، والمسلسل في غريب لغة العرب 240, والديوان 148.



ج / 2 ص -410- باب التأنيث بالألف:
هذه الألف تجيء على ضربين: ألف مقصورة وألف ممدودة, والألف المقصورة تجيء على ضربين: فضرب لا يشك في ألفهِ أنها ألف تأنيث، وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل.
الأول: ما جاء على فُعْلَى فهو أبدًا للتأنيث, لا يكون هذا البناء لغيره, وذلك نحو: حُبْلى وأُنثى وخُنْثى ودُنْيا؛ لأنه ليس في الكلام اسم على مثال "جَعْفَر" فهذا ممتنع من الإلحاق.
الثاني منه: ما جاء على وزن الأصول، وبابه أن ينظر: هل يجوز إدخال الهاء عليه, فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث؛ لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث, وإن امتنعت فهي للتأنيث, فأما الذي لا تدخل عليه الهاء فَسكرى وغضْبى ونحوهما مما بني الذكر منه على فَعْلانَ نحو سَكْرانَ وغَضبانَ وكذلك جمعه نحو: سَكارى في أن الألف للتأنيث, ومن ذلك: مَرْضَى وهَلْكَى ومُوتى, فأما ما تدخله الهاء فنحو عَلْقَاةٍ وأرطأَةٍ, وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف.
الضرب الثاني من ألف التأنيث: هو الألف الممدودة:
وهي تجيء على ضربين: منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه, ومنه ما يجيء اسمًا وليس له مذكر اشتق له من لفظه, فالضرب



ج / 2 ص -411- الأول يجيء على فَعْلاء، نحو حَمْراءَ، وخَضْراءَ, وسوداءَ, وبيضاءَ, وعوراءَ, والمذكر من جميع ذا على "أَفعلَ" نحو أَحمرَ وأخضرَ وأَعورَ, وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث. وأما ما جاء اسمًا لواحد ولجميع، فالواحد نحو صَحْراءَ وطَرْفاءَ وقَعْساءَ وحلفاء وخنفساء وقرفصاء, وأما ما جاء لجمع فنحو: الحكماء، والأصدقاء، والأخمساء، وأما بطحاء وأبطحُ فأصله صفة وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسمًا, مثل أَبرق وبَرقاءَ وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال: جبَلٌ أَبرق، وأما قوباء1 وخُششَاء فهو ملحق بفسطاط وقرطاطَ، وكذلك: علباء2, وحرباءُ3، وقِيقاء4، وزيزاءُ5 مذكرات ملحقات بسرداح6، ومداتُهن منقلبات، وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحًا فليست ألفه للتأنيث.
الضرب الثاني: من القسمة الأولى من المؤنث:
وهو ما أُنث بغير علامة من هذه العلامات, وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب: منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضًا فغير عن حرف التأنيث, واسم يلزم التأنيث وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه, واسم يذكر ويؤنث.
الأول: قولك: أَتانٌ، وحمارٌ، وعَناقٌ7، ورخلٌ8، وجملٌ, وناقةٌ، صار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قوباء: بثر يظهر على الجلد.
2
علباء: عرق في العنق.
3
حرباء: فكر أم حبين.
4
قيقاء: المكان المرتفع المنقاد المحدودب.
5
زيراء: وهو الغليظ من الأرض.
6
سرداح: الضخم من كل شيء.
7
عناق: الأنثى من أولاد المعز. وانظر حياة الحيوان 2/ 129، والعناق: دويبة طويلة الظهر.
8
رخل: ذكر المعز.



ج / 2 ص -412- هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفًا معروفًا "بذي" عن العلامة، ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك, وكذلك حَجَرٌ.
الثاني: ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازمًا, أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره, وذلك أنه ليس شيءٌ من ذوات الثلاثة كان مؤنثًا إلا وتصغيره يرد الهاء فيه؛ لأنه أصل للمؤنث, وذلك قولك في بَغْل: بُغَيلَةٌ وفي ساقٍ: سُويقةٌ وفي عَين: عيينةٌ وأما قولهم في: حَرْبٍ حُرَيْبٌ وفي فَرَسٍ فُرَيسٌ فإن حربًا إنما هو في الأصل مصدر سمي به, وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فُرَيسة, فإن كان الاسم رباعيا لم تدخله الهاء في التصغير وذلك نحو مَقْربٍ وأرنب, وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث, وذلك نحو إبلٍ وغنمٍ تقول في تصغير [غنمٍ]: غُنَيمةٌ وفي إبلٍ: أُبَيلَةٌ ولا واحد من لفظه, وكذلك خَيلٌ هو بمنزلة هندٍ ودعدٍ وشمسٍ فتصغر ذلك فتقول: غُنَيمةٌ وخُيَيلَةٌ, فإن كان شَيءٌ من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث.
الثالث: وهو ما يذكر ويؤنث:
فمن ذلك الجموع, لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة, فأما قومٌ فيقولون في تصغيره: قوَيمٌ، وفي بَقَرٍ: بُقَيرٌ, وفي رَهْطٍ: رُهَيطٌ؛ لأنك تقول في ذلك "هم" ولا يكون ذلك لغير الناس، فإن قلت فقد أقول: جاءتِ الرجالُ و{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ}1 وما أشبه ذلك, فإنما تريد: جاءتْ جماعةُ الرجالِ، وكذبت جماعة قوم نوح, كقول الله تعالى: {وَاسْأَلِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الحج: 42 وسورة ص: 12 والقمر: 9، وانظر شرح الشافية 2/ 159-160 والشعراء: 105.



ج / 2 ص -413- الْقَرْيَة}1، إنما هو أهل القرية، وأهل العيرِ, فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}2 فهذا على لفظ الجنس. وقال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}3 على معنى الجماعة, وتقول: هذه حصًى كبيرةٌ وحصًى كثيرةٌ, وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء, قال الأعشى:

فإنْ تُبْصِرِيني وَلِي لِمَّةٌ فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا4

لأن الحوادث جمع حَدثٍ, والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد, وكذلك قول عامر بن حريم الطائي:

فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالها5

لأن أرضًا ومكانًا سواءٌ, ولو قال على هذا: "إنَّ زينبَ قامَ" لم يجز لأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يوسف: 82, وانظر الكتاب 1/ 108 و2/ 25.
2
القمر: 20.
3
الحاقة: 7، وانظر أمالي الشجري 831، والبحر المحيط 1/ 83, وشرح الكافية للرضي 2/ 152.
4
من شواهد سيبويه 1/ 239 على حذف التاء من "أودت" ضرورة، ودعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان. ومعنى فأودى بها: ذهب ببهجتها وحسنها, واللمة: الشعرة تلم بالمنكب، وتبدلها: تغيرها من السواد إلى البياض. ورواية الديوان:

فإن تعهديني ولي لمة فإن الحوادث...

وانظر: معاني القرآن 1/ 128, وأمالي ابن الشجري 1/ 227, والإنصاف 410, والغيث المنسجم 2/ 446, وابن يعيش 5/ 95 و9/ 6 والمسلسل في غريب لغة العرب 250, والديوان 171.
5
من شواهد الكتاب 1/ 240 على حذف التاء من "أبقلت" لأن الأرض بمعنى المكان، فكأنه قال: ولا مكان أبقل إبقالها.
وصف أرضًا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث, والودق: المطر، والمزنة: السحابة، ويروى: أبقلت إبقالها, بتخفيف الهمزة ولا ضرورة فيه على هذا.
وانظر: الخصائص 2/ 411, والكامل 405, ومعاني القرآن 1/ 127, والخزانة 1/ 21.



ج / 2 ص -414- تأنيث هذا تأنيث حقيقي, فمهما اعتوره من الاسم فخبرت عنه بذلك, فإنّ الخبر عنه لا عن الاسم.
واعلم: أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به, كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو, تقول: فِهْرٌ فهي مؤنثةٌ وتصغيرها فُهَيرَةٌ وتقول: قَتبٌ لحشوةِ البَطنِ وهو المعى وتصغيره قُتَيبَةٌ, وبذلك سمي الرجل قُتَيبَة وكذلك: طريقٌ وطرقٌ وطريقين جُرن وجُرنات وأوطبُ وأواطبُ والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك: اللسان يقال: هو وهي والطريقُ مثله والسبيلُ مثلهُ, وأما قولهم: أرضٌ فكان حقه أن يكون الواحدُ أرضة والجمع أرضا, لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرةٍ من تَمرٍ, ولكن لما كانت نَمطًَا واحدًا وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز وجل: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}1، وقال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}2، فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزنٍ وبَحرٍ وجَبلٍ قيلَ: أرضون كما تقول في التَمرِ: تمرانِ تريد ضربين, فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لولا ما ذكرنا وإنما قالوا: أرضونَ والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصًا كمشيةٍ وثُبةٍ وقُلةٍ, وكليةٌ لا بد أنها كانت هاءً في الأصل؛ فلذلك جاءت الواو والنون عوضًا. وطاغوت فيها اختلاف؛ فقوم يقولون: هو أحد مؤنث, وقال قوم: بلْ هو اسم للجماعة, قال الله تعالى: {الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}3 فهذا قول, قال محمد بن يزيد: والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة, وهو كل ما عُبد من دون الله من إنسٍ وجِن وغيره, ومن حَجرٍ وخَشبٍ وما سوى ذلك, قال الله عز وجل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يوسف: 101.
2
الطلاق: 12.
3
الزمر: 17.



ج / 2 ص -415- {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات}1 فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له, وقولهم: إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة, وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت, والعنكبوت مؤنثة, قال الله جل اسمه: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}2، والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية, على وزن عناقٍ3 وأتانٍ, وكل ما أُنث وتأنيثه غير حقيقي، والحقيقي: المؤنثُ الذي له ذكر, فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل, قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}4 لأن الوعظ والموعظة واحد, وأما حائض وطامثٌ ومُفْصلٌ فهو مذكر وصف به مؤنث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
البقرة: 257.
2
العنكبوت: 41.
3
عناق: الأنثى من ولد الضأن.
4
البقرة: 275, وهي قراءة الجمهور. وقد قرأ أبي بن كعب والحسن البصري على الأصل: "ممن جاءته موعظة" انظر البحر المحيط.

ذكر المقصور والممدود:
وهما بناتُ الياء والواو اللتين هما لامات, فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة؛ لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنَّ بعد حرف مفتوح, وذلك بنظائرها من غير المعتل وذلك نحو "مُعْطي" وأشباهه لأنه معتل مثل مُخْرَجٍ1، ومثل ذلك المفعول وذلك أن المفعول من سَلقيتَهُ2 فهو مُسَلْقًى, والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في "سلقيتُ" حرفًا غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح, فكذلك هذا وأشباهه, وكل شيءٍ كان مصدرًا لفَعلَ يفعلُ, وكان الاسم أَفعل, فهو منقوص لأنه على مثال: حول يحول فهو حول واسمه أحول, فمن ذلك قولهم للأعشى به عَشي, وللأعمى به عَمًى،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: الباء بمنزلة الجيم.
2
سلقيته: سلقاه: إذا ألقاه على قفاه.



ج / 2 ص -416- وللأقنى1 به قُنى, ومما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعلَ فعَلَ يَفْعَلُ, والاسم منهُ فَعلٌ وذلك فَرقَ يَفْرَقُ فَرقًَا, فمصدر هذا من بنات الياء والواو على "فَعَلٍ" هَويَ يَهْوى, ورديت تَردى وهو رَد وهو الردى, وصديت صَدًى وهو صَدٍّ ولويتَ لوًى, وكذلك كَري يكْرى كرًى, وإذا كان "فَعِلَ" يَفعَلُ فَعلاء والاسمُ منه فَعْلانُ فهو أيضًا منقوص, نظيره من الصحيح: عَطشَ يعطَشُ عَطَشًا وهو عطشانُ, وله فَعْلَى نحو: عَطْشى, والمعتل نحو: طَوِيَ يَطوى طَوًى, وصَديَ يَصْدى صَدًى وهو صديانُ, وقالوا: رَضيَ يَرضى رضًا وهو رَاضٍ, وهو الرضا ونظيره: سَخِطَ يسخطُ سخطًا وهو ساخطٌ, وكسروا الراء من رضًا كما قالوا: الشيعُ فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يُجسر عليه إلا سماعًا, ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو: قَفًَا ورحى, وقد يستبدل بالجمع إذا سمعتَ أرحاء وأقفاء علمت أنه جمع لمنقوص, وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فِعْلة أو فُعْلَة فهي مقصورة نحو عُروة وعُرًى وفرية وفِرًى, أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف, فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو: الاستسقاء؛ لأن استسقيتُ مثل استخرجتُ فكذلك الاشتراء لأن اشتريتُ مثل احتقرت, ومن ذلك الاحبنطاء2، والاسلنقاء3، فإنه يجيء على مثال الاستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه, ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول ويكون للصوت وذلك نحو: العُواء، والزقاء4، والرُّغاء، ونظيره من غير المعتل الصُّراخُ والنُّباحُ، ومن ذلك البُكاءُ، قال الخليل5: والذينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأقني: يقال: أنف أقنى، فيه ارتفاع من أعلاه بين القصبة والمارن من غير قبح.
2
الاحبنطاء: يقال: حبط بطنه: إذا انتفخ.
3
الاسلنقاء: يقال: سلقاه: إذا ألقاه على قفاه.
4
الزقاء: صوت الديكة.
5
انظر الكتاب 2/ 163.



ج / 2 ص -417- قصروهُ جعلوهُ كالحزنِ ويكون العلاج كذلك نحو النُّزاء1، ونظيره من غير المعتل القُماصُ2، وقلما يكون ما ضُم أوله من المصدر منقوصًا؛ لأن فُعلًا لا تكاد تراه مصدرًا من غير بنات الياء والواو, ومنه ما لا يعلم إلا سماعًا نحو: السماءِ والرشاءِ3 والألاء4 والمقلاء5، ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أَفْعِلَةٍ فواحدها ممدود نحو أَفْنِيةٍ واحدُها فِنَاء, وأرشِيَةٍ واحدها رشاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النزاء: يقال: نزا ينزو نزوًا ونزاء ونزوانًا: إذا علا وارتفع.
2
القماص: داء في الدابة يأخذها حتى تموت.
3
الرشاء: رسن الدلو.
4
الألاء: الفرح التام.
5
المقلاء: المقلة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...