65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الخميس، 18 مايو 2023

الصنم/بحث علمي إعداد الطالب: فتحي بشير البلعاوي الجامعة الإسلامية

 

الصنم/بحث علمي

يتناول حياة مصطفى كمال أتاتورك ، ودوره في هدم الخلافة الإسلامية

بحث مقدم لاستكمال مساق تاريخ الدولة العثمانية

إعداد الطالب: فتحي بشير البلعاوي

الجامعة الإسلامية

غزة المحاصرة – فلسطين المحتلة

142هـ - 2008م

 

 

الإهداء

إلى أمي وأبي حفظهم الله .

إلى إخوتي وأخواتي .

إلى أحبابي وأصدقائي  .

إلى كوادر وأنصار وجنود وقيادات الحركة الإسلامية في شتى بقاع الأرض .

إلى المسلمين جميعا .

إلى شهداء المسلمين عامة وشهداء فلسطين خاصة ، وأخص بالذكر منهم جدي الشهيد المجاهد المغدور اسعد هاشم الصفطاوي .

والشيخ المجاهد احمد ياسين .

والأسد الهصور الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي .

والقافلة  تسير .

تحية لأسرى الحرية القابعين خلف قضبان الحديد واخص منهم خالي الأسير  المجاهد عماد الدين اسعد هاشم الصفطاوي .

الشفاء العاجل لجرحانا البواسل .

أرجو من الله العلي القدير أن يوحد الشعب الفلسطيني تحت راية التوحيد .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن صدقهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

إن الناظر للتاريخ الإسلامي منذ البعثة النبوية حتى اليوم ، مع المرور بقيام الدول الإسلامية المتعاقبة ، إلا أنها مرت بعدة مراحل من الضعف تارة والقوة تارة أخرى .

ولكن لفضل الله تعالى علينا أن هذه الأمة المسلمة لم تندثر يوما مع ما واجهته من مصائب وويلات ومؤامرات داخلية وخارجية ، والاحتلالات المختلفة لأراضيها إلى جانب تقسيم المقسم وتجزأة المجزأ .

وفي بحثنا نتناول موضوع مهم وخطير جدا ، لما ووجه من تحريض وتكذيب وتشويه على مر السنين ، إلى جانب الحملات المنظمة للنيل منها ، ألا وهي الخلافة العثمانية .

كنا ونحن صغارا عندما نسمع عن الدولة العثمانية ، نجد أنها دولة بغي وظلم وفجور ، ذات عصور متخلفة عن ركب الحضارة والتقدم ، فهي معادية للإسلام والدين بامتياز .

أما سلاطينها فهم عبدة الدرهم والدينار ، وأصحاب كروش وفروش ،وأهل زير من النساء والولدان ذو الأرمدا ـ أي الشاب الجميل ـ ، إلى جانب معايشتهم لأنواع الرقص والمجون وشرب الخمر .

فهم عائشون على ظهور الأمة والشعب ، فهم إذن عالة عليهم .

والكلام يطول عن تلك الاتهامات الباطلة التي ما انزل الله بها من سلطان .

إن أهم الأسباب التي تعرضت لها الخلافة العثمانية هي قيامها وتوسعها على حساب أوروبا ، فهي أقامت امبراطوية عظيمة واسعة الامتداد لا تغيب عنها الشمس .

والذي يزيد الطين بلة ، هو حقد اليهودية العالمية والصهيونية لرفض إقامة وطن قومي يهودي لأرض فلسطين ، إلى جانب ذلك الانتصارات العظيمة التي حققتها على أوروبا وهزيمتهم في عقر دارهم ، وتشتيت قواتهم ، وإيقاع الهزائم المتكررة بهم .

لهذا اجتمعت القوى المختلفة من أوروبا وغيرها لتحطيم الدولة العثمانية ، وتقسيمها إلى دويلات ، وتقسيم تركة الرجل المريض .

إن الكارثة التي حصلت للأمة وهي إلغاء الخلافة الإسلامية ، مع ما عاشه المسلمون في أسقاع الأرض قاطبة من فراغ للخلافة وشعور بالصدمة والصاعقة عليهم ، مثلت لهم آخر مسمار في نعش الأمة الإسلامية .

وكان الذي تولى هدم الخلافة وكبير إفكهم هو الطاغية والمجرم الدكتاتور مصطفى كمال أتاتورك .

إن الطامة الكبرى التي افتعلها مصطفى كمال ، هي تمثل اكبر مصيبة على وجه البسيطة ، فكيف لا وهي تمثل حامية الديار ، وبيضة الدين .

إن الأوصاف التي نصف بها مصطفى كمال للفعل المشهود له ، لا نستطيع أن نعطيه حقه ، لان الحدث اكبر من أن يصدق .

لقد تعرض الكتاب عن شخصية كمال أتاتورك بأنه رجل الثورة ، ومخلص الديار من الاحتلال ، وحامي الحمى ، ومخلص الأمة التركية من الديكتاتورية العثمانية ، ومنشأ الدولة التركية ، ذات المشروع النهضوي والمتقدم للحضارة والرقي .

وفي هذا البحث المتواضع والذي نتحدث عن شخصية مصطفى كمال أتاتورك ، حيث نظهر الحقائق الغائبة والمغيبة أصلا ، إلى جانب إجلاء الخزعبلات والأساطير التي ارتبطت بمصطفى كمال أتاتورك .

والذي سيظهر من خلال هذا البحث أن مصطفى كمال ليس إلا أداة فاعلة لمشرع كبير للدولة الاستعمارية ، وهدم الخلافة الإسلامية ، ومدى ارتباطه بالجماعات الأخرى .

وبعد توفيق الله تعالى علينا ، قد قسمنا البحث إلى عدة فصول .

فكان الفصل الأول فكان عنوان :  حياة مصطفى أتاتورك من مولده ونشأته ، وحياته العسكرية .

أما الفصل الثاني فكان بعنوان : جمعية الاتحاد والترقي وعلاقتها بكل من اليهود والصهيونية والماسونية وعلاقتها بمصطفى كمال أتاتورك .

أما الفصل الثالث فكان بعنوان : المؤامرة ، والذي يتحدث عن مواقف خيانية لمصطفى كمال في عدة جبهات قتالية وتآمره على الدولة العثمانية ، وإخضاع مصالحه الشخصية وأهوائه فوق مصلحة الدولة ، إلى جانب الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد الثاني .

أما الفصل الرابع فكان بعنوان : الكارثة ، والذي يتمثل في إلغاء الخلافة الإسلامية ، إلى جانب إجراءات مصطفى كمال لمحو آثار الخلافة الإسلامية في شتى المجالات ، واستعرض لحياته الخاصة ووفاته .

ومن باب الحرص على المعلومة واخذ الحق وإتباعه ، والاحتفاظ بأصل البحث والتوثيق العلمي ، أرجو من كل أخ كريم يريد الاقتباس من عملي هذا، أن يوثق مما اخذ منه وأنا لن أسامح أي شخص كان ، اخذ من هذا البحث وعزاه لنفسه ومن تعبه ، لان هذا البحث اخذ من وقتي وجهدي الكثير ، وسيكون خصمي يوم القيامة .

وهذا البحث مقدم لاستكمال دراستي لمادة تاريخ الدولة العثمانية ، في الجامعة الإسلامية ،

فلسطين المحتلة – غزة المحاصرة .

وفي النهاية اسأل الله عز وجل أن يكون هذا البحث في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

وان التوفيق من عند الله عزوجل ، فان أصبنا حسنة فمن الله وحده ، وان أصبنا سيئة أو خلل أو نقص أو زلل فمني ومن الشيطان الرجيم ، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

تم الانتهاء من إعداده الكامل بعد توفيق الله تعالى يوم : الجمعة ، الموافق 31 / 10/ 2008م .

للمراسلة والاستفسار يرجى مراجعتي عبر الايميل الخاص بي وهو :

Fathi-1984@hotmil.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مصطفى كمال أتاتورك (1880- 1938م)

الفصل الأول : حياة مصطفى أتاتورك ( مولده ونشأته ) .

مولده :

ولد سنة 1880 في مدينة سلانيك مدينة يهودية حيث يقطنها 140 ألف منهم 80 ألفاً من اليهود الأسبان و 20 ألفا من يهود الدونمة أي المتظاهرين بالإسلام .

نسبه :

ينسب مصطفى كمال رسمياً إلى علي رضا وأمه زبيده وتحيط شكوك كثيفة حول نسبه فمصطفى لا يعترف بأبيه علي رضا ويقال: إن أصل أبويه من ألبانيا.

ويقال أن زبيدة حملت به سفاحاً من شخص اسمه أبدو مسن آغا لأنها كانت تعمل في أحد مواخير سلانيك، فولد مصطفى كمال حراماً  لا يعلم اسم جده لأمه ولا لأبيه.[1]

ويقال أن زبيدة كانت آنذاك امرأة جميلة في القرن العشرين من عمرها والمتفحص لصور شيخوختها فحصا علميا بأنها بالرغم من كونها تحمل خطوطا وسمات مشتركة بينها وبين ابنها إلا أنها لم تكن على الإطلاق شقراء....

بل كانت زبيدة هانم حسب روايات لم تؤيد ولم تبرهن عليها من التركمان الذين يدعون باليوروك والذين هاجروا من قونية أو آيدن إلى روملي .

أما زوجها علي رضا أفندي الذي يقدموه ويعرضوه كأب لمصطفى كمال فقد كان متطوعا في صفوف العساكر الملكية التي أنشأت سنة 1876م في سلانيك عند إعلان القانون الأساسي الأول برتبة ملازم أول ، والذي يتفحص الصورة الوحيدة الموجودة والتي أخذت له بين منتسبي طابوره العسكري يرى بان هذا الشخص أيضا ليس أشقرا ...

والاهم من هذا أن هذه الصورة عندما عرضت على مصطفى كمال فيما بعد أنكر أن يكون أباه .

ويقول (فالح رفقي)، وهو الشخص الذي لازم مصطفى كمال ولم يفارقه والذي دون ذكريات مصطفى كمال في فمه ، ما يلي : " في اغلب الأحيان يظهر هناك من يحاول أن يصطنع ويختلق شجرة نسب أصيلة للزعماء الذين يظهرون في الشرق ، على أن مصطفى كمال لم يكن مرتبطا أو مهتما بسلفه ، ومع أن احد الضباط الذين تطوعوا ضمن طوابير العساكر الملكية التي تشكلت في سلانيك عام 1876م في ذكرى إعلان القانون الأساسي في 23 كانون الأول قدم على انه والد لمصطفى كمال ، غير انه عندما عزلت صورته عن الآخرين ، وكبرت وقدمت إلى مصطفى كمال على أمل انه سيسر من كون والده مشتركا في جماعة وطنية كانت غايتها مساعدة أنصار الحرب في استانبول ، غير انه ظهر بأنه لم يكن يعتقد بهذا ، بل إنني سمعته بأذني يوما وهو يقول باستهزاء : إن هذا ليس بوالدي ؟؟!. "[2]

ومن خلال ما سبق يتضح أن مصطفى كمال أتاتورك لم يكن يعرف من أبيه بالأصل ؟؟! ،

ولكن صاحب كتاب الرجل الأوحد ، شوكت ثريا ، يروي رواية مختلفة عن السابقة فيقول :

" هناك حادثة غير اعتيادية حدثت لعلي رضا أفندي بعد زواجه من زبيدة بمدة قصيرة وهو اشتراكه كمتطوع في صفوف وحدة عسكرية مساعدة كانت قد تشكلت في سلانيك أثناء الحروب الروسية التركية سنة 1876م، وكانت تطلق على هذه الوحدات اسم العساكر المعاونة أو اسم العساكر الملكية .

ففي بداية القرن التاسع عشر 1829م بدأت الاستعانة من حين لآخر بهذه الوحدات العسكرية المساعدة في الحروب بعد القضاء على الانكشارية .

والظاهر أن الطابور الذي التحق به علي رضا أفندي آنذاك يعمل كاتبا في دائرة الأوقاف في سلانيك ، وقد توفرت هذه المعلومات عنه عند التدقيق في قضية التطوع هذه .

وعندما التحق بإحدى الوحدات العسكرية المساعدة المشكلة بسبب الحرب فقد عين برتبة ملازم أول بصورة مؤقتة لكونه بعرف القراءة والكتابة ، وان الصورة الوحيدة الباقية لزوج زبيدة ووالد مصطفى كمال علي رضا أفندي هي صورته المأخوذة له وهو في البزة العسكرية برتبة ملازم أول في الطابور العسكري المساعد ".

ويظهر أن شوكت ثريا مقتنع تمام الاقتناع بان صاحب هذه الصورة هو والد مصطفى كمال ، لذلك نراه يحاول التفتيش عن الملامح المشتركة بينهما ، فيقول : " في هذه الصورة يظهر علي رضا أفندي وعلى رأسه الطربوش الواسع والواطئ المسمى بالعزيزية وبسترته الطويلة ذات الصف الواحد من الأزرار والياقة والكتافية المذهبتان وبحزامه العسكري وهو في وضع الاستعداد العسكري أما بنطلونه فهو بحسب البزة السائدة آنذاك بشكل سروال يمسك بيده اليسرى غمد سيفه ، أما يده اليمنى فهي شاهرة بالسيف في وضع التحية ، وهو في وقفته وحاله يظهر كموظف طيب ومؤدب وليس كمحارب أما خطوط وجهه ، وخاصة عينيه ،فقد نقلها إلى ابنه مصطفى بشبه تدعو إلى الدهشة ". [3]

ولقد أدرج شوكت ثريا شجرة النسب لكمال أتاتورك ، وفي هذه الشجرة يتسلسل جميع من أتوا من نسل زبيدة هانم وعلي رضا أفندي إلى أسفل مكونا جمعا ضخما ، أما إلى فوق أي ممن جاءا فلم يستطع أن يظهر إلا بطنا واحدا فقط ثم تنقطع السلسلة .

وفاة علي رضا أفندي :

تزوج علي أفندي من زبيدة عندما كان يعمل حارسا في الجمرك ، ثم تقلب في عدة وظائف حتى انه عمل لفترة في تجارة الأخشاب وبني في هذه الفترة البيت الوردي المشهور في محلة ( حارة ) "احمد سوباشي " في سلانيك ( وهو البيت الذي يقال أن مصطفى كمال ولد فيه ) ، وبعد مدة نراه يدمن على الخمر بسبب كساد تجارته وإفلاسه كما يقال ، ويموت من حزنه وكدره .

ويصف شوكت ثريا الانهيار النفسي والمعنوي والمادي عنه قائلا : " بعد فترة من الأزمة مر بها علي رضا أفندي نراه هذه المرة ضمن إطار عمل أكثر تواضعا إذ انه قرر القيام بتجارة الملح ، ولكن الظاهر أن الملح بقي متراكما دون تصريف من متجره أو في مخزنه ، بل إن ابنته مقبولة ، تقول بان الملح ذاب جميعه في المخزن ، عند ذلك فقد الثقة بنفسه وفقد الأمل في التجارة ، وبدأ من جديد بالبحث عن وظيفة رسمية صغيرة ، ولكنه لم يجدها وكان من الطبيعي أن يبدأ بالانهيار ، وهكذا ترك علي رضا نفسه للخمر بعد أن فقد كل دعائمه ، وتبع ذلك المرض إذ أصيب بسل الأمعاء ، وبعد ثلاث سنوات قاسى فيها آلام المرض توفي وعملاه 47سنة على الأغلب ".

ويضيف شوكت ثريا قائلا " إن من الأصوب أن علي رضا أفندي ارتحل وهو منهار انهيارا من الناحية المادية ومن الناحية النفسية والمعنوية كذلك ، إذ ليس من الممكن تجاهل العوامل النفسية لان تأثيرها لم يكن يقل عن تأثير العوامل المادية بحال من الأحوال ، ذلك لان علي رضا أفندي كان شخصا بسيطا على قدر حاله ، بينما كانت زبيدة اصغر منه سنا بكثير وكانت جميلة جدا ، ولكنه لم يستطع أن يسعدها " .

ولكن المسألة لم تكن في انه لم يستطع إسعادها بل كون زبيدة لعوبة وكونه لم يستطع تحمل لعوبتها أو قبول الطفل الذي أريد إلصاق به ، وكونه قد غلبه آخر الأمر هذا الشعور من الحزن .

إن عدم حشمة زبيدة وخفتها ثابتة بشكل متواتر من الجيل الماضي الذي شهد تلك الفترة وتلك البيئة ، بل إننا نستطيع أن نستشف هذا من بعض كلمات شوكت ثريا في قوله :

" كانت زبيدة شانها شان النساء الأكثر سنا منها تستخدم أدوات الزينة ، ومع أنها لم تكن بحاجة إليها ، إلا أن استعمال وسائل الزينة هذه كانت من العادات التي لا يمكن التخلي عنها في ذلك الجو المغلق الذي كانت تعيشه نساء سلانيك ، مثلها مثل غيرها من المدن الإسلامية ، والذي كانت تتزين فقط لأزواجهن ". [4]

وتقول الروايات بان زبيدة في لانكايا ـ في أطراف سلانيك ـ حملت من احد العاملين في مزرعة قريبها حسين آغا ـ كما اشرنا من قبل ـ وتختلف الروايات حول هذا الشخص الأشقر الشديد الشقرة ذو العينيين الزرقاوتين الذي حملت منه فهو إما بلغاري أو صربي أو روماني ثم الصق هذا الطفل بعلي رضا أفندي .

ومن البداية لا يأنس علي رضا أفندي لهذا الطفل ، أما في أواخر حياته فانه يصبح لا يطيقه على الإطلاق ،حتى انه يراجع دائرة النفوس في سلانيك ومعه الإعلام من المحكمة الشرعية على الأرجح ، لإسقاط قيد الأبوة عنه ، وتقول بعض الروايات بأنه سجل هذا فعلا في القيود الرسمية ، إلا أن بعض هذه القيود أزيلت فيما بعد .

ولكون علي رضا أفندي لم يطق طوال حياته الزوجية الخلق العابث لزبيدة فقد ساقه هذا إلى الانكباب على الخمر والسكر ليل نهار ، ولم يكن طبعه الهادئ يسمح له بتطليق هذه المرأة التي لم تترك له دورا سوى كونه ستارا لفحشها ورذائلها ، وان كانت هناك رواية تقول بأنه طلقها في الأخير فعلا ، لذلك فقد انتهى به الأمر إلى الموت كمدا . [5]

ومن الملاحظ أن الصيغة التي تذكر أو تنفي نسب كمال أتاتورك هي على قول ( روايات ) ، مما يعني أن تلك الروايات لا نستطيع أن ننفيها أو نعتمدها ، ولكنها بالطبع تقدح في صحتها.

والعجب من ذلك كله أنها تختص في نسب كمال أتاتورك ، مما يعني أن نسبه غير معروف ومجهول ، لأنه من المعروف أن أي شخص جاء بطريقة شرعية يعرف نسبه من أبيه وأمه ، أما هذا فينطبق انه جاء بطريقة غير شرعية أي ( ابن زنا ) .

ونستطيع في النهاية أن نستخلص عدة استدلالات منها :

من الناحية الانتروبولوجية فان مصطفى كمال بشقرته الشديدة ، وبعينيه الزرقاوتين وخاصة بجمجمته التي هي من نوع ( دوليكوسفال ) وهو نمط سلافي وبعيد أكثر ما يكون البعد من العنصر التركي .

لما كان من المستحيل أن ينتج نمط ( دوليكوسفال ) من أبوين كلاهما من نمط              ( براكيتفال ) ،فالصور كافية لمعرفة نمط الرأس أو الجمجمة ،ولما كانت الأم معلومة لأنها والدته ،فان انتسابه إلى والده يكون مشكوكا فيه إلى درجة الاستحالة.

إن حياة والده تظهر حرمانه المادي والمعنوي من الهدوء والألفة العائلية ، وهي تعلن بان عدم الاستقرار هذا يعود إلى اضطراره للظهور بمظهر لطفل ليس بابنه .

إن حياة والدته وشهرتها تؤيد كل الشكوك .

وأخيرا فان السكوت المشبوه الذي ألزمه مصطفى كمال حول والده ـ لكونه على التأكيد يعلم أمورا ما ـ يجمع كل الشكوك والشبهات ويؤيدها . [6]

وفي النهاية فان الاستنتاجات الخمس مجتمعة تشكك على الأقل في نسب كمال أتاتورك ، وتثبت على الأقل انه ابن حرام وناتج عن ثمرة حرام .

طفولته :

بعد أن أصبح مصدرا لسعادة وفرح لوالديه ، ما لبث أن تحول إلى مصدر إزعاج وقلق دائم لهما ، فقد كان صراخه يملأ باستمرار أرجاء البيت ، حتى انه لم يترك لهما فرصة للنوم والراحة لا في الليل ولا في النهار ، وكثيرا ما كانت تصحبه صراخه حركات تشنجية عصبية شديدة تجعل قلبيهما يخفقان هلعا على حياته ، مما دفعهما في النهاية إلى وضعه في غرفة صغيرة مستقلة ، وكم كانت دهشتهما كبيرة عندما كف الطفل بعد هذا الانفراد عن الصراخ والبكاء ، فكأنما قد ولد وهو يحمل في دمه تلك النزعة ، التي عرفت عنه فيما بعد ، نحو الاستقلال والتفرد في الرأي والاستمتاع بالحياة على طريقته الخاصة .

وكبر الطفل وكبرت معه متاعب والديه ، فقد كان عنيدا ومشاكسا في جميع تصرفاته ، حتى انه كان يرفض كلمات التدليل والغنج التي تحيطه بها والدته !، كما كان شرس الطبع في مخالطته لأبناء حيه الذين هم في سنه فلا يكاد يمضي يوم دون أن يتعارك معهم ، وكان الضرب والرفس اقل ما يرد به على كل من يتحداه أو يوجه إليه كلمة نابية ، وكان الوالد في هذه الأثناء قد استقال من وظيفته ليتعاطى تجارة الخشب ، إذ أن راتبه المتواضع لم يعد يسمح له بمجابهة نفقات الأسرة المتزايدة ، إلا انه لم يوفق كثيرا في تجارته وسرعان ما اضطر إلى إغلاق حانوته الصغير وأصبح طريدا للدائنين والمرابين .

ونشب الخلاف بينه وبين زوجته حول إعداد مستقبل الطفل ، فبينما كان هو يطمح إلى أن يرى ابنه ذات يوم موظفا في احد دواوين الدولة ليحمل لقب "أفندي " ، كانت هي تحلم بان تجعل منه إماما دينيا ؟؟! أو " خوجة " ـ بالتعبير التركي ـ يخطب فوق منابر المساجد ويؤم المصلين في صلاة الجمعة ؟؟!!، ـ وهل المتاجرة بعرضها وشرفها وبيع جسدها بثمن بخس دراهم معدودة يمكن أن يجعلها تحلم أن ابنها سيذهب ويكون إماما وخطيبا ؟؟!، إنها باختصار "بائعة هوى " ـ فتغلبت زبيدة على زوجها بفعل شخصيتها القوية ، فألحق مصطفى بمدرسة دينية تابعة لأحد الجوامع القريبة ، حيث بدأ يتلقى أول مفاهيم الدين الإسلامي ، إلا انه لم يبد أي اهتمام لما يسمع أو يقرا أو يحفظ من أمور الدين ، فقد كان شديد المقت لهذا النوع من العلم وللذين كانوا يقومون بتدريسه بطريقتهم التردادية    (المملة ) ، فيستحفظون طلابهم بعض الآيات والسور القرآنية العربية دون أن يفقهوا شيئا من معانيها ، ولم يكد ينهي عامه الدراسي الأول في هذه المدرسة حتى يرفض العودة إليها رغم جميع توسلات والدته ودموعها في أكثر الأحيان .

وأخيرا رضخت زبيدة لمشيئة ابنها ، فقد كانت تعرف مدى تصلبه وعناده ، ونقلته إلى مدرسة أخرى كانت تقوم بتدريس العلوم الزمنية تدعى مدرسة (شمسي أفندي ) .

واظهر مصطفى رغبة واهتماما كبيرين بهذا النوع الجديد من العلم ، فاقبل على متابعته والاجتهاد فيه بنهم شديد أثار إعجاب بمقدار ما أثار حسد زملائه ، إلا أن والده توفي فجأة وهو مثقل بالهموم والديون ، فاضطرت والدته إلى هجر منزلها الزوجي في سالونيك والانتقال به وبأخته مقبولة إلى بيت شقيقها الفلاح في قرية قريبة تدعى ( لازاسان ) .

وفي لازاسان اضطر مصطفى إلى أن يحيا حياة الفلاحين وهي حياة لم تكن في أي حال أفضل من مستوى حياة الفقر التي كان يعيشها من مرتب والده الصغير في سالونيك ، فكان يقود مع كل صباح مواشي خاله إلى المراعي في البرية ليعود به إلى المنزل في المساء ، حيث يشغل نفسه هناك أيضا بتنظيف مراقدها وتدبير علفها قبل أن يأوي إلى فراشه ، إلا أن هذا النمط من الحياة لم يعجبه أيضا ، رغم أن هواء الريف النقي والتنقل في المراعي قد اكسبا جسمه قوة ومنعة ، فبات موفور الصحة والعافية بعد أن كان شاحب الوجه نحيل الجسم ، وكثرت مشاكساته مع والدته وشقيقها فكان يثور بوجهيهما لأتفه الأسباب ، ويهدد بمغادرة المنزل إلى غير رجعة إذا لم يعيداه إلى مدرسة محترمة في سالونيك يستطيع مواصلة دراسته فيها ، ولما كان خاله غير قادر على تحمل نفقات دراسته ، فقد التجأت والدته إلى شقيقة لها ميسورة الحال ، وأقنعتها بان تقرضها مبلغا من المال لتنفقه على تعليم ابنها ريثما ينال شهادته ويصبح قادرا على كسب معيشته فترده إليها ، وهكذا عاد مصطفى إلى سالونيك ، والتحق بإحدى مدارسها التي كانت ارفع مستوى من مدرسة       ( شمسي أفندي ) .

وظنت زبيدة أنها قد ارتاحت أخيرا من شراسة ابنها ومشاكله ، إلا أنها فوجئت ذات يوم بعودته إلى منزل شقيقها حاملا كتبه ودفاتره وأقلامه في حقيبة من القماش ، مدلاة من فوق عنقه إلى ما تحت إبطه وهو مدمي الوجه مشعث الشعر ممزق الثياب !ولم تكن زبيدة بحاجة إلى كثير من الذكاء أو الحدس لتدرك السبب ، فطالما الفت هذا المنظر عندما كانت لا تزال في منزلها الزوجي في سالونيك ، حيث كان مصطفى يطل عليها في كل مساء تقريبا وهو على مثل هذه الحال ، بعد أن يكون قد تشاجر مع فتيان الحي من أقرانه ، إلا أن شجاره هذه المرة كان أكثر عنفا وابعد خطرا على مستقبله ، فقد تعارك في المدرسة مع بعض الصبية ونالهم منه من الأذى مما ناله منهم ، عندها تدخل ( الناظر ) وانتزعه من وسطهم بعد أن صفعه لرفضه ترك شعر احدهم وكان قد تشبث به محاولا طرحه أرضا ، فما كان من مصطفى إلا أن رفس ( الناظر ) أيضا وشتمه ، فانهال هذا عليه ضربا ولكما وطرده من المدرسة !. [7]

نفسيته :

كان منعزلاً مكروهاً من زملائه كثير الشغب والمشاكل مع أساتذته ، وكان يشعر بالفرح حين يعتدي على الآخرين، وكان يحب التعدي على الآخرين كما قال عنه (عرفان أوركا) .[8]

حياته العسكرية:

وأمام هذا الوضع المتمثل بالرفض لكل شيء : البيت وللمدرسة وللدين وللوظيفة وللحياة القروية ، أصبح مصطفى مجرد عنصر إزعاج دائم ومتاعب لا تنتهي لوالدته ولشقيقها ، فاحتاروا في أمره وفي أمر المستقبل الذي عليهما أن يعدانه له ، وأخيرا خطر لشقيق زبيدة خاطر جديد ما لبث أن صارحهما به ، لماذا لا يدخل مصطفى المدرسة العسكرية المجانية في سالونيك؟، فالجندية بما فيها من انضباط ونظام صارم هي السبيل الوحيد لترويض نفسيته المتمردة وطباعه الشرسة ، فإذا ما قدر له أن ينجح فيها فقد ضمن حياته وأمن مستقبله ، وإذا فشل فليذهب إلى الشيطان ؟! انه الآن في الخامسة عشرة من عمره ، وقد آن له أن يواجه الحياة ويتحمل مسؤوليته بنفسه ؟!.

واستسلمت زبيدة لمشورة أخيها دون أن تستطيع إخفاء الدموع المنهمرة من عينيها خوفا وجزعا من هذا المصير المحفوف بالمخاطر الذي سيساق ابنها إليه ، فقد كانت الجندية في نظرها مهنة العذاب والشقاء والموت ، ومن يدري ما إذا كان مصطفى سيرغم في يوم من الأيام على ملاقاة حتفه في أحد أطراف السلطنة العثمانية الشاسعة كاليمن أو القفقاس !، وما إن فاتحت ابنها في المساء ، وقبل أن يأوي إلى فراشه ، بما يعتزم خاله بشأنه ، حتى سرت في عروقه نشوة لم يشعر بمثلها من قبل ، وومضت عيناه ببريق غريب كمن كان أعمى وأبصر فجأة إشراقة الشمس ، لقد وجد أخيرا الطريق الذي أعده له القدر : الجندية ، ولا شيء سوى الجندية ! فالإرشاد والوعظ من على المساجد ووضع عمة (الخوجة )فوق رأسه ، كما تريد له أمه ؟!!ـ وهل العاهرة وبائعة الهوى تريد وتتمنى أن يصبح ولدها أمام مسجد أو خطيبا ؟؟!! ، ثم بأي عين يصعد مصطفى على منابر المساجد ويخطب في الناس ويكون لهم إماما وناصحا وأمينا ؟؟!! ـ أشياء لم تكن تثير في نفسه أي رغبة أو ميل ، وحياة الوظيفة ، التي كان والده يتمناها له ؟!! .

وفي الصباح الباكر انسل من غرفة نومه وخرج من البيت قاصدا سالونيك ، فتذكر ضابطا مسننا محالا على التقاعد كان فيما مضى صديقا لوالده ، فذهب إليه في منزله وطلب منه مساعدته على دخول المدرسة العسكرية الإعدادية ، فتدخل وأوصى أصدقائه الضباط في المدرسة عليه ،وتقدم مصطفى لامتحان الدخول فاجتازه بنجاح باهر . [9]

دخل المدرسة الحربية في سلانيك سنة1893م ، وكان اسمها مدرسة الرشدية العسكرية ، وكان يطلق عليه اسم مصطفى كمال ، فقد كان يحمل اسم مصطفى فقط ، ولكنه في احد الأيام يخاطبه أستاذ الرياضيات كمال أفندي بقوله :" إن تسمينا كلانا هو مصطفى ، يجب أن يكون هناك تمييز ، فلتضف إلى آخر اسمك كمال ، كن أنت مصطفى كمال ". [10]

وهكذا أصبح من ذلك اليوم : مصطفى كمال .

واقبل بكليته وبحماس بالغ على دراسته العسكرية حتى أحرز فيها تفوقا باهرا ،وظهرت مواهبه أكثر ما ظهرت في الرياضيات واللغات الأجنبية ، لا سيما الفرنسية ، كما اظهر براعة فائقة في تنظيم الطوابير والاستعراضات العسكرية ، مما أثار إعجاب احد أساتذته المدعو مصطفى أيضا فرقاه إلى رتبة ( تلميذ مدرس ) وطلب منه الإشراف على بعض الدروس التي كانت تلقى على التلامذة الصغار المبتدئين ، وسر مصطفى أيما سرور بهذه الترقية السريعة التي أتاحت له لأول مرة فرصة السيطرة وإصدار الأوامر .

وقضى مصطفى كمال سنتين في مدرسة سالونيك الإعدادية برز خلالهما جميع رفاقه في جميع المجالات ، فقد كان مبدؤه في الحياة أن يكون الأول في كل شيء أو لا يكون شيئا على الانطلاق ! وفي نهاية العام الثاني تقدم إلى امتحان فكانت درجته الأول بين جميع المتخرجين وعلق اسمه على لائحة الشرف ، وأرسل إلى المدرسة العسكرية العليا في       ( موناستير ) في مقدونيا . [11]

وفي هذه الأثناء تتزوج أمه التي كانت أرملة ناضجة في الخامسة والثلاثين من عمرها ، دون أن تخبر أحدا من أبنائها من احد الموظفين .

فقد غضب مصطفى كمال من أمه لزواجها هذا وترك البيت ، وذهب إلى أخت زوج أمه ، أي عند أخت علي رضا أفندي ، وأصبحت علاقته بوالدته علاقة ضعيفة وزياراته لها قليلة وعلى فترات متباعدة ، وتخرج من موناستير سنة 1899م . [12]

وفي سن 18 – 19 يأتي إلى اسطنبول للالتحاق بالمدرسة الحربية ( الكلية الحربية ) وكان قد ترك الأدب ، ولكنه استمر في هوايته للخطب .

وفي مدرسة الحربية يشترك في مسابقات الخطب التي كانت تقام بين الطلاب ، ثم تسري إليه عدوى السياسة التي كانت موضة تلك الأيام بين طلاب الحربية والطبية ، ففي تلك الفترة كان المثقفون السطحيون يرددون نفس النغمة أثناء تنافسهم على البروز في التكتلات والأحزاب :"البلد يسير في طريق الخراب،والديكتاتورية تكتم الأنفاس،الحرية !الثورة !" . [13]

ولقد رسخ في العقول الثورية ـ أي هؤلاء المثقفون السطحيون ـ أن إسقاط النظام ـ أي الخلافة الإسلامية ـ يجب أن يتم على أيدي هؤلاء الضباط بواسطة انقلاب عسكري؟؟!! ، لان الثورة الشعبية أمر شبه مستحيل نظرا للمكانة الدينية الرفيعة التي يتمتع بها السلطان في نفوس السواد الأكبر من الشعب بوصفه خليفة على المسلمين !.

وانخرط مصطفى كمال في هذا التيار الثوري بحماس بالغ ، فبدا يحضر الاجتماعات السرية التي كان رفاقه يعقدونها لمناقشة أوضاع البلاد ، ويساهم في صياغة المنشورات الثورية !

التي تدعو لقلب نظام الحكم .[14]

وفي الكلية الحربية وكذلك في كلية الأركان يقال بأنه اصدر مجلة مكتوبة بخط اليد وانه جعلها تتداول بين أصدقائه ، ولعدم وجود أية نسخة من هذه المجلات بين أيدينا اليوم لا نعلم بالضبط محتوياتها ، ولكنننا لا نعتقد بأنها كانت على اتجاه سياسي معين أو تحمل قيمة فكرية .

ويذكر صديقه ( عاصم كوندوز ) بان مصطفى كمال عندما كان طالبا في الكلية الحربية بدأ يأخذ دروس خصوصية في اللغة الفرنسية عند امرأة أجنبية ، وانه كان يجلب معه سرا بعض مقالات أنصار الحرية ـ وهم من الأتراك الموجودين في باريس ـ وكذلك بعض المطبوعات الفرنسية حيث يقرأها لأصدقائه وكان مفتونا بإنشاد قصيدة الحرية وقصيدة    (يا ويلاه !) للشاعر (نامق كمال) بصوت عال،[15]إلى جانب ما تصل أياديه من كتب مثل       ( فولتير ) و ( روسو ) و( مونتيسيكو ) ، وسواهم من رواد الثورة الفرنسية ، وكانت كلها من الكتب الممنوعة والمحرمة ، وتعرض كل من وجدت في حوزته التنكيل والسجن أحيانا للنفي .[16]

وتخرج من الكلية الحربية سنة 1902م ، ثم التحق بكلية أركان الحرب أو كلية الأركان وتخرج منها سنة1904 أو1905م ، وكان عمره 24 سنة .

والتحق بالجيش الخامس في دمشق، ضابطاً برتبة رائد وهو لا زال في الخامسة والعشرين من عمره، وفي الشام عين في لواء الفرسان الثلاثين.

وبقي في الشام سنتين فأتم تدريبه في لواء الفرسان وأصبح برتبة (آغاس) وهي بين الرائد والمقدم.[17]

وبمعونة أصحابه نقل إلى سلانيك في صيف سنة 1907م وعين في دائرة أركان الجيش الثالث .

أما عداوته للإسلام فتظهر بشكل قطعي لا يقبل النقاش عند تخرجه من كلية الأركان برتبة رائد عام 1904م ، عندما خاطب أصدقائه من الضباط قائلا لهم : " أيها الأصدقاء ! سيذهب كل منا الآن إلى رفقة احد الباشاوات العثمانيين وكلهم في غفلة وانخداع لفكرة العالم الإسلامي ، علينا أن نجمع كل منابع قوتنا في الأناضول التركي " .

والذي يجب الانتباه إليه هو قوله " الباشاوات العثمانيين " بلهجة من يعتبر نفسه خارجا عن محيط الجيش العثماني ، وهذا لا يقوله سوى أجنبي أو مرتد .[18]

وكان ضابطا أنيقا ،وقد صحبه هذا الاهتمام بالأناقة من صباه حتى آخر الملابس التي لبسها ، وان كانت قضية انه كفن أم لا شيئا مجهولا .[19]

وفي احد الأيام تمر به حادثة مهمة ، شكلت انعطافا في حياته السياسية ، ففي احد الأيام كان يتجول في السوق مع احد أصدقائه الضباط لكي يشتري لصديقه هذا ما يصلح لهندامه ، ويقوده طريقه إلى دكان صغير لبيع الملابس القديمة ، وأمام الدكان يرى رجلا غير مهندم ، ينتعل قبقابا ويتكلم اللغة التركية ويعزم على هذا وذلك الجلوس على كراس يضعها أمام دكانه ، وعندما يقوده الفضول من أسلوب هذا الرجل إلى الدخول إلى الدكان ، الذي كان عبارة عن غرفة واحدة ذات سقف واطئ ، يرى على المنضدة هناك كتبا فرنسية حول الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والتوراة ، يا للحيرة : كان الرجل من اسطنبول ، إذ كان طالبا في السنة الأخيرة للطب ولكنه فصل لأفكاره المؤيدة للحرية ونفي إلى الشام ، واسمه د.مصطفى جانتثكين ، ويتم التفاهم بينهما بسرعة ، وتبدأ الاجتماعات بالانعقاد في غرفة د. مصطفى الذي كان يعيد ويكرر : " لا بد من الثورة ، ولا بد من الانقلاب ، لا علاج آخر هناك ".

وفي هذا الأثناء يؤلفون جمعية ( الوطن والحرية ) التي تبقى في مستوى النظرية ، إذ لا تستطيع إثبات وجودها بل تبتلع ـ فيما بعد ـ من قبل جمعية الاتحاد والترقي .[20]

وكان هدف مصطفى كمال هو في سلانيك ، لأنه يرى أن انسب جو وانسب تربة لجمعية     ( الوطن والحرية ) هو في سلانيك .

ويبقى مصطفى في يافا ثم يهرب لمصر ويبقى مدة فيها ، ثم إلى سلانيك .

وفي سلانيك يجمع بعض الضباط ويدعوهم للالتفاف حول جمعية ( الوطن والحرية ) ويقول لهم حرفيا : " عندما لا توجد الحرية في مكان ما فان النتيجة هي الموت والانحطاط ، إن التاريخ ينتظر منا ، من أبنائها أداء وظيفة معينة ، لذلك فإننا سنكافح الديكتاتورية ، ولهذا جئت أنا إلى هنا ، وأنا انتظر التضحية منكم كذلك " .[21]

وقد بدأت الجمعية بالعمل ضد الدولة العثمانية ،وأصبحت تهاجم السلطان عبد الحميد ونظامه لخنقه الحريات وقمعه للأفكار والآراء الحديثة !، كما كانت تهاجم الوعاظ ورجال الدين الذين يعوقون كل تقدم وإصلاح ، واقسم أعضاء الجمعية معاهدين أنفسهم على المضي في مكافحة استبداد السلطان وإنشاء حكومة دستورية يختارها برلمان شعبي ـ تكون مهمتها تحرير الشعب من رجال الدين وتحرير النساء من الحجاب ونظام الحريم! .

فلقد كانت تركيا مخنوقة بيد السلطان وجواسيسه ، وما لم يسمح لدم الأفكار الجديدة بالمرور في عروقها فمصيرها حتما الموت .[22]

ولقد بدأ فعلا بالعمل ضد الدولة العثمانية ،من خلال توزيع النشرات التي تكتب بها المقالات النارية السرية ،ونشر القصائد التي تدعو فيها الجيش والشعب للثورة عليها .

وكانت أعداد هذه النشرة كثيرا ما تقع بين أيدي رجال البوليس السري ، إلا أنهم عجزوا عن اكتشاف مكان صدورها وأسماء الذين يساهمون في تحريرها ، فعلم السلطان عبد الحميد الثاني ، فاستدعى ( إسماعيل حقي باشا ) القائد العام للتدريب الحربي ،واسمعه كلاما قاسيا لعدم اكتشافه أمر هذه الجمعية من قبل وبالتالي القضاء عليها وخنقها في المهد .

مما أدى إلى منع الضباط بالاشتغال في السياسة ، ومعاقبة كل من يفعل ذلك بالطرد ، منع أي عقد اجتماع سياسي للضباط ، فما كان من هؤلاء الضباط إلا أن بدأوا يجتمعون خارج ثكناتهم .

وكان مصطفى كمال في هذه الأثناء قد أصبح رئيسا للجمعية بعد أن طغت شخصيته وأفكاره على الآخرين ، فاستأجر غرفة في احد الأحياء الشعبية الفقيرة لإبعاد الشبهة وتضليل رجال البوليس ،إلا أن البوليس السري استطاع اكتشاف مكان الاجتماعات عن طريق احد عملائه ، وأثناء الانعقاد دهم رجال البوليس المكان ، واعتقلوا جميع أعضاء الجمعية بمن فيهم مصطفى كمال ، وزجوهم في السجن الأحمر ،ولما تبين أن مصطفى كمال هو زعيم الجمعية ، فصل عن رفاقه الآخرين وزج به زنزانة منفردة تحت الأرض .

وبعد فترة من الوقت أرسل إلى بيروت . [23]

لكن مع ظهور جمعية الاتحاد والترقي ، وانتشارها في أماكن مختلفة ، أدت إلى ابتلاع جمعية الوطن والحرية ، وضمت إليها أصدقاء مصطفى كمال ، أما الادعاء بان الجمعيتين اندمجتا معا اثر اتفاق عقد بينهما في 27 أيلول سنة 1907 م فهو ادعاء كاذب ، وقد لفق لصالح مصطفى كمال ، لأنه لو كان هناك مثل هذا الاتفاق لتبوأ مصطفى كمال مكانا مهما في جمعية الاتحاد والترقي .

فالاتحاديون لم يعيروا مصطفى كمال أية أهمية ولم تعجبهم تصرفاته ، لذلك فان مصطفى كمال حمل حتى النهاية في نفسه حقدا لا يهدأ نحو الاتحاديين الذين كانوا أكثر جرأة وتضحية منه بما لا يقاس ، وان كانت هذه الجرأة والتضحية في سبيل الباطل . [24]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني : جمعية الاتحاد والترقي وعلاقتها بكل من اليهود والصهيونية والماسونية وعلاقتها بمصطفى كمال .

أولا نشأة جمعية الاتحاد والترقي :

تذهب اغلب الآراء إلى أن تأسيس جمعية الاتحاد والترقي إنما كان على يد (إبراهيم تيمو) ، الذي انتقل إلى المدرسة الطبية العسكرية ، وهناك ابتدأ مشواره بقراءة المؤلفات السياسية ، حيث تعرف خلال هذه المدة وفي نفس المدرسة على ( اسحق سكوتي ديار بكري ) الذي بقي حتى وفاته اقرب الأصدقاء المخلصين لإبراهيم تيمو ، بالإضافة إلى آخرين ممن كان لهم بدأ تأسيس جمعية الاتحاد والترقي ، وقام تيمو بمساعدة زملائه هؤلاء بمطالعة المؤلفات السياسية التي كانت في اغلبها تعبر عن الأفكار الغربية ومنها كتب (شناسي ) و  ( نامق جمال ) ، كما انه درس وتعمق في اللغة الفرنسية ، وفي عام 1888 – 1889 م تخرج إبراهيم تيمو من المدرسة الإعدادية الطبية ، فالتحق بالكلية الطبية العسكرية ، التي كانت نموذجا للكليات الأوروبية ، وهناك قضى إبراهيم سنوات في هذه الكلية مما مكنه من إيجاد الفرصة المناسبة للتعرف على أنصاره الجدد ، وفيما بعد بادر في أيار 1889م مع أربعة من طلاب هذه الكلية إلى تأسيس جمعية سرية ، وهؤلاء هم ( اسحق سكوتي ، عبد الله جودت ، محمد رشيد الجركسي ، وحسين زادة علي ) ولقد سميت جمعيتهم باسم ( اتحاد والترقي ) ( Ittihad ve Terkki Cemiyeti    ) .[25]

نبذة عن حياة مؤسس جمعية الاتحاد والترقي :

إبراهيم تيمو ، هو الباني الأصل ، ولد في مارس 1865م في بلدة ستروغا Struga  التي تقع في أقصى جنوب يوغسلافيا سابقا ، وهناك من يقول انه ولد في بلدة اوهريد Ohrid  ، وكان والده يدعى مراد بن مصطفى ، ويعود بأصله إلى منطقة مات Mat في ألبانيا ، ولقد انتقلت أسرته من بلدة مات إلى ستروغا المجاورة ، حيث أنهى إبراهيم تيمو دراسته في المدرسة الابتدائية بالإضافة إلى صفين من المدرسة الإعدادية (الرشدية ) في ستروغا ثم غادر إلى استانبول ، ولقد تمكن بمساعدة إسماعيل طوبطاني I.Tobtani ووحيد بلوشميا Bloshimia  وهما من أصدقاء والده من الوصول إلى أستاذ الجيولوجيا إبراهيم باشا وهو أيضا الباني الأصل ، حيث قام الأخير بتسجيل إبراهيم تيمو في المدرسة الإعدادية الطبية .[26]

ثانيا تطور جمعية الاتحاد والترقي :

و تشكلت النواة الأساسية من أعضائها الأربعة في هذه الجمعية السرية ، ويرجع السبب في خروج هذه الجمعية من المدارس والكليات الحربية ، إلى القطار الذي يأتي من باريس إلى محطة ( سيركجي ) ، والتي تقع قرب المدرسة العسكرية ، حيث كانت الأفكار الغربية تصل للطلاب بشكل مباشر بسبب الاحتكاك بالأجانب ووصول الصحف والمجلات الغربية إليهم .

وبعد شهرين من تاريخ تأسيس هذه الجمعية بادر إبراهيم تيمو لعقد اجتماع سري خارج مدينة استانبول في قهوة يملكها الباني مناصر لهم يدعى ( علوش آغا ) وشارك في هذا الاجتماع اثنا عشر عضوا ، كان من بينهم ( عبد الله جودت ) ، الذي كانت علاقته مع الحكومة تأخذ طابع الملاينة أحيانا وطابع العنف أحيانا أخرى ، ولقد اشتهر على (عبد الله جودت) إلحاده وعداوته الشديدة للإسلام .[27]

ولم تكن الجمعية متعجلة، لا في الدعاية لأفكارها، ولا في الحركة ضد السلطان،حتى إن أحمد رضا بك قد وصل إلى منصب مدير إدارة المعارف في منطقة بوصة، وسافر عام 1889م إلى باريس بحجة حضور معرض باريس الدولي، ووصل إلى هناك، وأعلن أنه لن يرجع إلى بلاده. ومكث في فرنسا حوالي ست سنوات، لم تصدر عنه حركة معارضة جديرة بالتسجيل، إلى حين أصدر جريدته (مشورات) عام 1895م.

ويذكر مؤسس جمعية الاتحاد والترقي ، أنه كان بمضي أوقاته في الخارج -حتى عام 1895م- بمحاولة كسب أعضاء جدد لمنظمتهم ، لتربيتهم تربية ثورية، ويعقد الاجتماعات السرية، وقراءة الأعمال الأدبية التي ألفها أعضاء جمعية العثمانيين الجدد، مثل نامق كمال وضياء باشا وقراءة منشورات على شفقتي بك -عضو كلانتي الماسونية- وكان فاراً في أوروبا.

ونتيجة للمراسلات السرية بين أعضاء جمعية الاتحاد العثماني السرية في الداخل وفي الخارج تم الاتفاق على وحدة العمل العسكري والمدني ضد السلطان ، وعلى اعتماد اسم (جمعية الاتحاد والترقي) للجناحين المعارضين، العسكري والمدني، اللذين يعملان في إطار الجمعية.

كان اسم الجمعية في الأوساط العسكرية هو (الاتحاد العثماني)،وكان أحمد رضا بك -ممثل الجناح المدني- متأثراً بأفكار الفيلسوف (أوغست كانت) وكان دستور هذا الفيلسوف هو (الانتظام والترقي) ، فأخذ أحمد رضا كلمة (الترقي) استلهاماً من دستور "كانت" واحتفظ العسكريون بمسمى (الاتحاد)، واتفق الجميع أن تكون جمعيتهم باسم (الاتحاد والترقي).

لقد تغلغلت خلايا (الاتحاد والترقي) في وحدات الجيش، وبين موظفي الدولة من المدنيين، واتحدا في العمل الموحد بعد اتفاق جناحيهما العسكري والمدني في باريس، للعمل الفعلي ضد السلطان عبد الحميد،واستطاعت الجمعية بالفعل إجبار السلطان في 24 يوليو 1908م على إعلان الدستور الذي كان قد أمر سابقاً عام 1877م بوقف العمل به.[28]

ولقد عبرت صحيفة ( مشورت ) عن أهداف الجمعية ، والتي أصبحت الصحيفة الرسمية لجمعية الاتحاد والترقي ، لقرائها ، وتعتبر هذه الأهداف هي أول عرض كامل لآراء الجمعية ، وجاء بعنوان المقال باسم ( منهاجنا ) وجاء فيه :" إننا نرغب في العمل لا لخلع الأسرة الحاكمة التي نعتبرها ضرورية لحفظ النظام السليم ، ولكن لنشر فكرة التقدم التي نريد لها نصرا سليما ، ولما كان شعارنا هو النظام والترقي ، فإننا نخشى من الامتيازات التي تحصل بالعنف " ، كما جاء " إننا نطالب بالإصلاحات ولا نقصرها على هذه الولاية أو تلك ، بل نطلبها للإمبراطورية كافة ، لا لمصلحة قومية واحدة ، بل لمصلحة العثمانيين كافة سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مسلمين ". [29]

وبعد فترة من الوقت أسست صحيفة أخرى ناطقة باسمها ، وهي صحيفة ( ميزان ) ، والذي أسسها ، (مراد بك ميزانجي) في مصر ، وأصبحت الصحيفتان ناطقتان باسم الجمعية ، والتي تعبر عن جناحيها .

وكانت الصحيفتان تدخلان إلى الأراضي العثمانية ، فأما ( مشورت ) التي يصدرها      (احمد رضا ) في فرنسا ، فكانت ذات سمعة سيئة نظرا لأنها كانت تعبر عن وجهة نظر      (احمد رضا ) نفسه ، ولفقدانه الكثير من أصدقائه ، وتصلبه في كثير من المواقف ، بالإضافة إلى تصورات (احمد رضا )الوضعية والمادية حيث كان من أنصار مذهب          (أوغست كونت) ، وأما صحيفة (مشورات) فكانت تعبر عن آراء مراد بك .

وهذه الصحف والمجلات كانت تجد طريقها إلى الدولة العثمانية دائما وكما في السابق عن طريق دوائر البريد الأجنبية حيث كان في عاصمة الدولة كما معظم المدن الرئيسية مكاتب للبريد الأجنبي تابعة لسفارات الدول الأوروبية وقنصلياتها ، وكانت جميعها مصونة من التفتيش والمراقبة بسبب ما منحهم لهم الامتيازات الأجنبية ، وكان يتم تسليم هذه المطبوعات المختلفة إلى المجموعات السرية التي تقوم بتوزيعها سرا على عناصرها .

ولقد كان السلطان عبد الحميد يعي ذلك جيدا فيقول " هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم اسم تركيا الفتاة[30] كانوا في الأصل ثلاثة أشخاص أو خمسة ، وهؤلاء عملوا ضدي عدة سنوات في أوروبا ، تكلموا ، خططوا ، كتبوا ، كل ذلك قبل أن يفكروا أن العمل ضدي معناه أيضا العمل ضد الوطن ، لقد كانت صحفهم التي يصدرونها تأتي خفية إلى البلاد عن طريق البريد الأجنبي ، وتوزع بواسطة الأجانب " .

ويمكن الإجمال أن جمعية الاتحاد والترقي لها جانبين :

الأول : الجانب السري الذي تتكون منه خلايا ومجموعات الاتحاد والترقي داخل الدولة العثمانية وتتبع طرق الحذر .

الثاني : الجانب العلني والذي تتكون منه خلايا مجموعات الاتحاد والترقي خارج الدولة العثمانية خصوصا في أوروبا . [31]

وكان الفكر السياسي لجمعية الاتحاد والترقي يؤكد على المفاهيم الطورانية على المستويين الداخلي والخارجي،والطورانية تسمية تشير إلى وطن الأتراك الأصلي ونسبته إلى جبل توران الواقع في المنطقة الشمالية الشرقية في إيران وكان داخل حركة الاتحاد والترقي اتجاهاً قوياً يؤكد أن الترك هم من أقدم أمم الأرض وأعرقها مجداً وأسبقها إلى الحضارة، وأنهم هم والجنس المغولي واحد في الأصل، وكان شعارهم عدم التدين وإهمال الجامعة الإسلامية إلا إذا كانت تخدم القومية الطورانية، فتكون عندئذ وسيلة لاغاية وهذا يعني أن هذا الاتجاه يدعوا إلى إحياء عقائد الترك الوثنية السابقة على أسلافهم، كالوثن التركي القديم (بوزقورت) أو الذئب الأبيض -الأسود الذي صوروه على طوابع البريد ووضعوا له الأناشيد وألزما الجيش أن يصطف لإنشادها عند كل غروب، وكأنهم يحلون تحية الذئب محل الصلاة، مبالغة منهم في إقامة الشعور العرقي محل الشعور الإسلامي.

وكان تأثير اليهود على الطورانية أمر واضح وفي هذا الصدد يقول (نيازي بركس )في كتابه (المعاصرة في تركيا) : "أن لليهود الأوروبيين واليهود المحليين في الدولة العثمانية في القرنيين التاسع عشر والعشرين دوراً ضخماً في إرساء تيار القومية الطورانية فالعلماء اليهود في الغرب مثل لومالي دافيد وليون كاهون وارمينيوس فاميري تصدوا للكتابة عن أصول الفكرة القومية الطورانية " .

وقد ذكر (نيازي بركس) في كتابه السابق اسم اليهودي (موئيز كوهين) الذي وصفه (رينيه بيلو) قائلاً: "إن كوهين هو من مؤسسي الفكر القومي الطوراني في الدولة العثمانية، إن كتاب موئيز كوهين هو الكتاب المقدس للسياسة الطورانية".

وكان اليهودي (موئيز كوهين) نشطاً جداً في التعريف بحركة الاتحاد والترقي في الصحف الأوروبية، فقد كان يعرف بجانب العبرية والتركية، عدة لغات أوروبية، وبدأ هذا بمقال باللغة الفرنسية يحمل عنوان (الأتراك يبحثون عن روح قومي).

لقد أسهم (موئيز كوهين)في التخطيط للسياسة العنصرية الطورانية التي سارت عليها جمعية الاتحاد والترقي وهي السياسة التي شقت شعوب الدولة العثمانية وأوجدت بينها العداوة والبغضاء.

لقد قامت جمعية الاتحاد والترقي على إثارة المشاعر القومية عند الأتراك، تحت حلم الطورانية، وقد نادت بمفاهيم جديدة مثل الوطن والدستور والحرية، وكانت هذه المفاهيم غريبة على العثمانيين، وقد ضمت في صفوفها مجموعة من الشباب المثقفين الأتراك، بالإضافة إلى يهود الدونمة وكانت الغاية منها الإطاحة بحكم عبد الحميد الثاني. [32]

ثالثا علاقة جمعية الاتحاد والترقي بيهود الدونمة :

بعد أن قدمنا بعناية عن واقع جمعية الاتحاد والترقي ونشأتها ، وتطورها ، فإننا سنثبت بالأدلة القاطعة على علاقة هذه الجمعية بيهود الدونمة ، والتي حاول البعض نفي هذه الحقائق ، والادعاء بان جمعية الاتحاد والترقي هي جمعية خالصة ووطنية ومهمتها رفع الظلم والجور عن أهلها والمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية ...الخ .

تعريف بيهود الدونمة : Donmeh

(الدونمه) كلمة تركية بمعنى «المرتدين»:

كلمة «دونمه» مكوَّنة من كلمتين تركيتين مدغمتين «دو» بمعنى «اثنين» و«نمه» بمعنى «عقيدة» فهم أصحاب عقيدتين واحدة ظاهرة وهي الإسلام، والثانية مبطنة وهي اليهودية.

ويُقال إن الكلمة مشتقة من كلمة «دونماك» بمعنى «العائدين»، أي يهود المارانو الذين هاجروا من شبه جزيرة أيبيريا[33] إلى الدولة العثمانية. [34]

أما المفهوم السياسي لهذه الكلمة فإنه يعني اليهود المسلمين الذين لهم كيانهم الخاص، وقد أطلق المعنى الخاص بالدونمة منذ القرن السابع عشر على اليهود الذين يعيشون في المدن الإسلامية وخاصة في ولاية سلانيك وأطلق العثمانيون اسم الدونمة على اليهود لغرض بيان وتوضيح العودة من اليهودية إلى الإسلام ثم أصبح علماً على فئة من يهود الأندلس الذين لجؤوا إلى الدولة العثمانية وتظاهروا باعتناق العقيدة الإسلامية.[35]

وقد أُطلق هذا الاسم على جماعة يهودية تركية شبتانية من اليهود المتخفين استقرت في سالونيكا وأشهرت إسلامها تشبُّهاً بشبتاي تسفي (الماشيَّح الدجال). فقد اعتقد كثيرون من أتباعه المؤمنين به أن ارتداده عن دينه واعتناقه الإسلام تلبية لأمر خفي من الرب وتنفيذ للإرادة الإلهية، فحذوا حذوه، ولكنهم ظلوا متمسكين سراً بتقاليد اليهودية. وهم يختلفون عن يهود المارانو في أنهم اعتنقوا الإسلام طواعية دون قسر، فلم تكن الدولة العثمانية تُكره أحداً على اعتناق الإسلام. وعقيدة الدونمه عقيدة حلولية غنوصية متطرفة فهم يؤمنون بألوهية شبتاي تسفي، وأنه الماشـيَّح المنتظر الذي أبطل الوصايا العـشر وغـيرها من الأوامر والنـواهي. وهم يرون أن التوراة المُتداوَلة (توراة الخلق) فارغة من المعنى وأنه أحل محلها توراة التجليات، وهي التوراة بعد أن أعاد تسفي تفسيرها.

وكان مركز الجماعة في بادئ الأمر في أدرنة ثم انتقل إلى سالونيكا. ويحمل كل عضو من أعضاء الدونمه اسمين: اسم تركي مسلم وآخر عبري يُعرَف به بين أعضاء مجتمعه السري. وكانوا يعتبرون أنفسهم يهوداً، فكانوا يتدارسون التلمود مع بقية اليهود ويستفتون الحاخامات فيما يقابلهم من مشاكل، كما كانوا يحتفلون بجميع الأعياد اليهودية ويقيمون شعائرهم عدا شعيرة الكف عن العمل يوم السبت حتى لا يلفتوا النظر إلى حقيقتهم. وقد أضافوا إلى الأعياد عيداً آخر اعتبروه أقدس الأعياد على الإطلاق وهو عيد ميلاد شبتاي تسفي. ويدفن الدونمه موتاهم في مدافن خاصة بهم، ولكن كل فريق منهم يتعبد في معبده الخاص الذي يُسمَّى «القهال» (الجماعة أو جماعة المصلين)، والذي يوجد عادةً في مركز الحي الخاص بهم مخبأً يخفيهم عن عيون الغرباء. وكانت صلواتهم وشعائرهم تُكتَب في كتب صغيرة الحجم حتى يَسهُل عليهم إخفاؤها، ولهذا لم يطلع عليها أحد حتى عام 1935. وكانت كتب الصلوات بالعبرية أصلاً، لكن اللادينو حلت محل العبرية سواء في الأدب الديني أم الدنيوي، ثم حلت التركية محل اللادينو في منتصف القرن التاسع عشر. وقد اتُهمت هذه الجماعة، أو على الأقل إحدى فرقها، بالاتجاهات الإباحية وبالانحلال الخلقي والانغماس في الجنس، وذلك بسبب تحليل الزيجات التي حرمتها الشريعة اليهودية وبسبب الحفلات التي كانوا يقيمونها ويتبادلون خلالها الزوجات (وهذا أمر شائع في أوساط الجماعات الحلولية التي تُسقط كل الحدود، بمعنى حدود الأشياء والعقاب). وللدونمه صيغة خاصة من الوصايا العشر لا تُحرِّم الزنى، بل إنها تُحوِّل عبارة «لا تزن» إلى ما يشبه التوصية بأن يتحفظ الإنسان فقط في ارتكاب الزنى وليس أن يمتنع عنه تماماً. والموعظة الطويلة التي تركها أحد زعمائهم تحتوي على دفاع قوي عن إسقاط التحريمات الخاصة بالجنس في «توراة الخلق». وتؤكد الموسوعة اليهودية أنهم يعقدون احتفالات ذات طابع عربيدي داعر في عيد من أعيادهم الذي يُسمَّى «عيد الحمل» 22 مارس/آذار وهو عيد بداية الربيع. وإن كان يبدو أن مثل هذه الاحتفالات مقصورة أساساً على فرقة القنهيليه، وهي على كل حال أكبر فرق الدونمه عدداً.[36]

وتنتشر هذه الجمعية ويمتد نفوذها الآن في تركيا ومعظمهم يتمركزون فيها ،وما يزالون إلى الآن يملكون في تركيا وسائل السيطرة على الإعلام والاقتصاد، ولهم مناصب حساسة جدًّا في الحكومة.[37]

لقد أسهمت هذه الطائفة في هدم القيم الإسلامية في المجتمع العثماني وعملت على نشر الإلحاد والأفكار الغربية وانتشار الماسونية والدعوة لهتك حجاب المرأة المسلمة واختلاطها مع الرجال وخاصة في المدارس وكان الكثير من رجال الاتحاد والترقي يساهم في بعض نشاطاتها وأفراحها.

وقام يهود الدونمه بدور فعال في نصرة القوى المعادية للسلطان عبد الحميد والتي تحركت من سلانيك لعزله ، وهم الذين سمموا أفكار الضباط الشباب ولا يزالون حتى وقتنا الحاضر يسعون لذلك ولهم صحف ودور نشر وتغلغلوا في الاقتصاد العثماني وكل مناحي الحياة في الدولة العثمانية .

وقد استطاعوا أن يأثروا في جمعية الاتحاد والترقي، وكان السلطان عبد الحميد الثاني عارفاً بحقيقة الدونمة ويؤكد هذه الحقيقة الجنرال جواد رفعت أتلخان، حيث يقول في هذا الصدد: "إن الشخص الوحيد في تاريخ الترك جميعه، الذي عرف حقيقة الصهيونية والشبتائية وأضرارهما على الترك والإسلام وخطرها تماماً، وكافح معهما مدة طويلة بصورة جدية لتحديد شرورهم هو السلطان التركي العظيم كافح هذه المنظمات الخطيرة لمدة ثلاث وثلاثين سنة بذكاء وعزم وبإرادة مدهشة جداً كالأبطال".

وفي حقيقة الأمر، إهتم عبد الحميد بإبقاء الدونمة في ولاية سالونيك ، وعدم وصولهم إلى الآستانة، بغية عدم السيطرة عليها والتجنب من تحركاتهم ، ونتيجة للموقف الجاد من عبد الحميد إزاء فرقة الدونمة اتبعوا إستراتيجية مضادة له، حيث تحركوا ضده على مستوى الرأي العام العثماني والجيش.

ونتيجة لموقف عبد الحميد من الدونمة، قام يهود الدونمة بالتعاون مع المحافل الماسونية للإطاحة به، وقد استخدم هؤلاء شعارات معينة كالحرية والديمقراطية وإزاحة المستبد عبد الحميد، وعلى هذا الأساس قاموا بنشر الشقاق والتمرد في الدولة العثمانية بين صفوف الجيش ، وكانت الغاية من هذا هي تحقيق المشروع الاستيطاني الصهيوني باستيطان فلسطين، وكان يهود الدونمة يشكلون اللبنة الأولى لتنفيذ المخططات اليهودية العالمية.[38]

لقد لعب يهود الدونمة دورا كبيرا في تأسيس ونشاط جمعية الاتحاد والترقي ، فهذه الجمعية لم تكن مقتصرة على الإطلاق على العنصر التركي ، بقدر ما كانت تضم خليطا من القوميات والأجناس والمذاهب المختلفة ، وإجمالا فزعماء الاتحاد والترقي كانوا بشكل عام من أصول اجتماعية متواضعة ، إذ كانوا من أبناء صغار الموظفين ، وصغار تجار المدن .

ولقد عمل يهود الدونمة وفق منهجية وإستراتيجية على قدر من التخطيط والمتابعة ، وكان من هؤلاء ( جاويد) (Cavid)  الذي أصبح فيما بعد وزيرا للمالية ، حيث اثبت جدارة كبيرة في الشؤون المالية والاقتصادية .

ولقد اتهمت صحيفة عربية تصدر من باريس باسم ( يقظة العرب ) جماعة الاتحاد والترقي بأنهم على ارتباط مع اليهود ومع الحركة الماسونية ، وذهبت الصحيفة إلى ابعد من ذلك ، فاتهمت اليهود بأنهم يسيطرون على جمعية الاتحاد والترقي .

ويقول ( سيتون واتسون ) (Seton Watson)  في كتابه ( نشأة القومية في البلقان ) مايلي : "إن أعضاء تركية الفتاة الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم بهم ، كانوا رجالا منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية ، وطراز تفكيرها ، لكونهم قضوا ردحا طويلا من الزمن في المنفى ، كانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية ، وبالنظريات غير المتوازنة للروح الوحشية للثورة الفرنسية ، وكان كثيرا منهم أشخاص مشبوهين ، لا بدافع الوطنية ، وكل أعمالهما كانت نتاج عمل مدينة واحدة ، وهي مدينة سلانيك ، إذ نمت وترعرعت فيها تحت حماية الماسونية ، إن العقول الحقيقية للحركة كانت عقول يهودية أو يهودية مسلمة "[39]، ويكمل (واتسون) قائلا : " ومواردهم المالية كانت تأتيهم عن طريق     « الدونمة » ويهود سالونيكا الأثرياء ، كما كانت تأتيهم المعونات من بعض الجمعيات الدولية أو الشبيهة بالدولية من فيينا و بودابست و برلين ، وربما من باريس و لندن أيضاً ". [40]

ولقد تلقت جمعية الاتحاد والترقي مساعدات مالية من يهود الدونمة الذين كانوا يمتازون بامتلاكهم الكثير من الثروات ، خصوصا امتلاكهم لتجارة سلانيك ، وبهذا احكم يهود الدونمة سيطرتهم على الجمعية ، وحتى يحافظوا على هذه السيطرة كان لا بد لهم أن يتظاهروا على الأقل ، بأنهم يوافقون على تحقيق جمعية الاتحاد والترقي  لأحلامها القومية ، وكانت السرية والطرق الملتوية أمرين رئيسيين لكليهما ، وبهذا أوقع اليهود جمعية الاتحاد والترقي في شراكهم .

ولقد كان بعض الأتراك يرون أن الجمعية هي يهودية أكثر منها تركية ، في حين قال آخرون : " إن جمعية الاتحاد والترقي هي في جوهرها وأساسها يهودية تركية تعارض كل العناصر الأخرى ، وهذا لا يمنع من محاولة يهود الدونمة تنسيق المواقف مع الجهات الأخرى ، حيث قاموا بالتنسيق مع الجماعات الثورة الأرمينية ، وجمعية الاتحاد والترقي " .  ومن هنا يتضح التداخل في العلاقات التي تربط الماسونية التي هي مؤسسة يهودية وبين يهود الدونمة وجمعية الاتحاد والترقي ، ومدى العلاقة التي تربطهم بعضهم البعض ، وبنوع من التأمل والتدقيق يتضح أن اليهود المنتسبين لجمعية الاتحاد والترقي أصبحوا هم أصحاب الكلمة العليا والنفوذ فيها . [41]

ونبرز أهم دليل يثبت علاقة جمعية الاتحاد والترقي باليهود بشكل عام ، وخاصة بيهود الدونمة، وهي وثيقة السفير البريطاني (لاوزر) سنة 1910م، حول العلاقة بين الاتحاديين واليهود .

هذه الوثيقة السرية هي أصلاً رسالة سرية جداً أرسلها السفير البريطاني في قسطنطينية(السير جبرار ولاوزر) بتاريخ 29/5/1910م إلى وزير خارجية بريطانيا (السير ش.هارونج) وتحوي معلومات دقيقة حول العلاقة بين جمعية الإتحاد والترقي واليهود .

وهذه الوثيقة السرية كشف عنها النقاب في بريطانيا حديثاً، وقد نشرتها مجلة(المجتمع الكويتية)ابتداء من (25/12/1978م) في الأعداد (425،429) نقلا  عن مجلة آفاق العراقية نقتطف منها الأجزاء الأهم :

في مدينة سلانيك مائة وأربعون ألفاً ، منهم ثمانون ألف نسمة يهودي من أصل إسباني (أي هربوا من إسبانيا) 000،20 يهودي من سبط (لاوي) أو من يهود المتظاهرين بإسلام (دونمه).

ومعظم اليهود الإسبان يتمتعون بالجنسية الإيطالية ، وهم ماسونيون ينتمون إلى المحافل الإيطالية ، فهم لذالك يتمتعون بالحصانة الممنوحة للأجانب في الدولة العثمانية ضد الملاحقة والتفتيش.

أسس اليهودي (قره صو) قبل بضعة أعوام في سلانيك -بالتعاون مع الماسونية الإيطالية- محفل (ماسيدونيا روزيتا) ، وأقنع رجال تركيا الفتاة ضباطاً ومدنيين بالانتماء إلى الماسونية، وهدفه فرض النفوذ اليهودي على الأوضاع الجديدة في تركيا.

يظهر أن المخططين لحركة تركيا الفتاة في سلانيك كانوا بالدرجة الأولى من اليهود.

جميع اليهود على الإطلاق كانوا مؤيدين متحمسين للعهد الجديد.

أصبح كل يهودي جاسوساً لجمعية الإتحاد والترقي.

بدأ الناس يقولون: إن الحركة يهودية أكثر منها تركية.

عينت إيطاليا اليهودي (بريموليفي) قنصلاً عاماً في سلانيك، وعينت الولايات المتحدة (أوسكار شتراوس) سفيراً لها في قسطنطينية، وكان شتراوس بالتعاون مع (جاكوب شنب) قد أثر على يهود الولايات المتحدة ليهاجروا إلى العراق ، معنى ذلك أن شتراوس يهودي.

العقيد اليهودي الدونمه (رمزي بيك) كان قائد الأفواج الأربعة التي أرسلت خصيصاً من سلانيك إلى القسطنطينية ، وقد عينه رئيساً لأركان حرب السلطان (محمد الخامس)، وعندما خلع السلطان (عبد الحميد) واعتقل في سلانيك عين أخ لرمزي بيك مشرفاً على السلطان في سجنه.

أعلن المؤتمر الصهيوني التاسع المنعقد في هاسبورج في شهر كانون الأول سنة 1909م أن انقسام اليهود إلى صهيونيين ودعاة للهجرة إلى مناطق أخرى غير فلسطين قد انتهى بفضل (معجزة الثورة التركية) بمعنى أن فلسطين أصبحت مضمونة بلا شك.

بعد خلع عبد الحميد أعلنت الأحكام العرفية لمدة سنتين، وكان معظم الضباط في المحاكم العرفية ماسونيين.

مدير المطبوعات في الدولة يهودي من سلانيك وله سلطة إيقاف أي جريده.

وكالة الأنباء التلغرافية -التي تقدم رأي الإتحاديين في الأحداث الداخلية والخارجية- مديرها يهودي من بغداد.

يهتم اليهود أعظم الاهتمام بالاحتفاظ بنفوذهم المطلق في مجلس وزراء تركيا الجديدة.

يهتم اليهود أعظم الاهتمام بإيقاد شعلة الفرقة والخصام بين الأتراك وبين خصوم اليهود المحتلين.

الممولون اليهود يرحبون بتقديم القروض للعهد الجديد في تركيا مقابل مكاسب اقتصادية.

اليهود نفوذ هائل في الصحافة الأوروبية.

اليهود يسعون إلى تحقيق أهداف إسرائيل العليا في المستقبل.

قد أحكم اليهود سيطرتهم على هؤلاء الأتراك الشبان.

اليهود يمولون جريدة (تركيا الفتاة) وعدداً آخر من الجرائد في القسطنطينية.

الممولون الأوروبيون -ومعظمهم من اليهود- يزودون تركيا الآن بالمبالغ المطلوبة.

جمعية الإتحاد والترقي الماسونية تشجع الثوريين اليهود والأرمن على تفجير القلاقل والاضطرابات والتوازن في روسيا القيصرية.

أعضاء جمعية الإتحاد والترقي يقلدون الثورة الفرنسية في أساليبها بتوجيه من اليهود.

اليهود يزينون للأتراك الالتقاء مع الهنغاريين (المجر) بدافع القومية الطورانية، لأن المجريين من أصل طوراني.

وجميع هذه المعلومات حصلنا عليها من ماسونيين محليين في سرية تامة.

انتهت وثيقة السفير البريطاني (لاوزر) التي كتبها سنة 1910م . [42]

 

 

 

رابعا علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونية :

تعريف بالماسونية :

الماسونية لغة:  معناها البناءون الأحرار.

وقد اختلف المفسرون في تعريف أصل كلمة (حر)، فيُقال إنها نسبة إلى (فري ستون Free Stone)، أي (الحجر السلس).

وقد ورد في مخطوطات العصور الوسطى اللاتينية عبارة (إسكالبتور لابيدوم ليبيروروم Sculptor Lapidum Liberorum)، أي (ناحت الأحجار الحرة)، ولكن بعض التفسيرات تذهب إلى أن كلمة )حر( تجيء لتمييز الـ)فري ميسون(، أي (البناء الماهر)، في مقابل الـ (راف أور رو ميسون( rough or raw mason) (، أي (البنَّاء الخام غير المُدرَّب).

وثمة رأي ثالث يذهب إلى أن الـ (فري ميسون)، عضو في نقابة البنائين، ولذا فهو (حر) أي أن من حقه ممارسة مهنته في البلدية التي يتبعها بعد أن يكون قد تَلقَّى التدريب اللازم. ويذهب رأي رابع إلى أن كلمة )فري(إنما تشير إلى أن البنائين لم يكونوا مُلزَمين بالاستقرار في إقطاعية أو بلدية بعينها والارتباط بها، وإنما كانوا أحراراً في الانتقال من مكان إلى آخر داخل المجتمع الإقطاعي. وإن صَدَق هذا التفسير، فهذا يعني أن البنائين كانوا مثل أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب الذين كانوا يُعَدون عنصراً حراً يمكنه الانتقال من بلد إلى آخر. وقد كان هذا حقاً مقصوراً على الفرسان ورجال الدين .[43]   
اصطلاحا : هي منظمة يهودية سرية هدامة، إرهابية غامضة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خداعه مثل (حرية  ـ إخاء ـ مساواة ـ إنسانية) وجلُّ أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم، من يوثقهم عهداً بحفظ الأسرار، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام، تمهيداً لتأسيس جمهورية ديمقراطية عالمية ـ كما يدعون ـ وتتخذ الوصولية والنفعية أساساً لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية.[44]
وتُعرَّف أيضا: بأنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية والمنظمات الأخوية السرية التي تمارس هذه التعاليم، والتي تضم البنائين الأحرار والبنَّائين المقبولين أو المنتسبين، أي الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء.[45]

وتوجد ثلاث عناصر رئيسية تمثل الحد المشترك للماسونيات المختلفة ، وهي :

وجود مراتب ثلاث أساسية يُقال لها درجات، وهي:

التلميذ أو الصبي الملتحق أو المتدرب.

زميل المهنة أو الصنعة (الرفيق).

البنّاء الأعظم أو الأستاذ ،)بمعنى أستاذ في الصنعة).

وقد أضيفت إلى هذه الدرجات الثلاث الأساسية درجة رابعة أخرى أساسية هي «القوس المقدَّس الأعظم»، ثم هناك ما يقرب من ثلاث وثلاثين درجة أخرى في بعض المحافل (كما هو الحال في الطقس الاسكتلندي القديم)، ويصل أحياناً عدد الدرجات إلى بضعة آلاف.

وما دمنا نتحدث عن أشكال التنظيم فيمكن أن نضيف هنا أن من رموز الماسونية: المثلث، والفرجار، والمسطرة، والمقص، والرافعة، والنجمة الخماسية، والأرقام 3 و5 و7 وهي رموز وطقوس تساعد على اكتشاف النور.

والوحدة الأساسية في التنظيمات الماسونية هي المحفل أو الورشة. ويحق لكل سبعة ماسونيين أن يشكلوا محفلاً، والمحفل يمكن أن يضم خمسين عضواً. وتعقد المحافل اجتماعاً دورياً كل خمسة عشر يوماً، يحضره المتدربون والعرفاء والمعلمون. أما ذوو الرتب الأعلى فيجتمعون على حدة، في ورشات (التجويد). ويُفترض في المشاركين في الاجتماع أن يقبلوا لباساً معيَّناً: فهم يضعون في أيديهم قفازات بيضاء، ويزينون صدورهم بشريط عريض، ويربطون على خصورهم مآزر صغيرة، وقد يرتدون ثوباً أسود طويلاً، أو بزة قاتمة اللون، أو (سموكينج)، بحسب تقاليد محفلهم، وهي تقاليد بالغة التعقيد والتنوع.  
وتشكل المحافل اتحادات تدين بالولاء والطاعة لأحد المحافل الكبرى.

ففي فرنسا، على سبيل المثال، خمسة محافل أساسية كبرى، وهي: محفل الشرق الكبير، ومحفل فرنسا الكبير، والمحفل الوطني الفرنسي الكبير، والاتحاد الفرنسي للحقوق الإنسانية، ومحفل فرنسا الكبير للنساء. وتعقد المحافل الكبرى جمعيات عمومية يتخللها تقييم العمل الذي تم إنجازه ورسم خطط العمل للمستقبل. وبعد عَرْض هذه الأشكال التنظيمية والطقوس والرموز، يمكننا القول بأن تنوعها يجعلها غير صالحة كأساس تصنيفي للماسونية.
    2. الإيمان بالحرية والمساواة والإنسانية.

ولكن كثيراً من المحافل اتخذ مواقف عنصرية، فالمحافل الألمانية والإسكندنافية رفضت السماح لأعضاء الجماعات اليهودية بالانضمام إليها، والمحافل الأمريكية رفضت انضمام الزنوج. كما لم تنجح المحافل الماسونية في تجاوز الحدود القومية الضيقة. فأثناء الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، استبعدت المحافل البريطانية الأعضاء المنحدرين عن أصل ألماني أو نمساوي أو مجري أو تركي.
  3. العنصر الربوبي.

أي الإيمان بالخالق بدون حاجة إلى وحي، لكن محفل الشرق الأعظم في فرنسا رفض هذا الحد الأدنى تماماً عام 1877، وترك لكل عضو أن يحدد بنفسه موقفه من هذه القضية، وتم تأكيد (التقوى الطبيعية) بدلاً من (الإيمان الحق)، أي أن الماسونية الفرنسية تبنت صيغة علمانية كاملة مؤسَّسة على الفكر الهيوماني أو الإنساني العلماني. [46]

ويرجع المؤرخون إلى تأسيس الماسونية إلى هيرودس أكريبا (ت 44م) ملك من ملوك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهوديين : ( حيران أبيود: نائب الرئيس، موآب لامي: كاتم سر أول) .

وقال الحاخام لاكويز: "الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها.. يهودية من البداية إلى النهاية".

وأما تاريخ ظهورها فقد اختلف فيه لتكتمها الشديد، والراجح أنها ظهرت سنة 43م.

ولقد مرت بمرحلتين لتأسيسها وهما :

المرحلة الأولى:

وتبدأ هذه المرحلة منذ تأسيسها سنة 43م ، على الأرجح .

وسميت القوة الخفية وهدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الانتشار.

وكانت تسمى في عهد التأسيس (القوة الخفية) ومنذ بضعة قرون تسمت بالماسونية لتتخذ من نقابة البنائين الأحرار لافتة تعمل من خلالها ثم التصق بهم الاسم دون حقيقة.

المرحلة الثانية:

فتبدأ سنة 1770م عن طريق آدم وايزهاويت المسيحي الألماني (ت 1830م) الذي ألحد  واستقطبته الماسونية ووضع الخطة الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة 1776م، ووضع أول محفل في هذه الفترة (المحفل النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.

واستطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرين وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المسمى بمحفل الشرق الأوسط، وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية، وأعلنوا شعارات براقة تخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من المسلمين.

ولقد ضمت الكثير من الشخصيات الهامة منها :

ميرابو، كان أحد مشاهير قادة الثورة الفرنسية.

مازيني الإيطالي الذي أعاد الأمور إلى نصابها بعد موت وايزهاويت.

الجنرال الأمريكي (ألبرت مايك) سرح من الجيش فصب حقده على الشعوب من خلال الماسونية، وهو واضع الخطط التدميرية منها موضع التنفيذ.

ليوم بلوم الفرنسي المكلف بنشر الإباحية أصدر كتاباً بعنوان الزواج لم يعرف أفحش منه.

كودير لوس اليهودي صاحب كتاب العلاقات الخطرة.

لاف أريدج وهو الذي أعلن في مؤتمر الماسونية سنة 1865م في مدينة أليتش في جموع من الطلبة الألمان والأسبان والروس والإنجليز والفرنسيين قائلاً: " يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السموات ويمزقها كالأوراق".

ماتسيني جوزيبي 1805ـ 1872م.

ومن شخصياتهم كذلك: جان جاك روسو، فولتير (في فرنسا)، جرجي زيدان (في مصر)، كارل ماركس وأنجلز (في روسيا) والأخيران كانا من ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثون ومن منتسبي المحفل الإنجليزي ومن الذين أداروا الماسونية السرية وبتدبيرهما صدر البيان الشيوعي المشهور.[47]

انتشار الماسونية في الدولة العثمانية :

نشطت الماسونية داخل الدولة العثمانية مثلما نشطت في دول شتى ، ولقد اختلف في نشأتها داخل الدولة العثمانية ، فيرى بعض الباحثين أن الماسونية الرمزية ظهرت في الدولة العثمانية سنة 1738م في منطقة ( كورفو ) ، تحت رعاية المحفل الأعظم الانجليزي ، في حين يرى البعض الآخر أن الماسونية كانت لها محافلها سنة 1748م ، حيث أمر الباب العالي أن تحاصر الشرطة في (استانبول) محفل ماسوني من اجل طرد أصحابه وتخريب محفلهم ، إلا أن ذويه التجأوا إلى سفير (انجلترا) ، فأوقف عن العمل شرط أن لا تؤازر الدول الأجنبية الجمعيات السرية وعلى الأخص الماسونية .

ولقد ظهر محفل ماسوني آخر سنة 1837م عرف باسم محفل (فيثاغورث) ، ثم تأسست فيما بعد محافل أخرى في العاصمة استانبول ، وأزمير وغيرهما .[48]

وتشير كثير من الأدلة إلى أن الحركة الماسونية التي انبعثت في مصر سنة 1798م علي يد رجال الحملة الفرنسية حيث مهد لها نابليون، ثم أسس خلفه كليبر ومعه مجموعة من ضباط الجيش الفرنسيين الماسونيين محفلاً في القاهرة سمي محفل إيزيسي، وأوجدوا له طريقة خاصة به هي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة، وقد تمكن هذا المحفل من أن يضم إليه بعض الأعضاء من المصريين وإن كانوا قلة، ثم أنحل هذا المحفل رسمياً في أعقاب اغتيال كليبر سنة 1800م، وظل أعضاؤه يعملون في الخفاء وبسرية.[49]

وقد شهد عصر محمد علي على تأسيس أكثر من محفل ماسوني في مصر فقد أنشأ الماسون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830م، على الطريقة الاسكتلندية وغيرها كثير. [50]

ويمكن الإجمال أن هذه المحافل كانت تشهد اضطرابا في عملها ، حيث تفتح ثم تغلق ، ولم تكن بأي شكل من الأشكال منتظمة العمل ، وقد خضع هذا الأمر لموقف الدولة العام منها ، إضافة إلى تنافس المحافل فيما بينها ، والصعوبات الذاتية التي كانت تواجهها .

ونلاحظ أن نشأة المحافل الماسونية الحقيقية في الدول العثمانية كان في الفترة من 1860 – 1869م وهي الفترة التي كان فيها السلطان (عبد العزيز) سلطانا للدولة ، الأمر الذي يؤكد مدى التوسع الذي حققته هذه المحافل في عهد هذا السلطان .

وعندما تولى السلطان عبد الحميد مقاليد الأمور فقد اتخذ موقفا حاسما من الماسونية حيث أبدى معارضة شديدة لها ، لأنه كان يرى فيها جمعية سرية سياسية وخطيرة في آن واحد .

ولقد نشطت الماسونية في بداية عهد السلطان (عبد الحميد)رغم موقفه الواضح منها ، فلقد كونت لجنة عرفت باسم لجنة (سكاليري – عزيز بك ) ، وضمت اللجنة العديد من خصوم السلطان ، وهدفت إلى تدبير انقلاب ضد السلطان ومن ثم خلعه ، لكن المؤامرة اكتشفت ، وقامت الأجهزة الأمنية بمداهمة مقر اللجنة في منزل (عزيز بك)وألقت القبض على أعضائها الموجودين ، وتمكن (سكاليري) من الفرار .

إلى جانب ما قامت به الماسونية من محاولة اغتيال للسلطان عبد الحميد أكثر من مرة ، حينما وضعت قنبلة كبيرة أثناء تأديته لصلاة الجمعة ، إلا انه لم يصب . [51]

من خلال ما سبق نجد أن الحركة الماسونية استطاعت الانتشار في الدولة العثمانية بسبب ما قدمته بعض الدول الأوروبية من دعم لها ، حيث وجدتها منفذا للوصول إلى أهدافها الاستعمارية ، وقلب نظام الحكم وهدم الخلافة الإسلامية وإنشاء حكومة مركزية لادينية ماسونية ، تسيطر على شتى بقاع المعمورة ، إلى جانب إنشاء وطن قومي يهودي صهيوني غاصب على ارض فلسطين .

وبعد أن القينا نظرة على نشأة الماسونية وتطورها ، وانتشارها في الدولة العثمانية ، ننتقل سريعا إلى علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونية .

علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونية :

وعند التحدث عن العلاقة بين الماسونية وجمعية الاتحاد والترقي فهي علاقة وطيدة وعميقة ،فمنذ البداية انضم لها الأحرار العثمانيون الذين سموا أنفسهم (بتركيا الفتاة ) أو      (جمعية الاتحاد والترقي ) .

وتشير كل الاحتمالات إلى أن المؤسس الحقيقي لجمعية الاتحاد والترقي ، قد تأثر بمنظمة (الكاربوناري) الايطالية ، فيما قام به ، حيث قام (إبراهيم تيمو) بزيارة ايطاليا ، وزار خلالها محفلا ماسونيا ومن خلال هذا المحفل تعرف (تيمو)على (الكاربوناري) في أيار 1888م ، وقرر أن يؤسس جمعيته السرية على نمطها . [52]

ويذكر الماسون الذين أصدروا كتابا في تركيا باسم (الماسونية في تركيا والعالم ) أن المحفل التركي الأعظم المرتبط بالمحفل الايطالي الكبير المسمى بمحفل (مكدونية ريورتا) ، ومحفل (لابوريت لوكس ) لعبت دورا هاما في جمعية الاتحاد والترقي ، وقد حاول السلطان عبد الحميد الحد من نشاط هذه المحافل ، لكنه لم يوفق في مسعاه ، وقد قامت هذه المحافل بدور كبير بتأسيس وتوسيع جمعية الاتحاد والترقي .

ويعترف احد قادة جمعية الاتحاد والترقي بخدمات الماسونية لجمعيته في مقابلة له مع مراسل صحيفة باريسية حيث قال : "حقا أننا وجدنا سندا من الماسونية ، وخاصة الماسونية الايطالية ، فالمحفلان الايطاليان( مكدونية ريزورتا ولابوريت لوكس ) قدما لنا خدمة حقيقية ، ووفرا لنا الملاجئ ، فكنا نجتمع فيها كماسونيين ، لان كثيرا منا كانوا ماسونيين ، غير أننا في الحقيقة كنا نجتمع لتنظيم أنفسنا ، كما أننا اخترنا معظم رفقائنا من هذين المحفلين ، اللذين ساعدا لجنتنا كغربال ، نظرا لما كانا يبديانه من دقة في الاستفسار عن الأفراد ، فكان العمل السري الذي يجري في (سلانيك) قلما يثير الشكوك في القسطنطينية ، كما أن عملاء الشرطة حاولوا عبثا دخوله ، يضاف إلى ذلك أن هذه المحافل التمست من الشرق الأعظم في ايطاليا أن تتدخل السفارة الايطالية عند الحاجة ، وقد وعد الشرق الأعظم بدوره بضمان ذلك " . وبذلك قامت المحافل الماسونية بجمع كلمة الاتحاديين ، وكان كثير من الماسونيين واغلبهم من اليهود الأثرياء يمدونهم بالمال .

وتتوالى اعترافات أعضاء الجمعية بدور الماسونية ، حيث يقول احدهم : "ونحن العثمانيون مدينون للماسونية اكبر دين لأنها هي التي تثبت في نفوس أعضاء جمعية الاتحاد والترقي روح الحرية ، وبها اقتدوا في إنشاء جمعيتهم " .

أما الحديث الذي يدور في هذه المحافل ـ أي الماسونية ـ فقد أورده (أرمسترونج)حيث يقول : " لقد ادخل مصطفى كمال أخا في ( محفل فيداتا ) (Vedata Lodge) ، فوجد نفسه في محيط لم يحبه ، لان المحفل كان جزءا من منظمة فوضوية عالمية ، وكان مليئا برجال لا قومية لهم يتكلمون عن شرور روسية ، حيث كان اليهود مضطهدين ، وعن مباهج (فينا) ، حيث سمح لهم الحصول على المال ، لقد كانوا أناسا مرضى ولصوصا مفعمين بالأسرار والكلام الغامض ".

والى جانب ذلك كانت شهادات المؤرخين حيث يقول (بيرس ) (Pears) : " إن زعماء جمعية الاتحاد والترقي التحقوا بالمحافل الماسونية للإبقاء على مخططهم سرية " ، وأما (اللورد كنروس) (Lord Kinros)  فيقول " إن جمعية الاتحاد والترقي قد استفادت من أساليب وفنون الماسون " .[53]

و يقول ستون وطسون: "لقد كان مصطفى ماسونيا كما يؤكد هذا (الدكتور أرنست رامزر).

وقال بينوميشان: "اعتنق مصطفى كمال الماسونية رسميا وانتسب إلى محفل (نيدانا) ".

وفي دائرة المعارف الماسونية: "فمن يماثل أتاتورك من رجاله الماسون" .[54]

ونبرز أهم دليل يثبت علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونيين ، وهي وثيقة السفير البريطاني (لاوزر) سنة 1910م .

هذه الوثيقة السرية هي أصلاً رسالة سرية جداً أرسلها السفير البريطاني في قسطنطينية(السير جبرار ولاوزر) بتاريخ  29/5/1910م إلى وزير خارجية بريطانيا (السير ش.هارونج) وتحوي معلومات دقيقة حول العلاقة بين جمعية الإتحاد والترقي بالماسونية.

وهذه الوثيقة السرية كشف عنها النقاب في بريطانيا حديثاً، وقد نشرتها مجلة(المجتمع الكويتية)ابتداء من 25/12/1978م في الأعداد (425،429) نقلا عن مجلة آفاق العراقية ، واهم ما جاء فيها :

مديرية الأمن العام في الدولة بيد ماسوني من سلانيك.

في مقدونيا والقسطنطينية ظهر خلال العام الماضي 1909م اثنا عشر محفلاً ماسونياً جديداً .

أفهم الموظفون وغيرهم -من ذوي المناصب المهمة- أن مناصبهم وموارد رزقهم تتوقف على دخولهم في المحافل الماسونية.

لكي تشدد الجمعية قبضتها على الجيش أدخل عدد كبير من الضباط -وخاصة من ذوي الرتب الصغيرة- في محفل ماسوني يسمى (ريسنا) بلد نيازي بيك ، ويرأس المحفل أخوه النقيب (عثمان فهمي بك).

دخل في الماسونية معظم نواب الجمعية في مجلس المبعوثات والأعيان في المحفل الذي يسمى (الدستور) وكان من كبار رؤسائه طلعت.

نواب المعارضة وخاصة العرب بدأوا ينشئون لهم محافل خاصة بهم مثل (محفل التآخي العثماني) (أصدقاء الحرية) أو ينضمون إلى المحافل القائمة.

طائفة البكتاشية تفشت بينهم الماسونية.

في المدة التي بين 1909م-1910م أنشئت المحافل الماسونية التالية: [ الوفاء الشرقي، نهضة بيزنطة، الأصدقاء الحميمون للإتحاد والترقي، الحقيقة، الوطن، النهضة، وفرع من محفل (نهضة مقدونيا)، (الفجر) ] ، ويبدو أن جميع هذه المحافل الماسونية -مثل شبكة المحافل الماسونية في سلانيك ومقدونيا- كان يقودها أو يخطط لها اليهود.

الأمير المصري سعيد حليم وأخوه الأمير عباس حليم والأمير عزيز حسن ماسونيون.

يوسف بيك السكاكيني من زعماء الماسون.

الزعيم الوطني المصري (محمد فريد) ماسوني كبير عين ممثلاً في مصر لمحفل الشرق العثماني الأعظم وأقيمت حفلة التنصيب في محفل ماسوني في (طنطا).

حاييم ناحوم حاخام الطائفة اليهودية الأكبر الجديد في تركيا كان زميل دراسة لعدد من أعضاء جمعية أعضاء الإتحاد والترقي البارزين.

طلعت وجاويد يمثلان قمة الماسونية في تركيا، وطبعاً جاويد يهودي.

ومنذ أن أصبح طلعت وزيراً للداخلية -قبل حوالي سنة- عمل على نشر شبكة الماسونية في جميع مناطق الدولة ، وأخذ يسند إلى الماسونية الوظائف الكبرى في الأقاليم.

قال (لاوزر) يتبين من هذا أن الحكومة الخفية لتركيا إنما هي محفل الشرق الأعظم الماسوني وعلى رأسه الأستاذ الأعظم (طلعت بيك).

الماسونية تمد نشاطها من تركيا إلى إيران، وجمعية الإتحاد والترقي الماسونية وراء الإنقلاب الذي وقع في إيران ، ويدور الحديث الآن حول البدء بإنشاء محفل الشرق الماسوني في إيران، و (فرح الله خان) القائم بأعمال السفارة الإيرانية الجديدة في القسطنطينية انضم إلى الماسونية حديثاً.

جمعية الإتحاد والترقي الماسونية تشجع الثوريين اليهود والأرمن على تفجير القلاقل والاضطرابات والتوازن في روسيا القيصرية.

أعضاء جمعية الإتحاد والترقي يقلدون الثورة الفرنسية في أساليبها بتوجيه من اليهود.

اليهود يزينون للأتراك الالتقاء مع الهنغاريين (المجر) بدافع القومية الطورانية، لأن المجريين من أصل طوراني.

وجميع هذه المعلومات حصلنا عليها من ماسونيين محليين في سرية تامة.

انتهت وثيقة السفير البريطاني (لاوزر) التي كتبها سنة 1910م .[55]

خامسا علاقة مصطفى كمال بجمعية الاتحاد والترقي:

عندما ابتلعت جمعية الاتحاد والترقي ، الجمعية التي أسسها مصطفى كمال وهي ( الوطن والحرية ) ، وانضمام أصدقاء وأعضاء جمعية مصطفى كمال إليها ، اضطر إلى انضمام إليها .

لكن الاتحاديون لم يعيروا مصطفى كمال أية أهمية ولم تعجبهم تصرفاته ، لذلك فان مصطفى كمال حمل حتى النهاية في نفسه حقدا لا يهدأ نحو الاتحاديين الذين كانوا أكثر جرأة وتضحية منه بما لا يقاس ، وان كانت هذه الجرأة والتضحية في سبيل الباطل .

وكان مصطفى كمال يمثل في عيون الاتحاديين سوى شخص يحترق للشهرة والصعود .[56]

لكن هناك آراء تذكر أن مصطفى كمال عندما أدرك حقيقة جمعية الاتحاد والترقي كونها ماسونية يهودية ، فثارت ثائرته على الجمعية ، واعتبر قادتها وزعمائها ليسوا سوى خونة أو على اقل تقدير ، مغفلين مغرورين همهم الوحيد الوصول إلى الحكم بأي ثمن ، فبدأ يبتعد عن الجمعية ويوجه نقده اللاذع علنا لأهدافها ووسائلها والقائمين عليها ، مما أثار حذر أعضائها منه ونقمتهم عليه ، فانفصل عنها .[57]

إلا أن مؤلف كتاب ( الرجل الصنم ) ، يورد عكس ذلك ، فيقول : " وعندما أعلن الدستور سنة 1908م تحت تأثير سلانيك فان الاتحاديين بالرغم من كونهم لم يستلموا الحكم بعد إلا أنهم سيطروا على معظم الأماكن الحساسة ، ولكون الاتحاديين وخاصة أنور لا يرتاحون إلى مصطفى كمال فإنهم نفوه إلى طرابلس الغرب بحجة القضاء على ثورة هناك ، ولكن ذهابه ورجوعه لم يستغرق سوى شهرين تقريبا ، لأنه أرسل في نهاية سنة 1908م ورجع في أوائل سنة 19099م ودخل مركز الجمعية في سلانيك وقال للمجتمعين هناك : " كما ترون فاني رجعت " .[58]

وعندما تحرك ( جيش الحركة )[59] من سلانيك إلى استانبول بعد حادثة 31 مارت[60] ـ التي كانت في الحقيقة من ترتيب وعمل الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد الثاني ـ  ، وكان مصطفى كمال احد الأركان وليس رئيسا للأركان كما يدعون ، وباعتراف الكاتب المتزلف فانه بقي في الظل . [61]

كما يشترك في مؤتمر الاتحاد والترقي كممثل عن بنغازي ، ويقوم بالهجوم العنيف على الجمعية بين الجنود الذين كانت الجمعية تسعى إلى جذبهم إلى سياستها ، مما يسبب في قلق الجمعية فيقرر الاتحاديون قتله ويكون تنفيذ المهمة إلى ( يعقوب قدري ) المشهور بجرأته وتهوره ، ولكن هذا الشخص القاتل بفطرته لا يقوم بهذه المهمة ـ كما يقول لحبه مصطفى كمال ـ كما أن الآخرين أيضا لا يقدمون على هذه المهمة إما لحبهم له أو خوفهم منه ، ويا له من تلفيق مضحك مثل الاتحاديين الذين كان قتل الإنسان عندهم أهون من قتل الذباب ، ولا يستطيع احد أن يقول : أنهم لم يهتموا أو لم يأخذوا مأخذ الجد .

ويصف ( فالح رفق ) نظرة الاتحاديين إلى مصطفى كمال وهو وصف ينطبق بالضبط على حقيقته فيقول: " كان مصطفى كمال بالنسبة للاتحاديين سكيرا لأنه يشرب وانتهازيا ، لأنه كان دائم النقد بين أصدقائه للأوضاع القائمة ، وساقطا من الناحية الأخلاقية لكونه مغرما باللهو والمجون ، ومع أن له قيمة من الناحية العسكرية إلا انه شره للشهرة لا يشبعه أي شيء " . [62]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث : المؤامرة

في هذا الفصل سنستعرض أهم المفاصل العسكرية التي مر بها مصطفى كمال ، وتنقله من مدينة لأخرى ، إلى جانب ترقيه ووصوله إلى أعلى المناصب العسكرية في الدولة العثمانية ، إلى جانب مواقفه الخيانية في عدة جبهات قتالية وتآمره على الدولة العثمانية ، وإخضاع مصالحه الشخصية وأهوائه فوق مصلحة الدولة ، إلى جانب الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد الثاني .

عندما بدأت تحركات جمعية الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد ، فاندلعت الثورة ، ومن بدون مقدمات ، على يد مجموعة من الشبان الأتراك ، في ربيع عام 1908م ، فقام (نيازي) ـ وهو احد قادة جماعة الاتحاد والترقي ـ بحشد بعض جنوده وزحف بهم عبر مقدونيا الجنوبية ، وما كان (أنور) يعلم بتمرد (نيازي) حتى اصدر بيانا يعلن فيه الثورة ، وزحف هو الآخر بفيلقه ، وفكر مصطفى كمال بالانضمام إلى الثورة رغم كرهه واحتقاره (لنيازي وأنور ) إلا انه تراجع في اللحظة الأخيرة بعد أن اعتبر القضية مجرد مغامرة ، فأعضاء جمعية الاتحاد والترقي لا يزيدون على الثلاثمائة شخص ما بين عسكريين ومدنيين ، عدا أن القائمين بالثورة لم يبنوا تصرفهم على أي دراسة صحيحة واقعية لإمكانية تجاوب الشعب وسائر قطاعات الجيش معهم ، فبقي منصرفا إلى واجباته العسكرية البحتة ، وكان يرد على كل من يسأله رأيه بهذه الثورة إنها " مجرد مغامرة لن تعيش أكثر من يومين " .

إلا أن الثورة نجحت رغم كل التقديرات المعاكسة ، ولأول مرة اخطأ مصطفى كمال في حساباته وتحسباته للأمور الجدية ، فالجنود الذين أرسلهم عبد الحميد على جناح السرعة من اسطنبول إلى مقدونيا لسحق الثورة ما لبثوا أن انضموا إلى القائمين بها ، إذ أقنعهم الثوار بان الثورة إنما قامت لمصلحتهم ، عندها اصدر عبد الحميد أوامره إلى إحدى الفرق المرابطة في العاصمة ، والتي كانت تعتبر من أفضل فرق الجيش تدريبا وانضماما بالتوجه إلى مقدونيا والقضاء على الجنود الذين قاموا بحركة التمرد ، إلا أن هذه الفرقة رفضت تنفيذ الأوامر ، مما رفع معنويات القرار واكسبهم نصرا لم يكونوا ليتوقعوه أو حتى ليحلموا به ، فقرروا الزحف على العاصمة ، فأدرك عبد الحميد أن الثورة ليست مجرد عمل طائش قام به بعض المغامرين وشعر أن العرش بدأ يهتز من تحته ، فأعلن تشكيل حكومة وعهد إليها بتطبيق الدستور الذي كان ( مدحت باشا ) قد وضعه عام 1876م ، وامتدح الثوار ووصفهم بأنهم أبطال الوطن وحماته البواسل ، ثم أعرب عن استعداده لاستقبالهم والترحيب بهم في قصره  في استانبول وتهنئتهم على العمل البطولي الذي قاموا به !. [63]

وكانت هناك عدة أسباب جعلت من جمعية الاتحاد والترقي أن تبقي السلطان عبد الحميد الثاني في تلك الفترة على العرش منها :

1- لم تكن في حوزة الاتحاد والترقي القوة الكافية بعزله في عام 1908م.

2- إتباع عبد الحميد الثاني سياسة المرونة معهم، وذلك بتنفيذ رغباتهم بإعادة الدستور.

3- ولاء العثمانيين لشخص السلطان عبد الحميد، وهذه النقطة واضحة، حيث أن لجنة الاتحاد والترقي لم تكن لها الجرأة الكافية على نشر دعايتها ضد السلطان عبد الحميد الثاني بين الجنود ، لأن هؤلاء كانوا يبجلون السلطان . [64]

أما مصطفى كمال عندما احتلت ليبيا من قبل ايطاليا سنة 1911م ، فانه يذهب إلى ليبيا للاشتراك في محاربة الايطاليين .

وقد اشتهر مصطفى كمال بمقاومة الاحتلال الايطالي لليبيا [65]، وهناك في ليبيا نجد كل من يشتهي أن يلمع اسمه ، من أنور إلى مصطفى كمال ، وباعتراف مصطفى كمال فان هذه المقاومة كانت عبثا وبدون أمل أو فائدة إلا فائدة واحدة وهي إيهام الشعب بان الواجب الوطني يراعى ويوفى بحقه ، أي خداع الشعب .[66]

الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد الثاني:

إن الصهيونية العالمية لم تقتصر على الانقلاب الدستوري لعام 1908م، بل تعاونت مع جمعية الاتحاد والترقي لتحقيق مكاسب أخرى في فلسطين ، وعليه كان لابد من التخلص من السلطان عبد الحميد الثاني نهائياً ولذلك دبرت أحداث في 31 أبريل 1909م في استانبول وترتب على أثرها، اضطراب كبير قتل فيه بعض عسكر جمعية الاتحاد والترقي؛ عرف الحادث في التاريخ باسم حادث 31 مارت .[67]

واتفقت هذه الرغبة مع رغبة الدول الأوروبية الكبرى خاصة بريطانيا التي رأت في ذلك الخطوة الأولى لتمزيق الإمبراطورية العثمانية، وشعر اليهود والأرمن أنهم اقتربوا كثيرًا من أهدافهم؛ لذلك كانت أحداث 31 مارت ـ هو الشهر الأول من شهور السنة الرومية، ويقابل شهر إبريل، مع فارق بين الشهرين مقداره 18 يوما ـ  ويوافق يوم 21 ربيع أول 1327 هـ / 13 إبريل 1909؛ حيث حدث اضطراب كبير في إستانبول قتل فيه بعض جنود الاتحاد والترقي.

وعلى إثر ذلك جاءت قوات موالية للاتحاد والترقي من سلانيك، ونقلت إلى إستانبول، وانضمت إليها بعض العصابات البلغارية والصربية، وادعت هذه القوات أنها جاءت لتنقذ السلطان من عصاة إستانبول، وأراد قادة الجيش الأول الموالي للسلطان عبد الحميد منع هذه القوات من دخول إستانبول والقضاء عليها إلا أن السلطان رفض ذلك، وأخذ القسم من قائد الجيش الأول بعدم استخدام السلاح ضدهم؛ فدخلت هذه القوات إستانبول بقيادة محمود شوكت باشا وأعلنت الأحكام العرفية، وسطوا على قصر السلطان وحاولوا الحصول على فتوى من مفتي الدولة بخلع السلطان لكنه رفض، فحصلوا على فتوى بتهديد السلاح.[68]

وقد حدث هذا الاضطراب الكبير في العاصمة بتخطيط أوروبي يهودي، مع رجال الاتحاد الترقي وتحرك على أثره عسكر الاتحاد والترقي من سلانيك ودخل استانبول، وبهذا تم عزل خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني من كل سلطاته المدنية والدينية. ثم وجهت إليه جمعية الاتحاد والترقي التهم التالية:

تدبير حادث 31 مارت.

إحراق المصاحف.

الإسراف.

الظلم وسفك الدماء .

مع أن جمعية الاتحاد والترقي العثمانية، تبنت الأفكار الغربية المضادة للإسلام وللفكر الإسلامي؛ لكنها استغلت الدين عند مخاطبتها للناس للتأثير فيهم، وكسب أنصار لهم في معركتهم ضد السلطان عبد الحميد الثاني. وقد نجحوا في ذلك.[69]

إن التهم التي وجهت للسلطان عبد الحميد الثاني لا تثبت أمام البحث العلمي، والحجج، والبراهين الدالة على براءته الكلية مما ينسب إليه، فقد أثبتت الأدلة على عدم علم السلطان عبد الحميد بحادث 31 مارت، كما أنه من المحال إحراق السلطان عبد الحميد للمصاحف، فهو سلطان معروف بتقواه، ولم يعرف عنه تركه للصلاة وإهماله للتعبد، كما أنه معروف بعدم إسرافه ولأنه لا يعرف الإسراف فقد كان المال يتوفر معه دائماً ولذلك فقد أزاح من على كاهل الدولة أعباء كثيرة من ماله الخاص، وعن ظلمه وسفكه للدماء فلم يعرف عن السلطان عبد الحميد هذا، وسفك الدماء لم يكن أبداً ضمن سياسته .

ولم لا يغيب عن بال الانقلابيين الضغط على مفتي الإسلام محمد ضياء الدين بإصدار فتوى الخلع ففي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر نيسان عام 1909م اجتمع 240 عضواً من مجلس الأعيان في جلسة مشتركة وقرروا بالاتفاق خلع السلطان عبد الحميد الثاني وكتب مسودة الفتوى الشيخ نائب حمدي أفندي المالي لكن أمين الفتوى نوري أفندي الذي دعي للاجتماع رفض هذه المسودة وهدد بالاستقالة من منصبه إن لم يجر تعديل عليها وأيده في التعديل عدد من أنصاره من النواب فعدل القسم الأخير على أن يقرر مجلس المبعوثان عرض التنازل عن العرش أو خلعه.[70]

وبتكليف من جمعية الاتحاد والترقي تم تكوين لجنة لإبلاغ خليفة المسلمين وسلطان الدولة العثمانية عبد الحميد الثاني بقرار خلعه. وكانت هذه اللجنة تتألف من:

إيمانويل قراصو: وهو يهودي أسباني. كان من أوائل المشتركين في حركة تركيا الفتاة وكان مسئولا أمام جمعية الاتحاد والترقي عن إثارة الشغب وتحريضه ضد السلطان عبد الحميد الثاني وتأمين التخابر بين سلانيك واستانبول فيما يتعلق بالاتصالات الحركة. وقراصو هذا محام، عملت جمعية الاتحاد والترقي بنجاح على تعينيه في المجلس النيابي العثماني نائباً عن سلانيك مرة وعن استانبول مرتين. وصفته المصادر الانكليزية بأنه من قادة الاتحاد والترقي. عمل أثناء الحرب مفتشاً للإعاشة ، واستطاع أثناء وجوده في هذا المنصب أن يجمع أموالاً كثيرة لحسابه الخاص، ولعب دوراً هاماً في احتلال إيطاليا لليبيا نظير مبلغ من المال دفعته إليه إيطاليا. واضطر نتيجة لخيانته للدولة أن يهرب إلى إيطاليا ويحصل على حق المواطنة الإيطالية واستقر في تريسنا حيث مات عام 1934م. وكان أثناء وجوده في الدولة العثمانية الأستاذ الأعظم لمحفل مقدونيا ريزولتا الماسوني.

آرام : وهو أرمني عضو في مجلس الأعيان العثماني.

أسعد طوبطاني: وهو ألباني ، نائب في مجلس المبعوثان عن منطقة دراج.

عارف حكمت: وهو فريق بحري وعضو مجلس الأعيان، وهو كرجبي العراق.[71]

تنازل السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش لأخيه محمد رشاد في 6 ربيع آخر 1327 هـ / 27 إبريل 1909م)، وانتقل مع 38 شخصًا من حاشيته إلى سلانيك بطريقة مهينة ليقيم في المدينة ذات الطابع اليهودي في قصر يمتلكه يهودي بعدما صودرت كل أملاكه وأمواله، وقضى في قصره بسلانيك سنوات مفجعة تحت رقابة شديدة جدًا، ولم يسمح له حتى بقراءة الصحف.

الوفاة :

وقد تُوفِّي السلطان عبد الحميد الثاني في 28 ربيع آخر 1336 هـ /10 فبراير 1918م عن ستة وسبعين عامًا، واشترك في تشييع جنازته الكثير من المسلمين، ورثاه كثير من الشعراء، بمن فيهم أكبر معارضيه "رضا توفيق" الذي كتب يقول:

عندما يذكر التاريخ اسمك

يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم

كنا نحن الذين افترينا دون حياء

على أعظم سياسي العصر

قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون

قلنا لا بد من الثورة على السلطان

وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان .[72]

أهداف حملات التشهير بالسلطان عبد الحميد :

لقد تعرض السلطان عبد الحميد إلى التشهير العنيف والواسع والشديد ، ولذلك لتحقيق أربعة أغراض :

الدفاع عن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي حين أقدموا على خلع عبد الحميد عام 1909م ، فأرادوا تبرير تصرفهم بأنهم لم يكن أمامهم سوى طريق واحد هو إنهاء حكمه كي تستعيد الدولة مكانتها وتسترد ولاياتها السليبة التي انتزعتها منها الدول الأوروبية على عهده .

تغطية فشلهم الذريع في حكم الدولة سواء في شؤونها الداخلية أو الخارجية كي يعتقد الرأي العام في الدولة وفي خارجها أن حكمهم لم يكن أسوا من حكم عبد الحميد الذي لم يكن فيه الفرد يتمتع بحريته أو يأمن على حياته ، وان البلاد في ظل هذا السلطان كانت محرومة من الحياة الدستورية خاضعة تماما للسيطرة الأجنبية .

إبراز صورة وضيئة ناصعة البياض لعهد مصطفى كمال ومشايعيه إذا قورن حكمهم بحكم السلاطين العثمانيين بعامة والسلطان عبد الحميد بخاصة إذ كان أقربهم إلى أذهان الجماهير التركية لقرب عهدهم به ، ولأنه كان من أشهر السلاطين ، وكذلك تبرير تصرفاتهم حين الغوا نظام السلطنة العثمانية سنة 1922م ، ثم انشئوا النظام الجمهوري وأعلنوا قيام الجمهورية التركية سنة 1923م ، ثم الغوا الخلافة الإسلامية سنة 1924م .

رغبة القائمين على الحركة الصهيونية في تدمير سيرته انتقاما منه لسياسته المعادية لأهدافهم في فلسطين .[73]

وبعد خلع السلطان عبد الحميد أصبح كل شيء بيد الاتحاديين ،وكان السلطان الخليفة معهم مجرد شكل لا غير ، ولم يتعاقب على الخلافة بعد ذلك سوى ثلاثة خلفاء ، ثم اشتركت الدولة في الحرب العالمية الأولى وهزمت وتجزأت .

أما الخلفاء الذين تعاقبوا أيام حكم الاتحاديين فهم :

محمد رشاد ( محمد الخامس ) ، وقد تولى الحكم عام 1910م وهو أخو السلطان عبد الحميد الثاني ، وكان عمره ثماني وستين سنة حين تولى الحكم ، وفي ذلك الوقت كان الاتحاديون يختلفون فيما بينهم وتتباين آرائهم وذلك نتيجة لاندلاع الحرب العالمية الأولى واشتراك الدولة فيها .

محمد وحيد الدين ، وهو أخو رشاد الذي استسلمت الدولة في عهده وقتذاك ، وقد حاول السلطان وحيد الدين أن ينقذ الدولة بعد هزيمتها وسيطرة الحلفاء على استانبول واحتلال اليونان للأقسام الغربية ووقوع البلاد العربية تحت الاحتلال ، فوضع ثقته في مصطفى كمال الذي كان يتولى قيادة القوات التركية التي تحمي الدردنيل ، فهو الذي أنقذ البلاد من وقوعها تحت الاحتلال البريطاني؟! ، وما لبث أن تم إجبار وحيد الدين على التنازل عن السلطنة والخلافة عام 1341هـ / 1922م ، وقد كان خليفة فقط بعد إلغاء السلطنة .[74]

مواقف خيانية من قبل مصطفى كمال :

في سنة 1912 اندلعت حرب البلقان ، وعندما لا يستطيع البلغار تخطي خط ( جتالجة ) فبدؤوا يتهيئون لتغيير اتجاههم والهجوم على شبه جزيرة ( غاليبون ) ، فيفكر العثمانيون بقطع طريق رجوع البلغاريين الذين مالوا إلى المضيق وذلك بتوجيه بعض القوة العسكرية إلى شواطئ مرمرة وبذلك يجعلون البلغاريين بين نارين حيث يستطيع القضاء عليهم وإفناءهم ، فماذا كان دور مصطفى كمال في هذه الخطة ؟ ، وماذا عمل ؟.

يذكر د.رضا نور في مذكراته ما يلي : " في المرحلة الأخيرة لحرب البلقان كان الجيش موجودا في (تكير داغ ) وحاواليها ، وقد أرسل جيش من قبلنا للدفاع عن شبه جزيرة (غاليبوا ) ، وقد كان هذا الجيش تحت قيادة ( علي فتحي ) و ( مصطفى كمال ) ، وبحسب الخطة التي وضعها أنور فقد كان على الجيش أيضا مهاجمة الجيش البلغاري لدحره ، وقد تم التفاهم على الخطة ، ولكن مصطفى كمال بدأ بالهجوم دون أن ينتظر هجوم أنور باشا فاندحر وهرب ، فاضطروا إلى إرسال جيش أنور باشا إلى شبه جزيرة ( غاليبوا ) خوفا من هجوم البلغار واستيلائهم عليها ، وقد أرسل ( الميرلاي صادق صبري ) للتحقيق ، وما أن وصل إلى هناك حتى التقى مع ( على إحسان باشا ) في الميناء حيث اخبره هذا بان هذه الكارثة حدثت نتيجة خيانة مصطفى كمال ، أما دافع مصطفى كمال لاقتراف هذه الخيانة فهو الحيلولة دون حصول أنور على شرف الانتصار والغلبة ، ثم ذهب صادق صبري للتحقيق مع ضباط فرق الجيش حول هذه الكارثة حيث كانوا متفقين في أن هناك قصدا أو خيانة في الأمر ، وعندما قام صادق صبري باستجواب مصطفى كمال لم يجر هذا جوابا ، وقد عرفت هذا الأمر من صادق صبري نفسه ، وقد نشر جمال الغزي رسالة حول هذه القضية حيث رد عليها فتحي قائلا : " إن أمثال هذه الخيانات تبقى عندنا بدون عقاب ، وهذا شيء مؤلم " .[75]

ثم رقي بعد فترة إلى رتبة قائمقام ، ولكن أخرج بعيداً عن مسرح السياسة والتوجيه لأنه كان مكروهاً من الاتحاديين فيما عدا صلته بجمال باشا الذي يجمعه به كراهيتهما للألمان ، ولما كثر نقده للاتحاديين أبعدوه ملحقاً عسكرياً في صوفيا.

ولما اندلعت الحرب الأولى طلب أتاتورك من أنور أن يوليه قيادة إحدى الجبهات ، وبعد طلبه عدة مرات تولى قيادة القطاع الجنوبي في شبه جزيرة (غاليبولي) ، فأبدى شجاعة فائقة وانتصاراً كبيراً ، وبعد انسحاب الحلفاء من (غاليبولي) رجع مزهواً بالنصر منتفخاً بالغرور إلا أن أنور تجاهله ، فلجأ إلى الدس والمؤامرة على الاتحاديين فألقي القبض عليه وعلى المتآمرين وشنق أنور مجموعة منهم إلا أنه لم يشنق مصطفى وأبعده إلى بلاد القوقاز حيث الجيش السادس ثم إلى ديار بكر حيث الجيش الثاني ، ولم يكن له هناك شأن يذكر لانسحاب الروس إثر الثورة الشيوعية سنة 1917م .

ثم أرسلوه إلى الشام سنة 1917م وكان قد وصل إلى رتبة لواء أي باشا وصار مساعداً لقائد الجيش الثاني.[76]

ثم عين قائداً لجبهة فلسطين ، وفي فلسطين تمت الصفقة مع أللنبي القائد الإنجليزي واتفق الإنجليز مع مصطفى كمال[77] ، على الانسحاب ليدخل أللنبي برداً وسلاماً وليضرب الجيوش التركية الأربعة ضربة قاصمة بعد أن ارتد أللنبي خائباً من أبواب السلط بعد أن هزمه جمال باشا قائد الجيش الرابع [78]

وكانت نتيجة هذه الخيانة تحطيم تركيا إلى الأبد، وأما نتيجة المعركة فكانت كارثة:

كان عدد الأسرى يقرب من مائة ألف جندي عدا القتلى برصاص الدروز والأرمن[79]

الأدلة على خيانة مصطفى كمال واتفاقه مع الإنجليز:

هناك أدلة كثيرة على خيانة مصطفى كمال واتفاقه على الانسحاب من فلسطين وتدمير الإسلام :

إن انسحاب مصطفى كان من موقع حصين وهو شرق نابلس الوعرة ، وقد تم   الانسحاب في نفس الليلة التي دخل فيها أللنبي وهي ليلة19/9/1917 ، وقم تم الانسحاب من نابلس إلى شرق الأردن فدمشق فحلب فجبال طوروس ، وقد كان الانسحاب فجائياً بسرعة البرق[80] .

ولم يكن وضع أللنبي العسكري بحالة تمكنه من هذا النصر الساحق.

يقول لورانس:" لقد قال لي أللنبي في 5 أيار سنة 1917م : إن كلينا مرغم على البقاء حيث هو والدفاع عن هذا البقاء بأي ثمن[81] ، إن مصيرنا كله على كف عفريت[82] ".

يقول الجنرال التركي ـ مؤلف كتاب الرجل الصنم ـ :" وهنا يتفق مصطفى كمال مع القائد الإنجليزي الجنرال أللنبي سراً وبانسحاب فجائي يحرم الجيش التركي من ذراعي الاستناد ، ويؤدي بذلك إلى وقوع الجيش بيد الأعداء"[83] ، ويقول ضابط تركي معاصر[84] : " كان رفقائي في السلاح في جبهة فلسطين يذكرون أن الخيالة الإنجليز قاموا باختراق جبهة الجيش الذي كان تحت إمرة مصطفى كمال ، وأنهم بذلك وصلوا إلى مؤخرة أربعة جيوش حيث تمت الكارثة التي لا يتحملها العقل والخيال " .

وكان قائد الجيش الرابع جمال باشا يرى على الدوام أن مصطفى كمال هو المسئول عن الهزيمة ، ويقول الدكتور علي حسون : " وفي سنة 1337هـ عين مصطفى كمال قائداً  لأحد الجيوش في فلسطين حيث قام بإنهاء القتال مع الإنجليز فوراً وبصورة تامة وسمح للعدو بالتقدم شمالاً دون مقاومة ، وسحب قواته شمالاً لما بعد حلب حسب مخطط متفق عليه " .

اتصل الإنجليز بمصطفى كمال يوم أن كان قائداً في فلسطين وطلبوا إليه أن يقوم بثورة على السلطنة ، ووعدوه أن يساعدوه على ذلك ، فاتصل مصطفى كمال بقائدين عثمانيين من زملائه كانا يتوليان قيادة جيشين قريبين منه وطلب وفاقهما في الأمر ، فلما سمعا الخبر استعظماه واستنكراه وقالا له:" بما أنك لم تحاول العصيان الذي يوجب الإعدام فإننا سنكتم الأمر وننصحك أن تعتبره منسيا "[85].

بعد اندحار أللنبي أمام جمال باشا في السلط أرسل جمال إلى الأمير فيصل بن الحسين قائد القوات العربية يعرض الصلح بين الأتراك والعرب ، وهذا الصلح لو تم لأصبح من شبه المستحيل على أللنبي أن ينتصر على العرب والترك معاً.

قال لورانس: " وكان جواب فيصل على تلك المذكرة أنه سيأتي الوقت المناسب لعقد تلك المعاهدة وفي إمكانه ضمان ولاء جيش لجمال باشا إذا أخلى الأتراك عمان لحكومة عربية تشكل فيها على الأثر" .

قال لورانس:" وما أن وصلت هذه الأخبار إلى مصطفى كمال الثائر على السلطات التركية فإذا بمصطفى يرجو فيصلا عدم الانصياع لرغبات جمال باشا وطعنه ويعد بالمساندة في حالة نجاحه في إخلاء دمشق لإقامة دولة عربية مستقلة "[86].

وهنا نتساءل ما الذي أوصل هذه المكالمات السرية إلى مصطفى كمال؟ أليسوا الإنجليز؟ ولماذا يجهد مصطفى كمال في منع عقد الصلح الذي هو في مصلحة تركيا؟

أوليس ووراء الكواليس شيء يوعد به مصطفى كمال من قبل الإنجليز؟ وما معنى في حالة نجاحه؟ أوليس نجاحه فيما اتفق عليه مع الإنجليز؟ وهو إسقاط الدولة العثمانية مقابل الوعد والأماني الشيطانية الإنجليزية؟

إن كلام أللنبي ومصطفى كمال واحد يتفق في الهدف والصيغة، إنه ليس كلام قائد تركي يقاتل الإنجليز، إنه كلام قائد يحمي جبهة بريطانيا من الانهيار، ويحرم العرب الأتراك من النصر وهذا الذي حصل [87] .

بعد انتصار أللنبي حضر إلى اسطنبول فطلب من الدولة التركية المهزومة أن تعين مصطفى كمال قائدا للجيش السادس قرب الموصل حيث النفوذ الإنجليزي ومنطقة البترول لحماية مصالح الإنجليز وأمنهم هناك[88] .

إن مصطفى كمال بعد الهزيمة الكبرى التي كبدها تركيا ، وبعد رجوعه كان على صلة بالقس المشهور (FRID) فرد الذي كان رئيسا  للاستخبارات الإنجليزية في تركيا[89] .

كان مصطفى كمال على صلة وثيقة بالسلطان وحيد الدين (محمد السادس) ، وذلك لأنه عين في ربيع سنة 1918م مرافقاً عسكرياً له ، وكان آنذاك ولياً  للعهد ، وأظهر مصطفى كمال آنذاك لوحيد الدين كراهيته للإتحاد والترقي ، وأبدى صلاحاً وحرصاً على مصلحة تركيا ، وسرعان ما أصبح الاثنان صديقين حميمين ، وغدا مصطفى جندياً للأمير وأميناً  لسره.

وفي أثناء الحرب مات السلطان محمد رشاد (الخامس) وتولى وحيد الدين الخلافة، فقرب مصطفى كمال ورفع من مكانته، وأرسله وحيد الدين ليتولى مكافحة المستعمرين في الأناضول، وأعطاه مبلغا كبيرا من الذهب (عشرين ألف ليرة ذهبية)[90].

يقول الشيخ مصطفى صبري[91]: " لقد شاعت كلمة سمعتها على لسان أحد الإنجليز أن السلطان أراد أن يكيد الإنجليز بمصطفى كمال، فكاد الإنجليز به السلطان ".

وفي الأناضول اتفق مصطفى كمال على أن يتولى عن غربي الأناضول ، وأما القائد (كاظم قره بكر) فيتولى الدفاع عن شرقي الأناضول.

قال كاظم: " ولكن بعد أن مر 18 يوما على تثبيت هذه الخطة ـ أي في 3 شباط  سنة 1920م ـ تلقيت رسالة بالشفرة من سيادة مصطفى كمال يقول فيها:" ليس هناك مجال للمقاومة المسلحة ضد شروط الصلح الفاسدة إلا في القفقاس، أما في الجهات الأخرى فليس في الإمكان عمل أي شيء فإذا ساعدت تركيا البلاشفة في الاستيلاء على قفقاسيا ، ووحدت جهودها معهم فإن الأناضول -من الغرب إلى الشرق- وكذلك العراق وإيران وأبواب الهند تكون قد فتحت على مصراعيها[92] .

فجاء خليل باشا عم (أنور باشا) إلى أهل أذربيجان (قفقاسيا) وقال لهم: "إن تركيا ترغب منكم السماح للجيش الروسي بالعبور لتقديم المساعدة إلى تركيا ، فقال أهل أذربيجان:" وقد خدعنا بهذا القول وأدخل الروس علينا دون أن نبدي أي مقاومة ، مع أننا كنا نملك جيشاً وكنا على استعداد للدفاع ، ولكن لم يدعنا ندافع وهكذا دخلنا مرة أخرى تحت السيطرة الروسية[93] .

وكانت هذه خطة إنجليزية ليظهر مصطفى كمال أنه عدو لبريطانيا ، ولقد جاء (راولنسوون-شقيق اللورد كيرزون) وزير خارجية بريطانيا واجتمع مع كاظم وعرض عليه نفس الخطة ، فذهل كاظم للتوافق العجيب والفجائي بين رغبة مصطفى كمال الذي تظاهر بعداوة الإنجليز وبين رغبة الإنجليز أنفسهم[94].

لقد خطط -راولنسون- وبصفقة متبادلة مع روسيا لذبح الشعب القفقاسي المسلم وألقوا خطتهم إلى عميلهم مصطفى كمال ، ونفذها كاظم باشا وخليل باشا ووقعت القفقاس المسلمة في قبضة الشيوعيين ليذبح أهلها في مفارم اللحم (البلوبيف) ، وليساموا سوء العذاب إلى يومنا هذا منذ نيف وستين سنة ، وليمسح الإسلام من أرضها نهائياً ويجتث منها اجتثاثاً ، وقد ثبت أن العقيد (راولنسون) قد اجتمع مع مصطفى كمال في بيت في أرضروم اجتماعاً في غاية السرية والأهمية دام حتى الصباح[95].

تصريح دهاقيين السياسة الإنجليزية آنذاك بوجوب إقامة معاهدات صداقة مع مصطفى كمال.

يقول اللورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا:" لا يمكن لأي فرد تركي بعد هذا الاحتلال المنحوس (لأزمير) من قبل اليونان إلا أن يتعاطف بعمق مع القضية الوطنية التي عليها الآن مصطفى كمال[96] .

ويقول رئيس الأركان سير هنري ولسون:" ليس أمام الدبلوماسية الإنجليزية إلا أن تعقد الصداقة مع مصطفى كمال".

مسرحيات الانتصارات الساحقة في الأناضول وخاصة في سقاريا أفيون ، أزمير التي جعلت من مصطفى كمال خارقة من الخوارق تغنى بمدحها الشعراء حتى قال أحمد شوقي:

الله أكبر كم في الفتح من عجب          يا خالد الترك جدد خالد العرب !

ثم يجعله في مصاف صلاح الدين الأيوبي حين يقول:

حذوت حرب الصلاحيين في زمن

فيه القتال بلا شرع ولا أدب

وشبه انتصاره بانتصار بدر فيقول:

يوم كبدر فخيل الحق راقصه

على الصعيد وخيل الله في السحب

تهيئة أيها الغازي وتهنئة

بآية الفتح تبقى آية الحقب [97]

لقد تمت المسرحية بهذا الإخراج الساحر الذي يأخذ بالألباب، لقد شدد الإنجليز في فرض الشروط على الخليفة ليبدو عاجزاً ضعيفاً وتساهلت مع مصطفى كمال ليظهر بطلاً فريداً.

يقول الشيخ مصطفى صبري[98]: لقد أبلغتنا لجنة الحلفاء العليا المقيمة في باريس والمؤلفة من رؤساء وزارات كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا واليونان في مساء 14 مايو سنة 1919 قرارا  يقضي بنزول الجيوش اليونانية في أزمير ومقدونية ، ويحذرنا من المقاومة التي يعتبرونا نقضا للهدنة ، في اليوم الثاني أي في 15 مايو سنة 1919م نزل اليونان في أزمير.[99]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع : الكارثة

في هذا الفصل والأخير ، نتحدث عن تداعيات إنهاء الخلافة الإسلامية إلى جانب الأعمال التي قام بها مصطفى كمال لإلغاء مظاهر الإسلام في البلاد.

بعد إلغاء السلطنة في 1 تشرين ثاني 1922م ، رحل السلطان محمد وحيد الدين على سفينة انكليزية إلى مالطا واختار المجلس الوطني عبد المجيد الثاني خليفة فقط .

وقام مصطفى كمال بإعلان الدستور الجديد الذي نص على أن تركيا أصبحت جمهورية ، وانتخب مصطفى كمال أول رئيس لها ، وعصمت اينونو أول رئيس وزراء .[100]

أولا إلغاء الخلافة :

وعندما التفت المعارضة التركية لمصطفى كمال حول الخليفة عبد المجيد ، فخشي من الإطاحة به ، وكذلك شعر مصطفى كمال أن هذا الخليفة ، قد يصبح نقطة لتجمع المسلمين ، والتفاف المسلمين جميعا حوله بصفته أعلى رجل دين في الإسلام ، وكان مصطفى كمال لا يريد منافسا ، ويريد قطع الجذور العميقة بالإسلام والماضي ، فاستصدر قرارا من الجمعية الوطنية في 3 آذار 1924م بإلغاء الخلافة وإخراج الخليفة من البلاد ، وصدر بذلك صيغة جديدة للدستور في 20 نيسان ، وفي هذا التاريخ ، تاريخ إلغاء الخلافة يشغر لأول مرة تاريخ الإسلام من منصب خليفة منذ وفاة الرسول (ص) وخلافة أبو بكر .

وعندما طرح مصطفى كمال على الجمعية مشروع قرار بإلغاء الخلافة التي أسماها " هذا الورم من القرون الوسطى " ، وقد أجيز القرار الذي شمل نفي الخليفة في اليوم التالي دون مناقشة، وانطفأت على يد مصطفى كمال شعلة الخلافة التي كان المسلمون طيلة القرون يستمدون من بقائها رمز وحدتهم واستمرار كيانهم .

لقد كان مصطفى كمال ينفذ مخططاً مرسوماً له في المعاهدات التي عقدت مع الدول الغربية، فقد فرضت معاهدة لوزان سنة 1340هـ/1923م على تركيا فقبلت شروط الصلح والمعروفة بشروط كرزون الأربع " وهو رئيس الوفد الانجليزي في مؤتمر لوزان " وهي:

1- قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.

2- إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاءً تاماً.

3- إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة.

4- اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم .

وعم الاستياء الشديد العالم الإسلامي، فشوقي الذي مدحه سابقاً بكى الخلافة فقال:

عادت أغاني العرس رَجْعَ نواح

ونُعيتِ بين معالم الأفراح

كُفِنتِ في ليلِ الزِفاف بثوبه

ودُفنتِ عند تَبَلُج الإصباحِ

ضَجَتْ عليك مآذن ومنابر

وبكيت عليك ممالكُ ونواحِ

الهندُ والهة، ومصر حزينة

تبكي عليك بمدمع سحاحِ

والشام تسأل، والعراق وفارسٌ

أمَحا من الأرض الخلافة ماحِ

ياللرجال لحُرةٍ مؤودة

قُتِلتْ بغير جريرة وَجُناحِ

 

ثم انبرى شوقي بوجه التقريع والنقد الشديد إلى أتاتورك الذي يريد بجرة قلم وبالحديد والنار أن ينقل الأتراك رغم أنوفهم من آسيا إلى أوروبا ، ومن جذورهم العميقة في الشرق إلى الانتظار على أبواب الغرب:

بَكتِ الصلاة وتلك فِتنةُ عابثٍ

بالشرع عربيدِ القضاء وَقاحِ

أفتى خُزَعبلةٍ وقال ضلالة

وأتى بكفر في البلاد بُواحِ

إن الذين جرى عليهم فِقْهُهُ

خُلقِوا لفِقِهِ كتبية وسِلاحِ

نَقَل الشرائعَ والعقائد والقُرى

والناسَ نَقْلَ كتائب في الساحِ

تركته كالشبح المؤلة أمه

لم تَسْلُ بَعْدُ عبادة الأشباحِ

غرته طاعات الجموع ودولة

وَجَد السواد لها هوى المرتاح

ولم يترك شوقي أن يبين سبب ظهور هؤلاء المتسلطين إلى جهل الشعوب واستسلامها للطغاة المستبدين فقال:

مجدُ الأمور زواله في زَلةٍ

لا ترْج لا سمك بالأمور خلوداً

خلعته دون المسلمين عِصابةُ

لم يجعلوا للمسلمين وجوداً

يقضون ذلك عن سواد غافل

خُلِقَ السواد مضَلَلا ومَسْودا

إلـيّ نظرت إلى الشعوب فلم أجد

كالجهل داءً للشعوب مُبيْدا

وإذا سبي الفردُ المسلط مجلساً

ألفيت أحرار الرجال عبيدا [101]

ثانيا إجراءات مصطفى كمال لمحو آثار الخلافة الإسلامية :

منذ لحظة إعلان الجمهورية التركية عام 1923م برئاسة مصطفى كمال بدأ أتاتورك اتخاذ الترتيبات نحو الاتجاه للغرب ، وقد وصف كمال قانون العلمانية وفصل الدين عن الدولة ، بأنه : " انتصار للكفاح في سبيل المدنية ، وان تصفية الدستور بإخراج المادة القائلة أن الإسلام دين الدولة هو بمثابة لبس التاج في مراسيم انتصار دعاوينا الأساسية " .

وقال أيضا : " إن الدولة التركية دولة علمانية ، وكل راشد حر في اختيار دينه ، إن الأمة التركية دولة تدار بالنظام الجمهوري الذي هو إرادة الشعب " .

أولا إجراءات مصطفى كمال في مجال الدين :

فألغيت وزارة الأوقاف سنة 1343هـ/1924م، وعهد بشؤونها إلى وزارة المعارف.

وفي عام 1344هـ/1925م أغلقت المساجد وقضت الحكومة في قسوة بالغة على كل تيار ديني وواجهت كل نقد ديني لتدبيرها بالعنف. وفي عام
1350-1351هـ/1931-1932م حددت عدد المساجد ولم تسمح بغير مسجد واحد في كل دائرة من الأرض يبلغ محيطها 500متر وأعلن أن الروح الإسلامية تعوق التقدم.

وتمادى مصطفى كمال في تهجمه على المساجد فخفض عدد الواعظين الذين تدفع لهم الدولة أجورهم إلى ثلاثمائة واعظ ، وأمرهم أن يفسحوا في خطبة الجمعة مجالاً واسعاً للتحدث على الشؤون الزراعية والصناعية وسياسة الدولة وكيل المديح له. وأغلق أشهر جامعين في استانبول وحول أولهما وهو مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وحول ثانيهما وهو مسجد الفاتح إلى مستودع.

أما الشريعة الإسلامية فقد استبدلت وحل محلها قانون مدني أخذته حكومة تركيا عن القانون السويسري عام 1345هـ/1926م. وغيرت التقويم الهجري واستخدمت التقويم الجريغوري الغربي، فأصبح عام 1342هـ ملغياً في كل أنحاء تركيا وحل محله عام 1926م.

وفي دستور عام 1347هـ/1928م أغفل النص على أن تركيا دولة إسلامية، وغير نص القسم الذي يقسمه رجال الدولة عند توليهم لمناصبهم، فأصبحوا يقسمون بشرفهم على تأدية الواجب بدلاً من أن يحلفوا بالله كما كان عليه الأمر من قبل.

وأهملت الحكومة التعليم الديني كلية في المدارس الخاصة، ثم تم إلغاءه بل أن كلية الشريعة في جامعة استانبول بدأت تقلل من أعداد طلابها التي أغلقت عام 1352هـ/1933م.[102]

إغلاق الزوايا والتكايا الموجودة بالدولة سواء كانت وقفا أو ملكا لمشايخها .

إلغاء كل الطرق ومشايخها وإلغاء ألقاب الدراويش والمريد والأستاذ والسيد والجلبي والبابا والأمير والنقيب والخليفة والعرافة والسحر والتنجيم وكتابة التعاويذ والأحجية والتمائم .

9 . حظر استعمال عناوين وصفات أزياء تدل على تلك الطرق .

10. إغلاق جميع المزارات وقبور السلاطين والأولياء ومشايخ الطرق .

11. تحويل جميع ما في الزوايا والتكايا من أثاث إلى المتاحف التابعة للدولة .

12. زي العلماء هو عمامة بيضاء وجبة سوداء .

13. عدم إجبار العلماء على ارتداء الزي خارج وظائفهم .

14. يخير العلماء في السلام بين رفع غطاء الرأس أو الإشارة بأيديهم . [103]

15. إلغاء لبس الطربوش وأمر بلبس القبعة تشبهاً بالدول الأوروبية .

16. وأخذ أتاتورك ينفخ في الشعب التركي روح القومية، واستغل ما نادى به بعض المؤرخين من أن لغة السومريين أصحاب الحضارة القديمة في بلاد مابين النهرين كانت ذات صلة باللغة التركية فقال:" بأن الأتراك هم أصحاب أقدم حضارة في العالم ليعوضهم عما أفقدهم إياه من قيم بعد أن حارب كل نشاط إسلامي" .

17. وعملت حكومته على الاهتمام بكل ما هو أوروبي فازدهرت الفنون وأقيمت التماثيل لأتاتورك في ميادين المدن الكبرى كلها، وزاد الاهتمام بالرسم والموسيقى ووفد إلى تركيا عدد كبير من الفنانين اغلبهم من فرنسا والنمسا.

18.وعملت حكومته على إلغاء حجاب المرأة وأمرت بالسفور ، وألغي قوامة الرجل على المرأة وأطلق لها العنان باسم الحرية والمساواة، وشجع الحفلات الراقصة والمسارح المختلطة والرقص.

19. وفي زواجه من لطيفة هانم ابنه أحد أغنياء أزمير الذين كانوا على صلة كبيرة مع اليهود من سكان أزمير، أجرى مراسم الزواج على الطريقة الغربية كي يشجع على نبذ العادات الإسلامية واصطحبها وطاف بها أرجاء البلاد وهي بادية المفاتن تختلط مع الرجال وترتدي أحدث الأزياء المعينة على التبرج الصارخ .

20. عمل على تغيير المناهج الدراسية وأعيد كتابة التاريخ من أجل إبراز الماضي التركي القومي، وجرى تنقية اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية، واستبدلت بكلمات أوروبية أو حثية قديمة.

21. وأعلنت الدولة عزمها في التوجيه نحو أوروبا وانفصلت عن العالم الإسلامي والعربي، وأمعنت حكومتها من استدبار الإسلام حتى حاربت بقسوة أي محاولة ترمي إلى إحياء المبادئ الإسلامية .[104] وألغى عيد الفطر والأضحى .[105]

ثانيا إجراءات مصطفى كمال في مجال اللغة العربية والعلوم الإسلامية :

مع ظهور تيار العلمانية بدأت محاولات التخلص من تأثير الثقافة العربية ، وتطبيقا لهذا اصدر مصطفى كمال عام 1923م قانونا بإلغاء الحروف العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية ، كما اصدر قانون توحيد المدارس ، والذي نص على ربط كافة المؤسسات التعليمية المختلفة على ربطها بوزارة المعارف .[106]

كما أوكل لوزارة المعارف أن تنشئ مدارس خاصة لتخريج الأئمة والخطباء .

وعندما بدأ الانقلاب على الحرف العربي ، فكلف مصطفى كمال لجنة من الأساتذة بكتابة الألفاظ التركية بحروف لاتينية ، وطبق الانقلاب الحديدي على نفسه أولا ، ثم أمر المجلس الوطني في يوليو عام 1928م بالانتقال معه إلى اسطنبول ، ودعا إلى قصر (الدونمابهاتشي) الشخصيات المرموقة ،  واخذ يشرح لهم بالطباشير على لوح خشبي اسود كبير الحروف المستحدثة الجديدة وطريقة كتابتها .

وانتقل إلى المدن والقرى ومعه لوحه الأسود والطباشير شارحا للناس طريقة الكتابة الجديدة ،وقام باستصدار قرارا من المجلس الوطني الكبير بجعل كتابة اللغة التركية بالحرف اللاتيني إلزامية في أنحاء البلاد كلها اعتبارا من الثالث من نوفمبر عام 1928م ، ثم أمر بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية وتلاوة الصلاة باللغة التركية ولما ثارت ثائرة رجال الدين والعلماء ، فكان الرد عليهم : " ألا يفهم الله تركية ؟!.[107]

وكما بدا مصطفى كمال بنفسه في تعلم اللغة التركية الجديدة ، سمى نفسه أتاتورك (أي أبو الأتراك) .

وفي عام 1935م ، جرى تبديل يوم العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة ، إلى العمل بنظام عطلة نهاية الأسبوع الغربية .[108]

وكان خطوات مصطفى كمال هذه بعيدة الأثر في مصر وأفغانستان وإيران والهند الإسلامية، وتركستان وفي كل مكان من العالم الإسلامي، إذ أتاحت الفرصة لدعاة التغريب وخدام الثقافة الاستعمارية أن ينفذوا إلى مكان الصدارة وأن يضربوا المثل بتركيا في مجال التقدم والنهضة المزعومة، فقد هللت له صحف مصر (الأهرام، السياسة ،المقطم) ذات الاتجاهات المضادة للإسلام ، والمدعومة من النفوذ الغربي واليهودي والماسوني.

لقد بررت تلك الصحف تصرفات كمال أتاتورك ووافقت عما ابتدعه، ونشرت له أقوال : " ليس لتركيا الجديدة علاقة بالدين". وأنه ـ أي مصطفى كمال ـ : " ألقى القرآن ذات يوم في يده   فقال :" أن ارتقاء الشعوب لا يصلح أن ينفذ بقوانين وقواعد سنت في العصور الغابرة ".

لقد كانت حكومة تركيا العلمانية الكمالية ـ هي كما وصفها الأمير شكيب أرسلان ـ  ليست حكومة دينية من طراز فرنسا وانكلترا فحسب، بل هي دولة مضادة للدين كالحكومة البلشفية في روسيا سواء بسواء، إذ أنه حتى الدول اللادينية في الغرب بثوراتها المعروفة لم تتدخل في حروف الأناجيل وزي رجال الدين وطقوسهم الخاصة وتلغى الكنائس .

وكان للإعلام اليهودي دور كبير في الترويج لهذه الردة ، مثلما كان له دوره البارز في تشجيع أتاتورك على البطش بأية معارضة إسلامية ، وكانت تزين له أن ما يقوم به من المذابح والوحشية ضد المسلمين ليست سوى معارك بطولية، كما كانت منبراً لكل دعوات التشبه بالغرب الصليبي والمناداة بالحرية الفاجرة للمرأة التركية، والترويج لفنون الانحلال الخلقي معتبرة أن شرب الخمر والمقامرة والزنا ليست إلا مظاهر للتمدن والتحضر.[109]

النهاية :

بعدما وصل مصطفى كما أتاتورك إلى ما وصل إليه من بطش وإجرام لهدم الخلافة الإسلامية ، ومحاربة الدين الإسلامي وكافة مظاهر الإسلام والتدين ، الخاصة والعامة ، نجد انه من الحق أن نورد حقائق غائبة عن الأذهان والتي تتعلق بمحاربة مصطفى كمال ، وتكشف عن شخصيته الحقيقية .

حياته الخاصة :

إن إغراق مصطفى كمال في شهواته هو العنوان البارز لحياته، ويمكن تلخيص حياته في ثلاث كلمات: النساء، الخمر، وجنون العظمة .

فقد زنى وهو في سن الرابعة عشر في بنت الجيران.

حيثما ذهب وأينما حل تجده بين الحانات والملاهي التي تغص بالعاهرات وتتدفق بالخمور والمشروبات، ففي دمشق هذه حياته وفي سلانيك قلما كنت تراه إلا في الكازينوهات (أوليمبوس بالاس ويونيو كرستال)

وفي صوفيا -عاصمة رومانيا- كان ملحقا  عسكريا  تفرغ للفسق والخمر حتى الصبح، وفي حلب وفي أنقره وفي مدرسة الزراعة في أنقره أسكن العاهرة (خالدة أديب) مع زوجها بجانبه، حيث اللقاءات معها .

كانت فلسفته في الحياة على الفرد والأمة أن لا تدع النشوة والفرح أن تفلت من يديها .

ولشدة شربه للخمر المسمى بالعرق كانت الأوردة الشعرية ظاهرة على وجنتيه وعلى وجه خاصة، وأصبح أحمر كالطماطم .

وبعد أن أصبح رئيساً للجمهورية سكر وعربدة وفسق بالنساء والولدان، وقال زميله رضا نور:" أنه أصيب بمرض السيلان وأمر بإزاحة الستائر عن نوافذ بيته حتى يراه الناس وهو يشرب الخمر" .

كان له سماسرة لاختطاف الفتيات وقوادين لإحضار النساء، منهم جواد عباس ووزير خارجيته توفيق رشدي، الذي جعل بيته في أنقرة (ماخورا ) لأتاتورك.

ومن عشيقاته (صالحة) التي قدمها زوجها إلى أتاتورك، و (فكرية) والبروفسورة (أفة) التي عشقها أربعة عشر عاما ـ دون انقطاع ـ فسميت العشيقة الدائمة، والبلغارية الجميلة التي قدمها زوجها المحامي لطفي إلى مصطفى كمال نظير الحصول على بعض الامتيازات في (مشروع بارون) وبنت (مفيد بك).

وكذلك خليل باشا الذي قدم زوجته لأتاتورك نظير الحصول على امتياز للبترول، فأعطاه أتاتورك (3000) ليره مصاريف جيب .

10.اتخذ مجموعة من العاهرات الفاتنات كخدامات دائمات في القصر وسماهن (بناته بالتبني) .[110]

مرضه وموته:

لقد أصيب بمرض الكبد - بسبب الكحول التي في الخمر- وأصبح الماء يجتمع في بطنه باستمرار، وصار يثور بسرعة عجيبة وضعفت ذاكرته وصار الدم ينزف من أنفه بلا انقطاع وأصيب بالأمراض الجنسية، وصار يحك بين فخذيه باستمرار.

كانت المياه القاتلة في جوف الكبد تتجمع فيسحبونها بالإبر، انتفخ بطنه وتورمت قدماه.

صار يضعف يوما بعد يوم ويستطيل وجهه ويختفي الدم منه ويبيض بياض العاج، ثم صار عاجزاً عن الحركة بمفرده .

وفي أثناء مرض الموت استدعى أتاتورك السفير البريطاني (لورين) ليوصي له برئاسة الجمهورية التركية.

ويحدث الأتراك عن العذاب الذي كان يعاني منه أثناء مرضه العجب العجاب.[111]

(ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) (السجدة: 12) .

(لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون)         (فصلت: 16) .

كان يصيح صياحا  يخترق شرفات القصر الذي يقيم فيه (دولمة باغجة) في القسطنطينية.

وأصبح جلدا على عظم، وبقي يذوب ويصغر ويتفتت حتى يتحول إلى فضلة امتص ماؤها.

كان وزنه عندما مات 48 كغم فقط، سقط طاقم أسنانه، فمه يكاد يصل إلى حاجبيه، أوصى أن لا يصلى عليه صلاة الجنازة، وفي يوم الخميس 10نوفمبر سنة 1938م الساعة التاسعة وخمس دقائق رحل أتاتورك من الدنيا ملعوناً في السماء والأرض.

(فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (الدخان: 29)

رحل بعد أن دمر تركيا ودمر الإسلام ومزق الأسرة وحطم الأخلاق وداس القيم وانتهك الشعائر وحول المساجد إلى مخازن للحبوب.

(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا  أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله، ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون، ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) (الأنعام: 93-94) .

يقول عرفان أوركا: " إن أتاتورك قد اقتنع بأن كفاحه يجب أن يوجه إلى الدين وكان يعتقد من صغره أن لا حاجة إلى الله، وكان يقول: إن قوة العقل والإرادة تتغلبان على قوة الإله، وكان في آخر عهده يرفع قبضته ويشير إلى السماء ساخرا مهددا " .[112]

 

انتهي البحث بحمد الله تعالى

الخاتمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :

في ختام هذا البحث يتبين لنا أن مصطفى كمال هو ابن غير شرعي ، وقد بلورت حياته ومنشأه وتربيته التي عاشها وبيئته ، إلى جانب المجون والذي تمثل في أمه اللعوب .

فقد حقد على الدين والإسلام منذ نعومة أظفاره وقد ترجم هذا الأمر إلى حقيقة علمية تواصلت معه حتى الممات .

لقد وجد مصطفى كمال ضالته المنشودة والتي تعبر عن طيات أفكاره ، فالعسكرية وجدها يستطيع تنفيذ مآربه وطموحاته .

لقد ارتقى مصطفى كمال بالدرجات العسكرية المختلفة عبر الجد والاجتهاد تارة والخداع والتلفيق تارة أخرى .

لقد ارتبطت أهداف مصطفى كمال بجمعية الاتحاد والترقي ، وقد تخللها تقارب وتصالح وتنافر مع الجمعية ، وعلاقة هذه الجمعية وارتباطها بيهود الدونمة وأعضائها المنحدرين أصلا إليها ، وارتباطها بالماسونيين وانضمام معظم أعضائها إليها وتغلغل الصهيونية فيها.

لقد ساهم مصطفى كمال بالمؤامرة وإلغاء السلطنة والخلافة فيما بعد ، والإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد ، وعزله ووفاته .

لقد كانت المواقف الخيانية لمصطفى كمال تدل على حبه العميق وشرهه للوصول لسدة الحكم بأي طريق كانت حتى لو صلت إلى الصعود عبر الجماجم والدماء والأشلاء .

لقد كان إلغاء الخلافة هو نقض آخر عري الإسلام ، عبر إسقاطها .

عندما تولى مصطفى كمال الحكم قام بمحاربة الآثار الإسلامية المتبقية وقمعها بقوة وبطش شديد .

لقد كان مصطفى كمال محطم الخلافة العثمانية بامتياز ، ولكن كان هناك عدة محاولات لقيام حكومة إسلامية في تركيا اليوم ، وتمثل آخرها بصعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، ومحاولاته شيئا فشيئا إلى إعادة الإسلام .

لقد أحيط مصطفى كمال بهالة عظيمة وآن لها أن تنقشع وتدحض الاتهامات المزيفة .

إن واجب الأمة اليوم هو عدم استسلام لما يقوله أهل الكفر وأصحاب التوجهات العلمانية ، والتصدي لهم عبر إظهار الحقيقة كاملة .

إن واجب العلماء والأكاديميين هو النظر بعين فاحصة لتاريخ الدولة العثمانية ، واستنتاج العبر والعظات منها .

إن واجب الإعلام هو إظهار حسنات الخلافة العثمانية ، وتيسير الصورة للناس عن الخلافة العثمانية .

إن مناهجنا التعليم ملأى بالحقائق المزيفة عن الدولة العثمانية ، فيجب إعادة النظر إليها من جديد وتوضيح المبهم منها .

وفي النهاية يجب أن ننظر لتراثنا الإسلامي بنظرة عز وكرامة وافتخار ، وان ننبري للدفاع عنها بشكل علمي بحت .

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

للمراسلة والاستفسار يرجى مراجعتي عبر الايميل الخاص بي وهو :

Fathi-1984@hotmil.com

 

 

 

 

المصادر والمراجع:

أولا المراجع :

القرآن الكريم .

ضابط تركي سابق ، ترجمة عبه عبد الرحمن ، الرجل الصنم ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1977م .

مصطفى الزين ، ذئب الأناضول ، ط1 ، 1991م .

يوسف عمر ، أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني .

أ.د.عبد العزيز الشناوي ، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ، ج2 ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1980م .

د.عبد الوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية .

الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، موقع صيد الفوائد ، www.saaid.net.

د.علي سلطان ، تاريخ الدولة العثمانية ، مكتبة طرابلس العلمية العالمية .

هدى درويش ، الإسلاميون وتركيا العلمانية،نموذج الإمام سليمان حلمي ،  دار الآفاق العربية ، ط1، 1998م .

10.أ.محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق د.إحسان حقي ،دار النفائس.

11. لورنس العرب ، توماس ادوارد لورنس ، أعمدة الحكمة السبعة ، ترجمة محمد نجار ، دار الأهلية ، 1998م .

ثانيا المصادر :

د. عبد الله عزام ،المنارة المفقودة ، جمع وترتيب أبو تميم النجدي ، مركز شهيد عزام الإعلامي بيشاور-باكستان ، ط1 .

رضا هلال ، السيف والهلال ، تركيا من أتاتورك إلى اربكان ، الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي  ، دار الشروق ، ط1 ، 1999م .

علي الصلابي ، الدولة العثمانية ،عوامل النهوض وأسباب السقوط .

د.عبد العزيز مصطفى كامل ،العلمانية إمبراطورية النفاق ، من مهد لها الطريق ؟! ، مجلة البيان ، المنتدى الإسلامي .

ثالثا المواقع الالكترونية :

عبد الحميد الثاني وجدل لم ينتهِ ، مصطفى عاشور ، www.Islamonline.net.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

 

الموضوع

رقم الصفحة

الإهداء:

2

المقدمة:

3 – 4

الفصل الأول : حياة مصطفى أتاتورك ، ويشمل :

5 – 13

مولده ونسبه .

5 – 8

طفولته ونفسيته .

8 – 9

حياته العسكرية .

9 – 13

الفصل الثاني : جمعية الاتحاد والترقي وعلاقتها بكل من اليهود والصهيونية والماسونية وعلاقتها بمصطفى كمال، ويشمل :

14 – 29

 

نشأة جمعية الاتحاد والترقي .

14

تطور جمعية الاتحاد والترقي .

14 – 17

علاقة جمعية الاتحاد والترقي بيهود الدونمة ، ويشمل :

17 – 21

تعريف بيهود الدونمة .

17 – 21

علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونية ، ويشمل :

22 – 28

تعريف بالماسونية لغة واصطلاحا .

22 – 24

انتشار الماسونية في الدولة العثمانية .

24 – 25

علاقة جمعية الاتحاد والترقي بالماسونية .

25 – 28

علاقة مصطفى كمال بجمعية الاتحاد والترقي .

28 – 29

الفصل الثالث : المؤامرة ، ويشمل :

30 – 38

الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد الثاني .

31 – 33

أهداف حملات التشهير بالسلطان عبد الحميد .

33

مواقف خيانية من قبل مصطفى كمال .

34 – 35

الأدلة على خيانة مصطفى كمال واتفاقه مع الإنجليز.

35 – 38

الفصل الرابع : الكارثة ، ويشمل :

39 – 44

إلغاء الخلافة.

39 – 40

إجراءات مصطفى كمال لمحو آثار الخلافة الإسلامية ،وتشمل :

40 – 43

إجراءات مصطفى كمال في مجال الدين .

40 – 42

إجراءات مصطفى كمال في مجال اللغة العربية والعلوم الإسلامية .

42 – 43

حياته الخاصة .

43 – 44

مرضه وموته .

44

الخاتمة:

45

المصادر والمراجع:

46

الفهرس:

47




[1] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 5 .

[2] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 36 – 37 .

[3] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :38 – 40 .

[4] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 41 – 44 .

[5]  المصدر السابق ، ص : 45 – 46 .

[6] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 49 – 50 .

[7] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 17 – 20 .

[8] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 5 .

[9] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 21 – 22 .

[10] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :55 .

[11] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 23 .

[12] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص :6 .

[13] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :57 .

[14] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 26 – 27 .

[15] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 58 – 59 .

[16] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 27 .

[17] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص :6 .

[18] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 60.

[19] لا يعرف أحدا إن كان مصطفى كمال كفن أم لا بعد موته .

[20] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :63 – 64 .

[21] المصدر السابق ، ص : 65 – 66 .

[22] السيف والهلال ، رضا هلال ، ص : 48 .

[23] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 29 – 30 .

[24] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 67 .

[25] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص : 106 – 107 .

[26] المصدر السابق ، ص : 106 .

[27] المصدر السابق ، ص :107 .

[28] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 556 – 557 .  

[29] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :112 – 113 .

[30] جمعية تركيا الفتاة :هي جمعية سرية أنشاها الأتراك العثمانيون سنة 1865م وحضر أول اجتماع لها عقد في شهر يونيو – حزيران من ذات السنة ستة من الأحرار كان من بينهم نامق كمال ، وآية الله بك ، وقد احضر الأخير معه في الاجتماع كتابين عن جمعة الكاروناري Carbonari  والآخر عن جمعية سرية في بولندا ، وكانت جمعية الكاروناري جمعية ايطالية تأسست في نابولي عام 1807 من المشتغلين بحرق الأخشاب ، وكان هدفها طرد النمساويين والفرنسيين من شبه جزيرة ايطاليا وتوحيدها وتأسيس حكومة دستورية بها ، وانضم إلى جمعية تركيا الفتاة في وقت مبكر الأمير مصطفى فاضل وهو أخ الخديوي إسماعيل من أبيه ، وأصبح من أقطاب الجمعية .

ومنذ سنة 1867م حين انتقل مركز نشاط الجمعية السياسي إلى أوروبا بسبب إبعادهم أو نفيهم حرص الأوروبيين على إطلاق اسم La Jeune Turquie  أي تركيا الفتاة عليها ، وفي اللغة التركية لا يرد الاسم إلا في صيغته الفرنسية المستعارة "حون ترك " ، وقد نمت الجمعية بسرعة وأصبح عدد أعضائها في وقت من الأوقات 245 عضوا .

وتمثل حركة تركيا الفتاة حركة قومية علمانية تستند أساسا إلى قطاع المثقفين ، وكانت تستهدف تحقيق أربعة مبادئ وهي الحرية الفردية ، قيام النظام الدستوري ، القضاء على الإقطاع ، التحرر من السيطرة الأجنبية ، ولذلك ارتبطت الحركة القومية في مبدأ نشأتها بحركة تركيا الفتاة . انظر : الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ، أ.د.عبد العزيز الشناوي ، ج2 ، ص : 1004 – 1006 .  

[31] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :116 – 117 .

[32] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص :557 – 560 .

[33] جزيرة أيبيريا : وهي اسم تاريخي ، وقد عرفها المسلمون قديما ، وفتحوها وسميت ببلاد الأندلس ، وبعد احتلالها قسمت إلى قسمين وتضم كلا من اسبانيا والبرتغال .

[34] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، د.عبد الوهاب المسيري ، ج5 ، ص : 253 .

[35] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص :777.

[36] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، د.عبد الوهاب المسيري ، ج5 ، ص :253 – 254 .

[37] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، ص : 499 .

[38] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص :783 – 784 .

[39] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :157 – 158 .

[40] العلمانية إمبراطورية النفاق ، د. عبد العزيز مصطفى كامل ، ص : 7 .

[41] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :159 .

[42] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 21 – 23 .

[43] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، د.عبد الوهاب المسيري ، ج5 ، ص :380 .

[44] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامي ،      ص :501 .

[45] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، د.عبد الوهاب المسيري ، ج5 ، ص :380 .

[46] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، د.عبد الوهاب المسيري ، ج5 ، ص : 380 – 381 .

[47] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، ص : 501 – 503 .

[48] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :169 .

[49] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 614 .

[50] المصدر السابق ، ص : 616 .

[51] المصدر السابق ، ص :170 – 174 – باختصار - .

[52] أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، يوسف عمر ، ص :175 .

 [53]المصدر السابق ، ص : 178 – 180 – باختصار ـ .

[54] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 18 .

[55] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 21 – 23 .

[56] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 67 .

[57] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 41 .

[58] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 69 .

[59] جيش الحركة : هو الجيش الذي تحرك من سلانيك إلى استانبول والذي قام بعزل السلطان عبد الحميد الثاني .

[60] حادثة 31 مارت : سيأتي ذكرها بالتفصيل في الصفحات القادمة .

[61] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :70 .

[62] الرجل الصنم ، تأليف : ضابط تركي سابق ، ص :71 .

[63] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 42 – 43 .

[64] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص :807 – 808 .

[65] تاريخ الدولة العثمانية ، د.علي سلطان ، ص : 390 .

[66] الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص :73 .

[67] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 808 .

[68] مقال بعنوان : عبد الحميد الثاني وجدل لم ينتهِ ، مصطفى عاشور ، www.Islamonline.net  .

[69] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 808 – 809 .

[70] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 810 – 811 .

[71] المصدر السابق ، ص :  812 – 813 .

[72] مقال بعنوان : عبد الحميد الثاني وجدل لم ينتهِ ، مصطفى عاشور ، www.Islamonline.net  .

[73] الدولة العثمانية ، دولة إسلامية مفترى عليها ، أ.د.عبد العزيز الشناوي ، ج2 ، ص : 1018 – 1023 ـ باختصار ـ .

[74] الإسلاميون وتركيا العلمانية ، هدى درويش ، ص : 44 .

[75] الإسلاميون وتركيا العلمانية ، هدى درويش ، ص : 74 – 75 .

[76] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 6 – 7 .

[77] تاريخ الدولة العلية العثمانية ، محمد فريد بك،  تحقيق إحسان حقي ، ص : 751 .

[78] أعمدة الحكمة السبعة ، للورانس ، ص : 355 .

[79]  الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 103 .

[80]  المرجع السابق ، ص : 474 .  

[81]  أعمدة الحكم السبعة،  للورانس ، ص : 332.

 [82] المرجع السابق ، ص : 333 .

[83]  الرجل الصنم ، ضابط تركي سابق ، ص : 98 .

[84] المرجع السابق ، ص : 474.

[85] تاريخ الدولة العثمانية العلية ، محمد فريد ، تحقيق إحسان حقي ،  ص : 750 .

[86] أعمدة الحكمة ، للورانس ، ص: 355 .

[87] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 9 .

[88] المصدر السابق ، ص : 105.

[89] المصدر السابق ، ص : 122 .

[90]  تاريخ الدولة العثمانية العلية ، محمد فريد ، تحقيق إحسان حقي ،  ص :750 .

 [91] المصدر السابق ، ص : 750 .

[92]  الرجل الصنم ، ص :110 .

[93] المرجع السابق ، ص :409 .

[94] المرجع السابق ، ص : 113 .

[95] المرجع  السابق ، ص : 148 .

[96] المرجع السابق ، ص : 155 .

[97] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص :825 .

[98] تاريخ الدولة العثمانية العلية ، محمد فريد ، تحقيق إحسان حقي ،  ص : 748.

[99] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 10 .

[100] تاريخ الدولة العثمانية ، د.علي سلطان ، ص : 397.

[101] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 832 – 835 .

[102] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 836 – 837 .

[103] الإسلاميون وتركيا العلمانية ، هدى درويش ، ص : 114 – 115 .

[104] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 838 – 839 .

[105] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 25 .

[106]الإسلاميون وتركيا العلمانية ، هدى درويش ، ص : 124 .

[107] ذئب الأناضول ، مصطفى الزين ، ص : 257.

[108] السيف والهلال ، رضا هلال ، ص : 75 .

[109] الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ، علي الصلابي ، ص : 840 – 841 .

[110] الرجل الصنم ، ص : 192ـ 394 ـ باختصار شديد  ـ .

[111] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ، ص : 27 .

[112] المنارة المفقودة ، د.عبد الله عزام ،  ص : 27 .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...