65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج1. معاد مواهب الجليل


ج1.مواهب الجليل لشرح مختصر خليل
شرح فيه مختصر الشيخ جليل وتكلم على جميع مسائله مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات وفروع مناسبة، وتتمات مفيدة من ضبط وغيره ، وذكر غالب الأقوال، وعزوها وتوجيهها ، والتنبيه على ما في كلام الشروح التي وقف عليها المؤلف

[ 1 ]
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفي سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الاول دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1416 ه‍ - 1995 م

[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة العلامة خليل صاحب المختصر هو الامام ضياء الدين أبو المودة خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المالكي المعروف بالجندي. من كبار الفقهاء المالكية. شارك في علوم العربية والحديث والفرائض والاصول والجدل. أقام بالقاهرة، وجاور بمكة. توفي في ربيع الاول سنة 767 ه‍. من تصانيفه: المختصر في فروع الفقه المالكي (وهو هذا الكتاب الذي نحن بصدد طبع شرحه)، مناقب الشيخ عبد الله المنوفي، مناسك الحج، شرح ابن الحاجب في ست مجلدات، وشرح على المدونة للامام مالك لم يكمل

انظر ترجمته في الدرر الكامنة لابن حجر (2 / 82) والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (11 / 92) وحسن المحاضرة للسيوطي (1 / 262) والديباج المذهب لابن فرحون (115 / 116) والبستان لابن مريم (96 / 100) ونيل الابتهاج للتنبكتي (112 / 115) وكشف الظنون لحاجي خليفة (1628 / 1831، 1842، 1855).

[ 4 ]
ترجمة الخطاب الرعيني صاحب الشرح هو إمام المالكية في عصره شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين المعروف بالحطاب الرعيني. شارك في الفقه وبعض العلوم الاخرى. أصله من المغرب، وولد بمكة في 18 رمضان سنة 902 ه‍، واشتهر بمكة وتوفي بطرابلس الغرب. من تصانيفه: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (وهو هذا الكتاب). متممة الاجرومية في علم العربية، تحرير المقالة في شرح رجز ابن غازي في نظائر الرسالة، تفريج القلوب بالخصال المكفرة لما تقدم وما تأخر من الذنوب، وقرة العين بشرح الورقات لامام الحرمين في الاصول.

انظر ترجمة في كشف الظنون لحاجي خليفة (1628) ونيل الابتهاج للتنبكتي (337، 338) وهدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي (2 / 242) وإيضاح المكنون له أيضا (1 / 183، 233، 234، 301، 304، 2 / 121، 223، 252، 256، 426، 704، 720).

[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، الذى أنزل كتابه المبين، على رسوله الصادق الأمين، فشرح به صدور عباده المقين، ونور به بصائر أوليائه العارفين، فاستنبطوا منه الأحكام، وميزوا به الحلال من الحرام، و بينوا الشرائع للعالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير له ولا معين، شهادة موجبة للفوز بأعلى درجات اليقين، ودافعة لشبه المبطلين نو تمويهاب المعاندين. وأشهد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه واله وسلم عبده و رسوله سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث لكافة الخلائق أجمعين، القائل: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (1)، صلى الله عليه واله وسلم وعلين آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين نو بعد. فخير العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله وأكملها علم الدين والشرائع، المبين لما اشتملت عليه الأحكام الإلهية من الأسرار و البدائع، إذابه يعلم فساد العبادة وصحتها، وبه يتبين حل الأشياء وحرمتها، ويحتاج إليه جميع الأنام، إذا به يعلم فساد العبادة وصحتها، وبه يتبين حل الأشياء وحرمتها، ويحتاج إليه جميع الأنام، ويستوى في الطلب به الخاص والعام. فهو أولى ما أنفقت فيه نفائس الأعمار، وصرفت إليه جواهر الأكفار، واستعملت فيه الأسماع والأبصار، وقد أكثر العلماء رحمهم الله في ذلك من المصنفات، ووضعوا فيه المطولات والمختصرات. وكان من أجل العلماء رحمهم الله في ذلك من المصنفات، وو ضعوا فيه المطولات والمتصرات. وكان من أجل المختصرات على مذهب الإمام مالك، مختصر الشيخ العلامة ولى الله تعالى خليل بن إسحاق الذى أوضع به المسالك، إذ هو كتاب صغر حجمه، وكثر عمله، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، واختص بتبيين ما به الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، لم بسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله، إلا أنه لفرط الإيجاز، كاد يعد من جملة الألغاز. وقد اعتنى بحل عبارته، وإيضاح إشارته، وتفكيك رموزه، واستخراج مخبآت كنوزه، وإبراز فوائده، وتقييد شوارده، تلميذه العلامة الهمام، قاضى القضاة تاج الدين أبو البقاء بهرام

[ 6 ]
ابن عبد الله ابن عبد العزيز بن عمربن عوض الدميري القاهرى رحمه الله فشرحه ثالثة شروح، صار بها غالبه في غاية البيان والوضوح، واشتهر منها الأوسط غاية الشتهار، واشتغل الناس به في سائر الأقطار، مع أن الشرح الأصغر أكثر تحقيقا، وشرحه أيضا من تلامذة المصنف العلامة عبد الحق بن الحسن بن الفرات المصرى، والشيخ العلامة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسى شارح الرسالة، ويقال له الأقفاصى وسلكا في شرحيهما مسلك الشيخ بهرام وإن كان ابن الفرات أوسع من جهة النقل، وشرحه أيضا ممن أخذ عن المصنف الشيخ العلامة يوسف ابن خالد بن نعيم البساطى قريب البساطى المشهور ولم أقف على شرحه، ثم شرحه أيضا العلامة مقدم. بكسر الدال المهملة المشددة. البساطى شرحا أكثر فيه من الأبحاث وامناقشة في عبارة المصنف، وسلك مسلك الشارح في غلب شرحه، ثم شرحه جماعة من المتأخرين وسلكوا نحوا من ذلك. وبقيت في الكتاب مواضع يحتاج إلى التنبيه عليها، وأماكن يتحير الطالب اللبيب لديها، فتتبع الشيخ العلامة مفتى فاس وخطيبها ومقرئها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن على بن غازى العثماني نسبة إلى قبيلة يقال لها: بنو عثمان المكناسى رحمه الله من ذلك أماكن كثيرة، وفكك مواضع من تراكيبه العسيرة، فأوضحها غاية الإيضاح، وأفصح عن معانيها كل الإفصاح، وبقيت فيه مواضع إلى الآن مغلقة، ومسائل كثيرة مطلقة، وكنت في حال القراءة والمطالعة جمعت من ذلك مواضع عديدة، مع فروع مناسبات وتتمات مفيدة، فحصل منها جملة مستكثرة، في أوراق مفرقة منتشرة، جعلتها لنفسي تذكرة، فأردت جمع تلك المواضع على انفرادها، ثم إنى رأيت أنه لا تكمل الفائدة بذلك إلا إذا ضم إلى الشرح وحاشية الشيخ ابن غازى وقد لا يتأتى للشخص جمع ذلك. ثم أردت جمع تلك المواضع من كلام الشيخ ابن غازى فرأيت الحال كالحال على أنى أقول كما قال ابن رشد في مسائل العتبية: مامن مسألة وإن كانت جلية في ظاهر ها إلا وهى مفتقرة إلى الكلام على ما يخفى من باطنها، وقد يتكلم الشخص على ما يظنه مشكلا وهو غير مشكل عند كثير من الناس، وقد يشكل عليهم ما يظنه هو جليا، فالكلام على بعض المسائل دون بعض عناء وتعب بغير كبير فائدة، وإنما الفائدة التامة التى يعظم نفعها ويستسهل العناء فيها أن يتكلم الشخص على جميع المسائل كى لا يكل على أحد مسألد إلا وجد التكلم عليها والشفاء مما في نفسه منها، فاستخرت الله تعالى في شرح جميع الكتاب والتكلم على حميع مسائله مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات وفروع مناسبة وتتمات مفيدة. من ضبط وغيره. ومع ذكر غالب الأقوال وعزوها وتوجيهها غالبا، والتنبيه على ما في كلام الشروح التى وقفت عليها لهذا الكتاب وهى الشروح الثلاثة للشيخ بهرام، وشرح ابن الفرات، والأقفهسى، والبساطى، وحاشية

[ 7 ]
الشيخ ابن غازى وشرح الفصلين الأولين من كلام العلامة المحقق أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق التلمسانى، ولم أر أحسن من شرحه لما اشتمل عليه من تفكيك عبارة المصنف وبيان منطوقها ومفهومها. والكلام على مقتضى ذلك من جهة النقل، ولكنه عزيز الوجود مع أنه لم يكمل ولا يقع إلا في يد من يضن به حتى لقد أخبرني والدى أنه كان عند بعض المكيين كراس من أوله فكان لا يسمح بإعارته ويقول: إن أردت أن تطالعه فتعال إلى. وقد ذكر ابن غازى نحو هذا عند قول المصنف وإن زال تغير النجس لا بكثرة مطلق، وقد وقفت على قطعة مما كتبه الشيخ العلامة خطيب غرناطة أبو عبد الله محمد بن المواق الأندلسى، وهو حسن من جهة تحرير النقول، لكنه لا بتعرض لحل كلام المصنف وأنبه أيضا على ما في كلام ابن الحاجب وشروحه وكلام الشيخ ابن عرفة وغيرهم لقصد تحرير المسائل لا للحط من مرتبتهم العلية لعلمي بأن ذلك لا ينقص من مرتبتهم، وأعوذ بالله أن أكون ممن يقصد ذلك فقد قال النووي في كتاب (التبيان): قال الإمامان الجليلان أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولى. وذكره في شرح المهذب بلفظ: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولى وفى الصحيح عنه صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: (إن الله تعالى قال من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب) (1) وقال الإمام أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: اعلم يا أخى وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء باثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (النور: 63) وقوله: (آذنته بالحرب) بهمزة ممدودة أي أعلمته بأنه محارب لى، والثلب بفتح المثلثة وسكون اللام العيب نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وأسأله سبحانه أن يصلح فساد قلوبنا وأن لا يؤاخذنا بما انطوت عليه نفوسنا وأكنته ضمائر نا إنه جواد كريم، ولا أدعى الاستقصاء والا ستيفاء في شئ من الأشياء، وإنما هذا كله بحسب ما اقتضاه علمي القاصر وفهمي الفاتر اللذان يستحيا من تسميتهما علما وفهما، ثم عرضت عوارض من إتمام الشرح على هذا الوجه الذى ذكرته، فاستخرت الله تعالى في جمع ما هو موجود عندي على حسب ما تيسر من بسط أو اختصار، وألتزم العز وغالبا إلا ما كان غريبا أو ذكر في غير موضعه أو

[ 8 ]
لغرض من الأغراض. وقد ذكر ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير أنه صح عن سفيان الثوري أنه قال: إن نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره، وإن السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره. وأميل إلى البسط والإيضاح والبيان حرصا على إيصال الفائدة لكل أحد. نو إذا ذكرت نقولا مختلفة ذكرت محصلها آخرا وإن طال الكلام في ذلك، فلا ينبغى للناظر فيه أن يسأم منه من شئ يجده مبسوطا واضحا فإنى إنما أقصد بذلك - إن شاء الله - الإيضاح والتيسير والنصيحة لمطالعه وإغنائه عن مراجعة غيره في بيانه. وهذا مقصود الشروح فمن استطال شيئا من هذا وشبهه فهو بعيد من الاتقان، مباعد للفلاح في هذا الشأن، فليعز نفسه لسوء حاله، وليرجع عما ارتكبه من قبيح فعاله، ولا ينبغى لطالب التحقيق والتنقيح والإتقان والتدقيق أن يلتفت إلى كراهة أو سآمة ذوى البطالة وأصحاب الغباوة والمهانة والملالة، بل يفرح بما يجده من العلم مبسوطا، وما يصادفه من القواعد والمشكلات واضحا مضبوطا، ويحمد الله الكريم على تيسيره، ويدعو لجامعه الساعي في تنقيحه وإيضاحه وتقريره، وفقنا الله الكريم لمعالى الأمور، وجنبنا بفضله جميع أنواع الشرور، وجمع بيننا وبين أحبائنا في دار الحبور. انتهى. والحبور. بضم الحاء المهملة والباء الموحدة. السرور، وأرجو إن تم هذا الشرح المبارك أن يستغنى به عن كثير من المطولات والمختصرات، جعل الله ذلك خالصا لو جهه الكريم ونفع به في الحياة وبعد الممات إنه سميع قريب مجيب الدعوات وسميته (مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل) ولنذكر سلسلة الفقه إلى الإمام مالك رحمه الله ورضى عنه، ثم إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. قال النووي: وهذا من المطلوبات المهمات والنفائس الجليات التى ينبغى للفقيه والمتفقه معرفتها ويقبح به جهالتها، فإن شيوخه في العلم آباء في الدين ووصلة بينه وبين رب العالمين، وكيف لا يقبح جهل الأنساب، والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب، مع أنه مأمور بالدعاء لهم وبرهم وذكر مآثرهم والثناء عليهم والشكر لهم انتهى. فأقول: أخذت الفقه عن جماعة منهم سيدى والدى محمد بن عبد الرحمن الحطاب رحمه الله، وهو أخذ الفقه عن جماعة منهم الشيخ العلامة العارف بالله تعالى أبو زكريا يحيى بن أحمد بن عبد السلام المعروف بالعلمى، والعلامة قاضى القضاة بالمدينة الشريفة محمد بن أحمد بن موسى السخاوى، وهما أخذا الفقه عن جماعة منهم العلامة المحقق قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان البساطى شارح المختصر المتقدم ذكره، وأخذ الثاني منهما أيضا عن أبى القاسم محمد بن محمد بن على النويري. وحضر الوالد

[ 9 ]
أيضا بعض دروس الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ المالكية في زمانه نور الدين أبو الحسن على بن عبد الله بن على السنهوري، وهو أخذ الفقه عن الإمام العلامة زين الدين طاهر بن محمد بن على النويري، وأخذ البساطى الفقه عن العلامة قاضى القضاة أبى البقاء بهرام الشارح المتقدم أيضا، والعلامة المؤرخ قاضى القضاة أبى زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، وأخذ الشيخ بهرام الفقه عن الشيخ العلامة ولى الله تعالى خليل بن إسحاق صاحب المختصر، وهو أخذ الفقه عن الشيخ العالم العامل أبى محمد عبد الله بن سليمان المنفوى، وهو أخذ الفقه عن جماعة منهم شيخ الملكية الشيخ زين الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بالقوبع، وهو أخذ الفقه عن جماعة منهم الشيخ يحيى بن الفرج بن زيتون، ومحمد بن عبد الرحمن قاضى تونس، وأخذ عن ابن حبيش وابن الدارس، وأخذ القاضى عبد الرحمن بن خلدون عن جماعة منهم قاضى الجماعة أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الهوارى (ح). وأخذ أبو القاسم النويري والشيخ طاهر النويري عن جماعة منهم البدر حسين بن على البوصيرى، وأخذ البدر البوصيرى عن جماعة منهم الشيخ خليل بن إسحاق والشيخ أحمد بن عمر بن هلال الربعي، وأخذ الشيخ أحمد بن عمربن هلال عن قاضى القضاة فخر الدين ابن الجلطة، وتفقه فخر الدين ابن الجلطة، وتفقه فخر الدين بجماعة منهم أبو حفص عمربن فراخ الأسكندراني، وتفقه ابن فراخ بجماعة منهم أبو محمد أحمد بن عبد الكريم بن عطاء الله، وتفقه ابن عطاء الله بجماعة منهم الأستاذ أبو بكر الطرطوشى، وتفقه الطرطوشى بجماعة منهم القاضى أبو الوليد الباجى (ح). وأخذ سيدى الوالد أيضا عن الشيخ عبد المعطى بن خصيب التونسى، وهو أخذ عن قاضى الجماعة بتونس أبى العباس أحمد بن محمد بن عبد الله القلشانى، وأخذ سيدى الوالد أيضا عن الشيخ زروق، وهو أخذ عن الشيخ أبى زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، وعن الشيخ أحمد حلولو، والأول منهما أخذ عن الأبى، وأخذ القلشانى والإبى عن ابن عرفة، وهو أخذ عن ابن عبد السلام، وأخذ ابن عبد السلام عن جماعة منهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون، وأخذ ابن هارون عن أبى القاسم أحمد بن يزيد بن أحمد بن بقى، وأخذ ابن بقى عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق، وأخذ محمد بن عبد الرحمن عن أبى عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع، وأخذ أبو عبد الله مولى ابن الطلا ع والقاضى أبو الوليد الباجى عن أبى طالب مكى بن محمد بن مختار القيسي، وتفقه مكى بجماعة مهم الشيخ الإمام القدوة الورع جامع مذهب مالك وشارح أقواله أبو عبد الله محمد بن أبى زيد القيرواني، وهو تفقه بجماعة منهم الإمام القدوة الزاهد أبو بكر محمد بن اللباب، وهو تفقه بجماعة منهم الإمام القدوة الزاهد مجاب الدعوة أبو زكريا يحيى بن عمربن يوسف البلوى الإفريقى صاحب كتاب

[ 10 ]
(اختلاف ابن القاسم وأشهب)، وهو تفقه بجماعة منهم الإمامان: الحجة الزاهد أبو سعيد عبد السلام المدعو وبسحنون، والعلامة القدوة أبو مروان عبد الملك بن حبيب، وهما تفقها بجماعة منهم الإمامان: الفقيه القدوة أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقى، والعلامة الزاهد أبو عمر أشهب بن عبد العزيز واسمه مسكين، وهما تفقها بالإمام المجتهد إمام دار الهجرة أبى عبد الله مالك بن أيس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث المدنى، وهو تفقه بجماعة من علماء التابعين منهم ربيعة بن عبد الرحمن ونافع، وتفقه ربيعة على أنس، وتفقه نافع على ابن عمر، وكلاهما ممن أخذ عن سيد المرسلين وإمام المتقين أبى القاسم محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلى سائر النبيين. ولا بأس بذكر سند الكتاب وشروحه وسند بعض كتب المذهب المشهورة تتميما للفائدة، فإن الأسانيد خصيصة بهذه الأمة شرفها الله تعالى، فينبغي الاعتناء به اقتداء بالسلف وحفظا للشرف. وقال شيخ شيوخنا شيخ الإسلام ابن حجر الشافعي في أول (فتح الباري) سمعت بعض الفضلاء يقول: الأسانيد أنساب الكتب فأحببت أن أسوق هذه الأسانيد مساق الأنساب انتهى. (الموطأ للإمام مالك بن أنس). و لنقتصر على رواية يحيى بن يحيى الليشى الأندلسى لأنها أشهر رواياته، وهى مما انفرد بروايتها المغاربة. أخبرني به من الطريق المذكورة جمع من المشايخ منهم سيدى والدى محمد بن عبد الرحمن الحطاب رحمه الله قراءة عليه لجميعه بالمسجد الحرام سنة اثنين وعشرين وتسعمائة. قال: أخبرني به عاليا بدرجة، الشيخان المسندان العلامة المحقق عبد الحق بن محمد السنباطى، وخطيب مكة المشرفة المحب أحمد ناصر الدين المراغى سماعا لبعضه وأجازة ومناولة لسائره وسماعا على الثاني لمجلس الختم وإجازة لسائره، قال الأول: أخبرنا به العلامة مفتى المسلمين أبو محمد الحسن بن محمد بن أيوب بن مجمدبن حصين الحسنى النسابة. قال: أخبرنا به عمى أبو محمد الحسن بن محمد بن حصين النسابة. وقال الثاني: و الشمس المراغى أخبرنا به قاضى القضاة شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن على بن حجر والإمام الرحلة شرف الدين أبو الفتح محمد بن أبى بكر المراغى وهو عم شمس الدين المراغى. قال شيخنا الخطيب: إجازة من الأول وسماعا على الثاني، وقال الشمس المراغى إجازد من الأول ومن الثاني إن لم يكن سماعا. قال ابن حجر: أخبرنا به أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخى البغلى. وقال تالشرف المراغى: أخبرنا به العلامة قاضى المدينة الشريفة إبراهيم بن أبى القاسم بن فرحون اليعمرى. قال هو والتنوخى والنسابة الأكبر: أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن جابر الواد آشى سماعا قال: قرأت على أبى محمد عبد الله بن هارون الطائى. قال: أخبرنا به قاضى القضاة أبو القاسم أحمد بن

[ 11 ]
يزيد بن أحمد بن بقى الخلوى. قال: أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق الخزرجي. قال: أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع. قال: أخبرنا به القاضى أبو الوليد بونس بن عبد الله بن مغيث الصفار (ح) وأنبأنا به عاليا بدرجة أخرى المشايخ الثلاثة قضاة القضاة ومشايخ الإسلام: أبو محمد زكريا بن محمد الأنصاري، والبرهان القلقشندى والبرهان ابن أبى شريف، مكاتبة منهم قالوا: والسنباطى والخطيب والنويري والشمس المراغى. أنبأنا به العز عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن القاضى عز الدين بن جماعة. قال: أخبرنا به الأستاذ أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير مكاتبة من المغرب. قال: أخبرنا به أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل قراءة وسماعا. قال: أخبرنا به القاضى أبو عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، قال: أخبرنا به الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولا نى. قال: أخبرها به أبو عمر عثمان بن أحمد اللخمى، قال: هو وابن مغيث. أخبر نا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا به عم أبى مروان ابن عبد الله بن يحيى بن يحيى. قال: حدثنى به أبى يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا به الإمام أبو عبد الله بن أنس سماعا عليه بجميعه ما خلا الأبواب الثلاثة الأخيرة من كتاب الاعتكاف، فإنى شككت في سماعها، وقد كنت سمعتها مع جميع الكتاب على زياد بن عبد الرحمن بسماعه له جميعه على مالك. وفي إسناد الواد آشى فائدتان: إحداهما أنه سماع ليس فيه إجازة، والثانية أن رجاله من ابن فرجون مالكيون والله أعلم. (كتاب المدونة والمختلطة لسحنون بن سعيد) أخبرني بها سيدى والدى قراءة لبعضها وإجازة لسائر ها فإن: أنبأني بها الحافظ السخاوى (ح) وشافهني بها بعلو درجة جمع من المشايخ منهم الشيخ العلامة أبو الفضائل عبد الحق السنباطى. قال. هو والسخاوى. أنبأنا بها الحافظ ابن حجر عن حافظ العصر أبى الفضل بن الحسين العراقى عن عبد الرحيم بن عبد الله بن شاهد الجيش. قال: أخبرنا أبو القاسم محمد بن محمد بن سراقة عن أبى القاسم ابن بقى قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الخزرجي قال أخبرنا محمد بن فرج مولى ابن الطلاع. قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أحمد التجيبى عن إسحاق بن إبراهيم التجيبى عن أبى عمر أحمد بن خالد بن يزيد عن محمد بن وضاح عن سحنون بن سعيد فذكرها في الطريق الأولى أربعة عشر، وفي الثانية يلاثة عشر. (العتبية وتسمى المستخرجة) أخبرني بها الوالد قراءة وإجازة، والشيخ عبد الحق إجازة بالسند المقدم إلى محمد بن فرج عن أبى الوليد يونس بن عبد الله عن أبى عيسى يحيى بن عبد الله عن محمد بن عمربن لبابة عن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عقبة بن حميد بن أبى عقبة العتبى الأندلسى فذكرها في الطريق الأولى اثنى عشر وفى الثانية أحد عشر.

[ 12 ]
(تهذيب البرادعى اختصار المدونة (أخبرني به سيدى وأبى قراءة لمواضع متعددة منه وإجازة لسائره. قال: أنبأني به الشيخ المراغى (ح)، وأنبأني به عاليا بدرجة شيخ الإسلام زكريا قال. هو والمراغي. أنبأنا به الحافظ ابن حجر عن أبى حيان محمد بن حيان عن جده أبى حيان عن أبى محمد عبد الله بن محمد بن هارون عن أبى القاسم بن بقى المخلدى عن أبى الحسن شريح بن محمد عن أبى محمد عبد الله بن إسماعيل عن أبى بكر بن محمد عن مؤلفة أبى سعيد خلف بن المغيرة القرشى في الطريق الأولى عشرة وفي الثانية تسعة. (كتاب ابن المواز) أذن لى في روايته شيخ الإسلام زكريا عن الحافظ ابن حجر عن أبى على القاضى عن يونس بن أبى إسحاق عن أبى الحسن بن المقير عن أبى الفضل بن ناصر عن أبى عبد الله الحميدى. قال: أخبرنا ابن عبد البر عن عمربن حسين عن أبيه عن أبى مطر عن مؤلفه محمد بن إبراهيم بن المواز فيه أحد عشر. (كتب الشيخ أبى محمد علدالله بن أبى زيد مختصر المدونة والنوادر والرسالة). كتاب الرسالة أخبرني به سيدى الوالد قراءة عليه بجميعه غير مرد عن الشيخ المراغى (ح)، وشافهني بها بعلو درجة جماعة منهم العلامة أبو الفضائل عبد الحق، والمسند المعمر خطيب مكة المشرفة المحب أحمد بن أبى القاسم النويري، والعلامة عبد العزيز بن فهد. قالوا والشمس المراغى: أنبأنا به شيخ الإسلام ابن حجر قال: أنبأني بها العلامة إمام المذهب أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمى التونسى عن أبى عبد الله محمد بن جابر الواد آشى وقاضي الجماعة أبى عبد الله محمد بن عبد السلام قال: أخبرنا بها أبو محمد بن عبد الحق عن أبى عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع قال: أخبرنا أبو محمد مكى بن أبى طالب (ح)، وأذن لى في روايتها بعلو در جتين شيخ الإسلام زكريا. قال. هو ومشايخي الثلاثة الآخرون أنبأنا بها المسند قاضى المسلمين عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن أبى عبد الله الرازي عن أبى حفص عمربن أميلة عن أبى الحسن على بن البخاري عن أبى طاهر الخشوعى عن أبى عبد الله الرازي عن عبد الله الوليد الأنصاري. قال. هو ومكى بن أبى طالب. أخبرنا بها مؤلفها الإمام أبو محمد عبد الله بن أبى زيد في طريق الوالد عشرد وفي الطريق الثانية تسعة، وبهذه الأسانيد أروى النوادر ومختصر المدونة قراءة لبعضهم على الوالد وإجازة لسائر هما منه ومن بقية المشايخ. (مؤلفات القاضى عبد الوهاب) التلقين والمعونة والإشراف وشرح الرسالة وشرح المدونة

[ 13 ]
- والممهد شرح مختصر الشيخ أبى محمد لم يكمل. أنبأنا بها الخطيب النويري وابن عمه عبد القادر بن أبى البركات عن الحافظ ابن حجر عن عبد الله أبى محمد النيسابوري عن يحيى بن محمد عن جعفر بن على الهمداني عن أبى القاسم بن بشكوال. قال: أخبرنا القاضى أبو بكربن العربي جدثنا أبو القاسم مهدى (ح). وقال الهمداني: أخبرنا بعلو درجة محمد بن عبد الرحمن الحضرمي وقال. هو وابن العربي حدثنا أبو القاسم ممهدى بن يوسف بن فتوح الوراق. قال: حدثنا مؤلفها القاضى أبو محمد عبد الوهاب بن على بن ناصر البغدادي في الطريق الأولى ثمانية وفي الثانية سبعة. (مؤلفات ابن عبد البر) أخبرني بها سيدب الوالد قراءة لبعضها وإجازة لسائرها عن الحافظ السخاوز عن الحافظ ابن حجر (ح). وأنبأني بها عاليا شيخ الإسلام زكريا عن الحافظ ابن حجر بالسند المتقدم في سند كتاب ابن المواز. (مؤلفات ابن رشد) المقدمات والبيان عن سيدى الوالد قراءة لبعضها وإجازة لسائرها عن الشمس المراغى (ح). وأنبأني بها عاليا بدرجة الخطيب النويري وغيره قال. هو والشمس المراغى. أنبأنا بها بن حجر عن أبى على المهدوى عن يونس بن أبى إسحاق العسقلاني عن أبى الحسن ابن الصابونى. قال: أخبرنا السلفي مشافهة عن مؤلفها أبى الوليدبن رشد إجازة. (مؤلفات ابن العربي) تقدم سندها في مؤلفات القاضى عبد الوهاب (ابن الجلاب) أخبرني سيدى الوالد قراءة لبعضه وإجازة لسائره عن الشمس المراغى عن ابن حجر (ح). وأنبأني به عاليا بدرجة غير واحد من مشايخنا عن ابن حجر بالسند المتقدم في كتب القاضى عبد الوهاب إلى أبى قاسم بن بشكوال. قال: أنبأنا به أبو الحسن على بن عبد الله بن موهب عن أبى العباس أمحمد بن عمر العذري عن على بن محمد عن مؤلفه أبى القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب البصري. (مؤلفات المازرى) منها (المعلم بفوائد مسلم) ومنها (شرح التلقين) ومنها كتاب ذكر المازرى في باب الإمامة من (شرح التلقين) أنه صنفه وسماه (قطع لسان النابح في المترجم بالواضح) قال: وهو كتاب نقاضنا فيه كتاب ألفه بعض نصارى المشرق، وقصد فيه إلى جمع المطاعن التى تشغب بها الملحدون، وقدح بها الطاعنون على ديننا، وأضافوها إلى النقل والعقل. انتهى من شرح التلقين عن السنباطى عن ابن حجر عن أبى عبد الله محمد بن عرفة عن أبى عبد الله محمد بن جابر. قال: أخبرنا به الخطيب أبو الفضل بن أبى القاسم ابن حماد عن أبى زكريا يحيى بن محمد المهدوى عن مؤلفها الإمام أبى عبد الله محمد بن على بن عمر المازرى.

[ 14 ]
(مؤلفات القاضى عياض) منها الشفاء أخبرني به سيدى الولد قراءة لجميعه قال: أخبرني به العلامة الشمس محمد بن ناصر الدين المراغى. قال: أخبرني به والدى العلامة ناصر الدين المراغى. قال: أخبرني به والدى قاضى القضاة أبو بكربن الحسين المراغى. قال: أخبرني به مسند الآفاق أحمد ابن أبى طالب الحجازى عن أبى الفضل جعفر بن على الهمداني (ح). وأخبرني به عاليا بدرجة المشايخ الثلاثة، أبو الفضائل عبد الحق والخطيب النويري وجمال الدين الصانى، سماعا لبعضه عن الأولين مفترقين وإجازة لسائره وقراءة على الثالث لجميعه. قال الأولان: أخبرنا به شيخ الإسلام ابن حجر والعلامة التقى بن فهد. قال الأول: إذنا، وقال الثاني: مكاتبة من ابن حجر، وسماعا على ابن فهد أربع مرات. قال: أخبرنا به أبو الطيب محمد بن عمر السحولى، قال ابن حجر: إذنا، وقال ابن فهد سماعا. قال: أخبرنا به الشرف إبو عبد الله المهلبى. قال: أخبرنا به الحسين يحيى بن محمد بن على بن الصائغ (ح). وقال شيخنا الصانى: أخبرنا به أبو العباس الحجازى. قال: أخبرنا به قاضى القضاة عبد الرحيم العراقى. قال: أخبرنا به إبو عبد الله الإسكندراني. قال: أخبرنا بن أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق الأموي سماعا. قال: أخبرنا به الفقيه أبو جعفر أحمد بن على القيسي الحصار (ح). وقال شيخنا الخطيب: أنبأنا به عاليا بدرجة ولا يوجد الآن أعلى منها، الشيخ الصالح أبو العباس أحمد بن محمد الدمشقي الحفار عن المسندة زينب ابنة الكمال المقدسية. قالت: أخبرنا به أبو الحسن على بن هبة الله اللخمى المعروف بابن بنت الحميرى. قال. هو والهمداني. أخبرنا به الحافظ أبو طاهر السلفي. قال. هو وابن الصائغ والحصار. أخبرنا به مؤلفه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى في طريق الوالدله سبعة، وفي التى بعدها ستة وفي الثالثة خمسة، وبهذه الأسانيد أروى بقية كتبه التنبيهاب والإكمال والقواعد وغير ذلك. (مؤلفات شهاب الدين القرافى الذخيرة والقواعد والتنقيح وهو مقدمة كتاب الذخيرة وشرحه وشرح المحصول، وكتاب الأمنية في النية) أخبرني بها سيدى الوالد قراءة لبعض الذخيرة والقواعد وغير ذلك وإجازة لسائر ها. قال: أخبرني بها الشمس المراغى عن والده العلامة ناصر الدين المراغى، وأنبأني بها عاليا بدرجة المحب خطيب مكة المشرفة عن الشيخ أبى الفتح المراغى، وأم الحسن فاطمة بنت خليل الكتاني. قالت: أنبأنا بها الإمام فخر الدين محمد بن محمد القرشى. وقال المقرى: أنبأنا بها الإمام جار الله النيسابوري. قال. هو والقرشي وأبو حيان. أخبرنا بها مؤلفها العلامة أبو العباس أحمد بن إدريس القرافى.

[ 15 ]
(مختصر ابن الحاجب الفراعى) أخبرنا به الوالد قراءة لكتاب الحج جميعه ولمواضع متعددة من بقيته وسماعا لمواضع متعددة وإجازة لسائره ولبقية كتبه، قال: أنبأنا بها الحافظ السخاوى عن شيخ الإسلام ابن حجر (ح)، وأنبأنا بسائر مصنفاته عاليا بدرجة الخطيب النويري وابن عمه عبد القادر عن شيخ الإسلام ابن حجر عن أبى الفرج الغزى وغيره عن أبى النور الدبوسي عن مؤلفها إبى عمر وعثمان بن الحاجب. (شرحه لابن عبد السلام) أخبرني به الوالد قراءة لمواضع منه وإجازة لسائره عن الشمس المراغى عن ابن حجر (ح)، وأنبأني به عاليا بدرجة جمع من المشايخ عن الحافظ ابن حجر عن الشيخ الإمام أبى عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمى التونسى عن مؤلفه أبى عبد الله محمد بن عبد السلام. (شرحه لابن هلال الربعي) أنبأنا به شيخنا الخطيب النويري وغيره عن الشيخ محمد بن محمد بن عماد الحميرى النحر يرى عن مؤلفه. (مؤلفات تاج الدين الفاكهانى منها. شرح الرسالة، وشرح العمدة، وشرح الأربعين النووية) أخبرني يها سيدى الوالد قراءة لبعضها وإجازة لسائرها، قال: أخبرني بها الحافظ السخاوى قال: أخبرني بها الخطيب أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة (ح)، وأخبرنا بها عاليا بدرجة الخطيب محب الدين النويري مشافهة عن إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي. قال. هو وابن ظهيرد. أخبرنا بها الشيخ جمال الدين عبد الله ويسمى محمد بن على بن أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق بن حديدة الأنصاري. قال: أنبأنا بها مؤلفها العلامة تاج الدين عمربن على بن سالم اللخمى الفاكهانى إذنا إن لم يكن سماعا فذكرها. (مصنفات الشيخ خليل بن إسحاق المختصر والتوضيح والمناسك وترجمة شيخه عبد الله المنوفى) أخبرنا سيدى والدى بالمختصر والمناسك قراءة وسماعا لجميعها، وبالتوضيح قراءة لغالبه ولبعض الترجمة المذكورد وإجازة للجميع، قال: أخبرنا بها القاضى شمس الدين السخاوى سماعا لبعض المختصر وإجازة لسائر ها عن القاضى شمس الدين البساطى عن القاضى تاج الدين بهرام (ح)، وأنبأنا بها عاليا بدرجتين شيخنا المحب أحمد بن أبى القاسم خطيب مكة المشرفة، وابن عمه عبد القادر النويريان العقيليان عن المعمر العلامة حسين ابن على بن سبع البوصيرى المالكى قال. هو والقاضى تاج الدين بهرام. أخبرنا مؤلفها الشيخ خليل بن إسحاق الجندي رحمهم الله أجمعين. (مؤلفات ابن راشد القفصى اللباب، وشرح ابن الحاجب وغيرهما) أخبرني سيدى الوالد

[ 16 ]
باللباب وشرح ابن الحاجب قراءة لبعضهما وإجازة لسائر هما وسائر مصنفاته، قال: أنبأني بها الشمس المراغى عن عمه الشيخ أبى الفتح المراغى (ح)، وأنبأني بها عاليا بدرجة جمع من المشايخ منهم: الخطيب محب الدين النويري، وابن عمعمه عبد القادر، والعزبن فهد، والشيخ عبد الحق السنباطى عن الشيخ العلامة أبى الفتح المراغى عن القاضى إبراهيم بن على بن فرحون، عن الجمال عفيف الدين المصرى، عن مؤلفها، فقد ذكر ابن فرحون في الديباج أن شيخه العفيف المصرى استجاز من ابن راشد في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. (مؤلفات القاضى برهان الدين بن فرحون شرح ابن الحاجب وتبصرة الحكام والألغار والديباج المذهب وغير ذلك) بالسند المقدم عن الوالد قراءة لبعضها وإجازة لبقيتها عن مشايخنا الباقين إجازة. (مؤلفات ابن عرفة المختصر الفقهى و مختصر الحوفى وغير ذلك) أخبرني سيدى الوالد قراءة لمواضع متعددة من المختصر الفقهى وإجازة لسائره ولبقية كتبه عن الشمس المراغى عن ابن حجر، وأنبأني بجميع مؤلفاته عاليا بدرجة المشايخ الأربعة المذكورون في سند مؤلفات ابن راشد عن الحافظ ابن حجر عن مؤلفها العلامة المحقق أبى عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمى التونسى. (مؤلفات الشيخ تاج الدين بهرام شروحه الثلاثة على المختصر والشامل وغيرها) أخبرني سيدى والدى بالشرح الأوسط قراءة عليه لجميعه إلا اليسير، وإجازة لسائره وبالشرح الكبير والصغير والشامل قراءة لمواضع متعددة منها وإجازة لسائرها، عن القاضى شمس الدين السخاوى عن البساطى، وأنبأني بها عاليا بدرجة المشايخ الثلاثة: أبو الفضائل عبد الحق السنباطى، والخطيب النويري، وابن عمه عبد القادر عن القاضى شمس الدين البساطى عن مؤلفها الشيخ بهرام بن عبد الله الدميري. (مؤلفات البساطى شرح المختصر والمغنى وغيرهما) أخبرني سيدى الوالد بشرح المختصر والمغنى قراءة لبعضهما وإجازة للباقى ولبقية مؤلفاته عن القاضى شمس الدين السخاوى، وأنبأني بها عاليا بدرجة المشايخ الثلاثة المذكورون فوقه قالوا. ثلاثتهم والشمس السخاوى. أبنأنا بها مؤلفها القاضى شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطى ص: بسم الله الرحمن الرحيم) ش: ابتدأ رحمة الله بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وفإن العلماء متفقون على استحباب البسملة في أوله في غير الصلاة، وإن قلنا: إن البسملة ليست آية من الفاتحة، وعملا

[ 17 ]
بقوله صلى الله عليه واله وسلم (كل أمر ذى بال لا يبتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر) رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتاب الجامع. وفي رواية ((أقطع)، وفي رواية (أجذم) الجيم والذال المعجمة. وهو من التشبيه الليغ في العيب المنفر. ومعنى الجميع أنه ناقص غير تام وإن تم حسا. ومعنى ذى بال أي ذى حال يهتم به. ورأيت بخط الشيخ جلال الدين المحلى أن صاحب (الا ستغنا في شرح أسماء الله الحسنى) حكى عن شيخه أبى بكر التونسى قال: أجمع علماء كل ملة أن الله افتتح كل كتاب ببسم الله الرحمن الرحيم. قال ابن حجر: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية، وكذا معظم كتب الرسائل. واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا هل يبتدأ بالتسمية، فجاء عن الشعبى منع ذلك، وعن الزهري قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم. وعن سعيد بن جبير جواز ذلك وتابعه على ذلك الجمهور. وقال الخطيب: هو المختار انتهى من (فتح الباري). قلت: وهذا في غير الشعر المحتوى على علم أو وعظ فهذا لا شك في دخوله في كتب العلم وفي غير الشعر المحرم فإن التسمية لا تشرع فغى الأمر المحرم. والباء للاستعانة متعلقة ب (أصنف) وكذا يضمر كل فاعل ما جعلت التسمية مبدأ له، فيضمر المسافر أسافر، والآكل آكل، ليفيد تلبس الفعل جميعه بالتسمية، فهو أولى من تقدير (أبدأ) لأنه لا يفيد إلا تلبس ابتدائه فقط. وتقدير المتعلق متأخرا أولى لأن المقصود الأهم البداءة باسمه تعالى ردا على الكفار في ابتدائهم بأسماء آلهتهم، ولأنه أدل على الا ختصاص بخلاف (اقرأ باسم ربك) (العلق: 1) فإن المقصود هناك القراءة. والاسم مستق من السمو عند البصريين وهو العلو، لأنه رفعة للمسمى، ومن السمة عند الكوفيين وهى العلامة. وإضافته للجلالة من إضافة العام للخاص ليفيد أن الا ستعانة والتبرك بذكر اسمه، وحذفت ألفه لكثرة الاستعمال ولذا لم تحذف من (اقرأ باسم ربك) وغيره، وطولت ألفا عوضا عنها. والجلالة علم على ذاته تعالى وهو أعرف المعارف. وحكى ابن جنى أن سيبويه رئ بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك فقال: خيرا وذكر كرامة عظيمة، فقيل له: لقولي إن اسم الله أعرف المعارف. وهو اسم جامع لمعاني الأسماء الحسنى كلها وما سواه خاص بمعنى فلذا يضاف الله لجميع الأسماء فيقال: الرحمن من أسماء الله تعالى وكذا الباقي، ولا يضاف هو إلى شئ. وقيل: إنه الاسم الأعظم وبه وقع الإعجاز حيث لم يتسم به أحد ولا يصح الدخول في الإسلام إلا به. وتكرر في القرآن ألفى مرة وخمسمائة وستين مرد. وقيل: ألفى مرة وثلاثمائة وستين. واختلف فيه هل هو مشتق أو مرتجل، وعلى الأول فقيل من أله يأله كعلم يعلم إ ذا تحير لأن العقول تتحير في عظمته، وقيل غير ذلك. والرحمن الرحيم صفتان للمبالغة من رحم بالكسر بعد نقله إلى فعل بالضم أو تنزيله

[ 18 ]
منزلة القاصر. قال الهمداني في إعراب القرآن: وأهل الحجاز وبنو أسد يقولون: رحيم ورغيف وبعير بفتح أوائلهن، وقيس وربيعة وتميم يقولون: رحيم ورغيف وبعير بكسر أوائلهن. واختلف في تفسير الرحمة فقيل: هي رقة وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم لا نعطافها على ما فيها، فهى في حق الله مجاز عن الأنعام. قال الرازي: إذا وصف الله تعالى بأمر ولم يصح وصفه بمعناه يحمل على هذا القول حقيقة وهى حينئذ صفة ذات. قال الطيبى: وكلا القولين منقول. وذكر السمين في إعرابه الزمخشري من الا عتزال في تفسير القرآن العزيز وقال: إنه مذهب المعتزلة ونصه قوله في وصف اله تعالى بالرحمة أنه مجاز اعتزال وضلال بإجماع الأمة، فإن الأمة أجمعت على أن الله تعالى رحيم على الحقيقة، وإن من نفى عنه حقيقة الرحمة فإنه كافر. وإنما قلا الزمخشري ذلك لأن الرحمة عند المعتزلة رقة وتغير، ولأنهم ينكرون الإرادة القديمة ويصرفون رحمة الله سبحانه إلى الأفعال، وإلى إرادة حادثة لله. تعالى الله عن قولهم. ثم قال: ولم يعلموا أن الرحمة ليست سوى إرادة الخير وليست الرقة، وإنما الرقة صفة أخرى، تارة تصاحب الإرادة، وتارد لا تصاحبها وأطال في ذلك. قلت: كلام الصحاح نحو كلام الزمخشري وقد تبع الزمخشري على تفسير الرحمة بما ذكر جماعة منهم القاضى ناصر الدين البيضاوى والشيخ ابن عرفة، بل نقل الأبى في تفسيده عن الشيخ ابن عرفة أنه قال: كل مجاز له حقيقة إلا هذا يعنى الرحمن، فإن الرحمة العطف والتثنى وذلك إنما هو حقيقة له انتهى. وكلام الأبى هذا يقتضى أن المراد بالانعطاف الا نعطاف الجسماني وليس كذلك، إنما المراد الانعطاف النفساني. والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبا فلذلك يقال: يا رحمن الدنيا لأنه يعم الكافر والمؤمن، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن. وإنما قدم الرحمن والقياس يفتضى الترقي لتقدم رحمة الدنيا، ولأنه صار كالعلم فلا يوصف به غيره تعالى بل قيل: إنه علم وهو اسم مقتض لإيجاد الخلق فلذلك لا يسمى به غير الحق ومن تسمى بههلك. والرحيم مقتض لإمداد الخلق بقوام وجودهم، ويجوز إطلاقه على المخلوق لأن الإمداد يصح في حقهم ولذلك وجب شكرهم على ما وصل منهم فائدتان: الأولى حيث ذكر الا شتقاق في أسماء الله تعالى فالمراد منه أن المعنى المذكور

[ 19 ]
ملحوظ في ذلك الاسم وإلا فشرط المشتق أن يكون مسبوقا بالمشتق منه، وأسماء الله تعالى قدسمة لأنها من كلامه حتى أنكر قوم إطلاق الا شتقاق للإيهام وقالوا: إنما يقال في مثل اسمه السلام فيه معنى السلامة، وفي الرحمن فيه معنى الرحمة. قالوا: والأشياء مشتقة من الأسماء لحديث: (هي الرحم وأنا الرحمن اشتققت لها اسما من اسمى). وقال حسان: فشق له من اسمه ليجله - فذو العرش محمود وهذا محمد وفيه نظر. الثانية: نقل الدمامينى في حاشية البخاري عن بعض المتأخرين أنه قال: صفات الله تعالى التى على صيغة المبالغة كرحيم وغفور كلها مجاز إذ هي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها، لأن المبالغة هي أن تثبت لشئ أكثر مما له، وإنما يكون ذلك فيما يقبل الزيادة والنقص، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك قال: وهى فائدة حسنة انتهى. ص (يقول الفقير المضطر لرحمة ربه المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى خليل بن إسحاق المالكى) ش: أتبع المصنف البسملة بالتعريف بنفسه ليعلم بذلك من يقف على كتابه، فإنه من الأمور المهمة التى ينبغى تقديمها، ولأن الألفاظ التى ذكرها مشتملة على الثناء على الله تعالى ففيه البداءة بالحمد، والفقير هو المحتاج الذى لا شئ له، والمضطر الشديد الحاجة الذى لا يرى لنفسه شيئا من الحول والقوة، ولا يرى شيئا من الأسباب يعتمد عليه كالغريق في البحر، والضال في الفقر لا يرى لإغاثته إلا مولاه، والفقر والمسكنة لا زمان للا ضطرار وذلك موجب لإسراع مواهب الحق للعبد، وتقدم تفسير الرحمة. والرب في الأصل مصدر بمعنى التربية وهى تبليغ الشئ إلى كماله شيئا فشيئا، ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا. قال القرطبى في تفسير سورة الفاتحة: متى دخلت اللام و الألف على رب اختص بالله تعالى لأنها للعهد، وإن حذفت صار مشتركا بين الله تعالى وبين عبادة انتهى. والضمير في (ربه) عائد إلى اللام الداخلة على (المضطر) لأنها موصول. وعبر عن المسكنة اللازمة للا ضطرار بقوله (المنكسر خاطره) والخاطر ما يخطر بالقلب من تدبير أوامر ونحوه، وقد يطلق على محل ذلك الذى هو القلب وهو المراد هنا. وعلل انكسار خاطره بقلة العمل والتقوى تواضعا منه رحمه الله تعالى، أو لأنه لشدة مراقبته لنفسه ومحاسبته لهم لم يرض عنها وو صفها بما قال كما هو حال العارفين جعلنا الله منهم. والتقوى من الوقاية بمعنى الصيانة وهى. في عرف الشرع. اسم لم يقى به الإنسان نفسه مما يضره في الآخرة وهى ثلاثة مراتب: الأولى: التوقى عن العذاب المخلد بالتبرى عن الشرك، والثانية: تجنب ما يقتضى الإثم من فعل أو ترك، والثالثة: تجنب ما يشغل السر عن

[ 20 ]
الحق تعالى. وخليل فعيل من الخلة وهى صفاء المودة ثم نقل للعلمية، وإسحاق اسم عجمى غير منصرف، والماكى نسبة إلى مذهب مالك. والمصنف رحمه الله خليل بن إسحاق بن موسى كذا رأيته بخطه في آخر نسخة من مناسكه. وذكر بعضهم أنه رأى بخطه بعد موسى بن شعيب، وذكر ابن غازى موضع موسى يعقوب ويوجد كذلك في بعض النسخ وهو مخالف لما رأيته بخطه. ويكنى بأبى المودة وأبى الضياء. وذكر شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر في (الدرر الكامنة) أنه يسمى محمدا ويلقب بضياء الدين ويعرف بالجندي. قال ابن فرحون: كان من جملة أجناد الحلقة المنصورة ويلبس زى الجند المتقشفين. وكان عالما ربانيا صدرا في علماء القاهرة مجمعا على فضله وديانته، ثاقب الذهن أصيل البحث مشار كا في فنون من العربية والحديث والفرائض، فاضلا في مذهب مالك، صحيح النقل تخرج من بين يديه جماعة من الفقهاء والفضلاء انتهى. وكان والده حنيفا لكنه كان يلازم الشيخ أبا عبد الله بن الحاج صاحب المدخل، والشيخ عبد الله المنوفى فشغل ولده مالكيا. وللمصنف رحمه الله كتاب جمع فيه ترجمة الشيخ عبد الله المنوفى قال فيه: وكان الوالد. يعنى والده. من الأولياء الأخيار. وذكر عنه مكاشفات. وتخرج المصنف بالشيخ عبد الله المنوفى، وأخذ الأصول والعربية عن البرهان الرشيدى، وسمع على عبد الرحمن بن الهادى، وقرأ بنفسه على البهاء عبد الله ابن خليل المالكى المكنى أبا داود والترمذي، وحج وجاور بمكة وشرع في الا شتغال بعد شيخه، فإنه ذكر في الترجمة المذكورة أنه رأى شيخه في المنام واقفا عند قبره وأذن له في الا شتغال وأمره به قال: وقد رأى بعض أصحاب سيدى الشيخ رؤيا تشير ألى ذلك، ورأى أنه حصلت له مكاشفة عن بعض الصالحين في حياة الشيخ بأنه هو الذى يشغل طلبة الشيخ بعده قال: فقويت نفسي فجلست ووالله لا أعرف الرسالة ففتح الله على ببركته وهان على الفقه وغيره ولم تغب على مسألد أصلا. وما ذكره من أنه لا يعرف الرسالة لعله يريد المعرفة التامة وإلا فقد ذكر في الترجمة المذكورد أنه ختم ابن الحاجب قراءة على الشيخ عبد الله المنوفى، ويشهد لذ لك أيضا ما نقله في التوضيح عنه في حل مواضع كثيرة، وذكر أيضا في الترجمة عن نفسه أنه كان في حال سغره قرأ سيرة البطال ثم شرع في غيرها من الحكايات ولم يطلع عليه أحد من الطلبة. فقال له اشيخ عبد الله يا خليل من أعظم الآفات السهر في الخرافات. قال: فعلمت أن الشيخ علم بحالى وانتهيت من ذلك في الحين. وذكر ابن غزى: أنه حكى عن المصنف أنه أقام بمصر عشرين سنة لم ير النيل، وأنه جاء لمنزل بعض شيوخه فوجد الكنيف مفتوحا ولم يجد الشيخ فقيل له: إنه شوشه هذا الكنيف فذهب ليأتي بمن ينقيه فقال الشيخ خليل: أنا أولى بتنقيته،

[ 21 ]
فشمر ونزل. وجاء الشيخ فوجده على تلك الحال والناس قد حلقوا عليه تعجبا من فعله فقال: من هذا ؟ قالوا: خليل. فاستعظم ذلك ودعا له عن قريحة صادقة فنال بركة ذلك ووضع الله البركة في عمره. وذكر ابن غزى أيضا: أنه كان من أهل المكاشفات، وأنه مر بطباخ يبيع لحم الميتة فكاشفه وزجره فتاب على يديه، وأن بعض شيوخ شيوخه رأى المصنف يلبس الثياب القصار قال: وأظنه أنه قال: ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. قلت: وقد ذكر المصنف في ترجمة شيخه أنه مر بشواء فاشترى منه خروفا كما خرج وحمله على حمال وخرج به إلى الكيمان وطرحه للكلاب فتعجب من ذلك فظهر أنه ميتة فلعل هذه الحكاية التى أشار إليها ابن غازى ويمكن أن تكون غيرها (وألف رحمه الله) شرح ابن الحاجب المسمى بالتوضيح ووضع الله عليه القبول واعتمده الناس وهو أكثر شروحه فروعا وفوائد (وألف منسكا لطيفا متوسطا اعتمده الناس) وعندنا نسخة إكثر ه بخطه (وجمع الترجمة المذكورد لشيخه) قال ابن حجر وهى تدل على معرفته بالأصول. قال بعضهم: وشرح ألية ابن مالك ولم أقف عليه وألف هذا المختصر الذى لم يسبق إليه وأقبل الناس جميعهم عليه. قال شيخ شيوخنا القاضى تقى الدين الفاسى مؤرخ مكة وشرح على بعضه (ومناقبه) رحمه الله كثيرة (ومات رحمه الله) في ثالث عشر ربيع الأول سنة سبع وستين وسبعمائة كذا ذكر القاضى تقى الدين وابن حجر وذكر ابن غازى أنها في سنة ست وسبعين وهما أعلم من ابن غازى بذلك. وأما تاريخ الوفاة الذى ذكره ابن فرحون في ترجمة الشيخ خليل فإنما هو تاريخ وفاة الشيخ عبد الله المنوفى لأنه ذكر إنه مات سنة تسع وأربعين وتسعمائة بالطاعون وكذلك ذكر الشيخ خليل في تاريخ وفاة شيخه في الترجمة المذكورة وقال: في سابع رمضان ووهم في ذلك بعض الناس فظن أنها للشيخ خليل واعترض على ابن حجر بما ذكره ابن حجر والفاسي وذكر الفرات أن بعض الطلبة رأى المصنف في المنام بعد وفاته وأخبره أنه غفر الله له ولمن صلى عليه. ص: (الحمد لله حمدا يوافي ما تزايد من النعم والشكر له على ما أولا نا من الفضل والكرم) ش: هذا مقول القول. وأتى رحمة الله بالحدلة بعد البسملة اقتداء بالقرآن العظيم وبالنبى صلى الله عليه واله وسلم في ابتدائه بالحمد في جميع خطبه، وعملا بجميع روايات الحديث السابق، ففى رواية (كل أمر ذى بال لا يبتدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع) (1) وفى رواية (بحمد الله) وفي رواية (بالحمد فهو أقطع) (1) وفي رواية (كل كلام لا يبتدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) وفي رواية كل أمر ذى بال

[ 22 ]
لا يبتدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع). قال النووي في شرح المهذب: روينا هذه الألفاظ كلها فيكتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوى قال: ورويناه فيه من رواية كعب عن مالك والمشهور من رواية أبى هريرة. قال النووي: وهو حديث حسن رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وإبو عوانة في صحيحه المخرج على صحيح مسلم وروى موصولا ومرسلا، ورواية الموصول إسنادها جيد انتهى. وفى رواية في مسند الإمام أحمد (كل أمر ذى بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر) أو قال (أقطع) على التردد. ولا يقال البداءة حقيقة إنما هي بالبسملة، لأنا نقول الا بتداء محمول على العرفي الذى يعتبر ممتدا من أول اللخطبة إلى حين الشروع في المقصود. والحمد لغة الوصف بالجميل على جهة التعظيم سواء كان في مقابلة نعمة أولا. وعلم من قولنا: الوصف أنه لا يكون إلا بالكلام فمورده أي محله خاص ومتعلقه عام أي السبب الاعث عليه عام. والشكر لغة فعل ينبئ عن تعظيم المعم بسبب إنعامه على الشاكر وحذف بعضهم هذا القيد، ويكون باللسان والجنان والأركان، فالشكر باللسان أن يثنى على المنعم، والشكر بالقلب أن يعتقد اتصافه بصفات الكمال وأنه ولى النعمة، والشكر بالجوارح أن يجهد نفسه في طاعته، فمتعلق الشكر خاص ومورده عام، فبينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه. والجمد عرفا هو الشكر لغد لكن بحذف قولنا على الشاكر، والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع والبصر وغير هما لما خلق له، فالنسبة بين الحمدين عموم وخصوص من وجه، وبين الشكرين عموم وخصوص مطلق، وكذا بين الشكر العرفي والحمد اللغوى، وبين الحمد العرفي والشكر اللغوى إن قيدت النعمة في الحمد اللغوى بوصولها إلى الشاكر كما مر، وإذا لم تقيد كانا متحدين. وأل في (الحمد) للاستغراق وقيل: للجنس. وحكى عن الشيخ أبى العباس المرسى نفعنا الله به أنه قال: قلت لابن النحاس النحوي: ما تقول في الألف واللام في (الحمد لله) أجنسية هي أم عهدية ؟ فقال: يا سيدي قالوا: إنها جنسية، فقلت له: الذى أقول إنها عهديد وذلك أن الله لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في الأزل نيابة عن خلقه قبل أن يحمدوه، ثم أمرهم أن يحمدوه بذلك الحمد. فقال: يا سيدي أشهدك أنها عهدية. وهذا معنى حسن. واختار المصنف الجملة الإسمية لأنها مفتتح الكتاب العزيز، والأنها تدل على الدوام والثبوت فهى التى تناسب قوله: (ما تزايد من النعم). فإن قيل: حمد العباد حادث والله تعالى قديم ولا يجو قيام الحادث بالقديم، فما متعنى حمد العباد له تعالى ؟ فا لجواب أن المراد تعلق الحمد ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلوم. وقوله (حمدا) مصدر نوعي. ومعنى يوافي يلاقى أي كلما زادت تعمة لا قاها حمد فيكون ذلك سببا للمزيد. وقال بعض المتأخرين: معناه يفى بها ويقوم بحقها وفيه نظر لعجز المخلوق

[ 23 ]
عن حمد يقوم بحق الخالق إلا إذا جعلت اللام للعهد. والنعم جمع نعمة بكسر النون وهى المنة والصنيعة وما أنعم الله به على الإيسان، وتطلق على الإنعام ويصح جعلها في كلام المصنف بمعنى المعم به وبمعنى الأنعام. قيل: وهو أولى لأن الحمد على الصفات أولى منه على متعلقاتها. وأما النعمة بالفتخ ح فهى التنعم وبالضم السرور، وأعظم النعم الهداية للإسلام. ومعنى أولا نا أعطانا، والفضل الزيادة ويقال على الإعطاء بلا سبب ولا علة. والكرم الجود ويطلق على كرم الأصل، وجعل المصنف الحمد في مقالة النعم ليكون شكرا موجبا للمزيد إذ من النعم العظيمة إلهاه لتصنيف هذا الكتاب ثم تكميله ثم الا نتفاع به، وعطف الشكر عليه تنبيها على حصول التعظيم والثناء بالجنان والأر كان أيضا فإن الحمد إنما هو باللسان كما تقدم. فائدة: قال سيدى محمد بن يوسف السنوسى: حكم الحمد الوجوب مرة في العمر كالحج وكلمتي الشهادة والصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم انتهى. وحكم الا بتداء به في أول المصنفات و أول الأقراء والقراءة الا ستحباب كما ذكره الفا كهانى في أول شرح الرسالة. قال: قال العلماء: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج ومزوج وبين يدى سائر الأمور المهمة. قال الف كهانى: قلت: وكذلك الثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه واله وسلم انتهى. وكأنه يريد بالثناء على الله الزيادة على الجمد والله أعلم. ص: (لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه) ش: لما حمد الله تعالى على ما تزايد من النعم وشكره، نبه على أن ذلك إنما هو امتثال للأمر وإلا فليس يحصى الثناء عليه تعالى أحد، وأصل هذا قوله صلى الله عليه واله وسلم (لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم. ولو أتى به المصنف هكذا لكان فيه مع موافقة لفظ الحديث التفات، وكأنه قصد أن يكون الكلام على أسلوب واحد، ولأجل السجع في قوله: (رمسه). ومعنى لا أحصى لا أطيق أن أثنى عليك بما تستحق أن يثنى عليك به. وقال مالك: معناه لا أحصى نعمك فأثنى عليك بها. ثم عقبه بقوله: (هو كما أثنى على نفسه) اعترافا بالعجز عن الثناء تفصيلا ورد ذلك إلى المحيط بكل شئ. قال الأبى: يريد أن عظمة الله وصفات جلاله لا نهاية لها وعلوم الشر وقدرهم متناهية فلا يتعلقان بما لا يتناهى، وإنما يتعلق بذلك علمه تعالى الذى لا يتناهى وتحصيه قدرته التى لا تتناهى. فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر: اختلف في تعيين الفاضل من الحمد فقيل: الحمدالله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم. وقيل: اللهم لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وقيل: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. قال: وينبنى على ذلك مسألة فقهية فيمن حلف ليحمدن الله بأفضل محامده، فمن أراد أن يخرج من الخلاف

[ 24 ]
فليحمده بجميعها، وزاد غيره مما ذكره في القول الأول عدد خلقه كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم. وقلا المتأخرون من الخراسانيين من الشافعية: لو حلف إيسان ليحمدن الله بمجامع الحمد. ومنهم من قال بأجل التحاميد. فطريقه في البر أن يقول: الجمد لله حمدا يواف نعمه ويكافئ مزيده. قال النووي: قالوا: ولو حلف ليثنين على الله أحسن الثناء، فطريق الر أن يقول: لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وزاد بعصهم: فلك الحمد حتى ترضى. نو صور أبو سعيد التونى المسألة فيمن حلف ليثنين على الله بأجل الثناء وأعظمه وزاد في أول الذكر (سبحانك). وعن أبى نصر التمار عن محمد بن النضر قال: قال آدم صلى الله عليه واله وسلم: يا رب شغلتني بكسب يدى فعلمني شيئا فيه مجامع الجمد والتسبيح، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثا وإذا أمسيت فقل ثلاثا: الجمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده فذلك مجامع الحمد والتسبيح. وقوله: يكافئ بهمزة في آخره أي يساوى مزيد نعمه ومعناه يقوم بشكر ما زاد من النعم والإحصاء، العد قاله في الأذكار ص: (وأسأله اللطف والإعانة في جميع الأحوال وحال حلول الإيسان في رمسه) ش: لما اعترف بالعجز والتقصير سأل من مولاه القدير اللطيف الإعانة. واللطف لغة الرفق، وعرفا ما يقع عنده صلاح العبد آخرة بأن تقع منه الطاعة دون المعصية. والإعانة والمعونة والعون المساعدة، والأحوال جمع حال يذكر ويؤنث وهو ما يكون الإيسان عليه في الوقت الذى هو فيه، والحلول النزول، والإيسان واحد الأناسى يطلق على الذكر والأنثين. قال في الصحاح: ولا تقل إيسانة والعامة تقوله. وقال في القاموس: والمرأة إيسان وبالهاء عامية وسمع في شعر كأنه مولد: لقد كستنى في الهوى ملابس الصب الغزل إيسانة فتانة بدر الدجا منها خجل إذا زنت عينى بها فبالدموع تغتسل والرمس في الأصل مصدر. قال في الصحاح: رمست عليه الخبر كتمته. ويطلق على القبر وعلى ترابه، وخص هذه الحالة لشدة الحاجة فيها إلى مزيد اللطف والإعانة، إذ هي أول منزل من منازل الآخرة. ومعلوم أن الرحلة الأولى صعبة على المسافر في الدنيا فكيف الحال هنا يسأل الله السلامة وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وأسند المصنف قوله: (لا أحصى) إلى ضمير الواحد، قوله (ونسأله) إلى ضمير الجماعة كأن الأول فيه الا عتراف بالعجز وإنما يثبته الإنسان لنفسه وهو أيضا مقام استغراق. ونفى الكثرة، والثانى دعاء والمطلوب

[ 25 ]
فيه مشاركة المسلمين فإن ذلك مظنة الإجابة. قال الرازي: إن الدعاء مهما كان أعم كان إلى الإجابة أقرب والله أعلم. ص: (والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد العرب والعجم المبعوث لسائر الأمم صلى الله عليه واله وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأمته أفضل الأمم) ش: أتبع رحمه الله حمد الله تعالى بالصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه واله وسلم عليه وسلام، أداء لبعض ما يجب له صلى الله عليه واله وسلم إذ هو ما لواسطة بين الله تعالى وبين العباد، وجميع النعم الواصلة إليهم التى أعظمها الهدايد للإسلام إنما هي ببركته وعلى يديه، وامتثالا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزاب: 56) وعملا بقوله صلى الله عليه واله (كل كلام لا يذكر الله تعالى فيه فيبدأ به وبالصلاة على فهو أقطع ممحوق من كل بركة) أخرجه الديلمى في مسند الفرودس وأبو موسى المدينى والخليلي والرهاوى في الأربعين، قال الحافظ السخاوى: وسنده ضعيف وهو في فوائد ابن منده بلفظ (كل أمر ذى بال لا يبتدأ فيه بذكر الله ثم بالصلاة على فهو أقطع أكتع) انتهى. قلت: وإن كان ضعيفا فقد اتفق العلماء على جواز العمل بالجيث الضعيف في فضائل الأعمال واغتناما للثواب الوارد في قوله صلى الله عليه واله وسلم (من صلى على في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمى في ذلك الكتاب) ذكره في الشفاء. وقال العراقى في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ في الثواب، والمستغفري في الدعوات من حديث أبى هريرة بسند ضعيف. قال الشيخ أحمد زروق: ويحتمل أن يكون المراد كتب الصلاة وهو أظهر، أو قراءة الصلاة المكتوبة وهو أوسع وأرجى انتهى. وسمعت بعض مشايخي يذكر أنه يشترط في حصول الثواب المذكور التلفظ بالصلاة في حال الكتابة ولم أقف عليه لغيره، بل ظاهر الحديث وكلام العلماء أن ذلك ليس بشرط. قال الحافظ السخاوى في شرح الهداية لابن الخزرجي في علم الحديث: وليحافظ الطالب على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلما كتبه بدون رمز كما يفعله الكسالى، ولا يسأم من تكراره سواء كان ثابتا في الأصل أم لا، ومن أغفل الصلاة والسلام حرم أجرا عظيما. ويروى عنه صلى الله عليه واله وسلم أنه قال (من صلى على في كتاب لم تزل الملائكة تصلى عليه مادام اسمى في ذلك الكتاب) ويستحب التلفظ بها مع ذلك انتهى. فظاهره أن الثواب المذكور يحصل بمجرد كتابتها وأن التلفظ بها أمر آخر مستحب. قال في الصحاح: والصلاة اسم يوضع موضع المصدر بل يقال: صليت صلاة ولا يقال: تصلية كما هو قياس مصدره. قال المبرد: أصل الصلاة الترحم فهى من الله رحمة، ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة. وقال أبو بكر القشيرى: الصلاة من الله لمن دون النبي

[ 26 ]
رحمة، وللنبى صلى الله عليه واله وسلم تشريف وزيادة تكرمة. وقال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند ملائكته، وصلاة الملائكة الدعاء. وقيل: المراد بها الا عتناء بشأن المصلى عليه وإرادة الخير له، وهو الذى ارتضاه الغزالي، وصلاة العباد الأمور بها الدعاء بلفظ الصلاة خص الأنبياء بذلك تعظيما لهم، فعلى قول المبرد تكون الصلاة مرادفة للرحمة. وقد بحث في ذلك بعضهم أن الترادف يقتضى جواز الدعاء للنبى بلفظ الرحمة، وقد أنكر ذلك بعضهم كما سيأتي في بيانه في الكلام على التشهد إن شاء الله. وقد يقال: إنن مراد المبرد بيان أصل معنى الصلاة وإن كان العرف يقتضى إنها إذا استعملت في حق النبي صلى الله عليه واله وسلم دلت على معنى زائد على الرحمة كما أشار إلى ذلك تفسير القشيرى، ولهذا قال بعضهم: الصلاة من الله رحمة مقرونة بالتعظيم، ومن الملائكة استغفار، ومن الآدميين تضرع ودعاء. والسلام التحية وفي معنى السلام عليه أوجه، إما بمعنى السلامة لك ومعك، أو اسلام مقول لك فيكون اسما له تعالى، أو بمعنى المسألة والانقياد لأمره، والصيغة المذكورد خبر ومعنا ها الدعاء والطلب. قال بعض العلماء: وهل يحتاج في ذلك إلى استحضار نية الطلب وإخراج الكلام عن حقيقد الخبر ؟ وأجاب: بأنه إن كثر استعمال اللفظ في ذلك حتى صار كالمنقول في العرف لم يحتج إلى ذلك، وإلا فالأقرب الحاجة إليه. فائدة: حذر بعض المتأخرين من الشافعية من استعمال لفظ التصلية بدل الصلاة وقال: إنه موقع في الكفر لمن تأمله لأن التصلية الإحراق وقال: وقع في عبارة النسائي في جامع المختصرات وابن المقرى في لإرشاد التعبير بها. قال: وسئل العلامة أو سلاة ؟ فقال: لم تفه العرب يوما من أيامها بأن تقول: إذا أريد الدعاء أو الصلاة الشرعية أو الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم: صلى تصلية، وإنما يقولون: صلى صلاة، ومن زعم غير ذلك فليس بمصيب ولم يظفر من كلام العرب بأذنى نصيب، وجينئذ لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه ولا يعتمد مالديه ولو أنه نفطويه، انتهى. ثم قال: ويخاف الكفر على من أصر على إقامة التصلية مقام الصلاء بعد التعريف انتهى. وأصال الكلام في ذلك. مسألة: والسلاة والسلام عليه صلى الله عليه واله وسلم فرضان مرد في العمر. قال في الشفاء: قال القاضى أبو بكر ابن بكير: افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه صلى الله عليه واله وسلم ويسلموا تسليما ولم يجعل لذلك وقتا معلوما، فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها. وذكر قبل ذلك أن الإجماع على أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرض على الجملة، وأن المشهور عدم الوجوب كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال الشيخ أبو عبد الله محمد الرصاع: الذى يظهر أن السلام عليه صلى الله عليه واله وسلم فرض واجب مثل الصلاة عليه مرة في العمر، والزائد على ذلك استحبابه متأكد. ثم ذكر عن ابن

[ 27 ]
عباس أنه قال: هذه فريضة من الله علينا أن نصلى على نبينا ونسلم عليه تسليما. وما نقل عن شيوخنا المغربة من نالتوقف في الوجوب في السلام فلا أصل له بل الحق أنه حكمه حكم الصلاد في الوجوب والاستحباب، ويتأكد ذلك على قدر الشوق والمحبة، ثم ذكر أنه يتأكد عند دخول المسجد بعد الصلاة عليه صلى الله عليه واله وسلم، وعند دخول البيوت إذا لم يكن فيها أحد، وفي التضهد الأول من الصلاة، وفي التشهد الثاني قبل السلام، وعند زيارته صلى الله عليه واله وسلم انتهى باختصار. قلت: وكلام القاضى أبى بكر بن بكير نص فيه أن السلام فرض كالصلاة والله أعلم. فرع: وتستحب الصاة عليه صلى الله عليه واله وسلم في مواطن منها: بعد التضهد الأخير، وقبل الدعاء، وعند دخول البوت إذا لم يكن فيها أحد، وعند سماع ذكره أو اسمه وكتابته، وعند الأذان، وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي صلاة الجنائز. قال في لشفاء: ومن مواطنها التى مضى عليها عمل الأمة ولم تنكرها، الصلاة عليه صلى الله عليه واله وسلم في الرسائل وما يكتب بعد البسملة. ولم يكن هذا في الصدر الأول، وأحدث عند ولا ية بنى هاشم فمضى عليه عمل الناس في أقطار الأرض، ومنهم من يختم به الكتاب أيضا. قال: وروى النسائي الأمر بالإكثار منهما يوم الجمعة. قال: ومن مواطن السلام تشهد الصلاد وعند السلام منها كما سيأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله. وقال اشيخ أبو عبد الله محمد الرصاع في كتابه المسمى (تحفة الأخيار في فضل الصلاة على النبي المختار) من المواطن التى يتأكد فيها طلب الصلاة: إذا طنت الأذن، وعند العطاس، وعند الفراغ من الطهارة، وفي الصباح، وفي المساء وفي يوم الجمعة والسبت والأحد. فرع: ذكر ابن ناجى في شرح المدونة في كتاب الذبائح أن الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم تكره عند الذبح، وعند العطاس، و الجماع، والعثرة، والتعجب، وشهرة المبيع، وحاجة الإنسان، وذكرها الشيخ يوسف بن عمر الأشهرة المبيع وذكر بدله عند الأكل، وأصل مسألة الذبح في كتاب الذبائح من المدوند قال فيها: وليس بموضع صلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم. قال الشيخ أبو الحسن في الأمهات: قيل لابن القاسم: هل يقول بعد التسمية صلى الله على محمد أو محمد رسول الله ؟ قال: ذلك موضع لا يذكر فيه إلا اسم الله وحده. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم: إن في بعض الأحاديث موطنين لا يذكر فيهما إلا اسم الله وحده: الذبيحة والعطاس، لا يقل بعد التسمية والتحميد محمد رسول الله وإن شاء قال بعد هما: صلى الله على محمد، لأن الصلاة على النبي صليا الله عليه واله وسلم ليست بتسمية له مع اسمه سبحانه، وقاله أشهب. وقيل: لا يصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم في أربعة مواضع: عند الذبح والعطاس والجماع وحاجة الإنسان. وفي (العتبية) كره سحنون الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم عند التعجب وقال: لا يصلى عليه إلا في موضع احتساب أو رجاء ثواب، انتهى. وقال في (الشفاء) بعد أن ذكر عن أشهب نحو ما تقدم عنه

[ 28 ]
في الذبيحة والعطاس قال: ولا ينبغى أن تجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم فيه استنانا. وفي سماع أبى زيد من الجامع سئل مالك عن الذى يرى الشئ فيعجبه أو يعطس فيحمد الله أو يكره له أن يصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال: لا، أنا آمره أن لا يصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم أنى إذا لأقول له لا تذكر الله. قال: إنه يذكر في ذلك حديث. قال: ما يحدث به كأنه لا يرى ذلك الحديث شيئا. قال ابن رشد: فد أمر الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم فهى على الوجه الذى أمر به من التعظيم لحقه والرغبة في الثواب عند ذكره أو ذكر شئ من أمره مرغب فيها مندوب إليها، وأما عند التعجب فالشئ للتعجب دون القصد إلى احتساب الثواب مكروه، قاله سحنون في رسم نذر من سماع عيسى من كتاب المحاربين. وأما الصلاد عليه مع الحمد عند العطاس، فيحتمل أنه لم يرد بذلك القربة فيكون مكروها، ويحتمل أنه يذكر سنة في أمر العطاس بالحمد فصلى عليه على ماسنه من ذلك فيكون مسحبا. ولما احتملت صلاته هذا الوجه توقف في أن يقول إنه يكره انتهى باختصار. فتحصل من هذا أن في الصلاء عند الذبح والعطاس قولين. قال الشيخ أبو عبد الله محمد الرضاع: لما ذكر شهرة البيع. ويلحق هذا عندي ما يصدر من العامة في الأعراس وغيرها. فإنهم يشهرون أفعالهم للنظر إليها بالصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم مع زيادة عدم الوقار والاحترام بل بضحك وبلعب انتهى. قلت: بلك يذكرون ذلك بلفظ محرف إن قصدوه كفروا، فإن كثيرا منهم يكسرون السين من السلام نعوذ بالله من ذلك. ثم ذكر من المواضع التى نهى عن الصلاة فيه الأماكن القذرة وأماكن النجاسة انتهى والله أعلم. مسألة: شاع في كثير من كلام العلماء كراهة إفراد الصلاة عن السلام وعكسه، وممن سرح بالكراهة وقال: فيه نظر. نعم يكره أن يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا، أما لو صلى في وقت وسلم في وقت آخر فإنه يكون ممتثلا انتهى. تقال: ويتأيد بما في خطبة مسلم والتنبيه وغيرهما من مصنفات أئمة السنة من الاقتصار على الصلاة فقط، وقال قبله استدل بحديث كعب وغيره على أن إفراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذلك العكس، لأن تعليم التسليم تقدم قبل تعليم الصلاة، انتهى. وذكر في الخاتمة منامات تقتضي أنه لا ينبغى إفراد الصلاة على التسليم، ولم أقف لأحد من المالكية في ذلك على كلام إلا ما رأيته في آخر نسخة من المسائل الملفوظة أنه يكره ذلك ولم يعزه. وقال الشيخ زروق في شرح الوغليسية: كره جمهور المحدثين إفراد الصلاة عن التسليم وعكسه. مسألة: قال ابن ناجى في أول شرح المدونة: إفراد الصلاة عن التسليم وعكسه أفتى بعضهم برد كتب الحديث إذا لم يوجد فيها لفظ الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم. وذكر السخاوى أن

[ 29 ]
يسخة من التمهيد لابن عبد الر تعمد صاحبها ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم وقع ذكره، فنقص ذلك كثيرا من ثمنها وباعها ببخس، ولم يرفع الله لنا سخها علما بعد وفاته مع أنه كان يحسن بابا من العلم. تنبيه: أغرب القاضى أبو بكربن العربي في العارضة فقال: الذى أعتقده أن قوله صلى الله عليه واله وسلم (من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا) (1)، ليست لمن قال: كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وإنما هي لمن صلى عليه كما علم بما قصصناه، انتهى. وقد ذكر السخاوى في الخاتمة منامات كثيرة تدل على حث. ل الثواب العظيم في اللفظ المذكور والله علم. فائدة: قال الأبى: انظر لو قال: اللهم صل على محمد عدد كذاهل يثاب بعدد من صلى بتلك الأعداد ؟ كان ابن عرفة يقول: يحصل له من الثوب أكثر من ثواب من صلى واحدة لا ثواب من صلى تلك الأعداد، ويشهد لهذا حديث (من قال سبحان الله عدد خلقه) (2) من حيث دلالته على أن التسبيح بهذا اللفظ له مزية وإلا لم تكن له فائدة، انتهى. والسيد الكامل المحتاج إليه بإطلاق واستعماله في حق غير الله سائغ نطق به الكتاب والسنة. وذكر الدمامينى في شرح التسهيل عن ابن المنير في ذلك ثلاثة أقوال: جواز إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره، وامتناع إطلاقه على الله تعالى وحكاه عن مالك، وهو الذى يفهم من كلام المقدمات، وامتناع إطلاقه على غير الله تعالى. ثم ذكر عن النحاس رابعا وهو جواز إطلاقه على غير الله إلا أن يعرف بأل. قال: والأظهر الجواز بالألف واللام لغير الله. وما ذكره عن مالك من المنع هو الذى يفهم من كلام المقدمات، والذى في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة الكراهة، فإنه كره الدعاء ب (يا سيدي) و (يا منان)، ولعله حمل الكراهة على المنع ولم يصرح ابن رشد في البيان بحملها على المنع وقال في شرحها: وأما الدعاء ب (يا منان) فلا كراهة فيه لأنه من أسماء الله تعالى القائمة من القرآن قال الله سبحانه وتعالى: (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) (إبراهيم: 11) والخلاف في إطلاقه على الله تعالى ينبنى على الخلاف في أسماء الله تعالى الدالة على الصفات هل هي توقيفية فلا يطلق عليه إلا ما ورد الإذن فيه أم لا. وملخص ما في المسألة أن اللفظ إما أن يردبه الشرع فيقتصر على ذكره في المواضع التى ورد فيها، وإن دل على صفة كمال فإن ورد الشرع به جاز إقلاقه على الله تعالى في المواضع الذى ورد فيه وفي غيره، وإن لم يرد به فمذهب الشيخ أبى الحسن الأشعري وعامة أهل السنة أنه لا يجوز

[ 30 ]
أن يسمى الله تعالى بما سمى به نفسه أو أجمعت الأمة عليه. قال القمولى من الشافعية: كقديم وواجب الوجود. وذهب القاضى أبو بكر البقلانى والمعتزلة أنه يجوز أن يسمى الله تعالى بكل اسم صح معناه ولم يمنع الشرع ولا الإجماع منه. وذهب الغزالي إلى أنه يجوز إطلاق ذلك على سبيل الوصف لا على سبيل التسمية، فالأسماء عنده توقيفية والأوصاف لا نهاية لها. قال القمولى: هذا هو الظاهر. قال: واختلف العلماء في إطلاق اسم عليه تعالى بغير العربية، فمنعه قوم لأن الأسماء توقيفية ولم يرد الشرع بذلك، وإذا أراد العجمي الدعاء سمى الله باسمه باللسان العربي ثم يذكر حاجته بلغته. وذهب قوم إلى الجواز وهو مذهب الفقهاء وقال قبله: قد يختلف الحال في الإطلاق باختلاف الأزمنة كما في قول موسى عليه السلام (إن هي إلا فتنتك) (الأعراف: 115) فإن هذا اللفظ لم يكن إذا ذاك موهما شيئا فأطلقه موسى عليه السلام، ولا يجوز أن يخاطب الله بمثل هذا الخطاب في وقتنا هذا لما فيه من الإبهام. انتهى. وقال الأبى في شرح مسلم: ما يستعمل من لفظ المولى والسيد يعنى في لصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم حسن وإن لم يرد، والمستند قوله: (أنا سيد ولد آدم) وقد طلب ابن عبد السلام تأديب من قال لا يقولها في الصلاد وإن قالها بطلب فتغيب حتى شفع فيه قال: وكأنه رأى تغيبه تلك المدة عقوبته. وذكر البرزلى عن بعضهم أنه أنكر أن يقولها. يعنى لفظة السيد. أحد ثم قال: وهذا إن صح عنه غاية الجهل. قال: واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوى صاحب القاموس ترك ذلك في الصلاة اتباعا للفظ الحديث والإتيان به في غير الصلاة. وذكر الحافظ السخاوى في آخر الباب الأول من القول البديع كلامه، ودكر عن ابن مفلح الحنبلى نحو ذلك. وذكر عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أن الإتيان بها في الصلاة ينبنى على الخلاف هل الأولى امتثال الأمر أو سلوك الأدب. قلت: والذى يظهر لى وأفعله في الصلاة وغيرها الإتيان بلفظ السيد والله أعلم. ومحمد منقول من اسم مفعول المضاعف، ومعناه لغة من كثرت محامده، وهو أبلغ من محمود لأنه من الثلاثي. ألهم الله تعالى أهل نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم تسميته بذلك ليطابق اسمه صفته لأنه محمود في السماء والأرض. وقيل لجده لما سماه بذلك: لم عدلت عن أسماء آبائك ؟ فقال: فقال: ليكون محمودا في السماء والأرض، وفكان كذلك. فهو صلى الله عليه واله وسلم أجل من حمد وأفضل من حمد الأول بفتح الحاء والثانى بضمها. وهو أحمد الحامدين وأحمد المحمود ين ومعه لواء الحمد ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا يحمده فيه الأولون والآخرون، ويفتح عليه بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وأمته الحامدون يحمدون الله على السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد وكذلك خطبه وخطبهم ومصاحفهم. والعرب. بفتح العين والراء وبضم العين وسكون الراء. جيل من الناس وهم من يتكلم باللغة العربية والأعراب منهم سكان البادية، والعجم. بفتح العين والجيم وبضم العين وسكون الجيم. وهم خلاف العرب، ويجوز أن يجمع بين

[ 31 ]
العرب والعجم بفتح أحدهما وبصم الآخر والأفصح أن يفتحا معا أو يضما معا. والمبعوث المرسل، وسائر الأمم جميعهم. قال في الصحاح: سائر الناس جميعهم وأنكره الحريري وقال: السائر الباقي. ورد عليه بأنه سمع أيضا في الجميع. ويصح أن يكون السائر في كلام المصنف بمعنى الباقي أي بقية. والأمم جمع أمة. بضم الهمزة. يطلق على ثمانية معان: على الجماعة حتى من غير الناطق كقوله تعالى: (أمة من الناس) (القصص: 23)، وقوله تعالى: (إلا أمم أمثالكم) (الأنعام: 38) وعلى أتباع الرسل كما يقول نحن من أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم، وعلى الرجل الجامع للخير كقوله: (إن إبراهيم كان أمة) (النحل: 120) وعلى الدين والملة كقوله: (إنا وجدنا آباء نا على أمة) (الزخرف: 22) وعلى الحين والزمان كقوله (إلى أمة معدودة) (هود: 8) وقوله: واذكر بعد أمد) (يوسف: 45)، وعلى القامة يقال: قلان حسن الأمة أي القامة، وعلى الرجل المنفرد بدينه كقوله صلى الله عليه واله وسلم: ((يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمد)، وعلى الأم يقال: هذه أمة زيد أي أمه. قال الأبى: وإذا أضيفت الأمة للنبى فتارة يراد بها أتباعه كحديث (شفاعتي لأمتى) (2) وتارة يراد يها عموم أهل دعوته كحديث (لا يمسع بى من هذه الأمة يهودى ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (2) رواه مسلم. والظاهر أن الأمم في قول المصنف لسائر الأمم بمعنى الجماعة، وفي قوله: وأم ته أفضل الأمم بمعنى الا تباع فسقط ما قيل: إن في كلامه توافق الفاصلتين في اللفظ والمعنى وهو معيب في السجع كالإيطاء في النظم وهو تكرار القافية، بل في كلامه من المحسنات البديعية: الجناس التام. ويصح أن يراد بالأمة في الثاني الدين على حذف مضاف أي أهل دينه أفضل الأديان وفيه تكلف. وإلا مه. بكسر الهمزة. النعمة وتطلق على الدين والطريقة ولا خلاف في عموم بعثته صلى الله عليه واله وسلم إلى جميع الإنس والجن لقوله تعالى (ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان: 1) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " بعثت إلى الأحمر والأسود " (3). وقيل: الإنس والجن، وقيل: العرب والعجم. واختلق في بعثته إلى الملائكة والأكثر على عدم بعثته إليهم صرح بذلك الحليمى والبيهقي في الباب الرابع من شعب الإيمان بل حكى الإمام الرازي والبرهان النسفى الإجماع على أنه لم يرسل إليهم. وما حكاه الزر كشى وتبعه القرافى وغيره عن الإمام الرازي من أنه حكى الإجماع على بعثته إليهم غير معروف عن الرازي، والمعروف عنه ما قدمناه. نو القول ببعثته إليهم إنما حكاه السبكى عن بعضهم. قال الكمال بن أبى شريف في حاشية شرح جمع الجوامع قال السبكى: قال المفسرون كلهم في قوله تعالى: (للعامين نذيرا) (الفرقان: 1) المراد به الإنس والجن.

[ 32 ]
وقال بعضهم: والملائكة. وآل الرجل أهله وعياله ويلق على الأتباع أيضا قله في الصحاح. قال الشمنى: ولا يضاف إلا لمن له شرف من العقلاء الذكور، فلا يقال: آل الإسكافي ولا آل مكة ولا آل فاطمة. وعن الأخفش أنهم قالوا آل البصرة وآل المدينة. والصحيح جواز إضافته إلى الضمير كما استعمله المصنف، ومنع ذلك الكسائي وأبو جعفر النحاس، ويشهد للأول قول عبد المطلب: وانصر على آل الصلي‍ * ب‍ وعابديه اليوم آلك واختلف في أصله فقيل " أهل " فأبدلت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا. وقيل: أصله. " أول " قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وآله صلى الله عليه وآله وسلم بنو هاشم فقط على المشهور، وقيل: بنو المطلب، وهو الذى مشى عليه المصنف في الزكاة. قال الدمامينى: وهو المختار عندنا. وقال الشيخ زروق: هو المذهب. وقيل: جميع أمته. نقال ابن العربي في العارضة: ومال إليه مالك، وقال عبد الحق في كتاب الصلاة الثاني من تهذيبه في الكلام على التشهد: واعرف لمالك رحمه الله أن آل محمد كل من تبع دينه كما أن آل فرعون كل من تبعه. وقيل: أتقياء المؤمنين. والأصحاب جمع صاحب بمعنى الصحابي بياء النسب وهو مخصوص في العرف بأصاحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والصحابى من اجتمع مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يرو عنه ولم يطل اجتماعه به. وقال النووي: وسواء جالسه أم لا. هذا هو الأصح وهو مذهب البخاري وسائر المحدثين وجماعة من الفقهاء وغيرهم. وذهب نأكثر الأصوليين إلى أنه بشترط مجالسته، وهذا مقتضى العرف والأول مقتضى اللغة. نو عن ابن المسيب: لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة أو سنتبن وغزا معه غزوة أو غزوتين. فإن صح عنه فهو ضعيف فإن مقتضاه أن لا يعد جرير البجلى وشبهه صحابة، ولا خلاف في أنهم صحابة. وهذا بخلاف التابعي وهو صاحب الصحابي فلا يكفى في إطلاق التابعي عليه اجتماعه به من غير طولعلى أظهر القولين، وقيل يكفى. والفرق بينهما أن الا جتماع بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في لحظة يؤثر في تنوير القلب ما لا يؤثره الا جتماع بغيره ولو طال، ويدخل في قولنا " اجتمع " الأعمى. وعبر بعضهم ب‍ " من لقى " ليدخل من حنكه أو من مسه صلى الله عليه وآله وسلم من الصبيان وهو كذلك خلافا لبعضهم. ولا يدخل الأنبياء الذين اجتمع بهم ليلة الإسراء والملائكة لأن المراد الا جتماع المتعارف. وهل يدخل مفى ذلك جن نصيبين ؟ واستشكله ابن الأثير وهو محل نظر، ويخرج من التعريف من لقيه كافرا ثم أسلم. قال الشيخ حلولو ونظر ابن عرفة في كونه صحابيا ولا يبطل التعريف بمن ارتد بعد اجتماعه به ومات على ردته، لأنه قبل ردته كان يسمى صحابيا، وأما منارتد ثم أسلم فهو صحابي. والأزواج جمع زوج يطلق على الرجل والمرأة، ويقال في الأنثى زوجة أيضا. وفي بعض النسخ زيادة و " ذريته " والذرية النسل يقع على الذكور والإناث. وقال في الصحاح: هو نسل الثقلين من ذرأالله الخلق أي خلعهم لكن تركت العرب همزتها. وزعم بعضهم أنها تطلق

[ 33 ]
على الآباء أيضا واستدل بقوله تعالى: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) (يس: 41) يعنى نوحا ومن معه. وتثلث ذالها و قرئ بذلك وقراءة الجمهور بالضم، ثم الصلاء على الآل والأصحاب وغيرهم تجوز على التبعية. قال في الشفاء عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر أنه وجد بخط بعض شيوخ مذهب مالك أنه لا يجوز أن يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال: وهذا غير معروف من مذهبه ثم قال: والذى ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين، أنه يجب تخصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء بالصلاء والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه، ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال الله تعالى (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذى سبقونا بالإيمان) (الحشر: 1) وقال: (والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) (التوبة: 100) وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول كما قال أبو عمران وإنما أحدثه الرافضة والمتشيعة في بعض الأئمة فشار كوهم عند الذكر لهم بالصلاة وساووهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وأيضا فإن التشبه بأهل البدع منهى عنه فيجب مخالفتهم. وذكر الصلاة على الآل والأزواج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحكم التبع والإضافة إليه لا على التخصيص. قالوا: وصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من صلى عليه مجراها مجرى الدعاء، والرحمة ليس فيها معنى التعظيم والتوقير وقد قال تعالى ت: (لا تجعلوا دعاء له مخافا لدعاء الناس بعضهم لبعض وهذا اختيار الإمام أبى مظفر الإسفراينى من شيوخنا، وبه قال أبو عمربن عبد البر انتهى. تنبيه: لم يذكر المصنف في خطبته الشهادة مع أنه ورد " كل خطبة ليس فيها شهادة فهى كاليد الجذماء " أخرجه أبو داود من حديث أبى هريرة مرفوعا في كتاب الأدب من سنننه. ص: (وبعد فقد سألني جماعة أبان الله لى ولهم معالم التحقيق وسلك بنا وبهم أنفع طريق) ش: " بعد " ظرف مكان مقطوع عن الإضاة لفظا لا معنى ولذلك بنى على الضم والتقدير: وبعد حمد الله والصلاة على رسوله، هي كلمة تستعمل في الخطب والكلام الفصيح لقطع ما قبلها عما بعدها. قال بعض الشافعية: ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عقد لها البخاري بابا في كتاب الجمعة وذكر فيها أحاديث كثيرة. وتستعمل مقرونة ب‍ " أما " والواو ومع إحداهما دون الأخرى، ودخول الفاء بعدها مع " أما " واضح لما تضمنته " أما " من معنى الشرط، وأما محذوفة والواو عوض منها، أو دون تعويض. وعلى الأول فالعامل في " بعد " الفعل المقدر إذ التقدير: وبعد كذا وكذا فأقول، وعلى الثاني فالعامل في " بعد " " أما " المحدوفة لنيابتها عن فعل الشرط المقدر إذ التقدير: مهما يكن من شئ بعد حمد الله والصلاة

[ 34 ]
على رسله فقد سألني إلى آخره، والعامل في " بعد " الفعل المقدر. واختلف في بأول من نطق ب‍ " أما بعد " فقيل: داود عليه الصلاة والسلام وإنها فصل الخطاب الذى أوتبه وقيل: قس بن ساعدة، وقيل: كعب بن لؤى وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: سحبان وائل. وأبان أو ضح، والمعالم جمع معلم بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه، وأصله الأثر الذى يستدل به على الطريق، واستعاره المصنف لما يستدل به على التحقيق، والتحقيق معرفة الشئ بدليله من غير تقليد فيه والمراد بمعالمه الأذلة التى يهتدى بها إليه والمعروف في سلك أنه يتعدى بنفسه قال تعالى: (كذلك نسلكه) (الحجر: 12) وقال (ما سلككم) (المدثر: 42) وعداه المصنف بالباء كأنه ضمنه معنى دخل كقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من سلك طريقا يلتمس فيه علما صهل الله له طريقا إلى الجنة " رواه مسلم. وأنفع طريق هي الطريق الموصلة إلى معرفة الله سبحانه وتعالى وامتثال أوامره واجتناب ونواهيه. والضمير في قوله: " بنا " للشيخ ومن سأله، وفي بعض النسخ " بنا وبهم " فاضمير للمصنف فقط. ص: (مختصرا على مذهب الإمام مالك ابن أنس رحمه الله مبينا لما به الفتوى) ش: " مختصرا " صفة لمحذوف على تقدير مضاف أي تأليف كتاب مختصر. وال ختصار ضم بعض الشئ إلى بعض للإيجاز وهو إيراد المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة. قال النووي في (تهذيب الأسماء واللغات) اختلفت عبارات الفقهاء في معنى المختصر فقال الإسفراينى: حقيقة الختصار ضم بعض الشئ إلى بعض. قال: ومعناه عند الفقهاء رد الكثير إلى القليل وفي القليل معنى الكثير. قال: وقيل: هو إيجاز اللفظ مع استيفاء المعنى. ولم يذكر صاحب الشامل وغيره هذا الثاني وذكرهما جميعا المحاملى. وقال صاحب الحاوى: قال الخليل: هو مادل قليله على كثيره يسمى اختصارا لا جتماعه ودقته كما سميت المخصرة مخصرة لاجتماع السيور، وخصر الإنسان لا جتماعه ودقته، انتهى بلفطه. والمذهب لغة الطريق ومكان الذهاب ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية، ويطلق عند المتأخرين من أئمة المذاهب على ما به الفتوى من باب إطلاق الشئ على جزئه، الأهم نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الحج عرفة " لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المتقلد والله أعلم. ومالك هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر الأصبحي. بفتح الباء. نسبة إلى ذى أصبح بطن من حمير وهو من العرب حلفه في قريش بنى تيم الله فهو مولى حلف لا مولى عتاقة، هذا الذى عليه الجمهور خلافا لابن إسحاق وقد رد عليه ذلك غير واحد. وهو إمام دار الهجرة وعالم المدينة وأحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعي التابعين لأنه أدرك عائشة بنت سعد بن أبى وقاص. قال ابن رشد: وقد قيل فيها: إنها صحابية والصحيح فيها أنها ليست صحابية لأن الكلاباذى ذكرها في التابعيات ولم يذكرها ابن عبد البرفى الصحابيات، قله في رسم الشجرة من سمتاع ابن القاسم من كتاب الطهارة. وجده أبو عامر من

[ 35 ]
الصحابة حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغازيه كلها إلا بدرا وجده ملك من كبار التابعين وهو أحر الأربعة الذين حملوا عثمان إلى قبره وغسلوه ودفنوه ليلا، وأبوه أنس كان فقيها وفضائله ومناقبه مشهوره دونت بها الدواوين، ومن أعظمها الحديث الذى أخرجه الحاكم عن أبى موسى الأشعري رضى الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة " وخرجه الترمذي عن أبى هريرة رضى الله عنه بلفظ " يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة ". وذكر في المدارك بروايات متعددة، ففى رواية " آباط الإبل " مكان " أكباد الإبل " وفي رواية " أفقه من عالم المدينة " وفي رواية " من عالم بالمدينة " وفى رواية " لا تنقضي الساعة حتى يضربب الناس أكباد الإبل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه " وقد تأوله الأئمة على مالك حتى إذا قيل: هذا قول عالم المدينة علم أنه المراد. وقال سفيان: كانوا يرونه مالكا. قال ابن فهد: يعنى سفيان بقوله: كانوا يرونه التابعين. قال الشافعي رضى الله عنه: إذا جاء الأثر فمالك النجم. وقال أيضا: إذا ذكر العلماء فمالك النجم وما أحد أمن على من مالك وجعلت مالكا حجة بينى وبين الله. وقال عبد الرحمن بن خهدى: ما بقى على وجه الأرض أحد آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مالك بن أنس. وقال يحيى بن سعيد ويحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث. وقال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبى: من أثبت أصحاب الزهري ؟ قال: مالك أثبت في كل شئ. وقال ابن متعين: كان مالك من حجج الله على خلقه. قال في مختصر المدارك قال أحمد بن حنبل: مالك أتبع من سفيان. وسئل عن الثوري ومالك إذا اختلفا أيهما أفقه ؟ قال: مالك أكبر في قلبى. قيل له: فمالك والأوزاعي ؟ قال: مالك أحب إلى وإن كان الأوزاعي من الأئمة. قيل: فمالك والليث ؟ قال مالك. قيل: فسما لك والحكم وحماد ؟ قال: مالك. قيل: فما لك والنخعي ؟ قال: ضعه مع أهل زمانه مالك سيد من سادات أهل العلم وهو إمام في الحديث والفقه ومن مثل مالك ؟ ! وقيل له: الرجل يريد يحفظ الحديث حديث من ترى يحفظ ؟ قال: حديث مالك فإنه حجة بينك وبين الله وقال: ورحم الله مالكا كان من الإسلام بمكان. قال: وسئل ابن المبارك: من أعلم أمالك أو أبو حنيفة ؟ قال: مالك أعلم من أستاذى أبى حنيفة وهو إمام في الحديث والسنة وما بقى على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مالك، ولا أقدم عليه أحدا في صحة الحديث ولم أر أحدا مثله، انتهى. وقال أبو عمر في أول التمهيد عن ابن مهدى: سئل من أعلم مالك أو أبو حنيفة ؟ قال: مالك أعلم من أستاذى أبى حنيفة يعنى حماد بن أبى سليمان، انتهى. وقال الجلال السيوطي في حاشية الموطأ: قال ابن مهدى: سفيان الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في

[ 36 ]
الحديث، ومالك إمام فيهما جميعا. وسئل ابن الصلاح في فتاويه عن معنى هذا الكلام فقال: السنة هنا ضد البدعد، فقد يكون الإنسان عالما با لحديث ولا يكون عا لما بالسنة، انتهى. وفي الديباج المذهب عن أحمد بن حنبل أنه سئل عمنيريد أن يكتب الحديث وينظر في الفقه، حديث من يكتب وفي رأى من ينظر ؟ قال: حديث مالك ورأى مالك. وذكر أبو نعيم في الحلية عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت مالك بن أنس يقول: ما أجبت في الفتيا حتى سألت من هو أعلم منى هل يرانى موضعا، لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت له: يا أبا عبد الله فلونهوك قال: كنت أنتهى، لا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه، انتهى. وقال في المدخل: قال القرافى: ما أفتى مالك رحمه الله حتى أجازه أربعون محنكا، ذكره دليلا على أن المزية يخرج بها من المكروه لإن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم امتازوا به دون غيرهم، وإلا فما كان لو صفهم بالتحنيك فائدة إذا الكل مجتمعون فيه، انتهى. وقال في المدونة: ولا ينبغى لطالب العلم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا للفتيا. قال الشافعي: قال لى محمد بن الحسن رضى الله عنهما: أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم. يعنى أبا حنيفة أو مالكا. فقال: قلت: أعلى الأنصاف ؟ قال: نعم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم ؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتقدمين صاحبنا أم صاحبكم ؟ قال: اللهم صاحبكم. قال الشافعي: قلت: فلم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شئ تقيس ؟ انتهى. وعن المثنى بن سعيد قال: سمعته يقول: مابت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكره أبو نعيم في الحلبة. وقال في مختصر المدارك: قال الشافعي: قالت لى عمتى ونحن بمكة: رأيت في هذه الليلة عجبا. قلت: وما هو ؟ قالت: ما هذا ؟ قالوا: الجنة. قلت: فما هذه الغرف ؟ قالوا: المالك لما ضبط على الناس دينهم، فلم أنتقصه بعد وكنت أكتب عنه. عن محمد بن رمح قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم فقلت: يارسول الله فقد اختلف علينا مالك والليث فأيهما أعلم ؟ فقال: مالك ورث وجدى قال أبو نعيم: معناه وارث

[ 37 ]
علمي، انتهى. وقال ابن رشد في المقدمات في كتاب السرقة، لما تكلم على مسألة اشتراك الجماعة في سرقة النصاب: فرحم الله مالك بن أنس فإنه كان أمير المؤمنين في الرأى والآثار وأعرف الناس بالقياس وذلك فضل الله يؤتبه من يشاء انتهى. وقال أبو بكر بن سعدون: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مسألة اختلف فيها مالك والليث فقال: رأى مالك هو الصواب. وحكى في الديباج عن المدارك عن الإمام مالك أنه قال: جالست ابن هرمز ثلاث عشرة سنة ويروى ست عشرة سنة في علم لم أبثه لأحد من الناس. ومذهبه رضى الله عنه مبنى على سد الذرائع واتقاء الشبهات فهو أبعد المذاهب عن الشبه. ونقل ابن سهل عن بعضهم أنه قال: كل من زاغ عن ملهب ملك فإنه ممن رين على قلبه وزين له سوء علمه، فقد رأيت في أقاويل الفقهاء ورأيت ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا فلم أر مذهبا أنقى ولا أبعد من الزيغ من مذهب مالك، وجل من يعتقد مذهبا من المذاهب فيهم الخارجي والرافضي إلا مذهب مالك، فما سمعت إن أحدا ممن يقلده قال بشئ من هذه البدع فا لا ستماك به نجاة إن شاء الله. قلت: وفي أول هذا الكلام بشاعة ظاهرة ولا يحل لمسلم أن يعتقد ما قاله، فإن الأئمة المجتهدين رضى الله عنهم على هدى من ربهم وكل من قلد واحدا منهم فهو على هدى من ربه، ولعل هذا القائل إنما تكلم على بلاد المغرب فإنه ليس عندهم إلا مذهب ملك وكل من خرج عنه عندهم فلا يكون إلا من الخوارج، وإنما نقلته لأنبه على ما فيه والله سبحانه يعصمنا من الزلل ويو فقنا في القول والعمل بمنه وكرمه. وأما ماكرمه. وأما ذكره آخرا أعنى قوله: (" فما سمعت أن أحدا ممن يقلده قال بشئ من هذه البدع " فهو كلام صحيح. قال السبكى في مفيد النعم ومبيد النقم: وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة يد واحدة كلهم على رأى أهل السنة والجماعة يدينون بطريقة شيخ السنة أبى الحسن الأشعري، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الا عتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم ير مالكى إلا أشعرى العقيدة. ثم قال في آخر كلامه يخاطب أهل المذاهب الأربعة: و أما بعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذى لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد، ولو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكا وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرؤوا منكم فيما تفعلون، انتهى. وقال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل ينقص مالكا فاعلم أنه مبتدع. قال أبو داود: وأخشى عليه من البدعة. وقال ابن مهدى: إذا رأيت الحجازى يحب ما لكا فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت أحدا يتناوله فاعلم أنه على خلاف ذلك. قال في الديباج: وكان ربيعة أذا جاء مالك يقول: جاء العاقل. واتفقوا على أنه كان أعقل أهل زمانه. وقال أحمد بن حنبل: قال مالك: ما كجالست سفيها

[ 38 ]
قط. وهذا أمر لم يسلم منه غيره ولا في فضائل العلماء أحل من هذا. وذكر يوما شيئا فقيل له: من حدثك بهذا ؟ فقال: إنا لم نجالس السفهاء. وقد عد القاضى عياض في المدارك بالترجيح مذهب مالك وبيان الحجة في وجوب تقليده، ورجح ذلك من طريق النقل والاعتبار فلينظر ذلك فيه. وذكر القاضى عبد الوهاب في آخر المعونة شيئا من ذلك. وقال ابن ناجى في شرح الرسالة: اختار الشيخ مذهب مالك لأنه إمام دار الهجرة وهو المعنى بالحديث وذكره ثم قال: ولأنه جمع بين شرفي الحديث والفقه، وغيره من أئمة الدين إما فقيه صرف كالشافعي وأبى حنيفة ليس لهما ذكر عند الصحيحين، وإما محدث صرف كأحمد وداود، انتهى. وهو مأخوذ من كلام القاضى عياض في المدارك. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: يكفى في أرجحيته كونه إمام دار الهجرة في خير القرون ومتبوع أهل المغرب الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة كما صح في الحديث وإن اختلفت روايته، وعصم الله مذهبه من أن يكون فيه ذو هوى موسوما بالإمامة، وجعله مقدما عند الكافة حتى إن كل ذى مذهب يختاره بعد مذهبه، وجعل رؤساء مذهبه حجة بعده في الحديث كالفقه قد خرج لهم البخاري وما ملأ كتابه إلا بهم فهم الحجة والأئمة الأربعة الأثبات الذين برزوا ولم يثبت ذلك لغيرهم وإن كان صالحا أمينا. ومن طالع مناقب الأئمة الأربعة عرف علو مرتبتهم ووجوب تقديمهم على غيرهم ولزوم الا قتداء بهم وترجح عنده أحدهم على ما يتعرف من مراتبهم، ويرى مع ذلك أن مالكا أعلاهم وأسناهم، ألا ترى أن الشافعي تلميذه، وأحمد تلميذ الشافعي ؟ ويرحم الله ابن الأثير حيث يقول: كفى مالكا شرفا أن الشافعي تلميذه وأحمد تلميذ الشافعي وكفى الشافعي شرفا أن مالكا شيخه. وأما أبو حنيفة فذكر غير واحد أنه لقى مالكا وأخذ عنه شيئا من الحديث فهو إذا شيخ الكل وإمام الأئمة وكلهم على هدى وتقى وعلم وورع وزهد انتهى. وقد ذكر الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه الذى سماه (تزيين الممالك بترجمة الإمام مالك): بلغني في هذه الأيام أبى حنيفة وأقدم وفاة كالزهري وربيعة وكلاهما من شيوخ مالك، فإذا روى عنه شيوخه فلا يبعد أن يروى عنه أبو حنيفة الذى هو من أقرانه. ورواية أبى حنيفة عن مالك ذكرها الدار قطني في كتابه، وابن حجر والبخاري في مسند أبى حنيفة، والخطيب البغدادي في كتاب الرواة عن مالك، وذكرها من المتأخرين الحافظ مغلطاى والشيخ سراج الدين البلقينى. وقال الزر كشى في نكته: صنف الدار قطني جزءا في الأحاديث التى رواها الإمام أبو حنيفة عن الإمام مالك قال: وقال الحنفية: أجل من روى عن مالك أبو حنيفة انتهى. وقد ذكر القاضى عياض أيضا في المدارك رواية الإمام مالك قال: وروى عنه الأئمة الأجلاء من شيوخه وغيرهم. فمن شيوخه من التابعين: محمد بن شهاب الزهري ومات قبل مالك بخمس وخمسين سنة،

[ 39 ]
وربيعة بن أبى عبد الرحمن ومات قبله بثلاث وأربعين سنة، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام ومن شيوخه من غير التابعين نافع بن أبى نعيم القارئ قرأ مالك عليه القرآن وروى هو عن مالك، وابن أبى ذئب وسليمان بن مهران الأعمش. ومن أقرانه: سفيان الثوري، والليث بن سعد المصرى، والأوزاعي، وحماد بن أبى سلمة، وسفيان بن عيينة، والإمام أبو حنيفة، وابنه حماد، وأبو يوسف القاضى صاحب أبى حنيفة. ومن طبقة بعد هؤلاء المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى المالكى، والإمام محمد بن إدريسى الشافعي، ومحمد بن الحسن صاحب أبى حنيقة، والوليد بن سملم، وغيرهم من مشاهير الرواة. نو عد القاضى رحمه الله منهم ألفا ونيفا قال: وتركنا كثيرا ممن لم يشتهر. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قال: ما أحد ممن نقلت عنه هذا العلم إلا اضطر إلى حتى سألني عن أمر دينه. قال أبو الحسن الدار قطني: لا نعلم أحدا تقدم أو تأخر، اجتمع له ما اجتمتع لمالك، وذلك أنه روى عنه رجلان حديث واحدا بين وفاتيهما نحو من مائة وثلاثين سنة: محمد بن شهاب الزهري شيخه توفى سنة خمس وعشرين ومائة، وأبو حذافة السهمى توفى بعد الخمسين والمائتين، رويا عنه حديث الفريعة بنت مالك في سكنى المعتدة، وتورعه وتثبته في الفتيا مشهور. وذكر أبو نعيم في الحلية عن ابن وهب قال: لو شئت أن أملأ ألواحى من قول مالك بن أنس لا أدرى فعلت. وعن عبد الرحمن بن مهدى قال: رأيت رجلا جاء إلى مالك بن أنس يسأله عن شئ أياما ما يجيبه. فقال: يا أبا عبد الله إنى أريد الخروج قال: فأطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال: ما شاء الله يا هذا. فقال: إنى إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير وليس أحسن مسألتك هذه. وقال ابن مهدى: سأل رجل مالكا عن مسألة فقال مالك: لا أحسنها. فقال الرجل: إن ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها فقال له مالك: فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم إنى قلت لك لا أحسنها. ولد رحمه الله بذى المروة موضع من مساجد تبوك على ثمانية برد من المدينة هكذا ذكر بعضهم. وقال القاضى عياض في أول المشارق: إنه مدنى الدار والمولد والنشأة ولا منافاة بينه وبين ما قبله لأن ذا المروة من أعمال المدينة. وولد رضى الله عنه سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ست وتسعين، وقيل: سنة سبع وتسعين، وقيل: سنة تسعين. ولا خلاف إنه مات سنة تسع وسبعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع وقبره به معروف وعليه قبة وإلى جانبه قبر لنافع. قال السخاوى: إما نافع القارى أو نافع مولى تابن عمر. وقال الواقدي رحمه الله: وكان رحمه الله طويلا جسيما عظيم الهامة أصلع أبيض الرأص واللحيد أبيض شديد البياض إلى الصفرة حسن الصورة أشم عظيم اللحية تامها تبلغ صدره ذات سعة وطول، وكان يأخذ آطار شاربه ولا يحلقه ويرى حلقه مثلة، وكان يترك له سبالين طويلين ويحتج بفتل عمر لشاربه إذا أهمه أمر. وقال مصعب بن الزبير: كان مالك من أحسن الناس وجها وأحلاهم عينا وأنقاهم بياضا وأتمهم طولا في جودة بدن. قال الواقدي رحمه الله: كان مالك رحمه الله يأتي

[ 40 ]
المسجد ويشهد الصلاة والجنتائز ويعود المرضى ويقضى الحقوق ويجيب الدعوة ثم ترك الجلوس في المسجد فكان يصلى وينصرف، ثم ترك عيادة المرضى وشهود الجناوز فكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا الجمعة ولا يأتي أحدا يعزيه ولا يقضى لهحقا، فاحتمل الناس له ذلك حتى مات، وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وقال في مختصر المدارك: ثم ترك عيادة المرضى وشهود الجنائز وكان أصحابها يأتون إليه فيعزيهم. ثم قال في آخر كلامه: فاحتمل الناس له كل ذلك وكانوا أرغب فيه وأشد تعظيما، فلما حضرته الوفاة سئل عن تخلفه عن المسجد. وكان تخلف عنه سبع سنين قبل موته. فقال: لولا أنى في آخر يوم من الدنيا وأوله من الآخرة ما أخبرتكم، بى سلس بول فكرهت أن آتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكرهت أن أذكر علتى فأشكو ربى. وقيل: كان اعتراه فتق من الضرب الذى ضربه فكانت الريح تخرج منه فقال: إنى أوذى المسجد والناس. واختلف فيمن ضربه وفي سبب ضربه، فالأشهر أن جعفر بن سليمان هو الذى ضربه في ولايته والأولى بالمدينة. وأما سببه فقيل: إن أبا جعفر نهاه عن حديث " ليس على مستكره طلاق " ثم دس إليه من سأله فحدث به على رؤوس الناس. وقيل: إن الذى نهاه هو جعفر بن سليمان. وقيل: إنه سعى به إلى جعفر. وقيل له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم بشئ. وقيل: إنه أفتى عند قيام محمد بن عبد الله العلوى بأن بيعة أبى جعفر لا تلزم لأنها على الإكراه، على هذا أكثر الرواة. وقال ابن بكير: إنما ضرب في تقديمه عثمان على على فقيل لابن بكير: خالفت أصحابك. فقال: أنا أعلم من أصحابي. والأشهر أن ذلك كان في خلافة أبى جعفر، وقيل: في أيام الرشيد، والأول أصح. واختلف في مقدار ضربه من ثلاثين إلى مائة ومدت يداه حتى انخلعت كتفه، وبقى بعد ذلك مطال اليدين لا يستطيع أن يرفعهما ولا أن يسوى رداءه. ولما حج المنصور أفاده من جعفر بن سليمان وأرسله ليقتص منه فقال: أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذاك الوقت لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل: حمل مغشيا عليه فلما أفاق ودخل الناس عليه قال: أشهد كم إنى جعلت ضاربي في حل، ثم قال في اليوم الثاني: قد تخوفت أن أموت أمس فألقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأستحي منه بأن يدخل بعض آله النار بسببي فما كان إلا مدة حتى غضب المنصور على ضاربه فضربه ونيل منه أمر شديد. وقال الداودى: سمعته يقول حين ضرب: اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون. وكان ضربه في سنة ست وأربعين ومائة، وقيل: سنة سبع وأربعين. قال مالك: ماكان على أشد يوم ضربت من شعر كان في صدري وكان في إزارى خرق ظهرت منه فخذي فجعلت بيدى أستجدى الإزار ولا أترك على شعرا. وكان يقول: ضربت فيما ضرب فيه محمد بن المنكدر وربيعة وابن المسيب. ويذكر قول عمر بن عبد العزيز: ما أغبط أحدا لم يصبه في هذا الأمر أذى. قال

[ 41 ]
الأبيانى: ما زال مالك بعد ذلك الضرب في رفعة من الناس وإعظام حتى كأنما كانت تلك الأسواط إلا حليا حلى به رحمه الله. وقال الجلال السيوطي في حاشية الموطأ في كتاب الجهاد: كتب عبد الله العمرى إلى مالك يخضه على الإنفراد والعمل وترك اجتماع له في الناس عليه في العلم، فكتب إليه مالك: إن مالله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، آخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لى من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلنا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم الله له والسلام اه‍. وفي مختصر المدارك قال: سأل رجل مالكا عن شئ من علم الباطن فغضب وقال: إن علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف الظاهر فإنه متى عرفه وعمل به فتح الله له علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح القلب وتنويره، ثم قال للرجل: عليك بالدين المحض وإياك وبنيات الطرق، وعليك بما تعرف واترك ما لا تعرف. وقال رضى الله عنه: طلب العلم حسن لمن رزق خيره، وهو قسم الله عز وجل، ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسى فالزمه. وقال: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في القولوب. وقال: شر العلم الغريب وخير العلم الطاهر الذى رواه الناس. وقال البن وهب: أد ما سمعت وحسبك ولا تحمل لأحد على ظهرك فإنه كان يقال: أخسر الناس من باع آخر ته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره. وقيل: ينبغى للرجل إذا خول علما وكنان رأسا يشار إليه با لأصابع أن يضع التراب على رأسه ويعتب نفسه إذا خلا بها ولا يفرح با لرئاسة فإنه إذا اضطجع في قبره وتوسد التراب ساءه ذلك كله. وقال: إن المسألة إذا سئل عنها الرجل فلم يجب واندفعت عنه فإنما نهى بلية صرفها الله عنه. وقال: من صدق في حديثه منع بعقله ولم يصبه ما يصيب الناس من الهرم والخرف. وقال: لا يصلح الرجل حتى يترك ما لا يعنيه ويشتغل بما يعنيه، فإذا فعل ذلك يوشك أن يفتح له قلبه. وقال: ما زهد أحد فيها إلا أنطقه الله بالحكمة. وقال: عليك بمجالسة من يزيد في عملك قوله، ويدعوك إلى الآخرة فعله، وإياك ومجالسة من يضلك قوله، ويدعوك إلى الدنيا فعله. وقال له رجل: أوصني، فقال: إذا هممت بأمر من طاعة الله فلا تحسبه فواقا حتى تمضيه فإنك لا تأمن الأحداث، وإذا هممت بغير ذلك فإن استطعت أن تعمل الحق واقرأ (والله لا يستحيى من الحق) (الأحزاب: 53) وطهر ثيابك ونقها من معاصي الله، وعليك بمعالى الأمور وكبارها واتق رذائلها وسفاسفها فإن الله يحب متعالى الأخلاق، وأكثر تلاوة القرآن واجتنهد في الخير واذهب حيث شئت وقال: كثرة الكلام تمج العالم وتذله وتنقصه، ومن عمل هذا ذهب بهاؤه ولا

[ 42 ]
يوجد ذلك إلا في النساء والصغار. وكان يقال: نعم الرجل فلان لولا أنه يتكلم كلام شهر في يوم. وقال: طلب الرزق في شبهة خير من الحاجة إلى الناس. وقال: أهوال الدنيا ثلاثة، ركوب البحر وركوب فرس عرى وتزوج حرة. وقال: من إذالة العلم أن تجيب كل من يسألك ولا تكن إماما بكل ما تسمع، ومن إذا لة العلم أن تنطبق به قبل أن تسأل عنه. وتآليفه رحمه الله كثيره منها: كتاب الموطأ الذى لم يسبق إلى مثله. قال ابن مهدى: ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من الموطأ، ولا أصح بعد القرآن منه. وقال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك، وما على الأرض أصح منه، وفي رواية " أفضل منه ". وقال أحمد بن حنبل: ما أحسنه لم تدين به. وقد أكثر الناس مدحه نثرا ونظما، واعتنى العلماء به به شرحا وكلاما على ما لرجال والأسانيد وغير ذبلك ك، ورواه عن مالك خلق كثير. ومن تآليعه رسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية. قال القاضى عياض: هي من أحل الكتب في هذا الباب وتدل على سعة علمه بهذا الشأن. ومنها كتابه في النجوم وحساب دوران الزمان ومنازل القمر، وهو كتاب حسن مفيد اعتمد عليه الناس في هذا الباب وجعلوه أصلا. ومنها رسالته في الأقضية كتب بها كتب بها إلى بعض القضاة عشرة أجزاء. ورسالته إلى ابن غسان في الفتوى وهى مشهورة، ورسالته إلى هارون الرشيد في الأدب والمواعظ. ومننها كتابه في التفسير لغريب القرآن، ومنها رسالته إلى الليث في إجماع أهل المدينة، ونسب له كتاب السر وأنكر والله أعلم. ومناقبه وفضائله وأحواله كثيرة وما ذكرناه منها قل من كثر وإنما أردنا التنبيه على ما لا بدمنه. فرع: التقليد هو الأحذ بقول الغير من غير متعرفة دليله، والذى عليه الجمهور أنه يجب على من ليس فيه أهلية الا جتهاد أن يقلد أحد الأئمة المجتهدين، سواء كان عالما أو ليس بعالم. وقيل: لا يقلد العلام وإن لم يكن مجتهدا لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل. فرع: قال القرافى في شرح المحصول: قال إمام الحرمين: أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب الصحابة رضى الله عنهم، لم يعتنوا بتهذيب المسائل والاجتهاد وإيضاح طرق النظر بخلاف من بعدهم. قال القرافى: ورأيت للشيخ تقى الدين بن الصلاح ما منعناه أن التقليد يتعين لهذه الأئمة الأربعة دون غيرهم، لأن مذاهبهم انتشرت وانبسطت حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها فإذا أطلقوا حكما في موضع وجد مكملا في موضع آخر، وأما غيرهم فتنقل عنه الفتاوى مجردة، فلعل لها مكملا أو مقيدا أو مخصصا، لو انضبط كلام قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة، بخلاف هؤلاء الأربعة. قال: وهذا توجيه حسن فيه متا ليس في كلام إمام الحرمين. ثم أورد عليه أنه يلزم عليه

[ 43 ]
عدم جواز نقل مذاهبهم لعدم اضباطها، فلعل ما ننقله عنهم لو جمعت شروطه صار موافقا لما نجعله مخالفا له. قال: ويمكن الجواب بأن أمر النقل خفيف بالنسبة إلى العمل فإنه قد يكون المقصود منه الا طلاع على وجوه الفقه والتنبيه على المدارك وعدم الوفاق فيوجب ذلك التوقف عن أمور والبحث عن أمور. وقال ابن برهان: تقليد الصحابة يتخرج تنمعلى جواز الانتقال في المذاهب، فمن منعه لأن مذاهب الصحابة لم تكثر فروعها حتى يمكن لمقلد الا كتفاء به طول عمره. انتهى باختصار وأكثر باللفظ. وذكر البرزلى أن ابن العربي سأل الغزالي عمن قلد الشافعي مثلا وكان مذهبه مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة، فهل له اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقتدوا با للذين من بعدى أبى بكر وعمر " فأجاب: أنه يجب عليه أن يظن بالشافعي أنه لم يخالف الصجابى إلا لدليل أقوى من مذهب الصحابي، وإن لم يظن هذا فقد نسب الشافعي للجهل بمقام الصحابي وهو محال، وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين مع العلم بفضلهم عليهم لكون المتقدمين سمعوا الأحاديث آحادا وتفرقوا في البلاد فا ختلفت فتاويهم وأقضيتهم في البلاد، وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا ولم يتفرغوا لجمع الأحاديث لا شتغالهم بالجهاد وتمهيد الدين، فلما أنهى فتاويهم الناس إلى تابعي التابعين وجدوا الإسلام مستقرا ممهدا فصرفوا هممهم إلى جمع الأحاديث، ونظروا بعد الإحاطة بجميع مدارك الأحكام ولم يخالفوا ما أفتى به الأول إلا لدليل أقوى منه، وهذا لم يسم في المذاهب بكريا ولا عمريا انتهى مختصرا. ثم ذكر الرزلى عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه سئل عمن صح عنده مذهب أبى بكر أو غيره من علماء الصحابة في شئ، فهل يعدل إلى غيره أم لا ؟ فأجاب بأنه إذا صح عن عصر الصحابة مذهب في حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل أوضح من دليله، ولا يجب على المجتهدين تقليد الصحابة في مسائل تالخلاف بل لا يحل ذلك في وضوح أدلتهم على أدلة الصحابد انتهى. وهذا مخالف لما تقدم، وهو أيضا مبنى على مذهبه من جواز الا نتقال من مذهب إلى مذهب كما سيأتي. ثم ذكر عن المزرى أنه سئل: هل يسوغ الأخذ بقول ابن المسيب إن المبتوتة تحل بالعقد ؟ فأجاب بأنى سئلت عن هذه المسألة حين وقعت لشخص قرأ على في شئ من الأصول وجاءني سؤال من قبل قاضى تونس وفقهائها فأكثرت النكير عليه وبالغت حتى أظن إنى سمحت لهم في عقوبته، وذكرت لهم أن هذا باب إن فتح حدث منه خروق من الديانات، وإنى رأيت من الدين الجازم والأمر الحاتم أن أنهى عن الخروج عن مذهب مالك وأصحابه حماية للذريعة، ولو ساغ هذا لقال رجل: أنا أبيع دينارا بدينارين مقلدا لما روى عن ابن عباس وآخر: إنى أتزوج من غير ولى ولا شهود مقلدا في الولى لأبى حنيفة، وفي الشهود لمالك، وبدانق مقلدا للشافعي، وهذا عظيم الموقع في الضرر. وهب أنى أبحث لهذا السائل أن يفعل في نفسه فنكاحة لا يخفى فهو أولى با لحسم من غيره، وقضاة بلده وفقهاؤهم

[ 44 ]
لا يأخذون بذلك بل يفسخونه، ولا تسمح أنفسهم بترك مذهب مالك ونالشافعى وأبى حنيفة لا تفاق الأمصار على تقليدهم انتهى. فرع: يجوز تقليد الميت على الصحيح وعليه عمل الناس ولو وجد مجتهد حى. ومنع الإمام الرازي تقليد الميت قال: لأنه لا بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الإجماع بعد موت المخالف قال: وتصنيف الكتب في المذاهب مع موت أربابها لا ستفادة طريق الا جتهاد من تصرفهم في الحوادث وكيفية بناء بعضها على بعض، ولمعرفة المتفق لعيه من المختلف به، وعورض بحجة الإجماع بعد موت المجمعين. وقيل: يجوز تقلبد الميت إن لم يوجد مجتهد حى هكذا ذكر، الخلاف غير واحد. وحمل بعضهم إطلاق المانعين على أن المراد إذا فقد مجتهد مماثل للميت أو أرجح، أما إذا فقد المجتهدون مطلقا فلا يترك الناس هملا. قلت: هذا الحمل متعين. ونقل البرزلى في أول كتابه عن الفهدى أنه قال: المشهور لا يجوز تقليد الميت، ولم يتعقبه بأنه خلاف ما عليه العمل ونحوه ما ذكر ابن ناجى في أول شرح الرسالة قال: أجمع أهل الأصول على منع تقليد الميت كما حكاه القرافى في شرح المحصول لكنه قال بعده: نص ابن طلحة في شرح الرسالة على أنه يجوز تقليد العالم مع وجود الأعلم وإن كان ميتا، لأن بموته أمن رجوعه عن قوله بخلاف الحى. قال التادلى: ونظار أهل الأعصار والأمصار اليوم على ذلك من غير تنازع، ولو سد هذا الباب لقلد من لا يستحق أن يقلد لا سيما وقد فسدت العقول وتبدلت وحثرت البدع وانتشرت فكان الرجوع إلى سلف المسلمين وأئمة الدين هو الواجب على المقلدين انتهى. وقال ابن عرفة في كتاب الأقضية عن كتاب الا ستغنا: انعقد الإجماع في زماننا على تقليد المجتهد الميت إذ لا مجتهد فيه انتهى. وقال الشيخ حلولو في شرح جمع الجوامع: ولا خفاء في ثبوت الإجماع في ذلك إذ لم ينقل عن أحد من أهل العلم بعد استقرار المذاهب المفتى بها إنكاره انتهى. فرع: قال القرافى في شرح المحصول: قال سيف الدين: إذا اتبع العامي مجتنهدا في حكم حادثة وعمل بقوله، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع في ذلك الحكم، واختلفوا في رجوعه إلى غيره في غير ذلك الحكم واتباع غيره فيه، فمنع وأجيز وهو الحق نظرا إلى إجماع الصحابة في تسويغهم للعامي الا ستفتاء لكل علم في مسألة، ولم ينقل عن السلف الحجر في ذلك على العامة ولو كان ذلك ممتنعا لما جاز للصحابة إهماله والسكوت عن الإنكار عليه، ولأن كل مسألة لها حكم نفسها فكما لم يتعين الأول للاتباع في المسألة الأولى وإلا بعد سؤاله، فكذلك في المسألة الأخرى. وأما إذا عين العامي مذهبا متعينا كمذهب الشافعي وأبى حنيفة وقال: أنا على مذهبه وملتزم له، ومنعه آخرون لأن التزامه ملزوم له كما لو التزمه في حكم حادثة معينة، والمختار التفصيل وهو أن كل مسألة من مذهب الأول. إن اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير

[ 45 ]
فيبها، وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره. وكتان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذكر في هذه المسألة إجماعين: أحدهما إجماع الصحتابة المتتقدم ذكره، والثانى إجماع الأمة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين بل هو مخير، فإذا قلد إماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الإجماع لا يدفع إلا بما هو مثله من القوة، انتهى كلام القرافى. وقال البرزلى: وأما الا نتقال من مذهب إمام إلى غيره ففى ذلك ثلاثة أقول: بالجواز والمنع والثالثة إن وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع انتنهى. " مبينا لما به الفتوى " أي موضحا لما به الفتوى أي للقول الذى يفتى به وهو صفة " مختصرا ". والفتوى بالفتح والضم والفتح لأهل المدينة قاله في المحكم وهو الجارى على القياس، والفتيا بالضم وكلها اسم لما أفتى به الفقيه، والإفتاء الإخبار عن حكم شرعى لا على وجنه الإلزام، قيل: ولا حاجة إلى القيد الأخير لأنه ذكر للا حتراز عن القضاء هو لم يدخل في الحد لأنه إنشاء والذى يفتى به هو المشهور والراجح ولا تجوز الفتوى ولا الحكم بغير المشهور ولا بغير الراجح. وذكر عن المازرى أنه بلغ رتبة الا جتهاد وما أفتى بغير المشهور. قال ابن فرحون في تبصرته: ولا يجوز التساهل في الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى وربما يكون التساهل بإسراعه وعدم تثبته. وقد يحمله على ذلك توهمه أن السرعة براعة والبطء عجز، ولأن يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يضل و يضل، وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحذورة ترخيصا على من يريد نفعه وتغليظا على من يريد ضرره. قال ابن الصلاح: ومن فعل ذلك هان عليه دينه. قال: وأما إذا صح قصد المفتى واحتسب في قصده حيلة ليخلص بها المستفتى من ورطة يمين فذلك حسن جميل. نو ذكر البرزلى في مسائل الوصايا عن ابن علوان أنه علم بعض الخصوم حيلا غلب بها قال: ولعله ظهر له أنهم على الحق، وإلا فهذا من تلقين الخصوم وهو جرحة في حق فاعليه. قال القرافى: وإذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل، فلا يفتى للعامة بالتشديد، والخواص وولاة الأمور بالتسهيل، وذلك قريب من الفسوق والخيانة ودليل على فراغ القاب من تعظيم الله تعالى، والحاكم كالمفتى في هذا. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته من المازرى: الذى يفتى في هذه الأزمان أقل مراتبه في نقل المذاهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب، وتأويل الشيوخ لها. وتو جهيهم لما وقع من الاختلاف فيها، وتشبيههم مسائل بمسائل يسبق إلى الذهن تباعد ها، وتفريقهم بين مسائل يقع في النفس تفاوتها إلى غير ذلك انتهى. وقال القرافى في الفراق الثامن والسبعين: لطالب العلم ثلاث حالات: الأولى: أن يحفظ كتابا فيه عمومات مخصصة في غيره ومطلقات مقيدة في غيره فهذا يحرم عليه أن يفتى بما فيه إلا في مسألة يقطع أنها مستوفيد القيود وتكون هي الواقعة بعينها. الثانية: أن يتسع اطلاعه بحيث يطلع على تفييد المطلقات وتخصيص العمومات لكنه لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته، فهذا يفتى بما يحفظه

[ 46 ]
وينقله ولا يخرج مسألة ليست منصوصة على متا يشبهها. الثالثة: أن يحيط بذلك أو بمدارك إمامه ومستنداتها وهذا يفتى بما يحفظه ويخرج ويقيس بشروط القياس ما لا يحفظه انتهى باختصار. تنبيه: إذا لم يجد الشخص نصا في المسألة في مذهب إمامه ولا وجد من له معرفة بمداركه، فالظاهر أنه يسأل عنها في مذهب الغير ويعمل عليه ولا يعمل بجهل، ويؤيد هذا ما قاله الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: ويستعمل سائر ما ينتفع به طيبا الحلال ضالة مفقودة فيجتهد الإنسان في المتفق عليه في المذهب، فإن لم يجد فالقوى من الخلاف، فإن لم يجد فينظر الخلاف خارج المذهب ولا يخرج عن أقاويل العلماء انتهى. وكذا ينبغى في كل مسألة والله أعلم. فرع: من أفتى رجلا فأتلف بفتواه مالا فإن كان مجتهدا فلا شئ عليه، وإلا فقال المازرى: يضمن ما تلف ويجب على الحاكم التغليظ عليه وإن أدبه فإهل إلا أن يكون تقدم له اشتغال بالعلم فيسقط عنه الأدب وينهى عن الفتوى أذا لم يكن أثلا. ونقل البرزلى عن ابن رشد في أوائل النكاح أنه لا ضمان عليه لأنه غرور بالقول إلا أن يتولى فعل ما أفتى به فيضمن. وذكر في أوائل كتابه عن الشعبى أنه يضمن قال: وهذا عندي في المفتى الذى يجب تقليده المنتصب لذلك، وأما غيره فكالغرور بالقول ويجرى على أحكامه فتحصل أن المفتى المنصب لذلك يضمن. ولعل ابن رشد لا يخالف فيه لأن هذا يحكم بفتواه فهو كالشاهد يرجع عن الشهادة، وأما غير المنتصب ففيه قولان لابن رشد والمازري والله أعلم. فرع: قال البرزلى: و أما الإجارة على الفتيا فنقل المازرى في شرح المدونة الإجماع على منعها، و كذلك القضاء لأنها من باب الرشوة، لكن لو أتى خصمان إلى قاض فأعطياه أجرا على الحكم بينهما، وأتى رجل للمفتي فأعطاه أجرا على فتوى، لم يتعلق بها خصومة ولم يتعين ذلك عليه لوجود من يقوم به. فقال الشيخ عبد الجميد: أي شئ يمنع من ذلك ولا يجسر على التصريح به. وقال اللخمى: يمنع من ذلك جملة. و على الأول يحمل ما يروى عن ابن علوان أحد فقهاء تونس ومفتييها أنه كان يقبل الهبة والهدية ويطلبها ممن يفتيه كما نقله ابن عرفة عنه. فرع: قال البرزلى عن طر ابن عات عن ابن عبد الغقور: ما أهدى للفقيه من غير حاجة فجائز له قبوله، وما أهدى له رجاء العون على خصومة أو في مسألة رجاء قضائها على خلاف المعمول به فلا يحل وهو رشوة. البرزلى: كأخذ فقهاء البادية الجعائل على رد المطلقة ثلاثا ونحوها من الرخص والله أعلم. ص: (فأجبت سؤالهم بعد الاستخارة مشيرا ب‍ " فيها "

[ 47 ]
للمدونة) ش: اعلم أن أصل المدونة سماع قاضى القيروان أسد بن الفرات عن عبد الرحمن ابن القاسم وهما معا من أصحاب مالك، وهو أول من عملها ورواها عنه وسأله عنها على أسئلة أهل العراق، وأجابه ابن القاسم بنص قول مالك مما سمع منه أو بلغه أو قاسه على قوله وأصله، فحملت عنه بالقيروان وكانت تسمى الأسدية وكتاب أسد ومسائل ابن القاسم وكتبها عنه سحنون كذا قال في التنبيهات. وقال في المدارك: منعها أسد من سحنون فتلطف به سحنون حتب وصلت إليه فرحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم فسمعها منه و أصلح فيها أشياء كثيرة رجع ابن القاسم عنها وجاء بها إلى القيروان، وهى في التأليف على متا كان عليه كتتاب أسد مختلطة الأبواب غير مرتبة المسائل ولا مرسومة التراجم. وكتب ابن القاسم إلى أسد أن يعرض كتابه عليها ويصلحه منها فأنف من ذلك فيقال: إن ابن القاسم دعا أن لا يبارك فيها فهى مرفوضة إلى اليوم. ثم إن سحنون نظر فيها نظرا آخر وبوبها وطرح منها مسائل وأضاف الشكل إلى شكله وهذبها ورتبها ترتيب التصانيف، واحتج لمسائلها بالآثار من من روايته من موطأ ابن وهب وغيره، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختاره، فعل ذلك بكتب منها وبعيت منها كتب على حالها مختلطة مات قبل أن ينظر فيها، فلأجل ذلك تسمى المدونة والمختلطة وهى التى تسمى بالأم. ثم إن الناس اختصروها فا ختصرها ابن أبى زيد وابن أبى زمنين وغيرهم، ثم أبو سعيد البراذعى ويسمى اختصاره بالتهذيب، واشتغل الناس به حتى صار كثير من الناس يطلقون المدونة عليه، واختصر ابن عطاء الله تهذيب الراذعى. والمدونة أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين وهى أصل المذهب وعمدته، وذكر القاضى عياض في المدارك في ترجمة أسد بن الفرات عن سحنون أنه كان يقول: عليكم بالمدونة فإنها كلام رجل صالح وروايته أفرغ الرجال فيها عقولهم وشرحوها وبينوها، وكان يقول: ما اعتكف رجل على المدونة ودراستها إلا عرف ذلك في ورعه وزهده، وما عداها أحد إلى غيرها إلا عرف ذلك فيه، وكان يقول: إنما المدونة من العلم بمنزلة أم القرآن من القرآن تجزئ في الصلاة عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها، كذا نقل عن سحنون في ترجمة أسد بن الفرات، ونقله في شرحه لا بن الحاجب والمصنف في التوضيح وكثير من أهل المذهب عن ابن رشد. ونقل أبو الحسن عن ابن يونس قال: يروى ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك وبعده مدونة سحنون انتهى. وذلك أنه تداولها أفكار أربعة من المجتهدين: مالك وابن القاسم وأسد وسحنون. وقول المصنف ب‍ " فيها " يريد بلفظه أحد جزأيها ضمير مؤنث غائب، إما ملفوظ به نحو " منها " و " مظهرها " أو مستترا نحو " رويت " و " حملت " و " قيدت "، وأعاد عليها ضمير الغائب وإن لم يتقدم لها ذكر لشهرتها عند أهل المذهب. واعلم أنه رحمه الله تارة يشير إلى الأم وتارة إلى التهذيب. قال البساطى: والظاهر أنه كان عنده أجزاء من الأم دون الكل، ثم إنه رحمه الله إنما يأتي بها غالبا لكون ما فيها مخالفا لما رجحه ولإشكال ما فيها.

[ 48 ]
ص: (وب‍ " أول " إلى اختلاف شارحيها في فهمها) ش: قال ابن غازى: أي بمادة " أول " ليندرج نحو تأويلان وتأويلات، وهذا النوع من الاختلاف إنما هو في جهات محمل لفظ الكتتاب وليس في أداء في الحمل على حكم من الأحكام فتعد أقوالا. واعلم أنه قد تكون التأويلات أقوالا في المسألة، واختلف شراح المدونة في فهمها على تلك الأقوال فكل فهمها على قول وننبه على ذلك في محله إن شاء الله. وقد يكون أحد التأويلات موافقا للمشهور فيقدمه المصنف ثم يعطف الثاني عليه. والتأويل إخراج اللفط على ظاهره وإطلاق المصنف التأويلات على ذلك وعلى بقاء اللفظ على ظاهره من باب التغليب ص: (وب‍ " الاختيار " للخمى لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لا ختياره هو في نفسه وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف وب‍ " الترجيح " لابن يونس كذلك وب‍ " الظهور " لابن رشد كذلك وب‍ " القول " للمازرى كذلك) ش: يعنى أنه يشير بمادة الاختيار لاختيار اللخمى لكن إن ذكر ذلك بصيغة الاسم نحو المختار والاختيار فذلك اختياره من خلاف لمن تقدمه، وإن ذكره بصيغة الفعل نحو اختار واختير فذلك اختياره في نفسه. ويشير بمادة الترجيح لابن يونس وإن كان بصيغة الاسم نحو الأرجح فلاختياره من خلاف تقدمه، وإن كان بصيغة الفعل نحو رجح مبنيا للفاعل والمفعول فذلك اختياره هو في نفسه وهو قليل. ويشير بمادة الظهور لاختيار ابن رشد وبالاسم هحو الأظهر والظاهر لاختياره من خلاف من تقدمه، وبالفعل نحو ظهر لاختياره في نفسه وهو قليل. ويشير بمادة القول للمازرى فبالاسم نحو القول لاختياره من خلاف سابق وهو قليل، لكونه مخالفا لما رجحه وتارة لكونه هو الراجح وذلك حيث لم يذكر غيره، وكذا يفعل في اختيار غيرهم المشار إليه بصحيح والأصح، واستحسن والله أعلم. قال ابن غازى: وإنما جعل الفعل لاختيار الشيوخ في أنفسهم والاسم الوصف لاختيارهم من الخلاف المنصوص، لأن الفعل يدل على الحدوث، والوصف يدل على الثبوت، وخصهم بالتعيين لكثرة تصرفهم في الاختيار. وبدأ باللخمى لأنه أجرؤهم ولذا خصه بمادة الاختيار على ذلك، وخص ابن يونس بالترجيح لأن أكثر اجتهاده في الميل مع بعض أقوال من سبقه وما يختار لنفسه قليل، وخص ابن رشد بالظهور لاعتماده كثيرا على ظاهر الروايات فيقول يأتي على رواية كذا وكذا وظاهر ما في سماع كذا وكذا، وخص المازرى بالقوق لأنه لما قويت عارضته في العلوم وتصرف فيها تصرف المجتهدين كان صاحب قول يعتمد عليه: إذا قالت حذام فصدقوها * فإن القول ما قالت حذام انتهى.

[ 49 ]
واللخمي: بالخاء المتعجمة هو الإمام أبو الحسن على بن محمد الربعي المتعروف باللخمى، وهو ابن بنت اللخمى القيرواني، نزل صفاقص، تفقه بابن محرز وأبى الفصل ابن بنت خلدون وأبى الطيب وأبى إسحاق التونسى والسيورى، وظهر في أيامه وطارت فتاويه. وكان فقيها فاضلا دينا متفننا ذا حظ من الأدب، وبقى بعد أصحابه فحاز رياسة إفريقية وتفقه به جماعة منهم الإمام أبو عبد الله المازرى وأبو الفضل النحوي والكلاعي وعبد الحميد الصفاقصى، وله تعليق كبير محاذيا للمدونة سماه التبصرة حسن مفيد. توفى رحمه الله سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بصفاقس وقبره بها معروف رحمة الله عليه. وابن يونس: هو الإمام إبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس تميمي صقلي، كان فقيها إماما عالما فرضيا، أخذ عن أبى الحسن الحصائرى وعتيق بن الفرضى وابن أبى العباس، وكان ملازما للجهاد موصوفا بالنجدة، وألف كتابا جامعا لمسائل المدونة وأضاف إليها غيرها من النوادر وغير ذلك، وعليه اعتمد طلبة العلم للمذاكرة. توفى رحمه الله في عشر بقين من ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وقيل: في ربيع الأخير، ويعبر عنه ابن عرفة بالصقلى. وابن رشد: هو الإمام محمد بن أحمد بن رشد يكنى بأبى الوليد، قرطبي فقيه وقته بأقطار الأندلسى والمغرب والمتعروف بصحة النظر وجودة التأليف ودقد الفقه، وكان إليه المغزع في المشكلات، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصانيف مقبولها، ألف كتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، وهو كتاب عظيم النفع جدا قال في أوله: من جمعه إلى كتابه المسمى بالمقدمات حصل على معرفة مالا يسع جهله من أصول الديانات، وعرف العلم من طريقه وأخذه من بابهو سبيله وأحكم رد الفرع إلى أصله وحصل في درجة من يجب تقليده في النوازل المعضلات ودخل في زمرة العلماء الذين أثنى الله عليهم في غير آية من كتابه ووعدهم بترفيع الدرجات. واختصر المبسوطة ولخص كتاب مشكل الآثار للطحاوي، وله أجزاء كثيرة في فنون مختلفة، وتفقه بأبى جعفر بن مرزوق ونظائره من فقهاء بلده، وكان صاحب الصلاة في مسجد الجامع وإليه كانت الرحلة للتفقه عن أقطار الأندلس، وأخذ عنه جماعة من العلماء منهم القاضى عياض، وكان القاضى أبو الوليد يصوم يوم الجمعة في الحضر والسفر. مات ليلة الأحد حادى عشر ذى القعدة سنة عشرين وخمسمائة ودفن بمقبرة العباس وصلى عليه ابنه أبو القاسم وكان الثناء عليه جميلا والتفجع عليه جليلا، ومولده سنة خمسين وأربعمائة. والمازري: هو الإمام أبو عبد الله محمد بن على بن عمر التميمي المازرى يعرف بالإمام، أصله من مازر. بفتح الزاى وكسرها. مدينة في جزيرة صقلية نزل المهدية أمام بلاد أفريقية

[ 50 ]
وما وراءها من المغرب وصار الإمام لقبا له. ويحكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله أحق ما يدعو ننى به فقال، له وسع الله صدرك للفتيا. وكان آخر المشتغلين بإفريقية بتحقيق العلم ورتبة الاجتهاد ودقة النظر، أخذ عن اللخمى وعبد الحميد السوسى المعروف بابن الصائغ وغيرهما، وكان يفرغ إليه في الفتوى في الطب كما يفزع إليه في الفتوى في الفقه. ويحكى أن سبب اشتغاله بالطب أنه مرض فكان يطببه يهدوى فقال له اليهودي: يا سيد مثلى يطبب مثلكم وأى قربة أجدها أتقرب بها في دينى مثل أن أفقد كم للمسلمين، فمن حينئذ اشتغل بالطب. وشرح التلقين للقاضى عبد الوهاب، وشرح كتاب مسلم، وشرح البرهان لأبى المعالى وألف غير ذلك. وممن أخذ عنه بالإجازة القاضى عياض. توفى سنة ست وثلاثين وخمسمائة وقد نيف على الثمانين، وليس هو صاحب الإرشاد المسمى بالمهاد بل ذلك إسكندرانى، وهذه التراجم من كلام ابن فرحون إلا قليلا، وعرف عياض بالأولين في المدارك وبالأخيرين في العتبية في ذكر مشايخه والله أعلم. ص: (وحيث قلت " فذلك للاختلاف في التشهير وحيث ذكرت قولين أو أقوالا فذلك لعدم اطلاع في الفرع على أرجحية منصوصة) ش: يعنى أن الشيوخ إذا اختلفوا في تشهير الأقوال يريد وتساوى المشهرون في الرتبة فإنه يذكر القولين المشهورين أو الأقولا المشهورة ويأتى بعدها بلفظة خلاف إشارة إلى ذلك، وسواء اختلافهم في الترجيح بلفظ التشهير أو بما يدل عليه كقولهم المذهب كذا أو الظاهر أو الراجح أو المفتى به كذا أو الذى عليه العمل أو نحو ذلك والله علم. وأما إن لم يتساو المشهرون في الرتبة فإنه يقتصر على ما شهره أعلمهم علم ذلك من استقراء كلامه قبل ووجد بخطه في حاشيته. قال ابن الفرات في شرحه: فابن رشد تشهيره مقدم على تشهير ابن بزيزة، وابن رشد والمازري وعبد الوهاب متساوون. ثم ذكر أنه إذا لم يطلع في الفرع على أرجحية منصوصة لغيره من تشهير أو تصويب أو اختيار ذكر القولين أو الأقوال إلا أن يكون أحد الأقوال ضعيفا جدا فيتر كه ويذكر ما سواه من الأقوال المتساوية. هذا هو الأكثر في كلامه وقد يقع فيه شئ على خلاف ما ذكر وننبه عليه. إن شاء الله. وعلى ترجيح بعض الأقوال التى ذكرها من غير ترجيح. واحترز بقوله " منصوصة " مما إذا ظهر له ترجيح أحد الأقوال التى ولم يرد ذلك منصوصا فإنه لا يرجح ما ظهر له تورعا منه رحمه الله لئلا يلتبس بما رجحه غيره، ولضيق هذا المختصر عن أن يجعل فيه ما يدل على ترجيحه بخصوصه بخلاف التوضيح فإنه يشير فيه إلى ما ظهر له بالخاء. تنبيه: قال ابن غازى: ويجمل المستفتى على معين من الأقوال المتساوية جرى العمل، وقد ذكر اللخمى في ذلك قولين في باب صلاة السفبر فقال: وإذا كان في البلد فقهاء كثير كل يرى غير رأى صاحبه وكلهم أهل للفتوى جاز للعامي أن يقلد أيهم أحب، وإن كان عالم

[ 51 ]
وناحد فترجحت عنده الأقوال جرت على قولين: أحدهما إن له أن يحمل المستفتى على أيهما أحب، والثانى أنه في ذلك كالناقل يخبره بالقائلين وهو يقلد أيهم أحب كما لو كانوا أحياء انتهى. وهذا إذا لم يكن فيه أهل للترجيح وإلا فليرجح أحد الأقوال. وذكر القرافى في كتاب الأحكام أن للحاكم أن يحكم بإحد القولين المتساويين بعد عجزه عن الترجيح. وذكر ابن فرحون في تبصرته عن ابن من لم يكن فيه أهلية للترجيح إذا وجد اختلافا بين أئمة المذهب في الترجيح فليفزع إلى صفاتهم الموجبة بزيادة الثقة بآرائهم، فالأعلم الورع مقدم على الأورع العالم، وكذا إذا لم يجد عن أحد من أئمة المذهب اعتبر صفة القائلين أو الناقلين. قال ابن فرحون 6 وهذا الحكم جار في أصحاب المذاهب الأربعة ومقلديهم. وذكر ابن الفرات أن عمل الشيوخ جرى على أن المتفتى يحكى القولين أو الأقول، وكذا ذكر الجزولى في آخر شرح الرسالة وهو خلاف ما ذكره ابن غازى أنه جرى به العمل ويبتغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال المستفتين ومن لديه منهم معرفة ومن ليس كذلك والله أعلم ص: (واعتبر من المفاهيم مفهوم الشرط فقط) ش: المفاهيم جمع مفهوم والمفهوم مخالفة. فمفهوم الموافقة أن يكون حكم المفهوم موافقا لحكم المنطوق وهو قسمان: فحوى الخطاب ولحن الخطاب، ففحوى الخطاب أن يكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق كتحريم ضرب الوالدين الدال عليه نطرا للمعنى قوله تعالى (لا تقل لهما أف) (الإسراء: 23)، فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق لأن الضرب أشد منه في الإذاية والعقوق، ولحن الخطاب أن يكون المفهوم مساويا لحكم المنطوق كتحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظر ا للمعنى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) (النساء: 10) فإن الإحراق مساو للأكل في إتلافه على اليتيم ومفهوم المخالفة أن يكون حكم المفهوم مخالفا لحكم المنطوق وهو عشرة أنواع كما قاله القرافى: مفهوم الصفة نحو " في الغنم السائمة الزكاة "، ومفهوم العلة نحو: اعط السائل للحاجة، ومفهوم الشرط نحو: من تطهر صحت صلاته، ومفهوم الاستثناء نحو: قام القوم إلا زيدا، ومتفهنم الغاية نحو (أتموا الصيام في الليل) (البقرة: 187)، ومفهوم الحصر نحو (إنما إليهكم الله) (طه: 98)، ومفهوم الزمان نحو: سافرت يوم الجمعة، ومفهوم المكان نحو: جلست أمام زيد، ومفهوم العدد نحو (فاجلد وهم ثمانين جلدة) (النور: 4) ومفهوم اللقب وهو تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات نحو: في الغنم الزكاة، وهى حجة عند مالك وجماعة من العلماء إلا مقهوم اللقب فقال به الدقاق وابن خويز منداد وبعض الحنابلة وجمعها ابن غزى رحمه الله في بيت فقال: صف واشترط علل ولقب ثنيا * وعد ظرفين وحصرا أغيا

[ 52 ]
وقوله: ثنيا يعنى به الا ستثناء، وقوله: أغيا أي غاية قال: وإنما خص مفهوم الشرط لأنه أقواها إذ يقول به بعض من لا يقول بغيره إلا الغاية لإنه يقول به بعض من لا يقول بمفهوم الشرط إلا إنه قليل لا يتأتى معه اختصار فلذلك تركه انتهى. بل جعل بعضهم الغاية من المنطوق وفي رتبة الغاية مفهوم الحصر، وقيل فيه: إنه منطوق ثم قال: وأما مفهوم الموافقة فمتفق عليه وهو معتبر عنده كقوله في باب الحجر، وللولي رد تصرف مميز إذ غير المميز أحرى من مفهوم الشرط فكأنه اعتبره في نفس ما نحن بصدده انتهى. يعنى فكأنه يقول: إذا اعتبرت مفهوم الشرط فأحرى مفهوم الموافقة وعلى قياس ما قاله ابن غازى في مفهوم الموافقة. فقال في مفهوم الغاية والحصر: إنما معتبران لأنهما أعلى من مفهوم الشرط، وكل من قال بالشرط قال بهما والخلاف فيهما أضعف من الخلاف في غيرهما فكأنه قال: اعتبر مفهوم الشرط وما هو أعلى منه. ومن تتبع كلام المصنف ظهر له أنه يعتبر هذا من المفهومين لزوما، فمفهوم الغاية كقوله " والمبتوتة حتى يولج بالغ "، وكقوله: " في الحجر المجنون محجور للإفاقة " وكقوله: " إلى حفظ مال ذى الأب "، ومفهوم الحصر كقوله: " إنما يجب القسم للزوجات في المبيت " لأن مراده حصر القسم في الزوجات، وكقوله فيه في باب الحجر: " وإنما يحكم في الرشد وضده "، وكقوله فيه: " المقاة إنما يباع عقاره لحاجة، ثم قال: ومن البين لا بد أن يستثنى مما ذكره مفهوم الوصف الكائن في التعريفات فإنها فصول أو خواص يؤتى بها للإدخال والإخراج. وفي بعض الحواشى وأظنها مما قيد عن الشيخ محمد بن الفتوح يعتبر مفهوم الشرط لزوما، ويتعبر غيره من المفاهيم جوازا، ويظهر ذلك بتأمل كلامه وقبله شيخنا أبو عبد الله القورى انتهى. وماقله عن ابن الفتوح ذكره البساطى. ثم قات: وإنم ا يحتاج لهذا فيما وصفه بصفة ولم يصرح بحكم ملا من تلك الصفة. وههنا وجه إذا تم وسلم كان رقيق الحواشى وهو أن يكون أراد باعتبار مفهوم الشرط دون غيره تنزيله منزلة المنصوص فتنصرف إليه القيود والمفهومات ونحوها انصرافها للمنطوقات الملفوظ بها، وإذا حمل على هذا انحل به معضلات كثيرة في كلامه كقوله في الجهاد: " وفرار إن بلغ المسلمون النصف ولم يبلغوا اثنى عشر ألفا "، وقد تكلمنا على بعضها في محالها انتهى. وقد يصرح المصنف بمفهوم الشرط إما لقيود يذكرها أو لفروع يعطفها أو يشبهها أو غير ذلك مما سيأتي التنبيه على شئ منه إن شاء الله. ص: (وأشير ب‍ " صحح " أو " استحسن " إلى أن شيخا غير الذين قدمتهم صحح هذا أو استظهره) ش: قال ابن غازى: أي أشير إلى غير الأربعة المذكورين بلفظ صحح أو استحسن مبنيين للمفعول لقصد عدم التبيين ولذا نكر " شيخا "، والأقرب إلى التحقيق أن التصحيح فيما يصححه الشيخ من كلام غيره والاستحسان

[ 53 ]
فيما يراه مع احتمال الشمول فيها، وقد يعبر بالوصف كالأصح ولمصحح والأحسن ص: (وبالتردد لتردد المأخرين في النقل أو لعدم نص المتقدمين) ش: يعنى أنه يشير بالتردد لأمرين: أحدهما تردد المأخرى في النقل عن المتقدمين، والثانى تردد المتأخرين لعدم نص المتقدمين. فقوله: " أو لعدم نص المتقدمين " معطوف على قوله " في النقل " ولا يصح عطفه على قوله " لتردد المتأخرى " لأنه يقتضى أنه يشير بالتردد لعدم نص المتقدمين وإن لم يحصل من المتأخرين تردد وليس كذلك لفقد معنى التردد الذى هو التحير إذا لا تحير مع تحرير المتأخرين المقتدى بهم ولا سيما أمثال من تقدم. وتردد المتأخرين في النقل هو اختلافهم في العزو للمذهب المسمى بالضلاق. وقال في التوضيح: الطريقة عبارة عن شيخ أو شيوخ يرون المذهب كله على ما نقلوه، فالطرق عبارة عن اختلاف الشيوخ في كيفية نقل المذهب، والأولى الجمع بين الطرق ما أمكن، والطريق التى فيها زيادة راجحة على غيرها لأن الجميع ثقات وحاصل دعوى النافي شهادة على نفى انتهى. ولم يذكر المصنف علامة يميز بها بين الترددين إلا أن الثاني أقل ويأتى إن شاء الله التنبيه على ذلك فيما لم ينبه عليه الشارح، وقد ذكر ابن غازى بعض ما تقدم. قلت: وقد يقع التردد بين كلام المصنف بخلاف ما ذكر كما في قوله في آخر كتاب الأقضية: " وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد "، وفي قوله في كتاب الشهادات. " وإن شهد ثانيا ففى الاكتفاء بالتزكية الأولى تردد " فإن التردد في ذلك ليس من القسمين المذكورين، وإنما هو لكثرة الخلاف في المسألتين والله أعلم. فرع: سئل ابن عرفة هل يجوز أن يقال في طريق من الطرق: هذا مذهب مالك ؟ فأجاب بأن من له متعرفة بقواعد المذهب ومشهور أقواله والترجيح والقياس يجوز له ذلك بعد بذل وسعه في تذكره في قواعد المذهب، ومن لم يكن كذلك لا يجوز له ذلك إلا أن يعزوه إلى من قاله قبله كالمازرى وابن رشد وغيرهم، نقل ذلك عنه البرزلى في أوائل كتابه ص: (وب‍ " لو " إلى خلاف مذهبي) ش: قال ابن غنازى: يريد أنه يشير ب‍ " لو " الإغيائية المقرونة بواو النكاية المكتفى عن جوابها بما قبلها إلى خلاف منصوب لمذهب مالك، وشاهد الاستقراء يقضى بصحته وإن لم يثبت في بعض النسخ ولكن لا يشير بها إلا إلى خلاف قولى، ولا يطرد ذلك في " وإن " مع أنه كثير في كلامه انتهى. وانطر معنى قوله: واو النكاية ومقتضى كلامه أن قوله: " خلاف " منون وقوله: مذهبي " ياء المتكلم، و " خلاف " غير منون أن يشير ب‍ " لو " إلى غير مذهب مالك ولم أقف عليه في شئ من النسخ كذالك، وهذا إنما قيل في أن الإغيائية المكتفى عن جوابها بما قبلها أنه يشير بها إلى خلاف خارج المذهب والله أعلم. تكميل في بيان أمور يحتاج إليها: منها ما يتعلق بكلام المصنف، ومنها ما يقع في كلام

[ 54 ]
شراحه وغيرهم من أهل المذهب. قال ابن غازى: من قاعدته أنه لا يمثل لشئ إلا لنكتة من رفع إيهام أو تحذير من هفوة أو إشارة لخلاف أو تعيين لمشهور أو تنبيه بالأدنى على الأعلى أو عكسه أو محاذاة نص كتاب أو غير ذلك مما سيطهر لمن فتح الله عليه في كلامه. ومن قاعدته إنه إذا جمع نظائر وكان في بعضها تفصيل أقره وقيده بأحد طرفي التفصيل، ثم يتخلص منه لطرفه الآخر مع ما يناسبه من الفروع فيحسن تخلصه ويأخذ بعضه بحجزه بعض. ومن قاعدته غالبا أنه إذا جمع مسائل مشتركة في الحكم والشرط نسقها بالواو فإذا جاء بعدها بقيد علمنا أنه منطبق على الجميع، وإن كان القيد مختصا ببعضها أذخل عليه كاف التشبيه، فإذا جاء بالقيد علمنا أنه لما بعد الكاف انتهى. واعلم أنه رحمه الله قد يذكر المسألة في غير فصلها ليجمعها مع نظائرها بل قد يكررها لذلك كقوله في فصل السهو: " وتمادى المأموم وإن لم يقدر على الترك كتكبيره للركوع بلا نية إحرام، وذكر فائتة ليجمع بين النطائر المسماة بمساجين الإمام وإو كان قد ذكر كلا من المسألتين الآتيتين في بابها. وقد يذكر المسألة مفصلة في بابها ثم يذكرها مع نطائرها مجملة اعتمادا على ما فصله كقوله في فصل الخيار: " وبشرط نقد كغائب " فإنه قد قدم حكم النقد في الغائب مفصلا ثم ذكره هنا محملا، بل ذكر ابن غازى في ذلك المحل أنه قد يذكر في النطائر ما هو خلاف المشهور. ومن قاعدته هو وغيره من المتأخرى أنهم إذا أسندوا الفعل إلى ضمير الفاعل الغائب ولم يتقدم له ذكر كقوله: " قال " و " كره " و " منع " و " رخص " و " أجاز " و " لم يمنع " ونحو ذلك، فهو را جع إلى مالك للعلم به. ومن عادته وكثير من أهل المذهب أن يستعملوا لفظ الندب في الاستحباب وإن كان في مصطلح الأصوليين شاملا للسنة والمستحب والنافلة، والتفريق بين هذه شائع في اصطلاح أهل المذهب. ووقع في كلام ابن رشد في المقدمات والمازري وابن بشير وغيرهم من المتأخرين تقسيمها إلى ثلاث مراتب وإن اختلفوا في التعبير عن بعضها، ولا خلاف فيما علمت أن أعلاها يسمى سنة. وسمى ابن رشد الثاني: رغائب، والثالث: نوافل وسمى المازرى الثاني: يسمى مستحبا، وزاد قسما رابعا مختلفا فيه وستقف على كلامهم مختصرا. قال المازرى: فسموا كل ما علا قدره في الشرع من المندوبات وأكد الشرع أمره وحض عليه وأشهره سنة كالعيدين والاستسقاء، وسموا كل ما كان في الطرف الآخر من هذا نافلة، وما توسط بين هذين الطرفين فضيلة ونحوه لابن راشد. وقال ابن رشد: السنة ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعله ولم يقترن به ما يدل على الوجوب أو داوام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعله بغير صفة النوافل، والرغائب ما داوم على فعله بصفة النوافل أو رغب فيه بقوله: " من فعل كذا فله كذا، والنواف ما قرر الشرع أن في فعله ثوابا من غير أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به أو يرغب فيه أو يداوم على فعله. وقال ابن بشير: ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مظهرا له فهو سنة بلا خلاف، وما نبه عليه وأجمله في أفعال الخير فهو مستحب، وما واطب على فعله في إكثر الأوقات وتركه في بعضها فهو فضيلة ويسمى رغيبة،

[ 55 ]
وما واظب على فعله غير مطهر له ففيه قولان: أحدهما تسميته سنة التفاتا إلى المواطبة، والثانى تسميته فضيلة التفاتا إلى ترك إطهاره كر كعتى الفجر. والظاهر من كلام المصنف أنه يطلق المستحب والفضيلة على مافى المرتبة الثانية، ويقسم السنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة والله أعلم، ومن عادتهم أيضا أن يستعملوا لفظ الجواز ويريدون به المباح. وقال القرافى في شرح التنقيح: الجواز يطلق بتفسيرين: أحدهما جواز الإقدم كيف كان حتى يندرج تحته الوجوب، وثانيهما استواء الطرفين فهو المباح في اصطلاح المتأخرين. واعلم أن الفرض والواجب مترادفان عند أهل المذهب إلا ما سيأتي في التنبيه عليه إن شاء الله في باب الحج. قال في الذخيرة في كتاب اللقطة: والواجب له معنيان: ما يأثم بتركه وهذا هو المعنى المشهور، الثاني ما يتوقف عليه الشئ وإن لم يأثم بتركه كقولنا: " الوضوء واجب في صلاة التطوع ونحوه "، للو ترك المتطوع ذلك وترك التطوع لم يأثم وإنما معناه أن الصلاة تتوقف صحتها على الطهارة وستر العورة والله أعلم. وقاعدة المصنف وغيره غالبا أن المراد بالروايات أقوال مالك، وأن المراد بالأقوال أقوال أصحابه ومن بعدهم من المتأخرين كابن رشد والمازري ونحوهم، وقد يقع بخلاف ذلك والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب، وبالإحماع إجماع العلماء. والمراد بالفقهاء السبعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بين مسعود، و سليمان بن يسار، واختلف في السابع فقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله، وقيل أبو بكربن عبد الرحمن، ونظمهم بعض الشعراء فقال: ألا كل من لا يقتدى بأئمة * فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم * سعيد إبو بكر سليمان خارجه فمشى على القول الثالث. والمدنيون يشار بهم إلى ابن كنانة وابن الماجشون ومطرف وابن نافع وابن مسلمة ونظرائهم، والمصريون يشار بهم إلى القاضى إسماعيل والقاضى أبى الحسين بن القصار وابن الجلاب والقاضى عبد الوهاب والقاضى أبى أبى الفرج والشيخ أبى بكر الأبهري ونظرائهم، والمغاربة يشاربهم إلى الشيخ ابن ابى زيد وابن القابسى وابن اللباد والباجى واللخمي وابن محرز وابن عبد البر وابن رشد وابن العربي والقاضى سند والمخزومي وهو المتغيرد بن عبد الرحمن المخزومى من أصحاب مالك، وروى عنه البخاري وذكره في المدارك في أول الطبقة الأولى من أصحاب مالك، وابن شبلون هو أبو موسى بن شاس ذكره عياض في الطبقة السادسة من المدارك، وابن شعبان وهو صاحب الزاهي وهو ابن القرطى بضم القاف وسكون الراء وبعد الراء طاء مهملة مكسورة ثم ياء النسب.

[ 56 ]
فائدة: قال الشيخ زروق في شرح الرسالد: فيمضمض فاه سمتعت بعض شيوخنا يقول: إذا قال أصل الخلاف كبير الجمهور فإنما يعنون به مالكا والشافعي وأحمد وأبا حنيفة انتهى. فائدة أخرى: منه أيضا في شرح قول الرسالة والماء أطهر وأطيب قال: حذروا أي الشيوخ من إجماعات ابن عبد البر واتفاقات ابن رشد وخلافيات الباجى فإنه يحكى الخلاف فيما قال اللخمى يختلف فيه انتهى. وكثيرا ما يقول اللخمى يختلف في كذا ويكون مقابل المنصوص في المسألة تخريج إو اختيار منه والله أعلم. فائدة أخرى: منه قال في أول الشرح المذكور، لما ذكر شروح الرسالة: وأما الجزولى وابن عمر ومن في معنا هما فليس ما ينسب إليهم بتأليف، وإنما هو تقييد قيده الطلبة زمن إقرائه فهو يهدى ولا يعتمد. وقد سمعت أن بعض الشيوخ أفتى بأن من أفتى من التقاييد يؤدب انتهى. ويريد. والله أعلم. فيما إذا ذكرا نقلا يخالف نصوص المذهب وقواعده فلا يعتمد عليهما والله أعلم. فائدة: قال الجزولى في شرح قول الرسالة: وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين أن ينبغى من ألفاط الاستحباب ونحوه لابن غازى في نظم نظائر الرسالة، وقاله غيره. ولابن عبد السلام في شرح ابن الجاجب في كتاب الأقضية في تأديب شاهد الزور إذا باب ما يقتضى خلاف ذلك فانظره. فائدة: قال ابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام أن لا بأس من ألفاظ الإباحة وأنه إنما يقال لا بأس فيما كان فعله مباحا والله أعلم. فائدة: نقيض المندوب بالمعنى الأعم الشامل للسنة والمستحب والنافلة مرجوح مطلوب الترك وإلا لم يكن ما ذكر مطلوبا إذا لا يتصور إن يكون الشئ مطلوبا ونقيضه مستوى الطرفين. واختلف الفقهاء في التعبير عن ذلك، فمنهم من يعبر بالكراهة عن جميع ذلك وهم الأكثر وهو الظاهر لصدق حد المكروه عليه وهو ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله. غاية الأمر أن الكراهة تتفاوت على قدر تفاوت الطلب، ويحمل ما يقع في عبابرة المصنف وغيره من نفى الكراهة في بعض صور ما ذكر على نفى الكراهة الشديدة لا مطلق الكراهة لما تقدم. قا لفى الطراز في أثناء الكلام على الماء المستعمل: وترك الأحسن من غير عذد مكروه. و منهم من يفصل فيجعل نقيض ما تأكد طلبه مكروها، ونقيض ما لم يتأكد طلبه خلاف الأولى، وهو اصطلاح لبعض المتأخرين كابن الفاكهانى وغيره، وإذا علم المراد فلا مشاحة في الاصطلاح. ولبعض المتأخرين من الشافعية التفصيل أيضا لكن بمعنى آخر، وهو أن ما طلب تركه بنهي مخصوص فهو مكروه، وما طلب تركه بنهي غير مخصوص وهو النهى عن ترك المندوبات فخلاف الأولى.

[ 57 ]
فائدة: في تفسير اصطلاح العتبى وابن رشد في البيان وقوله في رسم القبلة مثلا ورسم حبل الحبلة ورسم سلف ونجو ذلك، وذلك أن العتبى رحمه الله لما جمع الأسمعة سماع ابن القاسم عن مالك وسماع أشهب وابن نافع عن مالك وسماع عيسى بن دينار وغيره من ابن القاسم كيحيى بن يحيى وسحنون وموسى بن معاوية وزونان ومحمد بن خالد وأصبغ وأبى زيد وغيرهم، جمع كل سماع في دفاتر وأجزاء على حدة، ثم جعل لكل دفتر ترجمة يعرف بها وهى أول ذلك الدفتر. فدفتر إوله الكلام على القبلة وآخر أوله حبل الحبلة وآخر أوله جاع فباع امرأته وآخر أخذ يشرب خمرا ونجو ذلك فيجعل تلك المسألة التى في أوله لقبا له، وفي كل دفتر من هذه الدفاتر مسائل مختلطة من أبواب الفقه، فلما رتب العتبية على أبواب الفقه جمع في كل كتاب من كتب الفقه ما في هذه الدفاتر من المسائل المتعلقة بذلك الكتاب، فلما تكلم على كتاب الطهارة مثلا جمع ما عنده من مسائل الطهارة كلها ويبدأ من ذلك بما كان في سماع ابن القاسم، ثم بما كان في سماع أشهب وابن نافع، ثم بما في سماع عيسى بن دينار، ثم بما في سماع يحيى بن يحيى، ثم بما في سماع سحنون، ثم بما في سماع موسى بن معاوية، ثم بما في سماع محمد بن خالد، ثم بما في سماع زونان وهو عبد الملك بن الحسن، ثم في سماع محمد بن أصبغ، ثم بما في سماع أبى زيد، فإذا لم يجد في سماع أحد منهم مسألة تتعلق بذلك الكتاب أسقط ذلك السماع، وقد تقدم أن كل سماع من هذه الأسمعة في أجزاء ودفاتر فإذا نقل مسألد من دفتر عين ذلك الدفتر الذى نقلها مه ليعلم من أي دفتر نقلها إذا أراد مراجعتها واطلاعه عليها في محلها فيقصد الدفتر المحال عليه ويعلمه بترجمته نقلته من خط سيدى الشيخ عمر البساطى قال: نقلته من خط الشيخ محمد بن أحمد التكرورى قال: نقلته من خط بعض كبار العلماء مكتوبا أثره نقلته من خط من قال هكذا، سمعت هذا التفسير من شيخنا القلشانى ناقلا له عن شيخه عيسى الغبرينى رحمه الله، وكنت أسمع من والدى قريبا منه ويقول: فتكون الأسمعة كالأبواب للكتاب والرسوم التى هي التراجم بمنزلة الفصول للأبواب وأقرب إلى العز وإلى الكشف ما عين فيه الرسم وفي أي سماع هو من أي كتاب والله أعلم. ص: (والله أسأل أن ينفع به من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شئ منه والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والعمل) ش: قدم الاسم الكريم لأن تقدم المقمول يفيد الاختصاص والحصر أن لا أسأل إلا الله، وكرر الاسم الكريم والسؤال ثانيا تلذذا بذكره ورغبة في إجابة دعائه، وأتب به بلفظ الخبر تنزيلا له منزلة الواقع لغلبة الطن بإجابته. والعصمة بكسر العين المهملة المنع والحفظ. وقال الأبى: العصمة عدم خلق القدرة على المعصية، ويجوز الدعاء بها مقيدة انتهى. فلذلك قال المصنف: " من الزلل " بفتح الزاى واللام

[ 58 ]
الخطأ. والتوفيق التيسير للخير، وعند المتكلمين خلق القدرة على الطاعة، وضده الخذ لان وهو خلق القدرة على المعصية. ص: (ثم أعتذر لذوى الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب) ش: يقول رحمه الله: أبدى عذرى وأظهره لأصحاب العقول الصحيحة والأفهام السليمة من التقصير الذى وقع منى في هذا الكتاب فإنه أمر عطيم وخطب جسيم لا يقدر على مثله إلا بإمداد إلهى وتوفيق ربانى فيغتفرون لى ما لعله يوجد فيه من الهفوات لما فتح الله به فيه من الفروع الغربية والمسائل المهمات، فإن الحسنات يذهبن السيئات. ص: (وأسأل بلسان التضرع والخشوع وخطاب التذلل والخضوع أن ينظر بعين الرضا والصواب فما كان من نقص كملوه ومن خطأ أصلحوه فقلما يخلص مصنف من الهفوات أو ينجو مؤلف من العثرات) ش: بالغ رحمه الله في التواضع والتلطف وأتى بهذه الألفاظ وهى متقاربة المعنى، فإن التضرع هو التذلل والخشوع هو الخضوع، وأضاف اللسان إلى التضرع والخضوع لكونهما ينشآن عنه، وكذلك خطاب التذلل والخضوع. وقوله: " بعين الرضا والصواب " أي لا بعين الغضب والسخط والتعصب ولا بعين المحبة المخرجة عن الصواب، ثم أذن لمن كان من ذوى الألباب وتأمل بعين الرضا والصواب أن يكملوا ما فيه من نقص وسصلحوا ما فيه من خطأ بعد تحقق ذلك، والفحض عنه من جهة النقل أو من جهة التراكب العربية، فإنه رحمه الله قد يستعمل لشدة الاختصار ما لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. فقوله: " كملوه " بفتح الميم وقوله: " أصلحوه " بفتح اللام، والهفوات الزلات وكذا العثرات قاله في الصحاح. ولقد صدق رحمه الله فلما يخلص مصنف من ذلك ولهم العذر في ذلك فإن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ومن ذا الذى ترجى سجاياه كلها * كفى المرء نيلا أن تعد معايبه واقتضب المصنف رحمه الله هذا الكلام من آخر وجيزا بن غلاب على ما قاله ابن الفرات ونص ما حكى عنه، ثم أعتذر لذوى الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب وأقول ما قال بعض العلماء وأنشده بعض الحكماء: فعفوا جميلا عن خطئ فإننى * أقول كما قد قال من كان شاكيا فعين الرضا عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدى المساويا ونحن نسأل بلسان التضرع والخضوع وخطاب الاعتراف والخشوع للمتصفحين هذا الكتاب أن ينظروه بعين الرضا والصواب، فما كان من نقص كملوه وجودوه، وما كان من خطأ أحكموه وصوبوه، لأنه قلما يخلص مصنف من الهفوات وينجو ناطم أو مؤلف من

[ 59 ]
العثرات خصوصا مع الباحثين على العورات. قال رسول الله صليه الله عليه وآله وسلم: " من طلب عثرة أخيه ليهتكه طلب الله عثرته فيهتكه " وأنشدوا: لا تلتمس من عيوب الناس ما ستروا * فيهتك الله سترا عن مساويك واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا * ولا تعب أحدا منهم بما فيك والله الموفق للصواب وإليه المرجع والآب. كتاب مواهب الجليل ج 1

[ 60 ]
كتاب الطهارة ص: باب يرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق. وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد) ش: الباب في اللغة المدخل، وفي اصطلاح العلماء اسم لطائفة من المسائل المشتركة في حكم، وقد يعبر عنه بالكتاب أو بالفصل، وقد يجمع بين الثلاثة فيقدم الكتاب ثم الباب فيزاد في تعريفه الكتاب ذات أبواب، وفي تعريف الباب ذات فصول، أو يجمع بين اثنين منها بحسب الاصطلاح. والكتاب يفصل بالابواب أو بالفصول، والباب بالفصول. ولم يستعملوا تفصيل الباب بالكتب والفصل بالابواب والكتاب في اللغة المكتوب كالرهن بمعنى المرهون. قال أبو حيان: ولا يصح أن يكون مأخوذا من الكتب لان المصدر لا يشتق من المصدر. والفصل في اللغة القطع وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذا باب كذا، والمصنف رحمه الله يجعل الابواب مكان الكتب كما في المدونة وغيرها، ويحذف التراجم التي تضاف إليها الابواب اختصارا واكتفاء بفهمها من المسائل المذكورة في الباب. وحكمة تفصيل المصنفات بالكتب والابواب والفصول تنشيط النفس وبعثها على الحفظ والتحصيل بما يحصل لها من السرور بالختم والابتداء، ومن ثم كان القرآن العظيم سورا والله أعلم. وفي ذلك أيضا تسهيل للمراجعة والكشف عن المسائل، وكذا فصل صاحب المدونة وغيره من المتقدمين ما كثرت مسائله وتوسطت إلى كتابين وما طالت إلى ثلاثة كتب. والترجمة المضاف إليها الباب هنا الطهارة وهي بالفتح لغة النزاهة والنظافة من الادناس والاوساخ، وتستعمل مجازا في التنزيه عن العيوب، وتطلق في الشرع على معنيين: أحدهما الصفة الحكمية القائمة بالاعيان التي توجب لموصوفها استباحة الصلاة به أو فيه أو له كما يقال: هذا الشئ طاهر، وتلك الصفة الحكمية

[ 61 ]
التي هي الطهارة الشرعية هي كون الشئ تباح ملابسته في الطهارة والغذاء. والمعنى الثاني رفع الحدث وإزالة النجاسة كما في قولهم: الطهارة واجبة. وفي كلام القرافي أن المعنى الاول: حقيقة والثاني: مجاز، فلذلك عرفها ابن عرفة بقوله: صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أو له. فالاوليان من خبث والاخيرة من حدث انتهى. ويقابلها بهذا المعنى النجاسة، ولذلك عرفها ابن عرفة بأنها صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه انتهى. فتلك الصفة الحكمية التي هي النجاسة شرعا هي كون الشئ تمنع ملابسته في الصلاة والغذاء، فإذا أطلقنا على المعفو عنه من النجاسات أنه نجس فذلك مجاز شرعي تغليبا لحكم جنسها عليها قاله في الذخيرة، ثم اعترض ابن عرفة على من عرف الطهارة بالمعنى الثاني فقال: وقول المازري وغيره الطهارة إزالة النجس أو رفع مانع الصلاة بالماء أو في معناه إنما يتناول التطهير والطهارة غيره لثبوتها دونه فيما لم يتنجس وفي المطهر بعد الازالة. قلت: قد يقال: إن تعريف المازري وغيره الطهارة بحسب المعنى الثاني أولى، لان المراد تعريف الطهارة الواجبة المكلف بها والمكلف به إنما هو رفع الحدث وإزالة النجاسة لا الصفة الحكمية. وفي قول القرافي إنه مجاز نظر بل الظاهر أنه حقيقة أيضا، فلفظ الطهارة مشترك في الشرع بين المعنيين، فالاحسن التعرض لبيان كل منهما فإن اقتصر على أحدهما فالاقتصار على المعنى الثاني أولى لانه هو الواجب المكلف به والله أعلم. ومعنى قوله: حكمية أنها يحكم بها ويقدر قيامها بمحلها وليست معنى وجوديا قائما بمحله كالعلم للعالم. وقوله: به أي بملابسته فيشمل الثوب وبدن المصلي والماء وكل ما يجوز أن يلابسه المصلي ولا تبطل صلاته بملابسته إياه، فاندفع ما أورد عليه من أنه لا يشمل طهارة الماء المضاف. وقوله: فيه يريد به المكان، وقوله: له يريد به المصلي وهو شامل بظاهره لطهارة المصلي من الحدث والخبث، لكن قوله: بعد هذا والاخيرة من حدث يخصه به، وكذا قوله في حد النجاسة توجب له منع الصلاة به أو فيه ولم يقل أو له وفيه نظر، لانه كما يمنع الحدث الصلاة فكذلك الخبث، وإدخال البدن في قوله: به بعيد والله أعلم. والطهورية صفة حكمية توجب لموصوفها كونه بحيث يصير المزال به نجاسته طاهرا، وأما الطهارة بالضم فهي فضلة ما يتطهر به. وقدم المصنف كغيره العبادات على غيرها لعموم الحاجة إليها، وبدأ بالصلاة لانها أوكد العبادات وأفضلها بعد الايمان ولتقدمها على بقية القواعد في حديث بني الاسلام على خمس ما عدا الشهادتين، ولم يتكلم المصنف وكثير من الفقهاء على الشهادتين لانهما أفردتا بعلم مستقل. وقدم الكلام على الطهارة لانها أوكد شروط الصلاة التي يطلب المكلف بتحصيلها لسقوط الصلاة مع فقد ما يتطهر به من ماء وصعيد على المشهور، وبدأ بالكلام على الماء لان الطهارة المائية هي الاصل ولا تحصل إلا بالماء المطلق فاحتاج إلى تمييزه من غيره. والحدث بفتحتين وهو في اللغة وجود

[ 62 ]
الشئ بعد أن لم يكن، ويطلق في الشرع على أربعة معان: على الخارج المعتاد كما سيأتي إن شاء الله في فصل نواقض الوضوء، وعلى نفس الخروج كما في قولهم: آداب الحدث، وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالاعضاء قيام الاوصاف الحسية كما في قولهم: يمنع الحدث كذا وكذا، وعلى المنع المرتب على الثلاثة كما في قولهم هنا: يرفع الحدث أي المنع المترتب على أعضاء الوضوء أو الغسل، ويصح أن يراد هنا بالحدث المعنى الثابت الذي هو الوصف لانهما متلازمان فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر. ولا يقال: لا نسلم أنهما متلازمان فإن التيمم يرفع المنع لانه تستباح به الصلاة وغيرها، ولا يرفع الوصف القائم بالاعضاء لان المشهور أنه لا يرفع الحدث فلا تلازم بينهما لانا نقول التيمم لا يرفع المنع رفعا مطلقا وإنما هو رخصة فيرفع المنع عما يستباح به على وجه مخصوص وهو عدم الماء، فلا يستباح به إلا فريضة واحدة في حال عدم الماء، ولو وجد الماء قبل فعل ذلك المستباح عاد المنع ولم يستبح به شيئا، فالتيمم رخصة لاستباحة بعض الاشياء التي يمنعها الحدث على وجه مخصوص فالوصف والمنع باقيان، وقد أشار ابن عرفة إلى هذا عند الكلام على النية في الوضوء فتأمله والله أعلم. وأنكر ابن دقيق العيد المعنى الثالث من معاني الحدث وقال: إنه ذكره بعض الفقهاء وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على ثبوته، فإنه منفي بالحقيقة والاصل موافقة الشرع لها ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك. وأقرب ما يذكر فيه أن الماء المستعمل انتقل إليه المانع كما يقال ثم رد ذلك وقال: المسألة مختلف فيها فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل، ولو قيل بعدم طهوريته أو بنجاسته لم يلزم منه انتقال مانع إليه، انتهى من شرح العمدة له. وأما المعنيان الاولان فلا تصح إرادتهما. هذا إذا لم يمكن رفعهما، وتجويز ذلك على حذف مضاف أي حكم الحدث كما أشار إلى ذلك البساطي ففيه تعسف وتكلف لا يحتاج إليه. والخبث بفتحتين أيضا وهو النجاسة، وإنما قال: حكم الخبث لان عين النجاسة تزول بغير الماء، وأما حكمها وهو كون الشئ نجسا في الشرع لاتباح ملابسته في الصلاة والغذاء فلا يرتفع إلا بالماء المطلق. وأما موضع الاستجمار والسيف الصقيل ونحوه إذا مسح، والخف والنعل إذا دلكا من أبوال الدواب وأرواثها، فالمحل محكوم له بالنجاسة، وإنما عفي عنه للضرورة خلافا لما قد تعطيه عبارة البساطي. وقد عد ابن الحاجب وغيره موضع الاستجمار فيما تقدم ذكره في المعفوات، ولا ينافي هذا ما تقدم عن القرافي أعني قوله: إن إطلاق النجاسة على المعفو مجاز، لان ذلك - أي إطلاق - اسم النجاسة على المعفوات بالنظر إلى أصل معنى النجاسة الحقيقي في الشرع وليس فيه ما ينفي إطلاق النجاسة عليها مطلقا شرعا فتأمله والله أعلم. ولم يقل المصنف رافع الحدث وحكم الخبث لان نسبة الرفع للماء مجاز، وتصدير الباب بهذه الجمل وسياقها مساق الحد لما يرفع) به الحدث وحكم الخبث يفيد الحصر وإن لم يكن في الكلام أداة حصر فكأنه قال: إنما يرفع الحدث وحكم الخبث بالماء المطلق، فأما رفع الحدث فمتفق عليه بل حكى الغزالي رحمه الله الاجماع

[ 63 ]
على " ذلك ولكنه نوزع في حكاية الاجماع، وأما حكم الخبث فما ذكره هو المشهور في المذهب كما سيأتي بيانه في الكلام على إزالة النجاسة. تنبيه: وهذا حكم كل طهارة شرعية من غسل أو وضوء وإن لم تكن واجبة فلا يصح شئ من ذلك إلا بالماء المطلق كالاوضية المستحبة والاغسال المسنونة والمستحبة. قال في التلقين: ولا يجوز التطهر من حدث ولا نجس ولا شئ من المسنونات والقرب بمائع سوى الماء المطلق انتهى. ولما كان الامر كذلك احتاج المصنف إلى تعريف الماء المطلق. والمطلق في اللغة ما أزيل منه القيد الحسي والمعنوي. وهل هو حقيقة فيهما أو حقيقة فيما أزيل منه القيد الحسي مجاز فيما أزيل منه القيد المعنوي ؟ طريقان ذكرهما صاحب الجمع، وعزى الاولى: لابن راشد وشيخه القرافي، والثانية: لابن هارون وأبي علي قال: واستعمله الاصوليون في اللفظ الذي لم يقيد انتهى. واستعمله الفقهاء في الماء الذي لم يخالطه شئ ينفك عنه غالبا مجازا لغويا وعرفيا، قاله صاحب الجمع وهو في كلام المصنف صفة لمحذوف أي بالماء المطلق. واختلف عبارات الاصحاب في تعريفه، فعرفه ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما بأنه الباقي على أصل خلقته أي لم يخالطه شئ، وجعلوا ما تغير بقراره أو بما يتولد منه أو بالمجاورة ملحقا بالمطلق في كونه طهورا، فالمطلق عندهم أخص من الطهور. وجعل القاضي عبد الوهاب وابن عسكر وغيرهما المطلق مرادفا للطهور فعرفوه بأنه الذي لم يتغير أحد أوصافه بما ينفك عنه غالبا مما ليس بقراره ولا متولد منه، فجعلوا ما تغير بقراره أو بما يتولد منه أو بالمجاورة داخلا في حد المطلق، وتبعهم المصنف على ذلك فأدخلها كلها في حد المطلق وعرفه بقوله: وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد يعين أن الماء المطلق هو الذي يصدق عليه في العرف اسم ماء من غير تقييد بإضافة أو صفة أو غور ذلك أي يصح أن يسمى ماء، وهذا معنى قول غيره: هو الذي يكتفي بالاخبار عنه بمجرد إطلاق اسم الماء عليه. فقوله: ما صدق عليه اسم ماء معناه ما صح أن يطلق عليه اسم الماء، وليس المراد به جزئيات المطلق التي يصدق عليها حتى يرد عليه أن الشئ لا يعرف بما يصدق عليه، ولا يرد على المصنف ما أورده البساطي وغيره أنه قدم التصديق على التصور لانه المصنف لم يحكم على المطلق بشئ وإنما حكم على الحدث والخبث بأنهما يرتفعان بالمطلق، فلما جرى في كلامه ذكر المطلق احتاج إلى تعريفه. والاضافة في قوله: اسم ماء بيانية أي اسم ماء، وقوله: ما صدق عليه اسم هو ماء كالجنس، وقوله: بلا قيد كالفصل خرج به ما لا يصدق عليه اسم الماء إلا مقيدا بإضافة كماء الورد ونحوه، أو صفة كالماء المضاف والماء النجس، أو بالالف واللام التي للعهد كقوله (ص): إذا رأت الماء يعني المني ودخل في حده ما كانت إضافته بيانية كماء المطر وماء الندى، وما قيد بإضافة لمحله لان ذلك لا يمنع من صدق اسم الماء عليه في العرف ويكتفي بالاخبار عنه بمجرد اسم الماء كماء السماء، وكذا ما قيد بإضافة لمحله كماء البحر. ولا خلاف في جواز التطهير به وإن كان

[ 64 ]
قد حكي به عن ابن عمر كراهة الوضوء به، فقد انعقد الاجماع على خلافه، وماء العيون والآبار والماء الذي نبع من بين أصابعه (ص) وهو أشرف المياه. قال القرطبي: لم نسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا (ص) حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، ونقله عنه ابن حجر في علامات النبوة من كتاب المناقب من شرح البخاري. وقال: في القبس ونبع الماء من بين أصابعه خصيصة لم تكن لاحد قبله. قال النووي في أول كتاب الفضائل من شرح مسلم: وفي كيفية هذا النبع قولان حكاهما القاضي عياض وغيره، أحدهما ونقله القاضي عن المازري وأكثر العلماء أن الماء كان يخرج من بين أصابعه (ص) وينبع من ذاتها قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر. والثاني: أن الله كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين أصابعه انتهى. قلت: وعلى القول الاول فهو أشرف مياه الدنيا والآخرة. وقد ذكر شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخ مكة عن شيخه شيخ الاسلام البلقيني، وذكره أيضا صاحب المواهب اللدنية عن البلقيني أن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر لغسل قلبه (ص) به فكيف بما خرج من ذاته (ص) ؟ ودخل في ماء الآبار ماء زمزم وهو كذلك. قال في كتاب الجنائز من النوادر عن ابن شعبان: لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة. قال الشيخ ابن أبي زيد: ما ذكره في ماء زمزم لا وجه له عند مالك وأصحابه، ونقله عن ابن عرفة في كتاب الجنائز بلفظ قوله: ولا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة خلاف قول مالك وأصحابه. قال ابن عرفة: وأبعد منه سماعي ابتداء قراءتي فتوى ابن عبد السلام لا يكفن بثوب غسل بماء زمزم انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: وماء السماء وماء الآبار وماء العيون وماء البحر طيب طاهر مطهر للنجاسات، هذا عام يدخل فيه بئر زمزم وهو المشهور أن ماء زمزم يتوضأ به وتزال به النجاسة، ولا خلاف فيه إلا ما روي عن ابن شعبان من أنه قال: لا تزال به النجاسة تشريفا له انتهى. ونحوه للشيخ يوسف بن عمر. قلت: أما الوضوء به لمن كان طاهر الاعضاء فلا أعلم في جوازه خلافا بل صرح باستحبابه غير واحد نقلا عن ابن حبيب، وكذلك لا أعلم في جواز الغسل به لمن كان طاهر الاعضاء خلافا بل صرح ابن حبيب أيضا باستحباب الغسل به. قال فضل بن مسلمة في اختصار الواضحة لابن حبيب: ويستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم تبركا ببركته يكون منه شربه ووضوؤه واغتساله ما أقام بمكة ويكثر من الدعاء عنه شربه انتهى. ويؤخذ استحباب الغسل أيضا من كلام اللخمي كما سيأتي قريبا إن شاء الله. وقال النووي في شرح المهذب، مذهب الجمهور كمذهبنا أنه لا يكره الوضوء والغسل به. وعن أحمد رواية بكراهيته لانه جاء عن العباس أنه قال عند زمزم: لا أحله لمغتسل وهو لشارب حل وبل. قال: ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء به بلا إنكار ولم يصح ما ذكروه عن العباس بل حكي عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن

[ 65 ]
العباس لم يجز ترك النصوص به. وأجاب أصحابنا بأنه قاله في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين انتهى. قلت: وذكر المحب الطبري في الباب السابع والعشرين من القرن أثر العباس وقال: لا أحلها لمغتسل وهي للشارب حل وبل قال: والبل الحل كرره تأكيدا والظاهر أنه يريد الغسل من الجنابة لمكان تحريم اللبث في المسجد، وإنما أسند التحريم إلى نفسه لانه ملك الماء بحيازته في حياض كان يجعلها هناك فالمغتسل من الجنابة ارتكب التحريم من وجهين: من جهة اللبث في المسجد ومن جهة استعمال المملوك دون إذن مالكه انتهى. قلت: أما الوجه الاول فغير ظاهر لان موضع زمزم وحريمها سابق على المسجد فلا يدخل في تحبيس المسجد، وقد ذكر صاحب المدخل وغيره أن البيت إذا كانت سابقة على المسجد لا يدخل حريمها في تحبيس المسجد، وقد ذكر الازرقي أن حد المسجد الحرام كان إلى جدار زمزم، ورأيت لبعض الشافعية تأليفا صرح فيه بأن موضع زمزم غير داخل في تحبيس المسجد والله أعلم. نعم مرور الجنب في المسجد لا يجوز عند المالكية، وأما إزالة النجاسة بماء زمزم فالظاهر أن ذلك مكروه ابتداء، فإن أزيلت به طهر المحل، ويختلف في كراهة غسل الميت به على الخلاف في طهارة الميت ونجاسته، فإن قلنا بطهارته كما هو الاظهر الصحيح جاز غسله به بل قال اللخمي: إنه أولى لما يرجى من بركته كما سيأتي، وإن قلنا بنجاسته على القول الذي قدمه المصنف في كلامه الآتي كره غسله به كما صرح به ابن بشير وغيره. قال ابن بشير في كتاب الجنائز: واختلف في كراهة غسله بماء زمزم وسبب الخلاف ما قدمنا من الحكم بنجاسته، فإن حكمنا بها كرهنا غسله به لكراهة استعمال هذا الماء في النجاسات، وأهل مكة يحكون أن رجلا استنجى به فحصل له الباسور. وإن حكمنا بطهارة الميت أجزنا غسله به انتهى. وقال ابن الحاجب في كراهة غسله بماء زمزم قولان إلا أن تكون فيه نجاسة انتهى. قال اللخمي بعد أن ذكر قول ابن شعبان: لا يغسل به ميت ولا نجاسة وهذا على أصله لانه يقول: إن الميت نجس ولا يقرب ذلك الماء النجاسة، وقد ذكر أن بعض الناس استنجى به فحدث به الباسور وأهل مكة يتقون الاستنجاء به، وعلى القول بأن الميت طاهر يجوز أن يغسل بماء زمزم بل هو أولى لما يرجى من بركته انتهى. قلت: هذا كلام اللخمي الموعود به فإنه يفهم منه استحباب الغسل به لمن كان طاهر الاعضاء لانه إذا كان غسل الميت به أولى لرجاء بركته فالحي من باب أولى للاتفاق على طهارته. وصرح ابن الكروي في كتاب الوافي له بكراهة استعماله في النجاسات احتراما له. وقال ابن فرحون في منسكه: لما ذكر في فضل زمزم حديث النظر إليها عبادة والطهور منها يحبط الخطايا ما نصه.

[ 66 ]
تنبيه: الطهور منها يحبط الخطايا يريد الوضوء خاصة إذا كانت أعضاء الوضوء طاهرة، وأما الاستنجاء به فقد شدد في الكراهة فيه، وجاء أنه يحدث البواسير وكذا غسل النجاسات التي على البدن أو غيره. قال ابن شعبان من أصحابنا: ولا يغسل به نجس انتهى. وقوله: يريد الوضوء خاصة يعني أو الغسل إذا كان طاهر الاعضاء وسلم من المرور في المسجد وهو جنب، وإنما خص الوضوء بالذكر لانه هو الذي يتصور غالبا. قال القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخه: يصح التطهر به بالاجماع على ما ذكره الروياني في البحر والماوردي في الحاوي والنووي في شرح المهذب، وينبغي توقي النجاسة به خصوصا في الاستنجاء فقد قيل: إنه يورث الباسور. وجزم المحب الطبري بتحريم إزالة النجاسة به وإن حصل التطهير به إذا علم هذا، فقول ابن شعبان: لا يغسل به ميت ولا نجاسة إن حمل على المنع من ذلك أو على أنه لا يزيل النجاسة فهو خلاف قول مالك وأصحابه، وإن حمل على الكراهة فالظاهر أنه موافق للمذهب وقد نقله صاحب الطراز بلفظ الكراهة فقال: وكره ابن شعبان من أصحابنا أن تغسل به نجاسة أو يغسل به ميت ونحوه في الذخيرة. ولا يقال: إن ذلك يدل على أن المذهب عدم كراهة غسل النجاسة به لعزوهم ذلك لابن شعبان لانا نقول: إن الذي عزوه لابن شعبان فقط هو عدم غسل الميت به كلا يفهم ذلك من كلام اللخمي والله أعلم. والذي يفهم من كلام الشيخ ابن أبي زيد أنه حمله على المنع وكذلك ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح، فإنهما فسرا القولين المتقدمين في كلام ابن الحاجب بكلام ابن شعبان وكلام الشيخ ابن أبي زيد. قال ابن عبد السلام: القول بالمنع في كتاب ابن شعبان وأنكره الشيخ أبو محمد ورأى أنه مخالف لقول مالك وأصحابه، ولا شك أنه ماء مبارك ومع ذلك فلا يمنع أن يصرف فيما تصرف فيه أنواع المياه إذ من المعلوم أن هاجر لم تكن تستعمل هي وابنها إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه ومن نزل عليهما من العرب في كل ما يحتاجون إليه سواه حين لم يكن بمكة غيره، وجعل قول ابن الحاجب إلا أن يكون فيه نجاسة عائد إلى المسألة التي قبل مسألة غسله بماء زمزم، ونقله في التوضيح عن ابن عبد السلام وعن شيخه أيضا قال: وكأنهما فرا من إعادته على ماء زمزم لانه لو أعيد عليه لفهم أنه يتفق على المنع منه وليس كذلك إذ ظاهر المذهب الجواز انتهى. قلت: وهذا إنما يشكل إذا حمل كلام ابن شعبان على المنع، أما إذا حمل كلام ابن شعبان على الكراهة وفسر القولان في كلام ابن الحاجب به وبما ذكره اللخمي فلا إشكال في ذلك. وقد ذكر ابن فرحون عن ابن رشد أنه فسر كلام ابن الحاجب بذلك ونحوه للبساطي في المغني قال في كتاب الجنائز: واختلف هل يكره تغسيله بماء زمزم إذا لم يكن على الميت نجاسة وهو منصوص ابن شعبان أولا، وشهره خليل في مختصره على قولين. تنبيه: ظاهر كلام ابن شعبان أنه لا يجوز. قال ابن أبي زيد: وهو خلاف قول مالك وأصحابه. وقال اللخمي: هو مبني على أصله أن الميت نجس.

[ 67 ]
قلت: فعلى هذا يكون المشهور ما قاله ابن شعبان فإنه لا يجوز الاستنجاء به ولا إزالة النجاسة، وأما أنه يزيلها أولا محل نظر انتهى كلام البساطي، وقوله: فعلى هذا يكون المشهور ما قال ابن شعبان يعني لان الشيخ خليلا شهر القول بنجاسة الميت. وقوله: فإنه لا يجوز الاستنجاء به الظاهر أنه بالفاء كما يدل عليق كلامه، ورأيته في نسخة بالواو. والظاهر أن قول المصنف في فصل الجنائز ولو بزمزم وإنما أراد به - والله أعلم - أن يبين أن المذهب صحة غسل الميت به وأنه غير ممنوع كما يقول ابن شعبان بناء على ما فهمه المصنف وابن عبد السلام عن ابن شعبان، وكذلك قول ابن عبد السلام لا شك أنه ماء مبارك ومع ذلك لا يمنع أن يصرف فيما يصرف فيه غيره، وقول المصنف في التوضيح إذ ظاهر المذهب الجواز، إنما قال ذلك في مقابلة كلام ابن شعبان حيث فهماه على المنع ولم يريدا نفي الكراهة إذا قلنا: إن الميت نجس لا ينبغي أن يختلف في كراهة غسل النجاسة. وقد تقدم التصريح بها في كلام ابن بشير وابن الحاجب وابن الكروي وابن فرحون، وقوة كلام اللخمي يدل عليها، ولم نقف على نص في نفيها إلا ما يفهم من كلام الشيخ ابن أبي زيد في رده على ابن شعبان. وقد تقدم أن الظاهر أنه إنما رد عليه لانه فهم كلامه على المنع بل تقدم في كلام ابن عرفة أن ابن عبد السلام أفتى بأنه لا يكفن الميت في ثوب غسل بماء زمزم فإن من المعلوم أنه إنما أراد بذلك على سبيل الكراهة وإن كان ذلك خلاف الظاهر والله أعلم. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: ولا تزال النجاسة إلا بالماء يدخل في كلامه ماء زمزم وهو خارج، ولا تزال به نجاسة من البدن ولا من الثوب انتهى. قلت: فينبغي أن يحمل كلامه على الكراهة وإلا كان مخالفا للمذهب. ونقل سيدي الشيخ زروق في شرح الرسالة عن ابن شعبان أنه قال: لا يتطهر بماء زمزم لانه طعام لقوله عليه الصلاة والسلام: هو طعام طعم وشفاء سقم. والمعول عليه خلافه لا في النجاسات فيحمل على استعماله فيها انتهى. قلت: كلامه يقتضي أن ابن شعبان منع التطهير به مطلقا، ولم أقف على ذلك في كلام غيره، وكذلك لم أقف على أنه علل ذلك بكونه طعاما إلا في كلامه، والمنقول عن ابن شعبان ما تقدم فليعتمد عليه. ثم وقفت على كلام ابن شعبان في الزاهي ونصه في أول كتاب الطهارة ولا يستعمل ماء زمزم في المراحيض ولا يخلط به نجس ولا يزال به ولا يغسل به في حمام، ولا بأس أن يتوضأ به من سلمت أعضاء وضوئه من النجس، وكذلك يغتسل به من الجنابة من ليس بظاهر جسده أذى وإن أصاب الفرجين إذا كانا طاهرين انتهى. قال في باب الحج: ويتوضأ به ولا يغسل به نجس انتهى. والله أعلم. وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لاضطراب النقول فيها فأردت تحرير ما ظهر لي من

[ 68 ]
كلام أهل المذهب فيها. وأما الكلام على فضلها وفضل الشرب منها فسيأتي إن شاء الله في كتاب الحج. ويستثنى من الآبار آبار ثمود فلا يجوز الوضوء بمائها ولا الانتفاع به كما ذكره القرطبي في شرح مسلم وابن فرحون في ألغازه ناقلا له عن ابن العربي في أحكام القرآن. ونقله غير واحد، وذلك لانه (ص) أمر الصحابة رضي الله عنهم حين مروا بها أن لا يشربوا إلا من البئر التي كانت تردها الناقة، وأمرهم أن يطرحوا ما عجنوه من تلك الآبار ويهريقوا الماء. والحديث في الصحيحين رواه البخاري في كتاب أحاديث الانبياء، وذكره مسلم في أواخر صحيحه بعد كتاب الزهد، وفيه أنه أمرهم أن يعلفوا العجين الابل. قال القرطبي في شرح مسلم: أمره (ص) بإراقة ما سقوا وعلف العجين للدواب حكم على ذلك الماء بالنجاسة إذ ذلك حكم ما خالطته النجاسة أو كان نجسا، ولولا نجاسة الماء لما أتلف الطعام المحترم شرعا، وأمره أن يستقوا من بئر دلناقة دليل على التبرك بآثار الانبياء والصالحين وإن تقادمت أعصارهم انتهى. وقال ابن فرحون في الالغاز: فإن قلت: ماء كثير باق على أصل خلقته لا يجوز الوضوء به ولا الانتفاع به قلت: هو ماء الآبار التي في أرض ثمود وقد أمر النبي (ص) أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها قالوا: قد استقينا وعجنا فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويريقوا الماء وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، وذلك لاجل أنه ماء سخط فلم يجز الانتفاع به فرارا من سخط الله، انظر أحكام القرآن لابن العربي عند قوله تعالى: * (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * وهو مذهب الشافعي. ولا نحكم بنجاسته لان الحديث ليس فيه تعرض للنجاسة وإنما هو ماء سخط وغضب انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ذكر ابن العربي في الاحكام عند قوله تعالى: * (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * منع الوضوء من بئر ثمود لانها بئر غضب، ولانه عليه الصلاة والسلام أمر بطرح ما عجن منها وبالتيمم وترك استعمالها فهي مستثناة من الآبار وهو خلاف ما هنا من العموم يعني قول الرسالة وماء الآبار. قلت: والظاهر ما قاله ابن فرحون والشيخ زروق أنه لا يحكم بنجاسة الماء وإنما يمنع من استعماله فقط لانه سخط وغضب لانه لم يرو أنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بغسل أوعيتهم وأيديهم منه وما أصابه من ثيابهم، ولو وقع ذلك لنقل على أنه لو نقل لما دل على النجاسة لاحتمال أن يكون ذلك مبالغة في اجتناب ذلك الماء وهو الذي يؤخذ من كلام الفاكهاني في شرح الرسالة، فإنه لما ذكر الآبار قال: إلا مياه أبيار الحجر فإنه نهى عن شربها والطهارة بها إلا بئر الناقة ثبت ذلك في الصحيح انتهى. وقد صرح النووي في شرح المهذب بعدم نجاسته، ولا إشكال في منع الوضوء منها على ما قاله القرطبي والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال الشيخ زروق: وأمرهم بالتيمم وترك استعمالها لم أقف عليه في

[ 69 ]
الحديث وهو ما نقله ابن فرحون في الالغاز عن ابن العربي في باب التيمم ونصه فإن قلت: أرض طاهرة مباحة مسيرة خمسة أميال لا يجوز التيمم منها. قلت: هي أرض ديار ثمود نص ابن العربي في أحكامه على أنه لا يجوز التيمم منها. الثاني: قال ابن حجر: سئل شيخنا الامام البلقيني من أين علمت البئر التي كانت تردها الناقة ؟ فقال: بالتواتر إذ لا يشترط فيه الاسلام انتهى. قال ابن حجر: والذي يظهر أن النبي (ص) علمها بالوحي فيحمل كلام الشيخ على من يجئ بعد ذلك انتهى. الثالث: قال النووي في شرح المهذب: استعمال هذه الآبار في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إلا لضرورة شرعية، فظاهره أنه إذا اضطر للوضوء بها جاز، واقتصر جماعة من الشافعية على كراهة استعمال هذه الآبار. وقال ابن أبي شريف من الشافعية عن الزركشي في الخادم: ويلحق بها كل ماء مغضوب عليه كماء ديار قوم لوط وماء ديار بابل لحديث أبي داود أنها أرض ملعونة، وماء بئر ذروان التي وضع فيها السحر للنبي (ص)، وماء بئر برهوت وهي بئر باليمن لحديث ابن حبان شر بئر في الارض برهوت انتهى. وبابل هي المذكورة في سورة البقرة وهي بالعراق. وبئر ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء هي بالمدينة. وبئر برهوت بفتح الموحدة وسكون الراء وهي بئر عميقة بحضر موت لا يستطاع النزول إلى قعرها والله أعلم. ودخل في حد المطلق الماء العذب ولا أعلم في جواز التطهير به خلافا في المذهب، وكلام ابن رشد في المقدمات وغيره يدل على نفي الخلاف في ذلك، ونقل ابن حجر في فتح الباري عن ابن التين أنه نقل عن ابن حبيب منع الاستنجج ء بالماء لانه مطعوم. قلت: تعليله بأنه مطعوم يقتضي أنه أراد العذب وهو غير معروف في المذهب، وكلام ابن حبيب في الواضحة يقتضي خلافه فإنه قال: ولا تبيح اليوم الاستنجاء بالحجارة إلا لمن لم يجد الماء لانه أمر قد ترك وجرى العمل بخلافه انتهى. فقوله: إلا لمن لم يجد الماء شامل للعذب وغيره. نعم قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ومن استجمر بثلاثة أحجار قال بعض العلماء: لا يجوز الوضوء ولا الاستنجاء بالماء العذب لانه طعام وكتب قبله ضادا فظاهره أنه أشار بها للقاضي عياض. والذي في الاكمال وأصله للمازري في المعلم ما نصه: وشد بعض الفقهاء ولم ير الاستنجاء بالماء العذب وهذا إنما هو بناء على أنه طعام عنده والاستنجاء بالطعام ممنوع انتهى. ونقل ابن عرفة كلام المازري وقال بعده: قلت: يتخرج على رواية ابن نافع منعه بطعام إلى أجل انتهى. قلت: ويرد هذا القول قوله سبحانه: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * (الفرقان: 48) وقوله: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * (الانفال: 11) ولا شك أن النازل من السماء عذب والله أعلم. ولا يصح التحريم أيضا إذ لا نص ولا إجماع يقتضي أن كل ما أطلق

[ 70 ]
عليه اسم الطعام امتنع التطهر به والله أعلم. ودخل في حد المطلق أيضا جميع المياه المكروهة الآتي ذكرها. وإنما أطلت في هذا المحل لاني لم أر من استوفى الكلام على ذلك والله الموفق لا رب غيره ص: (وإن جمع من ندى) ش: لما عرف الماء المطلق بما تقدم نبه على قيود وأحوال تعرض للمطلق لا تسلبه وصف الاطلاق أعني الطهورية، لكن منها ما لا يسلبه الطهورية ولكنه يقتضي كراهة استعماله، وهذا القسم يذكره بعد هذا في قوله: وكره ماء مستعمل إلى آخره. ومنها ما لا يسلبه الطهورية ولا يقتضي كراهة استعماله وهي التي نبه عليها بقوله: وإن جمع من ندى إلى قوله: بمطروح ولو قصدا. ولما كان في صدق حد المطلق على كثير منها نوع خفاء كالماء المشكوك في مغيره وما بعده، أتى بها بلفظ الاغياء تنبيها على بعدها من حد المطلق وإن ساوته في الحكم. والضمير في جمع وذاب وما بعدهما عائد على المطلق، وجوز بعضهم عوده على ما في قوله: ما صدق عليه اسم ماء بلا وفيه بعد. وقوله: من ندى بالقصر والتنوين، والندى في اللغة المطر والبلل والمراد به هنا ما ينزل على الارض وأوراق الشجر من الليل، وقد نص مالك في المجموعة على أنه يتوضأ بما يجتمع من الندى ولا يتيمم إن وجد ذلك. قال في باب التيمم من النوادر ومن المجموعة قال علي عن مالك فيمن لم يجد الماء أيتوضأ بالندى أم يتيمم ؟ قال: يتيمم إلا أن يجمع من الندى ما يتوضأ به انتهى. وقال سند: قال مالك في المجموعة فيما يجتمع من الندى أنه يتوضأ به انتهى. ونقله اللخمي وتقدم أن الاضافة في ماء بيانية فلا يرد على حد المطلق. ص: (أو ذاب بعد جموده) ش: الجمود بضم الجيم مصدر جمد الشئ ضد ذاب ويعني أن الماء المطلق لا فرق بين أن يكون مائعا من أصله أو يكون جامدا ثم ذاب بعد ذلك، وسواء ذاب بنفسه أو ذوب قاله الشيخ زروق في شرح الرسالة وهو ظاهر، سواء كان ثلجا أو بردا، ذاب بموضعه أو بغير موضعه. قال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب نقلا عن التلمساني قال: لا خلاف في طهورية الماء الذائب في محله. قال البساطي في المذهب: إنه لا خلاف في ذلك، وكذلك الملح إذا ذاب بموضعه. وصرح بعضهم بأنه لا خلاف في هذا كله وهو ظاهر كلامه في المقدمات. وحكى فيها أن الملح إذا ذاب في غير موضعه ثلاثة أقوال، ففرق في الثالث بين أن يكون جموده بصنعة فلا يتطهر به، أو بلا صنعة فيتطهر به، ونصه الاصل في المياه كلها الطهارة والتطهير: ماء السماء وماء البحر وماء الانهار والعيون والآبار عذبة كانت أو مالحة، كانت على أصل مياعتها أو ذابت بعد جمودها إلا أن تكون جامدة فتذوب في غير موضعها بعد أن كانت ملحا فانتقلت عنه، فلاصحابنا المتأخرين في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه على

[ 71 ]
الاصل لا يؤثر فيها جمودها، والثاني أن حكمها حكم الطعام فلا يتطهر بها وينضاف بها ما غيرته في سائر المياه، والثالث إن كان جمودها بصنعة أثر وإلا فلا انتهى. قال البساطي بعد أن ذكر هذه الاقوال: فإن حمل كلام المصنف على العموم فيكون قد شهر القول بالطهورية، ويمكن أن يقال: إنه لم يرد الملح انتهى.. قلت: الظاهر حمل كلام المصنف على العموم لان القول الاول هو المشهور لانه سيأتي في الماء المتغير بالملح أنه طهور على المشهور، وقد سوى في المقدمات بين الفرعين وبهذا القول صدر في الشامل فقال: أو جامدا فذاب ولو ملحا في غير محله. وثالثها إن كان بغير علاج وإلا فكالطعام انتهى. وصرح في الشرح الصغير بأنه المشهور. فرع: إذا ذاب البرد ونحوه فوجد في داخله شئ طاهر أو نجس من لواحق الارض فهل حكمه حكم ما وقع فيه ذلك ؟ قال البساطي في المغني: لم أر فيه نصا والظاهر أنه مثله انتهى. قلت: وما قاله ظاهر والله أعلم. ص: (أو كان سؤر بهيمة أو حائض أو جنب) ش: السؤر - بضم السين المهملة وسكون الهمزة وقد تسهل - بقية شرب الدواب وغيرها، ويقال أيضا في بقية الطعام، هكذا فسره أهل اللغة والمحدثون والفقهاء. وقال النووي في شرح المهذب: سؤر الحيوان مهموز وما بقي في الاناء بعد شربه أو أكله، ومراد الفقهاء بقولهم سؤر الحيوان طاهر أو نجس لعابه أو رطوبة فمه انتهى. قلت: الذي يظهر من كلام أصحابنا وأصحابهم أن السؤر بقية شرب الحيوان إلا أن يكون مراد النووي أنهم إنما يحكمون بطهارة بقية الشرب أو نجاسته لطهارة لعاب الحيوان أو نجاسته فتأمله. والمعنى أن الماء المطلق لا يضره كونه سؤر بهيمة أو حائض أو جنب، فأما سؤر البهيمة فاختلف فيه فقال في المدونة: يجوز الوضوء بسؤر الدواب وهو وغيره سواء. قال اللخمي في سماع ابن وهب: في الوضوء بفضل الحمار والبغل والفرس وغير ذلك من الدواب غيره أحب إلي منه ولا بأس به إن اضطر إليه انتهى. ومشى المصنف على ظاهر المدونة وأشار بالمبالغة لرواية ابن وهب. وظاهر إطلاق المصنف أن سؤر البهيمة طاهر بلا كراهة ولو كانت تأكل أرواثها. قال سند: وذلك على وجهين: إما أن تكون تعبث بذلك في بعض الاحيان أو تكون جلالة، فالاولى قال ابن القاسم: أكثر الدواب يفعل ذلك فلا بأس به ما لم ير في أفواهها ذلك عند شربها. وحكى ابن حبيب أن بعض العلماء كرهه. وأما الجلالة فهي كالدجاج المخلاة أي فيكره الوضوء بسؤرها كما سيأتي. فأما الاولى فهي داخلة في إطلاق

[ 72 ]
المصنف هنا جريا على قول ابن القاسم، وقد رجحه ابن الامام وغيره. وأما سؤر الجلالة فهو وإن كان داخلا في كلامه من حيث إنه ماء مطلق كما سبقت الاشارة إلى ذلك، لكنه له حكم يخصه وهو الكراهة فتأمله. وأما سؤر الحائض والجنب فلا خلاف في طهارته إذا لم يكن في أفواههما نجاسة، وإنما نبه عليه لئلا يتوهم عدم طهارته كما قيل ذلك في فضلة طهارة الحائض على ما ذكره الشارح. ص: (أو فضلة طهارتهما) ش: يعني أن الماء الذي يفضل من طهارة الحائض والجنب طاهر مطهر لانه داخل في حد المطلق. قاله في الام وصرح به غير واحد من أهل المذهب، ولم يذكر البراذعي فضلة طهارة الحائض. وذكر الشارح في الوسط والكبير قولا بأنه لا يتطهر بفضل طهور الحائض قال: ولا يبعد جريه في فضل طهارة الجنب. قلت: ولم أقف على هذا القول في المذهب وإنما ذكره صاحب الطراز والقاضي عياض في الاكمال والنووي عن أحمد بن حنبل في أحد قوليه، أن الرجل لا يجوز له أن يتطهر بفضل طهور المرأة إذا خلت به، وردوا عليه لانه لا تأثير لخلوتها به. ونص في الارشاد على أنه يتطهر بفضل طهور الحائض ولو خلت به، وحمل ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة لاهل العلم فوضوء المرأة بفضل وضوء الرجل وعكسه، سواء شرعا جميعا أو غاب أحدهما على الماء، وسواء كان فضلة حائض أو جنب أو غيرهما خمسة أقوال: أحدها قول مالك وجميع أصحابه أنه يجوز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة وعكسه لا خلاف بينهم في ذلك، والثاني لا يتوضأ أحدهما بفضل صاحبه مطلقا، والثالث تتوضأ المرأة بفضل الرجل لا عكسه، والرابع يتوضأ أحدهما بفضل صاحبه إذا شرعا جميعا، الخامس يتوضأ أحدهما بفضل صاحبه ما لم يكن الرجل جنبا والمرأة حائضا أو جنبا انتهى باقتصار والله أعلم. فرع: قال عياض في الاكمال: ولم يختلف في تطهير الرجل والمرأة جميعا من إناء واحد. وحكى النووي على جواز ذلك الاجماع قال: وكذا تطهير المرأة بفضل الرجل جائز بإجماع. قلت: وفيما ذكره من الاجماع نظر لنقل ابن رشد الخلاف في ذلك كما ذكرنا. فرع: قال في المدونة: ولا بأس بما انتضح من غسل الجنب في إنائه ولا يستطيع الناس الامتناع من هذا. قال ابن ناجي قال عياض: ظاهره ما ينتضح من غسل الجنب من الارض وعليه حمله الناس، وهذا إذا كان المكان طاهصا أو منحدرا لا تثبت فيه نجاسة، وإن لم يكن كذلك وكان يبال فيه ويستنقع الماء فهو نجس وينجس ما طار منه من رش الماء انتهى. وقال

[ 73 ]
البرزلي بعد ذكره كلام عياض: وفيه نظر على ما علل في المدونة أنه ضرورة فظاهره مطلقا انتهى. والظاهر ما قاله عياض، وتحمل الضرورة التي أشار إليها في المدونة على كونه ماء مستعملا في حدث خالط الماء. قال صاحب الطراز في شرح هذه المسألة: الماء الذي ينتضح في إناء المغتسل على وجهين: ما يتطاير من جسده وما يتطاير من الارض وكلاهما لا يضر إذا لم يتقين تطاير نجاسة. وقال ابن ناجي بعد كلامه السابق: وقال بعض شيوخنا يحمل قولها عندي بأن المراد بما انتضح من غسل الجنب ما يكون في بدنه من نجاسة، فإن إمرار يديه مع الماء للتدلك ثم ردهما إلى الاناء عفو وإن كانت النجاسة في يديه وهو تأويل بعيد انتهى كلام ابن ناجي. وعادته إذا قال بعض شيوخنا يشير به إلى ابن عرفة ولم أقف على ما ذكره في كلام ابن عرفة وسيأتي إن شاء الله في آخر هذا الفصل وفي فصل فرائض الوضوء عن ابن رشد نحو ما ذكره ابن ناجي عن بعض شيوخه. فرع: ذكر البرزلي عن ابن أبي زيد أن من توضأ على بلاط نجس وطار عليه ماء من البلاط، فإن كانت النجاسة رطبة غسل ما تطاير عليه منها إلا أن يتوالى البلل حتى يغلب على الظن أنها إنما تمت وذهبت. ص: (أو كثير خلط بنجس لم يغير) ش: يعني أن الماء الكثير إذا خالطه شئ نجس ولم يغيره فإنه باق على طهوريته ويعلم قدر الكثير من تحديد القليل الآتي. ثم إن هذا الكثير إن اتفقت الامة على أنه كثير فلا خلاف في طهوريته، سواء خلط بنجس أو طاهر كما قال المصنف في التوضيح، وإن كان مختلفا في كونه كثيرا فذكر ابن عرفة فيه طرقا: الاولى: أنه هور ولو خلط بنجس اتفاقا عزاها للاكثر. الثانية: أنه طهور وشذت رواية ابن نافع يعني في أنه غير طهور وعزها لابن رشد. الثالثة: كراهته وعزاها لابن زرقون وأشار لها التونسي. وظاهر كلام ابن عرفة أن الطرق جارية في الكثير مطلقا ولو اتفقت الامة على كثرته وهو بعيد فينبغي أن يحمل كلامه على غيره كما ذكرناه عن التوضيح، بل لا ينبغي أن تجعل رواية ابن نافع ناقضة للاتفاق، فقد قال ابن رشد في شرحها في سماع موسى من كتاب الطهارة، هذه رواية مائلة خارجة عن الاصول فإنه حكم للماء الكثير بحكم النجس بحلول النجاسة فيه، وفهم من كلام المصنف بالاحروية أن المخالط الطاهر لا أثر له والله أعلم. ص: (أوشك في مغيره هل يضر) ش: يعني أن الماء إذا تغير وشك في الذي غيره هل هو مما يسلبه الطهورية أو مما لا يسلبه الطهورية، فالاصل بقاؤه على الطهورية. وعزا الشارح والمصنف في التوضيح هذا الفرع للمازري هو في المدونة لكنه أخل به البراذعي، بل كلامه فيه يوهم غير

[ 74 ]
المقصود وهي من المسائل التي تعقبها عليه بعد الحق واختصرها ابن يونس بلفظ قال مالك: لا بأس بماء البئر تنتن من الحمأة وغيرها. قال ابن القاسم: وكذلك ما وجد في الفلوات من بئر أو غدير قد أنتنا ولا أدري لم ذلك ولا بأس بالوضوء منها وما قاله مالك في الواضحة انتهى. وقال في الطراز: هذا هو القياس أن الشئ متى شك في حكمه رد إلى أصله والاصل في الماء الطهارة والتطهير. وقال في سماع موسى من ابن القاسم من كتاب الطهارة في الحوض: يتغير ريحه ولم ير فيه أثر ميتة ولا جيفة والدواب والسباع تشرب منه قال ابن القاسم: لا بأس به إذا لم ير فيه شئ يعلم أن فساد الماء منه. قال ابن رشد: هو معنى ما في المدوية، لان المياه محمولة على الطهارة. وفهم من قول المصنف: شك أن هذا الحكم حيث يتساوى الاحتمالان وأحرى إذا ترجح جانب الطهارة، وأما إذا ترجح جانب النجاسة أو سلب الطهورية فيعمل عليه. قال الباجي: وإذا لم يدر من أي شئ تغير الماء نظر لظاهر أمره فيقضي به، فإن لم يكن له ظاهر ولم يدر من أي شئ هو حمل على الطهارة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما آبار المدن إذا أنتنت فقال المازري: إن كانت هنا حالة تريب كالآبار القريبة من المراحيض فإن مالكا قال: تترك اليومين، فإن طابت وإلا لم يتوضأ منها انتهى. ومسألة البئر التي ذكرها المازري أواخر سماع أشهب مكررة. قال في المواضع الآخر: ولو علم أن نتنها ليس من ذلك ما رأيت بأسا أن يتوضأ منها. قال ابن رشد: حمل الماء على أنه إنما أنتن من نجاسة قنوات المراحيض التي تتخلل الدور في القرى بخلاف البئر في الصحراء إذا أنتن ولم يدر بماذا فإنه يحمل على الطهارة وإنه إنما أنتن من ركوده وسكونه في موضعه إذا لم يعلم لنجاسته سبب، ولو علم أن نتن البئر ليس من قنوات المراحيض التي بجانبها لم يكن به بأس، زاد في الموضع الثاني ويحمل على الطهارة كالغدير. وقال قبله: في خليج الاسكندرية تجري فيه السفن، فإذا جرى النيل كان صافيا وإذا ذهب النيل تغير لونه وطعمه وريحه والسفن تجري فيه على حالها، والمراحيض تصب فيه لا ينبغي أن يتوضأ به إلا أن يعلم أن لونه لم يتغير من صب المراحيض، ولو علم أنه تغير من ذلك كان نجسا بإجماع، فلما لم يعلم كان الاحتياط أن يحمل على النجاسة، ولو وجد متغير اللون ولم يعلم لتغيره سبب من نجاسة يشبه أن يكون تغير منها حمل على الطهارة. وقال الباجي بعد أن ذكر كلامه في مسألة البئر: فحكمه بالظاهر من أمرها لقرب المراحيض من آبار الدور ورخاوة الارض. وقد روي عنه علي بن زياد: رب بئر في الصفا والحجر لا يصل إليها شئ، ورب أرض رخوة يصل منها، فهذه أيضا من المعاني التي ينبغي أن تراعى في مثل هذا. ثم ذكر مسألة الخليج ثم قال: فظاهر هذا أنه امتنع منه كراهة واستظهارا، لا للحكم بنجاسته لانه ماء عظيم انتهى. وظاهر كلام ابن رشد أنه محمول على النجاسة وهو الظاهر. وقال البساطي في المغني بعد أن ذكر مسألة الخليج: وقد

[ 75 ]
اختلفت فتاوى أهل مصر في بركة الفيل وبركة الناصرية وهما على هذا الوصف. ص: (أو تغير بمجاوره وإن بدهن لاصق) ش: يعني أن الماء إذا تغير بمجاورة شئ له، فإن تغيره بالمجاورة لا يسلبه الطهورية، وسواء كان المجاور منفصلا عن الماء أو ملاصقا له. فالاول كما لو كان إلى جانب الماء جيفة أو عذرة أو غيرهما، فنقت الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغير ولا خلاف في هذا. قال بعضهم: ومنه إذا سد فم الاناء بشجر ونحوه فتغيير منه الماء من غير مخالطة لشئ منه. وأما الثاني: وهو المجاور الملاصق فمثله ابن الحاجب بالدهن وتبعه المصنف على ذلك وقيده بالملاصق واحترز به من الممازج المخالط كما سيأتي. وقال في توضيحه: وأما الدهن فقد أنكر ما ذكر المصنف لان المعروف من المذهب أن الدهن يسلب الطهورية، وممن ذكر ذلك ابن بشير. وعلى هذا فيحمل كلامه على ما إذا كان مجاورا لسطح الماء وإليه أشار ابن عطاء الله وابن راشد، وعلى هذا فيحمل كلامه على ما إذا كان مجاورا لسطح الماء وإليه أشار ابن عطاء الله وابن راشد، ولا يقال: يلزم عليه التكرار وكان يستغني عنه بالمجاورة لانا نقول: أراد أن يبين أن المجاورة التي لا تضر قسمان: قسم غير ملاصق وقسم ملاصق انتهى. وقد اعترض ابن عرفة على ابن الحاجب في ذلك فقال ابن الحاجب: المتغير بالدهن طهور، وقول ابن عبد السلام حقه أن يستغنى عنه بالمجاور لانه يجاور ولا يمازج يرد بأن ظاهر الروايات وأقوالهم كل تغير بحال معتبر وإن لم يمازج. ونص ابن بشير التغير بمخالطة الادهان غير مطهر ونقل عبد الحق عن ابن عبد الرحمن عن الشيخ والقابسي ما استقي بدلو دهن بزيت غير طهور انتهى. وذكر ابن فرحون عن ابن عطاء الله أنه وافق ابن الحاجب فقال: ولو سقط في الماء دهن أو عود لا يمتزج بالماء فغيره لم يضر. قال: ولا إشكال وارد على ابن عطاء الله أيضا لانه لم ينقله عن أحد من الاصحاب ولا عن الامهات، ثم ذكر أنه منقول عن ابن العربي. انتهى. قلت: والذي يظهر أن الدهن إذا لاصق سطح الماء ولم يمازجه لا يضر كما قال المصنف. وفي كلام ابن بشير إشارة إلى ذلك حيث قال: المتغير بمخالطة الادهان والمخالطة الممازجة. وقد صرح المصنف بأن الدهن المخالط يسلب الطهورية، وقد فرق صاحب الجمع بين الدلو والدهن الواقع على سطح الماء بأن كل جزء من أجزاء الماء مازجه جزء من أجزاء الدهن في مسألة الدلو، لان الدهن ينشغ من قعر الدلو وأجنابه بخلاف الدهن الواقع في الماء فإنه

[ 76 ]
يطفو على وجهه ويبقى ما تحته سالما، وصاحب الجمع هذا لم أقف على اسمه ورأيت منه جزءا يجمع فيه بين كلام ابن هارون وابن راشد وابن عبد السلام ويبحث مع كل منهم. وقوله: ينشغ بالنون والشين والغين المعجمتين أي يرتفع، وأصل النشوغ الشهيق حين يكاد يبلغ الغشي. ولاصق في كلام المصنف فعل ماض لا اسم فاعل ويقال: بالصاد والسين والزاي.. تنبيهات: الاول: إذا بنينا على ما مشى عليه المصنف في الدهن الملاصق فنقلابن فرحون عن ابن قداح أنه لا يستعمل الماء حتى يلقط الدهن من على وجه الماء. قال: هذا ويصح في الكثير، وأما القليل كنقطة في آنية الوضوء فالظاهر أنه يحتاج إلى لقطة انتهى. الثاني: قال ابن الامام لم أر من قيد تغير المجاورة بالرائحة فقط، ولا يمكن باللون لامتناع الانتقال عليه وفي إمكانه بالطعم نظرا انتهى. وقال البساطي في المغني: وأكثر ما تغير المجاورة الريح وقد تؤثر في اللون انتهى. الثالث: والظاهر عدم إمكان تغير اللون كما قال ابن الامام وكذا الطعم وإن كان قد يتوهم ذلك فالظاهر أنه من غلظ الحس، فإن تحقق تغير الطعم أو اللون لطول إقامة الدهن فيحمل على أن الدهن قد مازج الماء وخالطه والله أعلم. قوله: قال في التوضيح قال بعضهم أراد ابن الحاجب بالدهن ما يصعد على وجه الماء الراكد بطول المكث مما يشبه الدهن. وقال آخر: أراد بالدهن الماء القليل والمطر القليل، والدهن يطلق على ذلك لغة ولا يخفى ما فيهما من الضعف انتهى. ونقل ابن فرحون عن ابن راشد أنه قال: هو محمول عندي على ما يصعد على وجه الماء من الدهنية التي تكون في الاواني التي يؤكل فيها وتستعمل في الماء لانه صار مما لا ينفك عنه نوع الماء، ودليله أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون أوانيهم للاكل والشرب والوضوء والله تعالى أعلم انتهى. قلت: وهذا يختلف بحسب كثرة الدهن وقلته، فإن كان قليلا ولا يوجد له طعم في الماء فالظاهر أنه لا يضر والله أعلم. ص: (أو برائحة قطران وعاء مسافر) ش: يعني أن الماء إذا تغير برائحة القطران التي في وعاء المسافر فإن ذلك لا يسلبه الطهورية، وظاهر كلامه سواء حصل التغير بالرائحة الباقية مع أنه لم يبق من جرم القطران في الوعاء شئ أو تغير الماء برائحة قطران باق في الوعاء. فأما إن كان التغير إنما هو من الرائحة الباقية في الوعاء ولم يبق من جرم القطران في الوعاء شئ فلا شك أنه من التغير بالمجاور فلا يسلب الماء الطهورية ولا إشكال في ذلك، وأما إن حصل التغير برائحة القطران مع وجود جرمه في الوعاء، فالذي يظهر من كلام صاحب الطراز الآتي أنه اختار أن ذلك لا يضر، وكأنه يجعله من التغير بالمجاور الملاصق وهذا

[ 77 ]
هو الجاري على ما ذكر المصنف في الدهن الملاصق. فإن حملنا كلام المصنف على هذا فيكون قوله: أو برائحة قطران وعاء مسافر معطوفا على قوله: بدهن لاصق، ويكون تقييده بالمسافر خرج مخرج الغالب لانه إنما يحتاج إلى ذلك المسافر غالبا فلا مفهوم له، وإذا لم يضر تغير الماء برائحة القطران الموجود في الوعاء فأحرى إذا لم يكن موجودا. ويفهم منه أنه إذا حصل التغير في لونه أو طعمه سلبه الطهورية وهذا هو الذي يظهر من كلام صاحب الطراز فكأنه قال: إن رائحة القطران إذا بقيت في الوعاء فلا بأس به ولا يستغنى عنه عند العرب وأهل البوادي، وأما إذا ألقي في الماء وظهر عليه فإن راعينا مطلق الاسم قلنا: يجوز الوضوء به وهو ماء مطلق حتى يتغير لونه وتثبت له صفة الاضافة وإن راعينا مجرد التغير منعناه، والاولى عندي أرجح كما قاله أصحاب الشافعي، ولم ير ابن الماجشون بتغير الريح من النجاسة بأسا، وهذا الفرع على أصله ظاهر انتهى. فالذي يظهر من كلامه أنه إذا غير القطران لون الماء أو طعمه سلبه الطهورية، وأما إن تغيرت رائحة الماء فقط فيفصل فيه بين أن يكون من الرائحة الباقية في الوعاء فقط، أو من قطران باق في الوعاء. فإن كان التغير من الرائحة الباقية في الوعاء فقط فيجزم بأنه لا يضر. وقوله: لا يستغنى عنه عند العرب وأهل البوادي لا يريد قصر الحكم عليهم وإنما أراد أن الضرورة إليه عند من ذكر أشد وإن كان التغير من قطران ألقي في الماء فردد البحث في ذلك واختار أنه لا يضر أيضا حتى يتحقق ممازجته للماء بأن يتغير لون الماء يريد أو طعمه. وأسقط المصنف في التوضيح بعض كلام صاحب الطراز المتقدم فصار كلامه يوهم أنه رجح الوضوء به وإن تغير لون الماء أو طعمه والله أعلم. هذا ما ظهر لي في حل كلام المصنف وكلام صاحب الطراز. ونقل في التوضيح عن ابن راشد القفصي أنه قال: رأيت لبعض المتأخرين أنه رأى في القرب التي يسافر بها إلى الحج وفيها القطران فيتغير الماء، أن الوضوء به جائز للضرورة انتهى. وظاهره سواء كان التغير في الرائحة أو في الطعم أو في اللون، فلو أسقط المصنف لفظة رائحة أمكن أن يقال: إنه إنما أشار إلى ما ذكره ابن راشد. والحاصل مما تقدم أنه إن تغير ريح الماء فقط من القطران فهو من باب التغير بالمجاور فيجوز استعماله، ولا يتقيد ذلك بالضرروة ولا بالسفر. وإن تغير لونه أو طعمه فإن ذلك يسلبه الطهورية ولا يجوز استعماله في الحضر ولا في السفر إلا على ظاهر ما نقله ابن راشد عن بعض المتأخرين، ويتقيد حينئذ ذلك بالسفر للضرورة إليه ولا يصح مع وجود غيره والله أعلم. وقول المصنف وعاء مسافر يريد وكذا أهل البادية كما تقدم وعبر به في الشامل. والقطران بفتح القاف وكسر الطاء المهلمة وبكسرهما وبكسر القاف وسكون الطاء، وهو عصارة شجرة الا بهل وهو العرعر وشجر الارز يطبخ فيتحلل منه , القطران، ويقال في المطلي به مقطور ومقطرن والله أعلم. ص: (أو بمتولد منه) ش: يعني أن الماء إذا تغير بما يتولد منه

[ 78 ]
كالطحلب بضم الطاء واللام وبفتح اللام أيضا، وهو الخضرة التي تعلو الماء. والخز بالخاء المعجمة والزاي وهو ما ينبت في جوانب الجدر الملاصقة للماء. قال اللخمي: والضريع ولم أقف على معناه. قال الشيخ زروق: والزغلان قال: وهو حيوان صغير يتولد في الماء فإن ذلك التغير لا يسلبه الطهورية لان ذلك مما يتعذر الاحتراز منه وهذا هو المعروف في المذهب. وحكى صاحب الطراز عن مالك في المجموعة قولا بكراهة المتغير بالطحلب مع وجود غيره، ونقله عنه المصنف في التوضيح والشارح في الوسط والكبير، ومن ذلك ما تغير لطول مكثه سواء كان تغيره في لونه أو طعمه أو ريحه أو في الجميع. قال الشيخ زروق: ومن ذلك ما يكون من طول مكثه كاصفراره وغلظ قوامه ودهنية تعلوه من ذاته والمكث مثلث الميم طول الاقامة. تنبيهات: الاول: إذا ألقي الطحلب وما يتولد من الماء في ماء فغيره فالمشهور أنه لا يضر والماء باق على طهوريته، لان ذلك مما لا ينفك الماء عن جنسه قاله ابن بشير. ونقل صاحب الطراز عن اللخمي وعبد الحق في ذلك قولين من غير ترجيح. الثاني: قال ابن فرحون في الالغاز: إذا طبخ الماء وفيه الطحلب سلبه الطهورية لان حالة الطبخ يمكن الاحتراز منه فليس هو بمنزلة مخالطته في مستقره، لانه مما لا ينفك عنه غالبا قاله الشيخ أبو بكر الطرطوشي في أول تعليقه الخلاف انتهى. ونقله ابن غازي وقبله. قلت: ولا يقال ما ذكره الطرطوشي مخالف لما ذكره ابن بشير فيما إذا ألقي فيه الطحلب قصدا أنق لا يضره على المشهور، لان ذلك مما لا ينفك الماء عن جنسه، ولانا نقول: تغير الماء بطبخ الطحلب فيه أخص من تغيره به من غير طبخ وأقوى فلا يلزم من اغتفار الثاني اغتفار الاول وهو ظاهر والله أعلم. الثالث: قال البساطي في المغني: إذا تغير الماء من السمك أو روثه لم أر فيه نصا والقواعد تقتضي أنه إن تولد من الماء كالطير لم يسلبه الطهورية وإن احتاج إلى ذكور وإناث سلب انتهى. قلت: والظاهر أنه لا يسلبه الطهورية مطلقا لانه إما متولد من الماء أو مما لا ينفك عنه الماء، وسيأتي حكم ما إذا مات في الماء وغير الماء والله أعلم. ص: (أو بقراره كملح) ش: يعني أن الماء إذا تغير بقراره أي الارض التي هو بها أو يمر عليها فإن ذلك لا يسلبه الطهورية كما قال في الرسالة: إلا ما غيرت لونه الارض التي هو بها من سبخة أو حمأة أو نحوها.

[ 79 ]
والسبخة بفتح السين المهملة والموحدة وهي الارض المالحة فإن وصفت بها الارض كسرت الموحدة. والحمأة بفتح الحاء وسكون الميم وبعدها ألف مهموزة وهي طين أسود منتن ومثل ذلك الكبريت. والزرنيخ بكسر الزاي والشب والنحاس والحديد، والمغرة بضم الميم وسكون الغين المعجمة وقد تفتح ويقال لها: المشق بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وهي تراب أحمر، والكحل والزاج والنورة. تنبيه: قال اللخمي: وسواء تغير بذلك الماء وهو في قراره أو صنع منه إناء فتغير الماء منه، ولم يكره أحد الوضوء من إناء الحديد على سرعة تغير الماء فيه. وقد ثبت أنه (ص) توضأ من إناء صفر ومعلوم أنه يغير طعم الماء. وكان ابن عمر رضي الله عنه يسخن له الماء في إناء من صفر انتهى. وفي الطراز: ما تغير الماء من نفس الآنية فلا يضر. وذكر نحو ما تقدم وزاد: ولم تزل الامة تستعمل المسخن على النار وماء الحمامات وإن ظهر فيه من طعم القدور ما غير طعمه. ونقله القرافي وابن هارون والبرزلي وابن فرحون والبساطي في مغنيه والزهري في قواعده وقال: ولو في البلاد الحارة وغيرها. وقال الجزولي في باب صفة الوضوء في شرح قول الرسالة قبل أن يدخلهما في الاناء: روي عن ابن عمر كراهة الوضوء من إناء النحاس لانه معدن كالذهب والفضة، والمشهور جوازه وإن كان يضيف الماء انتهى. فإن قلت: نقل في التوضيح عن ابن راشد أنه قال في أسئلة ابن رشد في الاناء الجديد والحبل الجديد إذا كان التغير يسيرا جاز الوضوء به، وإن كان تغيرا بينا لم يجز. وهذا يقتضي أن الماء إذا تغير في الاناء تغيرا بينا لم يجز الوضوء به ولو كان من فخار ونحوه. قلت: ليس لفظ الاناء في أسئلة ابن رشد والذي في أسئلته في الماء يستقي بالكوب الجديد والحبل الجديد، وسيأتي لفظه. والكوب عند أهل الاندلس إناء يجعل من الخشب. وفي لفظ السؤال ما يدل على ذلك فإنه قال: فرجع طعم الماء طيبا من الارز أو نحو هذه العبارة. ونقله ابن فرحون عن ابن هارون وجعل بدل الكوب الجديد الدلو الجديد، وهذا هو الظاهر ونصه: ويلحق بالمتغير بما لا ينفك عنه البئر المتغيرة من الخشب والعشب الذي تطوى به الآبار في الصحاري للضرورة لذلك الماء، والماء المتغير بالدلو الجديد فهذا كله يلحق بالمطلق إلا أن تطول إقامة الماء في الدلو الجديد حتى يتغير منه تغيرا فاحشا قاله القاضي أبو الوليد في أسئلته انتهى. ص: (أو بمطروح ولو قصدا من تراب أو ملح) ش: يعني أن الماء إذا تغير بشئ طرح فيه وكان ذلك المطروح من جنس ما هو من قرار الماء كالتراب والملح فإن ذلك لا يسلبه

[ 80 ]
الطهورية ولو كان الطرح قصدا وهذا هو المشهور. وقيل: إن ذلك يسلبه الطهورية إذا كان الطرح قصدا حكاه المازري وغيره، ونقله ابن عرفة ووجهه أن الماء منفك عن هذا الطارئ. ونبه بقوله: ولو قصدا على أن محل الخلاف ما طرح قصدا، أما ما ألقته الريح فإنه لا خلاف أنه لا يضر قاله في التوضيح. ولو أتى المصنف بالكاف فقال: من كتراب أو ملح لكن أشمل كما قال في الشامل وإن بمطروح ولو قصدا من كتراب أو مغرة وكبريت على المشهور ولكنه اكتفى بذكر أقرب الاشياء إلى الماء وهو التراب، وأبعدها عنه وهو الملح، فعلم بذكر الخلاف فيهما أن الخلاف جار فيما بينهما كالكبريت والزرنيخ والمغرة، وأن المشهور في الجميع عدم سلب الطهورية كما نقل المصنف ذلك في التوضيح عن مجهول الجلاب. وما ذكره في الملح هو الذي ذهب إليه ابن أبي زيد وابن القصار ومقابله هو الذي اختاره ابن يونس كما سيأتي، وفيه قول ثالث بالفرق بين المعدني فلا يسلب الطهورية والمصنوع فيسلب ونسبه سند للباجي. قال الشارح: ولم يجزم الباجي به وإنما ذكره على سبيل الاحتمال قال سند: والاولى عكسه، يريد أن المعدني يضر لانه طعام والمصنوع لا يضر لان أصله تراب. تنبيهان: الاول: قال ابن فرحون وأصله لابن رشد: لو كان التراب مصنوعا كالجبس والنورة. فالظاهر التأثير لانه تغير بالصنعة لكنهم قالوا في الماء يتغير في الاناء مثل الفخار والحديد والنحاس إنه لا يؤثر في سلب الطهورية لكونه مما لا ينفك عنه الماء غالبا وذلك دليل على عدم اعتبار الصنعة انتهى. قلت: هذا هو الظاهر كما تقدم، وصرح البرزلي بأن صفرة الماء من الجير لا تضر قال: كما إذا تغير طعمه بالفخار الجديد والتراب ونص عليه اللخمي. الثاني: قال ابن عطاء الله قال عبد الحق: سألت بعض شيوخنا عن الملح إذا طبخ في الماء هل يجري مجرى سقوط الطعام فيه ؟ فذهب إلى أن ذلك كذلك وأن له حكم الماء المضاف وخالفه غيره وقال: لا يجري مجرى الطعام انتهى. قلت: الجاري على ما تقدم عن الطرطوشي في الطحلب إذا طبخ في الماء هو القول الاول لان تغير المطبوخ أقوى. ص: (والارجح السلب بالملح) ش: يعني أن ابن يونس رجح القول بسلب طهورية الماء بالملح المطروح فيه فإنه قال بعد أن ذكر الخلاف في الملح: والصواب لا يجوز الوضوء به لانه إذا فارق الارض صار رعاما لا يجوز التيمم عليه فهو بخلاف التراب لان التراب لا يتغير حكمه ولا تخلو بقعة فيها الماء منه انتهى والله علم. ص: (وفي الاتفاق

[ 81 ]
على السلب به إن صنع تردد) ش: هذا أول موضع جرى فيه ذكر التردد وهو لتردد المتأخرين في النقل عن المتقدمين المعبر عنه بالطرق. قال ابن بشير: اختلف المتأخرون هل الملح كالتراب فلا ينقل حكم الماء وهو المشهور، أو كالطعام فينقله إلى غيره، أو المعدني كالتراب والمصنوع كالطعام. واختلف من بعدهم هل ترجع هذه الاقوال إلى قول واحد ويكون من جعله كالتراب يريد المعدني، ومن جعله كالطعام يريد المصنوع، أو يرجع ذلك إلى ثلاثة أقوال كما تقدم انتهى بالمعنى. فأشار المصنف بالتردد إلى الاختلاف الثاني والمعنى: اختلف المتأخرون في نقل المذهب في الملح هل يتفق على السلب به إن كان مصنوعا أو لا يتفق على ذلك طريقان للمتأخرين. فإن قلت: الطريق التي تقول يتفق على السلب بالمعدني لانها تدعو أن الخلاف يرجع إلى قول واحد بالتفصيل فلم لم يصرح المصنف بذلك فيقول مثلا: وفي الاتفاق على السلب به إن صنع، وعلى عدم السلب به إن لم يصنع تردد، ولم اقتصر على أحد الشقين ؟ ولا يقال: إن ذلك يستفاد من مفهوم الشرط لانا نقول: الذي أفاده مفهوم الشرط أن غير المصنوع لم يحصل الاتفاق على سلب الطهورية به وذلك أعم من الاتفاق على عدم السلب به والاختلاف فيه. والجواب: أنه إنما لم يصرح بالاتفاق على عدم السلب بالمعدني لان غايته أن يكون كالتراب والخلاف موجود في التراب نفسه، فلو قال: وفي الاتفاق على السلب به إن صنع وعلى عدم السلب إن لم يصنع، لاقتضى ذلك أنه يتفق على عدم السلب بالمعدني وليس الامر كذلك. نعم إن أريد الاتفاق عند القائلين بأن التراب لا يسلب الطهورية فصحيح والله أعلم. ص: (لا بمتغير لونا أو طعما أو ريحا بما يفارقه غالبا من طاهر أو نجس كدهن خالطه أو بخار مصطكي وحكمه كمغيره) ش: هذا معطوف على قوله: بالمطلق والمعنى، أن الحدث وحكم الخبث يرتفع بالماء المطلق ولا يرتفع شئ من ذلك إلا بالماء المتغير سواء كان تغيره في

[ 82 ]
اللون أو في الطعم أو في الريح إذا كان المغير للماء ينفك عنه الماء غالبا، وسواء كان ذلك المغير طاهرا أو نجسا وذلك كالدهن الذي يخالط الماء أي يمازجه، وكاللبن والزعفران والخل وغير ذلك، وكالماء المتغير طاهرا أو نجسا وذلك كالدهن الذي يخالط ببخار المصطكي ونحوها. وإذا تغير الماء بما ذكرنا فحكمه حكم الشئ الذي غيره، فإن كان ذلك الشئ طاهرا فالماء طاهر غير مطهر فيستعمل في العادات كالشرب والطبخ والعجن وغسل الثياب من الوسخ ولا يرفع الحدث ولا حكم الخبث وإن كان ذلك الشئ الذي غير الماء نجسا فالماء نجس لا يستعمل لا في العادات ولا في العبادات ويجوز أن يسقى به الزرع وأن يسقى للماشية ويصير بولها وروثها نجسا كما سيأتي بيانه عند قول المصنف وينتفع بمتنجس لا نجس. وقوله: أو نجس يصح أن يقرأ بفتح الجيم فيكون المراد عين النجاسة. قال النووي: النجس بفتح الجيم عين النجاسة كالبول ونحوه، ويصح أن يقرأ بكسرها فيكون المراد به الشئ المتنجس ويدخل في ذلك عين النجاسة باب أولى. وخصص المتغير بالدهن المخالط والمتغير ببخار المصطكي بالذكر لنكتة. أما الاول فلينبه بذلك على مفهوم قوله: وإن بدهن لاصق إذ لا خلاف في أن الماء المتغير بمخالطة الادهان غير طهور. وقول الشارح في الكبير والوسط إن هذا هو المعروف من المذهب يوهم أن في ذلك خلافا وليس ذلك مراد الشارح وإنما أراد الرد على ظاهر إطلاق قول ابن الحاجب: إن المتغير بالدهن طهور، وقد تقدم بيان ذلك. وحمل المصنف وغيره له على الدهن الملاصق وعبارات الشارح في الصغير أحسن منه قال: وهذا هو المذهب والله أعلم. وأما المتغير ببخار المصطكي فلينبه على الراجح من الخلاف الذي بين المتأخرين فيه. قال في التوضيح: وحكى المازري في المبخر بالمصطكي وغيرها قولين للمتأخرين بناهما على أنه مجاور فلا يسلب الطهورية، أو مخالط فيسلب، والظاهر أنه مخالط ولم يحك اللخمي غيره انتهى كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: جزم اللخمي بإضافته صواب. وقال الشارح في الكبير: وهذا الخلاف جار في المبخر بالعود وغيره حكاه الاشياخ المتأخرون انتهى. وهذا مفهوم من كلام التوضيح. وقيده البساطي في المغني بالتغيير البين فقال: إذا بخر الاناء وظهر أثره في الاناء ظهورا بينا فإنه يسلب، وظاهر كلام غيره الاطلاق. ولعل مراده بالبين أن يدرك التغير فيه. والمصطكى بفتح الميم وضمها بالصاد المهملة ويمد مع الفتح قاله في القاموس. ولو قال أو بخار كمصطكي لكان أوضح وأشمل. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف أنه إذا تغير أحد أوصاف الماء بما ينفك عنه سلبه ذلك التغير الطهورية سواء كان التغير ظاهرا أو خفيا، وهذا هو المعروف في المذهب إلا ما نبه

[ 83 ]
المصنف على أنه إنما يضر فيه التغير البين كما سيأتي، وذلك مما يبين أن أراد الاطلاق في كلامه هنا. وحكى ابن فرحون وصاحب الجمع قولا باغتفار التغير اليسير. وقال ابن هارون: إنه غير معروف في المذهب. وقال ابن فرحون: ذكر الا بياني في سفينته أن خفي التغير معفو عنه من جهة الشارع وذلك أن أواني العرب لا تنفك من طعم يسير أو رائحة يسيرة، وكانوا لا يتحرجون عن استعمالها انتهى. وحكى صاحب الجمع عن ابن هارون أن بعضهم عزى القول بالتفصيل بين التغير اليسير والكثير للمذهب. قال ابن هارون: هذ يحمل عندي على ما تغير بما لا ينفك عنه غالبا لا على أن التغير اليسير مغتفر لان ذلك غير معروف في المذهب. قلت: وما قاله ابن هارون هو الذي يقتضيه كلام أهل المذهب، ولم ينقل صاحب الطراز التفريق بين التغير اليسير والكثير إلا عن الشافعية. وأما ما استدل به الا بياني من مسألة أواني العرب فلا دليل فيه لان ذلك بمنزلة ما لا ينفك عنه الماء غالبا كما تقدم عن ابن راشد، وفي كلام ابن هارون المتقدم هنا إشارة إلى ذلك وذكر الوانوغي في حاشيته على تعليقة أبي عمران في الاناء يصب منه الودك أو الزيت ثم يصب فيه الماء فتعلوه شيابة هل يتوضأ به فقال: أما اليسير فلا يضر انتهى. قلت: وهذا كله فيما تغير بطاهر، وأما ما تغير بنجس فلا فرق فيه بين التغير اليسير والفاحش قليلا كان الماء أو كثيرا، جاريا أو راكدا. وحكى النووي في شرح المهذب الاجماع على ذلك قال: وسواء تغير لونه أو طعمه أو ريحه. قلت: في حكاية الاجماع على ما تغير ريحه فقط نظر لما سيأتي عن ابن الماجشون. الثاني: ظاهر كلام المصنف أيضا أنه لا فرق بين كون أجزاء الماء أكثر من أجزاء المخالط أو عكس ذلك وهذا هو المعروف في المذهب. وحكى اللخمي فيما إذا كانت أجزاء المخالط الطاهر المغير للماء أقل من أجزاء الماء قولين. قال: والمعروف من المذهب أنه غير طهور. وروي عن مالك أنه مطهر وأن تركه مع وجود غيره استحسان، وأخذ ذلك من الرواية التي في مسألة الغدير يتغير بروث الماشية، ومثله البئر إذا تغير بورق الشجر كما سيأتي بيانه. ورد عليه صاحب الطراز وقال: إن ذلك فاسد. وإنما تردد فيه مالك لاشتباه الامر فيه هل يمكن الاحتراز منه أم لا، ونحوه للباجي كما سيأتي. وتبع ابن رشد في نوازله اللخمي فيما ذكره فقال: وإن كان ما انضاف إلى الماء من الاشياء الطاهرة ليس هو الغالب إلا أنه غير أوصاف الماء أو بعضها فالمشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه أنه غير مطهر ولا يجوز الغسل ولا الوضوء به ولا يرفع حكم النجاسة من ثوب ولا بدن، وقد روي عن مالك أنه قال: ما يعجبني أن يتوضأ به من غير أن أحرمه فاتقاه من غير تحريم انتهى فتأمله. ونقل ابن عرفة كلام اللخمي وابن رشد بعبارة توهم التسوية بين القولين وسيأتي لفظه في الكلام على مسألة الغدير والله أعلم.

[ 84 ]
الثالث: علم من كلام المصنف أن المعتبر في سلب الطهورية إنما هو تغير أحد أوصاف الماء لا مجرد مخالطة الماء لغيره، فلو وقع في الماء جلد أو ثوب وأخرج ولم يتغير الماء لم يضره وقاله في المدونة. قال في الطراز: وكذلك لو غمس فيه خبز وأخرج في الحين أو بل فيه شئ من الحبوب ولم يغيره قال: والعلة تغير أحد أوصاف الماء انتهى مختصرا، وهذا هو المعروف في المذهب. وحكى في الطراز عن أصبغ أنه لا يتوضأ بماء بل فيه شئ من الطعام أو غسل به ثوب طاهر أو توضئ به، سواء تغير الماء أو لم يتغير. فإن توضأ به وصلى أعاد أبدا ذكره في باب أحكام المياه في موضعين. الرابع: ما ذكره المصنف من اعتبار تغير الرائحة هو المشهور في المذهب كما صرح به ابن عرفة وغيره. وقال ابن الماجشون: إن تغير الريح غير معتبر. قال ابن ناجي في شرح المدونة. وهو ظاهر المدونة يعني حيث لم يذكر فيها تغير الريح وهو ظاهر الرسالة أيضا، فإنه لم يذكر فيها تغير الريح. وذكر ابن عرفة عن ابن رشد قولا ثالثا يفرق فيه بين التغير الشديد والخفيف، وعزاه لسحنون أخذا من قوله: من توضأ بما تغير بما حل فيه تغيرا شديدا أعاد أبدا. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: وهذا الكلام يتناول الطعم واللون إذ ليس في كلام سحنون ما يدل على خصوصية الريح انتهى. قال ابن عرفة: وقول ابن رشد أن ابن الماجشون ألغى تغير الريح مطلقا يناقض قوله في موضع آخر: إذا أنتن الماء واشتدت رائحته فنجس اتفاقا انتهى. قلت: كلام ابن رشد الثاني في أواخر سماع أشهب من كتاب الوضوء. قال ابن عرفة: وقول عياض: أجمعوا على نجاسة ما غير ريحه نجاسة بعيد انتهى. قلت: هذا نحو كلام النووي المتقدم، واستشكل بعض أشياخ ابن بشير قول ابن الماجشون حتى حمل قوله على التغير بالمجاورة، وتبعه على ذلك خلق كثير منهم ابن الحاجب فقال: ولعله قصد التغير بالمجاورة. قال ابن الامام: وهذه غلطة عظيمة فقد حكى عنه أبو زيد في الثمانية أن وقوع الميتة في البئر لا يضر وإن تغيرت رائحته حتى يتغير لونه أو طعمه. وصرح اللخمي والمازري بأن خلافه مع تغير الرائحة بما حل في الماء وخالطه انتهى. وذكر المنصف نحو هذا في التوضيح والله أعلم. الخامس: إذا وقع في الماء نجاسة ولم تغيره ثم حل فيه ما هو طاهر كاللبن ونحوه فغيره فهو طاهر على المستحسن من المذهب، وإن تقدمت الاضافة ثم حلت فيه نجاسة كان نجسا لان الماء المضاف والمائعات لا تدفع عن نفسها. قاله اللخمي ونقله البساطي في المغني والشبيبي في شرح الرسالة، ولم يذكروا فيه خلافا وكأنه أراد بأول كلامه الماء اليسير إذا حلته نجاسة ولم تغيره فلذلك قال على المستحسن من المذهب، وأما لو كان الماء كثيرا فإنه طاهر بلا خلاف والله أعلم.

[ 85 ]
السادس: قال في التوضيح: لما ذكر أن حكم الماء حكم ما غيره، فإن كان نجسا فالماء نجس، وإن كان المغير طاهرا فالماء طاهر غير مطهر ما نصه، وانظر إذا خالطه مشكوك فيه انتهى. قلت: والذي يظهر أنه طاهر لانه سيأتي أنه إذا شك في نجاسة المصيب لا يجب غسله ولا ينضح فيكون الماء طاهرا غير مطهر، لان الفرض أنه تغير بما وقع فيه إلا أن يشك أيضا في المغير هل هو مما يسلبه الطهورية أم لا فحمل على أنه طاهر مطهر كما تقدم والله أعلم. السابع: قال في المدونة قال ابن وهب عن مالك في رجل أصابته السماء حتى استنقع من المطر شئ قليل فليتوضأ منه وإن جف تيمم به وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا بأس به. قال ابن ناجي: هذا في الفلوات، وأما في طرق المدن فلا لان الغالب عليها النجاسة انتهى. ص: (ويضر بين تغير بحبل سانية) ش: لما دل كلامه أولا على أن مطلق التغير يسلب الطهورية كما ذكرنا، نبه هنا على أن حبل السانية لا يسلب الماء الطهورية إلا إذا تغير منه تغيرا بينا. والسانية الحبل الذي يستقى عليه، وفي المثل: سير السواني سفر لا ينقطع وأشار المصنف بما ذكره إلى قول ابن رشد: وأما الماء يستقى بالكوب الجديد فلا يحب الامتناع من استعماله في الطهارة إلا أن يطول مكث الماء في الكوب أو طرح الحبل فيه حتى يتغير من ذلك تغيرا بينا فاحشا انتهى. لكن قال ابن غازي: الظاهر من كلام ابن رشد في الاجوبة: إن السانية ليست مخصوصة بهذا الحكم لانه فرض ذلك في حبل الاستقاء وهو أعم، ثم ذكر لفظ الاجوبة السابق ثم قال بعده: وكذا فرضه ابن عرفة عاما فقال: وفي طهورية المتغير بحبل استقائه ثالثها إن لم يكن تغيرا فاحشا، الاول: لابن زرقون، والثاني: لابن الحاجب، والثالث لفتوى ابن رشد في المغير به وبالكوب انتهى. فظهر أنه لا خصوصية لحبل السانية. فلو قال المصنف بحبل استقائه كان أحسن. وذكر ابن فرحون عن بعض أئمة المذهب أنه فرق بين حبل السانية وحبل البئر وجعل الصحيح في حبل السانية أنه لا يضر. قال: بخلاف حبل البئر لانه يمكن الاحتراز في حبل البئر بل يربط في الدلو مقدار ما يحل في الماء من حبل قديم، وأما حبل السانية فلا يمكن الاحتراز منه لحلوله كله في الماء. قال: وأفتى بعضهم باستوائهما في المنع. قال ابن فرحون: وهذا في السانية التي تدور بالقواديس. وأما التي تذهب بالدواب وتجئ فيمكن التحرز أيضا بربط حبل في طرف الحبل الجديد انتهى. قلت: وهذا مخالف لما أفتى به ابن رشد وإن كان موافقا لظاهر كلام المصنف، وفيه تضييق وحرج والظاهر ما تقدم. فتحصل من هذا أن الماء إذا تغير بالحبل الذي يستقى به أو

[ 86 ]
بالدلو أو بالكوب الذي يستقى به فلا يضر تغيره إلا إذا طال مكثه في الماء حتى تغير تغيرا فاحشا، وهذا ما لم يكن الاناء الذي يستقى به من قرار الارض كالاناء المصنوع من الحديد والنحاس والفخار، فهذا لا يضر تغير الماء به ولو كان فاحشا كما تقدم. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ذكر أبو الحسن الشبيبي في ماء القربة والبئر يتغير بما يصلحه من الدباغ والطرفاء أو نحوه أنه طهور وغيره أحسن، وظاهر كلام ابن رشد أنه غير طهور يصلحه من الدباغ والطرفاء أو نحوه أنه طهور وغيره أحسن، وظاهر كلام ابن رشد أنه غير طهور انتهى. قلت: ما ذكره في ماء القربة يتغير من الدباغ فينبغي أن يفصل فيه بين التغير البين وغيره كما في الدلو لان الجامع بينهما ضرورة الاستقاء، وأما ماء البئر إذا تغير بالطرفاء ونحوه فسيأتي عن ابن رشد أنه طهور إذا كان ذلك لعدم ما يطوى به، وما ذكره عن ابن رشد غريب مخالف لما سيأتي فتأمله والله أعلم. ص: (كغدير بروث ماشية أو بئر بورق شجر أو تبن والاظهر في بئر البادية بهما الجواز) ش: ظاهر كلامه رحمه الله أن هاتين المسألتين لا يضر فيهما إلا التغير البين كالمسألة التي قبلها. وقال ابن غازي: ينبغي أن يكون التشبيه راجعا لمجرد التغير لا لقيد كونه بينا كالمشبه به وهذا هو المساعد للنقول، ألا تراهم لم يذكروا فيها قولا بالتفصيل بين البين وغيره كما ذكروه في المشبه به، ثم ذكر كلام ابن عرفة على المسألتين. قلت: أما مسألة الغدير ترده الماشية فتبول فيه وتروث فيه حتى يتغير لونه وطعمه فذكر اللخمي وغيره فيها روايتين: الاولى أن ذلك يسلبه الطهورية وقال اللخمي: إنه المعروف من المذهب ونقله عنه في التوضيح وقبله. قال اللخمي: فيكون الماء غير مطهر يتيمم إن لم يجد غيره، وإن توضأ به أعاد وإن ذهب الوقت. والرواية الثانية في المجموعة قال: ما يعجبني أن يتوضأ به من غير أن أحرمه، فحملها اللخمي على أن الماء طهور وإن تركه مع وجود غيره إنما هو استحسان. قال: فتجوز الصلاة به وتستحسن الاعادة ما لم يخرج الوقت قال: وإن عدم

[ 87 ]
غيره لم يقتصر على التيمم ويتوضأ به ويتيمم لكنه بنى ذلك على أنه إذا كانت أجزاء المخالط أقل من الماء ففيه قولان، وذكر ما تقدم عنه وعن ابن رشد. وقد تقدم عن صاحب الطراز أنه رد عليه ذلك قال: وإنما تردد فيه مالك لاشتباه أمر هل يمكن الاحتراز منه أم لا ؟ وهكذا قال في المنتقى فإنه لما ذكر رواية المجموعة قال: ومعنى ذلك له أنه مما لا ينفك الماء عنه غالبا ولا يمكن منعه منه انتهى. واختصر ذلك ابن عرفة فقال: وروى ابن غانم فيما تغير لونه وطعمه ببول ماشية تردد وروثها لا يعجبني الوضوء به ولا أحرمه. الباجي: لانها لا تنفك عنه غالبا. اللخمي: لانه كثير تغير بطاهر قليل وجعل في سلب طهوريته وطهارته قولين وتبعه ابن رشد انتهى. قلت: إلا أن كلامه يوهم أن اللخمي وابن رشد ذكرا القولين من غير ترجيح، وقد سبق كلامهما في ذلك فانظر آفة الاختصار. فتحصل من هذا أن المعروف في مسألة الغدير سلب الطهورية سواء كان التغير بينا أم لا ؟ على ما نقله اللخمي وقبله المصنف في التوضيح، وأما مسألة البئر تتغير بورق الشجر والتبن الذي ألقته الريح فيها فذكر المصنف فيها قولين: الاول منهما أن التغير البين يضر ومفهومه أن غير البين لا يضر، والثاني وعزاه لابن رشد أن التغير بهما أي بورق الشجر والتبن لا يضر في بئر البادية وظاهره سواء كان التغير بينا أو غير بين، مفهومه أن ذلك يضر في بئر الحاضرة، بينا كان أو غير بين، هذا جل كلامه رحمه الله. والذي ذكره ابن رشد في نوازله أنه قال: سئلت عن آبار الصحارى التي تدعو الضرورة إلى طيها بالخشب لعدم ما تطوى به سوى ذلك فيتغير لون الماء وريحه وطعمه من ذلك هل يجوز الغسل والوضوء به ؟ فأجبت بأن ذلك جائز. ثم سئلت سنة خمس عشرة وخمسمائة عن الدليل على صحة ما أجبت به لمخالفة من خالف فيه فذكر احتجاجه في ذلك وأطال بما حاصله أن آبار الصحارى لما كانت لا يستغنى فيها عن الخشب والعشب اللذين تدعو الضرورة إلى طيها بهما، صار ذلك كتغير الماء بما لا ينفك عنه من الطحلب والحمأة ونحوهما. ثم قال في آخر كلامه: فكيف يصح لقائل أن يقول: إن الوضوء والغسل لا يصح بذلك ؟ هذا بعيد كنحو ما روي عن بعض المتأخرين أن الماء المتغير في الاودية والغدران بما يسقط فيه من أوراق الشجر النابتة عليه والتي جلبتها الريح إليه لا يجوز الوضوء ولا الغسل به، وهذا من الشذوذ الخارج عن أصل مذهب مالك في المياه، فلا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يعول عليه انتهى. ولعله أراد ببعض المتأخرين الا بياني، فقد قال الباجي في المنتقى ما نصه: وأما إذا سقط ورق الشجر أو الحشيش في الماء فتغير، فإن مذهب شيوخنا العراقيين أنه لا يمنع الوضوء به. وقال ابو العباس الا بياني: لا يجوز الوضوء به. وجه القول الاول أنه مما لا ينفك الماء عنه غالبا ولا يمكن التحفظ منه ويشق ترك استعماله كالطحلب انتهى. وذكر اللخمي عن السليمانية في البئر يقع فيها سعف النخل وورق الزيتون والتبن فيتغير لون الماء أنه قال: لا يتغير لونه إلا وقد تغير طعمه

[ 88 ]
فلا يتوضأ به فإن فعل وصلى أعاد ما لم يذهب الوقت قال اللخمي: وهذا نحو الاول يشير إلى قول مالك في المجموعة المتقدم في مسألة الغدير، وإن ذلك مبني على أنه إذا كانت أجزاء المخالط الطاهر أقل من أجزاء الماء كان الماء طاهرا أو كان تركه إنما هو على وجه الاستحسان. واقتضى كلامه هذا أن هذا القول مقابل المعروف من المذهب فإنه ذكر أن المعروف من قول مالك في ذلك سلب الطهورية كما تقدم. واعتمد الشارح في الكبير على هذا فذكر عن اللخمي أن المعروف من المذهب أن ذلك يضر قال: ولهذا اقتصر الشيخ رحمه الله عليه ونحوه في الصغير، ولعله أراد أن يقول: ولهذا قدمه المصنف فتأمله. وقد تقدم عن صاحب الطراز أنه لم يرتض بناء اللخمي، ورد ذلك عليه وأن ذلك هو الذي يفهم من كلام الباجي. ولما تكلم صاحب الطراز على هذه المسألة قال ما نصه: أما الحشيش وأوراق الشجر تسقط في الماء فتغيره، فقال أصحابنا العراقيون: لا بأس به وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ولانه يمكن الاحتراز منه، ومنعه أبو العباس الا بياني، وكرهه مالك إن وجد منه بدلا، وقد تقدم وجهه انتهى. يشير به إلى مسألة السليمانية وأن مالكا إنما تردد في ذلك لاشتباه أمره هل يمكن الاحتراز منه أم لا ؟ وتبع ابن عرفة صاحب الطراز في حكاية هذه الاقوال الثلاثة فقال: وفيما غير لونه ورق أو حشيش غالب ثالثها يكره للعراقيين. الا بياني وقول السليمانية: تعاد الصلاة بوضوئه في الوقت انتهى. وذكر ابن مرزوق في شرحه لهذا المختصر أن بعضهم حكى عن ابن العربي أنه حكى اتفاق العلماء على جواز الوضوء بما تغير من ورق شجر نبت عليه انتهى. فتحصل من هذا أن في ماء البئر المتغير بورق الشجر والحشيش طرقا: الاولى للباجي وابن رشد وعليها اقتصر المصنف في التوضيح أن في ذلك قولين: أحدهما إن ذلك يسلبه الطهورية وهو قول الا بياني، والثاني إن ذلك لا يسلبه الطهورية وعزاه الباجي لشيوخنا العراقيين وابن رشد لاختياره من المذهب، وجعل مثل ذلك المتغير بما تطوى به البئر من الخشب والعشب ففيه قولان: اختيار ابن رشد وقول من خالفه الطريقة الثانية للخمي أن في ذلك قولين المعروف من المذهب سلب الطهورية ومقابله بالكراهة. الطريقة الثالثة لصاحب الطراز وابن عرفة أن في ذلك ثلاثة أقوال: قول العراقيين وقول الا بياني والثالث ما في السليمانية. الطريقة الرابعة ما ذكره ابن مرزوق عن ابن العربي أن ورق الشبر النابت لا يضر اتفاقا، ولم أقف على من ذكر فيه قولا بالفرق بين التغير البين وغيره، ولعل المصنف وقف عليه لكن الذي يظهر من كلام أهل المذهب ونقولهم التي ذكرناها ترجيح القول بأن ذلك لا يسلبه الطهورية لانه قول شيوخنا العراقيين، وقدمه صاحب الطراز وابن عرفة واقتصر عليه صاحب الذخيرة ولم يذكر غيره، واختاره ابن رشد فكان ينبغي للمصنف أن يقتصر عليه ويقدمه فإن القول الذي قدمه هو قول الا بياني وقد علمت أنه في غاية الشذوذ كما قال ابن رشد، لكن المصنف - والله أعلم - إنما اعتمد في تقديمه على ما يفهم من كلام اللخمي من أنه هو المعروف في المذهب وذلك مبني على ما أصله وقد

[ 89 ]
علمت أنه ضعيف، على أنه ليس في كلام اللخمي التفريق بين التغير البين وغيره. قال ابن غازي: ودل آخر كلام ابن رشد على أن فتواه غير قاصرة على ما تطوى به البئر فإطلاق المصنف صواب انتهى. لكن تقييد المصنف ذلك ببئر البادية ينبغي أن يكون لا مفهوم له وأنه خرج مخرج الغالب، وأن المعتبر في ذلك ما يعسر الاحتراز منه كما دل عليه كلام ابن رشد وابن عرفة وغيرهما والله أعلم. ويؤيد ذلك قول الزهري في قواعده: إنه إن كانت الشجرة لا تنفك عن السقوط فالمشهور أنه يلحق بالمطلق، وإن كان السقوط في وقت دون وقت فالمشهور أنه ملحق بالمضاف. فرع: إذا كان في أصل الماء شجرة فتغير الماء بعروقها فنقل الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة إلا إذا غيرت لونه الارض التي هو بها. عن نوازل ابن رشد أن ذلك لا يضر ولم أقف على ذلك في نوازل ابن رشد. وقال الزهري في قواعده: إن كانت الشجرة مثمرة ففي ذلك قولان، وإن كانت يابسة فالماء مضاف لسقوط اعتبار المنفعة قاله الاشياخ انتهى. قلت: والظاهر أن ذلك لا يضر لانه مما يعسر الاحتراز منه والله أعلم. ص: (وفي جعل المخالط الموافق كالمخالف نظر) ش: يعني أنه إذا خالط الماء شئ أجنبي ينفك عنه غالبا ولكنه موافق لاوصاف الماء الثلاثة - أعني اللون والطعم والريح فلم يغيره - فهل يجعل ذلك المخالط الموافق لاوصاف الماء كأنه مخالف للماء فيسلبه الطهورية لان الاوصاف الموجودة والحالة هذه إنما هي أوصاف للماء والمخالط، وأدنى الامور في ذلك الشك فيه، أو لا يجعله مخالفا لانه يصدق على الماء أنه باق على أوصاف خلقته، وذلك يقتضي استعماله في ذلك نظر، فالنظر في الجعل وعدم الجعل وعدل عن قول ابن الحاجب وفي تقدير موافق صفة الماء مخالفا نظر، لينبه على أن النظر في كلام ابن الحاجب إنما هو في وجود التقدير وعدمه أي هل نقدره مخالفا أو لا نقدره مخالفا في كيفية التقدير بمعنى أنالا ندري بأي نوع نلحقه كما أشار إلى ذلك في التوضيح فعدل إلى لفظ الجعل لانه لا يحتمل ذلك. قال في التوضيح: وعلى هذا لا نص في المسألة. وكذا قال ابن عطاء الله إنه لم يقف في هذه المسألة على شئ قال: والذي أراه أنه إن وجد غيره لم يستعمله، وإن لم يجد غيره توضأ وتيمم. قال ابن رشد وابن عطاء الله: أخذ المصنف يعني ابن الحاجب قال: وقد تردد سند فيمن وجد من الماء دون كفايته فخلطه بماء الزرجون أو غيره مما لا يتغير به، هل يتطهر به لانه ماء لم يتغير أو لا يتطهر به لانه تطهر بغير الماء جزما. قال: والظاهر أنه لا يتطهر به. ثم إذا ظهر أنه مخالف فينظر في الواقع، إما أن

[ 90 ]
يكون طاهرا أو نجسا وإما أن يكون الماء قليلا أو كثيرا أجره على ما تقدم. ثم ذكر عن ابن عبد السلام أنه صور المسألة بصورتين: إحداهما أن يخالط الماء ما هو موافق بصفته كالرياحين المقطوعة الرائحة، والثانية أن يكون الماء متغيرا بما لا ينفك عنه فيخالطه مائع مخالط لصفته. قال ابن عبد السلام: واعلم أن الاصل التمسك ببقاء أوصاف الماء حتى يتحقق زوالها أو يظن كما لو كان المخالط للماء هو الاكثر. قال: ولا تقدر الاوصاف الموافقة مخالفة لعدم الانضباط مع التقدير إذ يلزم إذا وقعت نقطة أو نقطتان من ماء الزهر أو لا تؤثر لانها لا تغير الماء، ولو كانت من ماء الورد لاثرت لانها تغيره، وكذلك ربما غيره مقدار من ماء الورد ولم يغيره ذلك المقدار من ماء آخر من مياه الورد لرداءته، فلو روعي مثل هذا لما انضبط والشريعة السمحة تقتضي طرح ذلك. قال المصنف: وفيه نظر، لانه إذا قدرناه بالوسط - كما هو الاصح عند الشافعية - وجعلنا الماء كأنه غير مغير في صورة ما إذا كان مغيرا بقراره لم يلزم ما ذكره. هذا ملخص ما ذكره في التوضيح في هذه المسألة، وجعل ابن راشد من صور المسألة البول إذا ذهبت رائحته حتى صار كالماء. قال ابن فرحون: وهذا مشكل. وذكر عن الشيخ أبي علي ناصر الدين أن المخالط إذا كان نجسا فالماء نجس مطلقا. قلت: وظاهر كلامهم أن النظر في جعل المخالط الموافق كالمخالف ولو غلب على الظن أن ذلك المخالط لو كان باقيا على أوصافه لغير الماء وهذا مشكل، والذي يظهر لي أنه يفصل في المسألة، فإن حصل الشك في ذلك المخالط هل يسلب الطهورية لو كان باقيا على أوصافه فيمكن أن يقال كما قال ابن عطاء الله: إنه إن وجد غيره لم يستعمله وإن لم يجد استعمله وتيمم وهذا على وجه الاحتياط. وقد يقال: الاصل في الماء الطهورية حتى يغلب على الظن حصول ما يسلبها وهذا هو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المسألة التي بعدها أعني مسألة الريق. وأما حيث يغلب على الظن شئ في أمر المخالط فينبغي أن يعمل عليه فإن كان الماء كثيرا والمخالط يسيرا بحيث يغلب على الظن أنه لو كان باقيا على صفاته لم يغير الماء فإن كان طاهرا فلا شك في جواز استعماله ولو كان غيره موجودا، وإن كان نجسا فينظر إلى كثرة الماء وقلته، فإن كان الماء كثيرا أكثر من آنية الوضوء والغسل فهو طهور بلا كراهة وإلا فهو مكروه لانه ماء يسير حلته نجاسة ولم تغيره، وإن كان الماء قليلا والمخالط كثيرا بحيث يغلب على الظن أنه لو كان باقيا على أوصافه لغير الماء، فإن كان المخالط طاهرا كان الماء طاهرا غير مطهر، وإن كان الماء نجسا كان الماء نجسا. وفي كلام سند في مسألة ماء الزرجون إشارة إلى هذه، وكذا في كلام ابن عرفة فإنه قال: وفي قول ابن الحاجب في تقديره موافق صفة الماء مخالفا نظر، لان الموافق قل أو كثر في قليل أو كثير الروايات والاقوال واضحة ببيان حكم صوره، ولا شك في عدم قصر الحكم على التغيير المحسوس ولذا قيل ما قيل في مسألة القابسي، وتقدير الموافق مخالفا قلب للحقائق كالمتحرك ساكنا انتهى. فيهم منه أنه ينظر إلى قدر المخالط ويبقى النظر في قدر ما يضر وما لا يضر، وإلى

[ 91 ]
هذا مال ابن الامام في شرح ابن الحاجب. قال: وقول ابن العربي في مسالكه إن الطهور إذا خالطه مائع لا يخالف لونه وطعمه وريحه كالعرق وماء الشجر، فالظاهر أنه طهور بعيد لاطلاقه وإن كانت صورة كون المخالط أكثر غير مرادة لقوله بعده: وإذا كان المخالط أكثر تبعه الماء لان المساواة مانعة من التبعية ولاستلزامه صحة الطهارة فيما قال سند: إنه لا يتطهر به انتهى. وفي كلام ابن عبد السلام أيضا إشارة إلى ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (وفي التطهير بماء جعل في الفم قولان) ش: قوله: بماء الظاهر فيه أنه بالهمزة والمد، وهو الذي في أكثر النسخ، ويصح أن يقرأ بغير همز فيكون ما اسما موصولا بمعنى الذي وفيه بعد وتكلف لانه يحتاج إلى تقدير موصوف أي وفي التطهير بالماء الذي جعل في الفم قولان. قال في التوضيح: والقولان راجعان إلى خلاف في حال هل يمكن أن ينفك الماء عما يضيفه أم لا، والجواز رواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم والمنع رواه أشهب عن مالك في العتبية، واتفقا على أنه لو تحقق التغير لاثر انتهى. وكأنه يعني - والله أعلم - لو تحقق أنه حصل من الريق قدر لو كان من غير الريق لغير الماء، ولان الريق لا يغير الماء إلا أن يكثر جدا حتى يظهر لعابه في الماء فالظاهر أنه إنما أراد ما ذكرنا، وهكذا قال ابن الامام: إنه لو طال مكث الماء في فمه أو حصل منه مضمضة لانتفى الخلاف لغلبة الريق، وقيد غيره أيضا الخلاف بأن لا يكون في الفم نجاسة وهو ظاهر، والظاهر مع هذين القيدين القول بالجواز. ونقل الشارح في الصغير عن المصنف أنه قال: والظاهر الطهورية لانها أصل انتهى. تنبيهان: الاول: قال ابن الامام: مقتضى كلام ابن الحاجب ثبوت الخلاف في تطهير الحدث والخبث به وهو ظاهر كلمعة ذكرها حيث لا يمكنه الاخذ إلا بفيه لقطع يديه أو نجاستهما، وتقييد طائفة من الاشياخ الخلاف بتطهير الخبث إن كان لانه الواقع في الروايات فظاهر، وإن كان لانه مضاف فغير صحيح انتهى. ورواية أشهب عن مالك في آخر سماعه، ورواية موسى عن ابن القاسم في سماعه، وكلاهما في كتاب الطهارة. وأطلق المصنف وغيره عليهما القولين مع أن أحدهما رواية والله أعلم. الثاني: دل كلام التوضيح السابق وكلام ابن الامام على أن الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها الشك في حصول القدر الذي يغلب على الظن تأثيره من المخالط الموافق بخلاف المسألة السابقة. وقال البساطي: الفرق بينهما احتمال المخالط الموافق هنا، وهناك فرض وقوعه. ثم قال: فإن قلت هذا أن الخلاف خلاف في حال، فإن كان خلافا حقيقيا وهو أن يتفق ابن القاسم

[ 92 ]
وأشهب على أنه لا ينفك عن المخالط لكن ابن القاسم يعتبر بقاء صدق اسم الماء، وأشهب ينظر إلى أنه خولط في نفس الامر، فهو والذي قبله سواء ولا يصح قولهم: لا نص في المسألة، ثم أجاب بأن المسألة السابقة محمولة على أن المخالط الموافق وقع منه في الماء قدر لو كان مخالفا أو باقيا على أصله لاثر في الماء فافترقت المسألتان انتهى. قلت: فرضه أن الخلاف حقيقي مخالف لكلام الشيوخ السابق، ودل آخر كلامه على أن الفرق بين المسألتين ما ذكرناه أولا والله أعلم. ثم قال البساطي: فإن قلت: كيف يمكن الجمع بين قولهم هنا عن أشهب أنه لا يتطهر به ونقلهم الاتفاق على أن الماء القليل إذا خولط بطاهر ولم يغيره طهور ؟ قلت: كأن ذلك محمول على ما إذا كان من شأن المخالط أن يطهر تغيره كاللبن والعسل، فلما لم يغير دل على قلته وهذا موافق لصفة الماء فلا دليل على قلته انتهى. وما ذكره من الاتفاق هو أحد الطرق في المسألة والله أعلم. ص: (وكره ماء مستعمل في حدث) ش: لما فرغ من بيان المطلق الذي يتطهر به والماء الذي لا يصح التطهر به، ذكر قسما ثالثا وهي المياه التي يكره استعمالها مع الحكم بطهوريتها، فبدأ منها بالماء المستعمل في الحدث وذكر أنه مكروه، ويعني بذلك أنه طهور ولكنه يكره استعماله يريد مع وجود غيره، فإن لم يجد غيره تطهر به ولا يتيمم مع وجوده وهذا ه‍ المشهور من المذهب كما صرح بذلك غير واحد، فإن تركه وتيمم وصلى أعاد أبدا، وإن استعمله مع وجود غيره فهل يعيد في الوقت أو لا إعادة عليه ؟ لم أر فيه نصا صريحا فيحتمل أن يقال: يعيد في الوقت لان ذلك مقتضى الكراهة، ويحتمل أن يقال: لا إعادة عليه، وهذا هو الظاهر كما صرحوا بذلك في بعض المياه المكروهة الآتية. والكراهة لا تقتضي الاعادة في الوقت، وإنما الاعادة في الوقت هي التي تقتضي الكراهة كما أخذ ابن عرفة ذلك من كلام السليمانية في مسألة البئر يتغير بورق الشجر والله أعلم. ومقابل المشهور في الماء المستعمل في الحدث قولان: أحدهما رواه أصبغ عن مالك وابن القصار عن ابن القاسم أنه غير طهور فيتركه ويتيمم إن لم يجد غيره، فإن توضأ به وصلى أعاد أبدا. والثاني أنه مشكوك فيه فيتوضأ به ويتيمم لصلاة واحدة، وعزاه ابن بشير للابهري ونوزع في ذلك. ولفظ المدونة: ولا يتوضأ به بماء قد توضأ به مرة ولا خير فيه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد غيره توضأ به أحب إلى إن كان الذي توضأ به أولا طاهر الاعضاء. واختلف الشيوخ

[ 93 ]
في قول مالك: لا خير فيه فحمله ابن رشد على المنع فيكون خلافا لقول ابن القاسم واختاره ابن عبد السلام قال في التوضيح: وحمل غير واحد من الشيوخ قول مالك على معنى لا خير فيه مع وجود غيره فيكون وفاقا لابن القاسم. قال عياض: وعلى ذلك أكثر المختصرين انتهى. كذا قال ابن ناجي في شرح المدونة: وحمل غير واحد قول مالك على الكراهة، وجعلوا قول ابن القاسم تفسيرا ورد بأن مالكا منع المتوضئ من مسح رأسه ببلل لحيته، وأجيب باحتمال كونه المنع لقلته لا لكونه مستعملا انتهى. وقال ابن الامام قال غير واحد: قول ابن القاسم وفاق ولذلك يتعين إسقاط لفظة: أحب إلي كما اختصرها ابن أبي زيد وحملها على الوجوب كما قال صاحب الاستيعاب انتهى. واختلف في علة كراهية الماء المستعمل أو المنع منه على أقوال، فقيل: لانه أديت به عبادة، وقيل: أزال المانع، وقيل: لكونه لا يعلم سلامته من الاوساخ، وقيل: إنه قد ذهبت قوته في عبادة فلا يقوى لعبادة أخرى، وقيل: لانه ماء الذنوب، قيل: لانه لم ينقل عن السلف جمع ذلك واستعماله. والراجح في تعليل الكراهة كونه مختلفا في طهوريته، واقتصر في الذخيرة على التعليلين الاولين. قال: فإن انتفيا كما في الغسلة الرابعة في الوضوء فلا منع، وإن وجد أحدهما كالمستعمل في الغسلة الثانية والثالثة وفي الاوضية المستحبة وفي غسل الذمية من الحيض احتمل الخلاف في ذلك انتهى وأصله لابن عرفة. تنبيهات: الاول: قال أبو الحسن عن ابن أبي زمنين: صورة الماء المستعمل أن يسيل الماء في صحفة أو طست أو ما أشبهه يغتسل في قصرية وهو نقي الجسم انتهى. وقال غيره: المستعمل في الحدث هو ما قطر على الاعضاء أو اتصل بها في وضوء أو جنابة بشرط سلامتها من النجس والوسخ وإلا فهو ماء حلته نجاسة أو ماء مضاف فله حكم ذلك، وهذا الاخير نحوه في التوضيح وفي كلام الشارح، وقد يتجادر منه أن الماء بمجرد اتصاله بالعضو يصير مستعملا وليس ذلك بمراد لهم، فقد قال في الذخيرة: الماء المتنازع فيه وهو المجموع عن الاعضاء لا ما يفضل في الاناء بعد الطهارة ولا المستعمل في بعض العضو إذا جرى للبعض الآخر. وقال في فروقه: لا خلاف أن الماء ما دام في العضو طهور، وصرح بذلك غير واحد فيحتمل قوله: واتصل بها على أن المراد إن وضع المتوضئ أو المغتسل أعضاءه في الماء وغسلها فيه. الثاني: قال ابن عبد السلام: ينبغي أن ينظر هل يتحقق من المذهب اشتراط اليسارة في كراهة الماء المستعمل أم لا ؟ فإن ثبت اشتراطها فهل تنتفي الكراهة بتكثيره بماء أوضية أخرى وهو الظاهر، أو لا تنتفي الكراهة ؟ وإذا زالت الكراهة عن هذا الكثير ثم فرق حتى كان كل جزء منه يسيرا هل تعود الكراهة أم لا ؟ والظاهر أنها لا تعود بزوالها ولا موجب لعودها والله أعلم انتهى. قلت: في كلامه ميل إلى اشتراط اليسارة في الحكم بكراهة المستعمل. واعلم أن هذا

[ 94 ]
المستعمل له صورتان كما تقدم: إحداهما أن يتقاطر الماء عن الاعضاء، والثانية أن يتصل بالاعضاء كأن يغتسل في قصرية ونحوها. فأما الصورة الاولى فلا شك أن المتقاطر عن الاعضاء يسير، وأما الثانية فقد يكون الماء كثيرا وقد يكون يسيرا، ولا شك أن المحكوم له بالكراهة هو اليسير. قال ابن عرفة: وفيها إن اغتسل في ماء حياض الدواب حيث غسل أذاه قبل دخولها فلا بأس به، وإن اغتسل في قصرية فلا خير في مائها وإن كان غير جنب فلا بأس به. وقال ابن الحاجب وقال في مثل حياض الدواب لا بأس به. قال في التوضيح: أي لكثرته. والظاهر أن هذا ليس مرادا لابن عبد السلام لوضوحه، ولذلك لو صب على الماء المستعمل ماء مطلق غير مستعمل حتى صار كثيرا فلا يشك أن ذلك غير مراد له وإنما يقع التردد في المسألة التي فرضها وهي ما إذا جمع الماء المستعمل في أوضية أو اغتسال حتى صار كثيرا، فهل تنتفي الكراهة عنه أم لا ؟ فاختار انتفاء الكراهة وهو خلاف ما اختاره ابن الامام فإنه قال: والظاهر أن ما حكم عليه بأنه مستعمل وجمع حتى صار كثيرا فحكمه حكم المستعمل لانه لما ثبت كراهة كل جزء منه حال الانفراد كان للمجموع حكم أجزائه انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر وفي كلامه ما يقتضي الجزم باشتراط اليسارة في كراهة الماء المستعمل والله أعلم. الثالث: قال أبو محمد بن أبي زيد فيمن لم يكن معه من الماء إلا قدر ما يغسل به وجهه وذراعيه إنه إن كان يقدر على جمع ما يسقط من أعضائه فعل وغسل بذلك الماء باقي أعضائه ويصير كمن لم يجد إلا ما توضأ به مرة، نقله عنه ابن يونس وأبو الحسن وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم. وجعله ابن يونس من باب الوضوء بالماء المستعمل إذا لم يجد غيره، وبحث في ذلك ابن هارون فقال: هذا إذا قلنا: إن كل عضو يطهر بانفراده، وأما على القول بأنه لا يطهر إلا بالجميع فلا يكون مستعملا ونحوه لابن عرفة ونصه. الشيخ من لم يجد إلا قدر وضوئه بمستعمل بعض أعضائه تعين، خرجه الصقلي على المستعمل وفيه نظر على ما مر من كون كل عضو يطهر بانفراده انتهى. وقوله: على ما مر لم يظهر لي ما أشار إليه به. وقال ابن عبد السلام: ومما ينظر فيه في هذا الفصل أنه إذا قيل: كل عضو يطهر بانفراده - وهو الاظهر عندي - أنه يكون كل ما أخذ من هذا الماء من قليل أو كثير من الماء المستعمل، وإن قيل: إن طهارة الاول متوقفة على طهارة الاخير فيكون ما أخذ من العضو الاول واستعمله غير هذا المتوضئ في طهارة قبل كمال طهارة المتوضئ به أولا عاريا عن الكراهة، لانه إنما يحكم له بها بشرط التمام ولم يحصل إلى الآن إلا أن يقال: إنه ينبغي التوقف عنهلا توجد حتى ينظر مآل أمر المتوضئ به هل تتمم طهارته أم لا انتهى. قلت: فيظهر من آخر كلامه أنه إذا تمت الطهارة حكم لما أخذ أولا بالكراهة ولو كان قد استعمل. وهذا هو الذي يظهر، وإذا كان الامر كذلك فلا يظهر لكلام ابن هارون وابن

[ 95 ]
عرفة في مسألة الشيخ ابن أبي زيد وجه، لان الفرض أن الطهارة قد تمت فتأمله والله أعلم. والحاصل: أن من وجد من الماء ما يستعمله في غسل بعض أعضاء وضوئه وأمكنه أن يجمع ذلك ويستعمله في بقية الاعضاء تعين عليه ذلك ولا يجوز له التيمم، وإذا علم ذلك فلا يغتر بقول ابن فرحون في شرح ابن الحاجب في باب التيمم أنه لم ير في ذلك نصا، والذي يقتضيه البحث أنه يجمعه ولكنه لا خلاف أنه ينتقل إلى التيمم فإنه مخالف لما تقدم عن الشيخ ابن أبي زيد وقبله الجماعة كلهم. الرابع: من نسي مسح رأسه فمسحه ببلل ذراعيه لم يجزه. قال ابن رشد في رسم سلف عن سماع ابن القاسم لانه لا يتعلق بذراعيه ما يمكنه به المسح قال: وكذلك بلل لحيته إذا لم يتعلق بها من الماء ما فيه كفاية. قال: واختلف إذا تعلق بها ما فيه كفاية. فمنع ذلك مالك في المدونة على أن الوضوء بالمستعمل لا يجوز. وأجازه ابن الماجشون لاجازته الوضوء بالماء المستعمل كما يقوله ابن القاسم انتهى. قلت: وهذا مبني على ما تقدم من حمله كلام مالك على المنع، وأما على ما حمله عليه أكثر الشيوخ من الكراهة فيكره له ذلك إذا وجد ماء غيره يمسح به رأسه وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك. الخامس: قال ابن الامام: والاظهر أن إدخال المحدث يده في الاناء بعد غسل الوجه ونية رفع الحدث لا يصير الماء مستعملا إذا انفصلت اليد من الماء على أصلنا، ولم أر " فيه نصا، وعند الشافعية يصير مستعملا إلا أن يقصد الاغتراف انتهى. قلت: ونصوص المذهب كالصريحة في ذلك، منها ما ذكره ابن رشد في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب الطهارة من الخلاف بين مالك وابن القاسم، هل الاختيار أن يدخل يديه في الاناء جميعا لغسل وجهه وبقية أعضائه، أو الاختيار أن يدخل اليمنى فقط ؟ والله أعلم. السادس: ولا بأس بما انتضح من غسل الجنب في إنائه ولا يستطيع الناس الامتناع من هذا. قال في الطراز: الماء الذي ينتضح في إناء المغتسل على وجهين: ما تطاير من جسده وما تطاير من الارض، وكلاهما لا يضر إذا لم يتيقن تطاير نجاسة. وقال ابن ناجي قال عياض: ظاهره ما ينتضح من الارض وعليه حمله الناس، وهذا إذا كان المكان طاهرا أو منحدرا لا تثبت فيه نجاسة، وإن لم يكن كذلك وكان يبال فيه ويستنقع الماء فهو نجس وينجس ما طار منه. وقال بعض شيوخنا: يحمل قولها عندي على أن المراد بما انتضح من غسل الجنب ما يكون في بدنه من نجاسة، فإن إمرار يديه مع الماء للتدلك ثم ردهما إلى الاناء عفو وإن كانت النجاسة في يديه، وهو تأويل بعيد. وما ذكره عياض من أن المكان منحدر نقله عبد الحق عن ابن الماجشون وهو بين انتهى.

[ 96 ]
قلت: عادته إذا قاله بعض شيوخنا يشير به إلى ابن عرفة، ولم أقف على ما ذكره في كلام ابن عرفة لكن صرح ابن رشد في سماع ابن أبي زيد بأن الماء لا يتنجس بإدخال يديه فيه بعد ذلك جسده بهما ولو كان في جسده نجاسة. وقال البرزلي بعد أن ذكر كلام عياض السابق فيه نظر على ما علل به في المدونة أنه ضرورة فظاهره مطلقا والله أعلم. السابع: لا إشكال في كراهة الماء المستعمل في الحدث في طهارة الحدث، وأما في طهارة الخبث فقال الشيخ زروق في شرح الارشاد قال ابن راشد: لا ينبغي أن يختلف في إزالة النجاسة بالمستعمل لانها معقولة المعنى قال: وفي كلام صاحب الارشاد إشارة إليه لاقتصاره على ذكر الوضوء انتهى. قلت: وانظر هل يكره استعماله في الاوضية والاغتسالات المسنونة والمستحبة أم لا ؟ لم أر فيه نصا صريحا، والظاهر أنه يكره استعماله مع وجود غيره لانه المشهور في علة الكراهة فيه كونه غير طهور، وإطلاق كلام المصنف يشمل ذلك كما أنه يشمل استعماله في طهارة الخبث وهو الظاهر عندي والله أعلم. ولا خلاف في المذهب أنه ليس بنجس، ولا ينجس ما أصابه من ثوب أو غيره إذا كان الذي تطهر به أولا طاهر الاعضاء والله أعلم. ولا يكره التيمم على التراب مرة بعد أخرى نص عليه في العتبية. قال ابن رشدپ: والفرق بينه وبين الماء أن الماء لا بد أن يتعلق به شئ من البدن والله أعلم. ص: (وفي غيره تردد) ش: يعني أن الماء المستعمل في غير الحدث كالمستعمل في الاوضية والاغتسالات المسنونة والمستحبة فيه تردد أي اختلف المتأخرون في نقل المذهب في حكمه هل هو مكروه كالمستعمل في الحدث أو لا كراهة فيه إذا لم يحصل فيه نجس ولا وسخ كما تقدم، فالذي نقله صاحب الطراز وابن شاس وابن الحاجب تقييد الكراهة بالمستعمل في الحدث، وأطلق ابن بشير وصاحب الارشاد وغيرهما كراهة الوضوء بالماء المستعمل. قال في التوضيح: وهو ظاهر المدونة. وقال الشارح في الكبير: من الاشياخ من أطلق كالقاضي عياض وغيره - ولم يفرق بين ما استعمل في حدث أو غيره وهو ظاهر المدونة انتهى. قلت: وكأنه يشير إلى كلام القاضي عياض في قواعده لاني لم أقف له في التنبيهات على حمل المدونة على الاطلاق. تنبيهات: الاول: كلام القرافي في الذخيرة السابق في بيان علة الكراهة يقتضي أن الماء

[ 97 ]
المستعمل في الغسلة الثانية والغسلة الثالثة بعد رفع الحدث بالاولى يدخله الخلاف الذي في الاوضية المستحبة ونصه تحرير إذا قلنا بسقوط الطهارة به. قال بعض العلماء: سببه أمران: أحدهما كنه أديت به عبادة والثاني إزالته للمانع، فإن انتفيا معا كالرابعة في الوضوء فلا منع، وإن وجد أحدهما دون الآخر احتمل الخلاف كالمستعمل في الثانية والثالثة أو في التجديد فإنه لم يزل مانعا، وإن أديت به عبادة وغسل الذمية من الحيض أزال مانع وطئها لزوجها المسلم ولم تؤدبه عبادة. وفي قول مالك رحمه الله تصريح بهذا المعنى في قوله: لا يتوضأ بما قد توضأ به مرة إشارة للعبادة وإزالة المانع معا. ونقل صاحب الطراز عنه التفرقة بين الحدث والتجديد انتهى. قلت: أول كلامه يقتضي أنه لما تكلم على قول أصبغ بسقوط طهورية المستعمل وآخره يقتضي أيضا أن التعليل بما ذكر جار على القول بالكراهة أيضا، فإنه ذكر كلام سند، وكلامه يقتضي أيضا أن ماء الغسلة الثانية والثالثة مسا ولوضوء التجديد فيدخل فيه التردد. وكلام صاحب الطراز يقتضي خلاف ذلك لانه قد تقدم عنه أن المشهور أنه لا يكره ما استعمل في وضوء التجديد وقال: ولو جمع ماء الغسلة الثانية والثالثة فهل يكره لانه مستعمل في طهارة الحدث، أو لا يكره لانه ماء رفع به حدث ؟ الظاهر كراهته فإن الحادث ما له بالماء تعلق حصول حتى يفرق بين الاولى وغيرها، فالجمع له حكم الطهارة الواحدة انتهى. فظهر من هذا أن ماء الغسلة الثانية والثالثة مكروه بلا تردد، لان صاحب الطراز هو المرجح لعدم كراهة المستعمل في غير الحدث وقد صرح بأن الظاهر كراهة ذلك. الثاني: الماء المستعمل في الغسلة الرابعة وفي غسل التبرد وغسل الثوب السالم من النجس والوسخ لا كراهة فيه كما يفهم من كلام القرافي السابق، وكما يفهم من كلام صاحب الطراز في الكلام على الماء المستعمل فإنه قال: قال أصبغ: يتركه ويتيمم، فإن توضأ به وصلى أعاد أبدا. قال: وسواء عنده توضأ به الاول محدثا أو مجددا أو غسل به ثوبا طاهرا، وأما مشهور المذهب فظاهره كراهة ما يستعمل في رفع الحدث فقط انتهى. وله نحو ذلك في شرح مسألة اغتسال الجنب في القصرية وسيأتي شئ من كلامه في شرح قول المصنف: وراكد يغتسل فيه. وفي كلام ابن راشد في شرح ابن الحاجب ما يقتضي دخول الخلاف في ذلك وهو ظاهر كلام الشارح في الكبي، ولم أقف على من صرح بكراهة ذلك وإنما ذكروا فيه قولين: أحدهما مذهب المدونة أنه طهور، والثاني: قول أصبغ أنه غير طهور، ورده صاحب الطراز وضعفه، وفي كلام المصنف في التوضيح إشارة إلى خروجه من الخلاف. الثالث: ماء غسل الذمية من الحيض نقل ابن ناجي عن ابن هارون أنه قال: لا نص فيه. وللشافعية وجهان، والاشبه المنع لعدم تحفظها من النجاسة ثم قال: فإن قلت: هل يتخرج الوجهان اللذان أشار إليهما على مسألة ما أدخل الكافر يده فيه ؟ قال ابن حبيب بطهارته وسحنون نجاسته.

[ 98 ]
قلت: لا يتخرج لان هذا أشد والمسألج منصوصة للقرافي وذكر كلامه في الذخيرة السابق في بيان علة الكراهة. قلت: والظاهر الكراهة والله أعلم ص: (ويسير كآنية وضوء وغسل بنجس لم يتغير) ش: يعني أن الماء اليسير إذا أصابته نجاسة ولم تغير شيئا من أوصافه فإنه طهور ولكنه يكره استعماله مع وجود غيره، وهذا هو المشهور من المذهب. فإن لم يجد غيره وجب عليه استعماله قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة الذي رواه المدنيون عن مالك أن الماء قل أو كثر لا تفسده النجاسة إلا أن تغير وصفا من أوصافه، فسؤر النصراني وما أدخل يده فيه وإن أيقن بنجاسة يديه وفمه مكروه مع وجود غيره ابتداء، واجب استعماله مع عدم سواه في الطهارة والتطهير انتهى. وقال الباجي في المنتقى: الظاهر من المذهب أنه مكروه فمنع من استعماله مع وجود غيره، فإن لم يوجد غيره فالذي عليه شيوخنا العراقيون - وهو المشهور في قول مالك - أنه يتوضأ به ويستعمل في كل ما يستعمل فيه الماء الطاهر ونحوه في الطراز وغيره. وقال ابن القاسم: إن الماء اليسير يتنجس بملاقات النجاسة وإن لم تغيره. وعليه اقتصر في الرسالة وهي رواية المصريين عن مالك، ولم يحك ابن رشد غير هذين القولين. وقيل: إنه مشكوك فيه فيجمع بين الوضوء به والتيمم. حكى الثلاثة ابن بشير: وحكى اللخمي رابعا، أنه طهور من غير كراهة وعزاه لرواية أبي مصعب وأنكره ابن بشير وقال: لا يوجد في المذهب لان معول البغداديين على رواية أبي مصعب وقد قالوا بالكراهة. وقال المصنف في التوضيح: إن اللخمي حكاه ولم يعزه ثم قال: وروى أبو مصعب عن مالك أنه قال: الماء كله طاهر مطهر إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة حلت فيه، معينا كان أو غير معين، فعلى هذا يتوضأ به من غير كراهة. وذكر ابن بشير أن اللخمي حكاه عن أبي مصعب وليس بظاهر لانه لم يصرح به عن أبي مصعب، ثم رده ابن بشير بعدم وجوده في المذهب. وليس رد ابن بشير بشئ لان حاصله شهادة على نفي انتهى. قلت: كلام اللخمي صريح في عزوه لابي مصعب لانه قال: اختلف فيه على أربعة أقوال، فقيل: هو على أصله طاهر مطهر، وقيل: مكروه ويستحب تركه مع وجود غيره، وقيل: نجس، وقيل: مشكوك في حكمه، ثم أخذ يعزو هذه الاقوال لقائليها واحدا بعد واحد. وقد ذكر ابن عرفة عن اللخمي الاقوال الاربعة، وعزا القول بعدم الكراهة لرواية أبي مصعب ولم يذكر كلام ابن بشير. وكلام ابن الحاجب ظاهره أنه اقتصر على الثلاثة، ويمكن حمله على كلام اللخمي بأن

[ 99 ]
يجعل مقابل المشهور في كلامه أولا رواية أبي مصعب والله أعلم. ودليلنا على جنه طهور حديث أبي سعيد قيل: يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلام والنتن - فقال رسول الله (ص): إن الماء طهور لا ينجسه شئ رواه أبو داود والترمذي وصححه. وقوله في الحديث: أتتوضأ بمثناتين فوقيتين خطاب للنبي (ص) قاله النووي وغلط من رواه بالنون في أوله. وبضاعة بضم الموحدة وكسرها والاول شهر. وقيل: إنه اسم لصاحب البئر، وقيل: لموضعها. والحيض بكسر الحاء وفتح الياء هي الخرق التي يمسح بها الحيض والملقى لذلك السيول لان البئر كانت في محل منحدر، وقيل: الريح، وقيل: المنافقون. وأما حديث خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه، قال النووي: إنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به. وقيل: إنه رواه ابن ماجه والبيهقي، لكن أجمع العلماء على العمل بالاستثناء المذكور فيه. قال النووي: وإذا علم ضعف الحديث فيتعين الاحتجاج على ذلك بالاجماع كما قاله البيهقي وغيره. ووجه كراهة هذا الماء على المشهور مراعاة الخلاف والله أعلم. وحد المصنف اليسير بأنه قدر آنية الوضوء وآنية الغسل، فانية الغسل قليل ولو استعملت في الوضوء ولم يكتف بأحدهما عن الآخر لانه لو اقتصر على آنية الوضوء لتوهم أن آنية الغسل من الكثير، ولو اقتصر على آنية الغسل لتوهم أن آنية الوضوء نجسة والله أعلم. وهذا القول الذي ذكره المصنف في تحديد اليسير قال في التوضيح: هو لمالك. قلت: وعليه اقتصر في المقدمات قال في التوضيح: وفي كلام عبد الوهاب إنه الحب والجرة - والحب بالحاء المهملة الزير وليس هو بالجيم لان الجب كثير بلا خلاف والمراد الحب الصغير بدليل عطف الجرة عليه - قال ابن رشد بعد ذكره الخلاف في الجرة والزير بخلاف ماء البئر والجب والماجل لا تفسدها النجاسة قلت: أو كثرة إلا أن تغيرها. وقال ابن عرفة: في قدره أي التيسير طريقان: الاولى للمقدمات وذكر ما ذكره المصنف، الثانية للابياني في كون ماء الجرة والزير يحله ما فوق القطرة من النجس ولم تغيره من القليل أو الكثير الذي لا يؤثر فيه إلا ما غيره. معروف: قول ابن القاسم مع روايته وسماع موسى من ابن القاسم انتهى. ففهم من كلامه أن القطرة من النجس لا تؤثر في الجرة والزير، ولا تقتضي كراهة ذلك على القولين، وكلام ابن رشد هذا في سماع موسى من كتاب الطهارة. وذكر ابن عبد السلام عن بعض المتأخرين أنه قال: إن اليسير هو القلتان على ما جاء في الحديث، وهما خمسمائة رطل بالبغدادي وهو الرطل الآتي ذكره في الزكاة. وهذا القول ضعيف جدا كما أشار إلى ذلك الشارح في الكبير لانه مخالف لحديث القلتين الذي احتج به الشافعية أعني قوله (ص) إذا كان

[ 100 ]
الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه أصحاب السنن. فإن الحديث يقتضي أن ما بلغ قلتين فهو كثير، وهذا القائل حكم بأنه قليل وهذا الحديث تكلم فيه جماعة. وقال ابن عبد البر: إن أسانيده معلولة ولكنه صححه جماعة من الشافعية كالدارقطني وغيره. وقال أصحابنا: إنه لا يعارض حديث أبي داود والترمذي المتقدم لان ذلك متفق على صحته وهذا مختلف في صحته، وأيضا فإنه إنما يدل بالمفهوم والمفهوم لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه دليل أرجح منه. وقد قال الغزالي رحمه الله في الاحياء، لما ذكر مذهب الامام الشافعي رحمه الله في اشتراط بلوغ الماء قلتين ما نصه. هذا مذهب الشافعي رحمه الله وكنت أود أن مذهبه كمذهب مالك في أن الماء وإن قل فلا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشتراط القلتين، ثم استدل على عدم اشتراط القلتين بالحديث المتقد وبإصغائه (ص) الاناء للهرة وبوضوء عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية وبغير ذلك ثم قال: هو - يعني حديث القلتين - تمسك بالمفهوم فيما لم يبلغ قلتين، وترك المفهوم بأقل من الادلة التي ذكرناها ممكن انتهى. وحكى ابن عبد السلام أيضا قولا بأنه ليس له حد بمقدار بل بالعادة. ومقتضى كلام ابن بشير أن اليسير هو الذي إذا حرك أحد طرفيه تحرم الآخر في الحال فإنه قال: إن كان المخالط نجسا فإن غير لون الماء أو طعمه كان نجسا بإجماع، وإن غير ريحه فكذلك على المشهور. ثم قال: وإن لم يتغير والماء كثير بحيث إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك في الحال الطرف الثاني فهو باق على الطهارة، وإن كان يسيرا ولم يتغير ففيه ثلاثة أقوال وهذا غريب والله أعلم. تنبيهات: الاول: لو كان الماء كثيرا وخالطته نجاسة لم تغيره ثم فرق أو استعمل حتى صار قليلا، فذكر ابن فرحون الاتفاق على طهوريته فلا يكون مكروها، وهذا ظاهر لا شك فيه والله أعلم. ذكره في الكلام على الماء الجاري. الثاني: لو كان الماء قليلا وخالطته نجاسة ولم تغيره وقلنا: إنه مكروه ثم صب عليه ماء مطلق حتى صار كثيرا، فلا إشكال في طهوريته ونصوصهم كالصريحة في ذلك. وأما لو جمع إليه مياه قليلة كل منها قد خالطته نجاسة ولم تغيره حتى صار المجموع كثيرا فلم أر فيه نصا، والظاهر انتفاء الكراهة. وقد صرح الشافعية بأنه يصير طهورا وهو مما يقوى فيه اختيار ابن عبد السلام في الماء المستعمل إذا جمع حتى صار كثيرا. الثالث: قال البرزلي في مسائل الطهارة عن بعض المصريين في إناء وضو وقعت فيه نجاسة فصب فيه الماء حتى فاض وإن كان الاناء كبيرا والنجاسة يسيرة وصب فيه من الماء كثير حتى تحقق خروج النجاسة فإنه يطهر، وكذا لو كانت كثيرة وصب الماء كذلك، وكذلك لو كان الاناء صغيرا والنجاسة كذلك ولو كان النجس كثيرا في الاناء الصغير وصب الماء حتى فاض فالغالب عدم طهارته انتهى. يعني على القول بأنه غير طهور، وأما على المشهور فإنه يكره استعماله مع وجود غيره.

[ 101 ]
الرابع: من توضأ بالماء " القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره مع وجود غيره فعلى رواية أبي مصعب لا إعادة عليه، وانظر على المشهور هل يعيد في الوقت أو لا إعادة عليه لا في وقت ولا غيره ؟ قال الرجراجي: المشهور من المذهب أنه لا يعيد أي لا في وقت ولا بعده. وحكى ابن رشد في أول سماع ابن القاسم فيمن توضأ بسؤر النصراني وما أدخل يده فيه ثلاثة أقوال: أحدها لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يستقبل، والثاني أنه يعيد الوضوء والصلاة في الوقت، والثالث: من توضأ بسؤره فكالقول الاول، ومن توضأ بما أدخل يده فيه فكالقول الثاني، وعلى قول ابن القاسم ومذهبه أنه نجس. وقال في المدونة والرسالة: إنه يعيد في الوقت. واستشكل ذلك بأن من توضأ بماء نجس كمن لم يتوضأ فكان القياس أن يعيد أبدا فقيل: إنه نجس عنده لانه قال يتركه ويتيمم، وإنما اقتصر على الاعادة في الوقت مراعاة للخلاف. الخامس: أما الماء الجاري فحكمه كالكثير قاله المازري وأطلق، وهكذا نقله ابن عرفة عنه. وقال ابن رشد في اللباب: وأما الماء الجاري فحكمه كالكثير. قال في المدونة، وزاد ابن الحاجب: إذا كان المجموع كثيرا والجرية لا انفكاك لها ومراده جميع ما في الجرية، واحترز بعدم الانفكاك عن ميزاب السانية انتهى. قلت: في عزوه للمدونة نظر لاني لم أقف عليه فيها ولا على من عزاه لها، ولم يعزه ابن عرفة إلا للمازري كما تقدم ولصاحب الكافي وله عزاه في التوضيح كما سيأتي. وقوله: مراد ابن الحاجب بالمجموع جميع ما في الجرية، كذا فسر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب ولكنه اعترضه وقال: الحق أنه يعتبر من محل سقوط النجاسة إلى منتهى الجرية لان ما قبل محل السقوط غير مخالط. قال ابن عرفة: دعواه أن عزو ابن الحاجب يعني من أصل الجري لان ما قبل محل السقوط غير مخالط. قال ابن عرفة: دعواه أن عزوا بن الحاجب يعني من أصل الجري وهم لما ذكر من أنه غير مخالط. قال الابي في شرح مسلم بعد أن نقل كلامهما باللفظ الذي ذكرناه وهو نقل بالمعنى ما نصه: ولا يمتنع أن يعني ابن الحاجب من أصل الجري لانه إنما يعتبره من حيث إضافته إلى ما بعده للتكثير به، ويصدق على الجميع أنه مخالط إذ ليس من الكثير المخالط بما لا يغيره أن يمازج المخالط كل جزء من أجزاء الماء إذ ذاك محال كغدير سقطت النجاسة بطرف منه انتهى. قلت: والظاهر ما قاله ابن عبد السلام وابن عرفة فإن ما فوق محل السقوط لا تعلق له بما بعده فلا يضره ذلك الواقع فتأمله. وقال المصنف في التوضيح: إذا كان المستعمل فوق الواقع لم تضره ولو كان الماء يسيرا. قال ابن هارون: إلا أن يقرب منه جدا انتهى. قلت: والظاهر عندي أنه لا يضر ولو قرب جدا لانه إذا فرض أن الماء جار فلا يمكن عوده إلى ما فوق محل السقوط فتأمله والله أعلم. وقال في الطراز في أواخر باب الماء تصيبه

[ 102 ]
نجاسة فتغيره إذا وقعت في الماء الجاري نجاسة، فإن كانت جارية مع الماء فما فوقها طاهر إجماعا، وأما الجرية التي فيها - وهي ما بين حافتي النهر عرضا - فذلك في حكم الماء تقر فيه الميتة لانه يتحرك معها بحركة واحدة، وأما الجرية التي تحتها فطاهرة، ولا ينبغي أن يستعمل ما يليها لان الماء ربما يسبق جريه جريها سيما، إذا قويت الارياح. وأما إن كانت النجاسة قائمة والماء يجري عليها فقد قدمنا قول أصحابنا في بئر السانية وشبهها مما ماؤه غير مستقر والميتة فيه أنه لا بأس به، والنهر الجاري أقوى من ذلك إلا أن الاحسن أن يتوقى ما قرب من النجاسة من تحت جريها انتهى. فيفهم منه أن ما فوق النجاسة لا تعلق له بالنجاسة. قال في التوضيح فيما إذا كان المستعمل بعد محل السقوط والمسألة على وجهين: أحدهما أن يجري الماء بذلك الحال مع بقاء بعضه في محل الوقوع فينظر إلى ما بين محل الوقوع والاستعمال فقد يكون يسيرا وقد يكون كثيرا، والمحل إما أن يكون نجسا أو طاهرا أجره على ما تقدم، ولا يعتبر هنا المجموع من محل النجاسة إلى آخر الجرية. والوجه الثاني أن ينحل المغير، وفي هذا الوجه ينظر إلى مجموع ما بين محل الوقوع ومحل تأثير ذلك الحال المغير، فلو كان مجموع الجرية كثيرا ومن محل الوقوع إلى محل الاستعمال يسيرا جاز الاستعمال لكون المغير قد ذهب في جميع ذلك انتهى. وانظر قوله في الوجه الاول فينظر إلى مجموع ما بين محل الوقوع والاستعمال فإنه مخالف لظاهر ما تقدم عن ابن عبد السلام وابن عرفة ولما سيأتي في كلام الابي، وكذلك ينظر لقوله في الوجه الثاني: ما بين لحل الوقوع ومحل تأثير ذلك المغير فإن الظاهر فيه كما قال صاحب الطراز: إن المعتبر الجرية التي فيها النجاسة. ويأتي في كلام الابي أن المعتبر من محل النجاسة إلى منتهى الجري. ثم قال في التوضيح بعد أن ذكر ما تقدم: وهذا ما ظهر من البحث في كلامه يعني ابن الحاجب ولم أرها منصوصة للمتقدمين هكذا. نعم قال أبو عمر بن عبد البر في كافية: إن الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جرى بها فما بعدها منه طاهر، وأشار عياض في الاكمال لما تكلم على قوله (ص) لا يبولن أحدكم في الماء الدائم إلى أن الجاري كالكثير انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر من كلام أهل المذهب. نعم إن كانت النجاسة ظاهرة فيعتبر المحل الذي هي فيه، فإن كان الماء كثيرا جاز الوضوء منه، وإن كان يسيرا كره لان الفرض أن الماء لم يتغير. وقال الابي في شرح قوله (ص) لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري. قال عياض: التقييد بلا يجري يدل على أنه يجوز في الجاري وأنه لا يتنجس، لان

[ 103 ]
الجاري يدفع النجاسة ويخلفها طاهر. وأيضا فإن الجاري كالكثير إذا لم يكن ضعيفا يغلبه البول، وذلك من حيث النظر على وجهين: الاول أن تسقط النجاسة ويمر الماء بها وبعضها باق بمحل السقوط فالمجموع على ما قال الشيخان فيمن تطهر في خلل ما بينهما فينظر في المجموع. وكذا لو اجتمع ما بينهما، ومنه ما يتفق أن تكون النجاسة بطرف السطح فينزل المطر فيمر ماء السطح بتلك النجاسة ويجتمع جميعها في قصرية أو زير تحت الميزاب فوقعت الفتيا بأنه من صور الجاري كالكثير. والثاني أن لا تبقى النجاسة بمحل السقوط فالمجموع بين أجزاء ما خالطته النجاسة ومنتهى الجري وقوله: احترازا عن ميزاب السانية أي لان الماء الذي يجري فيه قليل وإذا وقفت الدابة انقطع. السادس: ذكر المصنف فيما تقدم أن الماء الكثير، إذا خالطته نجاسة ولم تغيره طهور فأحرى إذا خالطه طاهر ولم يغيره، وذكر هنا أنه إذا كان يسيرا وخالطته نجاسة ولم تغيره أنه يكره. وبقي عليه ما إذا خالطه طاهر ولم يغيره وحكمه أنه طهور بلا كراهة خلافا للقابسي. وفي المدونة. ويجوز الوضوء بالماء يقع فيه البصاق والمخاط وشبهه. قال سند وغيره: يريد ما لم يكثر حتى يغيره فيكون مضافا. وفي سماع عيسى في لعاب الكلب والدابة والحمار أنه لا يفسد الماء ولو كان يسيرا. قال ابن رشد: وهذا جار على قوله: لا بأس بسؤرها انتهى. فعلى هذا يفرق بين سؤر الكلب القليل فيكره وبين ما أصابه لعابه فلا يكره. ص: (أو ولغ فيه كلب) ش: يعني أن الماء اليسير إذا ولغ فيه كلب فإنه يكره استعماله مع وجود غيره وإنما خصه بالذكر ولم يكتف بعموم قوله: بعد، وما لا يتوقى نجسا من ماء لان سؤر الكلب أخف من سؤر غيره مما لا يتوقى النجاسة. قال في المدونة: وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت ليس كغيره من السباع، ونقله سند بلفظ: والكلب أيسر مؤنة من السباع. وأيضا فإنه لا إعادة على من توضأ بفضلة سؤره وصلى على المشهور وهو ظاهر المدونة. قال فيها: قال مالك: ومن توضأ بماء قد ولغ فيه كلب وصلى أجزأه قال عنه علي: ولا إعادة عليه وإن علم في الموت. وقال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء به إن كان الماء قليلا، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه. قال أبو الحسن: قال أبو عمر: إن قوله: أجزأه يريد وإن علم وتوضأ به وهو عالم أنه سؤر كلب فلا إعادة عليه. ولابن القاسم وغيره أنه يطرحه ويتيمم، وقاله ابن

[ 104 ]
الماجشون، ولابن وهب أن يعيد المتوضئ به في الوقت. ص: (وراكد يغتسل فيه) ش: يحتمل معنيين: أحدهما وهو الظاهر من لفظ المصنف أنه يكره استعمال الماء الراكد الذي يغتسل فيه، وينبغي أن يسفر قوله: يغتسل فيه بأن مراده إنه يتكرر الاغتسال فيه كما قد يفهم ذلك من قوله: يغتسل. كأنه يعني أنه معد للغسل. وظاهره سواء كان الماء قليلا أو كثيرا، كان من يغتسل فيه نجس الاعضاء أو طاهرها. واعلم أنه إن تغير أحد أوصاف الماء فلا شك في عدم طهوريته. ثم إن علم المغير هل هو نجس أو طاهر عمل عليه وإلا عمل على ظاهر أمره كما تقدم. وإن لم يتغير الماء فلا يخلو إما أن يكون مستبحرا أو كالقصرية ونحوها أو بين ذلك كالحوض ونحوه، فأما المستبحر والماء المعين كالغدير الكبير والبركة الكبيرة والبئر المعينة فلا يكره استعماله كما صرح به غير واحد، وإن كان كالقصرية وهي المركن فلا إشكال في كراهيته إن كان الذي اغتسل فيه نجس الاعضاء أو عليه جنابة لانه ماء يسير حلته نجاسة، أو ماء مستعمل في حدث، وإن كان الذي اغتسل فيه طاهر الاعضاء وهو غير جنب فلا بأس بالوضوء به. قال سند: قوله: لا خير فيه على أي وجه قدر لانه إن اغتسل بنجاسة فقد أفسدها على ما عرف، وإن لم تكن عليه نجاسة كان مستعملا في حدث، وقد عظم الاختلاف فيه، وأما غير الجنب فلا بأس به عند مالك وأبي حنيفة والشافعي. وقال أصبغ: لا يجوز الوضوء بذلك وكذلك ما يغسل فيه الثوب الطاهر وشبهه من الطهارات، ومذهبه خارج عن الجماعة من حيث السنة، فإن النبي (ص) قيد ذلك بالجنابة. ومن حيث النظر فإن أديم الجلد إذا كان طاهرا ولم يكن عليه ما يغير) صفة من صفات الماء كان مرور الماء عليه كمروره على أديم القرب انتهى. وذكر ابن ناجي نحوه. وأما الحوض ونحوه فقال في المدونة: ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم فإن فعل أفسده إذا كان مثل حياض الدواب إلا أن يكون غسل موضع الاذى قبل دخولها فلا بأس به. قال ابن ناجي: أشار ابن الحاجب إلى أن قوله: أفسدها يحتمل الكراهة والتنجيس، والصواب حملها على التنجيس وعليه يقوم منه مثل ما نص عليه ابن رشد أن آنية الغسل لا تنجسها القطرة ونحوها من النجاسة بل ما له بال كالذي على جسد الجنب انتهى. وهذا الذي اختاره ابن ناجي إنما يأتي على مقابل المشهور أن اليسير إذا حلته نجاسة أفسدته وإن لم تغيره وهو قول ابن القاسم ورواية المصريين عن مالك، وعلى أن نحو الجرة والزير والحوض يسير، وأما على القول المشهور الذي مشى عليه المصنف فهو طاهر مطهر، قال في الجلاب: ويكره للجنب أن يغتسل في ماء واقف إذا كان يسيرا ووجد منه بدلا فإن لم يجد غيره جاز أن يغتسل به ويصير مستعملا، ويكره لغيره أن يغتسل به وهو مع ذلك طاهر

[ 105 ]
مطهر، وكذلك يكره له أن يغتسل في بئر قليلة الماء فإن كانت كثيرة الماء فلا بأس انتهى. بل لا كراهة فيه إذا لم يجعل الجرة والزير والحوض من الكثير كما مشى عليه المصنف. وفي العمدة لابن عسكر نحو ما في الجلاب ونصه في المكروهات وانغمس فيه جنب انتهى. فإن قلت هذا الذي ذكرته مخالف لاطلاق المصنف. قلت: أما المستبحر الكبير فلا إشكال في خروجه من كلامه، وأما ما عداه فيدخل في إطلاق كلامه، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم لانا إن حملنا قول المصنف: يغتسل فيه على أن مراده أنه يتكرر الاغتسال فيه، وإذا كان كذلك فلا إشكال في الكراهة لانه يسرع إليه التغير ولا يفطن به ولا يسلم غالبا من اغتسال جنب أو غسل نجاسة. وقد ذكر في البيان أنه يكره الاغتسال من ماء الحمام لكونه يسخن بالاقذار والنجاسات ولاختلاف الايدي فيه، فربما يتناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه، فإذا كره ذلك لاختلاف الايدي فما بالك بما يكثر فيه الاغتسال. ولما يخشى من سرعة التغير ولو لم يظهر. بل قال ابن القاسم في آخر سماع أبي زيد في حياض الريف التي يغتسل فيها النصارى والجنب: لا يتوضأ منها ولا يجيز لاحد الغسل فيها لانها نجسة. قال ابن رشد: هذا صحيح لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه من ذلك انتهى. ومثل هذا في الواضحة، ولمالك في رسم حلف لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب. وقال قبله في حوض الحمام: وإنما حكم بنجاسته لكثرة المنغمسين فيه، إذ يبعد أن تكون أجسامهم جميعها طاهرة ولم يذكر في ذلك خلافا. قلت: وهذا على أصل ابن القاسم أن الماء اليسير ينجسه قليل النجاسة ولو لم يغيره، وعلى قوله أيضا: إن مثل الحوض يسير وقول ابن رشد هذا صحيح أي على مذهب ابن القاسم، وأما على قول مالك فينظر إلى الماء فإن تغير أحد أوصافه فهو غير طهور، وإن لم يتغير شئ من أوصافه فهو طهور لانه يكره استعماله لكثرة المغتسلين فيه. والغرض من ذكر كلام ابن رشد بيان أن كثرة المغتسلين في الماء توجب غلبة الظن بنجاسته وإن لم يتغير عند من يقول بالنجاسة، والظاهر أن ذلك يقتضي كراهته على المشهور. وعلى هذا المعنى حمل البساطي كلام المصنف إلا أنه لم يقيده بكونه يتكرر فيه الاغتسال. واعترضه بأنه لم يره منصوصا فيقيد كلام المصنف بأن لا يكثر الاغتسال فيه جدا وبأن يكون من يغتسل فيه غير نجس الاعضاء وإلا أفسده والله أعلم. فرع: البرك المعدة للوضوء في المياضي من هذا القبيل إن تغير أحد أوصاف الماء فلا يصح الوضوء بها، وإن لم يتغير فيكره الوضوء منها لاختلاف الايدي والارجل، والغالب أن فيها النجاسة، وإن تحقق غسلهم النجاسة فيها وكثرته لم يجز الوضوء منها، وهذا فيما تطول

[ 106 ]
إقامة الماء فيه، وأما ما يفرغ بسرعة ويجدد له ماء آخر فأمره خفيف والله اعلم. المعنى الثاني وعليه حمله أكثر الاشياخ أنه يكره الاغتسال في الماء الراكد وظاهره مطلقا، أما المستبحر فلا إشكال في خروجه كما صرح به في الاكمال وصرح به الرجراجي وغيره. وقال في التوضيح في آخر باب الغسل: حكى بعضهم الاجماع على خروجه. وأما ما عداه فاختلف فيه، فكره مالك الاغتسال فيه مطلقا سواء كان كثيرا أو قليلا، غسل ما به من الاذى أم لا. وأجازه ابن القاسم إذا غسل ما به من الاذى أو كان الماء كثيرا غسل ما به من الاذى أو لم يغسله. قاله ابن رشد في أول سماع ابن القاسم، ونقله في التوضيح. قال ابن مرزوق: ويفهم من كلام المصنف أن الكراهة خاصة بالغسل فيه دون الوضوء فيه، ويعطى بظاهره أن التناول منه للتطهير خارجه لا كراهة فيه انتهى. فرع: قال في المدونة: وإن أتى الجنب بئرا قليلة الماء وبيده قذر وليس معه ما يغرف به قال مالك: يحتال حتى يغسل يديه ويغرف ويغتسل وكره أن يقول يغتسل فيها. قال ابن القاسم: فإن اغتسل فيها أجزأه ولم ينجسها إذا كان الماء معينا. قال علي عن مالك: إنما كره له الاغتسال فيه إذا وجد منه بدلا وذلك جائز للمضطر إليه إذا كان الماء كثيرا يحمل ذلك. ورواه ابن وهب قال أبو الحسن قوله: يحتال قال ابن نافع: يأخذه بطرف ثوبه. وفي سماع موسى بفيه قال أبوعمران: ولا يكون مضافا إذا مجه مكانه ولا يتركه حتى يطول مقامه ويمضمضه. وقال ابن رشد: بثوب طاهر أو بفيه، وإن كان الماء مضافا يرقه فلا تطهر يده ولا يزول عنها حكم النجاسة فإن عينها تزول من يده ولا ينجس الماء الذي أدخلها فيه وهذا مما لا اختلاف فيه. وفي الطراز: يحتال برأسه أو لحيته أو بغرف أو عشب قال: وقول على تفسير انتهى. وقال ابن ناجي في قول علي هو طاهر لان المكروه إنما هو مع الاختيار، وأما مع الضرورة فيتعين. وقال سند: قوله: ويحتال ويغرف هذا ظاهر في البرك، وأما البئر إذا نزل ثم اغترف رجع الماء إلى البئر ولكن ينبغي أن يتلطف في إزالة النجاسة من يده وتقليلها فإن لم يجد شيئا يرفع به الماء في فيه ثم يصعد إلى أعلى البئر فيبل يديه ويمسح بالارض يفعل ذلك مرارا فإن ذلك يقلل النجاسة من يده، فإن ضعف عن الطلوع والنزول فعل ما يمكنه، وإن لم يقدر إلا أن يبل يديه بفيه ويمسح في حائض البئر يفعله مرارا حتى لا يبقى للنجاسة في يده عين تطهر ولا تحس فلا يؤثر ما يقدر بقاؤه بيده بعد ذلك في الماء. ثم قال: فإن قيل: ما فائدة رفعه الماء بيده إلى جسده في البئر وهو يرجع إليها، فلا فرق بين أن يغرف أو ينغمس ؟ قلنا: بينهما فرق فإنه إذا اغترف وقلل الماء وبالغ في التدلك لا يكاد أن يجري في البئر منه كبير طائل. وقد أنكر مالك قول من قال في الوضوء حتى سال أو قطر من على جسده بشئ إلى البئر أمكن أن يمد يديه فيغترف من محل آخر ومراعاة للظاهر انتهى. يعني ظاهر النهي عن الاغتسال في الراكد.

[ 107 ]
فرع: قال أبو الحسن عن عبد الحق في التهذيب: إن اغتسل به في الحياض أو في القصرية قبل أن يغسل الاذى عن نفسه فينبغي أن ينظر في الماء الذي اغتسل فيه، فإن تغير أحد أوصافه لم يجز غسله. وحكم الجنابة باق وإن لم يتغير فغسله يجزيه ولكن يغتسل بماء طاهر بغير نية لاجل النجاسة. وقال بعده: إن تغير أفسده على نفسه ولا يرتفع عنه حكم النجاسة، وإن لم يتغير فهو المشكوك المختلف فيه كإناء الماء يشرب منه ما لا يتوقى من النجاسات تدخله الاقوال التي في تلك، فابن القاسم يقول: إن صلى به أعاد في الوقت. الباجي: يغسل جسده من ذلك الماء على وجه الاستحباب. عبد الحق: ولا ينوي بالغسل الثاني رفع الجنابة لانها قد ارتفعت، ولو اغتسل بعد ذلك تبردا لاجزأه من طهارة أعضائه انتهى. وكلامه ظاهر. وما ذكره عن عبد الحق جار على ما ذكره الباجي عن ابن القاسم وقد تقدم في الماء اليسير تحله النجاسة. ص: (وسؤر شارب خمر وما أدخل يده فيه وما لا يتوقى نجسا من ماء) ش: تقدم ضبط السؤر بيانه، والمعنى أن سؤر شارب الخمر من الماء وما أدخل يده فيه، وسؤر الحيوان الذي لا يتوقى النجاسة من الماء أيضا، إذا كان يسيرا كآنية الوضوء. والغسل كما تقدم مكروه مع وجود غيره فإن لم يجد غيره استعمله وهذا هو المشهور، ولم يصرح ابن الحاجب بالكراهة فيه وصرح بها ابن الجلاب وصاحب التلقين وصاحب البيان، وقد تقدم كلامه عند قول المصنف: ويسير كآنية وضوء أو غسل وصرح بذلك غير واحد من أهل المذهب. واكتفى المصنف بذكر شارب الخمر عن النصراني مع ذكره في المدونة وغيرها لانه من شربة الخمر ولم يكتف بقوله: ما لا يتوقى نجسا عن قوله: شارب خمر لانه لما أتى بما وهي لما لا يعقل لم تصدق على شارب الخمر. وقوله شارب خمر يقتضي الحكم عليه بذلك ولو شرب الخمر مرة واحدة، ولا بد من اعتبار كثرة شربه كما أشار إليه ابن الامام في شرح ابن الحاجب. وهذا إذا لم تتحقق طهارة اليد والفم، فإن تحققت جاز استعماله من غير كراهة قاله صاحب البيان وغيره. وذكره صاحب التوضيح وإن تحققت نجاستهما فسيأتي الكلام على ذلك. ص: (لا إن عسر الاحتراز

[ 108 ]
منه أو كان طعاما) ش: يعني أن الحيوان الذي لا يتوقى النجاسة إذا عسر الاحتراز منه كالهر والفأرة فإنه لا يكره استعمال سؤره من الماء لمشقة الاحتراز منه، ولما ورد في الهرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: الهرة ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات هكذا رواه مالك في الموطأ بأو " في باب الطهور للوضوء. ورواه الترمذي بلفظ إنما هي من الطوافين والطوافات بالواو وبحذف عليكم. قال النووي قال صاحب مطالع الانوار: يحتمل أو أن تكون للشك أو للتقسيم. قال النووي: والاظهر أنها للنوعين كما في روايات الواو. وقال النووي أيضا قال أهل اللغة: الطوافون الخدم والمماليك. وقيل: هم الذين يخدمون برفق وعناية. ومعنى الحديث أن الطوافين من الخدم والصغار الذين سقط في حقهم الحجاب والاستئذان في غير الدوقات الثلاثة التي ذكرها الله، إنما سقط في حقهم دون غيرهم للضرورة وكثرة مداخلتهم بخلاف الاحرار البالغين فلذا يعفى عن الهرة للحاجة، أشار إلى نحو هذا أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي. وقال الخطابي: الحديث يتأول على وجهين: أحدهما أنه شبهها بخدم البيت ومن يطوف على أهله للخدمة، والثاني شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة ومعناه الاجر في مواساتها كالاجر في مواساة من يطوف للحاجة والمسألة وهذا التأويل الثاني قد يأباه سياق قوله (ص): إنها ليست بنجس. وكذلك يكره استعمال سؤر ما لا يتوقى النجاسة من الطعام مطلقا أي سواء عسر الاحتراز منه أم لا، وكلك سؤر شارب الخمر من الطعام وما أدخل يده فيه من الطعام فإنه لا يكره استعماله. وما ذكره المصنف من التفرقة بين الماء والطعام هو المشهور وهو مذهب المدونة وقال فيها: والطور والاوز والدجاج المخلاة والسباع التي تصل إلى النتن إن شربت من طعام لبن أو غيره أكل إلا أن يكون في أفواهها وقت شربها أذى فلا يؤكل انتهى. وفي المسألة ثلاثة أقوال: الاول الحمل على النجاسة في الماء والطعام فيراقان نظرا إلى الغالب، والثاني الحمل على الطهارة فيها نظرا إلى الاصل واختاره ابن رشد، والثالث المشهور يطرح الماء دون الطعام. قال ابن ناجي قال ابن يونس عنها: لاستجازة طرح الماء. ومثله قول ابن الحاجب لاستجازة طرح الماء. قال في التوضيح: أي لان الماء يستجاز طرحه على النفوس. وقال ابن فرحون: ومعنى استجازة الطرح أن الماء ليس له حرمة كحرمة الطعام فيجوز طرحه على الارض انتهى. وقال صاحب الجمع: ظاهره جواز طرحه لغير سبب

[ 109 ]
وظاهر كلام أبي محمد أنه ممنوع لقوله: والسرف فيه غلو وبدعة فيحتمل أن يكون الجواز مقيدا بما حصل فيه شبهة كشرب ما عادته استعمال النجاسة منه والمنع لغير سبب انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: الصواب أنه لا معارضة بينهما وإنما كان السرف فيه بدعة فيما ذكر الشيخ أبو محمد لانه إسراف في عبادة جاء من الشرع التقليل في ذلك، أما إراقة الماء لا في عبادة الطهارة فإنه جائز اختيارا والله علم، وإليه كان يذهب شيخنا أبو الفضل أبو القاسم البرزلي. وقال النووي: أجمع العلماء على النهي عن الاسراف في الماء ولو على شاطئ البحر، والاظهر أنه مكروه كراهة تنزيه، وقال بعض أصحابنا: الاسراف حرام انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف: وقلة ماء بلا حد. فائدة: أنكر بعضهم ما ورد في حديث الهرة أنها من الطوافين عليكم والطوافات وقال: لم يخرجه أحد من أهل الصحة، وليس كذلك بل أخرجه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. فرع: قال ابن ناجي في شرح قول المدونة: ولا يتوضأ بسؤر النصراني يقوم من هذه المسألة ما شاهدت شيخنا يعني البرزلي يفتي به غير مرة أن الكافر إذا أخرج الدرهم من فيه ودفعه لمسلم أنه لا يصلي به حتى يغسله انتهى. ص: (كمشمس) ش: الظاهر أنه مشبه بالمخرج من الكراهة وعليه حمله أكثر الشراح، والمعنى أن الماء المشمس وهو المسخن بالشمس لا يكره استعماله في الطهارة، وهكذا قال ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. قال في شرح قول ابن الحاجب: والمشمس كغيره فلا كراهة فيه وفيه تنبيه على خلاف الشافعية فإنهم يكرهون المسخن بالشمس للطب، واقتصر عياض في بعض كتبه وسند في المشمس على الكراهة انتهى. قلت: ما ذكره عن عياض هو في قواعده ولم يذكر القباب في شرحها خلافا بل قال: لعله إنما كرهه طبا. ثم ذكر كلام القرافي الآتي وكلام سند في الطراز يقتضي أن المذهب كراهته ونصه: فرع وكره الوضوء بالماء المسخن بالشمس من جهة الطب وهو قول الشافعي

[ 110 ]
خلافا لابي حنيفة، ووجهه ما رواه مالك عن عائشة رضي الله عنها أنه (ص) دخل عليها وقد سخنت ماء في الشمس فقال: لا تفعلي هذا يا حميراء فإنه يورث البرص ونحوه عن عمر انتهى. وصدر صاحب الذخيرة بكلام صاحب الطراز ثم قال بعده قال عبد الحق: لم يصح فيه حديث. وقال الغزالي: يخرج من الاناء مثل الهباء بسبب التشميس في النحاس والرصاص فيعلق بالاجسام فيورث البرص ولا يكون ذلك في الذهب والفضة لصفائهما. وقال ابن الحاجب: والمسخن بالنار والمشمس كغيره انتهى كلام الذخيرة. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: نقل ابن العربي في أحكام القرآن أن كراهة المسخن بالشمس عن مالك ثم ذكر الحديث السابق ثم قال: وهو حديث موضوع نبه على ذلك عبد الحق وابن دقيق العيد، وإنما هو من كلام عمر رضي الله عنه. وقال ابن الامام في شرح ابن الحاجب: وينبغي كراهة استعمال المشمس قاله ابن شعبان، وهو ظاهر كلام المؤلف يعني ابن الحاجب وبكراهة استعماله لو شمس في أواني الصفر في البلاد الحارة لما يحدث من البرص. قاله ابن العربي في مسالكه، وأطلق القاضي عياض في قواعده القول بكراهة الوضوء منه ويجب تقييده بما تقدم ثم قال: والحق أن التجربة إن قضت بضرر استعماله فالقول بالكراهة ظاهر، وإن لم يصح ما روي لما علم شرعا من طلب الكف عما يضر عاجلا ولم يلزم بما قيل تحريم استعماله لان ما لا يستلزم الضرر نادرا لا يحرم الاقدام عليه لغلبة السلامة بخلاف ما استلزمه غالبا فإن الاقدام عليه ممتنع، لان الشرع أقام الظن مقام العلم في أكثر الاحكام انتهى. قلت: وما ذكره ابن فرحون من كون الحديث موضوعا قاله بعضهم والاكثر على أنه حديث ضعيف. وفي كلام عبد الحق الذي نقله القرافي أعني قوله: لم يصح فيه حديث إشارة إلى ذلك. قال النووي في شرح المهذب: لما ذكر الحديث المذكور هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين، وقد رواه البيهقي من طرق وبين ضعفها كلها، ومنهم من يجعله موضوعا، وروى الشافعي في الام بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال: إنه يورث البرص. وهذا ضعيف أيضا باتفاق المحدثين فتحصل من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته ولم يثبت عن الاطباء فيه شئ فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه انتهى. قلت: وقد جزم النووي في منهاجه بكراهة المشمس. قال الشافعية: وقوله لم يثبت عن الاطباء فيه شئ ليس كذلك فقد قال ابن النفيس في شرح التنبيه: إن مقتضى الطب كونه يورث البرص. قال ابن أبي شريف: وهو عمدة في ذلك انتهى. وقال بعض الشافعية: يكره في البلاد الحارة في الاواني المنطبعة وهي المطرقة، ثم اختلفوا فقيل: جميع ما يطرق، وقيل كل ما يطرق إلا الذهب والفضة لصفائهما، وقيل: إنها من النحاس خاصة. والحاصل أن القول بكراهة المشمس قوي فإن القول بنفي الكراهة لم أره إلا في كلام ابن الحاجب ومن تبعه،

[ 111 ]
وما ذكره ابن الامام عن ابن شعبان والقول بالكراهة نقله ابن الفرس عن مالك واقتصر جماعة من أهل المذهب عليه كما تقدم، وينبغي أن يقيد بما قال ابن الامام ونقله عن ابن العربي من كونه في أواني الصفر في البلاد الحارة، وجوز ابن الفرات أن يكون التشبيه في قول المصنف كمشمس راجعا إلى ما قبله من المكروهات. قلت: وكلامه في التوضيح يدل على خلافه. تنبيهات الاول: قال ابن الامام عن ابن العربي: إنه إن توضأ به أجزأه قال: لان النهي عنه لم يتعلق به لامر يرجع إلى رفعه الحدث بل لمنفصل عنه قال: ويتعين وجوب استعماله عند عدم غيره لان مصلحة الواجب أولى من دفع المفسدة المكروهة انتهى. الثاني: قال ابن فرحون: إذا قلنا بالكراهة فالظاهر إنها كراهة إرشاد من جهة الطب وليست كراهة شرعية، والفرق بينهما أن الكراهة الشرعية يثاب تاركها انتهى. قلت: في هذا الكلام نظر لانه حيث نهى الشرع عن شئ أثيب على تركه كمن ترك أكل السم امتثالا لنهي الشرع عن التسبب في قتل النفس وهو ظاهر، وكلام ابن الامام السابق فيه إشارة إلى ذلك، وذكر النووي عن بعض الشافعية نحو ما قال ابن فرحون وقال هذا خلاف المشهور. الثالث: قال ابن فرحون: وانظر هل تزول الكراهة بتبريده أولا أو يرجع في ذلك للاطباء، أما إن قيل: إن العلة تحلل أجزاء من الاناء فلا تزول الكراهة بتبريده انتهى. قلت: وعند الشافعية في ذلك خلاف. الرابع: الظاهر أنه إنما يكره استعمال المشمس في الوضوء والغسل، وسواء كان من حدث أو تبرد أو مندوب إليه، وفي غسل النجاسة به من البدن، وأما غسل النجاسة به من غير البدن فلا كراهة في ذلك إذا لم يباشر ذلك بشئ من بدنه، وصرح بذلك الشافعية. نعم ينبغي أن يكره شربه وأكل طعام طبخ فيه إن قال الاطباء: إنه يضر وقد نص الشافعية على ذلك. الخامس: أما المشمس في البرك والانهار فمتفق على عدم كراهته قاله النووي في شرح المهذب قال: لعدم إمكان الصيانة وتأثير المشمس انتهى. قلت: ولم أقف على ما يخالفه وقوله: وتأثير المشمس أي ولعدم تأثير الشمس. السادس: المسخن بالنار لا كراهة فيه كما صرح بذلك ابن الحاجب وغيره لكن قيد ذلك ابن الكروي بأن لا يكون شديد التسخين، فإن كان شديد التسخين كره، ومثله شديد البرودة قال: لا ينافي الخشوع. وقال غيره: لانه يمنع الاسباغ وتقدم في كلام سند أن المسخن يستعمل وإن ظهر فيه طعم القدر.

[ 112 ]
فرع: يكره الماء المسخن بالنجاسة وإن لم يتغير صرح به ابن الكروي وسيأتي في كلام ابن رشد. فرع: قال ابن عبد السلام: وما وقع لمالك رحمه الله من تفضيل البارد على المسخن إنما ذلك لكونه يشد الاعضاء ولنشاط النفس بعده في إقليم الحجاز وحرارة البلاد. وقال غيره: لما في ذلك من الرفاهية. في سماع أشهب عن مالك لا بأس بالوضوء بالماء المسخن وأنا أفعله كثيرا. ونقل في البيان كراهته عن مجاهد قال: فإن ذهب إلى أنه من باب التنعم وأن الصبر على الماء البارد أعظم للاجر للحديث فقد أصاب. تنبيه وفائدة: قال ابن الامام بعد ذكره كلام ابن رشد هذا. ومقتضى ما ذكره من أن استعمال الماء البارد مع وجود المسخن أفضل، لا يصح لان الله تعالى لم يطلب من عباده المشاق، ولان القرب كلها تعظيم وتوقير وليس عين المشاق تعظيما ولا توقيرا، وإنما طلب منهم تحصيل المصالح فإن لم " تحصل إلا بمشقة عظم الاجر لقرب الاخلاص فلذلك كان ثواب أشق الفعلين المتحدين والاركان والشرائط والسنن وغيرها أعظم كالوضوء في شدة البرد بالنسبة إلى الوضوء في الصيف وهذا من الوضوء على المكاره، وكالصوم في البلاد الحارة وشدة القيظ بالنسبة إلى البلاد الباردة أو فصل البرد، وإن أمكن حصول المصالح بدون مشقة وأراد أحد فعل الاشق طلبا لمزيد الثواب كالوضوء والغسل بالبارد مع وجود المسخن، وكسلوك الطريق الابعد إلى الجامع والحج دون الاقرب مع إمكان سلوكه قصدا لما ذكر كان غالطا لما تقدم من أن المشقة من حيث هي ليست بقربة بل منهي عنها لقوله (ص): إن لنفسك عليك حقا قال بعض العلماء: وربما كان في فعله العقاب على قدر المفسدة انتهى. وقال الابي في شرح مسلم: وتسخين الماء لدفع برده ليقوى على العبادة لا يمنع لحصول الثواب المذكور، ثم ذكر عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي في كثرة الخطا إلى المساجد نحو ما قاله ابن الامام وقبله وأيده فتأمل ذلك والله تعالى أعلم، ويؤيده ما يأتي عن البرزلي. فرع: وأما دخول الحمام فوقع فيه اختلاف في الروايات وفتاوى الشيوخ والذي حصله ابن رشد في جامع المقدمات وتبعه عليه المتأخرون ابن شاس والقرافي وابن ناجي والقلشاني وغيرهم أن دخوله لرجل على ثلاثة أقسام: الاول إذا كان خاليا. قال ابن ناجي: أو مع زوجته أو جاريته فهو جائز بلا كراهة. الثاني إذا كان غير مستتر أو معه من لا يستتر فقال في المقدمات: لا يحل ذلك ولا يجوز ومن فعله كان جرحة في حقه. وقال في كتاب الطهارة من

[ 113 ]
البيان: وذلك جرحة في دينه وقدح في شهادته. وقال في الجواهر: لا خلاف في تحريم دخوله مع من لا يستتر بل قال ابن القاسم: الظاهر أن من لم يجد سوى مائه ولا يتمكن منه إلا بدخوله ومن فيه على ما ذكر كالعادم للماء إلا أن يدخله غاضا بصره لاخراجه لا لمقامه فيه إذ لا يكاد يسلم من ذلك انتهى. فعلى قوله: إذا تعذر عليه إخراجه صار عادما للماء والله تعالى أعلم. الثالث: إذا كان مستورا مع مستورين فقال في المقدمات قال ابن القاسم في رواية أصبغ من جامع العتيبة: لا بأس به وتركه أحسن. وقال مالك في سماع أشهب من كتاب الطهارة وقد سئل عن الغسل بالماء المسخن فيه: والله ما دخوله بصواب فكيف يغسل من ذلك الماء ؟ ووجه كراهة ذلك وإن كان مستترا مع مستورين مخافة أن يطلع على عورة أحد من غير قصد إذ لا يكاد يسلم من ذلك من دخله مع الناس. وقال في كتاب الطهارة من البيان: وأما كراهة الاغتسال من مائة فلانه يسخن بالاقذار والنجاسات ولاختلاف الايدي، فربما تناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه. وقال قبله في سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الرجل يدخل يديه في حوض الحمام وهو ملآن يجزاه في طهارته ؟ قال: نعم إذا كان طاهرا يريد بذلك الرجل والماء جميعا. وقال ابن رشد: إنه يجزئه الغسل بالشرطين جميعا لا أنه يتيح ذلك ابتداء لوجهين: (الاول) الاغتسال في الماء الدائم، (والثاني) كراهة الاغتسال بالماء المسخن، وقال ابن ناجي في القسم الثاني: هو مكروه، وقيل: جائز. وعلى القول بالجواز يصح بعشرة شروط ذكرها ابن شاس: أن لا يدخل إلا بنية التداوي أو التطهر، وأن يقصح أوقات الخلوة وقلة الناس، وأن يستر عورته بإزار صفيق، وأن يطرح بصره إلى الارض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور، وأن يغير ما يرى من منكر برفق بقوله استتر سترك الله، وأن لا يمكن أحدا من عورته أن يدلكها وهى من سرته إلى ركبته - وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا - وأن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو عادة، وأن يصب من الماء بقدر الحاجة، وأن يتذكر عذاب جهنم، فإن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه، فإن لم يكنه ذلك فليجتهد في غض البصر وإن حضر وقت صلاة فيه استتر وصلى في موضع طاهر انتهى. هذه آداب منها واجب ومنها مندوب والله تعالى أعلم. وذكر ذلك في المدخل وقال فيه: وقد قال علماؤنا إنه لا يجوز أن يجتمع مستور العورة مع مكشوف العورة تحت سقف واحد ثم قال: وقد ذكر بعض الناس أنه يجوز دخول الحمام وإن كان فيه من هو مكشوف العورة ويصون نظره وسمعه كما أنه يجوز له الاغتسال في النهر وإن كان يجد فيه ذلك، وكما يجوز له دخول المساجد وفيها ما فيها وهذا الذي ذكره محمول على زمانه، وأما زماننا فمعاذ الله أن يجيزه هو أو غيره والغالب في هذا الوقت أن شاطئ النهر فيه من كشف العورة مثل ما في الحمامات، وكذلك الفساقي التي في المياضي والرباطات إذ أنها محل كشف العورات. وما أتى عن بعض المتأخرين إلا أنهم يحملون ألفاظ العلماء على عرفهم وزمانهم وليس كذلك بل

[ 114 ]
يختص كل زمان بعادته وعرفه والله تعالى أعلم انتهى. وذكر البرزلي في مسائل الغسل أن الغسل بالماء البارد في زمان الدفاء أفضل من الحمام لان مالكا كرهه، وأما زمن البرد فدخول الحمام أفضل خشية أن يضره الماء البارد انتهى. وهذا في غير الوجه الممنوع والله أعلم. وأما دخول النساء فقال في المقدمات: الذي يوجبه النظر أنهن بمنزلة الرجال، ثم ذكر قول الشيخ في الرسالة: ولا تدخله امرأة إلا من علة. وقول عبد الوهاب في شرحها هذا لما روي أن الحمام محرم على النساء وبحث في ذلك ثقال: فدخول النساء الحمامات مكروه غير محرم عليهن. ثم ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها دخلت في حال المرض وقال: لو كان حراما عليهن لما جاز في المرض فهو لهن في المرض جائز ومع الصحة مكروه إذا كن مستترات مؤتزرات انتهى باختصار، ونحوه في سماع أصبغ من كتاب الجامع وحاصله أن كراهته لهن لغير علة إذا كن مستترات أشد من كراهته للرجال لانه جزم بها في حقهن، وإنما بحث في نفي التحريم عنه كما قاله جماعة. وأما في الرجال فقال: تركه أحسن. وفسر الشراح قول الرسالة من علته بالمرض والحيض والنفاس وقابلوه بمجرد النظافة. وقال البرزلي: وقد ذاع أن النساء لا يستترن إلا القليل وذلك القليل يرى عورة غيره فأراه اليوم مجمعا على تحريمه إلا أن يخلو لها أو تكون مع من يجوز له الاطلاع عليها. فرع: قال البرزلي عن السيوري فيمن منع زوجته من الحمام فهو صواب ويلزمها ذلك وإذا اضطرت إليه وكان ما يؤدي في إخلائه لا يجحف به ولم تكن ترى في خروجها ما لا يجوز جاز ولزمه. فائدة: ذكر الدميري في شرح المنهاج أن النبي (ص) دخل حماما بالجحفة لكن ذكر النووي في شرح المهذب في كتاب الحج أنه حديث ضعيف والله أعلم. فائدة: قال المتيطي: منع سحنون دخول الرجل الحمام بزوجتيه معا وأجازه بإحداهما. وذكر ابن الرقيق في تاريخ القيروان أن أسد بن الفرات أجاب الامير بجواز دخول الحمام بجواريه وخطأه ابن محرز لحرمة الكشف بينهن والصواب معه ذكر ذلك ابن عرفة في القسم وغيره والله أعلم. ص: (وإن ريئت على فيه وقت استعماله عمل عليها) ش: قال ابن مرزوق: قوله ريئت مبني من رأي مقلوب راء بجعل اللام مكان العين وبالعكس، وهي لغة وأكثرهم ينطق به هكذا والمبني من رأى يقال فيه رؤي انتهى. قلت: والقلب في رأى كثير مستعمل كما قاله في التسهيل، والمعنى أن شارب الخمر

[ 115 ]
والحيوان الذي لا يتوقى استعمال النجاسات إذا ريئت النجاسة على فيه وقت استعماله للماء أو للطعام عمل عليها، فإن غيرت الماء ضرت باتفاق، وإن لم تغيره فيكره استعماله مع وجود غيره لان الكلام في الماء القليل، وأما الطعام فإنه يطرح كله إن كان مائعا، وإن كان جامدا طرح منه ما أمكن السريان فيه. وقول الشارح وكذلك الطعام عطفا على الماء يقتضي مساواة الطعام للماء وليس كذلك، ولو قال المصنف: وإن تيقنت على فيه لكان أحسن لان النجاسة قد تتيقن وإن لم تر، ولهذا قال ابن شاس: فإن قطع بنجاسة أفواهها وقال فيها يعسر الاحتراز منه إلا أن تعلم نجاسة فيه عند الشرب وليدخل في كلام ما يأتي التنبيه عليه في كلام ابن الامام. هذا إن جعلنا رأى بصرية، وإن جعلت علمية فلا إشكال، والضمير في قوله: فيه راجع إلى المذكور من قوله: سؤر شارب خمر إلى آخره، وتيقن نجاسة يده كذلك فيعمل على ذلك كما تقدم. وقوله: وقت استعماله ظاهره أن المعتبر في الرؤية وقت استعمال الماء فقط وهو ظاهر كلام ابن عبد السلام فإنه قال: لم يقيد ابن الحاجب زمن الرؤية وعادة الفقهاء تقييده فيقولون: إن ريئت في أفواهها وقت شربها نجاسة وهذا التقييد لا بد منه، قال ابن الامام في شرح ابن الحاجب: مقتضى كلامه الاكتفاء بعدم رؤية النجاسة حال التناول وليس بظاهر لانها لو لم تر حال تناوله بعد أن رؤي مستعملا لها دون غيبة يمكن ذهاب أثرها من فيه لكان كما لو ريئت لتيقن النجاسة بفمه، وليس عدم رؤيتها مما ينافي ذلك. ولابن العربي ما يقتضي هذا ثم قال: ولا بد من غيبة لا يبقى معها ظن بقاء أثر النجاسة بفيها انتهى. وهو ظاهر ولا منافاة بينه وبين كلام ابن عبد السلام إذا كانت الرؤية علمية وهو ظاهر لما تقدم فليتأمل ص: (وإذا مات بري ذو نفس سائلة براكد ولم يتغير ندب نزح بقدرهما لا أن وقع ميتا) ش: قوله بري صفة لمحذوف يعني أن الحيوان البري الذي له

[ 116 ]
نفس سائلة إذا مات فيه الماء الراكد ولم يتغير الماء فإنه يستحب أن ينزح منه بقدر الماء والميتة أي بقدر الماء كثرة وقلة وكبر الميتة وصغرها. فقوله: إذا مات أخرج به ما لو وقع الحيوان في الماء وأخرج حيا فإنه لا يضر إلا أن يكون بجسده نجاسة والماء قليل فيكون ماء يسير حلته نجاسة. وظاهر كلام ابن رشد أنه محمول على الطهارة ولو كان الغالب على ذلك الحيوان مخالطة النجاسة فإنه أنكر قول سعيد بن نمير في قصرية شراب وقعت فيه فأرة فأخرجت حية أنه يراق وقال: هو بعيد وشذوذ لا وجه له. وقال: إن في سماع أشهب مثله ومال ابن الامام إلى ظاهر الرواية المذكورة وقال: إنه إذا كان الغالب عليه النجاسة يحكم بنجاسة ظاهره. وما قاله ابن رشد أظهر في الطعام فلا يراق بالشك، وأما في الماء فالظاهر ما قاله ابن الامام فيكره استعماله مع وجود غيره إذا كان قليلا فتأمله. وقال في المغني: إذا وقعت في الماء حية وأخرجت وهي بالحياة لم يفسد قاله ابن رشد، وكأنه يعني بالنسبة إلى الوضوء. وأما في الشرب فينبغي أن يفسد والله أعلم. وأخرج أيضا بقوله: مات ما إذا وقع الحيوان في الماء بعد موته فإنه لا يستحب النزح كما يصرح به. وقوله: بري احترز به من البحري فإنه إذا مات في الماء ولم يغيره لم يستحب النزح. وقوله: ذو نفس سائلة احترز به من الحيوان الذي ليست له نفس سائلة، والمراد بالنفس السائلة الدم الجاري لذلك قيد النفس بالسيلان فإن النفس تطلق على ذات الشئ وعلى الروح وعلى الدم فقيدها بالسيلان احتراز من المعنيين الاولين. وقوله: براكد احترز به من الجاري فإنه لا يستحب فيه النزح والراكد الواقف وسواء كانت له مادة كالبئر، أو لا مادة له كالصهريج والبركة. وقوله: ولم يتغير احترز به مما إذا تغير الماء فإنه يجب النزح، وسواء كانت دابة بحر أو دابة بر، لها نفس سائلة أو ليست لها نفس سائلة، إلا أن ما تغير بميتة الحيوان البري الذي له نفس سائلة نجس وغيره طاهر على خلاف فيما تغير بالبري الذي له نفس سائلة، ذكره في التوضيح في الكلام على الميتات، وذكره غيره، وإذا وجب النزح فما له مادة ينزح حتى يزول تغيره وما ليست له مادة يطرح كله. قال ابن أبي زمنين - بفتح الزاي والميم وكسر النون ثم ياء ساكنة - ويغسل الماجل منه فإن زال التغير بنزح بعضه ففي طهورية الباقي القولان اللذان ذكرهما المصنف في قوله: وإن زال تغير النجس قاله في الجواهر. وأفتى أبو محمد بتجهيل من قال في ماجل قليل الماء ماتت فيه فأرة وغيرته أنه يطين حتى يكثر ماؤه كما سيأتي قريبا. وقوله:

[ 117 ]
ندب نزح يعني به أن النزح مع القيود المذكورة مستحب وهذا هو المشهور. وقيل: يجب النزح، وقيل: يجب فيما لا مادة له، وقيل: يجب في القليل دون الكثير، حكى هذه الاقوال أبو الحسن الصغير. تنبيه: وعلى المشهور فهو مكروه مع وجود غيره لى المشهور قاله سند وغيره فيعيد من صلى في الوقت. ويستحب غسل الثياب التي أصابها إذا لم تكن مما يفسدها الغسل قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم. وفي المدونة قال علي عن مالك: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير لونه أو طعمه وصلى أعاد أبدا، فإن لم يتغير أعاد في الوقت. وقال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب: ويطرح ما عجن به أو حل فيه على سبيل التوقي للمتشابه انتهى. وعلل القول بالوجوب فيعيد من صلى به أبدا ويحرم أكل ما عجن به أو طبخ واقتصار الشارح في الكبير على هذا يوهم أنه الجاري على المشهور وليس كذلك والله أعلم. والحكمة في النزح: أن الله أجرى العادة أن الحيوان عند خروج روحه تفتح مسامه وتسيل رطوباته ويفتح فاه طلبا للنجاة فيدخل الماء ويخرج برطوبات وذلك مما تعافه النفوس، فأمر بالنزح لذلك ولهذا قال بعضهم: إذا نزح ينقص الدلو شيئا يسيرا لانه إذا ملئ تطفو الدهنية وترجع إلى الماء فلا يكون للنزح معنى. فرع: يكفي النزح قبل إخراج الميتة كما ذكر البرزلي عن أبي حفص العطار في بئر بجوار أفران استقوا منها كثيرا لعجنهم، ثم استقى شخص آخر وعجن، ثم طلع له فأرميتة فقال: لا شئ على هذا الاخير لان الذين قبله قد نزحوه وطيبوه. وقوله: بقدرهما يعني أن الماء الذي ينزح ليس له حد محدود عند مالك بل يختلف ذلك بقدر الماء والميتة ولذلك ثني الضمير، وكذلك أيضا يختلف النزح باختلاف طول إقامة الحيوان في الماء وقلة ذلك، وكان ينبغي للمصنف أن ينبه على ذلك. قال ابن الامام في شرح ابن الحاجب: وليس لمقدار ما ينزح حد لاختلافه باختلاف ما مات من صغير وطول إقامة وقل الماء ومقابلها، وكذلك لم يحده مالك ولا أحد من أصحابه غير أنه كما قال القاضي: كلما كثر النزح كان أحب إليهم وأولى وأبلغ وأحوط. قال ابن بشير: وما وقع في بعض الروايات من تحديد المراق بأربعين لا أصل له وإنما ذلك لئلا يكثر العامي الموسوس أو يقلل المتساهل، ولهذا روي عن ابن الماجشون أنه استفتاه قوم في مثل هذا فقال: انزعوا منها أربعين خمسين ستين دلوا ثم قال: إنما قلت لهم ليعملوا أنه أقل ما يجزيهم والاكثر أحب إلي، ولو قلت لهم خمسين لابطلت تسعة وأربعين وهي مثلها ومنعتهم عن ستين وهي أبلغ. وقوله: لا إن وقع ميتا أي

[ 118 ]
فلا يستحب النزح كما تقدم يريد إلا إذا تغير الماء ص: (وإن زال تغير التجس لا بكثرة مطلق فاستحزن الطهورية وعدمها أرجح) ش: يعني أن الماء إذا تغير بالنجاسة ثم زال تغيره فلا يخلو إما أن يكون بمكاثرة ماء مطلق خالطه أم لا.، فالاول طهور باتفاق قاله في التوضيح وذلك كالبئر ينزح منها حتى يزول التغير وكالصهريج يتغير بميتة فيترك حتى يكثر ماؤه بمطر ونحوه. وقد جهل أبو محمد بعضهم في قوله: في ماجل قليل الماء وقعت فيه فأرة يطين حتى يكثر ماؤه ثم يشرب. قال: فإن فعل شرب. وتجهيله في تأخير طرحه. والثاني إما أن يكون بإلقاء شئ فيه غير الماء، ولم يذكره المصنف وسيأتي حكمه، أو من نفسه فلا شئ. ومنه ما إذا نزع من الماء الذي لا مادة له بعضه فزال تغيره فذكر المصنف تبعا لابن الحاجب وابن شاس وابن بشير وغيرهم في طهوريته قولين، استحسن بعض الشيوخ القول بالطهورية ورجح ابن يونس عدم الطهورية فاعترض عليه ابن غازي فيما ذكره عن ابن يونس وفي التوضيح بأنه لم يوجد في كلامه إلا الكلام على حكم زوال النجاسة إذا زال عينها بالماء المضاف وسيأتي. وذكر ابن مرزوق في شرحه على المختصر نحو ذلك وقال ما معناه: إن المصنف إن حمل كلام ابن يونس على نفس ما نحن فيه فهو وهم، وإن أراد أن يقيسه عليه فبعيد. وقدر رأيت من كلام ابن مرزوق شرح الفصلين الاولين من المختصر وفيه نحو ما ذكره ابن غازي. وقال ابن غازي: لم يعرف ذلك الامام ابن عرفة من نقل ابن يونس ولا غيره ممن قبل ابن بشير فقال: وقول ابن بشير في طهورية النجس يزول بغيره بلا نزح قولان لا أعرفه فبقي وجدان القولين معا في المذهب وإن كان لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود. ولا يلتفت لما حكى الشيخ أبو زيد القابسي من رد بعضهم على ابن عرفة بقول ابن يونس، لان الراد مقلد لخليل في نقله كالشارح. نعم أغفل ابن عرفة ما ذكر ابن رشد في رسم القسمة من سماع عيسى، وذكر بعض كلام ابن رشد ولنأت بأكثر مما يتضح به المقصود. قال: وسئل ابن وهب عن الجب من ماء السماء تموت فيه الدابة وتنشق والماء كثير لم يتغير منه إلا ما كان قريبا منها، فلما أخرجت وحرك الماء ذهبت الرائحة، هل يتوضأ به ويشرب ؟ قال: إذا خرجت الميتة فلينزح منه حتى يذهب دسمها والرائحة واللون إن كان به لون إذا كان الماء كثيرا على ما وصفت طاب إذا فعل ذلك به. قال ابن القاسم: لا خير فيه ولم أسمع مالكا رخص فيه قط. ابن رشد: قول ابن وهب هو الصحيح على أصل مذهب مالك الذي رواه المدنيون عنه أن الماء لا ينجسه إلا ما غير أحد أوصافه على ما جاء

[ 119 ]
عنه عليه الصلاة والسلام في بئر بضاعة. وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك في جباب تحفر بالمغرب فتسقط فيها الميتة فيتغير لون الماء وريحه ثم يطيب بعد ذلك أنه لا بأس به انتهى. فظهر وجود القولين: أحدهما قول ابن القاسم فيما نزح بعضه فأحرى إذا لم ينزح منه شئ لانه لم يعتبر ذهاب التغير مع النزح كان عدم اعتباره مع النزح أولا بناء على أن المعتبر مخالطة المغير فيجب بقاء حكمه وإن زال التغير. والثاني رواية ابن وهب وابن أبي أويس وقد صححه ابن رشد وهو الذي ارتضاه صاحب الطراز وشيخه أبو بكر الطرطوشي - بضم الطاءين وبينهما راء - قال في الطراز: ولقد عاينت في صهريج دار الشيخ أبي بكر هرا قد انتفخ وتزلع وتغير منه ريح الماء وطعمه ولونه فنزع الهر وترك الصهريج حتى ينزح فأقام شهرا ثم رفع منه الماء فإذا هو سالم الاوصاف، فشرب ذلك الماء في داره وفيها ما يزيد على سبعين من أهل العلم وطلبته ولم ينزح منه دلو انتهى. ولعل المصنف أشار إليهما بالاستحسان. ثم إن كلامهما فيما لا مادة له ولم ينزح منه شئ فما له مادة أو نزح بعضه أولى بالطهورية. وانظر ما الذي أنكره ابن عرفة هل القول بالطهورية أو القول بعدمها، وليس في كلامه ما يدل على ذلك صريحا غير أن المتبادر من كلامه إنما هو إنكار القول بالطهورية كما يفهم ذلك من كلام ابن ناجي في شرح المدونة في الكلام على من توضأ بماء ماتت فيه دابة. وكذا ذكر ابن الفاكهاني في شرح الرسالة القولين وشهر عدم الطهورية ونصه: وأما إن كان المخالط نجسا فإن غير أحد أوصاف الماء فلا خاف في نجاسته قليلا كان أو كثيرا ما دام متغيرا، فإن زال تغيره بعد فقولان: أحدهما أنه كالبول فلا ينتقل حكمه وهو المشهور، والثاني أنه يرجع إلى أصله من الطهارة والتطهير. وكذلك إن أزيل بعض الماء فسلمت أوصافه فالقولان انتهى. وأما إن زال تغيره بإلقاء تراب فيه أو طين فقال في الطراز: إن لم يظهر فيه لون الطين ولا ريحه ولا طعمه وجب أن يطهر لزوال التغير، وإن ظهر أحد أوصاف الملقى فالامر محتمل ولم يجزم فيه بشئ. قال ابن الامام: والاظهر النجاسة عملا بالاستصحاب. تنبيهات: الاول هذا فيما تغير بنجس فإن تغير بطاهر ثم زال تغيره فجزم ابن الكروي بطهوريته ولم يحك فيه خلافا. وحكى ابن الفاكهاني في شرح الرسالة فيه قولين قال: ومنشؤهما هل المعتبر سلامة الاوصاف أو مخالطة المغير قيبقى حكمه وإن زال التغير انتهى. وحكاهما الشبيي في شرح الرسالة. قلت: والاظهر فيه الحكم بالطهورية أخذا مما رجحه ابن رشد والطرطوشي وصاحب الطراز فيما تغير بنجس. الثاني: إن زال تغيره بمخالطة ماء مطلق قليل فظاهر كلام المصنف أن فيه قولين. وقال

[ 120 ]
البساطي في شرحه: ولو جعل المصنف محل النزاع إذا زال التغير بنفسه سلم من المطالبة بالنقل فيما إذا زال بقليل المطلق. وقال في المغني بعد أن ذكر الخلاف فيما زال تغيره بنفسه، وألحق الشيخ خليل في مختصره به إذا زال التغير بمطلق يسير وهو في عهدته انتهى. قلت: وكلام ابن الامام يقتضي ثبوت الخلاف فيه فإنه قال: إذا كاثره الطهور حتى غلب عليه وزال به التغير فالاظهر نفي الخلاف فيه إن انتهى إلى ما لو وقع فيه جملة هذا التغير كان كثيرا أو ثبوته إن انتهى إلى ما لو وقع فيه كان قليلا. وقد أطلق بعض من تكلم على هذه المسألة القول بطهوريته عند ذهاب التغير بالتكاثر، ولا ينبغي لان هذا الماء لما تغير بنجاسة كان نجسا، فطرو ماء عليه كطروه عليه فيجب لذلك أن يراعي كثرته وقلته انتهى. الثالث: قال في التوضيح عن ابن راشد: سمعت بعض الفقهاء يقول: الخلاف إنما هو في الماء الكثير، وأما الماء اليسير فهو باق على التنجيس بلا خلاف. قال شيخنا يعني ابن دقيق العيد: والخلاف في البول نفسه إذا زالت رائحته ويؤيد ما قاله الخلاف في بول المريض الذي لا يستقر الماء في معدته ويبوله بصفته انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر المذهب نجاسته ولو زالت رائحته وبه الفتوى، والخلاف في البول المنقطع الرائحة وبول المريض الذي لا يستقر الماء في جوفه غريب فاعلمه انتهى. والقول بطهارة البول بعيد جدا، وفي كلام الفاكهاني السابق إشارة إلى ذلك فتأمله ص: (وقبل خبر الواحدان بين وجها) ش: يعني أن النجاسة تثبت بخبر الواحد إذا بين وجهها سواء اختلف مذهب السائل والمخبر أو اتفق، يريد ولو كان المخبر عبدا أو امرأة قاله المازري لكن قيده بالعدل وهو ظاهر فلا يقبل قول كافر ولا فاسق ص: (أو اتفقا مذهبا) ش: يعني وكذلك تثبت النجاسة بخبر الواحد إذا اتفق مذهب السائل والمخبر ولو لم يبين وجهها - والله أعلم - إذا كان المخبر عالما بما ينجس الماء وما لا ينجسه. فرع: قال البساطي في المغني: ظاهر كلامهم أنه إذا أخبره بأنه طاهر فلا يحتاج إلى هذا التفصيل انتهى. وما قاله ظاهر إذا لم يظهر في الماء ما يقتضي نجاسته أو يسلب الطهورية عنه وإلا فيتعين التفصيل المذكور. ص: (وإلا فقال يستحسن تركه) ش: يعني وإن لم يبين المخبر وجه النجاسة ولا وافق مذهبه مذهب السائل فقال المازري في شرح التلقين: الاحسن تركه.

[ 121 ]
ص: (وورود الماء على النجاسة كعكسه) ش: يعني: إذا ورد الماء على النجاسة فكذلك كما لو وردت النجاسة على الماء، فإن تغير الماء بالنجاسة التي ورد عليها صار نجسا، وإن لم يتغير فهو طهور لكنه إن كان يسيرا كره استعماله وإلا فلا يكره قاله ابن العربي. وقد نص على هذه القاعدة المازري وغيره، واعترض البساطي على ذلك بوقوع الخلاف في الماء القليل تحله النجاسة وأنه لا نزجع في طهورية الماء إذا انفصل على حاله كما سيأتي. قلت: وقد سبقه إلى ذلك ابن عبد السلام وغيره وسيأتي كلامهم عند قول المصنف والغسالة المتغيرة نجسة، ويمكن أن يقال: ما ذكره المصنف والمازري تفريع على المشهور لا على غيره فتأمله. فرع: قال في سماع زيد من كتاب الوضوء عن ابن القاسم فيمن يخرج من حوض الحمام وهو نجس فيتطهر بالماء الطهور ويدخل يديه فيه ويدلك جسده قبل أن يصب على يديه الماء مما يصل إليهما من جسده أنه لا بأس به. قال ابن رشد: لان ماء الحوض ليست نجاسته محققة كالبول والخمر والدم وإنما هو نجس بما يغلب على الظن من حصول النجاسة فيه لكثرة المستعملين فيه، وقد وقعت قطرة من البول في قدر ما يتطهر به الرجل لما تنجس على مذهب مالك، فكيف برد يديه من هذا الماء المحكوم بنجاسته ؟ هذا مما لا ينبغي أن يبالي به وأن يتساهل فيه ولو نجس طهوره برد يديه لوجب أن ينجس الماء الذي نقله إلى جسمه لملاقاته إياه انتهى. وقد تقدم أن هذا على أصل ابن القاسم أن الماء اليسير إذا حلته نجاسة يسيرة ولم تغيره أنه نجس. وعلى أن الحوض من اليسير. والغرض من ذكر هذا الكلام إنما هو بيان أن مثل هذا إذا أصاب يد المغتسل من بدنه ثم أدخلها في الماء لا يضره ذلك، وقد تقدم عن المدونة أنه لا بأس بما انتضح في إناء الجنب من غسله. ونقل البرزلي كلام ابن القاسم وقال بعده: ومثله يقع فيمن يكون بجسده نجاسة فيصب عليها من إناء طاهر ويدلك يديه لا شئ عليه بناء على أن ورود الماء على النجاسة لا يؤثر فيه وهو غير المعروف من المذهب وإن كان وقع في ظاهر الرواية ما يؤيده انتهى. ومقاله بن رشد ظاهر.

[ 122 ]
فصل الطاهر ميت ما لا دم له لا خفاء في مناسبة هذا الفصل للذي قبله لانه لما ذكر فيه أن ما تغير بطاهر طاهر، وما تغير بنجس نجس، احتاج إلى بيان الاشياء الطاهرة والاشياء النجسة، وقدم الطهارة لان الاصل في الاشياء الطهارة فقال: الطاهر ميت ما لا دم له. يعني أن الطاهر أنواع منها ميتة الحيوان البري الذي لا دم فيه وهو الذي يقال فيه ليس له نفس سائلة كما تقدم بيان ذلك ولو كانت فيه رطوبة كالعنكبوت والجداجد والعقرب والزنبور والصرصار والخنافس وبنات وردان والجراد والنحل والدود والسوس. وفي ميتة ما لا نفس له سائلة طريقتان في المذهب: الاولى أنها طاهرة باتفاق وهذه طريقة ابن بشير. قال في العتيبة: وأما البري مما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت بلا خلاف انتهى. والطريقة الثانية أن فيها قولين المشهور أنها طاهرة، قال في التوضيح: نقل سند عن سحنون أنها نجسة لكنها لا تنجس غيرها انتهى. وقال ابن عرفة: ميتة بري ذي نفس سائلة (ير إنسان كالوزغ نجس ونقيضها طاهر، وفي الآدمي قولان لابن شعبان مع ابن عبد الحكم وابن القصار مع سحنون. ثم قال ابن نافع وأشهب: ميتة غير ذي النفس السائلة نجسة وسمعا: لا بأس بأكل ما مات في خشاش ويبينه إن باعه. ابن رشد: بناء على عدم شرط ذكاته كقول القاضي خلافا لابن حبيب. قال ابن عرفة: قلت: المفرع على عدم شرط ذكاته أكله لا أكل ما حل فيه لثبوته على شرط ذكاته إن بين على المشهور انتهى. فصدر بالحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة. ثم ذكر عن أشهب وابن نافع نجاستهما وأنه يؤكل ما مات فيه حلخشاش. والذي يتحصل من كلامه في التنبيهات أنه إذا لم يتفرق ويتقطع في الماء والطعام ولم يطل مكثه فلا إشكال في طهارة الماء والطعام وفي جواز أكله كما أنه لا خلاف أنه إذا تفرق فيه وتغير منه الماء أن له حكم الماء المضاف. وهل هو نجس أم لا ؟ اختلف فيه، ومذهب أشهب تنجيس ما خالطه بطبخ أو شبهه، وأنكره عليه سحنون قال: والصواب أن لا ينجس ما لا نفس له سائلة كيف كان. وأما أكل الطعام إذا تحلل فيه أو طبخ فاختلف فيه أيضا، والصواب أن لا يؤكل إذا كان مختلطا به وغالبا عليه، وإن تميز الطعام منه أكل دونه إذ لا يؤكل الخشاش على الصحيح من المذهب إلا بذكاة وإن كان بعض الشيوخ خرج أكله بغير

[ 123 ]
ذكاة على الخلاف في الجراد، وإليه ذهب القاضي أبو محمد عبد الوهاب وبه قال أبو الحسن انتهى. فانظر كيف صرح بأن الصحيح في المذهب أن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة، وابن رشد إنما عزاه لابن حبيب كما تقدم في كلام ابن عرفة، وظاهر كلام اللخمي أن ميتة ما لا نفس له سائلة نجسة وأنها تنجس ما لاقته، ونقله عنه أبو الحسن. وقال ابن نافع وأشهب: إن ميتة ما لا نفس له سائلة نجسة، وعزاه لسحنون، وليس منه الوزغ والسحالي ولا شحمة الارض قاله في الطراز. قال وقال بعض الشافعية: الوزغ من الخشاش وهو غلط لانها ذات لحم ودم ومن جنس الحنش. وقال في كتاب الذبائح الثاني: لا يؤكل الوزغ والله أعلم، والخشاش بفتح الخاء وتخفيف الشين المعجمتين. قال في التنبيهات: ويقال بكسر الخاء. وحكى أبو علي فيها الضم أيضا هو صغار دواب الارض انتهى. والجداجد جمع جدجد. قال في القاموس في فصل الجيم من باب الدال المهملة: والجدجد كهدهد مثل , الجراد وقال في الصحاح في فصل الجيم من باب الدال المهملة: والجدجد بالضم صرار الليل وهو قفاز وفيه شبه من الجراد، والجمع الجداجد، والجدجد بالفتح الارض الصلبة انتهى. والصرار. قال في التنبيهات بالصاد المهملة وتشديد الراء الاولى، هو الجدجد سمي بصوته يهال صر وصرصر إذا صاح. وقال في الصحاح: وصرار الليل الجدجد وهو أكبر من الجندب، وبعض العرب يسميه الصرى انتهى. والزنبور قال في التنبيهات بضم الزاي معلوم انتهى. وقال في الصحاح الزنبور الدبر وهو يؤنث والزنبار لغة فيه، والجمع الزنابير وأرض مزبرة كثيرة الزنابير كما أنهم ردوه إلى ثلاثة أحرف وحذفوا الزيادات كما قالوا أرض معقرة ومثعلة أي كثيرة العقارب والثعالب انتهى. وقال ابن سيده: الزنبور أمير النحل والزنبور الخفيف الظريف انتهى. والخنافس جمع خنفس. وقال في التنبيهات بضم الخاء والمد معلوم انتهى. وقال في الصحاح: ويقال لهذه الدويبة خنفساء بفتح الخاء ممدودة والانثى خنفساءة انتهى. وقال في المحكم: الخنفسة دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح، والانثى خنفسة وخنفساء وخنفساءة وضم الفاء في كل ذلك لغة انتهى، فاقتضى كلامه أن فتح الفاء أشهر، واقتضى أيضا أن خنفساء لا يقال إلا للمؤنث والله أعلم. ص: (والبحري) ش: بالجر عطفا على محل ما أي وميتة

[ 124 ]
البحري يعني أن ميتة الحيوان البحري طاهرة، وسواء مات بنفسه ووجد طافيا أو بالاصطياد أو أخرج حيا أو ألقي في النار أو دس في طين أو وجد في بطن حوت أو في بطن طير ميتا لكن هذا يغسل كما سيأتي، وسواء صاده مسلم أو كتابي أو مجوسي ص: (ولو طالت حياته ببر) ش: يعني أن الحيوان البحري إذا كان لا يعيش إلا في البحر ولا تطول حياته في البر فلا إشكال في طهارة ميتته، وإن طالت حياته في البر فالمشهور أن ميتته طاهرة وهو قول مالك، وقال ابن نافع وابن دينار: وميتته نجسة. ونقل ابن عرفة ثالثا بالفرق بين أن يموت في الماء فيكون طاهرا أو في البر فيكون نجسا، وعزاه لعيسى عن ابن القاسم وذلك كالضفدع بفتح أوله وثالثه وكسره ما وضمهما قاله في القاموس، وكالسلحفاة بضم السين المهملة وسكون اللام وضم الحاء. وحكى في القاموس فتح اللام وسكون الحاء، وكالسرطان جفتح السين والراء والطاء المهملات قيل: وهو ترس الماء. وقال صاحب الجمع: السلحفاة هي ترس الماء. تنبيه: قال ابن عرفة بعد أن ذكر الاقوال الثلاثة ما نصه. عبد الحق: ميتة الضفادع البرية نجسة لا تؤكل انتهى، وظاهره أنه لا خلاف في ذلك والله أعلم ص: (وما ذكيى) ش: يعني أن ما ذكي بأي نوع من أنواع الذكاة من ذبح أو نحر أو عقر فيما يذكى بالعقر فهو طاهر ص: (وجزؤه إلا محرم الاكل) ش: أشار به لما ذكره في التوضيح من أن السباع إذا ذكيت لاخذ جلودها فإن جميع أجزائها تطهر بالذكاة وإن قلنا: إن لحمها مكروه، وهذه طريقة أكثر الشيوخ أن الذكاة لا تؤثر إلا في مكروه الاكل ومباحه. وطريقة ابن شاس أنها تعمل في محرم الاكل أيضا فتطهر جميع أجزائه بالذكاة وإن قلنا: لا يؤكل كذا أطلق عنه في التوضيح. وفي كتاب الذبائح من الجواهر استثني الخنزير وأنه ميتة ولو ذكي. قال في الذخيرة: لغلظ تحريمه. وشمل قوله: وجزؤه الجنين يوجد ميتا في بطن أمه، ويقيد بما إذا كان محكوما بحله وإلا فهو ميتة كما أشار إليه ابن الامام، ويمكن أن يدخل الجنين في المذكى لان الشارع قد حكم بأن ذكاة أمه ذكاة له، وأما المشيمة - بميمين مفتوحتين، ويقال لها السلا بفتح المهملة وتخفيف اللام والقصر وهي وقاء المولود - فقد حكم ابن رشد بطهارتها وأنها كلحم الناقة المذكاة، ذكره في سماع موسى من كتاب الصلاة رادا على من استدل بحديث طرح السلا على ظهره عليه الصلاة والسلام على أن سقوط النجاسة على المصلي لا تبطل الصلاة، ومثله لابن الامام، وفهم

[ 125 ]
منه ابن عرفة جواز أكله فعزاه للسماع المجقدم. قال البرزلي وهو ظاهر. المدونة: وهو الصواب. وحكى ابن عرفة والبرزلي عن الصائغ أنه أجاب بأنه لا يؤجل لانه بائن من النعجة وهو يقتضي الحكم بنجاسته، ثم حكى ابن عرفة ثالثا عن بعض شيوخه. قال البرزلي وهو ابن جماعة: إنه تابع للولد إن أكل الولد أكل وإلا فلا. قال البرزلي: ومال إليه ابن عرفة والله أعلم. وخص بعضهم المشيمة بالآدميين ودخل في كلامه جميع أجزائه حتى الامعاء التي فيها الفرث وهو كذلك إلا أن يكون الحيوان مما لا يأكل النجاسة فلا يؤكل ما اتصل بروثه حتى يغسل كما سيأتي في كلام ابن يونس، وعلى هذا فيكون الحكم كذلك في مكروه الاكل لنجاسة روثه على المشهور ص: (وصوف ووبر وزغب ريش وشعر ولو من خنزير) ش: قال ابن فرحون: الشعر بفتح العين وسكونها يطلق على شعر الانسان وغيره من الدواب والسباع فهو عام، والصوف للشاة فهو أخص منه. والوبر بفتح الموحدة صوف الابل والارنب ونحوهما وما ذكره موافق لما في الصحاح. وفي القاموس: الشعر ما ليس بصوف ولا وبر، والريش للطائر، والزغب ما اكتنف القصبة ص: (إن جزت) ش: هذا الشرط إنما هو إذا أخذت من غير المذكى. قال البساطي: لا يشترط أن تنفصل مجزوة بل لو نتفت وقطع مباشر اللحم طهر. تنبيه: انظر هل يحكم عليها في حال اتصالها بالميتة قبل أن تجز بالنجاسة أو بالطهارة حتى لو كان شعر الميتة طويلا وصلى عليه مصل، أو كان المصلي يباشر ريش القصبة هل تصح صلاته أم لا ؟ والظاهر أنه يحكم بنجاسة ما اتصل بها فقط كما يفهم من كلام صاحب الطراز، وأن تصح الصلاة إذا كان الشعر والريش مبسوطأ في الارض وإن كان مشدودا في المصلي أو ممسكا له بيده لم تصح كما قال سند فيمن ربط حبلا في ميتة إنه إن كان طرفه تحت قدميه فلا شئ عليه كالبساط، وإن كان مشدودا في وسطه أو ممسوكا بيده لم تجز فتأمله والله أعلم. فرع: إذا جزت هذه الاشياء المذكورة من ميتة فاستحب في المدونة والرسالة أن تغسل. قال ابن رشد في سماع أشهب: ولا معنى له إذا علم أنه لم يصبه أذى. وأوجب ابن حبيب غسلها فإن تيقنت نجاسته فلا شك في وجوب غسله. فرع: فإن أراد بيع الصوف وما معه المأخوذ من الميتة أو بيع ما نسج منه فعليه أن يبين

[ 126 ]
ذلك لان النفوس تكرهه. وقال البرزلي قال أبو حفص: لانه أضعف من صوف الحي وللخلاف في نجاسته ذكره في مسائل الصلاة. ص: (والجماد وهو جسم غير حي ومنفصل عنه) ش: الجماد بفتح الجيم وهو - لغة - الارض التي لم يصبها مطر، والسنة التي لا مطر فيها، واختلف الفقهاء في تعريفه، فقال في الذخيرة ابن راشد: الجماد ما ليس فيه روح انتهى. فيتناول النبات، وقال في الذخيرة: العالم حيوان ونبات وجماد فجعل الجماد مقابلا للحيوان والنبات، وعرفه المصنف بما ذكر، وأصل التعريف المذكور لابن بشير وابن شاس لكن عبارة المصنف أحسن لان ابن بشير قال: ونعني بذلك ما لا تحله حياة أو ينفصل عن ذي حياة. وقال ابن شاش: ونعني بالجماد ما ليس بروح ولا منفصل عن روح، فرأى المصنف أن الاتيان بها كالاتيان بالجنس البعيد لصدقها على العرض والجوهر فأبدلها بقوله: هو جسم غير حي إلى آخره. فقوله: جسم جنس يشمل الحيوان والجماد، وقوله غير حي فصل يخرج الحيوان، وقوله: ومنفصل معطوف على حي أي وغير منفصل عن حي، وخرج به جميع الفضلات المنفصلات عن الحي الطاهر منها والنجس، ولا يلزم من إخراجها من حد الجماد كونها نجسة وإلا لزم أن يكون الجي نجسا لانا أخرجناه من حد الجماد. وظاهر كلام ابن الحاجب أن أجزاء الحيوان المنفصلة عنه داخلة في الجماد فإنه قال: والجمادات ما ليس من حيوان طاهرة. قال ابن دقيق العيد، وعبارته أحسن لانها لا تحتاج إلى العناية لانه قيد الجمادات المحكوم لها بالطهارة بأنها ليست من حيوان لان أجزاء الحيوان أو بعضها جمادات على ما قدمنا أن الجماد ما ليس بذي روح انتهى. بالمعنى، ومراده بالعناية قولهم ونعني بكذا وكذا. ودخل في كلام المصنف جميع المائعات من سمن وعسل وزيت ونحوها، ولا يقال: الجماد مقابله المائع لانا نقول: الذي يقابل المائع الجماد لا الجماد، وتعبيره بالجماد مفردا أحسن من قول ابن الحاجب والجمادات بالجمع، لان الجماد اسم جنس يصدق على القليل والكثير. ص: (إلا المسكر) ش: أي فإنه نجس أي وسواء كان من العنب أو غيره. قال في التوضيح: فائدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد، فالمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح، والمفسد ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرع كعسل البلادر، والمرقد ما غيب العقل والحواس كالسيكران. وينبني على الاسكار ثلاثة أحكام دون الاخيرين: الحد والنجاسة وتحريم القليل، إذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان، هل هي من المسكرات أو من المفسدات ؟ مع اتفاقهم

[ 127 ]
على المنع من أكلها فاختار القرافي أنها من المخدرات قال: لاني لم أرهم يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة، وربما عرض لهم البكاء. وكان شيخنا الشهير بعبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات لانا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لاجلها، ولولا أن لهم فيها طربا لما فعلوا ذلك. يبين ذلك أنا لا نجد أحدا يبيع داره ليأكل بها سيكرانا وهو واضح انتهى كلام التوضيح. ولفظ القرافي في الحشيشة أنها مفسدة لا مسكرة، وبهذا الفرق يندفع ما أورده بعضهم على قوله إلا المسكر من شموله للنبات المغيب للعقل كالبنج والسيكران فإنها مفسدات أو مرقدات لا مسكرات. وذلك البرزلي عن القرافي في الحشيشة ثلاثة أقوال، ثالثها بالفرق بين أن تحمس فتكون نجسة وفيها الحد، وقبل أن تحمس فلا حد ولا نجاسة، واختار القرافي في الفرق الموفي أربعين أنه لا حد فيها وإنما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة قال: ولا تبطل الصلاة بحملها. ثم ذكر أن الافيون من المفسدات وقال: من صلى به أو بالبنج لم تفسد صلاته إجماعا، وكذا غيره من المفسدات قال: كأن يتناول من الافيون والبنج والسيكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل والحواس انتهى. قلت: فعلى هذا يجوز لمن ابتلي بأكل الافيون وصار يخاف على نفسه الموت من تركه إن يستعمل منه القدر الذي لا يؤثر في عقله وحواسه ويسعى في تقليل ذلك وقطعه جهده، ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى والله أعلم. فرع: قال ابن فرحون: وأما العقاقير الهندية فإن أكلت لما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها، وإن أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم ولا يحرم منها إلا ما أفسد العقل. وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والنبج والسيكران من المفسدات قليلها جائز وحكمها الطهارة. وقال البرزلي: أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ، واشترط بعضهم أن تخلط مع الادوية والصواب العموم انتهى. والشيكران بالشين المعجمة وضبطه بعضهم بالسين المهملة وضم الكاف. فرع: قال ابن فرحون: من اللبن نوع يغطي العقل إذا صار قارصا ويحدث نوعا من السكر كما يذكر عن لبن الخيل فإن شرب لذلك حرم ويحرم منه القدر الذي يغطي العقل انتهى. قلت: أما لبن الخيل فيحرم قليله وكثيره على المشهور لحرمة أكلها والله أعلم. ومن المفسدات الحب الذي يوجد في القمح المجلوب من دهلك المسمى بالزيوان. فرع: قال ابن فرحون أيضا: والظاهر جواز ما سقي من المرقد لقطع عضو ونحوه لان ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون. فرع: مقتضى ما تقدم جواز بيع هذه الاشياء من الافيون والبنج والجوزة ونحوها ولم أر فيه نصا صريحا. والظاهر أن يقال في ذلك كما قال ابن رشد في المذر على القول بحرمة أكله إن كان فيه منفعة غير الاكل جاز بيعه ممن يصرفه في غير الاكل ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله،

[ 128 ]
وكذلك يقال في هذه الاشياء وفي سائر المعاجين المغيبة للعقل، يجوز بيع ذلك لمن لا يستعمل منه القدر المغيب للعقل ويؤمن أن يبيعه ممن يستعمل ذلك والله أعلم. فائدة: ظهر في هذا القرن وقبله بيسير شراب يتخذ من قشر البن يسمى القهوة واختلف الناس فيه، فمن متغال فيه يرى أن شربه قربة، ومن غال يرى أنه مسكر كالخمر، والحق أنه في ذاته لا إسكار فيه وإنما فيه تنشيط للنفس ويحصل بالمداومة عليه طراوة تؤثر في البدن عند تركه كمن اعتاد أكل اللحم بالزعفران والمفرحات فيتأثر عند تركه ويحصل له انشراح باستعماله غير أنه تعرض له الحرمة لامور منها أنهم يجتمعون عليها ويديرونها كما يديرون الخمر ويصفقون وينشدون أشعارا من كلام القوم فيها القول وذكر المحبة وذكر الخمر وشربها ونحو ذلك، فيسري إلى النفس التشبه بأصحاب الخمر خصوصا من كان يتعاطى مثل ذلك فيحرم حينئذ شربها لذلك، مع ما ينضم إلى ذلك من المحرمات. ومنها أن بعض من يبيعها يخلطها بشئ من المفسدات كالحشيشة ونحوها على ما قيل. ومنها أن شربها في مجامع أهلها يؤدي للاختلاط بالنساء لانهن يتعاطين بيعها كثيرا، وللاختلاط بالمرد لملازمتهم لمواضعها ولسماع الغيبة والكلام الفاحش والكذب الكثير من الاراذل الذين يجتمعون لشربها مما تسقط المروءة بالمواظبة عليه. ومنها أنهم يلتهون بها عن صلاة الجماعة غيبة بها ولوجود ما يلهي من الشطرنج ونحوه في مواضعها، ومنها ما يرجع لذات الشارب لها كما أخبرني والدي حفظه الله تعالى عن الشيخ العارف بالله العلامة أحمد زروق أنه سئل عنها في ابتداء أمرها فقال: أما الاسكار فليست مسكرة ولكن من كان طبعه الصفراء والسوداء يحرم عليه شربها لانها تضره في بدنه وعقله، ومن كان طبعه البلغم فإنها توافقه، وقد كثرت في هذه الايام واشتهرت، وكثر فيها الجدال وانتشر فيها القيل والقال وحدثت بسببها فتن وشرور، واختلفت فيها فتاوى العلماء وتصانيفهم ونظمت في مدحها وذمها القصائد. فالذي يتعين على العاقل أن يجتنبها بالكلية إلا لضرورة شرعية، ومن سلم من هذه العوارض كلها الموجبة للحرمة فإنها ترجع في حقه إلى أصل الاباحة والله أعلم. وقد عرضت هذا الكلام على سيدي الشيخ العارف بالله تعالى محمد بن عراف وعلى سيدي الوالد أعاد الله علينا من بركاتهما فاستحسناه وأمرا بكتابته. وإنما أطلت الكلام هنا لاني لم أر من استوعب الكلام في ذلك والله سبحانه أعلم. ص: (والحى) ش: قال البساطي في المغنيى: ولو تولد من العذرة، وقيل: إلا الكلب والخنزير، وقيل: والمشرك، نقله ابن جزي في " قوانينه. وكل ما في باطن الحيوان مما يحكم عليه بالنجاسة إذا انفصل عنه فلا يحكم عليه بما في بطنه وتصح صلاة حامل ذلك الحيوان قاله غير واحد والله أعلم. وانظر

[ 129 ]
كلام الفاكهاني في شرح قول الرسالة وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين ص: (ودمعه وعرقه) ش: هذا هو المعروف من المذهب. قال في المدونة: وعرق الدواب وما يخرج من أنوفها طاهر. وقبله سند ولم يذكر فيه خلافا بل قال: هو كعرق الآدمي وقبله أيضا غيره من شراح المدونة وكذلك ابن عرفة ولم يحك في ذلك خلافا. وقال ابن رشد في رسم الوضوء من سماع أشهب: عرق سائر الحيوان ولبنها تابع للحومها. وإنما قال في المدونة: لا بأس بعرق البرذون والبغل والحمار لان الناس لا يقدرون على التوقي منه انتهى. ولم يذكر في نجاسته خلافا فما قاله غير معروف والله تعالى أعلم. ص: (ولعابه ومخاطه وبيضه) ش: اللعاب - بضم اللام - ما سال من الفم. وانظر هل يدخل في كلامه الماء الذي يسيل من فم النائم ؟ وقال المشذالي في حاشيته على المدونة عن النووي: إن تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر. فإن قلنا بنجاسته وكان ملازما لشخص فهو كدم البرغوث. قال المشذالي: ويتخرج فيه قولان من مسائل المذهب التي تشبهه انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة الجاري على مذهبنا: إذا تغير أن يكون مضافا لا نجسا. قلت: لا وجه لهذا بل الظاهر أن يقال: إن كان من الفم فهو طاهر، وإن كان من المعدة فكما قال النووي: إن تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر. وقال الدميري في شرح المنهاج ويعرف أنه من المعدة بنتنة وصفرته. وقيل: إن كان الرأس على مخدة فمنه وإلا فمن المعدة، وعلى كل حال فإنه إذا لازم شخصا عفي عنه والله أعلم. ص: (ولو أكل نجسا) ش: جعله الشارح راجعا للبيض وأشار بلو للخلاف فيه. وانظر لم أشار للخلاف فيه دون العرف مع أن ابن الحاجب وغيره حكوا الخلاف فيهما جميعا، ولعل الخلاف الذي في البيض أقوى ولم يذكر اللبن لان اللبن ليس طاهرا على الاطلاق وكالبيض بل لبن غير الآدمي تابع للحمه كما سيأتي إلا أنه كان ينبغي له أن ينبه على الخلاف في لبن الجلالة كما نبه على الخلاف في بيضها، والمشهور أن لبن الجلالة مباح، وكذلك النحل إذا أكلت نجاسة فعسلها طاهر عند مالك قاله في رسم إن خرجت من سماع عيسى وهو ظاهر قوله في المدونة في العسل النجس لا بأس أن يعلف

[ 130 ]
النحل. ويحتمل أن يرجع لجميع ما تقدم من قوله: والحي إلى آخره إذ قال ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الضحايا لا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية والطير خلذي يتغذى بالنجاسة حلال جائز، وإنما اختلفوا في الاعراق والالبان والابوال انتهى. وقال ابن القاسم في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الصيد والذبائح في الطير تصاد بالخمر تشربه فتسكر لا بأس بأكلها وقبله ابن رشد. وقال ابن القاسم في الرسم المتقدم في كتاب الضحايا: في جدي رضع خنزيرة أحب إلي أن يذبح حتى يذهب ما في جوفه من غذائه، ولو ذبح مكانه فأكل لم أر به بأسا لان الطير تأكل الجيف وتذبح مكانها وأكلها حلال. ونحوه لابن نافع لكن حكى اللخمي الخلاف في ذلك ونصه: واختلف في الحيوان يصيب النجاسة هل تنقله عن حكمه قبل أن يصيب تلك النجاسة ؟ فقيل: هو على حكمه في الاصل في أسآرها وأعراقها وألبانها وأبوالها. وقيل: ينقلها وجميع ذلك نجس. ثم ذكر الخلاف في عرق السكران ثم قال: وعلى القول بأنه نجس لا يحل أكل شئ من ذلك حتى تذهب منفعة ما تغذى به من النجاسة. وخرج على نجاسة لبن الميتة نجاسة لبن الشاة تشرب ماء نجسا، وبحث معه ابن عرفة في هذا التخريج، فكلام اللخمي يقتضي وجود الخلاف في نجاسة الحي إذا أكل النجاسة. فإن قيل: إنما ذكر اللخمي الخلاف في اللحوم، وإذا جعلتم قوله: لو أكل نجسا راجعا إلى الحي وما عطف عليه اقتضى وجود الخلاف في الحي نفسه، فالجواب الذي يظهر من هذا القول الذي يقول بنجاسة اللحم أن الحي نفسه نجس، وسيأتي أن الشارب للخمر لا تصح صلاته على ما رواه ابن المواز مدة ما يرى بقاؤه في بطنه. وأما العرق والبيض وكذا اللبن فالخلاف فيها معروف بالطهارة والنجاسة والكراهة حتى من الآدمي وشارب الخمر. قال في التوضيح: والذي اختاره المحققون الطهارة. قال: والخلاف في عرق السكران في حال سكره أو قريبا من صحوه، وأما لو طال عهده فلا خلاف في طهارته. واعترضه ابن فرحون بأنه إذا عرق وتخلل العرق الاول النجس إلا أن يكون قد اغتسل وغسل الثوب الذي عرق فيه. قلت: وهذا لا يرد على المصنف لانه إنما تكلم على العرق من حيث هو ونجاسته في الصورة المذكورة لامر عارض، وأما اللعاب والمخاط والدمع فلم أر من حكى فيها خلافا صريحا بل قال البساطي: وأما العرق من الحي فنقل فيه الاتفاق أعني أنه لا يراعى فيه سكران من غيره، غير أن ابن رشد قال: وأما الحيوانات فما دامت مستصحبة للحياة فهي طاهرة ويعني بذلك أعراقها وأسآرها وما يخرج من أنوفها، إذا لم تستعمل نجاسة، فيفهم من كلامه أنها إذا استعملت النجاسة نجس ما يخرج من أنوفها فأحرى لعابها. ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون أنه قال في شرح قول ابن الحاجب: واللعاب والمخاط من الحي طاهر كان ينبغي له أن يقول ما لم يكن الحيوان مما يستعمل النجاسة انتهى. فهذا مقتضى الخلاف في ذلك من الحيوان المستعمل للنجاسة، وقد يقال: إن الدمع أيضا قريب من ذلك إلا أن كلام البساطي يعارض ذلك.

[ 131 ]
تنبيهان: الاول: قال الشارح: ظاهر كلامه سواء كان البيض من الطير أو من غيره وليس كذلك، لان بيض الحشرات ملحق بلحمها وإليه أشار ابن بشير. قلت: بل الظاهر أن كلام المصنف على إطلاقه لان الحشرات إذا أمن سمها مباحة فتأمله. وما ذكره عن ابن بشير قبله ابن عرفة ونصه: وبيض الطير طاهر وسباعه والحشرات كلحمها والله تعالى أعلم. الثاني: قال البساطي: هنا بحث وهو أنه شهر هنا أن عرق السكران وبيض الجلالة طاهر، وفيما يأتي أن رماد النجس ودخانه نجس، والقولان في هذه الاشياء مبنيان على أن النجاسة إذا تغيرت أعراضها هل تطهر أو لا، فانظر من فصل. قلت: أما المصنف فلا اعتراض عليه لانه تابع للتوضيح، وقد ذكر في توضيحه في اللبن والبيض والعرق أن الذي اختاره المحققون كعبد الحق والمازري وابن يونس، الطهارة. وذكر في رماد الميتة عن المازري أن الجمهور على أنه لا يطهر. أما وجه التفصيل فظاهر أيضا لان الانقلاب في اللبن والبيض والعرق أشد منه في رماد الميتة فتأمله والله أعلم. ص: (إلا المذر) ش: بفتح الميم وكسر الذال المعجمة أي الفاسد وهو ما عفن أو صار دما أو مضغة أو فرخا ميتا. قال النووي: ويطلق أيضا على ما اختلط فيه الصفار بالبياض انتهى. والظاهر أن هذا الاخير طاهر إذا لم يحصل فيه عفن انتهى. تنبيه: قال في الذخيرة في كتاب الاطعمة: يوجد في وسط بياض البيض أحيانا نقطة دم فمقتضى مراعاة السفح في نجاسة الدم لا تكون نجسة، وقد وقع البحث فيها مع جماعة ولم يظهر غيره انتهى. فرع: قال ابن فرحون في مسائل ابن قداح: يؤمر بغسل البيض قبل كسره فإن لم يغسل فلا شئ عليه انتهى. وقال في مختصر فتاوى ابن رشد لابن عبد الرفيع التونسي: أفتى القاضي أبو الوليد في الذي يجعل البيض في الطعام لا يغسله عند شيه وهي مملوءة بأذى الدجاج إن

[ 132 ]
غسل البيض حسن، فإن لم يفعل فقد أساء ولا يفسد ذلك الطعام انتهى. وكأنه والله أعلم لاحتمال كون الطير جلالة وأصابه شئ من بولها أو استقذارا له والله أعلم. ص: (والخارج بعد الموت) ش: ينبغي أن يعود إلى جميع ما تقدم من الفضلات فقد قال ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب والدمع والعرق واللعاب والمخاط من الحي طاهر يعني أنها من الميتة نجسة، ومن المذكى طاهرة، ومن الآدمي الميت على الخلاف في طهارته، ونحوه قول ابن عرفة والدمع والعرق والمخاط والبصاق كمحله. وقال البساطي: عندي أن كلام المصنف خاص بالبيض قال: وحمله بعض الشارحين على أنه عام في العرق واللعاب والمخاط والدمع والبيض وهو يزيل الاشكال انتهى. قلت: وقد علمت أنه لا إشكال في ذلك ولعل قوله: يزيل الاشكال من الازالة إلا أن سياق كلامه يقتضي ذلك والله أعلم. تنبيه: أطلق في البيض الخارج بعد الموت سواء كان رطبا أو يابسا وهو كذلك، أما الرطب فباتفاق، وأما اليابس فهو قول مالك خلافا لابن نافع، وحكى القولين ابن رشد في الضحايا من البيان وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم، واقتصر ابن فرحون على قول ابن نافع وكذلك ابن راشد في اللباب فأوهم كلامهما أنه المذهب وليس كذلك. ص: (ولبن آدمي إلا الميت) ش: قال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ولا يحل اللبن في ضروع الميتة. قال ابن ناجي: ما ذكره متفق عليه لانه ينجس بالوعاء إلا أن يكون لبن ميتة آدمي ففيه خلاف لقولها في كتاب الرضاع بالتنجيس. وقيل: إنه طاهر انتهى. وتقدم في كلام ابن عبد السلام في ما يخرج من ميتة الآدمي من لعاب ومخاط ودمع وأن حكمه ينبني على الخلاف في طهارته، وسيأتي الكلام فيما يبان من الاعضاء عند قول المصنف: وما أبين من حي وميت. ص: (ولبن غيره تابع) ش: فهو طاهر من المباح ونجس من المحرم ومكروه من المكروه، وكراهته لا تخرجه عن كونه طاهرا كما نبه على ذلك ابن عبد السلام في الكلام على معنى المباح والمكروه. ص: (وبول وعذرة من مباح) ش: كذا قال ابن الحاجب وغيره: قال ابن فرحون:

[ 133 ]
ظاهره لا يغسل لا وجوبا ولا استحبابا. أما وجوبا فنعم، وأما استحبابا فقد روي عن مالك أنه قال: غسله أحب إلي. نقل ذلك الشيخ تقي الدين انتهى. بالمعنى والاستحباب ظاهر ولو لم يكن إلا للخروج من الخلاف والله أعلم. ولا بد من تقييد ذلك بما إذا خرج في حال الحياة كما صرح به في اللباب وهو ظاهر. ص: (إلا المتغذيى بنجس) ش: يريد ولو بشرب ماء نجس. تنبيه: قال البساطي: استثني المتغذي بنجس فإنه نجس وله ثلاث حالات: الاولى: أن يكون محبوسا لا يصل للنجاسة فهو كغيره، والثانية: إن شوهد استعماله لها فبوله وعذرته نجسان، الثالثة: أن ينفي عنه كل منهما فيحمل على النجاسة تغليبا. قلت: ما ذكره في الحالة الثالثة غير ظاهر ومخالف لما قاله مالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة في الحمام يصيب أرواث الدواب أحب إلي أن لو أعاد في الوقت من صلى بخربتها. قال ابن رشد: إنما ذلك إذا علم من حالها أنها تأكل أرواث الدواب ولم يتحقق أنها أكلتها، ولو تحقق لقال: إنه يعيد في الوقت على كل حال لان ذرق ما يأكل النجس عنده نجس انتهى. ويريد إذا صلى به غير عامد، وأما العامد فيعيد أبدا. ثم قال في الرسم الذي بعده: وسئل مالك عن خرء الحمام يصيب الثوب. قال: هو عندي خفيف وغسله أحب إلي يعني ابن رشد هذا إذا لم يعلم أنها أكلت نجاسة على ما تقدم في الرسم الذي قبله انتهى. وسئل ابن رشد عن ذرق الخطاف الذي عيشه الذباب على قول مالك أنه لا تؤكل الجراد وشبهها إلا بذكاة، فأجاب ذرق الطير طاهر على قول مالك الذي يرى الفضلتين تابعتين للحوم. وقال في رسم مرض من سماع ابن القاسم في رواية أصبغ: إن ذرق البازي نجس وإن أكل ذكي إن ذلك على الرواية التي منع من أكل ذي مخلب من السباع والله أعلم. فعلم من هذا أن الحيوان إذا كان من شأنه أن يأكل النجاسة ولم يتحقق أكله لها فأمره خفيف يستحب غسل روثه وهو خلاف ما دل عليه كلام البساطي والله أعلم. فرع: إذا ذبح الحيوان الذي يتغذى بالنجاسة فإنه يعمل موضع الغذاء منه ككرشه وأمعائه. قاله ابن يونس في كتاب الصيد لما تكلم على الحوت يوجد في بطن الطير الميت، وهذا إذا ذبح بحدثان استعماله للنجاسة كما يفهم ذلك من كلام ابن يونس. ص: (وقئ إلا المتغير عن الطعام) ش: هذا كقوله في المدونة: وما خرج من القئ بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فنجس فظاهر المدونة وكلام المصنف أن المتغير نجس كيفما كان

[ 134 ]
التغير، وعلى ذلك حملها سند والباجي وابن بشير وابن شاس وابن الحاجب. وقال اللخمي: يريد إذا تغير إلى أحد أوصاف العذرة وتبعه عياض. وقال أبو إسحاق التونسي وابن رشد: إن شابه أحد أوصاف العذرة أو قاربها. فتحصل أن القئ على ثلاثة أقسام: ما شابه أحد أوصاف العذرة أو قاربها نجس اتفاقا، وما كان على هيئة الطعام لم يتغير طاهر اتفاقا لكن ألزم ابن عرفة من يقول بنجاسة الصفراء والبلغم أن يقول بنجاسة القئ مطلقا، وما تغير عن هيئة الطعام ولم يقارب أحد أوصاف العذرة. قال ابن فرحون: بأن يستحيل عن هيئة الطعام ويستعد للهضم. وقال البساطي: بأن تظهر فيه حموضة فإذا كان كذلك فهو نجس على المشهور خلافا للخمي، وأبي إسحاق وابن بشير وعياض. فرع: علم مما تقدم أن القئ إذا لم يتغير عن هيئة الطعام فهو طاهر ولو خرج معه بلغم أو صفراء على المشهور وأشار إلى ذلك البساطي. فرع: قال ابن رشد في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: القلس ماء حامض طاهر. ونقله عنه ابن عرفة في أوائل الطهارة والمصنف في التوضيح في باب السهو ولم يحكوا غيره. ونقل أبو الحسن عن التونسي نحوه، وهذا على مذهب ابن رشد والتونسي أن القئ لا ينجس إلا إذا شابه أحد أوصاف العذرة أو قاربها، وأما على المشهور فيفصل فيه كما في القئ. قال سند بعد كلامه على القئ: فمن قلس وجب أن يفرق فيه بين المتغير وغيره. والقلس هو دفعة من الماء تقذفه المعدة أو يقذفه ريح من فم المعدة وقد يكون معه طعام وهو على ضربين: منه ما يكون متغيرا على حسب ما يستحيل إليه وما يخالطه من فضلات المعدة فهو نجس، ومنه ما يكون على وجه لا يتغير أو يتغير بطعم الماء فلا يجد صاحبه زيادة على طعم أكله فهو طاهر على ما تقدم في القئ. ثم قال: وقول مالك يعني في الموطأ: رأيت ربيعة بعد المغرب يقلس في المسجد مرارا ثم لا ينصرف حتى يصلي محمول على ما لم يتغير انتهى ونقله عنه في الذخيرة وقبله. وقال ابن بشير في كتاب الطهارة: القلس ما يخرج عند الامتلاء أو برد المزاج وقد يكون فيه الطعام غير متغير فهو ليس بنجس انتهى. ونحوه للباجي في شرح الموطأ ونصه: القلس ماء أو طعام يسير يخرج إلى الفم على وجه قائم قال في قوله: وليتمضمض ليست المضمضة عليه بواجبة ولكنه يستحب له أن يمضمض من ذلك فاه، لان القلس لا يكون طعاما يتغير وإنما يستحب منه تنظيف الفم وإزالة ما عسى أن يكون من رائحة الطعام انتهى. وقال الشبيبي في شرح الرسالة في آخر باب جامع في الصلاة في الكلام على القلس في الصلاة: فإن تغير عن حال الطعام فهو نجس فيقطع من قليله وكثيره انتهى. وهذا ظاهر والله أعلم. فرع: فإن كان القئ أو القلس متغيرا وجب غسل الفم منه، وإن لم يتغير فيستحب

[ 135 ]
المضمضة منه إلا أن يكون مما يذهب بالبصاق. قاله الباجي. وإذا شابه القئ أحد أوصاف العذرة فاختلف في نقض الوضوء به وسيأتي. والقلس بفتح اللام اسم وبسكونها مصدر قلس يقلس كضرب يضرب. ص: (وصفراء وبلغم) ش: قال سند: ما يخرج. من الجسد من صفراء المذهب طهارته كما يحكم بطهارة المرائر، والمرائر أصل الصفراء انتهى. ثم قال: والبلغم طاهر لانه من جنس البصاق والنخام انتهى. وعلم منه أنه طاهر سواء كان من الرأس أو من الصدر وصرح به ابن مرزوق وغيره. ونقل ابن عرفة عن ابن العطار أن البلغم والصفراء نجس لانه مائع من وعاء نجس قال: وسمعت ابن عبد السلام ينقل عن القرافي البلغم طاهر والسوداء نجس. وفي الصفراء قولان، والذي في القواعد والذخيرة أن الصفراء كالبلغم، والقولان حاصلان من نقل القرافي ونقل ابن العطار والله أعلم. ص: (ومرارة مباح) ش: كذا قيد في الذخيرة المرائر بالمباح فقال: والمعدة عندنا طاهرة لعلة الحياة والبلغم والصفراء ومرائر ما يؤكل لحمه والدم والسوداء نجسان، ولم يقيد صاحب الطراز المرائر بالمباح بل قال: المذهب طهارة ما يخرج من الجسد من صفراء كما يحكم بطهارة المرائر، والمرائر هي أصل الصفراء، وانظر ما مراد المصنف بهذا الكلام، فإن أراد الحكم على المرارة حال كونها في جوف الحيوان فلا خصوصية للمباح ولا للمرارة فقد قال القرافي في الفرق الرابع والثمانين: باطن الحيوان مشتمل على رطوبات كالدم والمني والمذي والودي والبلغم وغير ذلك، وجميع ذلك لا يقضى عليه بنجاسة. فمن حمل حيوانا في صلاته لم تبطل ثم قال: والمعدة طاهرة عند مالك نجسة عند الشافعي، وتقدم أن الحي طاهر وإن أراد الحكم على المرائر المتنقل عنها فقد قال سند: إنه أصل الصفراء، وأن الصفراء الخارجة من الجوف طاهرة من جميع الحيوان، وإن أراد الحكم على المرارة بعد انفصالها من الحيوان فيستغنى عنه بما تقدم وبما يأتي لانها إن انفصلت من مذكى تعمل فيه الذكاة فهي طاهرة، لان جميع أجزاء المذكى طاهرة، وإن انفصلت من غير ذلك فهي نجسة. وكان المصنف رحمه الله أراد التنصيص عليها لوقوعها في كلام صاحب الطراز والذخيرة. فرع: لو دخل في دبر الانسان خرقة ونحوها ثم أخرجت فإنها نجسة، وهذا ظاهر وقد ذكره ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين على سبيل الاحتجاج على نجاسة القئ والله أعلم. ص: (ودم لم يسفح) ش: قال في التوضيح: المسفوح الجاري وغير المسفوح كالباقي في العروق. وقال

[ 136 ]
ابن فرحون: كالباقي في محل التذكية وفي العروق وهو طاهر مباح الاكل على ظاهر المذهب انتهى. وهو المشهور وقيل: نجس وانظر ما مراده بالباقي في محل التذكية هل أثر الدم الذي في محل ذبح الشاة أو الدم الذي يبقى في محل نحر الشاة ويخرج بعد سلخها إذا طعنت ؟ فإن أراد الاول فهو نجس لانه من الدم المسفوح، وقد ذكر البرزلي خلافا بين المتأخرين في الرأس إذا شوطي بدمه هل يقبل التطهير أم لا ؟ ونقله ابن ناجي أيضا في شرح المدونة. وفي كلام صاحب المدخل إشارة إلى ذلك وإن أراد الثاني فقد ذكر البرزلي في مسائل الصلاة عن بعض الافريقيين أنه قال في الدم الذي يخرج من نحر الشاة بعد سلخها قولان. قال: كان يمضي لنا أنه بقية الدم المسفوح وجعله هنا من الخارج من العروق بعد خروج الدم المسفوح وهو خلاف في شهادة انتهى فتأمله. والذي يظهر أنه من بقية الدم المسفوح. وأما ما ذكره ابن فرحون وصاحب التوضيح من أن الباقي في العروق غير مسفوح فقاله ابن بشير وغيره، ولا إشكال فيه، والخلاف فيه إنما هو إذا قطعت الشاة وظهر الدم بعد ذلك، وأما لو شويت قبل تقطيعها فلا خلاف في جواز أكلها قال اللخمي. ونقله ابن عرفة وابن الامام وغيرهم، وقال أبو الحسن المشذالي في حاشيته على المدونة وقال أبو عمر: إن ما تطاير من الدم من اللحم عند قطعه على الثوب والبدن فغسله مستحسن انتهى. تنبيهان: الاول: قد يفهم من قوله في التوضيح أن المسفوح هو الدم الجاري أن ما لم يجر من الدم داخل في غير المسفوح وأنه طاهر ولو كان من آدمي أو ميتة أو حيوان حي وهو كذلك فقد قال اللخمي: الدم على ضربين: نجس ومختلف فيه، فالاول دم الانسان ودم ما لا يجوز أكله ودم ما يجوز أكله إذا خرج في حال الحياة أو في حين الذبح لانه مسفوح، واختلف فيما بقي في الجسم بعد الذكاة وفي دم ما ليس له نفس سائلة وفي دم الحوت انتهى. فيفهم من كلام اللخمي أن دم الآدمي والحيوان الذي لا يؤكل والميتة نجس مطلقا سواء جرى أو لم يجر وهو ظاهر، ويؤيد ذلك قول البساطي هنا مراد المصنف أن الدم الذي لم يجر بعد موجب خروجه شرعا فهو طاهر، فخرج الدم القائم بالحي لانه لا يحكم عليه بالطهارة ولا بالنجاسة، والدم المتعلق بلحم الميتة وأنه نجس وما جرى عند الذكاة فإنه أيضا نجس.

[ 137 ]
الثاني: الدم الذي يخرج من قلب الشاة إذا شق هل هو مسفوح أو غير مسفوح ؟ لم أر فيه نصا، والذي يفهم من كلام البرزلي واللخمي أنه من غير المسفوح فتأمله. ص: (ومسك) ش: بكسر الميم وسكون السين. قال الجوهري: فارسي معرب، كانت العرب تسميه المشموم. قال النووي في تهذيب الاسماء: وهو مذكر. قال أبو حاتم: فإن أنثه اللسان فعلى مذهب الذهب والغسل لانك تقول مسك ومسكة كما تقول ذهبة حمراء وغسلة وأنشد الجوهري في تأنيثه. ومن أردانها المسك ينفح وقال: أراد الرائحة والمسك - بفتح الميم وسكون السين - جلد يقال مسك ثور ومنه قول العرب: غلام في مسك شيخ. وجمعه مسوك كفلس وفلوس. وقول بعضهم إن الجلد مسك بفتح الميم والسين خطأ. وفي الحديث أتت امرأة النبي (ص) وفي يدها مسكتان من ذهب - بفتح الميم والسين الواحدة مسكة بفتحهما وهو سوار يتخذ من القرون والحديث يدل على أنه يتخذ من الذهب انتهى بالمعنى. قلت: وهو الآن في الحجاز يتخذ من الذهب ولكنهم يقولون فيه مسكة - بكسر الميم وسكون السين - النحل والمسك - بضم الميم وسكون السين - البخل، والمسك بضمهما البخل أيضا، والمسك - بفتح الميم وكسر السين - البخل. وفي الحديث أن أبا سفيان رجل مسيك. قال النووي: والمحدثون يقولون بكسر الميم وتشديد السين. قال صاحب المطالع: إن أكثر المحدثين يكسر الميم. ورواية المتقنين بفتح الميم وتخفيف السين وكذا هو لابي بحر وللمستملي. قال: وبالوجهين قيدته عن أبي الحسن بالكسر ذكره أهل اللغة. قال النووي: ورواية المحدثين صحيحة على هذه اللغة انتهى. وحكى الاجماع على طهارته. وحكى المازري عن طائفة قولا بنجاسته. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وانظر هل يجوز أكله كاستعماله انظر ذلك فإني لم أقف فيه على شئ انتهى. قلت: لا ينبغي أن يتوقف في ذلك وهو كالمعلوم من الدين بالضرورة، وكلام الفقهاء في باب الجحرام في أكل الطعام الممسك دليل على ذلك والله أعلم. ص: (وفأرته) ش: هي الوعاء الذي يكون فيه المسك ويسمى النافحة، واختلف في همزه فقيل: الصواب عدمه لانه

[ 138 ]
من فار يفور لفوران ريحها. وقيل: يجوز همزها لانها على هيئة الفأرة. قال ابن مرزوق قال أبو إسحاق: فارة المسك ميتة ويصلى بها، وتفسير ذلك عندي أنها كخراج يحدث بالحيوان تجتمع فيه مواد ثم تستحيل مسكا. ومعنى كونها ميتة أنها تؤخذ منه في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من أه الهند لانهم ليسوا بأهل كتاب. وإنما حكم لها بالطهارة والله أعلم لانها استحالت عن جميع صفات الدم وخرجت عن اسمه إلى صفات واسم يختص بها فطهرت لذلك كما يستحيل الدم وسائر ما يتغذى به الحيوان من النجاسات إلى اللحم فيكون طاهرا انتهى. وصرح بذلك ابن مرزوق بعد الكلام الذي نقله عن الشيخ، وتتمة كلامابن مرزوق: كما يستحيل الخمر إلى الخل طاهرا، وكما يستحيل ما به من العذرة والنجاسة تمرا أو بقلا فيكون طاهرا، وإنما لم تنجس فأرة المسك بالموت لانها ليست بحيوان ولا جزء منه فتنجس بعذر الذكاة، وإنما هي شئ يحدث في الحيوان كما يحدث البيض في الطير والله أعلم. لكن تشبيهه له بالبيض الذي يحدث في الحيوان كما يحدث البيض في الطير والله أعلم. لكن تشبيهه له بالبيض الذي يحدث في الطير يقتضي نجاسته إذا أخذ بعد الموت من الظبية فإن البيض الذي يخرج بعد الموت نجس كما تقدم فتأمله، ويظهر من إطلاق كلامهم طهارة المسك وفأرته ولو أخذت من الحيوان بعد موته والله أعلم. وقال الشافعية: إن انفصلت الفارة بعد موت الظبية فهي نجسة. ص: (وزرع بنجس) ش: يحتمل أن يريد أن القمح النجس إذا زرع ونبت فإنه طاهر وهو كذلك، قاله ابن يونس وغيره، وكذا غير القمح. ويحتمل أن يريد أن الزرع إذا سقي بالماء النجس لا تنجس ذاته وإن تنجس ظاهره وهو كذلك، والبقل والكراث ونحوه كالزرع. وقال البساطي في المغني: إذا سقي الزرع بماء نجس فالماء الذي تضمنه طاهر، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي وزرع ملابس للنجاسة فتأمله. وقال ابن رشد في رسم إن خرجت من سماع ابن القاسم وقول ابن نافع: إن البقل لا يسقى بالماء النجس إلا أن يقلى بعد ذلك بما ليس بنجس لا وجه له إذ لو نجس بسقيه للماء النجس لكانت ذاته نجسة ولم يطهر بتغليته بعد ذلك بماء طاهر، ويأتي إن شاء الله حكم سقيه للماء النجس غير أنه لا بد من غسل ظاهر ما وصلت إليه النجاسة من أصول الزرع إلا أن يسقى بعد ذلك بماء طاهر يبلغ إلى ما بلغ إليه النجس والمنجس والله أعلم. ص: (وخمر تحجر) ش: أي صار حجرا وهو المسمى بالطرطار ويستعمله الصباغون، وهذا إذا ذهب منه الاسكار أما لو كان الاسكار باقيا فيه بحيث لو بل فشرب أسكر فليس بطاهر. ونقله البرزلي عن

[ 139 ]
المازري في مسائل الاشربة والله أعلم. ص: (أو خلل) ش: أي ولو بإلقاء شئ فيه كالخل والملح والماء ونحوه ويطهر الخل وما ألقي فيه خلافا للشافعية. قاله في الجواهر والذخيرة وغيرهما. ونقل البرزلي أنه لو وقع في قلة خمر ثوب ثم تخللت والثوب فيها طهر الثوب والخل. فرع: قال البرزلي في أواخر الاشربة: إذا بقي في إناء خمر يسير فصب عليه عصير أو خل فقال أصبغ: فسد الجميع. قال الباجي: أما في العصير فصحيح لان العصير لا يصير الخمر عصيرا فهو عصير حلت فيه نجاسة، وأما الخل فلا لان الخل يصير الخمر خلا فيطهر الجميع ولا يستعمل ذلك الخل، إلا بعد مدة يقدر فيها أن الخمر تخللت انتهى. قلت: فإن ترك العصير حتى صار خلا طهر الجميع. فرع: واختلف في حكم تخليلها فحكى في البيان في ذلك ثلاثة أقوال، وقال في كتاب الاطعمة من الاكمال المشهور عندنا أنه مكروه، فإن فعل أكل وعليه اقتصر في الجواهر والله أعلم. فرع النجس ص: (والنجس ما استثني) ش: لما فرغ من بيان الطاهر شرع يبين النجس فقال: والنجس ما استثنى أي بأداة الاستثناء كقوله: إلا محرم الاكل وما بعده أو بأداة الشرط ليدخل فيه مفهوم قوله: إن جزت فالمستثنيات ثمانية وهي قوله: إلا محرم الاكل، وقوله: إن جزت وقوله: إلا المسكر، وقوله: إلا المذر والخارج بعد الموت، وقوله: إلا الميت وقوله: إلا المتغذي بنجس. وقوله: إلا المتغير عن الطعام، وقوله: والنجس بفتح الجيم لان المراد به عين النجاسة. ص: (وميت غير ما ذكر) ش: أي ومن النجس ميت غير الذي تقدم ذكره، والذي تقدم هو ميت ما لا دم له وميت البحر، والمراد هنا ما مات حتف أنفه أو حصلت فيه ذكاة غير شرعية كالذي يذكيه المجوسي وعابد الوثن والكتابي لصنمه أو المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليه متعمدا. قال صاحب الجمع عن ابن هارون: فإن حكم هذه الميتة في هذا كله، وكذلك ذبيحة المحرم والمرتد والمجنون والسكران. قاله ابن فرحون وغيره وهو ظاهر، وكذلك ما صاده الكافر من الحيوان البري. ص: (ولو قملة) ش: قال ابن عرفة وغيره: واختلف في الحيوان الذي يكون دمه منقولا كالبرغوث والقمل والبعوض على قولين: فقيل: ميتته طاهرة، وقيل:

[ 140 ]
نجسة. وكذلك القراد والذباب كما صرح به صاحب الجمع عن ابن هارون وشهر المصنف وصاحب الشامل القول بنجاسة القملة لقول ابن عبد السلام في آخر صلاة الجماعة: المشهور أن لها نفسا سائلة. ويفهم من اقتصار المصنف على القملة ترجيح القول بطهارة ما عداها، وكذلك يفهم من كلامابن عبد السلام في ذلك الموضع فإنه قال: البرغوث ليس له نفس سائلة، وأما القملة فالمشهور أن لها نفسا سائلة فيفهم منه ترجيح الفرق بين القملة والبرغوث. وهذا القول حكاه في التوضيح عن بعضهم فقال: ومنهم من قضى بنجاسة القملة لكونها من الانسان بخلاف البرغوث لانه من تراب، ولانه وثاب فيعسر الاحتراز منه انتهى. ولا شك أن البعوض والذباب والبق مثل البرغوث فيما ذكر، واقتصر في الجلاب على أن الذباب والبعوض مما ليس له نفس سائلة. وجزم في التوضيح في الكلام على الميتات بأن الذباب لا نفس له سائلة فقال: المراد بالنفس السائلة ما له دم وربما قالوا: وليس بمنقول فإن الذباب مما لا نفس له سائلة، وقد وجد فيه دم وعد في أواخر سماع أشهب من كتاب الصيد والذبائح الحكم فيما ليس له نفس سائلة. ولا شك أن القراد مثله فتحصل من هذا أن ما كان دمه منقولا فإن الراجح فيه أنه مما ليس له نفس سائلة إلا القملة، وذلك لا ينافي الحكم بنجاسة الدم المسفوح من الذباب وشبهه، ألا ترى أنه يحكم بنجاسة المسفوح من السمك مع الاتفاق على طهارة ميتته والله أعلم. فرع: اختلف المتأخرون فيمن حمل قشرة القملة في الصلاة فقال البرزلي: كان شيخنا أبو القاسم الغبريني يفتي بأن قشرها نجس وينقله عن ابن عبد السلام ويقول: حامل القشرة بمنزلة من صلى بنجاسة يفرق بين عمده وسهوه، وكان شيخنا ابن عرفة يفتي بخفة ذلك، فالاول حملها على أن لها نفسا سائلة، وحملها الثاني على أن أصل المذهب قول سحنون إنه ليس لها نفس سائلة. وذكر ابن ناجي في شرح المدونة عن الشبيبي أنه كان يفتي بأنه لا شئ عليه في ثلاث فأقل، وتبطل صلاته فيما زاد على ذلك ولعله استخف ذلك للضرورة. فائدة: قال ابن مرزوق: وسمعت عن بعض من عاصرته من الفضلاء الصالحين رحمه الله أنه كان يقول: من احتاج إلى قتل قملة في ثوبه أو في المسجد على القول بنجاستها ينوي بقتلها الذكاة ليكون جلدها طاهرا فلا يضره، ولا أدري هل رأى ذلك منقولا أو قاله من رأيه إجراء على القواعد. وهو إن كان محتملا لابحاث لا بأس به انتهى. قلت: وهذا ينبني على أن القمل مباح أكله أو مكروه ولم أر في ذلك نصا صريحا بل رأيت في حياة الحيوان للدميري من الشافعية أن القمل حرام الاجماع، أو يكون بنى ذلك على طريقة ابن شاس في أن الذكاة تعمل في محرم الاكل وتطهره. فرع: الصئبان الذي يتولد من القمل لم أر فيه نصا ولا شك في طهارته على القول بأن القملة لا نفس لها سائلة، وأما على المشهور فهو محل نظر، والظاهر أنه طاهر أو معفو عنه

[ 141 ]
لعسر الاحتراز منه. ص: (وآدميا والاظهر طهارته) ش: يعني أن ميتة الآدمي نجسة، واستظهر ابن رشد القول بطهارته، وسواء كان مسلما أو كافرا قال في أوائل الجنائز من البيان: والصحيح أن الميت من بني آدم ليس بنجس بخلاف سائر الحيوان التي لها دم سائل انتهى. وجزم ابن العربي بطهارته ولم يحك فيه خلافا. وقال في كتاب الجنائز من التنبيهات: وهو الصحيح الذي تعضده الآثار سواء كان مسلما أو كافرا لحرمة الآدمية وكرامتها وتفضيل الله لها. وذهب بعض أشياخنا إلى التفرقة بين المسلم والكافر، ولا أعلم أحدا من المتقدمين ولا من المتأخرين فرق بينهما. وفي كلام ابن عبد السلام ترجيح القول بطهارته أيضا. ونقل ذلك في التوضيح وقبله وصدر به في الشامل واستظهره فقال: والظاهر طهارة الآدمي كقول سحنون وابن القصار خلافا لابن القاسم وابن شعبان. وقال ابن الفرات: الظاهر طهارة الميت المسلم لتقبيله (ص) عثمان بن مظعون وصلاته على ابني بيضاء في المسجد وصلاة الصحابة على أبي بكر وعمر فيه، وقوله (ص): لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا رواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين انتهى. وفي كلام صاحب الطراز في كتاب الاعتكاف ترجيح القول بالطهارة فإنه لما تكلم على قص أظفاره في المسجد قال: الاعتكاف لا ينافي إصلاح الرأس بأي وجه كان، ولا إصلاح الظفر وهو أيضا طاهر لا ينجس، وعلى القول بأن الميت نجس تكون الاظفار نجسة انتهى. ولم أر من صرح بتشهير القول الذي صدر به المصنف ولا من اقتصر عليه بل أكثر أهل المذهب يحكي القولين من غير ترجيح، ومنهم من يرجح الطهارة وإن كان اللخمي أخذ القول بالنجاسة من المدونة من كتاب الرضاع من نجاسة لبن الميتة فقد أخذ القاضي وغيره القول بالطهارة من كتاب الجنائز من إدخاله المسجد. فرع: قال ابن هارون: وهذا الخلاف لا يدخل عندي أجساد الانبياء عليهم الصلاة والسلام بل يجب الاتفاق عل طهارة أجسادهم، وقد قيل بطهارة ما يخرج منه عليه الصلاة والسلام من الحدث فكيف بجسده (ص) ؟ وذكره في التوضيح على أنه من عنده. وقال ابن الفرات بعد أن ذكر الخلاف في ميتة الآدمي: وهذا الخلاف فيما عدا أجساد الانبياء عليهم

[ 142 ]
الصلاة والسلام فإن الاجماع على طهارتها لا سيما جسد نبينا (ص). ص: (وما أبين من حي أو ميت من قرن وعظم وظلف وعاج وظفر) ش: يعني أن ما أبين من حي أو ميت من هذه الاشياء فإنه نجس. والقرن والعظم معروفان، والظلف بالظاء للبقرة والشاة والظبي، والظفر بالظاء أيضا للبعير والاوز والدجاج والنعام. والعاج عظم الفيل واحده عاجة قاله في الصحاح. تنبيه: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب قال الشيخ تقي الدين: تكلم المصنف يعني ابن الحاجب على إبانة هذه الاشياء ولم يتعرض لابانة الاعضاء الاصلية كاليد والرجل في حال الحياة، والقياس أن حكمها حكم ميتة ما أبينت منه، فالطاهر كالسمك وغيره واضح. وأما ما أبين من أعضاء الآدمي الحي فقال ابن القصار بنجاستها، وقال ابن رشد بطهارتها. قال: وهو الصواب. وقد سلم ابن القصار طهارتها وهو لا يشعر لانه اختار أن ميتة الآدمي طاهرة وإبانة العضو لا يزيد على الموت. وقال الباجي بطهارة العضو المبان انتهى. وقال في التوضيح: رأى بعضهم أن ما أبين من الآدمي في حال الحياة لا يختلف في نجاسته. ابن عبد السلام: وليس كذلك انتهى. ويفهم من كلامهم أن ما أبين من بعد موته حكمه حكم ميتته بلا كلام. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر الخلاف في ميتته وعلى الطهارة قال بعض البغداديين: ما أخذ منه بعد موته طاهر لموافقة المأخوذ الكل وقبل موته نجس، ثم ذكر كلام ابن عبد السلام وبحث معه فيه. وحاصله أن الخلاف فيما أبين من الآدمي في حال حياته وبعد موته كالخلاف في ميتته والله أعلم. وفي كلام صاحب الطراز في كتاب الاعتكاف أن حكم المأخوذ في الحياة من الظفر حكم الميتة، وقد تقدم في شرح قوله والاظهر طهارته. تنبيه: قال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة في كتاب الصيد: وكذلك إن ضربت صيدا فأبنته أو أبقيته معلقا بحيث لا يعود لهيئته أخذ شيخنا منها أن من أبان طرف ظفره من أصله وبقي معلقا بالاصل وعادته أنه لا يعود لهيئته فإنه يكون مصليا بالنجاسة لان المشهور أن الظفر نجس.

[ 143 ]
تنبيه: علم مما تقدم حكم ما أبين من الحيوان الذي لا نفس له سائلة ومن السمك والله أعلم. تنبيه: لم يذكر المصنف السن كما ذكر في المدونة وابن شاس وابن الحاجب لدخولها في العظم، وسكت عن اللحم لدخوله من باب أحرى إذ لا خلاف في نجاسته والله أعلم. ص: (وقصبة ريش) ش: ظاهره أن جيمع القصبة نجس وهذا يأتي على طريقة ابن شاس وابن الحاجب فإنهما قالا: والريش شبيه الشعر كالشعر وشبيه العظم كالعظم وما بعد فعلى القولين أي القولين في أطراف القرون. والمشهور منهما النجاسة فيكون المشهور في القصبة كلها النجاسة. وقال ابن عرفة: في ريش الميتة طرق فذكر طريقة ابن شاس ثم قال ابن بشير: ما اتصل بالعظم كالجسم وطرفه كالشعر. وروى الباجي ما له سنخ فكاللحم وما لا كالزغب طاهر. والسنخ بكسر السين المهملة وبعدها نون ساكنة ثم خاء معجمة الاصل. فعلى ما قال ابن بشير ما لم يتصل بالجسم طاهر يكون طرف القصبة طاهرا، وأما كلام الباجي فالذي يظهر أنه يقتضي نجاسة جميع القصبة فتأمله، وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب وما بعد فعلى القولين يعني بالبعد هنا علوه عما قارب الجسم من شبه العظم. ص: (وجلد ولو دبغ) ش: هذا هو المشهور. ص: (ورخص فيه مطلقا) ش: قال في التوضيح: اختلفت عبارة أهل المذهب في جلد الميتة المدبوغ، فقال أكثرهم: مطهر طهارة مقيدة أي يستعمل في اليابسات والماء وحده. وقال عبد الوهاب وابن رشد: نجس ولكن رخص في استعماله في ذلك ولذلك

[ 144 ]
لا يصلى عليه وهو خلاف لفظي. ولفظ ابن رشد في سماع أشهب من كتاب الطهارة المشهور من قول مالك المعلوم من مذهبه أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ، وإنما يجوز الانتفاع به في المعاني التي ذكرت. وقوله: ورخص فيه مطلقا في كثير من النسخ بالبناء للفعول، وفي بعضها بالبناء للفاعل ويكون عائدا إلى مالك لانه إمام المذهب وعلى ذلك شرحه بعض الشارحين. فرع: قال ابن مرزوق: عموم قوله: مطلقا يقتضي دخول جلد الانسان ولم أر من نص عليه، وليس فيما نقله ابن حزم من الاتفاق على أنه لا يحل سلخه ولا استعماله ما يدل على التنجيس لاحتمال أن يكون ذلك لحرمته، وخرج بعضهم الخلاف فيه على الخلاف في سائر الجلود حتى جلد الخنزير. قلت: فيما قاله نظر لانه إن كان المراد الحكم بنجاسته وأنه لا يطهر بالدباغ فجلود الميتات كلها نجسة ولو دبغت على المشهور وهو منها على القول بنجاسة ميتته، وإن كان المراد الترخيص في الاستعمال فقد دل كلام ابن حزم على أنه لا يحل استعماله باتفاق فقد حصل الغرض فتأمله. ص: (إلا من خنزير) ش: هذا هو الذي مشى عليه ابن الحاجب وغيره، وذكر ابن الفرس في أحكام القرآن أن المشهور من المذهب أن جلد الخنزير كغيره ينتفع به بعد الدبغ. وقد اختلف أهل اللغة هل الاهاب خاص بجلد الانعام أو يطلق على جلد غيرها أيضا ؟ ذكره ابن رشد في سماع أشهب من كتاب الطهارة والله أعلم. ص: (بعد دبغه) ش: قال في الجواهر: وكيفية الدباغ الفضلات بالاشياء المعتادة في ذلك. قال ابن نافع: ولا يكفي التشميس. وقال ابن عرفة: روى الباجي الدبغ ما أزال شعره وريحه ودسمه ورطوبته. ونقله الابي في شرح مسلم ثم قال: ولا يخفى عليك ما في اشتراط زوال الشعر من النظر لما يأتي في حديث الاقربة. والاظهر أن الدبغ ما أزال الريح والرطوبة وحفظ الجلد من الاستحالة كما تحفظه الحياة، ولعل ما في الرواية في الجلود التي الشأن فيها زوال الشعر كالتي يصنع منها الانعلة لا التي يجلس عليها وتصنع منها الافرية، وإنما يلزم زوال الشعر على مذهب الشافعي القائل بأن صوف الميتة نجس، وأما عندنا فلا، والظاهر ما ذكره الابي. واقتصر ابن ناجي في شرح الرسالة على ما ذكره الباجي كما فعل ابن عرفة. وقال في الطراز: الظاهر أنه لا يعتبر في الدبغ آلة. وفي الموازية لحيي بن سعيد: ما دبغ به جلد الميتة من دقيق أو ملح أو قرظ فهو له طهور وهو صحيح فإن حكمة الدباغ إنما هي بأن يزيل عفونة الجلد ويهيئه للانتفاع به على الدوام فما أفاد ذلك جاز به انتهى.

[ 145 ]
فرع: قال الابي: ظاهر الاحاديث أن الدبغ يفيد حتى من الكافر. وفي مسلم حديث نص في ذلك، والاظهر أن ما دبغوه مستثنى مما أدخلوا فيه أيديهم والله أعلم. فرع: قال في سماع أبي زيد من كتاب الجامع: هل للمسلم أن يسلخ الميتة ؟ قال ابن القاسم: لا بأس بذلك ولا يصل إلى الانتفاع بها إلا بذلك. تنبيه: فهم من قوله بعد دبغه أنه لو لم يدبغ لا يجوز الانتفاع به بوجه. قال في التوضيح قال ابن هارون: وهو المذهب. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: لا يفرش ولا يطحن عليه حتى يدبغ انتهى. وظاهره أنه يطحن عليه بعد الدبغ وسيأتي الكلام فيه. ص: (في يابس وماء) ش: هو متعلق بقوله: رخص أي رخص في استعمال جلد الميتة المدبوغ في اليابسات وفي الماء وحده. قال في كتاب الجعل: والاجارة من المدونة ولا يؤاجر على طرح الميتة بجلدها لانه لا يجوز بيعه وإن دبغ ولا يصلى عليه ولا يلبس. قال ابن يونس: أي للصلاة وأما لغير الصلاة فجائز. ثم قال في المدونة: وأما الاستقاء في جلود الميتة إذا دبغت فإنما كرهه مالك في خاصة نفسه ولم يحرمه. ثم قال في المدونة: ولا بأس أن يغربل عليها ويجلس، وهذا وجه الانتفاع الذي جاء في الحديث ونحوه في كتاب الغصب وزاد وتمتهن للمنافع. قال أبو الحسن قال أبو محمد صالح: ولا يطحن عليها لان الطحن عليها يؤدي إلى زوال بعض أجزائها فيؤدي إلى أن تختلط أجزاء الميتة بالدقيق. وقال ابو الحسن: وانظر هل أجاز الاستقاء في جلود الميتة إذا دبغت ؟ وعلى هذا يتوضأ به. وقال في سماع أشهب من كتاب الوضوء: سئل أيتوضأ من السقاء من الميتة إذا دبغ ؟ قال: إني لارجو أن لا يكون به بأس إن انفض ذلك إلى الصلاة فيها انتهى. والمسألة في أول رسم من سماع أشهب وقبلها ابن رشد. وذكر البرزلي عن بعض المعاصرين له أنه قال: لا يغربل عليه. قال شيخنا: اتقاء لما يتحتت منه. وظاهر المذهب عموم استعماله في اليابسات مطلقا انتهى. قلت: وقد نص في المدونة على أنه يغربل عليها كما تقدم، وأما الوضوء منه فظاهر ما تقدم عن سماع أشهب الجواز. ونص في العمدة والارشاد على أنه يكره الوضوء من آنية عظام الميتة وجلدها وإن دبغ. فرع: قال البرزلي في مسائل الصلاة في آخر مسائل بعض المصريين: كان شيخنا يقول: إذا وجد النعال من جلد الميتة فإنه ينجس الرجل إذا توضأ عليه وفيه نظر لجواز استعماله في الماء انتهى. قلت: بل الظاهر كما قال شيخه لان الماء يدفع عن نفسه، وأما الرجل إذا بلت ولاقاها فقد صدق عليه أنه استعمل في غير اليابسات. فرع: قال في التوضيح: نقض ابن الحاجب من المشهور أن مالكا رحمه الله كان لا

[ 146 ]
يستعمله في خاصة نفسه انتهى. ونحوه لابن فرحون وكلامه في التوضيح يوهم أن مالكا كان لا يستعمله مطلقا بل يوهم أن ذلك في جلد ما ذكي من السباع وليس كذلك، وإنما الذي كرهه في خاصة نفسه الاستقاء في جلود الميتة المدبوغة كما تقدم، كذلك قال ابن عبد السلام ونصه. ونقص تمام المشهور وهو أن مالكا لم يستعمله في الماء غير محرم له بخلاف اليابسات. وقال ابن عرفة: وفيها أتقي الماء فيها يعني جلود الميتة في خاصتي ولا أحرمه والله أعلم. فرع: لم يتكلم المصنف على الصلاة على جلود الميتة اكتفاء بدخول ذلك في عموم الصلاة على النجاسة. وقال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ومن صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها أعاد في الوقت. واختصرها ابن يونس بلفظ: أو جلد ميتة لم يدبغ يريد صلى بذلك ناسيا. ثم قال فيها قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جلدها وإن دبغ. قال ابن يونس: لعله ييرد ناسيا أو عامدا للحديث: إذا دبغ الاهاب فقد طهر ويمكن أن يكون سوى بينهما كتسويته في البيع انتهى. وعلى التسوية بين المدبوغ وغيره حملها سند وهو ظاهر ما في كتاب الغصب فإنه قال: وكره مالك بيع جلود الميتة والصلاة فيها وعليها دبغت أو لم تدبغ. قال ابو الحسن: الكراهة على المنع. فرع: قد تقدم أن لبسه يجوز في غير الصلاة ولا يجوز فيها، وهذا حكم هذه الفراء التي تجعل من جلود السنجاب ونحوه. ص: (وفيها كراهة العاج) ش: هذا أول موضع أشار فيه للمدونة وأتى بها لكون ظاهرها مخالفا لما قدمه من نجاسة العاج. قال في كتاب الصلاة الاول: وأكره الادهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها. قال ابن ناجي: زاد في الام لانها ميتة وذلك يدل على أن المراد بالكراهة التحريم انتهى. ومما يدل على أن المراد بالكراهة التحريم أن قبله: وكره أخذ العظم والسن والقرن والظلف من الميتة ورآه ميتة. قال ابن ناجي: الكراهة على التحريم لقوله: ورآه ميتة، وكذلك قال ابن مرزوق: ولا فرق بين الكراهتين لانه علل في

[ 147 ]
الام كلا منهما بأنه ميتة، فإن كانت التي في أنياب الفيل محتملة فالتي في القرن والعظم والسن مثلها فلا معنى لاقتصار المصنف لعز والتي في أنياب الفيل للمدونة. قال: والذي غره اختصار البراذعي لانه لم يذكر قوله في ناب الفيل أنها ميتة، ومن الشيوخ من حمل الكراهة في الجميع على بابها، ونقله أبو الحسن عن ابن رشد، وحكاها بن فرحون عن بعضهم عن ابن المواز قال: إنما كرهه مالك ولم يحرمه لان عروة وربيعة وابن شهاب أجازوا أن يمتشط بأمشاطه. ومذهب ابن وهب أن عظام الميتة طاهرة، وذكر القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة عن شيخه الابهري أنه كان يقول: إن مالكا يكرهه يعني العظم من غير تحريم. قال القاضي: وظاهر قول مالك التحريم وهو الذي يقتضيه النظر. ثم قال في الكلام على ناب الفيل: إنما الكراهة فيه إذا مات من غير تذكية والصحيح تحريمه انتهى. ووجه الكراهة أنه تعارض فيه ما يقتضي تنجيسه وهو أنه جزء ميتة، وما يقتضي الطهارة وهو عدم الاستقذار لانه مما يتنافس في اتخاذه. وقيل: إن صلق فهو طاهر وإلا فلا، وليس هذا خاصا بالعاج بل عام، فإن أنياب الفيل قرون منعكسة كما قاله اللخمي وغيره. وقد اختلف في العظم والقرن والظلف والسن فالمشهور أنها نجسة. وقال ابن وهب: طاهرة بناء على أنها لا تحلها الحياة. وقيل: بالفرق بين طرفها وأصلها. ابن عبد السلام: وهذا إنما يتأتى في غير العظم. وحكى الباجي وغيره في عظام الميتة رابعا بالفرق بين أن يصلق أولا، وإذا حملت الكراهة في أنياب الفيل على بابها كما تقدم عن ابن رشد وابن المواز يكون خامسا. تنبيهان: الاول: هذا إن لم يذك الفيل فإن ذكي جاز الانتفاع بعظمه وجلده من غير دبغ كجلود السباع وعظامها إذا ذكيت وإنما يكره أكل لحومها. الثاني: أنظر هل يتنجس الدهن والماء ونحوه بجعله في العاج ونحوه من عظام الميتة أم لا ؟ لم أر فيه نصا صريحا. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: وكره الانتفاع بأنياب الفيل لانه لا دسم فيه ولاودك ويأتي في شرح قول المصنف: ورطوبة فرج ما بدل على ذلك. ص: (والتوقف في الكيمخت) ش: أشار به لقوله في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي. وتوقف عن الجواب في الكيمخت ورأيت تركه أحب إلي انتهى. وتوفه لاجل أن القياس يقتضي تركه وعمل السلف يعارضه. قال علي عن مالك في سماع

[ 148 ]
عيسى من كتاب الصلاة: ما زال الناس يصلون بالسيوف وفيها الكيمخت وما يتقون شيئا. قال في التوضيح عن ابن هارون وأصله لابن يونس: في الكيمخت ثلاثة أقوال: الاول: قوله في المدونة تركه أحب إلي فيحتمل أن من صلى به يعيد في الوقت أو لا إعادة عليه. الثاني: الجواز لمالك في العتبية. الثالث: الجواز في السيوف خاصة لابن المواز وابن حبيب، فمن صلى به في غير السيوف يسيرا كان أو كثيرا أعاد أبدا انتهى. ومقتضى كلام المصنف وصاحب الشامل دن المشهور في الكيمخت النجاسة وأنه لا يصلى به وهو الذي يفهم من أول كلامه في المدونة فيكون رابعا، لكن الذي فهمه الاشياخ أن هذا حكمه في الاصل ولكنه خرج عن هذا الحكم للضرورة. قال ابن رشد في رسم حمل من سماع عيسى من كتاب الصلاة: الصلاة في الكيمخت على أصل مالك لا تجوز إلا أنه استخف للخلاف فيه واستجازة السلف له فرأى في العتبية المنع منه، والتشديد فيه من التعمق الذي لا ينبغي، وكرهه ابن القاسم للخلاف من غير تحريم انتهى. وقال في الطراز: يجوز أن يكون مالك رأى الكيمخت مستثنى وهو ظاهر قوله في العتبية: قال فيها أبو محمد المخزومي: سألت مالكا عن الكيمخت فقال: هذا تعمق وقد صلى الصحابة بأسيافهم وفيها الدماء. وظاهر هذا الكلام أنه مستثنى كالدم في السيف. وهذا لان غير الكيمخت لا يسد مسده ولا يقوم مقامه فاختصت به الرخصة لنوع حاجة وضرورة انتهى. وعلى هذا فلا يصلي في الكيمخت بمقتضى الاصل المذكور أعني النجاسة فإني لم أر من نقل فيه قولا ببطلان الصلاة فلا يكون ما ذكره عن المدونة هنا مخالفا للمشهور. نعم نقص المصنف من كلام المدونة قوله: وتركه أحب إلي وهي التي تفيد الحكم فيه وقد تعقب في التوضيح على ابن الحاجب إسقاط ذلك وارتكبه هنا والله أعلم. ص: (ومني ومذي وودي) ش: المني بفتح وكسر النون وآخره تحتية مشددة ويأتي تعريفه في فصل الغسل. والمذي - بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء وبكسر الذال مع تشديد الياء وتخفيفها. حكاه الفاكهاني - ماء رقيق يخرج عند ثوران الشهوة يشترك فيه الرجل والمرأة، ومذيها بلة تعلو فرجها قاله القرافي. قال النووي في تهذيب الاسماء: المذي يكون للرجال والنساء. قال إمام الحرمين: هو في النساء أكثر. قال: وإذا هاجت المرأة خرج منها

[ 149 ]
انتهى. وفي الصحاح: كل ذكر يمذي وكل أنثى تمذي. يقال: مذت الشاة أي ألقت بياضا من رحمها انتهى. والودي بفتح الواو وسكون الدال المهملة وتخفيف الياء وبكسر الدال مع تشديد الياء، ويقال: بالذال المعجمة. قال الفاكهاني: وهو شاذ. وذكر ابن فرحون عن بعضهم أن من قال من الفقهاء: إنه بالمعجمة فهو تصحيف، وضبطه في الطراز بالمعجمة وقال: الودي بالمهملة صغار النخل والمشهور الاول، وهو ماء أبيض خاثر يخرج بإثر البول أو حمل شئ ثقيل. والمني نجس قال المصنف وغيره: لا نعلم فيه خلافا. وحكى ابن فرحون فيه الخلاف عن صاحب الارشاد، وتأوله ابن الفرات بأن المراد الخلاف هل هو نجس لاصله أو لممره. قلت: وليس ذلك بظاهر ونص كلامه في الارشاد والمشهور نجاسة منيه يعني الآدمي، وقال في عمدته: وفي المني قولان، وأما الخلاف الذي ذكره هل هو نجس لاصله أو لممره على م حل البول فمعلوم ذكره ابن الحاجب وغيره. قال ابن الحاجب: وعليهما مني المباح والمكروه، فعلى الاول يكون نجسا وعلى الثاني لا يكون نجسا من المباح الذي لا يأكل النجاسة لان بوله طاهر، ولا من المكروه على القول بأن بوله تابع، وهذا يأتي على مذهب العراقيين. قال في الارشاد: والارواث والابوال والمني توابع يعني اللحوم. وظاهر إطلاق المصنف الحكم بنجاسته من جميع الحيوان، وبه فسر البساطي كلامه. ونقل بعضهم عن الشارح أنه قال: ظاهر المذهب نجاسته ولم أقف على ذلك في شروحه الثلاثة ولا في شامله، ولعل ذلك في غير هذه من كتبه. وأما المذي والودي فينقل شاس الاجماع على نجاستهما. فقال ا بن هارون: يحتمل أن يكون ذلك من الآدمي والمحرم، وأما المباح ففيه نظر لانا إن أجرينا ذلك مجرى بوله فهو طاهر، أو مجرى منيه ففيه الخلاف. قال ابن ناجي: نختار أنه قسم ثالث، وكذلك وافق على نجاسته من خالف في المني انتهى. فظاهره ترجيح الحكم بالنجاسة فيه وهو الظاهر والله أعلم. وظاهر كلامهم أن غير الآدمي له مذي وودي وتوقف في ذلك ابن الامام والله أعلم. فرع: قال البساطي: والخلاف ف غير فضلات الانبياء. وقال ابن الفرات: وقد اتفق الاصحاب على نجاسة مني الآدمي ما عدا الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وغسل عائشة رضي الله عنها المني من ثوبه (ص) تشريع. وفي التوضيح: لا دلالة في منيه (ص) لا دعاء أنه منه طاهر وإن كان من غيره نجسا. وفي الابي ما يقتضي تسليم أن منيه وفضلاته طاهرة. وقال الشافعية بطهارة مني الآدمي واختلفوا في غيره، ولهم قولان في جواز أكله حكاهما النووي. قال في شرح مسلم: وأظهر القولين عندهم حرمة أكله والله أعلم. ص: (وقيح وصديد) ش: القيح بفتح القاف وسكون التحتية وكسر القاف لحن. قال ابن فرحون: وهو المدة التي لا يخالطها دم من قاح بقيح. والصديد ماء الجرح الرقيق والمختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة والمدة بكسر الميم، قاله دبن فرحون وابن الفرات وغيرهما. وذكر سند في الكلام على القيح والصديد أنه ما سال

[ 150 ]
من موضع حك البثرات من الصديد وأنه يعفى " عن يسيره ولو من غير جسد الانسان، وذكر في الكلام على البواسير أن الجلد إذا كشط ورشح منه بلل فهو نجس وذلك داخل في قول القاضي عياض في قواعده في أنواع النجاسة الثاني: الدماء كلها وما في معناها وما تولد عنها من قيح وصديد من حي أو ميت ويعفى عن يسيرها انتهى. ويدخل في ذلك ما يسيل من نفط النار من الماء وما يسيل من نفطات في الجسد في أيام الحر ونحو ذلك والله أعلم. وانظر كلام الشيخ أبي الحسن عند قول المصنف وأثر دمل لم ينكأ. ص: (ورطوبة فرج) ش: نكر الرطوبة والفرج ليعم كل خارج من أحد السبيلين. قال في التلقين: كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس وذلك كالبول والغائط والمذي والودي والمني ودم الحيض والنفاس والاستحاضة وغير ذلك من أنواع البلل، فدخل في كلامه كل بلل يخرج منهما كالهادي الخارج قبل الولادة، وخرج بقوله: مائع ما ليس بمائع كالدود والحصا. قال المازري في شرحه: فإنهما طاهران في أنفسهما وإنما يكتسبان النجاسة بما يعلق بهما من بول أو غائط. وقال الباجي في شرح الحديث: من استجمر فليوتر ما خرج من السبيلين من طاهر كالريح فلا استنجاء فيه، وخروج الحصا والدود دون شئ إن أمكن مع بعده فعندي أنه لا يجب فيه الاستنجاء لانه خارج طاهر كالريح. ويأتي في قول المصنف: ولا يطهر زيت خولط عن البرزلي ما يفهم منه أن النواة والحصا والذهب وما لا يتحلل إذا بلع ثم خرج من البطن لا ينجس إلا ظاهره. وقال ابن عرفة قال عياض: ماء الفرج ورطوبته عندنا نجس. قال ابن عرفة: وقبول النووي نقل بعض أصحابهم إذا ألقي الجنين وعليه رطوبة فرج أمه طاهر بإجماع لا يدخله الخلاف في رطوبة الفرج، يرد بأن الاصل تنجيس ما اتصل به نجس رطب بعدم وجوده في كتب الاجماع. ولقد استوعبه ابن القطان ولم يذكره ويؤيد ما قاله ابن عرفة ما ذكر البرزلي عن مسائل ابن قداح أن من رفع جنين بقرة حين وضعته وهو مبلول وألصقه بثوبه فلا شئ عليه. قال البرزلي: إن لم يكن بلله دما وإلا فهو كبلل بولها ولو كان جنين فرس ألصقه بثوبه كذلك تنجس ثوبه. البرزلي في هذا نظر على ما حكاه النووي إن بلل جنين الآدمي حين خروجه الاتفاق على طهارته، وكان شيخنا يتعقبه بأن يكون هذا أحرى لاختلاف

[ 151 ]
الناس في أكل الخيل انتهى. فعلى ما قاله ابن قداح وابن عرفة يستثنى من رطوبة فرج رطوبة ما بوله طاهر والله أعلم. تنبيه: ما ذكره ابن عرفة من أن الاصل تنجيس ما اتصل به نجس رطب طاهر لا شك فيه، وفي مسائل ابن قداح فيمن لبس ثوبا طاهرا يابسا على ثوب مبلول نجس تنجس بل، فإن كانت النجاسة بموضع معين غسله وحده وإلا غسله كله، وإن لم يكن معه غيره وضاق الوقت صلى به. وفي سماع أشهب أن من نتف إبطه يغسل يديه. فقال ابن رشد: يستحب. قاله البساطي في المغني. وقال غيره: يجب لما تعلق بالشعر من النجاسة انتهى. وهو ظاهر إن كانت أصول الشعر تصل ليده ومثل ذلك من يمتخط في ثوبه أو في يده فيجد بالمخاط شعرا بأصوله فإنه ينجسه - " والله أعلم - إلا أن ظاهر كلامهم أن هذا في النجاسة التي يمكن أن يتحلل منها شئ. قال البرزلي عن ابن أبي زيد فيمن على شاطئ نهر وفيه عظم ميتة غطاه الماء والطين فغسل رجله وحعلها على العظم ونقلها إلى ثيابه: إن ثوبه لا ينجس ولا شئ عليه. قال البرزلي: إن كان العظم باليا فواضح - ونص عليه التونسي في التعليقة - وإن كان فيه بعض دسم ولحم فالصواب أن النجاسة تتعلق برجله إلا أن يوقن أن رطوبة النجاسة قد ذهبت جملة ولم يبق إلا رطوبة الماء فيكون كالعطم البالى، وسيأتى في مسألة القملة ما يؤيده أيضا. ومن ذلك ما في سماع أشهب عن مالك في المغتسل يتجفف بالثوب فيه الدم قال: إن كان يسيرا لا يخرج بالتجفيف منه شئ فلا شئ عليه، وإن كان يخاف أن التجفيف بله فأخرج منه ما أصاب جسده غسله وقبله ابن رشد. ص: (ودم مسفوح) ش: أي سائل ص: (ولو من سمك) ش: اختلف الناس في السمك هل له دم أم لا ؟ فقال بعضهم: لا دم له والذي ينفصل عنه رطوبة تشبه الدم لا دم ولذلك لا تسود إذا تركت في الشمس كسائر الدماء بل تبيض. قال ابن الامام: وليس ذلك بصحيح لان عدم اسوداده لو سلم من كل السمك فذلك لما خالطه من الرطوبة لا لانه ليس بدم انتهى. والمشهور أن دمه كسائر الدماء مسفوحه نجس وغير مسفوحه طاهر، ومقابل المشهور أنه طاهر مطلقا وهو قول القابسي. واختاره ابن العربي انتهى من التوضيح. قال في الجواهر وقال ابن العربي: لمالك فيه قولان، والصحيح أنه طاهر، ولو كان نجسا لشرعت ذكاته. واعلم أن الخلاف في دمه إنما هو إذا سال، وأما قبل ذلك فلا يحكم بنجاسته ولا يؤمر بإخراجه فقد قال مالك في سماع ابن القاسم: لا بأس بإلقائه في النار

[ 152 ]
حيا. وقال في سماع أشهب: أكره ذلك كراهة غير شديدة. قال ابن رشد: ووجه الكراهة أن الحوت مذكى فالحياة التي تبقى فيه كالحياة التي تبقى في الذبيحة بعد ذبحها فيكره في كل واحدة ما يكره في الاخرى انتهى. وقال مالك في ترس الماء وقيل له: إنه يعيش أياما ما أراه إلا من صيد البحر وما أرى ذبحه إلا أن يتعجلوا بذلك موته فلا أرى بذلك بأسا إلا أن يشكل أمره على الناس انتهى. ص: (وذباب) ش: تقدم أن هذا لا يعارض الحكم عليه بأنه لا نفس له سائلة، لان ذا النفس السائلة هو ما له دم غيره منقول، والذباب كغراب واحد الذباب بالكسر كغربان. قال في الصحاح: والواحد ذبابة بموحدتين، ولا يقال: ذبانة بالنون. ومنع ابن سيده أن يقال: ذبابة أيضا قال: الذباب هو الواحدة والله أعلم إلا أنه ليسارة دمه لا يقطع الصلاة منه إلا ما كثر والله أعلم. ص: (وسوداء) ش: قال سند: هي مائع أسود يكون كالدم وهذه صفة النجاسات. ص: (ورماد نجس ودخانه) ش: هذا ظاهر المذهب أن دخان النجاسة نجس. قال في البيوع الفاسدة من المدونة: ولا يطبخ بعظام الميتة ولا يسخن بها ماء لوضوء أو عجين. قال ابن يونس عنابن حبيب: ومن فعل ذلك جهلا لم يحرم عليه أكل الطعام ولم ينجس الماء. قال أبو الحسن: وهو أيضا في المدونة، وهذا إذا كان الدخان لا ينعكس فيما طبخ أو سخن، وأما إن كان ينعكس فإن الطعام لا يؤكل والماء لا ينجس انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي: انعكاس دخان ميتة في طعام أو ماء ينجسه انتهى. ولابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء خلاف ذلك. قال في شرح قوله: لا يؤكل الخبز الذي يوقد بأرواث الحمير وأما ما طبخ في القدور فأكله خفيف ويكره بدأ ولا يوقد بعظام الميتة لطعام ولا شراب. ابن رشد: لان الخبز قد خالطه من عين نجاسة الروث وسرى فيه، وأما ما طبخ في القدور ولم يصل إليه من عين النجاسة شئ وإنما كره من أجل ما يصل إليه من دخان الروث النجس لما فيه من الشبهة من أجل من يقول: إن الدخان نجس وإن لم يكن عندنا نجسا انتهى. فجزم ابن رشد هنا بعدم نجاسته ولم يحك في ذلك خلافا، ونقله عند المصنف في التوضيح في باب البيوع وابن عرفة وقبلاه ولم ينبها عليه. ولابن رشد في سماع سحنون من كتاب

[ 153 ]
الصلاة في قول ابن القاسم: لا بأس أن يتبخر بلحوم السباع إذا كانت ذكيت، وإن كانت ميتة ولم يكن دخانها يعلق بالثياب كما يعلق دخان عظام الميتة فلا بأس به وأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان يعلق بالثياب فلا يعجبني. ابن رشد: حكم دخان الميتة حكم رمادها، والاختلاف في ذلك جار على الاختلاف في طهارة جلد الميتة المدبوغ، ثم قال: والاظهر من طريق القياس الطهارة انتهى. وعزى ابن عرفة هذه المسألة لسماع ابن القاسم وليست فيه، ولم يذكر كلام ابن رشد هنا وظاهر كلام غير واحد النجاسة بل نقل ابن عرفة عن المازري أنه قال: دخان النجاسة أشد من رمادها. ولهذا قال في الشامل: ورماد النجس نجس. وخرج من لبن الجلالة وبيضها طهارته وهل دخانه كذلك أو طاهر خلاف انتهى. فتحصل من هذا أنه لا يوقد بالنجاسة لا على خبز ولا طعام ولا شراب ولا تسخين ماء، فإن فعل ذلك ولم يصل من الرماد والدخان شئ إلى المطبوخ والمخبوز فهو طاهر، وإن كان يصل إليه شئ من الرماد فهو نجس، أو من الدخان فنجس أيضا على ما مشى عليه المصنف خلافا لابن رشد. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح في البيوع قال شيخنا: ينبغي أن يرخص في الخبز بالزبل بمصر لعموم البلوى ومراعاة لمن يرى أن النار تطهر، وأن رماد النجاسة طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل، وللقول بكراهته منها ومن البغال والحمير قال: فيخفف الامر مع هذا الخلاف وإلا فيتعذر على الناس أمر معيشتهم غالبا، والحمد لله على خلاف العلماء فإنه رحمة للناس. الثاني: علم مما تقدم في سماع سحنون أن الدخان النجس لا ينجس ما لاقاه بمجرد الملاقاة بل إنما ينجس إذا علق، والظاهر أن المراد بالعلوق أن يظهر أثره وأن مجرد الرائحة فلا. الثالث: ذكر في الطراز عن مالك في المرتك المصنوع من عظام الميتة لا يصلى به. وعن ابن الماجشون أنه يصلى به. وقال ابن عرفة: روى الشيخ إن جعل مرتك صنع من عظم ميتة لقرحة وجب غسله. ابن حبيب: إن لم يغسله فليس بنجاسة لحرقه بالنار. وخفف ابن الماجشون الصلاة به. قال ابن الحاجب: والمرهم النجس يغسل على الاشهر. الرابع: قال ابن القاسم في الرسم المتقدم: ولا أرى أن يوقد بها في الحمامات انتهى. فإن جعل فعل ما تقدم. وأما عرق الحمام فقال عياض في كتاب البيوع الفاسدة خفف أبو عمر أن ما يقطر من عرف الحمام وإن أوقد تحته بالنجاسة ورأى أن رطوبة النجاسة لا تصعد إلى ذلك العرق للحائل بينها وبينه من أرض الحمام وخروج أدخقته عنه خارجا، وإنما ذلك العرق من بخار الرطوبة والمياه المستعملة فيه وهذا على أنها طاهرة، ولو كانت نجسة لكان البخار المتصعد منها وعرقها نجس كدخان النجاسة وبخارها فإنه لا شك بعض أجزائها، وعلى هذا ينبغي أن يحمل عرق الحمامات التي يستعمل في غسلها مياه الحياض النجسة ولا يتحفظ

[ 154 ]
داخلها من البول والنجاسات انتهى. وقبله أبو الحسن وكذا الرجراجي في كتاب الطهارة، وعلم منه أنه لو اتصل الدخان النجس بالعرق لتنجس على المشهور في دخان النجاسة. قال الشيخ زروق: الشيوخ يذكرون في القطرة من سقفه قولين مبناهما انقلاب الاعيان انتهى. وفهم من جعل عياض بخار المياه المتنجسة نجاطا أن دخان الاشياء المتنجسة نجس، وقد توقف في ذلك البساطي، وعلم منه أيضا أن عرق الحمام من الرطوبات المستعملة فيه خلاف ما يوهمه قول البساطي في المغني إذا استحال الدخان النجس ماء، فظاهر المذهب أنه نجس لانهم قالوا في الماء المتقاطر من حائط الحمام أنه يغسل ويحتاجون على هذا التقدير إلى جواب عما إذا استحال الطاهر ماء فإنه عندهم مطهر، وكأنه يعني - والله أعلم - من جهة أن أصل ذلك الماء إنما هو الدخان فغايته أن يكون طاهرا لا مطهرا، وقد علمت أن العرق إنما هو من رطوبات المياه المستعملة فهو جزء ماء، فإذا لم يكن فيه تغير فهو مطهر، وكذلك القدر إذا أوقد تحتها بالنجاسة وهي مغطاة ولم يصل إليها شئ من الدخان وعرق غطاؤها فهو طاهر. وفي البرزلي عن ابن قداح: الصحيح طهارة عرق الحمام وما سقط من سقفه انتهى. وقال البساطي في شرحه هنا: لو جعل في القدر ماء نجس أو متنجس وهو متغير وغطي بإناء صقيل فاستحال الدخان ماء وزال تغيره، فهل هو مطهر أم لا ؟ لم أر لاصحابنا فيه نصا لكن نصوا على ما تقاطر من دخان الحمام إذا أوقد تحته بالنجاسة، فحكى أبوعمران أنه خفيف فقد يقال: إنه أضعف لان الخلاف في الماء نفسه فيضعف الخلاف في بخاره وصورتنا الماء نجس بلا خلاف انتهى. وقد علم من كلام عياض أن البخار إذا كان من نجاسة كان ما يقطر منه نجسا فلا شك في نجاسته في الصورة المذكورة. فرع: قال في الشامل: والفخار المطبوخ بالنجاسة نجس ولو غسل وقبل أن يغلى فيه ماء كقدور المجوس، وصوب والمصوب للقول الثاني عياض، واحتج لذلك بقدور المجوس التي تطبخ فيها الميتة. فيقول الشامل كقدور المجوس تشبيه في طهارتها بالغلي لا في الخلاف واحتاج لذلك بظاهر قوله في المدونة: ولا بأس أن يوقد بعظام الميتة على طوب أو حجارة فقال: ظاهر المسألة استعمال الطوب والجير في كل شئ وطهارته إذا لم يخصه في شئ وكذلك ما طبخ به فخار وأطال في ذلك. ثم نقل عن أبي عمران أنه يقول: إن طبخت القلال والجرار وهي يابسة فهي على الكراهة، وإن طبخت رطبة فهي نجسة، ونقله عنه البرزلي وقال بعده قال: مثله الآجر. قال: ونقل عن ابن القاسم خبثه مطلقا انتهى. ونقل البرزلي عن ابن عرفة في الشهباء وهي رماد النجاسة يخلط مع الجير والتراب ويبنى فيه بيت الماء أي مخازنه مثل البئر والماجل والخابية وطهرها أنه إذا رفع من الآبار أعلاها وغسل ظاهر الخوابي ونحوها أنها تطهر، وذلك أنه رآها متنجسة بخلط النجس مع غيره فتطهر بالغسل أو النزح، وأن الشهباء رماد النجاسة وفيه خلاف فيراعى للضرورة كغيره من المسائل. ونقل غيره مثله عنه أيضا في رماد نجس يجعل على سطح

[ 155 ]
المسجد يمنع القطر أنه أول ما يقطر نجس ثم يطهر بعد ذلك. قال البرزلي: فيحتمل أنه يطهر بالماء أو أنه صار رمادا وفيه خلاف فيغتفر للضرورة والدوام انتهى. وما قاله أبوعمران هو ظاهر المدونة حيث منع أن يوقد منها على طعام أو ماء، وأجاز ذلك في الآجر والحجارة. ومثل قول ابن القاسم المتقدم ولا بأس أن تخلص بها الفضة والجاري على ما قدمه في الشامل في الفخار، وهو قول القابسي وغيره نجاسة الجميع والله أعلم. ص: (وبول وعذرة من آدمي) ش: قال المصنف وغيره: ويستثنى من ذلك الانبياء عليهم الصلاة والسلام فإن الظاهر طهارة ما يخرج منهم لاقراره عليه الصلاة والسلام شاربة بوله والله أعلم. ص: (ومحرم ومكروه) ش: قال في المغني: حمار الوحش إذا دجن لم يؤكل عند مالك وأجازه ابن القاسم وعليهما ينبني حكم بوله انتهى، فعلى المشهور يكون نجسا ويختلف في حكم بوله بتوحشه وتأنسه. فرع: قال ابن عرفة: الشيخ عن ابن حبيب بول الوطواط وبعره نجسان. ابن عرفة قال بعضهم: لنجاسة غذائه. وبعضهم: لانه ليس من الطيرة لانه يلد ولا يبيض فهو كفأرة. قال في التوضيح: وفي الوجيز لابن غلاب إلحاق الوطواط بالفأر في اللحم والبول، ولعله أخذه من قول ابن حبيب: بول الفأرة والوطواط وبعرهما نجس انتهى. وفي المدونة: ويغسل ما أصابه بول الفأرة، وحمله أبو الحسن على الوجوب قائلا لان بولها نجس وحمله غيره إلى الكراهة، وحكى في التوضيح في الفأر ثلاثة أقوال: بالتحريم والكراهة والاباحة. قال: وفي مجهول الجلاب أن المشهور التحريم. وذكر عن سند أن بول الفأر مكروه انتهى. وكذا نقل البرزلي عن نوازل ابن الحاج أن بول الهر والفأر والطعام الذي يقع فيه ذلك مكروه كلحمه، وأما على المشهور من تحريمها فبولها نجس، وكذا الوطواط والهر وما وقعا فيه من الطعام نجس وسيأتي شئ من هذا

[ 156 ]
في القولة التي بعد هذا. ص: (وينجس كثير طعام مائع بنج قل) ش: يعني أن الطعام المائع يتنجس بالنجاسة القليلة. إذا وقعت فيه ولو كان الطعام كثيرا كالزير والجب وسواء حصل فيه تغير أم لا. والفرق بينه وبين الماء أن الماء له قوة الدفع عن نفسه بخلاف الطعام وهذا هو المعروف من المذهب. وحكى المازري عن بعضهم أنه إذا لم يتغير الطعام لم يتنجس وهو في غاية الشذوذ، وما ذكرناه من نجاسة الطعام الكثير بالنجس القليل هو النجاسة فإنه قال: قال مالك في الماء الكثير تقع فيه القطرة من البول أو الخمر: إن ذلك لا ينجسه، والطعام والودك كذلك إلا أن يكون يسيرا ففهمها الباجي وغيره على الخلاف للمشهور، وحكى ابن الحاجب القولين. وأول ابن رشد الرواية المذكورة على أن المعنى أن القطرة من الطعام والودك لا تؤثر في الماء الكثير. وقال: وقوله إلا أن يكون يسيرا أي يكون الماء قليلا يتغير بعض أوصافه فينجس بالنجاسة وينضاف بالطعام قائلا لم يقل أحد إن يسير النجاسة لا ينجس الطعام إلا داود ومن شذ عن الجمهور وخالف الاصول. قال: وقد سئل علماء البيرة عن فأرة طحنت مع قمح في رحا الماء فقالوا: يغربل الدقيق ويؤكل. فبلغ ذلك سعيد بن أبي عمر فقال: عليهم بحرز العجول لا يؤكل على كل حال. ابن رشد: وهو الصحيح وإنما غلط علماء البيرة من حمل هذه الرواية على ظاهرها. والعجب من القرافي رحمه الله حيث اقتصر في ذخيرته على رواية العتبية هذه ولم يحك غيرها، وقد استبعد البساطي رحمه الله تأويل ابن رشد للرواية المذكورة والظاهر حملها على الخلاف والله أعلم فرع: قال ابن رشد: أثر الكلام المتقدم وقد سئل سحنون عن الدواب تدرس الزرع فتبول فيه فخففه للضرورة كما يعفى عن بول فرس الغازي بأرض العدو. وقال ابن رشد: وإنما خفف ذلك مع الضرورة من أجل الاختلاف في نجاستها، وأما ما لا اختلاف في نجاسته فلا يخفف مع الضرورة وعده في التوضيح والشامل في المعفوات. فرع: ثم قال ابن رشد: وقد روي عن سليمان بن سالم الكندي من أصحاب سحنون أنه كان يقول: إذا وقعت القملة في الدقيق ولم تخرج من الغربال لم يؤكل الخبز، وإن ماتت في شئ جامد طرحت كالفأرة. وقاله غيره في البرغوث أيضا، وفرق بعضهم بينهما أي على ما تقدم هل ينجسان بالموت أم لا. ثم قال ابن رشد: وهذا الفرق إذا كثر العجين لان القملة لا

[ 157 ]
تماع في جملة العجين فتنجسه وإنما تختص بموضعها منه فإنما تحرم القملة اللقمة التي هي فيها، فلما لم تعرف بعينها لم يجب أن يحرم اليسير منه إذا كثر كما لو أن رجلا يعلم أن له أختا ببلدة من البلاد لا يعرف عينها لا يحرم عليه أن يتزوج من نساء تلك البلدة بخلاف اختلاطها بالعدد اليسير، فإذا خففنا تناول شئ منه لاحتمال أن تكون القملة فيما بقي خففنا تناول البقية أيضا لاحتمال كون القملة فيما تناوله أولا والله أعلم انتهى. وقال في التوضيح قال شيخنا: ولو فرق بين ما يعسر الاحتراز منه كروث الفأر فيعفى عنه، وما لا يعسر كبول ابن آدم فينجس لما بعد انتهى. وذكر البرزلي عن شيخه ابن عرفة أنه أفتى بأكل طعام طبخ فيه روث الفأرة، وفي السؤال أنها كثيرة وروثها غالب. قال البرزلي: ففتواه إما للضرورة كمسألة سحنون في الزرع أو للخلاف، وقد تقدم الخلاف في بولها وفي الطعام الذي وقع فيه. فرع: إذا كانت النجاسة القليلة الواقعة في الطعام فيما يعفى عنه كالدم القليل والقيح والصديد هل يعفى عنها في الطعام أم لا ؟ لم أر فيه نصا صريحا، والظاهر عدم العفو كما سيأتي. وظاهر كلام ابن عبد السلام الآتي عند قول المصنف: ودون درهم أنه معفو عنه فإنه قال: اختلف في الدم اليسير هل يغتفر مطلقا على جميع الوجوه حتى يصير كالمائع الطاهر، واغتفاره مقصور على الصلاة فلا يقطع لاجله إذا ذكره ولا يعيد، وأما قبل فيؤخر بغسله على جهة الندب. قال: والاول أظهر وهو مذهب العراقيين كغيره من النجاسات المعفو عنها، والثاني مذهب المدونة انتهى. وعزاه صاحب الطراز وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم لابن حبيب. قال صاحب الطراز: وهو ظاهر خلاف المذهب. وقد يقال: إن هذا كله إنما هو بالنظر إلى الصلاة به وهذا هو الظاهر والله أعلم. تنبيه: علم من كلام ابن رشد المتقدم أنه لا فرق بين أن تلاقي النجاسة مائعا كاللبن أو جامدا ثم يصير مائعا كالدقيق يعجن، وعلم منه أيضا أنه إذا اختلط نجس بأشياء طاهرة كثيرة غير مائعة ولم يعلم النجس أنه لا يطرح الجميع لاجل الشك، كما لو اختلطت تفاحة نجسة أو رطبة أو نحوها بكوم تفاح أو رطب. وقال ابن ناجي في شرح قول المدونة: ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها قالوا: يقوم منها إذا وقعت قطعة من لحم خنزير في كدس لحم أنه إن علم تلك الناحية تركها وأكل ما بقي وإلا طرح كله انتهى. ويمكن الجمع بينه وبين كلام ابن رشد بأن كلام ابن رشد فيما كان كثيرا جدا كما يظهر من كلامه فتأمله، وعلم منه أيضا أن ما لاقاه نجس لا يتحلل فإنه لا ينجسه وقد تقدم شئ من ذلك. تنبيه: لا خصوصية للطعام بما ذكر كما قد يتبادر من ظاهر لفظه بل هو حكم سائر المائعات حتى الماء المضاف كما تقدم ذلك في كلام اللخمي، فقول المصنف: كثير طعام إنما خرج مخرج الغالب والله أعلم.

[ 158 ]
فرع: قال ابن حارث: وإن علم أو ظن أن السمن أو الزيت إنما جمد بعد سقوط الفأرة فيه فحكمه حكم الذائب يبقى جميعه انتهى. تنبيه: شمل قول المصنف وينجس: كثير طعام مائع بنجس قل ما مات فيه حيوان له نفس سائلة أو وقع ميتا أو صب على حيوان ميت له نفس سائلة وهو كذلك على المشهور. قال سند: إذا قلنا يطرح المائع جميعه فهل يفرق بين أن تموت فيه أو تسقط فيه ميتة ؟ ففي النوادر لسحنون في زيت وجد فيه فأرة يابسة أن ذلك خفيف ويبسها يدل على أنهم صبوا عليها الزيت وهي يابسة ولم تمت فيه، ومشهور المذهب النجاسة على ما بينا وجهه. وقول سحنون: يبسها يدل على أنهم صبوا عليها الزيت لم يرد أن الزيت يرطبها لو كانت ماتت فيه بل الزيت يدبغ ويمص الرطوبات، ولكن لما صب وجدت الفأرة جافة في زمن لم يطل مقامها في الزيت حتى تمص فدل جفافها في تلك الحال على أنها كانت متقدمة على صب الزيت انتهى. وقال البرزلي: سئل النيسابوري عمن باع زيتا فاكتاله المشتري وهو ثمانية أقفزة، فجاء المشتري يفرغه في وعائه والبائع فوجد فأرميت. فأجاب إن كان يعرف الزياتون ما صب عليه الزيت مما وقع في الزيت وكانوا يميزون ذلك ولا يختلط بما صب عليه يباع ويبين لمن اشتراه وما وقع فيه فلا يجوز بيعه ولو غسل، لكن من أراد ممن كان له أو ملكه أن يستصبح به فليفعل ويتحفظ منه لئلا يصيبه منه شئ فينجسه ولا يوقد في المسجد. قال البرزلي: قوله في الاول يباع ويبين ويقرب مما تقدم مما إذا وجد الفأر يابسا أن مالكا وسحنون خففاه، وتقدم أن المشهور خلافه. وأما القسم الثاني فهو جار على المشهور انتهى. وقال ابن الامام في شرح قول ابن الحاجب: وفي قليل النجاسة في كثير الطعام المائع قولان ما نصه المشهور نجس وهو ظاهر المدونة فيما ماتت فيه دابة من عسل ذائب لاطلاقه لا يؤكل ولا يباع دون تقييد بكونه قليلا، وهو قول ابن القاسم فيمن فرغ عشر جرار سمن في ستين زقا ثم وجد في جرة منها فأرة يابسة لا يدري في أي الزقاق فرغها أنه يحرم عليه أكل جميعها وبيعه، وقول الجمهور أيضا. قال ابن بطال: لا خلاف بين أئمة الفتوى أنه لا يؤكل سمن مائع وزيت وخل ونحوه يقع فيه الميتة. وقد حكى ابن عبد البر إجماع العلماء على نجاسة السمن الذائب وشبهه، قليلا كان أو كثيرا، إذا ماتت فيه فأرة أو وقعت ميتة. قال: وشذ قوم ممن لا يعد عند أهل العلم خلافا فجعلوا المائع كله كالماء وفيه نظر، لان مالكا قال: إذا أخرجت الفأرة من الزيت حين ماتت أو علم أنه لم يخرج منها شئ فيه لكني أخاف فلا أحب أكله. قال سحنون في زيت وجدت فيه فأرة يابسة: ذلك خفيف لان يبسها دل على أنها لم تمت فيه وإنما صب عليها وهو يابسة إلا أن يحمل ما حكي على طول مقامها في الحالين، ولا اعتراض بقول سحنون على هذا لدلالة يبسها على موتها قبل صبه لامتناع يبسها مع موتها فيه، وعلى أنها أخرجت بقرب صبه وإلا

[ 159 ]
امتنع كونها يابسة، أو لانه أراد بالعلماء من ليس بمقلد فلا اعتراض بقوله، وعلى هذا فلا اعتراض بقول ابن نافع الذي يأتي انتهى. وقوله: فيه نظر يعني ما حكاه ابن عبد البر، وقوله: إلا أن يحمل يعني ما حكاه ابن عبد البر فتأمله. قال الباجي في كتاب الجامع من المنتقى. لما تكلم على مسألة الفارة تقع في السمن، وذكر عن ابن حبيب أنها إذا ماتت فيه وكان ذائبا لا يحل أكله لان موتها فيه ينجسه. وذكر عن الموازية نحو ما ذكره ابن الامام عن مالك أنه قال: إذا أخرجت حين ماتت لو علم أنه لم خرج منها فيه شئ ولكني أخاف فلا أحب أكله، وهذا الذي قاله ابن حبيب هو مذهب ابن الماجشون، يرى أن لموت الحيوان في الزيت وسائر المائعات مزية في تنجيسه. وما رواه ابن المواز عن مالك أنه حكم بنجاسته لما خاف أن يخرج منه في الزيت، والقولان فيهما نظر، وذلك أن الموت عرض لا يؤثر في طهارة ولا نجاسة ولا يوصف بهما، وكذلك أيضا ما يخرج من الحيوان عند موته أو بعد ذلك لا يكون أشد نجاسة من الميتة وقد تنجس الزيت بمجاورتها، وهذا هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه انتهى. وقال البرزلي: سئل اللخمي هل يطهر الزيت إذا وقعت فيه فأرة ؟ فأجاب: هذا راجع إلى صفة النجاسات، فإن كانت دهنية فلا تقبل التطهير لانه يعلو على الماء وينضاف للزيت ولا يذهبه الماء. وإن كانت به عكرية يقع فيها التطهير بالماء لاستهلاكه إياها، كما أن الدم ينهكه الماء ولا يعلو على الزيت، وهكذا الجواب فيما يخرج عند الموت ولو طالت إقامته حتى انتفخ فلا يصح تطهيره، لان دهنيته تخرج حينئذ وبهذا أخذ، فإن كان زمن مسغبة جاز أكل الفقراء والمساكين له، وإن لم يكن ذلك جاز الاستصباح به والانتفاع به من غير أكل ولا بيع، وأجاب الصائغ بأن غسل الزيت لا أقول به لان المراد بالغسل إزالة النجاسة ولا تزول من الزيت لمخالطتها له ولمجاورتها إياه وعدم ذهابها. وأجاب المازري أن تغير لون الزيت أو طعمه أو ريحه فلا يقبل التطهير ويراق وإن لم يتغير منه شئ، فبعض أصحاب مالك أجاز استعماله وإن لم يغسل، وبعضهم أجازه مع الغسل، وبعضهم اجتنبه أصلا، والكل متفقون على أنه لا يباع حتى يبين لعيبه. والذي عليه العمل والمشهور اجتنابه أصلا، والذي يصح عندي على أصل المحققين جواز استعماله وتطهيره عندهم أحسن والاحتياط أفضل دع ما يريبك إلى ما لا يريبك انتهى. فتحصل من هذا أن المشهور من المذهب إن ماتت فيه ميتة أو صب عليها وهي ميتة فإنه ينجس بمجرد ملاقاته وأنه لا يقبل التطهير، ومقابل المشهور أقوال. وقيل: إنه لا ينجس إذا لم يتغير ولا يحتاج إلى غسل كما حكاه البرزلي عن المازري عن بعضهم وهو شبه ما حكاه ابن الامام وصاحب الجمع وابن فرحون عن ابن نافع في الجباب تكون في الشام للزيت تقع فيه الفأرة أنه طاهر وليس الزيت كالماء وبذلك سمعت انتهى. وجعلوه هو القول الثاني في كلام ابن الحاجب المتقدم. وقيل: إنه

[ 160 ]
إذا صب على الميتة لا ينجس وهو ظاهر ما تقدم عن سحنون، لكن يظهر من كلام الطراز وابن الامام أنهما تأولاه على ما إذا لم يطل، ويدل لذلك أن ابن فرحون وصاحب الجمع حكيا أنه إذا وقعت الفأرة في الزيت ميتة وأخرجت مكانها لم تنجس، واقتصرا على هذا القول. وقيل: إنه نجس ولكنه يقبل التطهير. وقيل: إن وقعت الدابة ميجة قبل التطهير وإن ماتت فيه لم يقبل التطهير. وقيل: إن كان كثيرا فإنه يطهر وإن كان يسيرا طرح، والمشهور أيضا أنه لا يجوز بيعه مطلقا. ومقتضى فتوى المازري أنه إن صب على الميتة فيباع ويبين لمن اشتراه، وإن وقعت فيه فلا يجوز بيعه. وحكى ابن رشد في آخر سماع سحنون من كتاب الوضوء وفي أول سماع الشجرة تطعم بطنين من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في ذلك قولين: الاول عدم جواز بيعه وإن بين قال: هو المنصوص من قول مالك وجميع أصحابه حاشا ابن وهب، والثاني جواز بيعه، إن بين وهو قول ابن وهب والله أعلم. فرع: إذا أدخل يده في أزيار زيت ثم وجد في الاولى فأرة ميتة فذكر البرزلي عن ابن حارث أن الثلاث القلال الاولى نجسة باتفاق، وفي الرابع وما بعده قولان: فابن عبد الحكم يقول بنجاستها ولو كانت مائة، وذكر ابن محرز أنه رواه عن مالك وأصحابه. وقال أصبغ: هي طاهرة، وذكر ابن عرفة المسألة في تطهير النجاسة بعد مسألة ما إذا زال عين النجاسة بغير المطلق. قال البرزلي: وعلى ذلك أجريت مسألة عندنا وهي أن الكيال اكتال جرة ولم يستوفها ثم كال بعدها أجرارا وظروفا أخرى، ثم فرغت الاولى فوجد فيها فأرة ميتة، فوقعت الفتوى أن ما قرب من الاولى نجس لبقاء عين النجاسة في المكيال وما بعد عن الاولى يباع بعد البيان لانه لم يبق للمكيال إلا حكم النجاسة. والظاهر من القولين للذين ذكرهما عن ابن الحارث الطهارة، إذا غلب على الظن زوال عين النجاسة لانه سيأتي في قول المصنف ولو زال عين النجاسة بغير المطلق لم يتنجس. ص: (كجامد إن طال وأمكن السريان وإلا فبحسبه) ش: يعني أن الطعام الجامد إذا وقعت فيه نجاسة وأمكن سريانها فيه جميعه فإنه يصير نجسا وإن لم يمكن سريانها في جميعه فينجس منه بحسب. وفي بعض النسخ إن طال وأمكن السريان ومعناهما واحد. قال الدميري من الشافعية: الجامد الذي إذا أخذ جزء لم يتراد من الباقي ما يملا موضعه عن قرب وإن تراد فهو مائع. قال المشذالي في حاشية المدونة: وسئل أبو جعفر عن صابون لا سائل ولا جامد وقعت فيه فأرة، هل يغسل به ؟ فقال: إن كان يميل إلى الجمود

[ 161 ]
طرحت وما حولها، وإلى الانحلال غسل به ثم يطهر الثوب انتهى. وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين أن تقع فيه نجاسة أو ميتة أو تموت فيه دابة وهو كذلك على المشهور. وقال ابن الماجشون: إذا وقعت الدابة ميتة فإنها تطرح وحدها. فرع: قال البرزلي: أفتى شيخنا ابن عرفة في هري زيتون وجدت فيه فأرة ميتة فإنه نجس كله لا يقبل التطهير قال: وكان يتقدم لنا أن الصواب في كل ما وجد فوق الفأر من الهري أنه طاهر، وما تحته أنه يلقى وما حوله مما يقرب منه. ثم ذكر عن ابن أبي زيد أنه إذا مات في رأس مطمر خنزير ونحوه ألقي وما حوله وأكل ما بقي، ولو تشربت المطمورة وأقامت مدة كثيرة مما يظن أنها تسقى من صديدها لم تؤكل. وذكر عن أحكام الشعبي أنه يطرح ولا ينتفع به قال: وهو إغراق ومخالف لفتوى ابن أبي زيد، وفتوى ابن عرفة أغرب منه لان الزيتون ليس بجاف كل الجفاف. ثم ذكر عن اللخمي في زير تمر وجد فيه وزغة ميتة أنها تلقى وما حولها وتحمل على أن موتها في موضعها حتى يعلم خلاف ذلك وإن غسل كان أحسن. ثم ذكر عن ابن أبي زيد فيمن أتاهم من الفأر في وقت الدراس ما لا يمكن الامتناع منه لكثرته عن سحنون أن هذه ضرورة، وإذا درسوا فليتقوا ما رأوا فيه جسدا لفأرة وما رأوا فيه دماء عزلوه وحرثوه وأكلوا ما سوى ذلك، ولهم بيع ما لم يروا فيه دما بالبراءة أنه درس فيه فأرة ويخرجون زكاته منه ولا يخرجون منه لغيره ويتصدقون منه تطوعا، وما كان فيه الدم ظاهرا لا يباع ولكن يحرث. فرع: لا فرق بين كون النجاسة الواقعة في الجامد مائعة أو غير مائعة في أنه ينظر إلى إمكان السريان قال: فلو وقعت نجاسة مائعة في عسل جامد ونحوه فإن أدركت في حال وقوعها فنزعت وما حولها لم يكن بباقيه بأس كالقطرة من الدم تقع في اللبن الجامد فترفع بما حولها ويتيقن أنه لم يبق منها أثر، وإن طال حبينها حتى سرت النجاسة فيه كله طرح ولم يؤكل، وكذلك لا فرق بين كون النجاسة الواقعة في المائع مائعة أو يابسة ففي البرزلي عن مسائل ابن قداح إذا وقعت ريشة غير المذكى في طعام مائع طرح. فرع: إذا وقعت الدابة وأخرجت حية لم تفسد الطعام إلا أن يعلم أن على جسدها نجاسة فإن لم يعلم ذلك فهي محمولة على الطهارة ولو كان الغالب مخالطتها للنجاسة، قاله في أول كتاب الوضوء من البيان، وقول سعيد بن نمير في قصرية شراب فقاع وقعت فيها فأرة فأخرجت حية أنه يراق هو بعيد وشذوذ لا وجه له والله أعلم. وقال ابن الامام: إن ظاهر الرواية أنه إذا كان الغالب عليه النجاسة يحكم بنجاسة ظاهره، وما قاله ابن رشد أظهر والله أعلم. فرع: إذا طرح من الجامد بحسب ما سرت فيه النجاسة، فإن الباقي طاهر يؤكل ويباع لكن قال الجزولي: يبين ذلك لان النفوس تقذره ويؤخذ ذلك من كلام بن أبي زيد المتقدم والله أعلم.

[ 162 ]
فرع: وتفسير قولهم طرحت وما حولها أي وما قاربها وليست المراد ما التف عليها فقط لانها إذا طرحت وحدها لا تطرح إلا بما يلتف عليها، قاله في كتاب الطهارة من الطراز. ص: (ولا يطهر زيت خولط ولحم طبخ وزيتون ملح وبيض صلق بنجس وفخار بغواص) ش: لما

[ 163 ]
ذكر أن الطعام يتنجس بملاقاة النجاسة، فأخذ يبين ما لا يقبل التطهير من الاشياء التي أصابتها النجاسة. وقوله: بنجس متعلق بصلق ويقدر ضمير فيما قبله وتنازع أكثر من ثلاثة عوامل، نفاه أبو حيان وابن هاشم وذكر الدماميني في شرح التسهيل إثباته عن بعضهم والمصنف يستعمله. وقوله: زيت لا يريد خصوصية الزيت بل وكذا حكم غيره من الادهان كما قاله ابن الحاجب. وعلم أن غير الادهان من المائعات كاللبن والمرق أولى بعدم قبول التطهير لان الخلاف إنما هو في الادهان هل يمكن تطهيرها أم لا ؟ لان الادهان يخالطها الماء ثم ينفصل عنها بخلاف غيرها فإنه يمازجها جميعها. وحكى ابن عرفة في تطهير الزيت المخلوط بالنجس أربعة أقوال، وقال ابن غازي: أما زيت خلط بنجس ففي تطهيره بطبخه بماء مرتين أو ثلاثا، ثالثها إن كثر ورابعها إن تنجس بما ماتت فيه دابة لا بموتها في الزيت. فالاول: لسماع أصبغ من ابن القاسم عن مالك وفتيا ابن اللباد، والثاني: للباجي عن ابن القاسم، والثالث: لاصبغ، والرابع لابن الماجشون ويحيى بن عمر. وذكر البرزلي عن اللخمي أنه أفتى بأن النجاسة إن كانت دهنية فلا تقبل التطهير لكن إن كان زمن مسغبة جاز أكله للفقراء والمساكين، وإن لم يكن مسغبة انتفع به في غير الاكل والبيع، وإن كانت كالبول ونحوه فإنه لا يقبل التطهير. وهذا لا ينبغي أن يعد قولا رابعا وإنما هو بيان لمحل الخلاف، فإن النجاسة إذا كانت دهنية فإنه لا يقبل التطهير لممازجتها له والله أعلم. وأما قوله: يأكله الفقراء والمساكين فلعله مراعاة لمن يقول إن الطعام لا ينجس بما خالطه إلا إذا غيره وهو قول ضعيف حكاه البرزلي. وذكر ابن بشير أن المشهور أن الزيت لا يطهر وبذلك أفتى الصائغ والمازري. وذكر ابن عرفة في كيفية التطهير أنه يطبخ بالماء مرتين أو ثلاثا وكذلك قال في العتبية. وقال في التوضيح: كيفيته على القول به أن يؤخذ إناء فيوضع فيه شئ من الزيت ويوضع عليه ماء أكثر منه وينقب الاناء من أسفله ويسده بيده أو غيرها، ثم يمخض الاناء ثم يفتح الاناء فينزل الماء ويبقى الزيت، يفعل ذلك مرة بعد مرة حتى ينزل الماء صافيا انتهى. وذكر ابن فرحون الصفتين. وقوله: ولحم طبخ بنجس شامل لما نجس أو وقعت فيه نجاسة في حال طبخه، وكذلك غير اللحم من المطبوخات، وقد حكى ابن عرفة في تطهير اللحم يطبخ بماء نجس أو تقع فيه نجاسة ثلاثة أقوال، ثالثها إن وقعت بعد طيبه. الاول: لسماع موسى من ابن القاسم، والثاني: لسماع أشهب، والثالث: نقله ابن رشد عن أبي حنيفة واختاره وتبعه ابن زرقون وهو قصور لان عبد الحق والصقلي نقلاه عن السليمانية انتهى. قلت: كلام ابن رشد الذي أشار إليه هو في سماع موسى من كتاب الوضوء وهو الذي يفهم من كلام المصنف فيتعين حمله عليه. وقول ابن غازي يأبى ذلك اعتماده في التوضيح. تشهير ابن بشير عدم الطهورية في هذا الاصل ليس بظاهر، لان ابن بشير، إنما تكلم في اللحم إذا طبخ بماء نجس وذكر فيه قولين ولم يتكلم على مسألة وقوع النجاسة بعد طيبه بل كلامه

[ 164 ]
يدل على أنه يقبل الطهارة لانه قال: إنه خلاف في شهادة وأنه يرجع إلى الحس. وقد قال ابن بشير في السماع المذكور: اللحم إذا وقعت فيه النجاسة بعد طبخه بمنزلة الجامد من السمن فيؤكل بعد أن يغسل ما تعلق به من المرق والله أعلم. وقوله: وزيتون ملح بنجس بتخفيف اللام وتشديدها أي جعل فيه ملح نجس إما وحده وإما ملح مع ماء نجس ومثله في الجبن والليمون ونحو ذلك. قال ابن بشير: لما ذكر مسألة الزيت النجس وأن المشهور عدم التطهير ومنه الزيتون يملح بماء نجس هل يطهر بعرضه على ماء طاهر. قال ابن غازي: وأما زيتون ملح بماء نجس فخرجه اللخمي على الروايتين في اللحم، ورأى إسماعيل طرحه لسقوط فأرة فيه. وقال سحنون: إن تنجس زيتون قبل طيبه طرح وبعده غسل وأكل انتهى. وذكر ابن الفرات عن ابن أبي جمرة في صفة تطهير الملح والمطبوخ إذا أصابته النجاسة بعد نضحه وطبخه أنه يغسل أولا بماء حار، ثم ثانية بماء بارد، ثم ثالثة بحار، ثم رابعة ببارد، ولم أر هذه الصفة لغيره والله أعلم. وقوله: وبيض صلق بنجس يشير به إلى ما وقع في سماع يحيى من كتاب الضحايا في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح لان بعضه يسقي بعضا. قال ابن رشد: هو صحيح وعزا ابن رشد في كتاب الطهارة هذه المسألة لسماع يحيى من كتاب الصيد وليست فيه، والمسألة من باب اللحم المطبوخ بالنجس وإنما أفردها بالذكر لان الخلاف فيها من جهة قشر البيض هل يمنع وصول النجاسة أم لا. قال ابن رشد بعد كلامه المتقدم: ويلاحظ هذا المعنى الخلاف في البيض الطاهر يصلق مع النجس هل ينجس ذلك الطاهر أم لا، وهو خلاف يرجع إلى الحس، ووجه آخر هل يمكن أن ينفصل من النجس شئ يدخل في مسام الطاهر فينجسه أم لا انتهى. وعزا ابن عرفة القول الثاني للخمي ونصه ابن القاسم وابن وهب: لا تؤكل بيضة طبخت مع أخرى فيها فرخ لسقيها إياها، اللخمي: إثر ذكره روايتي تطهير لحم طبخ بماء نجس، وعلى أحد قولي مالك تؤكل السليمة، وصوبه لان صحيح البيض لا ينفذه مائع انتهى. واعترض البساطي على المصنف في جمع هذه المسألة مع ما قبلها لان الخلاف فيها هل ينجس أم لا ؟ والخلاف فيما قبلها هل يطهر أم لا ؟ قلت: وهذا ليس بظاهر لان البيض إذا قلنا إنه بنجس فإنه لا يقبل التطهير لانه قال في السماع المتقدم: لا يصلح أكلهن ولو كان يقبل التطهير لقال يغسل ويؤكل وأيضا، فقد قال ابن رشد في شرحها: إنه خلاف قوله في سماع موسى أن اللحم يغسل ويؤكل فتأمله، وصرح في المدخل في فصل خروج العالم إلى السوق فإنه لا يطهر. تنبيه: لو ألقيت بيضة في ماء نجس بارد أو دم أو بول فإنها تغسل وتؤكل، قاله ابن رشد في السماع المذكور. وقوله: وفخار بغواص صفة لمحذوف أي ينجس غواص، والغواص الكثير النفوذ والدخول في أجزاء الاناء كالخمر والخل النجس والبول والماء المتنجس، قاله في التوضيح قال: وفهم من تقييده بالغواص أنه لو لم يكن النجس غواصا لما أثر انتهى. وقال ابن هارون:

[ 165 ]
وعندي أن الفخار إذا كان مطليا طهرا بالمبالغة في غسله وإن لم يكن مطليا لم يطهر، ونقله ابن فرحون وغيره وقبله. وقال الشارح في الكبير: واحترز بالفخار من الاشياء المدهونة كالصين وما في معناه والتي لا تقبل ذلك كالنحاس والزجاج انتهى. قلت: والظاهر أنه لا بد من تقييد المسألة بأن يكون النجس أقام في الاناء مدة يغلب على الظن أن النجاسة سرت في جميع أجزائه فإن أصل المسألة في جرار الخمر هل يمكن تطهيرها أم لا، وأما إذا أصابت نجاسة إناء فخار وأزيلت منه في الحال وغسل فالظاهر أنه يطهر فتأمله والله تعالى أعلم. قال ابن غازي: وأما فخار بغواص فحكى الباجي في تطهير آنية الخمر يطبخ ما فيها روايتين انتهى. تنبيه: إذا كان الاناء مملوءا ماء وأصابت النجاسة ظاهره لم ينجس الماء ويكفي غسل ظاهره، يؤخذ مما قال ابن رشد في قلة مملوءة أقعدت على عذرة رطبة إنه لا ينجس الماء لان شأنه أن يرسب إلى أسفل انتهى. ولنذكر هنا فروعا مناسبة: الاول: يظهر من كلامهم أن المائع الذي ليس بدهن لا يقبل التطهير بلا خلاف، ولما ذكر في العتبية القول بتطهير اللحم يطبخ بنجس قال: ويراق المرق، وما نقله ابن الفرات عن ابن أبي جمرة كالصريح في ذلك. الثاني: قال البرزلي: رأيت لابن أبي دلف القروي في تعليقه فيما إذا شوط الرأس بدمه ثلاثة أقوال لمتأخري القرويين: فعن ابن أبي زيد لا يؤثر فيه ذلك لان الدم إذا خرج استحال رجوعه عادة بخلاف غيره من النجاسات فإنه يقبلها، وعن غيره أنه لا يقبل التطهير بخلاف نجاسة الماء لانها كما دخلت تخرج بخلاف الدم لا يدري هل يخرج أم لا، والاصل النجاسة كم تقدم، والثالث أنه يقبل التطهير كسائر النجاسات، وذكر ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة عن شيخه البرزلي أنه كان يحكي عن الشيخ أبي القاسم الغبريني أنه كان يفتي بالقول الثاني والله أعلم. قلت: وكأنهما لم يقفا على كلامه في النوادر في آخر كتاب الذبائح ونصه: ولو شوط الرأس ولم يغسل المذبح ثم غسل بعد التشويط فلا بأس بذلك، ولو لم يغسل بعد التشويط وقد تناهى فيه النار بالتشويط حتى إذا ذهب الدم الذي كان في ظاهر المذبح فلا بأس بأكل جميع الرأس وإن شك في ذهاب جميعه بالتشويط فليجتنب أكل ما في المذبح من اللحم ويؤكل باقيه انتهى. الثالث: جعل صاحب المدخل ما سمط من الكباش والدجاج والرؤوس والاكارع قبل غسل ما بها من الدم المسفوح من قبيل ما طبخ بالنجاسة وأنه لا يقبل التطهير وذكر عن بعض

[ 166 ]
العلماء أنه يطهر بالغسل قال: وهو بعيد ذكر ذلك في فضل خروج العالم إلى قضاء حاجته في السوق. وقال في النوادر في آخر كتاب الذبائح: إذا ذبحت الشاة فسال دمها وبقي في المذبح ما بقي فلولا أنا نخاف أن يكون قد تكاثف مما بقي في منحرها من بقايا الدم الجاري لاخترنا أن يطبخ ذلك من غير غسل، ولكن لبقية ما اتقينا من هذا نأمر بغسل المذبح، وإن طبخ ذلك ولم يغسل فالذي يؤمر به من نزل ذلك به أن يغسل اللحم ويأكله. ثم قال: ولو أن دجاجة لم يغسل مذبحها فسمطت في ماء حار ثم غسلت بعد ذلك جاز ذلك، طبخت بعد ذلك أو شويت. وإذا كان الدم في الدجاجة لم يتعد المنحر كان خفيفا إن لم يبق منه أثر يتكاثف فنحن نكرهه حتى يغسل، ويستحب إن لم يغسل وطبخت من غير غسل أن يغسل اللحم ويؤكل وليس بحرام، لان الدم المسفوح في اللغة الجاري انتهى. فظاهر كلامه أن المسموط أخف من المطبوخ وهو الذي يطهر لان المسموط لا يترك في الماء حتى يتأثر بالنجاسة. وقال بعضهم: لان اللحم مهما نجس بالحرارة ينكمش وينقبض ويدفع ما فيه من الرطوبة حتى يتأثر ويبتدئ في النضج، فحينئذ يقبل النجاسة فيكون قبوله للتطهير أولى، لانه إنما تنجس ظاهره فتأمله والله تعالى أعلم. الرابع: إذا بل في ماء نجس حب أو فول ونحو ذلك وتشرب بالنجاسة فلا يطهر كما نقله البرزلي عن أبي محمد رحمه الله تعالى في مسألة الفأر تقع في مطمر، وقاله مالك رحمه الله تعالى في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة في القمح يبل من بئر وقعت فيها فأرة أنه لا يؤكل. وقال ابن رشد: إن كان فهم أن الماء تغير لونه أو طعمه أو ريحه فلا إشكال في أنه كالميتة لا يحل منه إلا ما يحل من الميتة. وذكر البرزلي رحمه الله تعالى عن الشافعية في ذلك وجهين، ثم صار بعد ذلك يقول وقد تقدم الخلاف في ذلك يشير إلى الخلاف المذكور عن الشافعية. وأما المالكية فلم ينقل عنهم خلافا في ذلك ولم أره تعالى عن غيره والله تعالى أعلم. وقال الوانوغي قال النووي عن البغوي وغيره: لو أكلت دابة حبا وألقته صحيحا فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع لنبت فهو طاهر العين فيجب غسله، وإن كان لا ينبت فهو نجس العين. قال المشذالي: ولا إشكال على المذهب في نجاسته إن كانت محرمة الاكل مطلقا ولو كان صحيحا انتهى. وأما إذا بل الحب ونحوه ولم يتشرب بالنجاسة فالظاهر أنه يطهر بغسله، وقد قال المشذالي: سألت ابن عرفة عمن جعل دباء أو بقلا في ماء ثم وجد في الماء فأرة قال: يغسله ويأكله انتهى. ومراده إذا أخرجه بسرعة فإنه ذكره عند قوله في المدونة وإن وقع في الماء جلد أو ثوب فأخر مكانه. وقال الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى في المسألة المذكورة. إن القمح إذا أصاب ظاهره الدم فإنه يغسل ويؤكل وليس هو كالقمح إذا تشرب بالماء النجس والله تعالى أعلم.

[ 167 ]
الخامس: إذا وجد حوت في بطن طير ميت فقيل: لا يؤكل قال ابن يونس رحمه الله تعالى في كتاب الصيد: والصواب جواز أكله كما لو وقع في نجاسة فإنه يغسل ويؤكل، وكالجدي يرضع خنزيرة والطير يأكل النجاسة فإنه يذبح ويؤكل بحدثان ما أكلته. قال البرزلي رحمه الله تعالى في مسائل الطهارة: وفرق شيخنا الامام بأن وقوعها في نجاسة أخف من حصولها في بطن الطير لسريان النجاسة فيه بالحرارة فأشبه طبخ اللحم بالماء النجس إلا أن يقال: إن النار في الحرارة أشد، وعلى هذا لو حصلت في بطن خنزير ومات فإنه يجري على ما تقدم انتهى. تنبيه: علم من هذا أن اللحم ونحوه مما فيه رطوبة إذا أصابته نجاسة قبل طبخه أو بعد طبخه ولم يطبخ بها أنه يغسل ويؤكل، وهو ظاهر إذا لم يتشرب بها وتسري فيه وإلا لم يؤكل والله تعالى أعلم. السادس: إذا حميت السكين أو الخاتم أو نحو ذلك ثم طفئت في ماء نجس، فذكر البرزلي عن الشيخ أبي محمد أنه لا يطهر وأن لابسه حامل للنجاسة. وذكر عن شيخه ابن عرفة أن الصواب أنها لا تقبل الماء ولا يدخل فيها لان الماء يهيج الحرارة التي حصلت بالنار في داخل الحديد فتدفع عنها الماء، لان طبعه ضد طبع الحرارة لكنه يهيجها ويخرجها إلى خارج ذات الحديد، فإذا انفصلت فلا يقبل الحديد بعد ذلك شيئا يداخله لكونه جمادا متراص الاجزاء فلا يكون فيه ماء نجس، ثم ذكرها في موضع آخر. وذكر عن ابن عبد السلام أنها تغسل بالماء الحار، وذكر المشذالي عن أبي عمران أن الذهب والفضة إذا حميا في النار وطفئا في ماء نجس أنه يطهر بغسله كما قال ابن عرفة وهو الظاهر والله تعالى أعلم. السابع: قال البرزلي: نزلت مسألة سألت عنها شيخنا الامام وهي: إذا بلع الشمع وذهب ثم ألقاه من المخرج فكان شيخه أبو القاسم الغبريني يقول بغسلها وتكون طاهرة كالنواة والحصاة إذا ألقاها بعد أن ابتعلها صحيحة، وخالفه شيخه الامام ابن عرفة وقال: الصواب نجاسة الشمع لانه يتميع بالحرارة ويداخله بعض أجزاء ما في البطن فينجس باطنه كظاهره، والصواب نجاسته كفضلة الانسان انتهى. وظاهر كلامه أن ابن عرفة يوافق على النواه والحصاة والذهب تغسل وتكون طاهرة، ولو ابتلع ذلك من فضلته طاهرة لم يحتج إلى غسله والله تعالى أعلم. الثامن: تقدم في كلام الشامل أن قدور المجوس تطهر بتغلية الماء فيها ونحوه في التنبيهات. التاسع: قال البرزلي: سألت شيخنا ابن عرفة عن حمل الطعام في الاناء المعد للنجاسة قبل استعماله فيها فقال: سئلت عنها وأجبت بأنه لا بأس به إن كان لضرورة وإلا فلا ينبغي. العاشر: قال المقري رحمه الله تعالى في أول قواعده: ما يعاف في العادات يكره في

[ 168 ]
العبادات كالاواني المعدة بصورها للنجاسات والصلاة في المراحيض والوضوء بالمستعمل. ص: (وينتفع بمتنجس لا نجس في غير مسجد وآدمي) ش: مراده بالمتنجس ما كان طاهرا في الاصل وأصابته نجاسة كالثوب النجس والزيت والسمن ونحوه تقع فيه فأرة أو نجاسة، وبالنجس ما كانت عينه نجسة كالبول والعذرة والميتة والدم. وذكر أن الاول ينتفع به في غير المسجد والآدمي وشمل سائر وجوه الانتفاع فيستصبح بالزيت في غير المسجد ويتحفظ منه ويعمل منه الصابون لكن تغسل الثياب منه بماء طاهر ويدهن به الحبل والعجلة، قاله في سماع سحنون من كتاب الوضوء وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة أنه خفف دهن النعال بها. قال ابن القاسم في الدباغ لان الغسل يأتي عليه. قال ابن رشد: ما قاله ابن القاسم تفسير، وينبغي أن يحمل على التفسير أيضا لاجازته في سماع أشهب من كتاب الصيد والذبائح أنه يدهن به الدلاء انتهى. وقال في المدونة، وفي العسل النجس: لا بأس بعلفه للنحل. قال سند: وكذلك الطعام الذي يعجن أو يطبخ بماء نجس يطعم للبهائم والدواب، وسواء في ذلك ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل على ظاهر المدونة، وكذلك الماء النجس يسقى للدواب والزرع والنبات وسائر الاشجار.

[ 169 ]
ووقع في رواية ابن وهب في المبسوطة كراهة سقيه لما يؤكل لحمه ولما يسرع قلعه من الخضر. روى العتبي نحوه عن ابن نافع وذكر ابن عرفة في صفة تطهير النجاسة ما نصه الشيخ روى محمد: إن طهر ما صبغ ببول فلا بأس به. ابن القاسم: ترك الصبغ به أحب إلي انتهى. والمراد أن البول يجعل في الصبغ لا أنه يصبغ به لانه ليس بصبغ، وما ذكره المصنف هو المشهور ومقابله عدم جواز ذلك كله وهو قول ابن الماجشون عزاه له ابن رشد في السماعات المتقدمة وغيره، ودخل في إطلاق الانتفاع بالبيع وهو قول ابن وهب إذا بين ذلك. والمشهور أن ما يقبل التطهير كالثوب النجس يجوز بيعه، وما لا يقبله كالزيت النجس لا يجوز بيعه، وترك المصنف التنبيه على ذلك اعتمادا على ما يذكره في البيع. وذكر الوانوغي عن نوازل الشعبي عن بعضهم في مطمور وقع فيه خنزير فوجد ميتا أنه لا يباع ذلك الطعام ولا يزرعه صاحبه ولا ينتفع به ويغيبه عن النصارى حتى لا ينتفعون به. ثم ذكر المشذالي رحمه الله تعالى بعد عن ابن أبي زيد في مطمور ماتت فيه فأرة أنها تلقى وما حولها ويؤكل ما بقي وإن طال مقامها حتى يظن أنها تسقى من صديدها وتشرب منه لم يؤكل وزرع ذلك، وما كان الدم في ظاهره غسل وأكل، وما شك في وصول الصديد إليه زرع، وما علم أنه لا يكاد يبلغ إليه الصديد أكل، وإذا جاء في وقت الدراس فأر كثير لم يقدر على الاحتراز منه فقال سحنون: هذه ضرورة، وإذا درسوا فليلقوا ما رأوا من جسد الفأرة، وما رأوا من دم في الحب عزلوه وحرثوه ولهم أكل ما سواه ولهم بيع ما لم يروا فيه دما مع بيان أنه درس وفيه فأرة ويخرجون زكاته منه ولا يخرجون منه عن غيره ويتصدقون به تطوعا، وما كان فيه الدم ظاهرا لا يباع ولا يسلف ولكن يحرث ولهم سلفه إذا لم يظهر فيه الدم واحتاجه المتسلف، ولو باعه منه كان أحب إلي. قال المشذالي: فانظر هذا مع ما في نوازل الشعبي هل هو خلاف أو لا، فيكون الخنزير متفقا عليه انتهى. قلت: والظاهر أنه خلاف وأن ما في نوازل الشعبي جار على قول ابن الماجشون المتقدم والله تعالى أعلم. وقوله: في غير مسجد أي فلا يستعمل المتنجس في المسجد فأحرى النجس فلا يوقد فيه بزيت نجس إلى غير ذلك، ولا يبنى بطوب نجس ولا بطين نجس. قال البساطي رحمه الله تعالى: بل لا يجوز المكث فيه بثوب نجس كما سيأتي في إحياء الموات. وقد ذكر الابي في شرح مسلم في أحاديث تحريم الخمر أن الشيخ ابن عرفة أفتى بأن ألواح البتاتي يعني التي للخمر لا يجوز أن يسقف بها المسجد، وذلك لانه ذكر عنه أنه اختار أن إناء الخمر لا تطهر لغوصه وسيأتي لفظه عند قول المصنف بطهور منفصل كذلك، وذكر أنه إن جعل منها إناء للماء فالماء طاهر لانه لا يتغير. فرع: قال البرزلي عن ابن رشد في مسجد بنيت حيطانه بماء نجس: إن قول من قال: تليس حيطانه ويصلى فيه ولا يهدم هو الصحيح لا غيره وجد به رواية أو لم توجد. وفي

[ 170 ]
المدونة: صلاة الرجل وأمامه جدار مرحاض وموضعه طاهر جائزة، وأجاز للمريض بسط ثوب كثيف على فراش نجس ويصلي عليه، فإذا طين الطين النجس بطين طاهر كثيف لم يكن لداخله حكم وهذا مما لا إشكال فيه. وقوله: وآدمي على حذف مضاف أي وغير أكل آدمي إذ لا يصح نفي كل منفعة تضاف للآدمي لانه يجوز له الاستصباح بالدهن النجس وعمله صابونا وعلف الطعام النجس للدواب والعسل النجس للنحل وهو من منافعه. وقال في المدونة: ولا بأس بلبس الثوب النجس والنوم فيه ما لم يكن وقت يعرف فيه فيكره، ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. ويأتي هنا قريبا أن التداوي بالنجس في ظاهر الجسد جائز على أحد القولين المشهورين، فأحرى بالمتنجس. وعلى القول فالظاهر الجواز لما تقدم من جواز دهن النعل، ولقوله في المدونة: يكره لبس الثوب النجس في وقت يعرق فيه. وشمل قوله: آدمي الكبير والصغير والعاقل والمجنون وهو كذلك كما صرح به صاحب الطراز قال: ويجب على ولي الصغير والمجنون منعهما من ذلك انتهى، وأما عبده الكافر وزوجته الذمية وغيرهما من الكفار. فقال سند قال سحنون وابن الماجشون: لا يأمرهم ولا ينهاهم عنه. قال سند: وهذا يتخرج على الخلاف في خطابهم بفروع الشريعة، فعلى القول بخطابهم أكله حرام في حقهم فلا يأمرهم به، وعلى أنهم غير مخاطبين فإطعامه لهم كإطعامه للبهائم. فرع: ذكر البرزلي عن بعضهم في مصحف كتب من دواة ثم بعد الفراغ وجد فيها فأرة ميتة أنه إن تبين أن الفأرة كانت في الدواة منذ بدأ فالواجب أن لا يقرأ فيه ويدفن وإن كان لا يتيقن ذلك فيحمل على الطهارة. قال البرزلي: ولا يتحتم دفنه بل إن أراد محاه في موضع طاهر فيدفنه أو يحرقه كما فعل عثمان رضي الله تعالى عنه. قال: والصواب عندي إن أمكن غسل أوراقه مثل أن تكون في رق والمداد لا يثبت مع الغسل أن يغسل وينتفع به ويحمل على الطهارة كما إذا صبغ بمتنجس وغسل وبقي لون الصبغ، وإن كان لا يمكن غسله فيحتمل أن يفعل به ما تقدم من دفنه أو حرقه ونحوه أو ينتفع به كذلك، كما أجيز لبس الثوب النجس في غير الصلاة والاستصباح بالزيت النجس وذكر الله طاهر لا يدركه شئ من الواقعات، واستدل عليها في موضع آخر بمسألة بناء المسجد بالماء النجس المتقدمة. وقوله: لا نجس يقتضي المنع من الانتفاع بالنجس مطلقا، أما أكله والتداوي به في باطن الجسد فالاتفاق على تحريمه كما نقله المصنف في التوضيح في كتاب الشرب عن الباجي وغيره، وصرح بذلك ابن ناجي والجزولي وغيرهما، لكن حكى الزناتي فيما إذا استهلكت الخمر في دواء بالطبخ أو بالتركيب حتى يذهب عينها ويموت ريحها وقضت التجربة بإنجاح ذلك الدواء قولين بالجواز والمنع. قال: وإن لم تقض التجربة بإنجاحه لم يجز باتفاق انتهى. قلت: والظاهر المنع مطلقا، وأما التداوي بالخمر والنجس في ظاهر الجسد فحكى المصنف في التوضيح وغيره فيه قولين، المشهور منهما أنه لا يجوز. وقال ابن ناجي رحمه الله

[ 171 ]
تعالى في شرح الرسالة: وأفتى غير واحد من شيوخنا بحرمته قال: ومن هذا المعنى غسل القرحة بالبول إذا أنقاها بعد ذلك بالماء. وقال ابن مرزوق: هذا مقتضى إطلاق المصنف وهو المشهور. وقال ابن الحاجب في باب الشرب: والصحيح لا يجوز التداوي بما فيه خمر ولا ينجس. قال في التوضيح الباجي وغيره: إنما هذا الخلاف في ظاهر الجسد يعني ويمنع في الباطن اتفاقا، وما عبر عنه المصنف بالصحيح عبر عنه ابن شاس بالمشهور. وقال ابن عبد السلام: وأجاز مالك لمن عثر أن يبول على عثرته، وسيأتي للمصنف رحمه الله في باب الشرب أنه لا يجوز التداوي بالخمر ولو طلاء وقال في المقدمات: لا يجوز التداوي بشرب الخمر ولا بشرب شئ من النجاسات، فأما التدواي بذلك من غير شرب فذلك مكروه بالخمر ومباح بالنجاسات ولم يحك في ذلك خلافا، وله نحو ذلك في سماع أشهب من كتاب الجامع في شرح مسألة غسل القرحة بالبول أو بالخمر. قال فيها مالك: إذا أنقي ذلك بالماء بعد فنعم وإني لاكره الخمر في كل شئ - الدواء وغيره - تعمدا إلى ما حرم الله تعجلى في كتابه وذكر نجاسته يتداوى به. ولقد بلغني أن هذه الاشياء يدخلها من يريد الطعن في الدين والغمص عليه. قيل له: فالبول عندك أخف ؟ قال: نعم وعلى ذلك اقتصر الباجي أيضا في جامع المنجقى، ونقل عنه ابن عرفة خلاف ذلك، ونصه الباجي المشهور منع التداوي بالخمر في ظاهر الجسد وفي نجس غيره قولان لابن سحنون ومالك. وحكى الجزولي رحمه الله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال: بالجواز مطلقا وبالمنع مطلقا والتفصيل بين الخمر وغيرها وقال: إنه المشهور. وذكر أنه جاء في الحديث أن الخمر تطفئ حرارة النار واقتصر الزناتي على القول بالجواز، وحكاه ابن عبد الوهاب قائلا: إذ ليس فيه أكثر من التلطخ بنجاسة قدر على إزالتها بعد انقضاء الغرض منها، وحكاية ابن عرفة وغيره الخلاف في ذلك أظهر ممن لم يحك فيه خلافا فقد نقل سند في كتاب الطهارة عن شيخه الطرطوشي أنه قال: أصل مذهب ابن الماجشون أنه لا ينتفع بشئ من النجاسات في وجه من الوجوه حتى لو أراق إنسان خمرا في بالوعة فإن قصد بذلك دفع ما اجتمع فيها من كناسة لم يجز ذلك انتهى. قال ابن مرزوق: ومقتضى كلامه أنه لا يطعم الميتة لكلابه وهو خلاف المعروف من قول مالك وأصحابه، وهو خلاف ما نص عليه الابهري لانه قال: ينتفع بلحمها بأن يطعمه لكلابه وكذلك الخمر يصبها على نار يطفئها بها. والمعروف من قول مالك وأصحابه أنه لا ينتفع بالخمر في شئ انتهى. وانظر قوله: لا ينتفع بها هل هو على المنع أو الكراهة ؟ أما الكراهة فلا إشكال فيها لقول مالك المتقدم: أكره الخمر في كل شئ بل الظاهر المنع إذا قصد مجرد الانتفاع بها لان الشارع أمر بإراقتها ولم يأذن في إبقاء اليد عليها أيضا، وأما لو قصد إراقتها وطفي النار بها أو كنس البالوعة بها ولا محذور في ذلك كما قاله الابهري إلا على قول ابن الماجشون وفي سماع ابن القاسم من كتاب الصيد والذبائح في الطير يوضع بها الخمر فتشرب وتسكر لا بأس بأكلها، ولم يتكلم على حكم الفعل ابتداء،

[ 172 ]
ونقله ابن عرفة رحمه الله تعالى في أواخر كتاب الصيد. وقال بعده: قلت: يريد ويكره صيده بها لانه استعمال لها ولم يذكره ابن رشد انتهى. والظاهر المنع من ذلك لا الكراهة لان الانتفاع بها محرم لما تقدم والله تعالى أعلم. وأما إطعام الميتة لكلابه وهي في محلها فلا خلاف في جوازه، وأما حملها لكلابه فقال في الموازية: لا يحملها لكلابه. وظاهر المدونة خلافه لقولها في كتاب البيوع، ولا يطبخ بعظام الميتة ولا يسخن بها الماء لوضوء أو عجين، ولا بأس أن يوقد بها على طوب أو حجارة للجير وحمله على أن ذلك بعد الوقوع بعيد، وعلى أنه وجدها مجتمعة فأطلق النار فيها أبعد لان طبخ الطوب والجير لا يتصور إلا بترتيب وعمل. وعلى ما في الموازية ففيه أيضا الانتفاع بالميتة فتستثني هذه الصورة من عموم قوله: لا نجس وكذلك جعل العذرة في الماء لسقي الزرع وتخليص الفضة بعظام الميتة كما تقدم من سماع ابن القاسم. ومن ذلك أيضا ما تقدم من سماع ابن القاسم في التبخر بلحوم السباع إذا لم تكن ذكيت لا بأس به إذا لم يكن دخانها يعلق بالثياب، وإن كان يعلق فلا يعجبني. وإطلاقه عدم الانتفاع بالنجس يقتضي المنع من بيع العذرة والزبل وهو المشهور كما سيأتي في البيوع، ويقتضي أنه لا يجوز استعمال شحم الميتة في الوقيد ولا طلاء السفن ولا غير ذلك وهو المشهور كما صرح به في التوضيح وغيره. ونقل في النوادر عن ابن الجهم والابهري أنه لا بأس أن يوقد بشحم الميتة إذا تحفظ منه. فرع: يجوز التداوي بشرب بول الانعام بلا خلاف، وكذا بول كل ما يباح لحمه كما صرح به الجزولي وغيره وفرق في سماع أشهب من كتاب الجامع بين بول الانعام وغيرها مما يؤكل لحمه. قال ابن رشد رحمه الله تعالى: والقياس أنها إذا استوت عنده في الطهارة أن تستوي في إجازة التداوي بشربها. فرع: تقدم أن الالبان تابعة للحوم لكن قال ابن رشد رحمه الله تعالى عن مالك: إنه لا بأس بالتداوي بلبن الاتان مراعاة للخلاف في جواز أكلها، حكى ذلك ابن حبيب عن مالك وسعيد بن المسيب والقاسم وعطاء وروى إباحة التداوي بها عن النبي (ص) وإلى إجازة ذلك ذهب ابن المواز انتهى، من سماع ابن القاسم من الصيد والذبائح وقال قبله: إن أبوالها نجسة لا يحل التداوي بشربها. قال الجزولي: وكذلك الخيل والبغال قال: ومن أجاز أكلها يجوز ذلك قال: وكذلك لبنها. فرع: قال سند: من سقطت منه سن فالظاهر أنه لا يجوز له ردها على القول بأن الانسان ينجس بالموت لانه عظم نجس كسن الكلب والخنزير وغيره وهو قول الامام الشافعي، وأجازه أبو حنيفة وهو مقتضى مذهب ابن وهب من أصحاب مالك ومذهب ابن المواز. وفي البرزلي: إذا قلع الضرس وربط لا تجوز الصلاة به فإن رده والتحم جازت الصلاة به للضرورة. فرع: قال سند أيضا: من انكسر عظمه فجبره بعظم ميتة فلا يجب عليه كسره، قاله

[ 173 ]
القاضي عبد الوهاب في الاشراف خلافا للامام الشافعي. ووجه المذهب أن في إخراجه حرجا وإفساد لحم فسقطت إزالته كما إذا كان على الجرح دم وقيح ولا يمكن غسله إلا بإفساد اللحم قال: وسلم الشافعي أنه إذا مات لا ينزع منه انتهى. وهذا بعد الوقوع فأما ابتداء فمعلوم من الفرع الذي قبله أنه لا يجوز. تنبيه: من أجاز استعمال النجاسة في ظاهر الجسد فذلك إذا كان يمكن إزالتها قبل خروج وقت الصلاة، وأما إذا أدى إلى الصلاة بالنجاسة فلا، فإن استعملها وجب عليه غسلها كما تقدم في كلام ابن عرفة في المرتك النجس وفي كلام ابن الحاجب في المرهم النجس، والفرق بين ذلك وبين ما إذا أجبر عظمه بعظم ميتة خوف قوة الضرر هناك والله تعالى أعلم. ص: (ولا يصلي بلباس كافر) ش: سواء كان كتابيا أو مجوسيا ذميا أو حربيا باشر جلده أم لا ؟ كان مما تلحقه النجاسات في العادة كالذيل أو لا كالعمامة قاله البساطي. وقال ابن عبد السلام: المراد بالكافر الجنس وسواء الذكر والانثى، قاله ابن فرحون، وذلك كله ظاهر، وسواء كان ما لبسه الكافر غسيلا أو جديدا، قاله مالك في المختصر. ونقله سند وابن عرفة وغيرهما. وفي معنى الثياب الاخفاف قاله في المدونة وفي سماع ابن القاسم فرع قال: وحكم شارب الخمر كحكم الكافر. قال ابن بشير: وعلى ذلك ثياب أهل الذمة فقد قال الاشياخ في معناهم: من يشرب الخمر من المسلمين فيغسل جميع ما لبسوه من الثياب انتهى. وقاله في الجواهر والتوضيح ونقله ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة من غير واحد كابن بشير، وسيأتي أيضا في كلام اللخمي ونقله ابن فرحون عن ابن بشير وقيده بغير المصلى وكلامه ليس فيه تقييد كما تقدم. فرع: إذا أسلم الكافر هل يصلي في ثيابه قبل أن يغسلها ؟ فعن مالك في ذلك روايتان، فوقع لزياد بن عبد الرحمن في سماع موسى من كتاب الطهارة أنه لا يغسل إلا ما علم فيه نجاسة. وروى أشهب عن مالك في رسم الصلاة الثاني من سماعه من كتاب الصلاة أنه لا يصلي فيها حتى يغسلها، وإذا أيقن بطهارتها من النجاسة فالاختلاف في وجوب غسلها يجري على الاختلاف في طهارة عرق النصراني والمجوسي انتهى من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة. ص: (بخلاف نسجه) ش: فيجوز فيه الصلاة. قال ابن العربي: إجماعا إن كانت ممن تؤكل ذبيحته والمجوسي مثله عندنا. ونقله عنه ابن عرفة وغيره، وفرق بين ما نسجوه

[ 174 ]
وما لبسوه للضرورة العامة فيما نسجوه وبأنهم يتوقون فيه بعض التوقي لئلا تفسد عليهم أشغالهم. فرع: قال البرزلي: وأما ذوو الصناعات منهم يعني الكفار مثل من يقص الملف والخياط والصائغ يمس الحلي والدراهم بيده أو فيه، فكان شيخنا الامام يفتي بغسل كل ما لمسوه لان الغالب عليهم عدم التحفظ من النجاسة، ولا ضرورة تدعو إليهم لاستغناء المسلمين عنهم بمثلهم من المسلمين، وكان غيره يفتي باغتفار هذا كله قياسا على ما نسجوه وأكل المائع من أطعمتهم لا سيما إن كانت صنعتهم تفتقر إليهم فيها كالصواغين في الاغلب، وكذا يسألون عن طبخ الخبز في الكوشة التي يخالطون المسلمين فيها، والصواب الجواز في ذلك كله انتهى. وهذا يخالف ما إذا تحقق أن الكافر أدخل الدرهم في فيه فإنه نقل ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة في سؤر النصراني عن شيخه البرزلي أنه شاهده يفتي غير مرة أن الكافر إذا أخرج الدرهم من فيه ودفعها لمسلم لا يصلي به حتى يغسله، وأقامه في المدونة واقتصر الوانوغي على أنه لا يصلى بما خاطه الذمي قال: لنجاسة ريقه. قال: ولو صلى بخيط رومي في جيبه لم يعد كنسجهم وفي مسائل أبي عمران الزناني في البيوع. قال أبوعمران الفاسي: وما عمله الصناع كالخياط والخراز محمول عندنا على الطهارة كالمنسوج، كافرا كان أو مسلما، مصليا كان أو غير مصل، لان الغالب على الصناع التحفظ على أعمالهم، وكذلك المرأة النساجة وهي تربي ولدها، والحالبة للبن، والماخضة له، والجامعة للزبد من القربة، والساقية للماء، والخادمة للطعام، والمغربلة له، كل ذلك محمول عندنا على الطهارة حتى يظهر خلاف ذلك ويتحقق، وصرح القرافي في الفرق التاسع والثلاثين بعد المائتين فيما الغي فيه الغالب وقدم النادر بأن جميع ما يصنعه أهل الكتاب والمسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون ولا يتحرزون من النجاسات من الاطعمة وغيرها محمول على الطهارة وإن كان الغالب عليه النجاسة، وأخذه الباجي من المدونة. وقال ابن شعبان في الزاهي والثياب التي يلي غسلها الكفار طاهرة، وكذلك ما ينسج المجوس وإن لم يغسل انتهى. ثم قال: وإذا علا الكلب ثوبا أو فرشا لم ينجسا، ولا بأس بالصلاة بثياب القصب المصبوغة بالبول ثم قال: ولا بأس بالصلاة بجلود الثعالب والنمور إذا كانا ذكيا. ص: (ولا بما ينام فيه مصل آخر) ش: قال الشارح: وظاهره أن صلاته هو فيه لا تمنع

[ 175 ]
بقوله: مصل آخر وفيه نظر إذا كان ذلك. معدا للنوم دائما انتهى. ونحوه في الصغير وكذا في الكبير ونحوه للبساطي وابن مرزوق إلا أنهما لم ينظرا فيه بل وجهه ابن مرزوق بأنه هو يعرف طهارته من نجاسته انتهى. قلت: فظاهر كلام المصنف والشارح أنه لا يصلي فيما ينام فيه مصل آخر ولو أخبره صاحبه بأنه طاهر وهو ظاهر كلامه في التوضيح قال فيه قال اللخمي وابن بشير: " ويلحق بما يحاذي الفرج ما ينام فيه ولو من المصلي لان الغالب أن النجاسة فيه انتهى. وكلام اللخمي وابن بشير إنما هو في الثوب المشترى من السوق. قال اللخمي: وأما ما ينام فيه فلا يصلي فيه حتى يغسل، كان بائعه من كان. لان الشأن قلة التحفظ من وصول النجاسة إليه انتهى. ونحوه لابن بشير فيفهم من ذلك أن الغسل إنما هو حيث يجهل طهارته، وأما ما أخبرك صاحبه بأنه طاهر وهو مصل ثقة عدل فلا ينبغي أن يختلف في جواز الصلاة فيه. وفي كلام ابن مرزوق إشارة إلى ذلك فإنه لما ذكر أنه لا يصلي بثياب غير المصلي إلا ما كان معدا لرأسه كالعمامة والقلنسوة فإن الصلاة فيه جائزة. قال اللخمي: كذا قالوا وفيه نظر حتى لا يخفى لانهم إنما منعوا الصلاة بما ينام فيه مصل آخر من أجل الشك في نجاسته، والشك في نجاسة ثوب رأس غير المصلي أقوى بكثير لان من لا يتحفظ من النجاسة لا يبالي أين تصل انتهى. وقد سمعت الوالد حفظه الله تعالى يذكر عن بعض شيوخه أنه كان يحمل كلام المصنف على ما ذكرنا والله تعالى أعلم. ص: (ولا بثياب غير مصل إلا لرأسه) ش: كالعمامة والقلنسوة. قال في التوضيح قال في النوادر: وعلى من اشترى رداء من السوق إن قدر إن يسأل صاحبه عنه وإلا فهو في غسله في سعة انتهى. وقال اللخمي: إن علم أن بائعه ممن يصلي فلا بأس بالصلاة فيه، وإن كان ممن لا يصلي لم يصل به حتى يغسل، وإن لم يعلم بائعه فينظر إلى الاشبه ممن يلبس ذلك فالاحتياط بالغسل أفضل انتهى. ونص سند على أن من اشترى من مسلم مجهول الحال محمول على السلامة قال: وإن شك فيه نضح، انتهى كلام التوضيح. ولا مخالفة بين كلام سند واللخمي لان اللخمي قال: الغسل أفضل وسند قال: ينضح والنضح هو الواجب فيما شك فيه. قال سند أثر كلامه هذا: وإن كان ثم ظاهر في النجاسة كثوب من عرف بالخمر والصبيان ومن لا يتحرز غسله انتهى. وفي أوائل مسائل الصلاة من البرزلي عن ابن أبي زيد

[ 176 ]
فيمن اشترى ثوبا ملبوسا من السوق وفي البلد يهود ونصارى مختلطين مع المسلمين في لباسهم أن له الصلاة به إلا أن يستريب أمرا فيغسله أو يكون الغالب في البلد النصارى أو يبيعه من يكثر شرب الخمر وقد لبسه فليغسله. وفي كلام القرافي في الفرق المذكور قريب من ذلك، وفي البرزلي في مسائل بعض المعصريين من اشترى ثوبا أو فروا أو برنسا أو عمامة، فإن كانت جديدة فهي طاهرة، وإن كانت ملبوسة وأخبر التاجر بطهارتها وكذا من اشتريت منه وهما من أهل الدين صدقهما، وإن شك في خبر التاجر وشك في الحوائج غسلها بخلاف العمامة انتهى. وهذا الكلام وما قبله يدل على ما ذكرته في قوله: ولا بما ينام فيه مصل آخر. وقال اللخمي: إثر كلامه المتقدم: وهذا في القمص وما أشبهها، وأما ما يستعمل للرأس من منديل أو عمامة فالامر فيه أخف لان الغالب سلامته، كان البائع ممن يصلي أو لا، إلا أن يكون ممن يشرب الخمر فلا يصلي به حتى يغسله، وأما ما يلبس في الوسط فلا أرى أن يصني فيه حتى يغسله، كان البائع ممن يصلي أم لا ؟ لان كثيرا من الناس لا بحسن الاستبراء من البول وإن كان لا يتعمد الصلاة بالنجاسة وإلى هذا أشار بقوله ص: (ولا بمحاذي فرج غير عالم) ش: قال ابن مرزوق: أي مقابل فرجه من غير حائل كالسراويل والمئزر، وهذا الشرط لا بد منه، والمصنف تبع عبارة ابن الحاجب وزاد ابن شاس من غير حائل وهو حسن. وقوله: محاذي صفة لمحذوف أي ثوب محاذي انتهى. وهو كذلك في الجواهر. قال البرزلي: وزاد بعض القرويين: ينبغي أن يغسل ما يحاذي الفرج وما تحته لوصول البلل من الفرج إليه عند الاستنجاء انتهى. فإذا حمل على هذا فلا يحتاج إلى ما ذكره في الجواهر وهو ظاهر والله تعالى أعلم. قال في التوضيح: والمراد بالفرج القبل والدبر وأصله لابن هارون واعترضه صاحب الجمع بأن ظاهر النقل أن الدبر غير داخل لان التعليل إنما هو لعدم علم الاستبراء وذلك مفقود في الدبر. قال: وإن أراد دبر الثوب ففيه نظر، والظاهر غسل ما يحاذي القبل والدبر لوصول البلل إليه كما تقدم. والمراد بالعالم العالم بآداب الاستبراء وكل من ولي في الشريعة أمرا فإنما يطلب منه العلم في ذلك فقط والله أعلم. فرع: قال اللخمي: إن قمص النساء محمولة على غير الطهارة لان الكثير منهن لا

[ 177 ]
يصلين إلا أن يعلم أنه كان لمن يصلي انتهى. وهذا يختلف باختلاف البلاد فقال: نساء الحجاز يصلين إلا أنهن يحملن على الجهل بالاستبراء لا أن ذلك غالب عليهن إلا أن يعلم أن الثوب كان لعالمة بالاستبراء. فرع: قال ابن عرفة قال ابن العربي: ثوب الصبي عندهم نجس، والصواب إن استقل بغسل حدثه فهو نجس وقبله طاهر لان حاضنته تنظفه انتهى. ولفظه في العارضة والصحيح عندي إلى آخره قال: ودليله حمله عليه الصلاة والسلام لامامة في الصلاة، وتقدم في كلام سند أن ثيابهم تحمل على النجاسة. وقال ابن ناجي: ثياب الصبي محمولة على النجاسة حتى يتيقن الطهارة على الصحيح. وقال البوني: بالعكس على ظاهر حديث أمامة. ونقل في شرحه الكبير القولين من غير ترجيح قال: وقيل: إن أمها كانت تنظفها لاجله (ص). وقال عياض في شرح حديث أمامة: فيه من الفقه أن ثياب الصبيان وأبدانهم محملة على الطهارة حتى يتحقق النجاسة. قال الابي: حمل ثياب الصبيان على الطهارة إنما هو في الصبيان علمت أهاليهم بالتحفظ من النجاسة انتهى. وقال القرافي في الفرق المتقدم: ثياب الصبيان الغالب عليها النجاسة لا سيما طول لبسهم لها والنادر سلامتها، وقد جاءت السنة بصلاته (ص) بأمامة فحملها إلغاء الحكم الغالب وإثبات الحكم النادر لطفا بالعباد انتهى. والظاهر ما قاله ابن ناجي وابن العربي وهو الذي يؤخذ من كلام الشيخ أبي الحسن الصغير. فرع: ثياب من الغالب على صنعته النجاسة كالمرضعة والجزار والكناف، الظاهر من كلامهم أنها محمولة على النجاسة حتى تتحقق الطهارة، ولذا استحبوا أن يكون لهم ثوب للصلاة كما سيأتي. ويؤخذ ذلك من كلام البرزلي رحمه الله تعالى في سؤال الشيخ عز الدين عمن يصلي إلى جنبه كالجزار ونحوه. فرع: من باع ثوبا جديدا وبه نجاسة ولم يبين كان ذلك عيبا لان المشتري يجب أن ينتفع به جديدا قاله اللخمي. قال سند: وكذا إن كان لبيسا وينقص بالغسل كالعمامة والثوب الرفيع والخف قال: وإن كان لا ينقص من ثمنه فليس عيبا انتهى من التوضيح. وقال البساطي رحمه الله تعالى بعد ذكره بعض هذا الكلام: وهو مبني على جواز بيعه وإنما ينظر فيه إذا اشترى من النوع الذي تحمل ثيابهم على النجاسة ولم تظهر نجاسة انتهى. أما جواز البيع فلا إشكال فيه كما صرح به ابن عبد السلام في البيوع وأما الثياب المحمولة على النجاسة فقال سند بعد ذكره ثياب الكفار: إذا قلنا: يصلى بما لبسوه حتى يغسل، فمن باع ذلك ولم يبين فهل ذلك عيب يختلف باختلاف المبيع، فما كان غسله نقصا فهو عيب، وما كان لا يؤثر فيه فهو خفيف وذلك حكم من اشترى ثوبا غير جديد فيه نجاسة انتهى. وقال الوانوغي رحمه الله تعالى في حاشيته: سئل سحنون عمن اشترى ثوبا فوجده لنصراني فقال: إن كان جيدا ينقصه

[ 178 ]
الغسل رده، وإن كان لا ينقصه فليس بعيب. وسئل ابن مزين عمن اشترى ثوبا لبيسا من النصراني فقيل له: لا يحل لك الصلاة فيه حتى تغسله فقال: لا أعلم بذلك فأنا أرده. فقال: إن كان لم يعلم أنه ليس نصرانيا رده، وإن علم وجهل أنه لا يصلى به إلا بعد الغسل فلا رد له. وقال سند: ذلك يختلف فما ينقصه الغسل فهو عيب ولو من المسلم وما لا فلا، انتهى. ويقاس على ذلك بقية الثياب التي لا يصلى فيها بجامع أنها محكوم عليها بالنجاسة وذلك ظاهر والله تعالى أعلم. ص: (وحرم استعمال ذكر محلى) ولو منقطة وآلة حرب) ش: ذكر في هذا الكلام ما يسوغ اتخاذه ولبسه من حلي الذهب والفضة وأوانيهما وأواني الجواهر وما يحرم من ذلك (على الرجال والنساء. ووجه ذكره هنا أن الحلي لما كان من جملة اللباس والذي يحرم لبسه منه لا يصلى به فأشبه الثوب النجس، وأيضا فإن الماء يحتاج إلى إناء يجعل فيه غالبا فبين حكم ذلك من الذهب والفضة. والاصل في ذلك ما رواه الترمذي وصححه عنه عليه الصلاة والسلام: حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لاناثهم والكلام على لباس الحرير يأتي إن شاء الله تعالى في فصل ستر العورة. وقوله: ذكر ظاهره سواء كان مكلفا أم لا، وأنه يحرم على ولي غير المكلف أن يلبسه شيئا من الحلي، وهذا قول ابن شعبان فإنه أوجب الزكاة في حلي الاصاغر ولم يحك الشيخ ابن أبي زيد غيره، وظاهر المدونة جواز تحلية الصبي بالفضة وكراهة ذلك بالذهب. قال في كتاب الحج من المدونة: ولا بأس أن يحرم بالاصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الاسورة، وكره مالك للاصاغر الذكور حلي الذهب، وأخذ غير واحد من الشيوخ جواز تحليتهم بالفضة وكراهة ذلك بالذهب، وعليه اقتصر ابن رشد في آخر سماع أشهب من كتاب الجامع في حلي الذهب ولم يذكر الفضة ونصه: لا يحل للرجل أن يحلي ولده الذهب ولا يلبسه الحرير فإن فعل لم يأثم وإن ترك ذلك لما جاء من تحريمه على الذكور أجر، وأما إن سقاه خمرا أو أطعمه خنزيرا فإنه آثم. والفرق بينهما أن الميتة والخنزير لا يحل تملكهما بوجه بخلاف الذهب والحرير انتهى. وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة: وفي كون حلي الصبي كصبية فلا يزكى أو كرجل فيزكى قولان: اللخمي محتجا بقولها: لا بأس أن يحرموا وعليهم الاسورة، وابن شعبان ولم يحك الشيخ غيره انتهى. وأما الكافر فعلى الخلاف في خطابهم بفروع الشريعة، وشهر في الشامل مذهب

[ 179 ]
المدونة فقال: بعد أن ذكر الحلي المحرم: لا حلية صبي على المشهور، وتبعه على ذلك الشيخ زروق في شرح الارشاد فقال: وحلي الصبيان من المباح على المشهور. وتبع صاحب الشامل كلام اللخمي في باب الزكاة، وحمل القاضي عياض الكراهة في قوله في المدونة على التحريم فقال في التنبيهات: الكراهة معناها التحريم لانه قال بعد ذلك: وأكره لهم الحرير كما أكرهه للرجال وهو حرام للرجال عنده، وظاهره أنه لم يكره الخلاخل والاسورة لهم من الفضة وذلك قال التونسي: ظاهر جوابه أولا جوازه في الجميع إذ لم يفصل ذهبا ولا فضة، والاشبه منعهم من كل ما يمنع منه الكبير لان أولياءهم مخاطبون بذلك، ويأتي على قياس قوله جواز إلباسهم الحرير، وقد نص على منعهم منه في الكتاب انتهى. ثم قال: ومقتضى قول ابن شعبان أن تحلية الصغير لا تجوز لانه أوجب فيه الزكاة، ولو كان لبسها مباحا لسقطت الزكاة، ويعضده ما رواه الترمذي وصححه عنه عليه الصلاة والسلام: حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لاناثهم وقد روى أحمد في مسنده أن النبي (ص) قال: من تحلى ذهبا أو حلى ولده مثل خز بصيصة لم يدخل الجنة والخزبصيصة هي التي تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادة انتهى. ففي كلام التوضيح ترجيح لقول ابن شعبان ولذا اعتمده وأطلق هنا. وقد علمت أن القول الثاني هو ظاهر المذهب عند كثير من الشيوخ وشهره في الشامل وهو الظاهر من جهة نقول المذهب، وقول ابن شعبان أظهر من جهة الدليل والمعنى والله تعالى أعلم. وقوله: محلى هو ما جعل فيه شئ من ذهب أو فضة. قال ابن مرزوق: وسواء في ذلك المحلى من الثياب كالذي جعل له أزرار من أحد النقدين أو نسج بأحدهما انتهى. ومثله ما جعلت له حبكة منهما. وقال ابن فرحون رحمه الله تعالى في شرح قول ابن الحاجب: والحرام ما عداه من حلي الرجال سواء كان الحلي متصلا بثيابهم أو منفصلا عنها، وكذلك ما يلبس في اليد من غير الخاتم وفي الاذن، وإذا حرم المحلى فأحرى الحلي نفسه من أساور وخلاخل ونحوها والله تعالى أعلم. وقوله: ولو منطقة بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء، نوع من الحرم الذي يشد بها الوسط. وأشار بلو إلى الاقوال الثلاثة المقابلة للقول المشهور وهي: الجواز مطلقا، والجواز إلا في السرج واللجام والسكاكين والمهاميز، والجواز في هذه وفيما يتقى به. ص: (إلا لمصحف) ش: أي فيجوز تحليته بالذهب والفضة في جلده على المشهور. قال الشيخ يوسف بن عمر: وهو أن يجعل ذلك على الجلد من خارج، ولا يجوز أن يجعل ذلك على

[ 180 ]
الاحزاب والاعشار وغير ذلك. قال الجزولي: يعني في أعلاه ولا يكتب به ولا يجعل له الاعشار ولا الاحزاب ولا الاخماس لان ذلك مكروه، وكذلك بالحمرة. وقال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتا ب الصلاة: سئل مالك عن تعشير المصحف فقال: يعشره بالسواد وأكره الحمرة. وذكر تزيين المصاحف بالخواتم فكرهه كراهية شديدة فقيل له: والفضة ؟ قال: الفضة من ورائه ولم ير به بأسا وإني لاكره لامهات المصاحف أن تشكل، وإنما رخص فيما يتعلم فيه الغلمان. ابن رشد: قوله: من ورائه أي من خارجه يريد أنه لا بأس أن يحلي غشيته بالفضة، ويروى: من زينته أي زينة أعلاه وخارجه. ووجه كراهته لتزيين داخله بالخاتم وتعشيره بالحمرة أنه يلهي القارئ ويشغله عن تدبير آياته، ولهذا المعنى كره تزويق المسجد. وأما كراهته للشكل فلانه مما اختلف القراء في كثير منه إذا لم يجئ مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل والله تعالى أعلم. وقال في الجواهر في كتاب الزكاة: وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز أصلا، وكذلك تحلية الدواة والمقلمة ونحوه في الطراز. وعد في الزاهي مما يجوز تحليته الاحراز من القرآن وما معه من أسماء الله عزوجل. وقال البرزلي: أما تحلية الدواة فإن كانت يكتب بها القرآن فتجري على تحلية المصحف تجوز بالفضة، وفي الذهب خلاف، والمشهور الجواز، لكن يتوقع منها مفسدة الكتب بغيره. ثم قال: وكذلك كتابة القرآن في الحرير وتحلية المصحف به أي جائزة. وصرح في الجامع أيضا بأن كتب القرآن فيه جائز. قال: وأما كتابة العلم أو السنة فتجري على جواز افتراشه انتهى. والمشهور منع افتراشه للرجال وقاله قبله عن عز الدين بن عبد السلام الشافعي: الكتابة في الحرير إن كانت مما ينتفع به الرجال ككتب المراسلات فلا تجوز، وإن كانت مما ينتفع به النساء ككتب الصداق فهذا يلحق بافتراشهن الحرير في تحريمه خلاف، وهو في الصداق أبلغ في الاسراف. قال البرزلي: قلت: إن كان الافتراش للرجال فالخلاف فيه عندنا ويجري عليه كتابتهم الرسائل والعلم عليه، وإن كان في حق النساء فلا يعلم في مذهبنا إلا جوازه فيجوز في حقهن، وعندي أنه يجري على إكساء الحيطان انتهى. ثم قال: ومن هذا المعنى ما يقع من تحلية الاجازة بالذهب، وذكر النبي (ص) فيكتب كذلك أو آية الكرسي. وذكر عن شيخ شيخه الشريف أبي الحسن العواني أنه استشار شيخه القاضي ابن قداح عن الكتب بالذهب في الاجارة في آية تعرض أو تصلية فأجابه بأن قال: التعظيم هو اتباع السنة فكتبها بالسواد خالصا. قال: ورأيت أجائز كثيرة محوقة بالذهب وفيها الفواصل كذلك فيها شهادات لشيوخ شيوخنا، وكذا رأيت شيوخنا يفعلون واتبعناهم نحن اقتداء بهم وبالقياس على المصحف إذ هي من اتباع كتب المصحف وتعظيمه. ورأيت ختمة في جامع القيروان أدركت زمن الشيخ أبي محمد بن أبي زيد فمن بعده محبسة مكتوبة كلها بالذهب ومغشاة بالحرير في نحو ثلاثين جزءا، ولا تجتمع هذه القرون على ضلالة ولعل العذر لهم ما تقدم انتهى. وقد علم من هذا منع كتابة ما عدا المصحف

[ 181 ]
بالذهب أو الفضة وكراهة كتابة المصحف وما عدا ذلك فاستحسان من شيوخه وشيوخهم قابل للبحث والكلام. ص: (والسيف) ش: قال في التوضيح في كتاب الزكاة: وسواء اتصلت الحلية بأصله كالقبضة أو كانت في الغمد. ص: (والانف) ش: لئلا ينتن فهو من باب التداوي. " ص: (وربط سن) ش: كذلك ما يسد به محل سن سقطت قاله ابن عرفة. ص: (مطلقا) ش: أي بالذهب والفضة وهى راجع إلى جميع ما تقدم على المعروف الذي عليه الاكثر، وذكر الرجراجي رحمه الله تعالى في كتاب الصرف أن مشهور المذهب لا يجوز تحلية السيف بالذهب قال: وهو مذهب المدونة. ص: (وخاتم الفضة) ش: قال البرزلي رحمه الله تعالى في مسائل الصلاة المنسوبة لابن قداح: مسألة التختم بالذهب والنحاس والحديد لا يجوز. قال البرزلي: المنقول أن الذهب لا يجوز. واختلف إذا كان فيه مسمار ذهب. وأما النحاس والحديث فمكروه، حكاه ابن رشد وغيره. ومثل ذلك القزدير والرصاص، وأخذ من قوله: التمس ولو خاتما من حديد الجواز. وكتب عمر بن عبد العزيز لولده: اتخذ خاتما من حديد صيني. قال: وخاتم الفضة مستحب ويستحب جعله في اليد اليسرى. قلت: عن بعض الاوائل كراهته إلا لضرورة الطبع كما اتخذه النبي (ص) وخلفاء المسلمين بعده. وقال شيخنا الفقيه الامام: وهذا إذا اتخذ للسنة، وأما اليوم فلا يفعله غالبا إلا من لا خلاق له أو يقصد به غرض سوء فأرى أن لا يباح لمثل هؤلاء اتخاذه لانه زينة لمعصية أو لمباهاة لا لقصد حسن. وقال في موضع آخر: وأما خاتم النحاس فمكروه إلا لمن به صفراء فيختم به للتداوي انتهى. ومثله ما يجعل في الذراع ونحوه من النحاس للتداوي والله تعالى أعلم. وذكر في أواخر جامع ابن رشد والباجي أن مالكا كره التختم في اليمين. قال ابن رشد: ولا فرق بين الاعسر وغيره ولا بين قريش وغيرهم فإنه سئل عن ذلك. قال مالك في سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: ولا بأس بجعل الخاتم في يمينه للحاجة يتذكرها أو يربط خيطا في أصبعه ثم قال: والذي استقر عليه العمل أنه يجعل في الخنصر. وفي الحديث: أن وزنه درهمان فضة وفصه منه وجعله مما يلي كفه. وانظر إن كان أثقل من هذا أو أراد أن يجعل

[ 182 ]
خاتما في خنصر اليمنى وخاتما في خنصر اليسرى هل يجوز ذلك أو يمنع ؟ ويحمل أنه تختم في يمينه ويساره على البدلية انتهى. وفي الجامع من نوازل ابن رشد: ومنها أنك سألت عن وجه كراهة مالك التختم في اليمين مع ما روي عن النبي (ص) أنه كان يحب التيامن في أموره كلها، وهل يسامح الاعسر في ذلك أم لا ؟ وهل بين قريش وغيرهم في ذلك فرق ؟ فأجاب ما ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى من استحسان التختم في اليسار هو الصواب، والحديث الذي ذكرته حجة له لا عليه، وذلك أن الاشياء إنما تتناول باليمين على ما جاءت به السنة فهو إذا أراد التختم تناول الخاتم بيمينه فجعله في يساره، وإذا أراد أن يطبع به على مال أو كتاب أو شئ تناوله بيمينه من شماله فطبع به ثم رده في شماله إذا ضل ما اتخذ الخاتم للطبع به على ما جاء أن النبي (ص) أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا غير مطبوع. ثم قال: ولا فرق بين الاعسر وغيره ولا بين القرشي وغيره انتهى. وقوله في الحديث: فصه منه كذا في البخاري. قال ابن حجر: ولا يعارضه ما أخرجه مسلم وأصحاب السنن من أن فصه كان حبشيا لانه يحمل على التعدد. ومعنى قوله: حبشيا أي حجرا من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لانه قد يؤتى به من الحبشة، ويحتمل أن يكون هو الذي فصه منه ونسبه إلى الحبشة لصفة فيه، إما صناعة أو نقش انتهى. والفص بفتح الفاء قاله الجوهري. وحكى عن غيره فيه الكسر، وحكى ابن مالك وغيره التثليث. فرع: ويجوز نقش الخواتم ونقش أسماء أصحابها عليها ونقش اسم الله فيها. قال في الاكمال: وهو قول مالك. وقال ابن حجر عن ابن بطال. وقد مال مالك من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم، وكرهه بعض العلماء، وكان نقش خاتمه عليه الصلاة والسلام: محمد رسول الله ونقش خاتم مالك: حسبي الله ونعم الوكيل. وخرج الترمذي والنسائي وابن حبان عن عبد الله بن بريدة قال: جاء رجل إلى النبي (ص) وعليه خاتم من حديد فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار فذكر الحديث إلى أن قال: من أي شئ أتخذه ؟ قال (ص): من ورق ولا تتمه مثقالا. وفي كلام الجزولي والشيخ يوسف بن عمر التعبير بلا يجوز في الحديد والنحاس، والظاهر أن المراد به الكراهة كما تقدم، وأما التختم بالعقيق واليسير ونحوه فلم أر فيه نصا إلا ما تقدم في حديث مسلم أن فصه كان حبشيا. وفي كلام الشيخ يوسف بن عمر ما يقتضي جوازه من الجلد والعود ونحو ذلك وهو طاهر. تنبيه: قال ابن حجر: أخرج أبو داود والترمذي من طريق إياس بن الحارث عن جده قال: كان خاتم النبي (ص) من حديد ملويا عليه فضة، فيحمل على التعدد. ويجمع بينه وبين الحديث المتقدم في النهي عن التختم بالحديد، وأن يحمل على ما كان حديدا صرفا قال: وقد قال النقاش في كتاب الاحجار: خاتم البولاذ مطردة للشياطين إذا لوى عليه فضة فهذا يؤيد

[ 183 ]
المغايرة والله أعلم. ص: (لا ما بعضه ذهب ولو قل) ش: أي لا الخاتم الذي بعضه فضة وبعضه ذهب فلا يجوز لبسه. وظاهر كلام المصنف , أنه يحرم لبس الخاتم الذي بعضه ذهب وهو ظاهر كلام ابن بشير أو صريحه فإنه قال في كتاب الزكاة: وأما الخاتم فلا يجوز للرجل اتخاذه ولا جزأ منه ذهبا لعموم الحديث. ولم يحك ابن رشد في رسم شك في بعض طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف إلا الكراهة ونصه: وسئل مالك عن الذي يجعل في فص خاتمه مسمار الذهب فكره ذلك. قيل له: فيخلط بحبة أو حبتين من ذهب لئلا يصدأ، فكره ابن رشد مسمار الذهب في الخاتم كالعلم من الحرير في الثوب. مالك يكرهه وغيره يحرمه، فمن تركه على مذهب مالك أجر، ومن فعله لم يأثم، وخلط اليسير من الذهب في الفضة كالجزء وشبهه. مالك يكرهه وغيره يجيزه انتهى. ولم أر من صرح بالمنع سوى شراح كلام الصنف ولا يبعد جريان الخلاف فيه من المموه والله تعالى أعلم. ص: (وإناء نقد) ش: الظاهر أنه بالجر عطفا على قوله: ذكر ولد يضره كون الاول: من إضافة المصدر إلى فاعله، والثاني: من إضافته لمفعوله أو على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره، ويجوز الرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وعلى هذين الوجهين تحسن المبالغة في قوله: وإن لامرأة أي وحرم استعمال إناء النقد وإن كان الاستعمال لامرأة. وقال البساطي: إنه منصوب عطفا على محلا أي وحرم استعمال ذكر إناء النقد قال: وقول بعض الشارحين أنه معطوف على استعمال فيجب رفعه ضعيف، لانه قرره على أنه يحم إناء النقد أي استعماله انتهى. وعلى ما ذكره من النصب فلا تحصل المبالغة إلا بتكلف إذ يصير تقريره وحرم استعمال ذكر إناء نقد وإن كان لامرأة، بل قد يتوهم أن اسم كان عائدا إلى الاناء فتأمله، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة قال الفاكهاني: والضمير في لهم عائد

[ 184 ]
على الكفار الذي يستعملونها، ويجوز على بعد أن يعود على من يستعملها من عصاة المؤمنين لانهم يحرمونها في الآخرة كما في الحديث الدال على ذلك والاول أظهر. ص: (واقتناؤه وإن لامرأة) ش: أي ادخاره من غير استعمال وكذا يحرم الاستئجار على صياغته ولا ضمان على من كسره وأتلفه إذا لم يتلف من العين شيئا هذا هو الاصح، وأما بيعها فجائز لان عينها تملك إجماعا كذا أطلق الباجي وغيره. وبحث فيه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد بأنه إن كان لا يقا بل الصنعة شئ من العوض فظاهر، وإن كان مع المقابلة فلا يسلم هذا الحكم للباجي. قال في العمدة: ويحرم استعمال آنية الذهب والفضة ومن تطهر منهما أثم وصح انتهى. وقال اللخمي في كتاب الزكاة: وإن كانت تراد للتجمل فذلك غير محرم انتهى بالمعنى. ص: (وفي المغشي والمموه) ش: المغشي إناء من ذهب أو فضة غطي برصاص أو نحاس أو غيره. والمموه إناء نحاس أو رصاص طلي بفضة أو ذهب. قال في التوضيح: تردد ابن عبد السلام في المغشي واستظهر في المموه الاباحة لانه ليس بإناء ذهب انتهى. قلت: بل في كلام ابن عبد السلام ميل إلى ترجيح المنع في المغشي، وأما المموه فالاظهر فيه الاباحة، والمنع بعيد وإن كان قد استظهره في الاكمال، وقد تقدم في كلام ابن رشد أن الخاتم الذي بعضه ذهب ليس بحرام. قال في التوضيح: وانظر هل مرادهم بالمموه الطلاء الذي لا يجتمع منه شئ أو ولو اجتمع ؟ واتفق في مذهب الامام الشافعي على المنع فيما يجتمع منه شئ انتهى. قلت: وهو الذي يؤخذ من كلام سند ومن كلام صاحب الاكمال فإنه في كتاب الزكاة: وأجمعوا على إيجاب الزكاة فيها إذا بلغ ذهبها النصاب وهو الظاهر. ثم قال في التوضيح: وانظر هذا النحاس المكفت أي الذي يحفر وينزل فيه فضة هل هو ملحق بإناء فضة أو بالمموه والاول أظهر، انتهى. ونقله ابن فرحون وقبله وهو الظاهر. ص: (والمضبب وذي الحلقة) ش: المضبب إناء من فخار أو عود أو غير ذلك انكسر فشعب كسره بخيوط من ذهب أو فضة أو جمع بصحيفة من أحدهما، وذو الحلقة إناء من عود أو غيره جعل له حلقة،

[ 185 ]
وكالمرآة واللوح ونحوهما، والاصح من القولين في المضبب وذي الحلقة المنع كما صرح به ابن الحاجب وابن الفاكهاني وغيرهما. قال في التوضيح: وهو اختيار القاضي أبي الوليد، واختار القاضي أبو بكر الجواز. وقال مالك في العتبية: لا يعجبني أن يشرب في إناء مضبب ولا ينظر في مرآة فيها حلقة وهو يحتمل التحريم والكراهة. قال ابن عبد السلام: وظاهره الكراهة وهو الذي عزاه المازري للمذهب، وكذا بعض من تكلم على الخلاف. قال في الاكمال عن المازري: والمذهب عندنا كراهة الشرب في الاناء المضبب كما كره النظر في مرآة فيها حلقة فضة. قال القاضي عبد الوهاب: ويجوز عندنا استعمال المضبب إذا كان يسيرا. قال بعض شيوخنا: وعلة مجرد السرف لا تقتضي التحريم كأواني البلور التي لها الثمن الكثير والياقوت فإن استعمالها عندنا جائز غير حرام لكنه مكروه للسرف، انتهى. ص: (وإناء الجوهر قولان) ش: كالدر والياقوت والزمرد والزبرجد والفيروزج وكذا البلور كما حكاه في الاكمال عن بعض شيوخ القاضي عبد الوهاب. والبلور بكسر الموحدة وفتح اللام وتشديدها كسنور، وقد تخفف اللام كسبطر، ويقال بفتح الموحدة وضم اللام وتشديدها كتنور حكاها في القاموس، والظاهر أن العقيق ليس منها. وقال ابن الكروف: أرى النفاسة باعتبار الموضع الذي هو فيه فقد يكون الشئ نفيسا في موضع غير نفيس في غيره، والقول بالجواز للباجي وابن سابق واختاره ابن رشد، والقول بالمنع لابن العربي في عارضته قاله في التوضيح. وذكر ابن عرفة ثالثا بالكراهة وعزاه لابن سابق وحكاه بعض شيوخ القاضي عبد الوهاب عن المذهب قاله في الاكمال. فرع: هل يجوز لبس الخاتم من هذه الجواهر أو جعل الفص منه أو جعلها في العنق أو الذراع ونحو ذلك ؟ لم أر فيه نصا، والظاهر أنه جار على اتخاذ الآنية من ذلك والله تعالى أعلم. فرع: يجوز اتخاذ الاواني من الفخار ومن الحديد ومن الرصاص والصفر والنحاس ومن الخشب ومن العظام الطاهرة إجماعا، قاله في القوانين. وقال في المسائل الملقوطة هال ابن عبد البر في الاستيعاب: المقوقس القبطي صاحب مصر والاسكندرية. روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: حدثني المقوقس قال: أهديت للنبي (ص) قدح قوارير فكان يشرب فيه الماء انتهى. فائدة: قال المسيلي في نكت البفسير عن ابن عرفة: إن رجلا جاء إلى الامير أبي الحسن بلؤلؤة صغيرة ذكر أنه أخرجها من الماء العذب وشهد له بذلك شهود لا بأس بهم. انتهى، وهذا الخلاف المشهور أن التشبه في قوله تعالى: * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * (الرحمن: 22) إنما هي للتغليب لانه إنما يخرج من الاجاج والله تعالى أعلم.

[ 186 ]
ص: (وجاز للمرأة الملبوس مطلقا) ش: قال في الزاهي: وما اتخذه النساء لشعورهن وأزرار جيوبهن وأقفال ثيابهن وما يجري مجرى لباسهن فجائز. انظر معنى قوله: لشعورهن، والظاهر أن المراد منه ما يلففن فيه شعورهن لا المشط فإنه لا فرق بينه وبين المكحلة والمرأة والمدهن بل ذكر البرزلي في مسائل الصلاة عن ابن عبد السلام الشافعي رحمه الله تعالى أن المشط المضبب كالاناء المضبب وقبله والله تعالى أعلم. غريبة: ذكر الخطابي عن بعض العلماء كراهة التختم بالفضة للنساء وقال: لانه من زي الرجال قال: فإن لم يجدن الذهب فليصفرنه بزعفران أو شبهه والله تعالى أعلم. ص: (ولو نعلا) ش: وكذا القبقاب وأشار بلو إلى الخلاف. قال البرزلي: وأما جعل القبقاب من الفضة فاحفظ لابي حفص بن العطار أنه حكى خلافا في ذلك عن القرويين هل هو من اللباس أو الاواني والاقرب أنه كالفراش. ونقل بعضهم عن المازري رحمه الله تعالى في شرح التلقين المنع في القبقاب انتهى. قال في الزاهي: وليس اتخاذ النعل يجري مجرى الحلي وقد قيل: إنه من الحلي، فقول بعض الشارحين أنه لم يقف عليه إلا في كلام أبي حفص المتقدم يقتضي أنه لم

[ 187 ]
يقف على هذا والله تعالى أعلم. ص: (لا كسرير) ش: قال في الجواهر: وكذا المكاحل والمرايا المحلاة وأقفال الصناديق والاسرة والمذاب والمقرمات وشبه ذلك لا يجوز اتخاذ شئ من ذلك من ذهب أو فضة، ولا تحليته بشئ منها، لا للرجال ولا للنساء انتهى. وكذلك ما يتخذ في الجدرات والسقوف والاخشاب كما في الطراز وغيره. قال في الزاهي: وكذلك ما جعل رؤوسا للزجاج وأزرارا وأقفالا لثياب الرجال وقصبا للاطفال والكبار وأغشية لغير القرآن وما يجري مجرى الاحراز وغير ذلك من جميع الاشياء. والمرايا جمع مرآة بكسر الميم، والقصب بفتح القاف والصاد المهملة المجوف، والمذاب جمع مذبة بالذال المعجمة ما يطرد به الذباب، والاسرة جمع سرير، والمقرمات جمع مقرمة بكسر الميم والراء ستر فيه نقش وتصاوير، قاله في الصحاح. فرع: قال البرزلي: كان شيخنا الامام رحمه الله تعالى يجيز الاكتحال بمرود الذهب والفضة ويقول: إنه من باب التداوي كجعل الذهب في الماء لقوة القلب وطفيه كذلك، وعندي أنا مرود كذلك وقد رأيناه في تركة نصفه ذهب ونصفه فضة. وسألت عنه بعض الاطباء فقال: أحسن المراود عود الآبنوس ويليه الذهب ويليه الفضة. انتهى. وقال في العارضة: حرم النبي (ص) استعمال الذهب ثم استثنى منه جواز الانتفاع به عند الحاجة على طريق التداوي بجعل الانف منه، وعليه ينبني أن الطبيب إذا قال للعليل من منافعك طبخ غذائك في آنية الذهب جاز له ذلك انتهى. فرع: قال البرزلي: لما تكلم في أحكام المساجد في مسائل الصلاة وظاهر الرواية عندنا أنه يكره تزويق المساجد بالذهب لانه يشغل المصلي، فإن كانت حيث لا تشغله فظاهره أنها جائزة ورأيت ذلك في جامع القيروان، وقد مرت عليه قرون لم نسمع فيه من ينكر وهو كذلك في جامع الزيتونة غير أن بعضه بين يدي الامام فقال لي شيخنا الامام: إن الولاة هم الذين وضعوه وجدد في وقت إمامته وسكت عنه لكونه والله تعالى أعلم مكروها.

[ 188 ]
فصل (هل إزالة النجاسة عن ثوب مصل ولو طرف عمامته وبدنه ومكانه لا طرف حصيره سنة أو واجبة إن ذكر وقدر وإلا أعاد الظهرين للاصفرار خلاف) لما ذكر في الفصل السابق الاشياء الطاهرة والاشياء النجسة، أتبع ذلك في هذا الفصل ببيان حكم إزالة النجاسة، وبيان ما يعفى عنه من النجاسات، وبيان كيفية إزالة النجاسة، فبدأ ببيان حكم النجاسة. وقوله: إزالة مبتدأ خبره سنة، وقوله: أو واجبة معطوف عليه. وقال البساطي: إنه خبر من مبتدأ محذوف يدل عليه المبتدأ الذي قبله أعني إزالة، والظاهر أنه لا يحتاج إلى هذا بل هو مبتدأ أخبر عنه بأحد خبرين. وهل استفهام عن تعيين أحدهما، وقوله: خلاف هو المعين لذلك وهو مبتدأ حذف خبره تقديره في ذلك خلاف. والمعنى أنه اختلف في حكم إزالة النجاسة عن ثوب المصلي وبدنه ومكانه على قولين مشهورين: فقيل: إن إزالتها عن ذلك سنة من سنن الصلاة على كل حال أي سواء ذكرها أو لم يذكرها وسواء قدر على إزالتها أو لم يقدر. وقيل: إنها واجبة مع ذكر النجاسة والقدرة على إزالتها بوجود ماء يزيلها به أو وجود ثوب طاهر أو القدرة على الانتقال من المكان النجس إلى مكان طاهر، وأما مع النسيان لها والعجز عن إزالتها فليست بواجبة بل تكون حينئذ سنة كالقول الاول، هكذا ذكر ابن مرزوق رحمه الله تعالى في حل كلام المصنف، وهو المفهوم من كلام ابن رشد الآتي وغيره. وذكر المصنف رحمه الله تعالى في التوضيح أن ابن رشد شهر

[ 189 ]
القول بالسنية، وأن طريقة اللخمي تدل على أن القول الثاني هو المشهور. قال: وصرح بذلك غير واحد فلذلك اقتصر في مختصره على ذكر هذين القولين. قلت: والذي يظهر لي من نصوص أهل المذهب أن هذا الخلاف إنما هو خلاف في التعبير على القول الراجح في حكم إزالة النجاسة. ولا ينبني عليه اختلاف في المعنى تظهر فائدته، وذلك أن المعتمد في المذهب أن من صلى بالنجاسة متعمدا عالما بحكمها أو جاهلا وهو قادر على إزالتها يعيد صلاته أبدا، ومن صلى بها ناسيا لها أو غير عالم بها أو عاجزا عن إزالتها يعيد في الوقت على قول من قال: إنها سنة. وقول من قال: إنها واجبة مع الذكر والقدرة يظهر ذلك بذكر كلام ابن رشد الذي نقل عنه المصنف تشهير القول بالسنية، وذكر كلام من وافقه من الشيوخ على ترجيح القول بالسنية. قال ابن رشد في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة المشهور في المذهب قول ابن القاسم وروايته عن مالك: إن رفع النجاسات من الثياب والابدان سنة، فمن صلى بثوب نجس على مذهبه ناسيا أو جاهلا بنجاسته أو مضطرا إلى الصلاة أعاد في الوقت، وأما من صلى عالما غير مضطر معتمدا أو جاهلا أعاد أبدا لتركه السنة عامدا. ومن أصحابنا من قال: إن رفع النجاسات عن الثياب والابدان فرض بالذكر ساقط بالنسيان، وليس ذلك بصحيح عندي لانه ينتقض بالمضطر لانه ذاكر ولا يعيد إلا في الوقت، وقال بعضهم: فرض مع الذكر والقدرة تحرزا من هذا الاعتراض انتهى. فكلامه يقتضي أن التفريع على القولين واحد بل في كلامه الذي ذكرناه ارتضاء للعبارة الثانية وإن كان قال في رسم المكاتب من سماع يحيى أنها عبارة غير مخلصة ونصه في كتاب الصلاة: اختلف في رفع النجاسة من الابدان والثياب فقيل: فرض وهو قول ابن وهب فيعيد من صلى بثوب نجس أبدا عالما كان أو جاهلا أو ناسيا، وقيل: إنها سنة وهو المشهور وعليه

[ 190 ]
فيعيد من صلى بثوب نجس في الوقت إن كان ناسيا أو لم يجد غيره، وأما من صلى به متعمدا أو جاهلا وهو يجد ثوبا طاهرا، أعاد أبدا لتركه السنة عامدا مستخفا بصلاته أو جاهلا، ولا يعذر بجهله. ومن الناس من يعبر عن رفع النجاسة بأنه فرض بالذكر مع القدرة يسقط بالنسيان أو عدم القدرة، وليست عندي بعبارة مخلصة. وقد روى البرقي عن أشهب أن من صلى نجس عامدا فلا إعادة عليه إلا في الوقت وهو ظاهر قوله في المدونة في من مسح المحاجم أنه يعيد في الوقت، ولم يفرق بين العمد والنسيان، وعلى ذلك حملها أبوعمران قال: للاختلاف في المسح إذ قد روي عن الحسن أنه ليس عليه غسل موضع المحاجم. وقال ابن أبي زيد: معناه ناسيا انتهى. وله نحو ذلك في المسائل الثلاثة من سماع موسى من كتاب الصلاة، وممن رجح القول بأن الازالة سنة ابن يونس فقال في كتاب الصلاة بثياب أهل الذمة: إنه الصحيح من المذهب، وصرح في غير موضع من كتابه بأن من صلى بها عامدا يعيد أبدا، قاله في مسألة من ترك الاستنجاء والاستجمار: في كتاب الطهارة، وفي مسألة من صلى ومعه جلد ميتة في كتاب الصلاة. قال في الكلام على الاستنجاء: قال ابن القاسم في العتبية: ولو لم يستنج ولو استجمر ساهيا أعاد في الوقت كمن صلى بها في ثوبه. ابن يونس: يريد ولو فعل ذلك عامدا أعاد أبدا لقوله في كتاب الصلاة الاول من المدونة، ومن صلى ومعه جلد ميتة لم يدبغ أو شئ من عظمها أو لحمها أعاد في الوقت، يريد أنه صلى بذلك ناسيا انتهى. وتأول قوله في المدونة في ماسح موضع المحاجم إذا صلى بعد البرء قبل أن يغسلها أنه يعيد في الوقت على أنه فعل ذلك ناسيا كما ذكره عنه المصنف في التوضيح وذكره غيره. وممن رجح القول بالسنية عبد الحق في تهذيب الطالب، بل صرح بأنه المشهور في ترجمة أقسام الطهارة، وفي ترجمة من صلى بثوب نجس أو حرير، وفي باب الرعاف ومع ذلك فكلامه في غير موضع من كتابه يدل على أن من صلى بالنجاسة عامدا يعيد أبدا وصرح بذلك في باب ذكر النجاسة في الثوب والجسد ونصه: قال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في إزالة النجاسة عن البدن والثوب والمكان، هل هي واجبة وجوب الفرائض أو وجوب السنن ؟ وهذا الاختلاف مع الذكر والقدرة والتمكن لنص مالك على أن من صلى بثوب نجس ناسيا أو ذاكرا إلا أنه لم يقدر على غيره، أنه يعيد في الوقت، وهذا يدل على أنه واجب وجوب السنن لانه لو كانت إزالتها فرضا لوجب أن يعيد أبدا كما لو ترك بعض أعضائه في الوضوء، ولا يعترض على هذا بقولهم فيمن صلى بنجاسة متعمدا وهو قادر على إزالتها أو على ثوب طاهر أنه يعيد أبدا، لان من السنن المؤكدة ما هذا سبيله، فقد قالوا فيمن ترك التسمية عامدا: لا تؤكل ذبيحته. وقال ابن زياد وسحنون فيمن ترك السورة عامدا أنه يعيد صلاته مع قولهم في ذلك أنه مسنون، على أنه قد ذكر أبو محمد عن البرقي عن أشهب فيمن صلى بثوب نجس عامدا أنه يعيد صلاته مع قولهم في ذلك أنه مسنون، على أنه قد ذكر أبو محمد عن البرقي عن أشهب فيمن صلى بثوب نجس

[ 191 ]
عامدا أنه يعيد في الوقت انتهى. وهذا الكلام جميعه للقاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة، فأنت ترى صاحب التهذيب مع تشهير القول بالسنية قد ارتضى ما ذكره عن عبد الوهاب من إعادة العامد أبدا، وحكاية الاعادة في الوقت عن أشهب، ونحو هذا للتلمساني في شرح الجلاب. وقال سند في باب آداب الاحداث في الكلام على الاستجمار: إن حكم كل من صلى بنجاسة لسهو أو عدم ما يزيلها به أنه يعيد في الوقت، ومن صلى بها عامدا قادرا أعاد أبدا على ظاهر المذهب انتهى. فقد ظهر لك أن مؤدى القولين المشهورين في التفريع واحد، ومما يدل على ذلك أن التفاريع الآتية التي جزم بها المصنف وغيره إنما تتمشى على ذلك منها قوله: وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها. تنبيه: هذا الذي ذكرناه من أن الخلاف إنما هو في التعبير بالسنية أو الوجوب إنما ذلك حيث أردنا بيان الراجح من المذهب، وأما إن لم نرد ذلك فلا شك في وجود القول بعدم إعادة العامد أبدا على القول بأنها سنة، كما ذكره القاضي عبد الوهاب في المعونة، والباجي في المنتقى، وعبد الحق في التهذيب، وابن رشد في رسم المكاتب من سماع يحيى. فإن قلت: سيأتي أن في بطلان من ترك السنة عامدا قولين مشهورين، فلعل ما ذكره هؤلاء أحد القولين المشهورين ويكون القول بعدم إعادة العامد أبدا هو المشهور الثاني. قلت: لم أر من ذكر في هذه المسألة بخصوصها ترجح القول بعدم إعادة العامد أبدا، فإنما يذكرونه على أنه قول في المذهب، والعمدة في كل مسألة على النصوص فيها لا على ما يتخرج فيها من الخلاف فتأمله. فإن قلت: لعل ثمرة الخلاف تظهر في تأثيم العامد على القول بالوجوب وعدم تأثيمه على القول بالسنية. قلت: صرح في المعونة بأن العامد آثم وإن قلنا: إنها سنة وإنه لا يعيد أبدا، وصرح بذلك الباجي في المنتقى، وذكر في التوضيح عن المازري أنه ذكر عن القاضي عبد الوهاب الاتفاق على تأثيم من تعمد ترك الصلاة بها. وقال البساطي في المغني: نقل عن القاضي عبد الوهاب الاجماع على التأثيم. واستشكل إذ هو من خصائص الوجوب، وعندي أن التأثيم على مخالفة السنة وفي الواجب على ترك الفعل انتهى. قلت: ولعل هذا هو الموجب لعدم ترجيح القول بعدم إعادة العامد أبدا والله تعالى أعلم. واعلم أن الطرق اختلفت في نقل المذهب في حكم إزالة النجاسة، واقتصر المصنف على قولين مشهورين، وذكر ابن عرفة في ذلك أربع طرق: الاولى لابن القصار والرسالة والتلقين أنها واجبة بلا خلاف، وما وقع في المذهبين الخلاف في إعادة المصلي بها فعلى الخلاف في شرطيتها. الثانية للجلاب والقاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة والبيان، والاجوبة لا خلاف أنها سنة، والخلاف في الاعادة مبني على الخلاف في الاعادة لترك السنن عمدا. الثالثة للمعونة

[ 192 ]
فيها روايتان بالوجوب والسنية. الرابعة للخمي فيها ثلاثة أقوال: الوجوب والسنية والثالث الوجوب مع الذكر والقدرة هو المشهور. قلت: تبع ابن عرفة في عزو الطريق الاولى للرسالة. ابن الحاجب: وليس كذلك لانه ذكر فيها قولين بالوجوب والسنية فقال: وطهارة البقعة للصلاة واجبة، وكذلك طهارة الثوب النجس. فقيل: إن ذلك فيهما واجب وجوب الفرائض. وقيل: وجوب السنن المؤكدة. وكذا اعترض الشيخ خليل على ابن الحاجب في عزوه الطريق الاولى للرسالة، وفي عزو ابن عرفة الطريق الثانية للبيان نظر، لان كلامه المتقدم يقتضي الخلاف فيها وأن المشهور السنية. واقتصر ابن عرفة على عزو الطريق الثانية للخمي وعزاها ابن الحاجب للخمي وغيره، وقال في التوضيح: وزاد ابن رشد قولا رابعا بالاستحباب. تنبيه: نقل في التوضيح كلام ابن رشد الاول وأسقط منه لفظة فسد بها المعنى فإنه نقل عنه أنه إن صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا أو مضطرا أعاد في الوقت، فيوهم أن حكم الجاهل بالحكم كالناسي. ولفظ ابن رشد أو جاهلا بنجاسة كما تقدم وتبعه على هذا الشارح في الكبير والبساطي وغيرهما، ولعل ذلك في النسخ التي وقفت عليها، وقد راجعت منها نسخا متعددة فوجدتها كذلك. وإنما أطلت الكلام في هذا لاني لم أر من استوفى الكلام عليها لان كثيرا من الناس يفرعون على القول بالسنية الذي ذكره المصنف عدم إعادة العامد أبدا، وليس عندي بصحيح لما علمته فتأمله منصفا والله تعالى أعلم. وقوله: عن ثوب مصل لا يريد به خصوصية الثوب بل المراد كل ما هو حامل له من خف وسيف وغيره ذلك كما صرح بذلك القاضي عياض وغيره وهو ظاهر. وقوله: مصل أي مريد الصلاة، وخصه بالذكر لان تجنب النجاسة في الثوب والبدن والمكان إنما يجب عند قصد التلبس دالصلاة أو بفعل تشترط له الطهارة. قال ابن مرزوق: وأما تجنبها في غير ذلك فمستحب، ويكره مباشرة النجاسة من غير ضرورة. قال في المدونة: يكره لبس الثوب النجس في الوقت الذي يعرق فيه. وقيل: إن تجنبها واجب لذاته فلا يجوز لاحد أن ينجس عضوا من أعضائه، نقله الشيخ زروق رحمه الله تعالى في شرح الرسالة وقال: حتى لقد عده بعضهم في الصغائر. قلت: وجعله ابن الفرات في شرحه مقابلا للمشهور فقال: أخرج بقوله: مصل الصغير والحائض والجنب فلا يطلب منه الازالة إلا عند وجوب الصلاة أو فعلها في حق الصغير، وعند الطهر في حق غيره على المشهور. وقيل: إنها فرض إسلامي لا تعلق لها بالصلاة لقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * (المدثر: 4) على أحد التأويلات، واختاره ابن العربي انتهى. وقال البساطي: يبعد أن يريد المصنف أنه فرض إسلامي لان المذهب أنه واجب لاجل الصلاة انتهى. قلت: وكلام المصنف إنما يدل على أنه إنما يجب لاجل الصلاة. تنبيه: قال ابن شعبان في الزاهي: يجب على كل مسلم بالغ المحافظة على الطهارة

[ 193 ]
والاقبال على ما يجب عليه منها فهي من السرائر التي تبلى يوم القيامة، قال الله عزوجل: * (يوم تبلى السرائر) * (الطارق: 9) وقال (ص): لا يقبل الله صلاة بغير طهور وينبغي للمصلي مع هذا تنظيف ثوبه، وأن يعد من وجد للخلاء ثوبا ينفي به الشك وإن لم يقدر جاز أن يأتي الخلاء، ويجامع في الثوب الذي يصلي فيه كما كان رسول الله (ص) يفعل انتهى.. قلت: فيما ذكره من إعداد ثوب الخلاء نظر فتأمله والله تعالى أعلم. ونكر المصنف قوله: مصل ليشمل المفترض والمتنفل، فلا يجوز لاحد أن يتعمد صلاة النافلة بنجاسة، فإن فعل لم ينعقد ولا قضاء عليه لانه لم يثبت عليه صلاة فطرأت عليها النجاسة عن قصد منه فأشبه من افتتح الصلاة محدثا متعمدا، قاله سند. قلت: وقد عد الشيخ سعد الدين رحمه الله تعالى في شرح العقائد في الافعال التي تكون ردة الصلاة بغير طهارة ولا يقال: إن النافلة ليست بواجبة فكيف يجب لها إزالة النجاسة ؟ لانا نقول: قد تقدم في آخر شرح الخطبة عن الذخيرة أن الواجب له معنيان: ما يأثم بتركه وما تتوقف عليه العبادة وإن لم يأثم بتركه وهذا منه ومثل الوضوء للنافلة والله تعالى أعلم. فرع: فلو تعدد محل النجاسة ووجد من الماء ما يغسل به النجاسة من محل دون محل وجب عليه ذلك، لان تقليل النجاسة مطلوب بخلاف غسل بعض ما في محل واحد، فإن غسله يزيده انتشارا، ذكر ذلك ابن الامام وأخذه من قول مالك في المرضع ولتدرأ البول جهدها، وقاله سند في باب التيمم. وقوله: ولو طرف عمامته يعني أن إزالة النجاسة تطلب من ثوب المصلي وعن كل ما هو حامل له ولو كان طرف ذلك الثوب أو العمامة أو نحوه ملقى على الارض، لان المصلى يعد حاملا لذلك في العرف، ولانه ينتقل بانتقال المصليى. وقيل: لا يضره ذلك، وإلى هذا الخلاف أشار بلو وظاهر كلامه أن الخلاف في طرف عمامته سواء تحركت بحركته أم لا. وكلام ابن الحاجب يقتضي أنها إن تحركت بحركته اعتبرت اتفاقا فإنه قال: ونجاسة طرف العمامة معتبرة. وقيل: إن تحركت بحركته، وبذلك صرح ابن عات فقال: إن تحركت بحركته اعتبرت اتفاقا. نقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب، وكلام ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة يدل على ذلك، وظاهر كلام صاحب الطراز أن القاضي عبد الوهاب جعلها كالحصير فيصح حينئذ إطلاق الخلاف فيها، ويختلف الترجيح فالارجح في العمامة البطلان لان يعد حاملا لها كما تقدم، والارجح في الحصير عدم البطلان

[ 194 ]
كما سيأتي لانه إنما صلى على موضع طاهر. وتقييدنا طرف العمامة بكونه ملقى على الارض يأخذ من الاغياء إذا لو لم يكن كذلك لما حسن الاغياء وهو معطوف على مقدر تقديره كان ذلك الثوب غير طرف عمامته ولو كان طرف عمامته. وقوله: وبدنه معطوف على ثوب ويعني أن إزالة النجاسة مطلوبة عن بدن المصلي أيضا كطلب إزالتها عن ثوبه، ولا شك في تناوله لظاهر جسد المصلي ولما هو في حكم الظاهر كداخل الفم والانف كما صرح بذلك سند في باب ترتيب الوضوء وموالاته قال: وكذلك داخل العينين فلو اكتحل بمرارة خنزير أو غيره من النجاسات أمرناه بغسل داخل عينيه. قال: وكذلك لو أصاب أذنيه نجاسة أمر بمسح ما يقدر عليه من صماخيه انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى أن من دمي فمه فمج الريق حتى انقطع الدم لم يطهر بذلك على الاصح. وصرح في التوضيح في باب الرعاف بأن داخل الفم له حكم الظاهر، وهذا بخلاف طهارة الحدث فإن داخل الفم والانف فيها من الباطن الذي لا يجب غسله، وكذلك داخل العينين والاذنين. وأما ما كان من باطن الجسد غير ما ذكرناه فاختلف هل تجب إزالة النجاسة منه إذا أدخلت فيه أم لا ؟ أما ما يتولد في باطن الآدمي فلا يحكم له بالنجاسة إلا بعد انفصاله، وإنما الخلاف فيما أدخل إلى الباطن من النجاسة كمن شرب خمرا أو شيئا نجسا فقال التونسي: ما يداخل الجسد من طهارة أو نجاسة لغو. وقال اللخمي: ما أدخل من النجاسات في باطن الجسد كما بظاهره، ونقله عن رواية محمد. وقال ابن عرفة: وفي كون نجاسة أدخلت في باطن الجسد كما بظاهره ولغوها، نقل اللخمي عن رواية محمد: يعيد شارب قليل خمر لا يسكره صلاته أبدا مدة ما يرى بقاءها ببطنه. وقال التونسي: ما يداخل الجسد من طهارة أو نجاسة لغو انتهى. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة: وكان عندي أن ما ذكره اللخمي هو الذي يقوم من المدونة ثم ظهر لي أن لفظها لا يدل على ذلك انتهى. قلت: واقتصر القرافي في الفرق الرابع والثمانين على القول الثاني فقال: لا فرق بين كون النجس في ظاهر الجسد أو باطنه وتبطل به الصلاة، وأنكره ابن الشاطر ورد عليه وقال: إنه لم يقف عليه لغيره وكأنه لم يقف على ما نقله اللخمي عن ابن المواز والصواب ما قاله القرافي. تنبيه: قال ابن ناجي: وانظر إذا تاب ولم يمكنه أن يتقايأ هل تصح صلاته ويصير كصاحب السلس أو يختمف فيه كما يختلف فيمن استدان لفساد وتاب، هل يعطى من الزكاة ؟ وقطع شيخنا أبو محمد الشبيبي بالاول وفيه نظر. انتهى. قلت: ويفهم منه أنه يجب عليه أن يتقايأ ذلك، وأنه لو صلى بذلك مع تمكنه من القئ لم تصح صلاته، وكذلك إن لم يتب. وفي كلام صاحب الطراز إشارة إلى وجوب القئ على

[ 195 ]
هذا القول، وهو ظاهر ما ذكره في كتاب الصلاة. وعلى قول التونسي بصحة صلاته معناه إذا كان يتحفظ على ثوبه وفمه من الخمر والنجاسات، قاله غير واحد والله تعالى أعلم بالصواب. وقوله: ومكانه معطوف عل قوله: ثوب ويعني أن النجاسة تطلب إزالتها عن مكان المصلي أيضا كطلب إزالتها عن ثوبه وبدنه، والمعتبر من المكان محل قيامه وسجوده وقعوده وموضع كفيه، قاله غير واحد. قال في الجواهر: وليكن كل ما يماس بدن المصلي عند القيام والجلوس والسجود طاهرا. وقاله في الذخيرة وزاد: وأما ما لابسه فلا يضره انتهى. ولا يضره ما كان أمامه أو على يمينه أو شماله قال في المدونة في كتاب الصلاة الاول: ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إذا كان موضعه طاهرا. قال ابن ناجي: ظاهره وإن ظهر على الجدار نجاسة وهو كذلك، لان المعتبر محل قيام المصلي وقعوده وسجوده وموضع كفيه لا أمامه أو يمينه أو شماله. انتهى. وقال سند: إن كان ظاهر الجدار نجسا فالمذهب أن الصلاة صحيحة. وقال ابن حبيب: من تعمد الصلاة إلى النجاسة وهي أمامه أعاد الصلاة إلا أن تكون بعيدة جدا أو يواريها عنه شئ فإن كان دونها ما لا يواريها فذلك كلا شئ. قال: وإن كان ظاهر الجدار طاهرا فلا خلاف أن الصلاة صحيحة إلا أنه يكره ابتداء كما يكره أن يكون ذلك في حائط قبلة المسجد، ولا ينبغي أن يواجه المصلي شئ متنجس. انتهى. وفي رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصلاة النهي عن الصلاة إلى جدار المرحاض والمجنون والصغير والمرأة والكافر والمأبون في دبره، فإن فات ذلك وصلى حذاهم أو هم أمامه لم يعد الصلاة عامدا أو ناسيا أو جاهلا، لا في وقت ولا في غيره. ابن رشد: لان الشرع قد قرر تعظيم شأن القبلة فمن الاختيار للمصلي أن ينزه قبلته في الصلاة عن كل مكروه انتهى. فرع: قال ابن عرفة عياض: وسقوط طرف ثوب المصلي على جاف نجاسة بغير محله لغو. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة في كتاب الطهارة: إنه ظاهر المدونة ولم يحك عياض غيره قال: ومثله لابن بشير في كتاب التهذيب فإنه قال: أشار في الكتاب إلى أن النجاسة متى كانت في موضع لا يلاقيه شئ من جسد المصلي فلا يعيد. وقال البرزلي: أحفظ في الاكمال أن ثياب المصلي إذا كانت تماس النجاسة ولا يجلس عليها فلا تضره. وفرع البرزلي على ذلك أن من صلى إلى جنب من يتحقق نجاسة ثيابه فإن كان يعتمد عليها بحيث يجلس عليها أو يسجد ببعض أعضائه فلا يجوز. وأما إن لاصقه فلا يضره، وأما إن استند إليه ففي المدونة: لا يستند المصلي لحائض ولا لجنب. فقيل: لان المستند شريك المستند إليه، وقيل: لنجاسة ثيابه ويعيد إن فعل في الوقت. وذكر ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة إثر كلامه السابق عن شيخه البرزلي أنه كان يخالف عياضا فيما قاله، ويرى أنه بمنزلة من صلى على نجاسة. قال: وما ذكره ذهب إليه بعض فضلاء أصحابنا وبنى عليه أن من صلى على فراش يحاذي صدره منه ثقب ب أسفله نجاسة لم تمسه أنه يعيد صلاته قال: وهو بعيد جدا لان المعتبر إنما هو ما يباشره. انتهى.

[ 196 ]
قلت: وما قاله عياض وارتضاه ابن ناجي هو الظاهر وهو الذي يقتضيه كلام أهل المذهب، ويكفيه قبول ابن عرفة له والله تعالى أعلم. ذكر صاحب الجمع عن الذخيرة أن طرف العمامة على النجاسة لا يضر. قال: والفرق بين كون الطرف نجسا أو موضوعا على النجاسة ظاهر، لانه في الاولى حامل للنجاسة بخلاف الثانية، ولم أر في الذخيرة ما ذكره فيها. فرع: لو كانت النجاسة بين ركبتي المصلي ووجهه في السجود لم يضره ذلك، ونصوص المذهب كالصريحة في ذلك. قال سند: إن رآها بين رجليه أو خلف عقبه أو قدام أصابعه فتحول عنها فلا شئ عليه. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى بإثر كلامه المتقدم عن بعض فضلاء أصحابه: إن من صلى على فراش يحاذي صدره منه ثقب أسفل منه نجاسة لم تماسه أنه يعيد الصلاة. قال ابن ناجي: وهو بعيد جدا لان المعتبر إنما هو ما يباشره. انتهى. وقال في المدخل: لما تكلم على موضع النعال وإنه يجعله على يساره قال: إلا أن يكون على يساره أحد فلا يفعل لانه يكون على يمين غيره فيجعله حينئذ بين يديه، فإذا سجد كان بين ذقنه وركبتيه، وليتحفظ أن يحركه في صلاته لئلا يكون مباشرا له فيها فيستحب له لاجل هذا أن يكون له خرقة أو محفظة يجعله فيها انتهى. فإن فعل وحركها في صلاته فسيأتي الكلام على ذلك. وصرح بذلك البساطي في المغني فقال: ولا يشترط طهارة محاذاة صدره وبطنه إن سجد انتهى. وكثيرا ما يتفق في المسجد الحرام أن يجد الشخص بين يديه ريشة حمام فيتجافى عنها بصدره ويسجد وتصير بين ركبتيه ووجهه، والظاهر صحة الصلاة لا سيما في هذه المسألة لعموم البلوى بها في حق من لم يتخذ مصلى ويصلي على الارض ومن غير حائل فلا يسلم من ذلك إلا نادرا. وسمعت سيدي الوالد يحكي عن بعض أشياخه أن ذلك بالمسجد الحرام مما يعسر الاحتراز منه وأنه يعفى عنه وهو ظاهر والله أعلم. وقوله: لا طرف حصيره معطوف على ثوب مصل. وقال البساطي: معطوف على طرف عمامته نص عليه لئلا يتوهم مشاركته له. انتهى. والمعنى أن إزالة النجاسة عن طرف حصير لمصل غير واجبة ولا خصوصية للحصير بل كل شي فرشه المصلي وصلى عليه وكان في طرفه نجاسة لا يلابسها المصلي فصلاته صحيحة. قال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ولا بأس بالصلاة على طرف حصير بطرفه الآخر نجاسة. قال ابن يونس: يريد وإن تحرك موضع النجاسة لانه إنما خوطب طهارة بقعته. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى عن عبد الحق قال غير واحد من شيوخنا، ومنهم من ذهب إلى مراعات تحرك النجاسة وليس ذلك عندي بصحيح وذكر التعليل المتقدم. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى: فتحصل أنه إن لم يتحرك لم يضر اتفاقا وإن تحرك فقولان. انتهى. ورجح سند أيضا أنه لا يضر ولو تحرك قال: كالمركب يكون في بعض خشبة نجاسة وهو يتحرك بحركة المصلي، وكالسقف يضطرب بالمصلي وفي بعض أرضه نجاسة لا يلتفت إلى ذلك إجماعا، ومثله من صلى على حصير وعلى الحصير ثوب نجس. انتهى. وظاهر كلام ابن

[ 197 ]
الحاجب أن الخلاف في الحصير ولو لم يتحرك بحركته. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة: وليس كذلك. انتهى. وقد سبقه ابن عرفة رحمه الله تعالى إلى الاعتراض عليه فقال: ونقل ابن الحاجب اعتبار نجاسة طرف الحصير ساكنة لا أعرفه. انتهى. تنبيه: حمل أكثر الشيوخ وشراح المدونة ما ذكرناه من لفظها على هذه المسألة. وقال أبو حفص العطار: المراد بالطرف الآخر الموالي للارض والوجه الموالي للمصلي طاهر، فيكون ذلك كنجاسة فرش عليها ثوب طاهر. وقبله الوانوغي والمشذالي في حاشيته على المدونة ونقله البرزلي أيضا. قال المشذالي: ومنه مسألة الهيدورة تكون النجاسة بأحد وجهيها دون الآخر، فاختلف في ذلك أصحاب الفقيه أبي ميمونة فقيه فاس فمنهم من أجاز ومنهم من منع. انتهى. قلت: والجاري على ما قاله أبو حفص وقبلوه وعلى ما قاله الا بياني في مسألة النعل الآتية وعلى ما يأتي في مسألة الفراش النجس صحة الصلاة إذا لم تنفذ النجاسات إلى الوجه الذي يلي المصلي، والهيدورة الجلد. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: والمريض إذا كان على فراش نجس، فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه ما نصه فيه: أن النجاسة إذا كانت بمقلوب محل المصلي من حصر أو غيره ولم تنفذ لا تضر، وقد نصوا عليه حتى في النعل يكون في أسفلها نجاسة فيجعل رجليه في قيامه على وجهيها. انتهى. فرع: قال البرزلي إثر كلامه المتقدم في مسألة ثياب المصلي إذا كانت تماس النجاسة، ومنه مسألة ابن قداح أن من حرك نعله وهي في وعاء فإنه يعيد أو يقطع، فإن دفع ذلك بيده مع تحقق نجاسة النعل فكما تقدم في الاستناد، وأما إذا لم يتحقق نجاسة النعل فهي من المسائل التي يغلب الاصل فيها على الغالب للضرورة فلا يضره، وإن اعتمد عليها بصدره فهي كمسألة من فرش طاهرا على متنجس أو نجس فإن كان مريضا جاز بلا خلاف، وإن كان صحيحا ففيه خلاف، وظاهر المدونة الصحة. انتهى. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح المدونة في كتاب الطهارة: أفتى ابن قداح بأن من حرك نعله أو رفعه في محفظة أو جعله تحت صدره لم يسجد وهو في محفظة أنه يقطع. وقال شيخنا يعني البرزلي: هذا إغراق في الفتوى، والصواب إنه إذا رفع نعله ولو مباشرة أنه لا يضره لان هذه من المسائل التي غلب فيها الاصل على الغالب. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى: وما ذكره شيخنا لا أعرفه، والصواب عدم القطع فيمن حرك لان المحرك ليس بحامل والقطع فيمن رفعها لانه حامل ومسائلهم تدل على أن الغالب كالمحقق. انتهى. وما قاله ابن ناجي رحمه الله تعالى من الفرق بين المتحرك والحامل هو الظاهر والله تعالى أعلم. فرع: قال البرزلي: ومنه مسألة بيت الشعر أو الخباء إذا كان في أطرافه نجاسة أو بول حيوان لا يؤكل لحمه، فكان شيخنا ابن عرفة يقول: إن كان سطح رأس المصلي يماس الخباء فهي كمسألة العمامة وإلا فهو كالبيت المبني فلا يضره.

[ 198 ]
فرع: قال البرزلي: ومنه مسألة السقف إذا كانت فيه كوة تقابل مرحاضا أو غيره من النجاسات أو كان في الحصير ثقب لا تصل ثياب المصلي إلى ما تحته من النجس لكنه يستقر المصلي على الاعلى، فكان شيخنا ابن عرفة رحمه الله تعالى يقول: تصح صلاة صاحب السقف والسرير، ويعيد الثاني في مسألة الحصير لشدة الاتصال، وكان شيخنا أبو القاسم الغبريني يفتي بصحة صلاة الجميع. انتهى. وقد تقدم عن ابن ناجي ما يؤيد فتوى الغبريني وهو الظاهر والله تعالى أعلم. فرع: قال سند: إذا فرقنا بين طرف الحصير والعمامة، فمن صلى ومعه حبل مربوط بطرفه ميتة، فإن كان طرف الحبل تحت قديمه فلا شئ عليه كالبساط، وإن كان مشدودا في وسطه أو ممسكا له بيده لم يجزه، وهو قول الامام الشافعي. فرع: قال: فلو كان الحبل مربوطا في دن خمر والدن طاهر لم ينفعه ذلك. لان الدن متصل بالنجاسة، وعقد الحبل بالدن كعقد الحبل بحبل آخر متصل بالنجاسة. فرع: قال: فلو كان الحبل مربوطا في قارب فيه نجاسة أو جرار خمر أو كان القارب في ماء نجس، فإن كان الربط في موضع نجس لم يجزه، وإن كان في موضع طاهر ففيه نظر، يجوز أن يقال: لا يجزيه لانه إذا تجرك تحرك القارب معه بما فيه من النجاسة، ويجوز أن يقال: هو إنما يعد ممسكا للقارب والقارب طاهر والنجاسة جاورته فهو كما لو ربطه في رأس دابة واقفة على نجس إلا أنه يكدر عليه طرف المنديل الملقى إذا ألقي عليه نجاسة أو ميتة أو غيرهما من النجاسات وللشافعية في هذا الفرع قولان: قيل: تصح لانه يزول بزواله، وقيل: لا تصح صلاته لانه متصل به. فرع: إذا قلنا: في القارب لا يجزيه فلو كان الحبل مشدودا برأس دابة عليها رحل نجس فيظهر هنا أنه لا شئ عليه، كما لو كانت الدابة واقفة على بولها أو أصابها شئ من ذلك، لان الدابة لها فعل فتعد هي الحاملة لذلك بخلاف القارب فإنه آلة فهو في حكم عود عليه نجاسة مربوط بحبل ولاجل هذا تؤثر النجاسة التي هو عائم فيها ولا تؤثر في آلة فهو في حكم عود عليه نجاسة مربوط بحبل ولاجل هذا تؤثر النجاسة التي هو عائم فيها ولا تؤثر في الدابة النجاسة التي هي واقفة عليها انتهى. قلت: ويظهر من كلامه هذا الاخير ترجيح البطلان في مسألة القارب والله تعالى أعلم. وقوله: سنة أو واجبة إن ذكر وقدر تقدم الكلام عليه. قوله: وإلا أعاد الظهرين للاصفرار خلاف شرط عدمي مركب من إن الشرطية ولا النافية وفعل الشرط محذوف. والظاهر أن هذا الكلام مخرج من محذوف تقديره على ما قلنا في بيان القولين في إزالة النجاسة فيقال تقديره: فيعيد من صلى بالنجاسة في ثوبه أو بدنه أو مكانه ذاكرا قادرا أبدا،

[ 199 ]
وإلا أعاد الظهرين أي وإن صلى بالنجاسة ولم يكن ذاكرا لها عند الصلاة، وإما بأن لم يعلم بها أصلا أو علم بها ونسيها أو صلى بها عاجزا عن إزالتها فإنه يعيد الصلاة في الوقت الضروري وهو في الظهرين إلى الاصفرار. والمراد بالظهرين الظهر والعصر فهو من باب التغليب، وهو واقع في كلام العرب فيغلبون الاخف كالعمرين في أبي بكر وعمر، والمذكر كالقمرين في الشمس والقمر، والاسبق كالظهرين في الظهر والعصر، وما ذكره المصنف هنا وفي ستر العورة من إعادة الظهرين للاصفرار قاله في كتاب الطهارة من المدونة وهو المشهور، وقيل: يعيدهما إلى المغرب. وروي عن مالك وقيل: يعيد العاجز للغروب والناسي للاصفرار، وهذا القول اختاره ابن يونس وجعله أبو الحسن مذهب المدونة لما ذكر المعيدين لصلاتهم، وتبعه على ذلك ابن غازي في الابيات التي نظمها في ذلك. قال في التوضيح: وعلى المشهور فيعيد المغرب الليل كله نص على ذلك في المدونة. قلت: هكذا ذكر ابن يونس عن المدونة ولم أقف عليه في الام في كتاب الطهارة عند الكلام على هذه المسألة، ولم يذكره البراذعي في اختصاره، وكذلك قال الشيخ أبو الحسن في شرحه يعني وفي المغرب والعشاء الليل كله، واختار اللخمي أن الصلاة إنما تعاد في وقتها المختار فقال: فيعيد الظهر إلى مقدار أربع ركعات من القامة الثانية، والعصر إلى الاصفرار، والمغرب إلى مغيب الشفق، والعشاء إلى نصف الليل، وخرج الباجي على القول بإعادة الظهرين إلى الاصفرار، أن المغرب والعشاء تعادان إلى ثلث الليل أو نصفه فإنه جعل الاعادة على هذا القول إلى آخر الوقت المختار للصلاة الثانية قال: وأما الصبح فإن قلنا: ليس لها وقت ضرورة فإلى طلوع الشمس، وإن قلنا: لها وقت ضرورة فإلى آخر وقت الاختيار وهو الاسفار. والمنصوص عن مالك من رواية ابن القاسم إعادة الظهرين للاصفرار، والعشاءين لطلوع الفجر، وفي الصبح روايتان: فروي عنه إلى الاسفار، وروي إلى طلوع الشمس، وقال ابن بشير: الصحيح أن المغرب والعشاء تعادان ما لم يطلع الفجر، والفجر ما لم تطلع الشمس، وخص المصنف الظهرين بالذكر تبعا للمدونة، ولان القياس يقتضي أن تعاد إلى الغروب كما أن العشاءين تعادان إلى الفجر. وفرق ابن يونس رحمه الله تعالى بينهما بأن الاعادة في الوقت إنما هي على طريق الاستحباب فأشبهت التنفل فكما لا ينتفل إذا اصفرت الشمس فكذلك لا يعيد فيه إلا ما وجبت إعادته في الوقت، وكما جاز التنفل الليل كله جازت الاعادة فيه. انتهى. واعترض ذلك بأن الاعادة إنما هي بنية الفرض لا النفل، وبأن كراهة النافلة ليست خاصة بما بعد الاصفرار بل تكره النافلة من بعد صلاة العصر، وبأنه يلزم أن لا تعاد الصبح بعد الاسفار. وجزم بهذا القول - أعني عدم إعادة الصبح بعد الاسفار - ابن الكروف ولم أره لغيره وتقدم أن الصحيح أنها تعاد إلى طلوع الشمس وبأنهم قالوا فيمن ترك الترتيب بين الحاضرتين نسيانا، وفيمن قدم الحاضرة على الفوائت اليسيرة: إنه يعيد الظهر والعصر للغروب.

[ 200 ]
قلت: ويمكن أن يجاب عن هذه الايرادات بأن يقال: لا شك أن كراهة النافلة بعد الاسفار أشد منها قبله بدليل جواز الصلاة على الجنازة وسجود التلاوة قبله وكراهتهما بعده والاعادة في الوقت، فإن كانت بنية الفرض إلا أنها لما كانت على جهة الاستحباب على المشهور أشبهت النافلة فمنعت في الوقت الذي فيه الكراهة أشد، ويفرق بين الظهرين والصبح على القول الذي صححه ابن بشير بأن جميع وقت الصبح قد قيل فيه: إنه وقت مختار للصبح وإنه لا ضروري لها، وهو قول قوي في المذهب. ويفرق بين مسألة الصلاة بالنجاسة وبين مسألة من ترك الترتيب، أن الترتيب آكد من إزالة النجاسة بدليل أنه يقدم الفائتة ولو أدى لخروج وقت الحاضرة ويصير قضاء بخلاف النجاسة، فإنه إذا ضاق الوقت عن غسلها صلى بها، ولان اليسير من بعض النجاسات معفو عنه، ولان ابن رش جعل المشهور من المذهب أن إزالتها سنة وحكى فيها قولا بالاستحباب. وإنما فرق في القول الثالث بين المضطر والناسي لانه رأى أن تركها مع النسيان أخف بدليل أن من نسي عضوا من أعضاء الوضوء يبني ولو طال ومن عجز ماؤه يبني ما لم يطل. تنبيهات: الاول: اختلف في وقت الجمعة الذي تعاد فيها إذا صلاها بنجاسة، فذكر في النوادر في ذلك ثلاثة أقوال ونقلها ابن عرفة. الاول أن وقتها يخرج بالفراغ منها وعزاه في النوادر لاختيار سحنون، ويفهم من كلامه أنه اختاره لما روي عن مالك، وعزاه ابن عرفة لرواية سحنون و عبد الملك ابن الماجشون عن مالك. الثاني أنه يخرج بخروج الوقت المختار للظهر وعزاه في النوادر لعبد الملك. وعزاه ابن عرفة له ولسحنون. الثالث أن يعيدها ما لم تغرب الشمس وعزاه في النوادر لابن حبيب وكذلك ابن عرفة. الثاني: يخرج وقت الفائتة بالفراغ منها فلا تعاد على المشهور. قال في النوادر قال يحيى بن عمر: وهذا قول مالك وجميع أصحابه. وقال ابن وهب: من ذكر صلاة نسيها منذ شهر فصلاها ثم ذكر أنه صلاها بثوب نجس يعيدها. انتهى. قلت: وهذه المسألة وقعت في سماع عبد الملك بن عبد الحسن من كتاب الصلاة من العتبية فقال ابن رشد رحمه الله تعالى في شرحها: قول ابن وهب صحيح على أصله في أن إزالة النجاسات من الثياب والابدان من فروض الصلاة عند الاطلاق، وهو خلاف مذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك أن الصلاة الفائتة بتمامها يخرج وقتها. انتهى. وكذلك لا تعاد النافلة إلا ما سيأتي في ركعتي الطواف أنه يعيدهما بالقرب. الثالث: وهل الاعادة في الوقت واجبة أو مستحبة ؟ فيه خلاف، والراجح أنها على وجه الاستحباب، فلو لم يعد حتى خرج الوقت فلا إعادة عند ابن القاسم كما صرح بذلك في الذخيرة، وصرح به في الجواهر في باب التيمم ونقله ابن ناجي رحمه الله تعالى وغيره، وعليه

[ 201 ]
ينبني ما ذكره سند وابن يونس وابن ناجي. فمن صلى بثوب نجس ثم علم في الوقت ونسي أن يعيد حتى رج الوقت فقال مطرف وابن الماجشون: يعيد أبدا. وقال ابن القاسم: إن نسي أن يعيد فلا إعادة عليه. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى عن شيخه البرزلي: ولا مفهوم لقول ابن القاسم نسي، بل وكذلك العامد عندهم. قال: واختار ابن يونس الاول، وكلام سند صريح في عدم إعادة العامد. وفي الذخيرة: فإن لم يذكر النجاسة حتى فرغ أعاد في الوقت استحبابا، فإن تعمد خروج الوقت فلا إعادة عليه عند ابن القاسم. وقال محمد وعبد الملك: يعيد بعد الوقت. وقال في الجواهر في باب التيمم بعد أن ذكر مسائل تعاد فيها الصلاة في الوقت من أمر بالاعادة في الوقت فلم يفعل لانه نسي، فالمشهور أنه لا يعيد بعده. وحكى ابن بشير قولا بالاعادة عند ابن حبيب قال: ويجري في كل من أمر بالاعادة في الوقت والله تعالى أعلم. الرابع: قال ابن بشير في سماع موسى من كتاب الصلاة على القول بإعادة الظهرين للغ روب: معنى ذلك أن يدرك الصلاة كلها قبل الغروب، وأما إذا لم يدرك قبل الغروب إلا بعضها فقد فاته في هذه المسألة وقتها. انتهى. وعلى قياسه يقال في العشاءين والصبح فتأمله ونقله ابن عرفة. ص: (وسقوطها في صلاة مبطل) ش: يعني أن سقوط النجاسة على المصلي مبطل لصلاته، يريد ولو سقطت عنه النجاسة مكانها كما في الرواية، وهذا على رواية ابن القاسم وهو المشهور، وسواء أمكنه نزعها أو لم يمكنه، وسواء نزعها أو لم ينزعها. وقال مطرف: إن أمكنه نزعها نزعها وبنى وإلا ابتدأ. وقال ابن الماجشون: كذلك إلا أنه قال: إن لم يمكنه نزعها يتمادى لاختلاف أهل العلم ويعيد، حكاها ابن عرفة رحمه الله تعالى. وأسقط الشارح منه قوله ويعيد فأوجب ذلك خللا وسواء كانت فريضة أو نافلة، إلا أنه لا يلزمه إعادة النافلة إلا أنه يتعمد خمل النجاسة. قال سند: كما لو عبث بقرحة في جسده عامدا فسالت على جسده أو ثوبه فيقطع على قول ابن القاسم ويلزمها الاعادة، وهذا مع سعة وقت الفريضة كما سيأتي. ص: (كذكرها فيها) ش: يعني أنه إذا ذكر نجاسة غير معفو عنها في الصلاة فإنه يقطع سواء كانت فرضا أو نفلا. وقال في المدونة ويبتدئ الفرض بإقامة ولا يبتدي النافلة إلا أن يحب. قال ابن ناجي: ظاهره يبتدئ بإقامة، طال أو لم يطل، وعليه حمله بعضهم قائلا لان الاقامة الاولى كانت لصلاة فاسدة فبطلت لبطلانها. وقال آخرون: إنما ذلك

[ 202 ]
في الطول، وأما لو كانت بالقرب فلا يفتقر لاقامة. انتهى. ونقله في التوضيح والشامل وقال: تأويلان للشيوخ. وقال سند: قوله في النافلة إلا أن يحب لا يريد إلا أن يحب أن يقضي لان النافلة لا تقضي بل يريد إلا أن يتطوع بنافلة أخرى. انتهى. ويأتي في الصلاة. تنبيهان: الاول: قال ابن ناجي: ظاهر المدونة أن القطع واجب. وقال اللخمي: استحسان. الثاني: قال في التوضيح هنا: والقطع مشروط بسعة الوقت وأما مع ضيقه فقال ابن هارون: لا يختلفون في التمادي لان المحافظة على الوقت أولى من النجاسة. وعلى هذا لو رآها وخشي فوات الجمعة والجنازة والعيدين لتمادي لعدم قضاء هذه الصلوات وفي الجمعة نظر إذا قلنا: إنها بدل. انتهى. وتردد سند في كونه يقطع أم لا ثم رجح القطع. قلت: والمراد بسعة الوقت أن يبقى من الوقت ما يسع بعد إزالة النجاسة ركعة فأكثر قاله في الذخيرة، ولا شك أن المراد بالوقت هنا الوقت الضروري والله تعالى أعلم. قلت: وهذا الحكم يجري في المسألة التي قبل هذه أعني قوله: وسقوطها في صلاة مبطل وما تقدم من التمادي في الجنازة والعيدين مخالف لما سيأتي في الرعاف. قال ابن ناجي: فيجري قطع المأموم في الجمعة بناء على امتداد وقتها وعدمه، ويقطع على المشهور سواء أمكنه نزع النجاسة أم لا. فروع: الاول: لو رأى النجاسة في الصلاة، فلما هم بالقطع نسي وتمادى. قال في الشامل: بطلت على الاصح وهو الذي رجحه سند والمصنف في التوضيح، واختار ابن العربي الصحة. الثاني: لو رآها في الصلاة فقطع وذهب ليغسلها فنسي وصلى بها ثانية، قال سند رحمه الله تعالى في كتاب الحج فهل يعتد بصلاته الثانية كما لو صلى بها ابتداء ساهيا أو لا يعفى عنه لموضع ذكره ؟ فيه خلاف. انتهى. والظاهر أنه بمنزلة من صلى بالنجاسة ساهيا ابتداء وأنه داخل في قول المصنف رحمه الله تعالى لا قبلها والله تعالى أعلم. الثالث: قال سند: إذا كانت النجاسة تحت قدمه فرآها فتحول عنها، فإن كانت حين رآها بين رجليه أو خلف عقبه أو قدام أصابعه فلا شئ عليه، وإن كان قائما عليها خرجت على الخلاف في الثوب إذا أمكن طرحه هل يقطع أو يتحول قال: وإن كانت النجاسة من تحت البساط تحت قدمه فلا شئ عليه. انتهى. ونقله في التوضيح وغيره، وقد علم أن المشهور في مسألة الثوب القطع فكذلك في الفرع المذكور. الرابع: قال ابن عرفة: لو رأى بمحل سجوده نجاسة بعد رفعه فقال بعض أصحابنا: يتم

[ 203 ]
صلاته متنحيا عنه. وقلت: يقطع لاطلاق قولها من علم في صلاته أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب قطع وابتدأ صلاته بإقامة، وإن علم بعد صلاته أعاد في الوقت. وأخبرت عن بعض متأخري فقهاء القيروان فيمن رأى بعمامته بعد سقوطها نجاسة في صلاته يتمادى ويعيد في الوقت. انتهى. وهذا جار على قول ابن الماجشون والجاري على المشهور وعلى ما اختاره ابن عرفة رحمه الله تعالى القطع ص: (لا قبلها) ش: يعني أن من رأى النجاسة قبل الدخول في الصلاة فإن ذلك لا أثر له في إبطال الصلاة وهو كمن لم يرها على المعروف فيعيد في الوقت. ص: (أو كانت أسفل نعل فخلعها) ش: هذا إذا لم يحمل النعل برجله، وإلا فقد صار حاملا للنجاسة، وأما إذا حركها ولم يحملها فيجري على ما تقدم عن ابن قداح والبرزلي، وقد قال ابن ناجي رحمه الله في الفرق بين النعل ينزعها فلا بتطل صلاته والثوب تبطل، ولو طرحه، أن الثوب حامل له والنعل واقف عليه والنجاسة في أسفله فهو كما لو بسط على النجاسة حائلا كثيفا، فإذا علم بتلك النجاسة أزال رجليه غير محرك له سلم من حمل النجاسة وتحريكها قال: وهذا الفرق ذكره ابن يونس رحمه الله تعالى، هذا الفرع ذكره سند عن الا بياني وقال في آخره: كظهر حصير فيه نجاسة. انتهى. قلت: قوله: وتحريكها ليخرج من قول ابن قداح بالبطلان إذا حركها، وتقدم عن البرزلي أن الصواب عدم البطلان. وقال ابن عرفة: ولو علمها بنعله فللمازري عن بعضهم إن أخرج رجليه دون تحريم صحت صلاته. فرع: قال في الاكمال: الصلاة في النعل رخصة مباحة فعلها رسول الله (ص) وأصحابه وذلك ما لم تعلم نجاسة النعل. قال الابي. ثم إنه وإن كان جائزا فلا ينبغي أن يفعل اليوم لا سيما في المساجد الجامعة فإنه يؤدي إلى مفسدة أعظم يعني من إنكار العوام وذكر حكاية وقعت من ذلك أدت إلى قتل اللابس. قال: وأيضا فإنه قد يؤدي أن يفعله من العوام من لا يتحفظ في المشي ينعله. قال الابي بل لا يدخل المسجد بالنعل مخلوعة إلا وهي في كن وذكره في باب البول في المسجد أيضا، وذكر كراهته عن الشيخ أبي محمد الزواوي وأنه أنكر

[ 204 ]
على الشيخ الصالح أبي على القروي إدخاله الانعلة غير مستورة وقال: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم فلا تفعل. وفي المدخل في فصل الخروج إلى المسجد. وينوي امتثال السنة في أخذ القدم يعني النعل بالشمال حين دخوله المسجد وحين خروجه منه ثم قال: ولعله يسلم من هذه البدعة التي يفعلها كثير ممن ينسب إلى العلم فترى أحدهم إذا دخل في المسجد يأخذ قدمه بيمينه، وقل أن يخلو أحدهم من كتاب فيكون الكتاب في شماله فيقع في محذورات منها جهل السنة في مناولة كتابه وقدمه، ومنها مخالفة السنة عند أول دخول بيت ربه، ومنها ارتكابه الددعة فيستفتح عبادته بها، ومنها اقتداء الناس به، ومنها التفاؤل وهو أعظم الجميع في أخذ الكتاب بالشمال وينوي امتثال السنة بأن لا يجعل نعله في قبلته ولا عن يمينه ولا من خلفه لانه إذا كان خلفه يتشوش في صلاته، وقل أن يحصل له جمع خاطره فإن السنة أن يكون النهي للطهارة. وقد روي النهي عن ذلك في أبي داود صريحا، وفي البخاري ومسلم النهي عما هو أقل من ذلك وهو النخامة مع كونها طاهرة، فما بالك بالقدم التي قل أن يسلم في الطريق مما هو معلوم فيها فيجعله على يساره إلا أن يكون أحد على يساره فلا يفعل لانه يكون عن يمين غيره فيجعله إذ ذاك بين يديه، فإذا سجد كان بين ذقنه وركبتيه، ويتحفظ أن يحركه في صلاته لئلا يكون مباشرا له فيها فيستحب له لاجل هذا أن تكون له خرقة أو محفظة يجعل فيها قدمه. انتهى. فرع: قال الابي: أفتى بعضهم فيمن أزال نعلا عن موضع ووضعه بآخر أنه يضمنه لانه لما نقله وجب عليه حفظه وصوبت هذه الفتيا والله تعالى أعلم. ص: (وعفى عما يعسر) ش: لما ذكر إزالة النجاسة وما تطلب إزالة النجاسة عنه شرع في ذكر المعفوات من ذلك وجملة ما ذكر عشرون. قال في الذخيرة. قاعدة كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الامر به، وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه. والمشاق ثلاثة أقسام: مشقة في المرتبة العليا فيعفى عنها كما لو كانت طهارة الحديث أو الخبث تذهب النفس أو الاعضاء فيعفى عنها إجماعا، ومشقة في المرتبة السفلى لا يعفى عنها إجماعا كطهارة الحدث والخبث بالماء البارد في الشتاء، ومشقة مترددة بين المرتبتين فتختلف في إلحاقها بالمرتبة العليا فتؤثر في الاسقاط، أو بالمرتبة الدنيا فلا تؤثر، وعلى هذه القاعدة يتخرج الخلاف في فروع هذا الفصل. وبدأ المصنف بذكر ما ينفصل من جسد من عفى عنه، ثم ما يصيبه من منفصل عنه من نوعه كبول المرضع، ثم ما يصيبه من نوع آخر كدم البراغيث وبول فرس الغازي، ثم ما يصيبه من غير الحيوان كطين

[ 205 ]
المطر. ص: (كحدث مستنكح) ش: إطلاق الحدث على ما يستنكح مجاز فقهي لان الحدث كما سيأتي في باب نواقض الوضوء هو الخارج المعتاد في الصحة، وهذا رأى العراقيين الذين يجعلون بول صاحب السلس كالعدم ويشترطون في الحدث الصحة والاعتياد. وذكر في التوضيح قولا بأن بول صاحب السلس حدث وإنما سقط عنه الوضوء لكل صلاة للمشقة، ذكره في فرائض الوضوء في الكلام على النية. وعلى هذا القول فإطلاق الحدث على المستنكح حقيقة والله تعالى أعلم. ونكره ليعم كل حدث، وسوا أصاب الثوب أو البدن، ولم يذكر المكان، فأما إن أصابه في غير الصلاة فظاهر لانه يمكنه أن يتحول إلى مكان طاهر، وأما إذا أصاجه وهو في الصلاة فهو من جملة ما هو ملابس له ويعسر الاحتراز منه. ودم الاستحاضة داخل في الحدث لانه إذا لم يستنكح كان حيضا وهو حدث، وأما الدم الخارج من الدبر أو من قبل الرجل فلا يدخل في الحدث وذلك من قبيل الحرج يمصل. والظاهر أنه يصح في المستنكح فتح الكاف وكسرها، وانظر ما ضابط الحدث المستنكح هنا، هل هو ما لا يجب منه الوضوء على التفصيل الآتي في نواقض الوضوء أو يغتفر هنا كل ما خرج على وجه السلس ولو كان انقطاعه أكثر من إتيانه، إذا أتي في كل يوم مرة أو أكثر لمشقة الاحتراز منه وهذا هو الظاهر. وقد فسر الجزولي والشيخ يوسف بن عمر الاستنكاح في باب السهو بأن يأتي في كل يوم مرة أو أكثر قالا: وأما إذا أتى بعد يوم أو يومين فليس بمستنكح. قال الوالد رحمه الله تعالى: وهو الذي يظهر هنا. وقد قال في التوضيح: إن الاحداث المستنكحة مثل الدمل. انتهى. ومسألة الدمامل سيأتي أنه يعفى عن كل ما يسيل منها إذا لم تنك إذا تكرر ذلك وشق الاحتراز منه. وقال في الطراز في صاحب السلس في الوجه الذي يستحب له فيه الوضوء هل يستحب له غسل فرجه ؟ قال ابن حبيب: يستحب اعتبارا بالوضوء. وقال سحنون: لا يستحب اعتبارا بسائر النجاسات السائلة كالقروح وشبهها لا تغسل إلا أن تتفاحش وتخالف طهارة الحدث لانها أوكد إلا أنه يستحب له نضحه إذا كان مستنكحا، انتهى. ونقله ابن ناجي فانظره، وأيضا فقد قال أصحابنا العراقيون: إن السلس جميعه لا ينقض الوضوء. وكلام ابن عرفة يشعر بأن ذلك فيما لا ينقض فإنه قال: وقول ابن شاش وعن حدث مستنكح لا أعرفه نصا لغير الكافي وقياسه على ما مر وعدم نقضه قائم.

[ 206 ]
قلت: مراده بما مر مسألة الدمل وما ذكره صاحب الطراز عن سحنون وابن حبيب نص في العفو عن الحدث المستنكح فتأمله. فرع: واستحب في المدونة أن يدرأ ذلك بخرقة. قال سند: ولا يجب لانه يصلي بالخرقة وفيها النجاسة كما يصلي بثوبه. قال سند: هل يستحب تبديل الخرقة ؟ قال الا بياني: يستحب له ذلك عند الصلاة ويغسلها. وعلى قول سحنون لا يستحب، وغسل الفرج أهون عليه من ذلك. وحكى ابن ناجي رحمه الله تعالى عن القرافي أنه قال: مذهب الا بياني لزوم الخرقة وليس في كلامه ما يدل على ذلك والله أعلم. فرع: قال في الذخيرة أيضا: إذا عفي عن الاحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعا. وقيل: لا يعفى عنها في حق غيره لان سبب العفو الضرورة ولم توجد في حق الغير. وفائدة الخلاف صلاة صاحبها بغيره إماما. انتهى. فانظر كيف حكى أولا الخلاف مطلقا ثم خص فائدته بجواز إمامته فقط، وأما إمامته فهي مكروهة كما سيقوله المصنف رحمه الله تعالى في فضل الجماعة. وحكى ذلك سند هنا عن ابن سحنون واقتصر عليه ثم قال: ولا يجوز لاحد أن يصلي بثوبه إلا إذا أيقن طهارته، وإنما عفي عن النجاسة في حقه خاصة وصحت صلاة من ائتم به لانها مرتبطة بصلاته وصلاته صحيحة، فكذلك الصلاة المرتبطة بها. انتهى. وقال في الجواهر في كتاب الصلاة: دم البثرات وقيحها وصديدها معفو عنه في حق من وجد منه فإن أصابه من بدن غيره ففي العفو عنه قولان. فرع: الحدث المستنكح والجرح يمصل والدمامل يسيل والمرأة ترضع وبول فرس الغازي بأرض الحرب. قال في الجواهر: يعفى عن قليل ذلك وكثيره ولا تجب إزالته إلا أن يتفاحش فيؤمر بها. انتهى. أي يؤمر بالازالة على جهة الندب، وسيأتي لفظه عند قول المصنف وأثر دمل لم ينك. وقال ابن معلى في منسكه: إذا كثر وجب غسله ويستحب غسله مع عدم الكثرة وهو غريب. فرع: إذا برأ صاحب السلس فلا يعفى عما كان في ثوبه على ما نقله ابن عرفة عن شيخه ابن جماعة في الكلام على طين المطر. ص: (وبلل باسور) ش: قال عياض: الباسور بالباء الموحدة وهو وجع المقعدة وتورمها من داخل وخرج الثآليل هناك وهو أعجمي. قال الزبيدي: وأما بالنون فهو عربي وهو انفتاح عروق المقعدة وجريان مادتها. قال أبو الحسن: وفي الحديث كان يستنجي بالماء ويكون هو شفاء من الباسور فيروى بالباء والنون. وذكره ابن ناجي: وظاهر

[ 207 ]
كلامهم أنه عن عياض ولعله في غير التنبيهات أو سقط من النسخ التي رأيت. قال ابن الامام: والظاهر أن المذهب لم يختلف في نجاسة بلة الباسور، وخرجه سند على الخلاف في بلة فرج المرأة. قال ابن الامام: وفيه نظر، لان الخارج هنا هو ما اجتمع في العضو من مدة فهو مثل ما اجتمع في الدمل. انتهى. قلت: ما ذكره عن سند صحيح لكنه إنما قاله على جهة البحث، وقال في آخر كلامه: لكن الامر على ما ذكرناه أولا والمكان نجس بما يلقاه من نجاسة الخارج فتنجس اليد بذلك. انتهى. ص: (في يد إن كثر الرد أو ثوب) ش: الشرط راجع إلى اليد لان ما يصيب الثوب منه أو الجسد معفو عنه ولو لم يكثر الرد كما صرح بذلك ابن راشد وابن عبد السلام وابن الامام. قال ابن عبد السلام: قيد الكثرة راجع إلى إصابة البلل لليد بخلاف ما يصيب الثوب فهو مثل ما يصيب من الدمل، وهذا خلاف المعهود في مسائل الفقه أن ما يغتفر لسبب فإنه يغتفر من جميع وجوهه، ومحاله سواء كان وجوده فيها متساويا أو لا كالنعل تجوز الصلاة فيها، وإن لم تدع إليها ضرورة. انتهى. وما قاله البساطي من أن الشرط راجع لليد والثوب مخالف لما تقدم من النصوص. وصرح المصنف بفاعل كثر ليعلم أنه المراد لا المصيب. قال ابن عبد السلام: إذ الضرورة إنما هي لاجل كثرة الاصابة لا كثرة المثيب إذ قد يصيب يده شئ كثير مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثة ولا ضرورة في إزالته ولو أصاب يده شئ مرات كثيرة كل مرة كالنقطة يعد ذلك ضرورة تبيح الصلاة بها. انتهى. تنبيه: قال بعضهم: العفو باضطراره لرده. انتهى. قلت: ظاهر المدونة عدم اعتبار ذلك لان الغالب الاضطرار للرد. تنبيه: قال ابو الحسن في الكبير: هل يجب غسل يده أم لا ؟ إن لم يكن به نجاسة فلا شئ عليه، وإن كانت به فيغسل يده إلا أن يكثر لانه ضرورة. انتهى. فظاهره أنه ينظر إلى المقعدة إن كان فيه نجاسة أم لا فتأمله والله تعالى أعلم. وأما الناسور بالنون فهو من الجراح التي تمصل. والثآليل جمع ثؤلول بضم الياء المثلثة ثم همزة ساكنة وقد تخفف قاله الزبيدي. تنبيه: عد ابن ناجي ثمانية أثواب لا يؤمر بغسلها إلا عند التفاحش، وذكر منها ثوب صاحب البواسير فظاهره أنه يؤمر بغسله عند التفاحش فتأمل والله تعالى أعلم. ص: (وثوب مرضعة تجتهد) ش: أي وعفى عما يصيب ثوب المرضعة يريد وجسدها كما صرح به في

[ 208 ]
التوضيح وغيره حال كونها مجتهدة في التحفظ منه. قال في المدونة: وتدرأ البول جهدها وتغسل ما أصاب ثوبها من البول جهدها. قال ابن فرحون: وما رأته من ذلك فلا بد من غسله، وإنما يعفى عما قد يصيبها ولا تعلم به لان ثوب المرضع لا يخلو من إصابة بول أو غيره انتهى. وما ذكره ابن فرحون من أن ما رأته لا بد من غسله خلاف ما يفهم من عبارة التوضيح وابن عبد السلام وابن هارون وصاحب الجواهر وابن ناجي وغيرهم أنها إذا اجتهدت في درء البول فإنه يعفى عما يصيبها بعد ذلك ولو رأته، وأنها إنما تؤمر بغسله إذا تفاحش، وسيأتي لفظ الجواهر وابن ناجي عند قول المصنف وأثر دمل لم ينك، وصرح بذلك ابن الامام أيضا فقال: وأما قوله في المدونة: ولتغسل ما أصاب ثوبها منه جهدها فالظاهر أنه استحباب لانها مع اجتهادها في درئه كالمستنكحة. انتهى. وقال ابن عطاء الله رحمه الله تعالى في شرح المدونة بعد قوله: وتدرأ البول جهدها فتكون كالمستحاضة وأصحاب الاسلاس: فقول ابن فرحون في شرحه ما رأته منه فلا بد من غسله، وإنما يعفى عما قد يصيبها ولا تعلم به لان ثوب المرضع لا تخلو من إصابة بول أو غيره مخالف لذلك والظاهر الاول والله تعالى أعلم. تنبيهات: الاول: قول ابن فرحون من أصابه بول أو غيره فظاهره أنه يعفى عما يصيبها من غائطه، وقال ابن الامام بذلك بعد ذكره العفو عن بوله لعسر الاحتراز منه لكثر سيلانه وعدم انضباط أحواله ولحوق المشقة العظيمة بتكرر غسله، وهذا بخلاف غائطه قال: ولم أر من تعرض له من أصحابنا. انتهى مختصر بالمعنى. قلت: والذي في عبارة أهل المذهب العفو عن بوله. الثاني: قول المصنف تجتهد ظاهر المدونة أنه على الوجوب، وصرح بذلك ابن الامام فقال: الظاهر أنه شرط في العفو ولم أر من تعرض له من أصحابنا، ثم حمل كلام وابن الحاجب على ذلك. قلت: وكلام أهل المذهب صريح في اشتراط ذلك، نعم وقع في عبارة البرزلي أن ذلك على جهة الاستحباب. قال في أوائل مسائل الطهارة: سئل أبوعمران عمن له صنعة يحتاج لوضع الزبل فيها فيضطر إلى أن يصيب ثوبه، فأجاب: بأنه يتنجس الثوب بما أصابه من ذلك فيعد ثوبا للصلاة، فإن لم يقدر وحضرت الصلاة فليصل به ولا يتركها حتى يخرج وقتها. البرزلي: إن كان مضطرا للصنعة ولا يصلحها إلا ذلك فهو كثوب المرضع وفرس الغازي بأرض العدو ويغتفر ذلك كما في الروايات، وما ورد فيها من أنها تجتهد في أن لا يصيبها أو يكون لها ثوب غير الذي ترضع فيه إنما هو استحباب انتهى. والظاهر من كلام أهل المذهب الاول. الثالث: قال ابن ناجي: ظاهر المدونة خصوصية الام، ولو كانت ظئرا مثلا ما عفي

[ 209 ]
عنها، وهو خلاف قولابن الحاجب: والمرأة ترضع وتجتهد والاقرب ردهما إلى وفاق فإن كان الظئر مضطرة إلى ما تأخذه عفي عنها وإلا فلا. وقول ابن هارون لا فرق في ذلك بين الام وغيرها يجب رده إليه. وقول شيخنا يعني البرزلي: الظئر كالام مطلقا يقيد. ولذا قال بعض أصحابنا. تدخل الظئر لانها أم بالرضاع والعلة فيها موجودة فلا معنى للتوقف انتهى. يعني أنه يقيد وكأنه يشير إلى المشذالي فإنه قال بعد أن نقل عن الوانوغي: إن الجزار والكناف كذلك، وانظر الظئر هل هي كالام أو لا ما نصه. قلت: إذا صح عنده إلحاق الاولين للمشقة فكذلك الاخرى وقد يقال: لا نسلم عدم شمول اللفظ لها وذكر ما تقدم، وتوقف ابن عطاء الله في الظئر أيضا، وما اختاره ابن ناجي من التفضيل ظاهر وبه جزم في التوضيح فقال: هذا ظاهر إذا كان ولدها أو غيره واحتاجت أو كان لا يقبل غيرها، فأما مع عدم الحاجة فلا. انتهى. وجزم به ابن الامام والله تعالى أعلم، وما ذكره الوانوغي من إلحاق الجزار والكناف ذكره ابن الامام أيضا عن بعض متأخري أشياخ المغرب. ص: (وندب لها ثوب الصلاة) ش: لفظ الامهات، وأما الام فأحب إلي أن يكون لها ثوب ترضع فيه فاختصرها البراذعي وغيره على الاستحباب وعلى ذلك حملها شراحها. قال سند قال ابو إسحاق: هذا استحسان وإلا فما يلزمها نزع ثوبها وإن قدرت على غيره لانه أمر يتكرر فأشبه ما إذا كانت مستنكحة، والذي قاله متجه سيما في حق من لا يجد ثوبين انتهى. ونحوه لابي الحسن وابن ناجي، ويفهم منه أنه لا يلزمها غسل ما رأت بعد حق الاجتهاد وتبعهم على ذلك أثر المتأخرين. ونقل ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين: أنها لا يجوز لها الصلاة في ثوبها مع القدرة على ثوب طاهر انتهى. وهو خلاف المعروف في المذهب. قال ابن عبد السلام: ولم يقولوا مثل ذلك في صاحب الدمل والجرح لان سبب عذر الاول متصل به، وسبب عذر هذه منفصل عنها. انتهى. وأصله لسند بأبسط من ذلك. قال في الفرق بين صاحب السلس والمستحاضة وشبههما وبين المرضع: إن الاولين لا يمكنهما الصيانة من خروج النجاسة في الصلاة " فلا فائدة في تجديد الثوب بخلاف المرضع والله تعالى أعلم. تنبيه: عد ابن ناجي من الثمانية الاثواب التي لا يؤمر بغسلها، إلا عند التفاحش، ثوب

[ 210 ]
المرضع فظاهره أنه يؤمر بغسله عند التفاحش. ص: (ودون درهم من دم مطلقا) ش: يعني أنه يعفى عما كان دون الدرهم من الدم مطلقا، سواء كان دم حيض أو ميتة أو خنزير أو غير ذلك. وقال ابن حبيب: لا يعفى عن يسير الحيض لمروره على محل البول ورواه ابن أشرس عن مالك. وقال ابن وهب: لا يعفى عن ذلك ولا عن يسير دم الميتة، وخرج سند عدم العفو عن دم الخنزير. فرع: وسواء كان الدم من جسد الانسان أو وصل إليه من خارج. قال في التوضيح: على ظاهر المذهب ورأى بعض الشيوخ أن العفو خاص بما كان من جسد الانسان وما وصل إليه من خارج فكالبول. وفي اللخمي: يختلف في الدم اليسير يكون في ثوب الغير ثم يلبسه الانسان لامكان الانفكاك. قال سند: ما أراه قاله إلا من رأيه وفيه نطر ففي كتاب الصلاة من الجواهر أن في العفو عما أصابه من بدن غيره قولين انتهى كلام التوضيح. وفي النظر نظر لان ما في الجواهر إنما هو فيما يخرج من البثرات والجرح كما تقدم، وذلك يعفى عن القليل منه والكثير، ونقل الخلاف فيه غيره، والكلام إنما هو في اليسير، وتبع ابن ناجي المصنف فيما نقله عن ابن شاس فقال: وقيل: إن أصابه من غيره غسله. حكاه المازري رحمه الله تعالى في إم الحيض، وحكاه ابن شاس في سائر الدماء انتهى. وما قاله سند ظاهر فإنه قال: ظاهر المذهب أنه لا فرق في ذلك بين الحائض وغيرها. قال التونسي: وهذا كما إنه إذا عفي عن يسير الدم الخارج من بدن المرء في ثوبه فكذلك إذا أصابه من غيره، ثم ذكر كلام اللخمي قال: ما أراه إلا نظرا منه لا نقلا. واعترض ابن ناجي وابن فرحون ما في التوضيح بأنه يحتمل أن يكون ابن شاس اعتمد كلام اللخمي لتقدمه عليه، ثم ذكر ابن ناجي لفظ اللخموقال: هذا كالنص في أنه من رأيه كمج قال سند انتهى. وهو ظاهر كلام المازري فإنه قال في شرح التلقين قال بعض شيوخنا: وقد تقدم أن كلام ابن شاس غير كلام اللخمي، ونقل ابن عرفة قول ابن رشد مثل ما تقدم من التونسي، ثم نقل عن المازري أن بعض المتأخرين أشار إلى أنه متفق عليه وأنكر غيره عليه ذلك في دم الحيض لندور سيله. وذكر ابن عرفة وابن ناجي عن ابن العطار عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه يعفى عن يسير الدم في البدن لا الثوب انتهى. وهو خلاف المعروف في المذهب، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه يعفى عن ذلك مطلقا في الصلاة وغيرها

[ 211 ]
ولا يؤمر بغسله. وقد اختلف في اليسير المذكور هل يغتفر مطلقا على جميع الوجوه حتى يصير كالمائع الطاهر، أو اغتفاره مقصور على الصلاة فلا يقطع لاجله إذا ذكره فيها ولا يعيد، وأما قبل الصلاة فيؤمر بغسله على جهة الندب، قاله في التوضيح والاول مذهب العراقيين. قال ابن عبد السلام: وهو الاظهر كغيره من النجاسات المعفو عنها، والثاني عزاه ابن عبد السلام والمصنف للمدونة، وعزاه صاحب الطراز وابن عرفة ناقلا عن المازري لابن حبيب، وكذلك ابن ناجي. قال صاحب الطراز: وهو خلاف ظاهر المذهب. ونقل ابن فرحون عن ابن حبيب مثل مذهب العراقيين فلعل له قولين، وكان المصنف اعتمد ترجيح صاحب الطراز وابن عبد السلام لمذهب العراقيين أو يكون مراده نفي الوجوب. تنبيه: ويؤخذ من كلام ابن عبد السلام أن الدم اليسير وجميع النجاسات المعفو عنها إذا أصابت طعاما أنها لا تنجسه والله تعالى أعلم. وقد تقدم عن البرزلي وغيره ما يخالف ذلك والله تعالى أعلم. تفريع على مذهب المدونة: قال فيها: إذا رآه في الصلاة تمادى ولم ينزعه وإن نزعه فلا بأس. قال سند: يحتمل قوله: لا بأس الاستحباب وعدمه انتهى. والظاهر على مذهبها الاستحباب إذا لم يكن في ذلك كبير عمل. وقال ابن ناجي: ظاهر الكتاب أن له النزع وإن كان قميصا، وبه قال القابسي ورآه من العمل الذي هو من إصلاح الصلاة لا يفسدها كثيره. وقال عياض: معناه مما ليس في نزعه مشقة ولا شغل في الصلاة كالقلنسوة والرداء والعمامة والازار وشبهه مراعاة لخفة العمل وقربه. وقيد ابن يونس رحمه الله تعالى الاول بقوله: يريد إذا كان عليه ما يستره وإلا لزمه إتمام الصلاة به انتهى. وهو يؤيد استحباب النزع، وكان ابن يونس قبل كلام القابسي. وأما سند فقال: إذا كان في نزعه عمل كثير فلا ينزعه لان نزعه ليس بواجب، وترك العمل الكثير في الصلاة من غير جنسها واجب وفعل ذلك يفسد الصلاة انتهى. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: والمراد بالدرهم الدرهم البغلي، أشار إليه مالك في العتبية، ونص عليه ابن راشد. ومجهول الجلاب أي الدائرة التي تكون بباطن الذراع من البغل انتهى. وقال ابن فرحون بعد أن ذكر كلام التوضيح وفي التلمساني شارح الجلاب مثل ذلك ثم قال: وهذه النقول فيها نظر، والدرهم البغلي الذي أشار إليه مالك في العتبية المراد به سكة قديمة لمالك تسمى رأس البغل. ذكره النووي رحمه الله في تحرير التنبيه، ويدل لذلك قول مالك: الدراهم تختلف بعضها أكبر من بعض فهذا يدل على أنه أراد الدراهم المسكوكة. وقد أوقفت بعض الفضلاء ممن أدركناه على كلام النووي وكان قد شرع في شرح التهذيب وذكر في ذلك نحو ما ذكر ابن راشد فرجع وأصلح كتابه. قلت: والظاهر أن ذلك متقارب، وقد نقل ابن فرحون عن ابن يونس عن ابن عبد

[ 212 ]
الحكم أن قدر الدرهم قدر فم الجرح والله تعالى أعلم، وقيل: إن اليسير قدر الخنصر. قال في التوضيح عن صاحب الارشاد: إن المراد - والله تعالى أعلم - مساحة رأسه لا طوله فإن طوله أكثر من الدرهم. وقال في مجهول الجلاب يعنون به الانملة العليا. وقال ابن هارون: المراد إذا كان منطويا انتهى. وفي سماع أشهب لاجيبكم بتحديده هو ضلال الدراهم تختلف فشار إلى أنه يرجع فيه للعرف وعليه اقتصر في العارضة. وقال الجزولي: وهو المشهور ولم يعتمد المتأخرون تشهيره. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى: ونقل ابن المنذر عن مالك تعاد الصلاة من كثير الدم وكثيره نصف الثوب فأكثر قال: وكل من لقيته يقول هو قول غريب بعيد وفي أول الاكمال، ونقل المخالف عن مذهبنا في ذلك قولا منكرا عندنا انتهى. فلعله القول المتقدم. الثاني جعل المصنف هنا الدرهم من حيز الكثير وهو أحد القولين. ورواه ابن حبيب في الواضحة وجعله في الرعاف من حيز اليسير وهو القول الثاني، ورواية ابن زيد في المجموعة، وقاله ابن عبد الحكم واقتصر عليه في الارشاد فجمع المصنف بين القولين، وهذه طريقة ابن سابق أن ما دون الدرهم يسير، وما فوقه كثير، وفي الدرهم روايتان، وطريقة ابن بشير أن الدرهم كثير اتفاقا، وقدر الخنصر يسير وفيما بينهما قولان. قال في التوضيح: وطريقة ابن بشير غير صحيحة لثبوت الخلاف في الدرهم، وقد اعترضه ابن عرفة أيضا، والاعتراض يأتي على ما نقله عن ابن الحاجب وكلامه في التنبيه خلاف ذلك. قال: فأما ما فوق الدرهم فكثير بلا خلاف، وأما الخنصر فيسير، وما بين الدرهم والخنصر فيه قولان فتأمله والله تعالى أعلم. الثالث: قال صاحب الجمع قال القاضي أبو الوليد: والمراد بذلك عين الدم دون أثره وأن ما فوق الدرهم من أثر يسير، انتهى فتأمله. ص: (وقيح وصديد) ش: تقدم تفسيرهما وما ذكره المصنف هو مذهب المدونة على ما قاله سند، ونقله عن التونسي وعن مالك في المبسوط عدم العفو عن يسيرها، وصرح ابن هارون بأن المشهور أنهما كالدم، ذكره في أول الكلام على الدم ونقله عنه ابن فرحون. تنبيهات: الاول: فهم من كلام المصنف أن يسير ما عدا هذه الثلاثة من النجاسات وكثيره سواء وهو كذلك، ولم أر في ذلك خلافا إلا في البول فاختلف هل يعفى عن يسيره ؟ والمشهور أنه لا يعفى عنه وهو مذهب المدونة. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح الرسالة قال ابن الامام وهو المعروف من مذهب مالك، وقال في التوضيح: هو ظاهر المدونة وفي الاكمال في حديث شق العسيب على القبرين فيه أن القليل من النجاسة والكثير غير معفو عنه

[ 213 ]
وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء إلا ما خففوه في الدم. وقال الثوري: كانوا يرخصون في القليل من البول، ورخص أهل الكوفة في مثل رؤوس الابر. وقال مالك والامام الشافعي وأبو ثور: يغسل. وحكى القاضي إسماعيل أن غسل ذلك عند مالك على طريق الاستحسان والتنزه، وهذا مذهب الكوفيين خلاف المعروف من مذهبه انتهى بلفظه. وعبر عنه في التوضيح بقوله: وحكى في الاكمال عن مالك اغتفار ما تطاير من البول مثل رؤو س الابر، ثم اغتفاره يحتمل أن يكون عاما في كل يسير من البول، ويحتمل أن يكون عن بوله لانه محل الضرورة لتكرره انتهى. وقوله: ثم إلى آخره أصله لابن عبد السلام، وكلام ابن فرحون يوهم أن ما حكاه القاضي إسماعيل غير ما في الاكمال لعطفه عليه وهو وهم كما تقدم. وقال ابن الامام: ظاهر نقل القاضي عياض عن القاضي العفو عن رؤوس الابر مطلقا لا بقيد التطاير، وظاهر نقل ابن بطال عنه أنه فيما تطاير وهو أقرب لعسر الاحتراز منه حينئذ. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح الرسالة بعد ذكره المشهور: والاقرب من القولين العفو، والاقرب من احتمال ابن عبد السلام الاول، لان المشهور في الدم العفو عموما فكذلك البول. وقال ابن راشد رحمه الله تعالى: لما تكلم على الاحداث المستنكحة ألحق القاضي أبو الوليد بهذا القبيل ما يغلب على الظن من البول المتطاير من الطرقات إذا لم يتبين، لكنه كثير متكرر يغلب على الظن وجوده وتكرره وكثرته فلا يجب غسله من ثوب ولا خف ولا جسد إذ لا يمكن الاحتراز منه انتهى. ونقله ابن فرحون وابن عرفة ونصه الباجي: وعما تطاير من نجاسة الطريق وخفيت عينه وغلب على الظن ولم يتحقق وقبله المازري. والظاهر أن مراده أن الطرقات يغلب على الظن وجود البول وتطايره فيها فإذا وطئ برجله أو خفه أو وقع ثوبه على شئ من الطريق فلا يغسله ولو كان ذلك مبلولا. وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة من توضأ وخرج بالقبقاب فنزلت رجله وهي مبلولة فأخذت من تراب الارض فصلى به لا إعادة عليه. قال البرزلي: لان غيار الطريق الاصل فيه الطهارة. انتهى. الثاني: قال في الارشاد: ويعفى عن يسير كل نجاسة ما عدا الاخبثين وهو قدر الدرهم فدونه. وقال الشيخ زروق: يعني أن كل نجس خارج من الجسد يعفى عن قليله إلا البول والغائط وليس ذلك إلا الدم وتوابعه من القيح والصديد انتهى. وعموم كلام الارشاد مشكل، ففي المدونة: والبول والرجيع والمني والمذي والودي وخرء الطير التي تصل إلى النتن وزبل الدواب وأبوالها قليلة وكثيرة سواء، يغسل وتقطع منه الصلاة إلا أنه يدخل في قول الشارح الدم وتوابعه ما يسيل من الجراح من مائية أو من نفط النار وما ينفط أيام الحر في بدن الانسان، فإن نجاسة ذلك واضح كما تقدم في الكلام على القيح والصديد، ويكون ما خرج من تلك النفاطات من نفسه بمنزلة ما يخرج من الدمل من غير نك ء، يعفى عن كثيره وقليله. الثالث: إذا اتصل اليسير المعفو عنه مما تقدم بمائع، فهل العفو باق أم لا ؟ لم أر نصا صريحا في ذلك والظاهر أن العفو باق خلافا للشافعية، وفروع المذهب تدل على ذلك. قال

[ 214 ]
ابن عبد السلام رحمه الله تعالى في شرح قول ابن الحاجب في إزالة النجاسة: وغير المعفو إن بقي طعمه لم يضر يعني أن المعفو لا يلزم إزالته، فإن أزيل وبقي طعمه أو غيره عفي عنه إذ العفو عن الكل يستلزم العفو عن الجزء، انتهى. وقال في العارضة فيمن دمي فمه ثم مج ريقه حتى ذهب: فهل يطهره ذلك أو لا بد من غسله بالماء ؟ لعلمائنا قولان، والصحيح طهارته بالماء إن كان كثيرا، وإن كان يسيرا عفي عنه ولا يطهر الريق شيئا. وقال ابن الحاجب: ولا يكفي مج الريق فينقطع الدم على الاصح ولا يمصه بفيه ويمجه واليسير عفو. قال ابن عبد السلام: يعني لا يأخذ من الثوب بفيه، وقوله: واليسير أشار به لقول ابن العربي المتقدم انتهى. وقال ابن فرحون: يعني لو مص اليسير فيه حتى زال اكتفى بذلك لانه لو تركه لكان معفوا عنه. وذكر البرزلي في مصل أخذ نخامة بكمه ثم وجد فيها دما لا إعادة عليه ليسارته ولو وجدها في الصلاة انتهى. وقال ابن الحاجب في آخر فصل المعفوات: ولو عرق من المستجمر موضع الاستجمار فقولان. قال ابن فرحون: يعني عرق فانتشر حتى أصاب الثوب والجسد، ثم قال ابن الحاجب في فصل آداب الحديث: وعرق المحل يصيب الثوب معفو على الاصح. وفي سماعأشهب من العتبية فيمن تجفف بعد غسله بثوب فيه دم: إن كان يسيرا لا يخرج بالتجفيف منه شئ فلا شئ عليه ولا في جسده، فكل هذه النقول تدل على أن ما عفي عنه من دم وغيره لا يضره اتصاله بمائع والله تعالى أعلم. وقد تقدم أن الاظهر في اليسير المعفو عنه أنه يصير كالمائع الطاهر والله تعالى أعلم. ص: (وبول فرس لغاز بأرض حرب) ش: ذكر رحمه الله تعالى للمعفو في هذه المسألة ثلاثة قيود: كونه من فرس، وكونه لغاز، وكونه بأرض حرب، وبقي عليه قيد رابع وهو أن لا يجد من يمسكه له، ومفهوم كلامه أنه إذا انتفى قيد من القيود المذكورة لا يعفى عنه. والمسألة في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم قال: وسئل عن الفرس في مثل الغزو والاسفار يكون صاحبه يمسكه فيبول فيصيبه فقال: أما في أرض العدو فإني أرجو أن يكون خفيفا إذا لم يكن له من يمسكه، وأما في أرض الاسلام فليتقه ما استطاع ودين الله يسر. ابن رشد: هذا كما قال لانه لا يستطيع المسافر التوقي منه لا سيما الغازي في أرض العدو فهو موضع تخفيف للضرورة كما خفف مسح الخف من الروث الرطب، وجوز للمرضع الصلاة بثوبها إذا لم يكن لها غيره مع درئها البول جهدها. وقال سند

[ 215 ]
قال الباجي: والظاهر من يوله: إنه مأمور بالتوقي إن من اضطر إلى ذلك في معيشة السفر بالدواب. انتهى. والمفهوم من الرواية وكلام ابن رشد والباجي وسند، أن الضرورة متحققة مع القيود الاربعة فلذلك جزم المصنف بالعفو حينئذ، فإن فقد شئ من القيود أمر بالتوقي جهده فما أصابه بعد ذلك فمعفو عنه كثوب المرضع. وكذلك قال ابن الامام بعد ذكره كلام الباجي وابن رشد: وعلى هذا فكل سفر مباح يضطر المسافر فيه إلى ملابسة دابته فرسا كانت أو غيرها، يعفى عنه لمشقة التحفظ. وما كان من السفر واجبا أو مندوبا فهو أولى، وما كان منه كما تقدم عن الباجي في دواب من اضطر إلى السفر في معيشته فأظهر لتكرره، وكذلك الحاج لطوله وشدة اضطراره إلى ملابسة دابته وخصوصا حاج المغرب ونحوه في البعد انتهى. وما قاله ظاهر، والله أعلم. تنبيه: تقدم عن الجواهر أنه يعفو عن بول فرس الغازي قليله وكثيره إلا أن يتفاحش فيؤمر بغسله وسيأتي لفظه إن شاء الله تعالى. تنبيه: ذكر ابن ناجي في الكلام على دم البراغيث ثمانية أثواب لا يؤمر بغسلها إلا عهد التفاحش، وعد منها ثوب الغازي بأرض الحرب يمسك فرسه فيفهم منه أنه يؤمر بغسله عند التفاحش، وسيأتي لفظه في الكلام على دم البراغيث، وذكر في التوضيح والشامل هنا العفو عن بول الدواب في الزرع حين درسه، وقد تقدم ذلك عند قول المصنف: وينجس كثير طعام مائع الخ. ص: (وأثر ذباب من عذرة) ش: لا مفهوم للتقييد بالعذرة وكأنه قصد التنبيه على أنه إذا عفي عن العذرة مع إمكان ظهور ما أصاب منها فغيرها مما لا يظهر أثره كالبول أو مما نجساته محققة كالدم والقيح، إما مثلها أو أولى. ووقع في عبارة بعضهم التعبير بالنجاسة وهو ظاهر، والظاهر أن ما كان كالذباب في عدم إمكان التحفظ منه كالبعوض والنمل ونحوه فحكمه كالذباب، وأما بنات وردان فالظاهر عدم إلحاقها بذلك لامكان التحفظ منها، فإن أصاب من أثرها شئ غسل ولم أره منصوصا والله تعالى أعلم. فائدة: ورد في حديث إن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء وفي رواية أبي

[ 216 ]
داود أنه يتقي بالذي فيه الداء فليغفسه كله وفي رواية الطحاوي أن في بعضه السم. قال في المواهب اللدنية قال شيخ شيوخنا: لم يقع في شئ من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره لكن ذكر بعض العلماء رضي الله تعالى عنهم أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الايسر فعلم أن الايمن هو الذي فيه الشفاء. وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل، ومسنده لا بأس به. قال الحافظ: كونه في النار ليس تعذيبا له بل ليعذب به أهل النار. ويتولد من العفونة، ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثوب الاسود أبيض وبالعكس، وأكثر ما يكون في أماكن العفونة ويبتدأ خلقه منها ثم من التوالد وهو أكثر الطيور سفادا وربما، بقي عامة اليوم على الانثى. ويحكى أن بعض الخلفاء سأل الشافعي: لاي شئ خلق الذباب ؟ فقال: مذلة للملوك وكانت ألحت عليه ذبابة. قال الشافعي: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطت ذلك من الهيئة الحاصلة رحمة الله تعالى عليه ورضوانه. ص: (وموضع حجامة مسح) ش: أي ولا يعفى عنه قبل المسح فإذا برئ الماسح غسل، وحكم الفصادة كذلك قاله في المدونة. ص: (وإلا أعاد في الوقت وأول بالنسيان) ش: هو اخيتار ابن أبي زيد وابن يونس. وتأولا المدونة عليه وهو الظاهر الجاري على القواعد، ومقابله تأويل أبي عمران وإليه أشار بقوله: وبالاطلاق. ص: (وكطين مطر وإن اختلطت العذرة بالمصيب) ش: قال في المدونة: ولا بأس بطين المطر المستنقع في السكك والطرق يصيب الثوب أو الخف أو النعل أو الجسد وإن كان فيه العذرة وسائر النجاسات وما زالت الطرق وهذا فيها، وكانت الصحابة يخوضون في طين المطر ويصلون ولا يغسلونه. قال عياض: والمستنقع بكسر القاف. قال سند: وظاهره أنه لا فرق بين أول مطرة وغيرها، ولا بين ما أصاب حين نزول المطر أو بعد انقطاعه، فإنه تكلم في المستنقع وإن كان فيه سائر النجاسات في الجملة ورأى أن ذلك مما لا يمكن الاحتراز منه. وأتى بالكاف ليدخل في ذلك ماء الرش الذي في الطرقات كما حكاه المصنف عن شيخه الشيخ عبد الله المنوفي. وقال ابن فرحون: ونحو المستنقع من فضلات النيل في الطرقات. ص: (لا إن غلبت) ش: أي لا إن كانت النجاسة غالبة على الطين وهذا معنى ما قيد به الشيخ ابن أبي زيد كلام المدونة فقال: يريد ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينا قائمة وقبله غير واحد كالباجي وابن

[ 217 ]
رشد وقيد به المدونة. وقال سند: قوله في المدونة وإن كان فيها النجاسات يريد وإن كان يعلم أنها لا تنفك عن النجاسات، ولم يرد أن النجاسة عين قائمة فيصيبه من ذلك، أو كان طين مرحاض في موضع وقد اختلطت بطين المطر، وهذا يجب غسله، ولا ضرورة في غسل مثل هذا بخلاف غسل ما يكون من الطين انتهى. وهذا أولى مما حمل عليه اجن هارون كلام ابن أبي زيد وذكره عنه في التوضيح فإنه قال: قال ابن هارون: هذه المسألة على أربعة أوجه: أحدها: أن يتساوى الاحتمالان في وجود النجاسة وعدمها، فهذا يصلي به على ما قاله في المدونة لترجيح الطهارة بالاصل. الثاني: أن يترجح احتمال وجودها فهذا يصلي به على ما قاله في المدونة ترجيحا للاصل، ويغسله على رأي أبي محمد ترجيحا للغالب. والثالث: أن يتحقق وجودها ولكن لا يظهر لاختلاطها بالطين، فظاهر المدونة أيضا أنه يصلي به ويغسله على رأي أبي محمد وهو أحسن لتحقق النجاسة ونحوه للباجي. الرابع: أن يكون لها عين قائمة فهنا يجب غسلها انتهى. فقول ابن الحاجب وإن كان فيها العذرة يحمل على الصورتين الاوليين، وقوله وفي عين النجاسة قولان يحمل على الثلاثة، وأما الرابعة فلا يعلم فيها خلاف ويبعد وجوده وكذا كان شيخنا يقول: انتهى كلامه في التوضيح. قلت: فحمل قول أبي محمد: غالبة على معنى أن الغالب وجودها والذي يظهر من كلام المدونة أن فرض المسألة أن وجود النجاسة محقق فالظاهر أن يحمل قول الشيخ أبي محمد ما لم تكن غالبة أي ما لم تكن النجاسة غالبة على الطين أو تكون عينا كما تقدم. وأشار بقوله: وظاهرها العفو إلى ما نقله أبو الحسن عن ابن بشير أن بعض الشيوخ أبقى المدونة على ظاهرها لكن ذكر بالتوضيح عن ابن بشير أنه يحتمل بقاؤها على ظاهرها إذا تساوت الطرق في وجود ذلك فيها وكان لا يمكن الانفكاك عنه، ثم ذكر عنه ابن عبد السلام أنه لا ينبغي أن يكون خلافا انتهى. وأشار بقوله: ولا إن أصاب عينها إلى أنه لا يعفى عمن أصابته عين النجاسة. قال الباجي: ولو كان في الطين نجاسة فطارت على ثوبه ثم تطاير عليها الطين فأخفى أثرها لوجب غسلها والله تعالى أعلم. تنبيه: قال البساطي: العفو مشروط بأن يكون ذلك في الطرق التي لا مندوحة عنها حتى قالوا: لو كانت إحدى الطريقين أخف نجاسة من الاخرى لا يعفى عما أصابه من الاكثر نجاسة انتهى. وهذا إنما قالوه فيما إذا كانت النجاسة غالبة أو عينا قائمة كما تقدم، ولم أر من اشترطه مطلقا. وقال أيضا قال بعضهم: هذا الحكم فيما إذا صادف المطر النجاسة وإن طرأت

[ 218 ]
عليه النجاسة بعد نزوله فإنه كغيره ولا يظهر لهذا كبير معنى انتهى. وما قاله ظاهر النجاسة والله تعالى أعلم. فرع: قال ابن ناجي رحمه الله تعالى: خص المغربي قوله: يخوضون في طين المطر ويصلون ولا يغسلونه بالمسجد المحصب كمسجدهم، وأما غير المحصب المفروش بالحصر فلا لانه يلوث الحصر وبه الفتوى عندنا بأفريقية. فرع: قال ابن عرفة قال ابن جماعة وهو من شيوخه: لا نص في طين المطر يبقى في الثوب للصيف ونحوه، وليس كثوب صاحب السلس بعد برئه لان البول أشد قال ابن عرفة: لعله لم يقف على قول ابن العطار: إنما يعفى عن ماء المطر في الطرق ثلاثة أيام من نزوله ورآه خلاف ظاهر المذهب انتهى. وقال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى: وانظر إذا جف هل يغسل ما أصاب الثوب أم لا انتهى. قال صاحب الجمع: الذي كان يفتي به بعض الاشياخ غسل الثوب إذا ارتفع المطر، ونقله عنه ابن فرحون. وذكر ناجي عن بعضهم أنه خرج غسل الثياب منه بعد زوال العذر على القولين، في وجوب غسل موضع المحاجم بعد البرء انتهى. قلت: لا شك أن ما قاله ابن العطار خلاف ظاهر المذهب وأنه إذا كان الغالب على الظن طهارة الطين لا يجب غسله وكذا مع الشك، وكذلك إن كانت أصابته بعد تكرر مطر على الارض التي كانت بها النجاسة حتى غلب على الظن زوالها، أن محل الخلاف إنما هو حيث يغلب على الظن وجود النجاسة فيه ويمضي زمن وقوع المطر وتكرره ويجف الطين، والظاهر حينئذ وجوب الغسل. هذا حكم طين المطر، وأما طين الماء المستنقع في الطرقات وماء الرش الذي لا تنفك عنه الطرق غالبا فهذا يعفى عما يصيب منه دائما لانه لا ينفك عنه الطرق فتأمله والله تعالى أعلم.

[ 219 ]
فائدة: ذكر ابن ناجي في شرح الرسالة والمدونة في الكلام على دم البراغيث أن ثمانية أشياء تحمل على الطهارة وهي: طين المطر وأبواب الدور وحبل البئر والذباب يقع على النجاسة وقطر سقف الحمام وميزاب السطوح وذيل المرأة وما نسجه المشركون انتهى، والله تعالى أعلم. ص: (وذيل امرأة مطال للستر) ش: قال ابن عبد السلام: يعني أن المرأة لها أن تطيل ذيلها ما ليس للرجل بل يجب عليها ستر رجليها، ولها أن تبلغ بالاطالة شبرا أو ذراعا على ما جاء في ذلك، فإذا قصدت بالاطالة الستر ثم مشت في المكان القذر فإن كانت النجاسة يابسة فمعفو عن الذيل الواصل إليها، وفي الرطبة قولان، المشهور لا يعفى، والثاني أنه يعفى انتهى. والاصل في ذلك حديث أم سلمة لما سئلت عن ذلك فقالت: قال رسول الله (ص): يطهره ما بعده. رواه مالك وغيره. قال مالك في المدونة: معناه في القشب اليابس و القشب بسكون الشين المعجمة وهو الرجيع اليابس وأصله الخلط بما يفسده قاله عياض. وقال ابن فرحون: القشب بفتح القاف والشين المعجمة، وجاء بكسر القاف وسكون الشين انتهى. وقال الباجي في معنى الحديث: إن النجاسات في الطرقات لا يمكن الاحتراز منها مع التصرف الذي لا بد للناس منه، فخفف أمرها إذا خفي عينها ولم تتيقن النجاسات، فإذا مرت على موضع نجس ثم مرت على موضع طاهر أخفى عين النجاسة سقط حكمها، ولو لم تمر على الموضع الطاهر حتى زالت النجاسة لوجب عليها غسلهإ. وإنما يطهره ما بعده إذا لم تعلم به وخافت أن تكون أصابت ثوبها، وهذا بمنزلة ما في الطرقات من الطين والمياه التي لا تخلو من العذرة والابوال والارواث، وإذا غلب عليها الطين وأخفى عينها لم يجب غسل الثوب منها ولو ظهرت عين النجاسة لوجب غسله انتهى ملخصا. وحاصله أنه يحمل الحديث على ما إذا شكت في إصابة النجاسة لها أو في نجاسة ما أصابها ولا يلزمها غسله في الصورتين على المشهور، بل النضح في الاولى فقط. وقال التونسي: الاشبه أن ذلك فيما لا تنفك منه الطرقات من أرواث الدواب وأبوالها وإن كانت رطبة فإن ذلك لا ينجس ذيلها للضرورة كما قال مالك في الخف. قال سند: ولعمري أن تخريج ذلك على الخف حسن لان غسل الثوب كل وقت فيه حرج ومشقة ربما كانت فوق مشقة غسل الخف، فإن الخف يغسله

[ 220 ]
وينزعه ينشف، والثوب إن تركه عليه مبلولا فمشقة إلى مشقة، وإن نزعه فليس كل أحد يجد ثوبا آخر يلبسه انتهى ملخصا. وما قالاه ظاهر لكنه خلاف مذهب المدونة، وخلاف القول الثاني الذي عزاه الداودي لبعض أصحاب مالك فإن ظاهره العموم في كل نجاسة. وقال ابن اللباد عن بعض أصحابنا: تأويل ذلك إذا سحبت ذيلها في أرض ندية نجسة ثم جرته على أرض طاهرة، ذكره ابن عرفة وهذ قريب من المشهور أيضا، فإن الواجب في ذلك النضح كما سيأتي في الكلام على النضح. وقال الشيخ أبو الحسن: اعترض على تفسيره بالقشب اليابس لانه لا يعلق بالثوب وأي شئ يبقى حتى يطهره ما بعده والاعتراض للباجي. ثم أجاب الشيخ أبو الحسن: بأنه قد يكون القشب غبارا يعلق بالثوب فإذا مر على ما بعده طهره. تنبيهات: الاول: علم مما تقدم أن فرض المسألة على المشهور أن الذيل يابس، وجزم بذلك ابن عبد السلام رحمه الله في آخر كلامه، فإنه استطرد إلى ذكر مسألة الرجل التي ذكرها المؤلف، ثم قال: وكيفما كان فهو أشد من المشهور في ذيل المرأة أن الذيل يابس والمكان كذلك والله تعالى أعلم. الثاني: قول ابن عبد السلام: شبرا أو ذراعا ظاهره الشك، وفي آخر الموطأ أنه عليه الصلاة والسلام قال: ترخيه شبرا. فقالت أم سلمة: إذا ينكشف. قال: فذراعا لا تزيد عليه. وقال شيخ شيوخنا الكمال ابن أبي شريف الشافعي في تأليف له في العمامة: وأما النساء فيجوز لهن الاسبال ذراعا بذراع اليد وهو شبران كما أفادته رواية أبي داود انتهى. قال الباجي: وهذا أمر وارد بعد الحصر ومع ذلك فإنه يقتضي الوجوب، فلا يحل للمرأة أن تترك ما تستتر به. وقال قبله: وهذا يقتضي أن نساء العرب لم يكن لهن خف ولا جورب كن يلبسن الخف ويمشين بغير شئ. قال في كتاب الطهارة: ولم يكن نساء العرب يلبسن الخف فكن يطلن الذيل انتهى. فيفهم منه أن من لبست الخف أو الجورب لا تؤمر بإطالة الذيل والله تعالى أعلم. وقول ابن عبد السلام: لتستتر مفهومه أنها لو لبسته لا لقصد الستر لم يعف عنه، والظاهر أنه كذلك فقد صرح الجزولي بأنه لا يجوز لها أن تجره للخيلاء كالرجل. الثالث: عبارة المصنف أحسن من قول ابن الحاجب، والمشهور أن ذيل المرأة المطال للستر يصيبه رطب النجاسة لا يطهر بما بعده لانه أتى به على صورة المخالف للحديث والله تعالى أعلم. ص: (ورجل بلت يمران بنجس يبس يطهران بما بعده) ش: تقدم الكلام على ذيل المرأة،

[ 221 ]
وأما مسألة الرجل فمعناها أن الانسان إذا بل رجله ثم مر بها على نجس يابس ثم مر بها على موضع طاهر فإنها تطهر بالمرور الثاني أي يعفى عما تعلق بها ولذا أدخلها في المعفوات. وأصل المسألة في سماع أشهب من كتاب الوضوء. قال: سئل مالك عن الرجل يتوضأ ثم يطأ الموضع القذر الجاف قال: لا بأس بذلك قد وسع الله تعالى على هذه الامة ثم تلا * (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * (البقرة: 286) قال ابن رشد: معناه أنه موضع قذر لا يوقن بنجاسته فحمله على الطهارة لان الاحتراز من مثل هذا يضر فهو من الحرج الذي رفعه الله، ولو أيقن بنجاسته لوجب أن يغسل رجليه لان النجاسة تعلق بهما وإن كان يابسا من أجل بللهما انتهى. وحمل غير ابن رشد الرواية على أن الموضع نجس. ثم اختلفوا فقالا بن اللباد: معناه إذا مشى بعد ذلك على أرض طاهرة كمسألة الذيل. وقال اللخمي بعد ذكره الرواية قال ابن اللباد: ذلك إذا مشى بعد ذلك على أرض طاهرة لما روي أن الدرع يطهره ما بعده وليس هذا الذي أراد مالك، وإنما أراد أن الرجل إذا رفعها بالخضرة لم ينماع من تلك النجاسة إلا شئ لا قدر له انتهى. وفي كلام سند ميل لكلام ابن اللباد فإنه قال بعد ذكره كلام ابن اللباد واللخمي: وكأنه يعني ابن اللباد رأى أن رجليه لما كانتا لا تسلم أن يعلق بهما أجزاء نجسه فلا بد من مسحهما، فإذا مشى على أرض طاهرة امتسحت بذلك، وإنما الرخصة أن يجتزئ بمسح الارض عن غسل الماء كما جاء الحديث: فإن التراب له طهور انتهى. وذكر المازري عن بعضهم أنه علل ذلك بأن الماء يدفع عن نفسه فلا ينجسه إلا ما غيره، ولا يتحلل من النجاسة ما يغير أجزاء الماء الباقي في رجليه، فلما اجتمع هؤلاء الشيوخ كلهم على حمل الرواية على أن المراد بالقذر النجس. وإنما اختلفوا في توجيه ذلك تبعهم المصنف واقتصر على تأويل ابن اللباد لاقتصار ابن يونس وجماعة عليه، ولانه أحوط لانه مستلزم لتأويل غيره ما عدا ابن رشد إذ فيه زيادة اشتراط أن يمشي بها على أرض طاهرة بعد ذلك فتأمله، إلا أن في قياسه على مسألة الذيل نظرا، لان الرجل مبلولة والذيل يابس كما تقدم. ولم يظهر في توجيه ذلك إلا أنها رخصة وتخفيف كما قاله في الرواية والله أعلم. وقوله: يبس يصح أن يكون فعلا ماضيا وأن يكون صفة مشبهة فينون. ص: (وخف ونعل من روث دواب وبولها أن دلكا لاغيره) ش: الروث عبارة عن رجيع غير ابن آدم يعني أنه يعفى عن أثر ما يصيب الخف وعما يصيب النعل

[ 222 ]
من أرواث الدواب وأبوالها ولو كانت رطبة كما قاله في المدونة بشرط أن يدلك ذلك، فإذا دلكه جاز له أن يصلي بذلك الخف والنعل. والعلة في ذلك المشقة وهو الذي ارتضاه ابن الحاجب لا لكون الارواث مختلفا في نجاستها، وكان مالك يقول بعدم العفو ثم رجع إلى العفو لعمل أهل المدينة، ولابن حبيب ثالث بالعفو عن الخف دون النعل. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: نص سحنون على أن العفو خاص بالمواضع التي تكثر فيها الدواب، وأما ما لا يكثر فيه الدواب فلا يعفى عنه، ولم ينبه المصنف على هذا القيد، والظاهر اعتباره. وفي كلام ابن الحاجب إشارة إليه لانه قال للمشقة، إنما هي مع ذلك. وقد يقال: إنما سكت المصنف عن ذلك لانه قدم أن العفو إنما هو بما يعسر الاحتراز منه. الثاني: الدلك هو المسح بالتراب أو غيره قال ابن الامام: لكن ينبغي أن يقتصر على التراب لقوله (ص): إذا وطئ أحدكم بنعله الاذى فإن التراب له طهور رواه أبو داود. ولانه بدل من الماء في التيمم ويجوز بالخرق ونحوها كالاستجمار. قال سند: ويسمح حتى لا يخرج المسح شيئا كما في الاستنجاء، ولا يشترط زوال الريح كما في الاستنجاء وهو ظاهر لان المأمور به في الاحاديث إنما هو مسحه وقد أتى به. انتهى بالمعنى مختصرا. الثالث: إذا عفي عن ذلك في الخف والنعل وقلنا: تجوز الصلاة فيهما فيجوز إدخالهما في المسجد والمشي بهما فيه والصلاة فيهما فيه من باب أولى، قاله ابن الامام وهو ظاهر. ثم قال ابن الامام: إلا أن يكون المسجد محصرا فإن ذلك يقذره ويفسد حصره فيمنع من المشي بهما فيه انتهى بالمعنى. وهو ظاهر أيضا وقد تقدم حكم الصلاة في النعل وإدخالهما المسجد والله تعالى أعلم. الرابع: كل ما يمشي به كالاقراف والسمسكين فإنه بمنزلة النعل والخف كما ذكره ابن الامام ونقله عن ابن راشد، وقوله: لاغيره يعني أن غير أرواث الدواب وأبوالها إذا أصاب الخف أو النعل لا يعفى عنه ولا بد من غسله كالدم والعذرة وبول بني آدم وخرء الكلاب وما أشبهها، قاله في سماع ابن القاسم في كتاب الطهارة. قال سند: ومثلها الدجاج المخلاة. قلت: ومثل ذلك روث الهرة وبولها، والعلة ندور ذلك في الطرقات، وكذلك قال ابن العربي في العارضة: إذا وطئ على دم أو عذرة لم يكن بد من الغسل لان ذلك في الطرقات نادر، فإن كثر صار كروث الدواب انتهى. والروث عبارة عن رجيع غير ابن آدم قاله في العارضة، ولا يصح عود الضير في غيره إلى الخف والنعل فلا يعفى من غير الخف والنعل من الثياب والابدان لانه وإن كان الحكم كذلك لا يلائم قوله: فيخلعه الماسح لا ماء معه ويتيمم إلى آخره فتأمله.

[ 223 ]
فائدة: ذكر ابن ناجي عند كلامه على دم البراغيث في شرح المدونة والرسالة ثمانية أشياء يجزي فيها زوال النجاسة بغير الماء وهي: النعل والخف والقدم والمخرجان وموضع الحجامة والسيف الصقيل والثوب والجسد اه‍. وسيأتي أن الثوب والبدن لا يجزي مسحهما في مسألة السيف الصقيل. ص: (فيخلعه المساح لا ماء معه ويتيمم) ش: أي فلاجل أن ما عدا أرواث الدواب وأبوالها لا يعفى عنه ويجب غسل ما أصاب الخف والنعل منه، وجب على المكلف إذا كان على وضوء وأصحاب خفه من ذلك وليس معه ما يغسل به أن يخلع الخف ويتيمم ولا يصلي به ولو كان ذلك مؤديا لابطال الطهارة المائية والانتقال إلى الطهارة الترابية، لان الوضوء له بدل وغسل النجاسة لا بدل له. تنبيهات: الاول: أخذ منه المازري تقدم غسل النجاسة على الوضوء في حق من لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لاحد الطهارتين. قال ابن عبد السلام: وأظن أني وقفت لابي عمران على أنه يتوضأ ويصلي بالنجاسة، وكان بعض أشياخي ينقله عنه ويحتج بأن طهارة الخبث مختلف في وجوبها، وذكر ابن هارون أنه اختلف في ذلك فقيل: يصلي بالنجاسة ويتوضأ، وقيل: يزيل به النجاسة ويتيمم وجزم ابن رشد في رسم سلف من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الطهارة بأنه يزيل النجاسة ويتيمم، وكذلك ابن العربي الثاني: هذا إذا وصاحب الطراز ذكره في الكلام على سؤر ما لا يتوقى النجاسة الثاني: هذا إذا لم يمكنه جمع الماء من أعضائه طهورا، وأما إن أمكنه جمعه طهورا من غير تغير فإنه يتوضأ به ويجمعه ويغسل به النجاسة لانه طهور على المشهور، بل تقدم للشيخ زروق في شرح الارشاد ابن راشد أنه لا ينبغي أن يختلف في إزالة النجاسة بالماء المستعمل لانها معقولة المعنى والله تعالى أعلم. الثالث: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: قوله: الماسح شكل إذ لا يصح أن يريد به من حصل منه المسح لان الحكم لا يخصه، بل المراد من حكمه المسح وإن لم يمسح ألبتة، فإطلاق اسم الفاعل عليه مجاز اه‍.

[ 224 ]
قلت: هذا الكلام مبني على إنه لا يشترط في إطلاق المشتق على محله حقيقة بقاء معنى ذلك المشتق في المحل، والجمهور على اشتراط ذلك وأن اسم الفاعل إنما يكون حقيقة حال التلبس بالفعل. فالضارب إنما يكون حقيقة فيمن كان متلبسا بالضرب، والقائم إنما هو حقيقة فيمن تلبس بالقيام، وأن إطلاق المشتق على المحل بعد انقضاء ذلك المعنى مجاز. إذا علم ذلك فالماسح حقيقة من هو متلبس بالمسح، وإطلاقه على من صدر منه المسح أو من يمسح في المستقبل مجاز على قول الجمهور، إلا أن الاول أقوى من الثاني. وقيل: إنه حقيقة والثاني مجاز بلا خلاف على أن المسألة إنما تتصور فيمن صدر منه المسح وإلا فمن لم يمسح ينزع الخف ويصلي بوضوئه ولا يحتاج إلى تيمم والله تعالى أعلم. ص: (واختار إلحاق رجل الفقير وفي غيره للمتأخرين قولان) ش: يعني أن اللخمي اختار إلحاق رجل الفقير في أنه يعفى عن أثر ما يصيبها من أرواث الدواب وأبوالها إذا دلكت، وفي رجل غير الفقير قولان للمتأخرين. واعلم أن الرجل لا نص فيها للمتقدمين كما ذكر في التوضيح عن الباجي، واختلف المتأخرون فيها على ثلاثة أقوال، ففرق في الثالث بين الفقير وغيره وهو اختيار اللخمي وابن العربي في العارضة، واختار التونسي وابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة إلحاقها بالخف والنعل مطلقا. وحكى ابن شاس والقرافي قولا بعدم الالحاق مطلقا. وقد يتبادر من كلام المصنف أن اللخمي ليس له اختيار في غير رجل الفقير وليس هذا مراده، ولكنه رحمه الله تعالى لما ترجح عنده اختيار اللخمي في رجل الفقير بموافقته لاختيار التونسي وابن رشد اقتصر عليه، ولما لم يترجح عنده اختياره في مقابله لمعارضته لاختيار التونسي وابن رشد ذكر الخلاف في ذلك. وقال صاحب الطراز: إن تيسر له الغسل ووجد الماء عند باب المسجد وإلا فليصل بها إذا مسح رجليه كما يفعل بالنعل. وهذا هو الظاهر والله تعالى أعلم. ص: (وواقع على مار وإن سأل صدق المسلم) ش: يعني أنه يعفى عما وقع على المار تحت سقيفة وشبهها، وظاهر كلامه رحمه الله تعالى أنه نجس يعفى عنه كما في غيره من المعفوات وليس كذلك، بل قال ابن رشد: إنه محمول على الطهارة ما لم يتيقن النجاسة إلا أن يتحقق أنه من بيوت النصارى فيكون محمولا على النجاسة. والمسألة في رسم حلف من

[ 225 ]
سماعا بن القاسم من كتاب الطهارج وليست في المدونة ونصها: وسئل مالك عن الرجل يمر تحت سقيفة فيقع عليه ماؤها قال: أراه في سعة ما لم يتيقن نجاسة. زاد في أول رسم من سماع عيسى: وإن سألهم فقالوا هو طاهر فإنه يصدقهم إلا أن يكونوا نصارى فلا أرى ذلك. قال ابن رشد: إنما قال يصدقهم وإن لم يعرف عدالتهم لانه محمول على الطهارة ما لم يتيقن النجاسة فسؤالهم مستحب لا واجب، ولو قالوا له لما سألهم: هو نجس لوجب عليه أن يصدقهم انتهى. وعزا الشارح هذه المسألة لسماع أصبغ وليست فيه. تنبيهات: الاول: لا بد من تقييد كلام المصنف بما إذا تيقن النجاسة إما برائحة أو بعلامة كما تقدم في كلام ابن رشد، أو يكون الواقع من بيوت النصارى فإنه محمول على النجاسة كما قاله ابن رشد. الثاني: لم يبين المصنف حكم سؤالهم وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه مستحب. الثالث: مفهو قوله: صدق المسلم أنه لا يصدق الكافر وهو كذلك، لكن لم يبين المصنف ما الحكم إذا لم يصدقه. وقال ابن رشد: وأما ما يسيل من بيوت النصارى فمحمول على النجاسة ولا يصدقون إن قالوا: إنه طاهر، زاد في سماع عيسى إلا أن يكون أحد من المسلمين قاعدا عندهم فيصدق إن كان عدلا انتهى والله تعالى أعلم. وتكررت المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ولم يتكلم ابن رشد عليها بشئ. ص: (وكسيف ص قيل لافساده من دم مباح) ش: يعني أنه يعفى عما أصاب السيف الصقيل وشبهه. ودخل تحت الكاف في قوله: وكسيف ما كان صقيلا وفيه صلابة كالمدية والمراة والزجاج، وخرج ما لم يكن كذلك ولو كان صقيلا كالثوب الصقيل والبدن والظفر، وبذلك جمع بين قولي ابن الحاجب وعن السيف الصقيل وشبهه ثم قال: ولا يلحق به غيره على الاصح. وقوله: لافساده أشار به إلى أن المشهور في تعليل العفو هو الافساد بالغسل لانتقال النجاسة منه بالمسح، لان المصنف لم يشترط في العفو المسح. وخرج بذلك الزجاج فإنه وإن شابه السيف في الصقالة والصلابة لكنه لا يفسده الغسل، وفهم من قوله: من دم مباح أن العفو الخاص بالدم وهو المفهوم من أكثر عباراتهم، ومقتضى كلام ابن العربي عدم التخصيص. قال ابن عرفة: ابن العربي مسحها أي النجاسة من صقيل كاف لافساد غسله وقيل لانتقالها.

[ 226 ]
وقال في التوضيح: وأكثر مثلهم في السيف إنما هو في الدم، فيحتمل أن لا يقصر الحكم عليه، ويحتمل القصر لانه الغالب من النجاسات الواصلة إليه انتهى. وأصله لابن عبد السلام، وقوله: مباح ذكر في التوضيح هذا القيد عن بعضهم فقال: وقيد بعضهم العفو بأن يكون الدم مباحا كما في الجهاد والقصاص، ولا يعفى عن دم العدوان انتهى. ونحوه لابن عبد السلام، وزاد فقال: وهذا يجري على الخلاف في العاصي هل يترخص أم لا ؟ قلت: والقيد المذكور مأخوذ من كلام صاحب النوادر الآتي ذكره ولذا اعتمده المصنف هنا، ويدخل في المباح ما كان من ذكاة شرعية ويخرج ما كان عن ذكاة غير شرعية. تنبيه: لم يشترط المصنف في العفو مسح الدم. قال في التوضيح: وهو الذي نقله في النوادر عن مالك وابن القاسم ولفظه: قال مالك: ولا بأس بالسيف في الغزو وفيه دم أن لا يغسل. قال في المختصر: ويصلي به قال عيسى في روايته عن ابن القاسم عن مالك: مسحه من الدم أو لم يمسحه. قال عيسى: يريد في الجهاد أو في الصيد الذي هو عيشه انتهى كلام التوضيح. قلت: ونحوه في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة وقبله ابن رشد ولم يذكر خلافه. وقال في التوضيح قبل كلامه السابق: ومعنى كلام ابن الحاجب وابن شاس أنه لا يعفى عن السيف إلا بعد المسح وكذا قال غيرهما، ونقله الباجي رحمه الله تعالى عن مالك. ابن راشد: وهو قول الابهري وعزاه اللخمي لعبد الوهاب وابن شاس لابن العربي انتهى والله تعالى أعلم. ص: (وأثر دمل لم ينكأ) ش: يعني أنه يعفى عما يصيب الثوب والسجد من أثر الدمل من دم وقيح وصديد إذا لم ينكأ وإنما سالت بنفسها. قال في المدونة: وكل قرحة إن تركها صاحبها لم تسل وإن نكأها سالت، فما خرج من هذه من دم أو غيره وأصاب ثوبه أو جسده غسله وإن كان في صلاة قطعها ولا يبني إلا في الرعاف إلا أن يخرج منه الشئ اليسير فيفتله ولا ينصرف، وإن كانت لا تكف وتمصل من غير أن تنكأ فليصل وليدرأها بخرقة ولا يقطع لذلك ولا يغسل منه الثوب إذا أصابه، ولا بأس أن يصلي به إلا أن يتفاحش إلا أن فيستحب له غسله، والقيح والصديد مثل الدمل. وقوله: نكأها بالهمز أي قشرها قاله عياض. والظاهر من كلامهم أن المراد أنها لم تنكأ عند خروج الدم ونحوه منها وإن كانت شتت قبل ذلك، وأنه إنما ينظر إلى حالها عند خروج المادة منها وإن كانت تسيل منها بنفسها من غير أن تقشر فيعفى عنها وإلا فلا. ومما يدل على ذلك أنهم ساووا بين أثر الدمل وأثر الجرح، والجرح إنما يكون بشق الجلد. قال ابن عبد السلام: وهذا والله أعلم في الدمل الواحدة،

[ 227 ]
وأما إذا كثرت كالجرب فإنه مضطر إلى نكئها انتهى. ونقله في التوضيح وقبله: وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى وما زال شيخنا يقول: ليس مختصا به بل سبقه إليه عياض ولم أجده انتهى. قلت: ذكره الشيخ أبو الحسن ونصه: الحكة وما يكون من الدمامل والقروح بمنزلة القرحة التي لا تكف وإن كان دم ذلك إنما يسيل بالحك لكن لا يستطيع من به ذلك ترك الحك وتركه عليه مشقة انتهى. تنبيهان: الاول: ظاهر كلامه أن الدمل إذا لم تنكأ يعفى عن أثرها مطلقا، سواء كان ما يخرج منها متصلا أو مرة بعد مرة، ويمكن الاحتراز منه أم لا، وعلى ذلك حمله الشارح وهو ظاهر كلام ابن الحاجب الاول فإنه قال: وعفي عما يعسر كالجرح يمصل والدمل في الثوب والجسد بخلاف ما ينكأ فإنه يغسل، وظاهر كلامه ثانيا قبل الكلام على الرعاف أنه إنما يعفى عن أثرها إذا لم تنكأ قال: ولو سالت قرحته أو نكأها تمادى إلا أن يكون كثيرا إلا أن تمصل بنفسها ولا تكف فيدرأها بخرقة. قال في التوضيح: ظاهر كلامه أنه يتمادى إذا مصلت بنفسها بشرط أن لا تكف، وأما لو رجا الكف لقطع وإن سالت بنفسها، وهذا كما قال في المدونة وذكر لفظها المتقدم. وقال الباجي: خروج الدم من الجرح على وجهين: أحدهما أن يكون خروجه متصلا غير منقطع فعلى المجروح أن يصلي على حالته ولا تبطل بذلك صلاته لانها نجاسة لا يمكنه التوقي منها، وليس عليه غسلها إل إذا كثرت وتفاحشت فإنه يستحب له غسلها. الثاني أن لا يتصل خروجه وأمكن التوقي من نجاسته ودمه، فإن انبعثت في الصلاة بفعل المصلي أو بغير فعله فإنه يقطع الصلاة لنجاسة جسمه وثوبه فليغسل ما به الدم ثم يستأنف الصلاة لان هذه نجاسة يمكن التوقي منها للصلاة انتهى. وهو ظاهر كلام صاحب الطراز. وقال ابن عرفة: وعفي عما يشق وفيها لا يغسل دم قرحة تسيل دون إنكاء ومتفاحشه يستحب غسله. الباجي: إن لم يتصل سيله وأمكن التوقي منه قطع له الصلاة ولو سال بنفسه انتهى. وقال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى في شرح كلام ابن الحاجب: الثاني ظاهر كلامه أنه لا يتمادى إلا بشرط أن لا ينكف، وأما لو كان كثيرا ورجا الكف لقطع وإن سالت بنفسها وهو بعيد انتهى. فكلام ابن عبد السلام هذا موافق لظاهر المصنف لكنه مخالف لما تقدم، وينبغي أن لا يحمل ذلك على الخلاف فيحمل كلام المصنف وكلام ابن الحاجب على الاول على ما إذا أعسر الاحتراز منه سواء اتصل أو كان وقتا بعد وقت ولم ينضبط وتكرر وشق الاحتراز منه وبه يفسر قوله في المدونة: لا تكف تمصل وقول الباجي أحدهما أن يكون خروجه متصلا أي متكررا بحيث يشق الاحتراز منه، ويحمل قول الباجي الثاني أن لا يتصل خروجه على ما إذا كان خروج ذلك مرة واحدة أو تكرر ولم يشق الاحتراز منه كما لو خرج بعد يوم أو يومين مرة، ويرشد إلى هذا قوله: وأمكن التوقي من نجاسته وقد قال في المسألة الحادية عشر من سماع أشهب من كتاب الصلاة في الدمل ينفقع وهو في الصلاة: إنه إن كان يسيرا فليصل، وإن كان كثيرا

[ 228 ]
فلينصرف، وقبله ابن رشد. وحاصله أنه بقي على الباجي قسم ثالث وهو ما إذا لم يتصل خروجه ولم يمكن التوقي منه لتكرره في كل يوم أو مرتين في اليوم خصوصا إذا لم ينضبط وقت خروجه فيتعارض فيه مفهوما كلامه الاول والثاني، لكن يترجح العمل بالمفهوم الثاني لان أصل الباب أن كل ما شق الاحتراز منه يعفى عنه، وقد تقدم أن صاحب السلس في الوجه الذي يستحب له الوضوء منه اختلف، هل يستحب له غسل فرجه منه أم لا. وتقدم في كلام صاحب الطراز في توجيه قول سحنون أنه لا يستحب غسل فرجه إن ذلك اعتبارا بسائر النجاسات السائلة كالقروح وشبهها لا تغسل إلا أن تتفاحش. وقال في الجواهر: القسم الاول من النجاسات ما يعفى عن قليله وكثيره ولا يجب أن يتفاحش جدا فيؤمر بها، وهذا القسم هو في كل نجاسة لا يمكن الاحتراز منها أو يمكن لمشقة كبرى كالجرح يمصل والدم يسيل، والمرأة ترضع، والاحداث تستنكح، والغازي يضطر إلى إمساك فرسه، وخص مالك هذا ببلد الحرب ويرجح في بلاد الاسلام انتهى. وقد أطلت في هذه المسألة لانها محتاج إليها فتأمل ذلك منصفا. الثاني: قوله في المدونة: وليدرأها بخرقة قال ابن ناجي: استحبابا والله تعالى أعلم. ص: (وندب إن تفاحش كدم براغيث إلا في صلاة) ش: يعني أن الدمل والجرح إذا كانا يمصلان بأنفسهما يعفى عما يخرج منهما ولا يجب غسله ولا يستحب إلا إذا تفاحش فيستحب غسله كما يستحب غسل دم البراغيث إذا تفاحش إلا أن يتفاحش أثر الجمل والجرح وهو في الصلاة فلا يقطعثها، أو لم ير ذلك إلا في الصلاة فإنه لا يقطعها، وكذلك دم البراغيث لا تقطع له الصلاة. وحكى صاحب العمدة قولين، إذا تفاحش دم البراغيث بالوجوب والاستحبا والله تعالى أعلم. تنبيهات: الاول: قال ابن ناجي: اختلف في حد التفاحش فقيل: ما يستحيا به في المجالس من الناس، وقيل: ما له رائحة، نقلهما التادلي انتهى. قلت: ولم يجعل ذلك صاحب الطراز خلافا ونصه: وما حد التفاحش ؟ قال ربيعة: في الشئ الملازم مثل الجرح يمصل وأثر البراغيث إذا تفاحش منظر ذلك أو تغير ريحه فاغسله، وهذا حسن لانه إذا صار إلى هذه الحالة لا يقبل صاحبه ولا يقرب إلا بتقذر وتكره انجهى.

[ 229 ]
الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ألحق صاحب الحلل بدم البراغيث دم البق والقمل، وظاهر المذهب خلافه لان الكثرة منهما تتقذر انتهى. الثالث: ظاهر كلام المصنف أن دم البراغيث متى تفاحش يغسل وإن لم يكن نادرا بل في زمن هيجانه وهو ظاهر المدونة. قال ابن ناجي: وهو كذلك على ظاهر كلام الاكثر. وقال ابن الحاجب: وعن دم البراغيث غير المتفاحش النادر ومثله لابن شاس فجعلا أنه إذا كان في زمن هيجانه معفوا وإن تفاحش انتهى. قلت: وقال المصنف رحمه الله تعالى في التوضيح: أكثر الناس لم يذكروا القيد الاخير. فائدة: قال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح الرسالة والمدونة: ثمانية أثواب لا يؤمر بغسلها إلا مع التفاحش: ثوب دم البراغيث والمرضع وصاحب السلس وصاحب البواسير والجرح السائل والقرحة وثوب الغازي الذي يمسك فرسه في الجهاد وثوب المتعيش في سفره بالدواب، نقله الباجي انتهى. ص: (ويطهر محل النجس بلا نية بغسله) ش: لما قدم حكم إزالة النجاسة وما يعفى عنه، تكلم الآن في كيفية إزالة ما لا يعفى عنه وبماذا تكون، ومعنى كلامه أن محل النجاسة سواء كان بدنا أو ثوبا أو أرضا أو غير ذلك إذا أريد تطهيره إنما يطهر بغسله ولا يطهر بغير الغسل وما تقدم في الخف والنعل والرجل من أرواث الدواب وأبوالها والسيف الصقيل من الدم وموضع الحجامة، وكذلك الاستجمار في المخرجين والثوب الصقيل على مقابل المشهور، فإنما ذلك في العفو عن محله وإلا فالمحل محكوم عليه بالنجاسة بعدها ولا يطهر إلا بغسله، والغسل في كل نجاسة بحسبها. قال ابن العربي في العارضة لنجاسة إما حكمية أو عينية، فالحكمية يكفي فيها ورود الماء على المحل والعينية لا بد من إزالة عينها. وقال في موضع آخر: النجاسة على قسمين: نجاسة كلون الماء وهي البول والمذي ونحوهما فيجب أن يكاثر بالماء خاصة: إذ ليس لها عين تزال فكف من ماء على ما ورد في الحديث أكثر من نقطة من مذي. ونجاسة تخالف لون الماء فيلزم صب الماء حتى تذهب عينها، وقال في الحديث حديث بول الغلام وقوله: فنضحه ولم يغسله أي صب عليه الماء بدليل قوله: فأتبعه الماء وإنما سقط العرك لانه لا يحتاج إليه فإن الرجل الكبير لو بال على ثوبه وأتبعه ماء لكان ذلك تطهيرا للمحل كاملا. قال في حديث بول الاعرابي في المسجد إذا استقرت النجاسة على الارض صب عليها من الماء ما يغمرها ويستهلك البول فيها بذهاب رائحته ولونه وتطهر الارض النجسة بذلك. قال الهروي: لا تطهر إلا بأن تحفر ويجعل على ظاهرها تراب طاهر، وليس الذنوب تقديرا وإنما هو بحسب غلبة الماء وغيره للنجاسة واستهلاكها فيه، وإذا بال رجلان في موضع كفى ذنوب واحد. وقال الاصطخري: لكل رجل ذنوب وهو باطل ولو أهريق على الموضع ماء أو جاء عليه مطهر طهر، لان إزالة النجاسة لا تفتقر لنية انتهى. وقال ابن فرحون:

[ 230 ]
نص القاضي أبو بكر على أن الارض يكفي في تطهيرها صب الماء عليها فقط والبول وغيره إذا صب عليه الماء متتابعا حتى يتحقق زوال النجاسة أنه يطهر ولا يحتاج إلى عرك ولا عصر. وقال ابن شعبان في الزاهي: وطهور الارض من البول صب دلو من ماء عليها ومن أصابه نجس وهطل عليه المطر فاغتسل به طهره ذلك ولو كان جنبا انتهى. وقال الابي عن المازري في شرح حديث الاعرابي في شرح قوله: فدعا بذنوب من ماء فصب عليه فيه أن النجاسة المائعة دون لزوجة يكفي في تطهيرها صب الماء واتباعه دون ذلك، وكما لا يشترط فيه الدلك لا يشترط فيما يغسل به من الماء قدر معين بل ما يغمر النجاسة ويغلب عليها، لان المقصود ذهاب عين النجاسة، وإذا زالت بصب الماء دون غيره لم تفتقر إلى الدلك، وهذا فيما لا يظهر له عين بعد صب الماء كالبول. وحده بعضهم بأن يكون الماء سبعة أمثال البول، فلا يشترط في الماء أن يقطر بعد صبه عليها إلى الارض بل إذا صب الماء وغمر النجاسة استهلكت وذهب حكمها، فإن اندفعت الغسالة إلى موضع آخر من أرض أو بدن أو ثوب أو خرجت من الحصير إلى الارض التي تحتها، فيشترط في طهارة ما اندفعت إليه أن تكون الغسالة المندفعة غير متغيرة لان المتغيرة نجسة فإن اندفعت متغيرة صب عليها حتى تندفع غير متغيرة انتهى. وقال سند رحمه الله تعالى في كتاب الحج في غسل ثوب المحرم: فإن كانت النجاسة لا تفتقر إلى حت وعرك كالبول والماء النجس فإنه يواصل صب الماء ويتواصل ويتلطف في غسل ذلك انتهى. وذكر ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين عن بعض المتأخرين أن النجاسة العينية لا يكفي إجراء الماء عليها ولا بد من محاولة إزالة أوصافها الثلاثة: الطعم واللون والريح، وأما وجد منها انتهى. فعلم منه أن الحكمية هي التي لا طعم لها ولا لون ولا ريح كالبول إذا جف وطال أمره، والعينية نقيض الحكمية وبهذا فسرهما الشافعية. والحاصل: مما تقدم أن المقصود إزالة النجاسة فالتي يمكن زوالها بالماء كالبول والماء المتنجس أو بمكاثرة صب الماء كالمذي والودي لا يحتاج إلى عرك ودلك، وما لا يزال إلا بالعرك والدلك فلا بد له من ذلك وهذا معنى قوله في الجواهر: ولا يكفي مرور الماء على المحل بل لا بد من إزالتها عنه بإذهاب العين والاثر انتهى. لان معناه أن مرور الماء لا يكفي في كل نجاسة بل المقصود إزالة عينها وأثرها فيعتبر في كل نجاسة ما يزيل ذلك، وسيأتي في الكلام على النية في النضح عن ابن عرفة أن حكم إزالة النجاسة ورود الماء عليها والله تعالى أعلم. وقوله: بلا نية يعني به أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية، هذا هو المعروف. وحكى القرفي قولا بأنها تفتقر للنية وهو ضعيف، بل حكى ابن بشير وابن عبد السلام الاتفاق على عدم افتقارها للنية. وحكى ابن القصار وابن الصلاح من الشافعية الاجماع على ذلك، واستشكل ابن عبد السلام قولهم لا تفقتر لنية مع قولهم لا تزال إلا بالماء المطلق، فإن الاول يدل على أنها معقولة المعنى، والثاني على أنها تعبد فهو تناقض. قال ابن ناجيرحمه الله تعالى: وما ذكره

[ 231 ]
صحيح وأوردته في كثير من دروس أشياخي فلم يقع منهم جواب إلا ما لا يصلح. قلت: مما أجاب به بعضهم أنها من باب التروك وليس في الترك نية فتأمله، ويأتي في الكلام على النية في النضح. عن ابن عبد السلام أن التعبد فيما تقع به الازالة لا يكون موجبا للنية والله تعالى أعلم بالصواب. فائدة: الاعرابي الذي بال في المسجد اسمه ذو الخويصرة التميمي، والذنوب بفتح الذال المعجمة الدلو العظيم، وقيل: لا يسمى ذنوبا إلا إذا كان فيه ماء، قاله في النهاية. ويطلق الذنوب على النصيب كما في قوله تعالى: * (فإن للذين ظلموا ذنوبا) * (الذاريات: 59) أي نصيبا من العذاب. وقيل: إنه مستعار من الذنوب الذي هو الدلو فإنهم كانوا يستقون ويجعلون لكل جماعة ذنوبا والله تعالى أعلم. وقال سند: السجل دلو أصغر من الذنوب، والذنوب الدلو الكبير وهي دون الغرب وفوق السجل. ص: (إن عرف وإلا فبجميع المشكوك فيه ككميه بخلاف ثوبه فيتحرى) ش: يعني أن من تحقق إصابة النجاسة لمحل فإن عرف موضعها منه غسله، وإن لم يعرف موضع النجاسة مع تحققه الاصابة فإنه يغسل جميع ما شك في إصابة النجاسة له لانه لما تحقق إصابة النجاسة وجب غسلها، ولما لم يتميز موضعها تعين غسل الجميع لانه لا يتحقق زوالها إلا بذلك. قال في المبونة: ومن خيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها. قال ابن ناجي رحمه الله تعالى: هذا متفق عليه. قال في التوضيح: إلا أن لا يجد من الماء ما يعم به الثوب ويضيق الوقت فإنه يتحرى موضعها، نص عليه في الذخيرة انتهى. قلت: وأصله لصاحب الطراز وهو ظاهر. وقوله: ككميه يعني أن الثوب المتصل إذا تحققت إصابة النجاسة له وشك في محلها فلا بد من غسل جميع المشكوك فيه، ولو وقع الشك في جهتين متميزتين كالكمين ولا يجتهد في أحد الجهتين وهذا هو المذهب، قاله سند. وقال ابن العربي: يجتهد فما أداه اجتهاده أنه النجس غسله كما سيأتي في الثوبين ووجه المذهب أن الكمين متصلان بالثوب والثوبين منفصلان. وقوله: بخلاف ثوبيه فيتحرى يعني أنه إذا تحقق إصابة النجاسة لاحد ثوبيه وطهارة الآخر فاشتبه الطاهر بالنجس فإنه يتحرى أي يجتهد بعلامة تميز له الطاهر منهما من النجس، فما أداه اجتهاده إلى أنه طاهر صلى به، وما أداه اجتهاده إلى أنه نجس تركه حتى يغسله وهذا هو المشهور. وقال ابن الماجشون: يصلي بعدد

[ 232 ]
النجس وزيادة ثوب كالاواني. وقال ابن مسلمة: كذلك ما لم يكثر هذا تحصيل ابن عرفة. وحكى ابن الحاجب القولين الاولين فقط. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: ظاهر كلام ابن الحاجب يتحرى في الثياب عدم اشتراط الضرورة وكلامه في الجواهر قريب منه، ونص سند على أنه إنما يتحرى في الثوبين عند الضرورة وعدم وجود ما يغسل به الثوبين انتهى. قلت: وهكذا نقل صاحب الجمع عن ابن هارون أنه إنما يتحرى إذا لم يجد ثوبا طاهرا أو ما يطهر به ما اشتبه عليه من الثياب، ونقله عن سند أيضا قال: وظاهر كلام ابن شاس وغيره الاطلاق من غير تقييد بضرورة وهو غير صحيح، لانه إذا لم يكن مضطرا فقد أدخل احتمال الخلل في صلاته بغير ضرورة انتهى. وهو ظاهر، وعلى هذا فلا فرق بين الشك في الثوبين أو في الثوب الواحد في وجوب الغسل مع عدم الضرورة، وأما مع الضرورة فيتحرى في الثوبين، وأما الثوب الواحد فلا فائدة للتحري فيه إلا في الصورة التي تقدمت عن التوضيح وهي ما إذا لم يجد من الماء ما يغمر به الثوب وضاق الوقت، وهكذا قال سند بعد أن ذكر الفرق بين الثوبين: والثوب الواحد بأنه إذا تحرى في الثوبين صلى بأحدهما من غير غسل، وأما الثوب الواحد فلا بد من الغسل والشك في جميع الثوب فيغسل جميعه. قال: وفي التحقيق لا فرق بينهما وذكر ما تقدم. وقال ابن غازي: وقد أغفلوا كلهم ما في سماع ابن أبي زيد من كتاب الصلاة وذكر عنه قولين: أحدهما عن مالك يصلي في أحدهما ثم يعيد في الوقت إن وجد ثوبا طاهرا كما في الثوب الواحد، والثاني عن ابن القاسم كقول ابن الماجشون إنه يصلي في أحدهما ثم يعيد في الآخر ولا إعادة عليه بعد ذلك. قال ابن رشد: قول ابن القاسم استحسان لانه يرى إذا صلى بأحدهما ثم أعاد في الاخرى مكانه فقد تيقن أن إحدى صلاتيه قد وقعت بثوب طاهر وفيه نظر، لانه إذا صلى بأحدهما على أنه يعيد في الآخر فلم يعزم في صلاته فيه على أنها فرضه إذا صلى بنية الاعادة فحصلت النية غير مخلصة للفرض، وكذلك إذا أعادها لم يخلص نيته في إعادته للفرض لانه نوى أنها صلاته إن كان هذا الثوب هو الطاهر. وقول مالك أصح وأظهر من جهة النظر والقياس، لانه يصلي في أحدهما على أنه فرضه فيتحرى صلاته إذ لو لم يكن عليه غيره وصلى به وهو عالم بنجاسته لاجزأته صلاته، ثم إن وجد في الوقت ثوبا طاهرا أعاد استحبابا انتهى كلام ابن رشد. وما ذكره من النظر فيما إذا صلى بأحدهما ثم أعاد في الآخر يأتي نحوه لابن رشد في اشتباه الاواني، ويأتي الجواب عنه. وما ذكره ابن غازي عن سماع ابن أبي زيد حسن، والظاهر أن معنى قول مالك يصلي بأحدهما أي بعد أن يتحرى ولا أظن أن أحدا يجيز له الصلاة في أحدهما بلا تحر مع إمكان التحري، اللهم إلا إذا تحرى أي اجتهد فلم يترجح أحدهما على الآخر، فحينئذ يصلي في أحدهما، وعلى هذا فهو موافق للقول الذي مشى عليه المصنف. وقوله: إنه إن وجد ثوبا أعاد

[ 233 ]
في الوقت لا ينافي ذلك كما قال ابن غازي، إذ هو على جهة الاستحباب كما ذكره ابن رشد رحمه الله تعالى. ويرجح ما ذكره صاحب الطراز وابن هارون أن التحري إنما هو مع الضرورة وهو الظاهر فينبغي أن يعتمد إذ لا فرق بين الثوبين والثوب الواحد. وقد فرقوا بينهما بفروق ضعيفة، أحسنها ما ذكره ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وأصله لابن العربي أن الاصل في كل واحد من الثوبين الطهارة على انفراده فيستند إلى أصل ولا كذلك الثوب الواحد، لان حكم الاصل قد بطل لتحقق حصول النجاسة فيه فيجب غسله. قال ابن عبد السلام: هكذا قالوا: ولا يخفى ما فيه فلو فصل هذا الثوب نصفين بقي وجوب الغسل على ما كان لاحتمال أن يكون القسم في محل النجاسة فيكون كل واحد منهما نجسا، وهذا هو الفرق بينه وبين الكمين على القول بالتحري فيهما وهو اختيار ابن العربي قال: ولو فصلهما جاز له التحري إجماعا يعني على القول بجلتحري في الثوبين انتهى. وقال صاحب الجمع فميا إذا قسم الثوب: فلو فرضنا أنه قسم في موضع يتحقق أنه ليس فيه نجاسة بل النجاسة بعيدة منه لكان مثل أحد الكمين انتهى. وفرق بعضهم بأن الاصل عدم التحري في الثوب الواحد لثبوت النضح فيما شك في وصول النجاسة إليه ولانه قائم بنفسه ولا يجتمع فيه الاجتهاد واليقين وهذان الوصفان غير موجودين في الثوبين. قلت: وإذا مشينا على ما قاله سند وغيره لم يحتج لشئ من هذا والله تعالى أعلم. وصدر صاحب الشامل بالقول بالتحري ثم قال: وقيده بعضهم بالضرورة والله تعالى أعلم. الثاني: إذا قلنا: لا يتحرى إلا مع الضرورة فهل يكون حكمه حكم المتيمم ؟ فالآيس يتحرى في أول الوقت، والراجي في آخره، والمتردد في وسطه. أو يقال: لا يصلي بالتحري إلا في آخر الوقت المختار، تردد في ذلك صاحب الجمع وفي كلامه ميل إلى الثاني. قال: والفرق بينه وبين المتيمم أن التيمم طهارة بدل عن طهارة وإزالة النجاسة لا بدل لها فيؤخر إلى آخر الوقت المختار، ثم قال: ويمكن أن يجاب) بأنه غير مصل بالنجاسة بل يحتمل احتمالا مرجوحا، انتهى. قلت: الظاهر أإنه لا يتحرى إلا مع الضرورة كما قال سند وغيره، وأنه يفصل فيه كالتيمم، وإنه إن وجد ثوبا طاهرا أو ما يغسل به يعيد في الوقت كما قاله في العتبية والله تعالى أعلم. الثالث: إذا قلنا بالتحري مع عدم الضرورة فلا يلزمه إلا غسل أحدهما وهو ما حكم اجتهاده بأنه نجس، وهذا اختيار ابن العربي، وفرع عليه ما إذا لبسهما وصلى بهما قال: فتجوز صلاته لان أحد الثوبين طاهر بيقين وهو الذي غسله والآخر طاهر بالاجتهاد. وقال بعض الشافعية: لا يجوز لانه كثوب واحد بعضه نجس وبعضه طاهر. قال: وهذا قلب للحقائق لا يكون الثوبان ثوبا ولا الثوب ثوبين والله تعالى أعلم. الرابع: لا اعتبار في إزالة النجاسة بالعدد عندنا بل المعتبر في عينها إزالة العين وفي حكمها إصابة الماء المحل، واستحب الامام الشافعي ثلاث غسلات لحديث القائم من النوم،

[ 234 ]
وأوجب ابن حنبل التسبيع في كل نجاسة قياسا على الكلب إلا الارض فواحدة لحديث بول الاعرابي. ص: (بطهور منفصل كذلك) ش: هذا متعلق بقوله: يغسله والمعنى أن المحل النجس يطهر بغسله بالماء الطهور بشرط أن ينفصل الماء عن المحل طهورا باقيا على صفته. فإن قيل: قد تقدم أول الكتاب أن الحدث وحكم الخبث يرفعان بالماء المطلق الذي هو الطهور، فلم أعاد ؟ فالجواب: إنما أعاده ليبين أنه يشترط انفصاله كذلك أي طهورا ولم يتقدم له التنبيه على ذلك، وقد قدمنا في قوله: يرفع الحدث وحكم الخبث أن سياق كلامه يقتضي الحصر لانه كالحد لما يرفذ به الحدث وحكم الخبث، وكذا يقال هنا، وهذا هو المشهور في المذهب أعني أن محل النجاسة لا يطهر إلا بالماء الطهور. وذكر ابن بشير وتابعوه قولا إنها تزال بكل قلاع كالخل، إنما حكى في النوادر الخلاف في الماء المضاف. قال: قال يحيى بن عمر وأبو الفرج: اختلف في إزالة النجاسة بالماء المضاف فقيل: يجوز ذلك، وقيل: لا يطهره إلا الماء المطلق وهو الصواب. وذكر المازري أن اللخمي ذكر خلافا في إزالة النجاسة بالمائع. قال: وأراه إنما أخذه من قول ابن حبيب إذا بصق دما ثم بصق حتى زال أنه يطهر، ورد بجواز أن يكون ابن حبيب إنما اغتفره ليسارته لاشتراطه عدم تفاحشه. قال ابن عرفة: قلت: بل أخذه من قول القاضي في مسح السيف. قال ابن عرفة ابن العربي: لو جففت الشمس موضع بول لم يطهر على المشهور ولا يكفي فرك المني. قال في النوادر: الفرك باطل وكذلك النار ولا تطهر على المشهور فإن انفصل الماء متغيرا فالمحل نجس. قال ابن عرفة، وغسالتها أي النجاسة متغيرة

[ 235 ]
نجسة. ابن العربي: كمغسولها وغير متغيرة قالوا: طاهرة كمغسولها اه‍. ثم بحث في كون الغسالة إذا لم تتغير طاهرة وسيأتي كلامه إن شاء الله تعالى. وقال صاحب الجمع عن ابن هارون في شرح قول ابن الحاجب: والغسالة المتغيرة نجسة وغير المتغيرة طاهرة ولا يضر بللها لانه جزء المنفصل يعني ما غسل به لنجاسة إذا انفصل متغيرا فهو والمحل نجسان، وإن انفصل غير متغير فهما طاهران. قال ابن رشد: استدل بالتغير على بقاء النجاسة في الثوب لان المنفصل جزء الباقي في الثوب، فإن كانت متغيرة فهي نجسة وعلم أن الثوب لم يطهر، وإن كانت غير متغيرة علم أن النجاسة قد انفصلت عن الثوب وفيه نظر إذ قد يكون التغير من أوساخ في الثوب متكاثفة، وإنما ينبغي أن يعول في ذلك على ما يظهر مشاهدة الحال فتأمله. قال صاحب الجمع: قلت: الصواب التنجيس لان تغيرها دليل على عدم بقاء المحل إذ يبعد أن تخرج النجاسة ويبقى الوسخ لانهما لما توادا على محل واحد صارا كالشئ الواحد، فلا يخرج أحدهما إلا بخروج الآخر اه‍. قلت: ما قاله صاحب الجمع غير ظاهر إذا زال عين النجاسة وطعمها ولونها وريحها، أو زال الطعم وعسر اللون والريح، وتحقق أن التغير إنما هو من الاوساخ، أما إن كان التغير من صباغ الثوب كالمصبوغ بالنيل فإنه لا يضر بقاء لون الصبغ. وقد قال الابي رحمه الله تعالى في شرح مسلم في أحاديث تحريم الخمر: إن المصبوغ بالنيل المتنجس يطهر بعد غسله ولا يشترط في غسله أن ينقطع النيل اه‍. قال ابن عرفة الشيخ: روى محمد إن طهر ما صبغ ببول فلا بأس به. ابن القاسم: ترك الصبغ به أحب إلي اه‍. ومراده بما صبغ بالبول ما جعل البول في صباغه وليس البول نفسه صبغا والله تعالى أعلم. وذكر صاحب الاكمال عن مالك في أواني الخمر خلافا فروي عنه نغسل وتستعمل، وروي عنه إنه إذا طبخ فيها الماء وغسلت طهرت، وروي عنه إنها تكسر وتشق الظروف فقيل: عقوبة على القول بالعقوبة بالمال. وقيل: إنها لا تطهر بالغسل لانه تغوص فيها. قال الابي: واختار شيخنا يعني ابني عرفة أنها لا تطهر للغوص، والتزم على قياس ذلك أنه لو صبغ به ثوب لم يطهر فعورض بما صبغ بالورجله، فأجاب بأن الورجله متنجسة لا نجسة العين. قال الابي: والظاهر طهارة إناء الخمر إذا غسل لما تقرر أن بقاء اللون لا يضر إلا أن يقال: إن الماء لا يصل إلى ما يصل إليه الخمر، وكذا أفتى الشيخ يعني ابن عرفة بأن ألواح البتاتي لا يجوز أن يسقف بها المسجد. قال: وأما الاقباب المصنوعة منها فماؤها طاهر لانه لا يتغير اه‍. ص: (ولا يلزم عصره) ش: يعني أن محل النجس إذا غسل بالماء

[ 236 ]
الطهور وانفصل الما عن المحل طهورا فإنه لا يلزم عصره لعموم الاحاديث، ولان الفرض أن الماء قد انفصل طهورا والماء الباقي في المحل كالمنفصل وخالف في ذلك أبو حنيفة وبعض الشافعية فقالوا: لا يطهر الثوب حتى يعصر والله أعلم. ص: (مع زوال طعمه لا لون وريح عسرا) ش: قوله: مع متعلق بيطهر هذا هو المتعين، وأجاز البساطي أن يتعلق بقوله: ولا يلزم عصره وهو بعيد، والمعنى أن محل النجس يطهر بكذا مع زوال طعم النجس، فجن بقي طعم النجس لم يطهر لان بقاء الطعم دليل على بقاء النجاسة فلا بد من إزالة الطعم وإن عسر. وقوله: لا لون وريح معطوفان على زوال على حذف مضاف تقديره لا زوال لون وريح عسر زوالهما أي يطهر محل النجس بكذا بشرط زوال طعم النجس لا بشرط زوال اللون والريح إذا عسرا، وإن لم يعسر زوالها لم يطهر المحل مع بقاء واحد منهما، وبقاء اللون أشد من بقاء الريح. قال في الجواهر: لو بقي الطعم بعد زوال الجرم في رأي العين فالمحل نجس لان بقاءه دليل على بقائه، وكذلك لو بقي اللون أو الريح وقلعه متيسر بالماء فإن تعسر قلعه عفي عنه وكان المحل طاهرا، ونقله في الذخيرة وزاد: كما يعفى عن الرائحة عن الاستنجاء إذا عسر زوالها من اليد أو المحل. تنبيهات: الاول: إن قيل: كيف يتصور إدراك بقاء الطعم فإن ذوق النجاسة لا يجوز ؟ فالجواب أن ذلك بعد الوقوع أي لو ذاق فوجد الطعم لم يطهر. ويمكن تصوير ذلك ابتداء فيما إذا كانت النجاسة في الفم أو دميت اللثة، قالها بن فرحون، زاد البلقيني من الشافعية، وكذا لو غلب على ظنه زوال الطعم فيجوز له ذوق المحل استظهارا وهو ظاهر والله تعالى أعلم. الثاني المعتبر في إزالة ذلك هو الازالة بالماء كما يفهم من قول الجواهر المتقدم وقلعه متيسر بالماء، فيفهم منه أنه إذا أمكن زوال اللون والريح بغير الماء لم يجب وهو كذلك، ونحوه في كلام ابن العربي، وابن الحاجب، ولو أمكن زوال اللون والريح بأشنان أو صابون فالظاهر أنه لا يجب، وللشافعية في ذلك خلاف. وفي حديث خولة بنت يسار في الدم العسر الزوال قال (ص): يكفيك الماء ولا يضرك أثره. وقيس الريح على اللون بجامع المشقة.

[ 237 ]
الثالث: لو بقي اللون والريح معا فظاهر كلام المصنف وغيره من أصحابنا أنه لا يضر ذلك، وللشافعية في ذلك خلاف. والرابع: إذا عسر زوال اللون أو الريح فالمحل طاهر كما تقدم في كلام صاحب الجواهر، وكما فهم من كلام المصنف وغيره، وقال بعض الشافعية: نجس معفو عنه. الخامس: قال ابن عبد السلام: ينبغي على مذهب ابن الماجشون باغتفاره الرائحة في الماء أن يغتفرها في الازالة أيضا وإن لم تعسر، ورده ابن عرفة بأن دلالة الشئ على حدوث أمر أضعف منها على بقائه لقوته بالاستصحاب فإن الماء يدفع عن نفسه، قاله اللخمي. ص: (والغسالة المتغيرة نجسة) ش: الغسالة هي الماء الذي غسلت به النجاسة ولا شك في نجاستها إذا كانت متغيرة، وسواء كان تغيرها بالطعم أو اللون أو الريح، ابن عبد السلام: وليست كحكم محل النجاسة وهذا إذا كان تغيرها بالنجاسة أو بوسخ في الثوب، وأما إذا كان تغيرها بصبغ في الثوب وبولغ في غسل النجاسة حتف غلب على الظن أن التغير إنما هو من الصبغ فينبغي أن يحكم بطهارتها، وإن كانت متغيرة كما تقدم أنه يحكم بطهارة الثوب حينئذ، وكذلك لو كان الماء مضافا بغير شئ طاهر وغسلت به النجاسة حتى زال عينها وأثرها وخرج الماء كهيئته الاولى، فينبغي أن يحكم بطهارة الغسالة على ما مشى عليه المصنف في الفرع الآتي أعني قوله: ولو زال عين النجاسة بغير المطلق لم يتنجس أصلا في محلها لانهم إذا لم يحكموا بنجاسة البلل الذي في الثوب فكذلك البلل المنفصل منه لانهما شئ واحد انفصل بعضه وبقي بعضه وإلا كان هذا معارضا للفرع الآتي فتأمله. ومفهوم كلام المصنف أن الغسالة التي لم تتغير طاهرة وهو كذلك. قال ابن عبد السلام: فإن كانت كثيرة فلا شك في طهارتها، وإن كانت يسيرة فقالوا كذلك، وهو مبني على مذهب من يفرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه، ومن لم يفرق فيشكل مذهبه من جل ذلك والله تعالى أعلم ا ه‍. وقال ابن عرفة: وغير المتغيرة قالوا طاهرة كمغسولها. قلت: يرد بانتقال النجاسة عنه لها وبظاهر قول ابن القاسم فيها ما توضأ به لا ينجس ثوبا أصابه إن كان الذي توضأ به طاهرا أو على قولهم التزم بعض من لقيناه لو غسلت قطرة من بول في بعض جسد أو ثوب وشاعت غسالتها غير متغيرة لم تنفصل عنه كان طاهرا اه‍. وقد تقدم في كلام الابي نحو ذلك في قوله: ويطهر محل النجس. قلت: استشكال ابن عبد السلام وابن عرفة مبني على أن النجاسة انتقلت للغسالة

[ 238 ]
ونحوه لابن العربي ورده بعض مشايخ الشافعية بمنع انتقالها بل نقول: الماء قهرها وغلبها فكأنه أعدمها فتأمله والله تعالى أعلم. فرع: قال صاحب الجمع عن ابن هارون: وهل يجوز رفع الحدث وزوال النجاسة بهذه الغسالة: أجراه ابن العربي على الماء اليسير تحله نجاسة يسيرة ولم تغيره وفيه نظر، بل الظاهر أنه يرفع الحدث ويزيل النجس ولا ينجس ثوبا أصابه لانا حكمنا بطهارته. اه‍. قلت: قال ابن عبد السلام بعد ذكره كلام ابن العربي: وفيه نظر إذ لو كان كذلك لكانت الغسالة مختلفا فيها ولم يذكروا فيها خلافا فيما رأيناه اه‍. وقال المصنف في التوضيح بعد ذكره كلام ابن هارون وابن عبد السلام: وفيه نظر، اه‍. قلت: قال سند في الكلام على سؤر ما لا يتوقى النجاسة: إن من كان معه ماء وعليه نجاسة وهو محدث فإنه يؤمر بإزالة النجاسة بالماء ويتيمم لطهارة الحدث، ولا يقول أحد من الناس إنه إذا غسل النجاسة رجع استعمل غسالتها في طهارته اه‍. ولعل ذلك أنها لا تسلم غالبا من تغير أحد الاوصاف الثلاثة لا سيما على ما تقدم عن ابن راشد أنها إنما تكون نجسة إذا كان تغيرها بالنجاسة لا بالاوساخ. ص: (ولو زال عين النجاسة بغير الماء المطلق لم يتنجس ملاقي محلها) ش: يعني أنه إذا أزيلت النجاسة بغير الماء المطلق إما بماء مضاف أو بشئ قلاع غير الماء كالخل ونحوه، وقلنا: إن ذلك لا يطهر محل النجاسة وإنه محكوم عليه بها ولا تجوز الصلاة به، ثم لاقى ذلك المحل وهو مبلول شيئا أو لاقاه شئ مبلول بعد أن جف أو في حال بلله، فهل يتنجس ما لاقاه أو لا يتنجس ؟ قولان: قال ابن عبد السلام والمصنف وغيرهما والاكثرون على عدم التنجيس، زاد المصنف إذ الاعراض لا تنتقل، وعلى هذا الخلاف اختلف الشيخان القابسي وابن أبي زيد، إذا دهن الدلو الجديد بالزيت واستنجى منه فإنه لا يجزئه، قال القابسي: ويغسل ما أصابه من الثياب. وقال ابن أبي زيد: يعيد الاستنجاء دون غسل ثيابه اه‍. وما ذكرناه من أنه لا فرق بين زوال عين النجاسة بماء مضاف أو بشئ قلاع، قاله ابن عرفة ونصه: لو زال عينها بمضاف أو قلاع في تنجيس رطب بمحلها نقل عبد الحق عن بعض المتأخرين مع ابن عبد الرحمن عن القابسي وابن العربي مجهلا لمخالفه، والتونسي مع عبد الحق، ومعروف قول القابسي عند قول الشيخ وابن رشد قائلا اتفاقا، فعزى القول بالتنجيس لبعض المتأخرين وابن عبد الرحمن عن القابسي وابن العربي وعزا القول بعدم التنجيس للشيخ أبي إسحاق التونسي وللشيخ ابن أبي زيد ولابن رشد قائلا اتفاقا، ولعبد الحق

[ 239 ]
والقابسي أيضا فيكون له قولان: معروفهما الثاني على ما قاله عبد الحق. وقال في التوضيح في الكلام على نجاسة المني: إن القول الثاني مذهب الجمهور، وقاله ابن عبد السلام أيضا، وما عزاه لابن رشد انظره في سماع موسى والله أعلم. قال الشارح في الكبير: ومثل هذا ما إذا استجمر بالاحجار ثم عرق المحل فإنه لا يضر الثياب ويعفى عنه لانه أثر معفو وهو الاصح، وقيل: لا يعفى عنه. قلت: ما ذكر من العفو صحيح. وذكره ابن الحاجب وغيره وقد تقدم ذكره في المعفوات فيما إذا اتصل بالمعفو مائع وليس هو من هذا الباب لان النجاسة هنا باقية والمحل الذي تصيبه نجس لكنه معفو عنه فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وإن شك في إصابتها الثوب وجب نضحه) ش: لما تكلم على حكم ما إذا تحقق النجاسة وتحقق إصابتها، أتبع ذلك بالكلام على ما إذا شك في ذلك وهو على ثلاثة أوجه: الاول: أن يشك في الاصابة أي هل أصابته النجاسة أم لا ؟ والثاني: أن يتحقق الاصابة ويشك في المصيب هل هو نجس أم لا ؟ والثالث: أن يشك فيهما أي في الاصابة وفي نجاسة المصيب. وذكر الباجي رحمه الله تعالى من أقسام الشك قسما آخر وهو إذا تحقق إصابة النجاسة وشك في الازالة قال: ولا خلاف في وجوب الغسل لان النجاسة متيقنة فلا يرتفع حكمها إلا بيقين، وبدأ المصنف بالكلام على الوجه الاول. والضمير في إصابتها للنجاسة يعني أن المكلف إذا تحقق نجاسة شئ وشك هل أصاب ذلك الشئ النجس ثوبه أو لم يصبه، فإنه يجب عليه أن ينضحه، وسيأتي تفسير النصح. قال في التوضيح: وهذا القسم متفق فيه على النضح. وقال ابن بشير: يلزم النضح فيه بلا خلاف. قلت: حكى ابن رشد في رسم البز من سماع ابن القاسم ابن لبابة ذهب إلى غسل ما شك فيه من الابدان والثياب ولم ير النضح إلا مع الغسل في الموضع الذي ورد فيه الحديث يعني قوله: اغسل ذكرك وأنثييك وانضح. وحكى ذلك عن ابن نافع قال ابن رشد: وهو خروج عن المذهب، ولعل ابن بشير لم يعتبره ولهذا جزم بنفي الخلاف إلا أن قوله: يلزم النضح بلا خلاف يقتضي وجوب النضح من غير خلاف. وقد قال سند: اختلف في النضح، هل هو واجب أو مستحب ؟ قال عبد الوهاب: مستحب لانه لا يزيل شيئا. وظاهر المذهب أنه واجب فتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: وجوب النضح واستحبابه ووجوب الغسل. وعلى الاول مشى المصنف لقول سند: إنه ظاهر المذهب. وكذا قال صاحب اللباب: إنه ظاهر المذهب، ودليله أمره عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيحين بنضح الحصير الذي اسود من طول ما لبث،

[ 240 ]
وذلك لحصول الشك فيه. وقول عمر رضي الله تعالى عنه حين شك في ثوبه هل أصابه مني اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر. وقال مالك في المدونة مستدلا ثبوت النضح بعمل الصحابة والتابعين هو من أمر الناس. فظاهر كلام صاحب الجمع أن ابن لبابة يقول بعدم وجوب الغسل والنضح فيما شك فيه فإنه قال: وخالفنا الامام الشافعي وأبو حنيفة ووافقهما ابن لبابة هنا لان الثوب إذا لم يكن فيه نجاسة فلا فائدة في النضح، وإن كانت فيه فالنضح ينشرها اه‍. إلا أن يكون مراده أن ابن لبابة يوافقهما ما في القول بعدم النضح وإن خالفهما في وجوب غسل ما شك فيه. وتقييد المصنف المسألة بالثوب احتراز من الجسد فإنه سيذكر حكمه ويأتي إن شاء الله تعالى هناك الكلام على غيرهما. ومثل ابن الحاجب المسألة مما إذا شك الجنب أو الحائض هل أصاب ثوبهما شئ أم لا. قال في التوضيح: وهذا إذا كان الثوب مصبوغا يخفى أثر الدم فيه، فإن كان أبيض فلا أثر للاحتمال وهو وهم قال معناه في الجلاب اه‍. ونحوه في كلام ابن عرفة فيمن ترك النضح، وكذا لو نام في ثوبه ورأى في جهة منه بللا وشك في الاخرى هل أصابها شئ أم لا فإنه يغسل ما رأى وينضح ما لم ير. تنبيه: علم مما ذكره في التوضيح أن النضح إنما يجب مع الشك والشك تساوي الطرفين، فأما الوهم فلا أثر له ولو كان له شبهة، وأما الظن فلم أر من تعرض له إلا صاحب النوادر فإنه قال بعد ذكره النضح للشك: وكذلك إن ظن أن في ثوبه نجاسة فليرشه اه‍. قلت: وهذا والله أعلم لان الشارع لم يعول في أمر النجاسة إلا على المحقق، فأجاز الصلاة بالنعال التي يمشى بها في الطرقات وفي موضع قضاء الحاجة ونحو ذلك كما أشار إلى ذلك القرافي في الفرق التاسع والثلاثين بعد المائتين، وقبله ابن راشد. وقال الشيخ أبو حامد الغزالي: والمزيل للوسواس أن يعلم أن الاشياء خلقت طاهرة بيقين فما لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقينا يصلي به. ولا ينبغي أن يتوصل بالاشتباه إلى تقدير النجاسات اه‍. فالظاهر وجوب الغسل لان الاحكام الشرعية مناطة تغلبة الظن، وفي رسم ندر من سماع عيسى: وسألته عن جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل ثوبه قال: أما إن كان نداه شبيها بالغبار فليرشه ولا شئ عليه، وإن كان بللا أو شبيها به فليغسله. قال ابن رشد: إذا كان شبيها بالغبار فلا يوقن بتعلقه بثوبه فكذلك قال ينضحه لان النضح طهور لما شك في نجاسته من الثياب، وإن كان بللا أو شبيها بالبلل فلا إشكال في وجوب غسله لتعلقه بثوبه اه‍. ونقله ابن عرفة، فهذا يدل على أنه إذا غلب على الظن وصول النجاسة للثوب وجب الغسل لانه إذا كانت نداوة الجدار شبيهة بالبلل يغلب على الظن وصولها للثوب. وقال في النوادر أيضا: قال علي عن مالك فيمن بال في ريح فظن أن الريح ردت عليه من بوله فليغسله إن أيقن بذلك ولا ينضحه اه‍. فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وإن ترك أعاد الصلاة كالغسل) ش: يعني إذا قلنا

[ 241 ]
بوجوب النضح فتركه وصلى فإنه يعيد الصلاة كما يعيدها من ترك غسل النجاسة المحققة، فإن كان عامدا أو جاهلا أعاد أبدا، وإن كان ناسيا أو عاجزا أعاد في الوقت، والوقت في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين للفجر، وفي الصبح للطلوع. وعن ابن الحاجب هذا القول لابن القاسم وسحنون وعزاه صاحب اللباب لابن القاسم فقط، وعزاه ابن معلى لابن القاسم وعيسى، وظاهر كلام المصنف في التوضيح وابن عرفة أن هذا القول لابن حبيب، وأن ابن القاسم يقول بالاعادة في الوقت فقط سواء تركه عمدا أو سهوا، وبه صدر في الشامل وعزاه لابن القاسم، وعزا القول الذي ذكره ابن حبيب لابن القاسم، ولعل ابن القاسم له قولان. وقال في التوضيح: قال أشهب وابن نافع وابن الماجشون: لا إعادة أصلا. وعلله القاضي أبو محمد بأن النضح مستحب عندهم انتهى. ورده ابن العربي بأن النضح واجب ولكنه فرض لا يؤثر في الصلاة وفيه نظر، لان وجوبه ليس إلا للصلاة فيجب أن يكون مؤثرا فيها كالغسل بل هو أولى لانه تعبد محض. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح. تنبيه: قول ابن حبيب المتقدم يعيد الجاهل والعامد أبدا بخلاف الناسي مقيد في الواضحة بما إذا شك هل أصاب ثوبه شئ من جنابة أو غيرها من النجاسة، وأما من وجد أثر الاحتلام فاغتسل وغسل ما رأى وجهل أن ينضح ما لم ير وصلى فلا إعادة عليه لما صلى، ولكن عليه أن ينضحه لما يستقبل قال: وقاله ابن الماجشون انتهى. ففي كلام المصنف وابن الحاجب مناقشة من جهة أن هذا القول ليس هو قول ابن القاسم وإنما هو قول ابن حبيب، ثم إن ابن حبيب قيده والمصنف وابن الحاجب وأطلقاه فتأمله. الثاني: ذكر المصنف في التوضيح وابن فرحون أن قول ابن الماجشون بنفي الاعادة إنما هو في الصورة الثانية، وهي ما إذا احتلم وغسل ما رأى ولم ينضح ما لم يره والله تعالى أعلم. الثالث: قال في التوضيح عن المازري: قد قدمنا أن الاختلاف في الاعادة بترك النجاسة وأن في المذهب قولا بالاعادة أبدا مع النسيان ولم يقل بذلك أحد من أصحابنا في النضح، وإنما ذلك لانخفاض رتبته عن الغسل. الرابع: لو ترك النضح وغسل قال في التوضيح قال ابن هارون: يجري على الخلاف فيمن أمر بمسح رأسه أو خفيه فغسل ذلك وإلا قيس الاجزاء. قال المصنف: في التخريج نظر. قال البساطي: ولا أظنهم يختلفون هنا في الاجزاء انتهى. ونحوه للباجي على المدونة.

[ 242 ]
قلت: وقد صرح صاحب الطراز بالاجزاء ولم يذكر في ذلك خلافا، وذكره في كتاب الطهارة في باب تقليم ظفر المحرم من كتاب الحج والله تعالى أعلم بالصواب. الخامس: إذا ترك نضح الجسد وصلى فالخلاف فيه كالخلاف في الثوب، وذكره ابن فرحون رحمه الله تعالى في شرحه. ص: (وهو رش باليد) ش: يعني أن النضح هو الرش باليد وهذا هو المشهور. وقال الداودي: هو غمر المحل بالماء. قال الباجي: هو يستعمل في الوجهين ويتعين لاحدهما بالقرينة، ففي محل الشك يحمل على الرش، وفي التحقيق على الصب، فيرش الجهة التي شك فيها ولا يرش جهتي الثوب إلا أن يشك فيهما % معا. قال ابن عرفة: وفي صفته طرق عيسى بن مسكين عن ابن سحنون رش ظاهر ما شك فيه وباطنه. عياض: هذا فيما شك في ناحيته وإلا فالتي شك في نيلها فقط. القابسي: رش موضع الشك بيده رشة واحدة وإن لم يعمه، وإن رشه بفيه أجزأه. عياض: لعله بعد غسل فيه من بصاقه وإلا كان مضافا انتهى. والظاهر أن ما قاله عياض في رش الجهيتن وفي الرش بالفم تفسير لا خلاف، وكذا ما قاله القابسي من أنه لا يشترط تعميم المحل. ويؤخذ ذلك من كلام ابن عرفة الآتي في الكلام على النية في النضح وأنه إن رشه بفيه بعد تنظيفه من البصاق أجزأ وإلا لم يجز. ونقل المصنف في التوضيح والشارح في شرحه وشامله القول بالرش بالفم ولم يقيداه بما قيده به عياض وجعلاه خلاف المشهور والله تعالى أعلم بالصواب. ص: (بلا نية) ش: يعني أن النضح لا يفتقر إلى نية، فلو رش المحل مطر ونحوه كفى لانه من باب إزالة النجاسة. قال ابن محرز: ولانه إن كانت هناك نجاسة فلا يحتاج إلى نية، وإن لم تكن نجاسة فلا يجب شئ. واعترض ابن عرفة على قوله: إن كانت هناك نجاسة فلا يحتاج إلى نية بأن هذا، إنما هو فيما لم يظهر أنه تعبد. ثم أجاب بأنا نمنع كون النضح تعبدا قال: لان حكم إزالة النجاسة غلبة الماء عليها لقولهم الغسالة الغير المتغيرة طاهرة وماء النضح غالب لقلة النجاسة إن كانت. قال: فإن رد بأن الرش غير ملزوم لوصول الماء

[ 243 ]
النجاسة لكونه رشا لا يعم سطح المحل المشكوك فيه بلا غلبة، أجيب: بأن كثرة نقط الماء على سطحه فقط مظنة لنيل نجاسته إن كانت والظن كاف انتهى. وقيل: يفتقر إلى النية لظهور التعبد فيه إذ هو تكثير للنجاسة لا إزالة لها وتقدم جوابه. وقال ابن عبد السلام: وقد يقال: إن التعبد فيما تقع به الازالة لا يكون موجبا للنية، ألا ترى أنهم قصروا الازالة على الماء في المشهور وذلك تعبد لا تلزم النية معه في باب الغسل، فكما لا تلزم النية في الغسل وإن كان متعبدا به فكذلك في النضح. قال ابن بشير وابن شاس: والقولان للمتأخرين، وعزا ابن عرفة الاول لابن محرز، والثاني لبعضهم: وقال في التوضيح قال في اللباب: وظاهر المذهب عدم افتقاره للنية. تنبيه: إذا قلنا في الجسد: إنه ينضح أو في الارض كما سيأتي فلا يحتاج إلى نية، وهذا ظاهر كلامهم والله تعالى أعلم. ص: (لا إن شك في نجاسة المصيب) ش: هذا هو الوجه الثاني من أوجه الشك، وهو ما إذا تحقق الاصابة وشك في نجاسته والمشهور عدم النضح. وقال الباجي: إنه المذهب، وقيل فيه: النضح رواه ابن نافع عن مالك، وعزاه ابن عرفة لرواية ابن القاسم، واستظهره بعضهم قياسا على الوجه الاول بجامع حصول الشك، وأيضا فهو ظاهر قول مالك: وهو طهور لكل ما شك فيه. واستضعف ابن عبد السلام النضح في الوجه الاول بعدم وجوبه هنا، ثم فرق بينهما بأنه قد يقال: إن أكثر الموجودات من المائعات وغيرها طاهرة، فإلحاق هذا المصيب بالاعم الاغلب أولى، ولان هذ المصيب إن رجع فيه الاصل فالاصل الطهارة، وإن رجع إلى الغالب فالغالب كذلك، ولا كذلك في القسم الاول فتأمله والله تعالى أعلم. وقوله: لا أنه شك معطوف على قوله: وإن شك. وقال البساطي: معطوف على وجب مقدر بشرطه أي ولا يجب نضحه إن شك في نجاسة المصيب. ثم قال: فإن قلت: ما معنى مقدر بشرطه ؟ قلت: لانه لا يصح جعل المتأخر شرطا. فإن قلت: على تقدير الشرط لا يكون معطوفا على الجزاء. قلت: نعم حال التلفظ به وليس كل مقدر يكون كالملفوظ به سواء والله تعالى أعلم. ومعنى قوله: لا إن شك في نجاسة المصيب أي لان الاصل الطهارة وهذا ظاهر إذا لم تتحقق نجاسة المصيب، أما إذا تحققت نجاسته وشك هل أزيلت عنه النجاسة بعد ذلك أم لا كالثوب مثلا أو الجسد الذي تحققت

[ 244 ]
نجاسته وشك في إزالتها عنه ثم أصاب غيره وهو رطب، فالظاهر أنه لا يدخل تحت قولهم: شك في نجاسة المصيب وأنه داخل في قولهم: وإن شك في إصابتها لثوب وجب نضحه فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (أو فيهما) ش: هذا هو الوجه الثالث، وهو أن يشك في الاصابة وفي نجاسة المصيب، والنضح ساقط هنا اتفاقا لان الشك لما تركب من وجهين ضعف. وقد ذكر المصنف رحمه الله هذا الفرع تتميما للمسألة، ولو تركه لاستغنى عنه بما قبله. ص: (وهل الجسد كالثوب أو يجب غسله خلاف) ش: يعني أنه اختلف في الجسد هل هو كالثوب، فإذا شك هل أصابته نجاسة أم لا وجب نضحه، أو ليس هو كالثوب بل يجب غسله، قولان مشهوران، والقول الاول قال ابن شاس: إنه ظاهر المذهب. وقال ابن الحاجب: هو الاصح. وأخذ من قول مالك في المدونة: وهو طهور لكل ما شك فيه، وعزاه ابن رشد لابن شعبان وضعفه. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى: وهو مقتضى ما في العتبية واختصار البراذعي وعزاه عبد الحق لابي عمران. قال ابن عرفة: ونقله المازري عن المذهب. والقول الثاني قال ابن عرفة: إنه المشهور، وجعله ابن رشد المذهب وعزا مقابله لابن شعبان وضعفه، وأخذ من قوله في المدونة: ولا يغسل أنثييه من المذي إلا أن يخشى إصابته إياهما. وقال في التوضيح: مقتضى كلامه في البيان أن المذهب وجوب غسل الجسد لانه قال: وأصل مالك أن ما شك في نجاسته من الابدان لا يجزئ فيه إلا الغسل بخلاف الثياب، ومن الدليل عليه قوله (ص): إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في الاناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده فأمره بغسل اليد للشك في نجاستها. وفي كتاب ابن شعبان أنه ينضح ما شك فيه من الثياب والابدان انتهى. قلت: ما ذكره عن ابن رشد هو في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة،

[ 245 ]
وزاد بعدما ذكره عن ابن شعبان: وهذا شذوذ. ولعل هذه اللفظة سقطت من نسخة المصنف وإلا لذكرها فإنها أبين في تضعيف ما صححه ابن الحاجب مما نقله المصنف، ولذا عزا ابن عرفة القول الاول لنقل ابن رشد عن شاذ قول ابن شعبان وكلام العخبية الذي أشار إليه ابن ناجي رحمه الله تعالى هو قوله في المسألة التي هذا شرحها: سئل مالك عن نضح الثوب فقال: تخفيف. قال رسول الله (ص): اغسل ذكرك وأنثييك وانضح. وكان عبد الله ينضح، وهو حسن. وتخفيف يريد تخفيفا لما شك فيه فإن ظاهر ما قاله يقتضي النضح في الجسد. وقال في المدونة: ولا يغسل أنثييه من المذي إلا أن يخشى إصابته إياهما. فأخذ منه الباجي أنه إذا خشي إصابتهما يغسلهما. ورد المازري الاخذ بأنه تعلق بدليل الخطاب. قال ابن عرفة: وفيه نظر، وضعف ابن عبد السلام وغيره الاخذ لجواز كون الاستثناء منقطعا أي لكن إن خشي إصابتهما وجب النضح. وقال بعضهم: معنى إلا أن يخشى إصابتهما إلا أن يتيقن إصابتهما. قال ابن ناجي: ولا أعرفه. وقال عبد الحق وسند: ظاهر المدونة الغسل في الجسد مع الشك وفرقا بينه وبين الثوب بأن النضح على خلاف القياس فيقتصر على ما ورد فيه، وإنما ورد في الحصير وفي الثوب ولانه لا ضرورة في غسل الجسد بخلاف الثوب فإنه ينتظر جفافه. قال في التوضيح: وإنما قالا ظاهر المدونة لانه لما نص على خصوص الجسد أمر بالغسل وإنما أخذ النضح فيه من تعميمه بقوله: هو طهور لكل ما شك فيه، وهو محتمل للتخصيص انتهى. بل القاعدة أن الخاص يقدم على العام، واعترض صاحب الذخيرة على ابن شاس في قوله: إن ظاهر المذهب مساواة الجسد للثوب بما قاله سند وعبد الحق. والحاصل أن القول بغسل الجسد أقوى من القول بنضحه. تنبيهات: الاول: اللفظ المتقدم عن المدونة في مسألة المذي هو الذي في الامهات، واختصرها البراذعي بلفظ: إلا أن يصيبها منه، واعترضه عبد الحق بأن اللفظ الذي ذكره لا يقتضي الغسل مع الشك بخلاف لفظ الامهات، وهذا هو الذي أشار إليهابن ناجي بقوله: هو مقتضى ما في العتبية واختصار البراذعي. الثاني: ذكر صاحب الجمع عن ابن رشد أن ابن شعبان قال: يغسل الجسد وهو غريب، والظاهر أنه وهم. الثالث: قال ابن ناجي: اختلف في البقعة، فقال ابن جماعة: لا يكفي النضح فيها باتفاق ليسر الانتقال إلى المحقق، ونحوه لابن عبد السلام. وقال الشيخ أبو عبد الله السطي: ظاهر المدونة ثبوت النضح فيها، قال: ومثله في قواعد عياض. وزعم التادلي أنه متفق عليه، ولا يقال: هو ظاهر استدلال ابن يونس على مشروعية النضح بنضحه عليه الصلاة والسلام الحصير، لانا نقول الحصير كالثوب لمشقة غسلها انتهى. وأصله لابن عرفة في مختصره. قال

[ 246 ]
بعض شيوخ شيوخنا: والبقعة تغسل اتفاقا ليسر الانتقال إلى محقق، وبعض شيوخنا الفاسيين: كالجسد، ونقله عن قواعد عياض. فبعض شيوخ شيوخه هو ابن جماعة وبعض شيوخه هو السطي، ونقله المشذالي، وكلام ابن عبد السلام الذي أشار إليه ابن ناجي ذكره في الكلام على مسألة الجسد، ونقل ابن غازي عن الشارمساحي أنها تغسل اتفاقا. قلت: وجزمالشيبي في شرح الرسالة بما قاله ابن جماعة فقال: ولا يجزئ النضح في الارض بحال. وما ذكره ابن عرفة عن بعض شيوخه أن البقعة كالجسد وأنه نقله عن قواعد عياض، إن أراد بكونها كالجسد أنها تنضح وهو ممن يرى النضح في الجسد فهو كذلك لكنه في القواعد جعلها مخالفة للجسد فإنه حكى في الجسد الخلاف ولم يحك فيها خلافا، وإن أراد بكونها كالجسد أن فيها الخلاف كما فيه فليس ذلك في القواعد. ونصها: المزال عنه النجاسة ثلاثة أشياء: جسد المصلي وما هو حامل له من لباس وخف وسيف وشبهه، وما هو مصل عليه من أرض أو غيرها، فالنضح يختص بكل ما شك فيه ولم تتحقق نجاسة من جميع ذلك إلا الجسد، فقيل: ينضح، وقيل: يغسل بخلاف غيره انتهى. وفهم من كلامه في القواعد أن الخف والنعل ونحوهما ينضحان إذا شك في نجاستهما وهو وهم ظاهر. وقال المشذالي في حاشيته على المدونة عن الوانوغي في قوله وهو طهور لكل ما شك فيه لا خفاء في عدم صدق هذه الكلية لمن شذا طرفا من التحصيل لنقضها بالارض والماء والطعام. قال المشذالي: أما الارض فذكر ابن عرفة إلى آخر ما تقدم عنه، وأما المطعومات فقد تردد فيها بعض المحققين من شيوخ شيوخنا انتهى. ولم يذكر الماء. قلت: ولا شك أنه طاهر مطهر على المشهور لانا لو تحققنا الاصابة ولم يتغير الماء ولا لونه ولا ريحه فهو طاهر مطهر، غاية ما فيه أنه يكره استعماله إذا كان يسيرا كآنية الوضوء والغسل. هذا مع التحقيق، والظاهر انتفاء الكراهة مع الشك وقد قالوا: فيمن أدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها: إنه لا ينجس بذلك الماء وإن شك في نجاستها، ولا يعترض على ذلك بكراهة سؤر ما لا يتوقى النجاسة لان الغالب عليه النجاسة، وليس في مسألتنا إلا الشك إذا تغير الماء وشك في مغيره هل يضر أم لا، فإنه طهور، وأما المطعومات فالامر فيها أظهر. وقد قالوا في سؤر ما لا يتوقى النجاسة من الطعام: إنه لا يطرح. قال ابن عبد السلام: لان أصل هذه المسألة إنما هو الشك والطعام لا يطرح بالشك والله تعالى أعلم. الرابع: إذا تحققت الاصابة للجسد وشك في نجاسة المصيب لم أر في ذلك نصا صريحا، والظاهر أنا إن قلنا: إنه كالثوب فلا إشكال، وإن قلنا: حكمه الغسل فإن مشينا على المشهور وأنه لا يجب في هذه الصورة نضح فكذلك الجسد، وإن قلنا: يجب النضح

[ 247 ]
فينغي أن يجب غسل الجسد فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وإن اشتبه طهور بمتنجس أو نجس صلى بعدد النجس وزيادة إناء) ش: هذه مسألة اشتباه الاواني والخلاف فيها شهير كثير. والاواني جمع آنية وآنية جمع إناء وذكر المصنف صورتين: الاولى إن اشتجه الطهور بالمتنجس وذلك على أوجه: فإما أن يكون أحد الاواني وقعت فيه نجاسة كثيرة تغيره ولم يعلم تغير الماء الذي في الاواني جميعها بقراره أو بما يتولد منه، أو تكون الاواني متغيرة تغيرا واحدا، بعضها بشئ طاهر لم يسلبه التطهير، وبعضها بشئ نجس كان متغيرا، أحدهما بتراب طاهر طرح فيه، والآخر بتراب نجس طرح فيه، أو يكون الماء يسيرا حلته نجاسة لم تغيره على القول بنجاسته. والصورة الثانية أن يشتبه الطهور بالنجس كما إذا اشتبه الماء بالبول المقطوع الرائحة الموافق لصفة الماء، وإنما بينا تعدد وجوه هذه المسألة لان ابن عبد السلام قال: لم يتعرض ابن الحاجب لكيفية تصوير المسألة وهو الاصل إذ لا يلزم العالم أن يبين صورة مسألة في جزئية إلا بحسب التبرع وتقريب البيان، لكن مسألة الاواني ينبغي أن لا تهمل من فرضها في جزئية أو أكثر إن أمكن لاعتقاد بعضهم صحة فرضها على المشهور. وإنما يصح فرضها على مذهب من يرى أن الماء اليسير إذا حلته نجاسة يسيرة ولم تغيره أنه يكون نجسا اه‍. واعلم أن الخلاف منصوص في الصورة الاولى، وأما الثانية فخرجها القاضي عبد الوهاب على الاولى ورأى أنه لا فرق " بينهما. وقال ابن العربي: هو الذي تقتضيه أصولنا وبه أقول. وقال ابن عرفة ابن العربي الطرطوشي عن المذهب اشتباه إناء بول كمتنجس. وذكر المصنف أن الحكم في الصورتين أنه يتوضأ ويصلي بعدد النجس، وزيادة إناء يعني أنه يتوضأ من أحدهما ثم يصلي ثم يتوضأ من آخر ويصلي يفعل ذلك بعدد النجس وزيادة واحد، فإذا كانت الاواني خمسة والنجس منها اثنان فيتوضأ من ثلاثة منها ويصلي بكل وضوء صلاة، وإن كان النجس ثلاثة توضأ من أربعة منها وصلى بكل وضوء صلاة، وإن كان النجس أربعة توضأ منها جميعها وصلى كذلك. قال في التوضيح وهذا هو القول الصحيح.

[ 248 ]
وحاصل: ما ذكروه من الخلاف في هذه المسألة خمسة أقوال فيما علمت: الاول ما ذكره المصنف وهو الصحيح وعزاه ابن عرفة لسحنون في أحد قوليه وابن الماجشون. الثاني: كالاول بزيادة ويغسل ما أصابه من المال الاول بالماء الثاني ثم يتوضأ منه وهو قول ابن مسلمة. قال في الجواهر قال الاصحاب: وهو الاشبه بقول مالك، واختاره القاضي أبو محمد، زاد في التوضيح في نقله لهذا القول: فإن لم يغسل فلا شئ عليه لان النجاسة غير محققة. الثالث: يتحرى أحدهما ويتوضأ به ويصلي، وتحريه كما يتحرى في القبلة، وهو قول لمحمد بن المواز وابن سحنون. قال في التوضيح قال ابن العربي: وهو الصحيح. الرابع: كقول ابن مسلمة إن قلت: الاواني، وكقول ابن المواز وابن سحنون: إن كثرت، وهو قول القاضي أبي الحسن بن القصار. الخامس: يترك الجميع ويتيمم وهو قول سحنون الثاني، وظاهر كلامهم أنه لا يحتاج إلى أن بريقها قبل تيممه، قال صاحب الجمع: ظاهر كلام الشافعية أنه يريقها ويتيمم لتحقق عدم الماء، وسحنون جعل وجودها كالعدم. تنبيهات: الاول قال ابن عرفة: عزو الباجي ومن تبعه التفصيل المذكور في القول الرابع لابن القصار، يقتضي أن ابن مسلمة أطلق القول بأنه يتوضأ بعدد النجس وزيادة إناء ويغسل أعضاءه مما سبق، ونقله عنه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد مقيدا فقال: إلا أن تكثر المياه فلا يغتسل ثلاثين مرة اه‍. ولعل له قولين. الثاني: ذكر ابن شاس وابن الحاجب القول الاول الذي مشى عليه المصنف بلفظ: قال سحنون وابن الماجشون: يتوضأ ويصلي حتى يفرغ. ففسره ابن عبد السلام بأنه يتطهر بالجميع، ثم اعترضه بأنه بقي عليه من قال: إنه يتوضأ بعدد النجس وزيادة إناء مثل ما قيل في الثياب وهو الاولى، لانه يمكن معه الوصول إلى تعيين الطاهرة، واعترض ابن عرفة على ابن عبد السلام بأن ما قاله وهم بين، لانه فسره بظاهر فاسد وقبله مع يسير تقييده إذ لا يقول أحد في أواني ثلاث أحدها نجس أنه يتوضأ ويصلي بعددها اه‍. وقد أشار إلى هذه في التوضيح: فقال: لا ينبغي أن يفهم الخلاف على الاطلاق إذ أنه إذا كان معه عشرة أوان فيها واحد نجس فما وجه التيمم ومعه ماء محقق الطهارة وهو قادر على استعماله ؟ وما وجه من يقول يستعمل الجميع ونحن نقطع إذا استعمل إناءين تبرأ ذمته ؟ وإنما ينبغي أن يكون محل الاقوال إذا لم يتحقق عدم النجس من الطاهر أو تعدد النجس واتحد الطاهر اه‍. الثالث: ظاهر كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى غسل ما أصابه من الماء الاول بالماء الذي بعده، وهو ظاهر كلام غير واحد كابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة. وذكر صاحب الجمع

[ 249 ]
عن ابن هارون أنه قال: عندي أن قول ابن مسلمة يغسل أعضاءه مما أصابه من الماء الاول بالماء الذي بعده، موافق لقول سحنون وابن الماجشون، ويحتمل أن يكون خلافا وإنهما يريان غسل الوضوء كافيا في زوال النجاسة مما قبله، وهو يرى أن الوضوء لا يصح إلا على أعضاء طاهرة كابن الجلاب. قال صاحب الجمع: والظاهر من نقل الشيوخ أنهما مخالفان لابن مسلمة، وإنما ترك الغسل لعدم تحقق نجاسة ما تطهر به، ولان الاصل عدم التنجيس اه‍. قلت: ما ذكره أخيرا هو الظاهر في توجيه ترك الغسل إلا أن غسل أعضاء الوضوء للوضوء ثانية يجزي عن غسل النجاسة لانا وإن قلنا بذلك فيشكل بمسح الرأس وبما أصاب غير أعضاء الوضوء فإن ابن مسلمة قال: يغسل ذلك كله فتأمله. وبذلك صرح القرافي فقال بعد أن ذكر القولين قول ابن مسلمة وقال بعد الملك وابن الماجشون مثله إلا الغسل من الاناء الثاني لعدم تيقن النجاسة، ومن هنا يعلم أن العبارة التي ذكرناها لما حكينا قول ابن مسلمة وهي عبارة النوادر أولى من قول ابن الحاجب ويغسل أعضاءه مما قبله لايهامها أن الغسل مقصور على أعضاء وضوئه وليس كذلك، وقد أشار إلى ذلك ابن فرحون والله تعالى أعلم. الرابع: قوله: بمتنجس أو نجس احترز به مما لو اشتبه طهور بطاهر فإنه يستعملهما ويصلي صلاة واحدة، قاله في التوضيح. الخامس: قول المصنف: بعدد النجس هو حيث يعلم عدد النجس وعدد الطاهر، فإن لم يعلم ذلك فإنه يتوضأ ويصلي بعدد الجميع أي يصلي بكل وضوء صلاة كما تقدم عن التوضيح. السادس: تقدم أن أحد أوجه الصورة الاولى أن يكون الماء يسيرا حلته نجاسة لم تغيره على القول بنجاسته وهو خلاف المشهور، وكذلك على القول بأنه مشكوك فيه، وأما على المشهور فحكمه ما قاله ابن الجلاب أنه يتوضأ بأيهما شاء إلا أنه يستحب له أن يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يتوضأ بالثاني ويصلي، قاله في التوضيح. السابع: قالها بن شاس: من شرط الاجتهاد أن يعجز عن الوصول إلى اليقين، فإن كان معه ما تيقن طهارته أو كان على شط نهر امتنع الاجتهاد اه‍. فظاهره أنه إذا واجد ماء طاهرا محقق الطهارة إنما يمتنع التحري ولا يمتنع التوضي بعدد النجس، وهو خلاف ما قاله ابن عرفة فإنه إنما فرض المسألة عند فقد الماء الطهور ونصه: وإن اشتبه طهور على فاقده بنجس ففي تيممه وتعدد وضوئه وصلاته بعدده وواحد إلى آخره، وفي كلام ابن عبد السلام إشارة إلى ذلك فإنه لما ذكر كلام ابن شاس قال بعد قوله: امتنع الاجتهاد يعين التحري لانه إنما يحصل الظن كما تقدم. وأما التوضؤ بالجميع أو بعدد النجس فقد يقال: إن التطهير بمتحقق الطهارة يتعين لان إعادة الصلاة على خلاف الاصل وخلاف ما روي فترك ذلك متعين اه‍. وقد فهم

[ 250 ]
صاحب الذخيرة كلام الجواهر على هذا فقال: وفي الجواهر إن وجد ماء تيقن طهوريته لم يجتهد، وإن لم يجد فللاصحاب أربعة أقوال، وذكرها فجعل الخلاف إنما هو مع عدم الوجود، وهذا هو الظاهر فإنه لا ضرورة تدعو إلى استعمال ماء مشكوك في نجاسته في أعضائه وثيابه. الثامن: إذا أخبره عدل بنجاسة أحدهما عمل عليه إن بين وجه النجاسة أو كان مذهبه كمذهبه وإلا فلا، نقله ابن فرحون وهو جار على ما تقدم. ولو أخبر بطهارة أحدها نقل عن ابن هارون أنه قال: لا نص. والظاهر عندي أنه يستعمله. قال صاحب الجمع: ويحتمل أن يقال: يجري على ما قالوا في النجاسة فلا يقبله إلا بأحد الشرطين، ويحتمل أن يقال الاصل الطهارة وانضاف إلى ذلك خبر العدل فيستعمله. قلت: وهذا هو الظاهر إلا أن يظهر في الماء ما يقتضي نجاسته أو عدم طهوريته كما تقدم عند قول المصنف وقبل خبر الواحد. التاسع: الاعمى كالبصير على المشهور وعلى غيره من الاقوال إلا على القول بالاجتهاد فاختلف فيه، هل هو كالبصير أو لا قولان، ذكرهما في الذخيرة بناء على أنه يتأتى منه الاجتهاد. العاشر: إذا أهريقت الاواني ولم يبق منها غير واحد، قال ابن عرفة عن المازري: لا نص ويتيمم على قول سحنون، ويجمع بينه وبين التيمم على قول ابن الماجشون، وعلى قول ابن مسلمة زاد عنه صاحب الجمع: ويجري الخلاف في البداءة به على الخلاف في الماء المشكوك، وعلى القول بالتحري يعمل على ما غلب على ظنه، فإن غلب على ظنه نجاسته تركه أو جمع بينه وبين التيمم. وقال ابن عرفة: وعلى القول بالتحري في تحديد قول المازري ونقله ابن شاس. ا لحادي عشر: قال ابن عبد السلام: الاشتباه الالتباس على القول بالتحري فلا بد هناك من أمارة أو دليل فليس الالتباس بحقيقي، لانه إنما يكون عند تعارض الامارات. قلت: ولذلك قال ابن شاس عن ابن المواز وابن سحنون القائلين بالتحري: ولا يجوز له أخذ أحد الاواني إلا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب على الظن الطهارة اه‍. فإن لم تظهر له علامة فالظاهر على مذهبهما أنه يترك الجميع ويتيمم، ونقل ذلك صاحب الجمع عن الغزالي متمما به هذا القول وقول ابن القصار والله تعالى أعلم. الثاني عشر: على القول بالتحري لو صلى بما غلب على الظن أنه طاهر ثم تغير اجتهاده فإن كان إلى اليقين في اجتهاده الاول غسل ما أصابه منه وأعاد الصلاة، وإن تغير إلى الظن فيخرج على القولين في نقض الظن بالظن كالمصلي إلى القبلة باجتهاد، ثم يغلب على الظن أنه أخطأ، قاله في الجواهر ونقله ابن عرفة عن المازري فقال المازري: على التحري إن تغير اجتهاده بعلم عمل عليه لا بظن على الاظهر.

[ 251 ]
الثالث عشر: في توجيه الاقوال. قال ابن فرحون: هذه الاقوال ليس لها مأخذ من نص يمسها أو يقاربها وإنما استدلوا بعمومات بعيدة مثل ما استدل أصحاب التحري بقوله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي الابصار) * (الحشر: 2) وأصحاب التيمم بقوله عليه الصلاة والسلام: دع ما يريبك إى ما لا يربيك اه‍. وقد وجهها أهل المذهب بوجوه نذكر بعضها على سبيل الاختصار: أما القول الاول: الذي مشى عليه المؤلف، فلان الشخص معه ماء محقق الطهارة قادر على استعماله، فلا يجوز له التيمم ولا سبيل إلى تيقن استعمال الطاهر إلا بذلك ولم تغسل الاعضاء لعدم تحقق نجاستها. وهو وجه الثاني، إلا أنه رأى الغسل أقرب إلى الاحتياط للطهارة لتيقن إزالة النجاسة قبل الوضوء الثاني. ووجه الثالث: القياس على القبلة لان كلا منهما شرط للصلاة. ووجه الرابع: أن الغالب مع الكثرة إصابة الاجتهاد بخلاف القلة، ولانه مع الكثرة يشق استعمالها، وأما مع القلة فيخف أمرها. ووجه الخامس: أن الله تعالى أباح التيمم عند عدم الماء الطهور وهو هنا عادم له لوقوع الشك، وإلزام وضوءين وصلاتين خلاف الاصل والتحري لا يسقط الفرض بيقين. الرابع عشر: الفرق بين الاواني والثياب على ما مشى عليه المصنف فيهما خفة أمر النجاسة بدليل الاختلاف في إزالتها ولا كذلك الماء، فإنه لم يختلف في اشتراط المطلق في رفع الحدث، قاله في التوضيح. قال: وبهذا يندفع ما قاله ابن عبد السلام هنا فانظره يشير إلى قوله في شرح قول ابن الحاجب: ويتحرى في الثياب إن كان القائل هنا بالتحري يقول في الاواني به فحسن وإلا فمشكل إذ لا فرق بينهما. الخامس عشر: على القول الذي مشى عليه المصنف ومن وافقه من أنه يصلي بعدد النجس وزيادة واحد، قال ابن فرحون قال ابن راشد: فيه نظر لان النية تكون حينئذ غير جازمة لعلمه أنه لا يكتفي بما صلى، ولان الثانية إن نوى بها الفرض كان ذلك رفضا للاولى، وإن نوى بها النفل لم يسقط عنه، وإن نوى التفويض لم يصح لانه لا يقبل الله صلاة بغير نية جازمة. وأجيب بأن قوله: لعلمه أنه لا يكتفي بما صلى لا يرد لان الواجب عليه أن يتوضأ ويصلي بعدد النجس وزيادة واحد، فلا يكتفي بدون الواجب عليه فنيته جازمة في الجميع لان ذلك فرضه، وهو لازم فيمن نسي صلاة من خمس لا يدري عينها وهذا وهم وقع فيه كثير من الناس، وبهذا يسقط قوله: لان الثانية إن نوى بها الفرض كان ذلك رفضا للاولى لان كل واحدة من المجموع فرضه وبه يسقط أيضا ما ذكره من التفويض اه‍. والجواب الذي ذكره صاحب الجمع به يجاب عن كلام ابن رشد المذكور في مسألة الشك في الثياب.

[ 252 ]
السادس عشر: إذا اشتبهت الاواني على رجلين فأكثر، فعلى القول الاول الذي مشى عليه المصنف وما أشبه من الاقوال لا إشكال في ذلك فيتوضؤن من الاواني بعدد النجس ويصلون، ويجوز أن يؤمهم أحدهم. وعلى القول بالتحري فإن اتفق تحريهم على إناء فلا إشكال، وإن اختلف اجتهادهم فتحرى كل واحد خلاف ما تحراه الآخر. قال المازري: لم يأتم أحدهم بصاحبه في الصلاة التي تطهر لها بالماء الذي خالفه فيه قال: وكذلك لو كثرت الاواني وكثر المجتهدون واختلفوا فكل من ائتم منهم بمن يعتقد أنه تطهر بالماء النجس فلا تصح صلاته انتهى. ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون بعد ذكره كلام المازري ما نصه: عدم الائتمام عندي مقيد بأن يكون الطاهر منها واحدا، وأما لو كان الطاهر منها أكثر من واحد لجاز أن يأتم به إذ لا يجزم بخطأ إمامه، وهذا إن كان مذهبه تصويب المجتهد، وإن كان ممن يرى الصواب في طريق واحد ففيه نظر انتهى. قلت: في كلام المازري إيماء إلى أنه إن كثرت الاواني فلا يمتنع الائتمام إلا بمن يعتقد أنه تطهر بالنجس، وقد بحث صاحب الجمع في هذه المسألة وأطال. السابع عشر: قال ابن عبد السلام: ذكر ف‍ الجواهر فرعا مرتبا على قول ابن مسلمة قال: لو كان معه إناءان فتوضأ منهما وصلى على ما تقدم ثم حضرت صلاة أخرى، فإن كانت طهارته باقية وهو يعلم الاناء الذي توضأ به آخرا صلى صلاة بالطهارة التي هو عليها ثم غسل أعضاءه من الاناء الذي توضأ به أولا وصلى، وإن لم يكن على طهارة أو كان عليها ولم يعلم الاناء الذي توضأ منه آخرا توضأ بالاناءين كما فعل أولا. قال ابن عبد السلام: يعني - والله أعلم - بعد أن يغسل أعضاءه من الاناء الذي يبتدئ الآن منه الطهارة. قلت: ما ذكره من عند نفسه نص عليه في النوادر عن ابن مسلمة، ونقل عنه أنه إن عرف الآخر وانتقض وضوؤه فإنه يتوضأ منه ولا يغسل أعضاءه لانه هو، وقد ذكر ابن عرفة وابن فرحون كلام النوادر. وظاهر كلام ابن شاس أن ما ذكره إجراء، وقد علمت أنه نص عن ابن مسلمة وظاهر كلامه أنه خاص بقول ابن مسلمة وليس كذلك بل يتفرع أيضا على قول ابن الماجشون الذي مشى عليه المصنف، وقد نقله في النوادر، ونص عن سحنون وابن الماجشون وذكر ذلك عن ابن عرفة والله تعالى أعلم. ثم قال ابن عبد السلام: واستشكل بعض أئمة المتأخرين قوله في القسم الاول من هذا الفرع: غسل أعضاءه من الاناء الثاني ثم يتوضأ به، ورأى أنه لا موجب لابتداء الوضوء مع بقاء الطهارة، وإنما ينبغي أن يصلي ثم يغسل أعضاءه خاصة ثم يصلي. وروى بعض أشياخي أن هذا الفرع جرى على قول ابن مسلمة ومذهبه صحة رفض الطهارة. قال: فلعله رفض الطهارة الاولى. قال: وهذا يحتاج إلى زيادة تحقيق يطول الكلام من أجلها انتهى. ولعل بعض أئمة المتأخرين الذي أشار إليه هو الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، فإن صاحب الجمع ذكر أنه اجتمع بابن عبد السلام وذكر له هذا

[ 253 ]
الاشكال، فحكى له الشيخ تقي الدين أورده على ابن جماعة التونسي حين وصل الديار المصرية، وأن ابن جماعة جاوبه بالجواب الذي ذكره ابن عبد السلام، ثم بحث في الجواب وأطال، ومما يرد الجواب المذكور أن سحنون وابن الماجشون ذكراه أيضا وليس مذهبهما الرفض. وقال ابن عرفة: والجواب: لما كان الوضوء الثاني ملزوما لنية رفع الحدث التزم رفض الاول نية وفعلا فتأمله. وذكره ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين أنه قد يؤول ذلك بأن يكون أحدث بين الوضوءين في أول مرة وليس بظاهر، والحق ما قاله ابن عرفة والله تعالى أعلم. ص: (وندب غسل إناء ماء ويراق لاطعام وحوض سبعا) ش: لما ذكر حكم النجاسة وما يتعلق بها وبين ما يعفى عنه وما لا يعفى عنه وحكم الشك، تعرض هنا لحكم غسل الاناء من ولوغ الكلب إذ قد صح عنه عليه الصلاة والسلام الامر بغسل الاناء من ولوغه، وتردد العلماء في ذلك هل هو واجب أو مستحب ؟ وهل هو للنجاسة أو تعبد ؟ فحسن من أجل ذلك ذكره بأثر الكلام على إزالة النجاسة. والحديث رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وغيرهما بروايات متعددة. ففي الموطأ وصحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات هذا لفظ الموطأ ولفظ البخاري سبعا وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله (ص): إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرار وفي لفظ آخر طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب وفي رواية إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب وفي سنن الترمذي: يغسل الاناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن بالتراب. وفي سنن أبي داود إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب وروى بألفاظ أخر. واختلف هل الامر على الوجوب أو الندب بناء على أن الامر المطلق هل يحمل على الوجوب أو الندب ؟ أو نقول هو للوجوب ولكن هنا قرينة صارفة للامر عن ظاهره وهي قيام الدليل على طهارة الكلب ؟ قال ابن بشير: والذي في المدونة الندب، أخذه من قوله في المدونة: وإن ولغ الكلب في لبن أو طعام أكل ولا يغسل منه الاناء وإن كان يغسل سبعا للحديث ففي الماء وحده، وكان يضعفه، وقال: قد جاء هذا الحديث ولا أدري ما حقيقته، وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت ليس كغيره من السباع فإنه جعل المعنى يضعف الوجوب. قال ابن ناجي: قال عياض: تنوزع كثيرا في الضمير من قوله: يضعفه فقيل: أراد تضعيف الحديث لانه خبر واحد ظاهره نجاسة الكلب، وعارض

[ 254 ]
قوله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (المائدة: 4) وقيل: أراد تضعيف الوجوب. وقيل: توقيت العدد. والاشبه عندي أن يريد الوجوب كما نحا إليه القابسي انتهى. وما اختاره عياض قال في التوضيح: هو الاشهر ولا يخفى ما في الوجهين الاخيرين من الضعف، لان الحديث صحيح ومعارضة الآية منتفية لامكان حمل الحديث على النهي عن اتخاذه، والمراد بالآية بعد غسل الصيد، أو تقييد الحديث بالماء فقط انتهى بالمعنى. وفهم سند الاستحباب إن كان نفي الماء وحده قال: فإنه يفهم منه الترخيص وعدم التحتم. وظاهر كلام ابن الحاجب أن الاستحباب والوجوب روايتان قال: وفي وجوبه وندبه روايتان. قال ابن فرحون: وظاهر كلام القاضي عبد الوهاب أنهما مستنبطان، فالاستحباب مما تقدم، والوجوب تعلقا بظاهر الامر. وظاهر كلام ابن عرفة كابن الحاجب قال: ويغسل الاناء لولوغ الكلب من مائه سبعا ندبا، وروي وجوبا. واقتصر صاحب التلقين على القول بالندب، واقتصر صاحب الارشاد على القول بالوجوب وبه جزم صاحب الوافي. وقال القرافي: إنه ظاهر المذهب والله أعلم. وقوله: إناء ماء يعني أن استحباب الغسل مختص بما إذا ولغ في إناء فيه ماء، وأما إذا ولغ في إناء فيه طعام أو ما ليس في إناء بل في حوض أو بركة فإنه لا يندب غسل إناء الطعام ولا الحوض هذا هو المشهور. وروى ابن وهب يغسل إناء الطعام أيضا. قال في التوضيح: بنى المازري الخلاف على خلاف أهل الاصول في تخصيص العموم بالعادة إذ الغالب عندهم وجود الماء لا الطعام. قال ابن هارون: ويحتمل أن يبني على أن الولوغ هل يختص بالماء أو يستعمل فيه وفي غيره ؟ وجزم ابن رشد ببنائه على الثاني، واستظهر ابن عبد السلام الثاني، وذكر البرزلي أنه المشهور. ووجه سند المشهور بأن الغسل تعبد لان لعاب الكلب طاهر فيختص بما ورد فيه. قوله: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم إنما ينصرف إلى الاغلب والاغلب أن الاواني التي تبتذلها الكلاب هي أواني الماء لا أواني الزيت والعسل وشبهه من الطعام فإنها مصانة في العادة. فرع: قال ابن عرفة: وعلى غسل إناء الطعام في طرحه ثالثها إن قل لابن رشد عن روايتي ابن وهب وابن القاسم والمازري مع اللخمي عن مطرف وابن الماجشون لا يطرح ولو عجن بمائه طرح لانها نجاسة أدخلها المكلف. فرع: قال سند: إذا قلنا: بغسل إناء الطعام، فلو كان الطعام جامدا فلحس منه الكلب هل يغسل اعتبارا بالمائع أو لا يغسل كما لو خطف سهم لحم من الجيفة أو طائرا وقع في إناء ؟ والظاهر أنه يغسل لعموم الحديث، فإن ذلك يعد ولوغا بخلاف ما خطفه، وعند الشافعي

[ 255 ]
يغسل جميع ذلك انتهى. والخلاف في إناء الطعام، وأما الحوض فلم أر فيه خلافا. قال في التوضيح: الغسل مختص بالاناء فلو ولغ في حوض لم يغسل لانه تعبد. قال ابن ناجي وما ذكره لا أعرفه، وظاهر المذهب خلافه وإنما ذكر الاناء في الحديث لانه الاعم الاغلب، وقاله شيخنا أبو مهدي. قلت: قال في المدونة قال مالك: ومن توضأ بماء قد ولغ فيه الكلب وصلى أجزأه قال عنه علي: ولا إعادة عليه. وإن علم في الوقت قال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء به إن كان الماء قليلا، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه، وفي آخر سماع أبي زيد: لا بأس بالوضوء من الحياض وإن كانت الكلاب تشرب منها. قال ابن رشد: ما ذكره صحيح لقول عمر: لا تضرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لها ما أخذت في يطونها ولنا ما بقي شرابا وطهورا والكلب أيسر مؤنة من السباع إذ قيل: إنه محمول على الطهارة حتى يوقن أن فيه نجاسة. ثم قال: وفي الجلاب أن سؤر الكلب والخنزير مكروهان من الماء إلا أن يكون في خطمهما نجاسة، ومعناه إذا شرب من الماء اليسير، وأما إذا شرب من الماء الكثير ومن الحوض فلا وجه للكراهة فيه لما ذكرناه والله تعالى أعلم انتهى. وقال صاحب الجمع: قصر الغسل على إناء الماء صواب لما فيه من التعبد ثم قال: فلو ولغ في حوض أو نهر لا يتعدى الحكم إليه لانه تعبد، أو لكثرته فيضعف الخلاف، أو للحمل على الغالب انتهى. فكلام المدونة والعتبية يدل على أن الاراقة وكراهة استعمال الماء وغسل الاناء إنما ذلك في إناء الماء لا في الحوض، وكلام صاحب الجمع صريح في ذلك. وقوله: ويراق يحتمل أن يريد أنه يستحب غسل الاناء بعد أن يراق الماء الذي ولغ فيه الكلب، ويحتمل أن يريد أنه يستحب أن يراق الماء الذي ولغ فيه الكلب، وهذا هو الظاهر من كلامهم والله تعالى أعلم. ولا يراق الطعام هذا هو المشهور، وفرق بينهما مالك باستجازة طرح الماء قال: وأراه عظيما أن يعمد إلى رزق الله تعالى فيلقى الكلب ولغ فيه. وقيل: يراق الماء والطعام. قال في التوضيح: بناء على التعليل بالنجاسة. وقيل: لا يراقان للتعبد، ونسب لابن القارم. وقيل: سؤر المأذون طاهر وسؤر غيره نجس. وقيل: يفرق بين البدوي فيحمل على الطهارة والحضري فيحمل على النجاسة. وقيل: يسير الماء كالطعام ولا يراق الحوض كما تقدم عن المدونة ولم أر فيه خلافا. فرع: قال صاحب الجمع: وهل يشرب ذلك الماء ويؤكل ما عجن به ؟ إن قلنا: بأن الغسل تعبد أو لتشديد النهي جاز، وإن قلنا: للنجاسة أو للقذارة أو مخافة الكلب منع انتهى. وفي المقدمات: وعلى القول بأنه يغسل سبعا تعبدا يجوز شربه ولا ينبغي الوضوء به إذا وجد غيره للخلاف في نجاسته، وعلى أنه للنجاسة لا يجوز شربه. فرع: وهل يغسل الاناء بالماء المولوغ فيه ؟ وفي ذلك قولان حكاهما ابن بشير وابن

[ 256 ]
الحاجب. وقال في الجواهر قال القزويني: لا أعلم لاصحابنا نصا في ذلك. وقال ابن عرفة القزويني وغيره: لا يجزي لمفهوم الحديث. وفي المقدمات: وعلى القول بأنه يغسل للنجاسة لا يجوز غسل الاناء به ثم قال: وعلى القول بالتعبد لا ينبغي غسل الاناء به إذا وجد غيره مراعاة للخلاف، وأما إن لم يجد غيره فقيل: إنه يغسل الاناء به كما يتوضأ به. والاظهر أنه لا يغسل الاناء به وإن كان يتوضأ به لان المفهوم من أمره عليه الصلاة والسلام بغسل الاناء من ولوغ الكلب فيه أن يغسل بغير ذلك الماء، ويجوز على قياس هذا أن يغسل من ماء غيره قد ولغ فيه كلب انتهى. وقال سند: المستحب أن يغسل الاناء من غير الماء الذي ولغ فيه فإن غسله به فالظاهر أنه يجزيه لانه إذا توضأ به يجزيه، فما يصح به طهارة الوضوء يجب أن يصح به غسل الاناء، ومن يقول: إنه نجس يقول: إنه لا يجزيه انتهى. وفي التوضيح الصحيح أنه لا يغسل به لما في مسلم: فليرقه ويغسله سبعا والله تعالى أعلم. فعلم منه أنه لا يغسل به على الصحيح تعبدا إلا للنجاسة والله تعالى أعلم. تنبيه: فارق سؤر الكلب سؤر غيره من الحيوان الذي لا يتوقى النجاسة في الامر بغسل الاناء سبعا وفي إراقته وكراهة الوضوء به وإن علمت طهارته، وأما غيره وإن تيقنت طهارة فمه فلا يراق، وإن لم يعلم ذلك فيكره له استعماله مع وجود غيره، وتقدم أن سؤره أخف من سؤر غيره، وأن من توضأ بسؤره لا إعادة عليه في الوقت. ص: (تعبدا) ش: يعني أن الغسل المذكور تعبد وهذا هو المشهور من المذهب لطهارة الكلب، وقيل: لقذارته، وقيل: لنجاسته، وعليهما فكونه سبعا قيل: تعبدا، وقيل: لتشديد المنع، وقيل: لان بعض الصحابة نهوا فلم ينتهوا قبله وهذا غير لائق بالصحابة. وأجيب بأن المراد به بعض الاعراب الذين لم يتمكن الاسلام من قلوبهم. والفرق بين تشديد المنع وكونهم نهوا فلم ينتهوا، أن الاول تشديد ابتداء، والثاني: بعد تسهيل. واختار ابن رشد كون المنع مخافة أن يكون الكلب كلبا فيكون قد داخل من لعابه الماء ما يشبه السم قال: ويدل على صحة هذا التأويل تحديده بالسبع لان السبع من العدد مستحب فيما كان طريقه التداوي لا سيما فيما يتوقى منه السم، وقد قال في مرضه (ص): هريقوا علي من سبع قرب لم تتحلل أوكيتهن وقال: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر قال ابن عرفة: ورد عليه بنقل الاطباء أن الكلب الكلب يمتنع من ولوغ الماء، وأجاب حفيده بأنه إنما يمتنع إذا تمكن منه الكلب أما في أوائله فلا. فائدة: قال في التوضيح: كثيرا ما يذكر الفقهاء التعبد، ومعنى ذلك الحكم الذي لا

[ 257 ]
يظهر حكمه بالنسبة إلينا مع أنا نجزم أنه لا بد من حكمته، وذلك لانا استقرينا عادة الله تعالى فوجدناه جالبا للمصالح دارئا للمفاسد، ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سمعت نداء الله تعالى فهو إنما يدعوك لخير أو يصرفك عن شر كإيجاب الزكاة والنفقات لسد الخلات وإرش جبر الجنايات المتلفات وتحريم القتل والزنا والسكر والسرقة والقذف صونا للنفوس والانساب والعقول والاموال والاعراض عن المفسدات. ويقرب لك ما أشرنا إليه مثال في الخارج، إذا رأينا ملكا عادته يكرم العلماء يهين الجهال ثم أكرم شخصا غلب على ظننا أنه عالم فالله سبحانه وتعالى إذا شرع حكما علمنا أنه شرعه لحكمة، ثم إن ظهرت لنا فنقول هو معقول المعنى وإن لم تظهر فنقول هو تعبد انتهى. ص: (بولوغ كلب مطلقا لاغيره) ش: يعني أن الغسل المأمور به هو سبب ولوغ الكلب فقط، فلو أدخل يده في الاناء أو رجله لم يغسل خلافا للشافعي، لان الغسل عندنا تعبد وعنده للنجاسة. وقال صاحب الجمع عن ابن هارون: غالب ظني أن في ذلك قولين. قال صاحب الجمع قال سند: لا يتنزل إدخال يده ورجله منزلة الولوغ. وفي ابن عات يتنزل، وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر الحديث أنه لو أدخل يده أو رجله لم يغسل، ونقله خليل عن المذهب وما ذكره عن المذهب لا أعرفه انتهى. قلت: نقله سند ونصه: والغسل متعلق بولوغ الكلب فقط، ولو أدخل الكلب يده في الاناء لم يغسل سبعا خلافا للشافعي. فرع: قال سند: إذا لعق الكلب يد أحدكم لا يغسلها، ويقال: ولغ يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا بضم الواو إذا شرب. أبو عبيدة: فإذا شرب كثيرا فهو بفتح الواو، ابن العربي: ويستعمل الولوغ في الكلاب والسباع ولا يستعمل في الآدمي ويستعمل الشرب في الجميع انتهى بالمعنى. وليس شئ من الطير يلغ إلا الذباب قاله في القاموس. وقوله: مطلقا يعني أن الغسل لا يختص بالمنهي عن اتخاذه بل يغسل من ولوغ المأذون في اتخاذه، والمنهي عن اتخاذه، وهذا هو المشهور كما صرح به ابن الفاكهاني في شرح العمدة، واقتصر عليه صاحب الوافي، قاله السيد في تصحيح ابن الحاجب. وقال في الشامل: هو الاصح. وقيل: يختص بالمنهي عن اتخاذه وهما روايتان قاله ابن عرفة. قال في التوضيح: بناء على أن الالف واللام في الكلب للجنس فيعم، أو للعهد في المنهي عن اتخاذه. ونقل ابن عرفة ثالثا عن ابن رشد وابن زرقون بأنه يختص بالحضري وعزياه الماجشون. قال: وتفسير اللخمي بالمنهي عن اتخاذه يمنع كونه

[ 258 ]
ثالثا يعني أن اللخمي فسر الحضري في كلام ابن الماجشون بالمنهي عنه وذلك لانه في الحضر لا يكون غالبا إلا منهيا عن اتخاذه والله تعالى أعلم. وقوله: لاغيره يعني أن الغسل خاص بالكلب فلا يغسل الاناء من غيره وهو الظاهر من المذهب. قال ابن رشد: وهو الصحيح. وقيل: يلحق به الخنزير. وهما روايتان قاله ابن الحاجب وابن عرفة بناء على أن الغسل للتعبد أو للقذارة. قال ابن رشد: وإذا ألحق به الخنزير فيلحق به سائر السباع لاستعمالها للنجاسة واندراجها في الاسم. وقد قال عليه الصلاة والسلام لعتبة ابن أبي لهب: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فعدا عليه الاسد فأكله. فرع: قال ابن هارون: وانظر لو نشأ ولد من الكلب والخنزير على القول بأنه لج يلحق بالكلب قال: والاحوط وجوب الغسل ولا يبعد أن يحكم فيه بتبعية أمه، ونقله عنه ابن ناجي في شرح المدونة وزاد لقوله: كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. ص: (عند قصد الاستعمال) ش: أي لا يؤمر بالغسل إلا عند قصد استعمال ذلك الاناء، هذا هو المشهور وعزاه ابن عرفة للاكثر ولرواية عبد الحق، وقيل: يؤمر بالغسل بفور الولوغ، وعزاه ابن عرفة لتخريج المازري على التحرير ولنقل ابن رشد. قال في التوضيح: وبنى ابن رشد وعياض الخلاف على أن الغسل تعبد فيجب عند الولوغ لان العبادة لا تؤخر، أو للنجاسة فلا يجب إلا عند إرادة الاستعمال. قال: وفيه نظر لان المشهور أنه تعبد، وأنه لا يجب إلا عند قصد الاستعمال. والاحسن أنه يبنى الخلاف على الخلاف في الامر هل هو للفور أو للتراخي اه‍. قال صاحب الجمع: وظاهر كلامه في الذخيرة ترجيح الثاني لتقديمه إياه قال: وانظر هل مراد ابن الحاجب بقوله: ولا يؤمر به إلا عند قصد الاستعمال ما تقدم من كونه هل يغسل فورا أو عند قصد الاستعمال، أو مراده أنه إذا أريد استعماله غسل عند إرادة الاستعمال سواء اتصل الاستعمال بالقصد أو لم يتصل، وإن لم يرد استعماله فإنه لا يغسل ويكون القول الآخر يغسل، ولو عزم على تركه وعليه فلو كسر لزم غسل شقافه قال: والظاهر أنه أراد المعنى الاول اه‍. وهو المتعين وهو الذي يظهر من كلامهم. وقال ابن عبد السلام: وربما ذكر في ثمرة الخلاف هنا هل يلزم غسل الاناء إذا كسر وفيه بعد اه‍. وكأنه يشير إلى ما ذكره صاحب الجمع والله تعالى أعلم. وقال سند: مذهب مالك غسله عند إرادة الاستعمال لا بفور الولوغ كما زعم بعض الناس، ووجه المذهب أن غسله إنما يراد ليستعمل أرأيت لو كسر بعد الولوغ أكان يغسل شقافه اه‍. فظاهره أنه لا يقول أحد بغسل شقافه فتأمله. ص: (بلا نية) ش: يعني أنه لا يشترط في غسل الاناء النية، قاله الباجي وابن رشد قالا: وإنما يفتقر التعبد إلى النية إذا فعله الشخص في نفسه، أما هذا وغسل الميت وما شابههما فلا. قاله في

[ 259 ]
الذخيرة، ويحتمل أن يشترط فيه النية قياسا على اشتراطها في النضح. قال: ويحتمل أن يفرق بينهما بأن الغسل هنا يزيل اللعاب فالنضح لا يزيل شيئا فكان تعبدا بخلاف إناء الكلب وأصله لصاحب الطراز. قال: فإن استعمله من غير غسل في الماء فهل يغسله بعد ذلك سبعا أو بحسب الماء الذي ألقاه فيه واستعمله مرة، فهذا ينبني على اشتراط النية. قال الباجي: لا نية. وهل يتخرج فيه قول ثان قياسا على النضح أو يفرق بينهما ؟ وذكر ما تقدم الامر محتمل وفهم من كلام صاحب الطراز. فرع آخر: وهو أنه إذا استعمله قبل غسله لا يسقط الغسل ولا يؤمر بغسل ما أصابه ذلك الماء وهذا ظاهر، لان المذهب طهارته والله تعالى أعلم. فرع: هل يشترط الدلك ؟ قال في التوضيح: ليس فيه نص، والظاهر على أصولنا الاشتراط لان الغسل عندنا لا تتم حقيقته إلا به اه‍. وقوله: لا نص إن أراد من المتقدمين فمسلم، وإن أراد أنه لم يسبق إليه فممنوع فقد ذكره في الذخيرة وأصله لصاحب الطراز لكنه فرعه على القول باشتراط النية فقال: فرع وإذا شرط فيه النية فهل يشترط الحك باليد كما يشترط التدلك في الوضوء والغسل لان الغسل فيه على وجه التعبد أو يجزي تمضمضه بالماء ؟ هذا لا نص فيه أصلا، ويجوز أن يقال: بل يشترط دلكه لان الغسل مأمور به فيه خرج على المتعارف من غسل الاواني، وقد يطلق الغسل من غير دلك. يقال: غسلت السماء الارض بالمطر اه‍. فظاهره أنه على القول بعدم اشتراط النية لا يشترط الدلك، وفي كلامه إيماء إلى أنه لا يشتط أيضا على القول باشتراطها. وفي كلام ابن العربي ما يدل على عدم اشتراط ذلك وأنه المذهب فإنه قال في باب ما جاء في أن تحت كل شعرة جنابة: اختلف الناس في الغسل فقيل: هو صب الماء عل المغسول، قيل: هو إمرار اليد مع الماء على المحل، أو عرك المحل بعضه ببعض، والصحيح أنه صب الماء لازالة شئ، فإذا زال كان غسلا وكان المحل مغسولا، ألا ترى أن غسل الاناء من ولوغ الكلب صب الماء عليه لانه ليس هناك شئ يزال ؟ اه‍. ص: (ولا تتريب) ش: يعني أن تتريب الاناء غير مطلوب عندنا لانه لم يثبت في كل الروايات - قاله عياض - أو لاختلاف الطرق الدالة عليه ففي بعضها إحداهن وفي بعضها أولاهن في أخراهن. وقال القرطبي: إنما لم يقل مالك بالتعفير لانه ليس في روايته. ص: (ولا يتعدد بولوغ كلب أو كلاب) ش: أي لا يتعدد الغسل المذكور بتعدد ولوغ الكلب في الاناء ولا بتعدد الكلاب، فلو ولغ كلب في إناء مرات متعددة أو ولغ جماعة من الكلاب في إناء كفى في ذلك سبع غسلات، وهذا هو المشهور قاله ابن الحاجب، لان الاسباب

[ 260 ]
إذا تساوت موجباتها اكتفي بأحدها كتعدد النواقض في الطهارة والسهو في الصلاة وموجبات الحدود. وقيل: يتعدد، حكى الخلاف في ذلك ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب. وقال المازري: لا نص فيه والاظهر فيه عدم التكرر. قال ابن عرفة: هذا خلاف حكاية ابن بشير وابن شاس وفيه قولين. وقول ابن الحاجب لا يتعدد على المشهور، وذكر سند أنه لا يتعدد وجعله المذهب ولم يحك فيه خلافا إلا عن بعض الشافعية. وقال ابن عبد السلام: عدم التعدد يناسب القول بالنجاسة والاستقذار، والتعدد يناسب من قال بالتعبد، والمشهور خلاف ما قال. وقال ابن هارون: وسبب الخلاف الالف واللام في الكلب هل هي للماهية أو للجنس ؟ فعلى الاول يتكرر، وعلى الثاني لا يتكرر. وقال ابن ناجي: الصواب قول من قال من الشافعية بعدم التعدد في ولوغ الكلب، وبالتعدد في ولوغ الكلاب، فللشافعية ثلاثة أقوال والله تعالى أعلم. ص: فصل فرائض الوضورء فرائض الوضوء غسل ما بين الاذنين ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن وظاهر اللحية) ش: أي هذا فصل أذكر فيه فرائض الوضوء وسننه وفضائله لانه لما انقضى كلامه على وسائل الطهارة الثلاث التي هي بيان الماء الذي تحصل به الطاهرة وبيان الاشياء الطهارة والنجسة وبيان حكم إزالة النجاسة وكيفية إزالتها وما يعفى عنه منها، أتبع ذلك بالكلام على مقاصد الطهارة وهي الوضوء ونواقضه والغسل ونواقضه وما هو بدل عنهما وهو التيمم، أو عن بعض الاعضاء وهو مسح الخف والجبيرة، وإنما كانت تلك الفصول الثلاثة وسائل لان بمعرفتها يتوصل إلى معرفة صحة الطهارة من الحدث والخبث، ووسيلة الشئ ما يوصل إليه. وبدأ من المقاصد بالوضوء لتكرره ولانه مطلوب لكل صلاة إما وجوبا أو ندبا. والفراض جمع فريضة وهي الامر الذي يثاب على فعله ويترتب العقاب على تركه. ويقال فيه أيضا فرض ويجمع على فروض ويطلق الفرض شرعا على معنى آخر وهو ما تتوقف عليه صحة العبادة وجواز

[ 261 ]
الاتيان بها كوضوء النافلة، وهو بهذا المعنى أعم من الاول. ويشاركه الاول في أنه يأثم بفعل العبادة بدونه، وينفرد عنه بأنه لا يأثم بتركه مع ترك العبادة المتوقفة عليه. والوضوء بضم الواو واسم للفعل وبفتحها اسم للماء، وحكي عن الخليل الفتح فيهما وعن غيره الضم فيهما وهذا ضعيف، والاول هو المعروف في اللغة، حكى اللغات الثلاث النووي في شرح المهذب، وهو مشتق من الوضاءة بالمد وبالضاد المعجمة وهي النظافة والحسن. ويطلق الوضوء في اللغة على غسل عضو فما فوقه ومنه حديث أبي داود والترمذي بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده وهو حديث ضعيف. والمراد به غسل اليد ومحمله عندنا ما إذا أصابها أذى من عرق ونحوه ومنه الحديث الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم ويصحح البصر ذكره صاحب الجمع وذكره في الاحياء ولم يذكر قوله: ويصحح البصر. وأما في الشرع فهو غسل أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص. فوائد: الاولى: اختلف متى فرضت الطهارة للصلاة، فقال الجمهور: من أول الامر حين فرضت الصلاة وإن جبريل نزل صبيحة الاسراء فهمز النبي (ص) بعقبه فتوضأ وعلمه الوضوء. وقال ابن الجهم: كانت في أول الاسلام سنة ثم فرضت في آية التيمم. نقله الابي في شرح مسلم عن القاضي عياض، وكلام القاضي أتم فلينظر. قال ابن حجر في أول كتاب الوضوء: وجزم ابن حزم بأن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة ثم رد ذلك عليه. الثانية: ذكر السهيلي في الروض الانف في غزوة السويق في شرح قوله: وكان أبو سفيان نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغز ومحمدا ما نصه: فيه أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية من بقايا دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما بقي فيهم الحج والنكاح ولذلك سموها جنابة. وقالوا: رجل جنب لمجانبتهم البيته الحرام في تلك الحال. ولذلك عرفوا معنى هذه الكلمة في القرآن أعني قوله: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * (المائدة: 6) ولم يحتاجوا إلى تفسيره بخلاف الوضوء فإن لم يكن معروفا قبل الاسلام فلذلك لم يقل لهم من كان محدثا فليتوضأ قال الله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * (المائدة: 6) الآية. فبين الوضوء وأعضاءه وكيفتيه وسببه ولم يحتج إلى ذلك في الجنابة انتهى. الثالثة: قال في الاكمال قال غير واحد من أهل العلم: إن الغرة والتحجيل مما اختصت به هذه الامة وقوله (ص) في حديث مسلم: لكم سيما ليست لاحد من الامم تردون علي غرا محجلين يدل على ذلك. وقال الاصيلي وغيره: هذا الحديث يدل على أن الوضوء مما

[ 262 ]
اختصت به هذه الامة، وعارضه غيره بقوله (ص): هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي والامة مختصة بالغرة والتحجيل لا بالوضوء. وأجيب: بأنه حديث ضعيف أو أنه اختصت به الانبياء دون أممها إلا أمة محمد (ص) انتهى. وانظر كلام ابن حجر في أول كتاب الطهارة. قلت: وقال في الاكمال في كتاب البر والصلة في حديث جريج، وفي البخاري: فتوضأ وصلى فيتجه حجة على أن الوضوء كان في غير هذه الامة، وفيه رد على من زعم أنه مختص بها وتصحيح لتأويل اختصاصها بالغرة والتحجيل انتهى بالمعنى. فتحصل منها أن هذه الامة مختصة بالغرة والتحجيل، واختلف في اختصاصها به والصحيح عدم اختصاصها. والسيما بكسر السين والمد القصر العلامة، ويأتي الكلام على الغرة والتحجيل في آخر الفصل إن شاء الله تعالى. وذكر النووي أن قول الاصيلي قال به جماعة من أهل العلم والله تعالى أعلم. الرابعة: الوضوء في الشرع على أربعة أقسام: فرض ومستحب ومباح وممنوع. فالوضوء الفرض: لكل عبادة لا يصح فعلها إلا بطهارة كالصلاة والطواف فرضهما ونفلهما ولمس المصحف. وقيل: إن الوضوء للنفل منهما ومس المصحف سنة نظرا إلى أنه لا يأثم بتركه، ورد ذلك بالاتفاق على أن تعمد فعل شئ من ذلك دون طهارة معصية، وأنه لا تنعقد تلك النافلة ولا يلزم قضاؤها بل عد الشيخ سعد الدين في ما يكفر به فعل الصلاة بغير طهارة. والمستحب: الوضوء المجدد لكل صلاة إذا كان قد فعلت به عبادة. وقيل: إن سنة ووضوء الامام لخطبتي الجمعة، وقيل: فريضة والوضوء للاذان والاقامة وللنوم ولو كان جنبا. وقيل: إن وضوء الجنب للنوم سنة ولقراءة القرآن ظاهرا ولقراءة الحديث ولاستماعهما وللدعاء والمناجاة وللذكر ولصاحب السلس، ومنه المستحاضة عند كل صلاة إذا كان إتيان ذلك أكثر من انقطاعه وتساويا كما سيأتي، ولاعمال الحج والعمرة كلها ما عدا الطواف والصلاة فيجب لذلك كما تقدم. ولا يستحب الوضوء للجنب إلا عند الاكل خلافا للقاضي عياض. قال الباجي والمازري: ومجمل الحديث في أمر الجنب بالوضوء للاكل عندنا على غسل اليد وهل ذلك لاذى أصابها.

[ 263 ]
والمباح: قال القاضي عياض في قواعده: هو الوضوء للدخول على الامراء ولركوب البحر وشبهه من المخاوف، وليكون الشخص على طهارة، ولا يريد به صلاة يعني استباحة صلاة يريد أو غيرها مما يمنعه الحدث ثم قال، وقد يقال في هذا كله إنه من المستحبات. قلت: وجزم ابن جزي في قوانينه باستحباب الوضوء لذلك وزاد: ولقراءة العلم قال: والمباح الوضوء للتنظيف والتبرد. وجزم المصنف في التوضيح باستحبابه لتعليم العلم. وقال الشبيبي: من المباح الوضوء لتعلم العلم وتعليمه عند بعضهم انتهى. قلت: والظاهر في هذا كله الاستحباب ما عدا التنظيف والتبرد فإنه مباح لان التنظيف وإن كان مطلوبا شرعا لم يطلب غسل أعضاء الوضوء بخصوصها له. وحديث بني الدين على النظافة ذكره الغزالي في الاحياء. وقال العراقي: لم أجده هكذا، وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة تنظفوا فإن الاسلام نظيف وللطبراني سند ضعيف جدا النظافة تدعوا إلى الايمان انتهى. قلت، وروى الترمذي في كتاب الاستئذان من سننه من حديث عامر بن سعد مرفوعا إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم الحديث. وقال: حديث غريب وفيه خالد بن إياس وهو مضعف. والوضوء الممنوع، هو المجدد قبل أن تفعل به عبادة، والوضوء لغير ما شرع له الوضوء أو أبيح. وجعل القاضي عياض وابن جزي والشبيبي الوضوء خمسة أقسام، وزادوا الوضوء المسنون وعدوا فيه وضوء الجنب للنوم. وزاد القاضي عياض فيه تجديد الوضوء لكل صلاة ووضوء النافلة ومس المصحف والمشهور في الاولين الاستحباب. وفي وضوء النافلة ومس المصحف الفريضة بالمعنى الذي ذكرته فلذلك تركت هذا القسم. وقال في الاكمال: الوضوء للصلاة الفرض فريضة بلا خلاف وأما الوضوء لغير الفرض فذهب بعضهم إلى أنه كحكم ما يفعل به من فريضة أو سنة أو نافلة، وذهب بعضهم إلى أنه فرض لكل عبادة لا تستباح إلا به لانه إذا عزم على فعلها فالمجئ بها بغير طهارة معصية واستخفاف بالعبادة فيلزم المجئ بشروطها فرضا كما أنه إذا دخل في نافلة وجب عليه إتمامها. قال القباب: ولم يذكر اللخمي وابن يونس وابن رشد إلا القول الثاني قال: ويظهر لي أن القولين لم يختلفا في حكم من أحكام هذه العبادات لان الكل متفقون على أن الصلاة بغير طهارة ممنوعة، فرضا كانت أو نفلا، والكل متفقون على أن الوضوء للنافلة ليس بمفروض على جميع الناس فعاد الخلاف إلى عبادة، فمن لاحظ كون النافلة لو تركها لم يأثم وكذلك طهرها قال: إنه سنة، ومن لاحظ كونه إذا تلبس بها بغير طهارة أثم قال إنه فرض. قلت: وملخصه أنه يرجع إلى التفسيرين المتقدمين للفرض، فمن نفاه أراد المعنى الاول،

[ 264 ]
ومن أثبته أراد المعنى الثاني والله تعالى أعلم. وقال النووي: أجمعت الامة على حرمة الصلاة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة بغير طهارة، وما حكي عن الشعبي والبري من تجويز صلاة الجنازة من غير طهارة باطل والله تعالى أعلم. الخامسة: للوضوء شروط وفروض وسنن وفضائل ومكروهات ومبطلات وهي نواقضه، وذكر المصنف في هذا الفصل فرائضه وسننه وفضائله، ويذكر نواقضه في فصل بعد هذا، ولم يذكر شروطه ولا مكروهاته فنذكر الشروط هنا لتقدم الشرط على المشروط، ونذكر المكروهات في آخر الفصل إن شاء الله تعالى فنقول: شروط الوضوء على ثلاثة أقسام: منها ما هو شرط في وجوبه وصحته معا، ومنها ما هو شرط في وجوبه فقط، ومنها ما هو شرط في صحته فقط. فالاول خمسة على المشهور: بلوغ دعوة النبي (ص) والعقل وانقطاع دم الحيض وانقطاع دم النفاس ووجود ما يكفيه من الماء المطلق. والثاني ستة: دخول وقت الصلاة الحاضرة وتذكر الفائتة والبلوغ وعدم الاكراه على تركه وعدم السهو والنوم عن العبادة المطلوب لها الوضوء والقدرة على استعمال الماء وثبوت حكم الحدث الموجب لذلك أو الشك فيه على المشهور كما سيأتي. والثالث: هو الاسلام فقط على القول المشهور أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وعلى مقابله يكون شرطا في الوجوب والصحة وشروط صحته كالوضوء والله تعالى أعلم. وأما فرائض الوضوء فاختلف أهل المذهب في عددها فعدها ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما ستة، الاعضاء الاربعة المذكورة في الآية الشريفة، والنية، والموالاة ويعبر عنها بالفور وجعلوا لذلك راجعا للغسل. وعدها ابن يونس وابن بشير وغيرهما سبعة الستة المذكورة والماء المطلق، وعدها ابن رشد ثمانية السبعة المذكورة والترتيب، وعدها غيره ثمانية أيضا لكنه جعل بدل الترتيب الجسد الطاهر، واقتصر صاحب الطراز على عد الاعضاء الاربعة قال: و أما النية فنعتها بالشرطية أظهر من نعتها بالفرضية، وكأنه رأى أن الدلك والموالاة يرجعان إلى صفة الغسل. وعدها المصنف سبعة، الاعضاء الاربعة والنية والدلك والموالاة، إلا أنه ذكر فيها قولين مشهورين ولم يعد الترتيب لان المشهور فيه أنه سنة على تفصيل سيأتي، ولم يعد الماء المطلق لانه شرط وجوب كما تقدم، ولم يعد الجسد الطاهر كما عده الابهري وغيره لان الذي ارتضاه في توضيحه في باب الغسل وابن عرفة هنا أنه لا يشترط طهارة المحل قبل ورود الماء لغسل الوضوء. قال ابن عرفة: وظاهر قول عبد الحق وبعض شيوخه في انغماس الجنب والمازري في نية رفع الحدث وإزالة النجاسة، وسماع ابن أبي زيد وابن القاسم لا بأس بوضوئه بطهور ينقله لاعضاءه وبها ماء نجس. وقول ابن القاسم فيها في ماء توضأ به إن لم يجد غيره توضأ به

[ 265 ]
ولا ينجس ثوبا أصابه إن كان الذي توضأ به أولا طاهرا. عدم شرط طهارة المحل قبل ورود الماء لغسل الوضوء خلافا للجلاب، وأخذه من قول ابن مسلمة في اشتباه الآنية ويغسل أعضاءه فما قبله يرد بكونه لاحتمال قصور وضوئه الثاني عن محل الاول. وأخذه من قول الباجي رأيت لابن مسلمة من كان بذراعه نجاسة فتوضأ ولم ينقها أعاد أبدا يرد بأن نصفها في النوادر بزيادة فكأنه لم يغسل محلها، ولو كانت برأسه أعاد في الوقت لان ترك بعضه لا شئ فيه، فهذا بين في أن إعادته لترك محلها إذا كانت في الرأس في الوقت لانها فيه كصلاته بنجاسة انتهى. وقال الابي في شرح مسلم في شرح حديث ميمونة في الغسل: وإن شاء نوى الجنابة عند غسل الاذى ولا يعيد غسل محله على المشهور في أن طهارة الحدث ليس من شرطها أن ترد على الاعضاء وهي طاهرة. وقال ابن الجلاب: شرطها ذلك واختاره جماعة وكلام المصنف يأتي في باب الغسل مع كلام الجزولي وصاحب الطراز وغيرهما، وأنه إذا غسل موضع الاذى بنية الجنابة وإزالة النجاسة أجزاه على المشهور، والذي ذكرها بن عرفة عن سماع أبي زيد هو قوله فيمن نزل في حوض نجس ثم خرج وغسل يديه وغرف بهما من الماء الطهور وغسل بهما وجهه وفيه الماء النجس، ثم ردهما وغرف بهما وغسل بقية أعضائه وقال: ليس بهذا بأس وأراه سهلا وقد قال: هذا مما أجازه الناس وكلام ابن رشد صريح في أنه لا يشترط ذلك فإنه قال: ولو نجس طهوره برد يديه فيه بعد أن مس بهما جسمه في نقل الماء إليه وغسله لوجب أن ينجس الماء الذي نقله إليه بملاقاته إياه فلا يطهر أبدا. وفي الاجماع على فساد هذا ما يقضي بفساد قول من قال إن طهره ينجس بذلك وإن الغسل لا يجزي والله تعالى الموفق انتهى. وقال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة ولا ينجس ثوبا أصابه إن كان الذي توضأ به أولا طاهر الاعضاء. قال المغربي: يقوم منها أنه لا يشترط في أعضاء المتوضئ أن تكون طاهرة، لانه اشترط الطهارة في حق المتوضئ الثاني. وأما الاول فهو صحيح بالاطلاق على ظاهر كلامه خلافا لابن الجلاب. قال ابن ناجي: ما ذكره صحيح ثم قال: وقول ابن الجلاب مشكل لانه يقول في الماء اليسير تحله النجاسة إنه لا ينجس انتهى. قلت: وعبارة الجلاب ليست صريحة فيما ينسبونه إليها ونصها وإزالة النجاسة عن الثوب والجسد والمكان مسنونة غير مفروضة إلا أن تكون في أعضاء الوضوء فتجب إزالتها لانه لا يصح تطهير الاعضاء مع وجودها فيها فوجب إزالتها لذلك لا لنفسها فتأمله. فرع: قال أبو الحسن الصغير في الكلام على مسألة الحناء ولم يشترط أحد طهارة الاعضاء من الدنس، ويأتي الكلام على ما إذا انضاف الماء بعد وصوله للعضو في الكلام على مسح الرأس وعلى الدلك والله تعالى أعلم. وقول الشيخ زروق في شرح القرطبية أنه يدخله الخلاف الذي في الماء القليل تحله نجاسة ليس بظاهر، وسيأتي أن الماء لا ينضاف بعد وصوله إلى العضو والله تعالى أعلم. وقال ابن رشد: إن فرائض الوضوء على ثلاثة أقسام: قسم مجمع

[ 266 ]
عليه وهي الاعضاء الاربعة، وقسم اتفق عليه في المذهب وهو النية والماء المطلق، وقسم اختلف فيه في المذهب وهو الفور والترتيب. قلت: وما حكاه من الاتفاق على أن النية فرض حكاه ابن حارث، وحكى المازري وابن الحاجب فيها الخلاف وسيأتي، ويزاد في المختلف فيه في المذهب الدلك والجسد الطاهر فتتم الجملة عشرة، وقدم المصنف الكلام على الاعضدء الاربعة المجمع عليها وعلى ترتيبها في الآية، فبدأ بالكلام على غسل الوجه ولم يصرح به اكتفاء بذكر حده عرضا وطولا فقال: فرائض الوضوء: غسل ما بين الاذنين يعني أن فرائض الوضوء سبع: الفريضة: الاولى: غسل الوجه وفرضيتها ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع. وحده عرضا ما بين الاذنين، وهذا أحسن من قولهم من الاذن إلى الاذن للخلاف في الغاية هل هي داخلة في المغيا أم لا، وما ذكره هو المشهور. وقيل: من العذار إلى العذار رواه ابن وهب عن مالك في المجموعة. وقيل: إن كان نقي الخد فكالاول وإلا فكالثاني، حكاه القاضي عبد الوهاب عن بعض المتأخرين، وانفرد القاضي عبد الوهاب بأن غسل ما بين العذار والاذن سنة، وضعفه ابن الحاجب لانه إن كان من الوجه وجب وإلا سقط. ولا يثبت كونه سنة إلا بدليل ولم يثبت فتحصل في ذلك أربعة أقوال، وأن ما بين العذارين مجمع عليه. ووجه القول الاول أن المواجهة تقع بالجميع فهو داخل في مسمى الوجه الثاني ووجه أنه لا تقع به المواجهة غالبا. ووجه الثالث والرابع ظاهر. قال في الجواهر: ومنشأ الخلاف التنازع في المواجهة هل تتناول ما اختلف فيه أم لا. والعذار بالذال المعجمة الشعر النابت على العارض والعارض صفحة الخد. تنبيهات: الاول: ذكر ابن ناجي في شرح المدونة عن أبي عمران أنه قال: وانظر على القول بأنه إنما يغسل من العذار إلى العذار هل يدخل العذر أم لا ؟ والذي يظهر دخوله والله أعلم. قال ابن ناجي قلت: الاظهر من كلامهم عدمه. قلت: الظاهر ما قاله أبوعمران. الثاني: قال اللخمي: خفيف العذار كمن ليس له عذار وقبله ابن عرفة. الثالث: على قول القاضي عبد الوهاب أن غسل ما بين العذار والاذن سنة فيغسله مع الوجه ولا يفرده بالغسل، قاله في الطراز. قال: والفرق بينه وبين مسح الاذن حيث طلب لها تجديد الماء أن إفراده بالغسل يؤدي إلى التكرار في غسل الوجه. ثم ذكر المصنف حد الوجه طولا فقال: ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن وظاهر اللحية يعني أن حد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن في حق من ليست له لحية، وأما من له لحية فيغسل ظاهرها ولو طالت.، والذقن - بفتح الذال المعجمة والقاف - مجمع اللحيين - بفتح اللام، وسكون الحاء - تثنية لحي - بفتح اللام سكون الحاء أيضخ - وحكى كسر اللام في المفرد والمثنى. واللحي

[ 267 ]
العظم الذي تنبت فيه اللحية هكذا فسره الجوهري والفاكهاني وغيرهما. وقال بعضهم: هو العظم الذي تنبت فيه الاسنان السفلى وتنبت اللحية على ظاهره، وما أدري لم قيدوه بالاسنان السفلى وقد قالوا في باب الجراح: اللحى الاعلى واللحى الاسفل وفرقوا بينهما في أحكام الجراح إلا أن يكون مرادهم تفسير اللحي الذي هو مفرد اللحيين اللذان أخذا في تفسير الذقن فتأمله والله تعالى أعلم. وكسر اللام في اللحية أفصح من فتحها وتسمية اللحية ذقنا بالدال المهملة كما تقوله العامة لم أقف له على أصل في اللغة. تنبيهات: الاول: قوله ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن إن جعلنا معطوفا على الاذنين على أن المعنى وما بين شعر الرأس المعتاد والذقن اقتضى كلامه خروج الذقن من حد الوجه، وقد قال الفاكهاني: لا خلاف أن الذقن داخل في غسل الوجه وليس فيه ما في المرفق من الخلاف، وإن جعلنا معطوفا على ما من قوله غسل على ما قال البساطي: لزم عليه ما هو أفحش من الاول وهو أن يكون الفرض غسلهما فقط. قلت، قد يقال على هذا الوجه الثاني أن غسل ما بين الاذنين مع غسل منابت شعر الرأس والذقن يستكمل غسل جميع الوجه غير أن يقتضي أن منابت شعر الرأس من الوجه وليست منه، ويمكن أن يقال: قوله ومنابت شعر الرأس معطوف على الاذنين وقوله والذقن وظاهر اللحية معطوفان على ما، والمعنى أن حد الوجه هو ما بين الثلاثة أعني الاذنين، ومنابت شعر الرأس فيغسل ذلك مع الذقن إن لم تكن له لحية، وإن كانت له لحية فيغسل ذلك فع غسل ظاهرها. الثاني: قوله منابت شعر الرأس المعتاد يعني التي من شأنها في العادة أن ينبت فيها شعر الرأس، واحترز بذلك من الغمم - بفتح الغين المجمعة وميمين - وهو نبات الشعر على الجبهة فإنه يجب غسل موضع ذلك. يقال: رجل أغم وامرأة غماء والعرب تذم به وتمدح بالنزع لان الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل والنزع بضد ذلك قال: فلا تنكحي إن فرق الله بيننا * أغم القفا والوجه ليس بأنزعا قال الفاكهاني: والجبهة ما أصاب الارض في حال السجود، والجبينان ما أحاط بها من يمين وشمال، والعارضان والعنفقة وأهداب العين والشارب كل ذلك من الوجه، فما كان كثيف الشعر غسل ظاهره ولم يجب إيصال الماء إلى البشرة - وقيل يجب - وما كان خفيفا وجب إيصال الماء إلى البشرة انتهى. وفي سماع سحنون قلت له: وما حد الوجه الذي إذا قصر عنه المتوضئ أعاد ؟ فقال لي: دور الوجه. قلت: فاللحي الاسفل من ذلك والذقن قال: نعم فأخبرته بقول من قال إن اللحي الاسفل ليس من الوجه لان مالكا قال: ليس فيه موضحة فقال: أخطأ من يقول هذا، قد قال

[ 268 ]
مالك: إن الانفق لا موضحة فيه. قال ابن رشد: وهذا كما قال واللحى الاعلى والاسفل في وجوب الغسل في الوضوء سواء، وكذلك الذقن وليس عليه أن يغسل ما تحته وهذا مما لا أعلم فيه خلافا. وفي النوادر: وليس عليه غسل ما تحت ذقنه وما تحت اللحى الاسفل. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد، ولا يجب غسل ما تحت الذقن اتفاقا، قاله ابن رشد ونحوه في شرحه للرسالة وزاد فيه: ولقد رأيت شيخ المالكية نور الدين السنهوري يغسله وهو من العلماء العاملين فلا أدري لو رع أو غيره انتهى. وقال في الطراز: واللحي الاسفل من الوجه قاله سحنون في العتبية، وقال التونسي: ليس من الوجه انتهى. واحترز به أيضا من الصلع - بالصاد المهملة - وهو خلو الناصية من الشعر، والناصية مقدم الرأس فلا تدخل في حد الوجه، وكذلك النزعتان كما قاله في الجواهر وغيرها، والنزعتان - بفتح الزاي والعين - تثنية نزعة بفتحهما، أيضا وهما بياضان يكتنفان الناصية. وقال في الذخيرة: هما الخاليتان من الشعر على جنبي الجبين الذاهبتين على جنبي اليافوخ. وقال النووي: هما بياضان يكتنفان الناصية فهما من الرأس ويقال لهما الجلحتان من الجلح - بفتح الجيم واللام - وفي الصحاح: رجل أنزع بين النزع وهو الذي انحسر عن جانبي جبهته وموضعه النزعة وهما النزعتان قاله في باب العين المهملة. وقال في فصل الجيم من باب الحاء المهملة: الجلح فوق النزع وهو انحسار الشعر عن جانبي الرأس، أوله النزع ثم الجلح ثم الصلع، وقد جلح بالكسر فهو أجلح بين الجلح واسم ذلك الموضع الجلحة. وقال سند: النزعتان من الرأس وهما الجلحتان لانهما في سمت الناصية وما يلي الجلحتين إلى الصدغين من الرأس انتهى. فيفهم منه أن الشعر الذي في الصدغين من الرأس لا من الوجه. قال في المنتقى: وقد حكى الشيخ أبو محمد في نوادره أن شعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح، ومعناه عندي من فوق العظم من حيث يعرض الصدغ من جهة الرأس لان ذلك الموضع يحلقه المحرم، وأما ما دون ذلك فليس من الرأس. وحكى القاضي أبو محمد إذا كان شعر العارضين من الخفة بحيث لا يستر البشرة لزم إيصال الماء إلى البشرة، وهذا يقتضي أن العارضين من الوجه. ومعنى ذلك عندي من موضع العظم وحيث يبتدئ نبات الشعر من جهة الوجه انتهى. وقال اللخمي: النزعتان من الرأس يمسحان ولا يغسلان. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: وشعر الصدغين من الرأس ما لم يكن داخل منه في دور الوجه فإنه يغسل لانه من الوجه اه‍. وقال الفاكهاني: الموضع الثاني من المواضع المختلف فيها موضع التحذ - ف وهو الشعر الذي بين ابتداء العذار والنزعة وهو الداخل إلى الجبين من جانبي الوجه، فالصحيح أن ذلك من الرأس. قال ابن الصباغ: وحكي عن أبي العباس وابن أبي هريرة من الشافعية أنه من الوجه لان العادة فيه التحذيف وهو ضعيف لانه شعر متصل بشعر الرأس، ولا اعتبار بالعادة إذ لم يجعله أهل اللغة من الوجه انتهى. ويريد ما لم يدخل في الجبين جدا ويجاوز الحد المعتاد من ذلك كما يشير إليه كلام اللخمي السابق. وقال الشافعية في تفسير موضع التحذيف، هو

[ 269 ]
بالذال المعجمة ما ينبت عليه الشعر الخفيف متصلا بالصدغ. وضابطه أن يضع طرف خيط على طرف الاذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة، فانزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف، وسمي بذلك لان النساء والاشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه. قال النووي في منهاجه: صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس، فعلم من هذا أن الشعر الذي في الصدغين ليس من الوجه إلا ما كان داخلا من ذلك في دور الوجه كالاغم كما يفهم من كلام اللخمي. إذا علم ذلك فما استشكله ابن عبد السلام لا إشكال فيه فإنه قال، ولم يبينوا في المذهب حد الوجه من جهة الاذن إلى طرف الجبهة سوى ما تقدم من منابت الشعر المعتاد، وفي تلك الجهة ينبت الشعر عادة لغير الاغم. فإن نظرنا إلى ما حددوه في الطول لم يدخل، وإن نظرنا إلى ما حددوه في العرض على قول من يحده من الاذن إلى الاذن دخل، وللشافعية فيه اضطراب والنفس أميل إلى دخوله انتهى. وقد علم مما تقدم أنه ليس من الوجه لكن قال صاحب الجمع: ويمكن أن يقال: العادة جارية بغسله إما على أن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب، أو على أنه مطلوب لنفسه وقد علم أنه ليس من الوجه، فتحصل من هذا أن حد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد سواء في الجبهة أو في الصدغ إلى آخر الذقن، وعرضا من الاذن إلى الاذن، وليس وتدا الاذن منه، ومنه البياض الذي بين العذار والاذن وطرف اللحى والاسفل الخارج من تحت الاذن في سمت الاذن كما يفهم من قول صاحب الطراز. وأخرج منه القاضي عبد الوهاب البياض الذي بين الصدغ والاذن واللحيين الخارجين من تحت الاذن في سمت الاذن، فجعل ذلك من الوجه. وأن القاضي أخرجه منه وقد تقدم عن البيان أن اللحى الاسفل من الوجه. واعلم أن الصدغ - بضم الصاد المهملة وسكون الدال المهملة وآخره غين معجمة - هو ما بين العين والاذن، كذا فسره في الصحاح، وبه فسره الفاكهاني في شرح الرسالة. فإذا كان كذلك فما كان منه دون العظم الناتئ فهو من الوجه، وما كان فوقه فهو من الرأس. وقولهم: يجب غسل البياض الذي بين الصدغ والاذن يعنون به ما كان تحت العظم الناتئ والله تعالى أعلم. الثالث: قوله وظاهر اللحية يعني أنه يجب عليه غسل ظاهر اللحية ولو طالت. قال ابن رشد في سماع سحنون من كتاب الطهارة: وهذا هو المعلوم من مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها. وقيل: ليس عليه أن يغسل من لحيته إلا ما اتصل منها بوجهه لا ما طال منها وهو ظاهر ما في سماع موسى عن ابن القاسم عن مالك انتهى. ونقل الخلاف في ذلك صاحب الطراز وغيره، ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد وجزم بنسبة الثاني لسماع موسى قال: وقاله الابهري وله نحو ذلك في مسح ما طال من شعر الرأس وأنه لا يجب إلا ما حاذى دلممسوح من الرأس. قال ابن راشد: وخرج بعضهم الخلاف على قاعدة، وهي هل يعتبر الاصل فيجب، أو يعتبر المحاذي وهو الصدر فلا يجب ؟ وقال ابن هارون: واعتبار الاصل أولى. والمراد

[ 270 ]
بغسل ظاهر اللحية إمرار اليد عليها مع الماء وتحريكها. قال في المدونة: ويحرك اللحية في الوضوء ويمر يده عليها من غير تخليل. قال ابن ناجي: لا خلاف أن التحريك لا بد منه. وقال سند: إذا قلنا لا يجب تخليلها فلا بد من إمرار الماء عليها مع اليد ويحرك يده عليها لان الشعر ينبو بعضه عن بعض فيمنع بعضه وصول الماء إلى بعض، فإذا حرك ذلك حصل استيعاب جميع ظاهره انتهى. وهذا التحريك غير التخليل لانه لا خلاف فيه وسيأتي الخلاف في التخليل. وقال أبو الحسن قال في النوادر: وصفة التحريك هو أن يدافع ما انصب من الماء عليها حتى يداخلها من غير تخليل بالاصابع. ولفظ النوادر: وقال بعض أصحابنا: معنى تحريكها تحريك اليد عليها عند مرور اليد عليها ليداخلها الماء لان الشعر ينبو عنه الماء انتهى. وقوله ينبو أي يندفع ويتباعد. فروع: الاول: قال في النوادر قال سحنون: ومن لم يمر عليها الماء أعاد ولم تجزه صلاته انتهى. الثاني: إذا كان على الشعر حائل يمنع من وصول الماء وجب إزالته فإن لم يزله ثم قص الشعر الذي كان عليه الحائل هل يكفي ذلك أم لا ؟ يأتي الكلام عليه في مسح الرأس. الثالث: قال الجزولي، والشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة قال ابن العربي: يجب غسل جزء من الرأس ليستكمل غسل الوجه كما يجب مسح بعض الوجه إذا مسح رأسه ليستكمل مسح رأسه، وهما من باب ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب. انتهى بالمعنى. وذكره الشيخ زروق في شرح الرسالة كأنه المذهب ولم يعزه لابن العربي. وقال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة ويحرك اللحية في الوضوء ويمر يده عليها من غير تخليل اختلف المتأخرون هل يغسل شيئا من رأسه ليتحقق تعميم الوجه أم لا ؟ قال شيخنا: ولا يحتاج أن يأخذ شيئا من الوجه في مسح الرأس اتفاقا إذا أخذ شيئا من رأسه في غسل الوجه. وأجبته بأنه يختلف فيه أيضا لانه لا يحصل الوجه إلا بعد مسح بعض الرأس. وأجاب بأنه لا يضر لقول المدونة في مسح الجبيرة إذا برئت ونسي غسلها التهى ويعني بشيخه البرزلي. وقال في شرح الرسالة: ظاهر كلام الشيخ أنه لا يأخذ شيئا من شعر الرأس وهو كذلك لانه أراد منابت شعر الرأس المعتاد وهو أحد نقلي شيوخنا، وهما جاريان على اختلاف الاصوليين فيما لا يتم الواجب إلا به فهل هو واجب أم لا، وكذا اختلف هل يجب إمساك جزء من الليل بالنسبة إلى الصوم ؟ وقال ابن فرحون: وأصله لابن هارون في شرح قول ابن الحاجب في مسح الرأس ومبدؤه من مبدإ الوجه هذا يقتضي أنه لا يجب غسل جزء من الرأس لاستيعاب الوجه كما لا يجب مسح جزء من الوجه لاستيعاب الرأس، فأوجبه بعضهم في غسل الوجه دون مسح الرأس وهو بعيد والله تعالى أعلم. قلت: والظاهر الوجوب.

[ 271 ]
الرابع: قال في الرسالة في صفة غسل الوجه غاسلا له من أعلى جبهته. قال شارحها الشيخ يوسف بن عمر قال أبو إسحاق بن شعبان: السنة في غسل الاعضاء أن يبدأ من أولها، فإن بدأ من أسفلها أجزأه وبئس ما صنع، فإن كان عالما ليم، وإن كان جاهلا علم. وعد صاحب الطراز في فضائل الوضوء ترتيب أعلى العضو على أسفله وسيأتي في غسل اليد نحوه عن الذخيرة، وعد في اللمع في فضائل الوضوء أن يبدأ في كل عضو من أوله ونحوه في التلقين في الكلام على الترتيب. الخامس: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة للعامة: في الوضوء أمور منها صب الماء من دون الجبهة وهو مبطل، ونفض اليد قبل إيصال الماء إليه وهو كذلك في الحديث إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح للشيطان قال الدميري: لكنه ضعيف. ولطم الوجه بالماء وهو جهل لا يضر، والتكبير عند ذلك وأنكره في مراقي الزلف، والتشهد وأنكره النووي وقال: لم يقل به إلا بعض أصحابنا ورد عليه. قال: والاذكار المترتبة على الاعضاء لا أصل لها، وأنكر ابن العربي أن يكون في الوضوء ذكر غير التسمية أوله والتشهد آخره، نعم ورد في الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال على وضوئه اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي فسألته عن ذلك فقال: وهل ترك من خير فترجم النسائي لذلك فقال: باب ما يقول بعد الوضوء، وابن السبني باب ما يقول بين ظهراني وضوئه. وذكرهما النووي في حلية الابرار انتهى، وفي بعض نسخ الشرح المذكور: ولا ينفض يديه قبل وصولهما إلى وجهه فلا يصح وضوؤه باتفاق ولا يرشه رشا، ولا يلطمه لطما ولا يكب وجهه في يديه لان ذلك جهل، بل يفرغه تفريغا حال كونه غاسلا له بيديه بمعنى أنه يدلكه بهما مع الماء أو أثره متصلا به دلكا وسطا إذ لا يلزمه إزالة الوسخ الخفي بل ما ظهر وحال بين الماء والعضو وسيأتي الكلام على ذلك ص: (فيغسل الوترة وأسارير جبهته وظاهر شفتيه) ش: الوترة بفتح الواو والتاء المثناة الفوقية وهي الحاجز بين ثقبي الانف، والاسارير جمع أسرة وهي خطوط الجبهة والكف الواحد سرر بوزن عنب. وقال في الصحاح: جمع أسرار كأعناب، فالاسارير جمع الجمع. وفي الحديث تبرق أسارير جبهته. وفي المفرد لغة أخرى وهي سرار وجمعه أسرة كزمام وأزمة قاله الفاكهاني. وقال الجزولي: هي التكاسير أو العطوف أو الطيات ألفاظ مترادفة، وهذه المواضع داخلة في تحديد الوجه، وإنما نبه عليها لان الماء ينبو عنها. قال الجزولي: فيلزم المتوضئ أن يتحفظ عليها فإن ترك شيئا منها كان كمن لم يتوضأ ويدخل

[ 272 ]
في قوله (ص) ويل للاعقاب من النار فنبه على الوترة لان الماء ينحدر من أعلى الانف فلا يصيبها. ونحوه قول الرسالة وما تحت مارنه من ظاهر أنفه والمارن طرف الانف قاله في الذخيرة. وقا لالفاكهاني: ما لان من الانف، ونبه على الاسارير لاحتياجها أيضا إلى إمرار اليد لنبو الماء عما أصابتها، ونبه على ظاهر الشفتين لئلا يتوهم أنهما من الباطن الذي لا يجب غسله كداخل الفم وداخل الانف. قال اللخمي، وغسل ما بين المنخرين وظاهر الشفتين فرض انتهى. فيتعين على المتوضئ أن لا يضم شفتيه فمن ضم شفتيه حين غسل الوجه فقد ترك لمعة من وجهه. قال الجزولي: ولا يطبق شفتيه خيفة أن تبقى هناك لمعة، وكان ينبغي للمصنف أن ينبه على ما غار من الاجفان لانها من المواضع التي يتحفظ عليها كما قال في الرسالة وغيرها، وسيأتي عند قول المصنف لا جرحا برأ ص: (بتخليل شعر تظهر البشرة تحته) ش: لما ذكر أنه يجب غسل ظاهر اللحية خشي أن يتوهم أنه لا يجب تخليلها مطلقا فنبه على ذلك بقوله بتخليل شعر الخ والباء بمعنى مع أي يجب غسل ما بين الاذنين ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن، وغسل ظاهر اللحية مع تخليل الشعر الذي تظهر البشرة تحته. والبشرة الجلد، والمراد ظهورها، عند التخاطب قاله ابن بشير وهو ظاهر. والمراد بالتخليل إيصال الماء إلى البشرة قاله في التوضيح وفهم منه أنه لا يجب تخليل الكثيف وهو ما لا تظهر البشرة تحته وهو كذلك، وذكر الشعر ليعم شعر اللحية وغيرها كالشارب والعنفقة والحاجب والهدب. قال في التلقين: فإن كان على الوجه شعر لزم إمرار اليد عليه ثم ينظر، فما كان كثيفا قد ستر البشرة سترا لا تتبين معه انتقل الفرض إليه وسقط فرض إيصال الماء إلى البشرة، وإن كان خفيفا تتبين معه البشرة لزم إمرار الماء عليه وعلى البشرة، وسواء في ذلك أن يكون على خد أو شفة أو حاجب أو عذار أو عنفقة، ويلزم فيما انسدل عن البشرة كلزومه فيما تحت البشرة انتهى. والهدب بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وقد تضم الشعر النابت على أجفان العين واحدة هدبة وكذلك هدبة الثوب. قال ابن قتيبة في آداب الكتابة في باب ما يضعه الناس في غير موضعه: من ذلك أشفار العين يذهب الناس إلى أنها الشعر النابت على حرف العين وذلك غلط، إنما الاشفار حرف العين الذي ينبت عليها الشعر والشعر هو الهدب، وإن كان أحد من الفصحاء سمى الشعر شفرا فإنما سماه بمنبته انتهى. وقال ابن الحاجب: ويجب تخليل خفيف الشعر دون

[ 273 ]
كثيفه في اللحية وغيرها حتى الهدب، وقيل وكثيفه. قال في التوضيح: الخفيف ما تظهر البشرة من تحته، والكثيف ما لا تظهر، قاله في التلقين. وقوله، يجب تخليل خفيف الشعر أي بأن يوصل الماء إلى البشرة، وقوله دون كثيفه أي فلا يجب انتهى. فعلم أن المراد من التخليل إيصال الماء إلى البشرة ولهذا قال سند: المذهب استواء كثيف اللحية وخفيفتها في عدم وجوب التخليل. وقول القاضي عبد الوهاب في الخفيف يجب إيصال الماء إلى ما تحته لا يناقص ذلك لانه إذا مر بيديه على عارضيه وحركهما وصل الماء إلى كل محل مكشوف من الشعر، فإن لم يصل الماء لقلته فلا يجزئه ثم قال: وإذا قلنا لا يجب تخليل اللحية فلا بد من إمرار الماء عليها من اليد ويحرك يده عليها انتهى. قلت: وهذا ليس خلافا في المعنى، وقد تقدم أن المراد من التخليل إيصال الماء إلى البشرة. قال ابن عبد السلام، وذكر الهدب لما رآه للشافعية فيه وفي الحاجبين من سقوط التخليل لان الغالب في شعرهما الخفة، وما ذكروه في الهدب متجه أي أن الغالب فيه الخفة. وسيأتي الكلام على ما لصق من القذي في قوله ونفض غيره وما ذكره المصنف من سقوط تخليل الشعر الكثيف هو المشهور، ودليله أنه (ص) توضأ مرة مرة وكانت لحيته كثيفة ولا يصل إلى بشرتها بمرة واحدة، وأيضا فإن الوجه اسم لما تقع به المواجهة وقد خرج ما تحت الشعر عن المواجهة وانتقلت المواجهة إلى ما ظهر من الشعر. قال في التوضيج: وقد اختلف في تخليل اللحية الكثيفة على ثلاثة أقوال: أحدها لمالك في العتبية نفي التخليل وعاب تخليلها فيحتمل ذلك الاباحة والكراهة اه‍. قلت: جزمابن عرفة بالثاني فإنه عز الكراهة لسماع ابن القاسم والمدونة ونحوه لابن رشد. قال في سماع ابن القاسم في رسم نذر سنة: في تخليلها في الوضوء أقوال ثلاثة: أحدها قوله في هذه الرواية وعن المدونة أنها لا تخلل وهو قول ربيعة أن تخليلها مكروه، وكذا قال ابن ناجي: إن ظاهر المدونة الكراهة. ونقله أيضا عن الشيخ أبي الحسن الصغير وهو الذي يفهم من قوله عاب ذلك وهو قوله في المجموعة. قال في النوادر عنها: وعاب مالك تخليلها في الوضوء. قال عنه ابن نافع في المجموعة: ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقله في وأوئه وجاء أنه خلل أصول شعره في الجنابة. قال في المختصر: ويحر كها في الوضوء بأن كانت كبيرة ولا يخللها قله في التوضيح. والقول الثاني الوجوب قاله محمد بن عبد الحكم. قال في البيان: وهو قول مالك في رواية ابن وهب وابن نافع وهو القول الذى حكاه المصنف يعنى ابن الحاجب بقوله " وقيل وكثيفه ". وقال ابن عبد السلام: وهو الأظهر عندي بلا قياس على المشهور في الغسل. والقول الثالث الاستحباب لابن حبيب قال ابن رشد في الرسم المذكور: وهو أظهر الأقوال، فقد روى أن عمار بن ياسر خلل لحيته فقيل له: أتخلل لحيتك ؟ فقال: وما يمنعنى لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخلل لحيته.

[ 274 ]
قلت: حديث عمار رواه الترمذي وابن ماجه وهو معلول، وقد ورد من طرق كثيرة ولكن قال ابن حجر قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، ليس في تخليل اللحية شئ صحيح. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي (ص) في تخليل اللحية شئ انتهى. قلت: وقول مالك المتقدم يشهد لما قاله الامام أحمد وأبو حاتم ونقل ابن ناجي عن أبي الحسن الصغير إن ظاهر قول الرسالة وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك إنه يستحب. قال ابن ناجي: والاقرب أنه أراد دلالة ذلك وكثيرا ما يتسامح هو وغيره في مثل هذا ولا سيما ابن الجلاب. وإنما قلنا ذلك لان الاستحباب لم يقل به مالك فيما علمت وإنما هو لابن حبيب وله نحوه في شرح الرسالة. قال: وقول الشيخ في قول مالك إشارة منه إلى عدم ارتضائه بذلك لقول ابن الحاجب قالوا: والمذهب والله أعلم. وقيل: إن تخليلها سنة ذكره ابن ناجي في شرح المدونة عن الزناتي شارح المدونة. وقال لا أعرفه. ويظهر من كلامهم ترجيح القول بالكراهة وكلام المصنف لا يأباه فيحمل عليه والله أعلم. والخلاف في تخليل اللحية في الغسل يأتي في فصله إن شاء الله تعالى. وهذا كله في اللحية الكثيفة، فأما الخفيفة فيجب إيصال الماء لما تحتها قولا واحدا، وقاله ابن ناجي في شرح المدونة. تنبيهات الاول: إذا قلنا بوجوب تخليل الكثيفة فهل ذلك حتى يصل الماء إلى داخل الشعر فقط أو لا بد من وصول الماء إلى البشرة ؟ قال ابن ناجي في شرح المدونة: في ذلك قولان حكاهما المازري. قلت: حكاهما ابن عرفة في باب الغسل عن المازري وذكر عن رواية ابن وهب عن مالك أنه قال: تخليلها واجب لايصال الماء إلى البشرة انتهى، وهو الذي يظهر من كلامهم. الثاني: قال ابن ناجي أيضا، وهل يضرب أصابعه فيها من أعلاها أو من أسفلها ؟ قولان لابن أبي زيد وابن شبلون. الثالث: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: يجب على المرأة تخليل لحيتها وإن كانت كثيفة لندورها نقله عن أبي يعقوب في نزهة الطالب. قلت: ولم أره لغيره وحكاه سند عن الشافعية. الرابع: فإن قيل: ما الفرق بين المشهور رهنا وبين المشهور في الغسل فإنه يجب فيه تخليل الكثيف ؟ فجوابه أن المطلوب في الغسل المبالغة لقوله تعالى * (فاطهروا) * (المائدة: 6) ولقوله (ص) تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة رواه الترمذي والنسائي وأبو داود، ولكن ضعفه أبو داود بخلاف الوضوء فإنه إنما أمر فيه بغسل الوجه والوجه مأخوذ من

[ 275 ]
المواجهة، قاله في التوضيح (لا جرحا برأ أو خلق غائرا) يقال برأ الجرح يبرأ ويبرؤ بفتح الراء في الماضي، وبفتحها وضمنها في المضارع، والضم لغة أهل الحجاز. ويقال أيضا برئ يبرأ بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع، وبرؤ يبرؤ بضمها فيهما. وأما إبدال همزته ألفا بعد الفتحة وواو بعج الضمة وياء بعد الكسرة فشاذ، لان إبدال الهمزة المتحركة شاذ. والمعنى أنه لا يجب غسل الجرح. إذا برأ غائرا، وكذلك لا يجب على المكلف غسل ما خلق من وجهه غائرا من أجفانه أو غيرها. فقوله غائرا حال من نائب فاعل خلق ويقدر مثله لفاعل برأ فهو من باب التنازع في الحال. تنبيه، وهذا إذا كان استغوار ذلك كثيرا لا يمكن إيصال الماء إليه وأصل المسألة في النوادر مقيدة بذلك قال فيها ناقلا عن بعض أصحابنا: وليحافظ على غسل ما تحت مارنه بيده وما غار من أجفانه وأسارير جبهته، وليس عليه غسل ما غار من جرح برأ على استغوار كثير أو كان خلقا خلق به، ولا غسل ما تحت ذقنه انتهى. قال الباجي في المنتقى: معنى ذلك أن كل ما كان ظاهرا فإنه يجب إيصال الماء إليه، وما لم يظهر وشق إيصال الماء إليه فلا يجب غسله كجرح برأ على استغوار كثير، وما كان خلقا خلق به فإنه يشق إيصال الماء إليه باليد، ولو كان أثر الجرح ظاهرا لوجب إيصال الماء إليه وغسله كموضع القطع من الكوع وأصابع القدم انتهى. وقال سند بعد أن ذكر كلام النوادر: هذا يرجع إلى حرف وهو أن يغسل كل ما أمكنه غسله من وجهه فغور العين مما يمكنه غسله وهو مما يواجبه به، وكذلك غور الجرح إلا أن يكون غورا داخلا أو طالعا بحيث لا يتوصل إلى جميعه أو لا يواجه بجميعه أو يكون ضيقا فيغسل ما يمكنه من ذلك انتهى، وقوله أو طالعا كذا رأيته في ثلاث نسخ من الطراز، ولعله يعني أن جوانب الغور طالعة. ونقل ابن يونس كلام النوادر وقبله وكذلك المصنف في التوضيح في الكلام على المضمضة وغيره، وقبلوه بل لم يذكر وإخلافه. وذلك ابن عرفة ونصه: ويجب غسل ما تحت مارنه وظاهر شفتيه وأسارير جبهته وغائر ما تحت مارنه وغائر أجفانه، لا ما غار جدا من جرح أو خلقة انتهى. وقال ابن فرحون بعد أن ذكر ما تقدم ووصف الاستغوار بكونه كثيرا هو الصواب، وذكر بعضهم الاستغوار ولم يقيده بالكثرة وليس بصواب لان موجب سقوط غسله حصول المشقة وذلك لا يحصل إلا في الاستغوار الكثير. قال الشيخ زروق: وذكر بعضهم أن ذلك محدود برؤية قعره عند المواجهة وعدمها. قلت: ولم أقف على من أطلقه وإنما أطلت في هذا لان بعض الناس يميل إلى حمل كلام المصنف على إطلاقه وليس ذلك بصواب.

[ 276 ]
تنبيه: يفهم من كلام الباجي أنه إذا أمكنه إيصال الماء إليه من غير ذلك وجب ذلك وهو كذلك. قال أبو الحسن الصغير: لو انتقبت كفه بسهم ونفذت واندملت نافذة لزمه غسل داخلها إن أمكنه وإلا أوصل الماء إليها، ولو اتصل طرفاها واندملت لم يكن عليه نقبها انتهى. فرع: قال سند: لا خلاف بين أرباب المذاهب أنه لا يشرع غسل داخل العينين ويؤثر عن ابن عمر أنه كان يفعله حتى عمي. قلت: واستحبه بعض الشافعية لفعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. قال الدميري: وسائر الاصحاب على خلافه قال: وفعل ابن عمر. رواه البيهقي والله تعالى أعلم. وعن هذا احترز الشيخ في الرسالة ويمر يديه على ما غار من ظاهر أجفانه كما قاله الجزولي وقال: قال مالك: لا يلزمه ذلك لانه يؤذي والله تعالى أعلم. ص: (ويديه بمرفقيه) هذه هي الفريضة الثانية وهي غسل اليدين مع المرفقين وهي ثابتة أيضا بالكتاب والسنة والاجماع والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء، وبكسر الميم وفتح الفاء لغتان قرئ بهما، وهو آخر عظم الذراع المتصل بالمفصل، سمي بذلك لان المتكئ يرتفق به إذا أخذ براحته رأسه متكئا على ذراعيه، والباء في قوله بمرفقيه بمعنى مع أي الفريضة الثانية غسل اليدين مع المرفقين، وبهذا عبر غير واحد من أهل المذهب وعدلوا عن لفظ الآية إليها البيان وجوب دخول المرفقين في الغسل وهذا هو المشهور. وعليه ف إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى * (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * وقوله تعالى * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * (النساء: 2) أو تقول: اليد حقيقة من الاصابع إلى المنكب على المشهور وإلى للغاية والغاية إذا كانت جزءا من المغيا فهي داخلة، أو إلى غاية للمتروك أي اتركوا منها إلى المرافق. وقيل: إن لفظة اليد مشتركة بين معان ثلاث: من الاصابع إلى الكوع، ومن الاصابع إلى المرفق، ومن الاصابع إلى آخر العضد. وإنها مشتركة بين الكل والجزء، وعلى هذا فيكون في الآية إجمال. وإن قلنا: إلى بمعنى مع لاحتمال أن يريد غسل اليد إلى الكوع ثم يغسل المرفق ومثله يكون في كلام المصنف ومن شاركه في هذه العبارة. والاعتماد في ذلك على ما بينته السنة، ففي الصحيح عن أبي هريرة أنه غسل يديه حتى شرذ في العضد، وقال: هكذا رأيت رسول الله (ص) توضأ. ومثله ما رواه البزار عن وائل بن حجر أنه عليه الصلاة والسلام غسل يديه حتى جاوز المرفق، وفعله (ص) مبين، فلما أدخل المرفقين دل على وجوب غسلهما. وقيل: إن المرفقين غير داخلين في الوجوب وإنما عليه أن يبلغهما. رواه ابن نافع عن مالك، وحكاه اللخمي عن أبي الفرج. وقيل: يدخلان لا

[ 277 ]
لاجلهما بل احتياطا لان الواجب لا يتوصل إليه إلا بدخولهما. وعزاه الباجي وغيره لابي الفرج، وعزاه اللخمي للقاضي عبد الوهاب وهو ظاهر قول الشيخ في الرسالة وإدخالهما أحوط لزوال تكلف التحديد، لكن فسره ابن ناجي في شرح الرسالة بالاستحباب فيكون رابعا. ص: (وبقية معصم إن قطع) ش: المعصم بكسر الميم موضع السوار من اليدور بما أطلق على اليد - قاله في المحكم - وهو الذي استعمله المصنف. والمعنى أنه إذا قطع بعض محل الفرض وجب غسل ما بقي منه بلا خلاف لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بأمر منه فائتوا منه بما استطعتم متفق عليه. فإذا قطعت اليد من الكوع وجب غسل المعصم، وإذا قطع بعض المعصم وجب غسل الباقي منه والكوع رأس الذراع مما يلي الابهام، والكرسوع بضم الكاف رأسه مما يلي الخنصر، ويقال: لكل منهما زند بفتح الزاي وهما زندان. وقوله إن قطع لا مفهوم له وإنما ذكره لبيان فرض المسألة إذ لا يقال له بقية غالبا إلا إذا ذهب بعضه، ولو قال وبقيمة معصم قطع بدون أن لكان أخصر وأحسن. في قوله بعد هذا ككف بمنكب إشارة إلى ذلك وقد اعترض عليه البساطي بأن مفهومه أنه لو خلق كذلك لم يجب غسله قال: وليس كذلك. قلت: والامر في هذا قريب. فرع: فلو قطعت اليد من المرفق، قال ابن الحاجب: سقط يعني الفرض. قال في المدونة: ويغسل أقطع الرجلين في الوضوء موضع القطع وبقية الكفين إذ القطع تحتهما. قال ابن القاسم: قال الله تعالى * (وأرجلكم إلى الكعبين) * (المائدة: 6) والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين، ولا يغسل ذلك أقطع المرفقين لان المرفق في الذراعين، وقد أتى عليهما القطع إلا أن تعرف العرب والناس أنه بقي شئ من المرفقين في العضدين فيغسل موضع القطع وبقيتهما والتيمم مثله. تنبيهان: الاول: تعقب قوله في المدونة وقد أتى عليهما القطع بأنه إن كان حدا لم يصل إليهما، وإن كان قصاصا في اختصاص للجنابة بالمرفقين فقد يكون دونهما. وأجاب ابن عرفة بأنه جواب لمسألة مفروضة. ومراده بالعرب العرب الذين لم تغير طباعهم العجمية وبالناس العارفون بكلام العرب.

[ 278 ]
الثاني: قال ابن فرحون: قال الشيخ تقي الدين: ولفظ المدونة يشير إلى تردد عنده في حقيقة المرفق، هل هو عبارة عن طرف الساعد أو عن مجمع طرفي الساعد والعضد لقوله إلا أن تعرف العرب ؟ قال: وفي قول ابن الحاجب فلو قطع المرفق سقط إجمال، وإذا أخذ على ظاهره فلا إشكال فيه لانه إذا قطع ما يسمى مرفقا في نفس الامر سقط الوجوب لسقوط محله. وإنما تكلم الناس فيما إذا فصل عظم الذراع عن عظم العضد هل يجب عليه غسل العضد أم لا، وأصل اختلافهم الاختلاف في منتهى المرفق، هل هو طرف عظم الساعد وقد زال بالقطع فلا يغسل، أو هو مجمع العظمين وقد بقي أحدهما فيغسل ؟ فكلام ابن الحاجب لا يفهم منه هذا الذي تكلم الناس فيه انتهى. وهذا الذي ذكره الشيخ تقي الدين، ذكر أبو الحسن نحوه عن ابن سابق وهو غير معروف في المذهب، ولهذا قال سند بعد أن ذكر عن الشافعية نحو ما ذكره نقول: قوله تعالى * (إلى المرافق) * (المائدة: 6) لم يذكر المرافق إلا لامتداد الغسل إليهما، سواء قلنا إلى ابتدائهما أو إلى استغراقهما، وإنما وقع الخلاف في دخولهما في الغسل لا في وجوب مزيد عليهما. والمرافق معروفة عند العرب وأهل اللغة، وقد أجمعوا على أنها منتهى الذراعين، فإذا خرج الذراع بنهايته فقد خرج المرفق قطعا إلا أن يزهق القاطع فيفصل بقية من المرفق فإنه يجب غسل ذلك، وذلك معنى قول ابن القاسم إلا أن يكون بقي شئ من المرفقين في العضد يعرف ذلك الناس وتعرفه العرب، فإن كان ذلك كذلك فليغسل ما بقي من المرفقين، ثم قال: وما جاء في بعض الاخبار أنه إذا زاد الماء على مرفقيه فذلك لضرورة استيعاب المرفقين كما يمسك الصائم جزأ من الليل فصار ذلك من توابع المرفقين، فإذا زال المرفقان سقط حكم توابعهما والله تعالى أعلم. فرع: قال في الطراز: فلو وقع القطع دون المرفق فانكشطت جلدة وبقيت معلقة، فإن تعلقت بالذراع أو بالمرفق وجب غسلها لان أصلها من محل الفرض، وإن جاوزت العضد إلى المرفق وبقيت متعلقة بالعضد لم يجب غسلها اعتبارا بأصلها فإنه لا يعد من الذراع وسيكون للذراع جلدة أخرى. وكذلك إن قطعت من العضد وبلغت إلى المرفق أو الذراع وبقيت متدلية فيه وجب غسلها مع الذراع اعتبارا بأصلها، وموضع استمداد حياتها. قال: وهذا التفريع للشافعية وهو جار على منهج الصواب إلا الفرع الاخير ففيه نظر، لان ما زاد على المرفق لم يكن واجبا من قبل، وما لا يجب في أصل خلقته لا يصير واجبا انتهى. وذكر أبو الحسن في الكبير عن ابن سابق شيئا من هذا. فرع: قال في الطراز: فإن وقع القطع بعد الوضوء وقد بقي شئ من المرفق لم يجب غسل ذلك ولا مسحه خلافا لابن جرير الطبري، لان الخطاب كان متعلقا بظاهر اليد وقد أتى بما أمر به فلا يجب عليه طهر ثان إلا بوجود سبب أصل الطهارة انتهى مختصرا، وسيأتي لهذا

[ 279 ]
مزيد بيان إن شاء الله " تعالى عند قوله ولا بوجود سبب أصل الطهارة انتهى مختصرا، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى عند قوله ولا يعيد من قلم ظفره. فرع: قال في الطراز: ومن كانت له أصبع زائدة في كفه وجب عليه غسلها لانها من اليد واليد تتناولها انتهى. فلت: ظاهره سواء كان فيها إحساس أم لا، وهو ظاهر يدل عليه كلام أهل المذهب والله تعالى أعلم. فرع: قال في الطراز: إن وجد الاقطع من يوضئه لزمه ذلك ولو كان بأجرة كما يلزمه شراء الماء للوضوء، فإن لم يجد وقدر عل لمس الماء من غير تدلك وجب عليه ذلك فيأتي بما قدر عليه من الوضوء ويسقط ما عجز عنه. ويمكن أن يقال: لا يجزئه ذلك لان الغسل إنما يكون بالتدلك، فإذا فات التدلك فلا غسل فيجب عليه مسح وجهه بالارض والاول أظهر. ولا يجوز التيمم لمن يجد الماء ولا يقدر على مسه واعتبارا بما تصل إليه اليد من الظهر انتهى، ونقله عنه ابن عرفة وقبله. قلت: وما استظهره ظاهرلا شك فيه ولا وجه لمقابله لان الدلك يسقط بالعجز عنه كما ذكر، وسيأتي إن شاء الله تعالى في فصل آداب قضاء الحاجة الكلام على ما إذا عجز الرجل أو المرأة عن غسل فرجه، وفي فصل الغسل الكلام على ما إذا عجز عن الوصول إلى بدنه، وفي الرسم الثاني من سماع ابن القاسم سئل مالك عن الاقطع أيتيمم ؟ قال: نعم: قيل له: كيف يتيمم ؟ قال: كيف يتوضأ ؟ قيل: يوضئه غيره. فقال: كما يتوضأ كذلك يتيمم التيمم مثل الوضوء. وقبله ابن رشد. فرع: ومن طالت أظافره وخرجت عن رؤوس أصابعه كأهل السجن وغيرهم وجب عليه غسل ذلك، فإن تركه وصلى فهل يخرج على ما طال من شعر الرأس واللحية عن حد العضو أو لا يدخله ؟ الخلاف الذي فيهما لان الشعر يعد زيادة في العضو بخلاف الظفر فإنه من نفس اليد، ولهذا نجد أصله حيا كسائر أجزاء البدن. وإنما هو لما طال انقطعت الحياة عنه فصار كأصبع لحقهما شلل أو زمانة اختلف في ذلك أصحاب الشافعي انتهى بالمعنى من الطراز. وجزم ابن عرفة بالاول فقال: وغسل ما طال من الظفر كالمسجون كما طال من اللحية فظاهره أنه يدخله الخلاف الذي فيما طال منها، وهو ظاهر كلام صاحب الطراز المتقدم حيث جزم أولا بأنه يجب غسله ثم قال: فإن تركه وصلى فهل يتخرج على الخلاف فيما طال من اللحية أو الرأس أو لا يدخله الخلاف ؟ قلت: والظاهر أنه لا يدخله الخلاف المذكور ولو سلمنا دخوله وقد تقدم أن المشهور وجوب غسل ما طال من اللحية والرأس فيجب غسل ما طال من ذلك أيضا، وسيأتي إن

[ 280 ]
شاء الله تعالى الكلام على إزالة وسخ الاظفار عند قوله ونقض غيره. ص: (ككف بمنكب) ش: الكف اليد وهي مؤنثة، والمنكب مجمع عظمي العضد والكتف، والمعنى أن من خلقت له كف في منكبه ولم يخلق له عضد ولا ساعد فإنه يجب عليه غسل تلك الكف، وقاله في السليمانية وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم. فرع: قال أبو الحسن: من نبتت له يد زائدة. فإن كان أصلها من مرفقه أو في محل الفرض وجب عليه غسلها إجماعا، إن كان أصلها في العضد في غير محل الفرض قال ابن الصائغ في شامله: إن كانت قصيرة لا تبلغ محل الفرض فلا يلزمه غسلها، وإن كانت طويلة بحيث تحاذي الذراع فهل لا يجب إذ ليست في محل الفرض، أو يجب لانها تسمى يدا ؟ قاله أبو حامد انتهى. قلت: والظاهر أن هذا الكلام الذي ذكره للشافعية فإنه يعني بأبي حامد الغزالي وابن الصائغ أيضا من الشافعية ولكنه رآه عنه موافقا للمذهب فذكره، وكلام الطراز أتم تحريرا مما تقدم قال: لو كانت له كف زائدة فإن كانت في ذراعه وجب غسلها مع يده لانها تابعة لمحل الفرض، وكذلك لو قدرنا يدا زائدة في محل الفرض فلو كان أصلها في العضد أو المنكب فإن كانت بمرفق وجب غسلها إلى المرفق لتناول الخطاب لها، وإن لم تكن بمرفق لم تدخل في الخطاب سواء بلغت أصابعها إلى حد المرفق أم لم تبلغ، واختلف في ذلك أصحاب الشافعي فذكر عنهم القولين المتقدمين انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولو نبت ذراع في الذراع وجب غسلهما وإن نبت في العضد فلم يمتد إلى الذراع الاصلية لم يجب غسلهما، وإن امتد إلى الذراع الاصلية وجب غسلهما، وجعلها عبد الحميد مسألة نظر. ونقل عن بعض الائمة ما تقدم انتهى. وأجحف ابن عرفة في اختصاره فقال: لو نبت في ذراع أخرى أو في العضد وامتدت إلى الذراع الاصلية أوجب بعضهم غسل الثانية. عبد الحميد: فيه نظر انتهى. قلت: ظاهر كلام ابن عبد السلام إنها إذا لم تمتد الذراع إلى الذراع الاصلية لا يجب غسلها ولو كانت لها مرفق وهو مخالف لما قاله صاحب الطراز، والظاهر ما قاله صاحب الطراز ويشهد له الفرع المذكور بعد هذا عن السليمانية. فرع: قال في السليمانية في امرأة خلقت من سرتها إلى أسفل خلقة امرأة واحدة، وإلى فوق خلقة امرأتين: إنها تغسل منها محل الاذى وتغسل الوجهين فرضا أو سنة، والايدي الاربع وتمسح الرأسين وتغسل الرجلين، نقله عنها ابن عبد السلام وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم.

[ 281 ]
وقوله فرضا أو سنة يعني تغسل المفروض والمسنون كالمضمضة والاستنشاق. زاد في السليمانية قيل له: أفتوطأ هذه ؟ قال: نعم. ونقلها ابن عرفة بلفظ ويصح وطؤها بنكاح وتعقبه عياض بأنهما أختان، ورده ابن عرفة بمنع ذلك لوحدة متعة الوطئ لاتحاد محله. قلت: وانظر لو كان رجلا هل يجوز أن يتزوج أيضا امرأة ؟ نظرا إلى اتحاد محل الوطئ أو يمنع ذلك لانهما رجلان من فوق، ولا يجوز لرجلين أن يتزوجا امرأة واحدة فتأمله أيضا والله تعالى أعلم. ورأيت في تاريخ ابن الاثير في حوادث سنة ثمان وخمسين وأربعمائة أن صبية ولدت لها رأسان ورقبتان ووجهان وأربع أيد على بدن واحد انتهى. وقال القزويني في عجائب المخلوقات في آخرها: روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت بها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان ويأكلان ويشربان، ثم غبت عنهما سنتين ثم رجعت فقيل: أحسن الله عزائك في أحد الجسدين، توفي وربط من أسفله بحبل وثيق وترك حتى ذبل ثم قطع، فعهدي بالجسد الآخر في السوق جائيا وذاهبا انتهى. فرع: قال في السليمانية: ومن خلق بلا يدين ولا رجلين ولا دبر ولا ذكر ويتغوط ويبول من سرته، يغسل مكان القذر ويفعل من فرائض الوضوء وسننه ما يتعلق بوجهه ورأسه خاصة، نقله ابن عبد السلام ونقله ابن عرفة بلفظ ومن لا يد له ولا رجل ولا دبر ولا ذكر وفضلته من سرته فهي كدبره وفرض اليد والرجل ساقط. فيفهم من قوله كدبره أنه إذا مسها لا ينتقض وضوؤه وهو ظاهر. ص: (بتخليل أصابعه) ش: كذا هو في النسخ التي رأيتها بالباء التي للمصاحبة يعني أن الفريضة الثالثة هي غسل يديه مع مرفقيه مع تخليل أصابعه وكأنه في نسخة البساطي بالواو فقال: مرفوع بالعطف على غسل، ويحتمل النصب على المعية انتهى. قلت: والاقرب بأن يعطف على قوله بمرفقيه وما ذكره المصنف من وجوب تخليل أصابع اليدين هو المشهور. قال في التوضيح: ولم يختلف في طلب تخليل أصابع اليدين وإنما اختلف في الطلب هل هو واجب أو ندب قاله ابن رشد والمشهور الوجوب. قال في الذخيرة: ظاهر المذهب الوجوب انتهى. قلت: قوله لم يختلف في طلبه فيه نظر لما سيأتي. وعزا ابن عرفة القول بالوجوب لابن حبيب وبالاستحباب لابن شعبان. قال ابن راشد: والاول ينبني على وجوب التدلك، والثاني على عدم وجوبه، أو لانها يحتك بعضها ببعض فأغنى ذلك عن التدلك. تنبيه: قال ابن فرحون: حكى ابن الحاجب وابن شاس الوجوب والندب. وأما ابن بشير

[ 282 ]
فحكى الوجوب والسقوط وظاهره الاباحة فتكون ثلاثة أقوال، ويحتمل أن يرجع القول بالسقوط إلى الندب لعدم المنافاة بينهما. قلت: حكى ابن عرفة في التخليل ثلاثة أقوال. قال: وتخليل أصابعهما أوجبه ابن حبيب واستحبه ابن شعبان. ابن حارث عن ابن وهب: رجع مالك عن إنكاره لوجوبه لما أخبرته بحديث ابن لهيعة كان صلى (ص) يخللهما في وضوئه انتهى. وقال ابن ناجي: في تخليل أصابع اليدين ثلاثة أقوال: الوجوب والاستحباب والانكار انتهى. واستظهر ابن عبد السلام القول بالوجوب في أصابع اليدين والرجلين ونصه والظاهر الوجوب كما هو المختار في أصابع الرجلين انتهى والله تعالى أعلم. فعلم أن قول المصنف في التوضيح لم يختلف في طلب التخليل غير ظاهر، ومثله قول ابن الفاكهاني لم يختلفوا أنه مأمور به كما اختلفوا في غسل الرجلين. وفيما ذكره ابن وهب دليل على الاحتجاج بحديث ابن لهيعة. قال ابن عرفة في الاحتجاج بابن لهيعة ثالثها ما سمع منه قبل حرق كتبه. وقال ابن ناجي: في رجوع مالك إلى الوجوب نظر لان تخليله عليه الصلاة والسلام أعم من الوجوب والندب. وقال في شرح الرسالة: ورجوع مالك إلى ما قال ابن وهب لمكانته في الحديث وقد قرأ على أربعمائة عالم ومع هذا كان يقول: لولا مالك والليث لضللت. واستدل صاحب الطراز للوجوب بحديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك رواه الترمذي وأبو داود بأن ما بين الاصابع يجب إيصال الماء إليه فوجب دلكه. واستدل لنفي الوجوب بأن كل من نقل وضوء النبي (ص) في الصحاح لم يذكره فيه، ولان الماء يتخلل الاصابع وهي تماس بعضها فيحصل بذلك حقيقة الغسل، ونحوه للفاكهاني في شرح الرسالة قال: لا إشكال في وجوب غسل ما بين الاصابع لانه " من جملة اليد، وإنما منشأ الخلاف هل يحتاج إلى تخليلها ليحصل استيعابها أو ذلك حاصل من غير تخليل لاحتكاك بعضها ببعض. تنبيهات: الاول: قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض بحيث يدخل أصابع يده اليسرى في خلال اليمنى من ظاهرها لا من باطنها، واليمنى في خلال اليسرى كذلك عند غسل كل واحدة ولا يدخلها من باطنها لانه تشبيك والتشبيك منهي عنه " ولا يتوصل لمقصود دلك ما بين الاصابع مستوفى انتهى. وقال الجزولي: وصفة تخليل أصابع اليدين أن يدخل بعضها في فرج بعض من ظاهر لا من باطن لانه أبلغ بخلاف أصابع الرجلين إنما تخلل من أسفلها لانه أمكن. ويخلل أصابع يده اليمنى في غسلها وأصابع يده اليسرى في غسلها، وذكر نحوه الشيخ يوسف بن عمر. وقال صاحب الجمع قال مالك: لا يكره التشبيك إلا في الصلاة فلا يعتبر ما في بعض التعاليق أنه يكره في الوضوء انتهى.

[ 283 ]
قلت: وهذا كله - والله تعالى أعلم - من جهة الاولى وكيفما خلل أجزاه، ويؤخذ ذلك من قول الجزولي ويخللها من ظاهرها لان ذلك أبلغ. الثاني: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة أيضا: ذكر بعض العلماء التحفظ على البراجم وهي عقود الانامل من محل اشتراكها، وعلى الرواجب وهي رؤوس الاصابع قائلا يجمعها ثم يحكها في كفه والتحفظ على باطن الكف أيضا انتهى بالمعنى. ونحوه للجزولي ونقله عن الغزالي وفي الصحاح: البرجمة بالضم واحدة البراجم وهي مفاصل الاصابع التي بين الاشاجع، والرواجب وهي رؤوس السلاميات من ظاهر الكف إذا قبض القابض كفه نشرت وارتفعت انتهى. وقال: الاشاجع أصول الاصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، الواحد شجع. وناس يزعمون أن أشجع مثل أصبغ ولم يعرفه أبو الغوث. وقال: والراجبة في الاصابع واحدة الرواجب وهي مفاصل الاصابع التي تلي الانامل، ثم البراجم، ثم الاشاجع اللاتي يلين الكف. وفي القاموس: الرواجب وهي أصول الاصابع أو بطون مفاصلها أو هي قصب الاصابع أو مفاصلها أو ظاهر السلاميات أو ما بين البراجم من السلاميات، واحدتها راجبة ورجبة. وفسر الاشاجع بما تقدم عن الصحاح. وقال: البرجمة بالضم المفصل الظاهر أو الباطن من الاصابع أو رؤوس السلاميات. وقال في الصحاح: السلاميات عظام الاصابع وهي بفتح الميم قاله النووي في باب الاشارات. وقال: أرى واحدها سلامى بضم السين وتخفيف اللام والجمع سلاميات قال: وهي المفاصل والاعضاء وهي ثلاثمائة وستون كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن رسول الله (ص). وقال النووي في شرح المهذب: البراجم بفتح الباء بفتح الباء الموحدة جمع برجمة بضمها وهي العقد المشنجة الجلد في ظهور الاصابع وهي مفاصلها التي في وسطها بين الرواجب والاشاجع. والرواجب هي المفاصل التي تلي رؤوس الاصابع، والاشاجع بالشين المعجمة هي المفاصل التي تلي ظهر الكف. وقال ابو عبيد: الرواجب والبراجم جميعا هي مفاصل الاصابع كلها، كذا قال صاحب المحكم وآخرون وهو مراد الحديث انتهى باختصار. يعني الحديث الذي رواه أبو داود في الامر يغسل البراجم وأنها من الفطرة انتهى من شرح المهذب، ولم أر من فسر الرواجب بأنها رؤوس الاصابع. الثالث: قال في الذخيرة قال بعض العلماء: ينبغي في غسل اليدين والرجلين أن يختم المتطهر أبدا بالمرافق والكعبين مراعاة لظاهر الغاية الواردة في القرآن، وإن فعل غير ذلك أجزأه لكن الادب أولى، وقد تقدم في الوجه أن السنة في جميع الاعضاء أن يبتدئ بغسل أولها. ص: (لا إجالة خاتمة:) ش: بالجر وهو معطوف على قوله بتخليل أصابعه أي الفريضة الثانية

[ 284 ]
غسل يديه مع مرفقيه مع تخليل أصابعه لا مع إجالة خاتمة. والمعنى أن إجالة الخاتم أي تحريكه لا تجب في الوضوء، يريد ولا في الغسل كما صرح به في النوادر وغيرها. ونقله في التوضيح وظاهره، سواء كان ضيقا أو واسعا، وهذا القول رواه ابن القاسم عن مالك في العتبية والمجموعة عن مالك، وفي بعض الروايات أنه قد عض في أصبعه. قال في النوادر: قال ابن القاسم في العتبية عن مالك: وليس عليه تحريك خاتمه في الوضوء. قال ابن المواز: ولا في الغسل وهو في العتبية في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة قال: لا أرى على أحد أن يحرك خاتمه. قال ابن رشد: ومثله في بعض الروايات لابي زيد في الذي يكون في أصبعه خاتم قد عض وهو كما قال، لانه إن كان سلسا فالماء يصل إلى ما تحته ويغسله، وإن كان قد عض بأصبعه صار كالجبيرة لما أباح الشارع له من لباسه فلا ينبغي أن يدخل في هذا الاختلاف الذي فيمن لصق بذراعه شئ من العجين انتهى. وقال الباجي: كلام مالك يحتمل تعليلين. أحدهما: أن الخاتم لما كان لباسه عادة مستمرة لم يجب غسل ما تحته كالخف، والثاني أن الماء لرقته يصل إلى ما تحته. قال ابن فرحون: والتعليلان ضعيفان. أما الثاني: فلان الاجالة مطلوبة لتحصيل الدلك لا لوصول الماء فإنه حينئذ مسح والاصل الغسل. وأما القياس على الخف فباطل لان الرخص لا يقاس عليها وعلى صحته فيلزم أن لا يلبسه إلا على طهارة ولم يقل به أحد انتهى. قلت: والظاهر أن يقال: إنه عفي عنه لكون لبسه مطلوبا وليسارة محله وفي كلام ابن رشد في المسألة المذكورة تقوية لهذا القول، وكذا في كلام غيره فلذلك اقتصر عليه المصنف. وقال ابن شعبان: تجب إجالته مطلقا لان تعميم اليد واجب وذلك لا يحصل إلا بالاجالة. وقال ابن عبد السلام: إنه الظاهر. وقيل: تجب إجالة الضيق دون الواسع، قاله ابن حبيب وعبد العزيز بن أبي مسلمة وابن عبد الحكم ووجهه ظاهر. وعن ابن عبد الحكم أيضا أنه ينزعه. قال ابن بشير: وهو يحتمل النب والوجوب. قال ابن راشد: إن أراد الندب فله وجه لتيقن حصول الدلك، وإن أراد الوجوب فلا معنى له. قال ابن ناجي: قول ابن بشير محتمل الوجوب والندب يرد بأن لفظا ابن يونس عن ابن عبد الحكم عليه أن ينزعه وظاره الوجوب، ولهذا قال: وهو خلاف قول مالك وأصحابه. وجعل القابسي الثالث تفسيرا انتهى. وأكثر شيوخ المذهب على أنه خلاف، وحكى ابن فرحون عن الجزولي قولا بعكس الثالث، وأنه إن كان ضيقا لا تجب إجالته، وإن كان واسعا وجبت إجالته وهو غريب. تنبيهات: الاول: قال في الطراز: إذا جوزنا المسح عليه وكان ضيقا فينبغي إذا نزعه بعد وضوئه أن يغسل محله وإن لم يغسله لم يجزه كالجبيرة إلا إن كان يتيقن إيصال الماء وإصابته لما تحته انتهى. وجزم بذلك في الذخيرة ناقلا عن صاحب الطراز فقال: وإذا جوزنا المسح عليه

[ 285 ]
وكان ضيقا فنزعه بعد وضوئه، فإن لم يغسل موضعه لم يجزه إلا أن يتيقن إصابة الماء لما تحته انتهى. قلت: وهذا يفهم من كلام ابن رشد المتقدم فإنه جعله كالجبيرة. وعبر عن غسل الخاتم بالمسح لانه لما كان الفرض غسل ما تحته صار كالجبيرة التي حكمها المسح والله تعالى أعلم. الثاني: قال في الطراز: هذا حكم خاتم الفضة، فإن كان ذهبا لم يجز للرجل لبسه ولا يعفى عن غسل ما تحته ودلكه لانه ممنوع من لبسه فلا تتعلق به رخصة، حتى قال سحنون: يعيد لابسه في الصلاة في الوقت انتهى. ونقله صاحب الذخيرة وغير واحد وقبلوه، ونحوه ما حكى ابن ناجي في شرح المدونة عن شيخه الشبيبي أنه كان يفتي بعدم الاجالة في خاتم الفضة مطلقا، ويخصص ذلك بما إذا لم يقصد بلبسه المعصية فإن قصدها فلا بد من إجالته ونزعه. قال: وما ذكره جار على المشهور أن العاصي لا يترخص بالقصر والفطر وقد يقال: لا يختلف فيه هنا انتهى. وقال في شرح الرسالة: وكان بعض من لقيناه يقول هذا الخلاف إنما هو إذا لم يقصد بلباسه المعصية، وأما إن قصد ذلك فالاتفاق على النزع. وما ذكره من الاتفاق لا أعرفه، وأصول المذهب تدل على الخلاف عموما، ألا ترى أن المسافر العاصي اختلف فيه هل يجوز له القصر وهل يباح له أكل الميتة ؟ انتهى. قلت: وما قاله ظاهر، لكن ما أفتى به الشبيبي هو الجاري على المشهور، وقوله لا بد من إجالته أو نزعه الظاهر أنه بأو فإن أحدهما كاف ويأتي الكلام إن شاء الله على كل من صلى بخاتم الذهب في فصل ستر العورة، والظاهر أن خاتم الحديد والنحاس والرصاص لا ينتهي إلى عدم الاجزاء كما في خاتم الذهب، والظاهر أنه يؤمر بنزعه ابتداء لما تقدم من كراهة لبس ذلك والله تعالى أعلم. ص: (ونقص غيره) ش: قال البساطي: هذه اللفظة مما تحير الشراح في ضبطها ومعناها وعلى أي شئ معطوفة، فمن قائل بالصاد المهملة والقاف من النقصان ويجعله مصدرا مضافا لغير معطوفا على معصم أي يجب غسل بقية معصم وبقية نقص غيره. قال: وأراد به مسألة السليمانية يعني المتقدمة فيمن خلق بلا يدين ولا رجلين ولا ذكر ولا دبر. قال البساطي: قال هذا القائل ودخل في كلامه قوله في التهذيب ويغسل أقطع الرجلين موضع القطع وبقية الكعبين. قال البساطي: وأقول على هذا التقدير في دخول مسألة

[ 286 ]
السليمانية تحت كلامه نظر لا يخفى. قال البساطي: وقال غيره: هو معطوف على إجالة أي ولا غسل عضو منقوص غير المعصم، وهذا كما ترى لا دلالة في الكلام على عضو المحذوف انتهى أكثره بالمعنى. وكلام الشارح في شروحه الثلاثة يقتضي أن يكون مضبوطا بالضبط المذكور أعني بالقاف والصاد المهملة، وأنه مصدر مضاف لغير، وأن الضمير للمعصم لكنه جعل فيه احتمالين. أحدهما: أن يكون معطوفا على بقية أي يجب غسل بقية المعصم وغسل نقص غيره أي بقيته، وظاهر كلامه في الوسط أنه اقتصر على هذا. والثاني: أنه يكون مبتدأ وخبره محذوف أي نقص غير المعصم كذلك أي كنقص المعصم يعني أنه كما إذا خلق ناقص المعصم وخلقت كفه بمنكبه سقط غسل المعصم، كذلك إذا خلق ناقص عضو من الاعضاء غير المعصم سقط غسل ذلك العضو. ثم ذكر مسألة السليمانية - ذكر هذين الاحتمالين في الكبير لكن بعبارة مختصرة قد يعسر فهمها. وظاهر كلامه في الصغير أنه أشار إلى هذين الاحتمالين، والاحتمال الثاني منهما هو الاحتمال الثاني المتقدم في كلام البساطي. ثم قال البساطي إثر كلامه السابق: وقال آخر: هو بالضاد المعجمة وقال: يشير به إلى قول محمد بن دينار فيمن لصق بذراعه قدر الخيط من العجين لا يصل الماء لما تحته فصلى بذلك لا شئ عليه. وقال ابن القاسم: عليه الاعادة قال: فإن كان معطوفا على إجالة فهو اختيار لقول ابن دينار، وإن كان معطوفا على بقية فهو اختيار لقول ابن القاسم. قال البساطي: وأقول ما معنى النقض في هذه المسألة ولو سلم أن معناه الازالة فابن دينار وابن القاسم، إنما تكلما على ذلك بعد الوقوع، وكلامه الآن فيما يفعله المتوضئ، وعندي أنه معطوف على إجالة وأنه بالضاد المعجمة، وأنه يحتمل أن يكون اسما مضافا إلى غير، ويكون المعنى هكذا: ولا تجب إجالة الخاتم ولا نقض غيره أي إزالته مما يشبه كالحلق التي تلبسها الرماة بل يكفي إجالته، ويحتمل أن يكون فعلا مبنيا للمفعول أي ونقض غيره أي نزع، ولكني لم أر ذلك منقولا ولا يبعد على أصول المذهب على الوجهين انتهى. وفي عبارته

[ 287 ]
مسامحة حيث جزم أولا بأنه عنده معطوف على إجالة ثم ذكر الاحتمالين، والاحتمال الثاني منهما لا يتأتى مع العطف وإنما تكون جملة مستأنفة كما يفهم من كلامه. قلت: وتحصل لي في ذلك مما وقفت عليه من كلام الشراح احتمالات ثمانية، لان لفظ نقص إن كان بسكون القاف وبالصاد المهملة ففي ذلك أربعة أوجه: الاول: أن يكون مجرورا معطوفا على بقية أي يبب غسل بقية معصم ويجب غسل نقص غيره من الاعضاء أي بقيته. الثاني: أن يكون مجرورا بالعطف على كف بمنكب وهو كالاول. الثالث: أن يكون مرفوعا على أنه مبتدأ حذف خبره أي ونقص غير المعصم كذلك أي كنقص المعصم، وهو في المعنى كما قبله. الرابع: أن يكون مجرورا بالعطف على إجالة أي لا تجب إجالة الخاتم ولا غسل عضو منقوص غير المعصم يعني أن العضو إذا نقص من الشخص سقط عنه غسله، والضمير المضاف إليه غير على هذه الاوجه عائد على المعصم، وكلام الشارح في شروحه الثلاثة يدور على هذه الاوجه لان قوله في شروحه أي ونقص غير المعصم كهو يحتمل أن يريد به أن بقية غير المعصم كبقية المعصم، وأن يريد به أنه إذا نقص من الشخص عضو غير المعصم فإنه يسقط غسله كما يسقط غسل المعصم إذا لم يخلق إلا أنه لم يصرح بالعطف على إجالة وإنما حكاه البساطي عن بعضهم. واستبعده. وإن كان لفظ نقض بالضاد المعجمة فإما أن يجعل اسما أو فعلا فإن جعل اسما ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون مجرورا بالعطف على بقية أي يجب نقض غير الخاتم من عجين وشمع وغيره. الثاني: أن يكون مجرورا بالعطف على إجالة أي لا يجب نقض غير الخاتم أيضا مما تقدم، ويشير إلى مسألة من لصق بذراعه أو ظفره قدر الخيط من العجين ونحوه وصلى فقال ابن دينار: لا شئ عليه. وقال ابن القاسم: عليه الاعادة. فإن كان معطوفا على بقية فهو اختيار لقول ابن القاسم، وإن كان معطوفا على إجالة فهو اختيار لقول ابن دينار، هكذا ذكر البساطي عن بعض الشراح.

[ 288 ]
قلت: وفي هذين الوجهين الاخيرين بعد، لانه إذا جعل معطوفا على بقية فلا دلالة على قول ابن القاسم لانه يصير المعنى: ويجب غسل بقيح معصم وغسل نقض غيره ولا معنى لهذا الكلام، وإذا جعل معطوفا على إجالة يصير المعنى: لا تجب إجالة الخاتم ولا نقض غيره أي نقض غير الخاتم من الحائلات المانعة من وصول الماء، وذلك يقتضي أنه لا يجب إزالته ابتداء وظاهره، سواء كان الحائل كثيرا أو يسيرا، وقول ابن دينار إنما هو في اليسير بعد الوقوع كما سيأتي بيانه. والضمير المضاف إليه غير في هذين الوجهين عائد إلى الخاتم وغير في هذه الاوجه الستة مجرورة بالاضافة. وإن جعلنا اللفظ المذكور فعلا ففيه وجهان أيضا، لانه إما مبني للفاعل أو مبني للمفعول. فعلى الاول: يكون الفاعل ضميرا يعود إلى المتوضئ وغير منصوبة على المفعولية، وعلى الثاني فغير مرفوعة على النيابة عن الفاعل والضمير المضاف إليه غير في هذين الوجهين عائد إلى الخاتم أيضا كالوجهين قبله، وهذان الوجهان الاخيران ذكرهما ابن غازي وقال: هذا أمثل ما يضبط به وأبعده من التكلف. والضمير في غيره للخاتم وهو من صيغ العموم إذ هو اسم جنس أضيف أي ونزع غير الخاتم من كل حائل في يد أو غيرها ويندرج فيه ما يجعله الرماة وغيرهم في أصابعهم من عظم ونحوه، وما يزين به النساء وجوههن وأصابعهن من النقط الذي له جسد، وما يكثرن به شعورهن من الخيوط، وما يكون في شعر المرأة من حناء أو حنتيت أو غيرهما مما له تجسد، أو ما يلصق بالظفر أو بالذراع أو غيرهما من عجين أو زفت أو شمع أو نحوها. وكونه لم يذكر من هذه الاشياء معينة في هذا المختصر دليل على صحة هذا الضبط وإرادة هذا العموم أو بعضه، ولا سيما الحناء فإنه سكت عن تعيينه مع كونه في المدونة ومختصر ابن الحاجب ومشاهير الكتب. وما كان هكذا لا يسكت عنه غالبا إلا إذا أدرجه في عموم. فإن قلت: لما تحدث ابن رشد على الخاتم في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم، ذكر فيمن توضأ وقد لصق بظفره أو بذراعه الشئ اليسير من العجين أو القير أو الزفت قولين، وقال: الاظهر منهما تخفيف ذلك على ما قاله أبو زيد بن أبي أمية في بعض روايات العتبية، ومحمد بن دينار في المدونة خلاف قول ابن القاسم في المدونة وقول أشهب في بعض روايات العتبية. قلت: لا خفاء أن هذا في اليسير بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا بد من إزالته. وكون ابن رشد ذكر هذا الفرع عند الكلام على الخاتم مما يؤيد ما حملنا عليه لفظ المؤلف انتهى. قلت: لاخفاء أن ما ذكره هو أحسن ما يحمل عليه كلام المصنف، وفي كلام البساطي إشارة إلى ذلك. وأما كون كلام المصنف مخالفا لما استظهره ابن رشد فلا حاجة إلى الاعتذار عنه، لانه قد صرح ابن رشد بأن ما استظهره خلاف قول ابن القاسم في المدونة، وقد صرح صاحب الطراز بأن قول ابن القاسم هو الصحيح المشهور. وقال أيضا: إنه المذهب وقد صرح

[ 289 ]
غير واحد بأنه المشهور قال في الطراز في باب ترتيب الوضوء وموالاته: أما حكم اللمعة فالصحيح المشهور من المذهب وجوب الايعاب، وأنه إن ترك لمعة من مفروضاته لم يجزه، وهو قول الشافعي. وحكى الباجي عن محمد بن دينار فيمن لصق بذراعيه قدر الخيط من العجين وغيره فلا يصل الماء إلى ما تحته فيصلي بذلك لا شئ عليه قال: وقال ابن القاسم: عليه الاعادة. ووجه المذهب وقوله تعالى * (فاغسلوا وجوهكم) * (المائدة: 6) وهذا لم يغسل وجهه وإنما غسل وجهه إلا لمعة، وقوله (ص) أسبغوا الوضوء، وقوله: لمن ترك قدر ظفر ذلى رجله أعد الوضوء والصلاة. ووجه القول الثاني أن اسم الغسل يثبت بدون ذلك، لانه لو سقط من الرأس في مسحه هذا القدر لاجزاه، فكذلك الوجه. فإن الكل من أعضاء الطهارة واغتفار ذلك القدر بين الاصابع والخاتم انتهى. وما ذكره في ترك اليسير من المسح على خلاف المشهور كما سيأتي، وكذا ما ذكره فيما بين الاصابع من عدم وجوب تخليل الاصابع. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: واختلف المذهب إذا كانت لمعة يسيرة كالخيط الرقيق من العجين والمشهور اغتفار، ذكره في باب جامع في الصلاة. وقال في شرح المدونة إن الفتوى عندهم به وصرح البرزلي أيضا بأنه المشهور وسيأتي لفظه. تنبيه: قول ابن غازي يندرج في قول المصنف ونقض غيره ما يجعله الرماة وغيرهم في أصابعهم من عظم ونحوه يريد - والله تعالى أعلم - إذا كان ذلك ضيقا يمنع من وصول الماء إلى ما تحته، وأما إن كان واسعا يدخل الماء تحته فتكفي إجالته، وهذا يؤخذ من كلام ابن غازي فإنه إنما فرض المسألة فيما هو حائل فقال: أي ونقض غير الخاتم من كل حائل في يد أو غيرها فتأمله والله أعلم. فرع: يؤيد ما تقدم قول البرزلي في أوائل مسائل الطهارة عن السيوري يزال القذي من أشفار العين إذا لم يشق جدا. قال البرزلي: فإن صلى به وكان يسيرا مثل خيط العجين والمداد فيه قولان، المشهور فيه الاعادة أو حفظ الابن دينار أنه مغتفر انتهى. فرع: عقل البرزلي أيضا عن بعض المتأخرين فيمن صلى ثم وجد في عينه عمشا أنه قال: صلاته صحيحة إن شاء الله تعالى إن ذلك عينيه بيديه في وضوئه، ويحتمل أنها صارت بعد الصلاة انتهى ذكره في موضعين. قلت: والظاهر أن هذا ليس خاصا بالقذي بل كل حائل حكمه كذلك، وإذا وجد بعد الوضوء وأمكن أن يكون طرأ بعد الوضوء فإنه يحمل على أنه طرأ بعد الوضوء وهذا جار على المشهور فيمن رأى في ثوبه منيا فإنه إنما يعيد من آخر نومة نامها. والقذي مقصور وأشفار العين تقدم الكلام عليها. فرع: وأما أثر الحناء في اليدين والرجلين وغيرهما فليس بلمعة. قال في رسم الوضوء

[ 290 ]
والجهاد من سماع أشهب من كتاب الوضوء: وسئل مالك عن الحائض والجنب تخضب يديها فقال: نعم وذلك مما كان النساء يتحرينه لئلا ينقض خضابهن الطهور للصلاة. ابن رشد: وهذا كما قال لا إشكال في جوازه، ولا وجه لكراهته لان صبغ الخضاب الذي يحصل في يديها لا يمنع من رفع حدث الجنابة والحيض عنها بالغسل إذا اغتسلت. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: والاتفاق على أن الحناء ليست بلمعة. فرع: وأما أثر النشادر فقال البرزلي في مسائل الصلاة: كان شيخنا الامام يعني ابن عرفة يقول: هو بمنزلة الحناء ولا يعده لمعة. وكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يعده لمعة وينقله عن غيره ويحتج عليه بأنه حائل، لانه يظهر أثره عند العجين ونحوه. فعليه لا يجوز الخضاب به،. وكذا عنده الحرقوص الذي لا يزال بالماء بل بالتقشير. قال: وأما لو كان يزول بالماء ولم يبق إلا أثره كالحرقوص المسمى بالغبار فلا بأس به انتهى. قلت: الظاهر في النشادر ما قاله ابن عرفة وخروج أثره عند العجين ونحوه لا يقتضي كونه حائلا لان الحناء أيضا كذلك يخرج أثره عن العجين ونحوه ولم يدوه حائلا. وأما الحرقوص فالمراد به العفص، والغالب فيه أنه إذا عمل في الجسم يكون حائلا، إلا إذا كان رقيقا جدا كالذي يعمله النساء في أظفارهن، فالظاهر أنه إنما يبقى أثره فينظر في ذلك إلى رقة العفص وثخنه وتجده كما أشار إلى ذلك. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: اختلف المتأخرون من التونسيين في النشادر، فقيل: إنه ليس بلمعة لانه عرض والعرض ليس بجسم. وقيل: لمعة لانه يتقشر. ورده صاحب القول الاول لان الزائل قشرة اليد لحرارة مائها، وأفتى أبو الحسن القيرواني بأن الحرقوص لمعة ولا ينبغي أن يختلف فيه، وكذلك السواك مما يجب غسله من الشفتين انتهى. ويعني بالسواك الجوز والله أعلم. فرع: وأما المداد فجعله صاحب الطراز كالمستثنى من مسألة الحائل ونصه إثر كلامه السابق: فرع إذا قلنا إنه لا يجزئه فإن كان ذلك مما لا يمكن الاحتراز منه ولا من مثله فهل يعفى عنه وينتقل الفرض للجسم الحائل كما في الظفر يكسى مرارة من ضرورة فقد قال مالك في الموازية فيمن توضأ وعلى يديه مداد فرآه بعد أن صلى على حاله: إنه لا يضره ذلك إذا أمر الماء على المداد. ثم قال: إذا كان الذي كتب كأنه رأى أن الكاتب لا يمكنه الاحتراز عن ذلك بخلاف غير الكاتب. وقوله إن كان إمرار الماء على المداد واضح في إعطاء المداد حكم ما تحته. فإن قيل: المداد غير حائل وإنما هو حكم ما يصبغ كالحناء قلنا: ليس كذلك فإن الحناء تزال ويبقى أثرها بخلاف المداد، ولو كان غير حائل لم يكن لاشتراط كونه هو الكاتب معنى انتهى بلفظه. وقله في النوادر قبل فصل التيمم بيسير عن ابن القاسم في المجموعة ولفظه: قال ابن القاسم: ومن توضأ على مداد بيده لم يضره. وقال ابن عرفة الشيخ عن ابن القاسم: من توضأ على مداد يديه

[ 291 ]
لم يضره. وقال ابن عرفة عن ابن القاسم: من توض على امتداد بيده أجزأه. وعزاه الطراز لرواية محمد. وقيده بالكاتب وقيده بعض شيوخنا برقته وعدم تجسده إذ هو مداد من مضى انتهى. قلت: قوله وقيده بالكاتب الذي يتبادر من لفظه أن المقيد له صاحب الطراز ومحمد، والذي يظهر من كلام صاحب الطراز المتقدم أن التقييد بذلك من كلام مالك فإن لفظه ثم قال: إذا كان الذي كتب من كلام صاحب الطراز المتقدم، ويظهر من كلامه أنها من الرواية، والذي يظهر أن تقييد بعض شيوخ ابن عرفة مخالف لما ذكره صاحب الطراز فتأمله. ونقل ابن غازي كلام ابن عرفة وقبله غير أنه قال: وقال أبو القاسم: إن الكاتب قيده بعض شيوخنا الخ. وهو تصحيف وقع في نسخة ابن غازي من ابن عرفة والله أعلم. فرع: قال البرزلي: سئل السيوري، هل يلزم زوال وسخ الاظفار في الوضوء ؟ فأجاب لا تعلق قلبك بهذا إن أطعتني واترك الوسواس واسلك ما عليه جمهور السلف الصالح تسلم. قال البرزلي: أراد أن الذي عليه السلف ترك هذا التعمق فلا يرد عليه مسألة العجين والمداد في الظفر الذي فيه خلاف، لان حكم هذا حكم داخل الجسم ولتكثره في الانسان فأشبه ما عفي عنه من جلد البثرة ونحوها مما لا يخلوا الجسم منه غالبا. وإن كان شيخنا الشبيبي حكى فيه الخلاف عن عبد الحميد والشيخ أبي محمد، وظاهر الشريعة التسامح في مثل هذا لا سيما إن كان ذا وسوسة كما أشار إليه الشيخ، وذكر نحوه بعد ذلك في موضع آخر. وقال الابي في شرح مسلم في الكلام على تخليل قص الاظفار: إذ قد يحصل تحتها ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة، وهذا فيما لم يطل منها طولا غير معتاد فإنه يعفى عما تعلق به قل أو كثر انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وتخليل أصابع يديه وما يكون تحت رؤوس الاظفار من الوسخ مانع إذا طالت انتهى. يريد إذا خرجت عن المعتاد كما تقدم في كلام الابي، وبهذا أيضا يقيد إطلاق البرزلي وما في نظم قواعد ابن رشد أعني قوله: ووسخ الاظفار إن تركته * فما عليك حرج أو زلته فرع: قد يتربى على الشعر الذي في الابط في رأس الفخذين شئ من الوسخ، ولا سيما في البلاد الحارة في أيام الصيف ويلتصق بالشعر بحيث لا يزول إلا بالحك ويكثر ذلك ويشق، ولم أر فيه نصا، والظاهر أنه مما يعفى عنه للمشقة إذا لم يترك الشعر مدة طويلة تزيد على المدة المشروعة وفي ذلك المحل لم يخرج منه والله أعلم. تنبيه: وأما ما يجعل في الرأس من حناء أو غيره وما يكثر به الشعر من صوف ونحوه فيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في الكلام على مسح الرأس، وكذا الكلام على التلبيد،

[ 292 ]
وقد أطلت الكلام هنا لان هذه الفروع يحتاج إليها والله أعلم ص: (ومسح ما على الجمجمة) ش: هذه الفريضة الثالثة من الفرائض المجمع عليها وهي مسح الرأس، والمشهور من المذهب أن مسح جميعه واجب فإن ترك بعضه لم يجزه. وقال ابن مسلمة: يجزئ الثلثان. وقال أبو الفرج: الثلث، وقال اشهب: تجزئ الناصية. وروي عنه أنه قال: إن لم يعم رأسه أجزأه وأطلق ولم يبين قدره. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة، وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه، ظاهر كلام الشيخ أنه إن ترك بعضه وإن قل لا يجزئه وهو كذلك عند مالك. ثم ذكر فيه بقية الاقوال ويصح في على من قول المصنف ما على الجمجمة أن يكون فعلا ماضيا من العلو كقوله تعالى: * (إن فرعون علا في الارض) * (القصص: 4) وعلى هذا فالجمجمة منصوبة على المفعولية، ولا يصح هنا أن تكون اسما لعدم دخول من عليها، وأن تكون حرف جر والجمجمة مجرورة بها، والجمجمة هي عظم الرأس المشتمل على الدماغ قاله الجوهري، وأفاد بقوله مسح ما على الجمجمة فائدتين: الاولى: أن الفرض مسح ما كان فوق الجمجمة من الشعر، إن كان ثم شعر، أو الجلد إن لم يكن هناك شعر، فالشعر هو الاصل في مسح الرأس بخلاف غسل الوجه فإنه فيه. فرع: قال في الذخيرة في قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * (المائدة: 6) إن راعينا الاشتقاق من الرأس وهو ما علا فيتناول اللفظ الشعر لعلوه والبشرة عند عدمه لعلوه من غير توسع ولا رخصة، وإن قلنا إن الرأس هو العضو فثم مضاف محذوف تقديره: امسحوا شعر رؤوسكم، فعلى هذا يكون مسح البشرة لم يتناوله النص، فيكون المسح عليها في عدم الشعر بالاجماع لا بالنص. وعلى كل تقدير يكون الشعر أصلا في الرأس فرعا في اللحية والاصل الوجه. والثاني: أن منتهى الرأس آخر الجمجمة وهذا هو المشهور. قال سند: وأما آخره فالمعروف من المذهب أنه منتهى الجمجمة حيث يتصل عظم الرأس بفقار العنق. وقال ابن شعبان: إلى آخر مبنت الشعر. وهو فاسد لانه موضع مباين للرأس ولهذا لم يكن فيه موضحة كما في الرأس انتهى. ونحوه للخمي وتبعه ابن الحاجب فقال: ومبدؤه من مبدإ الوجه وآخره ما تحوزه الجمجمة. وقيل: منابت شعر القفا المعتاد، وقبله ابن عبد السلام وغيره من شراحه كابن هارون وابن راشد والابي في شرح مسلم، عز والشاذ لابن شعبان ونحوه للقرافي

[ 293 ]
والفاكهاني وابن ناجي في شرح المدونة. وصرح بأن الاول، هو المعروف في المذهب، وعلى ذلك مشى غير واحد من أهل المذهب، ووقع في المدونة في صفة المسح: يبدأ بيديه من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه. ففهم ابن عرفة أن مذهب المدونة كقول ابن شعبان فقال في حد الرأس: وهو من ملاصق الوجه وآخره فيها، وفي سماع موسى رواية ابن القاسم: حتى آخر شعر القفا، وعزاه اللخمي لابن شعبان. وجعل المذهب حتى جخر الجمجمة انتهى. ونص ما أشار إليه في سماع موسى قال مالك: يمسح رأسه فيمر بيديه من مقدمه إلى قفاه. قلت: ونحوه قوله في التلقين وأما الرأس فهو ما صعد عن الجبهة إلى آخر القفا طولا وإلى الاذنين عرضا وكذا في عبارة غيره، لكن المتأخرون كلهم على نحو ما قاله اللخمي كما تقدم في عبارة صاحب الطراز. ويمكن رد ذلك إلى ما قاله غيره بأن يكون المراد إلى آخر شعر رأسه كما قال في الرسالة. الثانية: القفا مقصور يذكر ويؤنث وجمعه أقفية، وقفي بضم القاف وكسر الفاء وتشديد الياء وفيه لغات. تنبيهات: الاول قال في التوضيح: قال اللخمي وابن عبد السلام: لا خلاف أنه مأمور بالجميع ابتداء وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه. قال ابن عبد السلام: وكان بعض أشياخي يحكي عن بعض شيوخ الاندلسيين أن الخلاف ابتداء في المذهب ولم أره انتهى. قلت: ولم يرتض ابن عرفة ما قاله ابن عبد السلام بل قال: ظاهر قول المازري إثر ذكره الاقوال هذا القدر الواجب والكمال في الاكمال اتفاقا، وما ذكر من الاجزاء أن الخلاف في الواجب ابتداء وهو ظاهر عز وابن رشد لاشهب قول الشافعي، ومقتضى قول ابن حارث عن أشهب من ترك غير مقدم الرأس وضوؤه جائزه وروي عن ابن عمر: متعلق الاجزاء ظاهر اختلافهم في أقوال ومذاهب لا في مراعاة خلاف. والقول بوجوب شئ قبل فعله وسقوطه بتركه لا على معنى رعي الخلاف لا يعقل لانه يؤدي لانقلاب الواجب غير واجب. وقوله متعلق الاجزاء بكسر الهمزة. وقوله وهو ظاهر عز وابن رشد لاشهب قول الشافعي يشير به إلى قول ابن رشد في رسم الصلاة من سماع أشهب من كتاب الوضوء، وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من أهل العلم إلى إجازة مسح بعض الرأس، وإلى هذا ذهب أشهب في هذه الرواية. قال سند: ووجه المذهب ما ذكره مالك في العتبية لما قيل له: إن من مسح رأسه ولم يعمه. فقال: يعيد أرأيت إن غسل بعض وجهه، وذلك إن شاء الله تعالى أمر بمسح الرأس وغسل الوجه، فكما لم يقع الامتثال في غسل الوجه بالاستيعاب كذلك في مسح الرأس واعتبارا بمسح الوجه في التيمم، ولان العمل بذلك ثابت عن النبي (ص) وأفعال القرب تحمل على الوجوب إلا ما خصه الدليل، وكل ما يتعلق به المخالف من أن المسح لا يقتضي الاستيعاب. وأن الباء للتبعيض يبطل بقوله تعالى في التيمم * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم)

[ 294 ]
* وحديث المغيرة أنه (ص) مسح بناصيته وعلى العمامة كما رواه الترمذي والنسائي وهو في صحيح مسلم، لا حجة فيه بل هو حجة عليهم لانه لو أجزأه المسح على الناصية لما مسح على العمامة، فدل على أنه إنما فعل ذلك للضرورة، ووجه قول ابن مسلمة إن المسح مبني على التخفيف فأكثره يجزئ عن أقله ووجه قولابي الفرج إن الثلث في حيز الكثير، ووجه قول أشهب، الاخذ بظاهر حديث المغيرة. الثاني: قال ابن عبد السلام في قول أشهب الثاني: انظر هل يذهب به مذهب الشافعية في ثلاث شعرات في قول، أو بعض شعرة في قول ؟ لكن قوله وإن لم يعم رأسه ظاهر هذا المذهب أنه لا بد من جزء معتبره وجزم بذلك في التوضيح فقال: ولا يؤخذ من قول أشهب إن لم يعم رأسه أجزأه قول في المذهب بإجزاء ثلاث شعرات كمذهب الشافعية لان الذي يفهم من قوله، إن لم يعم رأسه عرفا أخذ جزء جيد منه. قلت: وظاهر قول ابن رشد المتقدم في رسم الصلاة من سماع أشهب، ذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من أهل العلم إلى إجازة مسح بعض الرأس، وإلى هذا ذهب أشهب في هذه الرواية، وبذلك فسره ابن راشد في شرح ابن الحاجب فقال: على ما نقل عنه صاحب الجمع، وذهب أشهب في قوله الآخر إلى مذهب الشافعي. وقال ابن فرحون تبعا لابن هارون: وينبغي أن يرد قوله المطلق إلى قوله المقيد. زاد ابن فرحون ولفظه قوي في الدلالة على أن يحمل على قول ابن مسلمة لقوله إن لم يعم فلا أقل من أنه يحمل على قوله المقيد بالناصية، ويمكن أن يقال في كلامابن رشد: إنما شرك بينهم في الاكتفاء بالبعض وإن اختلفوا في قدره بدليل أنه جمع بين الشافعي وأبي حنيفة وهما مختلفان في القدر المجزئ. الثالث: قال ابن ناجي قال ابن عطية: وكل هذا الخلاف إنما هو إذا وقع المسح من مقدم الرأس، وأما لو وقع على خلاف ذلك فلا يكفي بعضه اتفاقا. وضعفه شيخنا الشبيبي بالاتفاق على أن البداءة بمقدم الرأس ليست بفرض، فلا فرق بين البداءة بالمقدم أو بغيره، قال ابن ناجي، ويرد بأن كلام ابن عطية يقتضي أنه وقف على النص بذلك فتكون البداءة بمقدم الرأس التي ليست بفرض اتفاقا إنما هي حيث التعميم، أما حيث الاقتصار على البعض فلا انتهى. قلت، وما قاله ابن عطية غريب، وما قاله الشبيبي ظاهر والله تعالى أعلم. الرابع: قال ابن عبد السلام: وانظر إذا اقتصر على مسح بعضه على قول من يراه كافيا، فهل يشترط أن يكون الممسوح مما يحاذي الرأس إذا كان الشعر طويلا، فإن كان فهو حجة لمن يذهب إلى سقوط مسح ما استدلى من الشعر على الرأس. قال ابن ناجي، ظاهر كلامهم أنه لا يشترط لان المشهور من المذهب مسح ما طال من الشعر.

[ 295 ]
قلت: هذا الرد ضعيف لان بحثه إنما هو على غير المشهور فتأمله والله تعالى أعلم. الخامس: قال في الرسالة في صفة مسح الرأس: ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى. قال الشيخ زروق: يعني ويرسلهما حتى لا يبقى فيهما إلا القليل، وإن شاء غمسهما في الماء ثم رفعهما، لكن اختيار ابن القاسم الاول، واختيار مالك الاخير استحبابا فيهما انتهى. السادس: اختلف إذا جف البلل من يده قبل استيعابه فقيل: إنه يجدد. وقال مالك في المجموعة: قد يكثر الماء فيكفي المسحة الواحدة وقد يقل فتكون اثنين. وذكره ابن حبيب عن مالك في مسح المرأة رأسها وقيل: إنه لا يجدد. وقاله القاضي إسماعيل وهو ظاهر قال ابن القاسم في سماع موسى: إن مسحه بأصبع واحدة أجزأه. وعن اللخمي وابن عرفة الاول لسماع أشهب وليس فيه، وإنما ذكره صاحب الطراز عن المجموعة. وقال ابن عرفة، قيد عبد الحق إجزاء الاصبع بتكرار إدخالها في اماء زاد ابن ناجي وأطلقه اللخمي. قلت: سبق عبد الحق بالتقييد المذكور صاحب النوادر قال بعد ذكره رواية العتبية، لعله يريد تكرر بلل أصبعه بالماء. وكذا ابن رشد في السماع المذكور ونصه: يريد أن ذلك يجزئه إن فعل ولا يؤمر بذلك ابتداء، لان السنة في صفة مسح الرأس على ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وفي كلام صاحب الطراز ترجيح للقول الاول قال: لان الاصل فيما يجب تطهيره بالماء أن يصل الماء إلى المحل ويفارق مسح الخف من حيث إن الرأس هو المطهر بالماء والخف ليس هو المطهر، وإنما المطهر الرجل فلا معنى لايصال الماء إلى محل لا يتطهر، لكن شرع نقل الماء فيه ابتداء، ولان مسح الرأس له تأكيد الاصلية، ومسح الخف له تخفيف البدلية، ولان الماء يفسده والله تعالى أعلم، ويأتي الكلام على كيفية نقل الماء وحكمه إذا مسحه ببلل لحيته، وذراعيه في الدلك. السابع: لم يذكر المصنف مبدأ المسح اكتفاء بما ذكره في الوجه، فإن منابت شعر الرأس مبدأ للوجه وللرأس. قال ابن الحاجب: ومبدأه من عند الوجه الثاني. قال ابن ناجي في شرح قول المدونة وفي أول كتاب الطهارة. ويمسح الرأس الخ. ظاهر المدونة أنه لا يأخذ شيئا من الوجه وهو أحد قولي المتأخرين، وهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به هل هو واجب أم لا. وتقدم الكلام على ذلك في غسل الوجه ونقله الجزولي عن أبي العربي، وظاهر كلام غيره أن أخذ شئ منه هو المذهب وهو الظاهر والله تعالى أعلم. ص: (بعظم صدغيه مع المسترخي)

[ 296 ]
ش: ما ذكره هو حد الرأس عرضا. والباء بمعنى مع يعني أنه يمسح على الجمجمة مع ما على عظمي صدغيه مع ما استرخى من الشعر وطال ولو نزل عن حد الرأس، وتقدم أن الصدغ هو ما بين العين والاذن، وإن ما كان عنه فوق العظم الناتئ على العارضين ولم يكن داخلا في منابت شعر الرأس المعتاد فهو من الرأس، فيدخل في ذلك، النزعتان وموضع التحذيف. قال في النوادر: وشعر الصدغين من الرأس. قال الباجي: يريد ما لم يكن داخلا في دور الوجه. وقال اللخمي: ويمسح الزعتين وما ارتفع إلى الرأس من شعر الصدغين، ويمسح البياض الذي بين الاذن وشعر الرأس انتهى. وقال ابن فرحون: يمسح البياض الذي بين الاذن وشعر الرأس خلف الاذن، ومتى تركه فقد ترك جزأ من الرأس انتهى. وما ذكره من مسح شعر المسترخي عن حد الرأس هو المشهور، وهو مذهب المدونة قال فيها: وتمسح المرأة على رأسها كالرجل وتمسح على المسترخي من شعرها نحو الدلالين، وكذلك الطويل الشعر من الرجال، والدلالين تثنية دلال هو ما استرخى من الشعر. قال عياض: هو بفتح الدال المهملة. وقيل: لا يجب مسح ما استرخى عن حد الرأس. وعزاه ابن ناجي لابي الفرج وابن عرفة للابهري وابن رشد في سماع سحنون لظاهر ما في سماع موسى بن معاوية عن ابن القاسم عن مالك ووجهه: أن شعر الرأس ليس برأس. قال: والاول أظهر وأشهر وهو معلوم من مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها، والدليل عليه من جهة النظر أن شعر الرأس لما نبت فيه وجب أن يحكم له بحكمه كما أن ما نبت في الحرم وإن طال وخرج عنه إلى الحل. تنبيه: قال صاحب الطراز: إذا قلنا لا يجب مسح المنسدل فهل يسن ذلك أم لا ؟ قوله في العتبية إنما عليها أن تمسح إلى قفاها يحتمل أنها لا تؤمر بغير ذلك، ويحتمل أن يريد أنه لا يجب ويكون مستحبا لانه يحصل باستيعابه كمال الايعاب ويخرج بذلك من شبهة الخلاف. قلت: والظاهر الاستحباب لان الخروج من الخلاف مطلوب. تنبيه: قال ابن ناجي عن بعضهم: إنه عارض مذهب المدونة بقوله في الضحايا: لا بأس بصيد طائر على غصن أصله في الحرم. فلم يحكم للفرع بحكم الاصل. ورده ابن ناجي بأن وزان ما طال من الشعر طرف الغصن لا الطائر والله تعالى أعلم. ص: (ولا ينقض ضفره رجل ولا امرأة) ش: الضفر بفتح الضاد المعجمة فتل الشعر بعضه ببعض، والعقص بفتح العين جمع ما ضفرمنه قرونا صغارا من كل جانب، قاله في التنبيهات وهو مصدر عقص شعره يعقصه عقصا. قال النووي: قال أبو عبيد، العقص ضرب من الضفر وهو أن يلوي الشعر على الرأس.

[ 297 ]
وقال الليث: هو أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعرها فتلويها ثم تعقدها فيبقى فيها التواء ثم ترسلها، فكل خصلة عقيصة، وربما اتخذت المرأة عقيصة من شعر غيرها. وقال ابن سيده: عقصت شعرها شدته في قفاها، ولا يقال للرجل عقيصة. ونقله ابن فرحون قال في تقييد أبي الحسن الطنجي: العقص أن تجمع ضفره وتربطه بخيط، والضفران تربط بعضه ببعض. ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون أن العقص جمع عقاص. قال: وهو أن تجمع المرأة ما تضفره من شعرها إلى خلفها. قال في المدونة: وإن كان شعرها معقوصا مسحت على ضفرها ولا تنقص شعرها. قال في الطراز، لان موضع المسح التخفيف وفي نقض الشعر عند كل وضوء أعظم مشقة، ولان العقاص إنما يكون في القفا فأمره خفيف لان الوضوء يأتي عليه المسح، وما انسدل من الشعر عن القفا اختلف فيه، فإذا كان معقوصا ومر الفسح على ما ظهر من العقاص فهو يعد ممسوحا خفة أمره. وقال في الذخيرة، قال في الكتاب: تمسح المرأة على وجه شعرها المعقوص والضفائر من غير نقض. وقال ابن الحاجب: ولا تنقض عقاصها. والضمير في قول المصنف ضفره عائد إلى ما بعده لانه وإن كان متأخرا في اللفظ فهو مقدم في الرتبة لانه فاعل.، وقال الشارح في الصغير: إنه يعود إلى الشعر والاول أحسن. تنبيهات الاول: عبارة المدونة والرسالة وابن الحاجب أحسن من عبارة المصنف لانه إذا لم يلزم حل العقاص لم يلزم حل الضفر من باب أولى، ولا يلزم من عدم نقض الضفر عدم نقض العقص، لان العقص كما تقدم عن التنبيهات هو جمع ما ضفر منه فتأمله. فإن قيل: ليس في كلامه في المدونة أنها تمسح على عقاصها، فالجواب أن ذلك يستفاد من قولها ولا تنقض شعرها وقد نسب في الذخيرة للمدونة أنها تمسح على الشعر المعقوص. الثاني: قال في التوضيح: والعقيصة التي يجوز المسح عليها ما تكون بخيط يسير، وأما لو كثر لم يجز لانه حينئذ حائل. قال الباجي: وكذلك لو كثرت شعرها بصوف أو شعر لم يجز أن تمسح عليه لانه مانع من الاستيعاب انتهى. وما ذكره عن الباجي أصله لابن حبيب في الواضحة. قال: وإن كانت قرون شعرها من شعر غيرها أو من صوف أسود كثرت به شعرها لم يجزها المسح عليه حتى تنزعه إذا لم يصل الماء إلى شعرها من أجله، وفيه قال رسول (ص) لعن الله الواصلة والمستوصلة ونقله عنه صاحب النوادر وصاحب الطراز وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم وقبلوه وهو ظاهر. قال صاحب الطراز: وإذا كان ما كثرت به مربوطا عند

[ 298 ]
القفا أو نازلا عنه دخل في الاختلاف في مسح ما انسدل. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: قال بعض الشيوخ: هذا إذا كان عقاصها مثل عقاص العرب تفتله ضفائر صغارا وتربطه بالخيط والخيطين، وأما إن فتلته على ناحيتين وأكثرت عليه الخيوط فلا بد من حله، وإن مسحت عليه لم يجزها إلا على قول من يرى جواز مسح بعض الرأس ونحوه للجزولي. قلت: وهذا والله أعلم إذا كان ما كثرت به شعرها ظاهرا فوق الشعر، فأما إذا كان في مستبطن الشعر فلا يضر كما سيأتي عن صاحب الطراز في مسألة الحناء إن شاء الله تعالى. ووصل الشعر حرام لا يجوز، والرجال والنساء في ذلك سواء كما نقله ابن ناجي. وهذا إذا وصل بما يشبه الشعر، وأما خيط الحرير الذي لا لشبه الشعر فغير منهي عنه لانه ليس بوصل ولا قصد به الوصل، وإنما المراد به التجمل والتحسين نقله ابن ناجي عن الاكمال والله تعالى أعلم. الثالث: قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب هنا في مسح الرأس في الوضوء: ولا تنقض عقصها يعني) ولكن تسقيه الماء وتضغثه بيدها ضغثا حتى يعلم أن الماء قدداخل الشعر وبل البشرة، وهذا سهو ظاهر سرى ذهنه رحمه الله تعالى إلى الغسل وهو بين والله تعالى أعلم. الرابع: قال صاحب الطراز: فلو رفعت الضفائر من أجناب الرأس وعقصت الشعر في وسط الرأس، وهو لو ترك انسدل على الرأس، فالظاهر أنه لا يجزئه مسحه لانه حائل دون ما يجب مسحه. قال بعض أصحاب الشافعي: هو كالعمامة لا يجوز المسح عليه. ونقله في الذخيرة وقبله وهو ظاهر والله تعالى أعلم. الخامس: قال في المدونة: وإن كان على الرأس حناء فلا تمسح حتى تنزعه فتمسح على الشعر. قال في الطراز: إن جعل الحناء للضرورة والتداوي من حر وشبهه جاز ولا يجب نزعه كالقرطاس على الصدغ، وإن كان لغير ضرورة ماسة - وهي صورة مسألة الكتاب - لم يجزه أن يمسح عليه لانه يمنع إيصال المسح للرأس كالثوب انتهى. وقال ابن فرحون: قال اللخمي: إذا كانت على رأسه حناء وكانت لضرورة فهي كالدهن يمسح عليها كالحائل وإن كانت لغير ضرورة فلا، وإن كانت على بعضه فإن كانت لضرورة مسح على الجميع، وإن كانت لغير ضرورة فإنه يمسح على ما بقي على قول من الاقوال في القدر المجزئ، ولا يجزئه عند مالك إلا إذا كان الجميع. قلت: قوله إن كان للتداوي فلا ينزعه يريد إذا خاف بنزعه ضررا، فإن كان الحناء على بعض الرأس وهو لضرورة مسح على بعض الرأس وعلى الحناء، وإن كان لغير ضرورة

[ 299 ]
نزعه، فإن مسح على الحناء وكان على جميع الرأس لم يجزه وذلك واضح، وإن كان على بعضه جرى على الخلاف في الاقتصار على بعض الرأس، قاله ابن ناجي وذكر الشيخ زروق عن شيخه القوري أنه قال: إني لافتي النساء بالمسح على الحناء لانا إذا منعناهم منه تركن الصلاة، وإذا دار الامر بين ترك الصلاة وبين فعلها جرى على الخلاف، فارتكاب الاخف أولى فانظر في ذلك انتهى. قلت: يشير بالخلاف إلى قول الامام أحمد بن حنبل وداود والثوري والاوزاعي بجواز المسح على العمامة في الفرع الآتي بعده. السادس: قال في المدونة: ولا تمسح على خمارها ولا غيره، فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة. قال في الطراز: يريد إذا أمكنها المسح على رأسها، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة. وقال ابن حنبل: يجوز المسح على العمامة والخمار اختيارا. وهو مذهب داود والثوري والاوزاعي. واشترط ابن حنبل أن يلبس ذلك على طهارة، واشترط بعض أصحابه أن تكون العمامة تحت الحنك، يريد والله أعلم لان ذلك من سنتها. وذهب بعضهم إلى الجواز إذا مسح بعض الرأس، ومتعلقهم ما رواه مسلم والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين والخمار. وما في أبي داود أنه مسح على العمامة، وفي بعض الروايات في مسلم أنه مسح بمقدم رأسه وعلى العمامة. قال: وحجتنا قوله تعالى * (وامسحوا برؤوسكم) * (المائدة: 6) والعمامة لا تسمى رأسا. وقال سيبويه: الباء للتأكيد كأنه قال: امسحوا رؤوسكم نفسها. وقوله عليه الصلاة والسلام لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرافق ويمسح برأسه الحديث. والحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلا به. وكان قد مسح رأسه فيه لانه لو كان مسح على العمامة فيه لكان مسحها شرطا ولا قائل به. وروى مالك في الموطأ عن جابر أنه سئل عن المسح على العمامة فقال: لا حتى تمسح الشعر بالماء. ولم يعرف لذلك نكير، والقياس على الوجه واليدين. وما رووه محمول على أنه كان لعذر فإن مسحت على الخمار من غير عذر أعادت الصلاة، وروى ابن وهب عن مالك أنها تعيد الوضوء. قال سحنون: لانها متعمدة يريد أنها لم تكن تركته سهوا وإنما فعلته جهلا والجاهل والعامد سواء. قلت: وقوله في المدونة أعادت الوضوء لا إشكال في ذلك إن كانت عامدة، وكذا إن كانت جاهلة لان الجاهل كالعامد على المشهور وقال بعضهم: إنه كالساهي، وأما إن كانت ساهية فتمسح على رأسها فقط والصلاة باطلة في الوجوه كلها، وأما إن علمت بذلك قبل الصلاة فإن كانت ساهية مسحت رأسها متى ما ذكرت وأعادت غسل رجليها إن كان ذلك

[ 300 ]
بالقرب وحده جفاف الاعضاء المعتدلة في الزمن المعتدل كما سيأتي، فإن كانت عامدة أو جاهلة فإن كان ذلك بالقرب جدا فإنها تزيل الحائل وتمسح على رأسها وتعيد غسل رجليها، وإن طال ذلك أعادت الوضوء، ولا يحد القرب هنا بجفاف الاعضاء بل هو أقل من ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الموالاة. وقال في الطراز: فإن وقع المسح على الحناء على الوجه الممنوع فإن كان ذلك جهلا ثم أخبر أنه لا يجوز فنزعه بالقرب مسح رأسه وأعاد غسل رجليه، ولا يشبه من فرق وضوءه عبثا لانه كان يعتقد أنه يجزئه، وإن طال ابتداء الوضوء، لان الجاهل كالعامد لا كالساهي، وإن كان سهوا مسح رأسه متى ما ذكر وغسل رجليه إن كان بالقرب، والصلاة في جميع ذلك فاسدة انتهى. وقال صاحب الجمع: فرع إن مسحت على الوقاية أو حناء أو مسح رجل على العمامة وصلى لم تصح صلاته، وبطل وضوؤه إن كان فعل ذلك عمدا، وإن فعله جهلا فقولان انتهى. وقال ابن ناجي: ييد، وكذلك الرجل لا يمسح على العمامة. وبالجملة لا يمسح على حائل مع الاختيار، وأما مع الضرورة فجائز. ثم ذكر شيئا مما تقدم عن الطراز ثم قال: وقول أحمد عندي أقرب وهو الذي كان يرجحه شيخنا يعني البرزلي ولا يفتي به، وكونه عليه الصلاة والسلام داوم على غير ذلك لا يدل على قول أصحابنا، لان مداومته إنما تدل على أنه فعله مرة واحدة ليؤذن بالاباحة، وكونه لعذر دعوى. قلت: يرد ما قاله ما تقدم من الادلة والله أعلم. فائدة: ذكر ابن ناجي أنه حضر ابن راشد درس بعض الحنفية فقال المدرس: الدليل لنا على مالك في المسح على العمامة أنه مسح على حائل أصله الشعر فإنه حائل. فأجابه ابن راشد بأن الحقيقة إذا تعذرت انتقل إلى المجاز إن لم يتعدد، وإلى الاقرب منه إن تعدد. والشعر هنا أقرب والعمامة أبعد فيتعين الحمل على الشعر، فلم يجد جوابا ونهض قائما وأجلسه بإزائه. فائدة: قال عياض: الحناء ممدود انتهى، وقال الزبيدي: الحناء مذكر ممدود واحده حناءة. السابع: قال في الطراز: فإن كانت الحناء في مستبطن الشعر ليس على ظاهره لم يمنع لان مستبطن الشعر لا يجب إيصال الماء إليه في الوضوء ولا مباشرته بالمسح، ولهذا تعلق المسح بظاهر الضفيرة دون باطنها، وقد أجاز الشرع التلبيد في الحج انتهى. ونقله القرافي في الذخيرة وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم وقبلوه، ولفظ ابن عرفة الطراز: إن كان الحناء بباطن الشعر لم يمنع كالتلبيد انتهى. الثامن: قال أبو الحسن، الصغير في قوله في المدونة حتى ينزعه هل بالماء كما يقول بعض الشيوخ وظاهر الكتاب بأي شئ أزاله. الشيخ: ومن يقول بالماء يقول لئلا ينضاف الماء الذي يمسح به لانه بأول ملاقاته بيده ينضاف وليس هذا بصحيح، لان أكثر الناس تكون أعضاؤهم غير نقية من الدنس، فإذا فرغ الماء على أول العضو لم يصل إلى آخره حتى يتغير،

[ 301 ]
ولم يشترط أحد طهارة الاعضاء من الدنس. وقوله في المدونة إن ذهبت الحناء أو انتشر بعضها يدل على خلاف قول بعض الشيوخ انتهى. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: ولا يمسح على الحناء. قال ابن هارون: يريد إذا كان متجسدا وإلا فيجوز المسح على صبغه انتهى، كلام ابن هارون. قال ابن فرحون، وكذلك الطيب إذا لم يكن متجسدا مما ترش به رأسها أو تجعله في شعرها، وما زال نساء الصحابة يجعلن الطيب في رؤوسهن، وكان عليه الصلاة والسلام يرى وبيص الطيب في مفرقه. وهذا لا إشكال فيه، ولا يقال: إنه يضيف الماء حالة المسح فإن هذا من الجهل بالسنة والتعمق في الدين. ومما يوضح ذلك ما وقع في البيان في باب القذف في المرأة تعمل نضوحا من التمر والزبيب فتمتشط به قال: أرجو أن لا يكون به بأس. ابن رشد: وفي مختصر ابن عبد الحكم أنه مكروه، وفيه إجازته أيضا على ترخيص، والكراهة من باب النهي عن الخليطين لا من جهة أنه حائل يمنع المسح عليه. وهذا نص في جواز المسح عليه، وإنما المحذور ما هو متجسد يحول بين الشعر والماء، وأما النضوح وما جرى مجراه فإنه يلبد الشعر ويضمه عن الانتشار، ومما يدل على صحة ذلك جواز تصميغ المحرم رأسه انتهى كلام ابن فرحون، ومسألة البيان في رسم الاشربة والحدود من سماع أشهب. وقوله: والكراهة من باب النهي عن الخليطين لا من جهة أنه حائل من كلام ابن فرحون. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قال الشيح أبو العباس البجائي عند قول ابن الحاجب: ولا يمسح على حناء. هذا يدل على أن إضافة الماء بعد بلوغه العضو لا تضر، وما زال السلف يدهنون ويتمندلون بأقدامهم، ومعلوم أن الماء ينضاف بملاقاته للعضو مما عليه انتهى. ونقل ابن فرحون كلام أبي الحسن المتقدم وزاد عليه قال: وقد نص أبو زيد البرنوسي في تقييده على الجلاب أنه يجوز المسح عليها إذا نقضتها وزال نقضها، وهذا يؤيد ما تقدم في مسألة الطيب انتهى. وقال الجزولي في مسألة الحناء. قال الفقيه: لا يمسح حتى يزيلها بالماء. وقال غيره: إذا نقضها والاول أبين لانه يبقى هناك ما يضيف الماء انتهى. وزاد الشيخ يوسف بن عمر في القول الاول حتى يغسله بالماء والطفل والمشط، لانه إذا لم يمشطه بالطفل ينضاف الماء بأول الملاقاة انتهى. قلت: وما قال الجزولي إنه الابين هو الذي ضعفه أبو الحسن وابن فرحون وغيرهما، والظاهر ما قاله أبو الحسن وابن فرحون وغيرهما، وقد تقدم في الكلام على الماء المستعمل عن القرافي أن الماء ما دام في العضو فلا خلاف أنه طهور مطلق. وبيص الطيب بريقه ولمعانه وهو بالموحدة وآخره صاد مهملة على وزن رغيف، والنضوح بالضاد المعجمة والحاء المهملة على وزن صبور ما ينضح به من الطيب أي يرش مأخوذ من النضح. التاسع: قال الشيخ يوسف بن عمر: ولا يمسح على الحائل إلا من ضرورة، وكذلك إذا جعل على رأسه الدهن لعلة به فإنه يمسح عليه للضرورة انتهى. قلت: ظاهر هذا الكلام أنه لا يمسح على الدهن لغير ضرورة، وهذا إنما يتأتى على ما

[ 302 ]
ذكره أبو الحسن عن بعض الشيوخ بأنه لا يمسح على الحناء حتى يغسله بالماء، لئلا ينضاف، وأما على القول الراجح فيجوز المسح عليه إلا أن يكثر ويتجسد على الشعر حتى يصير حائلا يمنع من المسح عليه والله تعالى أعلم. العاشر: قال ابن فرحون: وإذا مسحت على الحناء لعلة ثم أزالته وهي على وضوء مسحته لما يستقبل وهو ظاهر وحكمه كحكم الجبيرة. الحادي عشر: تقدم في كلام صاحب الطراز والقرافي وابن عرفة وابن فرحون وابن ناجي أن الملبد يجوز له المسح على الشعر الملبد ولا يكون حائلا. وقال الجزولي بعد أن ذكر الخلاف في المسح على العمامة والخمار: وانظر المحرم إذا لبد رأسه قالوا: يجوز له المسح ولا راعوا الحائل وإنما ذلك للضرورة. قاله شيخنا الشارمساحي. وقاله الشيخ يوسف ابن عمر أيضا. وقال الجزولي في باب الحج: ويجوز له أن يمسح على التلبيد في الوضوء لاجل الضرورة وإن كان فيه الاضافة، أو لانه لا يضيف الماء إضافة تؤثر وأما لغير ضرورة فلا يجوز المسح على الحائل انتهى. الثاني عشر: قال ابن فرحون: قال الشيخ أبو الحسن: وكذلك القطران الذي يجعله العواتق في رؤوسهن لانه أخف من الملبد ومع ذلك قالوا: يمسح انتهى. قلت: وهذا كله يرد ما نقله أبو الحسن عن بعض الشيوخ أن ذلك يضيف الماء. الثالث عشر: ذكر المصنف الرجل تنبيها على أنه إذا كان له شعر طويل وضفره أو عقصه فحكمه كحكم المرأة في جواز ذلك وفي جواز المسح عليه. قال في التوضيح: قال ابن يونس: وكذلك الرجل إذا فتل رأسه يجوز له أن يمسح عليه كالمرأة، وحكى البلنسي في شرح الرسالة أن الرجل لا يجوز له أن يفتل شعر رأسه. ونقله ابن فرحون وزاد: ولعل ذلك لما فيه من التشبه بالنساء انتهى. وقال ابن ناجي في شرح قول المدونة وتمسح على ما استرخى من شعرها وكذلك طويل الشعر من الرجال ظاهر قوله وكذلك طويل الشعر من الرجال وإن كان مضفورا وهو كذلك، ونقل المغربي قولا بأنه لا يمسح عليه، واستشكله لان الضفر في حقه مباح. فإن قلت: قد نص البلنسي في شرح الرسالة على أنه لا يجوز للرجال أن يضفروا رؤوسهم ولا أعرفه لغيره انتهى. ونحوه في شرحه على الرسالة. وقال الجزولي: ولو ضفر الرجل رأسه فقال عبد الوهاب: يمسح عليه. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: الرابع مسح جميع الرأس للرجل والمرأة نبه على المرأة في هذا الفرض دون سائر الفروض مع أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الوضوء بالاجماع لانها ربما لبست رأسها بشئ من الطيب، وربما ضفرته بشعر غيرها وغير ذلك من هذا المعنى، فنبه على أنها مطلوبة بمسح جميعه كالرجل. وقال

[ 303 ]
صاحب الجمع: نبه على المرأة لانهن يطلبن المسامحة فيه دون غيره، وفي كلام الشارح في الصغير إشارة إلى هذا فإنه قال: قوله رجل أو امرأة راجع إلى الماسح يعني ويستوي في ذلك أعني مسح الجميع والصدغين والمسترخي وعدم نقض الضفر الرجل والمرأة. الرابع عشر: قال في الطراز: إذا كان في الشعر صوف أو غيره مما يركب الشعر ويمنع مباشرته أو التصق بالشعر شمع ونحوه مما يمنع غسله ومسحه، فلما رأى ذلك بعد وضوئه قرضه بمقراض، هل يجزئه وضوؤه يخرج على أصل، وهو أن ما غسل من أعضاء الوضوء هل يرتفع حكم الحدث عنه ويطهر في نفسه أو لا يرتفع حتى يكمل الجميع ؟ فإن قلنا يرتفع صلى بتلك الطهارة لانها لم يبق منها فعل، وإن قلنا لا يرتفع أعاد الطهارة لانها وقعت ناقصة وتعذر تمامها. قلت: المشهور هو الثاني كما سيأتي أعني أنه لا يطهر إلا بغسل الجميع إلا أن قوله يعيد الطهارة مشكل. والظاهر أنه يغسل ذلك الموضع وقوله: تعذر إتمامها غير ظاهر لان ما بقي من الشعر إذا قرض يقوم مقامه، وإن نتف من أصله فموضعه يقوم مقامه والله تعالى أعلم. الخامس عشر: قال في المسائل الملقوطة: قال الشيخ أبوعمران الفاسي: وأرخص للعروس أيام سابعها أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب وتتميم إن كان في جسدها، لان إزالته من إضاعة المال انتهى. وهذا خلاف المعروف من المذهب والله تعالى أعلم. السادس عشر: قال في الذخيرة: حكي في تعاليق المذهب أن رجلا جاء إلى سحنون وقال: توضأت للصبح وصليت به الصبح والظهر والعصر والمغرب، ثم أحدثت وتوضأت فصليت العشاء، ثم تذكرت أنني نسيت مسح رأسي من أحد الوضوءين لا أدري أيهما هو. فقال له: امسح رأسك واعد الصلوات الخمس. فذهب وأعادها ونسي مسح رأسه فجاءه فقال له: امسح رأسك واعد العشاء وحدها، ففرق بين الجوابين، ووجه الفقه في المسألة أنه أمره أولا بإعادة الصلوات كلها لتطرق الشك للجميع والذمة معمورة بالصلوات حتى تتحقق البراءة، فلما أعادها بوضوء العشاء صارت الصلوات الاربع كل واحدة قد صليت بوضوءين الاول والثاني، وأحدهما صحيح جزما لانه إنما نسي من أحدهما، وأما العشاء فصليت وأعيدت بوضوئها، ويحتمل يأن يكون النقص فيه فتجب إعادتها بعد المسح. ولا فرق بين أن تكون الصلوات الاربع كلها بوضوء واحد. أو كل واحدة بوضوء، وهذا فرع لا يكاد يختلف العلماء فيه. وقال ابن عرفة ابن رشد: ومن صلى الخمس بوضوء واجب لكل صلاة، فذكر مسح رأسه من وضوء أحدها مسحه وأعاد الخمس، فلو أعادها ناسيا فجواب ابن رشد، بمسحه وإعادة العشاء فقط وتوهيمه من قال يعيد الخمس واضح الصواب، وعزو القرافي جواب ابن رشد عن بعض التعاليق لسحنون لم أجده والله تعالى أعلم.

[ 304 ]
فائدة: قال الجزولي: اختلف في الرأس في أربعة عشر موضعا. الاول: هل يأخذ الماء بيديه أو بيده اليمنى ؟ الثاني: هل يجدد الماء أو يجزئه المسح ببلل لحيته. الثالث: نقل الماء إليه. الرابع: إدا غسله بدلا من مسحه. الخامس: صفة مسحه. السادس: يمسح رأسه مرة أو ثلاثا. السابع: إذا حلقه. الثامن: هل البدء من مقدمه سنة أو مستحب. التاسع: هل الرد سنة أو فرض. العاشر: إذا جف الماء في أثناء مسحه. الحادي عشر: هل يمسح ما طال من الشعر أم لا. الثاني عشر: إذا مسح بعضه. الثالث عشر: هل يمسح على العمامة. الرابع عشر: هل يمسح على القفا. وزاد خامس عشر وهو هل يمسح بعض الوجه مع الرأس - قاله ابن العربي - أم لا يمسح، وتقدم الكلام على ستة مواضع من هذه الاربعة عشر وهي العاشر وما بعده ويأتي الكلام على التسعة الاول إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم ص: (ويدخلان يديهما تحته في رد المسح) ش: يعني أن الرجل والمرأة إذا كان شعرهما مضفورا أو معقوصا أو مسدولا من غير ضفر ولا عقص ومسحا عليه من مقدم الرأس إلى آخر المنسدل منه والمضفور والمعقوص، فإنهما إذا ردا أيديهما إلى المقدم يدخلان أيديهما تحته. قال في الرسالة: وتدخل يديها من تحت عقاص شعرها في رجوع يديها في المسح. قال الشيخ زروق في شرحها: لتمسح ما غاب عنها وما والى ذلك من دلائلها، وكذلك الرجل، وهل إدخال اليدين

[ 305 ]
تحت العقاص منوط بالوجوب لتمام المسح أو بالرد ؟ لم أقف على شئ في ذلك وهو مشكل فانظره انتهى. وقال في شرح القرطبية: ويدخل المعقوص شعره يديه تحته عند رده والظاهر أنه في ذلك على الوجوب انتهى. قلت: وفي مختصر الواضحة ما يدل على وجوب ذلك ونصه: وسنة وضوء المرأة كسنة وضوء الرجل سواء، غير أنها إذا مسحت رأسها بدأت من أصل شعر قصتها فتذهب بيدها على جميع قصتها وأدلتها وجميع شعر رأسها، مضفورا كان أو غير مضفور، مجموعا هان أو مسدولا، على ظهرها حتى تبلغ إلى آخره، ثم تدخل يديها من تحته فتحوله حتى ترد يديها به أو بضفائرها المرسلة إلى مقدم رأسها مرة واحدة لابدلها من ذلك، فإن كان يمكنها أن تجمعه في قبضتها جمعته، وإن كان لا يمكنها إلا أن تنتقل بيديها فعلت، وإن شاءته أخذت الماء ثانية، وإن شاءت اكتفت بالاولى إن كان بقي في يديها من بللها شئ، وكذلك تفعل ذات القرون إذا لم تستطيع أن تعم بيديها رأسها وقرونها، فإن فرطت في ذلك فلا صلاة عليها وعليها الاعادة متى علمت قبح ما صنعت انتهى. ونقله في النوادر باختصار ونقله ابن فرحون بتمامه. ص: (وغسله مجزئ) ش: يعني أن المتوضئ إذا غسل رأسه في الوضوء بدلا عن مسحه فإن غسله يجزئه عن مسحه لان الغسل مسح وزيادة، وهذا قول ابن شعبان. وقال ابن عطاء الله: هو أشهر الاقوال الثلاثة. وقيل: لا يجزيه لان حقيقة الغسل غير حقيقة المسح المأمور به فلا يجزي أحدهما عن الآخر. وقيل: يكره إعمالا لدليل الجواز مراعاة للخلاف. وهذا إن القولان حكاهما ابن سابق ولم يعزهما، وعنه نقلهما ابن شاس وشراح ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم. قال ابن عرفة: وإجزاء غسله لابن شعبان وابن سابق أباه غيره وكرهه آخرون انتهى. وقال ابن عبد السلام: إلا ظهر الكراهة. ونقل صاحب الجمع عن ابن رشد أنه قال: والقول بعدم الاجزاء أصح. والحاصل أن كل قول من الثلاثة قد رجح ولكن الاول منهما أقوى لان قائله معروف، وعليه اقتصر صاحب النوادر وصرح ابن عطاء الله بتشهيره. تنبيهات: الاول: قال القرطبي: قال ابن العربي: لا نعلم خلافا أن غسله مجزئ إلا ما

[ 306 ]
ذكره الشاسي من الشافعية عن بعض أصحابهم، ونقله عنه المواق ولم يذكره ابن عرفة ولا المصنف في توضيحه. الثاني: قول المصنف: وغسله مجئ لا يقتضي الجواز ابتداء. وقال ابن فرحون: لا يلزم من قول ابن شعبان بالاجزاء الجواز ابتداء. وقال ابن ناجي: ليس في المذهب نص بجوازه ابتداء انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وغسله ثالثها يكره. وظاهر هذا النقل أن فيه قولا بالجواز ابتداء وفي وجوده عندي نظر انخهى. قلت: وجعلهم القول بالكراهة يقتضي أنه لا كراهة فيه على القول الاول الذي مشى عليه المصنف، فإذا كان لا كراهة فيه على المشهور وليس بجائز ابتداء فالظاهر أنه يقال فيه: إنه خلاف الاولى والله تعالى أعلم. الثالث: قال ابن الحاجب: ويجزي في الغسل اتفاقا. قال في التوضيح: يعني أن المغتسل للجنابة إذا لم يمسح رأسه فغسله له في الجنابة يجزيه عن الوضوء اتفاقا لقول عائشة: وأي وضوء أعم من الغسل ؟ وقرره ابن رشد وابن هارون ولم يعترضا عليه. وقال ابن عبد السلام: لا ينبغي أن يتفق عليه فإنه اختلف أهل المذهب هل تضمحل شروط الطهارة الصغرى في الطهارة الكبرى، أو إنما يضمحل منها ما توافق فيه الطهارة الكبرى ؟ انتهى كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: ويجزئ في الغسل اتفاقا إن أراد باعتبار حدث الجنابة فحق لانه المنوي، وإن أراد باعتبار حصول فضل تقديم الوضوء فلا، لرواية علي، وابن القاسم منع تأخير غسل الرجلين انتهى والله تعالى أعلم. ص: (وغسل رجليه بكعبيه الناتئين بمفصلي الساقين) ش: هذه الفريضة الرابعة من الفرائض المجمع عليها وهي غسل الرجلين، وبوجوب غسلهما قال جماعة أهل السنة. إلا ما يحكى عن ابن جرير الطبري أنه قال بالتخيير بين المسح والغسل وبه قال داود. وقال بعض القدرية والروافض: الواجب المسح ولا يجوز الغسل، ويحكى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قال في الطراز: وهذه المذاهب كلها باطلة بالاجماع ولا يكترث بمن يخرج عن الجماعة، فالغسل واجب بالكتابة والسنة والاجماع والقياس. قال صاحب الجمع: قال ابن رشد: وأشار ابن خويز منداد إلى وجوبهما معا وهو بعيد. قلت: بل هو مخالف لاجماع من تقدمه فقد قال صاحب الطراز في الاحتجاج على

[ 307 ]
القائلين بالمسح والتخيير: وأجمعنا على أنه لا يجب الجمع بين الغسل والمسح قال: ومنشأ الخلاف اختلاف القراءتين، فعلى قراءة النصب يكون وجوب الغسل ظاهرا لانها معطوفة على الوجه واليدين ولا يضر الفصل بينهما بمسح الرأس، وأما قراءة الجر فظاهرها يقتضي وجوب المسح ولكن لا يمكن حملها عليه لانه لم يرد من فعل النبي (ص) والصحابة بعده إلا الغسل فيتعين. ويجاب عن الآية بأنها ليست معطوفة على الرؤوس وإنما هي مخفوضة على الجوار. حكي هذا القول عن سيبويه والاخفش وجماعة من الفقهاء والمفسرين، وخالفهم في ذلك المحققون، ورأوا أن الخفض على الجوار لا يحسن في المعطوف، لان حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة، ورأوا أن الحمل على ذلك حمل على شاذ ينبغي صون القرآن عنه وقالوا: الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤس فقيل: الارجل مغسولة لا ممسوحة فأجابوا بوجهين. أحدهما: أن المسح هنا هو الغسل. قال أبو علي: حكى لنا من لا يتهم أن أبا زيد قال: المسح خفيف الغسل. يقال: تمسحت للصلاة ويراد به الغسل. وخصت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليها إذا كانتا مظنة الاسراف. والثاني: أن المراد هنا هو المسح على الخفين والله تعالى أعلم. وقوله: بكعبيه الباء بمعنى مع أي مع كعبيه والمشهور دخولهما في وجوب الغسل. وروى ابن نافع لا يجب إدخالهما. وقيل: يدخلان احتياطا قاله عبد الوهاب. والخلاف في دخولهما في الغسل كالخلاف في دخول المرفقين، قاله اللخمي وغيره. قال صاحب الطراز: وفرق بعض الناس فقال بدخول الكعبين بخلاف المرفقين لان اسم الرجل لا يتناول الساق فلو لم يذكر الكعبين لم يدخلا فلا بد لذكرهما من فائدة، ثم رد هذا القول وقال ابن عرفة اللخمي: الكعبان كالمرفقين. عياض: قد يفرق بأن القطع تحت الكعبين بخلاف المرفقين ثم فسر المصنف الكعبين بقوله الناتئين بمفصلي الساقين. والناتئ المرتفع من نتأينتأ نتوأ وهو بالهمز، ويجوز إبدال الهمزة ياء لوقوعها بعد الكسرة. وهذا الذي ذكره المصنف في تفسير الكعبين هو المشهور عندنا وعند أهل اللغة. وقيل: هما الكائنان عند معقد الشراك وعزاه اللخمي لرواية ابن القاسم وعياض لرواية أحمد بن نصر. وفي مختصر ابن عبد الحكم أن مالكا أنكر هذه الرواية. قال ابن عرفة: زاد ابن رشد فقال: وقيل: هما مجتمع العروق على ظهر المقدم. وذكر ابن ناجي هذا القول عن عياض عن ظاهر كتاب الوقار ونصه: وقيل: هما المفصلان اللذان على طاهر القدم وعزاه عياض لظاهر كتاب الوقار.

[ 308 ]
قلت: وقيل: إنهما مؤخرا الرجل حكاه في الطراز قال: وينسب لمالك أيضا. ثم قال: والمشهور في المذهب هو المشهور في اللغة، ولان الكعب مانتأ وظهر وهو مأخوذ من التكعب وهو الظهور ومنه سميت الكعبة، ويقال امرأة كاعب إذا ارتفع ثديها. ولا شك أن ارتفاع اللذين في طرف الساق أظهر، ولان الارجل في قوله تعالى: * (وأرجلكم) * اسم جنس أضيف واسم الجنس إذا أضيف عم، والعام يقع الحكم فيه على كل فرد فرد، فيكون كل رجل معناه إلى الكعبين وهذا يقتضي أن يكون في كل رجل كعبان. ذكر ابن رشد أنه ظهر له هذا الاستدلال في مجلس الربعي بالاسكندرية، فما بقي في المجلس إلا من استحسن ذلك وبلغ ذلك القرافي فاستحسنه. وقال في الذخيرة: لو كان المراد ما في ظهر القدم لقال إلى الكعاب كما قال: إلى المرافق لان لكل رجل حينئذ كعبين، كما أن لكل يد مرفقا فيقابل الجمع بالجمع، فلما عدل عنه إلى التثنية حمل على أن المراد الكعبان اللذان في طرف الساق فيصير المعنى اغسلوا كل رجل إلى ساقها. تنجيهات: الاول: قال ابن فرحون: كلام ابن الحاجب وابن شاس وابن بشير والباجي وغيرهم من اللذين يحكون الخلاف في الكعبين يقتضي أن الخلاف في ذلك خلاف في منتهى الغسل، وإن في المذهب من يقول ينتهي الغسل إلى الكعب الذي عند معقد الشراك، وهذا لم يقل به أحد في المذهب ولا خارجه، ونقل ابن الفرس أن الكعبين اللذين إليهما انتهى حد الوضوء هما الناتئان في الساقين بالاجماع. ونقل الزناتي أيضا اتفاق العلماء على أنهما اللذان في جنبي الساقين، وعلى هذا فلا فائدة في ذكر الخلاف لانه على تقدير ثبوته راجع إلى اللغة، وكذا قال الزناتي: فثبت أنه لا خلاف في جوب غسل الكعب الناتئ عند معقد الشراك وما فوقه إلى الكعبين على ما نقله ابن الفرس والزناتي من الاجماع، وكلام من تقدم يؤذن بالخلاف فيه انتهى. ونقله الشيخ زروق في شرح الرسالة وقال: تأمله فإنه حسن. وقال الشارح في الكبير: وعلى القول بأنهما اللذان عند معقد الشراك فلا خلاف في دخولهما في الغسل انتهى. الثاني: قال ابن فرحون: أورد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على ابن الحاجب أنه عد غسل الرجلين في الفرائض مع أن غسلهما على التعيين ليس بفرض لجواز تركه بالمسح على الخفين، فينبغي أن يقال: الواجب أحد أمرين إما الغسل أو المسح على الخفين. قلت: وهذا ليس بظاهر لان مسح الخفين ليس بواجب وإنما هو رخصة والواجب غسل الرجلين فتأمله والله تعالى أعلم (وندب تخليل أصابعهما) يعني أن تخليل أصابع الرجلين

[ 309 ]
مستحب، وهذا القول عزاه المصنف في التوضيح لابن شعبان. وقال الشارح في الكبير والوسط: إنه المشهور. قال: وهو مقتضى قول الرسالة والتخليل أطيب للنفس. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: إنه المشهور وهو مقتضى قول الرسالة والتخليل أطيب للنفس. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: إنه المشهور وعزاه ابن عرفة لابن حبيب. قال: وللباجي وابن رشد عن ابن وهب كابن الحاجب قال: وفي أول سماع ابن القاسم مثله وفي أثنائه إنكاره. قلت: يشير بالاول لقوله في رسم اغتسل ونصه: وسئل مالك عمن توضأ ولم يخلل أصابع رجليه قال: يجزئ عنه. قال ابن رشد: ظاهر هذه الرواية أن تخليلهما حسن، وكذلك قال ابن حبيب: إنه مرغب فيه. وفي رسم نذر سنة بعد هذا إنه لا يخلل. ونحوه روى ابن وهب عن مالك في المجموعة قال: ولا خير في الجفاء والغلو انتهى. ونص ما في رسم نذر سنة قال في اللحية: يحرك ظاهرها من غير أن يدخل يده فيها وهو مثل أصابع الرجل واليد لا تخلل، وهذا هو الثاني وهو القول بالانكار الذي أشار إليه ابن عرفة بقوله: وفي أثنائه إنكاره عزا في التوضيح القول بالانكار لرواية أشهب فقط، وقد تقدم أنه في سماع ابن القاسم. وقيل: بوجوب التخليل. قال في التوضيح: رجح اللخمي وابن بزيزة وابن عبد السلام الوجوب في تخليل أصابع اليدين والرجلين لما روي أنه (ص) كان يخلل أصابع رجليه بخنصره، وذكر ابن وهب أنه سمع مالكا ينكر التخليل قال: فأخبرته بالحديث فرجع إليه انتهى. يعني الحديث المتقدم، وهكذا ذكره في مختصر الواضحة عن ابن لهيعة. وروى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي (ص): إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك وقال: حديث حسن غريب. ثم قال في التوضيح: وإنما في أصابع الرجلين قول بالانكار ولم يأت في اليدين لالتصاق أصابع الرجلين فأشبه ما بينهما الباطن انتهى. قلت: وقد تقدم حكاية القول بالانكار في أصابع اليدين أيضا لكن الفرق المذكور يصح أن يفرق به للمشهور حيث كان في اليدين الوجوب وفي الرجلين الاستحباب، وهكذا ذكره ابن ناجي فإنه ذكر أن ابن حبيب يوافق المشهور في وجوب تخليل أصابع اليدين واستحباب تخليل أصابع الرجلين، وذكر فرقين آخرين: أحدهما أن اليدين فرضهما الغسل بلا خلاف، واختلف العلماء في الرجلين هل فرضهما الغسل أو المسح كما تقدم، والثاني أن الرجلين يسقط غسلهما بالمسح على الخفين ويسقطان في التيمم بخلاف اليدين، وذكر عن شيخه الشبيبي إنه كان يفتي إلى أن مات بتخليل ما بين إبهام الرجل والذي يليه فقط الانفراج ما بينهما، وعزا للرسالة الاباحة. قال: فتحصل في ذلك خمسة أقوال، يريد بفتوى شيخه وبما عزاه للرسالة. واقتصر المصنف على القول بالاستحباب لانه ظاهر ما في سماع ابن القاسم عن مالك وهو ظاهر الرسالة وقال به من تقدم ذكره بل نقل بعضهم عن ابن الفخار أنه صرح بأنه المشهور كما صرح بذلك الشارح والشيخ زروق، فكان الجاري على قاعدته أن يذكر فيه خلافا لانه قد

[ 310 ]
تقدم عنه أن القول بالوجوب رجحه اللخمي وبان بزيزة وابن عبد السلام، وقال القرطبي في تفسيره: هو الصحيح. تنبيهات: الاول: قال في الذخيرة قال بعض العلماء: يبدأ بتخليل خنصذ اليمنى لانه يمنى أصابعها، ويختم بإبهامها، ويبدأ بإبهام اليسرى، لانه يمنى أصابعها، ويختم بخنصرها، ونقله عنه ابن عرفة وغيره كما ذكرنا، وتقدم عن الجزولي أنه يخلل أصابع الرجلين من أسفل بخلاف أصابع اليدين فإنه يخللهما من ظاهرهما. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وإن شاء خلل أصابعه يعني بأن يدخل أصابع يديه في خلال أصابعهما مع الماء قالوا: والمستحب في ذلك أن يخللهما من أسفلهما. وكذلك ورد في حديث رواه الترمذي ويعبرون عنه بالنحر، وعن تخليل اليدين بالذبح، ويبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى انتهى. وتقدم في الحديث الذي في التوضيح أنه (ص) كان يخلل أصابع رجليه بخنصره، وذكر في مختصر الواضحة حديثا آخر أنه كان يخلل بالمسبحة وهو أمكن والله تعالى أعلم. الثاني: لم يذكر المصنف حكم تخليل أصابع اليدين والرجلى في الغسل، فأما أصابع اليدين فيؤخذ من كلامه أن تخليلهما واجب لانه إذا وجب في الوضوء فأحرى أن يجب في الغسل، وأما أصابع الرجلين فيحتمل أن يقال: إن حكمهما في الغسل كحكمهما في الوضوء، وبذلك صرح الشيخ زروق في شرح الرسالة فقال في باب الغسل من الجنابة: وفي تخليل أصابعهما ما في الوضوء، وتقدم أن المشهور الندب. وقال المواق ابن حبيب: هو مرغب فيه، وأما في الغسل فواجب انتهى. ونقل بعضهم عن ابن الفخار أنه قال في شرح الرسالة: والمشهور وجوب تخليل أصابع الرجلين في الغسل واستحبابه في الوضوء انتهى مختصرا. وتقدم أن القول بوجوب التخليل رجحه جماعة فتعين العمل به خصوصا في الغسل والله تعالى أعلم. الثالث: إذا قلنا لا يجب تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ولا في الغسل فلا بد من إيصال الماء لا بين الاصابع. قاله في مختصر الواضحة والله تعالى أعلم. ص: (ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه) ش: الظفر بضم الظاء المعجمة المشالة وضم الفاء على اللغة الفصحى، وبها جاء القرآن، وفيه لغة ثانية بكسر الظاء وإسكان الفاء وفيه لغة ثالثة بضم الظاء وسكون الفاء،

[ 311 ]
وفيه لغة رابعة وهي الظفور على وزن عصفور. وقوله: قلم مقتضى كلام الصحاح أنه مع الظفر الواحد بتخفيف اللام. قال فيها: قلمت ظفري وقلمت أظفاري يشدد للكثرة انتهى. وقال الفاكهاني في باب ما يفعل بالمحتضر قال في الصحاح: يقال قلمت ظفري يريد بالتخفيف. قال في المحكم: قلم ظفره يقلمه قلما وقلمه. فظاهر كلام صاحب المحكم أنه يقال بالتخفيف والتشديد مع الظفر الواحد، والمعنى أن من توضأ ثم قلم أظفاره بعد الوضوء أو حلق شعر رأسه فإنه لا يعيد غسل موضع الاظفار ولا يعيد مسح رأسه، وقاله مالك في المدونة ونصها على اختصار صاحب الطراز. قال مالك فيمن توضأ ثم حلق رأسه: إنه ليس عليه أن يمسحه ثانية، وكذلك قال فيمن قلم أظفاره بعد ما توضأ، قال ابن القاسم بعد كلام مالك: وبلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال: هذا من لحن الفقه، واختلف الشيوخ في مراده. ونحوه لابن يونس وغيره من المختصرين. وأسقط البراذعي في اختصاره تقليم الاظافر. واختلف الشيوخ في مراده فإن اللحن - بفتح الحاء المهملة - معناه الصواب وأصله الفطنة وبسكونها معناه الخطأ. ونقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنه قد يطلق بالسكون على الصواب، وهذا يفهم من قول صاحب الطراز إن اللحن من الاضداد يطلق على الصواب وعلى الخطأ فإن اللفظ إنما يكون من الاضداد إذا كان يطلق على المعنيين المتضادين بلفظ واحد فتأمله، وقال عبد الحق: قول ابن أبي سلمة هذا من لحن الفقه فيه تأويلان: فقيل: يعني من صواب الفقه. وقيل: يعني من خطأ الفقه. قال صاحب الطراز: وإذا قيل المراد من صواب الفقه، يحتمل أن تكون الاشارة إلى جواب مالك أو إلى الفعل أي إنه صواب ممن فعله يعني إعادة المسح وغسل الاظفار، وكذلك إذا قيل المراد من خطأ الفقه غير أن الاشبه بعلم الرجل أنه عاب فعل ذلك انتهى، ونحوه لابن بشير. وكذا قال في النكت: إنه إن أريد به الصواب فهو إشارة إلى قولنا إنه لا يعيد، وإن أريد به الخطأ فهو إشارة إلى قول من قال عليه الاعادة، وهذا كله بناء على أن عبد العزيز بن أبي مسلمة موافق لمالك وهو الذي يفهم من كلام صاحب الطراز فإنه قال بعد كلام مالك: هذا قول أهل العلم لا نعلم فيه مخالفا إلا ابن جرير الطبري. والذي تأوله عليه القاضي عبد الوهاب في إشراقه أنه مخالف لمالك. وقال في التنبيهات: رويناه بسكون الحاء وكتبت من أصل الشيخ قال سحنون: معناه من خطأ الفقه وهذا هو الصواب لا غير، ولا يلتفت إلى ما أشار إليه من قال يريد بالخطأ قول من خالفنا، ولا إلى قول من قال صواب الفقه يعني قولنا، لان عبد العزيز يوافقنا في المسألة ويرى على من حلق رأسه الوضوء وهو قول غيره أيضا، والجمهور من أئمة الفقه على خلافه انتهى. وقال ابن الحاجب: الظاهر أنه أراد الصواب فتفتح الحاء. قال المصنف في التوضيح: بل الظاهر ما " قاله سحنون وصوبه عياض أن مراده الخطأ فتسكن الحاء لانه إذا كان مذهبه الاعادة فلا يصوب غير مذهبه.

[ 312 ]
قلت: تقدم أنه يصح تصويب مذهبه على كلا الضبطين لانه إن كان بالفتح فهو إشارة إلى الفعل، وإن كان بالسكون فهو إشارة إلى جواب مالك، غير أن السكون يترجح بقول القاضي عياض رويناه والله تعالى أعلم. تنبيه: ظاهر قوله في التنبيهات: يعيد الوضوء أن وضوءه انتقض. قال ابن ناجي: ومثله نقل ابن يونس عنه بلفظ انتقض وضوؤه كنزع الخف ونقله اللخمي عنه واختاره أنه يمسح رأسه لا أنه انتقض وضوؤه بنفس الازالة. قلت: فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، وكذا يحكي ابن عرفة في المسألة ثلاثة أقوال فقال: ولو حلقه ففي إعادة مسحه ثالثها يبتدئ الوضوء، وعن الاول منها وهو إعادة مسحه فقط لنقل اللخمي عن عبد العزيز بن أبي سلمة واختيار اللخمي، والثاني وهو عدم إعادة مسحه للمذهب، والثالث وهو إعادة الوضوء لنقل عياض عن عبد العزيز. ونقل ابن يونس عنه أيضا أنه انتقض وضوؤه كنزع الخف. وظاهر كلام ابن عرفة وابن ناجي أن الوضوء يبطل في القول الثالث، ولو أعاد غسل موضع الاظفار ومسح الرأس بالقرب وهو بعيد إلا على قول من قال: إن الوضوء يبطل بنزع الخف وإن غسل ما تحته بالقرب وهو ضعيف. ولم أر من قال: إن عبد العزيز يقول بذلك، ولعل مراد ابن يونس وعياض بما نقلاه عنه أنه ينتقض وضوؤه مع الطول والله تعالى أعلم. واختيار اللخمي الذي أشار إليه ابن عرفة وهو قوله بعد مسألة من قطعت يده أو بضعة منه الآتية، وكذلك من كانت له وفرة فحلقها قبل أن يصلي فإنه يعيد المسح انتهى. والمذهب أنه لا إعادة عليه، ووجه المذهب أن الفرض قد سقط بمسح الرأس فلا يعود بزوال شئ منه كما إذا مسح وجهه في التيمم أو غسله في الوضوء ثم قطع أنفه، ولان الصحابة ومن بعدهم كانوا يحلقون بمنى ثم ينزلون إلى طواف الافاضة، ولم ينقل عنهم أن أحدا منهم أعاد مسح رأسه إذا حلقه لطهارة الوضوء، ولانه لا يعيده لطهارة الجنابة وهي كانت أولى، لان منابت الشعر لم تغسل وهي من البشرة المأمور بغسلها. فإن قيل: فما الفرق على المذهب بين هذه المسألة وبين مسألة نزع الخف وسقوط الجبيرة ؟ والجواب أن مسح الشعر أصل في الوضوء كما تقدم، وكذلك غسل الاظفار بخلاف مسح الخف فإنه بدل فسقط اعتباره عند ظهور الاصل والله تعالى أعلم. تنبيهان: الاول: ظاهر كلام صاحب الطراز، أن من حلق رأسه أو قلم ظفره بعد غسل الجنابة لم يعد غسل ذلك اتفاقا فإنه ذكر ذلك في معرض الاحتجاج به على المخالف، وإنما يصح الاحتجاج بما هو متفق عليه. الثاني: عبد العزيز بن أبي مسلمة من أصحاب مالك. قال ابن فرحون: وليس هو كما

[ 313 ]
قال ابن عبد السلام ممن هو خارج المذهب والله تعالى أعلم. ص: (وفي لحيته قولان) ش: يعني أن من حلق لحيته بعد و) وئه ففي غسل محلها قولان. قال في التوضيح قال ابن القصار: ولا يغسل محلها. وقال الشارفي: يغسله انتهى. وعزا ابن ناجي في شرح المدونة عند الكلام على هذه المسألة. الثاني لابن بطال وعزاه في الكلام على الجبيرة لابن الطلاع. قال: وبه فتوى الشيوخ قياسا على الخفين. والفرق بينهما وبين الرأس أن شعره أصلي بخلاف شعرها، واقتصر ابن فرحون على الاول. وقال الجزولي في شرح الرسالة في الكلام على قص الشارب: إنه المشهور ونصه ومن حلق شاربه بعدما توضأ هل يعيد غسله قولان: المشهور لا، وكذلك اللحية والرأس والاظفار باب واحد وذكر القولين في موضع آخر من غير ترجيح. قلت: والظاهر الاول. تنبيهات: الاول: وانظر إذا نبت للمرأة لحية وحلقتها هل حكمها كحكم الرجل أو يتفق على عدم غسل ما تحتها للخلاف في جواز حلقها إياها ؟ لم أقف فيها على نص وظاهر نصوصهم الاطلاق والله تعالى أعلم. الثاني: وانظر إذا حلقها بعد غسل الجنابة هل يتفق على عدم غسلها كما تقدم في الرأس أم لا ؟ لم أر فيه نصا والارجح في ذلك كله عدم الاعادة كما يفهم من كلام صاحب الطراز في مسألة من قطعت منه بضعة الآتية والله تعالى أعلم. الثالث: لا فرق بين أن يحلق لحيته بنفسه أو يحلقها الغير أو تسقط، فالخلاف في ذلك كله. وقد فرض المسألة في التوضيح وغيره فيمن حلق لحيته وفرضها الاقفهسي فيمن حلقت لحيته فقال: لو حلقت لحيته والعياذ بالله تعالى من المقتضى لذلك، وفرضها ابن ناجي في الكلام على الجبيرة فيمن سقطت لحيته، ولا فرق بين أن تحلق كلها أو بعضها أو شاربه، قاله الشيخ زروق في شرح الوغليسية قال: ومنه تحذيف المغاربة لما حوالي العارضين والشارب. وحكى الجزولي القولين فيمن حلق شاربه أو لحيته. الرابع: وحلق اللحية لا يجوز وكذلك الشارب، وهو مثلة وبدعة ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الاحرام بالحج ويخشى طول شارجه، قال ابن يونس في جامعه قال مالك فيمن أحفى شاربه: يوجع ضربا وهو بدعة، وإنما الاحفاء المذكور في الحج إذا أراد أن يحرم فأحفى شاربه خشية أن يطول في زمن الاحرام ويؤذيه، وقد رخص له فيه، وكذلك إذا دعت ضرورة إلى حلقه أو حلق اللحية لمداواة ما تحتها من جرح أو دمل أو نحو ذلك والله تعالى أعلم.

[ 314 ]
الخامس: وهذا في حق الرجل، وأما المرأة فذكر الاقفهسي في شرح قول الرسالة في باب الفطرة عن الطبري أن المرأة إذا خلق لها لحية أو شارب لا يجوز لها أن تحلق ذلك لانه تغير لخلق الله، ثم قال في شرح قول الرسالة: ولا بأس بحلاق غيرها من شعر الجسد ما نصه منهم من جعل حلاق شعر الجسد سنة. وقال عبد الوهاب: إنه مباح. الجزولي: وهذا للرجال، وأما النساء فحلق ذلك منهن واجب لان في تركه مثله انتهى. فيفهم من هذا أن ما ذكره عن الطبري ليس جاريا على المذهب لانه إذا وجب على المرأة حلق شعر جسدها للمثلة فمثلة اللحية والشارب أشد فتأمله، وذكر بعضهم عن الزناتي نحو ما ذكرناه عن الطبري، ولعل الزناتي تبع في ذلك الطبري أو حكاه عنه فظن الناقل أنه حكاه عن المذهب. والظاهر والله تعالى أعلم جواز حلق المرأة ما نبت لها من لحية أو شارب والله تعالى أعلم. السادس: من توضأ ثم قطعت يده أو بضعة لحم من أعضاء وضوئه أو قشر منها جلدة أو قشرة لم يجب عليه غسل موضع القطع ولا ما ظهر من تحت الجلد، قاله غير واحد من أهل المذهب، وقال اللخمي: لو قطعت يده أو بضعة من مواضع الوضوء بعد أن توضأ لغسل ما ظهر بعد ذلك أو مسحه إن كان له عذر في غسله انتهى. ورد عليه ذلك صاحب الطراز فقال: وهذا فاسد فإن القاضي عبد الوهاب احتج في مسألة حلق الرأس بزوال بعض الاعضاء بعد الوضوء، ولا يصلح الاحتجاج إلا بمتفق عليه ولا يعرف عن أحد أنه إذا غسل العضو ثم ظهر شئ من باطنه وجب غسله في تلك الطهارة، ونحن نقطع بأن الصحابة كانت تلحقهم الجراح ويصلون بحالهم ولا يعرف أن أحدا طهر جرحه لمكان وضوئه أو غسله، وفي صحيح البخاري أنه رمي رجل بسهم في الصلاة فنزفه الدم فمضى في صلاته انتهى. ونقله في الذخيرة وقبله وذكر المصنف في التوضيح كلام اللخمي ولم يعزه له بل ذكره بلفظ: قيل: وأما من قطعت منه بضعة لحم بعد الوضوء فإنه يغسل موضع القطع أو يمسحه إن تعذر غسله. ورده سند بأن الصحابة كانوا يجرحون ثم يصلون بلا إعادة انتهى. فكأنه لم يرتض كلام اللخمي. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة في مسألة حلق الشعر وتقليم الاظفار: فإيجاب اللخمي عمن قطعت يده أو بضعة منها غسل ما ظهر أو مسحه إن شق حلاقها. وخطأ الطراز يخرجه على مسح الرأس انتهى. وتبعه ابن ناجي فقال: وأوجب اللخمي على من قطعت يده أو بضعة منها غسل ما ظهر أو مسحه إن شق. قيل: وهو خلاف المدونة. ثم ذكر رد صاحب الطراز عليه ثم قال: وعزا شيخنا البرزلي ما نسب للمدونة لابن عمران الفاسي انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذلك تقليم الاظفار لا يغسل موضعها. قال أبو الحسن الصغير: وكذلك الشارب والبضعة والشوكة إذا قطع عنها واللحية إذا حلقت. ثم ذكر كلام اللخمي المتقدم ورد صابب الطراز عليه ثم قال: قال الشيخ تقي الدين: ومثله الجلد إذا كشط. قال ابو الحسن: وهذا من التعمق والغلو. وقال في ألغازه فيمن توضأ ثم قشر قشرة.

[ 315 ]
فإن قلت: رجل صلى بلمعة في أعضاء وضوئه لم يصبها الماء وهو صحيح الجسد ولا إعادة عليه على المشهور. قلت: هذا فيمن توضأ ثم قشر قشرة من يده بعد الوضوء، أو قطعت يده بعد الوضوء، فلا يلزمه غسل موضع القطع ولا موضع القشر على المشهور، وذكره أبو الحسن الطينبي في طرازه على التهذيب، وذكره أبو علي بن قداح في القشرة انتهى. وذكر البرزلي في مسائل الطهارة عن ابن قداح فيمن اغتسل ثم قشر جلدة من بثرة أو جرب أنه لا شئ عليه. قال البرزلي: وتقدم للخمي خلافه انتهى. قلت: فتحصل من هذا أن من توضأ أو اغتسل ثم قشر قشرة من جلده أو جرح أو بثرة أو قطع قطعة لحم من أعضاء وضوئه أو غسله أو قطعت يده أو نحو ذلك لم يلزمه غسل ما ظهر من ذلك، ولا غسل موضع القطع ولا موضع القشرة خلافا للخمي والله تعالى أعلم. السابع: قال ابن ناجي في شرح هذه المسألة من المدونة: وأما ما ينبت بإزاء الظفر الذي يسمى بالسيف فلا يجب غسله محله إذا زال، بذلك أفتى شيخنا الشبيبي وقال للسائل بهذا. قال صاحب هذه الدار: يعني ابن أبي زيد: إذا سئل عن ذلك عند دار الشيخ المذكور المدفون بها نفعنا الله ببركاته. وقول اللخمي لا يجيز في هذه لندور مسألته وكثرة وقوع مسألتنا والله تعالى أعلم. (والدلك) لما فرغ رحمه الله من الفرائض الاربعة المذكورة في الآية المجمع عليها أتبع ذلك بالكلام على الفرائض المختلف فيها، وبدأ منها بالدلك لانه قد قيل إنه داخل في حقيقة الغسل وهذا لم يعده ابن الحاجب فريضة مستقلة بل ذكره مع غسل الوجه، وما فعله المصنف أحسن لانه يفهم منه أن الدلك فرض في مغسول الوضوء جميعه، والوجه واليدين والرجلين، بخلاف كلام ابن الحاجب، وهذه هي الفريضة الخامسة من الوضوء وقد اختلف في الدلك هل هو واجب أو لا، على ثلاثة أقوال المشهور الوجوب وهو قول مالك في المدونة بناء على أنه شرط في حصول مسمى الغسل. قال ابن يونس: لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: وادلكي جسدك بيدك. والامر على الوجوب، لان علته إيصال الماء إلى جسده على وجه يسمى غسلا، وقد فرق أهل اللغة بين الغسل والانغماس. والثاني نفي وجوبه لابن عبد الحكم بناء على صدق اسم الغسل بدونه، والثالث أنه واجب لا لنفسه بل لتحقق إيصال الماء، فمن تحقق إيصال الماء لطول مكث أجزأه. وعزاه اللخمي لابي الفرج، وذكر ابن ناجي أن ابن رشد عزاه له، وعزا ابن عرفة القول الثاني لابي الفرج وابن عبد الحكم. قال في التوضيح: ورأى بعضهم أن هذا راجع إلى القول بسقوط الدلك والخلاف في الغسل كالخلاف في الوضوء. قال ابن عرفة: وظاهر كلام أبي عمر بن عبد البر أن الخلاف في الغسل فقط دون

[ 316 ]
الوضوء أي فيجب فيه بلا خلاف. قال ابن ناجي: وحكى المسناوي قولا بأنه سنة ولا أعرفه فيتحصل في ذلك أربعة أقوال. قلت: بل خمسة، والخامس التفرقة بين الوضوء والغسل وإنكار القول بالسنية عجيب فقد قال ابن يونس: قال ابن القصار: والتدلك في غسل الجنابة واجب عند مالك. وقال أبو الفرج المالكي وغيره: مستحب. وبالاول أقول، وابن القصار من العراقيين وهم يطلقون المستحب على السنة ذكره في التوضيح في الموالاة فتأمله والله تعالى أعلم. وقال أبو الحسن الصغير: حكى ابن بطال الاتفاق على الوضوء أنه لا بد فيه من التدلك بخلاف الغسل. الشيخ: الفرق بينهما أن آية الوضوء فيها * (فاغسلوا) * وآية الغسل فيها * (فاطهروا) * وأحاديث الوضوء كلها تدل على التدلك، وأحاديث الغسل إنما فيها أفاض الماء واغتسل. وقال الحسن: إن ظاهر كلام ابن يونس وابن رشد وابن بشير أن الخلاف في الغسل فقط، ويتعلق به أربعة فروع: حقيقة الدلك، ومقارنته للماء، والاستنابة فيه، ونقل الماء إلى العضو. فرع: فأما حقيقة الدلك في الوضوء والغسل فهي إمرار اليد على العضو. قال في المدونة: وإذا انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزه حتى يمر بيديه على جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضع الوضوء انتهى. وقال اللخمي في باب الغسل: وعلى المغتسل والمتوضئ أن يمر إليد مع الماء في حين غسله ووضوئه، فإن انغمس في الماء في حين غسله أو صب الماء على مواضع الوضوء أو غسلها في الماء ولم يمر اليد مع ذلك لم يجزه الغسل ولا الوضوء عند مالك. ثم ذكر قول أبي الفرج أنه واجب لا لنفسه كما تقدم. وقال سيد الشيخ زروق في شرح قول الرسالة في غسل الوجه: فيفرغه عليه غاسلا له بيديه بمعنى أنه يدلكه بهما مع الماء أو أثره متصلا به دلكا وسطا إذ لا يلزمه إزالة الوسخ الخفي بل ما ظهر وحال بين مباشرة الماء للعضو. وقال في شرح الارشاد: ولا يلزم إزالة الوسخ إلا أن يكون متجسدا. وقال ابن شعبان في الزاهي: والغسل إمرار اليد على الوجه لا إرسال الماء فقط، وليس عليه أن يدلك وجهه وإن طافه وخف إمرار اليد يجزي إذا كان يقع عليه اسم الغسل، وما أنقى من بشرته فهو أفضل له إذا كان لا وقاية للوجه مما يوقي به سائر الجسد انتهى. فرع: وأما مقارنة الدلك لصب الماء فلا شك أنه الاكمل. واختلف في اشتراط ذلك فقيل: يشترط كونه مقارنا لصب الماء ولا يكفي إذا كان عقب الصب، قال ابن فرحون في الكلام على غسل الوجه في شرح قول ابن الحاجب: الثانية غسل الوجه بنقل الماء إليه مع الدلك. قوله: مع الدلك يحتمل أن ينقل الماء إليه فيقتضي أن الدلك يشترط فيه أن يكون مقارنا لصب الماء، ولا يكفي إذا كان بأثر الصب، وهذا مذهب القابسي خلاف ما ذهب إليه ابن أبي زيد أنه يكفي كونه عقب صب الماء وهو الصحيح للزوم الحرج والمشقة بذلك انتهى.

[ 317 ]
وأصله لابن هارون كما نقله عنه صاحب الجمع. وقال ابن الحاجب في باب الغسل: إنه الاصح. فقال: ولو تدلك عقيب الانغماس أو الصب أجزأه على الاصح، وسيقول المصنف في باب الغسل: ودلك ولو بعد الماء. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب الغسل: الدلك إمرار اليد أو ما يقوم مقامها مع الماء، وفي اشتراط مقارنته لصب الماء قولان: أظهرهما عدم اشتراط المقارنة لان اشتراطها يؤدي إلى مشقة، ولان الماء إذا صب على الجسد يبقى زمانا، فإذا تدلك عقب الصب والماء يسيل على جسده كان كمن تدلك على صب الماء. وقال سيدي الشيخزروق في شرح قول الرسالة: ويعركها بيده اليسرى. والعرك الدلك وينبغي أن يكون متصلا بالافاضة في كل مغسول لانه أبرأ من الخلاف وإن كان المشهور جواز التعقب مع الاتصال. وقال في شرح الارشاد: الفرض السابع من فرائض الوضوء الدلك، وحقيقته إمرار اليد مع الماء على قول ابن القاسم وعلى أثره على قول ابن أبي زيد وهو المشهور، وسيأتي كلام ابن يونس وترجيحه لقول ابن أبي زيد في باب الغسل، وذكر ابن عرفة في الكلام على غسل الوجه عن الباجي نحو قول القابسي ونصه: شرط إمرار اليد على العضو قبل ذهاب الماء عنه لانه بعده مسح. ابن عرفة: يأتي في الغسل فيه خلاف انتهى. وظاهر كلامه أن الخلاف إنما هو في الغسل، وقد حكى ابن هارون وصاحب الجمع وابن فرحون وغيرهم الخلاف هنا كالخلاف هناك والله تعالى أعلم. فرع: وأما الاستنابة في الدلك فإن كانت من ضرورة جازت من غير خلاف وينوي المغسول لا الغاسل، وإن كانت لغير ضرورة فلا يجوز من غير خلاف. واختلف إذا وقع ونزل هل يجزيه أو لا قولان. قال الجزولي في شرح الرسالة عند قوله: غاسلا له لا خلاف في النيابة على صب الماء أنها جائزة، ويؤخذ جوازها من حديث المغيرة إذ كان يصب الماء على النبي (ص)، وأما على الفعل فإن كان لضرورة فيجوز من غير خلاف وينوي المفعول لا الفاعل وإن كان لغير ضرورة فلا يجوز من غير خلاف. واختلف إذا وقع ونزل هل يجزيه أم لا ؟ قولان. ولو وكل جماعة على أن يغسل كل واحد عضوا على القول بالجواز فقولان: من قال الترتيب فرض لا يجزيه ونحوه للشيخ يوسف بن عمر وذكره أيضا في باب الغسل وشهر الاجزاء، ولفظ الشيخ يوسف بن عمر: فإن وكل غيره لغير ضرورة فقيل يجزيه، وقيل لا يجزيه، والمشهور أنه فعل حراما ويجزيه انتهى. وكلام ابن شعبان الآتي يدل على الاجزاء، وكذلك كلام ابن رشد يدل على أن المذهب الاجزاء فإنه قال في رسم النذور والجائز من سماع أشهب من كتاب الوضوء: سئل مالك عن غسل الجواري رجلي عبد الله بن عمر للصلاة قال: نعم في رأي قيل له: ألا تخاف أن يكون ذلك من اللمس ؟ قال: لا لعمري وما كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يفعل ذلك إلا من شغل أو عذر يجده. قال ابن رشد: في حديث ابن عمر دليل على قول مالك إنه إذا لم يكن القصد في لمس أحد الزوجين صاحبه الالتذاذ فلا وضوء عليه إلا أن يلتذ فلو التذ ابن عمر لما صلى بذلك الوضوء. وحكى الطحاوي

[ 318 ]
عن طائفة من أهل العلم أن الافضل أن يلي المغتسل أو المتوضئ أو المتيمم ذلك بنفسه لنفسه، فإن ولي ذلك غيره أجزأه. وحكى عن طائفة منهم أن ذلك لا يجزيه قال: ومنهم مالك بن أنس. والذي يظهر من مذهبه وقوله في هذه المسألة خلاف ذلك إلا أن يفعله استنكافا عن عبادة الله تعالى واستكبارا عنها وتهاونا انتهى. وله نحو ذلك في سماع محمد بن خالد ونصه: سألت ابن القاسم عمن توضأ على نهر، فلما فرغ خضخض رجليه في الماء فقال: سألت مالكا عن ذلك فقال: يغسلهما ولا يجزيه. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: إن فعله فعليه الاعادة ؟ قال: نعم. قلت له: فإن غسل إحداهما بالاخرى. قال: لا يقدر على ذلك. فقلت: بلى. قال: إن كان يقدر على ذلك فذلك يجزيه. ابن رشد: وهذا كما قال لان الغسل في اللغة لا يفعل إلا بصب الماء وإمرار اليد أو ما يقوم مقام ذلك من دلك إحدى رجليه بالاخرى في داخل الماء إن كان يستطيع ذلك. وقد روي عن محمد بن خالد أنه قال: لا يجزيه حتى يغسلهما بيديه، فيحتمل أنه رأى أن دلك إحداهما بالاخرى لا يمكنه، أو لعله فعله استخفافا من فاعله وتهاونا إذا فعله من غير ضرورة انتهى. وسيأتي كلامه في سماع موسى بن معاوية في الفعع الذي بعد هذا، وأما الاستنابة على صب الماء فتجوز بلا خلاف، قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمرو، قال ابن فرحون في الالغاز: فإن قلت: هل تجوز النيابة في الوضوء ؟ قلت: أما في صب الماء على العضو فتجوز، وأما في الدلك فلا تجوز إلا أن يكون المستنيب مريضا. قاله ابن العربي في أحكامه في أول سورة الكهف. وقال ابن شعبان في الزاهي: من كانت بيده علة تمنعه من غسل وجهه ولي غيره منه مثل الذي كان يلي من نفسه وأجزأ ذلك الغسل عن مراده ونيته بحسب ما نواه وأراده، وغير نافع له ما ينويه المأمور من وفاقه أو خلافه، وكذلك لو احتاج إلى أن يلي منه ما كان من جميع أعضائه المفترض عليه فيها الغسل والمسح كان كما وصفنا. وقال ابن شعبان أيضا في مسألة من أكره على الوضوء: ولو ولي ذلك يعني غسل أعضائه منه بغير أمره مكرها له على ذلك ما أجزأه، ولو نوى الطهارة عند فعل الفاعل إذا كان لا يقدر على دفعه إن كان يقدر على دفعه وأحدث نية الطهارة عند ابتداء الفاعل تم له ذلك، وأما إن نوى الطهارة بعد أن غسلت بعض أعضاء وضوئه أمر بإعادة الطهارة وإن كان قد صلى بذلك أعاد، لانه لم يغسل بعض ما افترض عليه، وإن كان إنما صلى بعد أن أعاد ذلك العضو وحده أجزأته صلاته لانه كالمنكس. هذا إذا أعاد غسله بالقرب وإلا كان مفرقا للطهارة عمدا فلا يجزيه انتهى بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. قلت: وقد تجب الاستنابة كما تقدم في الاقطع وكما سيأتي في باب الغسل وفي آداب قضاء الحاجة. فرع: وأما نقل الماء إلى العضو فإن أريد به إيصال الماء إلى العضو فالمذهب وجوبه، فلو أرسل الماء من يديه ثم مر بهما على وجهه أو غيره من الاعضاء لم يجزه. قال ابن رشد: اتفاقا

[ 319 ]
لانه مسح وليس بغسل. ونقله في التوضيح. وإن أريد بالنقل حمل الماء باليد إلى العضو، فالمشهور من المذهب أنه لا يجب، فلو أصاب المطر أعضاء وضوئه أو جسده أو خاص برجليه في الماء أو توضأ في الماء وتدلك في ذلك كله أجزأه على المشهور، كما أن الجنب إذا انغمس في نهر وتدلك فإنه يجزئه اتفاقا، وكذلك إذا نصب يديه للمطر حتى حصل فيهما من الماء ما يغسل به وجهه أو غيره من الاعضاء أجزأه بلا خلاف. قال في التوضيح: الصور ثلاث: منها ما اتفق على عدم النقل وهي مسألة النهر كما ذكر ابن رشد يشير إلى قول ابن رشد في شرح أو مسألة من نوازل سحنون من كتاب الوضوء، وقد أجمعوا على أن الجنب إذا انغمس في النهر وتدلك فيه للغسل أن ذلك يجزئه وإن لم ينقل الماء بيده إليه ولاصبه عليه. ثم قال في التوضيح: ومنها ما اختلف فيه وهي مسألة سحنون ويشير إلى قوله في المسألة المذكورة. قلت لسحنون: أرأيت الرجل يكون في السر ولا يجد الماء فيصيبه المطر، هل يجوز له أن ينصب يديه للمطر ويتوضأ ؟ قال: نعم. قلت: فإن كان جنبا، هل يتجرد ويتطهر بالمطر ؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يكن غزيرا ؟ قال: إذا وقع عليه ما يبل جلده فعليه أن يتجرد ويتطهر. ابن رشد: أما إذا نصب يده للمطر فحصل فيها من المط ما يكون بنقله إلى وجهه وسائر أعضائه غاسلا له ومن بلته ما يمسح به رأسه فلا اختلاف في صحة وضوئه. وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجوز له أن يمسح بيديه على رأسه بما أصابه من الرأس فقط، وكذلك على مذهبه لا يجوز له أن يغسل ذراعيه ورجليه بما أصابهما من المطر دون أن ينقل إليهما الماء بيديه من المطر، وحكاه عنه ابن الماجشون وهو دليل قول سحنون في هذه الرواية، وذلك كله جائز على مذهب ابن القاسم رواه عنه عيسى فيما حكى الفضل، وذلك أيضا قائم من المدونة فيمن توضأ وأبقى رجليه فحاض بهما نهرا فغسلهما فيه، أن ذلك يجزئه إذا نوى به الوضوء وإن كان لم ينقل إليهما الماء بيديه، ومثله في سماع موسى بن معاوية ومحمد بن خالد من هذا الكتاب، وقد أجمعوا على أن الجنب وذكر ها تقدم. ثم قال: وذلك يدل على ما اختلفوا فيه من الوضوء انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون قو ابن رشد إجماعهم على إجزاء انغماس الجنب في الماء وتدلكه فيه، يدل على ما اختلفوا فيه من الوضوء، دليلا على أن كل صور الغسل متفق على عدم اشتراط النقل فيها، وإنما اتفقوا على صور الانغماس. ولو اغتسل خارج الماء كان كالوضوء نظر والثاني أظهر، وقاله بعض من لقيت. قال ابن ناجي: وبالثاني قطع شيخنا يعني البرزلي و الله تعالى أعلم. وتحصل من كلام ابن رشد فيمن غسل أعضاء وضوئه بما أصابها من المطر ومسح رأسه بما أصابه من المطر قولان: مذهب ابن القاسم الجواز وهو الذي يفهم من المدونة من مسألة الحائض في النهر، ومثله في سماع موسى ومحمد بن خالد. وذهب ابن حبيب ورواه عن ابن الماجشون أنه لا يجوز. وأما لو لاقى برأسه المطر ثم مسحه بيديه فقال ابن عبد السلام: المنصوص أنه لا يكفي. وحكى ابن عرفة عن بعض شيوخه أنه حكى الاتفاق على

[ 320 ]
ذلك. قال في التوضيح: وفي المنتقى: لو مسح بما على رأسه من بلل مطر أو غيره لم يجزه، قاله ابن القاسم. وفيه أن ابن القاسم وسحنون قالا: يجوز الغسل بماء المطر كما نقله ابن رشد، وعلى هذا فاتفق نقل الباجي وابن رشد عن ابن القاسم في الاجزاء في الغسل واختلفا في المسح، والظاهر أن له قولين انتهى. ولفظ الباجي وأما إيصال الماء إليه يعني الرأس فهو أن ينقل) بلل الماء بيده، إليه ولا يجزئه أن يمر يده جافة على بلل رأسه فإن ذلك ليس بمسح بالماء وإنما هو مسح بيده، حكى ذلك ابن حبيب عن ابن الماجشون. والذي يتوضأ بالمطر ينصب يديه للمطر فيمسح بالبلل رأسه، وأما الغسل فيجزئه أن يمر يده على جسده بما صار فيه من ماء مطر أو غيره، قاله ابن القاسم وسحنون. والفرق بينهما أن ماء المسح يسير، فإذا كان على العضو الممسوح لم يكن الماسح ماسكا بالماء وماء الغسل يعلق باليد ويتصرف معها على أعضاء الغسل - كان في اليد ماء أم لا - لكثرته فيكون غاسلا بالماء انتهى. وفي التوضيح: والفرق على هذا أن قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * (المائدة: 6) يقتضي وجوب النقل إذ التقدير: الصقوا بلل أيديكم برؤوسكم والله تعالى أعلم. ومسألة المدونة التي أشار إليها ابن رشد وأقام منها عدم وجوب النقل هي قولها: ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض بهما نهرا فدلكهما فيه بيديه ولم ينو تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه اه‍. قلت: ويقوم من المسألة المتقدمة أعني قوله وإذا انغمس الجنب في نهر إلى آخره وقد أقامه منها أبو الحسن الصغير كما حكاه ابن ناجي فيه، ويؤخذ من كلام اللخمي المتقدم أيضا ونص ما في سماع موسى بن معاوية الذي أشار إليه ابن رشد وسأل ابن القاسم عن الذي يتوضأ وينسى غسل رجليه فيمر بنهر فيدخل فيه ويخوضه هل يجزئه عن غسل رجليه قال مالك: إذا دلك إحدى رجليه بالاخرى أجزأه. ابن القاسم: إذا دلك إحداهما بالاخرى وكان يستطيع ذلك فلا بأس به. ابن رشد: ولا بد من تجديد النية لانه لما نسيها وفارق محل وضوئه على أنه أكمله ارتفضت النية المتقدمة فلزمه تجديدها، وكذلك في المدونة فيمن توضأ وأبقى رجليه فخاض بهما نهرا وغسلهما أن ذلك لا يجزئه إلا بالنية لان معنى ذلك أنه أبقاهما ظنا أنه أكمل وضوءه، فإن أبقاهما قاصدا لغسلهما في النهر لم يحتج لتجديد النية وأجزأه غسلهما في النهر دون تجديد نية إن كان قريبا، ولو كان على النهر، فلما فرغ من وضوئه أدخلهما فيه وذلك إحداهما بالاخرى لم يحتج في ذلك إلى تجديد نية انتهى. وما أشار إليه في سماع محمد بن خالد تقدم جميعه. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ينقل الماء إليه لا يعني ما يعطيه ظاهر اللفظ من رفع الماء بيده أو بيد من يستنيبه بل حصوله على سطح الوجه كيفما اتفق، حتى لو ألقى وجهه إلى ميزاب أو مطر وابل وأتبع الدلك لكفاه، وكذا المنقول في هذه الصورة. فإن قلت: لا يحتاج هذا إلى بيان لان مثل ما ذكرت لا يلتبس على من له أدنى معرفة. قلت: قد يلتبس لان المنصوص في المسح أنه لا يكفي فيه أن يلاقي برأسه ماء المطر ثم

[ 321 ]
يمسحه بيديه فقد يشكل الفرق بينهما أي بين المسح والغسل كما غلط فيه بعض المتأخرين، فلذلك احتيج إلى التنبيه على ما تقدم. وذكر ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم، ثم كلام ابن عبد السلام واعترض عليه في تغليطه بعض المتأخرين بأنه قصور يعني لان الخلاف منقول. وقال ابن عرفة أيضا: جعل ابن رشد مسح رأسه بما ناله من رش دون يديه مجزئا عند ابن القاسم خلاف نقل بعض شيوخنا ومن لقيناه عدم إجزائه اتفاقا انتهى. قلت: وهو الذي حكاه الباجي عن ابن القاسم في موضعين: في العمل في الوضوء وفي باب ما جاء في مسح الرأس ولم يحك غيره، وكذلك ابن هارون ولم يحك فيه خلافا. وحكى ابن الفرس في أحكامه القولين كما حكاهما ابن رشد سواء بسواء ثم قال: فعلى هذا يأتي الخلاف فيمن توضأ وهو منغمس في الماء والاظهر الجواز في هذه المسألة لان هذا غسل وإن لم ينقل إليه الماء بل هو أكثر من نقل الماء وليس في اللغة ما يدفع أن يسمى هذا غسلا انتهى. ثم ذكر في التوضيح الصورة الثالثة من صور النقل فقال: ومنها ما اتفق فيها على وجوب النقل وهي إذا أخذ الانسان الماء ثم نفضه من يده ومر بها بعد ذلك على العضو فلا يجزئه نص على ذلك ما لك في العتبية. ابن رشد: ولا خلاف فيه لانه مسح وليس بغسل انتهى. والمسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة وفي مختصر الواضحة. قال عبد الملك: وإن أرسل المتوضئ في غسل وجهه الماء من يديه ثم ذهب بهما إلى وجهه لا ماء فيهما إلا البلة، فعليه أن يعيد الوضوء وكل صلاة صلاها بمثل ذلك أبدا لانه ماسح. وإنما قال الله تعالى: * (فاغسلوا) * وإنما يجوز هذا فيما ذكر الله فيه المسح وجاءت السنة بمثل الخفين والرأس والاذنين، فهذا الشأن فيه أن يأخذ الماء بيديه ثم يرسله أو يرسله باليمنى على اليسرى ثم يمسح، وكذلك سمعت أصبغ يقول في ذلك كله انتهى. وقد تقدم في الكلام على غسل الوجه عن الشيخ زروق إن نفض اليد قبل إيصال الماء إلى الوجه مبطل بالاتفاق. وكذلك صبه من دون الجبهة، وظاهر كلام ابن الفرس في أحكامه خلاف ما قال ابن رشد من الاتفاق ونصه: وقد اختلف فيمن يبل يديه بالماء ويمرهما على أعضاء الوضوء هل يجزيه ذلك أو يلزم نقل الماء إلى أعضاء الوضوء ولا يجتزئ بالبلل ؟ فالمشهور في المذهب النقل. قلت: فتحصل من هذا أن نقل الماء إلى العضو بمعنى إيصال الماء إليه واجب اتفاقا، وأما حمل الماء إليه باليد فلا يجب أما في مسألة انغماس الجنب في النهر فباتفاق، وأما في مسألة من أصاب المطر أعضاء وضوئه أو جسمه أو خاض برجليه في الماء أو توضأ في الماء، فعلى الراجح وهو مذهب ابن القاسم المفهوم من المدونة وغيرها إلا في مسألة مسح الرأس، فالراجح أنه لا يكفي مسحه بالبلل الحاصل عليه والله تعالى أعلم، ومسحه ببلل لحيته أو ذراعيه يأتي في

[ 322 ]
الموالاة. ص: وهل الموالاة واجبة إن ذكر وقدر وبنى بنية إن نسي مطلقا وإن عجز ما لم يطل بجفاف أعضاء بزمن اعتدلا أو سنة خلاف) ش: هذه هي الفريضة السادسة وهي الموالاة. قال في الذخيرة: وهي حقيقة في المجاورة في الاجسام وهي المجاورة في الاماكن مجاز في الافعال ومنه الولاء والاولياء والتوالي انتهى. وهي في الشرع عبارة عن الاتيان بجميع الطهارة في زمن متصل من غير تفريق فاحش. ومنهم من يعبر عنها بالفور. قال ابن عبد السلام: والعبارة الاولى أسد لكونها تقتضي الفورية فيما بين الاعضاء خاصة من غير تعرض للعضو الاول، وأما لفظ الفور فيقتضي وجوب تقديم الوضوء أول الوقت. قال: وكذلك أيضا

[ 323 ]
الصحيح عدها من الفرائض. وأشار بعض الائمة إلى أنها من باب المناهي والتروك، احتج على ذلك بأن المشهور في تركها الفرق بين العمد والسهو وهو أصل التروك. تنبيهات: الاول: ذكر المصنف في حكم الموالاة قولين: الاول أنها واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وهو المشهور، وعزاه ابن الفاكهاني لمالك وابن القاسم وشهره أيضا. والقول الثاني أنها سنة. قال في التوضيح: وشهره في المقدمات انتهى. قلت: لكنه وافق في التفريع عليه القول الاول فجعل التفريق عمدا يبطل الوضوء على قول ابن القاسم. قال فيها: وأما الفور ففيه ثلاثة أقوال: فرض على الاطلاق وهو قول عبد العزيز بن أبي مسلمة، وسنة على الاطلاق وهو المشهور في المذهب، والثالث فرض فيما يغسل سنة فيما يمسح وهو أضعف الاقوال. فعلى الاول يجب إعادة الوضوء والصلاة على من فرقه ناسيا أو عامدا، وعلى الثاني أن فرقه ناسيا فلا شئ عليه وإن فرقه عامدا ففي ذلك قولان: أحدهما أنه لا شئ عليه وهو قول محمد بن عبد الحكم والثاني أنه يعيد الوضوء والصلاة لترك سنة من سننها عامدا لانه كاللاعب المتهاون. وهذا مذهب ابن القاسم. ومن أصحابنا من يعبر على مذهبه هذا في الفور أنه فرض بالذكر يسقط بالنسيان انتهى. قال ابن ناجي: وزعم عياض في الاكمال أن القول بالسنية هو المشهور. قال ابن ناجي: وقد اختلف المذهب في الموالاة على سبعة أقوال، فحكى الاربعة المتقدمة أعني الثلاثة التي ذكرها ابن رشد، والقول الاول في كلام المصنف. قال: والخامس واجبة في المغسول والممسوح البدل دون الاصلي رواه عبد الملك. والسادس مستحبة حكاه ابن شاس عن ابن القصار عن بعض أصحاب مالك فجعله ابن هارون سادسا كما قلنا. وقال ابن عبد السلام: لعله يرجع إلى القول بالسنية لان العراقيين يطلقون على السنة الاستحباب. والسابع واجبة إذا توضأ في وقت الصلاة وغير واجبة إذا توضأ قبل الوقت حكاه ابن جماعة. وحكى ابن شاس وابن الحاجب والمصنف في التوضيح الخمسة الاول. قال في التوضيح: وبعض المصنفين يحكي الخمسة الاقوال التي ذكرها المصنف يعني ابن الحاجب في حكمها ابتداء، وابن الحاجب ذكر الخلاف أولا في حكمها بالسنية والوجوب، ثم حكى فيها الخلاف إذا نزل يعني والله أعلم على ما هو أعم من كل واحد من القولين أعني القول بالوجوب والقول بالسنية انتهى. قال ابن فرحون: وأقوى ما استدل به للوجوب ظاهر الآية، فإن العطف بالفاء يقتضي الترتيب من غير مهلة، وعطف الاعضاء بعضها على بعض بالواو ويقتضي جعلها في حكم جملة واحدة فكأنه قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الاعضاء. قلت: واستدل له أيضا بأن الامر في الآية للفور، وبأن الخطاب ورد بصيغة الشرط والجزاء، ومن حق الجزاء أن يتأخر عن الشرط، وبقوله (ص) وقد توضأ مرة مرة في فور واحد هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فنفى القبول عند انتفائه. قال القرافي: وفيه نظر لان

[ 324 ]
الاشارة إليه من حيث هو مرة مرة على الصحيح لا إليه بما وقع فيه من القيود، وإلا لا ندرج في ذلك الماء المخصوص. والفاعل والمكان والزمان وغيره وهو خلاف الاجماع. ثم قال: ولك أن تقول الاشارة إلى المجموع، فإن خرج شئ بالاجماع بقي الحديث متناول لصورة النزاع، أما إسقاط الوجوب مع النسيان فلضعف مدرك الوجوب بالتأكد بالنسيان. والكلام في الاستدلال ورده يطول. قلت: فتحصل من هذا أن المعتمد في المذهب أن من فرق الطهارة عامدا أعاد الوضوء والصلاة أبدا، ومن فرقها ناسيا أو عاجزا بنى. واختلف الاصحاب في التعبير عن هذا، فمنهم من يقول: إنها واجبة مع الذكر والقدرة، ومنهم من يقول: إنها سنة. فالخلاف إنما هو التعبير كما تقدم في حكم إزالة النجاسة فتأمله منصفا. الثاني: ظاهر كلام المصنف أن التفريق عمدا يبطل الوضوء ولو كان يسيرا، وليس ذلك مراده بل التفريق اليسير لا يضر ولو كان عمدا. قال القاضي عبد الوهاب: لا يختلف المذهب فيه. قلت: وحكى الاتفاق في ذلك ابن الفاكهاني عن عبد الحق ونصه: وأما التفريق غير المتفاحش فلا تأثير له عمدا - كان أو سهوا. قال عبد الحق: ولا خلاف في ذلك في المذهب انتهى. وقال ابن الحاجب: والتفريق اليسير مغتفر. قال في التوضيح: وحكى عبد الوهاب فيه الاتفاق انتهى. وحكى ابن فرحون وابن ناجي وغيرهما في ذلك خلافا. وحكى صاحب الطراز في ذلك قولين. وقال: المشهور أنه لا يضر. قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب المتقدم يعني إذا فرق الوضوء تفريقا يسيرا فهو مغتفر فيجوز له البناء على ما تقدم من وضوئه. وحكى عبد الوهاب فيه الاتفاق، وابن الحاجب وغيره يمنع البناء وهما على الخلاف فيما قارب الشئ هل يعطى حكمه أم لا، ونحوه حكى صاحب الجمع عن ابن راشد. وقال في الطراز: إذا قلنا التفريق المؤثر هو العمد فهل يستوي قليله وكثيره إذا لم يكن معه عذر ؟ مشهور المذهب أن اليسير الذي لا يخرم الموالاة وحكم الفور لا يفسد، وقد قال مالك في المغتسل من الجنابة: إذا مس ذكره في أثنائه يمر بيديه على مواضع الوضوء ويجزيه. وهذا تفريق في الغسل وفي المجموعة عن مالك أنه كان يتنشف من وضوئه قبل غسل رجليه ثم يغسل رجليه. وقال ابن الجلاب في تفريعه: لا يجوز تفريق الطهارة. واستحل للاول بحديث البخاري أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل ثم تنحى فغسل قدميه، وبحديث المغيرة بن شعبة في وضوئه عليه الصلاة والسلام اغتسل وعليه جبة شامية ضيقة الكم فترك (ص) وضوؤه وأخرج يديه من كميه من تحت ذيله حتى غسلهما. الثالث: إذا قلنا إن التفريق اليسير لا يضر فظاهر كلامهم أنه لا كراهة في ذلك. وقال

[ 325 ]
ابن ناجي في شرح المدونة: ولا خلاف أن التفريق اليسير مكروه قاله عبد الوهاب وليس كذلك. بل ظاهر كلام الجلاب أنه ممنوع ولا أعرف له موافقا، وقول ابن راشد وابن الجلاب وغيره يحكي المنع لا أعرفه انتهى. قلت: وكلام القاضي في المعونة والتلقين لا يقتضي الكراهة، وكذا كلام غيره لكن وجه الكراهة ظاهر، إذا كان التفريق لغير عذر وبذلك صرح الشبيبي في شرح الرسالة فقال: وأما التفرقة اليسيرة فغير مفسدة بغير خلاف إلا أنها تكره من غير ضرورة انتهى والله تعالى أعلم. الرابع: قال ابن فرحون: وحد اليسير ما لم تجف أعضاء الوضوء كما قالوا في حق من قصر ماؤه عن كفايته انتهى. وأصله لابن عبد السلام وسيأتي في الكلام على الترتيب عن المقدمات، ويؤخذ منه نحو ما قاله ابن فرحون. قلت: هذا خلاف ما حكاه صاحب الجمع عن ابن هارون ونصه في شرح قول ابن الحاجب: والتفريق اليسير مغتفر وهذا عندي لا يحد بجفاف الاعضاء كما حد في حق العاجز للماء، بل هو أقل من ذلك لعدم عذره انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر من كلام أهل المذهب كما ستراه. وأما ما قاله ابن فرحون فغير ظاهر لانهم جعلوا العجز عذرا يعذر به في التفريق مع عدم جفاف الاعضاء والتفرقة اليسيرة مغتفرة، ولو كانت بلا عذر فتأمله. ولما ذكر أن الموالاة واجبة مع الذكر والقدرة، أخذ يبين حكم ما إذا ترك الموالاة نسيانا أو عجزا وبدأ بالنسيان فقال: وبنى بنية إن نسي مطلقا. يعني أن من نسي عضوا من أعضائه أو لمعة منه فإنه يبني على وضوئه المتقدم ويغسل ذلك العضو أو اللمعة مطلقا، طال أو لم يطل، يريد ويعيد ما بعد ذلك العضو أو تلك اللمعة من أعضاء وضوئه، مفروضة كانت أو مسنونة، قاله في النوادر ونقله الجزولي وغيره. وهذا إذا كان ذكر بالقرب قبل جفاف أعضائه، وإن ذكر بعد الطول بجفاف أعضائه لم يعد ما بعد ذلك العضو ولا ما بعد تلك اللمعة. قال في الرسالة: ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب منه أعاد ذلك وما يليه، وإن تطاول ذلك أعاده فقط وحد الطول الجفاف، قاله في المدونة. واستغنى المصنف عن هذا بما سيذكره في الكلام على الترتيب من إعادة المنكس وحده إن بعد بجفاف وإلا فيعيده مع تابعه. وسيأتي أن حكم المنكس والمنسي في الاعادة سواء عند ابن القاسم، فإن إعادة ما بعده إنما هي لاجل الترتيب، فلو لم يعد ما بعده لم يكن عليه شئ كما صرح بذلك ابن ناجي في شرح الرسالة والشيخ زروق والجزولي والشيخ يوسف بن عمر. تنبيهات: الاول: إذا كانت إعادة ما بعد المنسي إنما هي لاجل حصول الترتيب فتكون الاعادة سنة، وهذا هو الذي يفهم من كلام الشيخ زروق ومن كلام ابن بشير وغيرهما من

[ 326 ]
أهل المذهب. قال الشيخ زروق: إنما يعيد ما يليه إذا كان بالقرب للترتيب والمشهور أن الترتيب بين الفرائض سنة، فلو ترك إعادة ما يليه لم يكن عليه شئ انتهى. وقال ابن بشير: لما تكلم على حكم من ترك سنة من سنن الوضوء أن السنن التي يتداركها ويأتي بها أربعة: المضمضة والاستنشاق ومسح داخل الاذنين والترتيب. ولا معنى لتداركه للترتيب إلا إتيانه لما فعله في محله. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وإعادة ما بعد المتروك مستحبة للترتيب انتهى. ونحوه للجزولي والشيخ يوسف بن عمر. والظاهر عندي أن مرادهم بالاستحباب ما يقابل الوجوب فهو شامل للسنة أي وليس مرادهم بالمستحب الذي هو أحط رتبة من السنة بدليل قوله: للترتيب فتأمله. ومثل هذا يقال في إعادة ما بعد المنكس الآتي، ذكره وكلام ابن بشير وابن الحاجب يدل على ما ذكرناه. الثاني: تقدم أنه يعيد ما بعد المنسي من مسنونات الوضوء. والذي يظهر لي أن ذلك إنما هو بحكم التبع للفرائض وإلا فسيأتي أن الترتيب بين السنن والفرائض مستحب وأنه لا يعيد لاجل ذلك فتأمله. الثالث: ما وجه التفريق بين القرب والبعد وإعادة ما بعد المنسي في القرب وعدم الاعادة مع البعد. فسيأتي بيان ذلك في الكلام على الترتيب إن شاء الله تعالى. وقوله: بنية يعني إذا قلنا في النسيان يبني على ما تقدم فلا بد من نية، فلو حصل غسل العضو المنسي بلا نية لم يجزه ذلك حتى ينويه. قال في المدونة: ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض بهما نهرا فدلكهما بيده فيه ولم ينو تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه. ابن يونس: معناه إنه كان نسي رجليه وظن أنه أكمل فلذلك احتاج إلى تجديد نية انتهى. وقوله مطلقا أي طال الفصل أو لم يطل. وقوله وإن عجز ما لم يطل لما ذكر حكم من نسي الموالاة ذكر حكم من تركها عجزا كمن عجز ماؤه وقام لطلبه فيبني ما لم يطل وظاهره سواء أعد من الماء ما يكفيه فأهريق أو غصب، أو ابتدأ الوضوء بما يظن أنه يكفيه فتبين عدم كفايته، وهو ظاهر المدونة عند الباجي وجماعة، واستظهره ابن الفاكهاني. قال في المدونة. ومن توضأ بعض وضوئه فعجز ماؤه فقام لطلبه فإن قرب بني وإن تباعد وجف وضوؤه ابتدأ وضوءه. قال عياض: ذهب بعض الشيوخ إلى أن معناه إنه لم يعد من الماء ما يكفيه فكان كالمفرط والمغرر، ولو أعد ما يكفيه فأهريق له أو غصب لكان حكمه كالناسي، وعلى هذا تحمل رواية ابن وهب أنه يبني إذا عجز وإن طال، وحمله الباجي على الخلاف. وقال غيره: وقد يحتمل أنهما سواء على قول من قال من أصحابنا إن الموالاة واجبة مع الذكر، وهذا إذا ذكر نقله في التوضيح. قلت: وبعض الشيوخ الذي أشار إليه عياض هو اللخمي، فإنه لم يحك خلافا فيما إذا غضب منه الماء أو أهريق أنه يبني ولو طال ونصه: وينبغي موالاة الوضوء والغسل، فإن غلب

[ 327 ]
على ذلك بعد أن أخذ من الماء قدر كفايته ثم غصبه أو أهريق جاز له أن يبني على ما مضى منه وإن بعد طلبه للماء. واختلف إذا فرقه ناسيا أو متعمدا، ثم ذكر الخلاف، وذكر صاحب الجمع عن ابن رشد أن من كان مجبرا على التفريق فإنه يبني وإن طال بلا خلاف ونصهك التفريق للعذر له ثلاثة أحوال: الاول: أن يكون مجبرا ولا خلاف أعلمه أن له أن يبنى، وألحق به اللخمي من ابتدأ بماء كاف فأراقه له رجل أو غصب منه قال: فله أن يبني وإن طال ولم يحك فيه خلافا. الثاني: أن يفرق ناسيا وهذا يبني وإن طال. الثالث: أن يعجز ماؤه وقد ابتدأ بما ظنه كافيا، وهذا يبني فيما قرب دون ما بعد، ولا يبعد أن يعذر باجتهاده. وذكر الزهري في قواعده عن ابن القصار نحو ذلك ونصه: قال ابن القصار: إن أعد من الماء ما يكفيه ثم غصب له أو أريق له أو أراقه هو من غير تعمد فإنه يبني على ما مضى وإن طال طلبه للماء. وقيل: يدخله الخلاف. وحكى في التوضيح عن ابن بزيزة في ذلك قولين، وأن المشهور البناء ونصه: قال ابن بزيزة: ذكر المتأخرون في العاجز ثلاث صور: الاولى: أن يقطع أن الماء يكفيه. الثانية: أن يقطع أن الماء لا يكفيه. الثالثة: أن يشك في ابتداء وضوئه هل يكفيه أم لا ؟ ففي كل صورة قولان: الابتداء والبناء، والمشهور في الاولى البناء، وفي الثانية والثالثة الابتداء. ووجه ذلك ظاهر انتهى. ونقله ابن ناجي. وقال ابن الفاكهاني: من أخذ من الماء ما يكفيه فأهريق أو غصب، سوى اللخمي بينه وبين الناسي. وظاهر كلام ابن الجلاب أو نصه خلاف هذا وهو الاظهر إذا النسيان يتعذر الانفكاك عنه بخلاف الغصب والاهراق فإنه نادر انتهى. قلت: فظهر من هذا أن العاجز إذا أعد من الماء ما يكفيه ثم غصبه أو أهريق له أو إهراقه بغير تعمد أو أكره على التفريق، يبني وإن طال كالناسي بلا خلاف عند بعضهم كما يظهر من كلام اللخمي وابن راشد. وعند بعضهم على الراجح، فكان ينبغي للمصنف أن يستثني هذه الصورة أو يحكي فيها خلافا إن كان ترجح عنده كلام الباجي ومن وافقه في حمل كلام المدونة على إطلاقه. وحكى في الطراز عن التونسي ترددا في المسألة من غير أن يرجح أحد منهما شيئا. تنبيه: استثنى الرجراجي من صور العجز الصورة الثانية، وهي ما إذا أعد من الماء ما لا يكفيه قطعا فإنه لا يبني، طال أو لم يطل، ونصه: وأما إن تعمد وأخذ ما لا يكفيه فلا يجوز له البناء، طال أو لم يطل، لانه قد تعمد إلى تفريق الطهارة وهو ظاهر كلام المشذالي فإنه قال في قوله في المدونة: فعجز ماؤه يريد إذا أعد ما يكفيه وإلا ابتدأ. قلت: وهذا هو الظاهر إلا أن يكون التفريق يسيرا مما يغتفر ابتداء والله تعالى أعلم. وقوله بجفاف أعضاء بزمن اعتدلا أي الاعضاء والزمان، وهذا بيان لحد الطول. وقد اختلف فيه،

[ 328 ]
والمشهور أنه مقدر بجفاف الاعضاء من الجسم المعتدل في الزمان المعتدل لان عدم الجفاف مظنة القرب في العادة. قال في الذخيرة: والتقييد بالجفوف لاكثر الفقهاء - مالك والشافعي وابن حنبل وجماعة - فكان قيام البلل عندهم يدل على بقاء أثر الوضوء فيتصل الاخير بأثر الغسل السابق. وقيل: بل الطول محدد بالعرف حكاه القابسي وعياض. قال ابن ناجي: وعزا الفاكهاني الاول لابن حبيب فقط وهو قصور لانه نص المدونة. قلت: قد عزاه الفاكهاني في باب صفة الوضوء للمدونة ونصه: وأما حد التفاحش فأشار في الكتاب إلى أن الضابط في التفاحش أن يجف ما غسل من أعضائه، وكأنه يريد في الزمان المعتدل والمزاج المعتدل من الناس. وأما في باب جامع في الصلاة فعزاه لابن حبيب ونصه: وعند ابن حبيب مقداره ما يجف وضوؤه في زمن. معتدل. وكان بعض شيوخنا يزيد في الاعضاء المعتدلة يريد بالنسبة إلى الرطوبة والقشابة ولا بد منه وهو مراده. وفهم منه أن المراد بقوله المصنف في التوضيح الجسم المعتدل وقول غيره البدن المعتدل اعتدال المزاج لا كون الشخص بين الشباب والشيوخة، بل ذلك من صور اعتدال المزاج غالبا. وصرح الجزولي والشيخ يوسف بن عمر بأن المشهور في الطول التحديد بالعرف ولكن ما ذكره المصنف هو مذهب المدونة والله تعالى أعلم. تنبيه: قال ابن فرحون: هنا دقيقة في اعتبار الجفاف، وهو أنه هل يعتبر الجفاف من آخر أجزاء الفعل المأتي به، أو من أول الاعضاء حتى لو غسل وجهه ويديه ثم وقع فصل، ثم مسح رأسه قبل جفاف ماء اليدين ؟ وبعد جفاف ماء الوجه، هل يضر ذلك أو لا ؟ وكذلك هل الاعتبار بالغسلة الاخيرة أو الاولى حتى لو طال الفصل نسيانا بين الغسلة الاولى والثانية، ثم تذكر فغسل الثالثة، ثم غسل العضو الذي يلي الثانية بعد مدة يجف فيها بلة الاولى دون الثالثة، هل يضر أم لا ؟ قاله تقي الدين انتهى. قلت: والظاهر من كلامهم اغتفار ذلك جميعه وأنه ما دام البلل موجودا جاز البناء والله تعالى أعلم. فرع: إذا قلنا يبني في النسيان مطلقا فتجب عليه المبادرة عند ذكره، فإن أخر ذلك عامدا بطل وضوؤه إن تفاحش، وإن لم يتفاحش لم يبطل. قال ابن الحاجب: فإن أخر حين ذكره فكالمعتمد وسيأتي لفظ المدونة. وقال في النكت: ولو أنه حين ذكر هذه اللمعة لم يغسلها في الوقت ثم غسلها بالقرب فإن كان إنما تراخى المقدار الذي لو فرق فيه طهارته لم ى يبتدئ الطهارة لقرب ذلك لم يبتدئ جميع طهارته وإلا فعليه ابتداء طهارته من أولها، ونقله في الطراز. فرع: فإن ذكر اللمعة أو العضو لم يجد فيه ما يغسلها به، فحكى في النكت عن غير

[ 329 ]
واحد من شيوخه أن حكمه حكم من عجز ماؤه إن طال طلبه للماء ابتدأ جميع طهارته، ونقله في التوضيح واقتصر عليه، وحكى عبد الحق في تهذيب الطالب له قولين: أحدهما للابياني أنه يبني مطلقا، وجد الماء قريبا أو بعيد، إذا لم يفرط ومضى مبادرا. والثاني ما تقدم عن النكت ونصه بعد ما ذكر كلام الا بياني. وقد ذكرت في كتاب النكت خلاف هذا عن غير واحد من شيوخنا، وأنه كمن عجز ماؤه في ابتداء طهارته لا فرق بين ذلك، وفي الواضحة لابن حبيب مثل الذي حكيته عن شيوخنا. ثم رد على الا بياني وبالغ في ذلك وأطال. وذكر القولين صاحب الطراز وذكرهما ابن عرفة إلا أنه عزاهما للابياني وشيوخ عبد الحق وكذلك ابن ناجي ولم يعزواه للواضحة كما ذكر عبد الحق. فرع: فإن نسي عضوا أو لمعة ثم ذكر ذلك ثم نسي فهل يبني في النسيان الثاني كالاول أم لا ؟ قولان ذكرهما الجزولي والشيخ يوسف بن عمر. وقال ابن ناجي: ظاهر المدونة أنه لا يعذر بالنسيان الثاني. قال في المدونة: ومن ترك بعض مفروض الوضوء أو بعض الغسل أو لمعة عامدا حتى صلى أعاد الوضوء والغسل والصلاة، فإن ترك ذلك سهوا حتى طاول غسل ذلك الموضع فقط وأعاد الصلاة فإن لم يغسله حين ذكره استأنف الغسل أو الوضوء. قال ابن ناجي: ظاهره ترك ذلك بعد ذكره ناسيا أو عامدا، فلم يعذر بالنسيان الثاني ومثله في الصيام المتتابع إذا أفطر ناسيا فإنه يقضيه ويصله بآخر صومه، فإن لم يصله ابتدأ ظاهره ولو سهوا، ويعارضهما غسل النجاسة إذا رآها قبل الدخول في الصلاة ثم صلى ونسي أن يغسلها فهو كمن لم يرها. وأجيب بضعف النجاسة وقد قيل فيها بالفضيلة، وبأنه لا يجب غسلها عند رؤيتها بخلاف اللمعة فإن غسلها واجب فورا لذاتها ليصح الوضوء الذي هي منه. وكذلك الصوم. واعلم أن ما ذكرناه من عدم عذره بالنسيان الثاني خلاف فتوى ابن رشد في مسألة من صلى الخمس بوضوء وجب لكل صلاة ثم ذكر مسح رأسه من وضوء أحدهما أن يمسحه ويعيد الخمس، فإن أعاد الخمس ناسيا لمسح رأسه. قال ابن رشد: يمسحه ويعيد العشاء فقط. وذكر هذه المسألة في الذخيرة عن سحنون، وهذا هو الظاهر والله تعالى , أعلم. وقال الجزولي والشيخ يوسف بن عمر: في عذره بالنسيان الثاني قولان قائمان من المدونة، أما القول بأنه لا يعذر به فيؤخذ من كلامه المذكور هنا، وأما القول بأنه يعذر به فيؤخذ من مسألة النجاسة. فرع: إذا كانت اللمعة من مغسول الوضوء غسل موضعها ثلاثا، وكذلك إن نسي عضوا غسله ثلاثا، فإن كان ذلك بالقرب وأعاد ما بعده غسل ذلك مرة مرة، وإن ذكره بعد البعد غسل موضع اللمعة فقط ثلاثا. قاله عبد الحق في تهذيبه، والفاكهاني في شرح الرسالة، والجزولي والشيخ يوسف بن عمر والشبيبي. قال الجزولي: إلا أن يكون إنما غسل تلك الاعضاء أولا مرة مرة فإنه يعيدها مرتين مرتين. فرع: إذا تحقق موضع اللمعة غسلها خاصة، وإن لم يتحقق موضعها غسل العضو كله.

[ 330 ]
قلت: وهذا إذا تيقن أنه ترك لمعة أو عضوا، فإن لم يتيقن ذلك بل شك فقال في المدونة: ومن شك في بعض وضوئه فلم يتيقن أنه غسله فليغسل ما شك. قال اللخمي: إن كان ذلك بحدثان وضوئه نظر، فإن كان على العضو بلل كان ذلك دليلا على أنه غسله، وإن لم يكن به بلل غسله، وإن كان ذلك بعد طول مما يجف فيه لو كان غسله فإن عليه غسله إلا أن يكون ممن يتكرر ذلك عليه انتهى والله أعلم. فرع: من ذكر لمعة من غسله أو عضوا فحكمه حكم من ذكر ذلك من وضوئه إلا أنه لا يعيد ما بعد ذلك لان الغسل لا ترتيب فيه، صرح بذلك الجزولي وغيره. ولا يغسلها ثلاثا لان التثليث غير مستحب في الغسل كما يفهم ذلك من كلام ابن بشير وغيره. فرع: قال في النوادر: وأعرف لبعض أصحابنا فيمن ذكر لمعة من الوضوء من إحدى يديه لا أدري من أي يد هي، إلا أنه يعلم موضعها من إحدى اليدين، إن كان بحضرة الماء غسل ذلك الموضع من يده اليمنى ثم غسل يده اليسرى وأعاد بقية وضوئه، وإن طال غسل ذلك الموضع من اليدين جميعا. فرع: فإن ذكر مسح رأسه لم يجزه أن يمسحه بما في ذراعيه أو لحيته من بلل لقلة ما يتعلق بذلك من الماء إلا أن تكون لحيته عظيمة بحيث يكون فيها من الماء ما فيه كفاية المسح، فأجاز ذلك ابن الماجشون. ومعه مالك في المدونة وخرج ابن رشد وصاحب الطراز ذلك على حكم الماء المستعمل. قال في المدونة: وإن ذكر في صلاته أنه نسي مسح رأسه قطع ولم يجزه مسحه بما في لحيته من بلل، ويأتنف مسحه ويبتدئ الصلاة ولا يعيد غسل رجليه إن كان وضوؤه قد جف. قال ابن ناجي: ظاهره أنه لو فعل أعاد أبدا وهو كذلك، عزاه العتبي لابن القاسم، وعزاه لمالك انتهى. ونص ما في العتبية في رسم سلف من سماع ابن القاسم: وسئل مالك عن مسح رأسه بفضل ذراعيه قال: لا أحب ذلك. قيل لابن القاسم: فلو مسح بفضل ذراعيه وبفضل لحيته ثم صلى ولم يذكر ذلك حتى خرج الوقت. قال: يعيد، وإن ذهب الوقت وليس هذا بمسح. قال ابن رشد: أما مسح رأسه بفضل ذراعيه فلا يجوز لانه لا يمكن أن يتعلق بهما من الماء ما يمكنه به المسح. وليس في قول مالك لا أحب دليل على الاجزاء لانه يقول لا أحب فيما لا يجوز عنده بوجه، لان العلماء يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام فيما طريقه الاجتهاد، ويكتفون بقولهم أكرهه ولا أحبه ولا بأس به وما أشبه هذا من الالفاظ، فيكتفي بذلك عن قولهم. وكذلك فضل اللحية إذا لم يتعلق بها من الماء ما يكفيه للمسح، وعلى هذا تكلم في هذه الرواية بدليل قول ابن القاسم وليس هذا بمسح. وقد اختلف فيمن عظمت لحيته فكان فيما يتعلق بها من الماء كفاية للمسح، وأجاز ابن الماجشون لمن ذكر مسح رأسه وقد بعد عنه الماء أن يمسح بذلك البلل ومنع من ذلك مالك في

[ 331 ]
المدونة والخلاف جار على الخلاف في الوضوء بالماء المستعمل عند الضرورة. فظاهر قول مالك في المدونة أنه لا يجوز مثل المعلوم من قول أصبغ خلاف قول ابن القاسم انتهى. وكذلك خرج اللخمي القولين على الخلاف في المستعمل قاله ابن عرفة. قلت: وكذا ابن بشير وفي التخريج نظر، لان المشهور في الماء المستعمل أنه مكروه مع وجود غيره فينبغي أن يحمل كلامه في المدونة على ما إذا لم يكن فيه كفاية أو كان متغيرا أو كان الماء منه قريبا، وأما إن كان الماء كثيرا أو ليس عنده غيره - كما قال ابن الماجشون - تعين عليه أن يستعمله، ويكون قوله تفسيرا للمدونة لا خلافا، ولهذا قال سند بعد ذكره كلام المدونة: وقول ابن الماجشون وجه المذهب على قولنا يجوز استعمال الماء المستعمل هو أن ما بقي من البلل في شعر وجهه لا يكاد فق غالب الناس أن تقع به الكفاية في إيعاب يديه فضلا عن إيصال البلل من يديه إلى جميع رأسه، وقد قال في رواية أشهب: إن لم يوعب جميع رأسه بالماء مسحا لم يجزه، كما لو لم يوعب وجهه بالماء غسلا فإن صور مصور ذلك في حق من يجد من الماء كفايته يعني في لحيته فلا وجه للكلام في ذلك إلا من ناحية الماء المستعمل إلا أن هذه الصورة تقل، وإنما يقصد بعموم الماء غالب الاحوال. قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب على ما نقل عنه صاحب الجمع: إن كان البلل لم يعم رأسه لم يجزه، وإن كان يعم لكنه متغير بأوساخ لم يجزه لانه مضاف، وإن لم يكن متغيرا فهو ماء مستعمل، فإن كان هناك ماء قريب فمذهبه في المدونة أنه يكره مع وجود غيره، وإن كان الماء بعيدا فينبغي أن يجزيه على مذهبه في المدونة، وكذلك قال ابن الماجشون في الواضحة وهو تفسير لا خلاف انتهى. وذكر ابن ناجي كلام ابن راشد واستبعده وليس ببعيد، بل هو الظاهر كما يفهم من كلام صاحب الطراز والله تعالى أعلم. قال ابن عرفة: ومقتضى كلام المازري الاتفاق على المنع من ذلك ابتداء، وإنما الخلاف بعد الوقوع. قال: ويرده نقل الشيخ عن ابن الماجشون أن بعد عن الماء فليمسح به. وذكر ابن عرفة عن ابن زرقون أنه نقل عن ابن الماجشون في بلل الذراعين أنه كبلل اللحية. ورده بنقل الشيخ عن ابن الماجشون إن مسح ببلل ذراعيه لم يجزه والله تعالى أعلم. ص: (ونية رفع الحدث عند وجهه أو الفرض أو استباحة ممنوع) ش: هذه هي الفريضة السابعة،

[ 332 ]
وكان حقها التقديم كما فعل ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما، وإنما أخرها المصنف لطول الكلام عليها. والمذهب أنها فرض في الوضوء. قال ابن رشد في المقدمات وابن حارث اتفاقا، وقال المازري على الاشهر، وقال ابن الحاجب على الاصح قال في التوضيح: لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) وقوله عليه الصلاة والسلام إنما الاعمال بالنيات خرجه البخاري ومسلم انتهى. قال الشيختقي الدين: وآخر الحديث أيضا نص في وجوبها من أوله وهو قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. واستدل أيضا بقوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * (المائدة: 6) لانه وجه الاستدلال، وأن الله تعالى أمر بالوضوء لاجل الصلاة ولا معنى للنية إلا فعل أمر لاجل فعل أمر آخر، وبقوله (ص): الطهور شطر الايمان والشطر هنا النصف، ولا خلاف في وجوبها في الايمان ولذا وجبت في الكل وجبت في الشطر، ومقابل الاشهر والاصح رواية الوليد بن مسلم عن مالك بعدم الوجوب، حكاها ابن المنذر والمازري نصا في الوضوء. قال المازري وابن بشير: ويتخرج في الغسل قال في التوضيح: وفي التخريب نظر لان التعبد في الغسل أقوى انتهى. ومنشأ الخلاف أن في الطهارة شائبتين، فمن حيث إن المطلوب منها النظافة تشبه ما صورته كافية في تحصيل المقصود منه كأداء الديون فلا يفتقر إلى نية، ومن حيث ما شرط فيها من التحديد في الغسلات والمغسول والماء أشبهت التعبد فافتقرت إلى النية. وقال ابن فرحون: واعترض على ابن الحاجب في قوله على الاصح لانه يقتضي أن مقابله صحيح وهذا القول شاذ في غاية الضعف، فكان ينبغي أن يقول على المشهور. وأجيب بأنه قد يطلق الاصح على المشهور. تنبيه: الكلام على النية طويل متشعب، وقد صنف القرافي رحمه الله كتابا يتعلق بها سماه الامنية في إدراك النية وهو كتاب حسن مشتمل على فوائد، وقد أشبع الكلام عليها في الذخيرة أيضا في باب الوضوء، وجعل كتابه المذكور مشتملا على عشرة أبواب: الاول: في حقيقة النية. الثاني: في محلها من المكلف. الثالث: في دليل وجوبها. الرابع في حكمة إيجابها. الخامس: فيما يفتقر إلى النية. السادس: في شروطها. السابع: في أقسام النية. الثامن: في أقسام المنوي. التاسع: في معنى قول الفقهاء المتطهر ينوي رفع الحدث. العاشر:

[ 333 ]
في معنى قولهم النية تقبل الرفض. وقال في الذخيرة: يتعلق بها تسعة أبحاث، فذكر التسعة المذكورة وتكلم على العاشر أعني الرفض في السابع أعني بيان أقسامها. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: النظر في النية في عشرة أبحاث فذكر من العشرة التي ذكرها القرافي ثمانية وترك الثامن والتاسع وجعل بدلهما بيان محلها من الفعل وبيان كيفية تعلقها، وزاد في العاشر بيان عزوبها أيضا. فأما بيان محلها من الفعل فذكره القرافي في شروط النية، وأما كيفية تعلقها فأشار إليه في بيان حكم مشروعيتها، وأما عزوبها فذكره في أقسامها فتكون الابحاث المتعلقة بالنية عشرة كما قال القرافي، ونحن نتكلم عليها على سبيل الاختصار. الاول: في حقيقتها. قال النووي: هي القصد الشئ والعزيمة على فعله، ومنه قول الجاهلية: نواك الله بحفظه أي قصدك. وقال القرافي في الذخيرة: هي قصد الانسان بقلبه ما يريده بفعله، فهي من باب العز والارادات، لا من باب العلوم والاعتقادات. والفرق بينها وبين الارادة المطلقة أن الارادة تتعلق بفعل الغير بخلافها كما يريد معرفة الله جل جلاله وتسمى شهوة ولا تسمى نية. والفرق بينها وبين العزم أن العزم تصميم على إيقاع الفعل، والنية تمييز له فهي أخفض منه رتبة وسابقة عليه. وقال في كتب الامنية: هي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله لا بنفس الفعل من حيث هو فعل، ففرق بين قصدنا لفعل الصلاة، وبين قصدنا لكون ذلك قربة أو فرضا أو أداء، فالصفة المتعلقة بالايجاب والكسب تسمى إرادة، والصفة المتعلقة بإمالة ذلك الفعل إلى بعض ما يقبله تسمى نية. وتفارق النية الارادة من وجه آخر وهو: أن النية لا تتعلق إلا بفعل الناوي والاراد تتعلق بفعل الغير كما نريد مغفرة الله تعالى وإحسانه وليست فعلنا انتهى مختصرا. وعرفها ابن رشد بأنها صفة تتعلق بإمالة فعل الانسان نفسه إلى بعض ما يقبله. الثاني: في بيان محلها من المكلف. قال في التوضيح: ومحل النية القلب. قال المازري: أكثر المتشرعين وأقل الفلاسفة على أن النية في القلب، وأقل المتشرعين وأكثر الفلاسفة على أنها في الدماغ. وروي عن عبد الملك في كتاب الجنايات أن العقل في الدماغ. وقال في الذخيرة: محلها القلب لانه محل العقل والعلم والارادة والميل والنفرة والاعتقاد. وعن عبد الملك أن العقل في في الدماغ فيلزم عليه أن النية في الدماغ، لان هذه الاعراض كلها أعراض النفس والعقل فحيث وجدت النفس وجد الجميع قائما بها. فالعقل سجينها، والعلوم والارادات صفاتها، ويدل على قول مالك رحمه الله تعالى قوله تعالى: * (أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * (الحج: 46) * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * (النجم: 11) * (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) * (المجادلة: 22) * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * (ق: 37) * (ختم الله على قلوبهم) * (البقرة: 7) ولم يضف شيئا من هذه إلى الدماغ. وكذلك قول المازري أكثر المتشرعين إلى آخر ما نقله عنه عياض. وفهم

[ 334 ]
من كلام القرافي أن القول الاول قول مالك. وقال في كتاب الامنية: قال المازري في شرح التلقين: أكثر الفقهاء وأقل الفلاسفة على أن العقل في القلب، وأكثر الفلاسفة وأقل الفقهاء على أنه في الدماغ،، محتجين بأنه إذا أصيب الدماغ فسد العقل وبطلت العلوم والفكر وأحوال النفس. وأجيب بأن استقامة الدماغ لعلها شرط والشئ يفسد لفساد شرطه، ومع الاحتمال فلا جزم بل النصوص واردة بأن ذلك في القلب وذكر الآيات. ثم قال: وإذا تقرر أن العقل في القلب لزم على أصولنا أن النفس في القلب لان جميع ما ينسب للعقل من الفكر والعلوم صفات للنفس فتكون النفس في القلب عملا بظاهر النصوص. وقد قال بعض العلماء: إن النفس هي الروح وهي العقل تسمى نفسا باعتبار ميلها إلى الملاذ والشوات، وروحا باعتبار تعلقها بالجسد تعلق التدبير بإذن الله تعالى، وعقلا باعتبار كونها محصلة للعلوم فصار لها ثلاثة أسماء باعتبار ثلاثة أحوال والموصوف واحد. وإذا كانت النفس في القلب كانت النية وأنواع العلوم وجميع أحوال النفس في القلب، والعبارة التي ذكرها في كتاب الامنية عن المازري لم أرها في شرح التلقين في الكلام على النية، وإنما رأيت العبارة التي ذكرها المصنف في التوضيح ونقلها في الذخيرة، ولعل العبارة الاخرى ذكرها المازري في غير هذا الموضع. وزاد المازري بعد ذكره القولين: وهذا أمر لا مدخل للعقل فيه وإنما طريقه السمع، وظواهر السمع تدل على صحة القول الاول. وذكر ابن رشد نحو ما تقدم ثم قال: والتحقيق أن الجسم قالب للنفس هي فيه كالسيف في الغمد، وكالسلطان الجالس بقبته، والقلب سرير والدماغ كرسيه، وجعل الله تعالى في الرأس عشر حواس: خمسا ظاهرة: العين والاذن والشم والذوق واللمس، ويشاركه في هذا سائر البدن. وخمسا باطنة هي: الحس المشترك ومركزه مقدم الدماغ والقوة المصورة وهي أعلى منه والقوة الخيالية وهي في وسط الدماغ - والقوة الحافظة في مؤخر الدماغ والقوة الوهمية - أعلى منها - والحواس الظاهرة توصل للباطنة وهي توصل للنفس، والمحرك للحواس هو القلب اللحماني والنفس والروح بمعنى. تنبيه: ينبني على هذا الخلاف مسألة من الجراح وهي من شج في رأسه مأمومة أو موضحة خطأ فذهب عقله، قال في المقدمات: فله على مذهب مالك دية العقل ودية المأمومة أو الموضحة، لا يدخل بعض ذلك في بعض إذ ليس الرأس عنده محل العقل وإنما محله في مذهب مالك القلب، وهو قول أكثر أهل الشرع فهو كمن فقأ عين رجل وأذهب سمعه في ضربة، وعلى مذهب ابن الماجشون إنما له دية العقل لان محله عنده وعند أبي حنيفة الرأس وهو مذهب أكثر الفلاسفة، وهو كمن أذهب بصر رجل وأفقأ عينه في ضربة وهذا في الخطأ، وأما في العمد فيقتص منه من الموضحة فإن ذهب عقل المقتص منه فواضح، وإن لم يذهب فدية ذلك في مال الجاني وفي المأمومة له ديتها ودية العقل.

[ 335 ]
الثالث: في دليل وجوبها وقد تقدم في أول الكلام لما ذكرنا حكمها وبه عبر ابن راشد فقال: الثاني في بيان حكمها وذكر ما تقدم. الرابع: في حكمة مشروعيتها وحكمة ذلك - والله تعالى أعلم - تمييز العبادات عن العادات ليتميز ما هو لله تعالى عما ليس له، أو تتميز مراتب العبادات في أنفسها لتمييز مكافأة العبد على فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربه، فمثال الاول الغسل، يكون عبادة وتبردا، وحضور المساجد يكون للصلاة وفرجة والسجود لله أو للصنم. ومثال الثاني الصلاة لانقسامها إلى فرض ونفل، والفرض إلى فرض على الاعيان وفرض على الكفاية وفرض مندور وفرض غير مندور، ومن هنا يظهر كيفية تعلقها بالفعل فإنها للتمييز وتمييز الشئ قد يكون بإضافته إلى سببه كصلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين، وقد يكون بوقته كصلاة الظهر، أو بحكمه الخاص به كالفريضة، أو بوجود سببه كرفع الحدث فإن الوضوء سبب في رفع الحدث، فإذا نوى رفع الحدث ارتفع وصح الوضوء. ولما كانت حكمة مشروعيتها ما ذكر كانت القرب التي لا لبس فيها لا تحتاج إلى نية كالايمان بالله وتعظيمه وجلاله والخوف من عذابه والرجال لثوابه والتوكل عليه والمحبة لجماله، وكالتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وسائر الاذكار فإنها متميزة لجنابه سبحانه وتعالى. وكذلك النية منصرفة إلى الله سبحانه وتعالى بصورتها فلا جرم لم تفتقر النية إلى نية أخرى، ولا حاجة للتعليل بأنها لو افتقرت إلى نية أخرى لزم التسلسل. وكذلك يثاب الانسان على نية مفردة ولا يثاب على الفعل مفردا لانصرافها بصورتها لله تعالى، والفعل متردد بين ما هو لله تعالى وما هو لغيره، وأما كون الانسان يثاب على نيته حسنة واحدة وعلى فعله عشر حسنات إذا نوى، فلان الافعال هي المقاصد والنيات وسائل، والوسائل أنقص رتبة من المقاصد. وعلم من الحكمة المذكورة أن الالفاظ إذا كانت نصوصا في شئ لا يحتاج إلى نية، وكذلك الاعيان المستأجرة إذا كانت المنافع المقصودة فيها متعينة لم تحتج إلى تعيين كمن استأجر قميصا أو عمامة أو خباء أو نحو ذلك، وكذلك النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينه كمن استأجر قميصا أو عمامة أو خباء أو نحو ذلك، وكذلك النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينه في العقد، وكذلك الحقوق إذا تعينت لربها كالدين والوديعة ونحوها. ولملاحظة هذق الحكمة اختلف العلماء في النية في صوم رمضان وفي الوضوء ونحوهما، فمن رأى أنهما متعينان لله تعالى بصورتهما قال: لا حاجة إلى النية فيهما ومن رأى أن الامساك في رمضان قد يكون لعدم الغذاء ونحوه وقلما يكون لله تعالى وأن الوضوء قد يكون لرفع الحدث أو للتجديد أو للتبرد أوجب النية. الخامس: فيما يفتقر إلى النية الشريعة كلها إما مطلوب أو مباح، والمباح لا يتقرب به إلى

[ 336 ]
الله تعالى فلا معنى للنية فيه، والمطلوب نواه وأوامر، فالنواهي يخرج الانسان عن عهدتها وإن لم يشعر بها فضلا عن القصد إليها، فزيد المجهول حرم الله علينا دمه وماله وعرضه وقد خرجنا عن العهدة وإن لم نشعر به. نعم إن شعرنا بالمحرم ونوينا تركه لله تعالى حصل لنا مع الخروج من العهدة الثواب، فالنية شرط في الثواب لا في الخروج عن العهدة والاوامر منها ما يكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون والودائع ونفقات الزوجات والاقارب فإن المقصود من هذه الامور انتفاع أربابها وذلك لا يتوقف على قصد الفاعل، " فيخرج الانسان عن عهدتها وإن لم ينوها. ومنها ما لا يكون صورة فعله كافية في تحصيل المقصود منه كالصلوات والطهارات والصيام والنسك فإن المقصود منها تعظيم الله تعالى والخضوع له، وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله، وهذا القسم هو الذي أمر الشرع فيه بالنيات. السادس: في شروطها وهي ثلاثة: الاول: أن يتعلق بمكتسب للناوي فإنها مخصصة، وتحصيل غير المفعول للمخصص محال، وكذلك امتنع نية الانسان لفعل غيره. ويشكل على هذا الشرط نية الامام فإن صلاته حال الامامة مساوية لصلاته حال الانفراد، والامامة أمر نسبي والنسب عدمية والعدم لا تتعلق به قدرة العبد، فهذه النية لا بد لها من مكتسب. وأجاب بعض العلماء بأن النية تتعلق بمكتسب ولا مكتسب استقلالا أو تبعا لمكتسب كالوجوب في صلاة الفرض والندب في صلاة الضحى، وليس الوجوب والندب بمكتسب للعبد فإن الاحكام الشرعية صفة لله تعالى قديمة فحسن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب، فكذلك الامامة وإن لم تكن فعلا زائدا على الصلاة إلا أنها متعلقة بمكتسب وهو الصلاة فأمكن القصد إليها تبعا. الشرط الثاني: أن يكون المنوي معلوم الوجوب أو مظنون الوجوب، فإن المشكوك تكون النية فيه مترددة فلا تنعقد فلذلك لا تصح طهارة الكافر قبل اعتقاده الاسلام لانهما عنده غير معلومين ولا مظنونين، ويتعلق بهذا الشرط فروع يأتي ذكرها. الشرط الثالث: أن تكون النية مقارنة للمنوي لان أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة وغيرها، وآخر الصلاة مبني على أولها. فإذا كان أولها مترددا كان آخرها كذلك، واستثنى من ذلك الصوم للمشقة فجوزوا عدم مقارنة النية لاول المنوي لاتيان أول الصوم حالة النوم غالبا، والزكاة في الوكالة على إخراجها وسيأتي الكلام على هذا الشرط أيضا. السابع: في أقسامها. النية حقيقة واحدة لكنها تنقسم بحسب ما يعرض لها إلى قسمين: فعليه موجودة وحكمية معدومة، فإذا كان في أول العبادة فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل

[ 337 ]
عنها فهي نية حكمية بمعنى أن الشرع حكم باستصحابها. وكذلك الاخلاص والايمان والنفاق والرياء وجميع هذا النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعلية، ثم إذا ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن اتصف بها حتى لو مات الانسان مغمورا بالمرض لحكم له صاحب الشرع بالاسلام المتقدم بل بالولاية أو الصديقية وجميع المعارف، وعكسه يحكم له بالكفر ثم يكون يوم القيامة، كذلك، ومنه قوله تعالى * (إنه من يأت ربه مجرما) * (طه: 74) مع أنه يوم القيامة لا يكون أحد مجرما ولا كافرا وسيأتي الكلام على هذا أيضا عند الكلام على عزوبها. الثامن: في أقسام المنوي وأحواله. المنوي من العبادات ضربان: أحدهما مقصود في نفسه كالصلاة، والثاني مقصود لغيره وهو قسمان: أحدهما مع كونه مقصودا لغيره فهو أيضا مقصود لنفسه كالوضوء فإنه نظافة مشتملة على المصلحة وهو مطلوب للصلاة مكمل لحسن هيآتها، والثاني مقصود لغيره فقط كالتيمم، ويدل على ذلك أن الشرع أمر بتجديد الوضوء دون التيمم، والمقصود إنما هو تمييز المقصود لنفسه لانه المهم فلا جرم إذا نوى التيمم دون استباحة الصلاة فقولان للعلماء بالنية: أحدهما أنه لا يجزئه لانه نوى ما ليس بمقصود في نفسه، والثاني يجزئه لكونه عبادة. والذي هو مقصود لنفسه أو لغيره يتخير المكلف بين قصده له لكونه مقصودا في نفسه، وبين قصده للمقصود منه دونه. فالاول كقصده الوضوء، والثاني كقصده استباحة الصلاة، فإن نوى الصلاة أو شيئا لا يقدم عليه، إلا بارتفاع الحدث الذي هو الاستباحة صح لاستلزام هذه الامور رفع الحدث، ويتعلق بهذا فروع يأتي ذكرها. التاسع: في معنى قول الفقهاء المتطهر ينوي رفع الحدث وقد تقدم الكلام على هذا عند قول المصنف يرفع الحدث. العاشر: في معنى قول الفقهاء النية تقبل الرفض وفي معنى عزوبها، وسيأتي عند قول المصنف وعزوبها بعده ورفضها مغتفر والله تعالى أعلم. فهذا ما يتعلق بالكلام على الابحاث المتعلقة بالنية مختصرا من كلام القرافي في الذخيرة وكتاب الامنية، ومما نقله صاحب الجمع عن ابن راشد، ومن التوضيح. ولنرجع إلى حل كلام المصنف. فقوله ونية رفع الحدث عند وجهه أو الفرض أو استباحة ممنوع يشير به إلى أن كيفية النية ثلاثة أوجه لان النية كما تقدم هي القصد إلى الشئ والعزم عليه. قاله المازري وغيره. فالنية في الوضوء هي القصد إليه بتخصيصه ببعض أحكامه كرفع الحدث أي الوصف القائم بالاعضاء قيام الاوصاف الحسية، أو المنع المترتب على ذلك الوصف إذ هما متلازمان كما تقدم عند قوله يرفع الحدث، وهذا هو الفرق بين التيمم

[ 338 ]
والوضوء، فإن في الوضوء ينوي المنع من الصلاة مطلقا فرضها ونفلها، ورفع المنع من غيرها من طواف ومس مصحف، وأما في التيمم فلا تصح الصلاة حتى ينوي استباحة الصلاة المعينة. انظر ابن عرفة، وانظر كلام التوضيح في شرح قول ابن الحاجب. ولو نوى ما يستحب له الوضوء. وقوله أو الفرض أي امتثال أمر الله تعالى بأداء ما افترض عليه أو استباحة ما كان الحدث مانعا منه، سواء نوى استباحة جميعه أو استباحة شئ واحد، فإنه يستبيح الجميع على المشهور كما سيأتي. قال ابن بشير: والمطلوب من النية في الطهارة أن ينوي أحد ثلاثة أشياء: إما رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو امتثال الامر، وهذه متى حضر ذكر جميعها فلا يمكن أن يقصد ذكر أحدها دون الآخر بل هي متلازمة، وإن خطر بباله بعضها أجزأ عن جميعها، ولو خطر بباله جميعها وقصد بطهارته بعضها ناويا عدم حصول الآخر فالطهارة باطلة لان النية غير حاصلة، ومثاله: أن يقول أرفع الحدث ولا أستبيح الصلاة أو أستبيح الصلاة ولا أرفع الحدث، أو أمتثل أمر الله تعالى في الايجاب ولا أستبيح الصلاة ولا رفع الحدث، فهذا أتى بنية متضادة شرعا فتتنافى النية وتكون كالعدم انتهى. وقال في الجواهر: وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو ما لا يستباح إلا بطهارة وأداء فرض الوضوء انتهى. ويفهم من كلام ابن بشير أنه لو نوى فرض الوضوء أو الوضوء الذي أمر الله به لصح وضؤوه. تنبيه: قال العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني في قول المصنف أو الفرض: هذه النية إذا صاحبت وقت الفرض فلا إشكال وإن تقدمته ففي صحتها نظر لانه لم يجب. فإن قلت: قد رخصوا في الوضوء قبل الوقت. قلت: أما نية رفع الحدث أو استباحة ما لا يستباح إلا به فظاهر، وأما نية الفرض فمشكل لانه إذا نوى فرضية وضوئه ذلك فكذب لان وقته لم يحضر، وإن نوى فرض الوضوء من حيث الجملة لم يصح لان النية إنما شرعت لتمييز المنوي، وإن نوى فرض ما يأتي لم يصح الجزم به لانه لا يدري هل يصل إليه أو لا وإن نوى إن بقيت لم يصح أيضا للتردد في النية كمغتسل قال: إن كنت جنبا فهذا له انتهى. قلت: قد تقدم في مقدمة هذا الكتاب عن القرافي أن الفرض له معنيان: أحدهما ما يأثم بتركه، والثاني ما يتوقف عليه الشئ وإن لم يأثم بتركه كقولنا: الوضوء للنافلة واجب. وهو أعم من الاول. والفرض المنوي هنا بالمعنى الثاني أي ما يتوقف عليه الاتيان بالاشياء التي منع منها الحدث فهو راجع إلى معنى استباحة ما يمنع من الحدث وإلى رفع الحدث، ولهذا قال ابن بشير بعد، إن الاوجه الثلاثة متلازمة متى ذكر جميعها لا يمكن أن يقصد ذكر أحدها دون الآخر كما تقدم فتأمله والله تعالى أعلم. وانظر كلام ابن أبي شريف الشافعي في شرح الارشاد: وهذا إذا كان وقت الصلاة لم يدخل أو كانت العادة التي

[ 339 ]
يتوضأ لها غير فرض وأما إذا توضأ للصلاة المفروضة بعد دخول وقتها أعطى نية الفرض بالمعنيين جميعا والله تعالى أعلم. تنبيه: قال القرافي في الفرق السادس والعشرين: فتاوى العلماء متظافرة على أن الطهارة وستر العورة والاستقبال من واجبات الصلاة، وأجمعوا على أن من توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل ثم جاء الوقت وهو على هذه الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلا في هذه الثلاثة، أجزأته صلاته إجماعا والله تعالى أعلم. وقوله: أو استباحة ممنوع قال التلمساني في شرح الجلاب: قال القاضي عبد الوهاب: وحكم الغسل حكم الوضوء، فمن نوى بغسله قراءة القرآن ظاهرا أجزأه ذلك من جنابته لانه لا يجوز أن يفعل إلا بعد ارتفاع حدث الجنابة، ولا أحفظ فيها نصا. ويجوز أن يقال: لا يجزئه لانه نوى ما ليس الغسل من شرط صحته واستباحته والاول أولى، وأما لو نوى قراءة القرآن في المصحف لاجزأه لان النية هنا تتضمن رفع الحدث انتهى. وهذا يؤخذ من قول المؤلف في الغسل واجبه نية وموالاة كالوضوء والله تعالى أعلم. وقوله عند وجهه يعني أن وقت النية عند أول الفرائض وهو غسل الوجه، وهذا هو المشهور. وقيل: عند غسل اليدين. قال المصنف في التوضيح: وجمع بعضهم بين القولين فقال: يبدأ بالنية أول الفعل ويستصحبها إلى أول المفروض انتهى. وهكذا قال البرزلي في مسائل الطهارة ونصه: والذي عليه العمل والفتيا وعليه المتأخرون، ينوبها أوله ويستصحبها ذكرا إلى غسل الوجه جمعا بين القولين انتهى. قال المصنف في التوضيح: والظاهر هو القول الثاني لانا إذا قلنا إنما ينوي عند غسل الوجه يلزم منه أن يعري غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق عن نية فإن قالوا ينوي له نية مفردة فيلزم منه أن يكون للوضوء نيتان ولا قائل بذلك وقاله ابن راشد. قلت: يلزم على المشهور أن يقولوا إنه يحتاج إلى نيتين قطعا وقول المصنف لا قائل بذلك، يجاب عنه بأن نصوصهم كالصريحة في ذلك لانهم قالوا ينوي رفع الحدث عن وجهه، وقالوا يغسل يديه أولا بنية، كما سيذكره المصنف. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: المضمضة غسل باطن الفم بنية انتهى، ولا شك أن الاستنشاق مثل المضمضة، فهذا صريح في أن المتوضئ ينوي بغسل يديه والمضمضة والاستنشاق والاستنثار أنها سنن للوضوء، ولو فعل ذلك من غير نية لم تحصل السنة، ثم ينوي عند وجهه رفع الحدث فتأمله والله تعالى أعلم ص: (إن مع تبرد) ش: يعني أن النية المذكورة إذا صحبها قصد التبرد فإنها صحيحة ولا

[ 340 ]
يضرها ما صحبها، وبذلك صدر في الذخيرة ناقلا له عن المازري، وهو مفهوم قوله في المدونة ومن توضأ لحر يجده لا ينوي به غيره لم تجزه لصلاة فريضة ولا نافلة، ولا مس مصحف انتهى. قال سند: ولا لنحوه. وظاهر هذا الكلام أنه لو نوى مع التبرد الصلاة لاجزأه، وهو قول الشافعي لان غسل الاعضاء يتضمن ذلك بوجوده فإذا نواه لم يكن ذلك مضادا للوضوء ولا مؤثرا في التطهير من الحدث، لانه قد وجد نية رفع الحدث فوجب أن يعمل في الغسل من الحدث انتهى. وقال في الذخيرة قال المازري: لو نوى رفع الحدث والتبرد أجزأه لان ما نواه حاصل وإن لم ينوه فلا تضاد. وقيل: لا يجزئه لان المقصود من النية أن يكون الباعث على العبادة طاعة الله تعالى فقط. وههنا الباعث الامران انتهى. وكان الجاري على قاعدة المصنف أن يأتي بلو فإن الخلاف في ذلك في المذهب. قلت: ومسألة البرد قد استوفيت الكلام فيها في شرح مناسك المصنف والله تعالى أعلم ص: (أو أخرج بعض المستباح) ش: مثال ذلك أن ينوي أن يصلي به الظهر ولا يصلي به العصر، أو ينوي أن يمس به المصحف دون الصلاة، هكذا قال ابن عبد السلام والمصنف وغيرهما. وفهم منه أنه لو نوى استنابة شئ مخصوص ولم يخرج غيره أنه يجزئه من باب أولى، لكن الاقوال الثلاثة جارية في الصورتين فقيل: يستبيح الجميع، وقيل: لا يستبيح شيئا وقيل: يستبيح ما نواه. أما الصورة الاولى فذكر ابن الحاجب وغيره الخلاف فيها، وأما الثانية فحكى المصنف وغيره عن ابن زرقون أنه حكى الاقوال الثلاثة فيها، وحكى ابن عرفة عن الباجي أن يستبيح ما نواه اتفاقا، وفي غيره ثلاثة أقوال المشهور يستبيحه، وقيل: لا. وقيل: يستحب والله تعالى أعلم. تنبيه: فإن قيل: فما الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية أعني إذا أخرج بعض الاحداث والمسألة السابقة إذا أخرج أحد الثلاثة أعني رفع الحدث والفرض واستباحة ممنوع حيث قلتم بالاجزاء في هذه المسألة دون الاخريين ؟. فالجواب: ما قاله ابن عبد السلام: إن إخراج بعض المستباح راجع إلى متعلق النية إخراج أحد الثلاثة راجع إلى نفس النية، فالتناقض الاول خارج عن الماهية، والثاني راجع إلى الماهية وفيه نظر انتهى. قلت: وكذا إخراج بعض الاحداث راجع إلى الماهية فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (أو نسى حدثا لا أخرجه) ش: يعني أنه إذا أحدث أحداثا فنوى حدثا منها ناسيا غيره أجزأه

[ 341 ]
لتساويهما في الحكم، فإن نوى حدثا وأخرج غيره، كما لو بال وتغوط ونوى رفع أحدهما دون الآخر فإن النية تفسد بذلك للتناقض. فرع: فإن نوى حدثا ولم ينو الآخر وهو ذاكر له ولم يخرجه فيتعارض فيه مفهوما كلام المصنف، فمفهوم قوله نسي حدثا أنه لو كان ذاكرا له لم يجزه، ومفهوم قوله أخرجه أنه لو لم يخرجه أجزأه، والثاني أظهر. قال ابن عبد السلام: ولو كان ذاكرا لغيره ولم يخرجه فظاهر النصوص الاجزاء، وسواء ذكر الحدث الاول أم لا، والخلاف خارج المذهب كثير. وفرق بعض المخالفين بين أن ينوي الحدث الاول فيجزئه، وبين أن ينوي غيره فلا يجزئه إذا المؤثر في وجوب الطهارة إنما هو الاول وهو متجه انتهى. ونقله في التوضيح وقبله. فرع: قال ابن عبد السلام: فلو نوى حدثا غير الذي صدر منه غلطا، فنص بعض المخالفين على الاجزاء وهو أيضا صحيح على المذهب ونقله في التوضيح وقبله. قلت: ومفهوم قوله غلطا أنه لو نوى حدثا غير الذي صدر منه عمدا أنه لا يجزئه وهو ظاهر، لانه متلاعب وصرح بذلك الشافعية والله تعالى أعلم ص: (أو نوى مطلق الطهارة) ش: قال في التوضيح عن المازري: لو قصد الطهارة المطلقة فإن ذلك لا يرفع الحدث لان الطهارة قسمان: طهارة نجس وطهارة حدث، فإذا قصد قصدا مطلقا وأمكن صرفه للنجس لم يرتفع حدثه، ونقله ابن عرفة أيضا وسيأتي لفظه. تنبيه: هذا الذي اعتمده المصنف وتبعه في الشامل، وذكر صاحب الطراز وغيره أن ذلك يجزيه. قال في تهذيب البراذعي: ومن توضأ لصلاة نافلة أو قراءة مصحف أو ليكون على طهر

[ 342 ]
أجزأه. قال أبو الحسن: يريد به الصلاة انتهى. ولفظ الام: قال مالك: وإن توضأ يريد صلاة النافلة أو قراءة في المصحف أو يريد به طهر صلاة فذلك يجزئه. قال سند: ما ذكره صحيح لا يختلف فيه، وهذا هو رفع الحدث مطلقا أن يريد استباحة الصلاة من غير تخصيص وتعيين، ولم ينقله البراذعي على هذا وإنما قال: أو ليكون على طهر، وهذا يختلف فيه إذا نوى بوضوئه التطهير ولم يرتبط قصده بصلاة ولا بذكر حدث. قال مالك في المختصر، يجزئه. وقال الشافعي وبعض أصحابه: لا يجزئه، لان الطهارة تقع على رفع الحدث وعلى إزالة النجس فلا بد من تعيين. وذكر الباجي عن الشيخ أبي إسحاق يعني ابن شعبان فيمن اغتسل ينوي التطهير ولم يذكر الجنابة فقال مالك مرة: لا يجزيه، وقال مرة: يجزيه. وعلى هذا أكثر أصحابه ويتخرج في الوضوء مثله، فإن فرق بأن في الوضوء نية تدل على طهارة الحدث وهي غسل أعضائه ومسح الرأس والاذنين قلنا: وكذلك في الغسل قرائن المضمضة والاستنشاق وتقدمة الوضوء وتخليل أصول الشعر وغير ذلك انتهى مختصرا. ونقل ابن عرفة كلام الباجي إثر كلام المازري المتقدم ونصه المازري نية التطهير الاعم من الخبث والحدث لغو الباجي: في إجزاء نية التطهير لا الجنابة روايتا ابن شعبان قال: وعلى الاول أكثر أصحابه. اللخمي: روى أشهب عن مالك فيمن توضأ يريد الطهر لا الصلاة أجزأه انتهى. وفيها من توضأ ليكون على طهر أجزاه انتهى. قلت: فإن كان مراد المازري والمصنف أن المتطهر قصد الطهر الاعم وتعلق قصده بالطهر يفيد كونه أعم من الحدث والخبث، فما قالاه ظاهر وأن كان مرادهما ما قاله صاحب الطراز والباجي إن المتطهر قصد الطهارة ولم يرتبط قصده بكونها من حدث، فالظاهر الاجزاء كما قاله صاحب الطراز والباجي، ونقله ابن شعبان عن أكثر الاصحاب لان قرينة فعله تدل على أنه إنما قصد الطهارة من الحدث فتأمله منصفا وانظر تحرير الشامل ص: (أو استباحة ما ندبت له) ش: يعني أن المتوضئ إذا نوى استباحة فعل ندبت له الطهارة فإنه لا يرتفع الحدث ولا يستبيح بذلك شيئا مما منعه الحدث. قال المازري: لان الفعل الذي قصد إليه يصح فعله مع بقاء الحدث فلم يتضمن القصد إليه القصد برفع الحدث كما تضمنه القصد إلى ما تجب الطهارة فيه انتهى. وقال في التوضيح: قاعدة هذا أن من نوى ما لا يصح إلا بطهارة كالصلاة ومس المصحف والطواف، فيجوز أن يفعل بذلك الطهر غيره، ومن نوى شيئا لا يشترط في الطهارة كالنوم وقراءة القرآن ظاهرا وتعليم العلم فلا يجوز أن يفعل بذلك الوضوء غيره على المشهور، وقيل:

[ 343 ]
يستبيح لانه نوى أن يكون على أكمل الحالات فنيته مستلزمة لرفع الحدث عنه انتهى بلفظه. تنبيهات الاول: ظاهر كلامهم أنه إذا نوى الوضوء للنوم أو لقراءة القرآن ظاهرا أو لتعليم العلم وفعل هذه الاشياء، يحصل له ثواب من فعلها على طهارة وعندي في ذلك نظر لانهم يقولون: إنه محدث كما تقدم. وصرح بذلك المازري وهو ظاهر من كلامهم، ومن هنا يظهر لك وجه القول الثاني. وهو أن المتوضئ قصد أن يأتي بذلك الفعل على طهارة، ومن لازم ذلك ارتفاع الحدث وإلا لم يكن على طهارة ولهذا قال ابن عبد السلام: الظاهر الاجزاء لان المقصود من هذا الوضوء رفع الحدث وإلا فلا فائدة فيه انتهى. الثاني: لا يقال في قول المصنف استباحة ما ندبت له مسامحة، لانه الاستباحة إنما تستعمل فيما كان ممنوعا منه، وما ندبت له الطهارة لم يكن المكلف ممنوعا منه لانا نقول: هو ممنوع منه على جهة الندب والله تعالى أعلم. ص: (أو قال إن كنت أحدثت فله) ش: قال ابن غازي: يعني أن من تطهر وقال: إن كنت أحدثت فهذا الطهر لذلك الحدث، ثم تبين أنه كان محدثا فإنه لا يجزيه. رواه عيسى عن ابن القاسم وقال عيسى: من رأيه يجزيه. وقال الباجي: أما على القول بوجوب غسل الشاك فيجزيه اتفاقا، وأما على استحبابه فالقولان، ونحوه لابي إسحاق التونسي وعبد الحق. وقال ابن عرفة: لعل سماع عيسى في الوهم لا الشك والظن باق في الاول لا الثاني، وكذا قال اللخمي: من شك هل أجنب أم لا، اغتسل ويختلف هل ذلك واجب أو استحباب ؟ فمن أيقن بالوضوء وشك في الحدث فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنبا أجزاه غسله ذلك وهو بمنزلة من شك هل أحدث أم لا فتوضأ ثم ذكر أنه كان محدثا، وبمنزلة من شك في الظهر فصلاها ثم تبين أنه لم يكن صلاها فإن صلاته تلك تجزيه، وإن قال أتخوف أن أكون أجنبت وليس بشك عنده إلا أنه يقول: يمكن أن يكون ونسيت، لم يكن عليه غسل فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنبا اغتسل ولم يجزه الغسل الاول انتهى. وقد ظهر من هذا أن الرواية إن كانت في الشك فهي

[ 344 ]
مفرعة على القول باستحباب طهر الشاك وإلا فهي في الوهم والتجويز العقلي انتهى كلامه. قلت: يقع في بعض نسخ ابن غازي في كلام اللخمي الذي نقله عن ابن عرفة سقط ونص كلام ابن عرفة ولذا قال اللخمي: شك الجنابة كالحدث وتجويز جنابته دون شك لغو، لو اغتسل له ثم تيقن لم يجزه. وما ذكره ابن غازي أولا هو نحو قول ابن الحاجب، ولو شك في الحدث وقلنا لا تجب فتوضأ أو توضأ مجددا، ثم تبين حدثه ففي وجوب الاعادة قولان: قال في التوضيح: إذا بنينا على مقابل المشهور أن الشك لا يوجب الوضوء فتوضأ أو توضأ مجددا من غير شك. فالمشهور عدم الاجزاء لكونه لم يقصد بوضوئه رفع الحدث وإنما قصد الفضيلة. وقيل: يجزئه لان قصده أن يكون على أكمل الحالات وذلك مستلزم رفع الحدث انتهى. وقال صاحب الجمع عن ابن هارون: إن جزم ببقاء الطهارة لم يؤمر بها اتفاقا، فإن توضأ ثم تبين حدثه لم يجزه على قول ابن القاسم، ويجزئه عند عيسى، وإن ترجح بقاء الطهارة فتوضأ للاحتمال المرجوح ثم تبين حدثه فيجزئه على قول عيسى. وفي إجزائه على قول ابن القاسم نظر ينبني على وجوب الطهارة لذلك الاحتمال، ولم أر فيه نصا، وإن شك ولم يترجح وجود الحدث ولا نفيه فإن قلنا بوجوب الوضوء فيجزئه سواء تبين حدثه أم لا، وإن قلنا لا يجب فتوضأ له فقولان، انتهى مختصرا. قلت: قوله لم يؤمر بها اتفاقا أي على سبيل الوجوب وإلا فسيأتي أنه يستحب التجديد إذا صلى به. وقوله لم أر فيه نصا عجيب فإن المفهوم من نصوصهم عدم الوجوب. قال في الجواهر: ولو شك في الحدث. وقلنا لا يجب عليه استئناف الوضوء بالشك على إحدى الروايتين، أو كان شكه غير مقتض للوضوء كالتردد من غير استناد إلى سبب مع تقدم يقين الطهارة فتوضأ احتياطا، ثم تنبيه له يقين الحدث، ففي وجوب الاعادة قولان للتردد في النية انتهى. تنبيه: الذي يظهر لي أن كلام المصنف صحيح على القولين على المشهور ومقابله، لان معناه أن من توضأ قاصدا أنه كان خرج منه حدث فهذا الوضوء له لا يجزئه وضوؤه للتردد الحاصل في النية، وإنما يجزئ وضوء الشاك إذا اعتقد أن وضوءه قد بطل بالشك وأنه صار محدثا يجب عليه الوضوء، فينوي حينئذ رفع الحدث جزما، فهذا يجزئه وضوؤه، تبين حدثه أم لا. وأما إذا قال: إن كنت أحدثت فهذا الوضوء لذلك الحدث، فلا يجزئه ذلك الوضوء، سواء تبين حدثه أم لا، فإن صلى به لم تجزه صلاته، هذا إذا كان قد شك في الحدث، وأما إن لم يكن عنده إلا وهم وتجويز فيجزئه الوضوء والصلاة، وإن شك في الحدث ثم توضأ وقصد أنه إن كان أحدث فهذا الوضوء له ثم صلى بذلك ثم تبين عدم حدثه، فيجزئ على الخلاف في مسألة من سلم على الشك ثم ظهر الكمال ونظائرها. ويفهم هذا من كلام صاحب الطراز فإنه قال: لما ذكر قول ابن القاسم وقول عيسى ما نصه، ووجه قول ابن القاسم أن هذا إذا تطهر

[ 345 ]
على أنه إن كان محدثا، فهذا تعليق نية لا تنجيز نية، إذا عدم كان خللا في الشرط فوجب منه الخلل في المشروط، لانه النية إنما هي قصد وهذا تردد لا قصد فلم توجد حقيقة الشرط، ويخرج عليه الشاك إذا لزم التطهير فإنه يؤمر أن يأتي بنية جازمة لا تردد فيها انتهى بلفظه. وعلى هذا فيكون قول المصنف ثم تبين حدثه عائدا إلى المسألة الثانية فقط ص: (أو جدد فتبين حدثه) ش: يعني أن من اعتقد أنه على وضوء فتوضأ بنية التجديد، ثمن تبين أنه محدث، فالمشهور أنه لا يجزئه لكونه لم يقصد بوضوئه رفع الحدث وإنما قصد به الفضيلة. وقيل: يجزئه لان نية أن تكون على أكمل الحالات وذلك مستلزم رفع الحدث (أو ترك لمعة فانغسلت بنية الفضل) قال في القاموس: اللمعة بالضم قطعة من النبات أخذت في اليبس والموضع لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل والمعنى أن من ترك لمعة من مغسول الوضوء في الغسلة الاولى فانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة بنية الفضيلة، فالمشهور أنه لا يجزئه ذلك ولا بد من غسلها بنية الفريضة، فإن أخر غسلها عمدا حتى طال بطل وضوؤه. وقيل: يجزئه. قال ابن عبد السلام: والقولان يشبهان القولين في مسألة المجدد. ورأى بعض الناس أن الاجزاء هنا أولى لان نية الفرض هنا باقية منسحبة بخلاف مسألة المجدد، ورد بأن الانسحاب في النية إنما يجزئ إذا لم يكن في المحل نية مضادة له، وهنا نية الفضيلة موجودة وهي مضادة لنية الفريضة انتهى. وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى، هل ينوي في الغسلة الثانية والثالثة الفريضة والفضيلة والله تعال أعلم. (أو فرق النية على الاعضاء) قال سند: صورته أن يغسل وجهه بنية رفع الحدث ولا نية له في تمام وضوئه، ثم يبدو له بعد غسل وجهه فيغسل يديه انتهى. يريد وهكذا إلى آخر الوضوء، وأما من غسل وجهه بنية رفع الحدث عنه ونية إتمام الوضوء على الفور معتقدا أنه لا يرتفع الحدث ويكمل وضوؤه إلا بالجميع فليس من هذا الباب، وقد أشار إلى ذلك ابن عرفة لما ذكر استشكال تصوير تفريق النية على الاعضاء بأن المتوضئ إن لم ينو العضو معينا فهو المطلوب، وإن نواه معينا فقد زاد لان نيته معينا أتم من نيته من حيث كونه

[ 346 ]
بعض أعضاء الوضوء ضرورة رجحان دلالة المطابقة على دلالة التضمن. وأجاب عن ذلك بأن نيته معينا إن كان على أن رفع الحدث بالمجموع فهو كما قلتم يعني أنه زال، وإن كان على أن رفعه به من حيث ذاته وكذا سائر أعضائه فهو محل القولين انتهى. والصحيح من المذهب عدم الصحة بل قال ابن بزيزة: إنه المنصوص، واستظهر ابن رشد القول الثاني وعزاه لابن القاسم ونقله في التوضيح، وإلى استظهار ابن رشد أشار بقوله والاظهر في الاخير الصحة ص: (وعزوبها بعده ورفضها مغتفر) ش: ذكر مسألتين. الاولى: منهما عزوب النية وهو انقطاعها والذهول عنها، والضمير في قوله بعده عائد إلى الوجه في قوله عند وجهه والمعنى أن الذهول عن النية بعد الاتيان بها في محلها عند غسل الوجه مغتفر. قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: قوله مغتفر يعطي أن الاصل استصحابها إلى آخر الطهارة وهو كذلك وإنما سقط عنه للمشقة. قلت: ما لم يأت ما يضادها، إما نية مضادة لها كما تقدم فيما إذا أتى بالغسلة الثانية والثالثة بنية الفضيلة كما تقدم في كلام ابن عبد السلام، وإما بأن يعتقد انقضاء الطهارة وكمالها ويكون قد ترك بعضها ثم يأتي به من غير منية فلا يجزئ كما تقدم في الكلام على الموالاة والله تعالى أعلم. والمسألة الثانية: رفض النية وذكر المصنف أنه مغتفر أيضا، والرفض في اللغة الترك ومعناه هنا تقدير ما وجد من العبادة والنية كالمعدوم. وظاهر كلام المصنف أن الرفض لا يضر، سواء كان بعد كمال الوضوء أو في أثنائه، إذا رجع وكمله بنية رفع الحدث بالقرب على الفور. وظاهر كلامه في التوضيح أن الخلاف جار في الصورتين، وسيأتي كلامه. أما إذا رفض النية في أثنائه ثم لم يكمله أو كمله بنية التبرد أو التنظف أو نية رفع الحدث بعد طول، فلا إشكال في بطلانه. وأما إذا كمله بالقرب فالذي جزم به عبد الحق في نكته أن ذلك لك لا يضر. ويظهر من كلام المصنف في التوضيح أنه المعتمد هنا وهو ظاهر إطلاقه، والذي جزم به ابن جماعة وصاحب الطراز أن ذلك مبطل للوضوء. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: إن عليه أكثر الشيوخ. وقال: إن الذي نقله صاحب النكت من غرائب أنقاله. وأما إذا رفض الوضوء بعد

[ 347 ]
كماله فالذي جزم به ابن جماعة التونسي أن رفض الوضوء بعد كماله لا يؤثر ولم يحك في ذلك خلافا. وحكى اللخمي في الكلام على نواقض الوضوء الخلاف في ذلك وفي الصلاة والصوم، وكذلك ذكره القرافي في نواقض الوضوء. وحكى ابن ناجي في شرح المدونة الخلاف أيضا في ذلك، لكنه قال: الفتوى أنه لا يضر، ورجح صاحب الطراز أن الرفض لا يؤثر بعد الفراغ من العبادة. وكذلك قال اللخمي: إنه القياس. قال ابن الحاجب: وفي تأثير رفضها بعد الوضوء روايتان. قال في التوضيح: هذا الخلاف جار في الوضوء والصلاة والصوم والحج. وذكر القرافي عن العبدي أنه قال: المشهور في الوضوء والحج عدم الرفض عكس الصلاة والصوم. ومقتضى كلامه أن الخلاف جار بعد الفراغ من الفعل فإنه قال: رفض النية من المشكلات لا سيما بعد كمال العبادة كما نقله العبدي فذكر الكلام السابق ثم قال: والقاعدة العقلية أن رفع الواقع محال انتهى. وقد أشرنا إلى الفرق بين هذه الاربعة في باب الصلاة فانظره. ابن عبد السلام: وكان بعض من لقيته من الشيوخ ينكر إطلاق الخلاف في ذلك ويقول: إن العبادة المشترط فيها النية إما أن تنقضي حسا وحكما كالصلاة والصوم بعد خروج وقتهما، أو لا تنقضي حسا وحكما كما في حال التلبس بها، أو تنقضي حسا دون الحكم كالوضوء بعد الفراغ منه فإنه وإن انقضى حسا لكن حكمه وهو رفع الحدث باق، فالاول لا خلاف في عدم تأثير الرفض فيه، والثاني لا خلاف في تأثيره فيه، ومحل الخلاف هو الثالث وهو أحسن من جهة الفقه لو ساعدت الانقال انتهى. وقد نص صاحب النكت في باب الصوم على خلافه، فإنه نص على أنه لو رفض الوضوء وهو لم يكمله أن رفضه لا يؤثر إذا أكمل وضوءه بالقرب. قال: وكذلك الحج إذا رفض بعد الاحرام ثم قال: فلا شئ عليه. قال: وأما إن كان في حيز الافعال التي تجب عليه نوى الرفض وفعلها بغير نية كالطواف ونحوه، فهذا رفض يعد كالتارك لذلك انتهى كلام التوضيح، وكلامه الذي أشار إليه في كتاب الصلاة هو ما نصه. فإن قلت: ما الفرق على المشهور بين الصلاة والصوم والحج والوضوء ؟ قيل: لما كان الوضوء معقول المعنى بدليل أن الحنفية لم توجب فيه النية، والحج محتو على أعمال مالية وبدنية لم يتأكد طلب النية فيهما فرفض النية فيهما رفض لما هو غير متأكد، وذلك مناسب لعدم اعتبار الرفض، ولان الحج لما كان عبادة شاقة ويتمادى في فاسده ناسب أن يقال بعدم تأثير الرفض دفعا للمشقة الحاصلة على تقدير رفضه والله تعالى أعلم انتهى. قلت: كلامه رحمه الله تعالى يقتضي أن الخلاف جار في كل من الوضوء والصلاة والصوم والحج، وأنه جار في الرفض قبل كمال العبادة وبعد كمالها، وبذلك صرح القرافي في كتاب الامنية في إدراك النية، ونقله عن العبدي وصرح بذلك أيضا في الفرق السادس والستين وهو مشكل، فإن الاحرام سواء كان بحج أو عمرة أو بهما أو بإطلاق لا يرتفض، ولو رفضه في أثنائه ولم أر في ذلك خلافا قابل قال سند في كتاب الحج: مذهب الكافة أن لا يرتفض وهو

[ 348 ]
باق على حكم إحرامه. وقال داود: يرتفض إحرامه وهو فاسد لان الحج لا ينعدم بما يضاده حتى لو وطئ بقي على إحرامه، وغاية رفض العبادة أن يضادها، فما لا ينتفي مع ما يفسده لا ينتفي مع ما يضاده انتهى. وقال القرافي في الذخيرة في كتاب الحج: إذا رفض إحرامه لغير شئ فهو باق عند مالك والائمة خلافا لداود، ولم يحك ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا غيرهما في ذلك خلافا. وإذا لم يؤثر الرفض وهو في أثنائه فأحرى بعد كماله، وأما الصلاة والصوم فظاهر كلام غير واحد أن الخلاف جار فيهما، سواء وقع الرفض في أثنائهما أو بعد كمالهما. قال ابن عرفة في كتاب الصلاة: وفي وجوب إعادتها لرفضها بعد تمامها نقلا اللخمي انتهى. وحكى غيره أنه إذا كان الرفض في أثناء الصلاة والصوم فالمعروف من المذهب البطلان وهو الذي جزم به صاحب النكت ولم يحك غيره، وأما إذا كان الرفض في أثناء الوضوء فتقدم أن الذي جزم به صاحب النكت أنه لا يرتفض. وظاهر كلام المصنف في التوضيح أنه اعتمده هنا وهو ظاهر إطلاقه، وكلام صاحب الطراز وابن جماعة يقتضي أنه يرتفض. قال ابن ناجي: وعليه الاكثر وسيأتي كلامهم. وأما إذا كان الرفض بعد الفراغ من العبادة فنقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنه قال: إن القول بعدم التأثير عندي أصح، لان الرفض يرجع إلى التقدير لان الواقع يستحيل رفضه والتقدير لا يصار إليه بدليل والاصل عدمه، ولانه بنفس الفراغ من الفعل سقط التكليف به، ومن ادعى أن التكليف يرجع بعد سقوطه لاجل الرفض فعليه الدليل انتهى. وفي كلام صاحب الطراز في باب غسل الجنابة ما يقتضي أن العبادة كلها - الوضوء والغسل والصلاة والصوم والاحرام - لا يرتفض منها شئ بعد كماله، وأن الجميع يرتفض في حال التلبس إلا الاحرام، وبذلك صرح ابن جماعة التونسي في فرض العين فقال: ورفض الوضوء إن كان بعد تمام الوضوء لا يرتفض، وكذلك الغسل والصلاة والصوم والحج، وإن كان في أثنائه وهو يعتقد أنه لا يتمه بنية الوجوب أو يقطع النية عنه بطلت كلها إلا الحج والعمرة فإنهما لا يرتفضان، سواء رفضهما في أثنائهما أو بعد كمالهما انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة في أواخر باب الغسل: واختلف إذا رفض النية بعد الوضوء على قولين لمالك، والفتوى بأنه لا يضر لان ما حصل استحال رفعه. وأما الرفض قبل فراغ الوضوء فالاكثر على اعتباره. وقال عبد الحق في النكت في باب الصوم: لا يؤثر رفضه إذا أكمل وضوءه بالقرب. وهو من غرائب أنقاله. وكلام القرافي في كتاب الامنية: في الفرق المذكور يقتضي أن المشهور في الصلاة والصوم من أن الرفض يؤثر ولو بعد الكمال، ولكنه استشكل ذلك بأنه يقتضي إبطال جميع الاعمال، وبحث فيه وأطال خصوصا في الفروق. وقال في آخر كلامه: إنه سؤال حسن لم أجد ما يقتضي اندفاعه فالاحسن الاعتراف بذلك والله تعالى أعلم. وكلام ابن ناجي يدل على أن الخلاف في رفض الوضوء بعد إكماله، وإن مذهب ابن القاسم أنه لا يرتفض وظاهر كلامه أن الغسل لا يرتفض بلا خلاف. ونصه رفض الطهارة ينقضها في رواية أشهب عن مالك لانه روي عنه: من تصنع لنوم فعليه الوضوء وإن لم ينم. قال الشيخ أبو

[ 349 ]
إسحاق: هذا يدل على أن رفض الوضوء يصح وابن القاسم يخالف في هذا ويقول: هو كالحج لا يصح رفضه، وجه رواية أشهب أن هذه عبادة يبطلها الحدث فصح رفضها كالصلاة، ووجه قول ابن القاسم أن هذه طهارة فلم تبطل بالرفض كالطهارة الكبرى انتهى من ترجمة ما لا يجب منه الوضوء. ص: (وفي تق دمها بيسير خلاف) ش: أي قولان مشهوران قاله ابن ناجي في شرح المدونة. قال ابن بشير: المشهور الصحة. وقال ابن عبد السلام: الاشهر التأثير، ومقتضى الدليل خلافه. وقال المازري: الاصح عدم الاجزاء. وقال ابن بزيزة: هو المشهور. وقال الشبيبي: هو الصحيح انتهى. وظاهر كلام ابن رشد الآتي في مسألة احمام والنهر أن الاول هو المذهب. قال في التوضيح: بعد أن ذكر الخلاف في الفصل اليسير: ومن هذا المعنى اختلافهم فيمن مشى إلى الحمام أو النهر ناويا غسل الجنابة، فلما أخذ في الطهر نسيها. قال عيسى عن ابن القاسم: يجزيه فيهما. وشبهه ابن القاسم بمن أمر أهله فوضعوا له ما يغتسل به من الجنابة. وقال سحنون: يجزيه في النهر لا في الحمام. قال في البيان: ووجهه أن النية بعدت باشتغاله بالتحميم قبل الغسل، وكذلك لو ذهب للنهر ليغسل ثوبه قبل الغسل فغسل ثوبه ثم اغتسل لا يجزئه على مذهبه، ولو لم يتحمم قبل الغسل، في الحمام لاجزأه الغسل كالنهر سواء، ووجه ما قاله ابن القاسم أنه لما خرج إلى الحمام بنية أن يتحمم ثم يغتسل، لم ترتفض عنده النية انتهى. ونقل القرافي قولا بعدم الاجزاء في الحمام والنهر. وفهم من التقييد باليسير أنه لو كان كثيرا لم يجز بلا خلاف قاله المازري انتهى كلامه التوضيح. فرع سنن الوضوء ص: (وسننه غسل يديه أولا ثلاثا تعبدا بمطلق ونية ولو نظيفتين أو أحدث في أثنائه مفترقتين) ش: لما فرع من فرائض الوضوء شرع في ذكر سننه وعدها ثمانية: الاولى: غسل اليدين وإنما بدأ بهما لانهما أول شئ

[ 350 ]
يغسل في الوضوء. والمشهور كما ذكر أن غسلهما سنة وقيل مستحب. قال الجزولي: وزاد بعضهم ثالثا وهو إن كان عهده بالماء قريبا فمستحب وإن كان بعيدا فسنة. قال: وخارج المذهب فيها أقوال: أحدها أنه واجب لظاهر الحديث فإن الامر للوجوب. الثاني: أنه يجب على المنتبه من النوم دون غيره. الثالث: إن كان من نوم الليل وجب وإلا فلا لقوله في الحديث: أين باتت يده والبيات إنما يستعمل في الليل. والرابع: إن كان جنبا وجب وإلا فلا. وقوله: أولا يريد في أول وضوئه قبل أن يدخلهما في الاناء لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده وقوله: ثلاثا هذا هو المعروف. وقال الجزولي: اختلف هل يغسلهما ثلاثا أو اثنتين ؟ وسبب الخلاف اختلاف الاحاديث. وقوله: تعبدا هذا هو المشهور، وهو قول ابن القاسم وقول أشهب يغسلهما للنظافة. وقوله: بمطلق ونية يعني أنه لا تحصل السنة إلا إذا غسلهما بالماء المطلق ونوى بذلك " الغسل سنة الوضوء. وقوله: ولو نظيفتين هذا تفريع على المشهور من أن غسلهما تعبد. وكذا قوله: ولو أحدث في أثنائه وكذا غسلهما مفترقتين وعلى النظافة خلافه في الجميع قاله في التوضيح قال: هكذا قالوا، وفيه بحث وذلك أنه لم لا يجوز أن يسن لنظيف اليد الغسل ؟ ولو قلنا إنه تنظيف كما في غسل الجمعة لانه شرع أولا للنظافة مع أنا نأمر به نظيف الجسم فانظر ما الفرق انتهى. تنبيهات: الاول: من أحدث في أثناء وضوئه فإنه يسن له أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الاناء قاله سند في باب ترتيب الوضوء وموالاته، وذكر عن بعض الشافعية أن من

[ 351 ]
تيقن طهارة يده فإن شاء أفرغ عليها وإن شاء أخذ بها الماء وغسل يده، ثم رد عليه وقال: هذه قولة متهافتة لان غسل اليد إنما شرع مقدما على إدخالهما الاناء هذا وضعفه في الشرع. وأما من قال يدخلهما ثم يغسلهما فلا يعرف في السلف ولا يلتفت إلى مثله انتهى. وصرح بذلك اللخمي في أول كتاب الطهارة، وقاله أيضا في المسألة السابعة من سماع أبي زيد من كتاب الطهارة الثاني إنما يكون غسلهما سنة إن تيقن طهارتهما. قال ابن عرفة: وسننه غسل يديه الطاهرتين قبل إدخالهما في إنائه. أبو عمر: المشهور كراهة تركه. أشهب: ليس ذلك عليه ثم قال: وسمع ابن القاسم إن أدخلهما من نام في إنائه فلا بأس بمائه. ابن حارث عن ابن غافق التونسي: أفسده ولو كان طاهرهما. ابن رشد: إن أيقن نجاستهما فواضح، وإن أيقن طهارتهما فظاهر، وإن شك فكذلك ولو كان جنبا. ابن حبيب: إن بات جنبا فنجس انتهى. الثالث: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة في الاناء: انظر ذكر الاناء هل هو مقصود فلا يدخل الحوض أم لا ؟ أما الجاري فلا إشكال، وأما غيره فانظره فأني لم أقف عليه انتهى. قلت: ومثل الجاري الماء الكثير مثل الحوض الكبير والبركة الكبيرة، وفرض المسألة في سماع موسى فيمن يرد على الحياض ويده نجسة. وقد قال في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم: فإن كان الاناء مثل المهراس والغدير الذي لا يقدر أن يغسل يده منه إلا بإدخال يده فيه، فإن لم يعلم بها دنسا أدخلها، ولا يأخذ الماء بفيه ليغسلها إذ ليس ذلك من عمل الناس. قاله في آخر سماع أشهب. فأما إذا كانت يده نجسة فلا يدخلها حتى يغسلها وليتحيل في ذلك بأن يأخذ الماء بفيه أو بثوب أو بما يقدر عليه. قاله في سماع موسى انتهى. والذي في سماع أشهب نحو هذا، وزاد فيه: ورأى أن ذلك يعني أخذه بفيه من التعمق. وقال في سماع موسى: إذا كان في يده نجاسة. قال ابن القاسم: أرى أن يحتال بما يقدر عليه حتى يأخذ ما يغسل به يده، إما بفيه أو بثوب أو بما قدر عليه، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها إلا أن يكون الماء كثيرا معينا فلا بأس أن يغسل فيه. قال ابن رشد: إذا كانت يده نجسة لم يجز له أن يدخلها في الماء إلا أن يكون الماء كثيرا يحمل ذلك القدر من النجاسة، ولا بد له أن يحتال في غسل يده قبل أن يدخلها في الماء، إما بفيه أو بثوب طاهر، وإن كان الماء إذا أخذه بفيه ينضاف بالريق فلا يرتفع عن اليد حكم النجاسة على مذهب مالك فإن عينها تزول وإن بقي حكمها وإذا زال عينها من يده بذلك لم ينجس الماء الذي أدخلها فيه وهذا مما لا خلاف فيه انتهى. وقال ابن رشد أيضا: تحصيل القول في ذلك أن الماء إذا وجده القائم من نومه في مثل المهراس الذي لا يمكنه أن يفرغ منه على يديه، فإن أيقن بطهارة يده أدخلها، وإن أيقن بنجاستها لم يدخلها فيه. واحتال لغسلها بأن يأخذ الماء بفيه أو بثوب أو بما قدر عليه، وإن لم يوقن بطهارتها ولا نجاستها فقيل: إنه يدخلها في المهراس ولا شئ عليه لانها محمولة على الطهارة. وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الوضوء. وقيل: إنه لا يدخلها فيه وليحتل لغسلها بأخذ الماء بفيه أو بما يقدر عليه، وهو

[ 352 ]
ظاهر قول أبي هريرة. وأما إن كان في إناء يمكنه أن يفرغ منه على يديه فلا يدخلهما فيه حتى يغسلهما، فإن أدخلهما فيه قبل أن يغسلهما فالماء طاهر إن كانت يده طاهرة، ونجس إن كانت يده نجسة على مذهب ابن القاسم، وإن لم يعلم بيده نجاسة فهي محمولة على الطهارة، وسواء أصبح جنبا أو غير جنب. انتهى من رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع. فرع: وقال الشيخ يوسف بن عمر: قوله: قبل دخولهما في الاناء غير مقصود والمقصود غسلهما عند ابتداء الوضوء، وسواء توضأ من الاناء أو من النهر انتهى. ولم يتكلم ابن رشد على ما إذا عجز ولم يقدر على حيلة. وقال في المنتقى في آخر جامع غسل الجنابة: لا يخلو أن يكون ما بيده من النجاسة يغير الماء أو لا يغيره، فإن كان بغيره فلا يدخل يده فيه، وحكم هذا حكم من ليس عنده ماء. فإن كان لا يغيره فليدخل يده فيه ثم يغسل يده بما يغرف بها من الماء ثم يتوضأ أو يغتسل، لان إدخال يده إذا لم يغير الماء فإنه لا ينجسه وإنما يكره له مع وجود غيره، وحكمه حكم الماء اليسير تحله نجاسة ولم تغيره، فالظاهر من قول أصحابنا إنه أولى من التيمم. وعلى قول ابن القاسم لا يدخل يده ويتيمم انتهى وهظاهر والله تعالى أعلم. الرابع: قال ابن المنير في تيسير المقاصد لائمة المساجد: وسننه غسل يديه قبل إدخالهما في الاناء، يفرغ ثلاثا على اليمنى فيغسلها ثم يفرغ بها على اليسرى فيغسلها انتهى. قال في البيان في آخر سماع من كتاب الطهارة في شرح المسألة الثانية والثلاثين في رسم الوضوء والجهاد: وهذا كما قال إن الاختيار في غسل اليدين قبل الوضوء أن يفرغ على يده اليمنى فيغسلهما , جميعا اتباعا لظاهر الحديث، وإن أفرغ على اليمنى فغسلها وحدها ثم أدخلها في الاناء فأفرغ بها على يده اليسرى فغسلها أيضا وحدها أجزأه ولم يكن عليه في ذلك ضيق. وفي أول سماع عيسى لابن القاسم مثل اختيار مالك هذا. واختلف اختيارهما في تمام الوضوء هل يدخل يديه جميعا في الاناء، أم يدخل الواحدة ويفرغ على الثانية ويتوضأ ؟ ثم قال في المسألة الثانية من سماع عيسى: اختيار ابن القاسم هنا أن يفرغ على يده الواحدة فيغسلهما جميعا هو مثل ما تقدم لمالك في سماع أشهب، ورأى واسعا أن يفرغ على يده فيغسلها وحدها ثم يدخلها في الاناء فيفرغ بها على ا - أخرى فيغسلها أيضا وحدها، وأما في بقية الوضوء فاختار مالك في هذه الرواية أن يدخل يديه جميعا في الاناء فيغرف بهما جميعا لوجهه ثم لسائر أعضائه. وظاهر قول ابن القاسم أنه يدخل يده الواحدة فيغرف بها على الثانية فيغسل وجهه ثم يفعل ذلك في سائر أعاء وضوئه، وهو أحسن من قول مالك لان ما يغرف بيده الواحدة يكفيه لغسل وجهه، وهو أمكن له من أن يغرف بيديه جميعا، ولعل الاناء يضيق عن ذلك. وإنما يغرف بيديه جميعا في الغسل لقوله (ص) في الحديث: ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه والله تعالى أعلم انتهى. وقال في الطراز: اختلف في الترتيب بين اليدين وغسلهما قبل إدخال الاناء. فروى أشهب عن مالك أنه يغسل اليمنى ثم يدخلها في الاناء

[ 353 ]
فيفرغ على اليسرى. وقال ابن القاسم في رواية عيسى: أحب إلي أن يفرغ عليهما فيغسلهما كما جاء في الحديث. انتهى من بات ترتيب الوضوء وموالاته. حكاية وموعظة: ذكر أن بعض المبتدعين سمع قوله (ص): إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه فإنه لا يدري أين باتت يده قال كالمستهزئ: أنا أدري أين باتت يدي كانت على الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. ذكر ذلك ابن المفضل في شرح مسلم. ص: (ومضمضة واستنشاق) ش: يعني أن السنة الثانية من سنن الوضوء المضمضة، والسنة الثالثة من سننه الاستنشاق. فأما المضمضة فهي بضادين معجمتين، وأصلها في اللغة التحريك والتردد ومنه قولهم: مضمض النعاس في عينيه ومضمض الماء في الاناء أي حركة. وظاهر كلامه في الطراز أنه يقال فيها مصمصة بالصاد المهملة فإنه قال: المصمصة معجمة وغير معجمة بمعنى واحد وهو جعلك الماء في الاناء ثم تحركه انتهى. ولعله يريد في اللغة قال في الصحاح: والمصمصة يعني بالمهملة مثل المضمضة إلا أنها بطرف اللسان، والمضمضة بالفم كله انتهى. وأما في الشرع فقال ابن عرفة عن القاضي: هي إدخال الماء فاه فيخضخضه يمجه ثلاثا انتهى. ولفظه في التلقين صفتها أن يدخل الماء إلى فيه بخضخضه ثم يمجه انتهى. وقال في الطراز: هي في الوضوء أن يخضخض الماء بفيه ثم يمجه. وهكذا قال غير واحد. وظاهر كلامهم أن الخضخضة والمج داخلان في حقيقتها. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة بعد أن ذكر كلام التلقين: فأدخل المج في ذلك. فعلى هذا إذا ابتلعه لم يكن آتيا بالسنة، ويمكن أن يكون ذلك لان العادة والغالب لا أنها تتوقف على المج، ولا بد، وأما أقلها فبأن يجعل الماء في فيه ولا يشترط إدارته عند الشافعية، وأما عندنا فالظاهر اشتراطه لتقييدهم ذلك بالخضخضة وهي التحريك انتهى. قلت: وفي الزاهي لابن شعبان: ولا يمج المتوضئ الماء حتى يخضخضه في فيه. وقال الابي في شرح مسلم: المضمضة تحريك الماء في الفم بالاصبع أو بقوة الفم. زاد بعضهم: ثم يمجه. فأدخل في حقيقة المج قال تقي الدين: فعلى هذا لو ابتلعه لم يكن مؤديا للسنة إلا أن يقال: إنما زاده من حيث إنه العادة لان أداء السنة يتوقف عليه. قال: وإن كان في الفم درهم أداره ليصل الماء إلى محله انتهى. والظاهر أنه أراد بتقي الدين ابن دقيق العيد وكأنه لم يقف على كلام الفاكهاني. وفيما ذكره من إدارة الدرهم نظر، لان الماء يصل إلى ما تحته، وقال

[ 354 ]
الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: فيمضمض فاه يجعل فيه الماء ثم يخضخضه ويمجه بقوة، فإن فتح فاه فنزل الماء دون دفع ففي مجهول الجلاب قولان، ولو لم يمج الماء وابتلعه فقولان أيضا. زاد في شرح القرطبية ذكرهما القلشاني في شرح الرسالة انتهى. ومجهول الجلاب هو للشار مساحي وصرح باسمه في شرح الوغليسية. ثم قال في شرح الرسالة وفي شرح العمدة للفاكهاني: قال النووي: الجمهور على أن إدارة الماء في الفم لا تلزم. وسمعت بعض شيوخنا يقول: إذا قال أهل الخلاف الكبير الجمهور فإنهم يعنون به مالكا والشافعي وأبا حنيفة، فلعل هذا منه فانظره انتهى. وقال في شرح القرطبية بعد أن ذكر كلام النووي: وظاهر ما نقلناه عن التلقين لزومه انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على كلام الفاكهاني في شرح الرسالة وما ذكرناه عن الزاهي، فتحصل من هذا أن الظاهر من كلام أهل المذهب اشتراط الخضخضة كما قاله الفاكهاني، وليس ثم ما يعارضه إلا ما نقله النووي وليس فيه تصريح بنسبة ذلك إلى مذهبنا. وفي ابتلاع الماء قولان، يظهر من كلام ابن الفاكهاني ترجيح عدم الاكتفاء بذلك، وذكر الشيخزروق في شرح الوغليسية عن شيخه القوري أنه كان يأخذ عدم اشتراط المج من قول المازري: رأيت شيخنا يتوضأ بصحن المسجد فلعله كان يبتلع المضمضة حتى سمعته منه انتهى. وإذا قلنا إن الظاهر إجزاء الابتلاع فكذلك يكون الظاهر من القولين في إرسال الماء دون رفع الاجزاء والله أعلم. فرع: قال في المدخل: ولا يصوت بمج الماء من المضمضة حين الوضوء فإنه بدعة ومكروه ذكره في فصل آداب الاكل. وأما الاستنشاق فهو مأخوذ من التنشق وهو الشم يقول: استنشقت الشئ إذا شممته. وهو في الشرع جذب الماء بالنفس. وما ذكره المصنف من أن المضمضة والاستنشاق سنة قال في التوضيح: هو المعروف. وذكر المازري أن بعض المتأخرين ذهب إلى أنهما فضيلة انتهى. قلت: ورأيت في بعض كتب الحنفية أنهما واجبان عند مالك في الوضوء والغسل، وهذا ليس بمعروف في المذهب. ص: (وبالغ مفطر) ش: يعني أن المتوضئ يبالغ في المضمضة والاستنشاق إذا كان غير صائم. قال في الذخيرة: يستحب المبالغة فيهما ما لم يكن صائما انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: يستحب للمتوضئ المبالغة برد الماء إلى الغلصمة إلا أن يكون صائما فيكره له ذلك خوفا مما يصل إلى حلقه منه، فإن وقع وسبقه لزمه القضاء، وإن تعمد كفر انتهى. ثم قال: والمبالغة في الاستنشاق كالمبالغة في المضمضة بل هي الاصل لحديث: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما وحكم المبالغة في الصوم فيهما الكراهة انتهى. والحديث رواه الترمذي والنسائي. وقال ابن فرحون: المبالغة في المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجورا، والمبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الانف

[ 355 ]
ولا يجعله سعوطا انتهى. ص: (وفعلهما بست أفضل وجازا أو إحداهما بغرفة) ش: يعني إن المضمضة والاستنشاق بست غرفات أفضل من بقية الصورة المذكورة بعد ذلك. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف في التوضيح وابن راشد في شرح ابن الحاجب وابن عبد السلام أن فعلهما بست متفق على أنه الافضل. وحكى الباجي في ذلك عن الاصحاب قولين: أحدهما ما ذكره المصنف، والثاني أن الافضل أن يأتي بثلاث غرفات في كل غرفة مضمضة واستنشاق. قلت: واختار ابن رشد هذا القول الثاني وجعل ما ذكره المصنف أنه الافضل من الجائز، ولم يحك في ذلك خلافا. قال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب: الاختيار أن يأخذ غرفة يمضمض بها ويستنشق، ثم يأخذ أخرى يمضمض بها ويستنشق، ثم غرفة ثالثة يمضمض بها ويستنشق على ظاهر الحديث. وإن شاء مضمض ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات، ثم استنشق ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات، الامر في ذلك واسع، واتباع ظاهر الحديث أولى انتهى. ونقله ابن عرفة باختصار. فقال الباجي: في كون الاولى فعلهما من غرفة ثلاثا أو لكل واحدة ثلاث قولا أصحابنا في فهم قول مالك ابن رشد الاول أولى انتهى. الثاني: إذا قلنا الاكمل أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات فقال البساطي: ذلك على وجهين: أحدهما أن يتمضمض بثلاث على الولاء ثم يستنشق كذلك، والثاني أن يتمضمض بغرفة ثم يستنشق بغرفة ثم كذلك انتهى. قلت: ولم أقف على من ذكر هذا الوجه الثاني فيما إذا أتى بهما بست غرفات، بل الذي يظهر من كلامهم هو الوجه الاول، قال في الطراز: لما ذكر القول الذي اختاره المصنف ما نصه. الوجه الثاني أن يأتي بالمضمضة ثلاثا نسقا من ثلاث غرفات ثم الاستنثار كذلك انتهى. ويظهر ذلك من كلام ابن رشد السابق وكلام ابن الفاكهاني الآتي في التنبيه الرابع. وقد يؤخذ جواز ما ذكره البساطي من كلام المصنف في التوضيح فيما إذا جمع المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة فإن قال: وذلك يحتمل وجهين: أحدهما أن يتمضمض بها أولا ثلاثا ثم يستنشق كذلك. والثاني أن يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم كذلك انتهى. وإلى هذه الصورة أشار المصنف بقوله: وجاز بغرفة. قال في العارضة: أخبرني

[ 356 ]
شيخنا محمد بن يوسف القيسي قال: رأيت النبي (ص) في المنام فقلت له: أجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة ؟ فقال: نعم انتهى. وقوله: أو إحداهما يشير إلى أنه يجوز أن يمضمض ثلاث مرات بغرفة واحدة ثم يستنشق ثلاثا بغرفة واحدة. الثالث: لم يذكر المصنف الوجه الثاني في كلام الباجي الذي اختاره ابن رشد ولم يشر إليه ولا في الجائزات، ويتعين ذكره لاختيار ابن رشد له. الرابع: ذكر ابن الفاكهاني في شرح الرسالة أن اختيار مالك أن يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة. قال: وهو أولى ليكون الاستنشاق كله بعد المضمضة كلها ويسلم من التنكيس انتهى. وهو غريب أعني كونه اختيار مالك. الخامس: بقي من صفات المضمضة والاستنشاق صفة لم أقف على من ذكرها، وهو أن يأخذ غرفة ثالثة يستنشق منها مرتين والظاهر جوازها. السادس: قال في الطراز: ويستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه وهو متفق عليه ومأثور في وضوء النبي (ص). وقال في الزاهي: وحمل الماء لذلك يعني للمضمضة والاستنشاق باليمنى خاصة. السابع: قال في الزاهي: من لم يستطع ذلك يعني المضمضة والاستنشاق من علة تمنعه منه لم يلزمه انتهى. الثامن: قال الفاكهاني في شرح قول الرسالة: يجزيه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق، هذا لا يختص بالمضمضة والاستنشاق أعني الاقتصار على ثلاث فإن مغسولات الوضوء كلها كذلك، وكان مراده والله تعالى أعلم بقوله: أحسن أي أحسن من الاثنين لا أحسن من الواحدة إذ الاقتصار على الواحدة مكروه، وليس بين الكراهة والحسن صيغة أفعل، ولو قال ويجزيه الاقتصار على الاثنين لكان أبين انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة أيضا: ويجزيه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق ويعني بحيث يفعل لكل واحدة واحدة أو لواحدة أكثر من الاخرى واثنتين اثنتين، وسواء الفعلات - وهو المقصود هنا - أو الغرفات انتهى. وقال في شرح قول الرسالة: ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثا. تقدمت كراهة مالك لما دونها لا سيما عند انقيام من النوم، ففي الصحيح: إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه متفق عليه انتهى. ويشير بقوله: تقدمت كراهة مالك لما دونها إلى ما ذكره عن ابن عرفة ونصه: الاستنشاق جظب الماء بأنفه، ونثره بنفسه ويده على أنفه ثلاثا. وكرهه مالك دونهما. قال الشيخ زروق: أي دون الثلاث ودون اليد على الانف والله تعالى أعلم.

[ 357 ]
قلت: الموجود في نسخ ابن عرفة: دونها بأفراد الضمير أي دون جعل اليد على الانف، وكأنه في نسخة الشيخ زروق بضمير التثنية. التاسع: قال في الزاهي: ومن احتاج إلى أكثر مما قدمناه من العدد فعله ولا حرج انتهى. قلت: بأن يكون في فمه أو أنفه نجاسة أو غيرها ولم يخرج إلا بأكثر من ذلك. ص: (واستنثار) ش: يعني أن السنة الرابعة الاستنثار، وهو لغة طرح الماء من الانف بالنفس مأخوذ من نثرت الشئ إذا طرحته. وقيل: إنه مأخوذ من تحريك النثرة. وهي طرف الانف. وفي الشرع طرح الماء من أنفه بنفسه مع وضع أصبعيه على أنفه، وكرهه مالك دون وضع يديه على أنفه وقال: هكذا يفعل الحمار. وقال الشيخ زروق: قالوا: وإنما يمسكه من أعلاه ثم يمر لآخره لانه الذي ينظف ويشد أصابعه بالاخراج، وكون ذلك باليسار هو الاولى وقد اختلف فيه انتهى. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وينثره بنفسه وأصبعه مراده الابهام والسبابة من اليد اليسرى لانها المعدة لازالة الاوساخ انتهى. وقال في الذخيرة: لما تكلم على المضمضة والاستنشاق قال صاحب الطراز: ويفعلهما باليمنى - وهو متفق عليه - ويستنثر باليسرى وهو مروي عنه عليه الصلاة والسلام انتهى. وجعل المصنف الاسبنثار سنة مستقلة وهو الذي ارتضاه ابن رشد في المقدمات والقاضي عياض في الاكمال، وفي كلام ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح ميل إليه. قال في الاكمال: الاستنشاق والاستنثار عندنا سنتان، وعدهما بعض شيوخنا سنة واحدة لانه عليه الصلاة والسلام أمر بهما وأفراد كل واحدة منهما بالذكر انتهى. وقال ابن عرفة: بعد أن نقل كلام القاضي عياض: ظاهر اقتصار الرسالة والتلقين والجلاب والصقلي والمازري وابن رشد وابن العربي على المضمضة والاستنشاق أنهما يعني - الاستنشاق والاستنثار - سنة واحدة. وظاهر قول الكافي المضمضة والاستنثار ومسح الاذنين سنة أنهما سنتان وهو نص المقدمات. قول أول الرسالة من سننه المضمضة والاستنثار ظاهر في الثاني، وقوله آخرها كالتلقين ظاهر في الاول انتهى والله تعالى أعلم. ص: (ومسح وجهي كل أذن) ش: يعني أن مسح وجهي الاذنين أي ظاهرهما وباطنهما سنة وهذا هو المشهور، قاله في التوضيح: قال: وذهب ابن مسلمة والابهري إلى أن مسحهما فرض. وقال عبد الوهاب: داخلهما سنة، وفي ظاهرهما اختلاف انتهى. وقال ابن عرفة: ونقل ابن رشد فيه الاستحباب، يحتمل أنه تفسير للندب أولا فيكون ثالثا. قال اللخمي: الصماخان سنة اتفاقا. وفي فرض ظاهر إشرافهما وباطنهما قولا. ابن مسلمة: مع قولها الاذنان من الرأس،

[ 358 ]
وابن حبيب انتهى. وعلى ما ذكر القاضي عبد الوهاب فاختلف في الظاهر فقيل: ما يلي الرأس. وقيل: ما يواجه به، ومنشأ الخلاف النظر إلى الحال أو إلى أصل الخلقة فإن أصل الاذن في الخلقة كالوردة ثم تنفتح. قال ابن عبد السلام: وهذا الخلاف إنما يحسن النظر فيه على القول بأن مسح ظاهرهما مخالف لمسح باطنهما، وأما على المشهور فلا يحتاج إلى النظر فيه انتهى. قلت: لكن يظهر من كلام الباجي ترجيح القول بأن ظاهرهما مما يلي الرأس على كل قول فإنه قال: الرابعة أن يمسح أذنيه بماء جديد ظاهرهما بإبهاميه وباطنهما بأصبعيه ويجعلهما في صماخيه. وقال بعده أيضا: وظاهرهما مما يلي الرأس. وقيل: ما يواجه. قال في التوضيح: قوله: بأصبعيه أي بسبابتيه وقوله: ويجعلهما في صماخيه نبه على ذلك لئلا يظن سقوط المسح عنهما. ابن حبيب: ولا يتتبع غضونهما أي كالخفين انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: وكره ابن حبيب تتبع غضونهما انتهى. وقال في شرح الرسالة: وقال ابن حبيب: يكره تتبع غضونهما لان مقصود الشارع بالمسح التخفيف، والتتبع ينافيه، والاقتصار أحد الجهتين من الظاهر أو الباطن يجري على الخلاف فيهما انتهى. يعني الخلاف في فرض ذلك وسنته والله تعالى أعلم. وقال ابن عرفة: وكيفية مسحهما مطلق في الروايات. وفي الموطأ: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يأخذ الماء بأصبعيه لاذنيه فقال عيسى: يقبض أصابع يديه سوى سبابتيه يمرهما ثم يمسح بهما داخلهما وخارجهما. الباجي: يحتمل أنه يأخذ الماء بأصبعيه من كل يد لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما باطنهما بالسبابة وظاهرهما بالابهام. قلت: نقل الشيخ عن ابن حبيب يأخذ الماء بأصبعيه يمسحهما من ظاهرهما وباطنهما. يحتمل الوجهين، وفي الرسالة يفرغ الماء على سبابتيه، وإبهاميه وإن شاء غمسهما في الماء ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما انتهى. ص: (وتجديد مائهما) ش: يعني أن السنة السادسة تجديد الماء لمسح الاذنين. قال في التوضيح: المشهور لا بد من تجديد الماء. ابن حبيب: وإن لم يجد فهو كمن ترك مسحهما. وقال ابن مسلمة: وهو مخير في التجديد وعدمه. وكلام ابن الحاجب يحتمل أن التجديد مع المسح سنة واحدة وإليه ذهب أكثر الشيوخ، وجعل ابن رشد التجديد سنة مستقلة، ويحتمل أن يكون المسح هو السنة والتجديد مستحب وهو قول مالك في المختصر انتهى كلام التوضيح.

[ 359 ]
تنبيهان: الاول: قوله: جعل ابن رشد التجديد سنة مستقلة يقتضي أنه جعل كلا من التجديد والمسح سنة، وكلامه في المقدمات يقتضي أن مسح الاذنين عند مالك فرض. وأن السنة في التجديد. ونصه: سنن الوضوء اثنتا عشر، منها أربع متفق عليها في المذهب وهي: المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الاذنين مع تجديد الماء لهما، والمنصوص لمالك أنهما من الرأس وإنما السنة في تجديد الماء لهما. وقد قيل في غير المذهب: إنهما من الرأس يمسحان معه ولا يجدد لهما. وقد قيل: إنهما من الوجه يغسلان معه. وقيل: باطنهما من الوجه وظاهرهما من الرأس. والصواب ما ذهب إليه مالك. ثم قال: وثمان فيها إنها سنن، وقيل مستحبة وعد منها استيعاب مسح الاذنين انتهى. وله نحو ذلك في كتاب التبيين والتقسيم. قال في سماع موسى من كتاب الطهارة: الاذنان عند مالك من الرأس وإنما السنة عنده تجديد الماء لهما. وإنما قال إنه لا إعادة على من نسيهما في وضوئه وصلى مع أن مسح جميع الرأس عنده واجب، مراعاة لقول من قال إنهما ليسا من الرأس. وقد قيل أيضا: إنه لا يلزم استيعاب مسح جميع الرأس انتهى. نعم صرح ابن يونس بأن كلا من المسح والتجديد سنة مستقلة فقال لما عد سنن الوضوء: ومسح داخل الاذنين وفي ظاهرهما اختلاف. قيل: فرض، وقيل سنة، وتجديد الماء لهما سنة انتهى. ولعل المصنف في التوضيح أراد أن ينسب ذلك لابن يونس فعزاه لابن رشد أو وقع ذلك لابن رشد في المقدمات. الثاني: قوله في التوضيح المشهور: لا بد من تجديد الماء لهما إنما يظهر على القول بأن المسح والتجديد سنة واحدة، وأما على القول بأنهما سنتان فغير ظاهر، لانه إذا مسح من غير تجديد فقد أتى بإحدى السنتين فتأمله. ص: (ورد مسح رأسه) ش: يعني أن السنة السابعة رد اليدين في مسح الرأس إلى المحل الذي بدأ منه، فإن بدأ من مقدم رأسه كما هو المستحب في ذلك ردهما من المؤخر إلى المقدم، وإن بدأ في المسح من مؤخر رأسه وترك المستحب من ذلك، فالسنة أن يردهما من المقدم إلى المؤخر كما صرح بذلك ابن القصار ونقله اللخمي وعبد الحق. قال اللخمي: والفرض في مسح الرأس واحد، وهو بلوغ اليدين إلى مؤخره، ولا خلاف أنه لو اقتصر على ذلك ولم يردهما لاجزأه، والسنة ردهما من القفا إلى مقدم الرأس. قال ابن القصار: وإن بدأ رجل من مؤخر رأسه إلى مقدمه لكان المسنون أن يرد من المقدم إلى المؤخر انتهى. ونقل ذلك المصنف في التوضيح. وقال ابن عرفة: لما عد السنن ورد اليدين من منتهى المسح لمبدئه سنة. ابن رشد: وقد قيل فضيلة انتهى. تنبيهات: الاول: عبارة المصنف أحسن من قولابن الحاجب: ورد اليدين من مؤخر

[ 360 ]
رأسه إلى مقدمه لانه يقتضي أن الرد لا يكون سنة إلا إذا كان من المؤخر إلى المقدم. قال في التوضيح: وليس كذلك قال: ويلزم عليه أن يكون الابتداء من مقدم الرأس سنة، وهو خلاف ما يأتي له يعني ابن الحاجب من أن ذلك من الفضائل انتهى. وسيصرح المصنف أيضا بأن ذلك مستحب والله تعالى أعلم. الثاني: لم يذكر المصنف رد اليدين ثالثة في مسح الرأس وهو قول الاكثر. قال اللخمي: واختلف في رد اليدين ثالثة فقيل: لا فضيلة في ذلك، وعلى هذا غير واحد من البغداديين. وقال إسماعيل القاضي: جاءت أحاديث عن النبي (ص) في مسح الرأس ثلاثا. ويمكن أن يكون ذلك أن يمر اليدين من المقدم إل المؤخر ثم يردهما إلى المؤخر نحو ما روي عن عطاء، يرد ولا يستأنف الماء للثانية ولا للثالثة، ولا فائدة في إعادة اليد للثانية أو الثالثة إلا أن يكون قد بقي في اليد بلل، والغالب بقاء البلل في اليد انتهى. ونقله ابن عرفة فقال اللخمي: وفي كون رد اليدين ثالثة فضيلة قولا. إسماعيل: والاكثر ونقله الشارح في الكبير. الثالث: يفهم من كلام اللخمي هذا أن الرد إنما يطلب إذا بقي في اليد بلل، وإما إذا لم يبق فيها بلل فلا فائدة فيه فتأمله. الرابع: يكره التكرار بماء جديد كما صرح به ابن الحاجب وغيره والله تعالى أعلم، وكما سيأتي عند قول المصنف: ومن ترك فرضا أتى به. ص: (وترتيب فرائضه) ش: يعني أن السنة الثامنة من سنن الوضوء أن يرتب فرائضه فيغسل وجهه ثم ذراعيه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه. واحترز بقوله: فرائضه من الترتيب بين السنن في أنفسها وبينها وبين الفرائض فإن ذلك مستحب كما سيأتي، والمشهور في المذهب أن الترتيب سنة كما قال المصنف: قال ابن رشد في المقدمات: وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وقيل: واجب حكاه ابن زياد عن مالك، وقاله أبو مصعب ومال إليه ابن عبد السلام وعزاه في الذخيرة للشيخ أبي إسحاق وقيل: واجب مع الذكر وعزاه ابن راشد والمصنف في التوضيح لابن حبيب. وقيل: مستحب وعزاه في الذخيرة لابن حبيب وذكره في التوضيح ولم يعزه بل قال: تأول اللخمي المدونة عليه لقوله فيها: يعيد الوضوء وذلك أحب إلي وما أدري ما وجوبه. قال سند: هو تأويل فاسد. قال: والهاء في وجوبه عائد على الترتيب، ويحتمل أن يعود على إعادة الوضوء. واقتصر ابن يونس على الاول انتهى كلام التوضيح. فتحصل في حكمه أربعة أقوال. قال في الذخيرة: ووجه المشهور أن الله سبحانه وتعالى عدل عن أحرف الترتيب وهي الفاء وثم إلى الواو التي لا تقتضي إلا مطلق الجمع. وقول علي رضي الله تعالى عنه: ما أبالي إذا أتممت

[ 361 ]
وضوئي بأي أعضائي بدأت، وقول ابن عباس: لا بأس بالبداءة بالرجلين قبل اليدين خرج الاثرين الدارقطني مع صحبة علي رضي الله تعالى عنه لرسول الله (ص) طول عمره، فلولا إطلاعه على عدم الوجوب لما قال ذلك، وكذلك ابن عباس انتهى. وحيث انتفى الوجوب قلنا إنه سنة لمواظبة النبي (ص) عليه. ووجه ابن رشد القول بالوجوب بأن الله سب حانه وتعالى رتب الاعضاء بعضها على بعض. وقال النبي (ص): توضأ كما أمرك الله تعالى، وبأن الوضوء عبادة ذات أجزاء يكره الكلام فيها، فكان الترتيب واجبا فيها كالصلاة، وبأن النبي (ص) توضأ مرتبا وفعله محمول على الوجوب، وبأنه (ص) توضأ كذلك وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. ثم قال: والجواب أن هذه مناسبات تقتضي أن الترتيب مطلوب ونحن نوافق على ذلك. ووجه القول بأنه واجب مع الذكر أن الترتيب يرجع إلى النهي عن التنكيس. والنهي يفترق عمده من نسيانه انتهى. ووجه الاستحباب أنه حيث انتفى الوجوب حمل على الندب إذ هو الاصل في الهيآت كالابتداء بمقدم الرأس وبأول العضو وباليمنى قبل اليسار والله تعالى أعلم. ص: (فيعاد المنكس وحده بعد أن بجفاف وإلا مع تابعه) ش: يعني إذا قلنا إن الترتيب سنة، فمن نكس أعضاء وضوئه فإنه يعيد المنكس وحده ولا يعيد ما بعده أن بعد عن محل الماء، وإن لم يبعد أعاد الوضوء المنكس وما بعده. هذا قول ابن القاسم. وقال ابن حبيب: يعيد المنكس وما بعده، سواء كان بعيدا أو قريبا. وما ذكره المصنف من إعادة المنكس وما بعده مع القرب هو الذي نص عليه ابن رشد وابن بشير وغيرهما. قال في التوضيح: وظاهر كلام ابن شاس أنه يعيد الوضوء قال: ولفظه إن كان بحضرة الماء فإنه يبتدئ ليسارة الامر عليه انتهى. قلت: والظاهر ما قاله ابن رشد وابن بشير وعليه اقتصر صاحب الطراز والمصنف والله تعالى أعلم. فرع: من نكس بعض عضو فحكم ذلك البعض حكم المنكس. قال ابن يونس: فيمن غسل يديه أول وضوئه ثم لم يعد غسل كفيه بعد غسل وجهه: إن كان قصد بغسل يديه أولا السنة فلا يجزئه وليعد ما صلى بذلك، فإن قصد بذلك الفرض فتجزئه صلاته إلا أنه يصير كمن نكس وضوءه، قاله أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو محمد بعد أن قال يجزئه انتهى. كأنه يعني - والله أعلم - أن أبا محمد قال: أولا: لا يجزئه ولم يفصل بين أن يكون قصد به أولا السنة أم لا والله تعالى أعلم. تنبيهات: الاول: هذا حكم من ترك الترتيب ناسيا، فأما من نكس وضوءه عامدا،

[ 362 ]
فحكى ابن الحاجب فيه قولين قال في التوضيح: قال ابن شاس: أحدهما أنه يعيد مع العمد قريبا كان أو بعيدا. والثاني: أنه كالناسي فلا يعيدوهما على الخلاف في تارك السنن متعمدا، هل يجب عليه إعادة الصلاة أم لا ؟ انتهى. وقال ابن راشد: إذا ترك السنة عمدا في الصلاة ففي الاعادة قولان. وكذا هنا. والخلاف هنا أضعف لان سنن الصلاة أقوى والقول بالصحة في الموضعين أصح لان السنة ولا يذم تاركها انتهى. وقال في المقدمات: إذا قلنا إنه سنة فإن كان بحضرة الوضوء أخر ما قدم ثم غسل ما بعده، ناسيا كان أو عامدا، وإن كان قد تباعد وجف وضوؤه وإن كان متعمدا ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يعيد الوضوء والصلاة، والثاني أنه يعيد الوضوء ولا يعيد الصلاة قاله ابن حبيب. والثالث: أنه لا إعادة عليه للوضوء ولا للصلاة، والثاني وهو قول مالك في المدونة لا أدري ما وجوبه انتهى. ثم ذكر حكم النسيان. قلت: وحكى ابن عرفة عن ابن زرقون أنه عزى للمدونة أنه يعيد الوضوء استحبابا والله تعالى أعلم. الثاني: تقدم أن إعادة ما بعد المنكس في القرب مسنونة لاجل تحصيل الترتيب خلافا لابن ناجي والجزولي والشيخ يوسف بن عمر في قولهم إنها مستحبة والله تعالى أعلم، وكلام ابن بشير وابن الحاجب يدل على ذلك. الثالث: جعل ابن رشد الجفاف حدا للبعد في العحم والنسيان، وقد تقدم في الموالاة أن التفريق عمدا لا يجدد بالجفاف بل دون ذلك، وينبغي أن يقال هنا كذلك أيضا فتأمله. الرابع: المنكس هو المقدم عن موضعه المشروع له، فلو بدأ فغسل ذراعيه ثم غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه، فعند ابن القاسم يؤخر ما قدمه وهو غسل ذراعيه ولا يعيد ما بعده، وعن ابن حبيب يغسل ذراعيه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه، فإن غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل ذراعيه ورجليه أعاد عند ابن القاسم رأسه فقط، وعند ابن حبيب يعيد رأسه ورجليه، فلو غسل رجليه في هذه الصورة قبل غسل ذراعيه، فيتفق ابن القاسم وغيره على أنه يعيد مسح رأسه ورجليه، فلو بدأ في الاعادة في هذه الصورة فغسل رجليه قبل مسح رأسه فيمسح رأسه ولا يعيد غسل رجليه عند ابن القاسم، لان إعادة غسل رجليه إنما كانت لوقوع ذلك قبل غسل ذراعيه، فإذا أعاده فقد وقع بعد غسل الذراعين وبعد مسح الرأس في الطهارة الاولى، ويعيد الآن مسح رأسه ليقع مسح رأسه بعد غسل الذراعين، وعند ابن حبيب إذا مسح رأسه أعاد غسل رجليه، قال في الطراز: ولو غسل وجهه ثم رجليه ثم مسح رأسه وغسل ذراعيه فيتفق على أنه يمسح رأسه ويغسل رجليه، وقد ذكر صاحب الطراز من هذا صورا كثيرة مرجعها إلى ما ذكرناه.

[ 363 ]
الخامس: استشكل ابن رشد في المقدمات والتونسي قول ابن القاسم، لانه لا يتخلص بما يأتي من التنكيس كما تقدم. فمن بدأ بغسل ذراعيه أو بمسح رأسه قبل غسل وجهه أنه يعيد ما قدمه فقط وهو غسل الذراعين أو مسح الرأس، وإذا فعل ذلك فقد وقع غسل ذراعيه بعد مسح رأسه وغسل رجليه في الصورة الاولى، ووقع مسح رأسه بعد غسل رجليه في الصورة الثانية. قال في المقدمات: والجاري على أصل ابن القاسم في تفرقة الوضوء ناسيا أن لا شئ عليه في تنكيسه ناسيا إذا فرق وضوءه. قال: ووجه قوله أن ما قدمه فوضعه في غير موضعه يصير بمنزلة ما نسيه فذكره بعد البعد فيفعله وحده ولا يعيد ما بعده، لكن يلزمه على هذا إذا نكس وضوءه إعادة الوضوء والصلاة، وهو خلاف ما في المدونة انتهى بالمعنى، ونقله في التوضيح بلفظه. واعترض بأنه لو جعله كالمنسي للزم أن يعيد الوضوء في العمد ولم يقل به انتهى. قلت: قد يقال لا يلزم ذلك لان المنكس مشبه بالمنسي ولا يلزم أن يتنزل منزلته من كل الوجوه فتأمله. وذكر في البوضيح جوابا ثانيا عن الاستشكال المذكور، وهو أن إعادة المقدم إنما هي لحصول الترتيب بينه وبين ما قدم عليه بإعادة الذراعين في الصورة الاولى إنما هي ليحصل الترتيب بين الذراعين والوجه لان التنكيس، إنما وقع بينهما لا بين الذراعين ومسح الرأس لحصول ذلك أولا. وعزا ابن عرفة هذا الجواب لبعض الاندلسيين قال: ورده المازري بأنه يلزم مثل ذلك في القرب، وذكر الاعتراض في التوضيح عن ابن هارون ولم يعزه. قلت: قد يقال: إنه لا يلزم ما ذكره المازري لانه إنما أمر بإعادة المنكس وما بعده بحضرة الماء ليأتي بالوضوء على الوجه الاكمل من مراعاة الموالاة والترتيب فيخرج بذلك من الخلاف ومع البعد لا بد من دخول الخلاف فيه لحصول الخلل في الموالاة والترتيب فتأمله والله تعالى أعلم. السادس: استشكل ابن رشد في المقدمات أيضا قول ابن حبيب يعيد المنكس وما بعده وقال: فيه نظر، لانه إذا فعل ذلك ولم يعد الوضوء " من أوله فقد حصل وضوؤه مفرقا. ومن قول ابن حبيب إن من فرق وضوءه ناسيا ومتعمدا أعاد الوضوء والصلاة في الوقت وبعده انتهى. وذكره ابن عرفة وقال بعده: ويجاب بحصول الموالاة أولا انتهى فتأمله. السابع: إذا قلنا إن الترتيب واجب فنكس وضوءه، فحكى في التوضيح عن الجواهر أنه اختلف فيه هل يبتدئ الوضوء أم لا. ص: (ومن ترك فرضا أتى به وبالصلاة وسنة فعلها لما يستقبل) ش: يعني أن من ترك فرضا من فرائض الوضوء ناسيا له فإنه يأتي بذلك الفرض الذي

[ 364 ]
نسيه، وإن كان صلى بذلك الوضوء فإنه يعيد الصلاة أيضا في الوقت وبعجه بعد أن يأتي بذلك الذي نسيه، وقد تقدم بيان ذلك في الموالاة. وإنما ذكره المصنف هنا لينبه على حكم من ترك سنة. وقوله: أتى به يريد وبما بعده إن ذكر ذلك بالقرب، وإن ذكر ذلك بعد البعد فإنه يأتي به وحده، وإنما لم ينبه المصنف على هذا اكتفاء بما ذكره في التنكيس، لان حكم المنكس والمنسي عند ابن القاسم سواء. وقد تقدم بيان ذلك كله في الكلام على الموالاة أيضا، وتقدم هناك أيضا حكم ما إذا أخره بعد ذكره عامدا أو ناسيا أو لعدم الماء والله تعالى أعلم. وأما من ترك سنة من سنن الوضوء ناسيا لها فإنه يأتي بها فقط، سواء ذكرها بالقرب وبالبعد، وإن كان صلى بذلك لم يعد الصلاة. تنبيهات: الاول: هذا حكم من ترك سنة مستقلة لم يفعل في موضعها فعل. قال ابن بشير: وحقيقة ما يعاد من السنن المتروكة في الوضوء وما لا يعاد، أن كل سنة إذا تركت ولم يؤت في محلها بعوض فإنها تعاد، وهذا كالمضمضة والاستنشاق ومسح داخل الاذنين والترتيب. وكل سنة عوضت في محلها كغسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء ومسح الرأس عائد من المقدم إلى المؤخر، فلا تعادلان محلها قد حصل فيه الغسل والمسح انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الصلاة الاول في شرح قوله لا يجزئ من الاحرام إلا الله أكبر ولفظه: قال ابن بشير، كل سنة في الوضوء لم يعد موضعها من فعل فإنها إذا تركت لا تعاد كمن ترك غسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء والاستنثار ورد اليدين في مسح الرأس انتهى. وذكر ابن عرفة كلام ابن بشير وقال بعده: قلت: يرد بعموم نقل الشيخ عن ابن حبيب إعادة ما ترك من مسنونه وإن سلم في اليدين فلاستحالة تلافيه لتقييده بالقبلية وتلافيها مستحيل، أو موجب إعادة الوضوء فتصير السنة واجبة انتهى. قلت: قد سلم ما قاله ابن بشير إذا كان لا يعيد غسل اليدين فلم يجق إلا رد مسح الرأس والاستثنار، وهما أولى بعدم الاعادة لان إعادتهما تستلزم تكرار مسح الرأس بمدء جديد، أو مسحه من غير بلل في اليد ولا فائدة فيه كما تقدم في كلام اللخمي. وكذلك الاستنثار لا يتصور فيه الاعادة إلا بإعادة الاستنشاق فالصواب تقييد ما نقله الشيخ عن ابن حبيب بما عدا الثلاثة المذكورة فتأمله والله تعالى أعلم. وقال الفاكهاني: قال ابن القصار: من سها عن رد يديه في مسح الرأس فإن ذكر قبل أخذ الماء لرجليه فليعد بيديه على رأسه، وإن بل يديه بالماء بعد مسح رأسه فلا يعيدها لان ذلك تكرار مسح على الوجه المكروه انتهى. وذكره سند في أول كتاب الطهارة على أنه المذهب، فتحصل من هذا أن السنن التي تفعل إذا تركت، المضمضة والاستنشاق ومسح الاذنين وتجديد الماء لهما والترتيب. الثاني: إذا ترك السنة ثم تذكرها فإنه يفعلها ولا يعيد ما بعدها كما سيأتي عن الموطأ.

[ 365 ]
وظاهر كلام صاحب الطراز أنه متفق عليه مع السهو، وإنما الخلاف مع العمد ونقله في الذخيرة وقبله. وظاهر كلام ابن ناجي في شرح الرسالة أن الخلاف جار في السهو أيضا، وكذلك ظاهر كلام الشيخ يوسف بن عمر ونصه في شرح قول الرسالة: وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الاذنين، فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده لانه سنة ولا يجب الترتيب في ذلك هذا هو المشهور. وقال ابن حبيب: يعيد ما بعده كما في الفرائض انتهى. وقال ابن راشد في شرح قول ابن الحاجب لما ذكر المضمضة والاستنشاق: ومن تركهما وصلى أمر بإعادتهما ما نصه: وإذا أعادهما فهل يعيد ما بعدهما إن كان بحضرة الماء لاجل الترتيب كما في المفروض أولا قولان: الاعادة لابن حبيب، ونفيها لمالك في المختصر وهو الصحيح انتهى. ووجه عدم الاعادة ظاهر لان الترتيب بين السنن في أنفسها وبينها وبين الفرائض مستحب، والزيادة في المغسولات محرم أو مكروه. وابن حبيب على أصله فإن الترتيب بين الفرائض والسنن عنده سنة لكنه أخف من الترتيب بين الفرائض كما سيأتي بيانه. وقال في الطراز لما ذكر قول ابن حبيب: ولعمري إنه خلاف ما يعرف في المذهب. الثالث: إنما يؤمر بالاتيان بالسنة إذا كان قصده أن يصلي بذلك الوضوء، وأما إذا كان قصده أن ينقض ذلك الوضوء لم يؤمر بالاتيان بها، قاله غير واحد وهو ظاهر. الرابع: إذا ترك شيئا من فرائض الوضوء عامدا حتى طال فقد بطل وضوؤه ولا يبني عليه، ولو بنى عليه لم يجزه، وإن صلى به فصلاته باطلة. وتقدم أن التفريق عمدا إذا كان يسيرا لا يضر وأنه مكروه أو حرام، وتقدم بيان قدره، وإن ترك سنة من سنن الوضوء عامدا فإنه يفعلها بالقرب ولا إشكال في ذلك كما ذكره صاحب الطراز وغيره وظاهر كلامه في الجواهر أنه يفعلها أيضا ولو طال فإنه قال فيمن ترك المضمضة والاستنشاق عامدا في استحباب إعادته في الوقت قولين قال: ولا شك أنه يؤمر بإعادة ما ترك انتهى. ونحوه في الزاهي، وسيأتي لفظه وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وغيره. قال ابن الحاجب بعد أن ذكر المضمضة والاستنشاق، ومن تركهما وصلى أمر بفعلهما. وقوله: ويستحب للمتعمد أن يعيد الصلاة في الوقت قال في التوضيح: قوله بفعلهما أي لما يستقبل، وقوله: يستحب للمتعمد في هذه المسألة ثلاثة أقوال: الاعادة في الوقت كما ذكر، ونفيها، والثالث لغير ابن القاسم في العتبية الاعادة أبدا. نقله صاحب الطراز فقال: وهذا إما لانهما عنده واجبتان، وإما لان ترك السنن عمدا لعب وعبث، والذي رأيته في البيان: وأما العامد فقال ابن القاسم: يعيد الصلاة في الوقت. وقال ابن حبيب: لا إعادة، ويتخرج في المسألة قول ثالث أنه يعيد أبدا بالقياس على من ترك سنة من سنن الصلاة، فقيل: يستغفر الله ولا شئ عليه. وقيل: يعيد في الوقت. وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم: وقيل: يعيد أبدا وهو المشهور في المذهب المعلوم من قول ابن القاسم: فيلزم على قياس هذا القول أنه يعيد في هذه الصورة أبدا انتهى. ومفهوم كلام ابن الحاجب أن

[ 366 ]
الناسي لا يتسحب له الاعادة. قال ابن راشد في شرحه: واستحسن اللخمي أن يعيد الناسي أيضا في الوقت والمعروف أن الاعادة فيهما انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر المضمضة والاستنشاق: ويفعلهما تاركهما وفي إعادة صلاته في الوقت ثالثها في العمد للخمي ونقله، وطماع يحيى بن القاسم وعزا ابن رشد الثاني لابن حبيب وخرج إعادته أبدا من ترك السنة عمدا. قال: وهو المشهور المعلوم لابن القاسم ولا يعيد الناسي اتفاقا انتهى. وكلام ابن رشد الذي نقله المصنف في التوضيح وابن عرفة هو في أول سماع يحيى من كتاب الطهارة. وقال ابن بشير: المضمضة والاستنشاق سنتان فمن تركهما لم يبطل وضوؤه ولا صلاته إن كان ناسيا، فإن تركهما متعمدا فينبغي أن يختلف فيه على الخلاف في تارك السنن عمدا. ولا خلاف ههنا أنه لا يعيد الصلاة بعد الوقت. ويمكن أن يقال: ليس يلزم إذا قيل في سنة تجب الاعادة بعد الوقت أن يلزم ذلك في كل سنة، لان السنن متباينة الرتب في التأكيد انتهى، وقد تقدم. وكلام ابن راشد فيمن نكس وضوءه متعمدا وتصحيحه القول بعدم إعادة من ترك سنة من سنن الوضوء عامدا، وظاهره أنه لا يعيد لا في الوقت ولا بعده، فتحصل من هذا أن من ترك المضمضة والاستنشاق ناسيا ثم ذكر بعد أن صلى فلا يعيد صلاته على ما قال في المدونة. ونصها: ومن ترك المضمضة والاستنشاق ومسح داخل أذنية في الوضوء والجنابة حتى صلى أجزأته صلاته وأعاد ما ترك لما يستقبل انتهى. ونحوه في الرسالة. وقال سند: إن المشهور من المذهب أنه لا يستحب له الاعادة في الوقت. ونقل عنابن القاسم أنه تستحب له الاعادة في الوقت. وقال ابن رشد: إنه لا يعيد اتفاقا وهو ظاهر كلام ابن بشير وغيره. وقال اللخمي إنه يعيد في الوقت. وظاهر كلامه أنه اختاره من نفسه وهو ظاهر كلام ابن عرفة المتقدم. وقد تقدم عن صاحب الطراز أنه نقل عن ابن القاسم وجعله مقابل المشهور. وأما بعد الوقت فلا إعادة عليه بلا خلاف أعلمه، وأما من تركهما عامدا وصلى بذلك الوضوء ففي صلاته ثلاثة أقوال: قيل: لا إعادة عليه لا في الوقت ولا بعده، وفي كلام ابن رشد السابق في الكلام على الترتيب أنه الصحيح. وقيل: يعيد في الوقت وهو المنصوص لابن القاسم في سماع يحيى المذكور. وقال البساطي في المغني: إنه المشهور. وقيل: يعيد أبدا. وهذا القول نقله صاحب الطراز وضعفه ونقله عنه في التوضيح كما تقدم، وجعله ابن رشد مخرجا من القول ببطلان صلاة تارك سنة من سنن الصلاة. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: قلت: يرد تخريجه بأن سنة الصلاة أقوى لانها المقصود والوضوء وسيلة انتهى. قلت، وفي كلام ابن بشير وابن راشد إشارة إلى هذا، وأما قول ابن رشد وهو المشهور في المذهب المعلوم من قول ابن القاسم فليس راجعا إلى ترك المضمضة والاستنشاق، وإنما هو راجع إلى مسألة من ترك سنة من سنن الصلاة، وسيأتي في كلام المصنف في باب السهو أنه أحد القولين المشهورين في المسألة والله تعالى أعلم. ويظهر من كلام ابن الحاجب ترجيح القول بالاعادة في الوقت لاقتصاره عليه، ولان المنصوص لابن القاسم. وانظر هل يقال بذلك في بقية

[ 367 ]
سنن الوضوء أو لا إعادة على من تركها إلا في الوقت ولا في غيره، أما السنن التي لا يمكن تلافيها كغسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء والاستنثار ورد مسح الرأس فلا فائدة للاعادة إذ لا يمكن تلافيها، وأما الترتيب فقد تقدم في كلام ابن رشد في الكلام على التنكيس أن مذهب المدونة أنه لا يعيد الصلاة، ولا الوضوء وظاهره أنه لا إعادة عليه لا في الوقت ولا بعده. وأما مسح الاذنين وتجديد الماء لهما فيظهر من كلام ابن بشير أن حكمهما حكم المضمضة والاستنشاق ونصه: وأما داخل الاذنين فلا خلاف أنهما سنة فمن ترك مسحهما لم تبطل صلاته على ما قدمناه في المضمضة والاستنشاق، ويعيدهما لما يستقبل، وأما خارج الاذنين ففيه قولان: أحدهما أنه فرض، والثاني أنه سنة، والمعول عليه أنهما سنة. وإذا قلنا إنهما فرض فإن تركتا فالمشهور صحة الصلاة لانهما ممسوحتان في الرأس والمسح مبني على التخفيف وليسارتهما. وقال ابن الجلاب: القياس الاعادة ويجدد لهما الماء، فإن لم يجدد فلا يعيد كما قدمناه. وفي المذهب قول إنه يجدد انتهى. وقال في الطراز: إذا قلنا يجب مسحهما فتركهما سهوا حتى صلى فلا يختلف المذهب أنه تصح صلاته. واختلف في وجه ذلك فقيل: استحسان لا قياس. وقال الابهري: لما اجتمع فيهما خلافان - أحدهما أنهما من الرأس، والثانية وجوب مسحهما - لم ير مالك الاعادة وهذا يرجع إلى الاستحسان، ويخرج ذلك على قول ابن مسلمة لان مسح جميع الرأس عنده غير واجب فإن ترك ثلث رأسه عنده أجزأه فكيف بمن ترك مسح أذنيه، فإن ترك ذلك عمدا اختلف القائلون بالوجوب، فتعليل الابهري يقتضي أنه تجزئه صلاته. وقال أبو جعفر: قال بعض أصحابنا: إن تركهما عمدا أعاد الوضوء، وحملوا قول مالك على السهو استحسانا انتهى. وذكر اللخمي بعض هذا، وصرح في سماع موسى من كتاب الطهارة بأن من نسي مسح أذنيه أو نسي المضمضة والاستنشاق وصلى فلا إعادة عليه. قال ابن رشد: إنما قال لا إعادة على من نسيهما وهما عنده من الرأس ومسح جميعه واجب عنده مراعاة للخلاف. وقد تقدم لفظه في الكلام على التجديد والله تعالى أعلم. وقال ابن شعبان: الاذنان من الرأس كما قال رسول الله (ص)، ويجدد لهما ماء ويدخل أصبعيه في صماخيه وليس عليه غسلهما، فمن مسحهما مع رأسه أو تركهما عمدا أو سهوا لم يعد صلاته إلا أنا نأمره بالمسح لم يستقبل ونقصد في العمد كذلك انتهى والله تعالى أعلم. والذي " يظهر من كلامهم أن من ترك السنة لا يؤمر بإعادة الصلاة. قال في الذخيرة في أول فصل سنن الوضوء قال صاحب الطراز: والفرق بين السنة والفضيلة والفريضة، أن الاول يؤمر بفعله إذا تركه من غير إعادة الصلاة. والثاني لا يؤمر بفعلها إذا تركها ولا بالاعادة. والثالث يعاد لترك الصلاة تنتهي. وكلام سند الذي ذكره في أوائل باب ترتيب الوضوء الخامس قول المصنف ومن ترك فرضا يريد أو شك في ذلك. قال في أوائل كتاب الطهارة من المدونة: ومن شك في بعض وضوئه فلم يتيقن أنه غسله فليغسل ما شك فيه انتهى. والحكم فيه حكم من تحقق

[ 368 ]
أنه ترك بعض وضوئه. وقوله بعض وضوئه شامل للسنن وهو كذلك كما صرح به الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الاذنين فقال: وكذلك إذا شك ما لم يكن مستنكحا فإن كان مستنكحا بنى على الخاطر السابق انتهى. قلت: وما ذكره من استثناء المستنكح صحيح. وقوله: يبني على أول خاطره هذا على القول الذي مشى عليه ابن الحاجب، وأما على المشهور فإنه يطرح الشك ويلهى عنه، قال في الزاهي: ومن ذكر في الصلاة مسح رأسه فإن كان ذلك يكثر عليه مضى على صلاته، وإن كان غير مستنكح مسح رأسه ثم صلى انتهى. وقوله ذكره في الصلاة أي شك، وأما لو تحقق أنه تركه وذكر ذلك فإنه يقطع ويمسحه ويبتدئ الصلاة سواء كان مستنكحا أو غير مستنكح والله تعالى أعلم. فرع فضائل الوضوء ص: (وفضائله موضع طاهر) ش: لما فرغ من الفرائض والسنن شرع يذكر الفضائل وهي المستحبات، فمن ذلك أن يكون الموضع الذي يتوضأ فيه طاهرا، وقد صرح ابن يونس وابن رشد بأن من فضائل الوضوء أنه لا يتوضأ في موضع الخلاء. زاد ابن يونس لما ذكر أدلة الفضائل فقال: لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك مخافة الوسواس. ونقله في الذخيرة عنه، وعدا بن بشير في الفضائل أن لا يتوضأ في موضع نجس، وهو أعم من كلام ابن يونس وابن رشد، وعد القاضي عياض والشبيبي في مستحبات الوضوء الموضع الطاهر كما قال المصنف، وعد صاحب المدخل في مستحبات الوضوء أن لا يتوضأ في الخلاء ولا في موضع نجس. تنبيه: قال ابن بشير بعد أن ذكر ما قدمناه عنه لما عد الفضائل ثم قال في آخر كلامه: وأما وضع الاناء على اليمين فالصحيح أنه لا يلحق بدرجة الفضائل ثم قال: وكذلك مجاورة الوضوء في موضع نجس لا تعد في الفضائل، وإنما ينبغي أن يقال: وإن خاف أن تصيبه النجاسة فلا يتوضأ فيه بوجه، وإن أمن من ذلك فالاولى تركه ولا يلحق برتبة الفضائل انتهى. قلت: فكان هذا منه على طريق البحث وإلا فقد عده في فضائل الوضوء ومستحباته في كتاب التنبيه وفي كتاب التحرير، وكذلك فعل غيره من الشيوخ وهذا مثل ما يأتي له في وضع الاناء على اليمين. فرع: عد صاحب المدخل والشبيبي من فضائل الوضوء استقبال القبلة.

[ 369 ]
فرع: عد من الفضائل استشعار النية في جميع الوضوء. فرع: وعد صاحب المدخل أيضا من الفضائل أن يقعد على موضع مرتفع عن الارض قال: لئلا يتطاير عليه ما ينزل في الارض. فرع: قال الشيخ زروق في شرح قوله في القرطبية والسابع الفور وأنت جالس قوله وأنت جالس زيادة لاصلاح الوزن وإلا فلا يشترط الجلوس في الوضوء وإن كان مندوبا للتمكن انتهى. هكذا قال في نسخ الشرح المذكور. وقال في بعض النسخ: قول الناظم وأنت جالس أتى به لتمام البيت وإلا فليس بمقصود كما يفهمه العوام الجهلة، وإن من قام من موضعه أو تكلم بطل وضوؤه وهذا جهل عظيم. ص: (وقلة ماء بلا حد كالغسل) ش: يعني أن من فضائل الوضوء أي مستحباته تقليل الماء من غير تحديد في ذلك، وكذلك الغسل يستحب فيه تقليل الماء من غير تحديد. تنبيهات الاول: ما ذكره المصنف من أن تقليل الماء في الوضوء والغسل مستحب، صرح به القاضي عياض في قواعده، والقرافي في الذخيرة والشبيبي وغيرهم. وقاله في النوادر وسيأتي لفظها. وأصل المسألة في المدونة وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة. قال في المدونة: وأنكر مالك قول من قال في الوضوء حتى يقطر الماء أو يسيل، وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد. ولفظ الام: وسمعت مالكا يذكر قول الناس في الوضوء حتى يقطر أو يسيل قال: فسمعته يقول: قطر قطر إنكارا لذلك. وقال في الرسم المذكور: قال مالك: رأيت عباس بن عبد الله - وكان رجلا صالحا من أهل الفقه والفضل يأخذ القدح فيجعل فيه قدر ثلث مد هشام فيتوضأ به ويفضل منه ثم يقوم فيصلي بالناس وأعجب مالكا ذلك من فعله، قال ابن رشد: إنما أعجبه واستحسنه لان السنة في الغسل والوضوء أحكام الغسل مع قلة الماء فقد روي أنه (ص) توضأ بمد وتطهر بصاع، وروي أنه توضأ بنصف المد وذلك لا يقدر عليه إلا العالم السالم من وسوسة الشيطان. وإن فعل ابن عباس هذا أشار في المدونة بقوله وكان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد يعني مد هشام لا ثلث مد النبي (ص) لانه يسير جدا لا يمكن إحكام الوضوء به انتهى. وقول الشيخ في الرسالة وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة والسرف منه غلو وبدعة ليس مخالفا لما ذكره المصنف في استحباب ذلك. قال البساطي: لانه قد يطلق السنة على المستحب انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: لم يرد بالسنة التي هي

[ 370 ]
من أقسام المستحب وإنما أراد بالسنة هنا ضد البدعة انتهى وقال الشيخ زروق: يعني سنة يستحب العمل بها فهو مندوب إليه انتهى. قلت: ولهذا قال ابن رشد في شرح المسألة السابقة: وإنما أعجب مالكا واستحسنه لان السنة الخ. وعباس المذكور قال في التنبيهات: هو عباس - بباء موحدة وسين مهملة - ابن عبد الله بن سعيد بن العباس بن عبد المطلب. قال: والشيوخ يقولون عياش يعني بمثناة تحتية وشين معجمة وهو خطأ انتهى. والمشهور أن مد هشام وثلثا مد بمدة عليه الصلاة والسلام. الثاني: ما ذكره المصنف من نفي التحديد في الوضوء والغسل هو المشهور، وقال ابن شعبان: لا يجزي في الغسل أقل من صاع، ولا في الوضوء أقل من مد، لانه لا أرطب من أعضاء رسول الله (ص). وهذا القول عزاه عياض لابن شعبان. وعزاه جماعة منهم المصنف في التوضيح للشيخ أبي إسحاق، وهو ابن شعبان، وعزاه الفاكهاني للشيخ أبي إسحاق التونسي وذكر ابن عرفة عن الباجي نحوه ونصه الباجي: أقل ماء الوضوء مد والغسل صاع. وعزاه عياض لابن شعبان. وقال: المشهور عدم التحديد انتهى. وقال ابن العربي في العارضة: وأقل المقدار ما كان يكتفي به سيد الناس فلا يمكن في الوجود أعلم منه ولا أرفق ولا أحوط ولا أسوس بأمور الشرع ومكارم الاخلاق انتهى. الثالث: قال في العارضة أيضا: وإذا قلنا يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فمعناه كيلا أو وزنا، فكيل المد والصاع بالماء أضعاف ذلك بالوزن فتفطن لهذه الدقيقة انتهى. ونقله في التوضيح باختصار فقال: والتقدير بالمد والصاع في الكيل لا في الوزن. وقال الشيخ زروق: أي مقدار ما يسع مدا من الطعام لان قدر المد من الماء يسير جدا ومن الطعام أضعافه انتهى، يعني قدر وزن المد من الماء. الرابع: الواجب عند مالك الاسباغ. قال في التوضيح: أي التعميم وإنكار مالك التحديد بأن يسيل أو يقطر إنما هو لنفس التحديد به لانه بغير دليل وإلا فهو مع عدم السيلان مسح بغير شك. قاله فضل بن مسلمة. وقال ابن محرز: ظاهر قوله: أنه ليس من حد الوضوء أن يسيل أو يقطر. قال في التنبيهات: وهو خلاف الاولى انتهى. وقال ابن يونس: يعني أنه أنكر أن يكون ذلك حده انتهى. يعني التقطير والسيلان. وقال في الطراز: أنكر مالك التحديد بقطر الماء وإن كان من ضرورته غالبا انتهى. وقال ابن راشد في شرح قول ابن الحاجب: وأنكر مالك التحديد بأن يسيل أو يقطر يعني أنكر السيلان عن العضو لا السيلان على العضو إذ لا بد منه، وأما السيلان عن العضو فغير مطلوب لان المقصود إيصال الماء إلى البشرة وإيعابها به، أما إنه يقطر أو يسيل عنها فلا اعتبار به انتهى. قلت: وهذا يأتي على ما تقدم عن ابن محرز. فتحصل من كلام الشيوخ أن في اشتراط

[ 371 ]
السيلان قولين. قال البرزلي بعد أن ذكر عن سحنون نحو ما تقدم عن ابن محرز وإلى هذا ذهب غير واحد من الشيوخ. فائدة: حكى عياض خلافا في ضبط قوله قطر هل هو فعل ماض أو مصدر منون. الخامس: التقليل مستحب مع الاحكا كما تقدم في الرسالة. قال الشيخ يوسف بن عمر: وقد قال في الرسالة بعد ذلك: وليس كل الناس في أحكام ذلك سواء وإنما يراعى القدر الكافي في حق كل واحد، فإذا زاد على قدر ما يكفيه فهو بدعة، وإن اقتصر على قدر ما يكفيه فقد أدى السنة انتهى. وقال الفاكهاني بعد أن ذكر قول أبي إسحاق بالتحديد بالمد والصاع: وهذا لا معنى له وإنما هو على حسب حال المستعمل وعادته في الاستعمال لان الله سبحانه أمر بالغسل ولم يقيده بمقدار معين وذلك من لطف الله تعالى بخلقه إذ لو كان فيه حد للزم الحرج لما علم من اختلاف عادات الناس، فمنهم من يكفيه اليسير لرفقه، ومنه من لا يكفيه إلا الكثير لاسرافه، فلو كان فيه حد لوجب أن يفارق كل واحد عادته ويستعمل من يكفيه اليسير زيادة على ما يحتاج إليه، ويقتصر من لا يتمكن من أداء الواجب إلا بالكثير على ما لا يمكنه أداء الواجب معه وهذا فاسد وإذا علم هذا فالمستحب لمن يقدر على الاسباغ بالقليل أن يقلل الماء، ولا يستعمل زيادة على الاسباغ انتهى. السادس: علم من هذا أن السرف هو ما زيد بعد تيقن الواجب، وهو مكروه على ما نص عليه الشيوخ كما ستقف عليه. ويؤخذ من القول الذي يذكره المصنف في منع الرابعة أنه ممنوع. قال الشيخزروق: السرف الاكثار في غير حق، والغلو الزيادة في الدين. وقوله في الرسالة والسرف فيه غلو وبدعة قال في شرحه الشيخ زروق، والبدعة لغة المحدث وفي الشرع إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس منه ومرجعه لاعتقاد ما ليس بقربة على وجه الحكم بذلك، وهذا منه لمن يراه كمالا، فأما من يعتريه ذلك من وسوسة يعتقد نقصها وأن ما يفعله من ذلك مخالف للاصل، فلا يصح كونه منه بدعة، إلا من حيث صورته، ثم البدعة محرمة ومكروهة ولا يمكن أن يبلغ بهذه حد التحريم لانها لم تعارض واجبا ولا رفعت حكما أصليا، وقد نص في النوادر على الكراهة انتهى. وقال البرزلي: روينا عن النووي الاجماع على أنه لا يجوز السرف في الطهارة ولو كان على ضفة النهر، وهو معنى ما في الرسالة والسرف فيه غلو وبدعة. وهذا كله في غير الموسوس، وأما الموسوس فهو شبيه بمن لا عقل له فيغتفر في حقه لما ابتلي به انتهى، ولفظ النوادر والقصد في الماء مستحب والسرف منه مكروه انتهى. ونقله عنها الشيخ يوسف ابن عمر وغيره وصرح ابن العربي أيضا في العارضة بأن السرف مكروه. ووعد القاضي عياض والشبيبي في " مكروهات الوضوء الاكثار من صب الماء، وتقدم عند قول المصنف لا أن عسر الاحتراز منه أو كان طعاما عن ابن ناجي أنه قال: الاظهر أنه مكروه كراهة تنزيه والله أعلم، وسيأتي في كلام سند عند قول المصنف وشفع غسله أنه مكروه والله أعلم.

[ 372 ]
السابع: قال الجزولي في قوله في الرسالة وقد توضأ رسول الله (ص) بمد انظر هل هذا حين توضأ مرة أو حين توضأ مرتين أو حين توضأ ثلاثا ؟ لم أر فيه نصا انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: قوله توضأ بمد يعني بعد الاستنجاء. وقال الشيخ زروق في شرح قوله وتطهر بصاع قال بعض الشيوخ: وذلك بعد إزالة الاذى انتهى. فائدة: قال الشيخ زروق: قال بعضهم: الوسوسة بدعة أصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل. ثم قال بعض مشايخ الصوفية: لا تعتري الوسوسة إلا صادقا لانه يحدث من التحفظ في الدين ولا تدوم إلا على جاهل أو مهوس لان التمسك بها من اتباع الشياطين. وقال قبل هذا: وآفة ذلك يعني الاسراف في صب الماء من جهات هي أنه ربما اتكل عليه وفرط في الدلك وأبطأ به الحال حتى تفوته صلاة الجماعة أو غيرها، أو أضر بغيره في الماء ممن يريد الطهارة أو غيرها، أو يألف ذلك فلا تمكنه الطهارة مع قلة الماء لالفة الكثرة أو يبقى مشوش القلب. قال: قالوا: أو يورث ذلك الوسواس فلا يمكن معه زوال الشك وقد جربنا ذلك انتهى بالمعنى. ص: (وتيمن أعضاء وإناء إن فتح) ش: يعني أن من فضائل الوضوء التيمن في الاعضاء وهو أن يبدأ بغسل اليمين من اليدين والرجلين. قال في الذخيرة لقوله (ص): إذا توضأ أحدكم فليبدأ بيمينه رواه ابن وهب وأدخله سحنون في الكتاب ولانه متفق عليه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: خرج أصحاب السنن من حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم وصححه ابن خزيمة. وقال ابن بشير: وأما البداءة بالميامن فهي من نوافل الخير، ولا يختص ذلك بالوضوء بل يستحب الابتداء باليمنى في كل أفعال الخير انتهى. فرع: فإن ابتدأ بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى أجزأه، قاله اللخمي وغيره وهو ظاهر. قلت: غسل اليسرى لان التيامن مستحب والزيادة على الثلاثة ممنوعة أو مكروهة على الخلاف الآتي والله تعالى أعلم. توبيه: قال القرافي: ندب الشرع لتقديم اليمين من اليدين والرجلين والجنبين في الغسل والوضوء ولم يندب لتقديم اليمنى من الاذنين والعينين والخدين والصدغين، لان اليمين من الاعضاء المتقدمة اشتملت على منافع من القوة والجرأة والصلاحية للاعمال وليست لليسار،

[ 373 ]
حتى أن الخاتم يضيق في اليمنى ويتسع في اليسرى، ومن اعتبر ذلك وجده مقتضى الخلقة الاولى، وأما الاذنان ونحوهما فمستويان في المنافع انتهى مختصرا. قلت: يفهم منه أن الاعسر يقدم اليمنى وهو ظاهر قوله وإناءان فتح يعني أن من فضائله أيضا أن يكون الاناء على يمين المتوضئ إن كان مفتوحا. وقد نص ابن يونس وابن رشد على أن جعل الاناء على اليمين من فضائل الوضوء. قال في الذخيرة: لفعله عليه الصلاة والسلام ولانه أمكن. قال: واعلم أن هذه الامكنية إنما تتصور في الاقداح وما تدخل الايدي فيه، وأما الاباريق فالتمكن إنما يحصل بجعله على اليسار ليسكب الماء بيساره في يمينه انتهى. قلت: قال عياض: الاختيار فيما ضاق عن إدخال اليد فيه وضعه على اليسار ونقله ابن عرفة وابن ناجي وغيرهما. تنبيه: قال ابن بشير: وأما وضع الاناء على اليمين الصحيح أنه لا يلحق بدرجة الفضائل لانه لم يرد أمر بذلك، وقد لا يتيسر ذلك في كل الاواني انتهى. وهذا والله أعلم على سبيل البحث منه وإلا فقد عده هو في فضائل الوضوء ومستحباته في كتاب التنبيه له وفي كتاب التحرير له والله تعالى أعلم. ص: (وبدأ بمقدم رأسه) ش: يعني أن من فضائل الوضوء أن يبدأ المتوضئ في مسح رأسه بمقدمه. قال ابن بشير: لان ذلك هو الوارد في حديث عبد الله بن زيد وهذا هو المشهور. قال في التوضيح: وحكى ابن رشد فيه قولا بالسنية. وفي المذهب قولا أنه يبدأ من مؤخر رأسه. وقيل: إنه يبدأ من وسطه ثم يذهب إلى , حد منابت شعره مما يلي الوجه ثم يردهما إلى قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ انتهى. فائدة: سبب الاختلاف قوله في حديث عبد الله بن زيد مسح رأسه بيديه، أقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه فقيل: الواو لا تقتضي الترتيب، والمراد أدبر بهما وأقبل وكذلك وقع في بعض طرق الحديث. وعلى الرواية المشهورة فقال ابن بشير: بدأ بذكر الاقبال تفاؤلا. وقيل: المراد أقبل بهما على قفاه وأدبر بهما عن قفاه، فإن الاقبال والادبار من الامور النسبية. وقيل: بدأ من وسط رأسه وأقبل على وجهه كما تقدم، ويمنع هذا قوله في الحديث بدأ بمقدم رأسه والله تعالى أعلم. فائدة: قال في التنبيهات: مقدم رأسه ومؤخره بفتح ثانيه وتشديد الدال والخاء هذا هو المعروف وفيه لغة أخرى، مقدم ومؤخر مخفف، والثالث مكسور ونقله أبو الحسن. تنبيهان الاول: قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب قال ابن بشير: الابتداء بالمقدم غير خاص بالرأس بل هو عام في سائر الاعضاء انتهى. وعد صاحب الطراز في فضائل الوضوء

[ 374 ]
ترتيب أعلى العضو على أسفله، ذكره في باب ترتيب الوضوء وموالاته لما عد فضائل الوضوء. قال ابن شعبان في الزاهي: لو بدأ الماسح من مؤخره أجزأه إذ المفترض المسح بالرأس، والمسنون تبدئة مقدمه. ويوعظ فاعل هذا ويجفى ويقبح له فعله لخلاف ما أتى من السنة إن كان عالما ويعلمها إن كان جاهلا، وكذلك لو بدأ في غسل وجهه من الذقن أو في غسل الذراعين من المرفقين أو يغسل رجليه من كعبيه انتهى. وفي كلام المصنف في التوضيح في صفة المسح على الخفين إشارة إلى هذا. الثاني: انفرد ابن الجلاب بصفة في مسح الرأس ذكرها في تفريعه فقال: والاختيار في مسح الرأس أن يأخذ الماء بيديه ثم يرسله ثم يبدأ بيديه فيلصق طرفيهما من مقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى مؤخره ويرفع راحتيه عن فوديه ثم يردهما إلى مقدمه ويلصق راحتيه بفوديه ويفرق أصابع يديه انتهى. قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: قال القاضي أبو محمد يعني عبد الوهاب: سألت شيخنا ابن الجلاب عن الصفة التي اختارها فقال: اخترتها لئلا يكون مكررا للمسح، وفضيلة التكرار مخصوصة بالغسل. قال القاضي عبد الوهاب: وسألت شيخنا أبا الحسن يعني ابن القصار عن ذلك فقال: هذا غير محفوظ عن مالك ولا عن أحد من أصحابنا، والتكرار الذي لا فضيلة فيه هو أن يكون بماء جديد انتهى. وقال ابن الحاجب: ورد بأن التكرار المكروه بماء جديد. والفودان تثنية فود بفتح الفاء وسكون الواو وهما جانبا الرأس والله تعالى أعلم. ص: (وشفع غسله وتثليثه) ش: يعني أن فضائل الوضوء شفع المغسول وتثليثه، فالغسلة الثانية والثالثة فضيلتان وهذا هو المشهور وقيل: إنهما سنتان. وقيل: الثانية سنة والثالثة فضيلة. نقل هذه الاقوال عبد السلام والمصنف في التوضيح وغيرهما، ونقل ابن ناجي قولا آخر أن الثانية فضيلة والثالثة سنة. ووجه تقديم الفضيلة - والله تعالى أعلم - أن يهتم بالغسلة الثانية فيؤتى بها وإن كانت فضيلة ليتمكن من الاتيان بالثالثة التي هي سنة. وقال البرزلي: دحتج له بعضهم بترتيبه عليه الصلاة والسلام الفضل على الثانية وبقوله في الثالثة هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي انتهى. قلت: وكأنه يعني بقوله بترتيبه الفضل على الثانية ما ورد في بعض الاحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قال من توضأ مرتين آتاه الله أجره مرتين ذكره ابن راشد في شرح ابن الحاجب. ثم قال البرزلي: وفي المسألة قول خامس ذكره اللخمي في تعليقه على الجوزقي من رواية الاسفرايني عن مالك بوجوب الثانية قال: وعمدته رواية علي ولا دليل فيها انتهى. قلت: ما ذكره عن اللخمي ذكره ابن عرفة عن المازري وسيأتي لفظه وهو الظاهر، فإن شرح الجوزقي للمازري مشهور ولم أسمع شرحه للخمي.

[ 375 ]
تنبيهات الاول: يفعل في الغسلة الثانية والثالثة كما يفعل في الاولى من الابتداء والانتهاء وتتبع المغابن والدلك وغير ذلك. قاله الشيخ زروق في شرح قول الرسالة يغسل وجهه هكذا ثلاثا. الثاني: اختلف هل يفعل الثانية والثالثة بنية الفضيلة، أو بنية فعل ما أمكن تركه من الاولى، أو بنية إكمال الفرض كإعادة الفذ في جماعة، أو بنية فعل الوجوب على أربعة أقوال حكاها ابن عرفة وعزا الاول للمازري عن الاكثر، والثاني والثالث لبعض المتأخرين، والرابع للبيان. قال: ورد المازري القول الثاني بأن التكرار إنما هو بعد تيقن حصول ما وجب فليس هناك شك لتنافي الشك واليقين. قال: ولو سلمناه فلا يعيد إن تبين تركه لان في إجزاء نية الواجب دون جزم خلاف. قال: ورد المازري الثالث بأن الصلاة تتقرر دون فضل الجماعة وبه فأمكن تداركه بإعادتها لانه صفة لها، وفضل ثانية الغسل خاص بها لا تتصل به الاولى فامتنع تحصيله لها به انتهى مبسوطا. وقال في الطراز في أول كتاب الطهارة: هل يؤمر المتوضئ أن ينوي بالثانية والثالثة الفضيلة ؟ الظاهر أنه لا ينوي شيئا معينا. نعم اعتقاده أن ما زاد على الواحدة المسبغة فهو فضيلة. قال: وقال الباجي: لا يجوز أن ينوي بذلك الفضيلة وإنما يأتي بالتكرار بنية الفرض بمنزلة القراءة والركوع، واحتج بصلاة الفذ في الجماعة بأنها لا تكون إلا بنية الفرض. قال: والذي قاله فيه نظر، فإن المرة الثانية منفصلة عن الاولى فقد حصل الاجزاء دونها، فمن اعتقد أنه أسبغ في الاولى اعتقد في الثانية الفضيلة لا محالة ووزان طول الركوع وطول التدلك في الاولى، وأما إعادة المكتوبة بنية أنها الفرض فذلك لرجاء أن تكون الصلاة الثانية هي المفروضة بخلاف الوضوء، فإن الاسباغ إذا وقع بالاولى لا تكون الثانية فرضا بإجماع الامة انتهى. وقال قبله: لو غسل وجهه ثلاثا وترك منه موضعا لم يصبه الماء إلا في الثالثة، فإن لم يخص الثالثة بنية الفضيلة أجزأه. وقال بعض أصحابنا: ويكرر الماء على تلك اللمعة دون جميع العضو لئلا يقع في الاسراف المكروه. وقال: في تكريره نظر فإنه لا يسلم من تكرير الغسل فيما غسل، وإن خص الثانية بنية الفضيلة فيجري على الخلاف في طهارة المجدد انتهى. وقال اللخمي: وإذا لم يسبغ في الاولى وأسبغ في الثانية، كان بعض الثانية فرضا وهو إسباغ ما عجز عن الاولى، وبعضها فضيلة وهو ما تكرر منها على الموضع الذي أسبغ أولا، وله أن يأتي برابعة يخص بها الموضع الذي عجز عنه أول مرة ولا يعم في الرابعة فيدخل فيه النهي انتهى، ونقله في الذخيرة. وقال الشبيبي: وإن شك هل وقع الاسباغ بالاولى، وجب عليه أن ينوي بالثانية الوجوب فيما شك فيه قولا واحدا، وإن بقيت لمعة علم موضعها خصها بالغسل ثلاثا إن كان بعد إكمال الوضوء، وإن كان قبل إكماله نوى بالتي تليها الوجوب في موضعها قولا واحدا، وما زاد على موضعها فعلى الخلاف انتهى. وذكر البرزلي في مسائل الطهارة نحوه. وقال ابن بشير في التنبيه: وبأي نية يكرر لا يخلو من ثلاثة أقسام: إما إن تيقن

[ 376 ]
أنه عم بالاولى أو تيقن أنه لم يعم أو شك، فإن تيقن أنه عم بالاولى نوى بالزائد الفضل، وإن تيقن أنه لم يعم نوى بالزائد الفرض، وإن شك نوى بالزائد الفرض لان الطهارة في ذمته بيقين فلا يبرأ منها إلا بيقين، ومتى شك وجب عيه الاكمال فينوي الوجوب، فإن نوى الفضيلة في موضع يجب عليه نية الفرض فقولان بالاجزاء وعدمه انتهى. الثالث: إذا تيقن إنه لم يعم بالاولى وعم بالثانية صارت الثالثة ثانية ويزيد رابعة كما سيأتي في كلام ابن ناجي في شرح قوله وهل تكره الرابعة أو تمنع خلاف، وأما إذا شك في أنه عم بالاولى وقلنا يأتي بالثانية بنية الفرض فهل يأتي برابعة ؟ الظاهر أنه يجري على الخلاف الآتي في قوله وإن شك في الثالثة ففي كراهتها قولان والله تعالى أعلم. الرابع: قال اللخمي في أول التبصرة: أجاز مالك في المدونة أن يتوضأ مرة إذا أسبغ. وقال أيضا: لا أحب الواحدة إلا من العالم. وقال في سماع أشهب: الوضوء مرتان أو ثلاث قيل له: فالواحدة ؟ قال: لا. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: لا أحب أن ينقص من اثنتين إذا عمتا وهذا احتياط وحماية لان العامي إذا رأى من يقتدى به توضأ مرة فعل مثل ذلك فقد لا يحسن إلا سباغ فيوقعه فيما لا تجزئه الصلاة به انتهى. ونحوه في أوائل كتاب الطهارة من الطراز، واقتصر في الذخيرة على بعضه فقال: جوز مالك في المدونة الاقتصار على الواحدة وقال أيضا: لا أحبها إلا من عالم يعني لان من شرط الاقتصار عليها الاسباغ وذلك لا يضبطه إلا العلماء انتهى،. وقال في المقدمات: الاقتصار على الواحدة مكروه. واختلف في وجه الكراهة فقيل: لترك الفضيلة جملة. وقيل: مخافة أن لا يعم وهو دليل لما روي عن مالك: لا أحب الواحدة إلا للعالم بالوضوء انتهى. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: ونص مالك على كراهة الاقتصار على الواحدة وقال: الوضوء مرتان قيل: فواحدة ؟ قال: لا. وقال أيضا: لا أحب الواحدة إلا من عالم اه‍. واقتصر القاضي في قواعده على كراهية الاقتصار على مرة لغير العالم. وقال الشبيبي في شرح الرسالة: اختلف العلماء في جواز الاقتصار على الواحدة على أربعة أقوال: المشهور الجواز من غير كراهة، الثاني الكراهة، الثالث الكراهة للعالم خاصة، الرابع عكسه انتهى. وقوله من غير كراهة أي من غير كراهة شديدة وإلا فقد قال في الطراز: أوائل كتاب الطهارة لا خلاف في ثبوت فضيلة التكرار انتهى. وإذا ثبت أن التكرار فضيلة فلا شك أن في تركه كراهة والله أعلم. واقتصر ابن عرفة على قوله وروى لا يقتصر على واحدة. المازري للخط عن الفضيلة والقابسي لا يكاد يستوعب بواحدة، ولذا روي إلا من العالم المازري: هذه غرة الاسفراييني فحكى عن مالك وجوب اثنتين. وروى ابن عبد الحكم: لا أحب الاقتصار على اثنتين وإن عمتا انتهى. الخامس: ظاهر كلام المصنف أن تشفيع المغسول فضيلة، وتثليثه فضيلة ثانية وهو كذلك كما تقدم وعبارته أحسن من عبارة ابن الحاجب إذ ظاهرها خلاف ذلك ولذا قال ابن عبد

[ 377 ]
السلام: وظاهر قول المؤلف يعني ابن الحاجب وأن يكرر الغسل ثلاثا أن مجموع الثانية والثالثة هي الفضيلة وإن كان واحد منهما جزء فضيلة. وقد اشتهر خلافه من أنهما فضيلتان وهو المشهور، أو سنتان أو الاولى سنة والثانية فضيلة انتهى والله تعالى أعلم. ص: (وهل الرجلان كذلك أو المطلوب الانقاء وهل تكره الرابعة أو تمنع خلاف) ش: ذكر رحمه الله تعالى مسألتين وسكر أن في كل واحدة خلافا أي قولين مشهورين: الاولى: هل الرجلان كالوجه واليدين فيغسل كل واحدة ثلاثا أو فرضهما الانقاء من غير تجديد ؟ قولان مشهوران. قال في التوضيح: المشهور أن ذلك يعني التثليث عام وهو الذي في الرسالة والجلاب انتهى. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: أخبرني من أثق به من الاشياخ أن فرضهما الانقاء. قال: وهو المشهور، ويؤيده حديث عبد الله بن زيد في صحيح مسلم قال في آخر. وغسل رجليه حتى أنقاهما. ومن جهة المعنى أن الوسخ يعلق بهما كثيرا والمطلوب فيهما المبالغة في الانقاء وقد لا يحصل بالثلاث انتهى. وقال في التوضيح: زعم بعض الشيوخ أنه لا فضيلة في تكرير غسل الرجلين قال: لان المقصود من غسلهما الانقاء لانهما محل الاقذار غالبا. ثم ذكر بعض كلام ابن راشد ثم قال: وكذلك ذكر سند أن المشهور في الرجلين نفي التحديد انتهى. قلت: ظاهر كلام الرسالة أنه لا يقتصر في كل مرة من الثلاث على غرفة بل يعمهما أولا بالغسل ثم يكرر ذلك ثلاثا. تنبيه: قال ابن حجر في فتح الباري في باب إسباغ الوضوء: روى ابن المنذر بإسناد صحيح أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات وكان يبالغ فيهما دون غيرهما، لانهما محل الاوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله تعالى أعلم. المسألة الثانية: هل تكره الغسلة الرابعة أو تمنع ؟ قولان مشهوران: فالذي نقله في التوضيح عن صاحب المقدمات وابن الحاجب الكراهة، ونقل عن عبد الوهاب واللخمي والمازري أنها تمنع. قال: ونقل سند اتفاق المذهب على المنع انتهى. تنبيهات: الاول: لو عبر المصنف في هذه بالتردد لكان أجرى على طريقته لان كل واحد من الشيوخ المذكورين نقل ما ذكره على أنه المذهب ولم يحك في ذلك خلافا وشهر منه أحد القولين فتأمله.

[ 378 ]
الثاني: الجماعة الذين نقل المصنف عنهم المنع لم يصرحوا بأن مرادهم به الحرمة، وفهم المصنف ذلك من كلامهم فإنه جعل المنع مقابلا للكراهة وفي كلام المازري ما يؤخذ منه ذلك، فإنه لما تكلم على من شك في الثالثة قال في توجيه الكراهة: مخافة أن يقع في المحظور. وأيضا استدلالهم بالحديث يدل على التحريم حيث قال فيه فمن زاد أو استزاد فقد تعدى وظلم رواه أبو داود والنسائي. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب وتكره الزيادة ما نصه: وربما فهم من أبحاثهم التحريم. قال ابن ناجي في شرح المدونة: فظاهر كلام ابن عبد السلام أنه حمل الكراهة على بابها، والاقرب ردها لقول ابن بشير ومن ذكر معه، وكذلك قول النووي أجمع العلماء على كراهة الزيادة على الثلاث إن صح ما ذكره من الاجماع فيحمل على التحريم قال: والمراد بالثلاث المستوعبة العضو، وأما ما لو لم يستوعب العضو إلا بغرفتين فهو غرفة واحدة، وما ذكره جار على مذهبنا لان الفضيلة أو السنة إنما هو أمر من وراء الفرض والله تعالى أعلم انتهى. قلت: وصرح القرافي في الذخيرة بالتحريم فقال: ودليل تحريم الرابعة وذكر الحديث. وعبارة ابن بشير أقوى في الدلالة على المنع من وجه لكنها قد يؤخذ منها أن ذلك على الكراهة من وجه آخر فإنه قال: فمن عم العضو في مرة واحدة فقد أتى بالفرض، ووقع لمالك كراهة الاقتصار على الواحدة خيفة أن لا يعم بها، أو خيفة أن لا يراه من لا يحسن فيقتدي به فلا يعم بواحدة. الثالث: أن المقتصر على الواحدة تارك للفضل، وتارك الفضل مقصر، ولا يجوز الاقتصار على الواحدة بإجماع كما لا تجوز الزيادة على الثلاث إذا عم بها بإجماع انتهى. فقوله لا يجوز أقوى في الدلالة على المنع لكن تشبيه ذلك بالاقتصار على الواحدة يدل على أن المراد بذلك الكراهة لانا لا نعلم أن أحدا يقول بحرمة الاقتصار عليها بل الكلام في كراهة الاقتصار عليها. وقد تقدم عن الشبيبي أن المشهور في ذلك الجواز من غير كراهة، واقتصر ابن عرفة على قوله والرابعة ممنوعة. ابن بشير: إجماعا وترك بقية كلامهم ولم يذكر غيره، وأما ابن ناجي فاقتصر على آخر كلام ابن بشير ولكنه ذكر كلام عبد الوهاب واللخمي والمازري وابن رشد وابن شاس وابن الحاجب. الثالث: قال في التوضيح: فوجه الكراهة أنه من ناحية السرف في الماء، ووجه المنع الحديث المتقدم ذكره والله تعالى أعلم. الرابع: قال في الذخيرة: قوله (ص) فمن زاد أو استزاد يحتمل معنيين: أحدهما التأكيد، والثاني أن المراد بقوه زاد فيمن توضأ بنفسه فزاد الرابعة، وقوله استزاد فيمن يوضئه

[ 379 ]
غيره فطلب من الذي يوضئه زيادة الرابعة. ص: (وترتيب سننه أو مع فرائضه) ش: يعني أن ترتيب سنن الوضوء في أنفسها مستحب بأن يقدم غسل يديه على المضمضة، ويقدم المضمضة على الاستنشاق، ويقدم هذه السنن على مسح الاذنين، وكذلك ترتيب السنن مع الفرائض بأن يقدم السنن الاول على غسل الوجه، ويقدم الفرائض الثلاث على مسح الاذنين. وأما ترتيب السنن في أنفسها فمستحب، ولم يذكر المصنف في التوضيح فيه خلافا، وكذلك ابن ناجي في شرح المدونة، وحكاه عن ابن هارون، ونقل ابن عرفة في ذلك خلافا فقال: وفي سقوط رعيه يعني الترتيب في المسنون ووجوبه نقل عياض مع أبي عمر عن مالك وابن زروق مع الصقلي عن ابن حبيب، يعيد عامد تنكيسه في مفروضه أو مسنونه انتهى. والظاهر أنه لا يعني بسقوط رعيه في القول الاول الذي نقله عياض وأبو عمر عن مالك أنه غير مطلوب. وأما ترتيب السنن مع الفرائض فقال في المقدمات: ظاهر الموطأ أنه مستحب لانه قال فيمن غسل وجهه قبل أن يتمضمض: إنه يتمضمض ولا يعيد غسل وجهه. وقال ابن حبيب: وهو سنة إلا أنه جعله أخف من ترتيب الفرائض في أنفسها فقال مرة: إنه يعيد الوضوء إذا نكسه متعمدا كالمفروض مع المفروض وله في موضع آخر ما يدل على أنه لا شئ عليه إذا فارق وضوءه. وقال: إن نكسه ساهيا لا شئ عليه. قال: فضل معناه إذا فارق الوضوء، وأما إذا لم يفارق وضوءه فإنه يؤخر ما قدم ويغسل ما بعده على أصله فيمن نسي شيئا من مسنون الوضوء فذكره بحضرة وضوئه أنه يفعل ما نسي وما بعده، ويحتمل أن يكون ذلك اختلافا من قوله فيكون أحد قوليه أنه مثل المفروض انتهى. تنبيه: إذا ذكر المضمضة والاستنشاق بعد أن شرع في غسل وجهه فذكر ابن ناجي في شرح المدونة في مسألة من ترك الجلوس الوسط حتى فارق الارض بيديه وركبتيه عن شيخه الشبيبي أنه يتمادى على وضوئه ويفعل المضمضة والاستنشاق بعد فراغه قال: وكذا أفتى شيخنا البرزلي. ويحمل قول مالك في الموطأ برجوعه على غير المشهور قال: وأفتى شيخنا أبو يوسف الزغبي برجوعه فأنكر عليه فتواه لفتوى من ذكر خلافه، فوقف بعض طلبته على الموطأ فعرفه به فتمادى على فتواه انتهى. قلت: ولفظ الموطأ سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتوضأ قال: فليتمضمض ولا يعيد غسل وجهه انتهى. ولم يذكر الباجي فيه شيئا يتعلق بهذه المسألة أعني هل يتمضمض بعد غسل الوجه أو يستمر على وضوئه حتى يفرغ ؟ والله تعالى أعلم. ص: (وسواك وإن باصبع) ش: يعني من فضائل الوضوء السواك. والسواك بكسر السين المهملة

[ 380 ]
يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر. وقال الليث: إن العرب تؤنثه أيضا. قال الجزهري: هذا من عدد الليث أي أغاليطه القبيحة. وذكر صاحب المحكم أنه يذكر ويؤنث. قاله النووي في شرح مسلم قال: والسواك مصدر ساك فمه يسوكه سوكا. فإن قلت: استاك لم تذكر الفم. وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب. وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمز ثم قيل: إن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك. وقيل: من قولهم جاءت الابل تساوك أي تتمايل هزالا. والسواك في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الاسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها والله بعالى أعلم. والكلام في حكمه ووقته وآلته وكيفيته. أما حكمه فالمعروف في المذهب أنه مستحب. قال ابن عرفة: والاظهر أنه سنة لدلالة الاحاديث على مثابرته (ص) وإظهاره والامر به انتهى. كذا رأيته في نسختين من ابن عرفة على مثابرته (ص)، ولعله سقط منه لفظة عليه، والمثابرة - بالثاء المثلثة والباء الموحدة - المواظبة، ولا شك أن الاحاديث الواردة في الامر به والمواظبة عليه كثيرة منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة متفق عليه ومجمع على صحة إسناده رواه البخاري من حديث مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة في كتاب الصلاة، ورواه مسلم في كتاب الطهارة من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة، ورواه أبو داود والنسائي في الطهارة وابن ماجه في الصلاة. قال النووي: وغلط بعض الائمة الكبار فزعم أن البخاري لم يخرجه وهو خطأ منه، وليس هذا الحديث في الموطأ من هذا الوجه بهذا اللفظ بل هو من حديث ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمتي لامرتهم بالسواك مع كل وضوء ولم يصرح برفعة. قال ابن عبد البر: وحكمه الرفع. وقد رواه الشافعي عن مالك مرفوعا وفي الموطأ من حديث أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك ذكره قبل أبواب الاذان. قال الباجي: قوله لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك على ما علم من إشفاقه (ص) على أمته

[ 381 ]
ورفقه بهم وحرصه على التخفيف عنهم، والمراد بالامر هنا أمر الوجوب واللزوم دون الندب، فهو ندب (ص) إلى السواك وليس في الندب إليه مشقة لانه إعلام بفضيلته واستدعاء لفعله لما فيه من جزيل الثواب. وقال في حديث ابن شهاب: قوله مع كل وضوء يقتضي أن الامر بالسواك. مع كل وضوء امتنع لاجل المشقة، فهذا يثبت بهذا الحديث ويثبت بحديث الاعرج الامتناع عن الامر به في الجملة لاجل المشقة انتهى. وقال في الاكمال: لا خلاف أنه مشروع عند الوضوء والصلاة مستحب فيهما، وأنه غير واجب لنصه أنه لم يأمر به إلا ما ذكر عن داود أنه واجب بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام عليكم بالسواك وقوله عليه الصلاة والسلام استاكوا وهذا الحديث يرد عليه ويفسر ما احتج به. وقال النووي: ثم إن السواك سنة ليس بواجب في حال من الاحوال، لا في الصلاة ولا في غيرها، بإجماع من يعتد به في الاجماع. وقد حكى الشيخ أبو حامد عن داود أنه أوجبه للصلاة. وقال الماوردي: هو عنده واجب لو تركق لم تبطل صلاته، وحكى عن إسحاق أنه قال: إنه واجب وإن تركه عمدا بطلت صلاته. قال: وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره، نقل الوجوب عن داود وقالوا: إن مذهبه أنه سنة كالجماعة ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفته في انعقاد الاجماع على المختار الذي عليه المحققون. وأما إسحاق فلم يصح هذا الحكم عنه انتهى. ثم قال: والسواك مستحب في جميع الاوقات ولكنه في خمسة أوقات أشد استحبابا: أحدها: عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا. الثاني: عند الوضوء. الثالث: عند قراءة القرآن. الرابع: عند الاستيقاظ من النوم، الخامس: عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الاكل والشرب، ومنها أكل ما له رائحة كرية، ومنها طول السكوت. ومنها كثرة الكلام انتهى. وقال في الذخيرة: وأما وقته فقال في الطراز: يستاك قبل الوضوء ويتمضمض بعده ليخرج الماء ما ينثره السواك، ولا يختص السواك بهذه الحالة بل في الحالات التي يتغير فيها الفم كالقيام من النوم أو لتغير الفم لمرض أو جوع أو صمت كثير أو مأكول مغير. قال: وأما آلته فهي عيدان الاشجار لانه سنة النبي (ص) وسنة السلف الصحالحين. أو بأصبعه إن لم يجد، ويفعل ذلك مع المضمضة لانه يخفف القلح - والقلح صفرة الاسنان - فإن استاك بأصبع حرشاء من غير ماء فحكى صاحب الطراز فيه قولين للعلماء. ويتجنب من السواك ما فيه أذى للفم كالقصب فإنه يجرح اللثة ويفسدها، وكالريحان ونحوه مما يقول الاطباء فيه فساد، وقد نص على ذلك جماعة من العلماء انتهى. ولفظ الطراز يستاك قبل وضوئه حتى إذا تمضمض بعده أخرج الماء ما ينصره السواك. وفي المجموعة ولا بأس بالاستياك

[ 382 ]
بعد الوضوء كأنه رأى أنه لا يختص بالوضوء انتهى. ونقله الشارح في الكبير ثم قال سند: فمن لا يستاك بعود ومر إصبعه على أسنانه في مضمضة قام ذلك مقام السواك الخفيف لانه يؤثر زيادة على محض التمضمض في التنظف. قال ابن عرفة: وهو باليمنى أولى. وقال: روى ابن العربي عن مالك أنه يكون بقضب الشجر. قال: وأفضلها الاراك. قال: وضعف كراهية بعضهم بذي صبغ للتشبه بالنساء لجواز الاكتحال وفيه التشبه بهن. قال: وفي رده نظر لان مالكا كره الاكتحال للتشبه بهن قال: وفي إجزاء غاسول تمضمض به عنه قولا ابن العربي وبعض المتأخرين، وكرهه ابن حبيب بعود الرمان والريحان. قال: وفي سماع ابن القاسم: من لم يجد سواكا فإصبعه يجزئ زاد الابي: فإن لم يجد واستاك بها فلا يدخلها الاناء خوف إضافة الماء. وهذا يدل على أنه يستاك باليمنى، وكرهه بعضهم بالشمال لانها مست الاذى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وإن استاك بأصبعه فحسن يعني مع المضمضة برفق ليكون ذلك كالدلك. وقد روى بأصبعه بالافراد يعني السبابة وبالتثنية يعني مع الابهام وكل صحيح وهو باليمنى، وقيل باليسرى. وليتق في ذلك أن يكون بقوة لانه يزيد في البلغم ويضيف الماء بما ينقلع منها، وربما أجرى دما أو أثار رائحة كريهة. وفي سماع أشهب: استحباب غسلها مما عسى أن يكون بها خلافا لابن عبد الحكم. فإن أدخلها قبل غسلها فقال مالك: لا بأس به واستخفه ليسارة ما عليها. ذكره الشبيبي وغيره انتهى من الشيخ زروق. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولو بأصبعه يعني أنه بغير الاصبع أفضل ولكنه يجزئ بالاصبع. وما ذكره من أرجحية غير الاصبع فالامر عليه عند أهل المذهب. وظاهر كلام أبي محمد أن الاصبع كغيره انتهى. وكلام التوضيح. قال ابن عرفة اللخمي: والاخضر للمفطر أولى. وظاهر التلقين هما له سواء انتهى. قال في التوضيح: وفضل الاخضر لكونه أبلغ في الانقاء. قال ابن حبيب: ويكره بعود الرمان والريحان. انتهى. وقال في المغني: وأفضل ما يستاك به عود الاراك. وكونه بيده اليمنى، وأن يكون إبهامه تحت العود والسبابة فوق والثلاثة الباقية من أسفل انتهى. وهذا بعيد فانظره. وقال النووي: ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأي شئ استاك مما يزيل التغير حصل الاستياك كالخرقة الخشنة والسعد والاشنان، وأما الاصبع فإن كانت لينة لم يحصل السواك، وإن كانت خشنة حصل بها السواك قال: والمستحب أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل، ويستحب أن يستاك عرضا ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه، فإن خالف واستاك طولا حصل السواك مع الكراهة. ويستحب أيضا أن يمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا. ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الايمن من فمه، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه. ويستحب أن يعود الصبي السواك ليعتاده انتهى. وقالوا في الذخيرة: وأما كيفيته فيروى عنه عليه الصلاة والسلام واستاكوا عرضا وادهنوا غبا - أي يوما بعد يوم - واكتحلوا

[ 383 ]
وترا فالسواك عرضا أسلم للثة من التقلع والادهان: إذا كثر يفسد الشعر. ثم قال: والسواك وإن كان معقول المعنى فعندي ما عزا عن شائبة تعبد من جهة أن الاسنان لو استعمل المغسولات لجلائه عوضا عن العيدان لم يأت بالسنة انتهى. قال في المدخل: وإذا أراد أن يستاك بسواكه غسله إلا أن يكون عند فراعه من السواك الاول غسله انتهى. والاطيب للنفس غسله مطلقا إلا أن يكون بين ثيابه أو بموضع تطيب به نفسه والله تعالى أعلم. تنبيه: ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سألت: بأي شئ يبدأ رسول الله (ص) إذا دخل بيته ؟ فقالت: بالسواك. قال في الاكمال: معناه تكراره لذلك ومثابرته عليه وأنه كان لا يقتصر فيه في نهاره وليله على المرة الواحدة بل على المرار المكررة، وخص بذلك دخوله بيته لانه مما لا يفعله ذوو المروءة بحضرة الجماعة. ولا يجب عمله في المسجد ولا في المجالس الحفلة انتهى. ورد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد هذا المعنى بحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله (ص) وهو يستاك وطرف السواك على لسانه يقول: اع اع، والسواك في فيه كأنه يتهوع وقال: إن بعضهم ترجم على هذا الحديث باستياك الامام بحضرة رعيته ورجح هذا المعنى، وأن السواك من باب العبادات والقرب فلا يطلب إخفاؤه والله أعلم. وقوله وإن بإصبع ظاهره سواء كان السواك بالاصبع في مضمضة أو كان من غير ماء فالاول. قال سند: يقوم مقام السواك الخفيف لانه يؤثر زيادة على محض المضمضة في التنظيف انتهى. والثاني قال سند: ولابن الصباغ فيه خلاف. وقال بعض أهل العراق: ذلك سواك وأنكره غيره وقال: ليس الاصبع بأن يكون سواكا للسن بالاولى من أن يكون السن سواكا للاصبع انتهى. ص: (وتسمية) ش: قال ابن المنير في تيسير المقاصد: وفضائله ست: التسمية مكملة بخلاف الذبيحة انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب الذبائح قالوا: ولا يقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على النبي (ص) لان هذا ليس موضعه. قال الفاكهاني قلت: وهذا بخلاف التسمية عند الاكل والشرب والوضوء والقراءة ونحو ذلك فإنه يقول بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال بسم الله خاصة أجزأه، وأما عند دخوله المسجد ففي الحديث أنه يقول بسم الله والسلام على رسول الله، وأما عند الجماع ففي الحديث أنه يقول بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني، وأما عند إغلاق الباب وإطفاء المصباح ففي الحديث أنه يقول بسم الله، فإن اقتصر عليه أجزأه. وانظر هل الاولى إضافة الرحمن الرحيم إلى ذلك في هذا الموضع الخاص، أو الاقتصار على أقل ما يفهم من الحديث

[ 384 ]
المذكور ؟ وأما عند وضع الميت في لحده فاستحب أشهب أن يقال بسم الله وعلى ملة رسول الله وإن دعا بغير ذلك فحسن انتهى. وقال في مختصر الواضحة: لما ذكر حديث لا وضوء لمن لم يسم الله قال عبد الملك: يعني ابن حبيب: يعني بالتسمية أن ينوي الصلاة فمن لم ينو ذلك لم تجزه الصلاة وإن كان سابقا مثل أن يتوضأ تنظفا أو تبردا، وكذلك قال مالك. ثم قال: وقد يقع تأويل التسمية في الحديث الاول على تسمية الله تعالى عند مبتدأ الوضوء. ص: (ودخول وضده لمنزل ومسجد) ش: قال في الشامل: ودخول خلاء. ص: (ولبس) ش: قال في الشامل: ولبس ثوب ونزعه. ص: (وإن شك في ثالثة ففي كراهتها قولان قال كشكه في صوم يوم عرفة هل هو العيد) ش: ففي في كراهتها وعدم كراهتها

[ 385 ]
وتكون باقية على الامر بالاتيان بها قولان: قال ابن عرفة: ولو شك في الثالثة ففي فعلها نقلا المازري عن الاشياخ انتهى. وقال في التوضيح: ولو شك هل غسل اثنتين أو ثلاثا فقولان للشيوخ، قيل: يأتي بأخرى قياسا على الصلاة. وقيل: لا خوفا من الوقوع في المحذور انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة، واختلف إذا شك هل هي ثالثة أو رابعة ؟ فقيل: إنه يفعلها كركعات الصلاة. وقيل: لا، لترجيح السلامة من ممنوع على تحصيل فضيلة. قلت: وهذا هو الحق وبه أدركت كل من لقيت يفتي وخرج المازري على هذين القولين، صوم يوم عرفة من شك في كونه عاشرا. قال ابن بشير في شرحه على ابن الجلاب: قيل له ما يختار من القولين ؟ قال: الصوم. قيل له: بناء على استصحاب الحال ؟ قال: نعم انتهى. قال في الشامل: فقيل: يأتي بأخرى. وقيل: لا وهو الظاهر انتهى. ويوجد في بعض نسخ الشارح: سئل المازري عن صوم التاسع من ذي الحجة إذا شك أن يكون يوم النحر، هل يكره مخالفة الوقوع في صوم يوم النحر - وهو محظور - فيقع في بعض النسخ وهو محظور وهو الصواب، وفي بعض النسخ أو هو محظور وهو خطأ، ألا يهامه أن صوم التابع مع الشك محظور وليس كذلك لما تقدم عن المازري أنما اختار الصوم لان المسألة المخرج عليها ليس فيها قول بالمنع، وعلم من هذا أن القولين في الصوم هل هو أيضا باق على الطلب أو يكره ؟. فرع: يقبل الغير في الاخبار بكمال الوضوء والصوم، انظر ابن عرفة في الشك في الطواف في كتاب الحج والله تعالى أعلم. فصل آداب قضاء الحاجة هذا الفصل يذكر فيه آداب الاستنجاء والاستجمار وما يتعلق بذلك، وقسمه إلى ثلاثة أقسام: قسم عام في الفضاء والكنيف، وقسم خاص بالكنيف، وقسم خاص بالفضاء انتهى من البساطي. ص: (وندب لقاضي الحاجة جلوس ومنع برخو نجس) ش: الرخو مثلث الهش من

[ 386 ]
كل شئ، قاله في القاموس. قال ابن بشير قال الاشياخ: لا يخلو الموضع المقصود للبول من أربعة أقسام: إن كان طاهرا رخوا فالاولى الجلوس لانه أقرب للستر ولا يحرم القيام، وإن كان صلبا نجسا فينبغي أن يتركه ويقصد غيره لانه إن قام خاف أن يتطاير عليه، وإن جلس خاف أن يتلطخ بنجاسة الموضع. وإن كان الموضع صلبا طاهرا فليس إلا الجلوس لانه يأمن التلطخ بالنجاسة إن جلس ولا يأمنها إن قام. وإن كان رخوا نجسا فليس هناك إلا القيام لانه يأمن التطاير وإن جلس خاف التلطخ. ومحصول هذا أنه يجتنب النجاسة ويفعل ما هو أقرب للستر، واجتناب النجاسة آكد من الستر إذا كان بموضع لا يرى فيه انتهى. وأصله للباجي في كتاب الطهارة من المنتقى والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى تكلم هنا على الموضع الرخو فقط فأشار إلى الرخو الطاهر بقوله ندب القاضي الحاجة جلوس وإلى الرخو النجس بقوله ومنع برخو نجس. فأما ما ذكره في القسم الاول فهو معنى قول ابن بشير فالاولى الجلوس. وقال الباجي: هو أولى وأفضل وليس هذا معارضا لقوله في المدونة ولا بأس بالبول قائما في موضع لا يتطاير فيه لان لا بأس ترد لما غيره خير منه. وقال في المدخل: اختلف في البول قائما فأجيز وكره، والمشهور الجواز إذا كان في موضع لا يمكن الاطلاع عليه وكان الموضع رخوا فإنه يستشفى به من وجع الصلب، وعلى ذلك حملوا ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه بال قائما انتهى. وليس مراده بالجواز استواء الطرفين وإنما مراده نفي الكراهة الشديدة وإن كان تركه أولى. وقال في الطراز: والقياس أن ذلك لا يكره إذا سلم من إصابة البول والهتكة إذ ليس فيه ما يؤدي إلى تضييع واجب ولا ارتكاب محظور. وأما ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في القسم الثاني من منع الجولس فينبغي أن يحمل على الكراهة ولا يحمل على ظاهره، وليس في كلامهم ما هو صريح في المنع، وقد تقدم لفظ ابن بشير، ولفظ الباجي قريب منه ونصه: وإن كان الموضع دمثا وهو مع ذلك قذر بال البائل فيه قائما ولم يبل جالسا، لان جلوسه يفسد ثوبه وهذا يأمن من تطاير البول إذا وقف. وقال في التوضيح: وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة أن تنجس ثيابه. وأقوى ما رأيت في ذلك عبارة ابن عرفة فإنه لما حكى كلام الباجي وابن بشير قال الباجي وابن بشير عن الاشياخ قيامه برخو طاهر جائز، ومقابله بدعة أي يتركه وجلوسه بصلب طاهر لازم ومقابله مقابله. فيفهم من قوله ومقابله مقابله أن القيام لازم وليس في الكلام المتقدم ما يقتضي أن الجلوس حرام والقيام واجب إذا تحفظ الشخص على ثيابه، بل عبارة الجواهر صريحه في الجواز فإنه قال لما عد الآداب: وأن يبول جالسا إن كان المكان طاهرا، فإن كان نجسا رخوا فله أن يبول قائما. وذكره في الذخيرة وقبله فتأمله. ولم يتابع صاحب الشامل المصنف على التصريح بالمنع بل قال: وجلوسه بمكان رخو إن كان طاهرا وإلا بال قائما والله تعالى أعلم. وأما الموضع الصلب فأطلق رحمه الله تعالى فيما يأتي أنه يستحب اجتنابه. قال ابن غازي: ولا أعرفه إلا لابي حامد الغزالي.

[ 387 ]
قلت: ذكر في الذخيرة عن الجواهر أن من الآداب أن يجتنب الموضع الصلب احترازا من الرشاش وأطلق في ذلك، ولا شك أنه يخشى من تطاير البول فيه مطلقا، سواء كان طاهرا أو نجسا فينغبي تجنبه. ولكني لم أقف على ما ذكره عن الجواهر فيها إثر كلامه المتقدم وإن كان نجسا صلبا تجنبه وعدل إلى غيره. وفي العمدة والارشاد لابي عسكر أن من الاداب أن يطلب موضعا رخوا. قال شراحه: لا صلبا. وصرح بذلك ابن معلى في منسكه فقال: واتقاء الارض الصلبة. تنبيهان: الاول: قد تقدم في كلام ابن بشير أنه إذا كان الموضع صلبا طاهرا فليس إلا الجلوس. وقال الباجي: إن كان موضعا طاهرا صلبا يخاف أن يتطاير منه البول إذا بال قائما، فحكم ذلك الموضع أن يبول البائل فيه جالسا لان طهارته تبيح الجلوس، وصلابة الارض تمنع الوقوف لئلا يتطاير عليه من البول ما ينجس ثيابه. قال في التوضيح: وإن كان صلبا طاهرا تعين الجلوس. ونحوه في الشامل، وتقدم في كلام ابن عرفة أن جلوسه لازم. ونقله عنه ابن ناجي وقبله. وظاهر كلامهم أن الجلوس واجب، وظاهر كلام المدونة أن القيام مكروه لانه قال إثر كلامه: وأكرهه بموضع يتطاير فيه. قال أبو الحسن في الامهات: في موضع صلب يتطاير فيه. ثم قال: بعد أن ذكر التقسيم المتقدم: وقد ذكر الباجي هذا التقسيم بعينه. وانظر الكراهة هل هي على المنع أو على بابها تجري على التفصيل المتقدم ؟ انتهى. وحملها على المنع ظاهر إلا أن يأمن تطاير البول بأن يكون مرتفعا عن محله أو لا يكون عليه ثياب ويريد أن يغتسل فتأمله والله أعلم. وهذه المسألة لا يفهم من كلام المصنف حكمها إلا ما تقدم من استحباب تجنبه، وأما إذا لم يتجنبه وأراد قضاء الحاجة فيه، هل يقوم أو يجلس ؟ لا يفهم من كلامه شئ على ما حملنا عليه كلامه من أنه خاص بالرخو. وأما إذا بقي كلامه على عمومه فيفهم منه عكس المراد، وأن الجلوس حينئذ مستحب أيضا والقيام جائز وليس كذلك فتأمله والله تعالى أعلم. والثاني: قول المصنف لقاضي الحاجة شامل للبول والغائط لكن قال في توضيحه في شرح قول ابن الحاجب: ولا بأس بالقيام إذا كان المكان رخوا: إنه مقيد بالبول قال: لان الغائط لا يجوز إلا جالسا انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما الغائط فلا يجوز إلا جالسا على كل حال. صرح بعدم الجواز خليل والاقرب أنه مكروه فقط انتهى. ص: (واعتماد على رجل واستنجاء بيد يسيريين) ش: عد في المدخل في الآداب أن يقيم عرقوب رجله اليمنى

[ 388 ]
على صدرها وأن يستوطئ اليسرى وأن يتوكأ على ركبته اليسرى قال: فإن هذه الصفات أسرع الخروج الحدث. وقوله واستنجاء بيد فإن كانت المرأة من السمن بحيث لا تصل يدها إلى موضع النجاسة منها فلا يجوز لها أن توكل غيرها يغسل لها ذلك من جارية أو غيرها، ولا يجوز أن تكشف عليها غير زوجها، فإن أمكن زوجها أن يغسل لها ذلك فيها ونعمت له الاجر في ذلك والثواب الجزيل، وإن أبى فليس عليه ذلك واجبا وتصلي هي بالنجاسة ولا يجوز أن تكشف عليها غير زوجها، فإن أمكن زوجها أن يغسل لها ذلك فيها ونعمت له الأجر في ذلك والثواب الجزيل، وإن أبى فليس عليه ذلك واجبا وتصلى هي بالنجاسة ولا تكشف عليها أحدا، لأن ستر العورة واجب وكشفها محرم اتفاقا، وإزالة النجاستة في الصلاة مختلف فيها على أربعة أقوال: أحدها أن إزالتها مستحبة وما اختلف فيه. فارتكابه أيسر من الذي لم يختلف فيه وأما الرجل فإن كان لا يصل إلى ذلك بيده فإنه يتعين عليه إن قدر أن يشتري جارية على أن تتولى. ذلك منه، وإن تطوعت الزوجة بغسله لم يجب عليه شراء الجارية، ولا يحل له أن يكشف على عورته. غير من ذكر، فإن لم يجد فصلاته بالنجاسة أخف من كشف عورته وهذا كله على مذهب مالك رحمه الله تعالى انتهى. وقوله يريين نعت لرجل ويد ويتعين قطعه بأضمار فعل لاختلاف العامل وحينئذ فلا اعتراض على المنف وقول البساطي فيه شئ غير ظاهر لانه حمله على الاتباع وليس ذلك لازما والله تعالى أعلم. فائدة: يقال لليسرى يسار. قال في الصحاح بالفتح ولا تقل يسار بالكسر. وفي المحكم اليسار واليسار نقيض اليمين. الفتح عن ابن السكيت أفصح، وعن ابن دريد الكسر، ولفظ الجمهرة ليس في كلام العرب كلمة أو لها ياء مكسورة عدا يسار شبهت بالشمال وقد تفتح انتهى. ويقال: جلس يسرته ويمنته بفتح أولهما وسكون ثانيهما أي جلس على يساره أو على يمينه. ص: (وبلها قبل لقي الاذى وغسلها بكتراب بگعده) ش: أي قبل ملاقاتها النجاسة فيبلها قبل أن يغسل قبله ودبره كما صرح به في الرسالة والجوهر وغيرهما قالوا: لئلا تعلق بها الرائحة. ص: (وستر إلى محله) ش: أي محل قضاء الحاجة يريد وإلى جلوسه. ولا يحمل على ظاهره أنه إذا وصل إلى محل قضاء الحاجة لم يطلب بعد ذلك بالسر بل هو مطلوب

[ 389 ]
بالستر إلى الجلوس. قال ابن الحاجب في الادب: والجلوس وإدامة الستر إليه قال في التوضيح: أي يستحب أن يديم الستر إلى الجلوس لكونه أبلغ في الستر. وقال ابن عبد السلام: أي إدامة ستر العورة إلى الجلوس إذا كان الموضع لا يخشى على الثياب فيه من النجاسة وإلا جاز كشف العورة قبل الجلوس انتهى. وقال ابن فرحون وقال في الجواهر: وأن يديم الستر حتى يدنو من الارض إن أمن من نجاسة ثوابه انتهى. ونحوه في الزاهي. وذكر صاحب الطراز والقرافي عن الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض. تنبيه: وهذا إنما يكون مستحبا إذا كان حيث لا يراه الناس وإلا فالستر واجب، قاله البساطي. تنبيه: قول المصنف وستر إلى محله فيه بيان حكم الستر عند الجلوس ولم يبين حكم الاسبال عند القيام، ولم أقف فيه على نص للمالكية. ورأيت في الايضاح للناشري من الشافعية عن الماوري أنه يستحب إسبال الثوب إذا فرغ قبل انتصابه قال: وهذا كله إذا لم يخف تنجس ثوبه فإن خافه رفع قدر حاجته. ص: (وإعداد مزيله) ش: في الحديث اتقوا الملاعن وأعدوا النبل قال في النهاية: جمع نبلة كغرفة وغرف، والمحدثون يفتحون النون والباء انتهى. وقال في الصحاح: النبل حجارة الاستنجاء يعني بضم النون وفتح الباء، والمحدثون يقولون النبل بالفتح سميت بذلك لصغرها انتهى. وقال الطبري في المقرب في حديث: تقوا الملاعن واعدوا النبل بالضم والفتح حجارة الاستنجاء. والضم اختيار الاصمعي انتهى. وأما النبل بفتح النون وسكون الموحدة فهو السهام، وأما النبل بضم النون وسكون الموحدة فهو الفضل كما قال: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه ص: (ووتره) ش: قال في التوضيح عن ابن هارون: الذي سمعت استحبابه إلى سبع

[ 390 ]
وصرح به في المدخل ص: (وتقديم قبله) ش: قال سند: هذا ما لم يكن ضرر بمنع ذلك كمن يحصل له قطار البول عند ملاقاه الماء لدبره فإنه يغسل الدبر أولا ثم القبل، ونقله الشارح في الكبير. ص: (وتفريج فخذيه) ش: قال في المدخل: عند البول والاستنجاء والاسهال لئلا يتطاير عليه شئ من النجاسة لا يشعر به. وظاهر كلام الشارح أنه يطلب أيضا عند الغائط وإن لم يكن فيه إسهال لانه علله بأنه أبلغ في استفراغ ما في المحل. ص: (واسترخاؤه) ش: أي قليلا كما قال في الرسالة: ويسترخي قليلا قال ابن ناجي: ولم أزل أسمع عن غير واحد من الاشياخ أن الشيخ لم يسبقه أحد إلى التنبيه بالاسترخاء، وإنما ذكر الشيخ ذلك ليكون أقرب لازالة النجاسة التي في غضون المحل، وذلك أن المحل ذو غضون ينقبض عند حس الماء على ما تعلق به من النجاسة، فإذا استرخى تمكن من الانقاء. وقيل: يتمكن بذلك من تقطير البول وغيره، والقولان حكاهما أبوعمران الجوزي انتهى. فرع: قال في المدخل: ويسترخي قليلا عند الاستنجاء لانه إذا لم يفعل يخاف أنه إذا خرج استرخى منه ذلك العضو فيخرج شئ من الموضع الذي لم يغسله على ظاهر بدنه فيصلي بالنجاسة انتهى. ص: (وتغطية رأسه) ش: ذكره ابن العربي في العارضة ونقله عنه ابن عرفة وعده أيضا في المدخل من الخصال المطلوبة. قال: وكذلك عند الجماع. ونقله الابي عن الغزالي ونصه: وأن لا يدخل حاسر الرأس. قيل: خوف أن تعلق الرائحة بشعره. وقيل: لان تغظية الرأس أجمع لمسام البدن وأسرع لخروج الحدث انتهى. وقال الدميري من الشافعية: ويندب أن لا يدخل حاسر الرأس بل يستره ولو بكمه خوفا من الجن والله تعالى أعلم. ص: (وعدم التفاته) ش: عد في المدخل من الآداب أن لا يقعد حتى يلتفت يمينا وشمالا ثم قال: إذا قعد لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وبهذا يجمع بين ما ذكره المصنف وما ذكره ابن العربي في عارضته، ونقله عنه ابن عرفة وقبله أن من الاداب أن يلتفت يمينا وشمالا، فيحمل ما ذكره المصنف على ما إذا قعد. وما ذكره ابن العربي على ما إذا أراد القعود وذلك - والله أعلم - لئلا يكون هناك شئ يؤذيه، فإذا رآه بعد جلوسه قام وقطع عليه بوله وربما نجس عليه ثيابه. وقال في الزاهي: ولا تجلس حتى تلتفت يمينا وشمالا. فرع: عد في المدخل من الآداب أن لا ينظر إلى السماء وأن لا يعبث بيده والله تعالى أعلم. ص: (وذكر ورد بعده وقبله) ش: أما ما ورد بعده فهو ما رواه الترمذي أنه عليه الصلاة

[ 391 ]
والسلام كان يقول: غفرانك. وروي أنه كان يقول الحمد لله الذي سوغنيه طيبا وأخرجه عني خبيثا قاله في العارضة قال: وبذلك سمي نوحا عبدا شكورا. وقال في الطراز: كان إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني وربما قال: غفرانك. رواه أبو داود. وقال في الرسالة: وعند الجلاء الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته. وقوله غفرانك بالنصب أي أسألك غفرانك أو اغفر غفرانك. واستحب بعض الشافعية تكرار غفرانك مرتين. ووجه سؤال المغفرة هنا قال ابن العربي: هو العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء وإيصال منفعته وإخراج فضلته. وقال غيره: إنما ذلك لتركه الذكر حال الخلاء فإنه (ص) كان لا يترك الذكر إلا غلبة فرآه تقصيرا. قال صاحب الطراز: وفيه نظر لانه إذا كان منهيا عن الذكر في تلك الحال فإنه يثاب بتركه، وهذا مما وجب الحمد عليه لا الاستغفار منه. وانظر في الاول أيضا بأن نعم الله لا تحصى فكان يجب أن يستغفر متى أتته نعمة قال: وإنما الوجه أنه عليه الصلاة والسلام كان يكثر الاستغفار حتى إنه ليعد له في المجلس الواحد مائة مرة فجرى على عادته لان من كان دأبه الاستغفار تجده عند حركاته وتقلباته يستغفر الله تعالى. وأما ما ورد قبله فهو ما ورد في الصحيحين وغيرهما أنه (ص) كان إذا دخل الخلاء يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث والخلاء - بفتح الخاء والمد - المكان الذي ليس فيه أحد، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة كما سيأتي. وبالقصر: الرطب من الحشيش. وخلا أيضا حرف استثناء وفعل استثناء. والخلاء - بكسر الخاء والمد - في النوق كالحرن في الخيل. وفي رواية: إذا أراد أن يدخل الخلاء وفي أخرى: إذا دخل الكنيف. والخبث بضم الباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر أن الشياطين وإناثهم. ويروى بسكون الباء قال الطيبي في شرح المشكاة: ويراد به الكفر، وبالخبائث الشياطين انتهى. وقال الخطابي: عامة أهل الحديث يسكنون الباء وهو غلط، والصواب ضمها نقله في الطراز. وقال النووي: ولا يصح قول من أنكر الاسكان. وذكر عن ابن التين والطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من

[ 392 ]
النجس والرجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وقال في المدخل في صفة الذكر: هو أن يقول أعوذ بالله من الخبث والخبائث النجس الرجس الشيطان الرجيم. زاد في الزاهي بعد قوله: الرجس النجس الضال المضل. تنبيه: ويجمع مع هذا الذكر التسمية فقد تقدم أن من المواضع التي تشرع فيها التسمية: الدخول للخلاء والخروج منه ويبدأ بالتسمية كما صرح به في الارشاد وقال: إنه في حال تقدمة الرجل اليسرى. قال الشيخ سليمان البجيرمي: وظاهر كلام ابن الحاجب أنه يقدم التعوذ قبل أن يدخل رجله. ولفظ الارشاد ويقدم رجله اليسرى قائلا: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. وقال في الذخيرة: يقول ذلك قبل دخوله إلى موضع الحدث أو بعد وصوله إن كان الموضع غير معد للحدث. وقيل: بجوازه وإن كان معدا له. وحكمة تقدمة هذا الذكر ما روى الترمذي إن رسول الله (ص) قال: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله والستر هنا بكسر السين اسم قاله الدميري من الشافعية. فائدتان: الاولى: خص هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين: الاول أنه خلاء وللشياطين بعادة الله تعالى وقدرته تسلط بالخلاء ما ليس له في الملا. قال (ص): الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب الثاني أنه موضع قذر ينزه ذكر الله تعالى فيه عن جريانه على اللسان فيغتنم الشيطان عدم ذكره لان ذكره يطرده فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليذقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج. الثانية: كان النبي (ص) معصوما من الشيطان حتى من الموكل به بشرط استعاذته كما أنه غفر له بشرط استغفاره انتهى. من أول العارضة لابن العربي. ص: (فإن فات ففيه إن لم يعد)

[ 393 ]
ش: إنما قدم الشيخ قوله: بعده على قوله: ليرتب عليه هذا الفرع. وفهم من كلامه أنه يقول الذكر المتقدم قبل وصوله إلى محل الحدث، سواء كان الموضع معدا لقضاء الحاجة أم لا، فإن فاته أن يقول ذلك قبل وصوله إلى المحل قاله بعد وصوله إلى المحل إن لم يكن معدا لقضاء الحاجة، وهذا نحو ما تقدم عن الذخيرة وما سيأتي عن الجواهر. تنبيه: قيد ابن هارون ذلك بما قبل جلوسه للحدث قال في شرح قول ابن الحاجب: والذكر قبل موضعه وفيه إن كان غير معد. قوله: وفيه إن كان غير معد يعني قبل جلوسه للحدث، وأما في حال الجلوس فلا، لان الصمت حينئذ شروع في حقه ولذلك لا يرد على من سلم عليه. ومفهوم الشرط في كلام المصنف أنه إذا كان الوضع معدا لقضاء الحاجة فلا يقول الذكر فيه ويفوت بالدخول. وانظر هل ذلك مكروه أو ممنوع ؟ وكذا قوله فيما يأتي: وبكنيف نحى ذكر الله هل هو على جهة الوجوب أو الكراهة ؟ فإن الكلام في ذلك واحد والنقول في ذلك مختلفة وظاهر كلام التوضيح المنع فإنه قال في قول ابن الحاجب: وفي جوازه في المعد قولان، كالاستنجاء بخاتم فيه ذكر شبه الخلاء بمسألة الخاتم والمعروف في الخاتم المنع، والرواية بالجواز منكرة. ثم المنع في الخاتم أقوى من الذكر لمماسة النجاسة له ونحوه لابن عبد السلام فإنه قال: المنع المشبه به أقوى منه في المشبه وهي غير حاصلة في المشبه. وأخذ من من المدونة المنع في مسألة الاستنجاء بالخاتم من أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب في منع مبايعة أهل الذمة بالدنانير والدراهم المنقوشة عليها أسماء الله تعالى. وفيها أيضا قول بالجواز انتهى. وصرح بذلك في الجواهر فقال: ويقدم الذكر قبل الوصول إلى موضع الحدث، ويجوز له أيضا بعد وصوله إن كان موضعا غير معتاد للحدث، وإن كان معتادا له فقولان في جوازه ومنعه وهما جاريان أيضا في جواز الاستنجاء بالخاتم مكتوب فيه ذكر الله انتهى. وقال الشارح في شروحه: المشهور أنه لا يجوز في المعد. وقيل: بجوازه. وكلام هؤلاء صريح في المنع ومقتضاه حرمة الذكر ووجوب تنحية كل ما فيه ذكر. وأما البساطي وابن الفرات والاقفهسي فلم يصرحوا بالمنع ولم يذكر ابن عرفة نقلا صريحا في المنع بل قال: ويؤمر مريد الحدث بذكر نحو: أعوذ بالله من الخبث والخبائث قبل فعله في غير معدله، وفيه قال اللخمي: قبل دخوله، وروى عياض جوازه فيه انتهى. وكلام اللخمي كذلك ليس فيه منع ونصه: ويستحب أن يستعيذ بالله قبل التلبس بذلك إن كان بصحراء، وإن كان في الحاضرة قبل دخوله الخلاء انتهى. وكلام عياض الذي ذكره هو في آخر الصلاة من الاكمال ونصه: اختلف العلماء والسلف في هذا أي ذكر الله تعالى في الخلاء، فذهب بعضهم إلى جواز ذكره تعالى في الكنيف. وعلى كل حال، وهو قول النخعي والشعبي وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن سيرين ومالك بن أنس. وروي كراهة ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي وغيرهم، وكذلك اختلفوا في دخول الكنيف بالخاتم فيه ذكر الله تعالى انتهى. فلم يحك عن مالك إلا الجواز. وقال في

[ 394 ]
المدخل في فصل قدوم المريد من السفر: ولان الشارع. لم يمنع من ذكر الله تعالى في حال من الاحوال إلا في موضع الخلاء فإنه يكره ولا بأس بذكر الله هناك للارتياع وما يشبهه وليس بمكروه. وقال الجزولي في شرح الرسالة: هل يجوز نقش اسم الله تعالى في الخاتم ؟ والمشهور الجواز. وقيل: لا يجوز. والاول هو الصحيح. واختلف هل يستنجي به في يده ؟ قولان: قيل يجوز وهذه قولة عن مالك وأباح ذلك في العتبية، وكذلك يكره أن يدخل بيت الخلاء بخاتم فيه اسم الله تعالى أو يصر الدراهم في خرقة منجوسة، والخلاف في هذا كله انتهى. وقال في الطراز: لما تكلم على آداب الاستنجاء وجوز مالك أن يدخل الخلاء ومعه الدينار والدرهم وإن كان مكتوبا عليه اسم الله تعالى. وقال عنه ابن القاسم في العتبية: إنه يستخف في الخاتم الاستنجاء به. قال: ولو نزعه كان أحب إلي وفيه سعة ولم يكن من مضى يتحفظون من هذا. قال ابن القاسم: وأنا استنجي به وفيه ذكر الله تعالى. قال ابن حبيب: أكره له ذلك وليحوله في يمينه وهذا حسن، وقد كره مالك أن يعامل أهل الذمة بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله تعالى. وفي الترمذي عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه انتهى. ونقله في الذخيرة وفي رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة: وسألت مالكا عن لبس الخاتم فيه ذكر الله تعالى يلبس في الشمال وهل يستنجى به ؟ قال مالك: أرجو أن يكون خفيفا. قال ابن رشد: قوله: أرجو أن يكون خفيفا يدل على أنه عنده مكروه وإن نزعه أحسن. وكذلك فيما يأتي في رسم مساجد القبائل من هذا السماع وفي رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب، ومثله لابن حبيب في الواضحة، ووجه الكراهية فيه بين، لان ما كتب فيه اسم الله تعالى من الحروز يجعل له خرقة. وقد قال مالك رحمه الله تعالى في كتاب التجارة إلى أرض الحرب: إني لاعظم أن يعمد إلى دراهم فيها ذكر الله تعالى فيعطاها نجسا وأعظم ذلك إعظاما شديدا، أو كرهه. وقول ابن القاسم في رسم مساجد القبائل: وأنا أستنجي بخاتمي وفيه ذكر الله تعالى ليس بحسن من فعله، ويحتمل أن يكون إنما فعله لانه عض بأصبعه فيشق عليه تحويله إلى اليد الاخرى كلما دخل الخلاء واحتاج إلى الاستنجاء، فيكون إنما تسامح فيه لهذا المغني وهو أشبه بورعه وفضله انتهى. والذي في رسم مساجد القبائل قيل له: استنجى به وفيه ذكر الله تعالى ؟ فقال: إن ذلك عندي خفيف ولو نزعه لكان أحسن. وفي هذا سعة وما كان من مضى يتحفظ في مثل هذا ولا يسأل عنه، قال ابن القاسم: وأنا أستنجي بخاتمي وفيه ذكر الله تعالى. قال ابن رشد: قد مضى الكلام عليه في رسم الشريكين. وقال في أواخر رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب: سئل مالك عن الخاتم فيه ذكر الله تعالى منقوش عن الاستنجاء ؟ فقال: إن نزعه فحسن وما سمعت أحدا انتزع خاتمه عند الاستنجاء. فقيل له: فإن استنجى وهو في يديه ؟ فقال: لا بأس. قال ابن رشد: قد مضى كلام عليه في رسم الشريكين وفي آخر سماع سحنون من كتاب الصلاة، وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطس

[ 395 ]
وهو يبول أو على حاجة يقول الحمد لله. قال: نعم. قال ابن رشد: قد روي عن ابن عباس أنه يكره ذكر الله على حالتين: على خلائه، وهو يواقع أهله. والدليل لقول ابن القاسم ما روي من جهة الاثر أن رسول الله (ص) كان إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بك من الخبث والخبائث وما روي عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) يذكر الله في أحيانه. ومن طريق النظر أن ذكر الله يصعد إلى الله فلا يتعلق به من دناءة الموضع شئ قال الله تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * (فاطر: 10) فلا ينبغي أن يمنع من ذكر الله تعالى على كل حال من الاحوال إلا بنص ليس فيه احتمال، ومن ذهب إلى ما روي عن ابن عباس تأول قوله: إذا دخل الخلاء على معنى إذا أراد أو أطلق أن ذلك موجود في بعض لآثار، وإن ثبت ذلك فأكثر ما فيه ارتفاع النص في جواز ذكر الله تعالى على كل تلك الحال لا المنع من ذلك، وإذا لم يثبت المنع فيه وجب أن يبقى على الاصل في جواز الذكر عموما. وما روي من أنه (ص) سلم عليه رجل وهو يبول فقال: إذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك. دليل فيه على أن ذكر الله تعالى لا يجوز على تلك الحال، وقد يحتمل عدم رد السلام عليه في تلك الحال بعد أن نهاه أدبا له على مخالفته لكونه على تلك الحال، أو لكونه على غير طهارة على ما كان في أول الاسلام أنه لا يذكر الله تعالى إلا على طهارة حتى نسخ ذلك انتهى. وقال في نوازله في كتاب الجامع: وإذا كان في خاتمه بسم الله فالاحسن أنه يحوله عند الاستنجاء على يمينه، فإن لم يفعل فالامر واسع انتهى. وقال في الطراز: لما عد الآداب ويستحب أن لا يكلم أحدا حال جلوسه ولا يرد على من سلم عليه، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر عليه رجل وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه. رواه الترمذي وأبو داود. وهذا يقتضي أن لا يشمت عاطسا ولا يحمد إن عطس ولا يحاكي مؤذنا، ونقله عنه في الذخيرة وذكر في آخر الفروق أنه يكره الدعاء في مواضع النجاسات والقاذورات انتهى. وقال في الجواهر: لما عد الآداب وأن يترك التشاغل بالحديث وإنشاد الشعر عند قضاء الحاجة وأحرى أن لا تجوز القراءة. وقال في المدخل: لما عد الخصال المطلوبة الثانية والعشرون لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، فإن سلم فلا يرد عليه. وقال في العمدة لابن عسكر: ومن أراد ذلك - يعني قضاء الحاجة - في الخلاء فلينزع ما عليه اسم الله تعالى، ونحوه في الارشاد له. ونقل الشارح في شرح قول المصنف: وبكنيف نحى ذكر الله أن في الاستذكار نحوه وأنه لا فرق بين كونه مكتوبا في رقاع أو منقوشا في خاتم ونحوه، وقال البرزلي في مسائل الجهاد في أثناء كلامه: وأما قراءة القرآن أو الذكر في المواضع الدنسة بنجاسة أو قذارة فينبغي أن ينزه ذكر

[ 396 ]
الله تعالى عن ذلك، ومن أجاز دخول الخلاء مستصحبا معه ما فيه ذكر الله أو أن يذكر الله تعالى فيه أو يجيز الاستنجاء بالخاتم الذي فيه ذكر الله تعالى لقوله تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) فلا يبعد جوازه انتهى. قلت: فهذا ما وقفت عليه من النقول في هذه المسألة ولا بد من تلخيصه وتحصيله على حسب ما فهمته ليقرب للفهم، واعلم أنه لا ينبغي أن يختلف في استحباب ترك الذكر والقراءة من غير ضرورة في ذلك الموضع ولا في استحباب ترك الدخول إليه بكل ما فيه ذكر الله، وأن الجواز إذا أطلق في ذلك المعنى أنه ليس فيه كراهة شديدة لا أنه مستوى الطرفين أعني فعله وتركه، لانه سيأتي أن السكوت مستحب عن كل كلام: إذا علم ذلك فيتحصل في الذكر في ذلك الموضع والقراءة فيه والدخول إليه بما فيه ذكر أو شئ من القرآن قولان: بالجواز والمنع. أما الجواز فهو الذي يفهم من كلام ابن رشد في سماع سحنون ومن اعتذاره عن ابن القاسم في رسم الشريكين بأنه يشق عليه تحويله إلى اليد اليمنى كلما دخل الخلاء، ومن كلام عياض في الاكمال ومن كلام صاحب الطراز ومن كلام البرزلي. وأما المنع فهو الذي يفهم من كلام المصنف ومن وافقه لانه المشهور. وإذا قلنا به فهل معناه الكراهة أو التحريم ؟ أما الذكر فيه والدخول إليه بما فيه ذكر أو قرآن، فالذي يفهم من كلام ابن رشد عياض وصاحب الطراز أن المنع عند من يقول به إنما معناه الكراهة، وهو صريح كلام الجزولي وصاحب المدخل. والذي يتبادر للفهم من كلام ابن عبد السلام المصنف في التوضيح والشارح أن المنع على التحريم وهو غير ظاهر إذ ليس في كلام أحد من المتقدمين ما يوافقه وهم لم يصرحوا بالتحريم، فيتعين حمل كلامهم على الكراهة ليوافق كلام المتقدمين، وأما قراءة القرآن فقد صرح في الجواهر بعدم جوازها في ذلك الموضع وهو الظاهر، وقد كرهوا القراءة في الطريق فيتعين حمل المنع على ظاهره، ولا شك أن الذكر هنا أشد كراهة من إدخال ما فيه ذكر وهذا حيث لا تدعو الضرورة إلى ذلك، وأما إذا دعت الضرورة إلى ذلك فقد تقدم في كلام صاحب المدخل أنه يجوز الذكر هناك للارتياع من غير كراهة، وعلى هذا فمن كان معه حرز وهو يخاف من مفارقته إياه فيجوز له أن يستصحبه معه من غير كراهة، لا سيما إن كان مخروزا عليه وهذا ظاهر، فإنهم أجازوا حمله للمحدث وللجنب وهما ممنوعان من مس القرآن وحمله، وأما من لا يخاف على نفسه فيكره إدخاله معه اللهم إلا أن يخشى عليه الضياع فيجوز. تنبيه: قال ابن الجوزي فيما علقه على كتابه الحصن الحصين الذكر عند نفس قضاء الحاجة ونفس الجماع: لا يكره بالقلب بالاجماع، وأما الذكر باللسان حالته فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه ولا نقل عن أحد من الصحابة، بل يكفي في هذه الحالة الحياء والمراقبة وذكر نعم الله تعالى في إخراج هذا القذر المؤذي الذي لو لم يخرج لقتل صاحبه وهو من أعظم الذكر ولو لم يقل اللسان انتهى. وأما مسألة الاستنجاء بالخاتم فيتحصل فيها ثلاثة أقوال: الجواز وهو

[ 397 ]
الذي يفهم من كلام ابن القاسم وفعله، والكراهة وهو الذي يفهم من كلام مالك في المواضع الثلاثة من العتبية كما فهمه ابن رشد ومن كلام اللخمي فإنه قال: اختلف هل يستنجي به وهو في يده وأن لا يفعل أحسن لحديث أنس: كان رسول الله (ص) إذا دخل الخلاء نزع خاتمه. ذكره الترمذي. وفي الصحيحين أنه نهى أن يمس ذكره بيمينه. فإذا نزهت اليمنى عن ذلك فذكر الله أعظم. وقد كره مالك أن يعطى الدراهم - فيها اسم الله - اليهود والنصارى، فهو في هذا أولى انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في توجيه اجتنابه التختم في اليمنى ما نصه: ولانه قد يكون فيه اسم الله تعالى فلا يحتاج إلى أن يخلعه عند الاستنجاء لان ذلك يستحب لمن تختم في شماله انتهى. والتحريم وهو الذي يفهم من كلام التوضيح وابن عبد السلام وقد تقدم كلامهما ومن كلام ابن العربي قال في العارضة، في آداب الاستنجاء أن ينزع الخاتم فيه اسم الله فلا يحل لمسلم أن يستنجي به في يده. ثم قال: فيها شرح مشكل. روي عن مالك في العتبية: لا بأس أن يستنجي بالخاتم فيه ذكر الله. قال بعض أشياخي: وهذه رواية باطلة معاذ الله أن يجري النجاسة على اسمه، قد كان له خاتم منبوش فيه محمد بن العربي، فتركت الاستنجاء به لحرمة اسم محمد وإن لم يكن ذلك الكريم الشريف ولكن رأيت للاشتراك حرمة انتهى. وقال في المدخل: وليحذر أن يستنجي والخاتم في يده إن كان عليه اسم من أسماء الله تعالى أو اسم من أسماء الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وإن كان روي عن مالك رحمه الله تعالى إجازة ذلك لكن هي رواية منكرة عند أهل المذهب عن آخرهم فينبغي أن لا يعرج عليها ولا يلتفج إليها، لان مثل هذه لا ينبغي أن تنسب إلى آحاد العلماء فضلا عن الامام مالك لما كان عنده من التعظيم لجناب الله وجناب نبيه عليه الصلاة والسلام ما هو مشهور والله تعالى أعلم. قال في الارشاد: لما تكلم على الاستنجاء وأنه بالشمال، فإن كان فيها خاتم فيه ذكر الله نقله إلى النهي - قال الشيخ شمس الدين الشامي في شرحه - وجوبا والله تعالى أعلم. ص: (وسكوت إلا لمهم) ش: قال في المدخل: من الخصائل المطلوبة ترك الكلام بالكلية ذكرا كان أو غيره، ولا بأس أن يستعيذ عند الارتياع، ويجب أن يتكلم إذا اضطر إلى ذلك في أمره يقع مثل حريق أو أعمى يقع أو دابة أو ما أشبه ذلك، وتقدم أنه لا يسلم ولا يرد سلاما ولا يحمد له عطس ولا يشمت عاطسا ولا يجيب مؤذنا والله تعالى أعلم. ص: (وبالفضاء تستر وبعد) ش: يعني أنه يستحب لمن أراد قضاء الحاجة في الفضاء أن يستتر عن أعين الناس وأن يبعد حتى لا يسمعوا له صوتا، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا أراد الغائط أبعد. وفي حديث أبي داود والترمذي أنه (ص) كان إذا أراد البراز أبعد حتى لا يراه

[ 398 ]
أحد. قال في النهاية: البراز بالفتح الفضاء الواسع. وذكر الدميري هذا عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان بمكة إذا أراد قضاء الحاجة خرج إلى المغمس. قال نافع: وهو على نحو ميلين من مكة. رواه ابن السني وأبو يعلى. قلت: وهذا الابعاد ليس للتستر وإنما المقصود منه تعظيم الحرم والله تعالى أعلم، فذكره هنا غير ظاهر والله تعالى أعلم. وروى أبو داود وصححه ابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام قال: من أتى الغائط فليستتر وإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم قال في الطراز إثر الحديث المذكور: يريد أنه يحضرها ويرصدها بالاذى فأمر بالستر لئلا يقع عليه بصر أو تهب ريح فتصيبه نجاسة، وكذلك كل من لعب به الشيطان وقصده بالاذى انتهى. وإنما لم يكتف المصنف بالتستر عن البعد لانه قد يستتر بشئ ولا يكون بعيدا بحيث يسمع ما يخرج منه. ص: (واتقاء حجر) ش: بضم الجيم وسكون الحاء وهو الثقب المستدير، ويلحق به المستطيل ويسمى السرب بفتح السين. والمعنى أنه يندب له اتقاء الحجر لانه (ص) نهى عن ذلك. رواه أبو داود وغيره. واختلف في علة النهي فقيل لانها مساكن الجن، وقيل لانه ربما كان هناك بعض الهوام فيؤذيه أو يشوش عليه، ويقال إن سبب موت سعد بن عبادة أنه بال في حجر وقالت الجن في ذلك: نحن قتلنا سيد الخز * رج سعد بن عباده * رميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده وهذا إذا لاقاه بغير الذكر قال: واختلف إذا بعد عنها فوصل بوله إليها فكره خيفة من حشرات تنبعث عليه من الكوة. وقيل: يباح لبعده عن الحشرات إن كانت فيها. والقول الثاني ذكره ابن حبيب واقتصر عليه ابن عرفة ناقلا عنه ونصه ابن حبيب: وليتق الجحر والمهواة وليبل دونهما ويجري إليهما. واستشكال ابن عبد السلام الفرق بينهما يرد بأن حركة الجن في فراغ المهواة لا في سطحها. فرع: عد في المدخل من الخصال المطلوبة أن لا يستنجي في موضع قضاء الحاجة. وقاله

[ 399 ]
في الذخيرة أيضا لما في الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه أو يغتسل فيه فإن عامة الوسواس منه. قال الدميري عن الشافعية: هذا إذا لم يكن مسلك يذهب فيه البول وهذا في الاستنجاء بالماء، وأما إذا استنجى بغيره فلا يندب له ذلك. قاله الشافعية أيضا وهو ظاهر. ص: (وريح) ش: ومنه المراحيض التي لها منفذ للهواء فيدخل الهواء من موضع ويخرج من آخر فإذا بال فيه ردته الريح عليه. قاله في المدخل: قال: فينبغي أن يبول في وعاء ثم يفرغه في المرحاض أو يبول على الارض بالقرب من المرحاض بحيث يسيل إليه ولا يلحقه مما يرده الريح شئ. وظاهر كلام المصنف أنه إنما يطلب باتقاء الريح وأنها لو كانت ساكنة لم يطلب منه اتقاء مهابها، والذي في المدخل أنه يتقي مهاب الرياح، وبذلك صرح الشافعية. ونص كلام صاحب المدخل: لما تكلم على آداب التصرف في قضاء الحاجة الحادية عشر أن يتقي مهاب الرياح انتهى. ص: (ومورد) ش: المورد موضع الورود من الانهار والآبار والعيون. وقال في الاكمال: الموارد ضفة النهر ومشارع المياه فإذا اتقى الموارد فالماء نفسه أحرى ويوجد التصريح به في بعض النسخ لا حاجة إليه. وفي حديث مسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم قال القاضي عياض: هو نهي كراهة وإرشاد، وهو في القليل أشد لانه يفسده. وقيل: النهي للتحريم لان الماء قد يفسد لتكرار البائلين ويظن المار أنه تغير من قراره. ويلحق بالبول التغوط فيه وصب النجاسة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: الجاري على أصل المذهب أن الكراهة على التحريم في القليل إذ قد يتغير فيظن أنه من قراره، وعزاه عياض لبعضهم وأما على الكثير فعلى بابها. قال بعض الشافعية: ولو قيل بالتحريم لم يكن بعيدا. فائدة: والضفة - بكسر الضاد المعجمة - جانب النهر وضفتاه جانباه قاله في الصحاح. وحكى صاحب النهاية فيه الفتح. ص: (وطريق) ش: قال في النوادر: ويكره أن يتغوط

[ 400 ]
في ظل الجدار والشجر وقارعة الطريق وضفة الماء وقربه انتهى. وضفة الماء جانبه كما تقدم. فائدة: روى أبو داود عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد. وقارعة الطريق، والظل قال في النهاية: هي جمع ملعنة وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحل له، لان الناس إذا مروا به لعنوا فاعله انتهى. وقوله البراز بكسر الباء على ما استصوبه النووي كما سيأتي، وهو الغائط، والموارد جمع مورد. وروى أبو داود أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): اتقوا اللاعنين. قال: وما اللاعنان ؟ قال: الذي يتخلى في طرق الناس أو ظلهم قال في النهاية: اتقوا اللاعنين أي الامرين الحالبين للعن الباعثين الناس عليه فإنه سبب للعن من فعله في هذه المواضع، وليس كل ظل وإنما الظل الذي يستظل به الناس ويتخذونه مقيلا ومناخا. واللاعن اسم فاعل من لعن فسميت هذه الاماكن لاعنة لانها سبب اللعن انتهى. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: الملاعن جمع ملعن، ومفعل اسم مكان. ولما كان التخلي في هذه الاماكن سببا في لعن الناس على ذلك سميت ملاعن. وفي الحديث: اتقوا اللعانين الحديث سمى فاعل ذلك لعانا مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبب انتهى. وقال ابن عبد السلام: الملاعن جمع ملعنة وهي قارعة الطريق وفي الحديث: اتقوا الملاعن وهي عند الفقهاء أعم من هذا كله كما قدل المؤلف كالطرق والظلال، سواء كان ظلال الشجر أو الجدارات والشاطئ والراكد انتهى. وقال في التوضيح: جمع ملعنة سميت بذلك لان الناس يأتون إليها فيجدون العذرة فيلعنون فاعلها انتهى. وقال في الذخيرة: سميت هذه ملاعن من باب تسمية المكان بما يقع فيه كتسمية الحرم حرما والبلد آمنا لما حل فيهما من تحريم الصيد وأمنه، ولما كانت هذه المواضع يقع فيها لعن الفاعل للغائط سميت ملاعن انتهى. وذكر الحديث بلفظ: اتقوا اللعانين قالوا: يا رسول الله وما اللعانان. الحديث فذكر اللعانين بصيغة المبالغة كما ذكره ابن راشد. والذي رأيته في مختصر سنن أبي داود للمنذري، وفي مختصر جامع الاصول اللعانان بالتخفيف تثنية لاعن. وذكر المنذرى في مختصر سنن أبي داود أن مسلما أخرجه ولم يعزه في مختصر جامع الاصول إلا لابي داود فيحرر ذلك من أصوله. وأول الحديث يقتضي أن اللاعن أبو اللعان اسم

[ 401 ]
للمكان وآخره يقتضي أنه اسم للفاعل فيها، وتوجيه صاحب النهاية يناسب الاول، وتوجيه ابن راشد يناسب الثاني. وأما حديث الملاعن فهل هو جمع ملعن أو ملعنة ؟ خلاف كما تقدم، وعلى كل حال فهو اسم للمكان فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وظل) ش: سواء كان ظل شجر أو حائط يستظل به. وفي شرح مسلم قال عياض: وليس كل ظل يحرم القعود عنده لقضاء الحاجة فقد قضاها (ص) تحت حائش، ومعلوم أن له ظلا انتهى. والحائش: قال في النهاية: هو النخل الملتف. ونصه: وفيه أنه دخل حائش نخل فقضى فيه حاجته. الحائش: النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض، وأصله من الواو. وإنما ذكرناه هنا لاجل لفظه ومنه الحديث أنه إذا كان أحب إليه ما استتر به إليه حائش نخل أو حائط. وقد تكرر في الحديث انتهى. من باب الحاء المهملة مع الياء المثناة التحتية والشين المعجمة. ومثل الظل الشمس أيام الشتاء، قاله الشيخ زروق في شرح الارشاد ولفظه: قال علماؤنا ومثله الشمس. فرع: قال في المدخل: في آداب الاستنجاء بأن يجتنب بيع اليهود وكنائس النصارى لئلا يفعلوا ذلك في مساجدنا، كما نهى عن سب الآلهة المدعوة من دون الله لئلا يسبوا الله تعالى انتهى. فرع: قال في المدخل: يكره البول في الاواني النفيسة للسرف. وكذلك يحرم في أواني الذهب والفضة لحرمة اتخاذها واستعمالها. فرع: يكره البول في مخازن الغلة اه‍ منه. ص: (وصلب) ش: بضم الصاد - وسكون اللام الموضع - الشديد. ويقال أيضا بفتح الصاد واللام قاله في الصحاح وشرح الارشاد لابن أبي شريف، وصلب بفتح الصاد وفتح اللام المشددة قاله في الصحاح. ص: (وبكنيف نحى ذكر الله) ش: تقدم الكلام عليه. والكنيف - بفتح الكاف - موضع قضاء الحاجة ويسمى المذهب والمرفق والمرحاض قاله النووي. وفي النهاية وفي حديث أبي أيوب: وجدنا مرافقهم قد استقبل بها القبلة، يريد الكنف والجشوش، واحدها مرفق بالكسر. وفي الصحاح المرفق والمرفق معا

[ 402 ]
بكسر الميم وفتح الفاء، وبالكسر هو ما ارتفقت به من الامر وانتفعت به. ثم قال: ومرافق الدار مصاب الماء ونحوها انتهى. ورأيت بخط بعضهم في حاشية الصحاح أن المرفق من مرافق الدار مفتوح الميم والفاء. قال: وهو الموضع الذي ينتفع به أهل الدار انتهى. قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري: المراحيض جمع مرحاض وهو بيت الخلاء مأخوذ من الرحض وهو الغسل انتهى. وفي الصحاح: رحضت يدي وثوبي أرحضه رحضا غسلته، والثوب رحيض ومرحوض والمرحاض خشبة يضرب بها الثوب إذا غسل، والمرحاض المغتسل انتهى. وزاد في المحكم: والمرحاض المغتسل ومنه قيل لموضع الخلاء المرحاض انتهى. ويقال له: الحش قال في التنبيهات: الحشوش - بضم الحاء وفتحها وشينين معجمتين - المراحيض والكنف وأصلها من الحش. قال: وهو النخل المجتمع. يقال هنا بضم الحاء وفتحها، وكانوا يستترون بها عند قضاء الحاجة. أو من الحش بالفتح وهو الدبر لانه يكتنف الكنف ويتبرز منه فيها انتهى. وفي حديث أبي داود: إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. ومعنى محتضرة أي تحضرها الشياطين. وقول القاضي عياض: إن الحش إذا كان معناه الدبر بالفتح يقتضي أن لا يقال بالضم. وفي الصحاح: والحش يعني - بالفتح والضم - المخرج لانهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وقال في المحكم: المحشة الدبر. وقال في النهاية: الحشوش موضع قضاء الحاجة، الواحد حش بالفتح وأصله من البستان، ويقال لموضع قضاء الحاجة الخلاء بالمد وأصله المكان الخالي ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة. قال الدميري من الشافعية قال الترمذي الحكيم: سمي بذلك باسم شيطان فيه يقال له خلاء وأورد فيه حديثا. وقيل: لانه يتخلى فيه أن يتبرز وجمعه أخلية. ويقال له الكرياس بالياء المثناة التحتية. وفي الصحاح: الكرياس الكنيف في أعلى السطح. وقال صاحب الطراز: روي في حديث أبي أيوب: وما يدرى ما يصنع بهذه الكرائس. والكرائس المراحيض تكون على السطوح، وأما ما كان على الارض لا على سطح فإنما هو كنيف انتهى. وأما الكرابس بالباء الموحدة فقال في الصحاح: هي ثياب خشنة واحدها كرباس. قال: وهو فارسي معرب. قال في النهاية: الكرابيس جمع كرباس وهو القطن. وفي حديث عمر عليه قميص من كرابيس، وفي حديث عبد الرحمن بن عوف: فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء انتهى. وأما البراز فإنما يطلق على الفضاء. وفي حديث أبي داود والترمذي: كان إذا أراد البراز بعد حتى لا يراه أحد. قال في النهاية: البراز بالفتح - اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن قضاء الحاجة كما كنوا عنه بالخلاء انتهى. وفي الحديث أيضا: اتوا الملاعن الثلاث: البراز في المورد والظل وقارعة الطريق قال في تهذيب الاسماء واللغات: قال الخطابي: البراز ههنا مفتوح وهو الفضاء الواسع. وأكثر الرواة يقولونه بكسر الباء وهو غلط، لانه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب. قال النووي قال بعض من صنف في ألفاظ المهذب: إنه بالكسر لا بالفتح لانه بالكسر كناية

[ 403 ]
عن ثقل الغذاء وهو المراد وهذا الذي قاله هذا القائل هو الظاهر والصواب. قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة: البراز بالكسر ثقل الغذاء وهو الغائط وأكثر الرواة عليه فيتعين المصير إليه، ولان المعنى عليه ظاهر ولا يظهر معنى الفضاء الواسع هنا إلا بكلفة فإذا لم تكن الرواة عليه لم يصر إليه انتهى. قلت: بخلاف الحديث الاول وأنه يتعين فيه الفتح كما تقدم في النهاية. ص: (ويقدم يسراه دخولا ويمناه خروجا) ش: ظاهر كلام أهل المذهب أن هذا الادب خاص بالكنيف كما صرح به البساطي وغيره. وقال الدميري من الشافعية: وهذا الادب لا يختص بالبنيان عند الاكثر بل تقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه من الصحراء، فإذا فرغ قدم اليمنى. وقال ابن الرفعة: تقديم اليمنى إذا فرغ ظاهر، وأما تقديم اليسار إلى موضع الجلوس ففيه نظر لمساواته لما قبله قبل قضاء الحاجة فيه، وقد يجاب بأنه لما عينه للبول صار دنيا كالخلاء انتهى. فائدة: قال الناشري من الشافعية في الايضاح: روى الترمذي الحكيم في علله عن أبي هريرة أنه قال: من بدأ برجله اليمنى قبل اليسرى إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر. قال: ولو قطعت رجله واعتمد على عصا قال الاسنوى: فالمتجه إلحاقها بالرجل فيما ذكرناه انتهى. تنبيه: قال الدميري: تقدم اليسرى للموضع الدنئ كالحمام وموضع الظلم. ص: (وجاز بمنزل وطئ وبول مستقبل القبلة ومستدبرها وإن لم يلجأ وأول بالساتر وبالاطلاق) ش: يريد

[ 404 ]
وغائط كما صرح به في المدونة، وظاهر كلام المصنف أن البول والغائط يجوز في المنزل مستقبل القبلة ومستدبرها، سواء كان في مرحاض أم لا، وسواء كان بينه وبين القبلة ساتر أم لا، وهو ظاهر المدونة. قال في تهذيب البراذعي: ولا يكره استقبال القبلة واستدبارها لبول أو غائط والمجامعة إلا في الفلوات. وأما في المدائن والقرى والمراحيض التي على السطوح فلا بأس به وإن كانت تلي القبلة. قال في التنبهات: ظاهر الكتاب في استقبال القبلة واستدبارها في المدائن والقرى، والجواز في المراحيض وغيرها من غير ضرورة لقوله إنما عنى بذلك الصحارى والفيافي ولم يعن المدائن والقرى، لدليل جواز مجامعة الرجل زوجته إلى القبلة ولا مشقة في الانحراف عنها وهو تأويل اللخمي، وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو الوليد خلاف ما قاله في المجموعة إنما ذلك في الكنيف للمشقة ونحوه في المختصر. وقيل: إنما جاز ذلك في السطح إذا كان عليه جدار انتهى. وقال عبد الحق في التهذيب: قال مالك في المختصر: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط في الفلاة والسطوح التي يقدر على الانحراف فيها. قال الشيخ: لم يشترط في المدونة السطوح وما شرط في هذا بل أباح ذلك في السطوح مجملا. وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: لا يجوز أن يتغوط مستقبل القبلة ولا مستدبرها في سطح ولا يحيط به جدر وذلك كالفيافي وقال: إنه منصوص هكذا وإنه ليس بخلاف للمدونة، وإنما تحمل مسألة المدونة على سطح يحيط به جدر، وهذا عندي لا معنى له، ولا فرق عندي بين سطح مستور وغيره، ومثل ذلك ذكر عن أبي عمران انتهى. إذا علم ذلك فإن كان مرحاض وساتر فلا خلاف في الجواز كما صرح بذلك ابن بشير ونقله المصنف في التوضيح وابن عرفة وابن ناجي، وإذا كان مرحاض ولم يكن عليه ساتر فحكى ابن عرفة فيه طريقين: الاولى للمازري في المعلم يجوز ذلك اتفاقا قال: وقبله عياض في الاكمال. والثانية لعبد الحق في التهذيب أنه يجوز. قال: وقول بعض شيوخنا: لا يجوز، وزعمه أنه منصوص موافق لها، بعيد انتهى. يشير إلى ما تقدم وهما التأويلان اللذان أشار إليهما المصنف بقوله: وأول بالساتر وبالاطلاق. واعترض ابن عرفة على عياض بأن قبل في الاكمال كلام المازري وقبل في التنبيهات كلام عبد الحق في التهذيب، وتحصل من هذا أن الجواز هو المذهب إما اتفاقا أو على الراجح، وهو الذي اختاره صاحب الطراز. فإن كان هناك ساتر ولم يكن مرحاض ففيه قولان، ذكرهما المازري في المعلم ونقلهما عنه الابي وغيره، ونص كلاما لابي عنه: واختلف في جواز ذلك في المدن بساتر دون مرحاض،

[ 405 ]
ثم ذكر الابي عن عياض أنه قال: قال بعض شيوخنا: الظاهر الجواز انتهى. وهو ظاهر المدونة كما تقدم. وعزاه اللخمي لها وعدم الجواز وهو مذهب المجموعة ومختصر ابن عبد الحكم. وقال ابن عرفة: وبساتر فقط أي وفي الجواز بساتر فقط قولا التلقين مع اللخمي عنها وابن رشد والمجموعة مع المختصر بناء على أن الحرمة للمصلين أو للقبلة، فعلم من هذا أن الراجح من القولين الجواز وهو مقتضى إطلاق المصنف. وأما إذا لم يكن ساتر ولا مرحاض وكان ذلك بالمنزل، فظاهر المدونة وكلام عياض وعبد الحق في التهذيب للمتقدمين الجواز، وظاهر كلام ابن بشير أنه لا يجوز فإنه قال: الموضع إن كان لا مراحيض ولا ساتر فلا يجوز فيه الاستقبال ولا الاستدبار، أو يكون فيه مراحيض وساتر فيجلس على ما تقتضيه المراحيض، أو يكون ساتر ولا مراحيض ففي المذهب قولان، وسبب الخلاف هل العلة حرمة المصلين فيجوز بالساتر، أو حرمة القبلة فلا يجوز أصلا انتهى. وإطلاق كلام المصنف جار على إطلاق عياض وعبد الحق، وهو الذي يفهم من كلام صاحب الطراز فإنه قال: وهل يجوز في موضع قضاء الحاجة من المدائن ؟ ظاهر الكتاب يحتمله، وقد منعه مالك في مختصر ابن عبد الحكم انتهى. فجعل كلام ابن عبد الحكم مخالفا للمدونة، وحمله على أن المراد به سطح لا مرحاض فيه ولا ساتر كالفضاء الذي في المداين، وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا غائط إذا كان في الصحارى، واختلف عن مالك في ذلك في المدائن فأجازه في المدونة. وقال: في مختصر ابن عبد الحكم: ذلك في الصحارى والسطوح التي يقدر فيها على الانحراف، وأما المراحيض التي عملت على ذلك فلا بأس. ثم قال: واختلف في تعليل الحديث فقال من نصر قول الاول: إن ذلك لحق من يصلي في الصحارى من الملائكة وغيرهم لئلا ينكشف إليهم، واحتج بحديث ابن عمر. وقيل ذلك لحرمة القبلة تعظيما وتشريفا، وهذا يستوي فيه الصحارى والمدن وهو أحسن. ثم احتج لذلك ونصره. وقد بنى المازري في المعلم الخلاف في جوازه في الشوارع التي في المدن على الخلاف في العلة المذكورة، هل هي لحرمة المصلين فيجوز أو للقبلة فلا يجوز ؟ والله تعالى أعلم. تنبيهات: الاول: في جمع المصنف الوطئ مع البول وتقديمه عليه، ودليل على أنه اختار تأويل أبي سعيد البراذعي وغيره للمدونة على مساواة حكمهما. وتأول بعضهم على أن ابن القاسم أجاز الوطئ مستقبل القبلة ومستدبرها في المدن والصحارى، والاول هو المشهور. الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر كلام الاكثر أن المرحاض بذاته كاف ولا يشترط الاضطرار إليه، وصرح بذلك اللخمي وابن رشد وعياض وسند، وقال ابن الحاجب: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا لمرحاض يلجأ إليه. وأراد بيلجأ إليه أنه يضطر بحيث لا يتأتى فيه قضاء الحاجة إلا مستقبلا أو مستدبرا، وأما لو تأتى فيه الانحراف لكان كالصحراء. الثالث: ينبغي للمجامع أن يستتر هو وأهله بثوب، سواء كان مستقبل القبلة أو غير

[ 406 ]
مستقبلها. قال في المدخل في فصل اجتماع الرجل بأهله: وينبغي أن لا يجامعها وهما مكشوفان بحيث لا يكون عليهما شئ يسترهما لان النبي (ص) نهى عن ذلك وعابه وقال فيه كما يفعله العربان، وقد كان الصديق رضي الله عنه يغطي رأسه إذ ذاك حياء من الله تعالى، وإن كان في برية أو على سطح فلا يجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، وإن كان في بيت فيختلف فيه بالجواز والكراهة والمشهور الجواز انتهى. وما ذكره غير ظاهر فإنه يقتضي أن الوطئ على السطح لا يجوز كالبرية وليس كذلك، فإن الخلاف في السطح كما تقدم بل نقل هو رحمه الله تعالى الخلاف في ذلك في أول كتابه لما تكلم على آداب قاضي الحاجة فقال: السادسة أن لا يستقبل القبلة. السابعة أن لا يستدبرها إلا في المنازل المبنية فلا بأس بالاستقبال أو الاستدبار ما لم يكن سطح فأجيز، وكره على الاختلاف في التعليل هل النهي احتراما للقبلة فيكره، أو إكراما للملائكة فيجوز ؟ وكذلك الجماع إن كان في البيت فيجوز، وإن كان في السطح فيختلف فيه على مقتضى التعليل انتهى. ص: (لا في الفضاء) ش: أي فإن ذلك لا يجوز أعني البول والغائط والوطئ، ولفظ المدونة الكراهة لكن قال ابن ناجي: الكراهة على التحريم. قاله بعض شيوخنا مستدلا برواية أبي عمر ابن عبد البر وابن رشد لا يجوز، وبرواية المازري المنع وظاهره التحريم. قال: وأصرح منه قول النووي: مذهب مالك والشافعي أنه حرام في الفلوات انتهى. وبعض شيوخه هو ابن عرفة ولفظه: روى ابن عبد الحكم وابن عبدوس لا يستقبل ولا يستدبر بفلاة على النهي. ورواية ابن عمر وابن رشد لا يجوز، ورواية المازري المنع، فظاهره التحريم وبه يفسر قولها كره. ص: (وبستر قولان تحتملهما) ش: ظاهر ما تقدم أن الراجح لجواز مع الساتر، وظاهر كلام اللخمي وابن عرفة وابن ناجي أن القولين المتقدمين مع الساتر جاريان، سواء كان ذلك في فضاء أو منزل. ومما يؤيد ذلك قول المصنف والمختار الترك فإنه أشار به لقول اللخمي المتقدم، وقد علمت أن كلامه مطلق فتأمله. نعم ذكر المصنف له هنا قد يوهم أنه قاله في مسألة الفضاء فقط إذا كان فيه ساتر وليس كذلك، بل الذي اختاره تجنب استقبالها واستدبارها في الفضاء وغيره كما تقدم في كلامه. واحتج على ذلك وأطال ثم قال في آخر كلامه: ومن مسند البزار قال علي: قال رسول الله (ص) من جلس يبول قبالة القبلة فذكر فتحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له فتحصل مما تقدم أنه يحزم استقبال القبلة واستدبارها لبول أو غائط في الصحارى والفيافي إذا لم يكن ساتر بلا خلاف،

[ 407 ]
ويجوز ذلك في المرحاض إذا كان ساتر بلا خلاف، واختلف في المرحاض إذا لم يكن له ساتر، وفي الفضاء والسطوح بساتر أو بغير ساتر، وفي الفضاء بين الشوارع في المدن وفي الفيافي والصحارى إذا كانت ساتر على قولين: بالجواز وعدمه، والجواز أرجح في الجميع. وأما الوطئ فيحرم في الفيافي والصحارى من غير ساتر، ويجوز في المنزل إذا كان ساتر ويختلف فيه في السطوح من غير ساتر، وفي الفيافي بساتر، والجواز أرجح. تنبيهان: الاول: ينبغي للشخص أن لا يفعل ذلك مطلقا إلا لضرورة الحديث المتقدم. الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ولم أقف في المذهب على نص في مقدار السترة. وقال النووي ناقلا عن مذهبهم: هي قدر مؤخرة الرجل وهو ثلثا ذراع ويكون بينه وبينها ثلاثة أذرع فما دونها فإن زاد فهو حرام كالصحراء. وما ذكره جار على مذهبنا أخذا من السترة انتهى. ونقلها لأبي أيضا عن النووي في شرح مسلم. ثم حكى عنه أنه قال: أظهر القولين عندنا أنه إذا أرخى ذيله بينه وبين القبلة كفى. قال الابي: وقد تقدم للخمي أنه إنما يكفي على التعليل بحرمة المصلين انتهى. قلت: لما ذكر اللخمي كلامه المتقدم في الخلاف في التعليل وانتصر للقول بأنه لحرمة القبلة، ألزم على القول الآخر أنه يجوز لمن أرخى ذيله أن يبول. ص: (لا القمرين) ش: قال في التوضيح عن ابن هارون: إنه يجوز عندنا استقبال الشمس والقمر لعدم ورود النهي. وقال في المدخل: في آداب الاستنجاء أن لا يستقبل الشمس والقمر فإنه ورد أنهما يلعنانه. ومقتضى كلامه أنه في المذهب فإنه قال قبل ذلك: وقد ذكر علماؤنا آداب التصرف في ذلك انتهى. تنبيه: علم من كلام صاحب المدخل أن المنهي عنه في القمرين إنما هو استقبالهما لا استدبارهما، وصرح بذلك الدميري من الشافعية، وعد ابن يعلى في منسكه في الآداب أن لا يستقبل الشمس ولا يستدبرها انتهى. وقال المواق الجزولي: في آداب الاحداث أن لا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يستدبرهما. ابن هارون: لا يكره ذلك انتهى. ص: (وبيت المقدس) ش: هكذا قال سند: إنه لا يكره استقبال بيت المقدس لانه ليس قبلة انتهى، ونقله في التوضيح. ص: (ووجب استبراء باستفراغ أخبثيه) ش: الاستبراء في اللغة طلب البراءة كالاستسقاء طلب السقي والاستفهام طلب الفهم، فإن الاستفعال أصله الطلب. وفي عرف الشرع في الطهارة هو طلب البراءة من الحدث وذلك باستفراغ ما في المخرجين من الاخبثين وهما البول والغائط وهو واجب. قال في الجلاب: وهو والاستبراء واجب مستحق، وهو

[ 408 ]
استفراغ ما في المخرجين من الاذى انتهى. وقال في الطراز: ويجب على من بال وتغوط أن يستبرئ نفسه ويستنثر. وعده القاضي عياض في قواعده من سنن الاستنجاء فقال القباب في شرحه: لا أدري لم أدخل الاستبراء في باب السنن، وهو مجمع على وجوبه إلا أن يتأول أنه أرادها هنا السنة بمعنى الطريقة فيكون من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز. أو تكون السنة كونه بالسلت والنتر لانه أسرع للتخلص انتهى. قلت: قوله وهو مجمع على وجوبه فيه نظر فإن الصحيح عند الشافعية أن الاستبراء غير واجب. ودليلنا حديث الصحيحن في صاحب القبر، وقوله في بعض الروايات فيه فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله. ص: (مع سلت ذكر ونتر خفا) ش: يعني أنه يجب استفراغ ما في المخرجين مع سلت الذكر بأن يجعله بين أصبعيه ويمرهما من أصله إلى الكمرة ونترة أي جذبه سلتا ونترا خفيفين. والنتر بالتاء المثناة الفوقية قال الشارح: روى ابن المنذر مسندا أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا ويجعله بين أصبعيه السبابة والابهام فيمرهما من أصله إلى كمرته انتهى. وذكره في الطراز. قال في النهاية: النتر جذب فيه قوة وجفوة، ومنه الحديث أن أحدكم يعذب في قبره فيقال: إنه لم يكن يستنتر عند بوله والاستنتار الاستفعال من النتر يريد به الحر ص عليه والاهتمام به، وهو بعث على التطهير بالاستبراء من البول انتهى. وقال النووي في تهذيب الاسماء: النتر الجذب بجفاء، نتره ينتره فانتتر واستنتر الرجل من بوله اجتذبه واستخرج بقيته من الذكر. قال الليث: النتر الجذب فيه جفوة انتهى. وقال في المقرب: والنتر الجذب بجفوة منه إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات انتهى. وكلهم ذكروه في مادة نتر بالمثناة الفوقية، ثم ذكروا بعده مادة نثر بالمثلثة والله أعلم. وقال في التلقين: وليس على من بال أن يقوم ويقعد أو يزيد في التنحنح ولكن ينتر

[ 409 ]
ويستفرغ جهده على ما يرى أن حاله يقتضيه من إطالة أو إقصار. قال في شرح غريبه: ينتر يجذب. قال الليث: النتر جذب فيه قوة ويريد أن الاصل فيه كذا، ومنه الحديث إذا بال أحدكم فلينتر ذكره أي يجذبه انتهى. وقوله يريدان الاصل فيه كذا كأنه يشير - والله تعالى أعلم - إلى أن النتر معناه في الاصل الجذب بقوة، ولكن المأمر به في الاستبراء إنما هو النتر الخفيف فتأمله والله تعالى أعلم. ومقتضى كلامه أن السلت والنتر واجبان وهو الذي يقتضيه كلام غير واحد من أهل المذهب خلاف ما يقتضيه كلام القباب السابق. قال في النوادر: من المختصر وليس على الذي يستبرئ من البول أن ينتفض ويتنحنح ويقوم ويقعد ولا يمشي ويستبرئ ذلك بأيسره بالنفض والسلت الخفيف. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية الذي يكثر السلت ويقوم ويقعد: ليس ذلك بصواب انتهى. وقال ابن عرفة الجلاب: الاستبراء إخراج ما بالمحلين من أذى واجب مستحق، وروي بالنفض والسلت الخفيفين باليسرى انتهى. وقال في المدخل: لا يسلت ذكره إلا برفق، فإن ذلك يؤدي إلى أن يصلي بالنجاسة لان المحل كالضرع طالما أنت تسلته يعطي فيكون ذلك سببا لعدم التنظف انتهى. اللخمي: من عادته احتباسه فإذا قام نزل منه وجب أن يقوم ثم يقعد فإن أبى نقض وضوءه ما نزل منه بعده. مالك ربيعة أسرع امرأ وضوأ وأقله لبثا في البول، وابن هرمز يطيلهما ويقول: مبتلى لا تقتدوا بي. وقال في المدخل: يتفقد نفسه في الاستبراء فيعمل على عادته، فرب شخص يحصل له التنظيف عند انقطاع البول عنه، وآخر لا يحصل له ذلك إلا بعد أن يقوم ويقعد، وذلك راجع إلى اختلاف الناس في أمزجتهم وفي مآكلهم واختلاف الازمنة عليهم، فقد يتغير حاله بحسب اختلاف الامر عليه وهو يعهد من نفسه عادة فيعمل عليها فيخاف عليه أن يصلي بالنجاسة، أو يتوسوس في طهارته فيكون يعمل على ما يظهر له في كل وقت من حال مزاجه وغذائه وزمانه، فليس الشيخ كالشاب ولا من أكل البطيخ كمن أكل الخبز وليس الحر كالبرد انتهى. وقال: إذا استنجى فليكن الاناء بيده اليمنى ليسكب بها الماء، ويده اليسرى على المحل يعركه ويواصل صب الماء ويبالغ في التنظيف خيفة أن يبقى معه شئ من الفضلات فيصلي بالنجاسات، وعذاب القبر من هذا الباب. قال: ويحذر أن يدخل أصبعه معه فإنه من فعل أشرار الناس وهو منهي عنه لانه يفعل بنفسه وذلك حرام انتهى. وقول الرسالة وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين قال الشيخ زروق: يعني ولا له ذلك لانه يضر به ويشبه اللواط في الدبر والسحق في حق المرأة، وهو من فعل المبتدعة. وفي السليمانية في استنجاء المرأة نها تغسل قبلها كغسل اللوح ولا تدخل يديها بين شفريها كما تفعل من لا دين لها من النساء انتهى. فروع: الاول: قال في المدخل: إذا قام يستبرئ فلا يخرج بين الناس وذكره في يده وإن كانت تحت ثوبه فإن ذلك شوهة ومثلة، وكثيرا ما يفعل بعض الناس هذا وقد نهى عنه،

[ 410 ]
فإن كانت له ضرورة في الاجتماع بالناس إذ ذاك فيجعل على فرجه خرقة يشدها عليه ثم يخرج فإذا فرغ من ضرورته تنظف انتهى. الثاني: يكره له أن يشتغل بغير ما هو فيه من نتف إبط أو غيره لئلا يبطئ في خروج الحدث، والمقصود الاسراع في الخروج من ذلك المحل بذلك وردت السنة. قال الامام أبو عبد الله القرشي رحمه الله تعالى: إذا أراد الله بعبده خيرا يسر عليه الطهارة انتهى. الثالث: ذكر ابن ناجي في شرح المدونة في جواز القراءة لمن يتنشف ثلاثة أقوال: بالجواز والمنع، والثالث الجواز إن لم يبق بيده رطوبة. ذكر هذا الفرع عن بعض أصحابه قال: ولا أعرفه لغيره. والاقرب المنع ولا ينبغي أن يختلف فيه. وقال: أي بعض أصحابه: وأما الاستنشاق في المسجد فإن لم يتحقق السلامة حرم، وإن تحقق جاز، والاولى أن لا يفعل. قال ابن ناجي: قلت: الصواب التحريم لان فيه إهانة المسجد وهو عندي أشد من دخول النجاسة ملفوفة وفيها قولان انتهى. فائدة: ينبغي للانسان عند قضاء حاجته أن يعتبر بما خرج منه كيف صار حاله فإن كان طيبا يغالي فيه ويزاحم عليه من يشتري، فبمجرد مخالطته للآدمي تقذر وصار نجسا يهرب منه ويعافه، وكذلك كل ما يخالطه الآدمي من الثياب النظيفة والروائح الطيبة عن قليل يتقذر ويعاف ويتنبه من ذلك إلى أنه يحذر من مخالطة من لا ينفعه في دينه، لانه يخاف عليه آثار الخلطة، ولانه إذا خالطه أحد من المسلمين أن يغير أحدا منهم بسبب خلطته كما يغير كل ما خالطه من الطعام وغيره، ويتنبيه أيضا إلى أنه لا بد أن يرجع هو كذلك لانه إذا دفن أكله الدود ثم يرميه من جوفه قذرا منتنا إلا أن ثم قوما لا يأكلهم الدود وهم الانبياء والعلماء والشهداء والمؤذنون المحتسبون، فالدرجة الاولى لا سبيل إليها فيجتهد في تحصيل إحدى الدرجات الثلاث الباقية، وانظر المدخل والله الموفق. ص: (وندب جمع ماء وحجر ثم ماء) ش: هذا هو المعروف من المذهب. وقال ابن حجر في فتح الباري في باب من استنجى بالماء من كتاب الطهارة ما نصه: نقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي (ص) استنجى بالماء. وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لانه مطعوم انتهى.

[ 411 ]
قلت: وهذان النقلان غريبان، والمنقول عن ابن حبيب أنه منع الاستجمار مع وجود الماء بل لا أعرفهما في المذهب، لكن نقل الجزولي في شرح قوله في الرسالة ومن استجمر بثلاثة أحجار قال بعض العلماء: لا يجوز الوضوء ولا الاستجمار بالماء العذب لانه طعام كما لا تزال النجاسة بالطعام انتهى. وظاهر كلام الجزولي أن القاضي عياضا نقل ذلك فإنه كتب قبل قوله قال بعض العلماء ضادا ولم أقف عليه في التنبيهات، ولعله في الاكمال ولكنه قول غريب مخالف للاجماع والله تعالى أعلم. ونقل ابن عرفة عن المازري أنه قال: شذ بعض الفقهاء فمنع الاستنجاء بعذب الماء لانه طعام. قال ابن عرفة: ويتخرج على رواية ابن نافع منعه بطعام لاجل انتهى. ثم وقفت على كلامه في الاكمال فذكر نحو ما ذكره المازري عن بعض الفقهاء. ومعنى الكلام المصنف أن الجمع بين الماء والحجر مستحب فإن لم يجمع ولا بد فالاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الاحجار. وفهم منه أنه لو اقتصر على الاحجار وحدها مع وجود الماء لاجزأه ولكنه ترك الافضل وهو كذلك. وبقي هنا فرع وهو أنه هل الحج يزيل الحكم أو لا يزيل الحكم ؟ ظاهر كلام الشيخ خليل عند قول ابن الحاجب والاستنجاء يأتي في قوله والاستنجاء جواب عن سؤال مقر كأن قائلا يقول له: كيف تقول إن النجاسة لا تزال إلا بالماء وحكم النجاسة التي على المخرجين تزال بالحجران الحجر يزيل الحكم وهو ظاهر كلام البساطي، وظاهر قول صاحب الطراز أنه لا يزيل الحكم ونصه في كلام طويل، ولان المحل بعد مسحه بالاحجار نجس بدليل أنه لو غسل نجست غسالته ولا أثر للحجارة في تطهيره، وإنما يستحب التخفيف فقط انتهى، فتأمل ذلك والله تعالى أعلم. ص: (وتعين في مني وحيض ونفاس) ش: فهم من كلامه أن الماء لا يتعين فيما عدا ذلك، وشمل ذلك ما يخرج من الحصى والدود والدم وهو كذلك. قال في الجواهر: قال الشيخ أبو بكر وغيره: ويجزئ الاستجمار في النادر كالحصى والدم والدود كما في الغائط لانه ليس بآكد منه انتهى. وقال في الطراز: فأما الحصى والدود يخرج من غير بلة. فقال الباجي: إنه لا يستنجى منه لانه طاهر كالريح. والذي قاله صحيح أنه لا يستنجى منه لان الاستنجاء إنما شرع لازالة عين النجاسة، وإذا لم يكن في ذلك بلة فماذا يزال ؟ فإن تخيل فيه أدنى بلة فذلك مما يعفى عن قذره وكأثر الاستجمار، وأما إذا خرج ببلة طاهرة فيجب الاستنجاء لمكان البلة ويكفي في ذلك الاستجمار لان ذلك من جنس ما تجمر منه بخلاف الدم انتهى. فم ذكره في الدم مخالف لما ذكره في الجواهر. تنبيه: قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: والمني بالماء إن عني

[ 412 ]
به مني الصحة غير مني صاحب السلس فغير محتاج إليه لانه يوجب غسل جميع الجسد، وإن عني به مني صاحب السلس فلم لا يكون كالبول على القول بأنه موجب للوضوء ؟ وقد يمكن أن يريد القسم الاول في حق من كان فرضه التيمم لمرض أو لعدم الماء ومعه ما يزيل به النجاسة فقط انتهى باختصار. قلت: وكذا من خرج منه المني بلذة غير معتادة على القول الراجح أنه يتوضأ، وكذا من جامع أو خرج منه بعض المني فاغتسل ثم خرج منه بقية المني فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وبول امرأة) ش: يعين أن بول المرأة يتعين في غسله الماء قال في التوضيح: أشار القاضي عياض إلى أن البول من المرأة لا بد فيه أيضا من الماء لتعذر الاستجمار في حقها، وكذلك قال سند: إن المرأة والخصي لا يكفيهما الاحجار في البول، ونقله في الذخيرة انتهى. ونص كلامه في الذخيرة ناقلا عن سند: المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول. لتعديه مخرجه إلى جهة المقعدة، وكذلك الخصي انتهى. ونقله ابن عرفة عن القرافي وتبعه على ذلك غيره والقرافي ناقل له عن سند كما ذكره المنصف في التوضيح. وذكره سند في أثناء كلامه على الخلاف في الاستنجاء والاستجمار لما ذكر قول ابن المسيب بالاستنجاء بالماء: هذا وضوء النساء فقال: يريد أن ذلك إنما يكون في حق النساء فإن المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول لانه يتعدى مخرجه ويجري إلى مقاعدهن وكذلك الخصي انتهى. وفهم من قول بول امرأة أن حكمها في الغائط كحكم الرجل وهو كذلك والله تعالى أعلم. فرع: إذا انسند المخرجان وصار الخارج يخرج من ثقبة، فهل يكفي فيه الاستجمار أو يتعين الماء ؟ قال في الطراز: رخصة الاستجمار مختصة بمحل البول والغائط دون سائر الجسد، فإذا خرجت النجاسة من سائر الجسد عند المخرجين أمر بالغسل، وهذا قول الجماعة. فلو انفتح مخرج آخر للخبث هل يستجمر فيه ؟ الظاهر أنه يستجمر فيه إذا استمر وصار كالمعتاد انتهى. وهذا ظاهر إذا كان الفتح تحت المعدة وانسد المخرجان فإنه صار كالمخرج كما سيأتي في نواقض الوضوء، وأما إن كان المنفتح فوق المدة أو لم ينسد المخرجان، فالظاهر أن ذلك يجري على الخلاف فيما يخرج من ذلك المنفتح هل ينقض الوضوء أم لا ؟ فعلى القول بالنقض فيكفي فيه الاستجمار، وعلى القول بعدم النقض فلا يكفي فتأمله. وهذا إذا كان الذي يخرج من ذلك المخرج لا ينتشر عن محل خروجه، وأما إن كان ينتشر فيتعين الماء كما تقدم في بول المرأة والخصي والله تعالى أعلم. ص: (ومذي بغسل ذكره كله ففي النية وبطلان صلاة تاركها أو

[ 413 ]
تارك كله قولان) ش: قال في المنتقى، لما تكلم على النية: وأما غسل الذكر من المذي فحكى الشيخ أبو محمد في نوادره أنه لا يفتقر إلى النية كغسل النجاسة. قال القاضي أبو الوليد: يعني نفسه. والصحيح عندي أنه يفتقر إلى تجديد النية لانها طهارة تتعدى محل وجوبها. ولم يعز المصنف في التوضيح القول بوجوب النية إلا للابياني، وكذا ابن رشد في شرح ابن الحاجب انتهى. وعزاه ابن عرفة لبعضهم وعزا مقابله للشيخ ابن أبي زيد وكذلك المصنف في التوضيح وابن راشد. وقوله وبطلان صلاة تاركها يعني إذا قلنا بوجوب النية فغسله من غير نية فهل تبطل صلاته لترك النية أو لا تبطل مراعاة للخلاف ؟ قولان، وظاهر كلامه في التوضيح أن الخلاف في بطلان صلاة من ترك النية هو الخلاف في وجوب النية. فمن قال بوجوبها قال تبطل الصلاة بتركها، ومن قال لا تجب قال لا تبطل بتركها. وكلامه هنا يقتضي أن الخلاف في بطلان الصلاة مفرع على القول بوجوب النية. وبذلك صرحا بن بشير في التنبيه. فقال: واختلف القائلون بغسل جميعه هل يفتقر إلى نية أو لا، ثم قال: واختلف القائلون بافتقاره إلى نية لو غسله بلا نية وصلى هل يعيد أو لا ؟ ومقتضى إيجاب النية أن يعيد الصلاة، وترك الاعادة مراعاة للخلاف انتهى. وقوله أو تارك كله قولان يعني أن من ترك غسل ذكره كله، واقتصر على غسل محل الاذى، فاختلف هل تبطل صلاته، وهو قول الا بياني - أو لا تبطل صلاته - وهو قول يحيى بن عمر - ؟ قال في التوضيح: واختلف في بطلان صلاة من ترك غسل جميع الذكر فقال يحيى بن عمر: لا يعيد ويغسل ذكره لما يستقبل. وقال الا بياني: يعيد أبدا. وأجراه بعض المتأخرين على أن غسل جميع الذكر واجب أو مستحب انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: قال يحيى بن عمر: من لم يغسل إلا مخرج الاذى وصلى لم يعد الصلاة. قال أبو محمد: ويغسله لما يستقبل ويتوضأ انتهى. فظاهره أنه يجب عليه أن يعيد الوضوء، والظاهر أنه إنما أمره بالوضوء لانه إذا غسل ذكره فالغالب أن ينتقض وضوؤه، ولو أمكنه أن يغسل ذكره ويحترز من مس ذكره بباطن الكف والاصابع وجنبهما لم يؤمر بإعادة الوضوء، لان وضوءه صحيح قد صلى به وحكم بصحة بطلانه فتأمل. قلت: ونقل ابن ناجي في شرح الرسالة قولا ثالثا فقال: واختلف إذا اقتصر على غسل محل الاذى فقال الا بياني: يعيد أبدا. وقال يحيى بن عمر: لا إعادة عليه. وقيل: يعيد في الوقت. قاله أبو محمد بن أبي زيد، نقله القفصي في أسئلته عنه وبه كان بعض من لقيته من

[ 414 ]
القرويين يفتي انتهى. نقل الشارح في الكبير هذا القول الثالث لكن كلامه يوهم أنه جار في مسألة من ترك النية ولم أقف عليه والله تعالى أعلم. تنبيه: قال في التوضيح قال بعض المتأخرين: وينبغي أن يكون غسل المذي مقارنا للوضوء، ورأى أن غسله لما كان تعبدا أشبه بعض أعضاء الوضوء انتهى. وكأنه يشير لما ذكره ابن بشير في التنبيه. واستقرأ بعض المتأخرين من المدونة أنه يغسل الذكر عند إرادة الوضوء فإن غسله قبل ذلك لم يجزه، وعول في ذلك على قوله في المدونة: ولا يلزم غسل الانثيين عند الوضوء من المذي إلا أن يخشى أن يصيبهما إنما عليه غسل ذكره. فعول على هذا الكلام ظانا أن مراده إنما عليه غسل ذكره إذا أراد الوضوء وهذا استقراء فيه بعد، لان مراده أن لا يغسل الانثيين، وإنما يغسل الذكر خاصة انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن بشير باختصار ولم يذكر خلافه. ص: (ولا يستنجي من ريح) ش: قال مالك في المدونة: ولا يستنجي من الريح. قال سند: هذا قول فقهاء الامصار.. وذكر عبد الوهاب في الاشراف أن قوما يخالفون في ذلك كأن القائل بذلك يرى أن الريح تنقل أجزاء من النجاسة تدرك نجاسة الشم. ووجه المذهب أن الريح ليس بنجس ولو وجب منه الاستنجاء لوجب غسل الثوب لانه يلقاه، فإن قيل تصحبه أجزاء نجسة فهذا لا سبيل إلى علمه، ولو ثبت فقدر ذلك وأكثر منه يبقى بعد مسح الاحجار. واحتج القاضي بما يروى: ليس منا من استنجى من الريح انتهى. تنبيه: هذا حديث أسنده صاحب الفروس من حديث أنس وفيه بشير يروي المناكير، وذكره الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس وقال: رواه محمد بن زياد الكلبي عن شرقي بن قطام عن ابن الزبير عن جابر. ص: (وجاز بيابس طاهر منق غير مؤذ ولا محترم ولا مبتل ونجس وأملس ومحدد ومحترم من مطعوم ومكتوب وذهب وفضة وجدار وروث وعظم)

[ 415 ]
ش: فاعل جاز، ضمير يعود على الاستجمار المفهوم من قوله أو لا وندب جمع ماء وحجر، وما ذكره عن جواز الاستجمار بكل يابس طاهر منق غير مؤذ ولا محترم هو المشهور ومقابله قصر الاستجمار على الاحجار. قال في التوضيح: فقاس في المشهور كل جامد على الحجر لان القصد الانقاء، ورأى في القول الاخير أن ذلك رخصة فيقتصر بها على ما ورد، والصحيح الاول لان الرخصة في نفس الفعل لا في المفعول به، وتعليله (ص) الروثة لانها رجس يقتضي اعتبار غير الحجر وإلا لعلل بأنها ليست بحجر. رواه البخاري: وروى الدارقطني أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد أو ثلاثة أحجار أو ثلاثة حثيات من تراب ولا دليل له يعني القول الآخر بقوله عليه الصلاة والسلام أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار لان مفهوم اللقب لم يقل به إلا الدقاق انتهى. ونحوه لابن راشد. وإنما ذكر الاحجار لكونها أكثر وجودا. تنبيه: جميع أجزاء الارض كالحجر - قال في الطراز - إن المتفق عليه ما كان من أنواع الارض من حجر أو مدر أو كبريت ونحوه أما ما ليس من أنواع الارض كالخرق والخشب وشبهه فمنعه داود ومنعه أصبغ من أصحابنا قال: فإن أعاد في الوقت انتهى. وقال التلمساني في شرح الجلاب بعد أن ذكر المشهور: وذهب أصبغ من أصحابنا إلى أنه لا يجوز الاستجمار. إلا بالاحجاص أو ما في معناها من جنس الارض، وأما ما كان من غير أجناس الارض كالخرق والقطن والصوف والنخالة والسحالة فلا يجوز الاستجمار به، فإن فعل أعاد في الوقت انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة. ثم يمسح ما في المخرج من الاذى بمدر يعني بالمدر الطوب، وقال الخليل: المدر الطين اليابس وغيره مما في معناه، وهذا ظاهر كلام اللخمي وغيره. قال اللخمي: الاشياء التي يستجمر بها في الجواز والمنع على خمسة أقسام: فصنف يجوز الاستجمار به، وصنف يمنع الاستجمار به، واختلف في الاجزاء إذا نزل، وثلاثة مختلف فيها في الجواز وفي الاجزاء. فالاول الارض على اختلاف أنواعها من صخر ومدر وكبريت وزرنيخ وغير ذلك فهذا لا يجوز الاستجمار به انتهى. وإنما نبهت على هذا لان ظاهر كلام التوضيح أن أصبغ يخالف في غير الاحجار وإن كان من جنس الارض. وقال في الاكمال بعد أن ذكر الخلاف فيما يستجمر به: تمسك داود بلفظ الاحجار وقال: لا يجوز غيرها. والناس على خلافه لكن مالكا وغيره يستحب الحجارة وما في معناها وما هو من جنسها انتهى. واحترز المصنف بقوله يابس من المائعات والاشياء المبتلة لان الرطوبة تنشر النجاسة وإنما اكتفى في الاخراج بذكر المبتل لانه يفهم منه الاستجمار بالمائعات من باب أحرى. واحترز بقوله طاهر من النجس والمراد بذلك ما يباشر به المحل فلو كان في أحد جانبي الحجر نجاسة جاز

[ 416 ]
الاستجمار بالجنب الآخر. قاله في التوضيح ونقله التلمساني في شرح الجلاب. واحترز بقوله منق من الاملس كالزجاج الذي ليس بمحرف. واحترز بقوله غير مؤذ من الذي يحصل منه ضرر كالزجاج المحرف والقصب. واحترز بقوله ولا محترم مما له حرمة من المطعومات كلها والمكتوب والذهب والفضة والجدار والعظم والروث، أما المطعومات فلا يجوز الاستجمار بها وإن كانت من الادوية والعقاقير قاله في التوضيح، وأما المكتوب فلا يجوز الاستجمار به. قال في التوضيح: لحرمة الحروف. وتختلف الحرمة بحسب ما كتب. قال: وفي معنى المكتوب الورق غير المكتوب لما فيه من النشا انتهى. قلت: فعلم منه أنه لا يجوز الاستجمار بكل ما هو مكتوب ولو كان المكتوب باطلا كالسحر لان الحرمة للحروف. وقال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الحج في حديث الصحيفة: قال ابن المنير: وهذا دليل على إيجاب احترام أسماء الله تعالى وإن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والانجيل بعد تحريفهما فيجوز إحراقها وإتلافها ولا يجوز إهانتها لمكان تلك الاسماء خلافا لمن قال يجوز الاستنجاء بهما لانهما باطل، وإنما هما باطل لما فيهما من التحريف ولكن حرمة أسماء الله لا تبدل على وجه، ألا ترى كيف أقام الله سبحانه وتعالى حرمة أسمائه بأن محاها وأبقى ما عداها من الصحيفة، فلولا أن الاسماء متميزة عما هي فيه بحرمة لما كان لتمييزها بالمحو معنى، ولهذا منع الكافر من كتب اللغة والعربية لما فيها من أسماء الله تعالى وآياته، وتلك حجة المازني حيث امتنع من إقراء كتاب سيبويه لكافر، وفيه دليل على احترام كتب التفاسير بطريق الاولى لانها حق ولكن لا يبلغ الامر إلى إيجاب الطهارة لمسها وإن كان الاولى ذلك انتهى. وأما الذهب والفضة والجوهر والياقوت وما له حرمة كالطعام والملح، وأما الجدار فلا يستجمر به مطلقا سواء كان لمسجد لحرمته أو مملوكا للغير أو في وقف، لانه تصرف في ملك الغير. قال في المدخل: وهذا حرام باتفاق وكثيرا ما يتساهل اليوم في هذه الاشياء سيما ما سبل للوضوء فتجد الحيطان في غاية ما يكون من القذر لاجل استجمارهم فيها وذلك لا يجوز. ويكره أن يستجمر في حائط ملكه لانه قد ينزل المطر عليه أو يصيبه بلل ويلتصق هو أو غيره إليه فتصيبه النجاسة فيصلي بها. ووجه آخر أن يكون في الحائط حيوان فيتأذى به وقد رأيت عيانا بعض الناس استجمر في حائط فلسعته عقرب كانت هناك على رأس ذكره ورأى في ذلك شدة عظيمة انتهى بلفظه. قلت: وقد أخبرني بعض من حضر قراءة هذا المحل بالمدينة الشريفة في سنة إحدى وخمسين وتسعمائة أنه وقع له ذلك نسأل الله العفو والعافية. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: قال القاضي عياض: وتسامح الناس بالتمسح بالحيطان وذلك مما ينبغي أن يجتنب لان الناس ينضمون إليها لا سيما عند نزول المطر وبلل الثياب. قال: ولا ينبغي ذلك في حيطان المراحيض لذلك، ولانها تصير نجسة من تكرر ذلك عليها فيكون قد استجمر بنجس انتهى. ونقل بعضه في التوضيح ثم قال: وهو كلام ظاهر. وعليه فلا يظهر لتخصيص ابن

[ 417 ]
الحاجب جدار المسجد إلا الاولوية انتهى. وقوله في الاكمال ينبغي الظاهر أنه على الوجوب كما تقدم في كلام صاحب المدخل. وأما الروث والعظم فقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولا يجوز بنجس وكذلك الروث والعظم والحممة على الاصح ما " نصه: وأما الروث والعظم فيحتمل أن يريد بهما إذا كانا طاهرين، ويحتمل إذا كن نجسين يابسين، ويحتمل المجموع. وقد حكى اللخمي في كل منهما قولين، ويكون وجه المنع في الطاهرين حديث البخاري عن أبي هريرة حيث قال ولا تأتيني بعظم ولا روث وما رواه أبو داود أنه قدم وفد الجن على النبي (ص) فقالوا: يا محمد إنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روث أو حممة فإن الله جاعل لنا فيها رزقا، فنهى النبي (ص) عن ذلك انتهى. فيحمل كلام المصنف عنا على الاطلاق في الروث والعظم أي سواء كانا طاهرين أو نجسين انتهى. تنبيهات: الاول: المنع في هذه الاشياء التي يستجمر بها، هل هو على الكراهة أو على التحريم ؟ أما المطعومات والمكتوبات الظاهر أن ذلك فيها على التحريم. قال ابن الحاجب: ولا يجوز بنجس ولا نفيس ولا بذي حرمة كطعام أو جدار مسجد أو بشئ مكتوب، وكذلك الروث والعظم والحممة على الاصح وظاهره المنع، وقبله المصنف في التوضيح وابن عبد السلام وابن راشد وكلامهم ظاهر في المنع وهو ظاهر كلام اللخمي المتقدم وقال في التوضيح: قال في البيان: أجمعوا على أنه لا يجوز الاستنجاء بماله حرمة من الاطعمة وكل ما فيه رطوبة من النجاسات انتهى. وكلام ابن راشد هذا في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة وقال ابن عرفة: ويمنع بذي حرمة أو شرف كالطعام والفضة انتهى. وأما الجدار فقط تقدم أن المنع على التحريم إلا في جدار يملكه الانسان، وأما النجس والمبتل فالظاهر أن المراد أن المنع على التحريم لان ذلك ينشر النجاسة. وكذلك الاملس والمحدد لما فيه من الضرر، وأما الروث والعظم فالنجس منهما داخل في حكم النجاسة، وأما الطاهر منهما فالظاهر أن المنع منه على الكراهة، فإن اللخمي نقل فيها وفي النجس الجامد قولين بالجواز والكراهة فغاير بين عبارته في ذلك وعبارته فيما تقدم حيث عبر بالمنع. ونص كلامه الرابع: ما كان طاهرا وليست له حرمة ويتعلق به حق الغير وهو العظم والبعر. والخامس: ما كان من النجاسة جامدا روثا أو غيره. اختلف في ذلك عن مالك فروى ابن وهب أنه قال: ما سمعت فيه نهيا ولا أرى به بأسا. وكرهه في سماع ابن القاسم انتهى. ونقله ابن عرفة باختصار فجحف. وصرح ابن رشد في الرسم المذكور بأن الخلاف في الروث والعظم بالكراهة والتخفيف، وعلى هذا فيحمل قول الجلاب يكره الاستنجاء بالعظام وسائر الطعام ويكره الاستنجاء بالروث وسائر النجاسات على أن المراد بالكراهة التحريم إلا العظم الطاهر والروث الطاهر والله تعالى أعلم. الثاني: لم يذكر المصنف حممة وتقدم ذكرها في كلام ابن الحاجب وقال في التوضيح: الحمم الفحم. ثم قال: وأما الحممة فقال المصنف: الاصح فيها عدم الجواز. وقال التلمساني:

[ 418 ]
إن ظاهر المذهب الجواز والنقل يؤيده. قال أشهب في العتبية: سئل مالك عن الاستنجاء بالعظم والحممة قال: ما سمعت فيها نهيا ولا أرى بها بأسا في علمي انتهى. ثم قال في التوضيح: قيل: وإنما منعت الحممة لانها تسود المحل ولا تزيل النجاسة انتهى. قلت: ما ذكره عن التلمساني هو في شرح الجلاب له وأصله لصاحب الطراز ونصه: أما الفحم فظاهر المذهب جوازه. وقد تردد فيه قول مالك قال ابن حبيب: استخف مالك ما سوى الروث والعظم وقد كرهه جماعة لما فيه من التسخيم انتهى. وقال في الاكمال: المشهور عن مالك النهي عن الاستنجاء بالحممة. قال في كتاب الطهارة: فقد رجح كل واحد من القولين فينبغي أن يكون في ذلك خلاف وقد جزم في الشامل بالجواز والله تعالى أعلم. الثالث: دخل في كلام المصنف التراب وبذلك صرح في الجلاب ونصه: ولا بأس بالاستجمار بغير الحجارة من المدر والخزف والطين والآجر، ولا بأس بالخرق والقطن والصوف، ولا بأس باستعمال التراب والنخالة والسحالة انتهى. وقال ابن عرفة: أجازه في الجلاب بالتراب، وتعليل عياض منع الحممة بأنها كالتراب خلافه بالنخالة، وتعقبه ابن زرقون بأن بها طعاما، ومنع سحنون غسل اليد بها وكرهه مالك وأجازه ابن نافع ولعله في الخالصة انتهى. قلت: كلام ابن عرفة يقتضي أن النخالة في نسخته بالخاء المعجمة. وقال التلمساني في شرحه النخالة: ما يخرج من الفأرة عند المسح، والسحالة ما يخرج من الخشب عند النشر. وفي بعض النسخ: النخالة بالخاء المعجمة لا ينتفع بها في الاكل فهي خارجة عن جنس المأكولات محلقة بالجامدات وإنما لها حرمة عند اختلاطها بغيرها فأما عند انفرادها فلا، انتهى. وذكره القرافي في شرحه وقال في الطراز: ويستنجي بالسحالة والنجارة كما يستنجي بالتراب خلافا لاصبغ وقد مر وجهه انتهى. الرابع: أجاز في الاكمال الاستجمار بالارض ونصه: لما ذكره أنه لا يستجمر بيمينه أما متى أمكنه حجر ثابت يتمسح به أو أمكنه الاسترخاء حتى يتمسح بالارض أو بما يمكنه التمسح به من ثابت طاهر جامد فنعم انتهى. فيؤخذ منه جواز الاستجمار بالتراب. وقال ابن هارون في شرح المدونة قالوا: ويجوز الاستجمار بالآجر والخرق والتراب وشبه ذلك من الطاهر لانه عليه الصلاة والسلام استنجى بالارض انتهى. ص: (فإن أنقت أجزأ كاليد ودون الثلاث) ش: لما ذكر مالا يستجمر بين حكم ذلك بعد الوقوع، والمعنى أن من استجمر بشئ

[ 419 ]
مما تقدم ذكره فإن حصل به إنقاء أجزأ، وإن لم يحصل به إنقاء لم يجز. ثم ذكر مسألتين: إحداهما أنه إذا استجمر بيده وأنقى أن ذلك يجزئه، والثانية أنه إذا استجمر بدون الثلاث وأنقى أنه يجزئه. فأما المسألة الاولى وهي ما إذا استجمر بما لا يجوز الاستجمار به، فذكر ابن الحاجب فيها قولين ونصه: فلو استجمر بنجس أو ما بعده ففي إعادته في الوقت قولان، أي ما ذكر بعد النجس من ذي الحرمة والروث، والقول بإعادته في الوقت لاصبغ، والقول بعدم الاعادة لابن حبيب، قاله صاحب البيان. ثم قال في التوضيح: ويشكل القول بعدم الاعادة فيما إذا استجمر بنجس، وقد يقال هو مبني على القول بأن إزالة النجاسة مستحبة انتهى. قلت: ينبغي أن يكون الخلاف فيما عد النجس، فقد صرح القاضي عياض بأن الاستجمار بالنجس لا يظهر ولا يعفى عنه، ذكره في الاكمال في كتاب الطهارة في باب النهي عن الاستنجاء باليمين. وقال في الطراز فيمن استجمر بعظم أو روث وأنقى أجزاه خلافا للشافعي. ثم قال: فإن بقي في المحل شئ من ذلك مثل عظم الميتة الرطب تبقى رطوبته أو روث يتفتت، فهذا لا يجزئه ويؤمر بغسل المحل من تلك النجاسة لانها نجاسة طارئة عليه، وقاله أصحاب الشافعي انتهى. ونقله في الذخيرة ونصه: قال صاحب الطراز: إن علقت رطوبة الميتة أو تفتتت الروثة على المحل تعين الغسل انتهى. قلت: يعني أنه يتعين غسل المحل بالماء ولا يكفي الاستجمار ولو استجمر بعد ذلك بشئ طاهر. وقال في البيان في رسم سن إثر كلامه المتقدم: وإن استنجى بما فيه رطوبة من النجاسات أعاد في الوقت قولا واحدا انتهى. وقوله يعيد في الوقت يريد إذا صلى بذلك ناسيا، أما إذا تعمد ذلك فليعد أبدا والله تعالى أعلم. قلت: ومثل الاستنجاء بالنجس الاستجمار بالمبلول فإنه ينشر النجاسة والله تعالى أعلم. تنبيهان: الاول: لا يقال قول المصنف فإن أبقت ظاهره أنه يعود للجميع حتى النجس والمبلول لانا نقول: قد تقرر أن النجس والمبلول لا يحصل بهما إنقاء فلا يدخلان في كلام المصنف. الثاني: قال الشيخ زروق بعد أن ذكر شروط الشئ الذي يستجمر به: وهذا كله إذا قصد الاستجمار الشرعي وإلا اتقى ما له حرمة وإذاية ونحوهما انتهى. يعني أنه إذا قصد إزالة عين النجاسة من المحل ليغسلها بعد ذلك فيزيلها بكل ما يمكن أن تزال به مما ليس له

[ 420 ]
حرمة أو فيه إذاية. وقوله أو نحوهما مما يكون مائعا أو مبلولا بللا ينشر النجاسة والله تعالى أعلم. وأما المسألة الثانية وهي الاستجمار باليد فقال في التوضيح: ذكر في الاكمال عن بعض شيوخه أنه زاد في الشروط أن يكون منفصلا احترازا من يد نفسه، لكن ذكر في الرسالة أنه يستجمر بيده ولفظه: ثم يمسح ما في المخرج من الاذى بمدر أو غيره أو بيده. وكذلك ذكر سيدي الشيخ أبو عبد الله بن الحاج أنه إذا عدم الاحجار فلا يترك فضيلة الاستجمار بل يستجمر بأصبعه الوسطى بعد غسلها انتهى. تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة بعد أن ذكر كلام التوضيح: إنما يتم له ذلك لو ذكره في الاستجمار المجرد انتهى. يعني أنه إنما ذكره في الاستجمار الذي يعقبه الاستنجاء. قلت: ولعل المصنف وقف على كلام صاحب الطراز فإنه صرح بالاجزاء فقال: لو استنجى بأصبعه وأنقى بثلاث أو غيرها أجزأه خلافا للامام الشافعي. قال ابن الصباغ: إنه لا يجوز بمتصل بأصبعه وأنقى بثلاث أو غيرها أجزأه خلافا للامام الشافعي. قال ابن الصباغ: إنه لا يجوز بمتصل بحيوان ولا يجزئ كالعقب وكذنب دابة وشبه ذلك، وهذا لا معنى له لا فرق بين أن يقلع صوفا من ذنب شاة فيتمسح به متصلا بها لكنه يكره ذلك، كما يتقي من إصابة النجاسة لغيره انتهى. ونقله في الذخيرة باختصار فقال: لو استنجى بأصابعه أو ذنب دابة أو شئ متصل بحيوان وأنقى أجزاه خلافا للشافعي انتهى. والحاصل أن الاستجمار باليد جائز على ما في الرسالة والمدخل، فإن أنقت أجزأت ويؤمر بغسل النجاسة من يده، هذا إذا أراد الاستجمار الشرعي، وأما إذا أراد إزالة النجاسة ليستنجي بالماء فلا إشكال في جواز ذلك والله أعلم. قال الشيخ يوسف بن عمر: قوله بيده يعني اليسرى ويعني إذا لم يجد غيرها، ومراده باليد الاصبع ولا يستنجي باليمين فإن فعل فذلك مكروه ويجزئه. وقال: أهل الظاهر: لا يجزئه انتهى. ونحو هذا في الطراز في الاستنجاء باليمين. وقال في الشرح الكبير: إن اليد مع الانقاء كافية خلافا لما ذكر في الاكمال عن بعض شيوخه. وأما المسألة الثالثة وهي ما إذا أنقى بدون الثلاث، فالمشهور الاجزاء لان الواجب الانقاء دون العدد. وقال أبو الفرج وابن شعبان، بوجوب الانقاء والعدد، فإن أنقى بحجر أو حجرين أجزأ لكن يستحب التثليث، فإن لم ينق بالثلاث وأنقى بأربع استحب الخامس للوتر، فإن لم ينق بخمس وأنقى بست استحب السابع، ثم المطلوب الانقاء انظر شرح الرسالة للشبيبي وابن راشد قال في الاكمال: وحمل شيوخنا حديث الثلاث على الندب انتهى بالمعنى.

[ 421 ]
فصل في نواقض الوضوء بحدث وهو الخارج المعتاد في الصحة هذا الفصل يذكر فيه نواقض الوضوء وتسمى موجبات الوضوء أيضا واختار التعبير به غير واحد. قال ابن عبد السلام: وجمع القاضي عبد الوهاب في التلقين بين العبارتين فقال: باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته، فكأنه رأى أن الموجب لا يتناول إلا الحدث السابق على الوضوء، والناقض لا يكون إلا متأخرا عن الوضوء. والنواقض جمع ناقض وناقض الشي ونقيضه ما لا يمكن اجتماعه معه. قال في التوضيح: وتعبير ابن الحاجب بالنواقض أولى من تعبير غيره بما يوجب الوضوء لان الناقض لا يكون إلا متأخرا عن الوضوء بخلاف الموجب فإنه قد يسبق انتهى. يعني وكان المصنف لما ذكر هذه بعد الكلام على الوضوء ناسب أن يعبر عنها بالنواقض وإلا فالتعبير بالموجب أولى فيما يظهر لانه يصدق على السابق وعلى المتأخر، وأيضا فالتعبير بالنقض قد يوهم بطلان الطهارة السابقة وإذا بطلت بطل ما فعل بها من العبادة، ولهذا قال سند في باب غسل الجنابة لما تكلم على الرفض: لا نقول إن الطهارة بطلت بالحدث ولكن انتهى حكمها كما ينتهي حكم النكاح بالموت، ولهذا إذا توضأ وإنما يتوضأ للحدث الثاني لا الحدث الاول انتهى. قال في التوضيح: وفاعل إذا لم يكن وصفا لمذكر عاقل يجوز جمعه على فواعل كخارج وخوارج كطالق وطوالق نص عليه سيبويه. قال ابن مالك في شرح الكافية: وقد غلط فيه كثير من المتأخرين فعدوه مسموعا وليس كذلك. قال: وقول ابن عبد السلام في صحة هذا الجمع نظر، وكذلك قال في مواضع باب الفرائض: إن أراد به أنه لا يصح فقد تبين أن ذلك غلط، وإذا أراد فيه كلاما في العربية من حيث الجملة فقريب انتهى. ونواقض الوضوء أحداث وأسباب. فالاحداث جمع حدث وهو ما ينقض الوضوء بنفسه، والاسباب جمع سبب والسبب في اللغة الحبل ومنه قوله تعالى * (فليمدد بسبب إلى السماء) * (الحج: 15) أي فليمدد بحبل إلى سقف بيته فإن السقف يسمى سماء لعلوه، ثم استعمل السبب في علة الشئ المودية إليه. والسبب في عرف الفقهاء في نواقض الوضوء هوما أدى إلى خروج الحدث كالنوم المؤدي إلى خروج الريح مثلا، واللمس والمس المؤديان إلى خروج المذي، وتقدم في أول الكتاب الطهارة

[ 422 ]
أن الحدث يطلق على أربعة معان أحدها هذا وهو الخارج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد، وهذا معنى قوله: وهو الخارج المعتاد في الصحة فتمم ذلك بقوله بعد هذا: من مخرجيه الخ. قوله: وهو الخارج أفاد به أن الا اخل غير حدث ولا سبب فلا ينتقض الوضوء بحقنة ومغيب الحشفة موجب لما هو أعم فلا يعترض به، قاله الشيخ زروق في شرح الرسالة والله تعالى أعلم. فرع: قال في الذخيرة مذي المرأة بلة تجدها فيجب بها الوضوء انتهى من شرح الرسالة المتقدم، وفي الجزولي الكبير ابن حبيب: مذي المرأة بلة تخرج عند الشهوة ووديها يخرج بأثر البول انتهى. ص: (لا حصى ودود ولو ببلة) ش: يريد وكذلك الدم وسواء خرج من الدبر أو من ذكر الرجل. نقله ابن عرفة وتقدم غسل ذلك والاستجمار منه عند قول المصنف: وتعين في مني. فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: لو خرج الولد جافا بغير دم فهل ينقض الوضوء أم لا ؟ قولان مبنيان على القولين في وجوب الغسل انتهى. ولعل صواب العبارة: يفرعان على القول بنفي وجوب الغسل والله تعالى أعلم. ص: (وبسلس فارق أكثر كسلس مذي قدر على رفعه وندب أن لازم أكثر لا إن شق) ش: هذا راجع إلى قوله في الصحة فإن مفهومه أن ما

[ 423 ]
خرج من ذلك على وجه السلس لا ينقض مطلقا، وهذه طريقه العراقيين من أصحابنا أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقا وإنما يستحب منه الوضوء. وذكر المازري رواية شاذة أن السلس ينقض مطلقا والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام: الاول: أن يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب إذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد. الثاني: أن يكون ملازمته أكثر من مفارقته فيستحب الوضوء إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرروة فلا يستحب. الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان: قال ابن رشد القفصي والمشهور لا يجب. وقال ابن هارون: الظاهر الوجوب. الرابع: أن تكون مفارقته أكثر فالمشهور وجوب الوضوء خلافا للعراقيين فإنه عندهم مستحب. تنبيهات: الاول: كلام المصنف موف ببيان حكم الاقسام الاربعة وبيان ما يجب فيه الوضوء وما لا يجب وما يستحب وما لا يستحب لانه قال: وبسلس فارق أكثر فأفاد أن الوضوء ينقض بخروج الحدث على وجه السلس إذا كانت مفارقته أكثر، وعلم من مفهوم الصفة أعني قوله: فارق أكثر أنه لا ينقض في الاوجه الثلاثة الباقية وهي ما إذا تساوى إتيانه وانقطاعه، أو كان إتيانه أكثر، أو كان ملازما لا يفارق، وأنه مشى على ما شهره ابن راشد في مسألة التساوي، ثم بين أنه يستحب الوضوء، إذا كانت ملازمته أكثر من انقطاعه ما لم يشق، وفهم من ذلك أنه يستحب مع التساوي من باب الاولى فهو مفهوم الموافقة الذي يتعين العمل به، وفهم منه أنه لا يستحب إذا كان لا يفارق أصلا فلله دره ما أخصر عبارته وما ألطف إشارته وكم فيه من مثل هذا الاختصار العجيب الدال على أنه أخذ من التحقيق بأوفر نصيب، وجميع ما ذكر في شرح كلام المصنف نص عليه في التوضيح. الثاني: قال في التوضيح أيضا: هذا التقسيم لا يخض حدثا دون حدث، وقد قال الا بياني: فيمن بجوفه علة وهو شيخ يستنكحه الريح إنه كالبول، وسئل اللخمي عن رجل إن توضأ انتقض وضوؤه وإن تيمم لم ينتقض فأجاب بأنه يتيمم. ورده ابن بشير بأنه قادر على استعمال الماء وما يرد عليه يمنع كونه ناقضا انتهى. واقتصر ابن عرفة على كلام اللخمي ولم يحك خلافه ذكره في نواقض الوضوء. وحكى في الشامل في ذلك عن المتأخرين. قولين. ولفظ اللخمي في تبصرته: وقد سئلت عن رجل إن توضأ لم تسلم له صلاته حتى تنتقض طهارته، وإن تيمم لم يحدث به شئ حتى يتم صلاته، ورأيت أن صلاته بالتيمم أولى ذكره في نواقض الوضوء.

[ 424 ]
قلت: والظاهر ما قاله ابن بشير والابياني وسيأتي في كتاب الصلاة عند قول المصنف في فصل القيام كخروج ريح أن في قول محمد فيمن لا يملك خروج الريح إذا قام أن القيام يسقط عنه نظر، أو أن خروج الريح على هذا الوجه سلس لا يوجب الوضوء، وسيأتي في باب التيمم عن الطليطلي عند قول المصنف: ذو مرض ما يساعد كلام اللخمي. وأما قول المصنف: كسلس مذي قدر على رفعه فيشير به إلى أن سلس المذي إذا كان صاحبه قادرا على رفعه ينقض الوضوء ولا يفصل فيه. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وإن كثر المذي للعزبة أو التذكر فالمشهور الوضوء في قابل التداوي قولان ما نصه: قال ابن عبد السلام: الخلاف إنما هو في القادر لا كما يعطيه كلام المصنف، وينبغي أن يكون في زمن طلب النكاح وشراء السرية معذورا، وجعل قوله: وفي قابل التداوي قولان راجعا إلى سلس البول. خليل: وفيه نظر لاني لم أر أحدا ذكر هذا في البول. انظر بقية كلامه. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ومن سلس بوله وكان قادرا على العلاج ففيه القولان المذكوران في القادر على رفع سلس المذي بالتسري والتزويج انتهى. فرع: قال في المنتقى: سلس المني لا يجب منه الوضوء ذكره في إعادة الجنب الصلاة والغسل والله أعلم. وقال الشيخ زروق: قد يخرج المني بلا لذة ولا إنعاظ وهذا لا يجب به شئ على المشهور انتهى وهذا - والله أعلم - مني السلس. ص: (وفي اعتبار الملازمة في وقت الصلاة أو مطلقا تردد) ش: قال في التوضيح قال ابن عبد السلام: معنى الملازمة هنا - والله تعالى أعلم - أن يأتيه مقدار ثلثي ساعة مثلا وينقطع عنه مقدار ثلثها ثم يأتي ثلثي ساعة، وكذلك يعم سائر نهاره وليله. وكان بعض من لقيناه يقول: إنما تعتبر الملازمة ومفارقته في أوقات الصلاة خاصة لان الزمن الذي يخاطب فيه بالوضوء، وهذا وإن كان مناسبا لكنه من الفرض النادر. وأيضا فإذا كان الامر على ما قال فلا يخلو وقت من أوقات الصلاة من بول، سواء لازم أكثر ذلك الوقت أو نصفه أو أقله، فلا بد من وجوب النقض فتستوي مشقة الاقل والاكثر فيلزم استواء الحكم انتهى. قال ابن هارون: وهذا هو الظاهر لان غير وقت الصلاة لا عبرة بمفارقته وملازمته إذ ليس هو مخاطبا حينئذ بالصلاة، وهذا الذي كان يميل إليه شيخنا وكان يقول ما معناه: إنه لا تؤخذ المسألة على عمومها بل ينبغي أن تقيد بما إذا كان إتيان ذلك عليه مختلفا في الوقت فيقدر في ذهنه أيهما أكثر فيعمل عليه، وأما إذا كان وقت إتيانه منضبطا يعمل عليه إن كان أول الوقت أخرها، وإن كان آخر الوقت قدمها وهو كلام حسن

[ 425 ]
فتأمله. وما رد به ابن عبد السلام من أنه فرض نادر ليس بظاهر إذ هذه المسائل كلها من الفروض النادرة انتهى كلام التوضيح. واقتصر ابن فرحون على كلام الشيخ عبد الله المنوفي فقال: والملازمة والمفارقة إنما تعتبر في أوقات الصلاة خاصة فيقدر بذهنه أيهما أكثر فيعمل عليه إلى آخر ما تقدم. وقال ابن عرفة: وفي كون المعتبر فيه اللزوم وقت الصلاة أو الايام قولا شيوخ شيوخنا ابن جماعة والبوذري، والاظهر عدد صلواته. وفسر ابن عبد السلام الاكثر بإتيان البول ثلثي ساعة ليلا ونهارا وتعقبه الاول بأنه فرض نادر بناء على فهمه منه، قصر وجود البول على أوقات الصلاة وهو وهم، إنما مراد ابن جماعة قصر المعتبر منه على أوقات الصلاة. قوله أيضا: إن كان الامر عل ما قال، لم يخل وقت صلاة من بول قل أو كثر فلا بد من ناقض فيستوي مشقة الاقل والاكثر يرد بأنه مشترك الالزام لما اختار انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: واختلف التونسيون هل تعتبر الكثرة بأوقات الصلاة أم لا ؟ فقيل بذلك قاله ابن جماعة قال بالايام قاله الشيخ البوذري، ثم ذكر كلام ابن عرفة. ورد ابن عرفة عليه ورد الشيخ خليل نقل ابن غازي كلام ابن عرفة بلفظ: وفي كون المعتبر فيه اللزوم وقت الصلاة أو اليوم قولا شيخي شيوخنا إلى آخره. والذي تحصل من هذا الكلام أربعة أقوال: الاول: قول ابن جماعة المعتبر ملازمته في وقت الصلاة، فإذا كان يأتي في غالب وقت الصلاة سقط الوضوء، وهذا الذي اختاره ابن هارون والشيخ المنوفي وابن فرحون. الثاني: تعتبر الكثرة بالايام. وهذا قول هو الثاني في كلام ابن عرفة. الثالث: اختيار ابن عبد السلام. الرابع: اختيار ابن عرفة. تنبيه: قال ابن جماعة في فرض العين وأما السلس والاتحاضة فإن كان في أكثر النهار استحب له الوضوء انتهى. فانظر هذا مع ما حكاه ابن عرفة والله تعالى أعلم. ص: (من مخرجيه أو ثقبة تحت المعدة إن انسدا وإلا فقولان) ش: هذا متعلق بقوله الخارج يعني الحدث هو الخارج المعتاد في الصحة من المخرجين يعني القبل والدبر، ثم نبه على أنه ينزل منزلة ذلك إذا انفتح لخروج الحدث ثقبة تحت المعدة وانسد المخرجان. هكذا نقل في التوضيح عن ابن بزيزة ونحوه لصاحب الطراز. وقوله: إلا فقولان يدخل ثلاث صور: الاولى: أن ينسد المخرجان وتكون الثقبة فوق المعدة. الثانية: أن لا ينسد أو تكون فوق المعدة أيضا. الثالثة: أن لا ينسد أيضا وتكون الثقبة تحت المعدة. وهكذا حكى في التوضيح عن ابن بزيزة. والذي يظهر من كلام صاحب الطراز ترجيح عدم النقض وأنه الجاري على المذهب ولم يذكر في ذلك خلافا فإنه قال في أوائل باب أحكام النجاسة: إن لم ينسد المخرجان فلا وضوء لان خارج من غير المخرج المعتاد خلافا لابي حنيفة. واختلف أصحاب الشافعي

[ 426 ]
على قولين، والمشهور منهما عدم النقض. ثم قال: وإن كان المخرج المعتاد منسدا وكان الفتح في المعي الاسفل ودون المعدة فهذا ينقض. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي - وإن كان الفتح فوق المعدة فاختلف ههنا أصحاب الشافعي فقال المزني: لا وضوء فيه. وقال بعضهم: فيه الوضوء. والاول أظهر. فإن ما خرج من فوق المعدة لا يكون على نعت ما يكون من أسفلها انتهى مختصرا. تنبيهات: الاول: هل يكفي في هذه الثقبة المنفتحة الاستجمار ؟ تقدم الكلام على ذلك في فصل قضاء الحاجة. الثاني: قوله ثقبة بالثاء المثلثة المضمومة وسكون القاف ثم موحدة، والمعدة بفتح الميم وكسر العين ونقل أيضا معدة بكسر الميم وسكون العين قاله في الصحاح، وهو موضع الطعام قبل أن يتحدر إلى الامعاء وهي بمنزلة الكرش للحيوان، وجمعها معد بكسر الميم وفتح العين كذا قال في التسهيل، وقاله الدميري في شرح المنهاج. ورأيت في بعض شروح الشافعية لابن الحاجب في التصريف أن جمعها معد بفتح الميم وكسر العين. قلت: وهذا ليس بجمع فإنه ليس من أوزان الجمع وإن هو اسم جمع نحو نبق ونبقة فتأمله. قال الدميري في شرح المنهاج: وادعى النووي أن المراد بالمعدة السرة. قال: وحكم المنفتح في السرة وما حاذاها حكم ما فوقها. قال الدميري: والمعروف أنها المكان المنخسف تحت الصدر إلى السرة كذا ذكره الفقهاء والاطباء واللغويون انتهى. قلت: ولم أقف للمالكية في ذلك على شئ والظاهر أنه لا يختلف في ذلك فتأمله والله تعالى أعلم. الثالث: إذا خرج القئ بصفة المعتاد فإن كان ذلك نادرا لم ينتقض الوضوء بلا خلاف، وإن صار ذلك عادة له فحكى ابن الحاجب في ذلك قولين. قال ابن عبد السلام: والاظهر أنه إن انقطع خروج الحدث من محله وصار موضع القئ محلا له وجب الوضوء، فإن كان خروجه من محله أكثر لم يجب انتهى. ونقله في التوضيح وقال قوله بصفة المعتاد أي بصفة من صفاته لا بكل الصفات انتهى. قلت: أما إذا انسد المخرجان فالظاهر أن حكمه حكم الثقبة، وإن لم ينسدا ففيه القولان والظاهر عدم النقض حينئذ. ص: (وبسببه وهو زوال عقل وإن بنوم ثقل ولو قصر لاخف

[ 427 ]
وندب إن طال) ش: لما فرغ من الكلام على القسم الاول من نواقض الوضوء وهو الاحداث، شرع في الكلام على القسم الثاني وهو الاسباب وتقدم الكلام عليه لغة وشرعا، وأن المراد به هنا هو ما أدى إلى خروج الحدث. قال ابن الحاجب: وهو ما نقض بما يؤدي إليه. قال ابن راشد: يعني أنه غير ناقض في نفسه وإنما ينقض لانه يؤدي إلى الحدث. وقال ابن عبد السلام: هذا التعريف وقع بحكم من أحكام المحدود وهو مجتنب في التعريفات، ولو قال وهو ما كان مؤديا إلى خروج الحدث لكان أبين. ونقله في التوضيح وقال: لكان أحسن مكان أبين. وحصر المصنف الاسباب في ثلاثة أشياء: زوال العقل ولمس من يشتهي ومس الذكر. وكذلك فعل ابن الحاجب. قال في التوضيح: قال ابن هارون: ترد عليه الردة ورفض الوضوء والشك فإنه لم يذكرها في الاحداث ولا في الاسباب، ولعله قصد حصر المتفق عليه انتهى. يعني كلام ابن هارون. قال في التوضيح: وقد يقال لا نسلم أن هذه الاشياء نواقض لانها ليست أحداثا ولا تؤدي إلى خروج الحدث وإنما يجب الوضوء عند من أوجبه بها المعنى آخر والله أعلم انتهى. يعني والله أعلم أن الردة إنما توجب الوضوء لانها تحبط الاعمال ومن جملتها الوضوء، والرفض إنما يبطله لوقوع الخلل في النية والشك في الحدث إنما يوجبه لان الصلاة في الذمة بيقين فلا يبرأ منها إلا بالاتيان بها بيقين، والطهارة شرط فيها والشك في حصول الشرط يوجب الشك في حصول المشروط والله تعالى أعلم. وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن زوال العقل بغير النوم لا يفصل فيه كما يفصل في النوم وهو ظاهر المدونة والرسالة. قال في المدونة: ومن نام جالسا أو راكبا الخطوة ونحوها فلا وضوء عليه، وإن استثقل نومه وطال ذلك فعليه الوضوء، ونومه راكبا قدر ما بين العشاءين طويل ولا وضوء على من عام محتبيا في يوم جمعة وشبهها لانه لا يثبت. قال ابو هريرة: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء، قال ابن شهاب: السنة فيمن نام راكبا أو ساجدا أن عليه الوضوء. قال ابن وهب: قال ابن أبي سلمة: من استثقل نوما على أي حال كان فعليه الوضوء. ثم قال: ومن خنق قائما أو قاعدا توضأ ولا غسل عليه، ومن فقد عقله بإغماء أو سكر أو جنون توضأ انتهى. وقال في الرسالة: ويجب الوضوء من زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون. وقال ابن عبد السلام: فالاول زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر. ولم يتعرض يعني ابن الحاجب لكيفية نقضها في طول أو قصر، وذلك يدل على أنها ناقضة مطلقا وهو الحق خلافا لبعضهم انتهى. وقال ابن بشير: والقليل في ذلك كالكثير انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: ظاهر كلامه أن الجنون والاغماء حدثان لكونه لم يشترط فيهما الثقل كما اشترطه في النوم وهو كذلك. قاله مالك وابن القاسم: ونقل اللخمي عن عبد الوهاب أنهما سببان. وخرج على

[ 428 ]
القول من جن قائما أو قاعدا بحضرة قوم ولم يحسوا أنه خرج منه شئ واعترض كلام اللخمي من وجهين: الاول لابن بشير أن عبد الوهاب أطلق عليهما أنهما سببان إلا أنه أوجب عنهما الوضوء دون تفصيل. والثاني لبعض شيوخنا أنه لا يلزم من عدم إحساسهم عدم الحدث ويلزمه مثل ذلك في النوم انتهى. وأصل هذا الكلام لابن عرفة نقله عن اللخمي ولفظه: وكون الجنون والاغماء حدثا أو سببا نقلا. اللخمي عن ابن القاسم مع مالك والقاضي الخ. وحاصله أن مالكا وابن القاسم قالا: إن الجنون والاغماء ينقضان دون تفصيل. ففهم اللخمي عنهما أنهما عندهما حدثان ولا يلزم ذلك لما تقدم. وأما النوم فاختلف فيه، قال ابن عرفة وقال ابو الفرج: روى عن ابن القاسم أنه حدث والمشهور أنه سبب انتهى. قلت: طريقة اللخمي - وهي التي مشى عليها المصنف - أن الثقيل الطويل ينقض بلا خلاف، والثقيل القصير فيه خلاف والمشهور النقض، والقصير الخفيف لا ينقض بلا خلاف، والطويل الخفيف يستحب منه الوضوء. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وعلامة الاستثقال سقوط شئ من يده أو انحلال حبوته أو سيلان ريقه أو بعده عن الاصوات المتصلة به ولا يتفطن لشئ من ذلك انتهى. قال في المدونة: ولا وضوء على من نام محتبيا. قال ابن هارون في شرحه: يعني إذا (استيقظ لحل حبوته، وأما لو لم يشعر بحلها لزمه الوضوء، وكذلك من بيده مروحة واستيقظ لسقوطها فلا وضوء عليه وإلا توضأ انتهى. فرع: قال ابن المنير في تيسير المقاصد: ويغتفر النعاس الخفيف والاولى لائمة المساجد تجديد الوضوء. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المدونة إن خنق الجن غير الجنون وهكذا قال في الذخيرة: المظنة الرابعة الخنق من الجن. الخامسة الاغماء. السادسة ذهاب العقل بالجنون لا بالجن. الثاني: قال ابو الحسن: قوله: أو سكر يريد وإن كان من حلال قال في الام أو سكر من لبن. الثالث: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: قوله: من زوال العقل الاولى أن يقول من استتاره لان العقل لا يزول بالنوم ولا بإغماء والسكر إنما يستتر خاصة، وكذا القول في المجنون يخبطه الجن ثم يعود إلى حاله، هذا هو الذي يقوى في النفس - والله أعلم - بخلاف المجنون المطبق الذي لا يتفق فإنه قد زال عقله لا محالة فلا ينبغي أن يقال زوال العقل إلا على طريق الاتساع والمجاز انتهى. الرابع: ما ذكر ابن عرفة وابن ناجي عن اللخمي يقتضي أنه نقل أن مالكا وابن القاسم نصا على أنهما حدثان، وكلام اللخمي يقتضي أنه إنما فهم ذلك من كلامهما ونصه: ويختلف في المغمى عليه والمجنون فقال مالك: عليه الوضوء. وقال ابن القاسم: لو خنق قائما أو قاعدا كان عليه الوضوء. وهذا موافق لما ذكر عنه أولا أن النوم حدث.

[ 429 ]
فرع: قال في الطراز: فمن غلبه هم حتى ذهل وذهب عقله قال مالك في المجموعة: عليه الوضوء. قيل له: هو قاعد. قال: أحب إلي أن يتوضأ. وهذا يحتمل أحد معنيين: إما أن يريد الذي يختاره ويقول به إنه يتوضأ، أو يريد أنه إذا كان جالسا يستحب له الوضوء بخلاف المضطجع فإنه يجب عليه لان الجالس متمكن من الارض وغفلته في حكم غفلة الوسنان انتهى. ونقله في الذخيرة باختصار، ونقله في التوضيح واقتصر في الشامل على القول الاول فقال مالك: ومن حصل له هم أذهل عقله توضأ. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قال مالك فيمن حصل له هم أذهل عقله يتوضأ. وعن ابن القاسم لا وضوء عليه انتهى. هذا الذي ذكره عن ابن القاسم ذكره الشيخ يوسف بن عمر فقال في شرح قول الشيخ: ويجب الوضوء من زوال العقل. ذكر الشيخ أن زوال العقل بأربعة أشياء ولا يزول بغيرها، وهذا قول ابن القاسم. وقال ابن نافع: إن زال عقله بالهم فإنه يتوضأ. وقال ابن القاسم: لا وضوء عليه. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وذكر التادلي أن الوضوء من غيبة العقل بالوجد والحال ونظره غير بمن استغرق في حب الدنيا حتى غاب عن إحساسه وفي نظر لعدم اعتباره انتهى. وانطر ما معنى قوله: لعدم اعتباره هل الضمير راجع إلى الاستغراق في حق الدنيا والمعنى أنه غير معتبر شرعا فيكون ناقضا بخلاف غيبة الوجد والحال، أو الضمير راجع إلى الغيبة في الوجد والحال والمعنى لعدم اعتباره ناقضا، وكأن هذا القائل يخالف ما قاله التادلي وهو الظاهر. وقد صرح بذلك الشيخ يوسف بن عمر فقال: ولا وضوء من الوجد إذا استغرق عقله في حب الله تعالى حتى غاب عن إحساسه فهذا لا وضوء عليه لانه لم يذهب عقله انتهى. ص: (ولمس يلتذ صاحبه به عادة) ش: تصوير واضح وظاهره، سواء كان الملموس ذكرا أم أنثى. أما الانثى فلا كلام فيها، وأما الذكر فقال ابن العلاء السبتي في منسكه. قال بعض العقلاء: ينبغي للطائف أن يتحرز من النظر إلى امرأة أو صبي حال طوافه لان من العلماء من قال إن اللذة بالنظر تنقض الوضوء فيكون طوافه فاسدا على هذا القول.

[ 430 ]
قلت: والقولان في مذهبنا والمشهور عدم التأثير، والقولان ذكرهما ابن الحاجب. وكذلك ينبغي أيضا أن يتحرز من ملامسة الصبي فإنها تنقض الطهارة عند قوم وهو مذهب القاضي عياض رحمه الله تعالى، ومذهب الاصطخري من أئمة الشافعية وكذلك ينبغي أيضا التحفظ من مصافحته ومعانقته. إذا قدم من سفر انتهى. قال القاضي عياض في قواعده. الثالث: يعني من موجبات الوضوء اللمس للذة بين الرجال والنساء، فالقبلة والجسة ولمس الغلمان أو فرج سائر الحيوان. قال شارحه سيدي أبو العباس القباب رحمه الله تعالى: قوله والغلمان يعني أن لمس الغلمان لمن قصد به اللذة كلمس النساء وهذا فعل من لا خلاق له وإن وجدها دون قصد توضأ كما مضى تفصيل أحوال الملامسة انتهى. وهذا ظاهر فقد ذكر هذا غير واحد من أهل المذهب في ذكر الغير. قال في المدونة: وإذا مست امرأة ذكر رجل فإن كان بشهوة فعليها الوضوء، وبغير شهوة من مرض ونحوه فلا ينتقض وضوؤها انتهى. وقال الشارح في قول القاضي عياض بين الرجال والنساء: يعني إذا لمس الرجل المرأة ولمست المرأة الرجل. ورأيت في بعض النسخ من الرجال والنساء ومعناه أن الوضوء ينتقض من الرجال والنساء فلا يتوهم أنه يختص بالرجال بل يوجب الوضوء على اللامس كيف كان، وكما يجب على الرجل إذا لمس المرأة فكذلك يجب على المرأة إذا لمست الرجل انتهى. وبقي شئ آخر وهو مس المرأة المرأة لم أر من تكلم عليها، والظاهر أنها كذلك. وقال ابن فرحون في شرحه: فرع ولمس الامرة بلذة يوجب الوضوء كما تقدم في المرأة. قاله القاضي عبد الوهاب في شرح المختصر وابن العربي في شرح الجلاب انتهى. وقال القباب في قول القاضي عياض: وفروج سائر الحيوان مثل ذلك يعني إذا لمس رجل فرج بهيمة قاصدا الالتذاذ أو مست امرأة ذكر بهيمة قاصدة التلذذ انتهى. وما ذكره القاضي في فرج البهيمة ذكره ابن عرفة عن المازري واعترضه ونصه ناقلا عن المازري وذكر البهيمة كالغير. ثم قال: وقوله: ذكر البهيمة كالغير يريد بمباينة الجنسية انتهى. وتقدم عن الذخيرة ما نصه: فرج البهيمة لا يوجب وضوأ خلافا للميت لانه مظنة اللذة انتهى. فيحتمل أن تكون: لا زائدة من الناسخ ويكون التعليل للقول الاول، ويحتمل أن يكون التعليل للقول الثاني، ولا يعترض على ما ذكره القاضي والمازري بفرج الصغيرة فإن فرج البهيمة مظنة اللذة أكثر من فرج الصغيرة والله تعالى أعلم. وقوله: ولمس اللمس أخص من المس قال في المقدمات في كتاب الوضوء: المعنى بالملامسة الطلب قال الله تعالى: * (وأنا لمسنا السماء) * (الجن: 8) أي طلبناها. وفي الحديث: التمس ولو خاتما من الحديد أي اطلب فلا يقال لمن مس شيئا لمسه إلا أن يكون مسه ابتغاء معنى يطلبه فيه من حرارة أو برودة أو صلابة أو رخاوة أو علم حقيقة قال الله تعالى: * (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم) * (الانعام: 7) الآية. ألا ترى أنه يقال تماس الحجران ولا يقال تلامسا لما كانت الارادة والطلب مستحيلة منهما. وقال تعالى: * (وأنا لمسنا السماء) * (الجن: 8) أي

[ 431 ]
طلبنا السماء أو أردناها وفي الحديث: التمس ولو خاتما من حديد فالمس التقاء الجسمين سواء كان لقصد معنى أو لا. واللمس هو المس لطلب معنى، ولما لم يكن اللمس ناقضا عندنا إلا مع قصد اللذة أو وجودها، حسن التعبير عنه باللمس. ولما كان مس الذكر ناقضا مطلقا حسن التعبير عنه بالمس. فإن قيل: لم قلتم بنقض الوضوء إذا لم يقصد اللذة ووجدها مع أنه لم يحصل طلب. فالجواب أنه لما وجد المعنى المقصود بالطلب كان أولى بالنقض والله تعالى أعلم. وقال بعضهم: اللمس ملاصقة مع إحساس والمس أعم منه وهذا راجع إلى ما يقوله أهل الكلام أن اللمس هو القوة المبثوثة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك عند التماس والالتصاق والله تعالى أعلم. ص: (ولو كظفر أو شعر) ش: قال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الطهارة: وسئل عن الرجل يمس شعر امرأته أو جاريته تلذذا. فقال: إن مسه تلذذا فأرى عليه الوضوء، وإن مسه لغير ذلك استحسانا أو غيره لم أر عليه وضوء، وما علمت أحدا يمس شعر امرأته تلذذا. قال القاضي أبو الوليد ابن رشد: الشعر لا لذة في مسه بمجرده فيحتمل أن يكون أراد بقوله: إن مسه تلذذ فأرى عليه الوضوء إن مسه على جسمها فيكون في مسه بمنزلة من يمس امرأته أو جاريته على ثوب متلذذا بذلك فالتذ أن عليه الوضوء باتفاق في المذهب إلا أن يكون الثوب كثيفا، وأما أن يمسه على غير جسمها فلا يجب عليه الوضوء، وإن التذ بذلك واشتهى إلا على ما ذهب إليه ابن بكير إن التذ مع وجود اللذة دون لمس يوجب الوضوء، فهذا وجه هذه الرواية عندي والله تعالى أعلم انتهى. ص: (أو حائل وأول بالخفيف وبالاطلاق) ش: قال في الشامل: ولا يمنع حائل مطلقا وإن خف تأويلان. روى ابن القاسم النقض مطلقا وقيده ابن زياد بما إذا كان خفيفا وحمله ابن الحاجب على الخلاف، وحمله في البيان والمقدمات على التفسير، فالاول تأويل ابن الحاجب، والثاني تأويل ابن رشد وهو الظاهر. وقال ابن عرفة اللخمي: رواية علي أحسن إن كان باليد وإن ضمها فالكثيف كالخفيف، فعلم من هذا أن الكلام في الحائل إنما هو بالنسبة إلى اليد، وأما لو ضمها إليه فالحائل كالعدم كما قاله ابن عرفة، زاد الشيخ يوسف بن عمر أو قبض منها انتهى يريد بيده. ص: (كإنعاظ) ش، قال اللخمي في تبصرته: واختلف في الانعاظ إذا لم يكن معه

[ 432 ]
مسيس فقيل: لا شئ عليه إلا أن يمذي. وقيل: عليه الوضوء لانه لا ينكسر إلا عن مذي وهذا مع عدم الاختيار، وأرى أن يحمل على عادته فإن كان يعلم أنه لا يمذي كان على طهارته، وإن كانت عادته أنه يمذي نقض، وإن اختلفت عادته توضأ أيضا، وإن اختبر ذلك بالحضرة أو بعد التراخي فلم يجد شيئا كان على طهارته، وإن أنعظ وهو في الصلاة وكانت عادته أنه لا يمذي مضى عليها، وإن كان ممن يمذي قطع إلا أن يكون ذلك الانعاظ ليس بالبين ولا يخشى من مثله المذي، وإن كان شأنه المذي بعد زوال الانعاظ ولا يخشى ذلك قبل أن يتم صلاته فإنه يتمها إلا أن يتبين له أن ذلك كان قبل فيقضي الصلاة، ولو شك اختلف هل تجزئه الصلاة أم لا انتهى. وقال في التوضيح قال ابن عطاء الله: أنه لا وضوء فيه بمجرده فإن انكسر عن مذي توضأ وإلا فلا، وليس المذي عندي من الامور الخفية حتى يجعل له مظنة انتهى. وفي أثناء مسائل الطهارة من البرزلي وسئل أبو القاسم السيوري عن الانعاظ بتذكر هل ينقض الوضوء أم لا ؟ فأجاب: لو وقع في الصلاة ما أفسدها فكذلك في الوضوء. وعن بعض أصحابنا هو من شأن الفحل. فإن قيل لا ينكسر إلا عن بلة قال: قد قيل ولا ينتقض الوضوء عندي. البرزلي: إن وقع انكساره عن بلة ظهرت في الصلاة فهو ناقض إلا أن يتكرر ويشق الاحتراز منه ولا يقدر على رفعه فيكون كتكرير المذي، وإن ظهر بعد الصلاة فالمشهور صحتها، ويتخرج على قول أصبغ إعادتها لانه قد برز لقناة الذكر. واختار بعض شيوخنا إن أنعظ في صلاته يتذكر الموت والنار وما يكسر شهوته ويتفقد نفسه عند الخروج منها، فإن ظهرت بلة أعاد وإلا فلا، وقول الشيخ قد قيل معناه ما قدمناه من التفصيل إلا أنه اختار عدم الوضوء ولو خرج إذ لا أعلم من قاله. وقول الشيخ قد قيل معناه مع عدم التكرر انتهى والله أعلم. ص: (ولذة بمحرم على الاصح) ش: كلام سند يدل على أن اللذة بالمحرم تنقض، نبه عليه ابن غازي وقال في الشامل: فلا أثر

[ 433 ]
لمحرم. ونحوه لابن الحاجب: قال ابن عبد السلام: ظاهره أنه لا وضوء وإن وجدت اللذة. وظاهر كلام بعض أئمة المذهب: إنه إذا وجدت اللذة في لمس ذات المحرم انتقضت الطهارة لا يبعد إجراء ذلك على الخلاف في مراعاة الصور النادرة انتهى. وقال في التوضيح: ظاهر كلامه: ولو التذ بالمحرم وهو ظاهر. الجلاب: ونص القاضي عبد الوهاب وغيره على أنه إذا وجدت اللذة انتقض، وبنى على الخلاف في الصور النادرة. وقال ابن رشد في أول سماع أشهب: النساء على ثلاثة أقسام: قسم لا يوجد في تقبيلهن لذة وهن الصغار اللواتي لا يشتهى مثلهن فلا وضوء في تقبيلهن وإن قصد بذلك اللذة وجدها بقبلة إلى على مذهب من يوجب الوضوء في التذكار بالالتذاذ. وقسم لا ينبغي في تقبيلهن لذة وهن ذوات المحارم فلا وضوء في تقبيلهن إلا مع القصد إلى الالتذاذ بذلك من الفاسق الذي لا يتقي الله تعالى، لان القصد في تقبيلهن الحنان والرحمة: فالامر محمول على ذلك حتى يقصد سواه، وقسم يبتغي في تقبيلهن اللذة وهن من سوى ذوات المحارم، فيجب الوضوء بتقبيلهن مع وجود اللذة أو القصد إليها وإن لم توجد. واختلف إذا عدم الامران على قولين انتهى. واقتصر ابن عرفة في المحرم على كلام ابن رشد هذا ولم يحك فيه خلافا، وقبل المازري كلام القاضي عبد الوهاب، وجعل الشيخ خليل الاصح عدم النقض ولو وجدت اللذة اعتمادا على ظاهر كلام ابن الحاجب وابن عبد السلام المتقدم، واعترضه ابن غازي قائلا: والحق - والله سبحانه تعالى أعلم - ما قدمناه عن عبد الوهاب وابن رشد والمازري ومن وافقهم، والآخر غايته أنه تخريج أو تمسك بظاهر سهل التأويل فكيف يجعل هو الاصح ؟ انتهى. قلت: والظاهر النقض كما قاله الجماعة وعليه اقتصر في الارشاد والله سبحانه وتعالى

[ 434 ]
أعلم. ص: (ومطلق مس ذكره المتصل ولو خنثى مشكلا) ش: احترز بذلك مما إذا مس ذكر الغير فإن حكمه في ذلك حكم الملامسة إن قصد اللذة أو وجدها نقض وإلا فلا، والملموس إن وجد لذة انتقض وضوؤه، قاله في المدونة. وذكر ابن عرفة عن ابن العربي والمازري خلافه فانظره. وقوله: المتصل احترز به من المنقطع فلو قطع ذكره ثم مسه فلا أثر لذلك خلافا للشافعية. قال في التوضيح: على أن ابن بزيزة حكاه في المذهب فقال: إذا مس ذكر غيره من جنس أو ذكرا مقطوعا أو ذكر صبي أو فرج صبية، فهل عليه الوضوء أم لا ؟ فيه قولان في المذهب انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال ابن هارون: ولو مس موضع الجب فلا نص عندنا. وحكى الغزالي أن عليه الوضوء. والجاري على أصلنا نفيه لعدم اللذة غالبا انتهى. ونقله ابن فرحون. قلت: نص عليه ابن شعبان في الزاهي فقال: والخصي المجبوب مثل المرأة، والخصي القائم الذكر مثل الجل في ذلك خاصة انتهى. ونص عليه في العارضة فقال: إذا مس موضع القطع، قال الشافعي: يجب عليه الوضوء وليس يصح هذا شريعة ولا حقيقة انتهى،. وقال في المسائل الملقوطة: لا وضوء على المجبوب من مس موضع القطع كمس الدبر انتهى. فرع: والعنين والحصور الذي لا يأتي النساء في ذلك كله سواء على ظاهر الحديث لآ القياس قال: ولو مست امرأة ذكر ميت بالغ لم ينقض ذلك طهرها إلا أن يحرك منها لذة انتهى. فرع: إذا مسه على حائل فحكى ابن الحاجب فيه ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين الخفيف فينقض وبين الكثيف فلا ينقض. قال في التوضيح: وحكى الاقوال الثلاثة المازري وابن العربي وابن راشد. وقال في المقدمات: الاشهر رواية ابن وهب لا وضوء عليه. وروى علي عليه الوضوء وقال في البيان: وإن كان كثيفا فلا وضوء عليه قولا واحدا. والظاهر عدم النقض مطلقا لما في صحيح ابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام: من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما ستر ولا حجاب فقد وجب عليه الوضوء للصلاة انتهى.

[ 435 ]
قلت: وهذا الفرع يؤخذ من قول المصنف: مس ذكره لان المس إذا أطلق انصرف في الغالب لمس دون حائل وإلله أعلم. تنبيه: عكس ابن عرفة النقل عن ابن رشد فقال ابن رشد: مسه فوق كثيف لغو، وفوق خفيف الاشهر. رواية علي: ينقض انتهى. كذا في النسخ التي رأيت منه وهو خلاف ما في المقدمات. وما نقله المصنف في التوضيح وغيره عن ابن راشد أن الاشهر رواية ابن وهب والله تعالى أعلم. فرع: قال ابن العربي: إذا مس خنثى ذكره وقلنا بانتقاض الوضوء بالشك انتقض وضوؤه لاحتمال أن يكون رجلا، وكذلك إن مس فرجه في الفتوى والتوجيه انتهى من العارضة. قال في المنتقى: فرع فإذا قلنا بوجوب الوضوء فمن صلى قبل أن يتوضأ أعاد الوضوء والصلاة أبدا قاله ابن نافع: وإن قلنا بنفي الوجوب في العتبية من رواية سحنون عن ابن القاسم روايتان: إحداهما إنه يعيد الصلاة في الوقت، والثانية لا يعيدها إلا في الوقت ولا في غيره انتهى، وفي الموطأ آثار تشهد لذلك والله أعلم. وفي شرح الرسالة للشيخ زروق: إن مس ذكره وصلى ولم يتوضأ أعاد أبدا على المشهور، وقيل في الوقت. وثالثها في العمد أبدا وفي السهو في الوقت. ورابعها مثله في السهو السقوط. وخامسها أبدا في الكمرة وفي العسيب السقوط. وسادسها لا إعادة. وسابعها يعيد فيما قرب كاليومين ذكرها كلها الشبيبي في اختصار الفاكهاني. ص: (وبردة) ش: يعني إذا تاب قبل نقض وضوئه وهذا هو المشهور، وأما الغسل فلا تبطله الردة قاله ابن جماعة في كتابه المسمى بفرض العين، وهذا والله أعلم ما لم يحدث منه موجب الغسل والله أعلم. ونصه في نواقض الوضوء: والردة وهي أن يكفر ثم يرجع إلى الاسلام فإنه يبتدئ الوضوء دون الغسل انتهى. وفي العارضة لابن العربي في شرح الترمذي في باب اغتسال الرجل عندما يسلم ما نصه: تفريع إن اغتسل وصلى ثم ارتد فاختلف علماء

[ 436 ]
المالكية، هل ينقض غسله ووضوؤه ؟ والصحيح بطلان الكل انتهى. ومن النكت في آخر كتاب الجنائز قال بعض شيوخنا من القرويين: إذا اغتسل رجل من جنابته ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام لاغسل عليه. ولا ضوء إذا ارتد بعد أن توضأ عند ابن القاسم إلا استحبابا. وإنما قال بإيجاب الوضوء يحيى بن عمر وأعرف في كتاب ابن شعبان أنه قال في هذا: المرتد يغتسل إذا عاد إلى الاسلام. ص: (ويشك في حدث بعد طهر علم) ش: هذا إذا شك قبل الصلاة، وإما إذا صلى ثم شك هل أحدث أم لا ففيه قولان، ذكرهما الباجي في المنتقى في مسألة من رأى في ثوبه احتلاما لا يدري متى وقع منه. وقال سند: الشك في الحدث له صورتان: إحداهما أن يتخيل له الشئ فلا يدري ما حقيقته أهو حدث أم لا ؟ والاخرى أن يشك هل بال أو تغوط، وشبهه. وهذا ظاهر مسألة الكتاب لقوله: لا يدرى أحدث بعد الوضوء أم لا ؟. والصورتان مختلف فيهما، أما من شك هل أحدث بعد وضوئه فالمذهب أنه يتوضأ، وهل ذلك واجب أم لا ؟ ظاهر الكتاب أنه واجب. وقال ابن القصار: روى ابن وهب عن مالك: أحب إلي أن يتوضأ ثم قال: وأما الصورة الثانية وهي أن يتخيل له الشئ لا يدري هل هو حدث أو غيره، فظاهر المذهب أنه لا شئ عليه. وقد نص على ذلك ابن حبيب. وقال مالك في المجموعة فيمن وجد بللا وشك فيه فلم يدر من الماء أو من البول: أرجو أن لا يكون عليه شئ وما سمعت من أعاد الوضوء من مثل هذا، وإذا فعل هذا تمادى به يريد أنه تأخذه الوسوسة. قال اللخمي: وقد قيل إنه لا فرق بين الصورتين لان كل ذلك شك، ثم ذكر الاحاديث الدالة على ذلك والله أعلم. وفي الجواهر في الكلام على النية: ولو شك في الحدث وقلنا لا يجب عليه استئناف الوضوء بالشك على إحدى الروايتين، أو كان شكه غير مقتض

[ 437 ]
للوضوء كالتردد من غير استناد إلى سبب مع تقدم يقين الطهارة، فتوضأ احتياطا، ثم تبين له يقين الحدث، ففي وجوب الاعادة قولان للتردد في النية انتهى. تنبيه: فرع صاحب الطراز على القول بوجوب الضوء للشك، لو شك في الصلاة وذكر

[ 438 ]
في ذلك قولين ذكرهما في التوضيح عن الباجي، وظاهر كلام ابن الحاجب واللخمي أن التفرقة بين ذكره في الصلاة أو خارجها أحد الاقوال في أصل المسألة وسيذكر المصنف هذا الفرع قريبا. ص: (إلا المستنكح) ش: المستنكح هو الذي يشك في كل وضوء وصلاة أو يطرأ له ذلك في اليوم مرة أو مرتين وإن لم يطرأ له ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة فليس بمستنكح كما سيأتي نقله عند قوله أو استنكحه الشك والله أعلم. ص: (لا يمس دبر أو أنثيين أو فرج صغيرة أو قئ أو أكل جزور أو ذبح أو حجامة أو قهقهة بصلاة) ش: لا بمس دبر خلافا للشافعي وحمديس من أصحابنا، ولا بمس أنثيين وهما الخصيتان خلافا فالعروة بن الزبير فإنه أدخلهما في معنى الفرج، ولا بمس صغيرة وكذا فرج صغيرة خلافا للشافعي، ولا بخروج قئ أو قلس خلافا لابي حنيفة، ولا ينتقض بأكل جزور خلافا لاحمد، ولا بمس صليب وذبح

[ 439 ]
بهيمة ومس وثن وكلمة قبيحة وقلع ضرس وإنشاد شعر خلافا لقوم، ولا بخروج دم حجامة وفصادة خلافا لابي حنيفة، ولا بقهقهة خلافا لابي حنيفة. قاله في الذخيرة. والدبر يسمى الشرج بفتح الشين والراء تشبيها له بشرج السفرة التي يؤكل عليها وهو مجتمعها، وكذلك تسمى المجرة شرج السماء على أنها بابها ومجتمعها. فرع: الارفاع واحدها رفغ - بضم الراء وسكون الفاء والغين المعجمة - وهو أعلى أصل الفخذ مما يلي الجوف. ويقال بفتح الراء وقيل هو العصب الذي بين الشرج والذكر. قال القاضي في التنبيهات: وليس بشئ فلا يوجب وضوء. فرع: فرج البهيمة لا يوجب وضوء خلافا لليث لانه مظنة اللذة. انتهى من الذخيرة. ص: (وندب غسل فم من لحم ولبن) ش: قال في المدونة: وأحب إلي أن يتمضمض من اللبن واللحم ويغسل الغمر، إذا أراد الصلاة. قال أبو الحسن: انظر قوله إذا أراد الصلاة يعني وكذلك إذا لم يرد الصلاة قال في الرسالة: وإن غسلت يدك من الغمر - بفتح الغين والميم - الدسم واللبن فحسن إلا أنه يتأكد في الصلاة. أبوعمران: إن صلى شارب اللبن من غير أن يتمضمض فلا شئ عليه وقد ترك مستحبا انتهى. وفي العتبية: سئل مالك عمن يقطع اللحم النئ فتقام الصلاة، أترى أن يصلي قبل أن يغسل يديه ؟ قال: يغسل يديه قبل أن يصلي أحب إلي. قال ابن رشد: ما استحبه هو كما قال، لان المروءة والنظافة مما شرع في الدين. وقد استحب في المدونة أن يتمضمض من اللبن واللحم ويغسل من الغمر إذا أراد الصلاة فكيف باللحم النئ ؟ انتهى. من رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وقال ابن رشد في شرح المسألة الثامنة والعشرين في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الطهارة في الكلام على قوله في آخر السؤال: وقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان إذا أكل مسح يده بباطن قدمه. ومعنى ما ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أكل مسح يده بباطن قدمه إنما هو في مثل التمر والشئ الجاف الذي لا يتعلق بيده منه إلا ما يذهبه أدنى المسح، وأما مثل اللحم واللبن وما يكون له الدسم والودك فلا، لان غسل اليد منه مما لا ينبغي تركه، وقد تمضمض رسول الله (ص) من السويق وهو أيسر من اللحم واللبن، وغسل عثمان بن عفان يده من اللحم وتمضمض منه، ذكر ذلك مالك في الموطأ، فهذا يدل على ما ذكرنا والله تعالى أعلم انتهى.

[ 440 ]
تنبيه: قال ابن ناجي في شرح الرسالة في باب الطعام والشراب: تردد المتأخرون من التونسيين، هل قول المدونة ويغسل بالغمر معطوف على قول يتمضمض فيكون الاستحباب على حد السواء، أو هو استئناف كلام فيكون الآمر فيه آكد من الذي قبله ؟ انتهى. فرع: قال في الطراز بعد ذكره مسألة المدونة: ومن صلى بذلك ولم يغسله فلا شي عليه لانه عين طاهرة مباحة. قال: فيه فرع من مسح إبطه أو نتفه استحب له أن يغسل يده، فظاهر المذهب أنه لا يستحب له غسل إبطه. ويستحب له أن يغسل عن ثوبه ما أصابه من هذه الاشياء المستروحة المستكرهة كالبيض إذا كان فيه ريح. انتهى باختصار فانظره. ص: (وتجديد وضو إن صلى به) ش: ظاهره صلى به فريضة أو نافلة ولو ركعتين فقط أو طاف به سبعا وهو كذلك. قال في الطراز. في باب أحكام النية. فرع: روى معن عن مالك فيمن توضأ لنافلة قال: أحب إلي أن يتوضأ لكل صلاة. وهذا يوهم بظاهره أن الوضوء للنافلة لا يستباح به غيرها وليس كذلك، وقد فسره سحنون في كتاب ابنه فقال: معناه أنه يستحب له طهر على طهر لاعلى الايجاب، يريد كما يستحب أن يجدد للفرض طهرا استحب أيضا في النافلة مثله انتهى. وقال اللخمي في أوائل تبصرته: ولا فضيلة في تكرار الغسل عقيب الغسل ولا عند كل صلاة فهو في ذلك بخلاف الوضوء وإلا ما وردت فيه السنة من الاغتسال للجمعة والعيدين وإلاحرام ودخول مكة ووقوف عرفة انتهى. وقال القاضي عياض: الوضوء الممنوع تجديده قبل أداء فريضة به. وفي شرح الرسالة للشبيبي: في الوضوء المستحب وتجديده لكل صلاة بعد صلاة فرض. ثم قال: الممنوع لثلاثة أشياء: تجديده قبل صلاة فرض به، والزيادة على الثلاثة، وفعله لغير ما شرع له أو أبيح انتهى. قال ابن العربي في العارضة: اختلف العلماء في تجديد الوضوء لكل صلاة، فمنهم من قال يجدد إذا صلى وفعل فعلا يفتقر إلى الطهارة وهم الاكثرون، ومنهم من قال يجدد وإن لم يفعل فعلا يفتقر إلى الطهارة انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء وبالطهر إن وجب عليه الطهر. وإنما شرط في الاستعداد بالغسل في وجوبه دون الوضوء لان الاستعداد به يكون دون وجوب إذ يستحب تجديده لكل صلاة فرض بعد صلاته به. وقيل: يشترط كونها فرضا بخلاف الغسل فإنه " لا يستحب لكل صلاة، بل ربما كان بدعة وإن قال به بعض العباد والله أعلم انتهى. تنبيه: إن لم يصل بالوضوء فلا يعيده إلا أن يكون توضأ أولا واحدة واحدة أو اثنتين

[ 441 ]
اثنتين، قاله الجزولي في قول الرسالة ولكنه أكثر ما يفعل والله تعالى أعلم. ص: (ولو شك في صلاته ثم بان الطهر لم يعد) ش: وانظر هل يؤمر بالقطع أو بالتمادي ؟ يجري ذلك على القولين المتقدمين عن صاحب الطراز والباجي. عن سند: وسئل عمن يكون في الصلاة فيجد بللا فيقطع فلا يبدأ شيئا، ثم يعرض له ذلك في صلاة أخرى فيجد البلل كيف يصنع، هل يجزئه التمادي على الشك ويختبر بعد السلام ؟ فأجاب بأنه يقطع صلاته ويستبرئ، فإن تمادى على الشك وظهرت السلامة صحت على مذهب ابن القاسم، وأعادها على مذهب غيره. انتهى من مختصر البرزلي. ص: (ومس مصحف وإن بقضيب) ش: يعني أن المحدث يمنع من مس المصحف هذا مذهب الجمهور خلافا للظاهرية، والحجة عليهم ما في الموطأ وغيره أن في كتابه (ص) لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهرا ويحرم مس جلده. قال المصنف في التوضيح: وأحرى طرف الورق المكتوب وما بين الاسطر من البياض ويحرم مسه ولو بقضيب. قال ابن عرفة الشيخ عن ابن بكير: ولا يقلب ورقه بعود ولا بغيره انتهى. وقال ابن فرحون في مختصر الواضحة: يجوز لغير المتوضئ أن يقرأ في المصحف وغيره يقلب له أوراقه، ولا يجوز مس جلد المصحف، وكذلك لا يجوز أن يمس الطرة والهامش والبياض الذي بين الاسطر ولو بقضيب. قال ابن حبيب: وسواء كان مصحفا جامعا أو جزأ أو ورقة فيها بعض سورة أو لوحا أو كتفا مكتوبة انتهى. وقال اللخمي في كتاب الطهارة: والحكم في كتب المصحف كالحكم في مسه انتهى. ونقله عنه أبو الحسن وابن عطاء الله في كتاب الصلاة الثاني. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: واستخف مالك أن يكتب الآية من القرآن في الكتاب على غير وضوء، ولا بأس للجنب أن يكتب صحيفة فيها البسملة وشئ من القرآن والمواعظ ولا بأس بما يعلق في عتق الصبي والحائض من القرآن إذا خرز عليه أو جعل في شمع ولا يعلق وليس عليه ساتر، ولا بأس أن يعلق ذلك على الحامل انتهى. فرع: قال المشذالي في حاشيته في أول كتاب الطهارة الثاني: قال النووي: لو خاف على المصحف غرقا أو حرقا أو يد كافر فإنه يأخذه وإن كان محدثا للضرورة، ويكره كتب القرآن في حائط مسجد أو غيره انتهى. وكأنه ارتضاه على المذهب والله تعالى أعلم وفي مسائل الطهارة من البرزلي في أثناء كلامه على الاستنجاء بالخاتم الذي فيه ذكر الله، وكذا الخلاف

[ 442 ]
في استصحاب ما فيه ذكر الله والدخول به الخلاء والمجامعة، وكذا حمل الختمة على وجه الحرز لغير المتطهر فيه خلاف. فرع: قال ابن الحاجب في مختصره الا صلي: والاشبه جواز مس المحدث للمنسوخ لفظه يعني كآية الرجم وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ذكرها في الموطأ بدون قوله إذا زنيا، وكآية الرضاع. قال الرهوني في شرحه: والاشبه عند الآمدي المنع والحق الاول إذ لم يبق قرآنا متلوا وليس من المصحف، وتضمنه للحكم لا يوجب ذلك كالاخبار الالهية الواقعة في الاحاديث انتهى. وفهم من كلامه أنه لو قرأه في الصلاة بطلت وصرح بذلك الشافعية، وأما ما نسخ حكمه دون لفظه فله حكم ما لم ينسخ بإجماع وصرح بذلك ابن السبكي في شرح ابن الحاجب والله تعالى أعلم. والآمدي من الشافعية - قال ابن خلكان - كان حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وقال ابن السبكي: أصح الوجهين عند الشافعية جواز مسه للمحدث كما قال ابن الحاجب. فائدة: قال البرزلي: وسئل ابن زيادة رحمه الله تعالى عمن أوصى أن يجعل في أكفانه ختمة قرآن أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة، هل تنفذ وصيته أم لا ؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ويخرج أم لا ؟ فأجاب لا أرى تنفيذ وصيته، وتجل أسماء الله تعالى عن الصديد والنجاسة، فإن فات فأمر الادعية خفيف، والختمة يحب أن تنبش وتخرج إذ طمع في المنفعة بها وأمن من كشف جسد الميت ومضرته والاطلاع على عورته. قلت: وقعت هذه المسألة بتونس، فحكى شيخنا عن بعض أشياخه في الذي أوصى أن تجعل معه إجازته أنها تجعل بين أكفانه بعد الغسل وتخرج إذا أرادوا دفنه. وحكى عن غيره أنها تجعل عند رأسه فوق جسمه بحيث لا يخالطها شئ ويجعل بينهما من التراب بحيث لا يصل إليها شئ من رطوبات الميت. وفي بعض التواريخ أن أبا ذرأو غيره من فقهاء الاندلس أوصى

[ 443 ]
أن يدفن معه جزء ألفه من الاحاديث وأنه فعل ذلك به. وكذا أوصى آخر أن يدفن بخاتم فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) وفعل ذلك به، وهذا عندي قريب لان قصده التلقين والبركة وقد أجاز في رواية ابن القاسم الاستنجاء به. ص: (وتفسير) ش: قال في المسائل الملقوطة مسألة لا يكره مس التوراة والانجيل والزبور للمحدث لان النص إنما ورد في القرآن وما كان من غير لغة العربية لا يسمى قرآنا، بل لو كتب القرآن بالقلم الاعجمي جاز للمحدث مسه لانه ليس بقرآن بل تفسير للقرآن مع أن هذه بدلت فلا نعلم أنها هي أو غيرها انتهى. ونقله التلمساني في شرح الجلاب والله تعالى أعلم. ص: (وجزء لمتعلم وإن بلغ) ش: ظاهره أن الصغير لا يمص المصحف الكامل وهو قول ابن المسيب. وقال مالك في المختصر: أرجو أن يكون مس الصبيان للمصاحف للتعليم على غير وضوء جائز انتهى منه والله أعلم. وقال الشيخ أبو الحسن: لما تكلم في الحج الاول على مسألة المختلفين إلى مكة بالفواكه والطعام يقوم من مسألة الخطابين هذه، أن من كثر ترداده إلى المسجد لانه لا يلزمه التحية، ومثل من خرج إلى السوق لا يلزمه السلام على كل من لقي، ومثله مس المصحف للمتعلم على غير وضوء والناسخ انتهى. وذكر البرزلي عن عز الدين بن عبد السلام أنه سئل: هل للناسخ أن يكتب المصحف محدثا ؟ فأجاب بأنه ليس له أن يكتب إلا متطهرا. قال البرزلي: وأما ما ذكره

[ 444 ]
من ملازمة الطهارة فلا يبعد جريها على الخلاف في المعلم إن كان محتاجا إليها هل تجب طهارته أم لا ؟ انتهى. فصل يجب غسل طاهر الجسد بمنى لما انقضى الكلام على الطهارة الصغرى وهي الوضوء، شرع في الكلام على الطهارة الكبرى وهي الغسل. وتقدم أنه بالضم اسم للفعل. وبالفتح اسم للماء على الاشهر. وقيل: بالفتح فيهما، وقيل بالفتح اسم للفعل، وبالضم اسم للماء. وأما الغسل بالكسر فهو اسم لما يغتسل به من أشنان وسدر ونحوهما، والاشنان بضم الهمزة وكسرها. وقوله يجب غسل ظاهر الجسد يعني أن الواجب إنما هو تعميم ظاهر الجسد، وأما المضمضة والاستنشاق فليستا واجبتين وإنما هما سنتان، وكذلك مسح داخل الاذن وهو الصماخ، وهذا هو الواجب الاول من واجبات الغسل وهو تعميم ظاهر الجسد بالماء. ودخل في قوله ظاهر الجسد لمواضع التي تقدم التنبيه عليها في الوضوء والمواضع التي نبه عليها أصحابنا في باب الغسل. قال في الرسالة: ويتابع عمق سرته. قال الشيخ زروق: لا سيما إن كثرت تكاميشه أو ارتفعت دائرته لسمن أو نحوه، ثم إن شق جدا ولم يصل إليه بوجه سقط. ثم قال في الرسالة: وتحت حلقه وتحت جناحيه. قال الشيخ زروق: أي ما ستره الذقن لسمن ونحوه، وجناحيه أي إبطيه لانه كالسرة في الخفاء. واجتماع العضلات. ثم قال في الرسالة: ويخلل أصابع يديه. قال الشيخ زروق: في وضوئه إن قدمه وإلا ففي أثناء غسله وجوبا على المشهور. وقيل نبدأ كما في الوضوء. ثم قال في الرسالة: ويغسل رجليه آخر ذلك. قال الشيخ: كما يفعل في الوضوء ثم قال في الرسالة: ويغسل رجليه آخر ذلك فيعرك عقبيه وعرقوبيه وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة من جساوة أو شقوق، وفي تخليل أصابعها ما في الوضوء، وقد تقدم المشهور الندب انتهى. ونحوه في الطراز قال في باب حكم اليدين والرجلين بعد أن ذكر أنه لا يجب في الوضوء. فرع: إذا قلنا لا يجب تخليل الاصابع في الوضوء فهل يجب مثله في الجنابة ؟ اختلف فيه،

[ 445 ]
قال مالك: ما علمت ذلك ولا في الجنابة. وقال ابن حبيب فيمن ترك تدليك أصابع الرجلين في الجنابة لا يجزئه، والاول أظهر فإن فرض الغسل في هذا العضو في الجنابة مجانس لغسل الوضوء وكلاهما تعبدنا فيهما بتحصيل اسم الغسل، فما وجب في محل الغسل في أحدهما وجب في الآخر انتهى. ثم أخذ يتكلم على الاسباب الموجبة للغل ولا خلاف في وجوب الغسل عند حصول سببه. وإنما اختلف في حصر أسبابه فالسبب الاول هو خروج المني بسبب لذة معتادة، فقوله بمني هو على حذف مضافين وحذف صفة الموصوف أي بسبب خروج مني كائن للذة معتادة ويدل على هذه الصفة المحذوفة قوله لا بلا لذة أو غير معتادة. ص: (وإن بنوم) ش: يعني أنه يجب غسل ظاهر الجسد بسبب خروج المني للذة المعتادة ولو كان خروجه في حالة النوم فإن حصلت اللذة في النوم وخرج المني معها فلا خلاف في وجوب الغسل، وسواء في ذلك الرجل والمرأة. وإن حصلت اللذة المعتادة في النوم ثم استيقظ ولم يجد بللا فلا غسل عليه. وقد سئل عن ذلك النبي (ص) فقال: لا غسل عليه. رواه أبو داود والترمذي. وذكر الحديث في الذخيرة، وذكره ابن راشد. فإن خرج المني بعد ذلك ففي وجوب الغسل قولان، المشهور الوجوب. فإن وجد المني ولم يذكر أنه احتلم فنقل القرافي الاجماع على وجوب الغسل ونصه: وإجماع الامة على أن من استيقظ ووجد المني ولم ير احتلاما أن عليه الغسل. وقد قال صاحب المنتقى قال مجاهد: إذا لم يذكر شيئا فلا شئ عليه. وفي أبي داود والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل عن الرجل يجد البلل ولم يذكر احتلاما قال: عليه الغسل انتهى. وانظر هذا الذي نقله من الاجماع مع ما مر نقله ابن راشد في شرح ابن الحاجب ونصه: وإن وجد الاثر ولم يذكر أنه احتلم ففي وجوب الغسل قولان انتهى. ص: (أو بعد ذهاب لذة بلا جماع ولم يغتسل)

[ 446 ]
ش: يعني وكذلك يجب الغسل بسبب خروج المني إذا كان ذلك المني بسبب لذة معتادة بلا جماع ولو خرج بعد ذهابها وكان لم يغتسل لتلك اللذة، ولا مفهوم لقوله ولم يغتسل لما سيأتي أنه لو اغتسل لتلك اللذة ثم خرج المني بعد ذلك لم يجزه الغسل. المفهوم هنا غير معتبر لانه خرج لبيان أن الحكم في وجود اللذة مع عدم خروج المني لانه لا يجب الغسل. هذا أولى ما يعتذر به عن كلام المصنف وإن كان فيه بعد فغيره مما اعتذر به أشد تكلفا كما سيأتي، ولو قال المصنف أو بعد ذهاب لذة بلا جماع ولو اغتسل لكان أحسن وأبين، وما ذكره هو المشهور. وقيل: لا يجب الغسل لعدم المقارنة اللذة. تنبيهات: الاول: مما اعتذر به أن قوله أو بعد ذهاب لذة بلا جماع شامل لصورتين: إحداهما: أن لا يكون خرج مع اللذة المعتادة شئ من المني. والثاني: أن تكون خرج معها بعض مني ثم خرجت بقيته بعد ذهابها، فأما إذا لم يخرج من المني شي فلا يجب الغسل بسبب اللذة المذكورة قبل خروج المني كما سيأتي. فلو اغتسل قبل خروجه لم يجزه وأعاده بعد خروجه. وأما الصورة الثانية فيجب عليه الغسل بسبب ما خرج من المني أولا، فإن اغتسل له ثم خرج منه بقية المني لم يجب عليه إعادة الغسل على المشهور. فقول المصنف ولم يغتسل عائد إلى الصورة الثانية، وأما الصورة الاولى فلا يصح عوده إليها لانه لا فائدة فيه، بل مفهومه بالنسبة إليها غير صحيح لانه يقتضي أنه لو اغتسل ثم خرج منه المني لم يغتسل وليس كذلك، إن غسله الاول لا فائدة فيه لعدم وجوبه، ولذا يوجد في بعض النسخ أو به ولم يغتسل وهو إصلاح جتكلف. وقد قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ولو التذ ثم خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل فلا يعيد ما نصه: يظهر أن قوله وقد اغتسل لا فائدة له - والله تعالى أعلم - لانه إذا لم يغتسل فلا خلاف في وجوب الغسل انتهى. الثاني: قال الشارح في الكبير: قوله: أو بعد ذهاب لذة بلا جماع يشير به إلى أن الشخص إذا التذ بغير جماع ولم ينزل ثم أنزل فإنه يجب عليه الغسل بلا خلاف، قاله ابن عبد السلام، واحترز بقوله ولم يغتسل مما لو اغتسل قبل أن ينزل ثم أنزل فقيل: يجب عليه

[ 447 ]
الغسل مراعاة لخروج المني. وقيل: لا يجب مراعاة لوجود اللذة انتهى، ونحوه في الوسط. قلت: قوله يجب عليه الغسل بلا خلاف غير ظاهر بل الخلاف في ذلك موجود وهو ما ذكره في آخر كلامه. وما ذكره عن ابن عبد السلام لم أره فيه إنما قاله فيمن جامع كما تقدم في كلامه. وقال في الصغير: يعني لو التذ بغير جماع ولم ينزل ثم بعد ذلك وقبل أن يغتسل أمنى، فإنه يجب عليه الغسل انتهى. ولم يزد على هذا وهو كلام صحيح، وكلامه في الشامل حسن نحو كلام ابن الحاجب المتقدم وتفريق الشارح بين أن يخرج المني قبل أن يغتسل أو بعد أن يغتسل غير ظاهر، لان غسله قبل خروج المني لا فائدة له. الثالث: قال في العارضة: إذا انتقل المني ولم يظهر لم يوجب غسلا. وقال أحمد بن حنبل: يوجب لان الشهوة قد حصلت بانتقاله وهذا ضعيف، لانها وإن حصلت لم تكمل، ولانه حدث فلم تلزم الطهارة إلا بظهوره كسائر الاحداث انتهى. وقال الابي في شرح مسلم في شرح حديث ترى المرأة في المنام ولو اضطرب البدن لخروج المني ولم يخرج أو وصل لاصل الذكر أو وسطه فلا غسل، ولو وصل مني المرأة إلى المحل الذي تغسله في الاستنجاء وهو ما يظهر عند جلوسها عند قضاء الحاجة، اغتسلت، والبكر لا يلزمها حتى يبرز عنها لان داخل فرجها كداخل الاحليل انتهى. وجزم صاحب الطراز بوجوب الغسل فانظره. وفي أجوبة ابن رشد في أوائل مسائل الطهارة جوابك في رجل احتلم وهم أن ينزل فانتبه أو نبه فلم ينزل شيئا، فلما أن قام وتوضأ للصلاة أنزل، هل عليه غسل أم لا ؟ وكيف أن جامع فقطع عليه أو كسل فاغتسل، فلما كان بعد الغسل أنزل، هل عليه غسل أم لا ؟ فأجاب: أما الذي احتلم ولم ينزل حتى استيقظ وتوضأ فعليه الغسل، وأما الذي جامع ولم ينزل حتى اغتسل فليس عليه إلا الوضوء، وقد قيل إنه يعيد الغسل والاول أظهر انتهى. وهذا معنى قول المؤلف أو بعد ذهاب لذة بلا جماع. وذكر في الطراز قولا بعدم وجوب الغسل فيتحصل في كل مسألة قولان. والخلاف موجود سواء اغتسل قبل خروج المني أو لم يغتسل لان الخلاف إنما هو مبني على أنه هل يشترط في وجوب الغسل مقارنته لخروج المني أو لا يجب ذلك ؟ وقول المصنف بلا جماع احتراز مما إذا خرج المني بعد ذهاب اللذة بالجماع فإنه لا يجب بسبب خروج المني غسل إذا كان قد اغتسل للجماع كما سيصرح بذلك في قوله كمن جامع فاغتسل ثم أمنى. ص: (لا بلا لذة أو غير معتادة) ش: قالوا: كمن حك لجرب أو نزل في ماء حار أو ركض دابته، وظاهر كلامهم أنه لا غسل عليه ولو

[ 448 ]
أحس بمبادئ اللذة ثم استدام ذلك وقد قالوا في الحج: إن ذلك يفسده فانظره. ص: (ولا يعيد الصلاة) ش: يرجع إلى مسألة من جامع فاغتسل ثم أمنى وإلى مسألة من التذ بغير جماع ثم خرج منه المني بعد أن توضأ وصلى، فقد قال الباجي في المنتقى: أما إذا قلنا بوجوب الغسل ففي إعادة الصلاة روايتان ورجح عدم الاعادة قال: وقد احتج ابن المواز لذلك بأنه إنما صار جنبا بخروج المني قال: وهو أظهر بدليل أنه لو اغتسل قبل خروج الماء لم يجزه انتهى. ص: (ومغيب حشفة بالغ) ش: قال ابن شعبان: جاءت السنة بوجوب الغسل إذا التقى الختانان وذلك إذا غابت الحشفة وإن لم ينزلا جميعا إذا كانا بالغين مسلمين، كان ذلك في قبل أو دبر، نائمين أو مستيقظين، طائعين أو مكرهين، أو رجلين أو رجلا، ومن قعد عن المحيض من النساء، أو كان ذلك الفعل في ميتة أو فرج بهيمة، أو امرأة استعملت ذلك من ذكر بهيمة انتهى. ثم قال: والمرأتان يفعلان ما يفعل شرار النساء يغتسلان بالانزال لا بالفعل، ويؤدبان أدبا بليغا يبلغ مائة سوط وهو أدنى الحدين. وقد قيل مائة سوط غير سوط كي لا يبلغ بهما الحد فيما لم يأت فيه أثر مرفوع. وقد كان مالك يأمر بالادب

[ 449 ]
المجاوز للحد فيما لا يوجب الحد كي يتناهى عن موافقة حدود الله تعالى ويحبسان مع هذا إن كانتا بالغتين، وإن كانت إحداهما لم تبلغ زجرت باليسير من الادب. انتهى من كتاب الطهارة. فرع: منه: قال: ولو غابت حشفة العنين في فرج زوجته أوجب ذلك الغسل عليهما والصداق وإفساد الحج والصيام ولم يحصنها ولم يحلها. وقد اختلف فيه هو فقيل يتحصن بذلك، وقيل لا يتحصن، والصحيح أن يكون محصنا لانه متى غيب ذلك في فرج محرم عليه وجب عليه الحدو عليها، والاختيار فيها أن تكون محصنة ولا تحل، وإنما منع إحلالها لحديث العسيلة. فأما القياس فما لا يحل لا يحصن ولو قيس عليه الصداق وغيه لكان قياسا محتملا لولا كراهة الشذوذ عن المذهب انتهى. فرع: إذا أدخلت المرأة حشفة ميت في فرجها لم أر فيها نصا، والظاهر أنه لا غسل عليها لعدم اللذة في ذلك كما في ذكر الصغير، بل المشهور أنه لا غسل عليه في مغيب حشفة المراهق وهو مظنة اللذة فتأمله والله تعالى أعلم. وهذا ما لم تنزل فيجب عليها الغسل للانزال. وقوله بمغيب حشفة بالغ مفهومه أنه لو غاب بعض الحشفة لا غسل. وقال ابن ناجي على الرسالة: وهو ظاهر المدونة ونص غيرها كاللخمي، ونقل صاحب الحلل من غير اللخمي: إن غاب الثلثان منها وجب الغسل وإلا فلا. قلت: وما ذكره لا أعرفه انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي وابن العربي: بعض الحشفة لغو انتهى. وبعضها أعم من الثلثين. وقال الشيخ زروق في قوله ومغيب الحشفة يوجب الغسل. يغني إذا غابت كلها لا بعضها انتهى. وظاهر كلامه أيضا أن مغيب الحشفة موجب للغسل ولو كانت ملفوقة وهو كذلك. قال ابن ناجي: ومعناه إذا كان اللف رقيقا، وأما الكثيف فلا. ونص عليه ابن العربي وكان بعض من لقيناه يخرج فيه قولا بوجوب الغسل مطلقا من أحد القولين في لمس النساء من فوق حائل كثيف. قلت: ولا يتخرج فيه قول بنفي الغسل مطلقا من أحد الاقوال في مس الذكر لان الوطئ أخص في

[ 450 ]
استدعاء اللذة. وقال التادلي: اختلف في المسألة على ثلاثة أقوال. ثالثها إن كان الحائل رقيقا وجب وإلا فلا، وهو الاشبه بمذهبنا، وما ذكره لا أعرفه. وأراد بقوله وهو الاشبه بمذهبنا أي وهو الجاري على أصل المذهب والمشهور قياسا على مس الذكر والله تعالى أعلم انتهى. وقال ابن عرفة: قال ابن العربي ومغيب الحشفة ملفوفة، الاشبه إن كانت رقيقة أوجب انتهى. وما ذكره التادلي ذكره ابن العربي في عارضته عن شيخه الفهري. وقال الشيخ زروق في قوله ومغيب الحشفة يوجب الغسل وفي كونها بحائل ثلاثة كما تقدم في اللمس ومس الذكر. وفي النوادر عن ابن شعبان: وإن أدخلت امرأة العنين فرجه وجب الغسل، فظاهره لا يشترط الانتشار فانظر ذلك انتهى. ص: (في فرج) ش: قال ابن ناجي: قال أبو محمد صالح في قول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد أو بمغيب الحشفة في الفرج: يعني في محل الافتضاض، وأما في محل البول فلا أثر له. وأبعده التادلي قائلا قصاراه أن يكون كالدبر وهو يوجب الغسل. قلت: يريد في مشهور المذهب وحكى ابن راشد رواية عن مالك لا غسل في الوطئ في الدبر. انتهى من شرح المدونة ونحوه له في شرح الرسالة. فرع: قال في العارضة: إذا غيب ذكره في قبل خنثى مشكل فيحتمل أن يكون رجلا فيكون عضوا زائدا فلا يجب عليه الغسل، ويحتمل أن يكون امرأة فيجب عليه الغسل، فإذا ألغيت الشك أسقطت الغسل، وإن اعتبرته أوجبت الغسل بخلاف دبره فإنه إذا وطئ فيه وجب الغسل لانك إن قدرته رجلا أو امرأة فالوطئ في الدبر موجب للغسل انتهى. نقله ابن عرفة. ومن شرح المدونة: ولو وجدت امرأة إنسية من نفسها أنه يطؤها جني وتنال منه ما تنال من الانسي من اللذة فلا غسل عليها. صرح به أبو المعالي من الحنفية وبه أقول ولا أعرف فيها نصا في المذهب انتهى. وما قاله ظاهر ما لم تنزل فيجب عليها الغسل للانزال، والظاهر أن الرجل كذلك. ص: (وإن من بهيمة وميت) ش: قال الابي في شرح مسلم: ومغيبها سواء كان في فرج آدمي أو غيره، وذكرا أو أنثى، حي أو ميت أو مجنون أو نائم أو مكره، ولا يعاد غسل الميت. وقال بعض الشافعية: يعاد وهو ضعيف لعدم التكليف انتهى. وقال في العارضة: ولا يعاد غسل الميتة إن كانت قد غسلت قبل ذلك، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعضهم: يعاد والاول أصح لان التكليف ساقط عنها، وما تعبد به الحي من غسلها قد انقضى على وجهه انتهى. ص: (وندب لمراهق كصغيرة وطئها بالغ) ش: الصور العقلية أربع: الاولى: أن يكونا بالغين فلا إشكال في وجوب الغسل. الثاني: عكسه أن يكونا غير بالغين ولا فرق بين

[ 451 ]
الصغير والمراهق على المشهور. قال ابن بشير: مقتضى المذهب أن لا غسل، وقد يؤمران فيه على وجه الندب. الثالث: أن يكون الواطئ غير بالغ فلا غسل، إلا أن تنزل. الرابع: أن تكون الموطوءة غير بالغة وهي ممن تؤمر بالصلاة. قال ابن شاس: لا غسل عليها لانها إنما أمرت بالوضوء ليسره بخلاف الغسل كم أمرت بالصلاة دون الصوم. وقال أشهب: عليها الغسل. قال ابن الحاجب: وتؤمر الصغيرة على الاصح. قال في التوضيح: إذا وطئها الكبير بناء على أن الغسل طهارة كالوضوء فتؤمر به أولا لعدم تكرره كالصوم. والاصح قول أشهب وابن سحنون قالا: وإن صلت بغير غسل أعادت. قال سحنون: إنما تعيد بقرب ذلك لا أبدا. ومقابل الاصح في مختصر الوقار انتهى. وانظر كلام ابن عرفة فإنه يقتضي أنها تؤمر بالغسل وجوبا وتؤمر بالاعادة عند أشهب أبدا ما نصه: وفي كون غير البالغة مثلها أي مثل البالغة في وجوب الغسل قولا ابن سحنون مع الصقلي عن أشهب والوقار. وعلى الاول لو صلت دون غسل في إعادتها أبدا أو بالقرب قولا أشهب وسحنون انتهى. وقال في الطراز: وهل يؤمر الصبي بالغسل ؟ يخرج على الخلاف في الصبية يطؤها الرجل قال أشهب: إذا كانت تؤمر بالصلاة فإنها تغتسل، وإن صلت بلا غسل أعادت. وفي مختصر الوقار: لا تغتسل والاول أحسن. وقد تكون زوجة أو أمة فتؤخذ بذلك تمرينا. وقول سحنون فيما صلته بلا غسل تعيده فيما قرب ولا تعبد أبدا، أحسن وعليه يحمل قول أشهب، لان الصلاة لا تجب عليها وإنما أمرت بها تمرينا فالاعادة حسنة لانها إذا لم تؤمر بذلك تركت الغسل كل حين، ولا تعيد بعد الوقت لان هذا من سيمة الفرائض ولا فرض انتهى، وهو كلام حسن. فرع: قال الشبيبي في شرح الرسالة: فإن كانت الموطوءة صغيرة جدا فلا غسل على واحد منهما على خلاطلاق إلا أن ينزل انتهى. فرع: قال في العارضة: إذا جومعت بكر فحملت وجب عليها الغسل لان المرأة لا تحمل حتى تنزل. أفاد فيها شيخنا الامام الفهري انتهى. وعلى هذا فتعيد ما صلت من يوم جومعت إلى ظهور حملها والله تعالى أعلم. ونقله ابن عرفة. ص: (واستحسن , بغيره) ش: يعني أن

[ 452 ]
بعض الشيوخ استحسن القول بوجوب الغسل للنفاس ولو خرج الولد بلا دم، واستفيد منه أنه اختلف في وجوب الغسل إذا خرج الولد بغير دم، ويشير بقوله استحسن إلى قول ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب، فإن ولدت بغير دم فروايتان ما نصه الظاهر من الروايتين الوجوب حملا على الغالب انتهى. تنبيه: الروايتان اللتان ذكرهما ابن الحاجب، ذكرهما ابن بشير قولين، واعترض ابن عرفة عليهما في حكاية الرواية بنفي الغسل أو القول بنفيه ونصه: وسمع أشهب من ولدت دون دم اغتسلت. اللخمي: هذا استحسان لانه للدم لا للولد، ولو اغتسلت لخروجه لا للدم لم يجزها، ابن رشد: معنى سماع أشهب دون دم كثير إذ خروجه بلا دم ولا بعده محال عادة. ونقل ابن الحاجب نفيه رواية، وابن بشير قولا لا أعرفه انتهى. قلت: إن أراد نفي الوجوب فقد صرح به اللخمي في باب صفة غسل الجنابة ونصه: وإذا كانت الولادة ولم ترد ما لم يكن عليها غسل، واستحب مالك الغسل وقال: لا يأتي الغسل إلا بخير انتهى. وإن أراد نفي استحبابه فليس في كلام ابن الحاجب وابن بشير ما يقضتي نفي ذلك بل قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: وعلى القول بعدم الوجوب فيستحب لان الغسل لا يأتي إلا بخير انتهى. وكلام اللخمي الذي نقله ابن عرفة هو في باب النفاس ونصه: قال مالك في العتبية في التي تلد ولا ترى دما تغتسل أو في ذلك شك: لا يأتي الغسل إلا بخير. وهذا استحسان لان اغتسال النفساء لم يكن لاجل خروج الولد إنما يكون لاجل الطهر من الحيض، ولو نوت الاغتسال لخروج الولد دون الطهر من الحيض ما أجزأها طهرها انتهى. فكان ابن عرفة فهم من كلامه هذا أنه حمل كلام مالك على وجوب الغسل، وأن معنى قوله هذا استحسان أن القول بوجوب الغسل استحسان. والظاهر أن اللخمي إنما أراد بقوله هذا استحسان أن الامر بالغسل استحسان كما صرح بذلك في باب صفة غسل الجنابة فيتفق كلامه. فإن قلت: فعلى هذا فليس في كلام اللخمي إلا القول بعدم وجوب الغسل، فأين القول بوجوبه ؟ قلت: حكاه في التلقين ونقله عنه في الذخيرة فقال: السبب الخامس: إلقاء الولد جافا، قال القاضي: في التلقين بوجوب الغسل، ورواه أشهب وغيره عن مالك. وقال اللخمي: لا غسل عليها. ومعنى الاول أنه يجب عليها الغسل لخروج مائها، والولد مشتمل على مائها، لانه من خلق فيجب علها بخروجه ووجه الثاني أن ماءها قد استحال عن هيئته التي بها يجب الغسل فأشبه حالة السلس بل هذا أشد بعدا انتهى. قلت: ما ذكره في توجيه القول الاول بعيد جدا لانها قد اغتسلت لتلك الجنابة، سواء كان الولد عن إيلاج أو حملت وهي بكر كما تقدم إنه يجب الغسل على البكر إذا حملت لان الحمل لا يكون إلا عن إنزال كما تقدم في كلام ابن العربي فتأمله والله أعلم. قال ابن ناجي في شرح الرسالة. وكان بعض من أدركناه يحكي عمن يثق به أنه شاهد خروجه من زوجته بلا دم ألبتة ولم يعقبه دم بعده انتهى.

[ 453 ]
تنبيه: قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: لو خرج الولد جافا بغير دم فهل ينقض الوضوء أم لا ؟ قولان مبنيان على القولين في وجوب الغسل انتهى. ولعل صواب العبارة مفرعان على القول بنفي وجوب الغسل، وتقدم ذلك في نواقض الوضوء والله تعالى أعلم. ص: (لا باستحاضة وندب لانقطاعه) ش: يعني أن دم الاستحاضة إذا انقطع عن المرأة وبرأت من تلك العلة فلا يجب الغسل عليها لانقطاعه ولكنه يستحب، وهذا القول هو الذي رجع إليه مالك وكان يقول أولا، لا تغتسل، ثم رجع إلى استحباب الغسل. واختاره ابن القاسم قاله في المدونة. ونقل ابن عرفة عن الباجي واللخمي والمازري أنهم نقلوا عن مالك رواية بوجوب الغسل. لانقطاعه قال: وقول ابن عبد السلام استشكلوا ظاهر الرسالة بوجوبه إن كان لمخالفته المدونة فالمشهور قد لا يتقيد بها، وإن كان لعدم وجوبه فقصور انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: قوله: وانقطاع دم الاستحاضة توسع في العبارة ومراده أنه يستحب الغسل منه استنانا، وإنما خلطه بذكر الحيض لانه من بابه. قاله عبد الوهاب. قال: ولا خلاف في قول مالك: إن انقطاع دم الاستحاضة لا يوجب غسلا، واختلف هل ذلك من طريق الاستحسان أم لا ؟ ثم أطال في ذلك، ثم ذكر عن المتيوي أنه قال: لو قال قائل إن معنى قوله: أو استحاضة إذا لم تكن اغتسلت من الحيض عند دخولها في الاستحاضة كأنه حمله على الحقيقة فانظره والله أعلم. ص: (ويجب غسل كافر بعد الشهادة بما ذكر) ش: يعني أن الكافر إذا أسلم وتلفظ بالشهادة وجب عليه الغسل إذا تقدم له سبب يقتضي وجوب الغسل من جماع أو إنزال أو حيض أو نفاس للمرأة، فإن لم يتقدم له شئ من ذلك لم يجب عليه الغسل. وهذا هو المشهور، وقيل: يجب وإن لم يتقدم له سبب لانه تعبد. نقله ابن بشير وغيره وقبله ابن عرفة. وقال القاضي إسماعيل: الغسل مستحب وإن كان جنبا لان الاسلام يجب ما قبله. وألزمه اللخمي أن يقول بسقوط الوضوء لان الاسلام إن كان يجب ما قبله من حدث في حال الكفر يجب فيهما وإلا فلا. تنبيهات: الاول: هكذا حكى ابن الحاجب الاقوال الثلاثة، وقال في التوضيح: فيه نظر

[ 454 ]
لان كلامه يقتضي أن القائلين بالوجوب اختلفوا، فمنهم من قال للجنابة، ومنهم من قال إنه تعبد وإن قول القاضي إسماعيل ثالث، وكلام المازري وابن شاس وابن عطاء الله يقتضي أن من قال بالتعبد قال بالاستحباب، لكن المصنف مع ابن بشير فإنه قال: ثم اختلف القائلون بالوجوب هل ذلك للاسلام أو لان الكافر جنب انتهى. قلت: بل القول بالوجوب للاسلام جعله الفاكهاني هو المشهور في المذهب ونصه. الاغتسالات الواجبة خمسة وهي: للجنابة والحيض والنفاس والتقاء الختانين وإسلام الكافر على المشهور في هذا الاخير انتهى هكذا. قال في أول باب ما يجب منه الوضوء والغسل، وفي باب جمل من الفرائض في شرح قول الرسالة: والغسل على من أسلم فريضة لانه جنب. ثم زاد فيه وقال: وقد تعقب ابن الفخار على الشيخ قوله لانه جنب فقال: ليس كل من أسلم جنبا انتهى. الثاني: قال اللخمي: لو اغتسل للاسلام ولم ينو جنابة وإنما يقصد التنظف وزوال الاوساخ لم يجزه من غسل الجنابة انتهى. وانظره مع قول ابن رشد في سماع موسى بن معاوية إذا اغتسل نوى الجنابة فإن لم ينو الجنابة ونوى به الاسلام أجزأه لانه أراد الطهر من كل ما كان فيه انتهى. ونحوه في الطراز ونصه: وينوي بغسله الجنابة عند ابن القاسم، فإن اعتقد به الاسلام ولم تخطر الجنابة بقلبه أجزأه عنده وهو ظاهر قوله: إن اغتسل للاسلام أجزأه. وقد نص على ذلك في العتبية وقال: وإن تيمم أو اغتسل للاسلام ولم ينو الجنابة أجزأه لانه أراد بذلك الطهر انتهى. الثالث: لو كان الكافر يعتقد دينا يرى الغسل من الجنابة فاغتسل من جنابته في حال كفره ثم أسلم فقال صاحب الطراز: الظاهر أنه لا يجزئه. وزعم بعض الشافعية أنه يجزئه تخريجا على صحة غسل الذمية من الحيض فإنها إذا أسلمت بقي زوجها على استباحة الوطئ بذلك الغسل قال: وهذا فاسد لان غسل الذمية وقع صحيحا حال الكفر في حق الآدمي ولم يقع عبادة، وصحة الغسل في حق الله تعالى لا تكون إلا بوقوع الغسل منها عبادة وقربة، والكفر لا يصح معه قربة بوجه انتهى. فعلم منه أن الذمية إذا أسلمت يجوز لزوجها وطؤها قبل أن تغتسل وسيأتي ذلك في فصل الحيض والله تعالى أعلم. الرابع: قال في الطراز: ويؤمر من أسلم بأن يختتن وأن يحلق رأسه إن كان شعر رأسه على غير زي العرب كالقزعة وشبهها. واستحب مالك أن يحلق على عموم الاحوال. وفي سنن أبي داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه قال (ص): قد أسلمت. فقال له: ألق شعر الكفر وإنه قال للآخر: ألق عنك شعر الكفر واختتن. وقوله: شعر الكفر أي الشعر

[ 455 ]
الذي هو من زي أهل الكفر. وقد كانت العرب تدخل في دين الله أفواجا ولم يروا في ذلك أنهم كانوا يحلقون انتهى. وانظر قوله: واستحب مالك لعله واستحب الشافعي فإن القرافي نقله في الذخيرة بلفظ: واستحب الشافعي مطلقا وآخر كلام صاحب الطراز يدل على ذلك والله أعلم. ص: (لا الاسلام إلا لعجز) ش: ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى في أول القسم الثاني من كتاب الشفاء أن من صدق بقلبه ثم احترمته المنية قبل ات ساع وقت الشهادة بلسانه قولين قال: والصحيح أنه مؤمن مستوجب للجنة. وذكر فيمن صدق بقلبه وطالت مهلته وعلم ما يلزمه من النطق بالشهادة ولم ينطق بها ولا مرة في عمره قولين أيضا قال: والصحيح أنه ليس بمؤمن انتهى مختصرا. وإذا جمعت المسألتين حصل فيهما ثلاثة أقوال: الاجزاء فيهما وعدمه، وثالثها على الصحيح الاجزاء في الاولى دون الثانية، ونحوه في القباب والتونسي. ص: (وإن شك أمذى أم أمنى اغتسل وأعاد من آخر نومة كتحققه) ش: قوله: أمذى لا خصوصية للمذي بل إذا شك هل هو مني أم لا قال في العارضة: من رأى لي ثوبه بللا فلا يخلو أن ينام فيه أم لا، فإن لم ينم فيه فلا شئ عليه، وإن نام فيه فلا يخلو أن يتيقن أنه احتلام أم شك، فإن شك وجب عليه الغسل أو استبب على القول بإلغاء الشك أو استعماله، وإن تيقن أنه احتلم وجب الغسل بلا خلاف، وإن لم يتذكر فقد اختلف فيه العلماء والصحيح وجوب الغسل إذا لم يلبسه غيره، وأما إذا لبسه هو وغيره ممن يحتلم فلا يجب عليه الغسل ولكنه يستحب لجواز أن يكون هو المحتلم انتهى. فرع: قال في الذخيرة في أول باب الغسل: أسبابه سبع: التقاء الختانين، وإنزال الماء الدافق من الرجل والمرأة، والشك في أحدهما ما لم يستنكح ذلك، وتجديد الاسلام بعد البلوغ، الولادة وإن كان الولد جافا، وانقطاع دم الحيض وانقطاع دم النفاس، والموت في غير الشهداء. ثم قال بعد ذلك: السبب الثالث في الجواهر الشك في تحقق التقاء الختانين والانزال بأن وجه بللا وهو لا يدري أهو مذي أو مني وأيقن أنه ليس بعرق. قال مالك: لا أدري ماهذا. قال ابن نافع: يغتسل. وقال ابن زياد: لا يلزمه إلا الوضوء مع غسل الذكر. وقال ابن سابق: هذا ينبني على أصل مالك في تيقن الطهارة والشك في الحدث انتهى. فرع في موجبات الغسل ص: (وواجبه نية) ش: قال

[ 456 ]
الشيخ زروق في شرح الرسالة: وينوي الطهارة عند أول واجبه كالوضوء. ص: (وموالاة كالوضوء): من ذلك مسألة المدونة وهي من غسل جسده ولا يغسل رأسه لخوف امرأته ثم يدع جسده حتى يجف ثم يأتي امرأته فيغسل رأسه، أنه يبتدئ الغسل. قال سند: فلو بدأ غسله بهذه النية ثم بدا له فكمل غسله، فالظاهر من قول العراقيين أنه لا يجزئه لتبعيض النية انتهى. ص: (وتخليل شعر) ش: أطلق فيه ليعم كل شعر. قال ابن الحاجب: والاشهر وجوب تخليل اللحية والرأس وغيرها. قال ابن فرحون: ومراده بغيرهما شعر الحاجبين والهدب والشارب والابط والعانة إن كان فيهما شعر انتهى. ص: (ودلك) ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة المشهور: أن الماء لا يكفي وحده في شئ من المغسول حيث الامكان والقرب، فإن بعد استأنف الطهارة، وإن صلى أعاد أبدا انتهى. وكأنه يعني إذا ترك الدلك ثم قال: وليحذر من أمور: أحدها التدلك بالحائط لان ذلك يضر بأهلها وربما كانت بها نجاسة أو بعض المؤذيات إلا ما يكون معدا لذلك، وحائط الحمام خصوصا قال تورث البرص. وتمكين الدلاك مما تحت الازار، وتمكين من لا يرضى حاله من دلك بدنه لا سيما إن كان ناعما، ويتقي الوسوسة جهده ويستعين عليها بالنظر لاختلاف العلماء إن كان مبتلى بها، وكذلك كان يقول شيخنا أبو عبد الله القوري مرارا. وقوله: حتى يوعب جميع جسده يعني بحيث يتحقق دلكه، ولا يكفي غلبة الظن لان الذمة عامرة لا تبرأ إلا بيقين، وهذا ما لم يكن مستنكحا يكفيه ما غلب على ظنه والله تعالى أعلم انتهى. ص:

[ 457 ]
(أو استنابة) ش: هذا إذا كان ضرورة. قال الشيخ يوسف ابن عمر: فإن وكل لغير لضرورة فقيل يجزئه، وقيل لا يجزئه، والمشهور أنه فعل حراما ويجزئه انتهى. وفي نظم ابن رشد: ولا يصح الدلك بالتوكيل. إلا لذي آفة أو عليل والله تعالى أعلم. فرع: لا يلزم الرجل أن يدلك لزوجته ما لا تصل إليه من جسدها ولا يلزمها ذلك بل يستحب لها ذلك، وكذلك لو لم تصل لغسل فرجها للسمن الذي بها لا يلزمه أن يغسل لها بل يستحب، فإن لم يفعل تصلي بالنجاسة ولا تمكن أحدا من فعله وهي عاصية إن تسببت للسمن، غير عاصية إن لم تتسبب فيه، وكذلك الرجل لا يجب على امرأته غسل عورته إذا لم يصل لها بل يستحب، فإن لم تفعل تعين عليه أن يشتري جارية إن قدر، فإن لم يقدر صلى بالنجاسة ولا يمكن أحدا من غسله، وهو في العصيان وعدمه كالمرأة، إلا أن التسبب منه أقبح، انتهى بالمعنى من المدخل والله أعلم. ص: (وإن تعذر سقط) ش: قال الشيخ زروق: وإن كان مما لا يصل إليه بوجه سقط، وليكثر من صب الماء في محله، وكذلك نص عليه غير واحد انتهى. فرع في سنن الغسل ص: (وسننه غسل يديه أولا وصماخ أذنيه) ش: لما فرغ من واجبات الغسل شرع في ذكر سننه وذكر منها أربعا وبقي عليه سنة خامسة وهي الاستنثار، وكأنه تركها اكتفاء بذكر الاستنشاق، ولكن قد تقدم في الوضوء إن كلا منهما سنة مستقلة وهذا هو الظاهر والله أعلم. السنة الاولى: غسل يديه أولا أي قبل إدخالهما في الاناء والكلام فيها كالكلام في الوضوء وقد تقدم مستوعبا. السنة الثانية: مسح الصماخين. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولا تجب المضمضة والاستنشاق ولا باطن الاذنين أي الصماخ ومسحه سنة انتهى. وجعله ابن عرفة مستحبا فقال: وباطن الاذنين الصماخ يستحب مسحه وظاهرهما كالجسد انتهى. وقد يتبادر من عبارة المصنف أن غسل الصماخين سنة وليس هذا مرادا لان ذلك يضر. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويغسل إشراف أذنيه وجوبا وصماخيهما سنة ولا يصب الماء فيهما صبا بل يكفئهما على كفه مملوءة ماء

[ 458 ]
ويدير أصبعه إثر ذلك أو معه إن أمكن انتهى. فتبع ظاهر عبارة المصنف في التعبير غسل الصماخين وليس ذلك المراد، وتبع المصنف على ظاهر عبارته جمع كثير. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويراعى في غسل باطن الاذنين أيضا الماء إلى التجعد والتكسر بحمل الماء في اليد إلى الاذن ووضعها في الماء ثم يدلكها، انظر كلام ابن جماعة التونسي انتهى. قلت: وسيأتي كلام ابن جماعة عند قول المصنف: ثم بأعلاه وميامنه. ص: (ومضمضة واستنشاق) ش: يعني أن المضمضة والاستنشاق سنتان في الغسل كما أنهما سنتان في الوضوء. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله وضوء الصلاة: ظاهره أنه يمسح رأسه وأذنيه وتقدم، ويثلث مغسوله ويمضمض ويستنشق. وأما المضمضة والاستنشاق فسنة كالوضوء ومثلهما باطن الاذنين يعني الصماخين، وكذا غسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء. وأما تكرار المغسول فقال خليل: حكى عياض عن بعض شيوخه: ولا فضيلة في تكراره لانه من الغسل انتهى. خليل: أما مسح الرأس فإن قدم غسل رجليه فعله ابن الحاجب، وعلى تأخيرهما ففي ترك المسح روايتان، وجه الترك أنه لا فائدة للمسح لانه يغسله حينئذ، ووجه مقابله أن الافضل تقديم أعضاء الوضوء وخرجت الرجلان بدليل: فيبقى ما عداهما على الاصل انتهى. ولم أقف على شئ في مسح الاذنين إلا أنهما تبع الرأس انتهى. فأما مسح الصماخين فسنة والله تعالى أعلم. فرع في مندوبات الغسل ص: (وندب بدء بإزالة الاذى) ش: قال في التوضيح: ليقع الغسل على أعضاء طاهرة انتهى. واعلم أن الوجه الاكمل أن يغسل مواضع الاذى ثم يغسل تلك المواضع بنية الغسل من الجنابة. قال اللخمي في تبصرته: ويبدأ الجنب بغسل مواضع الاذى ثم يغسل تلك المواضع بنية الغسل من الجنابة، وإن نوى ذلك في حين إزالة النجاسة وغسل غسلا واحدا أجزأه انتهى. وقال الجزولي: هذا هو الغسل المتفق عليه ثم قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم: ومقتضى كلامه - يعني ابن الحاجب - أنه لو غسل غسلة واحدة ينوي بذلك رفع الحدث وزالت مع ذلك النجاسة أجزأه، ونحوه للخمي وابن عبد السلام وغيرهما خلاف. ما يعطيه كلام ابن الحاجب من وجوب الازالة أولا كما يفهمه غير واحد من كلامه، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: كلام ابن الحاجب حق ولا يمكن أن يخالف فيه إذ لا بد من انفصال الماء عن العضو مطلقا، ولو انفصل متغيرا بالنجاسة لم يمكن القول بحصول الطهارة لهذا المتطهر، وعلى هذا فلا بد من إزالة النجاسة قبل طهارة الحدث انتهى.

[ 459 ]
قلت: ما ذكره عن شيخه رحمه الله ظاهر إلا قوله: فلا بد من إزالة النجاسة قبل طهارة الحدث ففيه نظر لجواز حصولهما معا، وفي الجزولي الكبير: واختلف إذا غسل مواضع الاذى بنية الجنابة وزوال النجاسة غسلا واحدا، فالمشهور أنه يجزئه ولو شرك بينهما المازري. وقيل: لا يجزئ انتهى. وفي الطراز في باب غسل الجنابة. فرع: فإن كان على ذكره نجاسة فغسله بنية الجنابة أجزأه. وفي تهذيب عبد الحق حكاية عن غيره أنه لا يجزئه غسل النجاسة أو غيره من الحوائل عن غسل الجنابة وإن نواه حتى يغسل المحل بنية غسل الجنابة من الجنابة فقط. والاول أظهر لانه إذا أوصل الماء إلى بشرته بنية الجنابة أو الحدث فقد وفي بما أمر به من حقيقة الغسل، وإن بقي حائل فلا يجزئه حتى يزول، ولا أثر للنية في شئ من ذلك وإنما المراعى حقيقة غسل البشرة من الجنابة انتهى. ونقله القرافي قال الابي في شرح مسلم في كتاب الطهارة في شرح حديث ميمونة: في الغسل من الجنابة المشهور أن طهارة الحدث ليس من شرطها أن ترد على الاعضاء وهي طاهرة. وقال في الجلاب: شرطها ذلك. ص: (ثم بأعضاء وضوئه كاملة مرة) ش: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: والاكمل أن يغسل يديه ثم يزيل الاذى ثم يغسل ذكره ثم يتوضأ. قوله: ثم يتوضأ أي بنية رفع الجنابة عن تلك الاعضاء، ولو نوى الفضيلة وجبت عليه إعادة غسلها انتهى. قوله: أي بنية رفع الجنابة يريد أو رفع الحدث الاصغر. قالها بن عرفة عن اللخمي ونصه: ثم يتوضأ اللخمي وينوي الجنابة وإن نوى الوضوء أجزأه انتهى. وفي الجزولي الكبير في قول الرسالة: ثم يتوضأ وضوء الصلاة يؤخذ منه أنه ينوي رفع الحدث الاصغر ويجزئه وهو إنما ينوي رفع الجنابة، فإن نوى به رفع الحدث الاصغر تجزئه وفيه خلاف. المازري: وقيل لا يجزئه. وهذا يؤخذ من قول الشيخ فيما يأتي: وغسل الوضوء عن غسل محله ولو ناسيا لجنابته. وما اقتصر عليه اللخمي وابن عرفة جعله الافقهسي خلاف المشهور ونصه في قول الرسالة: ثم يتوضأ وضوء الصلاة ولو نوى بهذا الوضوء رفع الحدث الاصغر فالمشهور المعروف من المذهب عدم الاجزاء، لان الاكبر لا يندرج تحت الاصغر، ولان الطهارة الصغرى ساقطة عنه والحدث في الكبرى ثابت عليه، والساقط لا يجزئ عن الثابت، وقيل: يجزئ لانه فرض ناب عن فرض. نقله في التبصرة: ولو توضأ للحدث الاصغر ناسيا لجنابته ثم تذكر الجنابة لاجزأه غسل تلك الاعضاء عن غسل الجنابة فيكمل عليه بقية الغسل، والقياس عدم الاجزاء

[ 460 ]
وإن كان ناسيا انتهى. وكأنه غره كلام التوضيح، وينبغي أن يفصل في ذلك، فمن نوى الحدث الاصغر ذاكرا أنه محدث الحدث الاكبر إما أن يكون معتقدا أن نية الاصغر تجزئ عن الاكبر فهذا ينبغي أن يجزئه، وأما أن يكون نوى رفع الاصغر فقط لا رفع الاكبر فهذه نية متدافعة فلا يجزئه فليتأمل والله أعلم. فرع: قال سند في أول كتاب الحج الاول: من نسي أن يتوضأ قبل غسل الجنابة توضأ بعده انتهى محررا من بابه. تنبيه: قوله: كاملة يعني فيقدم غسل رجليه ولا يؤخره وهذا هو المشهور. وقال في الرسالة: فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى أخر غسله ثم يغسل رجليه آخر ذلك، يجمع ذلك فيهما التمام وضوئه وغسله، وإن كان آخر غسلهما. قال الشيخ زروق قال بعض الشيوخ: لا يؤخر غسل رجليه في غسل الجمعة لان الوضوء واجب والغسل تابع مندوب فيكون فاصلا وفيه بحث فتأمله انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في قوله: فإن شج ء غسل رجليه فخير أبو محمد في غسل الرجلين، واستحب الباجي تأخير غسلهما ليأتي بالغسل بين أعضاء الوضوء، وهذا التعارض الحديثين لانه أتى حديث ميمونة بتفريق غسل رجليه، وأتى حديث عائشة بكماله أولا، ولم يدر المتأخر منهما من المتقدم، فاختار ابن القاسم التفريق على حديث ميمونة، واختار ابن حبيب وابن المواز تمامه أولا إلا أنهما اختلفا إذا فرق غسل رجليه عن وضوئه فقال ابن حبيب يجزئه، وقال ابن المواز لا يجزئه، وقيل إن اغتسل في موضع طين فتأخيرهما أولى، وإن اغتسل في موضع نقي فتقديمهما أولى. وقوله: وإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما يريد في الغسل الواجب، وأما في الغسل المستحب فلا يجوز لان ذلك يخل بالفور انتهى. ص: (وأعلاه وميامنه) ش: اعلم أن ظواهر نصوصهم تقتضي أن الاعلى بميامنه ومياسره مقدم على الاسفل بميامنه ومياسره، وميامن كل من الاعلى والاسفل مقدم على مياسر كل، بل صريح عبارة ابن جماعة في فرض العين في صفة الغسل ونصه: وأما صفة الكمال فهو أن يجلس في موضع طاهر ثم يغسل يديه ثم يزيل الاذى إن كان عليه، ثم ينوي رفع حدث الجنابة ثم يغسل السبيلين وما والاهما، ثم يتوضأ وينوي بوضوئه رفع الحدث الاكبر، فإذا أكمل وضوئه غمس يديه في الماء وخلل بهما شعر رأسه ثم يغرف عليه ثلاث غرفات حتى يوعب غسله، ثم يضغثه بيديه، ثم ينقل الماء إلى أذنيه يغسل ظاهرهما وباطنهما، ثم ما تحت ذقنه وعنقه وعضديه، ثم ما تحت إبطيه ويخلل عمق سرته بأصبعه، ثم يفرغ الماء على ظهره ويجمع يديه خلفه في التدلك، ثم يغسل الجانب الايمن ثم الايسر ثم ما تحت الركبتين

[ 461 ]
ثم الساق اليمنى ثم الساق اليسرى ثم يغسل رجليه، وإن استعان بإناء له أنبوب يفرغ على جسده به فهو أبعد من السرف انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ويقدم أعاليه ويختم بصدره وبطنه. قاله الغزالي ونقله ابن ناجي وهذا كله استحباب انتهى. وقال في شرح الارشاد: وذكر بعضهم تأخير صدره عن ظهره انتهى. ص: (وتثليث رأسه) ش: قال في الرسالة: ثم يغمس يديه في الاناء. قال الشيخ زروق إثر وضوئه: وما قدم من أعضائه أو يفرغ. عليهما الماء ويرفعهما من الاناء أو غيره غير قابض بهما شيئا من الماء فيخلل بهما أصول شعره ليأنس ببرد الماء فلا يتضرر ويقف الشعر فيدخل الماء عند الغسل لاصوله، وسواء كانت عليه وفرة أم لا. قال الشيخ أبوعمران الجورائي: ويبدأ في ذلك من مؤخر الجمجمة لانه يمنع من الزكام والنزلة وهو صحيح مجرب، ثم يغرف بهما على رأسه ثلاث غرفات إثر تخليله والتثليث مستحب. ابن حبيب: لا أحب أن ينقص من الثلاث ولو عم بواحدة زاد الثانية والثالثة إذ كذلك فعل عليه الصلاة والسلام، ولو اجتزأ بالواحدة أجزأته، وإن لم تكف الثلاث زاد إلى الكفاية والله أعلم. عياض: يفرق الثلاث على الرأس فلكل جانب واحدة والثالثة للوسط. وقيل: الكل للكل وكل جائز اه‍. قال ابن ناجي: أعلم أن للجخليل فائدتين: فقهية وطبية وهما: شرعة إيصال الماء للبشرة ولتأنس رأسه بالماء فلا يتأذى لانقباضه على المسام انتهى. ص: (وقلة الماء بلا حد) ش: هذا مكرر مع قوله في فضائل الوضوء: وقلة الماء بلا حد كالغسل والله تعالى أعلم. وفي البرزلي في مسائل الطهارة: ومما رويناه عن النووي الاجماع على أنه لا يجوز السرف في الطهارة ولو كان على ضفة النهر وهو معنى ما في الرسالة: والسرف منه غلو وبدعة وكل هذا في حق غير ذي الوسواس، وأما الموسوس فهو شبيه بمن لا عقل له فيغتفر في حقه للابتلاء به انتهى. ص: (ووضوئه النوم) ش: سواء كان ليلا أو نهارا قاله في المدونة ونصها: لا ينام الجنب في ليل أو نهار حتى يتوضأ جميع وضوئه وليس ذلك على الحائض انتهى. وقال أيضا في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم: وقال الشيخ زروق: قال ابن عرفة: وضوء الجنب لنومه - وسمع ابن القاسم - ولو نهارا. وقال في العارضة: قال أبو

[ 462 ]
يوسف: يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ. وقال مالك والشافعي: لا يجوز أن ينام حتى يتوضأ. قال مالك: فإن فعل فليستغفر الله رواه عنه في المجموعة. وقال بعض أشياخنا: لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه. وقال ابن حبيب: ذلك واجب وجوب الفرائض لحديث عمر. والظاهر ذلك والله تعالى أعلم انتهى. وقال الابي في كتاب الذكر: قوله: إذا أخذت مضجعك أي إذا أردت أن تنام فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن. قال عياض: تضمن ثلاث سنن الوضوء للنوم ليموت على طهارة. واختلف عندنا وعند غيرنا، وهل يستبيح بهذا الوضوء الصلاة ؟ والصحيح أنه إن نوى به ليبيت على طهارة استباح به الصلاة وغيرها قال للاثر. قلت: وهذا الوضوء ينقضه ولحدث الواقع قبل الاضطجاع لا الواقع بعده، والسنة الثانية ذكر الله عند النوم والنوم على الشق الايمن انتهى. تحرر كلام القاضي عياض من الاكمال. ص: (لا تيمم) ش: هذا هو المشهور ومقابله يتيمم إن لم يجد الماء، وعليه قال ابن فرحون في شرحه: تنبيه: وفي هذه المسألة لا يتيمم على الحجر بل على التراب، وقد ذكر ذلك أبو عبد الملك مروان بن علي البوني في شرح الموطأ قال: فإن عجز الجنب عن الوضوء فليتيمم ولا يتيمم إلا من جدار تراب يعلق ترابه بالكفين، فأما الجدار يكون حجرا فلا يتيمم به كذلك فسر لي أصبغ بن الفرح، وأخبرني عيسى عن ابن القاسم بنحو هذا ا لتفسير انتهى. ولعل ذلك لانه عليه الصلاة والسلام تيمم على الحائط فكان رخصة لا يتعدى بها محلها، والرخص لا يقاس عليها والله أعلم. وعلى القول بأن الوضوء للنشاط إذا كان معه من الماء ما لا يكفيه للغسل لم يتوضأ. انتهى كلام ابن فرحون. ص: (ولم يبطل إلا بجماع) ش: قال في العارضة: وإذا أحدث بعد هذا الوضوء لم ينتقض ولا ينقضه إلا معاودة الجماع، لانه لم يشرع لرفع حدث فينقضه الحدث وإنما شرع عبادة فلا ينقضه إلا ما أوجبه انتهى. وهذا بخلاف الوضوء للنوم لغير الجنب. قال سيدي يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: ويجب الوضوء من الملامسة وإن نام الرجل على طهارة وضاجع زوجته وباشرها بجسده فلا ينتقض وضوؤه إلا إذا قصد بذلك اللذة انتهى. ص: (وتمنع الجنابة موانع الاصغر والقراءة إلا كآية للتعوذ ونحوه) ش: يعني أن الجنابة تمنع الموانع التي تقدم أن الحدث الاصعر يمنع منها، ويزيد بمنع قراءة القرآن ظاهرا على المشهور إلا كالآية. قال في

[ 463 ]
التوضيح: أي الآيتان والثلاث. وقوله: للتعوذ ونحوه قال في التوضيح: يعني أنه لا يباح ذلك على معنى القراءة بل على معنى التعوذ والرقى والاستدلال، ونحوه للمشقة في المنع على الاطلاق انتهى. وقال في الذخيرة: قال في الطراز: ولا يعد قارئا ولا له ثواب القراءة ثم قال: تنبيه حمل القرآن على قسمين: أحدهما ما لا يذكر إلا قرآنا كقوله: * (كذبت قوم لوط) * (القمر: 33) فيحرم على الجنب قراءته لانه صريح في القراءة لا تعوذ فيه. وثانيهما ما هو فتعوذ كالمعوذتين تجز قراءتهما للضرورة ودفع مفسدة المتعوذ منه انتهى. وظاهره أنه المعوذتان جميعا فتأمله. فرع: ولا بأس للجنب أن يكتب صحيفة فيها البسملة وشئ من القرآن والمواعظ انتهى. فرع: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب في كتاب الصلاة: ولا يجوز إسرار من غير حركة لسان لانه إذا لم يحرك لسانه لم يقرأ وإنما فكر، وانظر هل يجوز للجنب ذلك ؟ انتهى. قلت: نقل البرزلي ففي مسائل الايمان عن أبي عمران الاجماع على أن القراءة بالقلب لا يحنث بها، ووقع الاجماع على أن للجنب أن يقرأ ولا يحرك لسانه انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: والقراءة التي تسر في الصلاة كلها هي بتحريك اللسان، فمن قرأ في قلبه فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه انتهى. ص: (ودخول مسجد) ش: قال الشيح زروق في شرح الارشاد قال في الذخيرة: ولا فرق في هذا بين مسجد بيت الانسان وغيره

[ 464 ]
كما قاله مالك في الواضحة. وفي الطراز: لا فرق بين المسجد المحبس والمستأجر إن كان يرجع بعد انقراض الاجارة حانوتا انتهى. فرع: قال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع مسألة قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يفرش له على ظهر المسجد في الصيف فيبيت فيه ولا تأتيه امرأة ولا تقربه وكان فقيها. قال محمد بن رشد: لا خلاف أن لظهر المسجد من الحرمة ما للمسجد الخ فانظره. ص: (وللمنى تدفق ورائحة طلع أو عجين) ش: قال الفاكهاني: خواص المني ثلاثة: الاولى: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، الثانية: الرائحة كرائحة الطلع قريبة من رائحة العجين. الثالثة: الخروج بتدفق. فكل واحد من هذه الثلاث إذا انفردت اقتضت كونه منيا وإن فقدت كلها فليس بمني. ص: (وغسل الوضوء عن غسل محله) ش: قال في المسح

[ 465 ]
على الجبائر من المدونة: وإن لم يغسل الخ. ابن ناجي: يقوم من هذا، إن من نوى بوضوء غسله رفع الحدث الاصغر وغسل بقية جسده بنية الحدث الاكبر أنه يجزئه وهو كذلك، نص عليه اللخمي وبه الفتوى انتهى. فصل في المسح على الخف ص: (فصل رخص لرجل وامرأة) ش: إنما ذكر المرأة لئلا يتوهم قصر الحكم على الرجل لكونه هو الذي يضطر غالبا إلى الاسباب المقتضية لذلك وتوطئة لذكر المستحاضة. ص: (وإن مستحاضة) ش: قال في المدونة: وتمسح المستحاضة على خفها، وخصها بالذكر لينبه على أن المذهب أنها كغيرها في المسح خلافا لمن يقول من الحنفية أنها إذا لبست بعد تطهرها وقبل أن يسيل منها شئ مسحت كما يمسح غيرها، وإن لبسته والدم سائل مسحت ما دام الوقت باقيا على قول، أو يوم وليلة على قول، حكاه صاحب الطراز. قال: والمذهب أنها سواء لبسته بعد طهرها قبل أن يسيل منها شئ، أو بعد أن سال، لان ما سال لا يؤثر في نقض الطهارة إلا أنا إذا استحببنا أن تطهر لكل صلاة لمكان ما يسيل من الدم استحببنا أن يكون لبسها للخف عقيب غسلها من الحيض أو وضوئها قبل أن يسيل منها شئ لانها إذا سال منها شئ ثم لبست خفها واستحببنا لها أن تتوضأ لمكان ما خرج منها، وكان لذلك الخارج حكم الحدث في باب الاستنجاء لانها تتوضأ من خارج تقدم على لبس الخف انتهى. قلت: وعلم من هذا أنها إن كان انقطاع الدم عنها أكثر مق إتيانه، وقلنا إن ذلك يوجب عليها الوضوء كما هو المشهور، يجب أن يكون لبسها للخف قبل أن يسيل منها شئ، ولانها إن لبسته بعد أن سال منها شئ لم يجز لها المسح لانها لبست الخف على غير طهارة، وهذا واضح والله أعلم. ص: (مسح جورب جلد ظاهره وباطنه) ش: قوله: مسح هو نائب فاعل رخص. قال في التوضيح: الجورب ما كان على شكل الخف من كتان أو قطن أو غير

[ 466 ]
ذلك. وقوله: جلد ظاهره وباطنه أي من فوق القدم وتحتها ولا يريد بالباطن ما يلي الرجل. قال في المدونة: قال مالك: ومن لبس خفين على خفين مسح على الاعلى منهما. واختلف قوله: في المسح على الجرموقين فكان يقول: لا يمسح عليهما إلا أن يكون فوقهما وتحتها جلد مخروز وقد بلغ الكعبين فيمسح عليهما، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما أصلا. وأخذ ابن القاسم بقوله الاول قال ابو الحسن: قوله: من فوقهما ومن تحتهما جلد مخروز أي أن الجلد من فوق القدم ومن تحت القدم، وليس يريد بقوله: من تحتهما ما يلي الرجل انتهى. والجرموقان بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة قال في التويح: فسره مالك بأن جورب مجلد من تحته ومن فوقه. ص: (وخف ولو على خف) ش: يعني أنه يجوز أن يمسح على الخفين ولو كانا فوق خفين، وقيل لا يجوز المسح على الاعليين، وإليه أشار بلو والخلاف جار سواء لبس الاعليين قبل أن يمسح على الاسفلين أو بعد أن مسح عليهما. قال في الطراز: وزعم اللخمي أن الخلاف إنما هو إذا لبس الاعليين عقب طهارة غسل الرجلين، فأما إذا لبس الاول ثم أحدث فتوضأ ومسح عليه ثم لبس خفا آخر ثم أحدث، فإنه يمسح على الاعلى قولا واحدا، وتأويله هذا لا يوافق عليه بل القولان لمالك مطلقا، بل الصورة التي جعل فيها الخلاف هي أولى بالجواز قولا واحدا، والتي جعل فيها الجواز قولا واحدا هي أحرى بالخلاف انتهى بالمعنى. وما قاله صاحب الطراز ظاهر والله أعلم. تنبيه: شرط مسحه على الاعليين أن يكون لبسهما وهو على الطهر الذي لبس بعده الاسفلين أو بعد أن أحدث ومسح على الاسفلين، وأما لو لبس الاسفلين على طهر ثم أحدث ثم لبس الاعليين قبل أن يتوضأ ويمسح على الاسفلين لم يمسح على الاعليين، ذكره ابن فرحون وأصله لابن يونس وهو ظاهر والله أعلم. فرع: ولا فرق بين أن يلبس خفا على خف أو جوربا مجلدا على خف قاله في المدونة، وكذا لو لبس جوربا تحت الخف أو لف على رجليه أو إحداهما لفائف ثم لبس عليها الخف

[ 467 ]
فيجوز له المسح، قاله في الطراز: قال: وكذلك لو لبس في إحدى رجليه خفين وفي الاخرى خفا واحدا، ذكر ذلك في مسألة من نزع إحدى الخفين الاعليين لا يلزمه نزع لما ذكر قول ابن القاسم: وأنه إذا نزع إحدى الاعليين لا يلزمه الآخر خلافا لسحنون أن من حجة ابن القاسم القياس على ما إذا لبس خفين على نعلين والله تعالى أعلم. ص: (إلا المهماز) ش: هذه المسألة في نوازل سحنون من كتاب الطهارة ونصها: وسئل عن الركوب بالمهاميز فقال: لا بأس بذلك وأراه خفيفا. ابن رشد: وهذا كما قال لان الدواب لا تملك ولا يتأتى فيها ما أذن الله من ركوبها إلا به في أغلب الاحوال. فقيل لسحنون: فإذا سافر بمهاميز هل يمسح على خفيه ولا ينزع المهاميز ؟ قال: لا بأس بذلك وأراه خفيفا. ابن رشد: لان المسح شأنه التخفيف، ألا ترى أنه ليس عليه أن يتتبع الغضون وقد تكون أكثر مما ستره المهاميز انتهى. وحكاها في النوادر بلفظ قال سحنون: لا بأس بالركوب بالمهاميز، وللمسافر أن يمسح عليها ولا ينزعها وهذا خفيف. قلت: فظاهر هذا أن عدم نزع المهاميز خاص بالمسافر فتأمله. فرع: قال ابن عرفة: قوله: ولا ينزعهما يحتمل أن يريد ولا ينزعهما للمسح ولا بعده يعني لانه صار بعض الممسوح فإذا نزعه صار لمعة وهو ظاهر. تنبيه: ظاهر كلام سحنون جواز الركوب بالمهاميز. وقال في التوضيح: نقل الباجي وغيره عن مالك أنه قال: لا بأس بسرعة السير في الحب على الدواب وأكره المهاميز يدميها ولا يصلح الفساد وإذا كثر ذلك خرقها، وقد قال: لا بأس أن ينخسها حتى يدميها انتهى. تنبيه: قال ابن عبد السلام: وما ذكره سحنون من جواز المسح على المهاميز بين لكنه مختص بالراكب وشأن الرخص في مثل هذا أن تكون أسبابها عامة. قال ابن ناجي: غير الراكب لا حاجة له إلى ذلك. ص: (طاهر) ش: فلا يمسح على خف من جلد ميتة ولو دبغ

[ 468 ]
على المشهور، قاله في الشامل. ص: (وستر محل الفرض) ش: قال في الطراز: إذا قطع الخف إلى فوق الكعبين ثم شرج عل موضع الغسل. فإن كان فيه خلل لا يرى منه القدم جاز له المسح وهو متفق عليه بين المذاهب حتى قال الشافعي: إن كان فيه شرج يفتح ويغلق فإذا غلقه جاز المسح، وإذا فتح غلقه بطل المسح وإن كان لا يبين منه شئ لانه إذا مشى بان منه انتهى. ص: (بطهارة ماء) ش: سواء كان ذلك من وضوء أو غسل. قال في الطراز: قاله مالك في الموطأ. وزعم بعض المتأخرين من أصحابنا أنه لا يمسح عليهما في طهارة الغسل وهذه غفلة لان الحديث إنما تضمن اشتراط طهارة الرجلين عند اللبس، وطهارتهما تحصل من الوضوء كما تحصل من الغسل انتهى. وقبله في الذخيرة وقال ابن عرفة: ونقل في الطراز عن بعض المتأخرين: ولا يمسح على لبس على طهارة الغسل لا أعرفه. قلت: ولا يؤخذ ذلك من قول اللخمي يصح المسح بأربعة شروط لبسهما وهو كامل الطهارة، وكونه على العادة لا يخفف على نفسه غسل رجليه، وكونه متوضئا لا متيمما، وكون طهارته الآن للوضوء لا. لغسل جنابة ولا غيرها، لان المراد به الطهارة التي يمسح فيها لقوله: وكون طهارته الآن ولعله لفظه: الآن سقطت من نسخه صاحب الطراز فتأمله. تنبيه: ويدخل في طهارة الماء ما إذا لبس خفيه ثم أحدث ومسح عليهما ثم لبس خفين آخرين، فيجوز له حينئذ أن يمسح على الاعليين كما تقدم ذلك. ص: (وعصيان بلبسه أو سفره) ش: قال في الطراز: إن قلنا يمسح على الخفين في الحضر، فهل يمسح عليهما من سافر في معصية ؟ اختلف أصحابنا وأصحاب الشافعي في ذلك فقيل: لا يمسح ولا يترخص برخصة حتى يتوب، وقيل: يمسح وهو الصحيح لان اللبس لا تختص رخصته بالسفر حتى إذا جعلنا سفره ملغى لا حكم له وجب أن يبقى رخص السفر ويلغى معه، فاللبس على هذا لا اختصاص له بحال ولا

[ 469 ]
بسفر ولا بحضر انتهى. ص: (لا أق إن التصق) ش: كذا في بعض النسخ في بعضها: لادونه إن التصق ورأيت بخط بعض أصحابنا ممن وقف على نسخة بخط المصنف أن كلتا اللفظتين ليستا في أصل المصنف، وأنه رأى بخط المصنف في حاشية المبيضة أني مقتصر في هذا على كلام ابن رشد في البيان، وإذا كان كذلك فلا بد من إثبات أحد اللفظتين كما يظهر ذلك من كلام ابن رشد ولفظه: لا أقل أخصر فهي أولى. وكلام ابن رشد الذي أشار إليه ذكره في التوضيح وفيه طول. وقال بعد أن ذكر الروايات: فاستقرينا من مجموع هذه الروايات أنه يمسح على الخرق اليسير ويمسح على الخرق الكبير، وإذا كان كذلك بإجماع وقامت الادلة من الكتاب والسنة على أن الثلث آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وجب أن يمسح على ما كان الخرق فيه دون الثلث، ولا يمسح على ما كان الثلث فأكثر أعني ثلث القدم من الخف لا ثلث جميع الخف. وإنما يمسح على الخرق الذي يكون أقل من الثلث إذا كان ملتصقا بعضه ببعض كالشق. وتحصيلها أنه إذا كان الخرق في الخف الثلث فأكثر فلا يمسح عليه، وظهرت منه القدم أو لم تظهر. وإن كان أقل من الثلث فإنه يمسح عليه ما لم يتسع وينفتح حتى يظهر منه القدم، فإن عرض الخرق حتى تظهر منه القدم فلا يمسح عليه إلا أن يكون يسيرا كالثقب اليسير الذي لا يمكنه أن يغسل ما ظهر منه من قدمه، لانه إذا ظهر من ذلك ما يمكنه الغسل لم يصح له المسح من أجل أنه لا يجتمع مسح وغسل، فعلى هذا يجب أن تخرج الروايات المشهورات انتهى. فرع: إذا تمزق الخف من أسفله امتنع المسح وإن كان أعلاه صحيحا قاله في الطراز. وإنما نبهنا على هذا لئلا يتوهم أنه لا يضر ما فيه من الخرق لكونه إذا ترك مسحه إنما يعيد في الوقت والله أعلم. فرع: إذا قطع الخف وشرج وجعل له غلق مثل السباط، فإذا غلق جاز المسح عليه. قاله في الطراز والله أعلم. فرع: قال في الطراز: ولو كان الخرق المتفاحش فوق الكعبين لم يضره ذلك كما لو

[ 470 ]
قطعا من ثم جميعا ص: (أو لبسهما ثم كمل) ش: تصوره واضح ومنه من توضأ ثم لبس خفيه ثم ذكر لمعة في وجهه ويديه فغسل ذلك ثم أحدث فلا يمسح على خفيه إلا أن يكون نزعهما بعد غسل اللمعة ثم لبسهما قبل أن يحدث على المشهور، وعلى قول مطرف يمسح قاله في الطراز. ص: (حتى يخلع الملبوس قبل الكمال) ش: فإذا لبس الخف في اليمين قبل غسل اليسرى ثم غسل الاخرى ولبس فيها الخف فيخلع اليمنى ثم يلبسها بعد كمال الطهارة ولا يخلع اليسرى. قال في التوضيح، قال ابن عبد السلام: هذا كاف في جواز المسح لكن يفوت فيه فضيلة الابتداء بالميامن، فالاحسن أن يخلعهما انتهى. قال في التوضيح: وفيه نظر، لانه قد لبس اليمنى قبل اليسار أولا وإنما هذا النزاع لاجل الضرورة فأشبه ما لو نزع خف اليمين لاجل عود وقع فيه ونحوه انتهى. وقيل، لا يحتاج إلى خلع وبنوا الخلاف في ذلك على الخلاف المشهور، وهو أنه هل يطهر كل عضو بانفراده أو لا يطهر إلا بالجميع ؟ ومما بنوا على هذا الخلاف مسألة: من مس ذكره في أثناء غسله، هل يحتاج إلى نية أم لا ؟ وذكر ابن ناجي في شرح هذه المسألة من المدونة وهي في باب مس الذكر أنه استشكل مذهب أبي محمد بأنه يقول: يحتاج إلى النية. وهذا يبنى على أن كل عضو يطهر بانفراده وهو قول في مسألة الخف لا يمسح حتى يخلع الملبوس قبل الكمال ولم يذكر جوابا. ويمكن أن يجاب بأنا وإن قلنا إن كل عضو يطهر بانفراده، فمن شرط المسح على الخف أن تكون الطهارة قد كملت وهي في هذه الصورة لم تكمل بدليل أنه لا يستبيح بها شيئا من موانع الحدث فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (ولا

[ 471 ]
لابس لمجرد المسح أو لينام وفيها يكره) ش: هذا راجع لقوله بلا ترفه واللابس لمجرد المسح، مثله ابن الحاجب بمن جعل حناء في رجليه ولبس الخفين ليمسح عليهما. وفهم من كلام المصنف أن من لبس الخف لمجرد المسح أو للنوم لا يجوز له المسح وإن مسح لم يجزه وهو المشهور، ذكره في التوضيح عن ابن راشد وابن هارون، وقوله وفيها يكره يعني أنه كره في المدونة أن يلبس لمجرد المسح كمسألة الحناء أو للنوم. قال فيها: ويكره للمرأة تعمل الحناء أو رجل يريد أن ينام أو يبول فيتعمد لبس الخف للمسح. وظاهر كلام الشيوخ أن الكراهة على بابها. قال في البيان: اختلف في المرأة تلبس الخفين لتمسح على الخضاب، فروى مطرف عن مالك أنه لا يجوز لها أن تمسح عليهما. وقد قيل: إنه يجوز لها المسح وإليه ذهب أبو إسحاق. وقال في المدونة: لا يعجبني، وهذه ثلاثة أقوال: المنع والاباحة والكراهة انتهى، قال في التوضيح: ومقتضى كلامه أن المشهور الكراهة وهذا خلاف ما شهره ابن راشد وغيره انتهى. وفي كلام المصنف ترجيح للقول الاول والله أعلم. ص:

[ 472 ]
(وكره غسله) ش: قال في الطراز: إذا غسل كفيه بنية الوضوء. قال ابن حبيب: يجزئه ويمسح لما يستقبل وليس بواجب فاستحب له الاعادة ليأتي بالمقصود مقصودا لا تبعا ونقله في الذخيرة. فرع: قال في الطراز: ومسح الطين أو غسله ليمسح الخف في الوضوء فنسي المسح لم يجزه ويمسح ويعيد الصلاة لعدم نية الطهارة، وإنما نوى النظافج من الطين. قال: فإن نوى بذلك إزالة الطين والوضوء جميعا لاجزأه على خلاف فيه انتهى. وكأنه يشير إلى الخلاف فيمن غسل النجاسة عن أعضاء وضوئه بنية إزالة النجاسة ورفع الحدث، وقد تقدم أن المشهور الاجزاء. قلت: وقال ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام عن ابن حبيب إن غسله للنجاسة مستتبعا نية الوضوء أجزأه لا أعرفه. فرع: قال في النوادر قال مطرف: ومن مسح ليدرك الصلاة ونيته أن ينزع ويغسل إذا صلى فذلك يجزئه، ومن توضأ ومسح على خفيه ينوي إذا حضرت الصلاة نزع وغسل رجليه لم يجزه، ويتبدئ الوضوء كتعمد تأخير غسلهما، وقاله ابن الماجشون وعبد الملك وأصبغ ص: (وتتبع غضونه) ش: قال في المدونة: ولا يتتبع الغضون. قال في الطراز: وعند ابن شعبان يتتبع، وكذلك قال في غضون الجبهة في التيمم كأنه رآه من ظاهر محل الفرض. ونقله في الذخيرة وقبله، وكذلك المصنف في التوضيح هنا، وذكر في باب التيمم عن ابن شعبان أنه لا يتتبع الغضون وكذا ذكر ابن عرفة عنه في باب التيمم ولم يذكر هنا شيئا، وكذا ذكر في النوادر في التيمم عن ابن القرطي بضم القاف وسكون الراء والطاء المهملة - وهو ابن شعبان أنه لا يتتبع الغضون، وذكر في باب المسح على الخفين على المختصر أنه لا يتتبع الغضون، وقال ابن ناجي في شرح المدونة في باب المسح على الخفين: وقول المازري وابن هارون قيل في التيمم إنه يتتبع الغضون لا أعرفه ولا يتخرج هنا لان المسح أخف انتهى. فما ذكره سند غريب والله تعالى أعلم. وقال الشارح في الرسالة: ولا يتتبع الغضون وليس هذا في الرسالة. ص: (وبطل بغسل وجب) ش: لو قال بموجب غسل لكان أحسن لان البطلان يحصل بمجب الغسل وإن لم يغتسل ص: (ويخرقه كثيرا) ش: تقدم تحديد الكثير واليسير فإذا انخرق خرقا كثيرا نزعه

[ 473 ]
مكانه وغسل رجليه، فإن كان في صلاة قطعها نقله في التوضيح والشامل. ص: (وبنزع أكثر رجل لساق خف) ش: قال الشارح في الكبير والوسط: قال في المدونة: وإن أخرج جميع قدمه إلى ساق الخف وقد كان مسح عليهما غسل مكانه، فإن أخر ذلك ابتدأ الوضوء، ففهومه أن إخراج أكثر القدم لا يضره فانظره مع قول هنا انتهى. قلت: صرح بذلك صاحب الجلاب كما ذكره ابن غازي، وصرح بذلك صاحب الارشاد أيضا وهو ظاهر، لان الاقل تبع للاكثر. وإنما بطل حكم المسح بوصول أكثر الرجل للساق لان شرط المسح كون الرجل في الخف ولو توضأ ووضع رجله في ساق الخف ثم انتقض وضوؤه لم يجزه المسح كما صرح بذلك التلمساني في شرح الجلاب وأصله في كلام صاحب الطراز. ص: (لا العقب) ش: أي فلا يبطل المسح بذلك، وظاهره سواء كان وصول العقب لساق الخف لقصد نزعه ثم بداله وردها، أو كان ذلك غير مقصود وإنما هو من باب الحركة والمشي. أما الاول فعلى المشهور في إلغاء الرفض، وأما الثاني فلا خلاف فيه قاله التلمساني وأصله في الطراز. ص: (أو أحدهما) ش: أي أحد الاعليين فإنه يبادر لمسح الاسفل ولا يجب عليه نزع الاعلى من الرجل الاخرى عند ابن القاسم وهو المشهور كما قاله الشبيبي خلافا لسحنون، ولا يصح أن يعود ضمير أحدهما على أحد الخفين كما قاله الشارح في الصغير لانه يقتضي أنه يبادر لغسل الرجل التي نزعها فقط ولا ينزع الاخرى، وهذا خلاف المشهور. وكان المصنف اكتفى بذكر المسألة الآتية عن هذه لانه يفهم منها أنه إذا لم يعسر نزع الاخرى فلا بد منه على المشهور وهو كذلك. فرع: قال في الطراز: إذا قلنا يمسح على ما تحت المنزوع فمسح ثم لبس الخف الذي نزعه جاز له، إذا أحدث أن يمسح عليه قاله ابن القاسم في العتبية، ولا يشترط أن يزيد على الرجل الاخرى خفا آخر لان البدلية تحصل بستر الرجلين بجنس الخف، فإذا كان له أن يمسح على إحدى رجليه أكثر مما على الاخرى، فمن الاولى أن يمسح إذا كان ما عليهما سواء انتهى. وما ذكره عن العتيبة هو في رسم نقدها من سماع عيسى. قال ابن رشد:

[ 474 ]
وهذا على قول مطرف يعني أنه لا يشترط كمال الطهارة قال: لانه لما نزع الخف التي مسح عليها من الرجل الواحدة انتقضت طهارته، فلما مسح على الاسفل صار قد طهر بعد أن مسح على الخف من الرجل الاخرى انتهى. وذكره ابن عرفة وقال بعده قلت: يرد بمنع النقض بمجرد النزع بل مسح الاسل إثر نزع الاعلى كدوام لبس الاعلى انتهى فتأمله. تنبيه: قال في الذخيرة: خمسة نظائر: التيمم والمسح على الخفين والمسح على الجبيرة والمسح على شعر الرأس والغسل على الاظفار. في الجميع قولان للعلماء، والمذهب في الثلاثة الاولى عدم الرفع انتهى. ونقله في التوضيح، فعلم أن المذهب في مسح الخفين أنه لا يرفع الحدث والله تعالى أعلم. ص: (كالموالاة) ش: قال ابن الحاجب: فإن نزع الخفين فأخر الغسل ابتدأ على المشهور. قال في التوضيح: أي أخر قدر ما يجف فيه الوضوء ومقابل المشهور يأتي على أن الموالاة ليست بواجبة. وقوله أخر يريد عامدا، وأما الناسي فيبني طال أو لم يطل، وبالجملة فهو من فروع الموالاة، ومفهومه أنه لو غسل في الحال أجزأ وهو كذلك، وروي عن مالك قول بعدم الاجزاء لبعد ما بين أول الطهارة وتمامها وهو بعيد. قلت: لتحديد بجفاف الاعضاء تقدم إنما هو مع العجز، وأما مع العمد من غير عجز فتقدم عن ابن هارون أنه أقل من ذلك وأنه هو الظاهر فلانا لما قال ابن عبد السلام وابن فرحون إنه يتحدد أيضا بالجفاف والحكم هنا كذلك والله أعلم. ص: (وإن نزع رجلا وعسرت الاخرى وضاق الوقت ففي تيممه ومسحه عليه أو أن كثرت قيمته وإلا مزق أقوال) ش: صدر ابن الحاجب بالقول الثاني وعطف عليه القول الاول. والقول بأنه يمزقه بقيل ولم يذكر المصنف هذا القول الثالث في كلام ابن الحاجب بالتمزيق مطلقا، وزاد في التوضيح قولا رابعا وهو الثالث في كلام المصنف ثم قال: وهو الاظهر، وعزاه ابن عرفة لعبد الحق وذكر هو والمصنف في التوضيح أنه إذا قل ثمنه مزقه وإن كان لغيره ويغرم قيمته. ص:

[ 475 ]
(وندب نزعه كل جمعة) ش: ذكر في التوضيح أن رواية ابن نافع بتحديده من الجمعة إلى الجمعة محمول على الاستحباب وأنها وفاق للمذهب لاجل غسل الجمعة. قلت: وصرح باستحباب نزعه كل جمعة صاحب الارشاد وأظنه في المعونة فانظره، وصرح به صاحب التلقين وصاحب الكافي. ص: (ووضع يمناه على طرف أصابعه ويسراه تحتها ويمرهما لكعبيه) ش: هذه صفة المسح ولم يذكر المصنف هل يجدد الماء لكل رجل أم لا. وقال في مختصر الواضحة: ولا تحمل الماء بيديك فتصبه على خفيك ولكن ترسله وتمسح اليمنى ثم تأخذ الماء لليسرى فترسله من يديك ثم تمسح على اليسرى وليس فيهما إلا بلة الماء الذي أرسلت من يديك انتهى. وفي سماع موسى: إن عم مسحه بأصبع واحدة أجزأه كرأسه ونقله ابن عرفة. تنبيه: يفهم من هذا أنه لا بد من استيعاب الخف بالمسح. قال صاحب الطراز وصاحب الذخيرة: وهذا أصل المذهب. وقال الباجي قال ابن مسلمة وجماعة من أصحابنا، لا يجب الايعاب. ثم قال: وحجتنا أن كل موضع صح فيه الغسل وجب إذ لو انتفى الوجوب لما صح أصله السابق، وإذا كان الوجوب متقررا في آخر العضو وجب إيعابه كسائر أعضاء الوضوء. ص: (وهل اليسرى كذلك أو اليسرى فوقها تأويلان) ش: الثاني تأويل ابن أبي زيد وغيره، والاول تأويل ابن شبلون، واختار سند الثاني ورجحه بأنه مروي عن مالك، ووهم ابن شبلون في تأويله، فعلم أن التأويل الثاني أرجح. تنبيه: وعلى هذا التأويل لا يمسح الرجل اليسرى حتى يغسل اليد الذي يمر بها من تحت الخف قاله اللخمي، ويريد - والله أعلم - إذا لم يتحقق طهارة خفه. ص:

[ 476 ]
(ومسح أعلاه وأسفله) ش: الظاهر أن قوله مسح فعل ومراده بموجب مسح الاعلى والاسفل وهو ظاهر المدونة قال فيها: ولا يجوز مسح أعلاه دون أسفله ولا مسح أسفله دون أعلاه إلا أنه مسح أعلاه وصلى فأحب إلي " أن يعيد في الوقت لان عروة كان يمسح بطونهما. ففهم منه أن الاعلى والاسفل عنده واجبان وإن اقتصر في ترك الاسفل على الوقت مراعاة للخلاف، ونقله ابن ناجي بلفظ: ولا يجزئ وقال: ظاهره بعد الوقوع وأنه يعيد أبدا وهو مناف لقوله يعيد في الوقت فهو أراد ولا يجوز ففيه مسامحة انتهى. وقال الشبيبي: اختلف في الواجب من مسحهما، مشهورها وجوب مسح الاعلى واستحباب مسح الاسفل الثاني وجوبهما لابن نافع والثالث وجوب أحدهما من غير تعيين، وقال في القوانين: الواجب مسح أعلاه ويستحب أسفله، وقيل يجب وهذا يقتضي أن مسح الاسفل مستحب فيصح على هذا أن يقرأ مسح بالسكون على أنه معطوف على المسح والمعنى: يستحب الجمع بين مسح الاعلى والاسفل ويؤيده قوله في الجلاب: ويستحب مسح أعلى الخفين وأسفلهما فإن مسح أعلاهما دون أسفلهما أعاد في الوقت استحبابا، وإن اقتصر على مسح أسفلهما دون أعلاهما أعاد في الوقت وبعده إيجابا انتهى. وعلى هذا حمله الشارح في الصغير والاول أظهر والله أعلم. ص: (لا أسفله ففي الوقت) ش: أي فيعيد الصلاة في الوقت ويعيد الوضوء أبدا وكل ذلك استحباب. قاله الشيخ ابن أبي زيد ونقله ابن يونس وغيره. وقال في الطراز: إذا قلنا يعيد في الوقت، فهل يعيد الوضوء كله أو أسفل الخف فقط ؟ قال ابن أبي زيد: يعيد الوضوء، ورأى أنه لما ترك ذلك جاهلا حتى طال كان فيه خرم الموالاة المشترطة، ويتخرج فيه قول آخر أنه يمسح أسفله فقط ويعيد الصلاة انتهى. تنبيه: المراد بالوقت الوقت المختار. قاله أصبغ ونقله ابن ناجي وغيره وسيذكره ابن غازي في باب الصلاة.

[ 477 ]
فصل التيمم لما ذكر الطهارة المائية بقسميها وما ينوب في غسل بعض الاعضاء، ذكر ما ينوب عن غسل جميع الاعضاء في الوضوء والغسل وهو التيمم، وهذا هو المعروف أعني كونه نائبا عنهما. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وفي كونه أصلا أو نائبا عن الوضوء والغسل خلاف. وهو لغة القصد قال الله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * (البقرة: 267) أي تقصدونه وشرعا. قال في التوضيح: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين. وقال ابن ناجي: طهارة تستعمل عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله. وزاد المناوي بعد قولنا طهارة ترابية ضرورية. وتبعه شيخنا الشبيبي ولا حاجة لقولهما ترابية لان المشهور أنه يتيمم على الجير وغيره مع وجود التراب، وكذلك لا يحتاج لقولهما كابن بشير وابن محرز ضرورية لان ما بعد، يغني عنه انتهى. وقوله على الجير يريد قبل طبخه كما سيأتي، ولا اعتراض عليهما. وقولهما ترابية لان المراد التراب وما هو من جنسه. وقال ابن رشد: طهارة ترابية تفعل مع الاضطرار دون الاختيار. والاصل في مشروعيته قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * (النساء: 184) الآية. وأحاديث يأتي بعضها ومنها حديث مسلم جعلت لنا الارض مسجدا وتربتها طهورا وحديث الصحيحين جعلت لي الارض مسجدا وطهورا وانعقد الاجماع على مشروعيته وعلى أنه من خصائص هذه الامة لطفا من الله بها وإحسانا، وليجمع لها بين التراب الذي هو مبدأ إيجادها والماء الذي هو سبب استمرار حياتها إشعارا بأن هذه العبادة سبب الحياة الابدية والسعادة السرمدية جعلنا الله من أهلها. وقيل في حكمة مشروعيته أن الله سبحانه لما علم من النفس الكسل والميل إلى ترك الطاعة، شرع لها التيمم عند عدم الماء لئلا تعتاد بترك العبادة فيصعب عليها معاودتها عند وجوده. وقيل: يستشعر بعدم الماء موته وبالتراب إقباره فيزول عنه الكسل. ذكر هذه الاقوال

[ 478 ]
التادلي. قال ابن ناجي: ولا أعرفها لغيره. وليس المراد أنها أقوال متباينة بل كل عبر بما ظهر له والمراد الجميع أو غير ذلك مما يظهر لنا والله تعالى أعلم. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وحكمه الوجوب من حيث الجملة بإجماع. وقال في شرح المدونة: واختلف هل هو للمسافر عزيمة ؟ وهو ظاهر قول الرسالة: التيمم يجب لعدم الماء. وفي مختصر ابن جماعة أنه رخصة. قال التادلي: والحق عندي أنه عزيمة في حق العادم للماء، رخصة في حق الواجد العاجز عن استعماله. والقول بالوجوب مطلقا لا يستقيم في حق الواجد إذ قد يتكلف ويستعمله ومع جواز استعماله لا يكون التيمم واجبا. والقول بالرخصة لا يستقيم في حق العادم فإن الرخصة تقتضي إمكان الفعل المرخص فيه، وتركه كالفطر في السفر والعادم للماء لا سبيل له إلى ترك التيمم. وقول من قال إن الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب غير مسلم فإنها إذا انتهت إليه صارت عزيمة وزال عنها اسم الرخصة انتهى. وفيما قاله التادلي نظر، فإن العاجز عن استعمال الماء لخوف ضرر أو زيادة مرض لا يقال بجواز استعماله للماء، غاية ما فيه أنه لو تكلف وارتكب الخطر مع إثمه في إقدامه على الخطر، وإنكاره كون الرخصة تنتهي للوجوب مخالف لما عليه المحققون كابن الحاجب وغيره من المتأخرين من تقسيمهم إياها للواجب والمندوب والمباح زاد بعضهم وخلاف الاولى. والحق أنه رخصة تنتهي في بعض الصور للوجوب كمن لم يجد الماء أو خاف الهلاك باستعماله أو شديد الاذى وبنى بعضهم على الخلاف في كونه رخصة أو عزيمة تيمم العاصي بسفره، فعلى أنه عزيمة يتيمم، وعلى أنه رخصة لا يتيمم وفيه نظر، لجواز أن يكون عزيمة ويتوقف على توباه من عصيانه كما أن فروع الشريعة يخاطب بها الكافر ويتوقف الاتيان بها على الاسلام والله تعالى أعلم. ص: (ذو مرض) ش: أي صاحب المرض وميد البحر مرض يبيح التيمم نقله ابن عرفة فيتيمم ويصلي ولا يعيد انتهى. وقال ابن وهب في سماع عبد الملك: إذا لم يقدر المبطون والمائد على الوضوء تيمما، فحمله ابن راشد على أنهما لا يقدران على مس الماء. وقال سند: يريد إذا عظمت بطنه حتى لا يتمكن من تناول الماء ورفعه من الاناء، وكذلك المائد لا يقدر أن يمسك نفسه حتى يرفع الماء فيتيمم ووصلي ولا يعيد انتهى. ولا بد من تقييده بأن لا يجدا من يوضئهما أو لا يستطيعان ذلك والله أعلم. وحمله الطليطلي في مختصره على من انطلقت بطنه ونصه: وإن كان مبطونا ببطن قد غلب عليه بطنه لا يستطيع إمساكه فإنه يتيمم ويصلي، وقد قيل فيه إنه يتوضأ لكل صلاة انتهى. والقول الثاني في كلامه هو الجاري على المعروف في المذهب في الاحداث المستنكحة كما تقدم، والقول الاول قريب من فتوى اللخمي ولعله اغتر بظاهر لفظ الرواية. ثم قال في مختصر الطليطلي، ومن كان لا يدرك بيديه أن يغسل مخرج البول والغائط من علة نزلت به فإن كانت له زوجة أو جارية

[ 479 ]
غسلت ذلك وتوضأ وصلى، وإن لم يكن له واحدة منهما وقدر على تحصيلها فعليه ذلك، وإن لم يكن له مال ولا زوجة ولا خادم فإنه يتيمم ويصلي انتهى. وما قاله غير ظاهر، وقد تقدم عن صاحب المدخل في فصل الاستبراء أنه يصلي بالنجاسة ولم يذكر في ذلك خلافا وهو المعروف من المذهب والله تعالى أعلم. ص: (وسفر أبيح) ش: دخل السفر الواجب والمندوب من باب أولى ولو قال جائز لشمل كلامه ذلك نصا وخرج المكروه والحرام. وما ذكره من اشتراط إباحة السفر هو الذي ذكره ابن عرفة عن القاضي عبد الوهاب واقتصر عليه، واعترض على ابن الحاجب في حكايته فيه الخلاف فقال: وشرط القاضي إباحة السفر. وقول ابن الحاجب على الاصح لا أعرفه نصا انتهى. ونقله عنه المشذالي بلفظ: وشرط القاضي إباحة السفر فمقابل الاصح لا أعرفه ولفظ ابن الحاجب ولا يترخص بالعصيان على الاصح. وقال ابن عبد السلام: والمصنف في التوضيح: نفي ابن الحاجب الترخص بسبب بالعصيان يحتمل أن يريد به نفي التيمم خاصة وهو الاقرب من مراده، ويحتمل أن يريد نفي الترخص عموما كالتيمم والمسح على الخفين وأكل الميتة، وقال ابن عبد السلام: والحق أنه لا ينتفي من الترخص بسبب العصيان إلا رخصة يظهر أثرها في السفر دون الحضر كالقصر والفطر، وأما رخصة يظهر أثرها في السفر والاقامة كالتيمم والمسح على الخفين فلا يمنع العصيان منها، ومعنى هذا لابن رشد انتهى. وقال صاحب الطراز: إذا قلنا المسح في الحضر فهل يمسح عليهما من سافر في معصية ؟ اختلف أصحابنا وأصحاب الشافعي في ذلك، فقيل لا يمسح ولا يترخص برخصة حتى يتوب، وقيل يمسح وهو الصحيح لان المسح لا تتتص رخصته بالسفر انتهى. وصرح صاحب الطراز أيضا في باب القصر بأنه يتيمم بلا خلاف ونصه بعد أن ذكر الخلاف في مسح الخفين: ولا يختلف أصحابنا أنه إذا عدم الماء يتيمم ويجزئه انتهى. وذكر القرطبي في تفسير سورة المائدة الخلاف وصحح ما رجحه صاحب الطراز وسيأتي لفظة. تنبيهات: الاول: أكثر نصوصهم التعبير بالعصيان كما قال ابن الحاجب وهو لا يقتضي إخراج المكروه خلاف ما تعطيه عبارة القاضي عبد الوهاب والمصنف، والظاهر الاول لان السفر المكروه لا يمنع القصر تحريما وإنما يمنعه على سبيل الكراهة كما سيأتي في بابه وقالوا: إنه لا إعادة عليه إن قصر فيه مع اشتراطهم هناك إباحة السفر على المشهور فأحرى هنا فتأمله والله تعالى أعلم. الثاني: مثل ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من تبصرته العاصي بسفره

[ 480 ]
كالآبق وقاطع الطريق والعاق لوالديه والمخالف لشيخه الذي فوض إليه أموره على ما ذكره بعضهم لا يجوز لاحد منهم التيمم على الاصح ويجب عليه الرجوع لما يجب عليه، فإذا عزم على التوبة جاز له ذلك والله أعلم، الثالث: أطلق المصنف رحمه الله تعالى السفر فظاهره سواء كان سفر قصر أو دونه. وذكر ابن الحاجب في ذلك قولين. وقال ابن عرفة: فيه ثلاث طرق: الاولى اشتراطه، الثانية عدم اشتراطه، الثالثة فيه قولان. وقال ابن فرحون في شرحه المذهب: إنه لا يخ تص بسفر القصر. وقال التونسي: هو نص المدونة وهو نص الشيخ أبي محمد في مختصره وصدر به في الشامل فقال: وإن قصر سفره. وقيل كالقصر وبه جزم في الاشراف. وقال القرطبي: لا يشترط أن يكون السفر مما تقصر فيه الصلاة هذا مذهب مالك وجمهور الفقهاء. وقال قوم: لا يتيمم إلا في سفر القصر. واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة. وهذا كله ضعيف والله تعالى أعلم. وهذا مع ما تقدم عن الطراز مما يصحح وجود الخلاف الذي ذكره ابن الحاجب في العصيان والله تعالى أعلم. ولا يقال هذا الفرع لا يحتاج إليه إلا على مقابل المشهور الذي يمنع الحاضر الصحيح من التيمم للفرائض لانا نقول: بل يحتاج إليه على المشهور أيضا في التيمم للسنن والنوافل. فعلى الصحيح من عدم " اشتراط مسافة القصر يتيمم للسنن والنوافل، وعلى مقابله يكون كالحاضر لا يتيمم إلا للفرائض على أحد القولين والله تعالى أعلم. الرابع: قال المازري في شرح مسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وإقامته (ص) لطلب العقد على غير ماء قال بعض أصحابنا: يباح السفر للتجارة وإن أدى إلى التيمم، واحتج بالحديث لان إقامتهم على التماس العقد ضرب من مصلحة الماء وتنميته. وقبله هو وعياض، وقال الابي: قلت: إنما فيه الاقامة لحفظ المال وحفظه واجب بخلاف السفر لتنميته. وقال عياض: فيه جواز الاقامة بموضع لا ماء فيه لحوائج الانسان ومصالحه وأنه لا يجب الانتقال عنه لان فرضه هو ما لزمه من طهارة الماء أو التيمم إن عدمه ما لم يكن الماء قريجا منه فيلزمه طلبه عند كل طهارة. ونحوه للباجي في المنتقى. قال الابي: المصلحة هنا حفظ المال وهو واجب فلا يلزم جواز الاقامة لمطلق المصلحة انتهى فتأمله وما قاله الاولون ظاهر بل نقل ابن عرفة ذلك عن الباجي صريحا. قال ما نصه الباجي عن المذهب وابن مسلمة: جواز سفر التجر والرعي حيث يتيقن عدم الماء انتهى. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ويكره النوم قبلها. ويقوم من كلام الشيخ أنه يكره للرجل الخروج قبل دخول الوقت من منزله إلى مكان يحدث فيه على أميال دون ما إذا كان يشك هل فيه ماء أم لا. وانظر إذا تحقق أنه ليس فيه ماء هل يجب حمل الماء أو يستحب فقط لان الطهارة لا تجب إلا بعد دخول الوقت فكذلك استعداد الماء لها ؟ وشاهدت في حال صغري فتوى شيخنا الشبيبي بذلك الامر ولا أدري هل ذلك منه على

[ 481 ]
الوجوب أو الندب ونفسي إلى الوجوب أميل انتهى. والظاهر عدم الوجوب لقوله في المدونة: ومن خرج من قرية على غير وضوء يريد قرية أخرى وهو غير مسافر فغربت عليه الشمس، فإن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى إليه وإلا تيمم وصلى. ونقله الشيخ أبو محمد بلفظ من قرية إلى قرية على الميل والميلين ولم يحمله أحد من الشراح على ما بعد الوقوع فتأمله. وهذا حيث تدعوه إلى الخروج ضرورة فإنه سيأتي أنه لا يجوز استعمال سبب ينقل إلى التيمم إلا عند حاجة أو حدوث ضرورة. الخامس: دخل في كلام المصنف ما إذا كان السفر مباحا وعصى فيه فإنه يتيمم. قاله في التوضيح وغيره. ص: (لفرض ونفل) ش: يعني أن المسافر والمريض يتيممان لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله للفرائض والنوافل. أما تيممهما للفرائض فحكى ابن الحارث وابن الحاجب في ذلك الاتفاق، وحكى ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم وفي سماع عبد الملك قولين في المريض الواجد للماء عنده العاجز عن استعماله لتعذر مسه أو لضعفه عن تناوله قائلا: أما لو كان الماء غائبا عن موضعه ولا يجد من يناوله إياه ولا من ينقله إليه يتيمم قولا واحدا. وعزا القول بالجواز لابن القاسم مع روايته فيها، والقول بالمنع لمحمد بن مسلمة من سماع ابن القاسم أيضا. وبحث في ذلك ابن عرفة ونبهت على بحثه في الاوراق التي كتبتها عليه. وقال في التوضيح عن ابن عبد السلام وابن هارون: إنه إن خاف على نفسه فلا خلاف في التيمم، وإن خاف على ما دون النفس ففيه الخلاف وهذا هو الظاهر والله تعالى أعلم. وأما تيممهما للنوافل فهو المشهور المعروف في المذهب. قال في الطراز: ولا يعرف فيه خلاف إلا عن عبد العزيز بن أبي مسلمة، ونقل ابن عرفة قول ابن أبي مسلمة في المسافر قال: وقال اللخمي والمازري: والمريض مثله. ص: (وحاضر صح لجنازة إن تعينت) ش: يعني أن الحاضر الذي ليس بمسافر وهو صحيح إنما يتيمم للجنازة إذا تعينت بأن لا يوجد متوضئ يصلي عليها ولا يمكن تأخيرها حتى يحصل الماء أو يصل إليه، وما ذكره من التفصيل في الجنازة بين أن تتعين أولا صرح به في التلقين وتبعه عليه ابن بشير وابن الحاجب وغيرهما وقيد به سند المدونة. قال فيها: ولا يصلي على جنازة بتيمم إلا مسافر عدم الماء. فقيده سند بأن لا

[ 482 ]
تتعين بأن يكون هناك متوضئ أو يمكن تأخيرها حتى يأتي الماء أوومضوا إليه. قال: وإلا صلوا عليها بالتيمم في الحضر انتهى. واعترض ابن فرحون على ابن الحاجب بأنه تبع ابن بشير في التفرقة ولم يفرق في المدونة، وقد علمت أن المدونة مقيدة بذلك وأن التفرقة المذكورة ذكرها القاضي عبد الوهاب وغيره فلا اعتراض عليه. تنبيهات: الاول: قال ابن الحاجب: وإن تعينت فكالفرض على الاصح، قال في التوضيح: وعلى مقابل الاصح تدفن بغير صلاة فإذا وجد الماء صلى على القبر انتهى. وإن لم تتعين فيتيمم لها المسافر كما تقدم عن المدونة وكذا المريض. قال في التوضيح: لان المريض يتيمم لما هو أدون منها. وقال ابن فرحون: وأما المريض فيتيمم لها. وقال أبو الحسن في شرح كلام المدونة المتقدم: يريد وكذلك المريض العادم الماء ويكون نية المسافر على المريض، أو سكت عنه لعجزه عن حضور الجنائز انتهى، ولا مفهوم لقول الشيخ أبي الحسن العادم قال اللخمي: حكم المريض المقيم فيما يتيمم له حكم المسافر، وفي كلام الطراز وغيره ما يقتضي ذلك وهو ظاهر فلا يتمسك بالحصر الذي في كلام المدونة، وأما الحاضر الصحيح يخاف إن اشتغل بتحصيل الماء أو الوضوء فاتته الصلاة على الجنازة، فالمشهور أنه لا يتيمم لها، وقيل يتيمم لها. قال ابن ناجي: واختاره اللخمي. وقال ابن وهب: إن صحبها على طهارة وانقضت تيمم وإلا فلا، انتهى مختصرا. الثاني: قال ابن عبد السلام: ما ذكره في هذه المسألة مشكل على ما قيل في أصول الفقه في فرض الكفاية من أن اللاحق بالداخلين فيه بعد تلبسمم به وسقوط الفرض بهم يلحق بهم ويقع فعل الجميع فرضا من تلبس به أولا ومن لحق به، وأيضا إذا كان مذهب أهل السنة في فرض الكفاية خطاب الجميع حتى يفعله طائفة منهم فلا فرق بين تعيينه وعدم تعيينه انتهى. وهذا الاخير نحوه في التوضيح. الثالث: يفهم من كلام ابن عبد السلام أنه إذا حضر الجنازة المتعينة جماعة جاز لهم الجميع التيمم للصلاة عليها. وهو ظاهر، وإنما النظر فيمن يأتي بعد تيممهم ودخولهم في الصلاة، فهل يتيمم ويدخل معهم ام لا ؟ والظاهر من كلامه واستشكاله أن كلام أهل المذهب يقتضي عدم الدخول معهم فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وفرض) ش: يعني أن الحاضر الصحيح إنما يتيمم للجنازة المتعينة كما تقدم وللفرائض الخمس غير الجمعة كما نخه على ذلك على المشهور. ولمالك في الموازية: إنه لا يتيمم وإن خرج الوقت، نقله في التوضيح عن ابن راشد وقد نقله صاحب الطراز واللخمي وغيرهما. قال في التوضيح: وهذا يظهر إذا قيل إن عادم الماء والصعيد لا يصلي، وأما على القول بأنه يصلي فيحتمل أن يصلي هذا بغير تيمم، ويحتمل أن يقال بتيمم لان التيمم لا يزيده إلا خيرا انتهى. وأصله لابن عبد السلام. وإذا تيمم

[ 483 ]
الصحيح وصلى قال في التوضيح: فالمشهور أنه لا إعادة عليه، وصرح به الباجي وابن رشد. وقال ابن حبيب وابن عبد الحكم: يعيد أبدا انتهى. وقال اللخمي: اختلف في الصحيح إذا لم يكن مسجونا وهو في ضيق من الوقت، فإن طلب الماء خرج الوقت على ثلاثة أقوال، فأجاز له مالك أن يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت. وقال أيضا: يعيد وإن وجد الماء في الوقت. وفي كتاب محمد يطلب الماء وإن خرج الوقت انتهى. فعلم من كلام اللخمي أن الصحيح إذا خاف فوات الوقت إذا طلب الماء فتيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت لا إعادة عليه، وإن تبين خلاف ظنه وهو كذلك في المدونة قال فيها: ومن خاف في سفر أو حضر إن رفع الماء من البئر ذهب الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه في وقت ولا غيره إذا توضأ. ولمالك قول في الحضري: إنه يعيد إذا توضأ انتهى. وإطلاق قول المصنف لا يعيد صادق على ذلك أعني نفي الاعادة في الوقت وبعده ونبه على ذلك ابن غازي في كلام المصنف. ص: (غير جمعة) ش: يعني أنه إذا خشي فوات الجمعة لا يتيمم لها. وهذا قول أشهب قال في التوضيح قال: وإن فعل لم يجزه وهو ظاهر المذهب. وقال الشارح: إنه المذهب. قال ابن القصار: يتيمم لها إذا خشي الفوات. وكذا ذكر ابن عرفة عن المازري أنه عزا هذا القول لابن القصار نفسه وليس كذلك، فقد نقل ابن يونس عنه أنه قال:، لا يجزئه إن تيمم للجمعة إذا خاف أن تفوته قال: وقال بعض أصحابنا: القياس أن يتيمم لها إذا خاف الفوات فليس القول بجواز التيمم للجمعة له وإنما هو ناقل له فتأمله، وقد بالغ سند في إنكار التيمم لادراك الجمعة وقال: إنه مخالف للاجماع. ذكره في الكلام على التيمم لصلاة العيدين، وذكر ابن يونس عن بعض شيوخه أنه لو قيل يتيمم ويدرك الجمعة ثم يتوضأ ويصلي الظهر ما بعد. قال ابن عرفة: وظاهر كلام ابن يونس اختيار ذلك. قلت: وهو حسن إذا تحقق فوات الجمعة إذا ذهب للوضوء والله أعلم. ص: (ولا يعيد) ش: يعني إذا تيمم الحاضر الصحيح للفرض وصلاة ثم وجد الماء فإنه لا يعيد وتقدم الكلام عليه عند قوله وفرض. ص: (لا سنة) ش: المشهور أن

[ 484 ]
الحاضر الصحيح لا يتيمم لها. وعزاه ابن بشير للمدونة قال في المدونة: ولا يتيمم من أحدث خلف الامام في صلاة العيدين انتهى. وقال ابن سحنون: سبيل السنن في التيمم سبيل الفرائض الوتر والفجر والعيدين والاستسقاء والخسوف، ويتيمم لكل سنة كما يتيمم للفرائض. وذكر ابن عرفة ثالثا بأنه يتيمم للعينية كالوتر والفجر دون السنن على الكفاية كالعيدين، وعزاه اللخمي للمذهب. وليس في كلام اللخمي ما يدل على أنه المذهب ونصه: ويختلف في السنن إذا كانت على الاعيان كالوتر والفجر، ولا يتيمم للنوافل ولا للسنن إذا كانت على الكفاية كالجنائز والعيدين على القول بأنها على الكفاية، ثم ذكر كلام المدونة وكلام ابن سحنون وكلام ابن وهب المتقدم في صلاة الجنازة ثم قال: وإذا جاز للسنن عند عدم الماء فيختلف فيه مع وجود الماء إذا خاف خروج وقت الوتر وركعتي الفجر وفراغ الامام من اليدين والاستسقاء والجنائز والله تعالى أعلم. وحمل كلام سند ابن سحنون على من لا يقدر على مس الماء قال: ولو خاف فوات ركعتي الفجر إن توضأ وإن تيمم أدركهما مع الصبح فإنه يتوضأ ويدع ركعتي الفجر انتهى. فظاهر كلامه أن هذا متفق عليه وهو خلاف ما يقتضيه كلام اللخمي فتأمله والله تعالى أعلم. تنبيه: قال ابن عبد السلام: حكاية ابن الحاجب الخلاف في السنن يقتضي عدم الاتفاق على عدم التيمم للفضائل والنوافل وفيه نظر، والاظهر في الحاضر الصحيح التيمم للفرائض والنوافل لان الآية إ ن تناولته كان كالمسافر والمريض، وإن لم تتناوله لم يتيمم لها انتهى. وما حكاه من الاتفاق هو ظاهر كلام صاحب الطراز فإنه قال: لما حكى الخلاف في الجنازة إذا لم تتعين ووجه القول المشهور بالمنع فلم يجب للتيمم كما في سائر الصلوات، وكما لو مر بسجدة وهو في سوقه أو دخل في طريقه مسجدا فأراد أن يركع التحية أو يقرأ في حانوته وهو جنب فإنه لا يتيمم لشئ من ذلك وإن كان يتركه انتهى. وينبغي للشخص أن كل فعل تشترط له الطهارة ولا يباح إلا بها لا يفعله في الحضر بالتيمم إذا خاف فواته، وكل فعل تندب له الطهارة كقراءة القرآن ظاهرا والدعاء والمناجاة والنوم ونحو ذلك فينبغي له أن يتيمم إذا لم يجد الماء وخاف فوات ذلك الفعل لجواز الاقدام على ذلك بغير طهارة، والتيمم لا يزيده إلا خيرا والله تعالى أعلم. وليس في هذا وأمثاله إحداث قول وإنما فيه الخروج من الخلاف فيما حصل فيه منع من بعض العلماء، وتقليد بعض العلماء في اكتساب فضيلة لا يمنع منها غيره والله تعالى أعلم. تنبيه: هذا ظاهر في الصحيح الحاضر الذي عدم الماء، وأما إذا كان يخاف من استعماله الضرر على نفسه فالظاهر أنه بمنزلة المريض يتيمم للسنن. لا قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: ولا يتيمم الحاضر للسنن على المشهور ومراده إذا خشي إن تشاغل بتحصيل الماء أو

[ 485 ]
باستعماله فوات الوقت، فالمشهور لا يتيمم لان الاصل منع الحاضر من التيمم مع القدرة على استعمال الماء خرجت الفرائض لادراك الوقت وبقي ما عداها انتهى مختصرا، فجعل محل الخلاف فيمن يخاف فوات الوقت ويأتي في كلام العوفي والوانوغي ما يؤيد ذلك والله تعالى أعلم. فرع: قال الوانوغي في قوله في المدونة: وإذا تيمم الجنب ثم صلى ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط. قوله وصلى ولو في جماعة في المسجد فيؤخذ منه جواز دخوله لصلاة الجماعة لا أنه يصلي خارج المسجد. قال المشذالي: في الاخذ ضعف لانه من باب المطلق انتهى. وسكت عنه ولم يفصل هل مراده الجنب الصحيح أو المريض ؟ وقد نقل بعده ما نصه قال الوانوغي: قال القرافي: انظر لو أراد الجنب أن يدخل المسجد لصلاة الجماعة أو إعادة ما صلى منفردا، فهل يتيمم لدخول المسجد ثم للصلاة ؟ فقد يقال لا يجوز لان الجماعة والاعادة غير مضطر إليهما ولقوله: لا يتيمم الحاضر لسنة وهذا في حق الحاضر الصحيح، وأما المريض والمسافر فيجوز لقولهما يتيممان للطواف انتهى. وما ذكره ظاهر إلا أن هذا اللفظ لم أره في المدونة بل فيه تجوز فإن الطواف لا يتصور في حق المسافر ولهذا قال في التلقين: ولا يكاد يتصور في الطواف إلا للمريض والله تعالى أعلم. فرع: لو لم يجد الجنب الماء إلا وسط المسجد فهل يجب عليه التيمم لدخول المسجد ليتوصل إلى الماء ويصير في معنى من تعين عليه الفعل كالجنازة المتعينة، أو ينهى عن ذلك لانه لما كان للماء بدل وهو التيمم صار بذلك في معنى من لم يتعين عليه ؟ قال المازري في شرح التلقين: لا أحفظ فيه نصا عن المذهب لكن رأيت بعض المتأرين قال: قال مالك: يمنع الجنب من دخول المسجد إلا عابر سبيل. فيجب إذا اضطر لدخوله أن يباح له التيمم وقد أريناك من وجوه النظر في المسألة طريقا يرشدك لما سواه انتهى. وذكر في التوضيح في التيمم كلام المازري نفسه وقال بعده انتهى. ثم ذكر ما ذكره المازري عن بعض المتأخرين عن الباجي ولم يذكر غير ذلك. قلت: وقد صرح صاحب الطراز في غسل الجنابة بأنه يتيمم ويدخل ونصه: فإن التجأ الجنب إلى دخول المسجد ليأخذ منه الماء لغسله ولم يجد الماء في غيره فهذا يتيمم لدخوله. وهو قول أبي حنيفة ووجه ظاهر فإن كل فعل منع منه الجنب حتى يتطهر فإنه إن عجز عن الطهارة لذلك بالماء استباحه بالتراب كالصلاة، وكذلك يفعل إذا التجأ إلى الميت في المسجد وهو جنب انتهى. ولا بد أن يراد في التوجيه، واضطر إلى ذلك الفعل وتعين عليه وإلا لزام عليه جواز تيمم الحاضر الصحيح للسنن والله أعلم. وذكر البرزلي في مسائل الطهارة عن مسائل ابن قداح ما نصه: من أتى المسجد وهو جنب والدلو فيه فإن ضاق الوقت تيمم ودخل

[ 486 ]
لاخذه، وإن اتسع الوقت انتظر من يأتي فيناوله إياه. قلت: مثله إذا كان الماء في المسجد هل يتيمم ويدخل بغير تيمم ؟ وهي المسألة التي سأل مالكا محمد ابن الحسن عنها فأجابه ابن الحسن بالاول وسكت مالك. وعكسه أن تصيبه جنابة وهو في المسجد فذكر ابن يونس عن البخاري جواز الخروج وبوب عليه البخاري باب جواز خروج الجنب من المسجد وأدخل خروجه (ص) لغسل رأسه الحديث انتهى. قلت: قال ابن عرفة في مختصره بعد أن ذكر كلام المازري المتقدم. قلت: ذكر ابن الدقيق أن محمد بن الحسن سأل مالكا عن هذه المسألة بحضرة أصحابه فأجابه بأنه لايدخل، فأعاد محمد سؤاله فأعاد مالك جوابه فأعاد محمد فسأله فقال له مالك: فما تقول أنت ؟ فقال: يتيمم ويدخل لاخذ الماء فلم ينكره مالك انتهى من باب التيمم، ونقله عن المشذالي وغيره والله تعالى أعلم. فرع: قال سند في عكس الفرع: فإن احتلم في المسجد فهذا يخرج من غير تيمم. وحكى ابن أبي زيد في نوادره عن بعض أصحابنا أنه قال: ينبغي أن يتيمم لخرجه وهذا قول باطل بالخبر والنظر. أما الخبر فإن النبي (ص) لما أحرم في الصلاة ثم ذكر أنه جنب خرج ولم ير واحد أنه تيمم. وأما النظر فلانه إذا اشتغل بالتيمم كان لبثا في المسجد مع الجنابة فكان خروجه أهون من ذلك لان خروجه يعد تركا للكون في المسجد ونزعا عنه انتهى. ونقله في التوضيح. ونقل البرزلي في الطهارة عن ابن قداح أنه لا يتيمم إذا احتلم في المسجد كما قال سند والله أعلم. ونقل المشذالي عن العوفي بعد حكايته كلام صاحب النوادر وكلامسند ما نصه: والظاهر أن هذا الخلاف إنما هو إذا نام في المسجد. وأما لو نام في بيت المسجد فلا يختلف أنه يتيمم لخروجه انتهى. وما قاله ظاهر يفهم من كلام سند المتقدم في دخول المسجد للماء والله أعلم. ولو كان مضطرا للمبيت في المسجد ولا يمكنه الخروج منه تيمم للمبيت في المسجد والله أعلم. وعلى القول بجواز مكث الجنب في المسجد ينبغي أن يتيمم لخروجه والله أعلم. ويأتي الكلام على تيممه على تراب المسجد والله أعلم. ص: (وإن عدموا ماء كافيا) ش: الضمير عائد إلى المسافر والمريض والحاضر الصحيح ويصرف في بقية المسائل في كل مسألة إلى ما يليق به، ويعني أن شرط جواز التيمم لهم أمور: والاول منها عدم الماء الكافي للطهارة الواجبة عليهم ودخل في ذلك ثلاث صور: والاولى: عدم الماء بالكلية. الثانية: وجود

[ 487 ]
ما لا يكفي للوضوء في حق المحدث الحدث الاصغر وما لا يكفي للوضوء ولا للغسل في حق المحدث الحدث الاكبر. الثالثة: وجود ما لا يكفي للوضوء دون الغسل في حق المحدث الحدث الاكبر. والحكم في الجميع سواء كما قال المصنف. قال في النوادر قال علي بن زياد في جنب مسافر اغتسل بما معه من الماء وصلى فبقي عليه قدر الدرهم فلا يجزئه ويتيمم ويعيد الصلاة. وقال ابن راشد: وقد اتفقنا نحن وأبو حنيفة على أن من وجد ماء لا يكفيه لطهارته أنه يتركه ويتيمم. وقال الشافعي: يجب عليه استعماله ثم يتيمم. وذهب بعد البغداديين إلى أنه يبني التيمم على الوضوء ويكمل إحدى الطهارتين. وقال القرطبي: والذي يراعى من وجود الماء أن يجد منه ما يكفيه لطهارته فإن وجد أقل من الكفاية تيمم ولم يستعمل ما وجد منه. هذا قول مالك وأصحابه وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وهو قول أكثر العلماء لان الله تعالى جعل فرضه أحد الشيئين، إما الماء وإما التراب، فإن لم يكن الماء مغنيا عن التيمم كان ظير موجود شرعا لان المطلوب منه وجود الكفاية. وقال الشافعي في القول الآخر: يستعمل ما معه من الماء ويتيمم. قال في التلقين: فإن وجد دون الكفاية لم يلزمه استعماله. قال المازري: مذهب مالك وأبي حنيفة أن من وجد من الماء ما لا يكفيه لوضوئه لا يجب عليه استعماله. وقال في المدونة: وإن كان مع الجنب من الما قدر ما يتوضأ به تيمم للجنابة لكل صلاة أحدث أم لا، فإن كان به أذى غسله بذلك الماء ولا يتوضأ به انتهى. زاد أبو محمد في اختصاره: ولو توضأ به ناسيا لجنابته وصلى تيمم إن لم يجد الماء وأعاد الصلاة أبدا، وإن تيمم الجنب ثم أحدث أو نام ثم وجد من الماء قدر الوضوء لم يجزه الوضوء به لانه عاد جنبا، وكذلك يعود بدخول وقت صلاة ثانية. ونقله سند أيضا والله تعالى أعلم. قال ابن عبد السلام: هذا إذا قيل إن حكم الوضوء مطرح مع الجنابة وقد تقدم في ذلك خلاف عندنا وعند الشافعية. قال ابن عرفة: ولا أعرف ما ذكره بل قال ابن العربي: أجمعوا على استلزام الغسل للوضوء انتهى. بل كلام ابن عبد السلام المتقدم في الغسل نص في ذلك فإنه قال في قول ابن الحاجب: ويجزئ الغسل عن الوضوء أكثر ما يستعمل العلماء هذه العبارة أعني قولهم يجزئ في الاجزاء المجرد عن الكمال. ولا خلاف علمت في المذهب أنه لا فضل في الوضوء بعد الغسل وإنما الخلاف في سقوط الوضوء تقديرا أو يقدر الآتي بالغسل آتيا بالوضوء حكما انتهى. ولعل هذا هو الخلاف الذي أشار إليه. قال ابن عبد السلام أيضا: التزم بعض أئمتنا استعماله في الوضوء بناء على أن كل عضو يطهر بانفراده. قال ابن عرفة: ولا أعرفه لغير الاعرج والله تعالى أعلم. وتقدم أن من وجد ما يزيل به بعض النجاسة ويأتي أن من وجد ما يستر به بعض عورته يجب عليه ذلك، وكذلك من وجد من الطعام يسيرا لا يمسك رمقه فإنه يجب عليه أكثر ثم بعد ذلك ينتقل إلى الميتة. والفرق بين هذه المسائل ومسألة التيمم أن استعمال الماء لا يظهر له أثر بخلاف المسائل المتقدمة فإنه يؤثر طهارة بعض المحل وستر بعض العورة وفي أكل الطعام اليسير إمساك

[ 488 ]
للرمق، وتقدم ما إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه للوضوء أو لازالة النجاسة في الكلام على المعفوات. فرع: فإن وجد من الماء ما يغسل به وجهه ويديه وقدر على أن يجمع ما سقط من أعضائه ويكمل وضوءه به فإنه يفعل ذلك ويصير بمنزلة من وجد ماء مستعملا فيجب عليه أن يتطهر به عند عدم غيره. قاله الشيخ ابن أبي زيد ونقله عند ابن يونس وغيره من شراح المدونة في الكلام على الماء المستعمل، ونقله ابن عرفة وغيره هناك بل قال ابن هارون: إنما يكون مستعملا على القول بأن كل عضو يطهر بانفراده، وأما على القول بأنه لا يطهر إلا بالجميع وهو المشهور فلا يكون مستعملا ونحوه لابن عرفة. ونقله ابن ناجي أيضا في أول شرح المدونة، ونقله البرزلي في الطهارة وفي أثناء مسائل الصلاة ونصه: إذا كان معه مق الماء قدر ما يغسل به وجهه وذراعيه خاصة وإن جمعه مسح به رأسه وغسل رجليه فإنه يفعل ذلك انتهى. والعجب من ابن فرحون حيث أورد ما ذكرناه عن ابن أبي زيد بحثا ثم قال بعده: والفرض أنهم لم يختلفوا في انتقاله للتيمم ثم قال: وهذا بحث ولم أره لاصحابنا منصوصا. تنبيه: علم مما تقدم من كلام ابن أبي زيد والبرزلي أنه إذا وجد ما يغسل به الاعضاء المفروضة أنه يجب عليه الوضوء ويترك السنن ولا يجزئه التيمم وهو ظاهر. تنبيه: أطلق المصنف رحمه الله تعالى كغيره في الماء اعتمادا على أنه إنما ينصرف للماء المطلق فالماء المضاف كالعدم كما صرح به في التلقين وشرحه ونصه: قال في التلقين: شرط جواز التيمم عدم الماء الذي يطهر به أو عدم بعضه. قال المازري: قيده بذلك ليخرج الماء المضاف والماء اليسير تحله النجاسة عند من يقول يتركه ويتيمم، ومن اشتبهت عليه الاواني عند من يقول يتيمم والله أعلم. تنبيه: لو وجد ماء للغير أو ماء مسبلا للشرب خاصة، هل يعد فاقدا للماء لان الفقد الشرعي كالفقد الحسي - وقاله الشافعية - أولا ؟ لم أر فيه نصا. والظاهر أنه فاقد للماء ويتيمم. قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: وإذا مات صاحب الماء ومعه جنب فربه أولى به. قال: ربه أولى لا لكونه ميتا بل لملكه انتهى. والماء المسبل باق على ملك ربه إياه فلا يصرف في

[ 489 ]
غير ما عينه له والله تعالى أعلم. وسئل سحنون عمن حمل ماء على دابة وديعة عنده تعديا هل يتوضأ به ؟ قال: لا، ويتيمم وإن توضأ به لم يعد وبئس ما صنع. ص: (أو خافوا باستعماله مرضا أو زيادته أو تأخر برء) ش: الضمير راجع إلى الثلاثة المتقدمين ويعني أن التيمم يباح لمن ذكر مع وجود الماء إذا خافوا المرض أو زيادته أو تأخر برء، وكل واحد من الثلاثة يتيمم لما أبيح له أن يتيمم له، فالمسافر والمريض يتيممان للفرض والنفل، والحاضر الصحيح للفرض فقط. قال في التلقين: وأما جوازه لتعذر الاستعمال فيعتبر فيه أربعة أشياء: خوف تلف أو زيادة مرض أو تأخير برء أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه انتهى. واكتفى الشيخ بقوله: أو خافوا باستعماله مرضا عن خوف التلف إذ هو أحرى بالنسبة إلى خوف المرض. وفي الجواهر السبب الخامس المرض الذي يخاف من الوضوء معه فوات الروح أو فوت منفعة وكذلك لو خاف زيادة المرض أو تأخر البرء أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه فإنه يتيمم على المعروف من المذهب. قال القاضي أبو الحسن: وكذلك إن خاف الصحيح نزلة أو حمى فإن كل ذلك ضرر ظاهر. وروى بعض البغداديين رواية شاذة أنه لا ينتقل إلى التيمم بمجرد خوف حدوث المرض أو زيادته إن كان مريضا أو تأخر برء، فإن كان إنما يتألم في الحال ولا يخاف عاقبته لزم الوضوء والغسل انتهى. ونقله القرافي جميعه ولفظه في الآخر: وأما مجرد الالم فلا يبيح التيمم انتهى. قال ابن ناجي: ولقد أحسن أشهب رضي الله عنه لما سئل عن مريض لو تكلف الصوم والصلاة قائما لقدر لكن بمشقة وتعب قال: فليفطر وليصل جالسا ودين الله يسر. وفي المدونة: وإن خاف الجنب الصحيح على نفسه الموت من ثلج أو برد يتيمم. قال مالك: والمجدور والمحصوب إذا أصابتهما جنابة وخافا على أنفسهما تيمما لكل صلاة أحدثا أو لم يحدثا انتهى. من اختصار ابن أبي زيد. وكلام سند في شرحه بدل على أن مراده الصحيح الحاضر. تنبيه: ما تقدم من أن الجنب إذا عجز عن الغسل تيمم وهو المعروف في المذهب. وذكر في الاكمال عن أحمد بن إبراهيم المصري المعروف بابن الطبري من أصحاب ابن وهب أن من خاف على نفسه المشقة من الغسل أجزأه الوضوء لحديث عمرو بن العاص، ونقله ابن ناجي في شرحي المدونة والرسالة. فرع: يؤخذ حكمه مما تقدم نقله سند وأصله في الواضحة ونقله في التوضيح ونقله غيره. قال سند: (فرع) إذا قدر المريض على أن يتوضأ ويصلي قائما فحضرت الصلاة وهو في عرقه وخاف إن فعل ذلك انقطع عنه العرق ودامت علته. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إنه يتيمم ويصلي إيماء إلى القبلة، وإن خرج الوقت قبل زوال عرقه لم يعده وما قالوه موافق للمذهب فإن دوام المرض في معنى زيادة المرض انتهى. تنبيه: قال ابن فرحون قال الشيخ تقي الدين: هنا بحث ينبغي أن يتأمل وهو أن المؤلف

[ 490 ]
علق الحكم على الخوف فهل يجري على ظاهره من اعتبار مجرد الخوف أو لا يعتبر إلا خوفا نشأ عن سبب أما إذا كان عن جبن وخوف لا عن سبب فلا اعتبار به انتهى. والظاهر أن الخوف إنما يعتبر إذا استند إلى سبب كان يتقدم له تجربة في نفسه أو في غيره مما يقاربه في المزاج أو بخبير عارف بالطب. ص: (أو عطش محترم معه) ش: يعني أن التيمم يباح لمن تقدم مع وجود الماء أيضا إذا خافوا عطش حيوان محترم. قال في المدونة: وإذا خاف العطش وإن توضأ بماء معه تيمم. وقال ابن الحاجب: وكظن عطشه أو عطش من معه من آدمي أو دابة. قال في التوضيح: قول المصنف كظن عطشه قريب منه في الجواهر، والذي في كتب أصحابنا كالمدونة والجلاب والتلقين وابن بشير وغيرهما إذا خاف عطشه أو عطش من معه تيمم. وأنت إذا تأملت العبارتين وجدت بينهما فقا، لان عبارة المصنف تقتضي أنه إذا شك في العطش أو توهمه لا يجوز له التيمم بخلاف عبارتهم انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة وقبله، وكذلك ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ونص ما في التلقين: الرابع: أن يخاف على نفسه أو على إنسان التلف من شدة العطش أو يخاف ذلك في ثاني حال ويغلب على ظنه أنه لا يجده. قال المازري في شرحه: أما إذا خاف عطشا بمرضه فيجري على الخلاف في التيمم لخوف حدوث المرض، وأما خوفه تلف من آخر من العطش فيبيح له التيمم لان حرمة نفس غيره كحرمة نفسه ويجب عليه ذلك. قال ابن حبيب: يجوز التيمم إذا خاف على غيره الموت أو ضررا شبه الموت. وقيد القاضي كلامه هنا بخوف التلف للاختلاف الذي قدمناه، وأما خوفه من مرض غيره ففيه نظر. وقوله: أو يخاف ذلك في ثاني حال الخ، لانه لا فرق بين أن يخاف التلف في الحال أو في المستقبل بأن يغلب على ظنه أنه لا يجد ما يشربه في المستقبل وغلبة الظن هنا تقوم مقام العلم انتهى. ونقله ابن عرفة فأنت تراه كيف اشترط غلبة الظن كما اشتر ذلك صاحب الجواهر وابن الحاجب وهو الظاهر، لان الاحكام الشرعية إنما تناط بغلبة الظن لا بالشك والوهم. واعلم أنه إذا كثرت الرفقة وكثر معه الفقراء كالركب والقوافل العظيمة فلا شك أنه يغلب على الظن في مثل المفاوز والخبوت لا سيما في أيا الصيف أن يخاف على من معهم من الفقراء وغيرهم الموت من العطش فيباح التيمم لكن بشرط أن يسقي الفقراء بما يغلب على ظنه أن يفضل عن شربه وشرب من معه والله تعالى أعلم. وما ذكره المازري في خوف المرض نقله في الجواهر.

[ 491 ]
تنبيهات: الاول: المشهور أنه لا فرق في خوف العطش بين أن يخاف الموت أو يخاف ضررا لا يموت معه: وصرح بذلك في الطراز والذخيرة ولم يذكرا فيه خلافا. والظاهر نقل المازري عن ابن حبيب أنه لا فرق بين أن يخاف على غيره المرض أو التلف والله تعالى أعلم. وفي العمدة لابن عسكر: وأما إذا لم يخف على غيره المرض أو خوف عطش متوقع ولو على رقيق أو دابة فيتوضأ ولا يسقيه. ففي سماع ابن القاسم عن مالك فيمن معه ماء قليل ومر عليه رجل فاستسقاه أيسقيه ويتيمم. قال: ذلك يختلف إما رجل يخاف أن يموت فيسقيه، وأما إن لم يبلغ منه الامر المخوف فلا أرى ذلك له وقد يكون عطشا خفيفا ولكن إن أصابه من ذلك أمر يخافه فأرى ذلك له. ابن رشد: خوفه على الرجل كخوفه على نفسه سواء. وقد قال في رسم الوضوء من سماع أشهب أنه إذا كان معه قدر وضوئه وخاف على نفسه العطش تيمم وهو كما قال انتهى. فظاهر كلام ابن رشد أنه إذا لم يخف على نفسه أيضا التلف ولا المرض وإنما به عطش خفيف أنه لا يباح له شرب الماء القليل والتيمم فتأمله والله تعالى أعلم. الثاني: أطلق ابن الحاجب في الدابة وقيده المصنف بالحيوان المحترم، وأشار بذلك لما ذكره في توضيحه ونصه: والظاهر أنه إذا كان معه كلب أو خنزير يقتلهما ولا يدع الماء لاجلهما، وإن كان ابن هارون قد تردد في ذلك لان المذهب جواز قتل الكلب صرح به غير واحد، وكذلك الخنزير المذهب جواز قتله، صرح به اللخمي في باب الصيد، وإذا جاز قتلهما وكان الانتقال إلى التيمم مع القدرة على الماء غير جائز تعين قتلهما انتهى. الثالث: قال ابن عبد السلام: لاإشكال في صحة سببية عطش الآدمي المعصوم الدم، وأما الدابة فإن كان لا يبلغ، إلا عليها فكذلك وإلا اعتبرت قيمتها إن لم يؤكل لحمها وما بين قيمتها حية ومذبوحة إن أكل لحمها، فإن كان ذلك لا يجحف به ذبحها، وإن أجحف به جاز التيمم انتهى. واعترضه في التوضيح فقال: فيه نظر لانه يقتضي أن الحيوان الذي لا يؤكل وثمنه يسير يتركه يموت ويتوضأ، ولا أظن أحدا يقول بذلك لانه لا يجوز قتل الحيوان لغير ضرورة انتهى. وعن هذا الاعتراض احترز ابن عرفة فقال ابن بشير: الحيوان غير الآدمي مثله. قال ابن عرفة: قلت: إن أمكن بيعه أو بيع لحمه برخص ما يشتري به الماء ولا ضرورة به ألغى انتهى. قلت: ويفهم من تقييد ابن عبد السلام الآدمي بالمعصوم أن الحربي والمرتد والزاني المحصن ونحوه لا يراعى الخوف عن عطشهم وهو ظاهر إذا ثبت سبب ذلك والله تعالى أعلم. الرابع: قال ابن فرحون عن ابن دقيق العيد: قد يقال إن خوف العطش لا يبيح التيمم إلا إذا لم يمكنه جمع الماء ويشربه، وأما مع الامكان فهو قادر على الجمع بين المصلحتين. وإن قيل تعافه النفس، قيل: عيافته لا تنهض حجة في العدول عن الماء وقصارى ما يخاف منها المرض. وقد اختلف في التيمم إذا خاف حدوث المرض فتكون هذه المسألة من هذا الباب، وأما إطراح النظر في جمعه وشربه ففيه نظر. قال ابن فرحون: ذكر الشيخ هذا عن بعض الفضلاء،

[ 492 ]
وجوابه أن ذلك من الحرج واستعماله من المستقذرات ولم يرد ذلك عن أحد ممن يقتدى به من السلف والخلف انتهى. قلت: وأيضا فالمشهور جواز التيمم لخوف حدوث المرض كما تقدم. الخامس: كما يراعى في الماء أن يكون فاضلا عن شربه فكذلك يراعى أن يفضل عما يحتاج إليه من عجن أو طبخ يطبخه لمصلحة بدنه، وقد صرح بذلك القرطبي في الطبخ فأحرى العجن والله تعالى أعلم. ص: (أو بطلبه تلف مال) ش: يعني أن من تقدم يباح لهم التيمم إذا خافوا بسبب طلبهم الماء تلف مال من لصوص أو سباع على المشهور إلا أن المريض لا يكون منه في الغالب طلب، وإنما يكون ذلك في المسافر والحاضر الصحيح، وقد ذكر الجزولي أنهما يتيممان إذا خافا أن يسرف متاعهما إذا ذهبا إلى الماء والله تعالى أعلم. وقيل: لا يتيمم لخوف تلف الماء. قال ابن بشير: وهو بعيد وأحسن ما يحمل عليه إذا لم يتيقن الخوف ولا غلب على ظنه، وأما مع تحقق الخوف فلا وجه لهذا القول. تنبيهات: الاول: قال ابن عبد السلام: وينبغي أن يفصل في المال بين الكثير والقليل وهو الذي أراده ابن الحاجب والله تعالى أعلم. وفي الاعادة بعد ذلك في الوقت نظر كالمصلي على الدابة خوفا من لصوص أو سباع انتهى. فحمل كلام ابن الحاجب على المال الكثير وبذلك فسر البساطي كلام المؤلف وهو الظاهر، لكن شرط أن يكون حد اليسير ما يلزمه بذله في شراء الماء فأقل وإن كان أكثر من ذلك تيمم والله تعالى أعلم. الثاني: شمل قولنا لصوص من يخاف طروه ومن يكون معه. قال اللخمي: أو يخاف لصوصا أو سباعا حالت بينه وبين الماء أو كان من هو معه غير مأمون متى فارقه ذهب برحله انتهى. الثالث: لم يذكر المصنف هنا الخوف على النفس من اللصوص أو السباع اكتفاء بما تقدم ولانه يفهم منه بالاحروية تعميمه ذلك. الرابع: قال القرطبي في تفسيره: من أسباب التيمم خوف فوات الرفيق وهو ظاهر والله تعالى أعلم. الخامس: سمع ابن القاسم في رسم كتب عليه ذكر حق كراهة تعريسهم دون الماء على ثلاثة أميال خوفا على مالهم. قال ابن رشد: فإن فعلو ذلك فقال ابن عبد الحكم: لا إعادة وهو ظاهر هذه الرواية. وقال أصبغ: يعيدون في الوقت. وقال ابن القاسم: يعيدون أبدا. وقع هذا الاختلاف في المبسوطة والقول الاول أظهر، لانهم فعلوا ما يجوز لهم من النزول دون الماء بثلاثة أميال للعلة المذكورة، ودليله حديث العقد. وما ذكره في المدونة من عدم شراء الماء إذا

[ 493 ]
رفعوا عليه في ثمنه والله أعلم. وسمع ابن القاسم أيضا في رسم الشريكين سقوط طلبه على ميل ونصف ميل خوف سلابة أو سباع. ابن رشد: مفهومه أنه يطلبه في الميل إن لم يخف شيئا. وفي النوادر إن كانت عليه في ذلك مشقة فليتيمم وذلك على قدر ما يجد من القوة وذلك بسوط في رسم البز، وأما الميلان فهو كثير ليس عليه في سفر ولا حضر أن يعدل عن طريقه ميلين. ص: (أو خروج وقت) ش: أي وكذا يباح التيمم لمن ذكر إذا خافوا خروج الوقت بسبب طلبهم للماء. قال في المدونة: ومن خاف في الحضر أن تطلع الشمس أن ذهب إلى النيل يتوضأ وهو في مثل المعافر وأطراف الفسطاط فليتيمم ويصل ولا يذهب إلى الماء، ودخل في كلامه: ومن خاف فوات الوقت إن اشتغل برفع الماء من البئر. قال في المدونة: ومن خاف في سفر أو حضر إن رقع الماء من البئر ذهب الوقت يتيمم. وفي التلقين: الثالث: أن يخاف متى تشاغل باستعماله فوات الوقت لضيقه أو لتأخره المجئ به أو لبعد المسافة في الوصول إليه كالدلو والرشا، فيؤخذ من كلام المصنف حكم أقسام الحاضر الاربعة التي ذكرها في التوضيح لانه دخل في كلامه من خاف فوات الوقت بطلب الماء ومن خاف فواته برفع الماء إلى البئر. والقسم الثالث: من خاف فوات الوقت لعدم الآلة. والرابع: من خاف فوات الوقت باستعمال الماء وسيصرح بحكمها، والمراد بالوقت الوقت المختار. قال ابن غازي قال ابن رشد في رسم عبد استأذن من سماع عيسى من كتاب الوضوء القول بأن من خاف طلوع الشمس يتيمم، هو على القول بأن الصبح ليس لها وقت ضرورة، وأما على القول بأن لها وقت ضورة وهو الاسفار فإنما يعالج طلب الماء ما لم يخف أن يسفر لان الذي لا يجد الماء ينتقل إلى التيمم إذا خشي أن يفوته وقت الاختيار انتهى. وما قاله ابن عسكر من اعتبار الضروري هنا غير معروف انتهى كلام ابن غازي وما قاله ظاهر. وقد قال اللخمي: الاوقات التي تؤدى فيها الصلاة بالتيمم أوقات الاختيار لا أوقات الضرورات، فكل وقت تؤدى فيه الصلاة بالضوء ولا يجوز تأخيرها عنه مع الاختيار هو الوقت الذي تؤدى فيه بالتيمم لا تؤخر عنه انتهى. وقد يفهم ذلك من قول المصنف بعد: فالآيس أول المختار لان من عادة المصنف أنه إذا كان الفصل متحدا أخر القيد إلى آخر الكلام والله تعالى أعلم. وصرح به صاحب الوافي والشيخ زروق في شرح الارشاد، وظاهر عبارة الارشاد خلاف ذلك فانظره. وقد اعترض على ابن عساكر الشيخ زروق في شرحه. تنبيهات: الاول: والمراد بخروج الوقت أن لا يدرك من الصلاة ركعة كما قال اللخمي، وهذا ظاهر إذا خاف خروج الوقت الضروري فإنه يدرك بحصول ركعة فيه كما سيأتي في باب الاوقات، وأما إذا خاف خروج الوقت المختار فينبغي أن يراعى فذلك ما يدرك به الوقت

[ 494 ]
المختار، وسيأتي في باب الاوقات أن فيه خلافا فقيل يدرك بركعة كالضروري، وقيل بتكبيرة الاحرام، وقيل لا يدرك إلا بإدراك الصلاة جميعها. الثاني: المراعى في التشاغل باستعمال الماء قدر ما تدل عليه الآثار من صفة وضوئه (ص) لا على ما يكون من التراخي والوسواس. قاله اللخمي في مسألة من وجد الماء بعد تيممه وكان الوقت ضيقا وهذا أحرى والله تعالى أعلم. ص: (كعدم مناول أو آلة) ش: أي وكذلك يباح التيمم مع وجود الماء لمن عجز عن تناوله ولم يجد من يناوله إياه أو لم يجد آلة يتناوله بها وخاف فوات الوقت وكذا لو وجد الآلة وخاف فوات الوقت إن اشتغل برفعه من البئر كما تقدم عن المدونة، وهو داخل في قول المصنف أولا أو بطلبه خروج وقت وهذا هو القسم الثالث من أقسام حكم الحاضر الصحيح، وأشار إلى القسم الرابع بقوله. ص: (وهل إن خاف فواته باستعماله خلاف) ش: أي فوات الوقت المختار كما تقدم، والقولان جاريان أيضا فيما إذا خاف خروج الوقت الضروري. ولا يقال يتفق على أنه يتيمم إذا خاف خروج الوقت الضروري فقد قال في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الطهارة فيمن كان في حضر ومعه بئر إن عالجها طلعت الشمس قال: يعالجها وإن طلعت الشمس قال: وقد قيل يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس. وقوله ابن غازي ما قاله ابن عسكر في الارشاد من اعتبار الضروري هنا غير معروف يعني أنه إذا ذكر أن المعتبر في جواز التيمم هو الوقت الضروري فلا يباح التيمم إلا إذا خاف خروجه، وأنه لا يتيمم إذا خاف خروج الوقت المختار فهذا هو الذي غير معروف فتأمله والله أعلم. والقول بالتيمم إذا خاف خروج الوقت رواه الابهري عن مالك على ما نقله المازري وغيره وهو مذهب ابن القصار وعبد الوهاب وغيرهما من العراقيين، واختاره التونسي وابن يونس قائلا هو الصواب. قال في التوضيح: وهو مقتضى الفقه وشهره ابن الحاجب قال في التوضيح: ولا أعلم من شهره. قلت: يكفيه من القوة اختيار من كرنا والقول بأنه يتوضأ، عزاه ابن يونس لبعض علمائنا وابن عرفة لبعض القرويين. وقال في التوضيح: حكي في النكت عن بعض الشيوخ أنه لا يختلف في استعمال الماء لمن هو بين يديه ولاجل ما ذكره هؤلاء من نفي الخلاف قوي هذا القول عند المصنف - والله أعلم - حتى سوى بينه وبين القول الاول مع قوته، والراجح هو القول الاول وأقامه اللخمي وعياض من المدونة. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة فيمن خاف في الحضر: إن ذهب إلى الماء خرج الوقت وإذا فرعنا على المشهور من المذهب في أنه من أهل التيمم فخرج الوقت عقيب تيممه

[ 495 ]
توضأ وصلى، لان التيمم إنما شرع لاجل إدراك فضيلة الوقت، وقد ذهب. قاله بعض فضلاء أصحابنا قائلا: ولا وجه لتوقف بعضهم في ذلك وميله إلى الصلاة به قائلا: لانه فعله بوجه جائز كما إذا أحرم والفرق واضح وهو التلبس بالعبادة انتهى. قلت: وهو ظاهر وإذا كان الحكم كذلك فيمن يخاف خروج الوقت إذا تشاغل بالطلب فأحرى فيمن يخاف خروجه باستعماله الماء أو بنزعه من البئر أو بطلب آلة ينزع بها والله أعلم. فرع: قال العوفي: لو كان الماء باردا لا يقدر على استعماله لمرض به إلا بتسخينه، وهو لو سخنه أو بعث إليه من الحمام لخرج الوقت، فذهب بعض أهل العصر إلى أنه يدخله الخلاف في الذي إذا تشاغل بالماء ذهب الوقت وهو عندي خطأ، فإن كونه لا يقدر لمرض فهذا مريض له حكم المريض يباح له التيمم بخلاف خائف خروج الوقت لانه صحيح. نقله ابن ناجي في شرح المدونة والمشذالي في حاشيته، وزاد هذا: إذا كان لمرض وإن كان لمشقة تلحقه. فإن قلنا المشقة من غير مرض توجب الترخص كان كالمريض وإلا فهو كالصحيح انتهى. قلت: وفي هذا الكلام نظر لانه يقتضي أن مجرد المشقة من غير خوف مرض يبيح التيمم ولا أعلم في ذلك خلافا، وإنما الخلاف في خوف المرض. وبحث معه المشذالي في تخطئته لبعض العصريين قائلا: لاحتمال أن يقال المريض المندرج في الآية الذي لا يقدر على مس الماء مطلقا وهذا يقدر على استعماله من وجه فيطالب باستعماله من ذلك الوجه، فإن كان تشاغله بتحصيل ذلك الوجه لا يفيته الوقت فواضح، وإن كان يفيته صح إجراء الخلاف فيه مما ذكره بعض العصريين انتهى. هذا هو الظاهر، ويفهم منه أنه لو كان الوقت متسعا وجب عليه تسخين الماء وهو ظاهر والله أعلم. فرع، ومنه ما قاله القرافي في الذخيرة في الفضل الذي ذكر فيه حكم إزالة النجاسة وهو أنه إذا قلنا إن المصلي إذا تذكر النجاسة وهو في الصلاة يقطع فإذا بقي من الوقت ما لا يسع بعد إزالة النجاسة ركعة فيتخرج على الخلاف فيمن إذا تشاغل برفع الماء من البئر خرج الوقت، وهذا أولى بالتمادي لان الصلاة بالنجاسة أخف بالصلاة بالحدث لوجوب رفعه إجماعا، انتهى. أوله بالمعنى. ومن قوله بقي من الوقت باللفظ ولو تذكر قبل الدخول في الصلاة وقد ضاق الوقت حتى لا يسع بعد إزالة النجاسة ركعة فالظاهر مثله والله أعلم. والذي يظهر لي أن تخريج الفرع الاول الذي ذكره القرافي على من تيمم ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة أولى وأقرب، وتخريج الفرع الثاني على الخلاف الذي ذكره أقرب والله أعلم. وقد نص في التوضيح على وجوب غسل النجاسة أنه إن ضاق يصلي بالنجاسة. انظره في الكلام على حكم إزالة النجاسة من التوضيح. ص: (وجاز

[ 496 ]
جنازة وسنة ومس مصحف وقراءة وطواف وركعتاه بتيمم فرض أو نفل إن تأخرت) ش: قال ابن غازي: ظاهره أن هذه الاشياء يجوز أن تصلي بعد الفرض والنفل بتيممهما، فما عند ابن الحاج إلا أنه زاد عليه ذكر الجنازة، وعبر عما دون الفرض من الصلوات بالسنة فتكون الرغيبة والنافلة أحرى. فإن قلت: أما السنة فما دونها بعد الفرض فجوازها ظاهر وكذلك بعد النفل فقد ذكر في النوادر عن ابن القاسم أنه لا بأس أن يوتر بتيمم النفل، وأما الجنازة إذا تعينت فكيف يصليها بتيمم غيرها ؟ وأما الطواف فقد أطلقه هنا كابن الحاجب وهو يقول في التوضيح: ينبغي أن يقيد بطواف النفل. وقال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب الطواف بعد الفرض كالنفل لا أعرفه في واجبه فكيف به بعد النفل ؟ قلت: لعل قوله بعد هذا إلا فرض آخر أعم من أن يكون أحد الخمس أو جنازة تعينت أو طوافا واجبا فيكون قيدا لما أطلق هنا في الجنازة والطواف، وليس في قوله بعد وبطل الثاني ولو مشتركة ما يبعده ولا بد، على أني لا أذكر الآن من صرح بجواز التبعية في الجنازة لفرض أو نفل تعينت أم لا. فإن قلت: قوله إن تأخرت إنما يحسن اشتراطه في تيمم الفرض لا النفل. قلت: يمكن أن يكون مفهومه بالنسبة لتيمم الفرض مفهوم مخالفة، وبالنسبة لتيمم النفل مفهوم موافقة، يعرفه ذهن السامع انتهى. وما ذكره ابن غازي حسن لكنه يحتاج إلى تبيهات: الاول: قال ابن غازي: على أني لا أذكر الآن من صرح بجواز التبعية في الجنازة لفرض أو نفل تعينت أم لا. قلت: صرح به سند ونقله عن مالك في المجموعة ونصه: إذا قلنا لا يجمع بين فرضين فهل يجمع بين فرض وسنة، أو بين فرض معين وفرض كفاية ؟ المذهب أنه يجمع إذا قدم المكتوبة. وقال مالك في المجموعة فيمن تيمم لفريضة: فله أن يصلي بذلك على الجنازة. قال ابن المواز: إذا كانت واصلة بالفريضة وإذا أراد أن يصلي بتيمم الفريضة فلا فرق

[ 497 ]
بين أن تكون جنازة واحدة أو جنائز عدة يجتمعن أو يفرقن، وإذا كن نسقا. وقال بعض الشافعية: لا يصلى على جنائز بتيمم واحد وإن اجتمعوا في صلاة واحدة، لان الجنازة إذا تعينت صارت فرضا وهو فاسد لانها صلاة واحدة انتهى. وفهم من قوله فرض كفاية أنها لم تتعين. الثاني: قال ابن غازي: لم يصرح المصنف بشرط الاتصال وهو منصوص في سماع أبي زيد انتهى وانظر هل مراده اتصال النافلة بالفريضة أو اتصال النوافل في أنفسها. والظاهر من كلامه الاول وكلاهما منصوص عليه في السماع المذكور وفي سماع موسى، وصرح في السماع المذكور بأن الفصل اليسير لا يضر، وصرح أيضا باشتراط الاتصال صاحب المنتقى وصاحب الطراز والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم. قال في السماع: أرأيت أن يتيمم لنافلة فيصلي ثم لم يزل في المسجد في حديث، أم أراد أن يقوم يتنفل بذلك التيمم قال: إن طال ذلك فليتيمم تيمما آخر، وإن كان شيئا خفيفا فأرجو أن يجزئه. قال ابن رشد: الاصل أن لا يصلي صلاتين بتيمم واحد، نافلة ولا فريضة، وأن لا يجوز التيمم للصلاة عند عدم الماء إلا عند القيام إليها فأجيز أن يصلي بتيمم واحد ما اتصل من النوافل، والنافلة إذا اتصلت بالفريضة استحسانا ومراعاة للخلاف لكونها إتصالها بها كالصلاة الواحدة، فإن طال ما بينهما سقطت مراعاة الخلاف وجعت المسألة إلى حكم الاصل في وجوب إعادة التيمم انتهى. وفي الجلاب: ولا بأس أن يصلي النافلة بتيمم الفريضة إذ أتى بها في أثرها، ولا بأس أن يصلي نوافل عدة بتيمم واحد إذا كن في فور واحد، وإذا قطعهن وأخر بعضهن عن بعض أعاد التيمم لكل صلاة انتهى. وفي المنتقى: وإن صلى نوافل متصلة بتيمم واحد أجزأه، وكذلك إن صلى فريضة ثم صلى بعدها نافلة أو نوافل واتصل ذلك بالفريضة انتهى. الثالث: قال ابن غازي: لم يصرح المصنف بشرطية نية النافلة عند تيمم الفريضة وقد ذكره ابن رشد. قلت: ذكره المصنف في التوضيح عن ابن رشد كما قال ابن غازي ونصه: ومن شرط جواز إيقاع النفل بتيمم الفرض أن يكون النفل متصلا بالفرض. فقد روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تيمم لنافلة ثم خرج من المسجد لحاجة ثم عاد فلا يتنفل به ولا يمس مصحفا. وشرط فيه ابن رشد أن تكون النافلة منوية عند تيمم الفريضة قال: فإن لم ينوها لم يصلها انتهى. وهذا على ما رأيته أولا في نسخ ابن غازي وهو أن قوله: ولا بشرط مصدر مجرور بالباء، ثم رأيته في نسختين مصححتين منه بلفظ المضارع على أنه جملة مستأنفة ويشبه أنه مصلح والله أعلم. وتبعه على ذلك على ابن فرحون والشارح في الكبير والشامل ولم أقف عليه في كلام ابن رشد في السماع المذكور ولا في غيره مع تكلمه على المسألة في عدة مواضع من البيان، ولا في المقدمات ولا في الاجوبة ولا في كتاب التقييد والتقسيم له، بل كلامه في المقدمات يصرح بخلافه فإنه قال: ويجئ على رواية أبي الفرج عن مالك في ذاكر صلوات أنه

[ 498 ]
لم يصلها بتيمم واحد، وإن طلب الماء أو طلب القدرة على استعماله شرط في صحة التيمم لما اتصل من الصلوات التي نواها عند القيام إليها، وإذا قلنا إن رواية أبي الفرج هذه مبنية على هذا الاصل فيلزم عليها إجازة الصلوات المكتوبات والنوافل بتيمم واحد إذا اتصلت، وكان تيممه لها كلها تقدمت، والنوافل أو تأخرت، وأن لا يجوز له أن يصلي بتيمم واحد من النوافل إلا ما نواه أيضا بتيممه واتصل عمله، وأن لا يجوز له بتيممه لمكتوبة نافلة لم ينوها وإن اتصلت بالمكتوبة. فإن قال قائل: لا خلاف في المذهب في جواز النافلة بتيمم المكتوبة إذا اتصلت بها. قيل له: إذا جاز ذلك على هذه الرواية فليس على أصله فيها، وإنما هو مراعاة للخلاف في الاصل انتهى فانظره، إنما ذكر ذلك إلزاما على الرواية أبي الفرج ثم استشكل ذلك بأنه خلاف المذهب. وأجاب بأن ذلك هو الجاري على أصل هذه الرواية، ولعله حصل في نسخة المصنف من المقدمات سقط فأوهمه ذلك فتأمله. وقد بحثت عن اشتراط نية النافلة عند تيمم الفريضة وكشفت عن ذلك في أكثر من جلاثين مصنفا من مصنفات أهل المذهب، فلم أر من ذكرها إلا المصنف في التوضيح ومن تبعه، بل نصوصهم مقتضية لعدم الاشتراط، بل منها ما هو صريح في ذلك منها: كلام ابن رشد المتقدم، ومنها قوله في التلقين: ويجوز الجمع بين الفرض والنفل إذا قدم الفرض، ويجوز النفل بتيمم الفرض ولا يجوز الفرض بتيمم النفل انتهى. فإن لم يحمل قوله: ويجوز النفل بتيمم الفرض على أنه إذا لم ينو النفل كان تكرارا مع قوله: ويجوز الجمع بين الفرض والنفل انتهى. وقال في الجواهر: ولو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا معه للتبعية لكن بعده، ونحوه في الذخيرة ونصه: وإذا نوى استباحة الفرض استباح النفل لان الادنى تبع للاعلى، وإذا نوى بتيممه النافلة فعل سائر النوافل، فإن نوى مس المصحف فعل القراءة وسجود التلاوة المتعلقة بمس المصحف. وهل له أن يتنفل به - وهو المروي عن مالك - أو يقال الوضوء لمس المصحف مختلف فيه فيضعف التيمم عن الوضوء ؟ وهو لمبعض الشافعية انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ولو نوى نفلا لم يجز الفرض وصلى من النفل ما شاء. قوله وصلى من النفل ما شاء لانه إذا قصف الفرض جاز له فعل ما شاء من النفل، وإن لم يكن التيمم للنفل فلا يكون فعل النفل بتيمم النفل أولى، فهذا الكلام كله يقتضي أنه يتنفل بتيمم الفريضة وإن لم ينو النافلة إلا أن فيما ذكره ابن عبد السلام من الاولوية نظرا لان تيمم الفريضة أقوى من تيمم النافلة كما سنذكره الآن. وقال في الطراز: إذا تيمم لنافلة فلا يخلو إما أن يكون نافلة مخصوصة أو ينوي النفل عموما، فإن نوى عموم النفل أو نوى صلاة نافلة فله أن يتنفل بذلك ما شاء في فور واحد انتهى. فإذا جاز أن يصلي بتيمم نافلة غيرها من النوافل وإن لم تكن الثانية منوية، فأحرى أن يصلي بتيمم الفريضة نافلة لم تكن منوية. ولا إشكال في ذلك، وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه لما ألزم على رواية أبي الفرج أنه لا يصلي بتيمم الفريضة نافلة غيرها لم ينوها، ألزم أنه لا يصلي بتيمم النافلة، إلا ما نواه من النوافل فتأمله. ومما يدل لعدم اشتراط نية النافلة ما يأتي في التنبيه الرابع إن شاء الله تعالى.

[ 499 ]
الرابع: قول المصنف إن تأخرت شرط في جواز إيقاع النفل بالتيمم الذي يريد أن يصلي به الفرض وهذا مراد المصنف، ولا يعترض عليه بأن تأخر النفل، وما ذكر معه ليس شرطا في صحة النفل فإن النفل صحيح إذا قدمه على الفرض لكن لا يصلي بذلك التيمم الفرض الذي نواه على المشهور. فلم تيمم لفريضة ثم صلى نافلة فقال سند: النافلة نفسها صحيحة. فهل يصلي به الفريضة ؟ فعندنا وعند الشافعي لا يصلي به الفرض وهذا مما يدل على عدم اشتراط نية لا النافلة عند التيمم الفريضة. وقال في المدونة قال مالك فيمن تيمم لفريضة فصلى قبلها نافلة: فليعد التيمم لانه لما صلى النافلة قبل المكتوبة انتقض تيممه للمكتوبة. وقال فيمن تيمم للصبح ثم صلى الفجر قبلها يعيد التيمم لصلاة الصبح بعد ركعتي الفجر. وهذا لفظ الامام باختصار. فإن صلى بتيممه ذلك المكتوبة بعد أن صلى النافلة أو ركعتي الفجر فقال ابن يونس: قال في كتاب ابن المواز: يعيد أبدا. ثم قال: هذا خفيف وأرى أن يعيد في الوقت. قال: وإن تيمم لنافلة أو قراءة مصحف ثم صلى المكتوبة أعاد أبدا. وقال ابن سحنون: ابن القاسم فيمن تيمم لركعتي الفجر فصلى به الصبح أو تيمم لنافلة فصلى به الظهر أنه يعيد في الوقت. وقال البرقي عن أشهب: تجزئه صلاة الصبح بتيمم ركعتي الفجر ولا يجزئه إذا تيمم لنافلة أن يصلي به الظهر. وقال ابن حبيب: إذا تيمم لنافلة فصلى به فريضة أعاد أبدا، وإن تيمم لفريضة فتنفل قبلها أعاد في الوقت. انتهى. كلام ابن يونس ونحوه في التوضيح، ونقله ابن عرفة وغيره. ومحصله أن من تيمم لفريضة فصلى قبلها نافلة أو ركعتي الفجر، أو تيمم لنافلة أو ركعتي الفجر ثم صلى بعد ذلك فريضة فقال في الموازية: يعيد أبدا في الصورة الاولى فيعيد في الثانية أبدا من باب أولى. ثم رجع فقال: يعيد في الصورة الاولى في الوقت وفي الثانية أبدا. وقاله ابن حبيب أيضا. وقال سحنون: يعيد في الصورة الثانية. الخامس: فهم من قول المصنف وجاز جنازة وسنة أنه يصح إيقاع السنة بتيمم النافلة وهو كذلك، فقد أجاز ابن القاسم في المجموعة لمن تيمم لنافلة أن يوتر بتيممه. قال سند بعد كلامه المتقدم أعني قوله إذا قلنا لا يجمع بين فرضين، فهل يجمع بين فرض وسنة أو فرض معين أو فرض على الكفاية ؟ المذهب أنه يجمع إذا قدم المكتوبة ما نصه: وهل يستحب له أن لا يجمع يختلف فيه ؟ قال سحنون عن أبيه: من تيمم للعتمة يستحب له أن لا يصلي بذلك الوتر فإن فعل فلا إعادة عليه. وفي الواضحة: له أن يوتر بتيمم العشاء ويصلها من النفل بما شاء انتهى. وما تقدم عن ابن القاسم أقوى، وعلى هذا فما ذكره عن الواضحة هو الموافق لقول ابن القاسم وهو الذي مشى عليه المصنف وابن الحاجب. السادس: إذا جاز إيقاع السنة بتيمم النافلة فإيقاع السنة بتيمم السنة أولى وهذا واضح. ووقع في التوضيح ما يوهم خلاف ذلك فإنه لما تكلم على مسألة من صلى فرضين بتيمم واحد

[ 500 ]
قال ما نصه: (فرع) قال سحنون: سبيل السنن في التيمم سبيل الفرائض الوتر وركعتا الفجر والعيدان والاستسقاء والخسوف تيمم لكل سنة كما في الفرائض. نقله اللخمي انتهى. وما ذكره عن اللخمي صحيح لكن إنما ذكره اللخمي في الكلام على الحاضر الصحيح وأنه يتيمم للسنن، وإيراد اللخمي له يقتضي أن المراد منه أن الحاضر يتيمم للسنن كلها لا أنه لا يصلي سنة بتيمم أخرى فإنه قال: فصلى الصلوات أربع فرائض وسنن على الاعيان وعلى الكفاية ونوافل، فأما المسافر فيتيمم لجميع هذه الصلوات وهو قول مالك وأصحابه. وقال عبد العزيز ابن أبي مسلمة: لا يتيمم للنافلة ثم قال: وحكم المريض المقيم فيما يتيمم له حكم المسافر يتيمم للفرائض ويختلف في تيممه للنفل، واختلف في تيمم الصحيح المقيم للفرائض، وقد تقدم ذكر ذلك. ويختلف في السنن إذا كانت على الاعيان كالوتر وركعتي الفجر، ولا يتيمم للنوافل ولا للسنن إذا كانت على الكفاية كالجنائز والعيدين على القول بأنها على الكفاية. ثم قال: قال ابن القاسم في المدونة في المسافرين والمرضى يتيممون لخسوف الشمس والقمر، ولا يتيمم من أحدث خلف الامام في صلاة العيدين. وقال مالك: لا يصلي على الجنازة بالتيمم إلا المسافر الذي لا يجد الماء. وقال: لا بأس أن يتيمم لمس المصحف ويقرأ حزبه إذا لم يجد الماء إذا كان في السفر. وقال ابن سحنون: وذكر ما تقدم إلا أنه قال: ويتيمم لكل سنة كما يتيمم للفرائض. وقال ابن عبد الحكم عن ابن وهب: إذا خرج للجنازة طاهرا فأحدث ولم يجد ماء يتيمم، وإن خرج معها على غير وضوء لم يتمم. يريد أن هذا قصد إلى التيمم اختيارا والاول كان متطهرا فانتقضت طهارته، وإذا جاز أن يصلي السنن بالتيمم عند عدم الماء فإنه يختلف فيه مع وجوده إذا كان متى توضأ فات إدراكها إما لخروج الوقت كما في الوتر أو ركعتي الفجر، أو لفراغ الامام في العيدين والاستسقاء والجنائز انتهى. وأشار ابن عرفة إلى هذه الثلاثة الاقوال فقال: وفي تيمم الحاضر للسنن ثالثها للعينية كالفجر لا للكفاية كالعيدين لابن سحنون وابن بشير عنهما واللخمي عن المذهب، وكذا قال ابن ناجي في شرح المدونة: اختلف في تيمم الحاضر للسنن على ثلاثة أقوال. فقيل: يتيمم لها سواء كانت على الاعيان كالوتر، أو على الكفاية كالعيدين. قاله ابن سحنون، وقيل: لا يتيمم لجميعها وعزاه ابن بشير للمدونة. وقيل: يتيمم للعينية دون الكفاية، نقله اللخمي عن المذهب. قال: والصواب عندي الاول انتهى. وهو تابع لابن عرفة في هذه الاقوال، وقد تقدم كلام اللخمي وليس فيه ما ذكراه عنه، وأما صاحب الطراز فإنه ينكر القول بتيمم الحاضر للسنن فقال: لما تكلم على قوله في المدونة لا يتيمم من أحدث خلف الامام في العيدين. وقال أبو حنيفة: يتيمم. خرج التونسي الخلاف على المذهب ثم رد عليه التخريج. وقولابن سحنون سبيل السنن في التيمم كسبيل الفرائض الوتر وركعتي الفجر والعيدين والاستسقاء والخسوف يتيمم لكل سنة كما يتيمم للفرائض هذا في حق من لا

[ 501 ]
يقدر يمس الماء كما في الفرائض والمسافر ولو خاف فوات ركعتي الفجر والصبح إن توضأ إلا أنه يدرك الصبح، فإن تيمم أدركهما جميعا فإنه يتوضأ ويدع ركعتي الفجر انتهى. والقصد منه أنهم لم يفهموا منه أنه لا يصلي سنة أخرى بتيمم أخرى فتأمله والله تعالى أعلم. السابع: قال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة: ولا بأس أن يتنفل بعد الفريضة بتيممه ذلك، ظاهره وإن طال تنقله فإنه جائز. وقال التونسي: ما لم يطل تنفله جدا. وقالت الشافعية: يتنفل إلى دخول وقت الفريضة الثانية. وارتضاه ابن عبد السلام للتبعية، ونص كلام ابن عبد السلام وظاهر قول المدونة أن له أن يكثر منها وإن دخل وقت الفريضة الثانية. وقال الشافعية: ينتهي لدخول وقت الثانية وهو عندي بين، لان ما يفعله من النفل تابع للفريضة، ولا معنى للتابع حال عدم المتبوع حسا وحكما انتهى. ونقل في التوضيح كلام التونسي لا وكلام الشافعية واستظهره كابن عبد السلام. ونقل ابن عرفة كلام التونسي وقبله، ثم نقل عن الشيخ عن المختصر: أن للمتيمم التنفل ما لم يطل وقبله. ولفظ النوادر: قال مالك في المختصر: وللمتيمم أن يتنفل به ما لم يطل ذلك. وانظر إذا تيمم آخر وقت الصلاة فيظهر على كلام التونسي أن له أن يتنفل وليس له أن يتنفل على كلام الشافعية وابن عبد السلام. ص: (ولو قصدا وبطل الثاني) ش: قال سند: إذا تيمم لفرضين، فهل يصح به الاول أو لا يصح بتيممه أصلا ؟ الظاهر أنه لا يبطل لانه أتى بالنية المشترطة ونية أخرى فهو كمن توضأ بنية الحدث ونية الجنابة. ص: (لا بتيمم لمستحب) ش: كذا في النسخ بدخول لام الجر على مستحب وحق العبارة خروجها وأن يقول لا بتيمم مستحب لان النافلة مستحبة وقراءة القرآن، ولو تيمم لشئ من ذلك جاز له أن يتنفل به كما تقدم وإنما المراد إذا كان التيمم نفسه مستحبا كالتيمم للنوم. ص: (لزم موالاته) ش) يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد موالاة أفعال التيمم وعلى هذا حمله الشارح في شروحه الثلاثة، وقال ابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم: والترتيب والموالاة كالوضوء. قال في التوضيح: أي على المشهور فيهما على أنه يمكن إجراء الاقوال المتقدمة في الترتيب هنا، وأما الموالاة فلا يمكن إجراء كل تلك الاقوال إذا لا يتأتى قول بالفرق بين الممسوح والمغسول. خليل: ويمكن أن يقال بالبطلان إذا فرق التيمم ناسيا من جهة اشتراط اتصاله

[ 502 ]
بالصلاة لا من جهة الموالاة فتأمله انتهى. وما قاله ظاهر صرح به سند. قال في شرح قوله في المدونة: قال ابن القاسم فيمن فرق تيممه وطال، ذلك ابتدأ التيمم لانه لا يجوز أن يتقدم على الصلة بأمر يطول، وإنما يكون منتصلا هبا انتهى. ولهذا جزم في المختصر بلزوم الموالاة فيه ولم يشبهه بالوضوء كما فعل بالغسل. المعنى الثاني أن يريد موالاته مع ما فعل له وعلى هذا حمل البساطي قال: وإنما حملناه على هذا لاستلزامه الموالاة بين أفعاله بخلاف العكس انتهى. ولا إشكال في اشتراط اتصال التيمم بما فعل له فرضا كان أو نفلا كما تقدم في كلام التوضيح هنا. وصرح بذلك غير واحد، قال في الطراز: إذا ثبت جواز التنفل بالتيمم فذلك بشرط الاتصال به، وإن تنفل بعد فرضه فيكون ذلك متصلا بالفريضة، وإن تيمم ليتنفل شرع في تنفله عقيب تيممه قال في العتبية: من تيمم لنافلة في غير وقت الفريضة ثم تأخر تنفله فلا يتتنفل بذلك، وكذلك على هذا لا يجزئه أن يتيمم أو لوقت الفريضة ويؤخر فعلها إلى آخره خلافا للشافعي، وسنبين الاصل فيه انتهى. وقال في الجلاب: ولا يتيمم لصلاة قبل وقتها ولا في أول وقتها ويؤخر فعلها، ومن شرط التيمم أن يكون متصلا بالصلاة. قال التلمساني: وخالف ابن شعبان في المسألتين، فأجازه قبل الوقت وبعده وإن تراخى عن الصلاة انتهى، وفي العمدة لابن عسكر مختصر المعونة وله شرطان: طلب الماء واتصلاه بالصلاة، فلا يجزئ قبل دخول الوقت ولا بعده متراخية عنه انتهى. وصرح بذلك ابن رشد في المقدمات ويأتي لفظه عند قول المصنف ونية استباحة الصلاة وابن بشير في كتاب التحرير والشبيبي وغير واحد من المتأخرين. وقال سند في شرح المدونة: من تيمم للفريضة فصلى نافلة قبلها إنه يعيد التيمم. وجهه أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة عند الحاجة إلى فعلها فمتى وقع في حالة يستغنى عنه فيها لم يصح، فالذي يتيمم للظهر ثم شرع في غيرها قد تيمم لها في وقت وهو مستغن عن التيمم لها فيه إذ الحاجة لها إنما تكون عند الشروع في فعلها انتهى باختصار. ونحوه لابن يونس، وكذا ما تقدم عن ابن رشد وما تقدم في التوضيح عن سماع ابن أبي زيد فيمن تيمم لنافلة ثم خرج من المسجد لحاجة ثم عاد لا يتنفل به ولا يمس مصحفا ووجهه ابن رشد بنحو ما تقدم والله أعلم. فرع: قال البرزلي في مسائل الصلاة: وسئل السيوري عمن تيمم ثم دخل في الفريضة ثم حصل له شك في الاحرام فقطع، هل يعيد التيمم ؟ كأجاب بأنه لا يلزمه إعادة التيمم. قال البرزلي: يريد إذا لم يطل فإن طال فإنه يبطل تيممه انتهى. تنبيه: وعلم من هذا أن التيمم لا يضره أن يكون قبل الاقامة - والله تعالى أعلم - بل ذلك هو المطلوب فإن إقامة المحدث مكروهة كما سيأتي في باب الاذان. وكلام ابن عبد السلام في ذلك المحل كالصريح في ذلك، وسيأتي في محله إن شاء الله تعالى فتأمله والله تعالى أعلم.

[ 503 ]
فائدة:، قال ابن عبد السلام: هنا قاعدة ابن الحاجب أنه إذا تقدم له الكلام على مسألة ثم شبه بها أخرى فإنما الشبه بينهما في المشهور، ولا يلزم أن يكون كل ما في المشبه بها من الخلاف في المشبه. وقد ظن ذلك بعض المتأخرين فألزم ابن الحاجب أمرا شنيعا في كتاب الصلاة يشير إلى الشيخ تقي الدين حيث اعترض عليه في تشبيهه الرفع من السجود بالرفع من الركوع مع أن الاول مجمع عليه والثاني مختلف فيه والله أعلم. ص: (وقبول هبة ماء) ش: قال المغربي: إلا أن يتحقق المنة فيه انتهى من قواعد النكاح. ص: (أو قرضه) ش: سياق كلامه يدل على أنه جذا بذل له الماء على سبيل القرض لزمه ذلك وهو ظاهر لانه إذا لزمه قبوله على وجه الهبة فأحرى على جهة القرض. ولا يقال: إن فيه تعمير الذمة لان هذا أمر قريب وقد قالوا: يلزمه أخذه بثمن في ذمته كما سيقوله المصنف. وفي كلام ابن عبد السلام أنه إذا وجد من يسلفه الثمن لزمه ذلك إذا كان مليا ببلده. وذكر الاقفهسي في شرح المختصر أنه إذا بذل له ثمن الماء على سبيل القرض لا يلزمه قبوله. ويمكن أن يجمع بينه وبين كلام ابن عبد السلام فيحمل كلامه على ما إذا لم يكن مليا ببلده، وكلام ابن عبد السلام على ما إذا كان مليا والله أعلم. ص: (وطلبه لكل صلاة ولو توهمه لا تحقق عدمه طلبقا لا يشق به كرفقة

[ 504 ]
قليلة أو حوله من كثيرة إن جهل بخلهم به) ش: هذا معطوف على قوله موالاته والمعنى أنه يلزم المتيمم طلب الماء لكل صلاة إذا كان يتوهم وجوده وتحصيله بطلبه، فأحرى إذا شك في ذلك أو ظن وجوده. فقوله لكل صلاة يعني أن المكلف إذا طلب الماء لصلاة ولم يجده وتيمم ثم دخل وقت صلاة أخرى فإنه يطلب الماء للصلاة الثانية، لان الصلاة الثانية في حكم الاولى في توجيه الخطاب بالطلب. وهذا إذا كان في غير الموضع الذي كان فيه في وقت الصلاة الاولى، أو كان فيه وحدث ما يوجب توهم وجود الماء. وأما إن كان بموضعه الاول ولم يحدث ما يقتضي توهم وجود الماء فلا يلزمه الطلب حينئذ لانه قد يتحقق عدمه، وقد أشار البساطي في شرحه إلى هذا. وقوله لا تحقق عدمه يعني أنه إذا تحقق عدم الماء فلا يلزمه الطلب إذ لا فائدة فيه. قال في التوضيح: قال ابن راشد: يريد بالتحقق غلبة الظن لان الظن في الشرعيات معمول به، وأما القطع بالعدم فقد لا يتصور. ثم قال في شرح قول ابن الحاجب: وإن لم يتحقق عدمه طلبه، قال ابن عبد السلام: يدخل في هذا الظان والشاك والمتوهم. وقال ابن شاس وابن عطاء الله: الحالة الثانية أن يتوهم وجوده حواليه فليتردد إلى حد لا يدخل عليه ضرر ولا مشقة، ولا يتحدد ذلك بحد إذ الشاب ليس كالمرأة. ثم قال في التوضيح: ومقتضى كلام ابن راشد أن المتوهم لا يطلب لانه فسر تحقق العدم بظن العدم، ولا شك أنه إذا ظن العدم كان وجوده متوهما وهو خلاف كلام هؤلاء، وعلى هذا فالاولى أن يبقى التحقق أولا على بابه انتهى. قلت: والمراد بالتحقق الاعتقاد الذي لا تردد فيه لا التحقق في نفس الامر والله أعلم. تنبيه: قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يختلف حكم الطلب فليس من ظن العدم، كمن شك ولا الشاك كالمتوهم انتهى. وقبله صاحب التوضيح وهو ظاهر. وقوله: طلبا لا يشق به يعني أن الطلب الذي يلزم المكلف هو الطلب الذي لا يشق عليه، وذلك يختلف باختلاف الناس، فليس الشيخ كالشاب، ولا الرجل كالمرأة، ولا الضعيف كالقوي. قال مالك في رسم الشريكين فيمن تحضره الصلاة والماء منه على ميل أو نصف ميل وهو يتخوف عناء ذلك أو سلابة أو سباعا: لا أرى عليه أن يذهب وهو يتخوف. قال ابن راشد: وسواء تخوف على نفسه أو ماله. ودليل الرواية أنه إن لم يتخوف فعليه أن يذهب إليه على الميل والنصف. وفي النوادر: إن كان عليه في ذلك مشقة فليتيمم. قال ابن رشد: وذلك على قدر ما يجد من الجلد

[ 505 ]
والقوة، وذلك مفسر في رسم البز. وأما الميلان فهو كثير ليس عليه في سفر ولا حضر أن يعدل عن طريقه ميلين، لان ذلك مما يشق. قاله سحنون في نوازله انتهى. وكلامه يقتضي أن مجموع الميل ونصفه يسير، وكلامه في المقدمات يدل على ذلك كما سيأتي. وقال الباجي: ليس عليه أن يجهد نفسه في الجري، لادراك الماء، ولا أن يخرج عن مشيه المعتاد، ولا أن يعدل عن طريقه أكثر مما جرت العادة بالعدول له في الاستسقاء من العيون والمياه التي يعدل لها عن الطريق والخروج إليه وإن خرج إليه فاته أصحابه، فإنه يتيمم ولم يحد فيه حدا. وروى ابن المواز عن مالك: إن لم يخف في نصف الميل إلا العناء فمن الناس من يشق عليه مثل ذلك. قال محمد: فتأمل قوله والمرأة والضعيف بخلاف القوي انتهى من المواق. وتقدم كلام ابن شاس الذي نقله في التوضيح إلا أن قوله ولا يتحدد ذلك بحد يريد ما لم يخرج عن المعتاد كما تقدم في كلام ابن رشد. وقال في المقدمات: وطلب الماء عند عدمه، إنما يجب مع اتساع الوقت لطلبه، والذي يلزم فيه ما جرت العادة به من طلبه في رحله وسؤال من يليه ممن يرجو وجوده عنده، ولا يخشى أن يمنعه إياه والعدول إليه عن طريقه إن كان مسافرا على قدر ما يمكنه من غير مشقة تلحقه مع الامن على نفسه، ولا حد في ذلك يقتصر عليه لاختلاف أحوال الناس. وقالوا: في الميلين كثير، وفي الميل ونصف الميل مع الامن إنه يسير، وذلك للراكب أو للراجل القوي القادر انتهى. وقوله كرفقة قليلة أو حوله من كثيرة إن جهل بخلهم به يعني أن المسافر يلزمه أن يطلب الماء من رفقته إذا كانت الرفقة قليلة وكان لا يتحقق بخلهم به، وإن كانت كثيرة فيلزمه الطلب من حوله. قال مالك في سماع أشهب: يسأل من يليه ومن يظن أنه يعطيه وليس عليه أن يتبع أربعين رجلا في الرفقة فيسألهم، ولكن يسأل أول من يليه ويرجو ذلك منه. وقال في سماع أبي زيد: قال مالك: إن علم أنهم يمنعونه فلا يسألهم وإن كانوا لا يمنعونه فليسألهم انتهى. وقبله ابن رشد وهو ظاهر. فرع: قال ابن رشد في سماع أبي زيد: لو ترك طلب الماء عند من يليه ممن يرجو وجوده عنده ويظن أنه لا يمنعه وتيمم وصلى، لوجب عليه أن يعيد أبدا إذا وجد الماء انتهى. ونقل اللخمي والمازري عن أصبغ أنه إن لم يسأل في الرفقة الكثيرة لم يعد، وفي الصغيرة يعيد في الوقت، وإن كانوا رجلين أو ثلاثة أعاد أبدا.، وضعف اللخمي والمازري قول أصبغ بأن توجه الخطاب بالطلب من النفر اليسير من الرفقة الكثيرة كتوجهه لو كانوا بانفرادهم. قال في التوضيح: قال اللخمي: ولا وجه أيضا إلا يجابه الاعددة بعد خروج الوقت إذا كانوا مثل الرجلين والثلاث. وقال: أرى إن كان الغالب عنده أنهم يعطونه إذا طلب أن يعيد أبدا في الموضعين، وإن أشكل الامر ولم يطلب جاز أن يقال: يعيد في الوقت لان الحصل الطلب انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا ترك الطلب ممن يليه ويغلب على ظنه أنه يغطيه أنه يعيد أبدا على ما قاله اللخمي وابن رشد، سواء ترك ذلك من رفقة قليلة أو كثيرة خلافا لاصبغ، وإن

[ 506 ]
كان يشك في إعطائهم يعيد في الوقت على ما قال اللخمي من غير تفصيل أيضا خلافا فالاصبغ في تفصيله فتأمله. وقال ابن عرفة: أجيب عن تفرقة أصبغ بأن الثلاثة مظنة وجود الماء لامتناع اتكالهم على غيرهم لانفرادهم، ورد بأنه لو كان لعلمه لان علم حال الثلاثة الرفقاء أقرب من علم حال غيرهم انتهى. فرع: ولو طلب الماء ممن يليه فقالوا ليس عندنا ماء، فتيمم ثم وجد الماء عندهم فقال في سماع ابن أبي زيد: إن كانوا ممن يظن أنهم لو علموا بالماء لم يمنعوه فليعد في الوقت، وإن كان يظن أنه لو كان معهم ماء منعوه فلا إعادة عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لان وجود الماء عند من يقرب منه ممن كان يلزمه طلبه بعد أن طلبه منه كوجوده عند نفسه فيعيد في الوقت استحسانا، لانه فعل ما افترض عليه. وقال اصبغ: يعيد أبدا، وقول مالك هو الصحيح انتهى والله أعلم. تنبيه: قال ابن حبيب: وفي الطلب ممن يليه من الرفقة ثالثها إن كانوا نحو الثلاثة طلب وإلا أعاد أبدا. قال في التوضيح: ظاهر كلام المصنف أن في المسألة ثلاثة أقوال: وجوب الطلب وإن ترك أعاد أبدا. والثاني نفى الوجوب. والثالث يجب في الرفقة اليسيرة وإن لم يطلب أعاد أبدا ولا يجب في الرفقة الكثيرة. قال ابن هارون وابن راشد: ولم نر أحدا نقل ما نقل المصنف انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب وفي الطلب إلى آخره لا أعرفه انتهى. ص: (ونية استباحة الصلاة ونية أكبر إن كان ولو تكررت) ش: أي ولزم المتيمم أن ينوي بتيممه استباحة الصلاة التي يريدها أو الفعل الممنوع منه. قال ابن عبد السلام: فإذا نوى استباحة الصلاة فلا بد أن يتعرض مع ذلك إلى الحدث الاصغر أو الاكبر، فإن نسي وهو جنب أن يتعرض لذلك لم يجزه خلافا لابن وهب انتهى. ويفهم منه أنه إذا نسي أن يتعرض لذلك وهو غير جنب أجزأه تيممه، وصرح بذلك البساطي قال: وحاصل كلامه أن الحدث الاصغر لا يلزمه استحضاره حال التيمم بل يكفي فيه استباحة الصلاة من غير ذكر المتعلق، وفي الاكبر لا

[ 507 ]
بد من استحضار المتعلق فإن ترك عامدا أعاد أبدا، أو ناسيا أعاد في الوقت هذا هو المشهور. وقيل: يعيد في الوقت. وقيل: لا إعادة انتهى، وما ذكره في نية الحدث الاصغر وهو ظاهر كلامهم، وأما ما ذكره أنه هو المشهور في الاعادة فخلاف المشهور. قال ابن الحاجب: فإن نسي الجنابة لم يجزه على المشهور ويعيد أبدا انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وتعليله فيها بأن التيمم إنما كان للوضوء لا للغسل، يدل على أن الاعادة أبدا وهو قول مالك في الواضحة انتهى. وعزاه ابن عرفة للمدونة واستظهره ابن رشد في سماع أبي زيد والله أعلم. ولفظ الام: قال مالك في المجدور والمحصوب: إذا خافا على أنفسهما وقد أصابتهما جنابة أنهما يتيممان لكل صلاة، أحدثا في ذلك أو لم يحدثا، يتيمم للجنابة. ثم قال فيها: أرأيت الجنب إذا نام وقد تيمم قبل ذلك وأحدث بعد ما تيمم للجنابة ومعه قدر ما يتوضأ به، هل يتوضأ به أو يتيمم ؟ قال: قال مالك: يتيمم ولا يتوضأ بما معه من الماء إلا أنه يغسل به ما أصابه من الاذى، وأما الوضوء فليس يراه على الجنب، لا في المرة الاولى ولا في الثانية، وهو ينتقض بتيممه لكل صلاة ويعود إلى حال الجنابة كلما صلى ولا يجزئه الوضوء، ولكن ينتقض جميع التيمم ويتيمم للجنابة كلما صلى انتهى. وقال بعد ذلك: قال مالك في رجل تيمم وهو جنب ومعه قدر ما يتوضأ به قال: يجزئه التيمم ولا يتوضأ. قال: وإن أحدث بعد ذلك فأراد أن يتنفل فليتيمم ولا يتوضأ لان حين أحدث انتقض تيممه الذي كان تيمم للجنابة، ولم ينتقض موضع الوضوء وحده فإذا جاء وقت صلاة أخرى مكتوبة فكذلك ينتقض تيممه، أحدث أو لم يحدث. فرع: قال سند: لو نوى استباحة الصلاة من نجاسة كان قد مسها بيده فإن ذلك لا يجزئه من تيمم الحدث انتهى. وهو ظاهر، ولا يعارض هذا ما تقدم في كلام البساطي لان هذا لم ينو استباحة الصلاة من الحدث أصلا، والاول نوى استباحة الصلاة وهي تنصرف عند الاطلاق للاستباحة من الحدث إما الاكبر أو الاصغر والله أعلم. فرع: قال في سماع أبي زيد: لو تيمم للجنابة أجزأه عن تيمم الوضوء انتهى. وقال سند: إذا تيمم بنية أنه جنب ثم ظهر أنه غير جنب يختلف فيه، ومقتضى ما تقدم من سماع أبي زيد أنه يجزئه ثم وجه ذلك. فرع: قال في التوضيح في فرائض الوضوء: لا يلزم في الوضوء والغسل أن يعين بنيته الفعل المستباح ويلزم ذلك في التيمم. وحكى ابن حبيب أن ذلك في التيمم مشترط على سبيل الوجوب، والمشهور أن ذلك على سبيل الاستحباب لا على معنى الايجاب فانظر الفرق. قاله ابن بزيزة انتهى. ونقله ابن عرفة هنا عن الباجي وهو في المنتقى في ترجمة وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة إلا أن ابن عرفة عزا القول بالاستحباب لابن القاسم عن مالك، وظاهره أنه نص عنهما، والذي في المنتقى: ويتخرج على قول مالك وابن القاسم أن ذلك على الاستحباب، وفي المدونة: ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر أنه نسيها يتيمم لها أيضا. قال

[ 508 ]
ابن ناجي: قال بعض فضلاء أصحابنا: وكذلك لو ذفرها قبل الصلاة أعاده لها انتهى. وما ذكره عن بعض أصحابه جزم به سند على أنه المذهب. قال في شرح المسألة المذكورة: فلو أنه لما فرغ من تيممه للاولى ذكر الثانية قبل أن يصلي الاولى، فإن كانت الثانية حكمها في الترتيب بعد الاولى صلى الاولى ثم تمم للثانية فصلاها، وإن كانت الثانية حكمها في الترتيب قبل الاولى لم يجزه أن يصليها بذلك التيمم لانه لم يقصدها به، فإن فعل أعاد أبدا. وقاله ابن حبيب انتهى. ونقله ابن يونس ونحوه لابن رشد في المقدمات قال فيها: من ذهب إلى أن الاصل إيجاب الوضوء لكل صلاة أو التيمم عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله بظاهر الآية، وأن السنة خصصت من ذلك الوضوء وبقي التيمم على الاصل، فلا يصح عنده صلاتان يتيمم واحد وإن اتصلتا ونواه لهما ولا صلاة بتيمم نواه لغيرها، ولا صلاة بتيمم نواه لها إذا صلى به غيرها، أو تراخى عن الصلاة به اشتغالا بما سواها، فإن فعل شيئا من ذلك وجبت عليه الاعادة في الوقت وغيره، وهو ظاهر ما في المدونة ونص رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك. ويجئ على هذا المذهب أن طلب الماء أو طلب القدرة على استعماله شرط في صحة التيمم لكل صلاة عند القيام إليها انتهى، ولا معارضة بين ما ذكره في المدونة وشروحها وفي المقدمات، وبين ما قاله في التوضيح ونقله الباجي وابن عرفة، لان كلام المدونة وشروحها فيما إذا تيمم لفعل معين فلا يفعل به فرضا، لان التيمم للفرض لا يكون إلا بعد دخول وقته متصلا به، ودخول وقت الفائتة إنما يكون بتذكرها كما صرح به في الجواهر في هذا الباب. ولا يكون إلا عند الحاجة إلى فعلها وذلك عند تذكرها والقيام إلى فعلها كما تقدم في كلام ابن رشد وكلام صاحب التوضيح ومن معه فيما ينويه المتيمم. فالمشهور أنه يستحب له تعيين الفعل المستباح، فإن لم يعين فعلا أصلا، وذلك بأن ينوي استباحة ما يمنعه الحدث، فله أن يفعل به ما شاء بشرط أن يكون متصلا، وإن أراد فرضا قدمه على غيره. وهذا في الحقيقة كمن عين لما نوى استباحة الجميع، ولا يصح أن يكون المراد بكلامهم أن ينوي استباحة بعض ما يمنعه الحدث من غير تعيين ثم يفعل واحدا منها وهذا واضح والله أعلم. تنبيه: قال ابن فرحون: قال الشيخ تقي الدين: قول ابن الحاجب ينوي استباحة الصلاة يحتمل أن يريد الصلاة التي يريد فعلها من فرض أو نفل ويحتمل أن يريد استباحة مطلق الصلاة، والاول هو الذي ينبغي أن يحمل عليه لانه إذا نوى مطلق استباحة الصلاة فيه نظر، وهو أن مطلق الصلاة محمول على الفرض والنفل، والفرض يحتاج إلى نية تخصه فيكون كمن نوى النفل فلا يجزئه الفرض بذلك التيمم، فلا يحمل اللفظ عليه بل يحمل على معنى صحيح بلا شبهة ولا خلاف وهو ما تقدم انتهى. وهو ظاهر إذا كانت نيته استباحة مطلق الصلاة إما فرضا أو نفلا، أما لو نوى استباحة الصلاة فرضها ونفلها صح كما تقدم والله أعلم. فرع: قال ابن فرحون أيضا عن الشيخ تقي الدين: ذكر ابن الحاجب في نية الوضوء

[ 509 ]
ثلاثة أمور: رفع الحدث، واستباحة ما لا يستباح، إلا برفع الحدث، والفريضة، وذكر هنا استباحة الصلاة وأخرج نية رفع الحدث وبقيت نية الفريضة مسكوتا عنها من جهته، والظاهر عندي أنها تكفي ههنا كما في الوضوء، ولا يكون قول ابن الحاجب وينوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث للحصر كما يوهمه لفظه انتهى. ويأتي مثله في كلام المصنف، وأشار المصنف بقوله لو تكررت إلى أن الجنب ينوي استباحة الصلاة من الحدث الاكبر ولو تكررت أي الصلاة على ظاهر المذهب، قاله اللخمي: وخرج على قول ابن شعبان أن له أن يصيب الحائض إذا طهرت بالتيمم أن ينوي الاصغر ويجزئه، وعلى هذا المعنى حمله أكثر الشراح. وقال البساطي: الاحسن أن يقول ولو تكرر أي التيمم ويعني به إذا نوى الاكبر ثم احتاج إلى تيمم فلا بد من نيته أيضا وإن لم يحصل منه حدث أصغر انتهى. وتقدم أن الضمير عائد على الصلاة. وقال الشارح في الصغير: أي نية التيمم. وقال في الكبير والوسط: يحتمل أن يكون راجعا لقوله وطلبه لكل صلاة أي يطلب الماء لكل صلاة ولو تكررت الصلاة انتهى. والاول أقرب إلى لفظه ويحتمل عوده إلى الجميع. فرع: قال ابن عرفة بعد ذكره هذا الفرع ابن العربي: لو بال بعد تيممه لجنابة جاز أن يقرأ لان الحدث الاصغر إنما يبطل التيمم في أحكامه كما لا يبطل الطهارة الكبرى. قال ابن عرفة: قلت: هذا مخالف لنقل اللخمي عن المذهب، موافق لاخذه انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر فقد تقدم عن المدونة أنه يعود جنبا على ما اختصر أبو محمد بن أبي زيد. وقال سند: إذا تيمم من الجنابة لفريضة فصلاها فله أن يصلي بذلك نافلة أو يتلو القرآن، فإن أحدث فلا يتلو حتى يتيمم. وقال بعض الشافعية: يقرأ لان الحدث الطارئ لا يمنع من القراءة وهو فاسد فإن التيمم وإن كان من الجنابة فهو يبطل بالحدث بدليل أنه إذا تيمم، فلما فرغ من تيممه من الجنابة أحدث لزمه أن يعيد التيمم من الجنابة انتهى. فرع: وقال سند أيضا: إذا تيمم المريض والمجدور ومن في بابه من الجنابة ثم أحدث حدث الوضوء وهو قادر على الوضوء لم يتوضأ لان الجنابة قائمة حتى يغتسل فلا يدخل عليها بالحدث الاصغر فهو يتيمم من الجنابة لكل صلاة. تنبيه: ليس في المختصر ما يؤخذ منه أن الجنب يتيمم إلا قوله هنا ونية أكبر إن كان وما يؤخذ من فصل الجبيرة، وقد صرح بذلك في المدونة في غير موضع قال فيها: والتيمم من الجنابة ومن الوضوء سواء. قال أبو الحسن في الصفة والمشروعية وقال فيها: قال مالك: وإذا تيمم الجنب وصلى ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط وصلاته الاولى تامة. قال أبو محمد: ما لم يكن في بدنه نجاسة، قال ابن اللباد: وتكون الجنابة من وطئ فيكون ذكره نجسا من رطوبة فرج المرأة. قال المشذالي: وإن كانت من احتلام فلا بد أن يبقى على رأس ذكره أثر المني نجس، فلا

[ 510 ]
بد من الاعادة وفي الوقت انتهى. تنبيه: دخل في قول المصنف ونية أكبر الحائض فلا بد أن تنوي بتيممها ذلك وهو ظاهر والله تعالى أعلم ومن هذا ما ذكره البرزلي في مسائل بعض العصرييين من مسائل الصلاة: من اغتسل للجنابة ثم سافر فكان يصلي بالتيمم لموجبه ثم ذكر لمعة من غسل تلك الجنابة إن كان الماء قريبا استدرك غسلها وصح غسل الجنابة وأعاد ما صلاه في السفر، وإن بعد الماء أعاد مع ذلك غسل الجنابة. البرزلي: هذا بين على أن نية التيمم لا تنوب عن نية الجنابة، وعلى القول الآخر يقال: إن صلاته تجزئه، والمشهور الاول انتهى. وأشار بقوله. ص: (ولا يرفع الحدث) ش: إلى ما تقدم عن ابن الحاجب أن المتيمم لا ينوي رفع الحدث لانه لا يرفعه على المشهور. وقيل: يرفع الحدث، قاله في الذخيرة. وفائدة رفع الحدث عن الاصحاب أربعة أحكام: وطئ الحائض إذا طهرت به، ولبس الخفين به، وعدم وجوب الوضوء، وإذا وجد الماء بعده، وإمامة المتيمم للمتوضئين من غير كراهة، زاد ابن بشير التيمم قبل الوقت فتكون خمسة. فرع: قال في النكت: يؤم المتيمم المتوضئين وإمامة المتوضئ بهم أحب إلي لان التيمم لا يرفع الحدث على أصلنا فيكره لانها حالة ضرورة كصاحب السلس انتهى. وعلى كل قول لا بد من الغسل إذا وجد الماء قاله ابن الحاجب. ص: (وتعميم وجهه وكفيه لكوعيه) ش: هذا أيضا معطوف على فاعل لزم أي ولزم المتيمم تعميم وجهه بالمسح وتعميم كفيه إلى كوعيه، والكوع هو طرف الزند الذي يلي الابهام، ويقال فيه أيضا الكاع، وقال في الذخيرة: الكوع آخر الساعد وأول الكف انتهى. وجمعها أكواع قاله في المحكم فيقابل الكوع على التفسير الاول الكرسوع بضم الكاف، وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر وهو الناتئ عند الرسغ، والزند بفتح الزاي قال في الصحاح والقاموس: وهو موصل طرف الذراع بالكف وهما زندان: الكوع والكرسوع. وقال الجزولي في شرح الرسالة: هو قصبة الذراع وهو نحو ما قاله ابن السيد في مثلثته فإنه قال: الزند - بالفتح - ما يقدح به النار، وزند الذراع ما انحسر عنه اللحم من جانبيه، وهما زندان في كل ذراع. وبالكسر اسم فرس، وبالضم جمع زناد وزناد جمع زند انتهى. والرسغ بضم الراء وسكون السين. وقد تضم، وآخره غين معجمة هو مفصل ما بين الكف والساعد. ومن الدواب الموضع المستدق الذي بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل، قاله في الصحاح، ويقال فيه رصغ بالصاد المهملة، والبوع هو قدر عرض الانسان إذا مد يديه، قاله في الصحاح. وقيل: البوع هو رأس الزند الذي يلي الخنصر، ذكره الجزولي وفي المحكم الباع والبوع مسافة بين الكفين إذا بسطتهما الاخيرة هذلية ونقله في القاموس. وقال

[ 511 ]
الشيخ شهاب الدين الاسيوطي: والكوع ما عليه إبهام اليدو * البوع في الرجل ككوع في يد وما عليه خنصر كرسوع * والرسغ للمفصل طب موضوع والباع بالاذرع أربع تعد * وباعتدال صاحب الباع يحد انظر كلامه في البوع والباع مع كلام صاحب الصحاح والمحكم: والابهام بكسر الهمزة. وما ذكره المصنف من لزوم تعميم الوجه والكفين هو المشهور في المذهب. قال في التوضيح: الاستيعاب مطلوب ابتداء، ولو ترك شيئا من الوجه ومن اليدين إلى الكوعين لم يجزه على المشهور. وقال ابن مسلمة: إذا كان يسيرا أجزأه انتهى. تنبيه: لم يقيد المصنف تعميم وجهه بمسحه بيديه جميعا، فلو مسحه بيد واحدة أجزأه بل قال سند: لو مسح وجهه بأصبع واحدة أجزأه كقول ابن القاسم في مسح الرأس قال ابن ناجي في شرح المدونة قال ابن عطية: هذا هو المشهور انتهى. فرع: فإن قلت: هل تجوز الصلاة بتيمم لم يستوعب فيه الوجه كله ولا اليدين وليس به قروح ؟ قلت: نعم إذا ربطت يداه ولم يجد من ييممه فمرغ وجهه وذراعيه في التراب ولم يستوعب محل الفرض فإنه تجزئه الصلاة بذلك التيمم انتهى من الالغاء لابن فرحون. وأما إذا وجد من ييممه فلا تسقط عنه وهو كذلك فقد نص في العتبية على أن أقطع اليدين يستنيب من ييممه كما يستنيب من يوضئه، يمسح له وجهه ويديه إلى المرفقين على قول مالك، وعلى قول من يرى التيمم للكوعين فيسقط عنه محل مسح يديه إلى المرفق والله أعلم. ص: (ون (ع خاتمه) ش: أي ولزم المتيمم نزع خاتمه. قال في التوضيح: لا خلاف أنه مطلوب بنزع خاتمه ابتداء لان التراب لا يدخل تحته، فإن لم ينزعه فالمذهب أنه لا يجزئه، واستقرأ اللخمي من قول ابن مسلمة الاجزاء انتهى. فرع: قال ابن الحاجب: قالوا: ويخلل أصابعه. قال في التوضيح تضعيفه التخليل بقوله قالوا لاحد الوجهين: إما لان التخليل لا يناسب المسح الذي هو مبني على التخفيف، وإما لانه لما كان المذهب أنه لا يشترط النقل إذ يجوز التيمم على الحجر ناسب أن لا يلزمه التخليل، وقوله قالوا يوهم تواطؤ جماعة كثيرة من أهل المذهب، ولم ينقل ذلك إلا عن ابن القرطبي ونص ما نقل عنه أبو محمد: ويخلل أصابعه في التيمم وليس عليه متابعة الغضون. قال الشيخ أبو محمد: ولم أره لغيره. وأشار ابن راشد إلى هذا الاعتراض. انتهى ونقله ابن عرفة.

[ 512 ]
قلت: ابن القرطبي بضم القاف وسكون الراء - ثم طاء مهملة - وهو ابن شعبان، ونص ما قاله في الزاهي: وليس عليه في التيمم من التقصي في الغضون ما عليه في الوضوء، لان المسح تخفيف والوضوء إيعاب، ويخلل المتيمم بين أصابع يديه وهو في التيمم أقوى شئ لان الماء يبلغ ما لا يبلغ التراب انتهى. وظاهر كلام اللخمي قبوله وأنه الجاري على المشهور، وجعل مقابله مخرجا على قول ابن مسلمة كما في مسألة نزع الخاتم ونصه: ويختلف في تيمم ما تحت الخاتم في تخليل الاصابع، فقال ابن عبد الحكم: ينزع الخاتم، وقال ابن شعبان: يخلل أصابع يديه، ثم ذكر قول ابن مسلمة ثم قال: فعلى هذا القول يصح تيممه وإن لم ينزع الخاتم أو لم يخلل الاصابع انتهى. وصرح ابن بشير بأنه يخلل أصابع يديه فقال بعد أن ذكر صفة التيمم: فإذا مسح على هذه الصفات فإنه يخلل أصابع يديه، ثم قال: وإن كان في الاصابع خاتم أزيل. هذا هو المنصوص وإن لم يزله لم يجز له التيمم. واستقرأ اللخمي من قول ابن مسلمة أنه إن لم ينزع الخاتم أجزأه انتهى. قلت: فإذا علم هذا فقد صح قول ابن الحاجب قالوا ويخلل أصابع يديه ولا ينافي ذلك قول ابن أبي زيد لا أعرفه لغير ابن شعبان لانه لم يعرفه لاحد من المتقدمين غير ابن شعبان، ومراد ابن الحاجب قالوا: إنه قال جماعة من أهل المذهب ولو كانوا ناقلين له عن ابن شعبان لانهم إذا قبلوه فكأنهم قالوه، ولا يلزم من كون المسح مبنيا على التخفيف عدم التخليل عند من يقول بوجوب التخليل في الوضوء، لانه قد حكم لما بين الاصابع بحكم الظاهر وهو كثير فيجب مسحه كما يجب مسح ما تحت الخاتم لانه أضعاف ما يستره الخاتم. وقد قال صاحب الطراز في قول ابن عبد الحكم: ينزع الخاتم نحو قول ابن شعبان، ومقتضى المذهب أنه لا ينزعه وهو أخف من الوضوء، وتقدم اختلاف قول مالك في تخليل الاصابع في الوضوء، فإن قلنا يجب في الوضوء لم يبعد أنه يجب في التيمم انتهى. ونقل صاحب الذخيرة كلام صاحب الطراز. فرع: تقدم في كلام ابن شعبان أنه لا يتتبع الغضون، ونقله المصنف في التوضيح كما تقدم ونقله غيره. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: يمسح بهما وجهه كله مسحا. قال أبو عمران إنما زاد قوله مسحا ليبين أن المسح مبني على التخفيف فلا يتتبع الغضون وفيه قولان انتهى باختصار، وقال في الارشاد، ويراعي الوترة وحجاج العينين والعنفقة إن لم يكن عليها شعر انتهى والله تعالى أعلم. وقال في الطراز: وليس على المتيمم تتبع غضون وجهه، وعليه (أن يبلغ بيديه حيث ما يبلغ بهما في غسل الوجه ويمرهما على شعر لحيته الطويلة على نحو ما جرى في الوضوء، وما لا يجزيه الاقتصار عليه في الوضوء ولا يجزيه ذلك في التيمم، وخفف

[ 513 ]
ابن مسلمة ترك اليسير انتهى. ص: (وصعيد طهر كتراب وهو الافضل ولو نقل) ش: هو معطوف على قوله موالاته أي ولزم أيضا التيمم بالصعيد الطاهر لقوله تعالى: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (النساء: 43). لان المراد بالطيب الطاهر على الصحيح، وقيل: المراد بالطيب المنبت وهو التراب. ثم مثل الصعيد الطاهر بقوله كتراب وأشار بالكاف إلى دخول كل ما صعد على وجه الارض من أجزائها. قال في الجواهر: ولا يختص بذلك التراب على المشهور ولا يلزم النقل بل يجزئ التيمم على الحجر الصلب والرمل والسباخ والنورة والزرنيخ وجميع أجزاء الارض ما دامت على وجهها لم تغيرها صنعة آدمي بطبخ ونحوه، وسواء فعل ذلك مع وجود التراب أو عدمه. وقيل: لا يجزئ بغير التراب مطلقا. وخصص ابن حبيب الاجزاء بعدم التراب انتهى. ونقله في الذخيرة وقبله وقال ابن عرفة: وقول ابن شاس وقيل لا مطلقا لا أعرفه لغير نقل الباجي: منع ابن شعبان لا بقيد. وذكره اللخمي بعد قوله وعلى صلب الارض لعدم التراب اتفاقا يقتضي تقييده بوجود التراب انتهى. قلت: ظاهر كلام صاحب الطراز وغيره أنه كما نقله ابن شاس فتأمله والله تعالى أعلم. وكلام اللخمي الذي ذكره يقتضي تقييده كما قال، وظاهر كلام ابن عرفة أنه لم يصرح بذلك وسيأتي في كلام اللخمي التصريح بأنه لا يختلف أنه يجوز التيمم على ما لا تراب عليه عند عدم التراب فكأنه لم يقف عليه. ثم قال ابن عرفة: ومع وجوده ثالثها يعيد في الوقت للمشهور وابن شعبان وابن حبيب انتهى. يعين أنه اختلف في التيمم على صلب الارض مع وجود التراب على ثلاثة أقوال. الاول: يتيمم به وهو المشهور. الثاني: لا يتيمم به وهو قول ابن شعبان. والثالث: يتيمم به ويعيد في الوقت وهو قول ابن حبيب. ثم قال ابن عرفة: وفي خالص الرمل المشهور. وقول ابن شعبان اللخمي يجوز بتراب السباخ اتفاقا. وقال ابن الحاجب: ويتيمم بالصعيد وهو وجه الارض التراب والحجر والرمل والصفا والسبخة والشب والنورة والزرنيخ وغيرها ما لم تطبخ. وظاهرها كابن الحاجب بشرط عدم التراب. قال في التوضيح:

[ 514 ]
أي وظاهر المدونة كقول ابن حبيب لا يتيمم بما عدا التراب إلا بشرط عدم التراب لقول المختصر ويتيمم على الجبل والحصباء من لم يجد ترابا وأنكر هذا بعض المشارقة أعني اختصار المدونة على هذا. وقال: إنما وقع هذا الشرط في المدونة من كلام السائل لا من كلام ابن القاسم، فيحتمل ما ذكروه، ويحتمل الجواز عموما، وهو متجه قاله ابن عبد السلام خليل. وما قاله من أن الشرط إنما هو في السؤال صحيح. ونص الام ؟ وسئل مالك أيتيمم على الجبل من لم يجد ترابا ؟ قال: نعم. ولم ينقل المصنف قول ابن حبيب كما ينبغي ونصه على ما نقل ابن يونس: وقال ابن حبيب: من تيمم على الحصباء أو الجبل ولا تراب عليه وهو يجد ترابا أساء ويعيد في الوقت، وإن لم يجد ترابا لم يعد. وقال ابن سحنون عن أبيه: لا يعيد واجدا كان أو غير واجد. قال في المقدمات: وظاهر المدونة عدم الاعادة انتهى. وقال في الطراز: نقل البراذعي في تهذيبه: ويتيمم على الحصباء والجبل والثلج من لم يجد ترابا، فشرط ذلك بعدم التراب وهو قول فاسد، فإن مالكا لم يشترط ذلك في الكتاب ولكن جرى في السؤال انتهى. ونقله القرافي. وقال ابن ناجي في شرح كلام المدونة المتقدم: المشهور من المذهب أنه يتيمم على غير التراب ولو مع وجوده. ثم ذكر قول ابن شعبان وقول ابن حبيب وكلام ابن الحاجب المتقدم وكلام ابن عبد السلام عليه كما تقدم وقبله والله تعالى أعلم، وقول المصنف وهو الافضل لا خلاف فيه، قال اللخمي: ولا يختلف المذهب أن البداءة بالتراب أولى وهو ظاهر المدونة في قوله إنه يتيمم على الحصباء والجبل إذا لم يجد المدر ولا يختلف أيضا أنه يجوز التيمم بما لا تراب عليه عند عدم التراب انتهى. وقوله، ولو نقل ظاهر كلامه أن التراب أفضل من غيره ولو كان التراب منقولا فإنه ذكر للتراب حكمين الاول: جواز التيمم عليه. والثاني: كونه أفضل من غيره. ثم بالغ بقوله ولو نقل فاقتضى ذلك أن المبالغة راجعة إلى الحكمين معا، ولم أر من صرح بذلك وإن كانت إطلاقات بعضهم تتناوله، والخلاف المنقول الذي أشار إليه بلو إنما هو في جواز التيمم به فالمشهور جواز التيمم به، ومقابله لابن بكير، قال ابن ناجي: قال ابن عبد السلام: وهذا إذا عمل في وعاء، وأما لو جعل على وجه الارض فاسم الصعيد باق عليه انتهى. وما قاله ابن عبد السلام ظاهر والله تعالى أعلم. فرع: قال ابن فرحون في الالغاز في باب التيمم: أرض طاهرة مباحة نحو مسيرة خمسة أميال لا يجوز التيمم منها وهي أرض ديار ثمود قال: ونص عليه ابن العربي في أحكامه قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وفي الملح والثلج ما نصه: فرع: حكى ابن يونس عن مالك أنه لا يجوز التيمم على الرخام وهو بمنزلة الياقوت والزبرجد. وقال اللخمي: لا يجوز التيمم بما لا يقع به التواضع لله تعالى كالياقوت والزبرجد ونقد الذهب والفضة إلا أن يكون في معادنه ولم يجد سواه فيتيمم به. فعلى هذا يكون مراده بالرخام أنه يمنع التيمم به بعد نشره من معدنه وخدمته وصقله، ويجوز التيمم به إذا كان في معدنه انتهى. وانظر البرزلي في مسائل التيمم.

[ 515 ]
فرع: انظر هل يجوز التيمم على تراب المسجد ؟ لم أر فيه نصا صريحا. وقد قال في التمهيد في الحديث الثالث والاربعين لزيد بن أسلم وهو حديث الوادي: أجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طاهرا نظيفا جائز انتهى. ص: (وثلج) ش: ظاهره أنه يتيمم به مع وجود غيره وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وابن ناجي فإنهما لما ذكرا لفظ المدونة المتقدم قالا: إنه لا يشترط عدم التراب وهو ظاهر كلام اللخمي أيضا فإنه ذكر فيه ثلاثة أقوال، وعزا للمدونة الجواز ونصفه: واختلف عن مالك في التيمم بالثلج فأجازه في الكتاب ومنعه في مدونة، أشهب وإن لم يجد ترابا وهو عنده كالعدم. وقال ابن حبيب: من تيمم به وصلى وهو قادر على الصعيد أعاد وإن ذهب الوقت، وإن كان غير قادر أعاد ما لم يذهب الوقت. ويختلف في الماء الجامد والجليد قياسا على الثلج انتهى، ونقل ابن عرفة فيه أربعة أقوال ونصه. وفي الثلج ثالثها إن عدم الصعيد، ورابعها ويعيد في الوقت بالصعيد للباجي عن رواية علي وأشهب وابن القاسم واللخمي عن ابن حبيب الباجي، زاد ابن وهب في روايته الاولى وبالجمد. اللخمي: وجامد الماء والجليد مثله انتهى. وانظر كيف لم يعز الاول إلا لرواية علي مع عزو اللخمي له للكتاب، ونقل ابن ناجي الاقوال الاربعة كما ذكرها ابن عرفة فقال: وعزا الباجي الاول لرواية ابن القاسم والله تعالى أعلم انتهى. قلت: وعزاه ابن يونس أيضا لابن القاسم. وقال أيضا في آخر كلامه، قال ابن سحنون عن أبيه: لا يعيد واجدا كان أو غير واجد ابن يونس: صواب والله أعلم. ص: (وخضخاض) ش: أطلق رحمه الله في الخضخاض وهو مقيد بما إذا لم يجد غيره. قال ابن الحاجب: وعلى الخضخاض ما ليس بماء إذا لم يجد غيره. وقيل: وإن وجد قال في التوضيح. قال ابن رشد: والقول بأنه يتيمم به وإن لم يجد غيره لم أره انتهى، ولذلك قال في الشامل: وخضخاض إن لم يجد غيره انتهى. قلت: وهو ظاهر المدونة. قال ابن يونس: ويتيمم على الطين من لم يجد ترابا ولا جبلا. وقال البراذعي: وعلى طين خضخاض وغير خضخاض إذا لم يجد غيره انتهى. وقال ابن عرفة: وعلى طين خضخاض وغير خضخاض وفيها أيتيمم على الصفا والجبل وخفيف الطين فاقد التراب ؟ قال: نعم، وقول ابن الحاجب فيه وقيل إن فقد التراب لا أعرفه نصا في الطين انتهى، وهو غريب. ولعله تصحيف وصوابه وقول ابن الحاجب فيه وقيل وإن وجد التراب لا أعرفه فيكون موافقا

[ 516 ]
لانكار ابن رشد كما تقدم والله أعلم. ص: (وفيها جفف يديه روى بجيم وخاء) ش: يعني أنه قال في المدونة إثر كلامه السابق في التيمم على الخضخاض: ويخفف وضع يديه عليه فروي قوله يجفف بالجيم، وروي بالخاء المعجمة. قال في التوضيح: وجمع بينهما في المختصر الكبير فقال: يخفف وضع يديه ويجففهما قليلا. قال ابن حبيب: ويحرك يديه بعضها ببعض يسيرا إن كان فيهما شئ يؤذيه ثم يمسح انتهى. زاد ابن يونس: ثم بها وجهه ويصنع كذلك ليديه انتهى والله تعالى أعلم. ص: (وجص لم يطبخ) ش: قال ابن الفرات: بكسر الجيم وفتحها ما يبني به، وقال البساطي: بفتح الجيم وكسرها وهو الاكثر، قال في التوضيح: واشترط عدم الطبخ لان الطبخ يخرجه عن ماهية الصعيد ومن المنتقى، ولا يجوز التيمم بالجير ويجئ على قول ابن حبيب أنه يجوز التيمم به والاول أصح لانه تغير بالطبخ عن جنس أصله. وقول ابن حبيب الذي أشار إليه هو قوله إذا كان الحائط آجرا أو حجرا أو اضطر المريض إليه فتيمم به لم يكن عليه إعادة لانه مضطر. التونسي: انظر قوله آجرا والآجر طين قد طبخ فكيف يتيمم عليه وهو كالرماد انتهى. وقال اللخمي: ولا يتيمم على المصنوع من الارض كالاجر والجص والجير والجبس بعد حرقه، فإن فعل مع القدرة على غير مصنوع أعاد أبدا، وإن لم يجد غيره أجيز لانه كان له أن يصلي على أحد الاقوال بغير تيمم انتهى. ص: (وبمعدن غير نقد وجوهر) ش: هذا الكلام مشكل، انظر هل مراده إذا لم يجد غيره أو مع وجود غيره ؟ قال اللخمي: المتيمم به من الارض على ثلاثة أقسام: جائز وهو التيمم بالتراب الطاهر وهو إذا كان على وجه الارض لم ينقل عنها، كانت تلك الارض من الجنس المعهود أو على غير ذلك، كالكبريت والزرنيخ ومعدن الحديد والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وممنوع وهو التيمم على التراب النجس وما لا يقع به التواضع لله تعالى كالزبرجد والياقوت وتبر الذهب ونقار الفضة وما أشبهه، وهذا وإن كان آحاد أبعاض الارض لا يصح به التيمم، وآحاد لو أدركته الصلاة وهو في معدنه ولم يجد سواه جاز أن يتيمم على تلك الارض انتهى. وقال في الطراز: وأما النحاس والحديد والذهب والفضة فلا يتيمم به قولا واحدا إلا أن يدرك الصلاة وهو في معدنه ولم يجد غيره فيتيمم بترابه بما يبقى منه انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي: يمنع بالجير والآجر والجص بعد حرقه والياقوت والزبرجد والرخام والذهب والفضة، فإن تعذر سوى ما منع وضاق

[ 517 ]
الوقت تيمم به انتهى. وما ذكره عن اللخمي ليس في التبصرة مجموعا كما ذكره بل ذكر مسألة المعادن أول الفصل كما ذكرنا، ثم ذكر مسألة الجص والجير في آخره، وزاد بعدها لانه له أن يصلي على أحد الاقوال بغير تيمم والله أعلم. فيحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى على أن مراده أنه يجوز التيمم بالمعادن إلا معادن النقد يعني الذهب والفضة والجواهر، فما ذكره من جواز التيمم بالمعادن إلا معادن الذهب والفضة موافق للخمي، مخالف لكلام صاحب الطراز، ثم يقيد كلامه بما إذا وجد غير ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (ومنقول كشب وملح) ش: قال في الكبير: لانه مع النقل. لا ينطلق عليه اسم الصعيد. والفرق بين التراب وغيره لا يظهر، ونحوه في الوسط ولم يزد على هذا. وقال ابن الفرات: هو معطوف على جوهر ومثله بالشب. وذكر عن ابن يونس كلام السليمانية الآتي. وقال الاقفهسي: يعني أن التيمم على الشب لا يجوز ولو لم ينقل جاز التيمم به. وقال البساطي: معطوف على نقد عطف الجمل أي يتيمم بكذا وكذا غير المنقول، ثم أفاد حكما في الشب والملح مثل الحكم المتقدم أنه يتيمم على غير المنقول منه ولا يتيمم على المنقول، ثقم ذكر كلام ابن الحاجب من أوله إلى آخره فيما يتيمم به. وذكر بعض كلام التوضيح عليه ثم قال: قوله منقول إن عطف على نقد صح من جهة النقل لانه لا يتيمم بمنقول غير التراب على المشهور فيهما لكنه يلزم أن يقيد بالمعدن، وإن عطف على غير لزم الاختصاص أيضا، وإن عطف على معدن احتاج إلى تكلف انتهى. وقال ابن غازي: قوله: وملح أقرب ما يعطيه اللفظ أنه معطوف على شب وأنه أراد منع التيمم على المنقول من الشب والملح وأمثالهما. هذا ما رأيته من كلام الشارح، والذي يظهر أن قوله منقول معطوف على نقد وأنه مضاف للكاف في قوله كشب وأنه اسم بمعنى مثل، والمعنى: ويجوز التيمم بغير منقول مثل الشب والملح فيقتضي أنه يجوز التيمم بالشب والملح وما أشبههما إذا لم يكن منقولا، ولا يجوز التيمم بذلك إذا نقل وأنه يجوز التيمم بمنقول ما لا يشبههما كالحجر والرمل، أما التيمم على غير المنقول من الشب وما أشبهه كالكبريت والزرنيخ فقد تقدم أن المشهور جواز ذلك مع وجود التراب، وأما الملح فلم يتقدم الكلام عليه. وقال ابن الحاجب: في الملح روايتان لابن القاسم وأشهب. قال في التوضيح: رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة الجواز، وقيد ذلك بما إذا لم يجد غيره. ورواية أشهب عدمه ولو لم يجد. قال اللخمي: جعله كالعدم. ونقلها الباجي رواية لابن القاسم. وقيل: يتيمم بالمعدني دون المصنوع انتهى. وظاهر كلامه أن هذا الخلاف كله في غير المنقول، وظاهر كلام ابن عرفة أن القول الاول يقول بالجواز مطلقا، نقل أم لا، وجود غيره أم لا،

[ 518 ]
ونصه: وفي الملح ثالثها المعدني لابن القصار وبعض أصحاب الباجي مع ابن محرر عن السليمانية معللا بأنه طعام، والباجي مع نقل اللخمي. ورابعها للصقلي عن سليمان وفي السليمانية: إن كان بأرضه وضاق الوقت عن غيره انتهى. وأما عدم جواز التيمم بالشب والملح إذا نقلا وجواز التيمم بمنقول ما لا يشبههما كالحجر والرمل فهو الذي يظهر من كلام المصنف في التوضيح. قال في شرح قول ابن الحاجب: ولو نقل التراب فالمشهور الجواز بخلاف غيره أي في الحجر وما عطف عليه. قال ابن عبد السلام: ويدخل فيه الرمل والحجارة. وفي الفرق بينهما وبين التراب بعد، وكذلك قال ابن هارون. ثم ذكر كلام ابن يونس في تيمم المريض على الجدار ونحوه ثم قال: وقال مالك في السليمانية: إذا نقل الشب والكبريت والزرنيخ ونحو ذلك لا يتيمم به لانه لما صار في أيدي الناس معدا لمنفعتهم أشبه العقاقير ويتيمم على المغرة. ويحتمل أن يريد بقوله بخلاف غيره أنه فيه قولان ولا مشهور فيهما، ويكون الفرق بين التراب وغيره قوته، فانظر في ذلك انتهى. وذكر الابي في شرح مسلم في باب التيمم أن المشهور جواز التيمم على المنقول من غير التراب ونصه: والمشهور فيما يتيمم به أنه الارض وما صعد عليها ما لا ينفك عنها غالبا لقوله تعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (النساء: 43) ولحديث جعلت لي الارض مسجدا طهورا وقال الشافعي: لا يتيمم بغير التراب. وعندنا نحوه واختلف في الثلج والحشيش. قلت: القائل عندنا نحوه ابن شعبان، ويتعين أن يقيد بوجود التراب إذ لا يتيمم بغير التراب مع وجود التراب وهو ظاهر كلام اللخمي. ويعني بالارض وجهها المعتاد غالبا كالتراب، وغير غالب كتراب المعادن من حديث أو شب أو كبريت وكحل وزرنيخ ورمل وسبخة، ويعني ما صعد عليها ما هو من نوعها كالحجر والطين غير الخضخاض، وما ليس من نوعها كالشجر والحشيش والزرع والثلج، والمشهور أن نقل شئ من ذلك لا يمنع من التيمم عليه. وقال ابن بكير، يمنع انتهى كلام الابي فتأمله، وفي كلامه نظر والله تعالى أعلم. ص: (ولمريض حائط لبن أو حجر) ش: قال الشيخزروق في شرح قول الرسالة: وإن لم يقدر على مس الماء لضرر بجسمه هذا حكم المريض العادم القدرة على استعمال الماء أو لا يجده وكذا الصحيح، وأنه يجوز له التيمم بالتراب المنقول وإن كإن في

[ 519 ]
حائط أو غيره ما لم تغيره الصنعة فيصير جيرا أو جبسا، أو آجرا أو يكون به حائل يمنع من مباشرته، والمريض والصحيح في ذلك سواء إذا جرى فيبيح التيمم والله أعلم. ص: (لا بحصير وخشب) ش: قال ابن الحاجب: ولا يتيمم على لبد ونحوه. قال ابن فرحون: يعني بنحوه البساط والثياب والحصير. قال ابن راشد: ولا خلاف في ذلك ولو كان عليه غبار لانه ليس من جنس الصعيد. قال في التوضيح: إلا أن يكثر ما عليه من التراب حتى يتناوله اسم الصعيد انتهى. وما ذكره عن التوضيح نحوه لابن عبد السلام. وقوله وخشب يعني أنه لا يتيمم على الخشب، يريد النابت في الارض. ومعنى ذلك الحشيش والنخيل والحلفاء. قال في الطراز: وأما ما ينبت في الارض وليس من شكلها كالنخيل والحلفاء وغيره من الحشيش فإن لم يقدر على قلعه فقال أبو بكر بن الابهري وابن القصار: يتيمم فيضرب بيديه الارض وذلك عليها، وأجازه الوقار في الخشب إذا غشى وجه الارض وركبها على ما يكون في الغابات الواسعة، وزاد أن ذلك من باب الضرورة إذا لم يفعل ذلك ماذا يصنع، وذلك في هذه الحالة يعد من الارض فإنه لو حلف وهو راكب لا نزلت على الارض فنزل على أرض بهذه الصفة حنث، ولو نزل على جذع نخل لم يحنث، وعلى القول بأنه لا يتيمم على الثلج لا يتيمم على الحشيش والثلج أقرب إلى مشاكلة الارض انتهى. ونقله في الذخيرة ونصه: وأما النخيل والحلفاء والحشيش ونحوه إذا لم يقدر على قلعه قال الابهري وابن القصار: يتيمم به فيضرب بيديه الارض عليها. وأجازه الوقار في الخشب إذا علا وجه الارض كما في الغابات لانه ضرورة، ولانه لو حلف لا ينزل على الارض فنزل في هذه المواضع حنث، ولو نزل على جذع ونحوه لم يحنث انتهى. وقال اللخمي: وأجاز القاضي أبو الحسن بن القصار التيمم على الحشيش، وأجاز في مختصر الوقار التيمم على الخشب، ورأى أن يعيد من تيمم بشئ من ذلك فإن ذهب الوقت وإن لم يجد إلا سواه تيمم وصلى، وذلك أولى من صلاته بغير تيمم لانه لم يبق إلا التيمم أو يدع الصلاة أو يصلي بغير تيمم على القول الآخر فصلاته بمختلف فيه أولى وأحوط انتهى. قلت: ظاهر كلامه أن ابن القصار يجيز التيمم بالحشيش ولو وجد سواه وليس كذلك كما تقدم في كلام صاحب الطراز فتأمله، وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة لما ذكر الانواع التي اختلف في جواز التيمم عليها، النوع الخامس ما حال بينك وبين الارض وليس من جنسها، فمن ذلك الحشيش والخشب فأجاز ابن القصار التيمم على الحشيش واختار اللخمي

[ 520 ]
أن من تيمم على شئ من ذلك أعاد أبدا إن وجد غيره، فإن لم يجد غيره تيمم وصلى وهو أولى من صلاته بغير تيمم. قال الابهري: يتيمم على الحشيش لعدم الارض ولانه نبات من الارض كالرمل والحصا، واسم الارض يقع عليه، وذكر بعض البغداديين أن في التيمم على الزرع خلافا. قلت: والارجح الاظهر عندي ما قاله اللخمي أنه إذا وجد غيره لم يتيمم به لعدم ضرورته إليه مع بعده عن مسمى الارض أو مسمى الصعيد، وأما إذا لم يجد غيره فيصح التيمم به تشبيها له بأجزاء الارض وذلك أولى من تغليب أحد الشائبتين مطلقا وتعطيل الامرين انتهى، وقال الشبيبي في شرح الرسالة لما ذكر الانواع المختلف في جواز التيمم عليها: الخامس ما حال بينك وبين الارض وليس من جنسها كالخشب والحشيش والزرع، واختار اللخمي القول بالمنع والاعادة أبدا إن تيمم به مع وجود غيره، وإن لم يجد سواه " تيمم به. قال غيره: وهو الارجح الاظهر. قلت: فيتحصل أنه يجوز التيمم بالحشيش والحلفاء والنخيل والخشب إلا إذا لم يجد غيره ولم يمكن قلعه فيتيمم به حينئذ، وليس هناك قول بجواز التيمم على ذلك مع وجود غيره إلا ما يفهم من حكاية اللخمي قول ابن القصار من غير تقييد وتبعه على ذلك غيره، وقد علمت أنه مقيد بما إذا لم يمكنه قلعه كما تقدم في كلام صاحب الطراز والله تعالى أعلم. وقال عبد الحق في التهذيب: قال الابهري: ويتيمم على الحشيش والثلج لعدم الارض. قال ابن حبيب: ومن يتيمم بذلك فإن وجد الصعيد في الوقت أعاد ولا يعيد بعد الوقت، ولو فعله واجدا للصعيد أعاد أبدا انتهى. وقال في المقدمات: ويجوز التيمم بالحشيش النابت على وجه الارض إذا عم الارض وحال بينك وبينها، وقد قال يحيى بن سعيد: ما حال بينك وبين الارض فهو منها انتهى. وكلامه في المقدمات يبين كلامه في كتاب التقييد والتقسيم. ص: (وفعله في الوقت) ش: أي ولزم فعله في الوقت بل تقدم أن شرطه أيضا أن يكون متصلا بالفعل المتيمم له، ويمكن أن يفهم ذلك من قوله وفعله في الوقت والله تعالى أعلم. وأوقات الصلوات الحاضرة معلومة، وتقدم أن دخول وقت الفائتة بتذكذها، وقال ابن فرحون في الالغاز: ولا يتيمم من يصلي على الميت إلا بعد أن ييمم الميت لان المتيمم لا يفعل إلا بعد دخول الوقت، ولا يدخل وقت الصلاة عليه إلا بعد تيممه، ومن شرط التيمم اتصاله بالصلاة. وفي البرزلي: من تيمم ودخل في الصلاة ثم حصل له شك في الاحرام فقطع، هل يعيد التيمم ؟ فقال السيوري: لا يعيد. البرزلي: يريد إذا لم يطل وإن طال فإنه يبطل على ما حكاه

[ 521 ]
ابن الجلاب من أن شرطه اتصاله بالصلاة، ولا يدخله الخلاف الذي في مسألة الاقامة إذا ذكر النجاسة في الصلاة لان هذا لم يزل في عمل الصلاة والآخر قطعها لغسل النجاسة، ولا مسألة من أقيمت عليه الصلاة لغيبة الامام ثم قدم الامام قبل إحرام الاول هل تعادله الاقامة أو لا ؟ ذكره ابن العربي لاختلاف الامام فيها، انتهى من مسائل الصلاة. ص: (فالآيس أول المختار) ش: قال في المقدمات: العادمون للماء ثلاثة أضرب: أحدها أن يعلم أنه لا يقدر على الماء في الوقت أو يغلب ذلك على ظنه فيستحب له التيمم والصلاة في أول الوقت ليجوز فضيلة أول الوقت إذا فاتت فضيلة الماء، وهذا حكم الذي لا يقدر على مس الماء. انتهى ففي هذا القسم نوعان: ص: (والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه) ش: قال في المقدمات: الثاني: أن يشك في الامر فيتيمم في وسط الوقت، ومعنى ذلك أن يتيمم من الوقت في آخر ما يقع عليه اسم أول الوقت لانه يؤخر الصلاة رجاء إدراك فضيلة الماء ما لم يخف فضيلة أول الوقت، فإذا خاف فواتها تيمم وصلى لئلا تفوته الفضيلتان انتهى. وقال في الطراز: ويلحق بهذا القسم الخائف من لصوص أو سباع والمريض الذي لا يجد من يناوله الماء، نفي هذا القسم أربعة وزاد بعضهم معهم المسجون فيكونون خمسة. ص: (والراجي آخره) ش: قال في المقدمات: الثالث، أن يعلم أنه قادر على الماء في آخر الوقت أو يغلب على ظنه فإنه يؤخر الصلاة إلى أن يدرك الماء في آخره، لان فضيلة الوقت مختلف فيها، وفضيلة الماء متفق عليها، وفضيلة أول الوقت يجوز تركها بغير ضرورة، وفضيلة الماء لا يجوز تركها إلا لضرورة انتهى. ففي هذا القسم نوعان أيضا، قال في التوضيح: ومعنى في آخر الوقت أي في آخر ما يقع عليه وقت انتهى. ص: (وفيها تأخير المغرب للشفق) ش: قال المصنف في التوضيح: المسألة مبنية على أن وقت الاختيار ممتد إلى مغيب الشفق انتهى. قلت: سيأتي في

[ 522 ]
باب الاوقات أنه يمكن أن يقال: أمره بالتأخير مراعاة للخلاف لقوة القول بالامتداد فلا يلزم أن تكون مفرعة على مقابل المشهور، بل نقول: إنها مفرعة على المشهور وتكون هذه الصورة كالمستثناة من قوله الراجي يؤخر إلى آخر المختار فيقال إلا في المغرب وهذا ظاهر المدونة لمن تأملها. ص: (وسن ترتيبه وإلى المرفقين وتجديد ضربة ليديه) ش: ذكر من سنن التيمم ثلاث سنن: الترتيب ولا كلام في أنه سنة، وكونه إلى المرفقين، وتجديد الضربة الثانية ليديه، وقد صرح في المقدمات بترجيح القول بسنيتها، واقتصر عليه القاضي عياض في قواعده وغيره فسقط اعتراض البساطي وبقي على المصنف سنة رابعة وهي نفض ما تعلق بهما من الغبار فإن مسح بهما على شئ قبل أن يمسح بهما على وجهه ويديه صح تيممه على الاظهر. قاله في التوضيح تنبيه: إنما قال المصنف تجديد ضربة ليديه لينبه على أن الضربة الاولى يمسح بها الوجه خاصة، والثانية يمسح بها اليدين خاصة خلافا لمن يقول يمسح بكل ضربة وجهه ويديه، انظر المقدمات والبيان. ص: (وندب تسمية) ش: ورد في المدخل في فضائل السواك والصمت وذكر الله تعالى والله تعالى أعلم. ص: (وبطل بمبطل الوضوء وبوجود الماء قبل الصلاة لا فيها إلا ناسيه) ش: يعني

[ 523 ]
أن التيمم يبطله ما يبطل الوضوء من النواقض التي تقدمت في فصل نواقض الوضوء، وسواء كان ذلك التيمم للحدث الاصغر أو للحدث الاكبر كما تقدم عن المدونة عند قوله ونية استباحة الصلاة ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة. قال في التوضيح: يريد إذا كان الوقت متسعا، وإن كان الوقت ضيقا إن توضأ فيه لم يدرك الصلاة لم يجب استعماله على الصحيح من المذهب. قاله اللخمي انتهى. ونقله الشارح وما ذكره عن اللخمي صرح به القاضي عبد الوهاب في التلقين، ونقله صاحب الطراز عن الاشراف للقاضي عبد الوهاب، وذكره اللخمي في أثناء باب التيمم من تبصرته كما ذكره المصنف، وقال ابن عرفة: ووجود ماء في وقت يسعه يبطله فلو ضاق عن استعماله فالقاضي لا يبطله، وخرجه اللخمي على التيمم حينئذ، المازري: هذا آكد لحصوله لموجبه انتهى. قلت: ما ذكره ابن عرفة عن اللخمي من التصريح لم أره فيه ونص اللخمي: وإن كان في ضيق من الوقت إن توضأ لم يدرك الصلاة لم يجب عليه استعماله على الصحيح، نعم ذكر التخريج المذكور ابن شاس ونصه: الاول من أحكامه أنه يبطل لرؤية الماء قبل الشروع في الصلاة، إلا أن يخشى فوات الوقت باستعماله لضيق الوقت فيخرج على ما تقدم وأولى هنا بترك الاستعمال انتهى. وما ذكره عن المازري من الرد ظاهر والله أعلم. تنبيهات: الاول: لا شك أن المراد بالوقت الوقت المختار لانه قد تقدم أنه إذا خاف خروجه تيمم. الثاني: المراد بضيق الوقت أن لا يسع ركعة بعد وضوئه ويأتي فيه ما تقدم عند قول المصنف أو خروج وقت. الثالث: قال اللخمي: المراعى في التشاغل باستعماله على قدر ما تدل عليه الآثار من صفة وضوئه (ص) ليس على ما يكون من التراخي وبعض الوسواس انتهى. وهو ظاهر. وقوله لا فيها يعني إذا وجد الماء بعد دخوله في الصلاة فإن ذلك لا يبطل تيممه ولو كان الوقت متسعا كما صرح به اللخمي وغير واحد. قال في التوضيح: ويحرم عليه قطع الصلاة. قال ابن العربي: وخرج اللخمي قولا بالقطع. قال التلمساني: إذا قلنا إنه لا يجب عليه أن يقطع فهل المذهب أنه لا يستحب له القطع أو يستحب القطع ؟ قال ابن العربي: بل يحرم عليه ذلك ويكون عاصيا إن فعل، وحكمه كحكمه إذا وجد بعد الصلاة لا يستحب له أن يعيد. قال في الطراز: وهذا فيمن تيمم وهو على إياس من الماء، وأما من تيمم وهو يرتجي الماء فهذا لا يبعد أن يقال فيه يقطع لان الصلاة إنما أسندت إلى تخمين وقد تبين فساده انتهى. فرع: ومن تيمم ثم طلع عليه ركب يظن أن معهم الماء فيجب عليه سؤالهم إذا طلعوا عليه قبل شروعه، فإن لم يجد معهم وجب عليه أن يعيد تيممه، وكذلك لو رأى ماء فقصده فحال دونه مانع نقله سند عن الشافعي قال: وهو موافق لمذهب مالك فإن الطلب إذا وجب كان شرطا في صحة التيمم ولا يصح التيمم إلا بعد الطلب، ولانا نشترط اتصال الصلاة بالتيمم فمتى فرق

[ 524 ]
بينهما تفريقا فاحشا لم يجزه. قاله في أواخر باب التيمم، فإن طلعوا عليه وهو في الصلاة لم يقطع الصلاة ولو كان معهم الماء كما صرح به في المدونة. وقد نبه على ذلك صاحب الطراز في شرحها. وقوله إلا ناسيه يعني أن من كان معه ماء في رحله فنسيه وتيمم وشرع في الصلاة فتذكر فيها أن الماء في رحله، فإنه يقطع الصلجة لتفريطه فإنه تيمم والماء موجود معه كمن شرع في صوم الظهار ثم ذكر أنه قادر على الرقبة. وحكى ابن راشد القفصي قولا في التيمم بالتمادي، وقال في الشامل: لا فيها على المنصوص إلا ذاكره في رحله على المشهور واتسع الوقت انتهى. ص: (ويعيد المقصر في الوقت) ش: هذا الكلام كأنه ترجمة يعني أن كل من كان مقصرا في طلب الماء فحكمه أن يعيد في الوقت، فإن لم يعد في الوقت فصلاته صحيحة، وظاهر كلام المصنف سواء ترك الاعادة في الوقت ناسيا أو عامدا، أو المسألة في المقدمات وابن الحاجب مفروضة في الناسي، والظاهر أن العامد كذلك كما يفهم من تعليل المسألة ذكره في التوضيح. ص: (وصحت إن لم يعد) ش: قال البساطي: هذا مستغنى عنه لان الاعادة في الوقت تدل عليه انتهى. قلت: ليس بمستغنى عنه بل ذكره لينبه على المشهور في المسألة فإن من أمر بالاعادة في الوقت فلم يعد فيه اختلف في حكمه، فالمشهور لا إعادة عليه، وقال ابن حبيب: يعيد. قال ابن الحاجب: وكل من أمر أن يعيد في الوقت فنسي بعد أن ذكر لم يعد بعده. وقال ابن حبيب: يعيد. ص: (كواجده بقربه) ش: يعني أن من طلب الماء فلم يجده فتيمم ثم وجد

[ 525 ]
الماء بقربه فإنه يعيد في الوقت لتقصيره في الطلب. قال في سماع أبي زيد فيمن نزلوا بصحراء ولا ماء لهم ثم وجدوا الماء قريبا جهلوه يعيدون في الوقت، قال ابن رشد: استحبابا وعزاه القرافي لسماع موسى وليس فيه وعزاه ابن عرفة لسماع أبي زيد. ص: (أو رحله) ش: يعني كواجده في رحله بعد أن كان ضل عنه في رحله وطلبه فلم يجده ليس هذا بتكرار مع قوله وناس ذكر بعدها لان هذا غير ناس له بل طلبه في رحله فلم يجده والآتي فيمن نسيه في رحله ثم ذكره بعد الصلاة. قال البساطي: ويمكن أن يحمل على ما هو أعم فيكون تكرارا انتهى، وليس هذا الحمل بظاهر. ص: (ومتردد في لحوقه) ش: أي فإنه يعيد ولو تيمم في وقته المقدر له فأحرى إذا قدم، واحترز به عن المتردد في وجوده فإنه لا إعادة عليه مطلقا، سواء تيمم في وقته أو قدم، ونص عليه في التوضيح. وقال في الشامل: وإن قدم الشاك في وجوده لم يعد، وفي إدراكه ففي الوقت لتقصيره وصحت إن لم يعد كمريض عدم مناولا، وناس ذكر بعد صلاته. تنبيه: لم يذكر المصنف حكم ما إذا قدم صاحب التوسط اكتفاء بما ذكره هنا لانه ذكر لانهم يعيدون في الوقت إذا تيمموا في وقتهم المشروع فمن باب أولى إذا قدموا يريد إلا المتردد في وجوده فإنه لا إعادة عليه كما تقدم فتأمله. تنبيه: المراد بالوقت في هذه المسائل كلها الوقت المختار. انظر كلام صاحب الطراز وابن

[ 526 ]
يونس. ص: (وناس ذكر بعدها) ش: يعني أن الناسي للماء إن علم به في الصلاة قطع وإن علم به بعد الصلاة أعاد في الوقت. وأما قوله كواجده بقربه أو رحله فيشير به إلى ما قال ابن الحاجب: فإن أضله في رحله فالاولى أن لا يعيد، قال في التوضيح قال ابن رشد: والظاهر دخول الخلاف في هذه الصورة لان معه بعض تفريط انتهى. فرع: لو سأل رفقته الماء فنسوه فلما تيمم وصلى وجوده قال ابن القاسم في العتبية: إن ظن أنهم إن علموا به منعوه فلا إعادة عليه، وإن ظن أنهم لو وجدوه لم يمنعوه كما لو وجد الماء في رحله فليعد في الوقت انتهى. ص: (ومنع مع عد - ماء تقبيل متوض وجماع مغتسل إلا لطول) ش: تصوره ظاهر.

[ 527 ]
فرع: لا يجوز للانسان أن يبول ولا ماء معه إذا كانت به حقنة خفيفة لا تفسد الصلاة بها لانه مستغن عن الصلاة بالتيمم، ولا خلاف أنه إن فعل ذلك تيمم، وكذلك إذا كان معه ماء فدخل الوقت وأهراقه فهو عاص، ويجوز له التيمم خلافا لاحد قولي أصحاب الشافعي انتهى بالمعنى من الطراز. فرع: قال في المدونة: والصحيح إذا خاف على نفسه الموت من الثلج والبرد تيمم للجنابة. قال أبو الحسن في الكبير: قال أبو محمد صالح: يؤخد من هنا أن من كان في بلد الثلج فنزل الثلج أنه لا يطأ زوجته إذا كان يحوجه الامر للتيمم،. الشيخ أبو الحسن: هذا في البلد الذي يذوب فيه على قرب، وأما إذا كان يطول فله أن يطأ امرأته انتهى. ص: (وقدم ذو ماء مات ومعه جنب) ش: قال في العتبية في آخر سماع موسى من كتاب الوضوء: وسئل ابن القاسم عن النفر المسافرين يكون معهم من الماء ما يكفي رجلا منهم للغسل، فيموت رجل منهم، هل يكون الميت أولى بذلك ؟ وكيف إذا كان الماء لواحد دون صاحبه ؟ وكيف به إذا كان الماء بينهم فمات واحد منهم وأجنب الثاني وانتنقض وضوء الثالث، من أولاهم بذلك ؟ وكيف ينبغي لهم أن يصنعوا ؟ فقال ابن القاسم: إذا كان الماء للميت فهو أولى به يغسل به، وإن كان الماء بينهم وكان قدر ما يكفي واحدا يغتسل به فالحي أولى به يتوضأ به وييمم الميت. قال القاضي: قوله إن كان الماء بينهم وهو قدر ما يغتسل به واحد منهم فمات أحدهم وأجنب الثاني وانتقض وضوء الثالث فالحي أولى به يتوضأ به أي الحي الذي انتقض وضوؤه، أولى بنصيبه منه، يتوضأ به وييمم الميت يريد ويتيمم الحي الجنب أيضا إذ ليس فيما يبقى من الماء بعد أخذه الذي كان عليه الوضوء نصيبه منه ما يكفي واحدا منهما للغسل، ولو كان فيه

[ 528 ]
ما يكفي واحدا منهما لكان الحي أولى به على ما في سماع عبد الملك من كتاب الجنائز، إذ لا يقاوم على الميت ويغرم قيمة حصة الميت لورثته إن كان له ثمن. ولو كان الماء بين رجلين وهو قدر ما يكفي أحدهما للوضوء أو الغسل لتقاوماه فيما بينهما، وأما إن كان الماء لاحدهم فصاحبه أولى به حيا كان أو ميتا انتهى. وعزاها ابن عرفة لسماع عيسى، وانظر أيضا آخر سماع سحنون ونوازله. ص: (وتسقط صلاة وقضاؤها بعدم ماء وصعيد) ش: قيل: يصلي ويقضي. وقيل: لا يصلي ولا يقضي: وقيل: يصلي ولا يقضي. وقيل: لا يصلي ويقضي. قال الشاعر: ومن لم يجد ماء ولا متيمما * فأربعة الاقوال يحكين مذهبا يصلي ويقضي عكس ما قال مالك * وأصبغ يقضي والاداء لا شهبا وظاهر كلامه رحمه الله تعالى أن المسألة خاصة بمن عدم الماء والصعيد وهي مفروضة فيما هو أعلم من العدم، بل هي مفروضة في العجز عن استعمال الطهارة المائية والترابية، إما لعدمهما أو لغير ذلك. قال ابن العربي في شرح الترمذي في أول المسألة الثالثة: العاجز عن

[ 529 ]
استعمال الطهارة لمرض أو عدو أو سبع أو عدم قدرة حتى لا يمكنه تطهير بماء أو تراب مختلففيه على ستة أقوال. الاول: قال مالك وابن نافع: لا صلاة ولا قضاء. الثاني: قال ابن القاسم: يصلي ويقضي. الثالث: يصلي ولا يعيد قاله أشهب والشافعي. الرابع: يصلي إا قدر قاله أصبغ. الخامس: لا يصلي ويعيد قاله الذي قال يومئ إلى التيمم وهو أبو الحسن القابسي، قال القاضي أبو بكر بن العربي: والذي أقول إنه إنما يومئ إلى الماء لا للتيمم. والسادس: يومئ إلى التيمم أشار إليه متأخر، والاظهر قول أشهب لان الطهارة شرط أداء لا شرط وجوب، وعدمها لا يمنع من جعلها كسائر شروطها من شروط طهارة ثوب واستقبال قبلة انتهى. وهذا القول الخامس الذي ذكره لم يتحرر لي فهمه ورأيته في نسخة لا يصلي ويعيد وفي نسخة أخرى لا يصلي ولا يعيد وعلى كل واحدة فهو يرجع إلى أحد الاقوال الاربعة لانه على النسخة الاولى يرجع إلى القول الرابع الذي هو قول أصبغ فإنه يقول: لا يصلي به بل يؤخر إلى أن يجد أحد الطهرين. وعلى النسخة الثانية يرجع للقول الاول الذي هو قول مالك وابن نافع إلا أن يجعل الخامس أنه يومئ إلى الماء فتأمله والله تعالى أعلم. انظر في النوادر. وقد ذكر ابن رشد في أوائل سماع أشهب من كتاب الصلاة الاقوال الاربعة فيمن انكسرت به المركب ولم يمكنه الوضوء. وقال في التوضيح إثر قول ابن الحاجب: ومن لم يجد ماء ولا ترابا ويتصور ذلك في المربوط والمريض لا يجد مناولا انتهى. وظاهر كلامه أنه سواء أمكنه أن يومئ إلى الارض أم لا. وقال ابن عرفة واللخمي عن القابسي: يومئ المربوط للتيمم بالارض بوجهه ويديه كإيمائه بالسجود إليها انتهى. وقال سيدي أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في باب الحج: إن الايماء مشهور مذهب مالك والله أعلم. وقد ذكر البرزلي عن تعاليق أبي عمران واللخمي عن القابسي، وانظر شرح قول الرسالة: ويكون سجوده أخفض من ركوعه من ابن ناجي فإنه أطال في ذلك، وكذلك شرح المدونة عند قولها: ويومئ بالسجود أخفض من الركوع والله أعلم. تنبيه: إذا قلنا يصلي إذا لم يجد الماء والتراب فلا تبطل هذه الصلاة بسبق الحدث ولا بغلبته لانه لم يرفع الحدث بطهور، وأما تعمده لذلك فهو رفض للصلاة بخلاف الاول. قاله ابن فرحون في الالغاز في مسائل الصلاة مسألة وسئل السيوري عمن لدغته عقرب وهو في كرب منها وحصر وقت الصلاة ولا قدرة له على التيمم ويجد من ييممه من فوق الثوب. فأجاب: التيمم من فوق الثوب لا يجوز، فإن خاف مرضا أو زيادته في خروج يده فهو بمنزلة

[ 530 ]
من فقد الماء والتراب فقيل: يصلي ويقضي. وقيل: يصلي خاصة. وقيل: يقضي خاصة. والاصح أن لا يفعل شيئا من الامرين لان الحائض لا تصلي مطلقا وإنما فقدت الطهارة، وقد صلى بعض الصحابة بغير طهارة قبل نزول آية التيمم بغير علم النبي (ص) في قضية طلب العقد فأنزل الله آية التيمم، فحصل أن لا صلاة إلا بطهارة الكتاب والسنة. قلت: وعلى ما نقل أبوعمران في التعاليق واللخمي عن القابسي أنه يومئ المربوط بيديه ووجهه، إلى الارض يمسح هنا على الثياب من باب أحرى وقياسا على العوض المألوم في الوضوء انتهى من البرزلي. وانظر ما ذكر عن السيوري فيمن لدغته عقرب الخ. والظاهر أن فيه إجمالا وذلك أن من لدغته عقرب في يده أو غيرها " مثلا فتارة لا يستطيع مسها إما بلا حائل أو به، وتارة يقدر على ذلك من فوق الثوب. فالاول تجري فيه الاقوال التي ذكرها، والثاني يجري فيه ما قاله البرزلي فتأمله والله تعالى أعلم.. المسح على الجبائر قال في الذخيرة: جمع جبيرة وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح، وهي فعيلة بمعنى فاعلة. وسميت جبيرة تفاؤلا كالقافلة. والتفريق الحاصل في البدن إن كان في الرأس قيل شجة، أو في الجلد قيل له خدش، أو فيه وفي اللحم قيل له جرح، والقريب العهد الذي لم يفتح يقال له خراج، فإن فتح قيل له قرح، أو في العظم قيل له كسر، أو في العصب عرضا قيل له بترأ، وطولا قيل له شق، وإن كان عدده كثيرا سمي شدخا، وفي الاوردة والشرايين قيل له انفجار، وهذه الفائدة يحتاج إليها في قولابن الجلاب: والتهذيب من كانت به شجاج أو جراح أو قروح فيعلم الفرق بينهما انتهى كلام الذخيرة. وقال في التوضيح: إن الجرح يعم ما في الرأس والجسد فتأمله والله تعالى أعلم. فصل إن خيف غسل جرح كالتيمم مسح ثم جبيرته

[ 531 ]
يعني إن من كان في أعضاء وضوئه جرح وهو محدث الحدث الاصغر أو في جسده جرح وهو محدث الحدث الاكبر، فإن قدر على غسل الجرح من غير ضرر وجب عليه غسله في الوضوء والغسل وإن خاف من غسله بالماء خوفا كالخوف الذي تقدم ذكره في التيمم يعني قوله إن خافوا باستعماله ضررا أو زيادته أو تأخير برء فله أن يمسح على ذلك العضو مباشرة، فإن خاف من وصول البلل إليه في المسح ضررا كما تقدم فإنه يجعل عليه جبيرة ثم يمسح على الجبيرة، فإن خاف من المسح على الجبيرة، أو كان نزع العصابة من عليها يفسد الدواء ويخشى منه ضرر كما أشار إلى ذلك اللخمي كما في الفصادة، فله أن يمسح على العصابة المربوطة على الجبيرة، وهكذا ولو كثرت العصائب فإنه يمسح عليها إذا لم يمكن المسح على ما تحتها. تنبيهات: الاول: إذا كانت الجبيرة بموضع يغسل في الوضوء ثلاثا فإنه يمسح عليها مرة واحدة لا ثلاثا. قاله عبد الحق في النكت. قال: ودليله المسح على الخفين إنما يمسح مرة واحدة وهو بدل عن مغسول ثلاثا. وذلك لان شأن المسح التخفيف انتهى. ونحوه لابن يونس. الثاني: يجب استيعاب الجبيرة بالمسح. قال التلمساني في شرح الجلاب: إن جميع مسح الجبيرة واجب فإن ترك شيئا منها لم يجزه كما لو ترك من العضو شيئا انتهى. الثالث: قال ابن عرفة عبد الحق: من كثرت عصائبه وأمكنه مسح أسفلها لم يجزه عما فوقه وتخريجه الطراز على خف فوق خف، يرد بأن شرط الجبيرة الضرورة بخلاف الخف انتهى. وما قاله ظاهر. ويعني به أن الجبيرة لا يجوز لبسها إلا عند الضرورة، فإذا لبسها صارت بمنزلة الاصل لا يزيد عليها جبيرة أخرى إلا لضرورة والخف يجوز لبسه غير ضرورة، فإذا لبسه صار حكمه حكم الرجل فيجوز لبس خف آخر عليه والله أعلم. ص: (ثم عصابته) ش يعني أن يمسح على عصابة الجرح إذا تعذر حلها أو كان حلها يفسد الدواء الذي على الجرح. قاله اللخمي. والعصابة بالكسر ما عصب به قاله في القاموس. ص: (كفصد) ش: قال ابن بشير:

[ 532 ]
وهكذا حكم الفصد إذا لم يمكنه مباشرة الموضع بالماء وافتقر إلى شده بعصائب فيستر شيئا من ذراعه فإنه يمسح على تلك العصابة وعلى الرباط ولو وقع على غير الموضع المألوم ويجزئه. ص: (وإن بغسل) ش: تصوره واضح. تنبيه: قال ابن رشد في نوازله في آخر مسائل الطهارة: ولا فرق في حكم الغسل بين أن يجب من حلال أو حرام انتهى. وذكر في السؤال أن الفقهاء بمراكش اختلفوا في ذلك فقال بعضهم: لا رخصة له في ذلك كالعاصي بسفره فإنه لا يقصر ولا يأكل الميتة، وقال بعضهم: ليست تشبه مسألة العاصي بسفره لانه يتقوى بالفطر والقصر وأكل الميتة على المعصية التي هو فيها. ومسألة الغسل ليست كذلك لان المعصية قد انقطعت فيقع المسح المرخص فيه وهو غير متشبث بالمعصية ولا داخل فيها. قال السائل: فبين لنا هذه المسألة. ووجه الصواب فيها فأجاب ابن رشد بما تقدم بلفظه والله تعالى أعلم. وقد يقال: إن فيه إعانة على المعصية من حيثية أخرى وهو أنه إذا علم أنه يرخص له في المسح تساهل في العود إلى فعل المعصية، وإذا علم أنه ممنوع من المسح قد يكون ذلك زجرا له عن فعل المعصية، ولكن الظاهر من حيث الفقه ما أفتى به ابن رشد ومن وافقه والله أعلم. ص: (إن صح جل جسده) ش: هذا بالنسبة للغسل، وأما بالنسبة إلى الوضوء فالمعتبر حينئذ أعضاء الوضوء فقط قاله ابن الجلاب وابن الحاجب ص (وإن غسل أجزأه) ش: يحتمل أنه يريد به أن من أبيح ه المسح على الجرح فغسله فإن ذلك يجزئه، وعلى ذلك حمله الشارح في الصغير، ويحتمل أن من كان فرضه التيمم بأن قل الصحيح من جسده جدا كيد واحدة، أو كان أكثر من ذلك وكان غسل الصحيح يضرب بالجريح فترك التيمم في الصورتين وغسل جميع بدنه، الصحيح منه والجريح، فإنه يجزئه وعلى هذا حمله الشارح في الكبير. قلت: ويحتمل أن يريد ذلك جميعا. فرع: فلو غسل الصحيح فقط ومسح الجريح أعني من كان فرضه التيمم، فأما من لم يبق من جسده إلا كاليد ونحوها فقد صرح ابن الحاجب وغيره بأن ذلك لا يجزئه، وأما من

[ 533 ]
بقي من جسده أكثر من ذلك ولكنه إذا غسل الصحيح يضر الجريح، فالظاهر من قوله فرضه التيمم أن ذلك لا يجزئه. وقال ابن ناجي في شرح المدونة في باب التيمم عند قولها: والذي أتت الجراح على أكثر جسده ولا يستطيع مسها بالماء، والذي غمرت الجراح جسده ورأسه ولم يبق إلا يد أو رجل. قال أبو بكر بن عبد الرحمن في مسألة: إذا لم يبق إلا يد أو رجل فلو غسل ما صح ومسح على الجبائر لم يجزه كصحيح وجد ما لا يكفيه. ورده ابن محرز بأن مسح الجرح مشروع. وعزاه ابن عبد السلام لنفسه فقال فيه مناقشة إذ المسح على موضع الشجة والجبيرة معهود في الشرع ولا كذلك في حق العادم للماء والله أعلم. قلت: أما لو غسل جريح أكثر الجسد فإنه يجزئه وإن كان فرضه التيمم نص على ذلك المازري، ونص عليه صاحب الذخيرة، وكذلك نص اللخمي على المريض الذي يخشى بالصيام حصول علة، وأنه و إن صام يجزئه، وكذلك ابن الحاجب في الظهار ولو تكلف المعسر العتق جاز انتهى. ص: (وإن تعذر مسه وهي بأعضاء تيممه تركها وتوضأ) ش: تعذر مسها إما بأن لا يقدر على أن يمسها أصلا لا بالماء ولا بغيره ولو على الجبيرة، أو لا يقدر أن يمسها بالماء من غير جبيرة ولا يمكن أن يضع عليها جبيرة كما لو كانت في أشفار العين، أو لا تثبت كما لو كانت تحت المارن. قال ابن عرفة: فإن شق فعل الجبيرة أو تعذر غسل ما سواه، إن كان بمحل التيمم انتهى. وقال ابن شاس: لو كان الموضع لا يمكن وضع شئ عليه ولا ملاقاته بالماء، فإن كان في موضع التيمم ولم يمكن مسحه أيضا بالتراب فليس إلا الوضوء وتركه بلا غسل ولا مسح انتهى. وقال ابن فرحون عند قول ابن الحاجب: وإن كان يتضرر بمسحها أو لا تثبت أو لا يمكن وهي في أعضاء التيمم تركها وغسل ما سواها، قال ابن راشد: يعني أنه يتضرر إذا وضع يده على الجبيرة للمسح بأن تزول مثلا كما لو كانت في أشفار العين. وفي التوضيح: الضمير في مسها عائد إلى الجراح أي يتضرر بمسها بالماء. وأخذه من قول ابن شاس: لو كان الموضع

[ 534 ]
لا يمكن وضع شئ عليه ولا ملاقاته بالماء. وقوله أو لا يثبت إذا كانت الجبيرة إذا ربطت لا تثبت كما لو كانت تحت المارن، أو لا يمكن ربط الجرح كما لو كانت في أشفار العين وهي يعني القرحة في أعضاء التيمم كما مثلنا به في الوجه، تركها وغسل ما سواها وكانت كعضو قطع. وفائدة قوله وهي بأعضاء التيمم ولم يقل وهي في أعضاء الوضوء، إنه لو أمكنه مسحها بالتراب انتقل عن الوضوء إلى التيمم - قاله ابن شاس - لانه انتقل إلى طهارة كاملة، فإن لم يمكنه المسح بالتراب تركهما بلا مسح ولا غسل لانه إذا لم يمكن إلا وضوء ناقص أو تيمم ناقص فالوضوء الناقص أولى من التيمم الناقص انتهى. وقوله بأعضاء تيممه الظاهر أن المراد الوجه واليدان إلى المرفقين. ص: (وإلا فثالثها يتيمم إن كثر ورابعها يجمعهما) ش: قال ابن عبد السلام: الاحوط استعمال الماء مدل ما لا يصل إليه الصحيح من جسده في الغسل. وحكى ابن الحاجب وصاحب الشامل الاقوال من غير ترجيح. قلت: والقول الرابع أحوط. وقال في التوضيح: ولم أر هذه الاقوال معزوة. قلت: عزا ابن عرفة الاول لعبد " الحق، والثاني لغيره، والثالث لنقل ابن بشير، والرابع لبعض شيوخ عبد الحق والله أعلم. ص: (وإن نزعها لدواء أو سقطت وحن بصلاة قطع وردها ومسح) ش: قال في العتبية في سماع سحنون من كتاب الطهارة مسألة وقال في الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء ثم يدخل في الصلاة فسقطت الجبائر قال: يقطع ما هو فيه ويعيد الجبائر ثم يمسح عليها ثم يبتدئ الصلاة. وكذا لو تيمم ومسح على الجبائر، فلما صلى ركعة أو ركعتين سقطت الجبائر قال: يعيدها ويمسح عليها ويبتدئ الصلاة. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان المسح على الجبيرة ناب عن غسل ذلك الموضع أو المسح عليه في الوضوء أو التيمم فإذا سقطت في الصلاة

[ 535 ]
انتقضت طهارة ذلك الموضع فلم يصح له التمادي على صلاته إذ لا تصح الصلاة إلا بطهارة كاملة، ولم يجز له أيضا أن يرجع إلى الصلاة ويبني على ما مضى منها بعد أن يعيد الجبائر ويمسح عليها، كما لا يجوز البناء في الحدث بخلاف الرعاف. وهذا مما لا أعلم فيه في المذهب خلافا، وإنما يصح له وأن يعيد الجبائر ويمسح عليها إذا فعل ذلك بالقرب، وإن لم يفعل ذلك " حتى طال الامر استأنف الوضوء أو التيمم من أوله وبالله التوفيق انتهى. فائدة: من لا يقدر أن يمسح على رأسه مباشرة عند الوضوء فيمسح فوق العمامة، فإن سقطت هي أو الجبيرة في الصلاة وجب قطعها ومسح ذلك في الحال، وإن تأخر ذلك بطل وضوؤه لانها لمعة انتهى. ومن مسائل الغسل من البرزلي، مسألة من اغتسل من الجنابة وفي رأسه جرح مسح عليه إن قدر وإلا مسح على حائل، فإذا زال الحائل مسح في الحين على رأسه وإلا أعاد الغسل انتهى بلفظه. وقال ابن عرفة: ويجب فعل الاصل حين البرء وتأخيره ترك للموالاة انتهى. وقال التلمساني في شرح قول الجلاب في المسح على الخفين: وإن مسح على الاعليين ثم نزعهما الخ. قال الباجي في المسح على حائل دون عضو من أعضاء الوضوء: فظهور أصله يبطل حكمه أصله المسح على الجبائر والله أعلم انتهى. وأنظر سماع سحنون من كتاب الطهارة. وانظر النوادر في ترجمة المسح على الجبائر من كتاب الوضوء. ص: (وإن صح غسل ومسح متوض رأسه) ش: يعني أن من أبيح له المسح إذا صح غسل جرحه إن كان في الاصل مغسولا، رأسا كان أو غيره، كما إذا كان عن جنابة ومسح رأسه في الوضوء. فرع: قال في النوادر في ترجمة المسح على الجبائر من كتاب الوضوء ومن العتبية: قال سحنون عن ابن القاسم: قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن

[ 536 ]
تطهر فمسح على شجة أو كسر مستور ثم برأ فنسي غسله حتى صلى ولم يكن في موضع يأخذه غسل الوضوء بعد ذلك فليغسله فقط ويعيد ما صلى، ولو تركه جهلا أي تهاونا ابتدأ الغسل. ومن كتاب آخر لبعض أصحابنا: وإذا سقطت الجبائر ولم يعلم أو نسي غسلها وقد كان مسح عليها في غسل الجنابة، فإن كانت في غير مواضع الوضوء غسل موضعها وأعاد ما صلى بعد سقوطها، ولو تطهر للجنابة بعد ذلك لم يعد إلا ما صلى قبل طهره الثاني وما أدرك وقته مما صلى بعده طهره. وكذلك إن كانت في موضع يغسل من الوضوء أجزأه توضؤه بعد ذلك وأعاد ما صلى قبل توضئه هذا وما أدرك وقته مما كان صلى انتهى. فرع: فلو صح في الصلاة قطع وغسل ما تحت الجبيرة أو مسحه وابتدأ الصلاة نص عليه ابن بشير. فصل الحيض دم كصفرة أو كدرة قال في التوضيح قال ابن بشير: والمشهور أن الصفرة والكدرة حيض، وقد قيل إنها لغو، وقيل إن كانت في أيام الحيض فهي حيض وإلا فهي استحاضة. وقال ابن راشد: لا خلاف أن الصفرة والكدرة حيض ما لم تر ذلك عقيب طهرها، فإن لم يمض من الزمان ما يكون طهرا فقال ابن الماجشون: إن رأت عقيب طهرها قطرة دم كالغسالة لم يجب عليها غسل. وإنما يجب عليها الوضوء لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا انتهى. وظاهر كلامه أن قول ابن الماجشون مخالف للمشهور وبهذا صدر ابن عرفة وحكاه عن اللخمي أيضا، وحكى عن الباجي والمازري أنهما جعلا قول ابن الماجشون هو المذهب ونصه: وفي كون الصفرة والكدرة حيضا مطلقا، أو ما لم يكونا بعد اغتسال قبل تمام طهر قولان لظاهر التلقين مع الجلاب والمدونة وابن الماجشون موجبا منه الوضوء، وجعله الباجي والمازري المذهب، واللخمي خلاف المدونة. أبو محمد: في كونهما حيضا مطلقا وإن كان في حيض أو استظهار

[ 537 ]
وفي غيرهما استحاضة روايتان لها أو لعلي انتهى. قلت: وقد اقتصر ابن يونس على قول ابن الماجشون فأوهم أنه المذهب ونصه: قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا اغت سلت لحيض أو نفاس ثم رأت قطرة دم أو غسالة دم لم تعد الغسل ولتتوضأ، وهذا يسمى الترية انتهى. وقال في الطراز: إذا جاءها بعد الغسل صفرة أو كدرة أو دم اختلف في ذلك، فقال ابن الماجشون: لا تغتسل لذلك الحديث أم عطية وهذه تسمى الترية. وفي الكتاب من رواية ابن وهب عن ابن شهاب أنها لا تصلي ما دامت ترى من الترية شيئا من حيض أو حمل وهو أقيس لانه دم يرخيه الرحم عادة واعتبارا، فإذا تمادى ولو يوما فإنها تلغي ذلك الطهر وتضم الدم الثاني للاول، وما يكون حيضا إذا طال يكون حيضا إذا لم يطل انتهى باختصار. ونقله في الذخيرة بقريب من هذا الاختصار وزاد: ويمكن حمل الحديث على أنها لا تعد طهرا انتهى. فعلم أن قول ابن الماجشون خلاف الراجح وإن اقتصر عليه الباجي وابن يونس والمازري ولفظ المدونة: قال ابن القاسم: وإذا رأت صفرة أو كدرة في أيام حيضتها أو في غيرها فهو حيض، وإن لم تر معه دما والترية بتشديد التاء الفوقية وكسر الراء وتشديد الياء التحتية. قاله في التنبيهات. قال: وهي شبه الغسالة. وقيل: هي الخرقة التي بها تعرف الحائض طهرها. وقال الهروي: هي الحيض اليسير أقل من الصفرة. وفي كتاب العين: الترية ما رأت المرأة من صفرة أو بياض عند الحيض، وقال أحمد بن المعدل: هي الدفعة من الحيض لا يتصل بها من الحيض ما يكون حيضة كاملة. وقال الداودي: هي الماء المتغير دون الصفرة انتهى والله أعلم. ص: (خرج بنفسه) ش: يخرج به دم النفاس لانه بسبب الولادة، ودم العذرة لانه بسبب الافتضاض، ودم الاستحاضة لانه يخرج بسبب علة أو فساد في البدن. وقول البساطي رحمه الله ليس في كلامه ما يخرج دم الاستحاضة، ليس بظاهر. قال في التوضيح: وأخرج بقوله بنفسه الخارج من النفاس لانه بسبب الولادة، أو بشئ كدم العذرة، ومن ثم أجاب شيخنا لما سئل عن امرأة عالجت دم المحيض، هل تبرأ من العدة بأن الظاهر أنها تحل وتوقف عن ترك الصلاة والصيام والظاهر على بحثه أن لا يتركا. وإنما قال الظاهر لاحتمال أن استعجاله لا يخرجه عن الحيض كإسهال البطن انتهى. قلت: لا يلزم من إلغائه في باب العدة إلغاؤه في العبادة إذ لا ملازمة بين البابين، فإن الدفعة حيض في باب العبادات وليست حيضا في باب العدة، والفرق بين البابين أن المقصود في العدة براءة الرحم، وإذا جعل له دواء لم يدل على البراءة لاحتمال أنه لم يأت إلا بالدواء. وأما في باب العبادات فيحتمل أن لا يلغى بما قال إن استعجاله لا يخرجه عن كونه حيضا كإسهال البطن انتهى. والله أعلم. ويحتمل أن يلغى لانه لم يخرج بنفسه، وهذا إذا جعل له دواء استعجل به قبل أوانه، وأما إذا تأخر عن وقته ولم يكن بالمرأة ريبة حمل فجعل له دواء ليأتي: فالظاهر

[ 538 ]
أنه حيض لان تأخير الحيض إذا لم يكن حمل إنما يكون لمرض فإذا جعل دواء لرفع المرض لم يخرجه عن كونه حيضا، وقد يتلمح ذلك من قول المصنف استعجاله فتأمله والله تعالى أعلم. تنبيه: وعكس هذه المسألة إذا استعملت المرأة دواء لقطع الدم ورفعه فهل تصير طاهرة أم لا ؟ قال ابن فرحون في مناسكه في الكلام على طواف الافاضة وما يفعله النساء من الادوية لقطع الدم وحصول الطهر: إن علمت أنه يقطع الدم اليوم ونحوه فلا يجوز لها ذلك إجهاعا وحكمها حكم الحائض وإذا استدام انقطاعه نحو ثمانية أيام أو عشرة فقد صح طوافها إذا طافت في ذلك الطهر، وإن عاودها في اليومين والثلاثة إلى الخمسة فقد طافت وهي محكوم لها بحكم الحيض فكأنها طافت مع وجود الدم، ولم أر نصا في جواز الاقدام على ذلك إذا كانت جاهلة بتأثيره في الدم. ثم ذكر كلام الشيخ خليل في التوضيح المتقدم ثم قال عقبه: فعلى بحثه في أن استعجاله لا يؤثر فينبغي أن رفعه لا يؤثر لا سيما إذا عاودها بقرب ذلك. وقال ابن رشد: سئل مالك عن المرأة تخاف تعجيل الحيض فيوصف لها شراب تشربه لتأخير الحيض قال: ليس ذلك بصواب وكرهه. قال ابن رشد: إنما كرهه مخافة أن تدخل على نفسها ضررا بذلك في جسمها انتهى. فانظر هل هذا الادوية مثل التي تقطع الدم بعد وجوده أو لا وهو الظاهر، فإن المرأة بعد إتيان الدم محكوم عليها بأنها حائض ولا يزول حكمه إلا بدوام انقطاعه أقل مدة ما بين الدمين فتأمله. انتهى. كلام ابن فرحون. وحاصله أنها إن علمت أن الدم إنما يرتفع اليوم ونحوه فلا يجوز لها الاقدام على ذلك ولا تطهر بذلك، وإن عاودها بعد اليومين والثلاثة إلى الخمسة فحكمها حكم الحائض لا يصح طوافها، وإن كان ارتفاعه يستديم عشرة أيام أو ثمانية صح طوافها، وإن جهلت تأثيره في رفع الدم فلم نر نصا في جواز الاقدام على ذلك. وما ذكره عن ابن رشد وهو في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الحج وفي أول السؤال سئل عن المرأة تريد العمرة وتخاف تعجيل الحيض الخ. وقول ابن فرحون انظر هل هذا مثل الادوية التي تقطع الدم بعد وجوده أو لا وهو الظاهر ليس بظاهر، بل الذي يظهر من كلام ابن رشد أن الحكم واحد. قال في أواخر كتاب الجامع من البيان قال ابن كنانة: يكره ما بلغني أن يصنعنه يتعجلن به الطهر من الحيض من شراب الشجر والتعالج بها وبغيره. قال ابن رشد: المعنى في كراهة ذلك ما يخشى أن تدخل على نفسها من الضرر بجسمها بشرب الدواء الذي قد يضرها انتهى. فعلم من كلام ابن رشد أنه ليس في ذلك إلا الكراهة خوف ضرر جسمها، ولو كان ذلك لا يحصل به الطهر لبينه ابن رشد. وأما قوله إنه إذا عاودها فيما دون الخمسة فحكمها حكم الحائض فكأنه يريد أن الخمسة أقل الطهر على قول ابن الماجشون، ولم يقل أحد أن ما دونها طهر وأن ما بين الدمين إذا كان أقل من أيام الطهر فحكمه حكم أيام

[ 539 ]
الحيض، وهذا خلاف المذهب فإن المذهب إنه إذا انقطع الطهر تلفق أيام الدم وتلغي أيام الطهر وتكون فيها طاهرا حقيقة. قال في المدونة: وتتطهر في أيام الطهر التي كانت تأخذها عند انقطاع الدم وتصلي ويأتيها زوجها. انتهى من تهذيب البراذعي. ولفظ الام: والايام التي كانت تلغيها فيما بين الدم التي كانت لا ترى فيها دما تصلي فيها ويأتيها زوجها وتصومها وهي فيها طاهر، وليست تلك الايام بطهر تعتد به في عدة من طلاق لان الذي قبل تلك الايام من الدم والذي بعد تلك الايام قد أضيف بعضه إلى بعض فجعل حيضة واحدة، وكان ما بين ذلك من الطهر ملغى انتهى باللفظ، وكذلك نقلها صاحب الطراز وذكر أنه اختلف في وجوب غسلها، وإن قلنا أن ليس بحيض قال ابن الحاجب: وتغتسل كلما انقطع وتصوم وتوطأ. وقال ابن عرفة: والدم ينقطع بطهر غير تام المشهور كمتصل تغتسل كلما انقطع فتطهر حقيقة. وقال في الارشاد: وتغتسل وتصلي وتصوم أيام انقطاعه ولا توطأ. قال الشيخ زروق في شرحه: قوله لا توطأ خلاف المعروف من المذهب بل لم يقف عليه في هذه بخصوصها انتهى. تنبيه: نصوص المذهب التي ذكرناها وغيرها صريحة في أن صومها صحيح مجزئ. وقال الرجراجي: هو مشكل ولم أر نصا صريحا، ولكن ظاهر المذهب صحته. والذي أراه أن الصوم في ذمتها بيقين فلا تبرأ منه إلا بيقين انتهى بالمعنى. وما قاله مخالف لكلام أهل المذهب والله أعلم. ص: (من قبل من تحمل عادة) ش: احترز بقوله من قبل مما يخرج من الدبر أو غيره فإنه ليس حيضا، وبقوله من تحمل عادة من الصغيرة واليائسة. أما الصغيرة فقال ابن الحاجب: فدم بنت ست ونحوها ليس بحيض. وقال ابن عرفة: فيخرج دم بنت سبع ونحوها. وقال البساطي: اختلف في انتهاء الصغر فقال تسع، وقيل بأولها، وقيل بوسطها، وقيل بآخرها انتهى. وقال صاحب الطراز: كلامه في المدونة يقتضي أنه لا يحكم للدم بأنه حيض إلا إذا كان في أوان البلوغ بمقدمات وأمارات من نفور الثدي ونبات شعر العانة وعرق الابط وشبهه، فإما بنت خمس وشبهها إذا رأت دما فإنما يكون من بواسير وشبهها وليس بحيض، وسن النساء قد يختلف في البلوغ. قال الشافعي: أعجل من سمعت النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين، ورأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة. فالواجب أن يرجع في ذلك إلى

[ 540 ]
ما يعرفه النساء فهن على الفروج مؤتمنات، فإن شككن أخذ في ذلك بالاحوط انتهى. وأما الآيسة فاختلف في ابتداء سن اليأس فقال ابن شعبان: خمسون. قال ابن عرفة: ولم يحك الباجي غيره. قال الابي في شرح مسلم: وهو المعروف في سنها. ووجه قولعمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة خمسين عجوز في الغابرين، وقول عائشة رضي الله عنها كل امرأة تجاوز خمسين سنة فتحيض إلا أن تكون قرشية، وقال ابن شاس: سبعون. وقال في التوضيح وقال ابن رشد: والستون. وقال ابن حبيب: يسأل النساء، وروي عن مالك. وقال الابي: وفي المدونة بنت السبعين آيس وغيرها يسأل النساء. تنبيه: قال في التوضيح: وما ذكره ابن الحاجب يعنى في الصغيرة والآيسة بقوله ليس بحيض متفق عليه في الصغيرة، وأما الآيسة فكذلك أيضا بالنسبة إلى العدة لان الله تعالى جعل عدتها ثلاثة أشهر. واختلف في العبادة والمشهور كما قال، ولذا قال ابن القاسم: إذا انقطع هذا الدم لا غسل عليها. وروى ابن المواز عن مالك أنها تترك الصلاة والصوم، وعليه فيجب عليها الغسل عند انقطاعه وبذلك صرح ابن حبيب انتهى. وظاهر كلامه أن الخلاف في غسلها مفرع على الخلاف في كونه حيضا أم لا، وظاهر كلام ابن عرفة خلافه فإنه قال: وكون دمها حيضا في العبادات قولا الصقلي عن أشهب مع الشيخ عن رواية محمد وقول ابن حبيب معها وعليه في وجوب الغسل لانقطاعه قولا ابن حبيب وابن القاسم انتهى. ونحوه لابن ناجي في شرح المدونة وكلام ابن يونس يوافق كلام ابن عرفة. ص: (وإن دفعة) ش: قال في الصحاح: الدفعة من المطر وغيره بالضم مثل الدفقة والدفعة بالفتح المرة الواحدة. قلت: والمعنيان صحيحان. فإن قلت: أهل المذهب يقولون: إن أقل الحيض غير محدود، فالدفعة حيض وإذا كانت الدفعة حيضا ولا أقل من ذلك فالدفعة حد لاقله. فالجواب أن المراد أن أقله لا حد له بالزمان. تنبيه: الدفعة حيض وليست حيضة إذا لحيضة ما يقع الاعتداد به في العدة والاستبراء قاله الرجراجي. ص: (وأكثره لمبتدأة نصف شهر) ش: قال في فرض العين لابن جماعة التونسي: وتلفق الايام فإن حاضت مثلا في ظهر يوم السبت فتغتسل في ظهر يوم الاحد

[ 541 ]
السادس عشر منه انتهى. وانظر ما ذكره من التلفيق مع ما ذكره في التوضيح فيمن ينقطع طهرها فتطهر يوما وتحيض يوما. فإن قولنا حاضت يوما لا نريد به استيعاب جميع اليوم بالحيض فقد نقل في النوادر عن ابن القاسم في التي لا ترى الدم إلا في كل يوم مرة، فإن رأته صلاة الظهر فتركت الصلاة ثم رأت الطهر قبل العصر فلتحسبه يوم دم وتتطهر وتصلي الظهر والعصر. انتهى فتأمله وما قاله في التوضيح أظهر. ص: (ولمعتادة ثلاثة استظهار على أكثر عادتها) ش: قال في الطراز: وهل تحصل العادة بمرة ؟ وبه قال الشافعي وهو ظاهر قول ابن القاسم في الواضحة كما في قوله تعالى: * (كما بدأكم تعودون) * (الاعراف: 29) فيكون الثاني عودا إلى الاول. وقال أبو حنيفة: لا تحصل إلا بمرتين لانها مشتقة من العود. ونقله في الذخيرة وقبله. ويؤيد إثبات العادة بمرة ما ذكره في المدونة وغيرها أن من جاءها الحيض في عمرها مرة ثم انقطع عنها سنين كثيرة لمرض أو غيره ثم طلقت إن عدتها بالاقراء ما لم تبلغ سن من لا تحيض، فإن جاءها الحيض وإلا تربصت سنة والله أعلم. وقوله على أكثر عادتها أي على أكثرها في الايام وليس مراده أنها تبنى على العادة الاكثرية في الوقوع. قال في المدونة: والتي أيامها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيام وفي آخر أقل أو أكثر إذا تمادى بها الدم تستظهر على أكثر أيامها. قاله ابن ناجي. هذا هو المشهور: وابن يونس. وقال ابن حبيب: تستظهر على أقلها، وضعفه الشيخ أبو محمد بأن إحدى عادتها قد تكون أكثر من أقلها مع الاستظهار. وتضعيف أبي محمد نحوه قول ابن رشد. وقول ابن لبابة تغتسل لاقل عادتها والزائد استحاضة خطأ صراح. قال ابن عبد السلام: وأجيب عن التضعيف بأن معنى المسألة فيمن تختلف عادتها في الفصول فتحيض في الصيف سبعة مثلا وفي الشتاء عشرة، فإن تمادى

[ 542 ]
بها في الصيف فاختلف فيها على ما ذكر. وأما إن تمادى بها في فصل الاكثر فلا خلاف أنها تبني على أكثر عادتها انتهى. فرع: لو تأخر الدم من غير علة سنة ونحوها ثم خرج وزاد على عادته فإنها لا تزيد على استظهار بثلاثة أيام. قاله في الطراز. ص: (ثم هي طاهر) ش: أشار بهذا إلى أنها بعد أيام الاستظهار طاهر حقيقة فتصلي وتصوم وتوطأ ولا تغتسل عند انقضاء الخمسة عشر يوما، ولزوجها أن يطلقها حينئذ، وهذا مذهب المدونة في كتاب الطهارة، ونص قول ابن القاسم في الموازية، وظاهر المدونة في كتاب الحج لقولها إذا حاضت أن كريها يحبس عليها قدر أيام والاستظهار إلى تمام خمسة عشر يوما تحتاط فتغتسل بعد الاستظهار وتصوم وتقضي لاحتمال الحيض، وتصلي لاحتمال الطهارة، ولا تقضي لانها إن كانت طاهرة فقد صلت، وإن كانت حائضا فلا أداء عليها ولا قضاء ولا يطؤها زوجها لاحتمال الحيض وتغتسل ثانيا عند انقضاء خمسة عشر يوما. هكذا حكى القولين في التوضيح، وزاد ابن ناجي في القول الاول: ويستحب لها أن تغتسل عند تمام الخمسة عشر يوما وصرح به في الجواهر فقال: قال عبد الحق: ويكون الغسل الثاني هو الواجب وهذا هو القول الثاني والاول احتياط. وعلى القول الاول فيكون الغسل الثاني استحبابا والواجب هو المفعول عند تمام الاستظهار انتهى. فعلى ما ذكره في الجواهر ذكره ابن ناجي يستحب لها الغسل على المشهور عند تمام خمسة عشر يوما، وقياس ذلك أنه يستحب لزوجها أن لا يأتيها وأن تقضي الصوم. وذكر في التوضيح عن المازري بعد أن ذكر ما تقدم أن من ثمرة الخلاف قضاء الصوم والصلاة ولم يتعقبه مع أنه ذكر أولا، إن الصلاة لا تقضى، وعلل ذلك بما ذكرناه وهو الصواب. وفهم من قول المصنف هي طاهر أنها في أيام الاستظهار ليست بطاهر وهو كذلك. قال في المدونة: وأيام الاستظهار كأيام الحيض. وقال في التوضيح قال ابن هارون: واتفق على أن أيام الاستظهار حيض عند من قال به انتهى. وأما عند من لم يقل به فتغتسل عند انقضاء عادتها، وهل تكون طاهرا حقيقة أو احتياطا إلى خمسة عشر ؟ قولان. ص: (ولحامل بعد ثلاثة أشهر النصف ونحوه) ش: يريد بعد الدخول في ثلاثة أشهر لا بعد انقضاء الثلاثة أشهر. قال في المدونة قال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر من حملها تركت الصلاة خمسة عشر

[ 543 ]
يوما ونحوها، ويدل على ذلك قول المصنف. وهل ما قبل الثلاثة وإلا لقال وهل الثلاثة فما قبلها، والمعنى حينئذ وهل ما قبل الثلاثة كما بعد الدخول فيها ؟ وقال في التوضيح وابن ناجي في شرح المدونة: واختلف الشيوخ في الشهر الاول والثاني، فقال الا بياني: تجلس خمسة عشر بمنزلة الثلاثة. وقال ابن يونس: الذي ينبغي على قول مالك الذي رجع إليه أن تجلس في دلشهر والشهرين قدر أيامها والاستظهار انتهى. وقوله ونحوه أي إلى العشرين. كذا فسره في الطراز ونقله عن الجلاب، وكذلك فسره ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. تنبيه: لا يعترض على المصنف بأن عبارته مخالفة للمدونة، لان قوله بعد الثلاثة محتمل لان يريد بعد فراغ الثلاثة أو بعد الشروع في الثالث فيحمل كلامه على الثاني، وقد نقل ابن الحاجب لفظ المدونة بنحو عبارة المصنف ولم يعترض عليه بأنه نقل في المدونة خلاف ما فيها فتأمله. ص: (وفي ستة فأكثر عشرون يوما ونحوهج) ش: أي في الشهر السادس وما بعده، وإنما قال المصنف وفي ستة مع أن لفظ المدونة فإن رأته بعد ستة أشهر تركت الصلاة عشرين يوما ونحوها، لانه اعتمد على ما اختاره جماعة الشيوخ، فمن اعترض عليه بأن كلامه مخالف للمدونة فغير مصيب. قال في التوضيح: واختلف في الستة، هل حكمها حكم الثلاثة - وهو قول ابن شبلون - أو حكم ما بعدها - وهو قول جماعة شيوخ إفريقية - وهو أظهر، لان الحامل إذا بلغت ستة أشهر صارت في أحكامها كالمريضة. ونقل أن ابن شبلون رجع إلى هذا ونحوه لابن ناجي. وقوله ونحوها فسره ابن فرحون في شرح ابن الحاجب فقال: إلى خمسة وعشرين يوما. وفسره في الطراز فقال: إلى ثلاثين يوما. ونقله عن الجلاب. ص: (وإن تقطع طهر لفقت أيام الدم نقط على تفصيلها ثم هي مستحاضة وتغتسل كلما انقطع

[ 544 ]
وتصوم وتصلي وتوطأ) ش: تقدم أن اليوم الذي ترى فيه الدم ولو دفعة واحدة تحسبه يوم دم وأنها تغتسل كلما انقطع عنها الدم وتصلي وتوطأ وتصوم اليوم الذي لا ترى فيه الدم ولا تقضيه والله أعلم. وإنما نبه المصنف على الصوم والوطئ فقط لما تقدم أن الرجراجي استشكل صحة الصوم، وتقدمت نصوص المذهب في ذلك، ولقول صاحب الارشاد لا توطأ، وتقدم أنه غير معروف في المذهب. ص: (والمميز بعد طهر ثم حيض) ش: في العبادة اتفاقا وفي العدة على المشهور. ص: (ولا تستظهر على الاصح) ش: هو قول مالك وابن القاسم وأصبغ، ومقابله لابن الماجشون هذا ذكر في التوضيح. وقال ابن فرحون في شرحه قال في التوضيح: القائل بعدم الاستظهار ابن الماجشون واعترض عليه ذلك، ولعل ذلك تصحيف في نسخته من التوضيح والموجود في التوضيح ما ذكرنا.

[ 545 ]
فرع: قال ابن جماعة في فرض العين، فإذا انقطعت الاستحاضة استأنفت طهرا تاما ولا تلفق الاستحاضة مع الطهرين انتهى. يريد إلا إذا ميزت الدم كما سيأتي. وقال ابن عرفة: ومنقطع دم الاستحاضة بطهر غير تام كمتصله انتهى. ونقل ذلك ابن فرحون عن ابن راشد في شرح قول ابن الحاجب: ومتى انقطع دمها استأنفت طهرا تاما ما لم تميز فقال: يريد إذا انقطع دم الاستحاضة ثم عاودها الدم نظرت، فإن مضى بين انقطاعه وعودته مقدار طهر تام على الخلاف المتقدم يعني في مقدار الطهر، فالثاني حيض مؤتنف وإلا ضم لما قبله وكان دم استحاضة إلا أن تميز أنه دم حيض فيحكم لها بابتداء حيضة انتهى كلام ابن رشد. ولا بد أن يكون التمييز بعد طهر تام، لكن تلفق فيه أيام الاستحاضة إلى أيام النقاء كما يفهم ذلك من بقية كلام ابن فرحون فانظره وهو ظاهر والله تعالى أعلم. وحمل المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب هذا على أن المراد به إذا ميزت المستحاضة الدم وتكلف في توجيهه تكلفا كبيرا وهو تابع لابن عبد السلام. ص: (والطهر بجفوف أو قصة) ش: قال في المدونة: والجفوف أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة. قال في التوضيح: أي ليس عليها شئ من الدم. قلت: يريد ولا من الصفرة والكدرة لا يريد أنها جافة من الرطوبة بالكلية، بل المراد أن تكون جافة من الدم والصفرة والكدرة لان فرج المرأة لا يخلو عن الرطوبة غالبا، والقصة ما يشبه ماء الجير من القص وهو الجير، وقيل يشبه ماء العجين، وقيل شئ كالخيط الابيض، وروى ابن القاسم شبه البول، وروي على شبه المني. قال ابن ناجي قال ابن هارون: ويحتمل عندي أن يختلف باعتبار النساء، واعتبار أسنانهن وباختلاف الفصول والبلدان. وقال في الطراز: يجوز أن يكون ذلك يختلف إلا أن الذي يذكره بعض

[ 546 ]
النساء أنه شبه المني. ص: (وهي أبلغ لمعتادتها) ش: كلامه رحمه الله تعالى يقتضي أن من لم تكن معتادة بالقصة فلا تكون أبلغ في حقها، والمنقول عن ابن القاسم رحمه الله أن القصة أبلغ من الجفوف من غير تقييد، وعن ابن الحكم أن الجفوف أبلغ من غير تقييد، فمن كانت معتادة بهما تنتظر القصة عند ابن القاسم: والجفوف عند ابن الحكم ومن كانت معتادة بأحدهما رأت عادتها طهرت به اتفاقا، إن رأت خلاف في عادتها فإن كانت معتادة بالابلغ ورأت غيره انتظرت عادتها، وإن كانت معتادة بالاضعف ورأت الابلغ طهرت، فمعتادة القصة إذا رأت الجفوف انتظرت القصة عند ابن القاسم، ولا وتنتظرها عند ابن عبد الحكم. ومعتادة الجفوف إذا رات القصة لا تنتظر الجفوف عند ابن القاسم، وتنتظره عند ابن الحكم. نص على ذلك اللخمي والمازري وصاحب الجواهر. قال اللخمي في تبصرته: قيل: الجفوف أبرأ من القصة فتبرأ به من عادتها القصة ولا تبرأ بالقصة من عادتها الجفوف. وقيل: عكس ذلك أن القصة أبرأ وهو أحسن. وقال المازري: ذهب ابن القاسم إلى أن القصة أبلغ فتطهر معتادة الجفوف عنده بالقصة لانها وجدت ما هو أبلغ، ولا تطهر معتادة القصة بالجفوف لانها تترك عادتها لما هو أضعف. وقال ابن عبد الحكم: بعكس هذا: فتطهر معتادة القصة به ولا تطهر معتادته بالقصة. وقال في الجواهر: روى ابن القاسم أن القصة أبلغ من الجفوف وقال ابن عبد الحكم: الجفوف أبلغ وثمرته حكم من رأت غير عادتها منهما فالمعتادة الجفوف لا تنتظره على رواية ابن القاسم. ومعتادة القصة تنتظرها وتنتظره معتادة عند ابن عبد الحكم ولا تنتظرها معتادتها انتهى. إذا علم ذلك فكلام المصنف يفهم منه أن من كانت معتادة بهما انتظرت القصة، وكذلك من كانت معتادة بالقصة فقط تنتظرها إذا رأت الجفوف. وأما من كانت معتادة بالجفوف ورأت القصة فلا يفهم من كلامه حكمها بل يفهم من كلامه أن القصة ليست في حقها أبلغ، ويحتمل أن يقال: تكتفي بما رأته أو تنتظر علامتها. وقد علمت أن المنصوص أنها تطهر بذلك وهو ظاهر لان القصة أبلغ. تنبيه: وقع في كلام ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ما نصه: لم يختلف ابن القاسم وابن عبد الحكم فيما إذا كانت عادتها إحدى العلامتين القصة أو الجفوف ثم رأت الاخرى أنها لا تغتسل وتنتظر عادتها انتهى. وهو يوافق ظاهر كلام المصنف على أحد الاحتمالين، وقد علمت أن المنصوص خلاف ذلك والله أعلم. فرع: ويستحب للحائض والنفساء والمستحاضة أن يطيبن فروجهن إذا طهرن - قاله في

[ 547 ]
أواخر كتاب الحيض من الطراز، وذكره في المدخل وبين كيفية ذلك وتقدم التنبيه على ذلك في الغسل. ص: (وفي المبتدأة تردد) ش: أشار به لتردد المتأخرين في النقل عن ابن القاسم: فنقل الباجي وابن شاس وغيرهما عن ابن القاسم أن المبتدأة لا تطهر إلا بالجفوف. قال في التوضيح: صرح ابن شاس بأنها إذا رأت القصة تنتظر الجفوف. وفي المنتقى نحوه فإنه قال: وأما المبتدأة فقال ابن القاسم وابن الماجشون: لا تطهر إلا بالجفوف. وهذا نزوع إلى قول ابن عبد الحكم. وفي النكت ونحوه انتهى كلام التوضيح. قلت: ولم أر في الجواهر التصريح بأنها إذا رأت القصة تنتظر الجفوف، وإنما رأيت فيها نحو عبارة المنتقى. ثم قال في التوضيح: وقال المازري: وافق ابن القاسم على أن المبتدأة إذا رأت الجفوف طهرت، ولم يقل إذا رأت القصة تنتظر الجفوف فتأمله. ثم حكى تعقب الباجي ورده بأن خروج المعتادة عن عادتها ريبة بخلاف المبتدأة فإنها لم تتقرر في حقها عادة، فإذا رأت الجفوف أولا فهو علامة والاصل عدم القصة في حقها فلا معنى للتأخير لاجل أمر مشكوك، وما قاله المازري واضح إن كانت صورة المسألة كما ذكر أنها رأت الجفوف ولم تر القصة، وأما إن كان الامر ما نقل الباجي وابن الحاجب من أنها رأت القصة وتنتظر الجفوف، فإيراد الباجي صحيح فتأمله. انتهى كلام التوضيح، وللابي نحوه. قلت: وكأنهما لم يتفقا على غير كلام المازري ونقلاه بالمعنى وأسقطا منه بعد قوله خروجها عن عادتها ريبة ما نصه: فلا تنتقل عن عادتها إلى ما هو أضعف، فإذا وجدت ما هو أقوى وجب إطراح عادتها انتهى. ولفظ الرواية في النوادر كما ذكر الباجي وكذا ذكرها ابن يونس وصاحب الطراز، لكن قال في المقدمات: حكى ابن حبيب عن ابن القاسم ومطرف في المبتدأة أن لا تغتسل حتى ترى الجفوف، ثم تعمل على ما يظهر من أمرها. ونقل ابن عبد الوهاب في الشرح عنهما أنها إذا رأت الجفوف تطهر به ثم تراعي بعدما يظهر من أمرها من جفوف أو قصة. وقال: إن هذا هو القياس لانهما جميعا علامتان، فأيهما وجدت قامت مقام الاخرى. ونقله أصح في المعنى وأبين في النظر مما حكى ابن حبيب عنهما لانه كلام متناقض في ظاهره انتهى. وما ذكره عن عبد الوهاب في الشرح يعني به شرح الرسالة، وأغفل ابن

[ 548 ]
عرفة كلام عبد الوهاب وكلام ابن رشد ولم يذكر كلام المازري جميعه، إذا علم ذلك فمعنى قول المصنف: وفي المبتدأة تردد أي هل تكتفي بإحدى العلامتين كما ذكره ابن عبد الوهاب وابن رشد والمازري، أو تنتظر الجفوف كما ذكره الباجي وغيره ؟ وقد علمت أن ما ذكره عبد الوهاب أصح، كيف وقد تقدم عن ابن القاسم أن معتادة الجفوف إذا رأت القصة اكتفت بها ولا تنتظر الجفوف مع أنها معتادة به فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وليس عليها نظر طهرها قبل الفجر بل عند النوم والصبح) ش: يريد في أوقات الصلوات ويجب ذلك في أوائلها وجوبا موسعا، وتعين ذلك في آخرها بمقدار ما يسع أن تغتسل وتصلي الصلوات كما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم ونحوه للباجي ونصه على ما نقل المواق: قال مالك: لا يلزم المرأة تفقد طهرها بالليل والفجر إنما يلزمها إذا أرادت النوم أو قامت لصلاة الصبح، وعليهن أن ينظرن في أوقات الصلوات. قال ابن عرفة: ويجب تفقد طهرها عند النوم. واختلف في وجوبه قبل الفجر لاحتمال إدراك العشاءين والصوم فقيل بوجوبه قاله الداودي، وقيل لا يجب رواه ابن القاسم، إذ ليس من عمل الناس، وكلاهما حكاه الباجي. وقال ابن رشد: يجب في وقت كل صلاة وجوبا موسعا ويتعين آخره بحيث تؤديها، فلو شكت في طهرها قبل الفجر قضت الصوم لا الصلاة، ونقل الشيخ عن ابن عبد الحكم إن رأته غدوة وشكت في كونه قبل الفجر لم تقض صلاة ليلتها وصامت إن كانت في رمضان وقضته، انتهى بالمعنى مبسوط. فرع: قال في الطراز: إذا أخرجت الخرقة بالدم قبل طلوع الشمس واستثفرت بغيرها ثم حلتها في آخر النهار فوجدتها جافة علمت أن الحيض انقطع قبل الاستثفار بخلاف ما إذا رأت في الخرقة القصة فإن الطهر مستند إلى خروجها لانها من توابع الحيض، ثم إن عليها اعتبار

[ 549 ]
وقت خروجها فإن تيقنته عملت عليه، وإن لم تتيقنه بنت على الاحوط. ص: (وبدء عدة) ش: يعني عدة الطلاق وذلك بأن عدة من كانت تحيض بالاقراء والاقراء هي الاطهار، فإذا طلقت الحيض فلا شك أنها تحتسب بالطهر الذي بعد طهرها من الحيض. قال في طلاق السنة من المقدمات: إنما نهى أن يطلق في الحيض لانه يطول العدة ويضربها لان ما بقي من تلك الحيضة لا تعتد به في أقرائها فتكون المرأة في تلك المرة كالعلقة لا معتدة ولا ذات زوج ولا فارغة زوج انتهى. وقد صرح في التوضيح بأنه لا خلاف أن الحيض يمنع بدء العدة والطلاق وذكر ما قبلها ما عدا وجوب الصوم ففيه خلاف. وتقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة والاصل في ذلك السنة، وأيضا فإن الصلاة تتكرر ويشق قضاؤها بخلاف الصوم والله أعلم. ص: (ووطئ فرج) ش: فلا يجوز وطئ الحائض حتى تطهر وتغتسل كما سيأتي. وسواء كانت مسلمة أو كتابية قال في المدونة في باب غسل الجنابة ويجبر الرجل المسلم امرأته النصرانية على الطهر من الحيضة إذ ليس له وطؤها كذلك حتى تطهر، ولا يجبرها في الجنابة لجواز وطئها كذلك انتهى. وحكم النفاس حكم الحيض كما صرح به الشيخ زروق في شرح الارشاد وهو ظاهر، وقد حكى ابن عرفة والمصنف في التوضيح وغيرهما في جبرها على الغسل من الحيض والجنابة ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين الحيض فتجبر والجنابة فلا تجبر، ذكر ذلك في الكلام على النية في الوضوء. وهذا خلاف طريقة القاضي عبد الوهاب فإنه قال: لا خلاف بين أصحابنا أنه ليس له جبرها على الغسل الجنابة، وفي كلام ابن رشد في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الطهارة إشارة إلى ذلك، فإنه لما حكى الخلاف في جبرها على الغسل من الجنابة قال: وليس هذا الاختلاف على ظاهره، بل المعنى أنه لا يجبرها إذا لم يكن في جسدها نجاسة، ويجبرها على الغسل إذا كان في جسدها نجاسة انتهى. وفهم من كلامه أنه يجبرها على غسل النجاسة من بدنها.

[ 550 ]
تنبيه: استشكل جبرها على الغسل بأنه لا يصح إلا بنية وهي لا تصح منها. وأجاب القرافي بأن الغسل من الحيض فيه لله خطابان: خطاب وضع من جهة أنه شرط في إباحة الوطئ، وخطاب تكليف من حيث إنه عبادة، وعدم النية تقدم في الثاني دون الاول وهو ظاهر. وقال ابن رشد: إنما تشترط النية في صحة الغسل للصلاة لا للوطئ، لان الزوج متعبد بذلك فيها وما كان كذلك يفعله المتعبد في غيره لم يفتقر إلى نية كغسل الميت انتهى. فرع: قال في الطراز: فإذا أسلمت بقي زوجها على استباحة وطئها بذلك الغسل ولا تستبيح به غيره وتقدم عنه في الغسل نحوه. فرع: قال في البيان في الرسم المذكور: لو كانت لرجل زوجة مسلمة فأبت الاغتسال من الحيض لكان له أن يطأها إذا أكرهها على الاغتسال وإن لم يكن لها فيه نية، ويلزمها أن تغتسل هي غسلا آخر للصلاة بنية، إذ لا يجزئها الغسل الذي أكرهت عليه إذا لم يكن لها فيه نية انتهى. وهو يشهد لما تقدم عن القرافي أن الغسل فيه خطابان الخ. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: يقوم من هذه المسألة أن المجنونة لا يطؤها زوجها حتى تغتسل انتهى. يعني من الحيض وهو ظاهر مما تقدم والله أعلم. ص: (أو تحت إزار) ش: قال ابن غازي: ظاهره أنه يجوز له الاستمناء بيدها ولا أعلم أحدا من أهل المذهب صرح بذلك وقد صرح بجوازه أبو حامد في الاحياء. قلت: ولا شك في جوازه وعموم نصوصهم كالصريحة في ذلك. قال ابن يونس قال مالك: والحائض تشد إزارها وشأنه بأعلاها. كذلك روي عن رسول الله (ص) وهو في البخاري والموطأ. قال ابن القاسم: وقوله: شأنه بأعلاها أي يجامعها في أعكانها وبطنها أو ما شاء منها مما هو أعلاها انتهى. قال ابن بشير: لا خلاف في جواز الوطئ فيما فوق الازار انتهى بالمعنى. ص: (ولو بعد نقاء وتيمم) ش: هما مسألتان: الاولى جواز وطئها بعد النقاء وقبل الغسل.

[ 551 ]
حكى ابن عرفة فيها ثلاثة أقوال: المشهور المنع والجواز في المبسوطة عن ابن نافع. ونقل عياض أن بعض البغداديين تأول قول مالك عليه، والثالث الكراهة لابن بكير. والمسألة الثانية جواز الوطئ بعد النقاء والتيمم إذا لم يجد الماء وفيها قولان: مذهب المدونة المنع وهو المشهور، وقال ابن شعبان: يجوز اختاره ابن عبد السلام. تنبيه: قال اللخمي: وإن كان في سفر ولم يجد ماء وطال السفر جاز له أن يصيبها، واستحب لها أن تتيمم قبل ذلك وتنوي به الطهر من الحيض انتهى، وهو ظاهر والله أعلم. ص: (ورفع حدثها ولو جنابة) ش: أما رفع حدثها من الحيض فمتفق عليه كما صرح بذلك القاضي عبد الوهاب وابن رشد في المقدمات. قال: لا خلاف أن الطهر من الحيض والنفاس لا يرفع حكم الحدث من جهتهما ما داما متصلين، وإنما يرفع بعد انقطاعهما انتهى. وكذلك الحدث الاصغر لم أر خلافا في أنه لا يرتفع عنهما انتهى. وإنما اختلف في رفع حدث الجنابة فالمشهور أنه لا يرتفع، قال في التوضيح: وفائدة الخلاف في إباحة القراءة بالغسل. وثالثها إن طرأت الجنابة لم يجز، وإن طرأ الحيض جاز انتهى. فيفهم من كلامه أن الحائض إذا كانت جنبا لا تقرأ. وقال ابن رشد في المقدمات: يأتي في المرأة تجنب ثم تحيض ثلاثة أقوال: أحدها أن لها أن تقرأ القرآن ظاهرا وإن لم تغتسل لان حكم الجنابة مرتفع من الحيض وهو الصواب. والثاني أنه ليس لها أن تقرأ القرآن ظاهرا وإن اغتسلت للجنابة. والثالث ليس لها أن تقرأ ظاهرا إلا أن تغتسل للجنابة انتهى. ووقع فيما رأيت من نسخ الشرح الصغير عكس النقل، فحكى الاتفاق على رفع حدث الجنابة والخلاف في رفع حدث الحيض، وذكره في الكبير والوسط على الصواب والله تعالى أعلم. ص: (ودخول مسجد) ش: عده ابن رشد في المتفق عليه ولم يفصل بين المكث والمرور، وظاهره أن الجميع متفق على منعه. وقال اللخمي: اختلف في دخول الحائض والجنب المسجد، فمنعه مالك وأجازه زيد بن أسلم إذا كان عابر سبيل، وأجازه

[ 552 ]
محمد بن مسلمة جملة. وقال: لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد لانها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه عنه المسجد، ويدخله الجنب لانه يأمن ذلك. قال: وهما في أنفسهما طاهران سواء، وعلى هذا يجوز كونهما فيه إذا استثفرت انتهى. ص: (فلا نعتكف ولا تطوف) ش: إنما نبه عليهما وإن كان المنع من دخول المسجد يقتضي المنع منهما إذ شرطهما المسجد لانه قد يباح دخول المسجد لخوف لصوص أو سباع، ثم لا يباح لها الطواف ولا الاعتكاف إذ شرط الطواف الطهارة وشرط الاعتكاف الصوم والحيض يمنع منهما والله أعلم. ص: (ومس مصحف) ش: عده ابن رشد في المتفق عليه فقال: الخامس مس المصحف. وفي ذلك اختلاف شاذ في غير المذهب انتهى. وتبعه في التوضيح فعده في المتفق عليه. وقال ابن عرفة: وروى ابن العربي جوازه كقراءتها. ص: (لا قراءة) ش: قال ابن عرفة عياض: وقراءتها في المصحف دون مسها إياه كقراءة حفظها. قال اللخمي: ولا يمنع الحيض السعي ولا الوقوف بعرفة ولا يمنع ذكر الله كالتسبيح والاستغفار وإن كثر وهذا ظاهر. فررع: قال ابن عرفة أيضا. الباجي قال أصحابنا: تقرأ ولو بعد طهرها وقبل غسلها. قال ابن عرفة: قلت: يشكل بتعليلهم لعدم إمكانها للغسل. عبد الحق: لا تقرأ ولا تنام حتى تتوضأ كالجنب انتهى. قلت: وعلى الثاني اقتصر في التوضيح فقال: والخلاف في قراءة الحائض إنما هو قبل أن تطهر وإلا فهي بعد النقاء من الدم كالجنب، وعليه اقتصر ابن فرحون وغير واحد وهو الظاهر والله أعلم. فرع الاستحاضة ص: (والنفاس دم خرج للولادة) ش: قال في الذخيرة: والنفاس في اللغة ولادة المرأة لا نفس الدم. ذكره صاحب العين والصحاح، ولذلك يقال: دم النفاس والشئ لا يضاف لنفسه، وهو بكسر النون والمرأة نفساء بضم النون وفتح الفاء والمد، والجمع نفس بكسر النون وفتح الفاء، وليس في الكلام ما هو فعلاء. ويجمع على فعال غير نفساء وعشراء، ويجمعان على نفساوات وعشراوات بضم أولهما وفتح ثانيهما، ويقال: نفست المرأة بفتح النون وضمها وكلاهما مع كسر الفاء، ولا يقال في الحيض إلا نفست. وشمل قوله: للولادة ما خرج بعد الولادة وما خرج معها أو عندها لاجلها، وخرج به ما خرج قبل الولادة. قال في التنبيهات: ثم

[ 553 ]
هذا الدم المعتبر دم النفاس لا خلاف أنه الذي يهراق بعد الولادة، وأما ما كان قبل خروج الولد فقيل: إنه غير دم نفاس وحكمه حكم غيره من الدماء التي تراها الحوامل. واختلف فيما يهراق عند خروج الولد ومعه فقيل: ليس بدم نفاس حتى يكون بعده وهو ظاهر قول عبد الوهاب، والنفاس ما كان عقب الولادة. وقيل: هو دم نفاس. ولا فرق بين ابتداء خروج الولد وانفصاله وهو ظاهر قول كثير من أصحابنا من قولهم: الدم الذي عند الولادة ومع الولادة، وكذلك اختلف أصحاب الشافعي على قولين ولم يختلفوا في الوجهين الاولين انتهى. وعلم من كلامه أن مراده في الوجه الاول ما كان قبل خروج ولم يكن لاجل الولادة، وأما خرج لاجل الولادة قبل خروج الولد ففيه الخلاف. وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول المصنف في التوضيح: الدم الخارج قبل الولادة لاجلها. حكى عياض فيه قولين للشيوخ: أحدهما أنه حيض، والثاني أنه نفاس انتهى. لكن لا يفهم من كلامه في التوضيح أن الخلاف جار أيضا فيما خرج مع الولد. وقال ابن عرفة: النفاس دم إلقاء حمل فيدخل دم إلقاء الدم المجتمع على المشهور. عياض: قيل: ما خرج قبل الولد غير نفاس، وما بعده نفاس، وفيما معه قولا الاكثر والقاضي. فإن قيل: فما فائدة الخلاف في الدم الخارج عند الولادة لاجلها والخارج معها ؟ فالجواب - والله أعلم - أن الفائدة في ذلك تظهر كما قال الشيخ أبو الحسن عن بعض الشيوخ التي رأت الدم قبل الولادة - وتمادى بها حتى زاد على الحد الذي جعل لها وصارت مستحاضة، ثم رأت هذا مع الولادة، فهل يكون نفاسا أو استحاضة، لا يمنع من الصلاة. قلت: وتظهر أيضا ثمرة الخلاف - والله أعلم في ابتداء زمن النفاس. فعلى قول الاكثر: إنه نفاس يكون أول النفاس من ابتداء خروجه فيحسب ستين يوما من ذلك اليوم، وعلى القول: بأنه حيض لا يكون ابتداء النفاس إلا بعد خروج الولد والله أعلم. ص: (ولو بين توأمين) ش: التوأمان هما الولدان في بطن واحد، يقال لكل واحد: توأم على وزن فوعل وللانثى توأمة. وقال ابن عرفة في باب اللعان: التوأمان ما ليس بين وضعهما ستة أشهر. وقال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن واحد ووضعت ولدا ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد انتهى. والمعنى أن الدم الذي بين التوأمين نفاس. وقيل: حيض والقولان في المدونة. وعلى الاول فتجلس أقصى أم النفاس، وعلى أنه حيض فتجلس كما تجلس الحامل في آخر حملها عشرين يوما ونحوها. ثم إن وضعت الثاني قبل استيفاء أكثر

[ 554 ]
النفاس فاختلف هل تبني على ما مضى ويصير الجميع نفاسا واحدا وإليه ذهب أبو محمد والبراذعي، أو تستأنف للثاني نفاسا وهو ستون يوما وإليه ذهب أبو إسحاق ؟ قال في التنبيهات: وهو الاظهر. وظاهر كلامه في التنبيهات أنه لا ارتباط بين هذا الخلاف وبين الخلاف في كون الدم الذي بين التوأمين نفاسا أو حيضا. وظاهر كلام ابن الحاجب أن الخلاف في الضم وعدمه ينبني على الخلاف في كونه نفاسا أو حيضا. والذي في التنبيهات أظهر وقد ذكره أبو الحسن. وأما إن وضعت الثاني بعد أن جلست للاول أقصى النفاس، فلا خلاف أنها تستأنف للثاني نفاسا مستقلا وإلى هذا أشار بقوله: فإن تخللهما فنفاسان أي وإن تخلل بين التوأمين أكثر أمد النفاس فهما نفاسان. ص: (وأكثره ستون يوما ولا حد لاقله) ش: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ولا خلاف أعلمه بين أهل العلم أنه إذا انقطع دم النفاس أنها تغتسل. وجملة عوام إفريقية يعتقدون أنها تمكث أربعين يوما ولو انقطع عنها الدم وهو جهل منهم انتهى. ونبه على ذلك صاحب المدخل. وأما أكثره فكما قال المصنف: ستون يوما، وهذا قول مالك المرجوع عنه. وقال ابن ناجي: سمعت شيخنا يعني البرزلي ينقل غير ما مرة أن بعض أهل المذهب حكى قولا في المذهب باعتبار أربعين ليلة كمذهب أبي حنيفة قال: وغاب عني الموضع الذي نقلته منه انتهى. قلت: في كلام ابن عرفة إشارة إليه فإنه قال: وفيها إن دام جلست شهرين ثم قال: قدر ما يراه النساء. ابن الماجشون: والستون أحب إلي من السبعين، والقول: بالاربعين لا عمل عليه. ابن حارث عن عبد الملك: المعتبر الستون ولا يسأل نساء الوقت لجهلهن انتهى. وأصله في النوادر قال: يعني ابن الماجشون: والذي قيل: من تربص النساء أربعين ليلة أمر لم يقو ولا به عمل عندنا. قال ابن حبيب: وإذا رأت النفساء الجفوف فلا ينتظر ولتغتسل وإن قرب ذلك من ولادتها وإن تمادى بها الدم، فإن زاد على ستين ليلة أحب إلينا انتهى. وقال في التوضيح: قال ابن الماجشون: لا يلتفت إلى قول النساء لقصر أعمارهن وقلة معرفتهن، وقد سئلن قديما فقلن: من الستين إلى السبعين حكاه ابن رشد. ص: (ومنعه كالحيض) ش: قال ابن الحاجب: وحكمه كالحيض ولا تقرأ. قال في التوضيح: قوله: كالحيض يعني في الموانع المتقدمة إلا القراءة وهذا

[ 555 ]
مما انفرد به وقد صرح في المقدمات بتساوي حكم الحائض والنفساء في القراءة وكأنه - والله أعلم - نظر إلى أنه لما كانت العلة في قراءة الحائض خوف النسيان بسبب تكرره فلا ينبغي أن يلحق بها النفساء لندوره وفيه نذر، فإن طوله يقوم مقام التكرار انتهى. قلت: وتبع ابن الحاجب ابن جماعة التونسي في فرض العين وهو خلاف المعروف. تنبيه: علم من كلام المصنف أنه يمنع الطلاق وهو كذلك كما صرح به في أوائل طلاق السنة من المدونة، وقاله ابن الحاجب وغيره. وقول ابن راشد في اللباب يختص الحيض بمنع الزوج من الطلاق فيه مخالفة للمذهب والله أعلم. ص: (ووجب وضوء بهاد والاظهر نفيه) ش: قال في الطراز: القول الاول: إن هذا الماء يخرج من الحوامل عادة قرب الولادة وعند شم الرائحة من الطعام وحمل الشئ الثقيل، وما خرج من الفرج عادة فهو حدث ثم قال: وللنظر في ذلك مجال فإن هذا الماء لا يخرج إلا غلبة فهو في حكم السلس انتهى مختصرا. ولا إشكال في نجاسته لقول صاحب التلقين والقرافي وغيرهما: كل ما يخرج من السبيلين فهو نجس انتهى. فإن لازم المرأة وخافت خروج وقت الصلاة صلت به والله تعالى أعلم. كمل كتاب الطهارة وبالله التوفيق. (تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني وأوله: كتاب الصلاة).
مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...