65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج14. التلقيح لفهم قارئ الصحيح لسبط بن العجمي



ج14. التلقيح لفهم قارئ الصحيح  

(التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي(753 - 841 هـ)

[حديث: الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر]

3499# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

قوله: (الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ): قال شيخنا: قال الداوديٌّ: وَهَمٌ، إنَّمَا نُسِب إليهم الجَفاء، وهما _أي: الفخر والخيلاء_ في أصحاب الخيل، انتهى، و (الخُيَلاء): (تَقَدَّمَ أنَّه التكبُّر واستحقار الناس) [1].

قوله: (وَالإِيمَانُ يَمَانٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ): هو بتخفيف الياء، ويجوز تشديدها على لُغَة.

(1/6600)

[باب مناقب قريش]

قوله: (بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ): اعلم أنَّ قريشًا _وقد تَقَدَّمَ مَن هو قريشٌ قريبًا، ولِمَ سُمِّيَ قريشًا_ كانت لهم في الجاهليَّة مكارمُ؛ منها: السقاية، والعِمارة، والرِّفادة، والعُقاب، والحجابة، والنَّدْوة، واللِّوَاء، والمَشُورة، والإِشْناق، والقُبَّة، والأَعِنَّة، والسِّفَارة، والإيسار، والحكومة، والأموال [1] المُحَجَّرة، وكانوا ينتمون إلى الله وجيرانه، قاله شيخنا.

==========

[1] زيد في (ب): (والأموال)، وهو تكرارٌ.

[ج 1 ص 914]

(1/6601)

[حديث: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه]

3500# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): هو [1] ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم [2].

قوله: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي): تَقَدَّمَ الكلام على (العاصي)، وأنَّ النَّوويَّ قال: (الصحيح: إثباتها مع «ابن أبي الموالي»، و «ابن الهادي»، و «اليماني»، و «ابن العاصي»)، وما قاله ابن الصلاح في (العاصي) فقط.

قوله: (مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ): هذا الملك: قال القرطبيُّ عن ابن دِحية الحافظِ عُمرَ بنِ الحسن بن جُمَيِّل: لعلَّه الذي يقال له: الجهجاه، انتهى، قال بعض حفَّاظ هذا العصر: قيل: الجهجاه، انتهى، وفي «مسلم»: «لا تذهب الأيَّام والليالي حتَّى يملك رجلٌ يقال له: الجهجاه»، انتهى، قال القرطبيُّ في «تذكرته»: في غير «مسلم» رجلٌ من الموالي يقال له: جهجاه [3]، فسقط من رواية الجلوديِّ، وهو خطأ، انتهى.

و (قحطان): من اليمن، وهو يقطن، وهو لقبه، وقيل: اسمه يقطان، وسُمِّيَ بقحطان؛ لأنَّه كان أوَّلَ من قحط أموال الناس من ملوك العرب، وقال ابن ماكولا: اسمه مُهَرِّم؛ براء مكسورة، قال السُّهَيليُّ: واختُلِف _أي: في قحطان_؛ فقيل: إنَّه ابن عابر بن شالخ، وقيل: هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل: هو هود نفسُه، فعلى هذا القول مِن إرم، ومَن جعل العرب كلَّها من إسماعيل؛ قالوا فيه: هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل، ويقال: ابن الهمَيسع بن يمن، وقال ابن هشام: يمن: هو يعرب بن قحطان ... إلى آخر كلامه.

قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّمَ الكلام عَلَيها إعرابًا، وفي أوَّل مَن قالها، في أوَّل هذا التعليق.

[ج 1 ص 914]

قوله: (إِنَّهُ [4] بَلَغَنِي ... ) إلى آخره: إنكار معاوية عليه؛ لأنَّه حَمَل الحديثَ على ظاهره، وقد يخرج قحطانيٌّ في ناحيةٍ مِن نواحي الإسلام متغلِّبًا لا خليفةً، أو يُحمَل حديثُ معاوية على الأكثر، ولهذا قال: الأمر في قريش؛ يعني: الخلافةَ، وقال ابن التين: كأنَّ المعنى: إيَّاكم وقراءةَ ما في الصُّحف التي تُؤثَر عن أهل الكتاب ما لَمْ يأتِ به الشارع، وكان عبد الله بن عَمرو قد قرأ التوراة، ويحكي عن أهلها، لا أنَّه حدَّث [5] به عن الشارع، إذ لو حدَّث به عنه؛ لما استطاع أحدٌ ردَّه؛ لأنَّه لَمْ يكن مُتَّهمًا، والله أعلم، قاله شيخنا، وسيأتي قريبًا ما يشدُّ كلام عبد الله بن عَمرو بن العاصي من كلام صاحب «المفهِم»، والله أعلم.

قوله: (وَلاَ تُؤْثَرُ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ ومعناه: تُحفَظ وتُنقَل.

قوله: (فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ): هو [6] جمع (أمنيَّة)، وهو [7] مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ.

قوله: (إِنَّ هَذَا الأَمْرَ): أي: الخلافة.

(1/6602)

قوله: (إِلاَّ كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ): معناه: صرعه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ هذا من النوادر أن يقال: أَفْعَلتُ أنا، وفَعَلْتُ غيري، وقد قَدَّمْتُ في أوائل هذا التعليق أنَّ لهذا الفعل إخوةً؛ فانظر ذلك، كذا في أصلنا: (كبَّه الله)، وقد ألحق فيه ألف، فصار [8]: أكبَّه الله على وجهه، وعدم ثبوتها المشهورُ، لكن حكى شيخنا مجد الدين في «قاموسه»: (كبَّه: قلبه وصرعه؛ كـ «أكبَّه»، وكبكبه فأكبَّ، وهو لازمٌ مُتَعدٍّ).

قوله: (مَا أَقَامُوا الدِّينَ): أي: مدَّة إقامتهم للدِّين، والله أعلم.

ثُمَّ اعلم أنَّه ليس في حديث معاوية ما يردُّ حديثَ عبد الله بن عَمرو، وإنَّما أراد عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّهم أحقُّ بهذا الأمر، وأنَّه لم يُرِد أنَّه لا يوجد في غيرهم، قال صاحب «المفهِم»: هذا الذي أنكره معاويةُ على عبد الله بن عَمرو قد صحَّ من حديثِ غيرِه على ما رواه البُخاريُّ بعدُ من حديث أبي هريرة عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا تقوم الساعة حتَّى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»، ولا تناقضَ بين الحديثَين؛ لأنَّ خروج هذا القحطانيِّ إذا لم تُقِم قريشٌ الدِّينَ، فيُدَالُ عليهم آخرَ الزمان، فلعلَّه هو الملك الذي يخرج عليه الدَّجَّال، انتهى، وهذا فيه نظرٌ، إنَّمَا يخرج على المهديِّ، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (أنَّه).

[2] زيد في (ب): (الزُّهري).

[3] في (ب): (الجهجاه).

[4] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فإنَّه).

[5] في (ب): (أحدث)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (هي).

[7] في (ب): (وهي)، والمثبت هو الصَّواب.

[8] في النُّسخَتَينِ: (صار).

(1/6603)

[حديث: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي]

3504# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) [1]: تَقَدَّمَ مرارًا كثيرةً أنَّه الفضل بن دُكَين، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثَّوْريُّ، كذا عيَّنه المِزِّيُّ في كلام أبي مسعود الآتي وإنْ كان أبو نُعَيم قد روى عنهما، وهما رويا عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، ولكن قد عيَّنه المِزِّيُّ في كلامه.

قوله: (وَقَالَ [2] يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ [3]) [4]: هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، يروي يعقوبُ هذا عن أبيه وشعبةَ، وعنه: أحمدُ وعبدٌ، حجَّة وَرِعٌ، مات سنة (208 هـ)، وقد ذكرته قبل هذا، وذكرت أنَّه كذا أرَّخه في «التذهيب» أيضًا، وأنِّي رأيت بخطِّي: أنَّ المعروف في وفاته سنة (182 هـ)، والله أعلم.

قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (قال أبو مسعود: «هكذا أخرجه البُخاريُّ، وحمل حديث يعقوب عن أبيه على متن حديث الثَّوْريِّ، ويعقوب يقول عن أبيه: عن صالح، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ بالحديث الذي أخرجه مسلمٌ، يأتي في ترجمة صالحٍ عن الأعرج»، يعني أبو مسعود رحمه الله: أنَّ رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد لهذا الحديث تخالِف روايةَ سفيان الثَّوْريِّ في المتن والإسناد؛ لأن الثَّوْريَّ يرويه عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج، كما تَقَدَّمَ، ويعقوب يرويه عن أبيه إبراهيم بن [5] سعد عن صالح بن كيسان عن الأعرج باللفظ الذي يأتي بعد هذه الترجمة، ولا يرويه عن أبيه عن جدِّه سعد بن إبراهيم عن الأعرج، كما ذكر البُخاريُّ عقيب حديث الثَّوْريِّ)، انتهى.

قوله: (مَوَالِيَّ): هو بتشديد الياء التي للإضافة، كذا في أصلنا، وقال شيخنا عن ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنَّه قال: (موالي)؛ بتخفيف الياء [6]، ورُويَ بتشديدها، كأنَّه أضافهم إليه، وتحقيق القول فيهم: إمَّا أن يكتب (موالٍ)؛ بغير ياء [7]، أو يضيفهم إلى نفسه، فشدَّد الياء، وإمَّا ياء مُخَفَّفة، فلعلَّه على نيَّة الوقف، انتهى، وما قاله حسنٌ صحيحٌ.

==========

[1] قوله: (حَدَّثَنَا أبو نُعَيم): مقدَّم على قوله: (حَدَّثَنَا أبو الوليد) الآتي في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهو موافق لما في رواية أبي ذرٍّ، ومخالف لما في «اليونينيَّة».

[2] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو.

[3] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ).

[4] زيد في (ب): (يعقوب).

[5] (بن): سقط من (ب).

[6] (الياء): سقط من (ب).

[7] (ياء): سقط من (ب).

[ج 1 ص 915]

(1/6604)

[حديث: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان]

3501# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ.

قوله: (هَذَا الأَمْرُ): يعني: الخلافة.

==========

[ج 1 ص 915]

(1/6605)

[حديث: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد]

3502# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْثَ): هو ابن سعد، الإمام الجواد، أحد الأعلام، وأن (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، وتَقَدَّمَ مَن يقال له كضبط هذا: أنَّها القبيلة في «مسلم»، ويحيى بن عُقَيل في «مسلم»، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و (ابْن المُسَيّب): سعيد، تَقَدَّمَ أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

قوله: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ [1]: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ): أمَّا (عثمان)؛ فالعِلْم محيطٌ به أنَّه عثمان بن عفَّان بن أبي العاصي بن أُمَيَّة، من بني أُمَيَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمَّا (جُبير بن مُطعِم)؛ فاسم جدِّه عديُّ بن نوفل بن عبد مناف بن قصيٍّ، فعثمان من بني عبد شمس، وجُبير من بني نوفل، بقي من أولاد عبد مناف هاشمٌ والمطَّلب.

قوله: (شَيْءٌ وَاحِدٌ): قال ابن قرقول: كذا رُوِّيناه بالشين المُعْجَمَة بلا خلافٍ، ورواه بعضهم في غير «الصحيح»: (سَيِّء)؛ يعني: بسين مهملة مشدَّد [2] الياء، وصوَّبه الخَطَّابيُّ وقال: كذا رواه لنا ابن صالح عن ابن المنذر، قال القاضي _يعني: عياضًا_: الصواب عندي رواية الكافَّة، انتهى، وقد قَدَّمْتُ هذا أيضًا، وقال شيخنا: (شيءٌ واحدٌ): كذا الرواية، وذكره ابن التين بحذف الواو، وقال: كذا في أكثر الروايات، قال: وقلَّما يُستَعمَل (أحد) إلَّا في النفي، انتهى، وليس هذا في أصلنا، إنَّمَا فيه إثبات الواو في (واحد).

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (قال).

[2] في (ب): (بالسين المهملة، المُشَدَّدة).

[ج 1 ص 915]

(1/6606)

[حديث: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس إلى عائشة وكانت أرق شيء]

3503# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ، وقد ساقه بعد هذا مسندًا عن عبد الله بن يوسف عن الليث به، و (أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ): هو ابن عبد الرَّحْمَن بن نوفل، أبو الأسود، يتيم [1] عروة.

قوله: (مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ): اعلم أنَّ (زُهْرة) اسمه المغيرة بن كلاب بن مُرَّة، فيما ذكره ابن الكلبيِّ، وقال: كان يقال: صريحا قريشٍ ابنا كلابٍ، وفي «الصحاح» للجوهريِّ و «معارف ابن قُتَيْبَة»: أنَّ زُهْرة امرأةٌ يُنسَب إليها ولدها دون الأب، وهو غريبٌ.

ويأتي قريبًا: أنَّه دخل مع عبد الرَّحْمَن بن الأسود بن عبد يغوث والمِسْوَر بن مخرمة، أمَّا المِسْوَر؛ فوالده مَخْرَمة بن نوفل بن أُهَيب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب، وأمَّا عبد الرَّحْمَن بن الأسود بن عبد [2] يغوث؛ فوالد عبد يغوث: وهب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب، والله أعلم، والمِسْوَر صَحَابيٌّ صغير، تَقَدَّمَ، وعبد الرَّحْمَن لا يصحُّ له رؤية، وشهد الحَكَمَين، له روايةٌ وقَدْرٌ وشَرَفٌ، قال ابن عَبْدِ البَرِّ: قال الواقديُّ: وُلِد على عهد النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ورَوى عن أبي بكر وعمر.

==========

[1] في (ب): (تيم)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (الأسود عبد بن)، والمثبت هو الصَّواب.

[ج 1 ص 915]

(1/6607)

[حديث: كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة]

3505# قوله: (أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا): يعني: يُحجَر عليها.

قوله: (أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟!): هو بتشديد الياء بعد الدال.

قوله: (عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ): هو بضَمِّ تاء (كلمتُهُ)؛ تاء المتكلِّم، ويجوز تسكينها على أنَّها تاء التأنيث، وبهما ضُبِط في أصلنا.

قوله: (فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ ... ) إلى قوله: (فَأَفْرُغَ مِنْهُ): (أفرُغَ): مَنْصُوبٌ جواب التمني، ويجوز [1] [رفعه]، قال شيخنا: يريد أنَّ النذر المُبهَم يحتمل أن ينطلق على أكثرَ ممَّا فعلَتْ؛ لأنَّها نذرت إن كلَّمت ابن الزُّبَير، فاقتحم عليها الحجاب، وأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم، ثُمَّ لَمْ تزل تعتقهم حتَّى بلغت أربعين، ثُمَّ قالت: (وَدِدْتُ ... ) إلى آخره، فلو كان شيئًا معلومًا؛ كانت متيقِّنة [2] بأنَّها أدَّته وبَرِئَت ذِمَّتُها [3]، ومشهورُ مذهبِ مالكٍ: أنَّ النذر المجهولَ لَمْ ينعقد، وتلزمه كفَّارة يمين، وقال الشَّافِعيُّ مَرَّةً: يلزمه أقلُّ ما يقع عليه الاسم، ومرَّة قال: لا ينعقد، انتهى، وسيجيء تحرير مذهب الشَّافِعيِّ [4].

قال شيخنا: وقد صحَّ في «مسلم»: «كفَّارةُ النذر كفَّارةُ يمينٍ» [5]، ورُويَ: «مَن نذر نذرًا ولم يُسَمِّه؛ فعليه كفَّارة يمين»، ولعلَّه لَمْ يبلغها، انتهى، وقال في (باب الهجرة) من (كتاب الأدب) في قولها: (عليَّ نذر ألَّا أكلِّم ابنَ الزُّبَير أبدًا): هذا نذرٌ في غير طاعة، فلا يجب عليها شيءٌ عند مالك وغيرِه، أو يكون تقدير الكلام: عليَّ نذرٌ إن كلَّمتُ ابنَ الزُّبَير، فظاهر الكلام لا شيءَ عليه؛ لأنَّ النذرَ تَرْكُ كلامِ ابن الزُّبَير؛ لأنَّ (أنْ) والفعل في تأويل المصدر، وإِنَّمَا يوفى من هذا ما كان طاعةً؛ كالعِتق، والصلاة، والصوم، أمَّا نذرُ المعصية؛ كالزِّنَى، والمكروهِ؛ كتركِ النوافل والمباح؛ فلا يلزم الوفاء به، واختُلِف إِذَا قال: عليَّ نذرٌ لأفعلنَّ كذا، وكفَّارته كفَّارةُ يمينٍ، كما جاء في «مسلم»، وهو قول مالكٍ وغيرِ واحدٍ من التابعين، وعن ابن عَبَّاس: عليه أغلظ الكفَّارات؛ كالظهار؛ لأنَّه لَمْ يُسَمِّ اليمين بالله ولا نواها، وقيل: إن شاء؛ صام يومًا [6]، وإن شاء؛ أطعم مسكينًا، أو صلَّى ركعتين؛ لأنَّه لا تقم ذِمَّته إلَّا بالأقلِّ وكلِّ ما يصحُّ أن يُنذَر، انتهى.

ومذهب الشَّافِعيِّ: إِذَا قال: إِذَا فعلتُ كذا؛ فعليَّ نذرٌ، أو فللَّهِ عليَّ نذرٌ، نصَّ الشَّافِعيُّ أنَّه تلزمه كفَّارة يمينٍ، وبهذا قطع صاحب «التهذيب» وإبراهيمُ المروذيُّ، وقال القاضي حسين وغيره: هذا تفريعٌ على قولنا: (تجب الكفَّارة)، فأمَّا إِذَا أوجبنا الوفاءَ؛ فتلزمه قُربةٌ من القُرَب، والتعيين إليه، ولْيَكُن ما يُعيِّنه ممَّا يلتزم بالنذر، وعلى قول التخيير: يتخيَّر بين ما ذُكِر، أو بين الكفَّارة، والله أعلم.

قوله: (وَدِدْتُ): هو [7] بكسر الدال الأولى، وهذا ظاهِرٌ.

(1/6608)

[باب: نزل القرآن بلسان قريش]

(1/6609)

[حديث عثمان: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن]

3506# قوله: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ): ذكر هنا أربعةَ أشخاصٍ الذين أُمِروا بكتابة المصحف، وفيما يأتي، وسأذكر في (فضائل القرآن) شخصًا آخرَ أُمِر أيضًا [1]، فتحصَّل مِن مجموع الكُتَّاب خمسةُ أشخاصٍ؛ فانظر ذلك في (فضائل القرآن).

[قوله: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ ... ) إلى قوله: (فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ): أي: في الهجاء؛ كـ {التَّابُوتُ} [طه: 39] هل هو بالهاء أو بالتاء؟ وقيل: في الإعراب، ولا يبعد إرادتهما؛ وذلك لأنَّ لغة أهل الحجاز: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]، ولغة تميم: {بَشَرٌ}؛ بالرفع، والله أعلم] [2].

==========

[1] (أيضًا): سقط من (ب).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[ج 1 ص 916]

(1/6610)

[باب نسبة اليمن إلى إسماعيل]

قوله: (مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ): أمَّا (أَسلَم)؛ فهو بفتح اللام، قال السُّهَيليُّ في «روضه»: وليس في العرب أسلُم؛ بضَمِّ اللام إلَّا ثلاثة؛ اثنان منهما في قُضاعة؛ وهما أسلُم بن الحاف؛ يعني: ابن قضاعة، وأسلُم بن تدول بن تيم اللَّات بن رُفَيدة بن ثور بن كلب، والثالث في عَكٍّ: أسلُم بن القياتة [1] بن غافق بن الشاهد بن عَكٍّ، وما عدا هؤلاء فأسلَم؛ بفتح اللام، ذكره ابن حبيب في «المؤتلف والمختلف»، انتهى.

و (أَفْصَى): بالفاء الساكنة، والصاد المُهْمَلَة المفتوحة، وفتح الهمزة، و (حارثة): بالحاء المُهْمَلَة، وبعد الراء ثاء مُثَلَّثَة، قال ابن قرقول: قوله: (منهم أَسلَم بن أَفْصَى بن حارثة): كذا لأبي ذرٍّ والنَّسَفيِّ، وعند الجُرْجانيِّ: (أسلم بن أقصى)، وهو تصحيفٌ ووَهَمٌ، وسقط للمروزيِّ: (أسلَم)، والصواب إثباته، والحديث بعده يدلُّ عليه، انتهى.

==========

[1] في (ب): (القيانة).

[ج 1 ص 916]

(1/6611)

[حديث: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا وأنا مع بني فلان]

3507# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا يحيى بن سعيد القَطَّان الحافظ، شيخ الحُفَّاظ.

قوله: (عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ): تَقَدَّمَ الكلام على قوله: (مِن أَسلَم) في (الجهاد) من عند السُّهَيليِّ، وهو كلامٌ حسنٌ؛ فانظره، و (يتناضلون): تَقَدَّمَ أيضًا، وأنَّ معناه: يترامَون بالسِّهام، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على قوله: (وَأَنَا مِنْ [1] بَنِي فُلاَنٍ)، وفي رواية تأتي: (مع ابن فلان)، تَقَدَّمَ الكلام عليها، ومَن هو (ابن فلان) في (الجهاد)، وكذا قوله: (وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ)، وما في «المستدرك»، و (كلِّكم): بالجرِّ، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (مع).

[ج 1 ص 916]

(1/6612)

[باب في الزجر عن ادعاء النسب]

(1/6613)

[حديث: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر]

3508# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو المُقعَد، وكذا تَقَدَّمَ (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد بن ذكوان التيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ، أبو عبيدة الحافظ، و (حُسَيْنٌ [1]) بعده: هو ابن ذكوان المُعلِّم، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ): أنَّه بفتح الميم، غير مصروفٍ؛ للعلميَّة ووزنِ الفعل، وذكرت عن ابن قرقول ما ذكره عن البُخاريِّ أنَّه ذكر [في] (اليعمريِّ) فتحَ الميم وضمَّها.

قوله: (أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: (اسمه ظالم بن عَمرو بن سفيان، وقيل: سارق بن ظالم، وقيل: ظالم بن سارق، ولَّاه ابنُ عَبَّاس قضاءَ البصرة في خلافة عليٍّ)، انتهى، وقال غير الدِّمْيَاطيِّ: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يَعمَر بن حَلْبَس _بفتح الحاء، وإسكان اللام، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ سين، مهملتين_ ابن نُفَاثة _بضَمِّ النون، وتخفيف الفاء، وبعد الألف ثاء مُثَلَّثَة، ثُمَّ تاء التأنيث_ ابن عليِّ بن الدُّؤَل، وقيل: اسمه ظالم بن عَمرو بن ظالم، وقيل: اسمه عَمرو بن ظالم، وقيل: عثمان بن عَمرو بن سفيان، وقال الواقديُّ: اسمه عُوَيمر بن ظُوَيلم، ترجمته معروفةٌ فلا نطوِّل بها.

و (الدُّؤَلي)؛ بضَمِّ الدال المُهْمَلَة، وبعدها همزة مفتوحة، ومنهم من يكسرها، والصحيح المشهور فتحُها، وقيل فيه: (الدِّيْليُّ)؛ بكسر الدال المُهْمَلَة، وسكون الياء، والصحيح: أنَّه منسوب إلى القبيلة؛ الدُّؤَل، وسُمِّيَ بالدُّئِل: التي هي دُوَيبَّة معروفةٌ؛ بضَمِّ الدال، وكسر الهمزة، ولكن في النسب تُفتَح [3] مثل هذه الكسرة، كما قالوا في النسب إلى نَمِر؛ بكسر الميم: نَمَريٌّ؛ بفتح الميم، وإلى الصَّدِف؛ بكسر الدال: صَدَفَيٌّ؛ بفتحها، وله نظائرُ.

قوله: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ): تَقَدَّمَ أنَّه جُندب بن جُنادة، وقيل غير ذلك، وسأذكره قريبًا مُطَوَّلًا، وقد تَقَدَّمَ ببعض ترجمة [4].

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الحسين).

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (الدِّيلِيَّ).

[3] في (ب): (بفتح).

[4] في (ب): (ترجمته).

[ج 1 ص 916]

(1/6614)

[حديث: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه]

3509# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ): هو بالمُثَنَّاة تحت، والشين المُعْجَمَة، الألهانيُّ، أبو الحسن البكَّاء، عن حَرِيز، وشعيب بن أبي حمزة، وعدَّةٍ، وعنه:

[ج 1 ص 916]

البُخاريُّ، والذُّهليُّ، والناس، وُلِد سنة (143 هـ)، ومات سنة (219 هـ)، وثَّقهُ النَّسائيُّ والدراقطنيُّ، أخرج له البُخاريُّ والأربعة.

قوله: (حَدَّثَنَا حَرِيزٌ): هو حَرِيز بن عثمان، وهو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وكسر الراء، وفي آخره زاي، الرَّحَبيُّ [1] المِشْرَقيُّ الحمصيُّ، ورَحَبَة: بطنٌ من حِمْيَر، عن عبد الله بن بُسْر، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد، وأممٍ، وعنه: يحيى الوحاظيُّ، وعليُّ بن عيَّاش، وعليُّ بن الجَعْد، ثقةٌ، له نحو مئتَي حديث، وكان ثبتًا ناصبيًّا، تُوُفِّيَ سنة (163 هـ)، أخرج له البُخاريُّ والأربعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيُّ): هو بالنون بلا خلاف، وهو عبد الواحد بن عبد الله بن بُسْر، واسمه كعب، وقد عُرِف جدُّه بـ (بُسْر)، أبو بُسْر النَّصريُّ الدِّمَشْقيُّ، عن أبيه، وعبد الله بن بُسْر المازنيِّ، وواثلة بن الأسقع، وعنه: الأوزاعيُّ وحَرِيز، وُثِّق، وُلِّيَ حمص والمدينة فشُكِر، قال العِجْليُّ: تابعيٌّ ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، لا يُحتَجُّ به، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ثقةٌ محمودُ الإمارةِ، أخرج له البُخاريُّ والأربعة.

قوله: (وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ): تَقَدَّمَ أنَّ (واثلة) بالثاء المُثَلَّثَة، و (الأسقع) بالقاف، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

قوله: (مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى): هو بكسر الفاء، والقصر، وضبطه بعضهم بالمدِّ والقصر: الكذبُ.

قوله: (يُرِيَ): هو بضَمِّ الياء المُثَنَّاة تحت أوَّله، وهو رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] في (ب): (الرضي)، وهو تحريفٌ.

(1/6615)

[حديث ابن عباس: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع]

3510# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو ابن زيد الإمام، أبو إسماعيل، مشهور الترجمة، وتَقَدَّمَ (أَبُو جَمْرَةَ): أنَّه بالجيم والراء، واسمه نصر بن عِمران الضُّبَعيُّ، مُطَوَّلًا.

قوله: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ): تَقَدَّمَ الكلام على الوفد، ومتى وفدوا، وكم كانوا، وقد ذكرت منهم مَن وقفت عليه في (العلم) في أوائل هذا التعليق.

قوله: (هَذَا الْحَيَّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّ (الحيَّ) مَنْصُوبٌ على الاختصاص، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على: (آمُرُكُمْ [2] بِأَرْبَع)، وتَقَدَّمَ الكلام على الانتباذ في هذه الأواني، وهل هو منسوخ أم لا، مُطَوَّلًا في (كتاب العلم).

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (مِن هذا الحيِّ).

[2] في (ب): (أميركم)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 917]

(1/6616)

[حديث: ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان]

3511# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ أنَّه الحكم بن نافع مرارًا، وكذا (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

==========

[ج 1 ص 917]

(1/6617)

[باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع]

(1/6618)

[حديث: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار]

3512# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وضبط (دُكَين)، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) بعده: تَقَدَّمَ في الورقة التي قبل هذه أنَّه الثَّوْريُّ، وما قاله أبو مسعودٍ في أنَّه وقع في هذا الحديث للبخاريِّ كما نقله المِزِّيُّ؛ فانظره.

[قوله: (مَوَالِيَّ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في الورقة التي قبل هذه؛ فانظره] [1].

==========

[1] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[ج 1 ص 917]

(1/6619)

[حديث: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله]

3513# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ): هو بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وفتح الراء، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء أخرى، مشهورٌ.

تنبيهٌ: قوله: (مُحَمَّد بن غُرَيْر الزُّهْرِيُّ): كذا في أصلنا، ورأيت في نسخة صحيحة بعد (الزُّهْرِي) ما لفظه: (مِن ولد عبد الرَّحْمَن بن عوف)، انتهى، وهو صحيحٌ في نفس الأمر، هو مُحَمَّد بن غُرَيْر بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف القُرَشيُّ الزُّهْرِيُّ.

قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو صالح بن كيسان، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (نَافِعٌ) بعده: هو مولى ابن عُمر، و (عَبْد اللهِ) بعده: هو ابن عُمر بن الخَطَّاب.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[ج 1 ص 917]

(1/6620)

[حديث: أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها]

3514# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي): (مُحَمَّد) هذا: قال الجَيَّانيُّ: وقال: _أي: البُخاريُّ_ في (الصلاة)، و (الجنائز)، و (المناقب)، و (الطلاق)، و (التوحيد)، وغير ذلك: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب)، نسبه ابن السكن في بعضها: ابن سلَام، وقد صَرَّحَ البُخاريُّ باسمه في (الأضاحي) وغيرِ موضع، فقال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سلَام: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب)، وذكر أبو نصرٍ أنَّ البُخاريَّ يروي في «الجامع» عن مُحَمَّد بن سلَام، وبُنْدار مُحَمَّد بن بَشَّار، وأبي موسى مُحَمَّد بن المثنَّى، ومُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب الطائفيِّ، عن عبد الوهَّاب الثَّقفيِّ، انتهى، والمِزِّيُّ لَمْ يقيِّد (مُحَمَّدًا) هذا، وأمَّا شيخنا؛ فإنَّه [3] قال: (مُحَمَّد): قيل: هو ابن سلَام، وقيل: ابن يحيى، انتهى

ورأيت في نسخة صحيحة: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب الثَّقفيُّ): كذا في الأصل، وفي الحاشية ما لفظه: (ملحق في «دار الذهب»: ابن بَشَّار) انتهت.

وقد أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ في (الفضائل) عن مُحَمَّد بن المثنَّى، ومُحَمَّد بن بَشَّار، وسويد بن سعيد، وابن أبي عُمر؛ أربعتهم عن عبد الوهَّاب به، و (أَيُّوب) في السند: هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و (مُحَمَّد) فيه: هو ابن سيرين.

تنبيهٌ: من اسمه مُحَمَّد ويروي عن أبي هريرة في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها: مُحَمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيميُّ، ومُحَمَّد بن إبراهيم، ويقال: يعقوب بن إبراهيم، ويقال: أبو يعقوب، ويقال: ابن يعقوب، وهو الصواب، ومُحَمَّد بن إياس بن البُكَيْر الليثيُّ المدنيُّ، ومُحَمَّد بن ثابت، يقال: إنَّه ابن شرحبيل العبدريُّ، ومُحَمَّد بن زياد الجُمَحيُّ، ومُحَمَّد بن سيرين صاحب الترجمة راوي هذا الحديث عن أبي هريرة، ومُحَمَّد بن أبي عائشة المدنيُّ مولى بني أُمَيَّة، ومُحَمَّد بن عبَّاد بن جعفر المخزوميُّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤيٍّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن يقال: إنَّه ابن أبي ذئاب، ومُحَمَّد بن عَمرو بن عطاء العامريُّ، ومُحَمَّد بن عُمَير أحد المجهولين، ومُحَمَّد بن قيس بن مخرمة بن المُطَّلِب بن عبد مناف، ومُحَمَّد بن كعب القُرَظيُّ، ومُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب الزُّهْرِيُّ عن أبي هريرة ولم يَرَه، ومُحَمَّد بن المنكدر، والله أعلم، فرحم الله الحُفَّاظ الذين يميِّزون حديثَ هؤلاء بعضِهم من بعض.

(1/6621)

[حديث: هم خير من بني تميم ومن بني أسد]

3515# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، وأنَّه ابن عقبة، و (سُفْيَانُ) بعده: الظاهر أنَّه الثَّوْريُّ؛ وذلك لأنِّي نظرتُ ترجمة قبيصة بن عقبة في كلام الحافظ عَبْد الغَنيِّ، فرأيته ذكر في مشايخه الثَّوْريَّ، ولم يذكر ابنَ عُيَيْنَة، ورأيتُ في كلام الذَّهَبيِّ في ترجمة قَبِيصة ذَكَرَ في مشايخه (سفيان) وأطلق، فحملت المطلَق على المقيَّد، والمِزِّيُّ لَمْ يميِّزه في «أطرافه»، والله أعلم.

قوله: (ح [1]): تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابة وتلفظًا في أوَّل هذا التعليق، وسيأتي في أواخره أيضًا.

قوله: (وحَدَّثَنَا [2] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّه بُنْدار الحافظ، و (ابْنُ مَهْدِيٍّ): هو عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، أحد الأعلام في الحديث، و (سُفْيَان) بعده: تَقَدَّمَ قُبَيله أنَّ الظاهرَ أنَّه الثَّوْريُّ، وقد روى ابن مهديٍّ عنهما، وتَقَدَّمَ (أَبُو بَكْرَةَ) ضبطًا، وأنَّه نُفَيع بن الحارث.

قوله: (قَالَ [3] رَجُلٌ: خَابُوا): هذا الرجل يظهر أنَّه الأقرع بن حابس، ممَّا هو مذكورٌ في الرواية بعدها.

==========

[1] (ح): ليس في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

[3] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فقال).

[ج 1 ص 917]

(1/6622)

[حديث: أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة]

3516# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ أعلاه ضبطه، وأنَّه بُنْدار، و (غُنْدرٌ) تَقَدَّمَ مرارًا ضبطه، ومَن لقَّبه به، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر.

[ج 1 ص 917]

قوله: (لَأَخْيَرُ [2] مِنْهُمْ): وفي نسخة: (لخيرٌ) [3]، وهذه في هامش أصلنا وعليها (صح)، و (لَأَخْيَرُ): عليها علامة راويها، وهما لُغَتان، ورأيتُ في نسخةٍ صحيحةٍ: (لَأَخْيَر) فقط وعليها (صح)، ولم يُذكَر (لا خيرَ) بالكلِّيَّة.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (لَخيرٌ).

[3] في (ب): (بخير)، وهو تحريفٌ.

(1/6623)

[حديث: أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة]

3523# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ) [1]: تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، العالم المشهور، و (مُحَمَّد) بعده: ابن سيرين، وقد تَقَدَّمَ قريبًا كلُّ مَن اسمه (مُحَمَّد) ويروي عن أبي هريرة في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (قَالَ: قَالَ: أَسْلَمُ وَغِفَارُ ... ) إلى آخره: قال الدِّمْيَاطيُّ هنا: موقوفٌ على أبي هريرة، ورفعه مسلمٌ من حديث إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن أيُّوب عن مُحَمَّد، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى، وفي قول الدِّمْيَاطيِّ هذا: (موقوف) نظرٌ، واعلم أنَّ ما رواه أهل البصرة عن مُحَمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال ... ؛ فيذكر حديثًا، ولم يذكر فيه النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وإنَّما يكرِّر لفظ (قال) بعد ذكر أبي هريرة، فإنَّ الخطيب البغداديَّ قال في «الكفاية»: وقد رُويَ من طريق موسى بن هارون الحَمَّال _بالحاء المُهْمَلَة_ بسنده إلى حَمَّاد بن زيد، عن أيُّوب، عن مُحَمَّد، عن أبي هريرة قال: قال: «الملائكة تصلِّي على أحدكم ما دام في مُصَلَّاه»، قال موسى بن هارون: إذا قال حَمَّاد بن زيد والبصريُّون: (قال: قال)؛ فهو مَرْفُوعٌ، قال الخطيب: قلت للبرقانيِّ: أحسب أنَّ موسى عنى بهذا القولِ أحاديثَ ابنَ سيرين خاصَّة، فقال: كذا يجب، قال الخطيب: ويحقِّق قول موسى ما قال مُحَمَّد بن سيرين: كلُّ شيءٍ حدَّثتُ به عن أبي هريرة؛ فهو مَرْفُوعٌ، وقد وقع في هذا «الصحيح» هذا المكانُ، ووقع عند مسلمٍ مصرَّح فيه بالرفع، كما قدَّمتُه عن الدِّمْيَاطيِّ، وراجعتُه وهو كذلك، وأمَّا الحديث الذي رواه الخطيب؛ فهو عند النَّسائيِّ في «الكبرى» من رواية ابن عُلَيَّة عن أيُّوب، عن مُحَمَّد بن سيرين، ومن رواية ابن عون عن ابن سيرين أيضًا كذلك، والله أعلم، وقد استحسن شيخنا العِرَاقيُّ قولَ الخطيب البغداديِّ في أنَّه مَرْفُوعٌ.

تنبيهٌ: في أصلنا الدِّمَشْقيِّ الحديثُ هكذا: (قال: قال: أسلم)، فجاء بعض مشايخنا الحلبيِّين، فظنَّ أنَّه سقط منه (النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)، فألحقه بعد (قال) الثانية بالحُمْرَة، وما عمله شيخُنا الحلبيُّ خطأٌ مَحْضٌ، والله أعلم.

==========

[1] في هامش (ق): (هذا الترتيب إلى «باب قصَّة الحبش» ترتيب أبي ذرٍّ، وأمَّا ترتيب أصل اليونينيِّ؛ فإنَّه بعد قوله: «لأَخْيَر منهم»: «بابٌ ابن أخت القوم»، ثمَّ «باب قصَّة زمزم»، ثمَّ «باب ذكر قحطان»، ثمَّ «باب ما يُنهى من دعوى الجاهليَّة»، ثمَّ «باب قصَّة خزاعة»، ثمَّ «باب قصَّة زمزم وجهل العرب»، ثمَّ «باب مَن انتسب إلى آبائه»، وفي آخر «باب قصَّة زمزم»: «حدَّثنا سليمان بن حرب: حدَّثنا حمَّاد بن زيد، عن أيُّوب ... » إلى آخر الحديث).

[ج 1 ص 918]

(1/6624)

[باب ذكر قحطان]

قوله: (بَابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ): تَقَدَّمَ الكلام على (قحطان) ونسبِه، وأنَّ لَقَبَه قحطان، وأنَّ اسمَه يقطن، أو يقطان، وقال ابن ماكولا: مُهَرِّم؛ بالراء؛ يعني: المُشَدَّدة المكسورة، في أوَّل (مناقب قريش).

==========

[ج 1 ص 918]

(1/6625)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق .. ]

3517# قوله: (عَنْ أَبِي الْغَيْثِ): اسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع العدويُّ، وثَّقهُ النَّسائيُّ، وقال أبو عبد الله بن الحَذَّاء في «رجال مالك»: قال ابن معين: لا أعرف اسمه، وليس بثقة، وقال مَرَّةً أخرى: هو ثقةٌ، قاله الذَّهَبيُّ في «ميزانه».

قوله: (رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ): تَقَدَّمَ أنَّ القرطبيَّ قال في «تذكرته» عن ابن دِحية: لعلَّ هذا الذي يُقال له: الجهجاه، انتهى.

قوله: (يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ): هذا على المبالغة، وأنَّه يُعطَى النصرَ، وقال القرطبيُّ في «تذكرته»: هو كناية عن استقامة الناس، وانقيادهم إليه، واتِّفاقهم عليه، ولم يُرِدْ نفسَ العصا، وإنَّما ضربها مثلًا لطاعتهم له واستيلائِه عليهم، إلَّا أنَّ في ذِكرِها دليلًا على خشونته عليهم وعُنفه بهم، وقد قيل: إنَّه يسوقهم بعصاه كما تُساق الإبل والماشية؛ وذلك لشدَّة عُنفه وعَدْوَاه، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 918]

(1/6626)

[باب ما ينهى من دعوة الجاهلية]

قوله: (بَابُ مَا يُنْهَى): (يُنهَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، تَقَدَّمَ الكلام على (دَعْوَى [1] الْجَاهِلِيَّةِ) في أوَّل (المناقب)، والكلامُ على (الجاهليَّة).

==========

[1] كذا في النسختين ونسخة في هامش «اليونينيَّة»، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (دعوة).

[ج 1 ص 918]

(1/6627)

[حديث: ما بال دعوى أهل الجاهلية ... دعوها فإنها خبيثة]

3518# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [1] مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ): (مُحَمَّد) هذا: قال الجَيَّانيُّ: وقال _أي: البُخاريُّ_ في (الجمعة)، و (البيوع)، و (بَدء الخلق)، و (ذكر الملائكة)، و (المرضى)، و (اللباس)، و (الوصايا)، وفي (باب ما يُنهَى عنه مِن دَعوى الجاهليَّة): (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا مخلد بن يزيد الحرانيُّ) نسبه شيوخنا: مُحَمَّد بن سلَام، وقد نسبه أيضًا البُخاريُّ كذلك في مواضعَ من آخر الكتاب، انتهى، وقال شيخنا: و (مُحَمَّد) هذا: هو ابن سلَام فيما قيل، وجزم به الدِّمْيَاطيُّ، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ في «أطرافه».

قوله: (حَدَّثَنَا [2] ابْنُ جُرَيْجٍ [3]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ الإمام، أحد الأعلام.

قوله: (سَمِعَ جَابِرًا): تَقَدَّمَ أنَّه جابر بن عبد الله بن عَمرو بن حرام، وقد تَقَدَّمَ كم في الصَّحَابة الذين وقفت عليهم مَن اسمه (جابر)، وفيهم أربعةٌ كلُّهم اسمه (جابر بن عبد الله)، والله أعلم، وقد ذكرتهم، والرواية لهذا جابر بن عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ.

قوله: (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ [4] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ): أي: اجتمع ناس، ويقال: ثاب: جاؤوا متتالين بعضهم على إثر بعض، ومعنى الاجتماع فيه أظهرُ، قاله ابن قرقول، وقال شيخنا: قال الداوديُّ: معناه: خرج، والذي ذكره أهل اللغة: أنَّ ثاب يثوب؛ إذا رجع، انتهى.

وقوله: (غَزَوْنَا ... ) إلى آخره: هي غزوة بني المُصْطَلِق، وهي غزوة المُرَيْسِيع، وقد تَقَدَّمَ ضبط (المُرَيْسِيع)، وأنَّها كانت في شعبان سنة ستٍّ عند ابن إسحاق، وعند ابن سعد: سنة أربع، وفي شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد، والخندق بعدها عنده في ذي القعدة من السنة، وسيأتي كلام عبد الله بن أُبَيٍّ ابن سلول؛ هل كان في هذه أو في تبوك، في (سورة المنافقون) في (التفسير) إنْ شاء الله تعالى.

قوله: (وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا): الرجل المهاجريُّ: جهجاه بن مسعود، وقال ابن عَبْدِ البَرِّ: جهجاه بن سعد بن حرام، وهو صاحب حديث: «المؤمن يأكل في مِعًى [5] واحدٍ»، وقيل: إنَّ ذلك غيره، وقال: المحدِّثون يزيدون فيه الهاء، والصواب: جهجا؛ دون هاء، وقد قَدَّمْتُ هذا بزيادة.

والأنصاريُّ: سنان بن وَبْرٍ؛ بإسكان المُوَحَّدة عند بعضهم، وقال ابن عَبْدِ البَرِّ: سنان بن تيم [6]، ويقال: ابن وبَر، وفي كتاب ابن شبَّة: سنان ابن أبير، وحَكى الأمويُّ عن ابن إسحاق: سنان بن عَمرو، ويقال: ابن وبَرة، وقد تَقَدَّمَ.

و (الكَسْعُ): قال الخليل: أن تضرب بيدك ورجلك دُبُر إنسان،

[ج 1 ص 918]

(1/6628)

وقال الطَّبَريُّ: هو أن تضرب عَجُز إنسانٍ بقدمك، وقيل: هو ضربُك بالسيف على مؤخَّره، وقد تَقَدَّمَ، وقال شيخنا: وقال السُّدِّيُّ _فيما حكاه أبو العَبَّاس الضرير في «مقامات التنزيل» _: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام غزا بني المُصطلِق من خزاعة، وكان مع عُمرَ بن الخَطَّاب أجيرٌ له من بني غِفار يقال له: جِعال ... إلى أن قال: إذ أقبل رجلٌ من الأنصار يقال له: وَبَرة بن سنان، وفي «الأسباب» للواحديِّ: الغِفاريُّ اسمه جهجاه بن سعد، والأنصاريُّ اسمُه سنان، فلمَّا تداعيا؛ أعان جهجاهًا رجلٌ من المهاجرين يقال له: جعال؛ بعين مهملة، قال ابن الأثير: ومن قاله بالفاء؛ فقد صحَّف، انتهى.

قوله: (يَا لَ الأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَ الْمُهَاجِرِينَ): كذا هو في أصلنا بلام مفصولةٍ في الموضِعَين، وفي بعض النسخ بوصلها [7]، [وفي بعضها: (يا آل)] في الموضِعَين؛ بهمزةٍ، ثُمَّ لام مفصولة، واللام مفتوحة في الجميع، وهي لام الاستغاثة، والصحيح _كما قال النَّوويُّ_: بلام مفصولة، ومعناه: أدعو المهاجرينَ وأستغيثُ بهم.

قوله: (مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ): تَقَدَّمَ الكلام على (دعوى الجاهليَّة) في أوَّل (المناقب).

تنبيهٌ: حكى السُّهَيليُّ فيمن أجاب إليها بالسلاح ثلاثةَ أقوالٍ؛ أحدها: أنَّه يُجلَد خمسين سَوطًا؛ اقتداء بأبي موسى، والثاني: دون عشرة، والثالث: أنَّه راجعٌ إلى رأي الإمام.

قوله: (قَالَ [8] عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أُبيًّا) مُنَوَّن، و (ابن) بعده تابعٌ لـ (عبد الله)، و (سلول): اسم أمِّ عبد الله، غير مصروفٍ؛ للعلميَّة والتأنيث، بزيادة.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا).

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أخبرنا).

[3] في (ب): (جرير)، وهو تحريفٌ.

[4] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النبيِّ).

[5] في (ب): (معاء).

[6] في (ب): (بهم)، وهو تحريفٌ.

[7] وهي رواية «اليونينيَّة».

[8] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وقال)؛ بزيادة واو.

(1/6629)

[حديث: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب .. ]

3519# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو العابد أبو مُحَمَّد، ويقال: أبو إسماعيل، الشيبانيُّ، ويقال: الكِنَانيُّ، الكوفيُّ، عن مِسْعر، والثَّوْريِّ، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأحمد بن ملاعب، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وخلقٌ كثيرٌ، قال أبو حاتم: صدوقٌ، قال مُطَيَّن: تُوُفِّيَ _وكان ثقةً_ سنة (215 هـ)، أخرج له البُخاريُّ والتِّرْمِذيُّ، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوْريُّ، و (الأَعْمَش): تَقَدَّمَ أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أَبُو مُحَمَّد الكاهليُّ، مرارًا.

قوله: (وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ): هذا معطوفٌ على السند الذي [2] قبله، وليس تعليقًا، فرواه البُخاريُّ عن ثابت بن مُحَمَّد، عن سفيانَ الثَّوْريِّ، عن زُبيد به، والأوَّل: رواه عن ثابت بن مُحَمَّد، عن سفيان، عن الأعمش بالطريق التي ساقها، و (زُبيد): هو بالموحدة، ابن الحارث الياميُّ، تَقَدَّمَ، و (إبراهيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عبد الله): هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.

قوله: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ... ) إلى آخره: تَقَدَّمَ في (الجنائز)، و (الجيُوب): بضَمِّ الجيم وكسرها، و (دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ): تَقَدَّمَت في (الجنائز): أنَّها النِّيَاحة والدُّعاء بالويل والثبور.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (الذي): سقط من (ب).

[ج 1 ص 919]

(1/6630)

[باب قصة خزاعة]

(1/6631)

[حديث: عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة]

3520# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن راهويه، و (إِسْرَائِيلُ) هذا: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، و (أبو حَصِينٍ): بفتح الحاء وكسر الصاد المُهْمَلَتين، وقد قَدَّمْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ الكنى بالفتح، والأسماءَ بالضَّمِّ، واسمُ هذا: عثمانُ بن عاصم، و (أَبُو صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا [أنَّه] ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ ابْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ): (لُحَيٌّ): بضَمِّ اللام، وفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الياء، بوزن (عُلَيٍّ) مُصَغَّرًا [2]، قال الدِّمْيَاطيُّ في «حواشيه على صحيح مسلم» ما لفظه: ذِكْرُ قَمَعَةَ ابن خِنْدِف وَهَمٌ، وصوابه: عَمرو بن لُحَيٍّ، واسمه ربيعة بن حارثة بن عَمرو مُزَيْقِيَاء جدِّ الأنصار، انتهى.

وأمَّا (قَمَعَة)؛ فضُبِط بأربعة أوجه؛ الأوَّل _وهو الأشهر_: بكسر القاف، وفتح الميم المُشَدَّدة، والثاني: بكسرهما مع التشديد في الميم، حكاهما القاضي عن الباجيِّ، والثالث: بفتح القاف مع إسكان الميم، والرابع: بفتحهما مع تخفيف الميم، وهذه رواية الأكثرين، قاله القاضي.

و (خِنْدِف): بكسر الخاء المُعْجَمَة، وإسكان النون، ثُمَّ دال مهملة مكسورة _ورأيت عن القاضي عياض الفتحَ والكسرَ في الدال، ثُمَّ إني رأيته في «المطالع» لابن قرقول_ ثُمَّ فاء، قال الجوهريُّ: امرأةُ إلياس ابن مُضَر، واسمها ليلى، نُسِب ولد إلياس إليها، وهي أمُّهم، انتهى وإذا كان كذلك؛ فهي غير مصروفةٍ؛ للعلميَّة والتأنيث، وهي مصروفةٌ في أصلنا بالقلم وغير مصروفةٍ، انتهى [3]، وليلى هذه: هي بنت عِمران بن الحاف بن قُضاعة، وقال ابن قرقول: وهي ليلى بنت عمران بن الحاف بن قُضاعة، ويقال: ابنة حُلوان بن عِمران، وهي أمُّ إلياس ابن مُضَر، انتهى [4].

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (المصغر).

[3] زيد في (ب): (والتأنيث)، وهو تكرارٌ.

[4] (انتهى): ليس في (ب).

[ج 1 ص 919]

(1/6632)

[حديث: رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار]

3521# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّه بفتح ياء أبيه وكسرها، وأن غيرَ أبيه لا يجوز في يائه إلَّا الفتحُ.

قوله: (رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ الْخُزَاعِيَّ): وفي نسخة: (عَمرو بن عامر بن لُحَيٍّ الخزاعيَّ)، كذا هنا، ووقع في «مسلم» في (الكسوف) من حديث عائشة: «ورأيت فيها عَمرو بن لُحَيٍّ يجرُّ قُصْبه في النار»، هذا هو المعروف، وفي بعض نسخه: (عَمرو بن يحيى)، وعن أبي نصرٍ الحُمَيديِّ في «اختصاره لأحاديث الصحيحين»: أنَّه ذكره كذلك، قال بعض الحُفَّاظ: وهو خطأٌ محضٌ، وفي «مسلم» أيضًا من حديث جابر: «ورأيت أبا ثمامة عَمرَو بنَ مالك يجرُّ قُصْبه في النار»، ورأيت حاشيةً على هذا المكان في «مسلم»: أنَّ عَمرو بن لُحَيٍّ هو الصواب، وهو أبو خزاعة، ولُحَيٌّ: اسمه ربيعةُ بنُ حارثةَ، انتهت.

قوله: (يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ): (قُصْبَه): بضَمِّ القاف، وإسكان الصاد المُهْمَلَة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ هاء الضمير؛ أي: أمعاءه، كذا في «المطالع»، وفي «الصحاح»: القُصْب: المِعَى، وقال ابن الأثير: القُصْب؛ بالضَّمِّ: المِعَى [1]، وجمعه: أقصاب، وقيل: القُصْب: اسمٌ للأمعاء كلِّها، وقيل: هو ما كان أسفلَ البطن من الأمعاء.

قوله: (وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ): هذا صريح في أنَّه أوَّل مَن سيَّبها، وحكى ابن عبد السلام في «تفسيره» قولَين؛ هذا أحدهما، والثاني _وقدَّمه [2]_: أنَّه جنادة بن عوف، ولفظه: وأبدع الكلَّ جنادةُ بن عوف، وقيل، عَمرُو بنُ لُحَيٍّ، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «رأيته أشبه رجل بأكثم بن جون، يجرُّ قُصْبه في النار»، انتهى.

(1/6633)

[باب: قصة زمزم]

قوله: (قِصَّةُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ): كذا في نسخة، وبعدَه: (باب قصَّة زمزم)، و (باب قصَّة زمزم) في الأصل، أمَّا (أبو ذرٍّ)؛ فقد تَقَدَّمَ الكلام عليه في (كتاب الإيمان)، وهو جُندب بن جُنادة، وقيل: اسمه [1] بُرَير بن جُندب بن عبد الله، وقيل: جُندب بن السَّكَن، والمشهور الأوَّل، وهو جُندب بن جُنادة بن سفيان

[ج 1 ص 919]

بن عُبيد بن الوَقيعة [2] بن حرام بن غِفار بن مُلَيل بن ضَمْرة بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكة بنِ إِليَاس بن مُضَر بن نِزار بن معدِّ بن عدنانَ، وأمُّه رملةُ بنت [3] الوقيعة، أسلمت وصَحِبت، معدودةٌ فيهنَّ رضي الله عنهنَّ، والظاهر هلاكُ أبيه على كفره.

وأبو ذَرٍّ: صَحَابيٌّ جليلٌ كبيرٌ زاهدٌ، تُوُفِّيَ بالرَّبَذة سنة (32 هـ)، قال ابن المدائنيِّ: وصلَّى عليه ابنُ مسعود، ثُمَّ قدم ابنُ مسعود المدينةَ، فأقام عشرة أيَّام، ثُمَّ تُوُفِّيَ، وكان أبو ذرٍّ طويلًا عظيمًا، وكان زاهدًا مُتقلِّلًا من الدنيا، وكان مذهبه أنَّه يُحَرِّم على الإنسان ادِّخارَ ما زاد على حاجته، وكان قوَّالًا بالحقِّ رضي الله عنه، قال ابن عَبْدِ البَرِّ: أسلم بعد أربعةٍ، وكان خامسًا، وقال غيره: كان رابعَ أربعةٍ في الإسلام، وقيل: خامسَ خمسةٍ، قال أبو عمر: أبو ذرٍّ، ويُقال: أبو الذَّرِّ، والأوَّل أكثرُ وأشهرُ، وقال في اسمه: يُقال: أسلم بعد ثلاثةٍ، ويُقال: بعدَ أربعةٍ، انتهى، وفي «المستدرك» في ترجمته: (رأيتُني ولم يسلم قبلي إلَّا أبو بكرٍ وبلالٌ)، صحيح، ثُمَّ ساق سندًا آخر: (أسلم [4] قبلي ثلاثةُ نفرٍ) انتهى، قدم المدينة بعد الخندق، فلم يشهد بدرًا ولا أُحُدًا ولا الخندق، قاله الواقديُّ.

قوله: (بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليها في (الحجِّ)، وعلى قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في «مسلم»: «إنَّها طعامُ طُعْمٍ»، وأنَّ [5] في «أبي داود الطيالسيِّ»: «وشفاءُ سُقْمٍ»، وعلى حديث: «ماء زمزم لما شُرِب له»، والكلامُ عليه بما فيه [6] كفايةٌ، والله أعلم.

(1/6634)

[قصة إسلام ابي ذر]

3522# قوله: (حَدَّثَنَا زَيْدُ [1] بْنُ أَخْزَمَ): هو بالخاء المُعْجَمَة، وبالزاي، وهو طائيٌّ، يكنى أبا طالب، نصر بن حافظ، عن يحيى بن سعيد القَطَّان ومعاذ بن هشام، وعنه: البُخاريُّ، والأربعة، والمحامليُّ، وثَّقهُ النَّسائيُّ وأبو حاتم، قتلته الزنج سنة (257 هـ).

قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالجيم والراء، وأنَّه نصر بن عِمران الضُّبَعِيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (فَقُلْتُ لأَخِي [2]): أخو أبي ذرٍّ: أُنَيس بن جُنادة، صَحَابيٌّ معروفٌ، وقد صَرَّحَ بذلك مسلمٌ في (المناقب).

قوله: (جِرَابًا): تَقَدَّمَ بكسر جيمه، وتُفتَح في لُغَيَّة حكاها النَّوويُّ رحمه الله [3].

قوله: (كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (الرجلَ): مَنْصُوبٌ اسمها، و (غريبٌ): مَرْفُوعٌ خبرها.

تنبيهٌ: هنا ما قد رأيتَ أنَّ عليًّا لَقِيَه وأدخله على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وبين هذا الحديثِ _وهو حديث ابن عَبَّاس_ وبين حديث عبد الله بن الصامت في «مسلم» _وكلٌّ منهما يرويه عن أبي ذرٍّ نفسِه_ تباعدٌ واختلافٌ؛ إذ فيه في «مسلم»: أنَّه لَقِيَ رسولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليلًا وهو يطوف بالكعبة، فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين بين ليلة ويوم ولا زاد له، إنَّمَا يتغذَّى بماء زمزم، وحديث ابن عَبَّاس هذا: (كان له قِربةٌ وزادٌ)، فإنَّ عليًّا أضافه ثلاثَ ليالٍ، ثُمَّ أدخله على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأسلم، ثُمَّ خرج ... إلى آخره، فالله أعلم أيُّ الروايتين هي الواقع؟ قال القرطبيُّ: ويحتمل أنَّ أبا ذرٍّ لمَّا لَقِيَ رسولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حول الكعبة فأسلم، لَمْ يعلم به إذ ذاك عليٌّ؛ إذ لَمْ يكن معهم، ثُمَّ دخل مع عليٍّ فجدَّد، فظنَّه أوَّل إسلامه، وفيه بُعدٌ، والله أعلم.

قوله: (فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ): هو فعل أمر، وهذا ظاهِرٌ جدًّا [4].

(1/6635)

قوله: (أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ [5] يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ): كذا في الأصل الذي سمعتُ منه على العِرَاقيِّ، قال ابن قرقول: (ما آن للرجل أن يعرف منزله)، ورُوِيَ: (ألم يَأْنِ ... ) إلى أنْ قال: ومعناه كلِّه بمعنى: حان يحين، ويأتي حينه وأوانه ووقته، و «حان» و «آن» [6]: جاء وقته ... إلى أن قال: ورُوِيَ في حديث عليٍّ _يعني: هذا الذي نحن فيه_: (أَمَا نال للرجل أنْ يعرف منزله)، وقد ذكره في (النون مع الواو): قوله: (ما نال)؛ أي: حان، ونال الرجل: حان، ويكون (نال) بمعنى: حقَّ، وما نَوْلُك أنْ تفعل كذا؛ أي: ما حقُّك، والاسم: النول، وقد جاء مهموزًا: (أَمَا نَأْل لك)؛ أي: وجب، ويقال أيضًا: نال لك؛ أي: حان؛ مثل: أَنَى فَآن، وأنكر ابن مكِّيٍّ: (نال لك)، وقال: صوابه: أنال لك، ولم يفعل شيئًا، وقد ذكره غير واحد: (نال)؛ بمعنى: حان، وقد ذكر ذلك الهرويُّ، وجاء في الحديث من غير خلافٍ، إلَّا أنَّ ابن القوطيَّة ذكر (أنال) فقط، انتهى، وفي «النهاية»: (نال) _في غير هذا الحديث_؛ أي: حان ودنا.

قوله: (فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ اسم أخيه أُنَيس، وأنَّه صَحَابيٌّ، رضي الله عنهُمَا.

قوله: (أَمَا إِنَّكَ): (أَمَا): بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، و (إنَّك) بعدها: مكسورة الهمزة، وتَقَدَّمَ أنَّ (أَمَا) كـ (أَلَا) التي للاستفتاح، ولهذا كُسِرَت همزة (إنَّ) بعدها.

قوله: (قَدْ رَشَدْتَ): هو بفتح الشين، وتُكسَر على لغةٍ معروفةٍ، والمستقبل منهما بالضَّمِّ، غير أنَّ المصدر من المفتوح (رُشْدًا)، ومن المكسور (رَشَدًا)، و (الرُّشْد): خلاف الغَيِّ.

قوله: (ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ): (ادخلْ) الأولى: أمرٌ مجزومٌ به، و (أدخلُ) الثانية: فعلٌ مضارعٌ مَرْفُوعٌ.

قوله: (وَامْضِ): بهمزة وصل، ثُلاثيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: (اعْرِضْ): هو بهمزة وصل، وكسر الراء، فعل أمر.

قوله: (ظُهُورُنَا): هو مَرْفُوعٌ فاعل (بَلَغَك).

قوله: (فَأَقْبِلْ): هو بهمزة مفتوحة، مكسور الباء، فعل أمر، ساكن الآخر.

قوله: (بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ): أي: بينهم، وهذا ظاهِرٌ، وقد تَقَدَّمَ.

[ج 1 ص 920]

قوله: (الصَّابِئِ): يُقال: صَبَأَ فلان؛ إذا خرج من دِينه إلى غيره، من قولهم: صَبَأَ ناب البعير؛ إذا طلع، وصبأتِ النجوم؛ إذا خرجت مِن مطالِعها، وكانت العرب تُسَمِّي النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الصَّابئَ؛ لأنَّهم فيما يزعمون خرج من دينهم إلى دين الإسلام، ويُسَمُّون مَن دخل في دين الإسلام مَصْبُوًّا [7]؛ لأنَّهم كانوا لا يهمزون، فأبدلوا من الهمز واوًا، ويُسَمُّون المسلمين الصُّباةَ؛ بغير همزٍ، كأنَّه جمع (الصَّابي)؛ غير مهموز؛ كقَاضٍ وقُضاةٍ، وغَازٍ وغُزاةٍ.

قوله: (فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ): (ضُرِبت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

(1/6636)

قوله: (فَأَكَبَّ عَلَيَّ): تَقَدَّمَ الكلام على (كبَّ) و (أكبَّ) غيرَ بعيد، وأنَّ هذا هو الأكثر؛ أنَّ (أكبَّ) لازمٌ، و (كبَّ) متعدٍّ، وتَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق هذا الفعلُ مع أفعالٍ أُخَرَ خرجت عن القاعدة.

قوله: (فَأَقْلَعُوا عَنِّي): هو بهمزة قطعٍ مفتوحة، وفتح اللام.

قوله: (فَصُنِعَ بِي [8] مِثْلُ [9]): (صُنِع): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مثلُ) بعده: مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا (صُنِعَ) الثانية: مبنيَّة [10] لما لم يسمَّ فاعله.

قوله: (فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ): (أوَّلَ): مَنْصُوبٌ خبر (كان) [11]، و (هذا): هو الاسم، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وزيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (هو).

[2] في هامش (ق): (أخوه أنيس كما في «مسلم»، وهو صحابيٌّ أيضًا).

[3] في (ب): (النووي انتهى).

[4] هذا القول جاء في النُّسخَتَين متأخِّرًا على قوله: (أما نال ... ).

[5] (أن): ليس في «اليونينيَّة»، وضُرِب عليها في (ق).

[6] في (ب): (وآن وحان).

[7] في النُّسخَتَينِ: (مصبو)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[8] (بي): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت.

[9] في «اليونينيَّة»: (مثلَ)، والمثبت موافق لما في «فرعها» و (ق).

[10] في (ب): (مبني).

[11] (خبر كان): سقط من (ب).

(1/6637)

[باب قصة زمزم وجهل العرب]

قوله: (بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه بوَّب: (باب قصَّة زمزم)، وهنا زاد الترجمة: (وجهل العرب).

==========

[ج 1 ص 921]

(1/6638)

[حديث: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين]

3524# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عَارم، وعَارمٌ لقبه، وهو بعيد من العَرامة؛ لأنَّ (العَارم): الشِّرير أو الشَّرِس، وتَقَدَّمَ (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وتَقَدَّمَ (أَبُو بِشْرٍ): بكسر المُوَحَّدة، وبالشين المُعْجَمَة، وأنَّ اسمه جعفر بن أبي وَحْشيَّةَ إيَاسٍ.

==========

[ج 1 ص 921]

(1/6639)

[باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية]

(1/6640)

[حديث: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأولين} جعل النبي يدعوهم]

3526# قوله: (وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: حَدَّثَنَا [1] سُفْيَانُ): أمَّا (قَبِيصة)؛ فقد تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، وأنَّه ابن عقبة السُّوائيُّ [2] الحافظ، شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان) وفلانٌ شيخُه، أو (قال لي فلانٌ)؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، مُطَوَّلًا، و (سفيان) هذا: هو الثَّوْريُّ كما تَقَدَّمَ، وهذا قد أخرجه النَّسائيُّ في (التفسير) عن أحمد بن سُليمان، وفي «اليوم والليلة» عن محمود بن غيلان؛ كلاهما عن معاوية، عن هشام، عن سفيان به مختصرًا، حديث أحمد بن سُليمان ليس في الرواية، ولم يذكره أبو القاسم.

قوله: (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ): (حَبِيب): بفتح الحاء المُهْمَلَة، وكسر المُوَحَّدة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ كما في (ق)، ورواية أبي الوقت كما في هامش «اليونينيَّة»، وفي رواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرنا).

[2] في (ب): (السراي)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 921]

(1/6641)

[حديث: يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله]

3527# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز.

قوله: (يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]): (أمُّ الزُّبَير): هي صفيَّة بنت عبد المُطَّلِب، صحابيَّة رضي الله عنها، وَلَدَت للعوَّام: السَّائبَ والزُّبَيرَ؛ صحابيَّين، وولدت له عبدَ الكعبة، وأمَّ حَبِيب تزوَّجها خالد بن حزام فولدت له أمَّ حسن لا عقب لها، تُوفِّيَت صفيَّة سنة عشرين [2]، ودُفِنَت بالبقيع، ولها ثلاث وسبعون سنة، زرتُها بالبقيع، رضي الله عنها.

قوله: (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه يجوز في مثلها وجهان: الضمُّ والفتح، وكذا في (ابنة)، وقد ذكرت ذلك مُطَوَّلًا في أوائل هذا التعليق.

==========

[1] (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ب): (سنة ست وعشرين)، والمثبت موافقٌ لما في كتب التَّراجم.

[ج 1 ص 921]

(1/6642)

[باب: ابن أخت القوم ومولى القوم منهم]

قوله: (بَابٌ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ منهم، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ): ذكر فيه حديثَ أنسٍ، شَاهدٌ لشقِّ الترجمة الأوَّل، والشقُّ الثاني _وهو: (ومولى القوم منهم) _ لَمْ يذكر فيه شيئًا، وفيه حديث أنسٍ ذكره في (الفرائض)، ولفظه: («مولى القوم من أنفسِهم»، أو كما قال)، رواه البُخاريُّ عن آدم، عن شعبة، عن معاوية بن قُرَّة وقتادة عنه به.

وفي الباب أيضًا حديث أبي رافع مولى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، رواه أبو داود، ولفظه: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافعٍ: اصحبني، فإنَّك نَصيبٌ منها، قال: حتَّى آتيَ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسألَهُ، فأتاه فسأله، فقال: «مولى القوم من أنفسِهم، وإنَّا لا تحلٌّ لنا الصدقة»، وأخرجه التِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ؛ كلُّهم في (الزكاة)، فأبو داود عن مُحَمَّد بن كَثِير، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي [1] رافع، عن أبيه به، والتِّرْمِذيُّ عن ابن مثنَّى، عن غُنْدر، عن شعبة نحوه، وقال: حسنٌ صحيح، وابن أبي رافع: عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليٍّ، والنَّسائيُّ عن عَمرو بن عليٍّ، عن يحيى، عن شعبة نحوه، وعن مُحَمَّد بن حاتم، عن حِبَّان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن حمزة الزَّيَّات، عن الحكم، عن بعض أصحابه: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث أرقم بن أبي الأرقم على الصدقة، فقال لأبي رافع: هل لك أنَّ تتَّبعني ... )؛ فذكره، قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: رواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقسَم، عن ابن عَبَّاس، انتهى.

==========

[1] (أبي): سقط من (ب).

[ج 1 ص 921]

(1/6643)

[حديث: هل فيكم أحد من غيركم؟]

3528# قوله: (إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا): ابن أخت الأنصار: هو النُّعمان بن مُقَرِّن المزنيُّ، قاله الخطيب فيما نقله عنه النَّوويُّ في «مبهماته»، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر: هو النُّعمان بن مُقَرِّن، رواه أحمد بن منيع في «مسنده» بإسنادٍ صحيحٍ، انتهى.

==========

[ج 1 ص 921]

(1/6644)

[باب قصة الحبش]

قوله: (بَابُ قِصَّةِ الْحَبَشِ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة والموحَّدة، و (الحَبَش) و (الحَبَشة): جنسٌ من السودان، والجمع: الحُبْشان؛ مثل: حَمَل وحُمْلان.

قوله [1]: (يَا بَنِي أَرْفدَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أَرْفدة) بفتح الهمزة [2]، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ فاء مكسورة لأبي ذرٍّ، وأنَّ غيرَه ضبطها بفتحها؛ وهو جَدُّ الحبشة، وقيل: لقبٌ لهم.

==========

[1] (قوله): سقط من (ب).

[2] زيد في (ب): (بفتح الهمزة)، وهو تكرارٌ.

[ج 1 ص 921]

(1/6645)

[حديث: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منًى]

3529# 3530# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث) بعده: هو ابن سعد، أحد الأعلام والأجواد، وأنَّ (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ): تَقَدَّمَ أنَّ إحداهما اسمها حمامة، كما قاله ابن شيخنا البُلْقينيِّ، وتَقَدَّمَ أنِّي لا أعرفُ أحدًا من الصَّحَابيَّات اسمها حمامة إلَّا أمَّ بلالٍ رضي الله عنهُمَا، وتَقَدَّمَ أنَّ في «أربعين السُّلَمِيِّ»: أنَّهما لعبد الله بن سلَام.

قوله: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي ... )؛ الحديث: هو من تتمَّة الحديث، لا تعليق، وانظر «أطراف المِزِّيِّ»؛ تعرفْ ذلك، فإنَّه لمَّا طرَّف حديثها: (أنَّ أبا بكرٍ دخل عليها وعندها جاريتان [1] ... )؛ الحديث، وهو صدر الحديث؛ قال: وفيه: (رأيت النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة)، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (بار بدار)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 921]

(1/6646)

[باب من أحب أن لا يسب نسبه]

(1/6647)

[حديث: استأذن حسان النبي في هجاء المشركين قال: كيف بنسبي]

3531# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ): هو بإسكان المُوَحَّدة، وهو عَبْدة بن سُليمان، وتَقَدَّمَ أنَّ عامر بن عَبَدة، وبجالة بن عَبَدة؛ هذان بفتح المُوَحَّدة، وبعضهم قيَّدَها بالسكون، ومَن عداهما في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» بالسكون فقط، فعامرٌ في مقدِّمة «مسلم»، وبجالة في «البُخاريِّ»، والله أعلم.

قوله: (فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ [1]: «كَيْفَ بِنَسَبِي؟» قَالَ [2]: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.): وهذا في «مسلم»، ولفظه: (ائذن في أبي سفيان _يعني: ابن الحارث بن عبد المُطَّلِب_ قال: «كيف بقرابتي منه؟»، قال: والذي أكرمك؛ لأسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشَّعَرةُ من الخمير، فقال حسَّانُ:

~…وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ…بَنُو ابْنَةِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ

وبعد هذا بيتٌ آخَرُ لَمْ يذكره مسلمٌ، وبه تتمُّ الفائدة، وهو [3]:

~…وَمَن وَلَدَت أبنَاءُ زُهرَةَ مِنْهُمُ…كِرَامٌ وَلَم يَقْرَبْ [4] عَجَائِزَكَ المَجدُ

وفي «الاستيعاب» زيادةٌ على هذين البيتين:

~…وَلَستَ كَعَبَّاسٍ وَلا كَابنِ أُمِّهِ…وَلكِنْ لَئِيمٌ لا يَقُومُ لَهُ زَنْدُ

~…وإِنَّ امْرَأً كَانَت سُمَيَّةُ أُمَّهُ…وسَمرَاءُ مَغمُوزٌ إذَا بَلَغَ الجُهْدُ

~…وَأَنْتَ هَجِينٌ نِيطَ فِي أَهْلِ هَاشِمٍ…كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ القَدَحُ الفَرْدُ

وقد رأيت عن الأثرم: أنَّ أمَّ الحارث بن عبد المُطَّلِب سميَّةُ بنت موهب بن زَمعة، وكانت سبيَّة من بني سواد بن عامر بن صعصعة، وكان موهبٌ غلامًا لبني عبدِ مناف، وكان له خمسُ بناتٍ، فَوَلَدْنَ في قريش، انتهى [5].

وقد قال ابن عَبْدِ البَرِّ في ترجمة حمزة في أمَّهاتِ أولادِ عبد المُطَّلِب: إنَّ أمَّ الحارث صفيَّةُ، ونَسَبَها، وقيل: سمراء، ونَسَبَها أيضًا، والله أعلم.

[ج 1 ص 921]

قوله: (كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ): (تُسَلُّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الشَّعرةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (وَعَنْ أَبِيهِ): الضمير في (أبيه) يعود على هشام، وأبوه: عروة بن الزُّبَير، أحد الفقهاء السبعة، وهذا بسندِ الذي قبله.

قوله: (لاَ تَسُبّهُ): يجوز في باء (تسبُّه) المُشَدَّدة الضمُّ والفتحُ، وبهما ضُبِط في أصلنا.

قوله: (يُنَافِحُ): هو بضَمِّ أوَّله، وكسر الفاء، وبعدها حاء مهملة؛ ومعناه: يدافع ويخاصم، يقال: نافحت عنه، ونفحتُ عنه: خاصمت ودفعتُ.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق) بعد الإصلاح، وفي «اليونينيَّة»: (قال).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فقال)، ثمَّ زيد فيهما: (حسَّان).

[3] زيد في (ب): (هذه).

[4] في (ب): (يؤت)، وهو تحريفٌ.

[5] (انتهى): ليس في (ب).

(1/6648)

[باب ما جاء في أسماء رسول الله]

(بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ... إلى (بَاب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ)

ذكر البُخاريُّ في هذا الباب أسماءً له عليه الصَّلاة والسَّلام؛ وهي: مُحَمَّد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، هذا ما ذكره، وقد ذُكِر في أسمائه عليه الصَّلاة والسَّلام: الرسولُ، المرسَلُ، النَّبيُّ، الأُمِيُّ، الشهيدُ، الشاهدُ، ذكر هذا شيخُنا مجدُ الدين في «القاموس» في (شهد)، انتهى، المصدَّق، النور، المُسلِم، البشير، المبشِّر، النذير، المُنذِر، المبين، الأمين، العبد، الداعي، السراج، المنير، الإمام، الذِّكْر، المُذكِّر، الهادي، المهاجِر، العامل، المبارَك، الرحمة، الآمِرُ، النَّاهي، الطيِّب، الكريم، المحلِّل، المحرِّم، الواضِع، الرافع، المجير، خاتم النَّبيِّين، ثاني اثنين، منصور، أذن خير، مُصطفى، مأمون، قاسم، نقيب، المزمِّل، المدَّثِّر، العليُّ، الحكيم، المؤمن، الرؤوف، الرحيم، الصاحب، الشفيع، المُشَفَّع، المتوكِّل، نبيُّ التوبة، نبيُّ الرحمة، نبيُّ الملحمة، وفي رواية: (نبيُّ الملاحم)، ذكرها الإمام أحمد في «مسنده» من حديث حذيفة، وأيضًا ذكرها ابنُ عساكر في «تاريخه»، لكن لا أدري مِن حديث مَنْ، وذكر أيضًا: الفاتح وعبد الله، وعن ابن عَبَّاس مرفوعًا: «اسمي في القرآن مُحَمَّدٌ، وفي الإنجيل أحمدُ، وفي التوراة أَحْيَدُ، وإنَّما سُمِّيتُ أَحيَدَ؛ لأنِّي أَحِيد عن أمَّتي نارَ جهنَّم»، وينبغي أن يُعدَّ في أسمائه أيضًا: المهدي مع الهادي؛ لأنَّه جاء في شعر العَبَّاس بن مرادس:

~…فَجُسْنَا مَعَ المَهْدِيِّ مَكَّةَ عَنْوَةً… ...............

وليس مراده إلَّا النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وفي أسمائه: القتَّال، والضحوك، والفاتح، وقُثم، ونبيُّ المقتلة، وطَهَ، ويَس.

تنبيهٌ: غالب هذه الأسماءِ صفاتٌ، وإطلاقهم عليها أسماءً مجازٌ، ثُمَّ اعلم أنَّ له عليه الصَّلاة والسَّلام أسماءً غير ما ذكرتُ، وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربيِّ المالكيُّ في «الأحوذيِّ في شرح التِّرْمِذيِّ» عن بعضهم: أنَّ لله تعالى ألفَ اسمٍ، وللنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألف اسم، ثُمَّ ذكر منها على التفصيل بضعًا وستِّين، وقد رأيت بالقاهرة مؤلَّفًا في جلدين لطيفين لابن دِحية الحافظِ عُمرَ بنِ الحسن في أسمائه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وذكر أماكنها، والكلام عليها من حيث اللُّغة، وتخريجها من الأحاديث وغيرها، وهو مؤلَّف حسنٌ فيه فوائد، وذكر [1] فيه أنَّ من جملة أسمائه عليه الصَّلاة والسَّلام: اللَّبِنَة؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «وأنا اللَّبِنَة»، وغالب ظنِّي أنَّ المؤلَّف المذكور فيه ثلاثُ مئةِ اسمٍ ونيِّف.

(1/6649)

ثُمَّ إنِّي رأيت الحافظ مغلطاي شيخَ شيوخنا ذكر في «سيرته» عن ابن دِحية هذا المؤلَّف أنَّ أسماءه تقرب من الثلاث مئة، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لي خمسة أسماءٍ»، لا ينفي أن يكون له أكثرُ من خمسةٍ، وقوله: (أسماءٍ): هو مجرورٌ مُنَوَّن، قال الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ} [النجم: 23] وإن كان في كلام النُّحاة خلافُه.

(1/6650)

[حديث: لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي ... ]

3532# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مَعْنٌ): هذا هو معن بن عيسى المدنيُّ القزَّاز، أبو يحيى، أحد الأئمَّة، عن ابن أبي ذئب، ومالكٍ، ومعاويةَ بنِ صالح، وعنه: ابن المَدينيِّ، ويحيى بن معين، ومُحَمَّد بن (رافع، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالكٍ وأوثقُهم، هو أحبُّ إليَّ من ابن وَهْب وعبدِ الله بن) [2] نافعٍ الصائغ، وقال ابن سعد بعد أنَّ ذكر وفاته كما أذكرها [3] أنا: وكان ثقةً ثبتًا مأمونًا، كثير الحديث، تُوُفِّيَ في شوَّال سنة (198 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (وَأَنَا الْمَاحِي): قيل: المراد: المحو العام، بمعنى: الظهور بالحُجَّة والغَلَبَة، قال الله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الصف: 9]، وقيل: المراد: محو الكفر من مكَّة والمدينة وسائرِ بلاد العرب، وما زُوي له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4] من الأرض، ووُعِدَ أن يبلغه ملك أمَّته، وجاء في حديثٍ آخرَ في تفسير الماحي: بأنَّه الذي مُحيت به سيئاتُ [5] من اتَّبعه، فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا؛ لقوله [6] تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وفي «الصحيح»: «الإسلام يهدم ما قبله».

وقوله: (وجاء في حديث آخر في تفسير الماحي): قد روى هذا الحديثَ البيهقيُّ في «دلائله».

قوله: (وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي): ضُبِط (قدمي) بتشديد الياء على التثنية، وبتخفيفها على الإفراد، ولم يشدِّدها في أصلنا، فهي إذن فيه بالإفراد، قال العلماء: معناه: يحشرون على إثري وزمان نبوَّتي ورسالتي، وليس بعدي نبيٌّ، وقيل: معناه: يتَّبعوني، وجاء في رواية في «الصحيح»: «على عقبي»، وقيل فيها كما قيل في هذه من حيث المعنى.

قوله: (وَأَنَا الْعَاقِبُ): جاء مفسَّرًا في الحديث: «الذي ليس بعده نبيٌّ»؛ يعني: أنَّه جاء آخرهم، قال ابن الأعرابيِّ: (العاقب): هو الذي يخلُف مَنْ قَبْلَه في الخير.

(1/6651)

[حديث: ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش]

3533# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ الجِهْبِذ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: ابن عُيَيْنَة، و (أَبُو الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

قوله: (يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا): (يشتم): بكسر التاء وضمِّها؛ لُغَتان حكاهما ابن دريد في «الجمهرة».

فائدةٌ: أدخل الحافظ النَّسائيُّ هذا الحديثَ في (كتاب الطلاق) من «سُنَنه» في (مَن طلَّق بكلامٍ لا يُشبِه الطلاق؛ فإنَّه غير لازم)، وهو فقه حسنٌ؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «ألَا ترون إلى ما يدفع الله عنِّي ... ؟»؛ الحديث، فجعل أذاهم مصروفًا عنه لمَّا نسبوا مُذَمَّمًا، ومذمَّم لا يشبه أنَّ يكون اسمًا له، فكذلك إذا قال لامرأته: كلي أو اشربي، وأراد به الطلاق؛ لَمْ يلزمْه، وكان مصروفًا عنه؛ لأنَّ مثل هذا الكلام لا يشبه أن يكون عبارةً عن الطلاق، وهو حسنٌ، والله أعلم.

قوله: (مُذَمَّمًا): هو بالذال المُعْجَمَة، وفتح الميم الأولى، اسم مفعول، وكذا الثانية، وكان الكفَّار يغيِّرون اسم رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُحَمَّدًا؛ فيقولون بضدِّ اسمه: مذمَّمًا، وكَذَبُوا لعنهم الله.

==========

[ج 1 ص 922]

(1/6652)

[باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم]

(1/6653)

[حديث: مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارًا فأكملها وأحسنها]

3534# قوله: (حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّان [1]): هو بفتح السين، وكسر اللام، وليس في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» مُكَبَّر سواه، والباقون: (سُلَيم)؛ بالتصغير، و (حَيَّان) والده: بمُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ): (ميناء): يُمَدُّ ويُقصَر، وهذا مَعْرُوفٌ.

[ج 1 ص 922]

قوله: (لَبِنَةٍ): هي معروفةٌ، وهي بفتح اللام وكسر [2] المُوَحَّدة، وبكسر اللام وسكون المُوَحَّدة.

==========

[1] (بن حيَّان): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[2] في (ب): (وبكسر).

(1/6654)

[حديث: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه ... ]

3535# قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ذكوان الزَّيَّات السَّمَّان، وتَقَدَّمَ أنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مَثَلِي وَمَثَلَ): هما بفتح الثاء المُثَلَّثَة، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وُضِعَتْ هَهُنَا لَبِنَةٌ [1]): (وُضِعتْ): بتاء التأنيث الساكنة، وهو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وفي رواية: (وَضَعْتَ)؛ بتاء الخطاب، و (لَبِنَةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن.

قوله: (فَأَنَا اللَّبِنَةُ): تَقَدَّمَ أنَّ ابنَ دحية عدَّ في أسمائه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2] (اللَّبِنَة) [3].

==========

[1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (هذه اللَّبِنَة).

[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[3] هذا القول جاء في النُّسْخَتَين متقدِّمًا على قوله: (عن أبي صالح).

[ج 1 ص 923]

(1/6655)

[حديث: أن النبي توفي وهو ابن ثلاث وستين]

3536# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو التِّنِّيسيُّ، أبو مُحَمَّد، الحافظ المشهور، و (اللَّيْثُ) بعده: هو ابنُ سعد، الإمامُ الجوادُ، و (عُقَيْل): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، هو ابن خالد، و (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ [1]): لَمْ يذكر البُخاريُّ في هذا الباب غير هذا الحديث، وفي سنِّه عليه الصَّلاة والسَّلام رواياتٌ؛ أحدها: (تُوُفِّيَ وهو ابن ستِّين سنةً)، وفي رواية: (خمسٌ وستُّون)، وفي رواية: (ثلاثٌ وستُّون)؛ وهي أصحُّ الروايات وأشهرُها، واتَّفق العلماءُ أنَّ هذه أصحُّ الروايات، قال شيخنا العِرَاقيُّ عن رواية: (خمسٍ وستِّين) ورواية: (ستِّين) قولان وهَّنُوهما بمرَّةٍ، انتهى، وتأوَّلوا باقيَ الروايات على هذه؛ فرواية: (ستِّين) اقتُصِر فيها على العقود، وتُرِك الكسر، ورواية: (الخمس والستِّين) متأوَّلة أيضًا على أنَّه حُسِبت سنة المولد وسنة الوفاة، أو حصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروةُ بن الزُّبَير على ابن عَبَّاس قوله: (خمسٌ وستُّون)، ونسبه إلى الغلط، وأنَّه لَمْ يدرك أوَّل النبوَّة ولا كثرت صحبته، بخلاف الباقين، قال شيخنا: وفي «تاريخ ابن عساكر»: (ثنتان وستُّون)، وفي كتاب عُمر بن شبَّة: (إحدى أو اثنتان، لا أُراه بلغ ثلاثًا وستِّين سنة) انتهى، وتُؤَوَّل هذه على ما سبق.

ولمَّا ذكر السُّهَيليُّ في «روضه» فترةَ الوحي، وأنَّها كانت سنتين ونصفًا؛ قال: وقد جاء ذلك في بعض الأحاديث المسندة، ثُمَّ قال: فمِن ههنا يتَّفق ما قاله أنسٌ في مكثه بمكَّة: (كان عشرَ سنين)، وقول ابن عَبَّاس: (ثلاثَ عشرةَ)، وكان قد ابتُدِئ بالرؤيا الصادقة ستَّةَ أشهر، فمَن عدَّ مدَّة الفترة وأضاف إليها الأشهر السِّتَّة؛ كانت كما قال ابن عَبَّاس، ومن عدَّها مِن حين حميَ الوحيُ وتتابع _كما في حديث جابر_؛ كانت عشرَ سنين، ووجهٌ آخرُ في الجمع بين القولين أيضًا: وهو أنَّ الشعبيَّ قال: وُكِّل إسرافيلُ بنبوَّة مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ثلاث سنين، ثُمَّ جاءه جبريل عليه السلام بالقرآن ... إلى أن قال: وإذا صحَّ؛ فهو أيضًا وجهُ الجمع بين الحديثين، والله أعلم.

وقال شيخنا في (فضائل القرآن): وقد وقع في «ابن التين»: (ميكائيل) بدل (إسرافيل)، والمشهور أنَّ جبريل ابتدأه بالوحي، انتهى.

وقد قَدَّمْتُ أنا كلامَ الشعبيِّ: أنَّه قُرِن به إسرافيل في أوَّل النبوَّة ثلاثَ سنين، يأتيه بالكلمة والكلمتين من الوحي، وإنكارَ مَن أنكره، والله أعلم.

قوله: (وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب مِثْلَهُ): هذا الموقوف على ابن المُسَيّب هنا لَمْ يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.

==========

[1] زيد في (ب): (سنة).

[ج 1 ص 923]

(1/6656)

[باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم]

قوله: (بَابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ذكر البُخاريُّ في هذا الباب أربعةَ أحاديثَ كلُّها مطابِقٌ إلَّا الحديثَ الأخير؛ وهو حديث السائب بن يزيد، والذي يظهر: أنَّه يحتمل أنَّه جاء في بعض طرقه: أنَّ خالته قالت له: (يا أبا القاسم)، أو كنَّته بكنية أخرى غيرِها؛ كـ (أبي إبراهيم)، والله أعلم، وكأنَّه لم يقع له، أو أنَّه ليس على شرطه، وفي أصلنا الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ ذكر في الباب ثلاثة أحاديث، وأمَّا حديث السائب بن يزيد؛ فأفرده [1] ببابٍ بغير ترجمة، وما قدَّمته هو في بعض أصولنا الدمشقيَّة، قال شيخنا بعد أن ذكره كما في أصلنا الذي سمعنا فيه على العِرَاقيِّ: (وظهر لي في وجه إيراده هنا عقيب «باب الاسم» و «باب الكنية» كيفيَّةُ ندائه: يا رسول الله، لا باسمه؛ كما قال تعالى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} [النور: 63]، فذكر أوَّلًا اسمه، ثُمَّ كنيته، ثُمَّ كيفيَّة ندائه)، انتهى، والله أعلم.

ذكر له البُخاريُّ كنيةً واحدةً، وهي: أبو القاسم، وله عليه الصَّلاة والسَّلام كنيتان أخريان؛ أحدهما: أبو إبراهيم، كنَّاه بها جبريل عليه السلام، روى أحمد في «المسند» من طريق أنس رضي الله عنه قال: حين وَلَدَت له ماريةُ إبراهيمَ؛ وقع في نفسه منه شيءٌ، حتَّى نزل جبريل عليه السلام فقال: (السلام عليك يا أبا إبراهيم) انتهى، وقد ذكره السُّهَيليُّ أيضًا، والثانية: أبو الأرامل، ذكرها شيخُنا ولم يعزُها، ولم أرَها أنا في كلام غيره، ثُمَّ إنِّي رأيتها في كلام الشيخ محي الدين عبدِ القادر القرشيِّ الحنفيِّ _فقيهٍ مِن الحنفيَّة بالقاهرة، أدركتُه ولم أجتمع به، ولا قرأت عليه، ذكره في «طبقات الفقهاء الحنفيَّة» له، عن الإمام أبي عبد الله الباهليِّ الإشبيليِّ في كتابه [2] «الذخائر» _: أنَّ كنية النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في التوراة: أبو الأرامل، انتهى، وكأنَّ هذه كاللَّقب وإن صُدِّرت بـ (أب)، وله نظائرُ مصرَّح بها؛ كأبي تراب؛ لقبُ عليٍّ رضي الله عنه، وكنيته أبو الحسن، وكأبي الشيخ ابن حيَّان الحافظ، كنيته أبو مُحَمَّد، وغيرهما.

==========

[1] في (ب): (فأورده).

[2] في النُّسْخَتَين: (كبائر)، ولعلَّه تحريف عن المثبت.

[ج 1 ص 923]

(1/6657)

[حديث أنس: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي]

3537# قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو حُميد الطويل، واسم والده: تير [1]، ويقال: تيرويه، وقد قَدَّمْتُ أنَّ كلَّ حديثٍ في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها (حُميد عن أنس)؛ فهو هذا إلَّا حديثَين؛ أحدهما: «أخذ الراية زيدٌ فأُصيب»، أخرجه البُخاريُّ والنَّسائيُّ، والثاني: «كأنِّي أنظر إلى غبار ساطع ... »؛ الحديث، في «البُخاريِّ»، فهو حُميد بن هلال.

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.

==========

[1] (تير): سقط من (ب).

[ج 1 ص 923]

(1/6658)

[حديث: تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي]

3538# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (كَثِيرًا) بفتح الكاف، وكسر الثاء المُثَلَّثَة، وتَقَدَّمَ أنَّ (مَنْصُورًا): هو ابن المعتمر، و (سَالِم) هذا: هو ابن أبي الجعد، و (جَابِر): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريُّ.

(1/6659)

[حديث: سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي]

3539# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تيمية السَّخْتيَانيُّ، و (ابْن سِيرِينَ): هو مُحَمَّد، وقد قَدَّمْتُ كم بنو سيرين الذكور في أوَّل هذا التعليق، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 923]

(1/6660)

[باب لا ينبغي إن ينادى الرسول باسمه أو كنيته]

(1/6661)

[حديث: يا رسول الله إن ابن أختي شاك فادع الله قال فدعا لي]

3540# قوله: (بَابٌ، حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْن إِبْرَاهِيْم [2]): هذا هو ابن راهويه، الإمام المشهور.

قوله: (رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً [3] ... ) إلى آخره: (السائب) هذا: شهد حجَّة الوداع وهو ابن سبع سنين، وتُوُفِّيَ سنة إحدى وتسعين، فعلى هذا: يكون عاش نحو ثماني وتسعين سنةً، وقيل: إنَّه تُوُفِّيَ سنة ستٍّ وثمانين؛ فعليه: يكون عاش نحو ثلاث وتسعين سنةً، والأوَّل هو الصحيح، وهو الموافق لقوله: (رأيته ابنَ أربعٍ وتسعين سنةً)، ويكون قد تأخَّر بعد ذلك.

قوله: (جَلْدًا): هو بفتح الجيم، وإسكان اللام؛ أي: قويًّا.

قوله: (قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ): هما بضَمِّ تاء المتكلِّم فيهما، و (مُتِّعتُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ): (خالة السائب): لا أعرف اسمها، وسمَّاها بعض حُفَّاظ العَصْرِ: فاطمة، انتهى، وفي الصَّحَابيَّات: فاطمة بنت شريح، قال الذَّهَبيُّ: ذكرها أبو عُبيدة في الزوجات، كذا قال ابن بشكوال، انتهى، وأمُّه اسمها عُلَيَّة بنت شريح، مذكورة في الصَّحَابيَّات.

(1/6662)

[باب خاتم النبوة]

قوله: (بَابُ خَاتِمِ النُّبُوَّةِ): اعلم أنِّي لَمْ أذكر صفة خاتم النبوَّة في (الوضوء)، وأخَّرتُه إلى هنا، لكن ذكرتُ الكلام على (زِرِّ الحَجَلَة)، ولم أذكر روايةَ إبراهيم بن حمزة؛ فاعلم

[ج 1 ص 923]

أنَّ الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخَ شيوخِي ذكرَ صفاتِ الخاتم على ما وقع له من الروايات، وذكرها الحافظ فتح الدين ابنِ سيِّدِ النَّاسِ، وذكرها غيرُهما؛ كالسُّهَيليِّ في «روضِه»، وغالب ما ذكراه هو في «الروض» له، فأحببتُ أنْ أذكرها من كلام مغلطاي؛ لكونه متأخِّرًا عن غيره، فقال: وخُتِم بخاتم بين كتفيه، وكان ينمُّ مِسكًا، مثل زِرِّ الحَجَلَة، ذكره البُخاريُّ، وفي «مسلم»: (جُمع عليه خيلان كأنَّها الثآليل السود عند نَغْض كتفه)، ويُروى: (غضروف كتفه اليُسرى)، وفي «كتاب أبي نعيم»: (الأيمن)، وفي «مسلم» أيضًا: (كبيضة حمامة)، وفي «صحيح الحاكم»: (شَعر مجتمع)، وفي «البيهقيِّ»: (مثل السَّلْعة)، وفي «الشمائل»: (بضعة ناشزة)، وفي حديث عَمرو بن أخطب: (كشيءٍ يُختَم به)، وفي «تاريخ ابن عساكر»: (مثل البندقة)، وفي «التِّرْمِذيِّ»: (كالتفاحة)، وفي «الروض»: (كأثر المحجم القابضة على اللحم)، وفي «تاريخ ابن أبي خيثمة»: (شامة خضراء محتفرة في اللحم)، وفيه أيضًا: (شامة سوداء تضرب إلى الصفرة، حولها شَعرات متراكبات؛ كأنَّها عُرْف الفرس)، وفي «تاريخ القضاعيِّ»: (ثلاث شعرات مجتمعات)، وفي «كتاب التِّرْمِذيِّ الحكيمِ»: (كبيضة حمام، مكتوب في باطنها: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهرها: توجَّهْ حيث شئت، فإنَّك منصورٌ)، وفي كتاب «المولد» لابن عائذ: (كأنَّ نورًا يتلألأ)، وفي «سيرة ابن أبي عاصم»: (عُذرة؛ كعُذرة الحمامة)، قال أبو أيُّوب: يعني قرطمة الحمامة، وفي «تاريخ نَيسابور»: (مثل البُنْدقة من لحم، مكتوب فيه باللحم: مُحَمَّد رسولُ الله)، وعن عائشة: (كتِينَةٍ صغيرةٍ تضرب إلى الدُّهمة، وكان ممَّا يلي القفا، قالت: فلمستُه حين تُوُفِّيَ، فوجدته قد رُفِع)، انتهى.

ووقع في «سيرة ابن سيِّدِ النَّاسِ» عن الواقديِّ، عن شيوخه قالوا: لمَّا شكُّوا في موته؛ وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه، فقالت: (إنَّه قد تُوُفِّيَ، وقد رُفِع الخاتم من بين كتفيه)، فهذا الذي عُرِف به موتُه عليه الصَّلاة والسَّلام.

تنبيهٌ: وقع في «أبي حاتم» من حديث جابر بن سَمُرة قال: (رأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة النعامة، يشبه جسده)، قال أبو حاتم: (مثل بيضة النعامة) وَهِمَ [1] فيه إسرائيل، إنَّما هي: «مثل بيضة الحمامة»، ذكر الحديثَ والتوهيمَ المحبُّ الطَّبَريُّ في «أحكامه».

(1/6663)

والحكمة في كون الخاتم عند نَغْضِ كتفه؛ لقيام العصمة به، وذلك الموضعُ منه يُوسوسُ الشيطانُ لابن آدم، ذكر ابن عَبْدِ البَرِّ عن ميمون بن مِهْرَان، عن عُمر بن عبد العزيز: أنَّ رجلًا سأل ربَّه سنةً [2] أنْ يُريَهُ موضع الشيطان منه؛ فأُرِيَ جسدًا مُمهًّى يُرى داخلُه من خارِجِه، ورأى الشيطانَ في صورة ضفدع عند نَغْض كتفه حِذاء قلبه، له خُرطوم كخُرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس [3] إليه، فإذا ذكر اللهَ العبدُ؛ خنس، ذكر ذلك شيخنا، انتهى، ويشهد لهذا حديثُ أنسٍ: «إنَّ الشيطان واضعٌ خَطْمَه على قلب ابن آدم ... »؛ الحديث، أخرجه ابن أبي الدنيا في «مكايِد الشيطان»، وأبو يعلي الموصليُّ، وابن عديٍّ في «الكامل» وضعَّفه.

تنبيهٌ: قال القاضي عياض في «شرح مسلم»: وهذا الخاتم هو أثرُ شَقِّ الملَكَين بين كتفيه، وتعقَّبه النَّوويُّ في «شرحه لمسلم» فقال: وهذا الذي قاله القاضي ضعيفٌ، بل باطلٌ؛ لأنَّ شقَّ المَلَكَين إنَّما كان في صدره وبطنه، انتهى، وهذا كلامٌ حسنٌ معقولٌ.

سؤالٌ سُئلت عنه وقد تَقَدَّمَ؛ وهو: خاتم النبوة الذي بين كتفَيه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ هل هو من خصائصه أو أنَّ كلَّ نبيٍّ [4] مختومٌ بخاتم النبوة؟

فأجبتُ: بأنِّي لا أستحضر في ذلك نقلًا، ولكنَّ الذي يظهر لي أنَّه من خواصِّه، وذلك لأنَّه خُتِم به لِمَعانٍ؛ أحدها: إشارة إلى أنَّه خاتم النَّبيِّين، وليس كذلك غيره، ثانيها: فيه إشارة إلى أنَّ باب النبوَّة قد سُدَّ وخُتِم عليه؛ فلا نبيَّ بعده، وليس كذلك غيره.

وممَّا يُسألُ عنه أيضًا: هل وُلِد به صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بطن أمِّه مختومًا بخاتم النبوَّة أو جُعِل الخاتم بين كتفيه بعد ذلك؛ أعني: بعدما وُلِد أو حين نُبِّئَ؟

والجواب _وقد تَقَدَّمَ_: أنَّه روى ابن أبي الدنيا وغيرُه بإسنادٍ يرفعه إلى أبي ذرٍّ: «أتاني مَلَكَان وأنا ببطحاء مكَّة، فوقع أحدهما بالأرض ... »؛ فذكر قصَّته، وأنَّه وُزِن برجل، ثُمَّ بعشرة، ثُمَّ بمئة، ثُمَّ بألف ... إلى أنْ قال: «وجُعِل الخاتم بين كتفيَّ كما هو الآن، ووَلَّيَا عنِّي، فكأنِّي أعاين الأمر معاينةً»، وفي «سيرة مغلطاي»: (وخُتِم حين وضْعهِ بالخاتم)، ذكره ابن عائذ، وفي «سيرة ابن سيِّدِ النَّاسِ» عن ابن عائذ في «مغازيه» بسنده إلى شدَّاد بن أوس ... ؛ فذكر حديث الرضاع وشقِّ الصدر، وفيه: «وأقبل الثالث _يعني: المَلَك_ وفى يده خاتم له شعاعٌ، فوضعه بين كتفيه وثدييه، ووجد برده زمانًا»، وقيل: وُلِدَ به، انتهى.

وقد روى أحمد في «مسنده» من حديث عتبة بن عبدٍ السُّلَمِيِّ: أنَّ رجلًا سألَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: كيف كان أوَّلُ شأنك يا رسولَ الله؟ فقال: «كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابنٌ لها ... »؛ فذكر حديث شقِّ البطن ... إلى أنْ قال: «وختم عليه بخاتم النبوَّة»، وقال حَيْوَة في حديثه: «حُصْه، فحصَّه، واخْتُم عليه بخاتم النبوَّة».

(1/6664)

تنبيهٌ: قوله في الحديث الذي ذكره ابن أبي الدنيا: «بينما أنا ببطحاء مكَّة»: كذا قال، وهذه القصَّة لَمْ تَعرِض له إلَّا وهو في بني سعد مع حليمة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وقد رواه البزَّار من طريق عروة عن أبي ذرٍّ، فلم يذكر فيه (بطحاء مكَّة)، قال البزَّار: ولا أعلم لعروة سماعًا من أبي ذرٍّ، انتهى.

==========

[1] في (ب): (وهي)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (لسنة).

[3] في (ب): (فوسوس).

[4] في (ب): (شيء)، وهو تحريفٌ.

(1/6665)

[حديث: يا رسول الله إن ابن أختي وقع]

3541# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، ثقةٌ مشهورٌ.

قوله: (سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ): تَقَدَّمَ في ظاهرها، وتَقَدَّمَ فيه أنَّ خالته اسمها فاطمة، وأن أمَّه اسمها عُلَيَّة بنت شُريح.

قوله: (وَقِع): هو بفتح الواو، وكسر القاف، وبالعين المُهْمَلَة؛ أي: وَجِع؛ كما جاء في بعض طرقه، وأصل (الوقع): وَهن الرِّجْل وتمرُّضُها من حَفاءٍ يصيبها، وقد [1] روى بعضُهم عن أبي ذرٍّ في [2] هذا الباب: (وَقَع)؛ على الفعل الماضي، قال ابن قرقول: الوجه ما تَقَدَّمَ.

قوله: (مِنْ وَضُوئِهِ): هو بفتح [3] الواو: الماء [4]، ويجوز فيه الضمُّ، وقد تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا.

قوله: (قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ): هو مُحَمَّد بن عبيد الله، شيخُه في هذا الحديث، وهو مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن زيد الأمويُّ، مولى عثمانَ بن عفَّان، أبو ثابت المدنيُّ، عن مالك، وإبراهيمَ بنِ سعْد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وحاتم بن إسماعيل، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ وأبو زرعة، وأبو حاتم، وآخرون، قال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البُخاريُّ، والنَّسائيُّ في «اليوم والليلة».

قوله: (الْحَجَلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ): كذا هو مضبوط بالقلم في أصلنا، وفي نسخة الدِّمْيَاطيِّ: (الحُجْلَةُ [5]: من حَجْلِ الفرس)، قال ابن قرقول: (مثل زِرِّ الحجلة): كذا في «مسلم»، وفي «البُخاريِّ» مثله في (باب خاتم النبوَّة)، وجاء للقابسيِّ في موضع آخرَ بسكون الجيم، فقال البُخاريُّ في تفسيره: (الحَجَلَةُ: من حُجْلِ الفرس الذي بين عينيه)، كذا قيَّدَه بعضهم بضَمِّ الحاء وسكون الجيم، وبضمِّها وفتح الجيم من الثاني، وبعضهم بكسر الحاء وبفتح الجيم أيضًا، فإنْ كان البُخاريُّ سمَّى البياض بين عيني الفرس حجلةً؛ لكونه بياضًا، كما سُمِّيَ بياض القوائم تحجيلًا؛ فما معنى ذكر الزِّرِّ مع هذا؟ لا يتَّجه لي فيه وجهٌ، وفسَّر التِّرْمِذيُّ في كتابه (الزِّرَّ): بالبيض، فقال: (زِرُّ الحجلة: بيضها)، فالحجلة عنده: الطائر الذي يُسمَّى القبْج، وقال الخَطَّابيُّ: بتقديم الراء على الزاي، كأنَّه أخذه من رزِّ الجراد؛ وهو بيضها، فاستعاره للطائر، وأمَّا تسمية البيض بـ (زِرٍّ)؛ فلا أعرف له وجهًا، وإنَّما (الزِّرُّ): واحدة [6] «الأزرار» التي تدخل في العُرَا؛ كأزرار القميص، و (الحجلة): إحدى «الحجال»، وهي ستور، وهذا أولى ما قيل، وكأنَّ من فسَّر الزِّرَّ بالبيض؛ نظر إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث: (مثل بيضة الحمامة)، ثُمَّ رأى (زرَّ الحجلة)، ففسَّره ببيضها؛ اعتمادًا على ما وجد من ذكر بيضة الحمامة، انتهى.

وفي «النهاية»: (زرُّ الحَجَلَة)؛ بالتحريك: بيت كالقبَّة يُستَر

[ج 1 ص 924]

(1/6666)

بالثياب، ويكون لها أزرار كبار، وتُجمَع على (حجال)، انتهى ولم يذكر غير ذلك، وقال شيخنا في (كتاب المرضى) _وهو من تتمة كلام الداوديِّ_: ومَن رواه بضَمِّ الحاء، يقول: كحجل الفرس؛ وهي الشَّعر المجتمع في مؤخَّر الحافر، واعترض ابن التين فقال: هذا لَمْ يذكره أهل اللغة، انتهى، ثُمَّ ذكر في (الدعوات) عن ابن التين: أنَّ مَن رواه بفتح الحاء؛ فهو كذا، ومن رواه بضمِّها؛ يعني: حُجلة الفرس، وهو الشَّعر الذي يجتمع في مؤخَّر الرِّجل في الرُّسُغ، وقرأته بفتح الحاء والجيم، انتهى.

وقال بعضهم في تقييد كلام مُحَمَّد بن عبيد الله: (بضَمِّ الحاء وفتح الجيم، وبفتحهما): أراد أنَّها بيضها، ولم يُصِب في هذا التفسير؛ لأنَّ الزِّرَّ إنَّمَا هو للحجلة التي هي السِّتر، ومع ذلك؛ فإنَّ التحجيل في الفرس إنَّمَا هو في قوائمه، لا بين عينيه، ولا يقال فيه: حجل، ولا: حجلة، والذي بين عينيه: غُرَّة، وأولى ما قيل فيه: إنَّها واحدة «الحجال»؛ وهي السُّتور، والزِّرُّ: واحد «الأزرار» التي تدخل في العُرَا، ومَن فسَّر الزِّرَّ بالبيضة؛ نظر إلى ما ورد في بعض الطرق: (مثل بيضة الحمامة)، فجعل الزِّرَّ كالبيضة، والحجلة: الطائر، وبه فسَّره التِّرْمِذيُّ، وقال الخَطَّابيُّ: بتقديم الراء على الزاي: هو من رزِّ الجراد؛ وهو بيضها، واستعاره للطائر، وقال إبراهيم بن حمزة: (مثل رِزِّ الحَجَلة)، قيل: إنَّه خالف بتقديم الراء على الزاي، وقيل: إنَّه خالف في ضمِّ الحاء، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي الحَجلة التي تكون على السرير، انتهى.

قوله: (وَقَالَ [7] إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ): (زِرِّ): في أصلنا بتقديم الزاي على الراء هنا، وفيه نظرٌ، وسأذكره، أمَّا (إبراهيم بن حمزة)؛ فجدُّه مُحَمَّد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزُّبَير القرشيُّ الزبيريُّ، أبو إسحاق المدينيُّ [8]، من أصحاب الحديث، له تجارة، روى عن إبراهيم بن سعد، والدراورديِّ [9]، وابن أبي حازم، وحاتم بن إسماعيل، وجماعةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وأبو زرعة، والذهليُّ، وجماعةٌ، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقةٌ صدوقٌ في الحديث، قال البُخاريُّ: مات بالمدينة سنة (230 هـ)، أخرج له البُخاريُّ وأبو داود، والنَّسائيُّ في «اليوم والليلة».

(1/6667)

وأمَّا (مثل زرِّ الحجلة) الذي رواه؛ فقد ذكرت لك ما هو مضبوطًا في أصلنا، وما قاله ابن قرقول عن الخَطَّابيِّ من أنَّه بتقديم الراء على الزاي، وقد ذكر شيخنا كلامًا للسُّهيليِّ فيه اعتراضٌ على التِّرْمِذيِّ في تفسيره الذي ذكرتُه لك من عند ابن قرقول من أنَّ (الزِّرَّ) البيضةُ، و (الحجلة): الطائر، فقال: إنَّمَا حجلة السرير: واحدة «الحجال»، وزرُّها: الذي يدخل في عروتها، والذي ذكره إنَّمَا يأتي على تقدَّيم الراءِ على الزاي _كما حكاه البُخاريُّ عن إبراهيم بن حمزة_ من أريز الشيء؛ إذا دخل في الأرض، ومنه الرزَّة، قال: لأنَّ الحجلة إذا أرادت أنْ تبيض؛ رزَّت ذنبها بالأرض من شدَّة ما تلاقيه، قال الخَطَّابيُّ: زعم قومٌ أنَّ رزَّ الحجلة: بيضُ الحجل، ورواية إبراهيم بن حمزة تدلُّ عليه، قال: وهو من قولك: أَرزت الجرادة؛ إذا أناخت ذنبها في الأرض فباضت، فاستعاره للطائر، انتهى.

فهذا صريحٌ في أنَّ كلام إبراهيم بن حمزة: (رِزِّ الحجلة)؛ بتقديم الراء، لا بتأخيرها، بخلاف ما هو مضبوطٌ في أصلنا عنه بالقلم.

ثُمَّ قال شيخنا بعد ذلك عن ابن التين قال: الذي روينا ربَّما خالف إبراهيم بن حمزة في ضمِّ حاء (الحجلة)، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي قبل ذلك بضَمِّ الحاء وسكون الجيم، ثُمَّ ذكره عن البيهقيِّ أنَّه قال في «الدلائل»: المعروف: (زرِّ)؛ بتقديم الزاي على الراء، ورواه بعضهم بالراء قبله، انتهى، وذكر شيخنا أيضًا في (كتاب المرضى) الزِّرَّ والحجلة، ثُمَّ قال: وقيل: إنَّمَا هو بتقديم الراء على الزاي، مأخوذٌ من أرزت الجرادة ورزَّت؛ إذا أدخلت ذنبها في الأرض؛ لتلقيَ فيه بيضها، انتهى.

وقد قَدَّمْتُ الكلام في مخالفة إبراهيم بن حمزة هل هو في تقديم الراء على الزاي، أو خالف في ضمِّ الحاء، فرواه بفتح الحاء والجيم، والله أعلم.

(1/6668)

[باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم]

(1/6669)

[حديث: صلى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن .. ]

3542# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مخْلد النَّبيل، وتَقَدَّمَ (ابنُ أَبِي مُلَيْكَة): أنَّه عبد الله بن عُبيد الله ابن أبي مُلَيْكَة زُهيرٍ، وزُهيرٌ صَحَابيٌّ.

قوله: (فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ ... ) إلى: (بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّ الحسن أشبهُ الناس برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتَقَدَّمَ مَن يشبهه عليه الصَّلاة والسَّلام، في (الصلح)، وقد جمعتهم هناك جمعًا لَمْ أرَه [1] لأحدٍ قبلي.

==========

[1] في (ب): (أرهم).

[ج 1 ص 925]

(1/6670)

[حديث: رأيت النبي وكان الحسن يشبهه]

3543# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، نسبه [1] إلى جدِّه، وتَقَدَّمَ (زُهَيْرٌ): أنَّه ابن معاوية بن حُدَيج [2]، أبو خيثمة، وتَقَدَّمَ (أَبُو جُحَيْفَةَ) ضبطًا وبعضَ ترجمةٍ [3]، وأنَّه وَهْب بن عبد الله السُّوائيُّ، وسيأتي قريبًا تسميته بوهب.

==========

[1] في (ب): (نسب).

[2] في (ب): (خديج)، وهو تصحيفٌ.

[3] في (ب): (ترجمته).

[ج 1 ص 925]

(1/6671)

[حديث: رأيت النبي وكان الحسن بن علي يشبهه]

3544# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو [2] بْنُ عَلِيٍّ): هذا هو الفلَّاس الحافظ، وتَقَدَّمَ أنَّه أحد الأعلام، و (ابْنُ فُضَيْلٍ): هو بضَمِّ الفاء، وفتح الضاد، وهو مُحَمَّد بن فُضَيل بن غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم، الحافظ.

قوله: (كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ [3]): تنبيهٌ: اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام جاء في لونه أنَّه كان أبيضَ، كما هنا، وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عائشة [4]، ومن حديث عليٍّ [5]: (أنَّه كان أبيضَ مُشْرَبًا حمرة)، ومن حديث أنس: (كان أزهرَ اللون)، وعنه أيضًا: (أنَّه كان أسمرَ)، أخرج الجميعَ أبو حاتم، وما جاء في «الصحيح» من حديث أنس: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ يكن بالأبيض ولا بالآدم [6])، يَرُدُّ رواية مَن روى أنَّه كان أسمرَ، قاله المحبُّ الطَّبَريُّ، انتهى.

وحديث أنس: (أنَّه كان أسمرَ) رواه أيضًا أحمد في «المسند» والتِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وفي «المسند» أيضًا عن يزيد الفارسيِّ _وهو في «الشمائل» للترمذيِّ_ قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في النوم زمن ابن عَبَّاس _وكان يزيد يكتبُ المصاحف، قال_: فقلت لابن عَبَّاس ... إلى أنْ قال: فهل تستطيع أن تنعت لي هذا الرجل الذي رأيت؟ قال: نعم ... ؛ فذكره ... إلى أنْ قال: أسمر إلى البياض ... إلى آخره، فقال ابن عَبَّاس: لو رأيته في اليقظة؛ ما استطعت أن تنعته فوق هذا، انتهى.

قوله: (قد شَمِط): هو بكسر الميم في الماضي، وبفتحها في المستقبل والمصدر، و (الشَّمَط): اختلاط الشعر بالشيب، قاله الخليل، وقال أبو حاتم: هو أنْ يعلوَ البياضُ في الشعر السوادَ، وقال الأصمعيُّ: إذا رأى الرجل البياض في رأسه؛ فهو أشمط.

قوله: (بِثَلَاثَةَ [7] عَشَرَ [8] قَلُوصًا): وفي نسخة: (بثلاثَ عشرةَ) [9]، وهو الصواب، و (القَلُوص): بفتح القاف، وضمِّ اللام المُخَفَّفة، وفي آخره صاد مهملة، وجمعه: قِلاص؛ بكسر القاف، وهي فتيان الإبل.

قوله: (فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبِض): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (عمر)، وهو تحريفٌ.

[3] في هامش (ق): (أي: خالط سواد شعره بياض).

[4] زيد في (ب): (رضي الله عنها).

[5] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[6] في (ب): (بالأبيض ولآدم)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (ثلاثة)، وهو تحريفٌ.

[8] كذا في النُّسخَتَين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت والأصيليِّ وابن عساكر.

[9] وهي رواية «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 925]

(1/6672)

[حديث: رأيت النبي ورأيت بياضًا من تحت شفته السفلى العنفقة]

3545# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه [ابن] يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): جدُّه، واسم أبي إسحاق: عَمرُو بن عبد الله.

==========

[ج 1 ص 925]

(1/6673)

[حديث: كان في عنفقته شعرات بيض]

3546# قوله: (حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بفتح الحاء، وكسر الراء، وفي آخره زاي، الرَّحَبيُّ، وقدَّمت غير بعيد ترجمته، وهو مشهورٌ ناصبيٌّ، و (عَبْد اللهِ بْن بُسْرٍ): تَقَدَّمَ الكلام على أبيه [1] [أنَّه] بضَمِّ المُوَحَّدة، وبالسين المُهْمَلَة، وتَقَدَّمَ من يُقال له: بُسر _ كهذا_ في «البُخاريِّ» و «مسلم»، والباقون: بِشْر؛ بالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ (عبد الله) مُتَرْجَمًا.

==========

[1] (أبيه): سقط من (أ).

[ج 1 ص 925]

(1/6674)

[حديث: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير]

3547# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى [2] ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، الإمام المجتهد، وقوله: (عَنْ خَالِدٍ): هو ابن يزيد، أبو عبد الرحيم المصريُّ الفقيه، عن عطاء والزُّهْرِيِّ، وعنه: الليث ومفضَّل بن فَضالة، ثقةٌ، تُوُفِّيَ سنة (139 هـ)، أخرج له الجماعة، ومَن يقال له: (خالد بن يزيدَ) جماعةٌ في بعضِ الكُتُب السِّتَّة و «الميزانِ».

[ج 1 ص 925]

قوله: (كَانَ رَبعَةً): هو بفتح الراء، وإسكان المُوَحَّدة وفتحها، هو الرَّجلُ بين الرَّجُلين.

قوله: (أَزْهَرَ اللَّوْنِ): أي: مُشْرِقَه.

قوله: (لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ [3]): هو بفتح الهمزة، ثُمَّ ميم ساكنة، ثُمَّ هاء مفتوحة، ثُمَّ قاف، قال ابن قرقول في تفسير (الأمهق): الأبيض الذي لا يشُوب بياضَه حمرةٌ ولا صفرةٌ ولا سُمرةٌ [4] ولا إشراق؛ كبياض المريض، وقال الخليل: المهق: بياضٌ [5] في زُرقة، وقد وقع في بعض روايات المروزيِّ [6]: (أزهر اللون أمهق)، وهو وَهَمٌ؛ لأن الأزهرَ غيرُ الأمهق، ورأيت في نسخة لابن السكن: (أمعن)؛ بالعين المُهْمَلَة، ولم أروِه، لكنِّي رأيته في بعض الروايات: (ليس بالأبيض ولا بالآدم)، وهو غلطٌ، وصوابه: «ليس بالأبيض الأمهق»؛ كما عند الجُرْجانيِّ.

قوله: (وَلاَ آدَمَ): (الآدم): الأسمر، وقد قَدَّمْتُ الكلام على لونه عليه الصَّلاة والسَّلام قريبًا.

قوله: (لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه الذي شعره كشعور السودان، وأنَّ (قَططًا) بفتح الطاء وكسرها، وكذا تَقَدَّمَ (وَلاَ سَبْطٍ)، وأنَّه المسترسل الشعر، وأنَّ باءَه بالكسر وتُسَكَّن.

قوله: (أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ): (أُنزِل): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وقد تَقَدَّمَ ما في ذلك، وجملة ما فيه خمسةُ أقوال؛ هذا أصَّحُها، وصوَّبه النَّوويُّ في «شرح مسلم».

تنبيهٌ [7]: ما يُذكَر عن المسيح ابن مريم أنَّه رُفِع إلى السماء وله ثلاثٌ وثلاثون سنةً؛ فقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «الهدْي»: (فهذا لا يُعرَف به أثرٌ متَّصلٌ يجب المصير إليه)، وقد قَدَّمْتُ ذلك مُطَوَّلًا في يحيى بن زكريَّا؛ لقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [8] [مريم: 12]؛ فانظرها.

قوله: (فَمَكَثَ [9] بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ): تَقَدَّمَ الكلام على ذلك، وهذا قولٌ من ثلاثة أقوالٍ في مَبْلَغ سِنِّه، وذكرت ما في «تاريخ ابن عساكر»، وما في كتاب عُمرَ بنِ شبَّة، وذكرت قريبًا كلام السُّهَيليِّ في جمعه، وذكرت جمعًا لغيره، وقدَّمت أنَّ قول مَن قال: (خمسًا وستِّين) وكذا (ستِّين) وهَّنوهما بمرَّةٍ، في الورقة التي قبل هذه [10].

قوله: (وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ): هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، وقد حُكِيَ فيه الاتِّفاق.

(1/6675)

قوله: (وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ): وذكر شيخنا في (اللباس) في (الخِضَاب): (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان شيبُه [11] تسعَ عشرةَ شعرةً بيضاء)، وقال آخرون: (عشرون)، ثُمَّ قال: قلت: وذكر العلَّامة أبو القاسم في كتاب «الشيب» عن أنس: (خمسَ عشرةَ)، وعند ابن سعد: (سبعَ عشرةَ، أو ثماني عشرةَ)، وفي حديث الهيثم بن دهر: (ثلاثون شعرةً عَدَدًا)، وفي حديث جابر بن سَمُرة: (ما كان في رأسه ولحيته من الشيب إلَّا شَعرات في مفرق رأسه، إذا ادَّهنَ؛ وَارَاهُنَّ الدُّهن)، انتهى.

وفي «مسند عَبْد بن حُمَيدٍ» في (مسند أنس) من رواية ثابت عنه قال: (ما عددتُ في رأس رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولحيته إلَّا أربعَ عشرةَ [12] شعرةً بيضاء)، وفي «الرصف» لشيخنا غياث الدين ابن العاقوليِّ ثُمَّ البغداديِّ ما لفظه: روى ابن سعد عن زهيرٍ عن حُميد الطويل قال: قيل لأنس بن مالك: أكان رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخضب؟ قال: كان شَمَطُه أقلَّ من ذلك، لم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرينَ شَعرةً، قال زهيرٌ: وأصغى حُميد إلى رجل عن يمينه، فقال: سبعَ عشرةَ، ووضع يده على عنفقته، وأخرجه من طريق آخر عن أنس، وقال فيه: (ما كان في رأسه ولحيته إلَّا سبعَ عشرةَ، أو ثماني عشرةَ) انتهى.

وفي «ابن ماجه» [13] في (اللباس) من حديث أَنَس: أنَّه لم يَرَ من الشَّيْبِ إلَّا سَبْعَ عَشْرَة [14] أو عِشْرِينَ شَعَرَةً في مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ؛ يعني: النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

والجمع بين هذه الروايات: أنَّ العدد وقع مَرَّاتٍ في أوقاتٍ، والله أعلم، وأكثرُها _وهو (ثلاثون شَعرة) _ آخرها عددًا.

وحاصل الروايات التي وقفت عليها في عدد شيباته: (دون عشرين)، (عشرون)، (خمسَ عشرةَ)، (سبعَ عشرةَ أو ثماني عشرةَ)، (ثلاثون شعرةً)، (شَعراتٌ)، (أربعَ عشرةَ).

قوله: (قَالَ رَبِيعَةُ): هذا هو ابن أبي عبد الرَّحْمَن، الرأي، المذكور في سند هذا الحديث، فقيه المدينة، وصاحب الرأي، مشهورٌ [15].

قوله: (فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ): سيجيء الكلام [16] في أنَّه هل خضب رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أم لا، قريبًا.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (يحيى): ليس في «اليونينيَّة».

[3] في هامش (ق): (الأمهق: الشديد البياض لا يخالطه شيء من الحمرة وليس بنيِّرٍ، ولكن كلون الجص).

[4] في (ب): (حمرة)، وهو تحريفٌ.

[5] في (ب): (بياضه).

[6] في (ب): (الترمذي)، وهو تحريفٌ.

[7] (تنبيه): سقط من (ب).

[8] ({الحكم صبيَّا}): ليس في (ب).

[9] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَلَبَثَ).

[10] زيد في (ب): (بورقة).

[11] في (ب): (شيبته).

[12] في (أ): (أربعة عشر)، وفي (ب): (أربع عشر)، والمثبت هو الصَّواب.

[13] زيد في (ب): (ما).

(1/6676)

[14] في النُّسْخَتَين: (سبعة عشر)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[15] (مشهور) ليس في (ب).

[16] زيد في (ب): (عليه).

(1/6677)

[حديث: كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير]

3548# قوله: (وَلَا بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ): تَقَدَّمَ أعلاه [1]، وكذا (وَلَا [2] بِالآدَمِ)، وكذا (الْجَعْدِ الْقَطَطِ)، وكذا (السَّبْطِ)، وكذا (بَعَثَهُ اللهُ على رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً)، وكذا (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ)، وسيأتي في (المبعث) أيضًا، وكذا (وبالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ)، وكذا عدد الشعر الأبيض؛ كلُّه أعلاه [3].

==========

[1] (أعلاه): سقط من (ب).

[2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وليس).

[3] زيد في (ب): (وبظاهرها).

[ج 1 ص 926]

(1/6678)

[حديث: كان رسول الله أحسن الناس وجهًا وأحسنه خلقًا]

3549# قوله: (وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا): كذا في أصلنا بضَمِّ الخاء واللام، وكذا في نسخة الشيخ أبي جعفر، وفيهما نظرٌ؛ إذ قال القاضي عياض: (خَلْقًا) هنا _ أي: في هذا الحديث حديث البراء_: بفتح الخاء، وقال: لأنَّ مراده صفات حُسْنِه [1]، وفي حديث أنسٍ: (خُلُقًا)؛ بضَمِّ الخاء، انتهى [2]، وهو كلامٌ حسنٌ صحيحٌ.

==========

[1] كذا في النُّسْخَتَين وهامش (ق) بخطِّه، وفي المصادر: (جسمه)، انظر «إكمال المعلم»، «شرح مسلم» للنووي، «الديباج».

[2] (انتهى): جاءت في (ب) بعد قوله: (حسنه)؛ وذلك أنَّ الجملة قبلها مستدركة في (أ).

[ج 1 ص 926]

(1/6679)

[حديث: هل خضب النبي؟ قال: لا إنما كان شيء في صدغيه]

3550# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (هَمَّامٌ): أنَّه ابن يحيى العَوْذيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا): هذا صريحٌ في أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ يخضب، وهذا قد أجاب عنه الإمام أبو عبد الله أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل، وقال: قد شهد غيرُ أنسٍ على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه خَضَب، وليس مَن شهد بمنزلة مَن لَمْ يشهد، فأحمدُ رحمه الله أثبت خِضابَ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومعه جماعةٌ من المحدِّثين، ومالكٌ رحمه الله أنكره، وممَّا يُستدَلُّ به لأحمدَ ومَن وافقه حديثٌ رواه البُخاريُّ في «صحيحه» عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهب قال: (دخلنا على أمِّ سلمة، فأخرجت إلينا شَعرًا من شَعر رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإذا هو مخضوبٌ)، وقد أخرجه ابن ماجه في «سُننه» بزيادة: (مخضوبًا بالحِنَّاء والكَتَم) انتهى.

قال السُّهَيليُّ في «روضه» في (غزوة الفتح) _وقد ذكر حديث ابن مَوْهب عن أمِّ سلمة_ ما لفظه: فإن قيل: فهذا يدلُّ على أنَّه كان مخضوبَ الشيب، وقد صحَّ من حديث أنسٍ وغيرِه أنَّه لَمْ يكن عليه

[ج 1 ص 926]

الصَّلاة والسَّلام بلغ أنْ يخضبَ، إنَّمَا كانت شَمطات تُعَدُّ، والجواب: أنَّه لمَّا تُوُفِّيَ؛ خضب مَن كان عنده شيءٌ مِن شَعره تلكَ الشَّعرات؛ ليكون أبقى لها، كذلك ذكره الدَّارَقُطْنيُّ في «أسماء رجال المُوَطَّأ» له، انتهى [2].

وهذا الذي ذكره لا يتأتَّى له في الأحاديث التي سأذكرها الآن، ولمَّا ذكر النَّوويُّ في «شرح مسلم» كلامَ القاضي عياض، وذِكْرَه خلافَ العلماء في أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خَضَب أم لا؛ قال عقيبه: والمختار: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صبغ في وقتٍ، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كلٌّ بما رأى، وهو صادق، وهذا التأويل كالمتعيِّن، فحديث ابن عمر (في «الصحيحين»، ولا يمكن تركه، ولا تأويلَ له، والله أعلم، انتهى، وحَدِيث ابن عمر) [3] المشار إليه: (أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يصبغ بالصُّفرة).

وقد روى التِّرْمِذيُّ عن أبي رِمْثة: قال: (أتيتُ النَّبيَّ ... )، وفيه: (وعليهِ ثوبانِ أخضرانِ، وله شعرٌ قد علاه الشَّيبُ، وشيبه أحمر)، أخرجه التِّرْمِذيُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ ولكن مختصرًا بغير ذكر الخِضاب، ورواه النَّسائيُّ أيضًا في (الزينة) بقصَّة خِضابه بالحنَّاء عن عَمرو بن عليِّ عن عبد الرَّحْمَن بن سفيان، عن إيَاد بن لقيط، وأخرجه أيضًا مختصرًا.

(1/6680)

ورَوى أيضًا التِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وأبو داود، والنَّسائيُّ، من حديث أبي رِمثة أيضًا قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مع ابن لي، فقال: «ابنك؟»، قلت: نعم؛ اشهدْ به، قال: «لا يجني عليك، ولا تجنِ عليه»، ورأيت شيبه أحمرَ، قال التِّرْمِذيُّ في «الشمائل» [4]: هذا أحسن شيء رُويَ في هذا الباب وأفسرُه؛ لأنَّ الرواياتِ الصحيحةَ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمْ يبلغ الشيب.

ورَوى التِّرْمِذيُّ أيضًا في «الشمائل» عن أبي هريرة رضي الله عنه: (هل خَضَب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ قال: نعم)، وقد ذكر في «الشمائل» [5] غير ما ذكرت [6]؛ فانظره في (باب ما جاء في خِضاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم).

قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظُ شمسُ الدين: فإن قيل: فقد ثبت في «مسلم» النهيُ عن الخِضاب بالسَّواد في شأن أبي قحافة والد أبي بكرٍ لمَّا أُتِيَ به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، قال: «غيِّروا هذا بشيءٍ، وجنِّبوه السَّوادَ»، والكَتَم يسوِّد الشَّعر، وجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّ النهي عن التسويد البحت، فأمَّا إذا أضيف إلى الحنَّاء شيءٌ آخرُ؛ كالكَتَم ونحوه؛ فلا بأس به، فإنَّ الكَتَم والحنَّاء يجعل الشَّعر بين الأحمر والأسود، بخلاف الوسمة، فإنَّها تجعله أسودَ فاحمًا، وهذا أصحُّ الجوابين، الثاني: أنَّ الخِضاب بالسواد المَنْهيِّ عنه خضابُ التدليس؛ كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغرُّ الزوج والسيِّد بذلك، وخِضاب الشيخ يغرُّ [7] المرأة بذلك؛ فإنَّه من الغشِّ والخداع، فأمَّا إذا لم يتضمَّن تدليسًا ولا خداعًا؛ فقد صحَّ أنَّ الحسن والحُسين كانا يخضبان بالسواد، وصحَّ عن غيرهما أيضًا.

تنبيهٌ: قد ظنَّ بعض الناس أنَّ الكَتَم هو الوسمة _وهي [8] ورق النيل_ وهذا وَهَمٌ؛ فإنَّها غير الكَتَم، ومن أراد الوقوف على ذلك؛ فلينظر «صحاح الجوهريِّ» وغيرَه، قال الجوهريُّ: والكَتَم؛ بالتحريك: نبتٌ يُخلَط بالوسمة يُختَضَب به.

==========

[1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النَّبيُّ).

[2] (انتهى): ليس في (ب).

[3] ما بين قوسين سقط من (ب).

[4] (في «الشمائل»): سقط من (ب).

[5] زيد في (ب): (أيضًا).

[6] في (ب): (ذكرته).

[7] في (ب): (يغتر)، وهو تحريفٌ.

[8] في (ب): (وهو).

(1/6681)

[حديث: كان النبي مربوعًا بعيد ما بين المنكبين]

3551# قوله: (قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ [1]): هذا التعليق أخرجه البُخاريُّ قُبَيل هذا في هذا الباب (بابٌ في صفة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) عن أحمد بن سعيد أبي عبد الله، وأخرجه مسلمٌ في (فضائل النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) عن أبي كُرَيب؛ كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن إبراهيم بن يوسف، عن أبيه به، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (منكبه)، والمثبت موافقٌ لما في «البخاري».

[ج 1 ص 927]

(1/6682)

[حديث: أكان وجه النبي مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر]

3552# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، و (زُهَيْرٌ) بعده: هو ابن معاوية بن حُديج [1]، أبو خيثمة، تَقَدَّمَ مرارًا، و (أَبُو إِسْحَاق): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عَمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ.

==========

[1] في (ب): (خديج)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 927]

(1/6683)

[حديث: خرج رسول الله بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر]

3553# قوله: (بِالْمِصِّيصَةِ [1]): قال ابن قرقول: بكسر الميم، وتخفيف الصاد، وشدَّها بعضهم، انتهى، وفي «الصحاح»: ومَصيصة؛ بفتح الميم بالقلم، كذا في نسخةٍ صحيحة قُوبِلَت أربع مَرَّاتٍ، وهي نسختي، وكذا في هامش أصلنا، ولفظه: وإنْ فتحت الميم؛ خفَّفت الصاد، انتهى، قال الجوهريُّ: بلدٌ في الشام، بالتخفيف، ولا تقل: مصِّيصة؛ بالتشديد، انتهى.

قوله: (عَنِ الْحَكَمِ): هذا هو ابن عتيبة الإمام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وقدَّمت فيه وَهمًا للبُخاريِّ.

قوله: (سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ): تَقَدَّمَ ضبطه، وأنَّه وَهْب _كما وقع قريبًا_ ابن عبد الله السُّوائيُّ، كما قدَّمته.

قوله: (بِالْهَاجِرَةِ): هي وسط النهار، وقد تَقَدَّمَت، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (عَنَزَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليها، ومقدارها، وهل أهداها النجاشيُّ له عليه الصَّلاة والسَّلام أو جاء بها الزُّبَير من الحبشة، في أوائل هذا التعليق.

قوله: (وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ [2] أَبِي جُحَيْفَةَ): (عون) هذا: روى عن أبيه وجماعةٍ، وعنه: شعبة، وسفيان، وعدَّةٌ، وثَّقوه، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، أخرج له [3] الجماعةُ، وقد وقع في أصلنا: (عون عن أبيه عن أبي جُحَيْفَة)، وهو خطأٌ، صوابه ما قدَّمته، وقائل: (وزاد فيه عون) هو شعبة، أخرجه البُخاريُّ في (الطهارة) عن آدم، وفي (الصلاة) عن سليمان بن حرب، وفي هذا الباب عن الحسن بن منصور عن حجَّاج بن مُحَمَّد، ومسلم في (الصلاة) عن مُحَمَّد بن مثنَّى ومُحَمَّد بن بَشَّار؛ كلاهما عن غُنْدر، وعن زُهير بن حرب ومُحَمَّد بن حاتم؛ كلاهما عن ابن مهديٍّ؛ خمستهم عن شعبةَ عن الحكم، ولم يذكر آدم ولا سليمان بن حرب زيادةَ عون بن أبي جُحَيْفَة، وذكرها الباقون، وأخرجه النَّسائيُّ في (الصلاة) عن مُحَمَّد بن مثنَّى ومُحَمَّد بن بَشَّار به، دون الزيادة، والله أعلم.

(1/6684)

[حديث: كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان]

3554# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، ولقبه عبدان، ولماذا لُقِّبَ به، و (عَبْدُ اللهِ) بعده: هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود.

قوله: (وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ): (أجود) الثانية: مرفوعةٌ بلا خلاف، والتي فيها الخلاف: (وكان أجود ما يكون في رمضان)، تَقَدَّمَ الكلام عليها في أوَّل هذا التعليق، والأجود فيها الرفع، أو أنَّه لا يجوز النصبُ؛ فانظر ذلك إنْ أردته.

==========

[ج 1 ص 927]

(1/6685)

[حديث: ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة .. ]

3555# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، و (ابْن شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ.

قوله: (تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ): (تَبرُق): بضَمِّ الراء، وفتح أوَّله، و (الأساير): بفتح الهمزة، ثُمَّ سين مهملة، وبعد الألف راءان _الأولى مكسورة_ بينهما مُثَنَّاة تحت ساكنة، وهي الخطوط التي [1] في الجبهة وتَكَسُّرُها، واحدها: سِرٌّ وسرر، والجمع: أسرار، وأسارير: جمع الجمع.

قوله: (مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ): هو مُجَزِّز؛ بضَمِّ الميم، وفتح الجيم، وزايَين معجمتين؛ الأولى مكسورة، وابن جُرَيجٍ يفتحها، والصواب الكسرُ؛ لأنَّه جَزَّ نواصي أسارى من العرب، وهو مُجَزِّز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عُتوارة بن عمرو بن مُدْلِج الكِنانيُّ المُدْلِجيُّ.

فائدةٌ: هذا مُجَزِّز قد روى عنه النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قولَه هذا، وقد روى عليه الصَّلاة والسَّلام عن تميمٍ الداريِّ حديثَ الجسَّاسة والدَّجَّال في «مسلم»، وقد روى عليه الصَّلاة والسَّلام عن امرأةٍ قصَّةً، كما مرَّ بي في «مسند أحمد»، ولا تحضرني الآن، فهؤلاء ثلاثةٌ روى عليه الصَّلاة والسَّلام عنهم.

قوله: (لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا): اعلم أنَّ زيدًا كان أبيضَ قصيرًا، وقيل: بين البياض والسواد، وكان أسامةُ أسودَ طويلًا، فكان بعض المنافقين يقع في نسبه؛ قصدَ المغايظة والإيذاء، فدفع الله ذلك وله الحمدُ، ومسألة القيافة مسألةٌ معروفةٌ [2] مختَلَف في العمل بها، والصحيح: جواز العمل بها.

(1/6686)

[حديث كعب: كان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر]

3556# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، وأنَّ (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، هو ابن خالد، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

[ج 1 ص 927]

قوله: (يَبْرُقُ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه بفتح أوَّله، وضمِّ الراء.

قوله: (إِذَا سُرَّ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

(1/6687)

[حديث: بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا]

3557# قوله: (عَنْ عَمْرٍو): هذا هو عَمرو بن أبي عَمرٍو ميسرةَ، مولى المُطَّلِب بن عبد الله بن حنطب [1]، عن أنس، وأبي سعيد المقبريِّ، وسعيد بن جُبَيرٍ، وطائفةٍ، وعنه: يزيد بن عبد الله بن الهادي، ومالكٌ، ويعقوب بن عبد الرَّحْمَن الإسكندرانيُّ، وآخرون، قال أحمد: ليس به بأسٌ، وقال ابن معين: ليس بالقويِّ، وقال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو زرعة: ثقة، قال ابن سعد: تُوُفِّيَ في أوَّل خلافة المنصور، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (بُعِثَ [2] مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ): (بُعِث): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (القرن): فيه أقوالٌ سأذكرها في (فضائل الصَّحَابة) في قوله: «خيركم قرني».

==========

[1] في (ب): (حظب)، وهو تحريفٌ.

[2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (بُعِثتُ).

[ج 1 ص 928]

(1/6688)

[حديث: أن رسول الله كان يسدل شعره]

3558# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْر): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف مرارًا، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وكذا (اللَّيْث): أنَّه ابن سعد، وكذا (يُونُس): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا (ابْن شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، وكذا (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ)؛ يعني: ابن عتبة بن مسعود.

قوله: (كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ): هو بفتح أوَّله _ثُلاثيٌّ_ وضمِّ الدال، كذا في «صحاح الجوهريِّ»، وفي أصلنا هنا بكسر الدال، وضبطه في أصلنا بالقلم في (باب الفرق) بالضَّمِّ، وقال شيخنا في (الفرق): إنَّه بالضَّمِّ، وإنَّ ابن التين قال: قرأته بكسر الدال، انتهى.

و (السدل): قال ابن قرقول: (إرسال الشعر على الوجه من غير تفريق، وكذلك السدل في الصلاة: هو إرخاء الثوب على المنكبين إلى الأرض دون أنْ يضمَّ جوانبه، وهو جائزٌ عند مالكٍ إنْ كان عليه ثوبٌ غيرُه؛ إزارٌ أو قميصٌ) انتهى.

قوله: (وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ [1]): هو بالتخفيف أشهر، فإذا خفَّفتَ؛ ضممتَ الراء، وقد شدَّها بعضهم، فإذا شددتَ؛ كسرتَ الراء، (وحكى بعضهم الضمَّ والكسرَ وأطلق) [2]، و (الفرْق): بالسكون، وقد انفرق شعره: انقسم في مَفرَقه؛ وهو وسط رأسه، وأصله: الفرق بين الشيئين، و (المَفرَق): مكان فرق الشعر من الجبين إلى دائرة وسط الرأس، يقال: بفتح الراء والميم وكسرهما، وكذلك مفرق الطريق.

قوله: (يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ): هذا كان في أوَّل الأمر، ثُمَّ أحبَّ مخالفتهم، وهذا مَعْرُوفٌ جَلِيٌّ، وقد جاء به نصٌّ، وهذا يُعرَف من قوله [3]: (ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم).

(1/6689)

[حديث: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا]

3559# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، ولِمَ قيل له: عبدان، وهو لقبه، و (أَبُو حَمْزَةَ): بالحاء [1] والزاي، تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن ميمون السُّكريُّ، وتَقَدَّمَ أنَّمَا قيل له: السُّكريُّ؛ لحلاوة كلامه، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَش): أنَّه سليمان بن [2] مِهران، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة.

قوله: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا): قال ابن عرفة: الفاحش: ذو الفُحْش في كلامه، والمتفحِّش: الذي يتكلَّف ذلك ويتعمَّده، وقال الطَّبَريُّ: الفاحش: البذيء الذي يأتي الفاحشة المَنْهيَّ عنها.

==========

[1] زيد في (ب): (المهملة).

[2] (بن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 928]

(1/6690)

[حديث: ما خير رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما]

3560# قوله: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: (خُيِّرَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، قال النَّوويُّ: فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حرامًا أو مكروهًا، قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون تخييره صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هنا من الله تعالى، فيخيِّره [في] ما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفَّار من القتال وأخذ الجزية، أو في حقِّ أمَّته في المجاهدة والعبادة أو الاقتصاد، وكان يختار الأيسرَ في كلِّ هذا، قال: وأمَّا قولها: (ما لم يكن إثمًا)؛ فيُتَصوَّر إذا خيَّره الكفَّار والمنافقون، فأمَّا إذا كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين؛ فيكون الاستثناء منقطعًا، انتهى.

قوله: (إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله): (تُنْتَهك): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (حرمةُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

==========

[ج 1 ص 928]

(1/6691)

[حديث: ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف النبي]

3561# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد بن درهم الأزديُّ، أبو إسماعيل البصريُّ، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ ما إذا أُطلِق (حَمَّاد)؛ فإنْ كان الذي أطلقه سليمان بن حرب _ كهذا_ أو مُحَمَّد بن الفضل عَارم؛ فهو ابن زيد، وإنْ كان موسى بن إسماعيل التَّبُوذكيُّ أو عفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فإنَّه يكون ابنَ سلمة، وكذا إذا أطلقه هدَّاب [1]، و (ثَابِت) بعده: هو ابن أسلم البُنَانيُّ، أبو مُحَمَّد البصريُّ، مشهورٌ جدًّا.

قوله: (مَا مَسِسْتُ): هو بكسر السين الأولى، يقال: مَسِست الشيء؛ بالكسر، أمَسُّه؛ بفتح الميم، مسًّا، هذه اللُّغة الفصيحة، وحَكى أبو عبيدة: مسَست الشيء؛ بفتح السين، أمُسُّه؛ بضَمِّ الميم، وربَّما قالوا: مِسْت الشيءَ؛ يحذفون السين الأولى، ويحوِّلون كسرتها إلى الميم، ومنهم مَن لا يحوِّل، ويترك الميمَ على حالها مفتوحةً، والله أعلم.

قوله: (وَلاَ دِيبَاجًا): تَقَدَّمَ الكلام على (الديباج) وجمعِه؛ فراجعه.

قوله: (وَلاَ شَمِمْتُ): هو بكسر الميم الأولى في الماضي، أشَمُّ؛ بفتح الشين في المستقبل، شمًّا وشميمًا، وشمَمتُ؛ بفتح الميم الأولى، أشُمُّ؛ بضَمِّ الشين، لغةٌ.

قوله: (أَوْ عَرْفًا): (العَرْف)؛ بفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان الراء، وبالفاء: ريح الطِّيب [2]، و (أو): شكٌّ من الراوي؛ هل قال أنسٌ أو مَن دونَه: (ريحًا) أو (عَرْفًا)؟ وكذا الثانية.

==========

[1] زيد في (ب): (قوله).

[2] في (ب): (طيب).

[ج 1 ص 928]

(1/6692)

[حديث: كان النبي أشد حياءً من العذراء في خدرها]

3562# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (يحيى) هذا: هو ابن سعيد القَطَّان الحافظ.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ): (عُتْبَة): بضَمِّ العين المُهْمَلَة، وإسكان المُثَنَّاة فوق، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، و (عبد الله): هو مولى أنس بن مالك، يروي عن أنس، وعائشة، وأبي الدرداء، وأبي أيُّوب، وغيرِهم، وعنه: ابن جدعان، وحُمَيدٌ الطويل، وثابتٌ البنانيُّ، وهو بصريٌّ صدوق، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وابن ماجه، ذكره ابن حِبَّانَ في «ثقاته»، تَقَدَّمَ ذكره في (العيدين) وتُرجِم، و (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، مُتَرْجَمًا.

قوله: (مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا): (العذراء): بالمدِّ، وهي البكر، و (الخِدر)؛ بكسر الخاء المُعْجَمَة: الستر يكون للجارية البكر في ناحية البيت، ويقال: الخِدر: سريرٌ عليه ستر، وقيل: الخِدر: البيت نفسُه.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار.

قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ): أمَّا (يحيى)؛ فهو ابن سعيد القَطَّان، وأمَّا (ابن مهديٍّ)؛ فعبد الرَّحْمَن، الإمامان الحافظان المشهوران.

قوله: (قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ): أي: بالسند الذي تَقَدَّمَ، وهو: شعبة، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عُتْبَة، عن أبي سعيد، وزادا: (وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا؛ عُرِفَ فِي وَجْهِهِ)، و (عُرِف): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

==========

[1] (الخُدْرِي): ليس في (ب).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

(1/6693)

[حديث: ما عاب النبي طعامًا قط إن اشتهاه أكله]

3563# قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ [1] القارئ، و (أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالحاء، وأنَّ اسمه سلمان، مولى عزَّة الأشجعيَّة.

قوله: (قَطُّ): تَقَدَّمَ لُغاتُها في أوَّل هذا التعليق.

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[ج 1 ص 929]

(1/6694)

[حديث: كان النبي إذا سجد فرج بين يديه حتى نرى إبطيه]

3564# قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، و (عَبْد اللهِ بْن مَالِكٍ ابْن بُحَيْنَةَ) الصَّحَابيُّ: تَقَدَّمَ، وأنَّ (مالكًا) أبوه، و (بُحَينة) _وتَقَدَّمَ ضبطها_ أمُّه، وأنَّه يُقرَأ (مالكٍ) بالتنوين، وتُكتَب (ابن) بعده بالألف، وهو تابعٌ لعبد الله، وتَقَدَّمَ الكلام في مالكٍ [1]، ومَن عدَّه صحابيًّا، وأنَّ الصحيح: أنَّه لا يُعرَف له صحبة، بل ولا إسلام _والله أعلم_، في (الصلاة).

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ [2]): تَقَدَّمَ الكلام على (مالك)، وكلام الدِّمْيَاطيِّ فيه في (الصلاة)، و (مالكٍ) هنا: مجرورٌ مُنَوَّن، و (ابن) بعده: بالألف، و (ابن): مجرورٌ، وقد تَقَدَّمَ ضبط (بُحَينة)، وأنَّها أمُّ عبد الله، ومالكٌ أبوه، فهو منسوبٌ لأبيه وأمِّه، فإذا قرأتَ (مالكًا) بالجرِّ من غير تنوينٍ [3]؛ بقيت (بُحَينة) _وهي امرأة مالكٍ_ أمَّه.

قوله: (الأَسْدِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه بإسكان السين، وأنَّه أزديٌّ، وأنَّه يقال: الأزْد والأَسْد للقبيلة، وأنَّه قد نصَّ على السكون فيه غيرُ واحد؛ منهم أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ في «تقييده»، ورأيته في نسخةٍ بـ «البُخاريِّ» مفتوحَ السين بالقلم، وهو خطأٌ؛ فاحذره.

قوله: (وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ ... ) إلى آخره: أمَّا (ابن بُكَيْر)؛ فهو يحيى ابن بُكَيْر شيخ البُخاريِّ، تَقَدَّمَ، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وقد تَقَدَّمَ أنَّه إذا قال البُخاريُّ: (قال فلان) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وحديث يحيى ابن بُكَيْر أخرجه البُخاريُّ في (الصلاة) عن يحيى ابن بُكَيْر هذا، عن بكر بن مضر به، وأخرجه عن قُتَيْبَة هنا عن بكر بن مضر به، وأخرجه مسلم في (الصلاة) عن قُتَيْبَة به، وعن عَمرو بن سوَّاد، عن ابن وهب، عن عَمرو بن الحارث والليث بن سعد؛ كلاهما عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج به، وأخرجه النَّسائيُّ عن قُتَيْبَة به.

قوله: (بَيَاضَ إِبْطَيْهِ): تَقَدَّمَ الكلام على بياض إبطه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأنَّه من خصائصه، وأنَّ غيره إبطُه أسود؛ لمكان الشَّعر.

==========

[1] في (ب): (ذلك).

[2] في هامش (ق): (نسبة إلى الأَسْد؛ بسكون السين، ويقال: بالزاي، منهم عبد الله هذا، وابن اللُّتبية واسمه أيضًا عبد الله، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وغيرُهم، وقليلٌ ما يجيء نسبهم كذلك، والغالب مجيئه بالزاي).

[3] في (ب): (بالجرِّ وتنوينٍ)، وليس بصحيح.

[ج 1 ص 929]

(1/6695)

[حديث: أن رسول الله كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه]

3565# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي النَّضْر، تَقَدَّمَ.

قوله: (لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاِسْتِسْقَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه لا بدَّ من تأويله بأنَّه لَمْ يرَه، أو أنَّه لَمْ يرفع الرفع البالغ؛ للأحاديث التي صحَّت في رفع اليدين في الدعاء في «البُخاريِّ»، و «مسلمٍ»، وغيرهما، وقد أوَّلته أنا بتأويل ذكرته في مكانه من (الاستسقاء)؛ فانظره.

قوله: (حَتَّى نَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ): (نَرى): بالنون المفتوحة والراء، والفاعل [1]، و (بياضَ): مَنْصُوبٌ مفعول، و (يُرَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (بياضُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل [2]، وقد تَقَدَّمَ أنَّ بياض إبطه من علامات نبوَّته، كما ذكره أبو نُعَيم الحافظ؛ لأنَّ غيره أسود الإبط؛ لمكان الشَّعر.

==========

[1] زيد في (ب): (مستتر).

[2] كذا في (ق) أيضًا بالضبطين معًا، ورواية «اليونينيَّة» هذه الثانية فقط.

[ج 1 ص 929]

(1/6696)

[حديث: دفعت إلى النبي وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة]

3566# قوله: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الغين المُعْجَمَة، وفتح الواو.

قوله: (سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ): تَقَدَّمَ ضبط (أبي جُحَيْفَة)، وأنَّه بضَمِّ الجيم، ثُمَّ حاء مهملة مفتوحة، ثُمَّ [1] مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وأنَّه وَهْب بن عبد الله السُّوائيُّ.

قوله: (دُفِعْتُ): هو بضَمِّ الدال، وكسر الفاء، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله [2]: (وَهْوَ بِالأَبْطَحِ): (الأبطح): يضاف إلى مكَّة ومِنًى؛ لأنَّه واحدٌ، لكنَّه إلى مِنًى أقرب، وهو المُحَصَّب، وهو خِيف بني كنانة، وزعم بعضهم أنَّه ذو طُوى، وليس كذلك، قال الخليل: كلُّ مسيلٍ فيه دقاق حصًى؛ فهو أبطح، قال ابن دريد: الأبطح والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، قال أبو زيد: الأبطح: أثر المسيل ضيِّقًا كان أو واسعًا، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (بِالْهَاجِرَةِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّها نصف النهار، وكذا قوله: (وَضُوءِ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الواو الماءُ، ويجوز الضمُّ، وكذا تَقَدَّمَت (الْعَنَزَةَ) ضبطًا ومعنًى، وأنَّها شبه العكَّازة، عصًا في أسفلها زُجٌّ من حديد، وكذا (الوَبِيْص)، وأنَّه بفتح الواو، وكسر المُوَحَّدة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ صاد مهملة، وأنَّه البريق واللمعان.

==========

[1] في (أ): (من)، وهو تحريفٌ.

[2] (قوله): سقط من (ب).

[ج 1 ص 929]

(1/6697)

[حديث: أن النبي كان يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه]

3567# قوله: (حَدَّثَنَا [1] الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ [2] الْبَزَّارُ): هو بزاي، وفي آخره راء، وهو حافظٌ مشهورٌ، ونسبته هذه إلى عمل بزر الكَتَّان زيتًا بلُغَة البغداديِّين، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن [3] عُيَيْنَة، الإمام المشهور.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (صبَّاحٍ).

[3] (بن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 929]

(1/6698)

[معلق الليث: ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي]

3568# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): أمَّا (الليث)؛ فهو ابن سعد، الإمام الجواد، و (يونس): هو ابن يزيد الأيليُّ، تَقَدَّمَ مرارًا، و (الزُّهْرِيُّ): هو مُحَمَّد بن مسلم الإمام، وهذا تعليقٌ مجزومٌ به، وأخرجه مسلم في (فضائل أبي هريرة) عن حرملة، وأبو داود في (العلم) عن سليمان بن داود؛ كلاهما عن ابن وَهْبٍ، عن يونس به.

قوله: (أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو فُلَانٍ): كذا مصحَّح عليه، وفي نسخة: (أبا فلان)، و (أبو فلان): هو أبو هريرة كما في «صحيح مسلم» في (فضائل أبي هريرة)، و (يُعجبك): بضَمِّ أوَّله، و (أبو هريرة): فاعل، وعلى تلك النسخة (أبا)؛ فالظاهر أنَّها على لغة القصر، والله أعلم، ورُوِيَ: (نُعَجِّبك)؛ بالنون المضمومة؛ أي: نريك العجب، والمراد: شأنه وأمره.

قوله: (وَكُنْتُ أُسَبِّحُ): الظاهر أنَّه أصلِّي النافلة، وقد تَقَدَّمَ لِمَ سُمِّيَت سُبحة.

قوله: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إنَّ): بكسر الهمزة، وكسرها معروف؛ لأنَّها ابتدائيَّة.

(1/6699)

[باب: كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه]

قوله: (بَابٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ): اعلم أنَّ من خصائصه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه [1] تنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء صلوات الله وَسَلامه علَيْهم [2]، كما أخرجه البُخاريُّ في «صحيحه» في حديث الإسراء، وسيأتي قريبًا في هذا الباب.

قوله: (رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ميناء): تَقَدَّمَ أنَّه يُمَدُّ ويُقصَر، وهذا قد أخرجه البُخاريُّ في (الاعتصام) عن مُحَمَّد بن عَبَادة، عن يزيد بن هارون، عن سَلِيم بن حيَّان، عن سعيد بن ميناء به، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (أن).

[2] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).

[ج 1 ص 930]

(1/6700)

[حديث: تنام عيني ولا ينام قلبي]

3569# قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

==========

[ج 1 ص 930]

(1/6701)

[حديث أنس: جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه]

3570# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا ابن أبي أويسٍ عبدِ الله، ابن أخت مالكٍ الإمامِ المجتهدِ، وتَقَدَّمَ أنَّ أخاه اسمه عبد الحميد بن أبي أويس، وأنَّه ابن أخت مالكٍ أيضًا، وقد تَقَدَّمَت ترجمته، وما قاله فيه بعض أهل الجرح، ولا يصحُّ عنه، و (سُلَيْمَان): تَقَدَّمَ أنَّه ابن بلال، أبو مُحَمَّد، مولى أبي بكر، ثقةٌ مشهورٌ.

قوله: (عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ليلة): بالنصب وبالجرِّ [1] أيضًا، و (أُسرِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (جَاءَهُ [2] ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ): اعلم أنَّ (شريكًا) هذا المذكورَ في سند هذا الحديث تابعيٌّ صدوقٌ، قال ابن معين: لا بأس به، وقال هو والنَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، وقال أبو داود: ثقةٌ، وقال ابن عديٍّ: روى عنه مالكٌ، فإذا روى عنه ثقةٌ؛ فإنَّه ثقةٌ، وهَّاه ابن حزم أبو مُحَمَّد الحافظُ الظاهريُّ لأجل حديثه في الإسراء هذا، له ترجمةٌ في «الميزان».

له في حديث الإسراء أوهامٌ أنكرها عليه العلماء، وقد نبَّه مسلمٌ على ذلك بقوله: فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص، ومن الأوهام _وسأذكر الكلام على بعض أوهامه في هذا الحديث في أواخر الكتاب في (كتاب التوحيد) _ قولُه [3]: (قبل أن يُوحَى إليه)، وهذا غلطٌ لَمْ يُوافَق عليه، فإنَّ الإسراءَ أقلُّ ما قيل: إنَّه بعد مبعثه بخمسةَ عشرَ شهرًا، وقد تَقَدَّمَ الكلام في تاريخه في أوَّل (الصلاة)؛ فانظره، وممَّا يوضح لك وَهم شريك في ذلك: أنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل أنْ يُوحَى إليه؟! والله أعلم.

وقال ابن إمام الجوزيَّة بعد أنْ ذكر أنَّ هذا من وَهم شريك: وقيل: كان هذا إسراءُ المنام قبل الوحي، وأمَّا إسراء اليقظة؛ فبعد النبوَّة، وقيل: إنَّ الوحيَ ههنا مقيَّدٌ، وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوَّة، والمراد: قبل أنْ يُوحَى إليه [4] في شأن الإسراء، فأُسرِي به فجأةً من غير تَقَدُّمِ إعلامٍ، والله أعلم.

قوله: (ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ): (عَرَجَ): بالحركات المفتوحات؛ أي: جبريل، و (عَرَج): لازمٌ لا يُبنَى منه، والله أعلم.

(1/6702)

[باب علامات النبوة في الإسلام]

(بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ) ... إلى (بَاب فَضَائِل أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

اعلم أنَّ هذا الباب ذكر فيه البُخاريُّ ما تيسَّر له من معجزاته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد أهمل منها كَثِيرًا على شرطه، وكثيرًا ممَّا ذكره في أماكن أُخَرَ، وكثيرًا ممَّا ليس على شرطه، والذي ظهر لي: أنَّ العلاماتِ أعمُّ من المعجزات؛ إذ قد ذُكِر في العلامات: شقُّ الصدر عند ظئره وهو غلامٌ، وتسليم الحَجَر عليه الذي بمكَّة قبل المبعث، والمعجزاتُ أخصُّ؛ لأنَّه لَمْ يُذكَر فيها إلَّا الخوارق بعد النبوَّة، والله أعلم، ويحتمل أنَّه أراد المعجزات؛ لقوله [1]: (في الإسلام)، ومعنى (علامات النبوَّة): دلائل النبوَّة، والله أعلم.

ومعجزاته لا تُحصَى ولا تُحصَر، ومنها القرآن العظيم، وانظر القاضي عياضًا في «الشفا» كم ذكر فيه من المعجزات، فإنَّه ذكر فيه معجزاتٍ كثيرةً جدًّا، وقد ذكر شيخنا الشارح في «خصائصه» _فيما قرأت عليه في الرحلة الأولى البعضَ، وقرأتها عليه من أوَّلها إلى آخرها في الرحلة الثانية عن الزاهديِّ مختارِ بن محمود الحنفيِّ، شارح «القدوريِّ» ومصنِّف «الغُنيَة» _ ما لفظه: قيل: ظهر على يد نبيِّنا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألفُ معجزةٍ، وقيل: ثلاثة آلافٍ، انتهى، ولعلَّ هذا غيرُ المعجزات التي في القرآن، ويدلُّ لذلك قوله: (على يده)، مع ما في هذا الكلام من النَّظر [2]، (وقد ذكر النَّوويُّ في خطبة «شرح مسلم» لمَّا ذكر معجزة القرآن؛ قال: وللمصطفى معجزاتٌ أُخَرُ زائداتٌ على الآلاف [3] والمئين) [4].

وقد ذكر شيخنا في هذا الشرح قال: وذكر بعض أهل العلم فيما ذكره البيهقيُّ في «المدخل إلى [5] الدلائل»: أنَّها تبلغ ألفًا، وذكر شيخنا منها بعضًا يسيرًا، والله أعلم.

(1/6703)

[حديث: يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا؟]

3571# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، تَقَدَّمَ.

قوله: (حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ): (سَلْم): بفتح السين المُهْمَلَة، وإسكان اللام، و (زَرِيْر): بفتح الزاي، وكسر الراء، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، كنية سَلْم: أبو يونس العطارديُّ، عن أبي رجاء ويزيد بن أبي مريم، وعنه: حبَّان وأبو الوليد، له عشرة أحاديثَ [1]، وثَّقهُ أبو حاتم، وضعَّفه ابن معين، كذا في «الكاشف»: أنَّ له عشرة أحاديث، وقال في ترجمته في «الميزان»: له ثمانيةَ عشرَ حديثًا، وزاد على ما هنا: أنَّ أبا داود والنَّسائيَّ قالا: ليس بالقويِّ، انتهى، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وقال في «التذهيب»: له في الكتب ثلاثةُ أحاديثَ، بقي إلى حدود الستين ومئة، انتهى [2].

قوله: (أَخْبَرنَا أَبُو [3] رَجَاءٍ): (أبو رجاء) هذا: هو عِمران بن ملحان، وقيل في اسمه غير ذلك، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (فَأَدْلَجُوا): تَقَدَّمَ الكلام على (أدلج) و (ادَّلج)، و (أدْلج): سار بلَيلٍ، وهل بينهما فرقٌ أم لا.

قوله: (عَرَّسُوا): تَقَدَّمَ أنَّ (التعريس): النزول من آخر الليل، وقيل: أيَّ وقتٍ كان، قاله الخليل.

[ج 1 ص 930]

قوله: (فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ): تَقَدَّمَ كلام ابن العربيِّ [4] القاضي أبي بكرٍ في تكرُّر هذه الواقعة، وكذا النَّوويُّ: أنَّه اتَّفق له في سفرتين أو أسفار، وذكرت كلام ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظِ شمسِ الدين: أنَّ ذلك لَمْ يتَّفق إلَّا مَرَّةً واحدةً، ورَدَّ الأحاديثَ إلى حديثٍ واحدٍ؛ فانظره في (التيمُّم)، وكذا قال أبو عُمر ابن عَبْدِ البَرِّ.

قوله: (وَكَانَ لاَ يُوقَظُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (يُوقَظ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ): قال الدِّمْيَاطيُّ ما لفظه: حديث سَلْم بن زَرِير رواه مسلمٌ من حديث عبيد الله بن عبد المجيد عنه، وفيه: أنَّ الذي كبَّر ورفع صوته عُمرُ، لا أبو بكر، وكذلك رواه البُخاريُّ في (التيمُّم) ومسلمٌ في (الصلاة) من حديث عوفٍ عن أبي رجاءٍ عِمران بن ملحان، وقيل: ابن تيم، وفيه: أنَّ عُمر كان رجلًا جليدًا، فكبَّر ورفع صوته بالتكبير حتَّى استيقظ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى.

قوله: (فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا): هذا الرجل لا أعرفه.

قوله: (وَجَعَلَنِي النَّبِيُّ [5] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ): كذا رُوِيَ، وقال بعضهم: وصوابه: عجَّلني؛ أي: أمرني بالعجلة، وكذا رواه مسلمٌ من حديث سَلْم بن زَرِير: (ثُمَّ عجَّلني في ركب بين يديه؛ لطلب الماء وقد عطشنا) انتهى.

(1/6704)

قوله: (فِي رَكُوبٍ): هو بفتح الراء، قيَّدَه الأصيليُّ وعُبدوس، وقال بعضهم: صوابه: (رُكوب)؛ بضَمِّ الراء، جمع «راكب»؛ كشهود، أو أركوب؛ لأنَّه هنا على الجمع، لا على الواحد، قاله ابن قرقول، والرَّكوب _بفتح الراء_ والرَّكوبة _بالتاء_: التي تُركَب من الإبل، أو الرَّكوب [6]: المركوبة، والرَّكوبة: المُعَيَّنة للركوب، واللازمة للعمل من الدوابِّ.

قوله: (إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ): هذه المرأة لا أعرف اسمها، وقد أسلمت، وقد تَقَدَّمَ ذلك.

قوله: (سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا): أي: مرسلتهما على جَمَلها، ويُروَى: (سابلة)، وعربيَّته: مسبلة، قاله ابن قرقول.

قوله: (بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ): قيل: المزادة: ما زيد فيه جلدٌ ثالث بين جلدين؛ ليتَّسع، وقيل: هي القِربة الكبيرة التي تُحمَل على الدابَّة، سُمِّيَت من الزيادة فيها من غيرها، (مَفْعَلة) من ذلك، وهو من معنى الأوَّل، وهي الراوية [7] بعينها، قاله ابن قرقول، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (مُؤْتِمَةٌ): هو بضَمِّ الميم، ثُمَّ همزة ساكنة، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق مكسورة، ثُمَّ ميم، ثُمَّ تاء التأنيث؛ أي: ذات أيتام.

قوله: (فِي الْعَزْلَاوَيْنِ): (العزْلَاوَانِ): واحدهما: عزلاء، وجمعها: عزالي؛ بكسر اللام وفتحها، و (العزلاء): فم المزادة الذي من أسفل.

قوله: (وَإِدَاوَةٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (الإداوة) بكسر الهمزة، وهي إناءٌ من جلد كالسطيحة، وجمعها: أداوى.

قوله: (تَبِضُّ [8]): كذا في أصلنا: بالموحَّدة وبالضاد المُعْجَمَة المُشَدَّدة، فيما يظهر لي، يُقال: بضَّ الماء؛ إذا سال قليلًا قليلًا، وسيأتي ما [9] في هامش أصلنا، وقال ابن الأثير في (النون مع الضاد المُعْجَمَة): (تَنِضُّ من المِلْءِ)؛ أي: تنشقُّ ويخرج منها الماءُ، نضَّ الماء من العين؛ إذا نبع، وقال أيضًا في (صَرر) _يعني: بالصاد المُهْمَلَة، والراء المكرَّرة_ ما لفظه: وفي حديث عمران بن حُصَين: (تكاد تنصرُّ من المِلْءِ)؛ كأنَّه من صررتُه؛ إذا شددتَه، هكذا جاء في بعض الطرق، والمعروف: تنضرج؛ أي: تنشقُّ، انتهى.

وفي هامش أصلنا الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ حاشية، ولفظها: (تنضُّ)؛ بالنون؛ أي: تنشقُّ ويخرج منها الماء، يقال: نضَّ الماء من العين: نبع، قال ابن سيده: نضَّ الماء ينِضُّ نضًّا: سال، ونضَّ الماء ينِضُّ نضًّا ونضيضًا: خرج رَشْحًا، وفي نسخة السمساتيَّة [10]: (تنصَرُّ)، ومن رواية أبي الهيثم: (تنصبُّ) انتهى.

وقال ابن قرقول: (تنضرج)؛ بالنون في «مسلم»، وبعض رواته يقولون: (تتضرَّجُ) [11]، وعند الأصيليِّ: (تنصَرُّ)؛ براء مُشَدَّدة، وعند القابسيِّ نحوُه في تعليقٍ عنه؛ ومعناه: تنشقُّ، من صير الباب، وهذا التعليق يدلُّ على أنَّ عنده بصاد مهملة، وعند ابن السكن: (تنضر)، والأصوب: (تنضرج) انتهى.

قوله: (مِنَ الْمِلْءِ): هو بكسر الميم، مهموز الآخر، و (المِلء)؛ بكسر الميم، وبالهمز في آخره: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، وأمَّا بفتح الميم، وبالهمز [12] في آخره؛ فالمصدر، والله أعلم.

(1/6705)

قوله: (فَجُمِعَ لَهَا): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ

قوله: (مِنَ الْكِسَرِ): هو بكسر الكاف، وفتح السين، جمع (كسرة).

قوله: (الصِّرْمَ): هو بكسر الصاد المُهْمَلَة، وإسكان الراء، ثُمَّ ميم، وهي القطعة من الناس ينزلون على الماء بأهليهم، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[1] (أحاديث): سقط من (ب).

[2] (انتهى): ليس في (ب).

[3] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (سمعتُ أبا).

[4] في (ب): (كلام المغربي).

[5] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولُ اللهِ).

[6] في (ب): (الحركوب)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (الرواية)، وهو تحريفٌ.

[8] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (تَنِضُّ).

[9] (ما): سقط من (ب).

[10] في هامش (أ): (صوابه: السُّمَيساطيَّة)، وفي (ب): (الشميساطية)، وفي هامش (ق) المنقول عنه: (الشميصاتية).

[11] في (ب): (تنضرج)، وهو تصحيفٌ.

[12] في (ب): (والهمزة).

(1/6706)

[حديث: أتي النبي بإناء وهو بالزوراء]

3572# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ ما (البُنْدار)، وتَقَدَّمَ (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): أنَّه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ البصريُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (سَعِيد): تَقَدَّمَ أنَّه سعيد بن أبي عروبة، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.

قوله: (وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ): تَقَدَّمَ أنَّها [2] بفتح الزاي، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ راء، ثُمَّ همزة ممدودة، وهو موضعٌ عند سوق المدينة قرب المسجد، وقال الداوديُّ: هو مرتفع كالمنارة، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ): (يَنْبُعُ): بتثليث المُوَحَّدة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ هذا اتَّفق له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم _وهو نبع الماء من بين أصابعه_ مَرَّاتٍ، وذكرت كلام ابن حِبَّانَ في ذلك في (الوضوء)، وأنَّ هذا النبع كان من نفس الأصابع، أو من بينها، وأنَّ الصحيح: أنَّه من نفس الأصابع.

قوله: (أَوْ زُهَاءَ): هو بضَمِّ الزاي، ممدود الآخر؛ أي: قَدْر، يُقال: هم زُهاء ثلاث مئة، ولُهاء ثلاث مئة؛ أي: قَدْر.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (أنَّه).

[ج 1 ص 931]

(1/6707)

[حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر]

3573# قوله: (الْوَضُوءُ): هو بفتح الواو، وهو الماء، وتَقَدَّمَ أنَّه يجوز ضمُّها مُطَوَّلًا، وكذا (بِوَضُوءٍ) بعد هذه.

قوله: (فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رَسُولُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

==========

[ج 1 ص 931]

(1/6708)

[حديث: خرج النبي في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه]

3574# قوله: (حَدَّثَنَا حَزْمٌ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الزاي، وبالميم، وهو حَزْم بن أبي حَزْم مِهرانَ القُطَعيُّ، عن الحسن ومعاوية بن قرَّة، وعنه: أبو الوليد، ولُوَيْن، وأحمد بن المقدام، ثقةٌ مُسِنٌّ، تُوُفِّيَ سنة (175 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، وثَّقهُ أحمد وابن معين، انفرد بالإخراج له البُخاريُّ، والله أعلم.

[ج 1 ص 931]

قوله: (عَنِ [1] الحَسَنِ): هو الحسن بن أبي الحسن البصريُّ، واسم أبي الحسن يسارٌ [2]، العالم المشهور، أحد الأعلام.

قوله: (فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، وقال بعض الحُفَّاظ المصريِّين: إنَّه لَمْ يُسَمَّ، قال: ثُمَّ وجدت في (مسند الحارث بن أبي أسامة) من طريق شريك بن أبي نمرٍ عن أنس قال: (قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «انطلق إلى بيت أمِّ سلمة»، قال: فأتيته بقَدَح ماء؛ إمَّا ثلثه وإمَّا نصفه، فتوضَّأ، وفضلت فضلةٌ، وكثر الناس فقالوا: لم نقدر على الماء، فوضع يده في القَدَح، فتوضَّأ الناس ... )؛ الحديث، وأخرجه أبو نعيم في كتاب «دلائل النبوَّة» من هذا الوجه، انتهى.

==========

[1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (سَمِعْتُ).

[2] في (ب): (لسيار)، وهو تحريفٌ.

(1/6709)

[حديث: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار]

3575# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ): هو بضَمِّ الميم، وكسر النون، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَزِيدُ): هذا هو يزيد بن هارون، أبو خالد الواسطيُّ، ومَن اسمه (يزيد) ويروي عن حُمَيد عن أنس: يزيد بن زُرَيع، ويزيد بن هارون هذا، لا ثالثَ لهما في الكُتُب السِّتَّة، والله أعلم.

قوله: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

قوله: (بِمِخْضَبٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الخاء المُعْجَمَة، ثُمَّ ضاد معجمة أيضًا مفتوحة، ثُمَّ مُوَحَّدة، وهو شبه الإجَّانة؛ وهي القصريَّة يُغسَل فيها الثياب، قال أبو حاتم: هو المِرْكن، وقد تَقَدَّمَ بزيادة.

(1/6710)

[حديث: عطش الناس يوم الحديبية والنبي بين يديه]

3576# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ [1]، وتَقَدَّمَ لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ (حُصَيْنٌ): أنَّه بضَمِّ الحاء وفتح الصاد المُهْمَلَتين، وتَقَدَّمَ أنَّ الأسماءَ بالضَّمِّ، والكنى بالفتح، وهذا هو حُصَين بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيُّ، أبو الهُذيل الكوفيُّ.

قوله: (يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّها بالتخفيف والتشديد، وتَقَدَّمَ أنَّها في ذي القعدة سنة ستٍّ من الهجرة.

قوله: (فَجَهَشَ النَّاسُ): هو بالجيم والهاء والشين المُعْجَمَة المفتوحات، وفي أصلنا: الهاء أيضًا مكسورة بالقلم، وفي ذلك نظرٌ؛ أي: استقبلوه متهيِّئن للبكاء مستعدِّين له، وقيل: فزعين لَائِذِينَ به، وقال الطَّبَريُّ: فزعوا إليه، ورمَوه بأبصارهم مستغيثين، وفيه لُغَتان: جهشتُ وأجهشتُ؛ إذا تهيَّأتَ للبكاء، قال القاضي: ولا معنى ههنا لذكر البكاء، وإنَّما يأتي ههنا للمعاني الأُخَر.

قوله: (لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ [2] ... ) إلى قوله: (إلَّا [3] ما بَيْنَ يَدَيْكَ): (ماء) الأولى: ممدودة، والثانية: موصولة؛ أي: الذي، قال ابن قرقول: (ماء) الأولى: ممدود، كذا ضبطه الأصيليُّ، وعند غيره: (ما نتوضَّأ به)، ورأيت بخطِّ بعضهم: (ما) الأولى، قال فيها: قال القاضي: كذا لهم (ما)؛ مقصورة، وعند الأصيليِّ: (ماء)؛ ممدود، وله وجهٌ، والأوَّل أوجه، انتهى.

قوله: (في الرَّكْوَةِ): هي بفتح الراء وتُكسَر، وهي شبه تَوْر من أَدَم، قاله ابن قرقول.

قوله: (كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً): هذه القصَّة في الحديبية، وسأذكر خلافًا _هي روايات_ في عدد أهل الحديبية في (الحديبية)، والأكثر من [4] الروايات: أنَّهم كانوا أربعَ [5] عشرةَ مئة، والله أعلم، وستأتي هذه الرواية قريبًا جدًّا، وحاصل الروايات في عددهم سبعٌ: (ألفٌ وستُّ مئة)، (ألف وخمس مئةٍ وأربعون)، (ألف وخمس مئة وخمسةٌ وعشرون رجلًا)، (ألفٌ وخمس مئة)، (ألف وأربع مئة)، (ألف وثلاث مئة)، (سبع مئة رجلٍ)، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[2] زيد في (ب): (إلى آخره).

[3] (إلا): ليس في (ب).

[4] في (ب): (في).

[5] في النُّسْخَتَين: (أربعة)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[ج 1 ص 932]

(1/6711)

[حديث: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها]

3577# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو إسرائيل بن [1] يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عَمرِو بن عبد الله.

==========

[1] (بن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 932]

(1/6712)

[حديث: هلمي يا أم سليم ما عندك]

3578# قوله: (قَالَ أَبُو طَلْحَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (أبا طلحة): زيدُ بن سهل الأنصاريُّ رضي الله عنه [1]، وتَقَدَّمَ ببعض ترجمة، وتقدَّمت (أُمُّ سُلَيْمٍ)؛ بضَمِّ السين، وفتح اللام، أمُّ أنس بن مالك: أنَّها سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة، بنت ملحان، تَقَدَّمَ [2] بعض ترجمتها رضي الله عنها، وهي أمُّ أنس، وزوج أبي طلحة.

قوله: (مَا نُطْعِمُهُمْ): هو بضَمِّ النون، وهذا ظاهِرٌ هيِّن.

قوله: (هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ): كذا في أصلنا، وفي نسخة الدِّمْيَاطيِّ: (هَلُمَّ)، قال الدِّمْيَاطيُّ: (هَلُمِّي): لغةُ نجدٍ، والمختار لغة الحجاز، لا تؤنَّث ولا تُثنَّى ولا تُجمَع، وبها نزل القرآن، قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]، انتهى، وقد قَدَّمْتُ أنا الكلام على (هَلُمَّ) فيما مضى [3].

قوله: (فَفُتَّ): هو بضَمِّ الفاء الثانية، وتشديد المُثَنَّاة فوق، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَآدَمَتْهُ [4]): قال ابن قرقول: (فآدَمَته)؛ يعني: أمَّ سُلَيم، بمدِّ الهمزة، كذا أكثر ما ضبطناه قراءةً، ويقال أيضًا: أدْمته؛ مخفَّف الدال، مقصور الألف، لُغَتان، ثُلاثيٌّ ورُباعيٌّ، ورواه القنازعيُّ [5] في «المُوَطَّأ»: (فأدَّمَتْه)؛ بتشديد الدال، ووجهه: تكثير الإدام، انتهى، قال ابن الأثير: («تأدمته»؛ أي: خلطته، وجعلت فيه إدامًا يُؤكَل، يُقال فيه بالمدِّ والقصر، ورُوِي بتشديد الدال، على التكثير)، انتهى.

==========

[1] الترضية: ليس في (ب).

[2] في (ب): (تقدمت).

[3] زيد في (ب): (انتهى).

[4] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فأَدَمَتْهُ).

[5] في (ب): (القازعي)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 932]

(1/6713)

[حديث: حي على الطهور المبارك والبركة من الله]

3579# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (مُحَمَّد بن عبد الله بن الزُّبَير بن عُمر بن درهم الكوفيُّ، نُسِب إلى جدِّه) انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، تَقَدَّمَ مرارًا، و (مَنْصُور): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن المعتمر، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، الحَبْر المشهور.

قوله: (عَلَى الطَّهُورِ): تَقَدَّمَ أنَّه بالفتح؛ لأنَّه الماء، ويجوز فيه الضمُّ، وقد تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا، وكذا تَقَدَّمَ (يَنْبُعُ): أنَّه مثلَّث الباء قريبًا وبعيدًا، وكذا قوله: (مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ [1])؛ هل هو من نفس الأصابع _وهو الأصحُّ_ أو من تحتها، وقد قَدَّمْتُ أنَّه اتَّفق له عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك مَرَّاتٍ، وقال ابن حِبَّانَ: خمس مَرَّاتٍ؛ فانظر ذلك فإنَّه مطوَّل في مكانه في (الوضوء).

(1/6714)

[حديث جابر: أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم]

3580# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّمَ (زَكَرِيَّاء): أنَّه ابن أبي زائدة، و (عَامِرٌ) بعده: هو ابن شَراحيل الشَّعبيُّ؛ بفتح الشين، و (جَابِرٌ): هو ابن عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ، وقد قَدَّمْتُ كم في الصَّحَابة مَن اسمه (جابر)، وكم فيهم مَن اسمه (جابر بن عبد الله)، وهم أربعة بهذا، والله أعلم.

قوله: (أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ (أباه) عبدُ الله بن عَمرو بن حرام، وتُوُفِّيَ شهيدًا في أحُد، وهي في شوَّال سنة ثلاثٍ من الهجرة.

[ج 1 ص 932]

قوله: (تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا): تَقَدَّمَ أنَّ دَين أبيه كان ثلاثين وَسْقًا من تمر، وتَقَدَّمَ أنَّ (الوَسْق) ستُّون صاعًا [1].

قوله: (يُفْحِشَ): هو بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وفي أصلنا فيه ثلاثُ نُسَخٍ، ففي الأصل: (يَفْحُش)، وفي الهامش كما ضبطته أنا، وفيه أيضًا: (يَفْحَش)، والله أعلم.

قوله: (وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ): تَقَدَّمَ الكلام على الجمع بين الروايات التي جاءت في ذلك، وقال ابن شيخنا البُلْقينيِّ: إنَّ قصَّته هذه كانت مرَّتين، انتهى، وهذا الظاهِرُ، والله أعلم.

==========

[1] هذه الفقرة جاءت في النُّسْخَتَين متأخِّرة بعد قوله: (يفحش ... ).

(1/6715)

[حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: من كان عنده طعام اثنين .. ]

3581# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة، و (مُعْتَمِرٌ) بعده: هو ابن سليمان بن طرخان، تقدَّما، و (أَبُو عُثْمَانَ) هذا: هو النهديُّ عبد الرَّحْمَن بن مَلٍّ، تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى اللُّغَات في (مَلٍّ)، وهو تثليث الميم، ويقال: بفتح الميم، وإسكان اللام، ثُمَّ همزة.

قوله: (أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ): تَقَدَّمَ أنَّ في حديث أبي هريرة في «البُخاريِّ» و «مسلم»: (لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفَّة)، فظاهره أنَّهم زيادةٌ على السبعين، وذكرت أنَّ أبا نعيم ذكرهم في «الحلية» جريدة: مئة ونيِّفًا، وذكرت أنَّ الشيخ العارف شهابَ الدين السَّهْرَوَرْدِيَّ ذكرهم في أوَّل «معارفه»، فقال: كانوا نحو أربع مئة، والله أعلم.

وقد عُدَّ منهم: أبو هريرة وهو عريفهم، وأبو ذرٍّ، وواثلةُ بن الأسقع، وقيس بن طخفة الغفاريُّ.

قوله: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ؛ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا هو الصواب، وأنَّ ما رواه مسلم: (فليذهبْ بثلاثة)؛ خطأٌ، والله أعلم.

قوله: (وَأُمِّي): (أمُّ عبد الرَّحْمَن): هي أمُّ عائشة أمُّ رومان _بضَمِّ الراء وفتحها_ دعد، ويقال: زينب، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها في (الشهادات)، صحابيَّة جليلة رضي الله عنها.

قوله: (هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي): (امرأة عبد الرَّحْمَن): لا أعرفها، وكذا (خَادِمُهُ)، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ: امرأة عبد الرَّحْمَن هي أُمَيمة بنت عديِّ بن قيس بن حذافة السهميِّ، وهي أمُّ أكبر أولاده أبي عتيقٍ مُحَمَّدٍ الذي له رؤية، انتهى.

قوله: (فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كذا في الأصول، وصوابه: حتَّى نعس [1] النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكذا رواه مسلم، وقد تَقَدَّمَ [2].

قوله: (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ): تَقَدَّمَ أنَّها أمُّ رومان دعد، ويقال: زينب، وقد تَقَدَّمَت في (الشهادات) في (حديث الإفك).

قوله: (عَرَضُوا عَلَيْهِمْ): هو بفتح العين، مَبْنيٌّ للفاعل، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (يَا غُنْثَرُ): قال ابن قرقول في (الغين المُعْجَمَة مع النون): (غنثَر)؛ بفتح الثاء _يعني: المُثَلَّثَة_ وضمِّها عن أبي الحسين وغيره، وذكر الخَطَّابيُّ فيه عن النَّسَفيِّ: بفتح العين المُهْمَلَة، وتاء منقوطة باثنتين من فوقها، وفسَّره بالذُّباب الأخضر الأزرق، والصحيح الأوَّل؛ ومعناه: يا لئيم، يا دنيءُ؛ تحقيرًا له، وتشبيهًا بالذباب، و «الغُنثَر»: ذبابٌ، وقيل: مأخوذ من «الغَثْر»؛ وهو السقوط، وقيل: هو بمعنى: يا جاهلُ، ومنه قول عثمان: «هؤلاء رَعاعٌ غَثَرَةٌ»؛ أي: جَهَلة، والأغثر: الجاهل، ومنه: الغاثر، و «غُثَر» معدولٌ عنه، ثُمَّ زيدت فيه النون، قال الخَطَّابيُّ: وأحسبه: الثقيل الوخيم، انتهى، وقد تَقَدَّمَ.

(1/6716)

و «الغنْثر»؛ بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وإسكان النون، وفتح الثاء المُثَلَّثَة وضمِّها، ثُمَّ راء، وعن بعض الشيوخ: أنَّه بالغين المُعْجَمَة ثُمَّ مُثَلَّثَة مفتوحَتَين، والرابعة: (عنتر) التي ذكرها الخَطَّابيُّ عن النَّسَفيِّ، والله أعلم.

قوله: (فَجَدَّعَ وَسَبَّ): (سبَّ): معناه معروفٌ، و (جدَّع): دعا عليه، و (الجَدْع): قطع الأنف، وقطع الأذن أيضًا، وقطع اليد والشَّفَة.

قوله: (وَايْمُ اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّ همزته همزة وصل على الصحيح، وقيل: قطع، وقد تَقَدَّمَ الكلام على معناه مُطَوَّلًا.

قوله: (إِلَّا رَبَا): أي: زاد، وهو غير مهموز، معتلٌّ.

قوله: (أَكْثَرُ): هو بالمُثَلَّثَة في أصلنا، وفي «مسلم» ضُبِط بالمُثَلَّثَة والموحَّدة، و (صَارَتْ أَكْثَرَ): هو بالمُثَلَّثَة، وكذا قوله: (فَإِذَا هُوَ شَيْءٌ أَكْثَرُ [3]) بالمُثَلَّثَة أيضًا.

قوله: (يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ): أي: يا مَن هي من بني فراس، وهي من بني فراس بن غَنْم بن مالك بن كنانة، ولا خلاف في نسب أمِّ رومان إلى غَنْم بن مالك، واختلفوا في كيفيَّة انتسابها إلى غَنْم اختلافًا كثيرًا، واختلفوا هل هي من بني فراس بن غَنْم أم من بني الحارث بن غَنْم، وهذا الحديث يصحِّح أنَّها من بني فراس بن غَنْم، والله أعلم.

قوله: (لَا، وَقُرَّةِ عَيْنِي): قال أهل اللغة: قرَّة العين: يُعبَّر بها عن المسرَّة ورؤية ما يحبُّه الإنسان ويوافقه، وقال الداوديُّ: (لا، وقرَّة عيني)؛ يعني: النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ يعني: أقسَمَتْ به.

قوله: (فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا): كذا في الأصل الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ الحافظ، قال ابن قرقول: (فتعرَّفنا [4] اثني عشر رجلًا)؛ أي: صِرنا عُرَفاء مُقدَّمين على غيرنا، ورواه بعضهم: (فتفرَّقنا)، وكذا لأكثرهم في «البُخاريِّ» في (كتاب الصلاة): (ففرقنا اثني عشر رجلًا)، وللنَّسَفيِّ: (فعرفنا اثني عشر)، وهذا أوجه، وفي «مسلم»: (فعرفَنا)؛ بفتح الفاء، وعند ابن ماهان فيه تخليطٌ ذكرناه في آخر الكتاب في (الأوهام) انتهى.

وقد وقع في «مسلم»: (فعرفنا اثنا عشر)، كذا في معظم النسخ، وفي نادرٍ منها: (اثني عشر)، وكلاهما صحيحٌ، والأوَّل جاز على لغة من جعل المثنَّى بالألف في الرفع والنصب والجرِّ، وهي لغةُ أربعِ قبائلَ من العرب، والله أعلم.

(1/6717)

[حديث: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله .. ]

3582# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد بن درهم البصريُّ الإمام، و (عَبْد الْعَزِيزِ) بعده: هو ابن صهيب، تَقَدَّمَ.

قوله: (وَعَنْ يُونُسَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ): هذا معطوف على السند قبله، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن مُسَدَّد، عن حَمَّاد _هو ابن زيد كما قَدَّمْتُ_، عن يونس _وهو ابن عبيد_، عن ثابت، عن أنس، والأوَّل حَمَّاد، عن عبد العزيز، عن أنس، والله أعلم؛ فاحذر أن تجعلَه تعليقًا.

قوله: (إِذْ قَامَ رَجُلٌ): تَقَدَّمَ أنِّي لا أعرفه، وتَقَدَّمَ اسمه من عند بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين في (الجمعة)، وكذا تَقَدَّمَ (الكُرَاعُ) ما هو.

قوله: (عَزَالِيَهَا): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وبالزاي، وبالمُثَنَّاة تحت المفتوحة، مَنْصُوبٌ، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ ما (العزالي)، ولامها مكسورةٌ ومفتوحةٌ.

قوله: (نُمْطَرُ): هو بضَمِّ النون، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَقَامَ [1] ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ): تَقَدَّمَ أنَّه الأوَّل في (الاستسقاء)، وأنَّه لا يُعرَف اسمه، وتَقَدَّمَ في (الجمعة) ما قاله بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين فيه.

قوله: (كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ): تَقَدَّمَ أنَّ (الإكليل): ما أحاط بالظُّفر من اللحم، وكلُّ ما أحاط بشيءٍ؛ فهو إكليلٌ، ومنه: إكليل المَلِك؛ وهو عِصابته؛ لإحاطتها بالجبين، وقيل: هي كالروضة، تَقَدَّمَ في (الاستسقاء).

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (إليه).

[ج 1 ص 933]

(1/6718)

[حديث ابن عمر: كان النبي يخطب إلى جذع فلما اتخذ .. ]

3583# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ): هو بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وتَقَدَّمَ أنَّ (غسَّان) يُصرَف ولا يُصرَف.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ _وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ، أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ_[1]: سَمِعْتُ نَافِعًا): قال البُخاريُّ بُعَيد هذا: (وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ): اعلم أنَّ هذا الحديثَ ذكره المِزِّيُّ في ترجمة عُمر بن العلاء المازنيِّ _أبي حفصٍ البصريِّ، أخي أبي عمرو بن العلاء_ عن نافع عن ابن عمر ... ؛ فذكره، ثُمَّ قال في ترجمة معاذ بن العلاء: عن نافع عن ابن عمر، ولم يزد على هذا هنا، وقال في ترجمة معاذ بن العلاء بن عمَّار المازنيِّ، أبي غسَّان البصريِّ، أخي أبي عَمرو بن العلاء: عن نافع عن ابن عُمر، فطرَّفه مِن الطريقين [2]، ثُمَّ قال: التِّرْمِذيُّ في (الصلاة) عن الفلَّاس عن عثمان بن عُمر ويحيى بن كَثِير أبي غسَّان العنبريِّ؛ كلاهما عن معاذ بن العلاء به، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، ثُمَّ زاد المِزِّيُّ، فقال: رواه عليُّ بن نصر بن عليٍّ الجهضميُّ، وأحمد بن خالد الخلَّال، وعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارميُّ، في آخرين، عن عثمان بن عُمر، عن معاذ بن العلاء، و (عبد الحميد) هذا: يقال: إنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، والله أعلم، [هكذا رواه البُخاريُّ، وقيل: إنَّ قوله: (عُمر بن العلاء) وَهَمٌ، والصواب: معاذ بن العلاء، كما وقع في رواية التِّرْمِذيِّ، والله أعلم] [3]، انتهى.

وكذا حكى القولين الذَّهَبيُّ، ثُمَّ قال: فالوَهم كأنَّه من مُحَمَّد بن المثنَّى، والصحيح: معاذ بن العلاء، قاله أحمد ابن حنبل وجماعةٌ، وكذا رواه وكيعٌ وغيرُه عن معاذٍ، ويقال: ليس لمعاذ حديثٌ مسندٌ [4] سواه، انتهى.

وقد تَقَدَّمَ في كلام المِزِّيِّ أنَّ (عبد الحميد) يقال: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، علَّق عنه البُخاريُّ في هذا المكان، قال الذَّهَبيُّ في «تذهيبه» _وأصله للمِزِّيِّ_، فذكر هذا المكان، وقال: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، وفي حاشية تجاه (عبد الحميد) هذا: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، اسمه عبد الحميد، وعبدٌ لقب له، قاله ابن السكن وأبو مسعود الدِّمَشْقيُّ. انتهت.

و (عبد بن حُمَيدٍ): حافظٌ مشهور الترجمة، وقال الذَّهَبيُّ في ترجمته: واسمه عبد الحميد، حافظٌ جوَّال، ذو تصانيف، انتهى، أخرج له مسلمٌ والتِّرْمِذيُّ، وعلَّق له البُخاريُّ في هذا المكان، والله أعلم [5]، وقد سمعت «المنتخب من مسنده»، وقرأته عاليًا بالقاهرة وبحلب، وقرأت «ثلاثيَّاته» بدمشقَ وغيرِها.

(1/6719)

قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا [6] مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه؛ على (عبد الحميد)، وأنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، وهو شيخ البُخاريِّ فيما يظهر، وقد تَقَدَّمَ إذا قال البُخاريُّ: (قال فلانٌ) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_ ما حكمُه، وأنَّ هذا وأمثالَه يجعله المِزِّيُّ والذَّهَبيُّ تعليقًا، وقد تَقَدَّمَ الكلام أعلاه على (معاذ بن العلاء)، وأنَّه الصواب، والله أعلم، وحديث معاذ بن العلاء أخرجه التِّرْمِذيُّ في (الصلاة) عن عمرو بن عليٍّ الفلَّاس، عن عثمان بن عُمر ويحيى بن كَثِير أبي غسَّان العنبريِّ؛ كلاهما عن معاذ بن العلاء به، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ [7]، زاد المِزِّيُّ: رواه [8] عليُّ بن نصر بن عليٍّ الجهضميُّ، وأحمد بن خالد الخلَّال، وعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارميُّ، في آخرين، عن عثمان بن عُمر، عن معاذ بن العلاء، و (عبد الحميد) هذا: يقال: إنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، والله أعلم، هكذا رواه البُخاريُّ، وقيل: إنَّ قوله: (عُمر بن العلاء) وَهمٌ، والصواب: معاذ بن العلاء؛ كما وقع في التِّرْمِذيِّ، والله أعلم، انتهى كلامه.

قوله: (وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أبو عاصم) هذا: تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيل، وهو شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ مثل هذا يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (ابن أبي روَّاد): هو عبد العزيز بن أبي روَّاد، مولى المهلَّب بن أبي صفرة الأزديِّ، في اسم أبيه أقوالٌ: ميمون، وقيل: أيمن بن بدر، يروي عن عكرمة، والضَّحَّاك، وسالم بن عبد الله، ونافع، وغيرِهم، وعنه: ابنه عبد الحميد، وزائدة، ويحيى القَطَّان، وابن مهديٍّ، وأبو عاصمٍ، وخلقٌ، قال القَطَّان: ثقة، لا يُترَك حديثه لرأيٍ أخطأ فيه، وقال يحيى بن سليم: كان يرى الإرجاء، انتهى، وثناء الناس عليه معروفٌ، وكذا الكلام في اعتقاده، له ترجمة فِي «الميزان»، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له الأربعة، والله أعلم، قال ابن قانع: تُوُفِّيَ سنة (159 هـ)، وتعليق أبي عاصم لَمْ يكن في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة، ولم يخرِّجه شيخنا.

(1/6720)

[حديث: أن النبي كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ... ]

3584# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّمَ أنَّ (دُكَينًا) لقبٌ، وهو حافظٌ مشهورٌ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ): الصواب من أحد الشَّكَّين: أنَّها امرأة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على اسمها، وما وقع فيه من التصحيف، والصحيح: أنَّ اسمها عائشة، وفي الأنصار عوائش، ولا أعرفها بعينها، وتَقَدَّمَ اسم صانع المِنْبَر، والخلاف فيه، وتاريخ عمله، وارتفاعه، وعرضه، وماذا جرى له؛ فراجعه إنْ أردته.

قوله: (قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي): قائل ذلك هو النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتَقَدَّمَ في (البيوع).

(1/6721)

[حديث: كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل]

3585# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن أبي أويسٍ عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت مالكٍ الإمامِ، وتَقَدَّمَ أنَّ أخاه اسمه عبد الحميد بن أبي أويسٍ عَبْدِ الله، وتَقَدَّمَ أنَّ (يَحْيَى بْن سَعِيدٍ): هو الأنصاريُّ، قاضي السَّفَّاح، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (كَصَوْتِ الْعِشَارِ): تَقَدَّمَ في (كتاب الجمعة).

قوله: (فَسَكَنَتْ): هو بالنون، ثُمَّ تاء التأنيث الساكنة.

==========

[ج 1 ص 934]

(1/6722)

[حديث: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة]

3586# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن أَبِي عَدِيٍّ): اسمه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ.

قوله: (وَحَدَّثَنَا [1] بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ): هو بكسر المُوَحَّدة، وإسكان الشين المُعْجَمَة، و (سُلَيْمَان): هو الأعمش، ابن مِهران، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ أنَّه شقيق بن سلمة، و (حُذَيْفَة): هو ابن اليماني، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا هو وأبوه، وأنَّ الصحيح فيه إثباتُ الياء.

قوله: (هَاتِ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر التاء، وأنَّه أمرٌ من (هاتى يُهَاتي)، (هاتِ): الأمر منه.

قوله: (لَجَرِيءٌ): هو بهمزة في آخره، وهذا ظاهِرٌ، من الجرأة؛ وهي الجسارة، ورأيت في نسخة: (لحريٌّ) [2]_في الأصل_؛ أي: لحَقِيقٌ وجَديرٌ، وفي الهامش نسخة كما في أصلنا: (لجريء)؛ من الجرأة.

[ج 1 ص 934]

قوله: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ): تَقَدَّمَ الكلام على ذلك في (الصلاة).

قوله: (يُفْتَحُ [3] أَوْ يُكْسَرُ): هما مبنيَّان لما لم يُسَمَّ فاعلُهما، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (أَحْرَى): هو بالحاء [4] المُهْمَلَة، وفتح الراء؛ أي: أحقُّ، وهذا ظاهِرٌ أيضًا.

قوله: (لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ): تَقَدَّمَ [الكلام] عليه، وأنَّه جمع (أغلوطة)؛ وهو ما يُخَلَّط فيه؛ أي: ليس فيه كذب ولا وَهَمٌ.

قوله: (فَهِبْنَا): هو بكسر الهاء، من الهيبة.

قوله: (فَقَالَ [5]: عُمَرُ): كذا قال حذيفة، استشكل بعضهم تفسيرَ حذيفةَ (البابَ) بـ (عمر)، وقال: إنَّ الواقع في الوجود يشهد أنَّ الأَولى بذلك الباب أنْ يكون عثمان؛ لأنَّ قتله هو السبب الذي فرَّق بين كلمة الناس، وأوقع بينهم تلك الحروب العظيمة، انتهى، وهو فقهٌ صحيحٌ حسن [6]، وقد قال لي الحافظ زين الدين القرشيُّ الدِّمَشْقيُّ شيئًا في ذلك وكونِ حذيفةَ قال لعُمر الباب، لا أستحضره الآن، وما أظنُّه قال ذلك، إلَّا أنَّه جاء في الحديث، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (يجري)، وهو تحريفٌ.

[3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (الباب).

[4] في (ب): (بكسر الحاء)، والمثبت هو الصَّواب.

[5] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (قَالَ).

[6] في (ب): (حسن صحيح).

(1/6723)

[حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر]

3587# 3588# 3589# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وأنَّ (شُعَيْبًا): هو ابن أبي حمزة، وأنَّ (أَبَا الزِّنَاد) بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَج) [1]: عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ): تَقَدَّمَ فيه ثلاثة أقوال في (الجهاد)، وكذا تَقَدَّمَ (ذُلْفَ الأُنُوفِ)؛ أي: فُطْس الأنوف، وقيل: صغار الأنوف، وقيل: قِصار الأنوف، وتَقَدَّمَ مُطَوَّلًا، وأنَّ بعضهم رواه بدال مهملة، وقد تَقَدَّمَ في (الجهاد)، وكذا تَقَدَّمَ (كَالْمِجَانِّ [2] الْمُطْرَقَةِ) الكلامُ على (المجانِّ)، وعلى (المُطْرَقة)، في (الجهاد).

قوله: (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ [3] لَهُ [4] كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (وَالنَّاسُ مَعَادِنُ): تَقَدَّمَ، وكذا (فُقهُوا [5])، وأنَّه بضَمِّ القاف وتُكسَر؛ أي: صاروا فقهاء علماء بأحكام الشرع.

==========

[1] زيد في (ب): (هو).

[2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (المجانُّ).

[3] في (ب): (أمدهم)، وهو تحريفٌ.

[4] (له): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[5] (فقهوا): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهو ثابت في رواية الحديث (3439) وغيره.

[ج 1 ص 935]

(1/6724)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم]

3590# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): تَقَدَّمَ الكلام على (يحيى عن عبد الرَّزَّاق) في (باب اللِّعان في المسجد) وغيره، وأذكره أيضًا في (التفسير) في (اقرأ)، والله أعلم، وكذا تَقَدَّمَ (مَعْمَر)، وأنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّمَ (هَمَّام): أنَّه ابن مُنَبِّه.

قوله: (خُوزًا وَكَرْمَانَ): قال ابن قرقول: (خوز كرمان)، ورُوِيَ: (خوز وكرمان)، وروي: (خُوزَا وكرمان)؛ بفتح الكاف وكسرها، والخُوز: جيلٌ من العجم، وكرمان: مدينةٌ، ورواه الجُرْجانيُّ: (خُورَ كرمانَ)؛ براء مهملة مضافًا إلى (كرمان)، فقيل: إنَّ (خور) _ بالراء_ من أرض فارس، قال الدَّارَقُطْنيُّ: صوابه: بالراء مع الإضافة، وحكاه عن أحمد ابن حنبل، وقال: إنَّ غيره صحَّف فيه، قال غيره: إذا أَضفتَ؛ فبالراء لا غير، وإذا عطفتَ؛ فبالزاي لا غير، انتهى.

وقال ابن الأثير: (خُوز وكرمان)، ورُوِيَ: (خور وكرمان)، و (خُوزَا وكرمان) [2]، والخُوز: جيلٌ معروف، وكرمان: صُقع معروف في العجم، ويروى بالراء المُهْمَلَة، وهو من أرض فارس، وصوَّبه الدَّارَقُطْنيُّ، وقيل: إذا أضفتَ؛ فبالراء، وإذا عطفتَ؛ فبالزاي، انتهى، وسيأتي قريبًا كلامٌ في (خوز وكرمان).

قوله: (وُجُوهُهُمُ [3] المَجَانُّ المُطْرَقَةُ): تَقَدَّمَ قبلُ الكلامُ على (المجانِّ) وعلى (المُطْرَقة)، في (الجهاد)، وقال الدِّمْيَاطيُّ في (المطرقة) ما لفظه: (مشتقَّة من الطِّراق؛ وهو الجلد الأحمر) انتهى.

قوله: (تابَعَهُ غَيْرُهُ): كذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، وكان فيه: (عَبْدة)، فضُرِب عليها، وخرج في الهامش: (غيره)، وفي أصلنا القاهريِّ: (تابعه غيره)، وكذا قاله المِزِّيُّ في «أطرافه»، انتهى.

وفي نسخة: (عَبْدة) عوض (غيرُه)، وهي نسخةٌ في هامش أصلنا، وهو بإسكان المُوَحَّدة، والضمير في (غيرُه) عائد على يحيى الراوي عن عبد الرَّزَّاق، وقد تَقَدَّمَ مَن هو، وأمَّا (عَبْدة)؛ فلا أعرفه بعينه، والله أعلم به.

وقد روى البُخاريُّ لعَبْدة بن سليمان، وعَبْدة بن عبد الله، وعَبْدة بن أبي لبابة، وهذا الأخير لا يمكن أنْ يكون هو، فبقي الأمر بين [4] ابن عبد الله وابن سليمان، ولم أرَ في الرواة عن عبد الرَّزَّاق أحدًا اسمه عَبْدة، مع أنَّ ابن سليمان تُوُفِّيَ سنة (188 هـ)، وابن عبد الله تُوُفِّيَ سنة (258 هـ)، وعبد الرزاق تُوُفِّيَ سنة (211 هـ)، وأمَّا [5] الرواة عن عبد الرَّزَّاق؛ فجماعةٌ كثيرون مذكورون في «تهذيب المِزِّيِّ»، وبعضهم مذكور [6] في «التذهيب» للذهبيِّ، وفي «الكمال» لعبدِ الغنيِّ، والله أعلم مَن هو منهم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (وخوزا وكرمان): سقط من (ب).

[3] في (ب): (وجوهم)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (هو قبل الأخريين)، وهو تحريف.

[5] في (ب): (وباقي).

(1/6725)

[6] في (ب): (مذكوره)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 935]

(1/6726)

[حديث: بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر]

3591# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة [1]، و (إِسْمَاعِيلُ) بعده: هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم.

قوله: (أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ [2] فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ سِنِينَ): كذا هنا، وهذا إنَّمَا يتمشَّى على أنَّ خيبر فُتِحَت في أوَّل السابعة، وهو الأكثر، وقيل: فُتحَت في آخر السادسة، والخلاف مَبْنيٌّ على أوَّل التأريخ، وسيأتي، وقد تَقَدَّمَ، وأنَّ أبا هريرة إنَّمَا عدَّ السنين الكوامل وأسقط الكسر.

قوله: (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ): تَقَدَّمَ في (الجهاد) الكلام عليه.

قوله: (وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ): هو في أصلنا: بفتح الراء وكسرها بالقلم، وهو بالباء المُوَحَّدة، وبعد الألف راء مهملة، ثُمَّ زاي، قال ابن قرقول: كذا لجميعهم هنا: بفتح الراء وتقديمها، قال بعضهم: هم الديلم، و (البارز): بلدهم.

ثُمَّ قال _أي: البُخاريُّ_: (وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً): (سفيان) هذا: تَقَدَّمَ أعلاه [3] أنَّه ابن عُيَيْنَة [4]: (وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ)؛ بتقديم الزاي وفتحها أيضًا، وعند ابن السكن وعُبدوس: (البارِز)؛ بتقديم الراء [5] وكسرها، قال القابسيُّ: يعني: هؤلاء البارِزُون لقتال الإسلام، يقال: بارزٌ وظاهرٌ، انتهى.

وفي «النهاية» ما لفظه: (وهم البازر): قيل: بازر: ناحية قريبة من كرمان، بها جبال، وفي بعض الروايات: (هم الأكراد)، فإنْ كان من هذا؛ فكأنَّه أراد أهل البازر، أو يكون سُمُّوا باسم بلادهم، هكذا أخرجه أبو موسى في حرف (الباء والزاي) من كتابه و «شرحه»، والذي رويناه في كتاب البُخاريِّ عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشَّعَر، وهو هذا البازر»، وقال سفيان مَرَّةً: وهم أهل البازر؛ يعني بـ (أهل البازر): أهل فارس، كذا هو بلغتهم، وهكذا جاء في لفظ الحديث كأنَّه أبدل السين زايًا، فيكون من باب الباء والراء، لا من باب الباء والزاي، والله أعلم.

وقد اختُلِف في فتح الراء وكسرها، وكذلك اختُلِف في تقديم الزاي، انتهى.

وقال بعضهم: (خوزا وكرمان): بلدان [6] معروفان بالشرق، قال الإمام أحمد: أخطأ عبد الرزاق في قوله: (جوزا)؛ بالجيم، انتهى، وإنَّمَا ذكرتُ هذه الجملة لأجل كلام أحمد.

==========

[1] زيد في (ب): (الإمام).

[2] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

[3] في (ب): (مرارًا).

[4] زيد في (ب): (أعلاه).

[5] زيد في (ب): (على الزاي).

[6] (بلدان): سقط من (ب).

[ج 1 ص 935]

(1/6727)

[حديث: بين يدي الساعة تقاتلون قومًا ينتعلون الشعر]

3592# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ حَازمًا؛ بالحاء المُهْمَلَة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

قوله: (سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ): هذا هو الحسن بن أبي الحسن البصريِّ، وتقدَّمت روايته عن عَمرو بن تغلِب، وهي هنا بـ (حَدَّثَنَا)، وفيه ردٌّ على ابن المَدينيِّ الذي قال: إنَّه لَمْ يسمع من عَمرو بن تغلِب، وقد تَقَدَّمَ مثلُه، والله أعلم.

[ج 1 ص 935]

قوله: (يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد) في (قتال الترك) وغيره، وكذا (وُجُوهَهُمُ [1] الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ) تَقَدَّمَ فيه.

==========

[1] في (ب): (وجوهم)، وهو تحريفٌ.

(1/6728)

[حديث: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم]

3593# قوله: (حَدَّثَنَا [1] شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[ج 1 ص 936]

(1/6729)

[حديث: يأتي على الناس زمان يغزون، فيقال: فيكم ... ]

3594# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه ابن عُيَيْنَة، وذلك لأنِّي رأيت الحافظ عَبْد الغَنيِّ ذكر ابن عُيَيْنَة فيمن أخذ عنه قُتَيْبَة، ولم يذكر الثَّوْريَّ، و (عَمْرو): هو ابن دينار، و (جَابر): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام، الصَّحَابيُّ رضي الله عنهُ، و (أَبُو سَعِيدٍ): سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ.

==========

[ج 1 ص 936]

(1/6730)

[حديث: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة]

3595# قوله: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ): تَقَدَّمَ أنَّه بالضاد المُعْجَمَة، وأنَّه لا يأتي الذي [1] بالمُعْجَمَة إلَّا بالألف واللام، بخلاف (نصر) _بالمُهْمَلَة_؛ فإنَّه لا يأتي بهما، وهذا هو النَّضْر بن شميل الإمام، و (إسرائيل): هو ابن يونس بن أبي إسحاق عَمرِو بن عبد الله السَّبيعيِّ.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] سَعْدٌ الطَّائِيُّ): هو سعد أبو مجاهد الطائيُّ الكوفيُّ، عن أبي مُدِلَّة مولى عائشة، ومُحِلِّ بن خليفة، وعطيَّة العَوفيُّ، وغيرهم، وعنه: الأعمش، وزياد بن خيثمة، وإسرائيل، وابن عُيَيْنَة، وجماعة، وثَّقهُ ابن حِبَّانَ وغيره، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وابن ماجه.

قوله: (أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ): هو بضَمِّ الميم، وكسر الحاء المُهْمَلَة، وتشديد اللام، الطائيُّ الكوفيُّ، عن جدِّه عديِّ بن حاتمٍ وأبي السمح خادم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعنه: سعد أبو مجاهد وأبو الزعراء يحيى بن الوليد الطائيَّان، وسفيان، وشعبة، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، تَقَدَّمَ في (الزكاة).

قوله: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ): هذا هو عديُّ بن حاتم بن عديِّ بن سعد بن الحشرج الطائيُّ، ولد حاتمٍ المعروف بالجود، كان عديٌّ نصرانيًّا فأتى النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مسلمًا، وهو صَحَابيٌّ مشهور، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، وفد في شعبان سنة سبع، وقال الواقديُّ: في شعبان سنة عشر، تُوُفِّيَ عديٌّ سنة سبع وستِّين، وهو ابن مئة وعشرين سنةً، شهد الجمل مع عليٍّ وفُقِئت عينه يومئذٍ، ثُمَّ شهد معه صفِّين والنهروان، ومات بالكوفة سنة سبع وستِّين، (وقيل: سنة ثماني وستِّين) [3]، وقيل: سنة تسع وستِّين، والله أعلم، تَقَدَّمَ في (الزكاة).

قوله: (إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ): هذا الرجل لا أعرفه، قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: لَمْ يُسَمَّ الرجلان _يعني: هذا والذي بعده_ فيما وقفتُ عليه، لكن في «دلائل النبوَّة» لأبي نعيم ما يرشد إلى أنَّهما صهيب وسلمان، انتهى.

قوله: (فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ): هي الفقر والحاجة.

قوله: (ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ): هذا الرجل الآخر تَقَدَّمَ أعلاه.

قوله: (هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ): هي بكسر الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الياء المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ راء، ثُمَّ تاء التأنيث، مدينةٌ معروفةٌ عند الكوفة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ لهم حيرةً أخرى بنيسابور، والتي عند الكوفة أنَّها المرادة.

قوله: (الظَّعِينَةَ): هي المرأة، وأصل الظغينة: الراحلة التي تُرحل ويُظعَن عليها؛ أي: يُسار، وقيل للمرأة: ظعينةٌ؛ لأنَّها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنَّها تُحمَل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل: الظعينة: المرأة في الهودج، ثُمَّ قيل للهودج وللمرأة بلا هودجٍ: ظعينةٌ، وجمع الظعينة: ظُعْن، وظُعُن، وظعائنُ، وأظعان.

(1/6731)

قوله: (فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ): الدُّعَّار: بالدال المُهْمَلَة المضمومة، ثُمَّ عين مُشَدَّدة [4] مثلها مهملة، وفي آخره راء، قال ابن قرقول في (الدال والعين المُهْمَلَتين): أي: أشرارها ولصوصها، والداعر: الشرير، مأخوذٌ من العود الدَّعْر، وكذا ذكره ابن الأثير في (الدال والعين المُهْمَلَتين)، ثُمَّ قال: وإرادتهم: قطَّاع الطريق، وقوله: (طيِّئ): هو بهمزة في آخره، قبيلة معروفة، ويقال بياء واحدة بلا همز.

قوله: (سَعَّرُوا الْبِلاَدَ): قال ابن قرقول: أي: ألهبوها شرًّا [5] وضرًّا كثيرًا؛ كالتهاب النار، بشدِّ العين، قال الخليل: ولا يُقال فيه: سعَرْتُ، ولا: أسعرت، وحَكى أبو حاتمٍ التخفيف، وحَكى أبو زيد: أسعرتُ.

قوله: (لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى): (تُفْتَحَنَّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (كنوزُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (كِسرى): بكسر الكاف وفتحها، تَقَدَّمَ، وأنَّه لقبٌ لكلِّ من مَلَك فارس.

قوله: (يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ): (يُخرج)؛ بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، و (ملء): مهموز الآخر، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: (وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ): الاسم الجليل: مَنْصُوبٌ مفعول، و (أحدُكم): مَرْفُوعٌ فاعل.

قوله: (ترْجُمَانٌ): تَقَدَّمَ الكلام على أنَّه بفتح التاء وضمِّها في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (فَيُبَلِّغَكَ) [6]: هو مَنْصُوبٌ، جواب الاستفهام؛ وهو (ألم)، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ): هو بضَمِّ الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، ومعناه معروف.

قوله: (حَدَّثَنَا [7] عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد [8]): هذا هو المسنديُّ فيما يظهر، وقد ذكرت مستندي في ذلك في (الزكاة)، و (أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيل، و (سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ): بالموحَّدة والشين المُعْجَمَة، ويقال: ابن بَشِير، تَقَدَّمَ، و (أَبُو مُجَاهِدٍ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه سعد الطائيُّ مُتَرْجَمًا، و (مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ) تَقَدَّمَ أعلاه وقبل ذلك في (الزكاة)، و (عَدِيٌّ): تَقَدَّمَ أعلاه وفي (الزكاة).

==========

[1] في (ب): (التي)، والمثبت هو الصَّواب.

[2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[3] ما بين قوسين سقط من (ب).

[4] (مُشَدَّدة): سقط من (ب).

[5] في (ب): (غرًّا)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (فليبلغك)، وهو تحريفٌ.

[7] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[8] (بن محمَّد): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[ج 1 ص 936]

(1/6732)

[حديث: إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى .. ]

3596# قوله: (حَدَّثَنَا [1] سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيل: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ [2] ... )؛ الحديث: قال الدِّمْيَاطيُّ: أعاد هذا الحديث في غزوة أحُد عن عَمرو بن خالد عن الليث [3]، وأعاده في (الرقاق)

[ج 1 ص 936]

عن قُتَيْبَة عن الليث، انتهى.

ولفظ المِزِّيِّ في «أطرافه» لمَّا ذكر هذا الحديث؛ قال: (حديث «خ، م، د، س»: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خرج يومًا فصلَّى على أهل أحُد صلاته على الميِّت ... ؛ الحديثَ، البُخاريُّ في [ ... ])، كذا في نسختي أخلى بياضًا، وهو في (الجنائز) كما رأيته في «البُخاريِّ» في (باب الصلاة على الشهيد) [4]، انتهى [5]، قال [6]: عن عبد الله بن يوسف، وفي (علامات النبوَّة) عن سعيد بن شُرَحْبيل، وفي (المغازي) وفي موضعٍ آخر: عن قُتَيْبَة، وفي (المغازي) أيضًا، وفي (ذكر الحوض) عن عَمرو بن خالد؛ أربعتهم عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب عنه؛ أي: عن يزيد بن عبد الله اليزنيِّ أبي الخير به؛ أي: عن عقبة بن عامر، وفي (المغازي) أيضًا: عن مُحَمَّد بن عبد الرحيم، عن زكريا بن [7] عديٍّ، عن ابن المبارك، عن حَيْوَة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب به، ثُمَّ طرَّفه من عند مسلمٍ، وأبي داود، والنَّسائيِّ.

قوله: (فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ): أي: دعا لهم بدعاء صلاة الميت، وقيل: صلَّى عليهم، والمخالف لا يقول بجواز الصلاة على الميِّت بعد هذه المدة الطويلة، قال شيخنا: قيل: معناه: ودَّع الأحياء والأموات، وقيل: صلَّى عليهم؛ لأنَّه لَمْ يكن صلَّى عليهم حين ماتوا، وهو ظاهِرُ قوله: (صلاته على الميِّت)، وقيل: دعا لهم، انتهى، وفي بعض طرق هذا الحديث: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج عاصبًا رأسه حتَّى جلس على المنبر، ثُمَّ كان أوَّل ما تكلَّم به أنَّه صلَّى على أهل أُحُد واستغفر لهم، فأكثر الصلاة عليهم)، وما في هذا الحديث هنا: أنَّه صلى على أهل أحد صلاته على الميِّت ثُمَّ انصرف إلى المنبر فقال: «إني فرط لكم»؛ فتأويله محتمل، والله أعلم.

قوله: (إِنِّي فَرَطُكُمْ): الفَرَط؛ بفتح الفاء والراء وبالطاء المُهْمَلَة: الذي يتقدَّم الوارد فيهيِّئ لهم ما يحتاجون إليه، والمراد هنا: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتقدَّم أمَّته؛ ليشفع لهم، والله أعلم.

قوله: (أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ [8] الأَرْضِ): (أُعطيتُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مفاتيحَ): مَنْصُوبٌ مفعول ثانٍ.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (الميت): ليس في (ب).

[3] زيد في (ب): (به).

[4] زيد في (ب): (قال).

[5] زيد في (ب): (والله أعلم).

(1/6733)

[6] في (ب): (قوله).

[7] زيد في (ب): (أبي)، وليس بصحيحٍ.

[8] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وطرأ على (ق) علامة التقديم والتأخير، وفي «اليونينيَّة»: (خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ).

(1/6734)

[حديث: هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم]

3597# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكين [1]، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (الزُّهْرِيُّ): أنه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (عَنْ أُسَامَةَ): هو أسامة بن زيد بن حارثة، الحِبُّ بن الحِبِّ، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ أبوه، وجدُّه حارثة: له صحبةٌ، وقد تَقَدَّمَ، رضي الله عنهُم، وفي الصَّحَابة من اسمه (أسامة) ستَّة أشخاص؛ منهم من الصحيح أنَّه تابعيٌّ اثنان، والصَّحَابة الأربعة لهم رواية، وليس فيهم أسامة بن زيد سواه، والله أعلم.

قوله: (عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ): (الأُطُم): هو بضَمِّ الهمزة والطاء المُهْمَلَة وتسكَّن أيضًا، بناءٌ مرتفعٌ، والجمع: آطام.

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[ج 1 ص 937]

(1/6735)

[حديث زينب: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب]

3598# 3599# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَةَ): تَقَدَّمَت، صحابيَّة رضي الله عنها، واللتان بعدها: صحابيَّتان، مجموعهنَّ ثلاث صحابيَّاتٍ يروي بعضهُنَّ عن بعض، وهو من لطائف الإسناد، وقد تَقَدَّمَ التنبيه على ذلك، وهنَّ ربيبةٌ وزوجتان، وقد تَقَدَّمَ أنَّ في بعض طرقه في «مسلمٍ»: أربعٌ يروي بعضهُنَّ عن بعض، وقدَّمت أنَّ الحافظ أبا الحَجَّاج يوسف بن خليل الدِّمَشْقيَّ ثُمَّ الحلبيَّ أفرد بالتأليف [1] ما فيه أربعةٌ من الصَّحَابة يروي بعضهم عن بعض، وهو تسعة أحاديث، وقد سمعته بحلبَ على بعض أصحاب أصحابه، وكذا سمعتُه بالقاهرة كذلك، وفي آخِرِ [2] هذه الأحاديث حديثٌ يرويه خمسةٌ من الصَّحَابة بعضهم عن بعض، وهو ما رواه عبد الله بن عَمرو بن العاصي، عن عثمان بن عفان، عن عُمر بن الخَطَّاب، عن أبي بكر الصديق، عن بلالٍ، رضي الله عنهُم: قال رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الموت كفَّارةٌ لكلِّ مسلمٍ».

قوله: (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ): تَقَدَّمَت رضي الله عنها، واسمها رملة، زوجه عليه الصَّلاة والسَّلام، بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أُمَيَّة، و (زَيْنَب بِنْت جَحْشٍ): تَقَدَّمَت أيضًا.

قوله: (فَزِعًا): هو بكسر الزاي، اسم فاعلٍ، مَنْصُوبٌ على الحال.

قوله: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ): يعني: للمسلمين؛ لأنَّ أكثر المسلمين من العرب ومواليهم، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه فتنة عثمان، أو يأجوج ومأجوج، والذي يظهر من السياق: أنَّه الثاني.

قوله: (فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ [3]): (فُتِح): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (يأجوج ومأجوج): تَقَدَّمَ الكلام عليهما في (ابتداء الخلق)، و (مثلُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد اللام، وبالقاف؛ أي: جعل حَلْقَةً، وقد تَقَدَّمَ، والإصبعان: الإبهام والسبابة، كذا جاء مصرَّحًا به في بعض طرقه.

قوله: (أَنَهْلِكُ): هو بكسر اللام.

قوله: (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟): أي: يدْعُونَ بصرْفِ الفتنِ، قال الداوديُّ: قال ابن التين: أرادت: يقع الهلاك بقوم فيهم من لا يستحقُّ ذلك؟

قوله: (إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ): هو بفتح الخاء المُعْجَمَة والموحَّدة، وبالمُثَلَّثَة، وهو الزِّنى، وقيل: أولاد الزِّنى، وقد جاء في حديث آخر: «ويكثر الزِّنى»، ويقال فيه: خِبثة.

قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ): أمَّا (الزُّهْرِيُّ)؛ فقد تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه مُحَمَّد بن مسلم (بن عبيد الله بن عبد الله) [4] بن شهاب الزُّهْرِيُّ، العالم المشهور.

(1/6736)

وأمَّا (هند)؛ فتصرف ولا تصرف، وقد تَقَدَّمَ أنَّها زوج معبد [5] بن المقداد، وقد تَقَدَّمَ ما وقع فيها من الوهم في بعض كتب الأسماء، روت عن أمِّ سلمة، وعنها: الزُّهْرِيُّ، وقد تَقَدَّمَت أنَّها فِرَاسيَّة أو قرشيَّة، روى لها البُخاريُّ والأربعة، لها في الكتب حديثان.

وقوله: (وعن الزُّهْرِيِّ) هذا معطوفٌ على السند الذي قبله، فإيَّاك أنْ تحسبه تعليقًا، وقد رواه البُخاريُّ عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزُّهْرِيِّ، عن هند بنت الحارث، عن أمِّ سلمة.

و (أمُّ سلمة): اسمها أيضًا هند بنت أبي أُمَيَّة، تَقَدَّمَت، وأنَّها آخر الأزواج وفاةً، تُوفِّيت بعد الحسين، رضي الله عنهما، وقد تَقَدَّمَ ما قاله الواقديُّ في وفاة ميمونة، وهو غلط، والله أعلم.

[ج 1 ص 937]

==========

[1] في (أ): (بالتألف).

[2] في (ب): (آخره)، وهو تحريفٌ.

[3] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (هَذَا).

[4] ما بين قوسين سقط من (ب).

[5] في (ب): (المعبد).

(1/6737)

[حديث: يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم]

3600# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكين، وتَقَدَّمَ (الْمَاجِشُونِ) ضبطًا ومعنًى، وأنَّه الأبيض المورَّد، وتَقَدَّمَ مَن الملقَّب بهذا اللقب، وأنَّه يعقوب بن أبي سلمة.

قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (عبد الرَّحْمَن ومُحَمَّد ابنا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن أبي صعصعة عمرِو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عَمرو بن غنم بن مازن بن النجَّار، انفرد به البُخاريُّ) انتهى.

و (عبد الرَّحْمَن) هذا: ابن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، منهم من ينسبه إلى جدِّه، ومنهم من يقول: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن فيقلبه، والكلُّ واحد، وثَّقهُ أبو حاتم وغيره، وترجمته معروفة، وقول الدِّمْيَاطيِّ: (انفرد به البُخاريُّ)؛ يعني: عن مسلمٍ.

وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

قوله: (إِنِّي أَرَاكَ [1]): هي (إنَّ) واسمها، كذا في الأصل الذي لنا القاهريِّ، وفي الهامش عوضها: (أَبي)؛ يعني: بفتح الهمزة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ ياء الإضافة؛ من الأبوَّة، وفي ذلك نظر، وهو أنَّه يبقى الحديث معضَلًا، ثُمَّ أيضًا ينافيه قوله: (فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ... ) إلى آخره، والله أعلم.

قوله: (فَأَصْلِحْهَا): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا، وكذا (وَأَصْلِحْ).

قوله: (رُعَامَهَا): هو بالعين المُهْمَلَة، وضمِّ الراء، وفي نسخةٍ هي في هامش أصلنا: (رُغامها)؛ بالغين المُعْجَمَة، مع ضمِّ الراء، قال ابن قرقول: بضَمِّ الراء، وعين مهملة؛ وهو ما يسيل من أنوفها، انتهى، وقد اقتصر على ذلك وذكر اللفظة ابن الأثير في (الراء والعين المُهْمَلَة) كما قاله ابن قرقول، وقال في (الراء والغين المُعْجَمَة) ما لفظه: وفي حديث أبي هريرة: «صلِّ في مراح الغنم وامسح الرَّغام عنها»، ورواه بعضهم بالغين المُعْجَمَة، وقال: إنَّه ما يسيل من الأنف، والمشهور فيه والمرويُّ: بالعين المُهْمَلَة، ويجوز أن يكون أراد مسح التراب عنها [2]؛ رعايةً لها وإصلاحًا لشأنها، انتهى.

وهذا الحديث غير حديث الأصل، وقد قَدَّمْتُ ما في هامش أصلنا، و (الرَّغام)؛ بفتح الراء، وبالغين المُعْجَمَة: التراب، وراجعت كلام شيخنا في «شرحه»؛ فرأيته قال: والرُّعام؛ بالعين المُهْمَلَة، والراء المضمومة: المخاط، وشاةٌ رَعُوم: بها داءٌ يسيل من أنفها، انتهى، فاقتصر على الإهمال في العين.

قوله: (يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، أَوْ سَعَفَ [3] الْجِبَالِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوائل هذا التعليق.

(1/6738)

[حديث أبي هريرة: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم .. ]

3601# 3602# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ): هذا هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أبو إسحاق المدنيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (ابْن شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، تَقَدَّمَ.

و (ابْن المُسَيّب): هو سعيد، وتَقَدَّمَ أنَّ (المُسَيّب) بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّ اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، (وَأَبُو هُرَيْرةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

قوله: (مَنْ [1] يُشْرِفْ لَهَا؛ تَسْتَشْرِفْهُ): (يشرف): بضَمِّ أوَّله وإسكان الشين المُعْجَمَة، وكسر الراء، رُباعيٌّ، كذا في أصلنا، وفي نسخةٍ في الهامش (تَشرَّفَ)؛ بفتح المُثَنَّاة فوق والشين المُعْجَمَة، وتشديد الراء مفتوحة، وفتح الفاء، فعلٌ ماضٍ، قال ابن قرقول: (من استشرف لها؛ استشرفته)، قيل: هو من الإشراف، استشرفتُ الشيء: علوته، وشرفت عليه، وأشرفت؛ يريد: من انتصب لها؛ انتصبتْ له وتلَّتْه وصرعتْه، وقيل: هو من المخاطرة والتغرير والإشفاء على الهلاك؛ أي: من خاطر بنفسه فيها؛ أهلكته، يقال: أشرف المريض؛ إذا أشرف على الموت، وهم على شرف؛ أي: خطر، ورويناه في «مسلم»: تشرَّف لها؛ تستشرفه، وهو من معنى ما تَقَدَّمَ، كذا ضبطناه على القاضي أبي عليٍّ، وضبطناه عن أبي بحرٍ: يُشرف، وهو راجع إلى ما تَقَدَّمَ، انتهى، وقد رأيتَ ما عزاه لمسلم هو في «البُخاريِّ»، والله أعلم.

قوله: (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ... ) إلى آخره: أمَّا (ابن شهاب)؛ فقد تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وقوله: (وعن ابن شهاب): هذا معطوف على الحديث الذي قبله، فإيَّاك أنْ تظنَّه تعليقًا، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن عبد العزيز بن عبد الله الأوَيسيِّ، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن [2] عبد الرَّحْمَن بن الحارث، عن عبد الرَّحْمَن بن مطيع [3] بن الأسود، عن نوفل بن معاوية؛ مثلَ حديث أبي هريرة، قال المِزِّيُّ بعد عزوه إلى مسلمٍ: بهما جميعًا، رواه ابن أبي ذئبٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، عن نوفل بن معاوية حديث: «من ترك الصلاة؛ فكأنَّما وُتِر أهله وماله»، ثُمَّ طرَّف حديث نوفل بن معاوية [4]: «من فاتته صلاةٌ؛ فكأنَّما وُتِر أهله وماله» من عند النَّسائيِّ.

(1/6739)

قوله: (عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ): هذا الرجل كنانيٌّ ديليٌّ، وكنيته أبو معاوية، نوفل بن معاوية بن عروة، ويقال ابن عمرو بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عديِّ بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ونوفل هذا شهد الفتح، وتُوُفِّيَ بالمدينة زمن يزيد بن معاوية، روى عنه ابن أخيه عبد الرَّحْمَن بن مطيع، وأبو بكر بن [5] عبد الرَّحْمَن بن الحارث، وعِراك بن مالك، وغيرهم، تُوُفِّيَ في خلافة يزيد وقد بلغ المئة أو أزْيَدَ، قال الواقديُّ: (شهد مع المشركين بدرًا وأحدًا، وكان له ذكرٌ ونكايةٌ)، وقيل: مات زمن معاوية، أخرج له البُخاريُّ ومسلم والنَّسائيُّ، رضي الله عنه.

قوله: (إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ ... ) إلى آخره؛ يعني: بالسند الذي قدَّمه في حديث أبي هريرة.

قوله: (فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ): تَقَدَّمَ الكلام [6] في (الصلاة)؛ فانظره.

(1/6740)

[حديث: ستكون أثرة وأمور تنكرونها]

3603# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا: أنَّه بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة، و (سفيان) بعده هو: الثَّوْريُّ فيما يظهر؛ وذلك لأنَّ الحافظ عَبْد الغَنيِّ ذكر الثَّوْريَّ في مشايخ مُحَمَّد بن كثير، ولم يذكر ابن عُيَيْنَة، والذَّهَبيُّ ذكر أنَّه روى عن سفيان؛ أعني: مُحَمَّد بن كثير، فحملتُ المطلق على المقيَّد، وقد سبق مثلُه [1]، و (الأَعْمَش): هو سليمان بن مِهْرَان الكاهليُّ.

قوله: (أَثَرَةٌ): قال ابن قرقول في قوله: (ستلقَون بعدي أُثْرة): بضَمِّ الهمزة، وإسكان الثاء، ويروى (أَثَرة)؛ بفتحهما، وبالوجهين قيَّدَه الجَيَّانيُّ، وبالفتح قيَّدَه غيرُه عن الأصيليِّ والطَّبَريِّ والهوذنيِّ، وقيَّدناه عن الأسديِّ وغيره بالضَّمِّ، والوجهان صحيحان، ويقال أيضًا: (إِثْرة) بكسر الهمزة وسكون الثاء، قال الأزهريُّ: هو الاستئثار؛ أي: يُستأثَر عليكم بأمور الدنيا، ويُفضَّل غيرُكم عليكم، ولا يُجعل لكم في الأمر نصيبٌ، وحُكِيَ لي عن الشيخ أبي عبد الله النَّحْويِّ مُحَمَّد بن سليمان، عن أبي عليٍّ القاليِّ: أنَّ (الأثرة): الشدَّة، وبه كان يتأوَّل الحديث، والتفسير الأوَّل أظهرُ، وعليه الأكثر، وسياق الحديث وسببه يشهد له؛ وهو إيثارهم المهاجرين على أنفسهم ... إلى آخر كلامه، والأثرة التي لقيتْها الأنصارُ: قال [2] أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»: إنَّها زمنَ معاوية رضي الله عنه.

(1/6741)

[حديث: يهلك الناس هذا الحي من قريش]

3604# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): هو بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة، وقد سمَّاه ونسبه، وليس له في البُخاريِّ سوى هذا الحديث، و (أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، و (أَبُو التَّيَّاح): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وتشديد المُثَنَّاة تحت، وفي

[ج 1 ص 938]

آخره حاءٌ مهملة: يزيد بن حُمَيدٍ، و (أَبُو زُرْعَة): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه هرِم، وقيل غير ذلك، ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ [1].

قوله: (يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ): (يُهلك): بضَمِّ أوَّله لأنَّه رُباعيٌّ، و (الحيُّ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (الناسَ): مَنْصُوبٌ مفعول، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَقَالَ [2] مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو [3] دَاوُدَ عن [4] شُعْبَةَ): هذا (محمود): ابن غيلان، وهو شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريّ إذا قال: (قال فلان)، وفلان المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_؛ يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (أبو داود) هذا: هو الطيالسيُّ، سليمان بن داود بن الجارود الطيالسيُّ الحافظ، عن ابن عون وشعبة، وعنه: بُنْدار وأحمد بن الفرات والكديميُّ، قال: (أسرد ثلاثين ألف حديثٍ، ولا فخر)، ومع ثقته؛ فقد فقال إبراهيم بن سَعِيد الجوهريُّ: أخطأ في ألف حديث، كذا قال، تُوُفِّيَ أبو داود سنة (204 هـ)، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلمٌ والأربعة، وله ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد سبق.

والحكمة في إيراد البُخاريِّ هذا عقيبَ الذي قبله؛ لأنَّ أبا التَّيَّاح في الأوَّل عنعن، وإنْ لَمْ يكن مُدلِّسًا؛ فالخلاف طَرَقَ العنعنة وإنْ لَمْ يكن من مُدلِّسٍ، فأتى بهذا الثاني؛ لأنَّ أبا التَّيَّاح صَرَّحَ فيها بالسماع من أبي زرعة، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (من نحو ثلاثين قولًا).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو.

[3] في (ب): (ابن)، وهو تحريفٌ.

[4] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة»: (أَخْبَرَنَا)، وفي (ق): (حدَّثنا).

(1/6742)

[حديث: هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش]

3605# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ): قال الجَيَّانيُّ: قال _ يعني: البُخاري_ في (الوضوء) و (الإجارات) وغير ذلك: حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَمرو بن يحيى بن سعيد، ويروي عن إبراهيم بن سعيد أيضًا، وهو أحمد بن مُحَمَّد بن الوليد الأزرقيُّ، أبو مُحَمَّد، قال البُخاريُّ: (فارقناه حيًّا سنة ثنتي عشرة ومائتين)، انتهى، وقد قَدَّمْتُ ترجمة هذا الرجل فيما مضى؛ فاعلمه [1].

قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَمَوِيُّ [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: عَمرو بن سعيد بن العاصي (بن سعيد بن العاصي) [3] بن أُمَيَّة، انفرد البُخاريُّ بعَمرو، واتفقا على جدِّه سعيد [4]، وانفرد مسلمٌ بعمِّ سعيد؛ يحيى بن سعيد بن العاصي، انتهى، فقوله: (انفرد البُخاريُّ بعَمرو)؛ أي: عن مسلم، وقوله: (وانفرد مسلم بعمِّ سعيد؛ يحيى بن سعيد بن العاصي)؛ يعني: عن البُخاريِّ، والله أعلم، وقوله: (الأَمويُّ): هو بفتح الهمزة، وتضمُّ أيضًا.

قوله: (عَنْ جَدِّهِ): (جدُّه): هو سعيد بن عَمرو بن سعيد بن العاصي بن أبي أُحيحَة القرشيُّ، عن أبي هريرة وابن عَبَّاس، وعنه: ابناه إسحاق وخالد، وحفيده عَمرو بن يحيى، وشعبة، سكن الكوفة، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البُخاريُّ ومسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه، عاش إلى أن وفد على الوليد بن يزيد، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): (مروان): هو ابن الحكم تَقَدَّمَ نسبه، وأنَّه الخليفة، وليس له رؤيةٌ، وتَقَدَّمَ ما يتعلَّق به، و (أبو هريرة): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ): الغِلمة: جمع غلام، والغلام معروف.

قوله: (مَرْوَانُ: غِلْمَة): يجوز في غلمة الثانية الجرُّ مع التنوين، والرفع معه.

قوله: (إِنْ شِئْتَ): يجوز فيه فتح التاء وضمُّها، وبهما ضَبَطَ أبو جعفرٍ نسختَه، وأمَّا في أصلنا؛ فبالفتح فقط بالقلم.

قوله: (بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ): هؤلاء ذكرهم القرطبيُّ في «تذكرته»، فقال: (كأنَّهم _والله أعلم_ يزيد بن معاوية، وعُبيد الله بن زياد، ومن يتنزَّل منزلتَهم من أحداث ملوك بني أُمَيَّة ... ) إلى آخر كلامه، قاله في «التذكرة»، وقال بعض الحُفَّاظ من المصريِّين: يعني: بني حربٍ، وبني مروان، انتهى.

(1/6743)

[حديث: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر]

3606# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى): هذا الرجل تَقَدَّمَ أنَّه يحيى بن موسى البلْخيُّ السَّخْتيَانيُّ خَتٌّ، ولُقِّب بـ (ختٍّ)؛ لأنَّها جرت على لسانه، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (الْوَلِيدُ) بعده: هو ابن مسلم تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وهو عالم أهل الشام، و (ابْنُ جَابِرٍ): هو عبد الرَّحْمَن بن يزيد بن جابر، و (بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وبالسين المُهْمَلَة، و (أَبُو إِدْرِيسَ): تَقَدَّمَ أنَّه عائذ الله بن عبد الله، و (حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِي): تَقَدَّمَ أنَّ الصحيح أنَّه بإثبات الياء، وتَقَدَّمَ الاختلاف في اسم (اليماني) هل هو حُسيل أو حِسْل، وترجمته وبعض ترجمة ابنه حذيفة رضي الله عنهُمَا.

قوله: (وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ»): هو ولاية عُمر بن عبد العزيز، قاله القاضي عياض.

قوله: (وَفِيهِ دَخَنٌ)، وكذلك: (وَمَا دَخَنُهُ؟): هو بفتح الدال المُهْمَلَة والخاء المُعْجَمَة وبالنون، وهو الدخان، أراد به: غير صافٍ ولا خالصٍ، بل كَدِرٌ؛ كالشيء الذي أصابه الدُّخانُ فغيَّر لونه.

قوله: (بِغَيْرِ هَدْيِي): (الهَدْي)؛ بفتح الهاء وسكون الدال المُهْمَلَة: الطريقة والمذهب والسَّمْت، وقد ضبط هذا الأصيليُّ والقابسيُّ بضَمِّ الهاء، قال ابن قرقول: وبالوجهين قيَّدناه في غير موضعٍ.

قوله: (مِنْ جِلْدَتِنَا): هو بكسر الجيم وإسكان اللام، ثُمَّ دال مهملة مفتوحة، ومعناه: جنسنا وجيلنا [1]؛ أراد به: العرب، انتهى، والأجلاد: الأشخاص، وقد يكون المراد به: لون الجلد؛ أي: بيض.

قوله: (وَلَوْ أَنْ تَعَضُّ [2]): هو مَرْفُوعٌ؛ لأنَّه لَمْ يتقدَّم ناصبٌ ولا جازمٌ، و (أنْ) مُخَفَّفة من الثقيلة، كذا أحفظُه بالرفع، وقد سألني بعض فضلاء الدماشقة عنه [3]، فقلت له: إنَّه [4] بالرفع والنصب، فقال لي: إنَّ أبا حيَّان قال: (أن) الناصبة لا تلي (لو)، وأظنُّه عزاه لـ «ارتشاف الضَّرَب»، والله أعلم، ولم أرَ أنا ذلك في «ارتشاف الضَّرَب» في مكانه في (أن) ولا في (لو)، ولكن في «المغني» لابن هشام في (لو) معناه، وقد رأيته عن الأشيريِّ [5] أنَّه بالرفع، ثُمَّ رأيته أيضًا عن الأشيريِّ أنَّه قال: (تعضُّ) مَرْفُوعٌ؛ لأنَّه فعل مضارع لم ينصبه شيءٌ، فـ (أن) هذه ليست هي (أن) الناصبة، إنَّمَا هي مُخَفَّفة من الثقيلة، تقديره: ولو أنَّك تعض، ورأيت عن الشيخ العلَّامة عزِّ الدين ابنِ الحاضريِّ _صاحبنا وأخينا، وكان في آخر وقتٍ نحويَّ حلبَ_ أنَّه قال: يجوز نصبها، والأُولى أَولى، انتهى، وهي في أصلنا هنا وفي (الفتن) بالنصب، والله أعلم.

==========

[1] في (أ): (جيليا)، وهو تصحيفٌ.

[2] وكذا في نسخةٍ في هامش (ق)، وفي (ق) و «اليونينيَّة»: (تعضَّ).

[3] في (ب): (عنها).

[4] في (ب): (إنَّها).

[5] في (ب): (الأثيريِّ)، وكذا في الموضع اللاحق، والمثبت موافق لما في هامش (ق).

[ج 1 ص 939]

(1/6744)

[حديث: تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر]

3607# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو القَطَّان شيخ الحُفَّاظ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حازم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصححًا عليه: (حدَّثني).

[ج 1 ص 939]

(1/6745)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة]

3608# قوله: (حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ): هذا هو أبو اليمان، تَقَدَّمَ، و (شُعَيْبٌ): هو ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (أَبُو سَلَمَةَ): هو عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا، عبد الرَّحْمَن بن صخر.

قوله: (حتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ [1] دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ [2]): قد كان ذلك في الصدر الأوَّل، رضي الله عن الصَّحَابة أجمعين.

[ج 1 ص 939]

==========

[1] في «اليونينيَّة»: (فِتْيان)، وصُوِّب في هامشها المثبت.

[2] في (ب): (واحد)، وهو تحريفٌ.

(1/6746)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فتيان فيكون بينهما مقتلة عظيمة]

3609# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): (عبد الله بن مُحَمَّد) هذا [2]: هو المسنديُّ، وقد قَدَّمْتُ مستندي [3] في ذلك، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام الحافظ الكبير المشهور [4]، و (مَعْمَر): تَقَدَّمَ مرارًا؛ أنَّه بفتح الميمين بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): هو ابن منبِّه.

قوله: (قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ ... ) إلى آخره: قال القرطبيُّ في «تذكرته»: قد جاء عددهم يقينًا من حديث حذيفة رضي الله عنه: قال رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «في أمَّتي دجَّالون كذَّابون سبعةٌ وعشرون؛ منهم أربعُ نسوةٍ، وأنا خاتم النَّبيِّين، لا نبيَّ بعدي»، خرَّجه الحافظ أبو نُعَيم، وقال: هذا حديثٌ غريب، تفرَّد به معاوية بن هشام وجودًا في كتابه بخطِّ أبيه، حدَّث به أحمد ابن حنبل عن عليٍّ، انتهى، وقد رأيت الحديث الذي فيه عددهم تحقيقًا في «مسند أحمد» من حديث حذيفة أنَّ [5] النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «في أمَّتي كذَّابون ودجَّالون سبعةٌ وعشرون، منهم أربع نسوةٍ، وإنِّي خاتم النَّبيِّين، لا نبيَّ بعدي»، انتهى.

وقال القاضي عياض: هذا الحديث قد ظهر، فلو عُدَّ من تنبَّأَ من زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الآن ممَّن اشتُهِر بذلك وعُرِفَ به؛ لوُجِد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ؛ عرف صحَّة هذا، انتهى.

(1/6747)

[حديث: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت .. ]

3610# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ) قريبًا، وكذا (الزُّهْرِيُّ)، وكذا (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان.

قوله: (وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا): (يَقسم)؛ بفتح أوَّله ثُلاثيٌّ، و (القَسْم)؛ بفتح القاف وإسكان السين، المصدر، وهو تمييز الأنصباء، وهو مَعْرُوفٌ.

قوله: (أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه ضبطًا، وأنَّ اسمه حُرقوص بن زهير، رأس الخوارج.

تنبيه: وقع في هذا «الصحيح» في (كتاب استتابة المرتدِّين) في (باب من ترك قتال الخوارج للتألُّف [1]) ما لفظه: جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميميُّ، فقال: اعْدِلْ، قال الذَّهَبيُّ في «تجريده»: عبد الله بن ذي الخويصرة التميميُّ الذي قال له: اعْدِلْ، كذا سمَّاه في بعض طرق البُخاريِّ، وهو ذو الخويصرة، تَقَدَّمَ، انتهى، ويحتمل أنَّهما قالاه، والله أعلم.

قوله: (قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ): هما بفتح التاء فيهما على الخطاب، وقد تَقَدَّمَ الكلام على تائه هل هي بالخطاب أو بالتكلُّم؛ ومعناه: حُرِمْتَ الخير، وقد يكون (الخسران) بمعنى: الهلاك.

قوله: (فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [2]: يَا رَسُولَ اللهِ؛ ائْذَنْ لِي فِيهِ): تَقَدَّمَ أنَّ الذي سألَه قتْلَه قال الراوي: أحسبه خالدَ بن الوليد، وأنَّ في مكانٍ آخرَ جَزَمَ بخالدٍ، وتقدَّمت الإشارة إلى هذه الرواية: أنَّ عُمر سأل ذلك، والجمع: أنَّهما سألاه عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك، والله أعلم.

قوله: (فَأَضْرِبَ): هو بالنصب، جواب الأمر، وهذا ظاهِرٌ، قال بعضهم: وقيل: صوابه: (أَضْرِبْ)؛ بحذف الفاء والجزم، انتهى.

قوله: (لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّ (التراقي): جمع (ترقوة)، وأنَّها العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.

قوله: (يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ): (يُنظر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (يُنْظَرُ) بعدها في الأماكن الآتية.

قوله: (إِلَى رِصَافِهِ): الرِّصاف؛ بكسر الراء وبالصاد المُهْمَلَة المُخَفَّفة، وفي آخره فاء، قال ابن قرقول: العَقَب: الذي يلوى على مدخلِ النَّصْل في السهم، انتهى، وقَالَ الجَوْهَرِيُّ: الرَّصَفة أيضًا: واحدة الرِّصاف؛ وهي العَقَب الذي يُلوى فوق الرُّعْظ، انتهى، و (الرُّعْظُ)؛ بضَمِّ الراء، وإسكان العين المُهْمَلَة، وبالظاء المُعْجَمَة المشالة: مدخل النصل في السهم، وفوقه (الرِّصاف)؛ وهي لفائف العَقَب، والجمع: (أرعاظ)، وفي الأصل الذي سمعتُ فيه على العِرَاقيِّ في الأصل: (رِصافة)؛ بكسر الراء بالقلم، وفي الهامش: (رُصافة)؛ بضَمِّ الفاء [3] بالقلم، وعليها علامة نسخة، والله أعلم، وحَكى بعضهم عن السفاقسيِّ ضمَّ الراء أيضًا.

(1/6748)

قوله: (نَضِيِّهِ): هو بفتح النون، وكسر الضاد المُعْجَمَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، ثُمَّ هاء الضمير، و (النَّضيُّ): فعيل؛ وهو القِدْح؛ كما فسَّره به في الحديث.

قوله: (قُذَذِهِ): هو بضَمِّ القاف، وفتح الذال المُعْجَمَة الأولى، وذال مثلها في الإعجام، وبعدهما هاء الضمير، وهو جمع (قُذَّة)؛ بضَمِّ القاف، وتشديد الذال المُعْجَمَة المفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي الرِّيش سمِّيت بذلك؛ لأنَّها تُقَذُّ؛ أي: تُسَوَّى.

قوله: (قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ): (الفرث): هو ما في الكَرِش، وهو بالنصب مفعول.

قوله: (آيَتُهُمْ): (الآية): العلامة.

قوله: (رَجُلٌ أَسْوَدُ): هذا الرجل هو ذو الثُّديَّة، واسمه نافعٌ، كذا قال الإمام السُّهَيليُّ في «روضه» في (غزوة الطائف) عن أبي داود، وقد رأيته أنا في «السنن» المذكورة، وفي «الصحاح» للجوهريِّ: أنَّ اسم ذي الثُّديَّة: ثُرْمُلة، انتهى، ويقال: حُرْقوص، ونقل ابن شيخنا البُلْقينيِّ عن «مرآة الزمان»: أنَّ اسمه بلبول، انتهى، و «مرآة الزمان» ليوسف بن قزغلي، وقد تَقَدَّمَ أنَّه سبط الحافظ أبي الفرج بن الجوزيِّ، وتَقَدَّمَ أنَّ ابن تيمية أبا العَبَّاس تكلَّم فيه، وكذا الذَّهَبيُّ في «ميزانه» [4].

قوله: (الْبَضْعَةِ): هي بفتح المُوَحَّدة؛ أي: القطعة.

قوله: (تَدَرْدَرُ): هو بفتح المُثَنَّاة فوق أوَّله، ثُمَّ دالين مهملتين مفتوحتين، وبعد كلِّ دال راء؛ الأولى ساكنة؛ أي: تَدَحْرَجُ؛ يجيء ويذهب بعضُها في بعضٍ.

قوله: (يَخْرُجُونَ [5] عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ): خرجوا لمَّا افترق عليٌّ رضي الله عنه ومعاوية [6]، وفي نسخةٍ: (على خير فرقة)، خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه وأصحابه.

قوله: (فَأَمَرَ): هو بفتح الهمزة والميم؛ أي: أمر عليٌّ رضي الله عنه.

قوله: (فَالْتُمِسَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (فأُتِيَ بِهِ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ أيضًا [7].

==========

[1] في (ب): (ليألف)، وهو تحريفٌ.

[2] (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] يعني: فاء الكلمة، وفي (ب): (الراء).

[4] زيد في (ب): (والله أعلم).

[5] كذا في النُّسخَتَينِ وفي «اليونينيَّة» و (ق): (ويَخْرُجُونَ)؛ بواو.

[6] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[7] (أيضًا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 940]

(1/6749)

[حديث: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام]

3611# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا؛ أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّمَ أنَّه الظاهر أنَّه الثَّوْريُّ، وقد تَقَدَّمَ مستندي في ذلك قريبًا وبعيدًا، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ مرارًا، و (خَيْثَمَة): هو ابن عبد الرَّحْمَن بن أبي سَبْرة يزيد بن مالك الجُعْفيُّ الكوفيُّ، لأبيه وجدِّه صحبةٌ، وثَّقهُ ابن معين وغيره، تَقَدَّمَ.

[ج 1 ص 940]

قوله: (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ): هو بفتح الغين المُعْجَمَة والفاء واللام، وبتاء التأنيث، وقد صحَّفه عبد القدُّوس _كما أسنده عنه مسلمٌ في مقدمة «صحيحه» _ فقال: (عَقَلة)؛ بالعين المُهْمَلَة وبالقاف المفتوحتين، وعند بعض الرواة (عَفَلة)؛ بالفاء والعين المُهْمَلَة المفتوحتين، وكلاهما تصحيفٌ، والله أعلم.

قوله: (قَالَ عَلِيٌّ [1]: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ الحَدِيْثَ [2] ... )؛ إلى آخره: رأيت عن الدَّارَقُطْنيِّ أنَّه قال: (ليس لسويد بن [3] غَفَلة عن عليٍّ صحيحٌ مَرْفُوعٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم غيرُ هذا)، انتهى، وليس له عن عليٍّ في الكتب [4] سوى هذا، وقد أخرجه البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، والله أعلم.

قوله: (أَحَبُّ إِلَيَّ): مَرْفُوعٌ على الخبر، و (فَلأَنْ أَخِرَّ): مبتدأ.

قوله: (فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليها في أوائل (كتاب الجهاد)، وقد ذكرتُ فيها خمسَ لُغاتٍ.

قوله: (سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ): أي: صغيرو العقولِ، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ): الإيمان؛ بكسر الهمزة.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

[2] (الحديث): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] في (ب): (يريد)، وهو تحريفٌ.

[4] زيد في (ب): (الستة)، وضُرِب عليها في (أ).

(1/6750)

[حديث: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه]

3612# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، و (قَيْس): هو ابن أبي حازم.

قوله: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ): (خَبَّاب): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الخاء المُعْجَمَة، وتشديد المُوَحَّدة، وفي آخره مُوَحَّدة أخرى، و (الأَرتُّ): بفتح الهمزة، وبعد الألف راء، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق مُشَدَّدة، الخزاعيُّ، وقيل: التميميُّ، وهو أصحُّ، أبو عبد الله، وقيل: أبو مُحَمَّد، لحقه سِباءٌ في الجاهلية فبيع بمكَّة، وقيل: هو حليف بني زُهرة، وقيل: مولى أمِّ أنمار بنت سباع الخزاعيَّة؛ وهي من حُلفاءِ بني زُهرة، فهو تميميٌّ، ولاؤه لخزاعة، من السابقين، رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.

قوله: (يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ): (يُحفَر) و (يُجعَل) و (يُجاء): كلُّ واحدٍ منها مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا بعده (فَيُشَقُّ).

قوله: (بِالِمئْشَارِ [1]): هو بهمزةٍ ساكنة بعد الميم المكسورة، ويجوز ترك همزه، ويقال: المنشار أيضًا بالنون لغةٌ، ولا أعلمه رواية، لكنِّي رأيت في «شرح مسلمٍ» للنَّوويِّ في مكان الكلِّ رواياتٍ.

قوله: (لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ [2]): (يَتِمَّنَّ): مَبْنيٌّ للفاعل، وهو بفتح أوَّله، و (الأمرُ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (يَتِمُّ) لازم.

قوله: (مِنْ صَنْعَاءَ): هي بالمدِّ في آخرها، والنسبة إليها: صنعانيٌّ؛ على غير قياس، قاعدة اليمن، ولهم صنعاء أخرى بدمشق، بجانبها الغربيِّ، في ناحية الربوة، ولهم صنعاء بالروم، ويقال لصنعاء اليمن: (أَزَالِ)؛ بفتح الهمزة وبالزاي، ولام في آخرها يجوز كسرها، ويجوز في لغة قليلة: (ضنعان)؛ بالضاد المُعْجَمَة، ذكرها والتي قبلها الحازميُّ في «المؤتلِف»؛ هذه في الضاد المُعْجَمَة، والتي قبلها في الهمزة، والله أعلم.

قوله: (إِلَى حَضْرَمَوْتَ): هي بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الضاد المُعْجَمَة، وفتح الميم، وهذيل تضمُّها منها، وهو غريب، قال أهل اللغة: يجوز فيها بناء الاسمين على الفتح، فتُفتَح الراء والتاء، ويجوز بناء الأوَّل وإعراب الثاني كإعراب ما لا ينصرف، فيقال: هذا حضرموتُ؛ برفع التاء، ويجوز إعراب الأوَّل والثاني، فيقال: هذا حضرُ موتٍ؛ برفع الراء وجر التاء وتنوينها، والنسبة إليها حَضرميٌّ؛ وهو اسمٌ لبلدةٍ باليمن، وهو أيضًا اسم لقبيلةٍ، وقد تَقَدَّمَ.

(1/6751)

[حديث: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار]

3613# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الجِهبِذ الناقد، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان، مولى عبد الله بن مغفَّل المزنيُّ، أحد الأعلام، لا عبد الله بن عون ابن أمير مصر، هذا الثاني ليس له في «البُخاريِّ» شيءٌ، وإنَّما روى له مسلمٌ والنَّسائيُّ، وقد قَدَّمْتُ ذلك مَرَّاتٍ.

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ): هذا الرجل: هو سعْد بن معاذ، ذكره إسماعيل في «أحكامه»، وقيل: عاصم بن عديٍّ العجلانيُّ، ذكره الطَّبَريُّ، وقيل: أبو مسعود البدريُّ، ذكره الواقديُّ في «الرِّدَّة»، قاله ابن بشكوال، انتهى [1].

وفي عَزْوِ الأوَّل لإسماعيلَ قصورٌ، فهو في «مسلمٍ» في أثناء (كتاب الإيمان)، والله أعلم، ويأتي ما فيه في (التفسير) في (الحجرات).

قوله: (قَالَ [2] مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ ... ) إلى آخره: هذا مرسلٌ؛ لأنَّ موسى بن أنسٍ تابعيٌّ، ولو لَمْ يكن كذلك؛ لما احتاج إلى المجيء بموسى بن أنس، ولكان يقول: (قال كذا وكذا، فرجع المرَّة الآخِرة ... ) إلى آخره، والله أعلم، وكذا رواه في (التفسير) في (الحجرات)، وفي «مسلم» من حديث ثابت عن أنسٍ: فذكر ذلك سعدٌ للنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «بل هو من أهل الجنَّة».

قوله: (بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ): هي بكسر المُوَحَّدة، قال بعضهم: وحَكى السفاقسيُّ الضمَّ.

==========

[1] (انتهى): ليس في (ب).

[2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَقَالَ).

[ج 1 ص 941]

(1/6752)

[حديث: اقرأ فلان فإنها السكينة نزلت للقرآن أو تنزلت للقرآن]

3614# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأن لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ ما معنى (البُنْدار) في أوَّل هذا التعليق، وتَقَدَّمَ (غُنْدرٌ) ضبطًا، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر، ومن لقَّبَه غُنْدُرًا، وتَقَدَّمَ (أَبُو إِسْحَاقَ): أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، وتَقَدَّمَ الكلام على (الْبَرَاء)، وعلى (عَازِبٍ) والده، وأنَّ عازبًا صَحَابيٌّ رضي الله عنه، قال الواقديُّ: لَمْ نسمع له بذكرٍ في المغازي.

قوله: (قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ): هذا الرجل: هو أُسيد بن الحُضير؛ بضَمِّ أوَّل (أُسيد) و (حُضير)، صَحَابيٌّ جليل مشهور، وقد جاء مسمًّى كذلك في هذا «الصحيح» في بعض الطُّرق في هذا الحديث.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[ج 1 ص 941]

(1/6753)

[حديث أبي بكر في الهجرة]

3615# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو البُخاريُّ، أبو أحمد البيكنديُّ، كما صَرَّحَ به الجَيَّانيُّ في «تقييده»، وعبدُ الغنيِّ بن عبد الواحد المقدسيُّ في «الكمال» في ترجمة أحمد بن يزيد الحرَّانيِّ، يروي مُحَمَّد هذا عن ابن عُيَيْنَة ووكيعٍ وغيرهما، وعنه: البُخاريُّ وأحمد بن سيَّار، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له، وله رحلة واسعة، وقد تَقَدَّمَ في (كتاب العلم)، وأنِّي لا أعلم فيه جرحًا ولا تعديلًا، إلَّا أنَّ البُخاريَّ روى عنه في غير مكانٍ في هذا «الصحيح» محتجًّا به، والله أعلم.

و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّمَ أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ أعلاه.

قوله: (أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الْغَدِ): قال ابن قرقول: لا يُستعمَل (السُّرى) إلَّا بالليل، ولكنَّه لمَّا ذكره مع الليل؛ ضمَّ النهار معه وغلب أحدهما على الآخر، وقد تكون هذه اللفظة: أسأَرْنا ليلنا ويومنا، والإسئار: سير الليل مع النهار، انتهى، يقال: سرى وأسرى يُسري إسراء؛ لغتان.

قوله: (حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ): هو كنايةٌ عن وقوف الشمس وقتَ الهاجرة حتَّى كأنَّها لا تبرحُ، فيكون قيامُها كنايةً عنها، أو عن الظلِّ؛ لوقوفه حينئذٍ حتَّى يأخذ في الزيادة.

[ج 1 ص 941]

قوله: (فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ): (رُفعت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (صخرةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن [1] نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (طَوِيلَةٌ): مثله، صفة لـ (صخرة).

قوله: (بِيَدِيَّ): هو بتشديد الياء الأخيرة، كذا في أصلنا على التثنية.

قوله: (فَرْوَةً): قال ابن قرقول: (ففرشتُ عليه فروة)، ويروى: (وبسطتُ عليه فروة): قيل: هي [2] حُشاشة يابسةٌ، أو قطعةٌ من حشيشٍ يابس، ويحتمل أنْ تكون على وجهه وظاهره، وفي بعض طرقه في «البُخاريِّ» في (باب الهجرة): (ففرشتُ له فروة معي [3])، وهذا يُشعر بأن الفروة ههنا من اللباس المعلوم، انتهى، وكذا ذكر القولين ابن الأثير في «نهايته».

قوله: (وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ): (أَنْفُض): بفتح الهمزة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ فاء مضمومة، ثُمَّ ضاد معجمة؛ أي: أتجسَّسُ وأتعرَّف ما فيه ممَّا يخافه، و (النَّفَضَةُ): الجماعة يُبعثون في الأرض ينظرون هل فيها عدوٌّ أو خوفٌ؟ وكذلك (النَّفيضة) نحو الطَّليعة.

قوله: (فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ): هذا الراعي: هو عبد الله بن مسعود، كذا في «مسند أحمد»، وفي ذلك نظرٌ.

قوله: (لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ): هذا شكٌّ من الراوي، فكلاهما صحيحٌ في نفسه، أمَّا مكَّة؛ فظاهرٌ، وأمَّا المدينة؛ فلمَّا كان الرَّاعي قريبًا من مكَّة؛ قال: المدينة، والله أعلم، وقد جاء في موضعٍ آخرَ الجزمُ [4] بـ (المدينة).

والرجل صاحب الغنم: هو عقبة بن أبي مُعَيط، كما في «المسند»، وفيه نظرٌ.

(1/6754)

قوله: (أَفِي [5] غَنَمِكَ لَبَنٌ؟): هو بفتح اللام والموحدة؛ يعني: اللبنَ المعروف، هذه الرواية المشهورة، ورُويَ بضَمِّ اللام، وإسكان الباء؛ أي: شياهٌ ذاتُ ألبانٍ، قاله النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ».

قوله: (وَالْقَذَى): هو بفتح القاف، وبالذال المُعْجَمَة، مقصور، وهو ما يسقط في الشراب وفي العين.

قوله: (فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ): كذا هنا، وفي أخرى: أنَّ أبا بكرٍ قال: (فحلبتُ)، وسيأتي الجمع بينهما في حديث الهجرة وغيره، والله أعلم.

قوله: (فِي قَعْبٍ): هو بفتح القاف، وإسكان العين المُهْمَلَة، وبالموحدة، وهو إناءٌ من خشبٍ، ضخمٌ مدوَّرٌ مقعَّرٌ، يشبه حوافرَ الخيل؛ لتدويره.

قوله: (كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ): (الكُثْبة): بضَمِّ الكاف، ثُمَّ ثاء مُثَلَّثَة ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهو الشيء القليل، و (الكُثْبة): كلُّ قليلٍ جمعْتَه من طعامٍ أو لبنٍ أو غير ذلك، والجمع: كُثَبٌ.

قوله: (وَمَعِي إِدَاوَةٌ): تَقَدَّمَت غَيْرَ مَرَّةٍ.

قوله: (أَلَمْ يَأْنِ الرَّحِيلُ [6]؟): أي: يحِنْ وقتُه.

قوله: (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ): (سراقةُ): مَرْفُوعٌ فاعل (اتَّبَع)، وجدُّه اسمه جُعْشُم المُدْلِجيُّ، أبو سفيان، نزل قُدَيدًا، وهو الذي ساخت قوائمُ فرسِه، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، أسلم بالجعرانة عنده عليه الصَّلاة والسَّلام حين انصرف من حُنين والطائف في سنة ثمانٍ، روى عنه: ابن المُسَيّب، ومجاهد، وطاووس، وعُلَيُّ بن رباح، وابنه مُحَمَّد بن سراقة، وجماعة، مات سنة (24 هـ)، فإنْ صحَّ هذا؛ فرواية هؤلاء عنه مرسلةٌ، وقيل: مات بعد عثمان، وقد روى عنه من القدماء: عبدُ الله بن عُمر وابن عَبَّاس، و (جُعْشُم) جدُّه: بضَمِّ الجيم والشين المُعْجَمَة، وحَكى الجوهريُّ ضمَّ الجيم وفتحَها، كذا قال النَّوويُّ، وفي «الصحاح»: الجُعْشُم: الرجل القصير الغليظ مع شدَّة، قال الفرَّاء: فتح الجيم والشين فيه أفصح، هذا لفظُه، والله أعلم.

قوله: (أُتِينَا): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَارْتَطَمَتْ): هو بهمزة وصل، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق، ثُمَّ طاء مهملة، ثُمَّ ميم، مفتوحات، ثُمَّ تاء هي علامة التأنيث؛ أي ساخت قوائمها في الأرض، وأصل الارتطام: الدخول في أمر ينشب فيه، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: رطمتُه في الوَحَل رَطْمًا؛ فارتطم هو؛ أي: ارتبك فيه، وارتطم عليه أمرٌ؛ إذا لَمْ يقدر على الخروج منه.

قوله: (أُرَى): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ): (الجَلَد): بفتح الجيم واللام، وبالدال المُهْمَلَة؛ أي: غليظٍ صُلبٍ.

قوله: (أُرَاكُمَا): هو بضَمِّ الهمزة أي: أظنُّكما.

قوله: (فَاللهَ [7] لَكُمَا): الاسم الجليل: مَنْصُوبٌ، ونصبه معروف، على القَسَمِ.

قوله: (وَوَفَى لَنَا): تَقَدَّمَ أنَّ (وفى) و (وفَّى)؛ بالتخفيف والتشديد؛ لغتان.

==========

[1] (مُنَوَّن): ليس في (ب).

[2] في (ب): (هو).

[3] في (ب): (معنى)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (بالجزم).

(1/6755)

[5] في (ب): (وفي).

[6] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (لِلرَّحِيلِ).

[7] كذا في (أ) مضبوطًا و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فاللهُ).

(1/6756)

[حديث: لا بأس طهور إن شاء الله]

3616# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا خالد الحَذَّاء، خالد بن مِهْرَان، أبو المُنازِل، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا وغير مُتَرْجَمٍ.

قوله: (عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ): هذا الأعرابيُّ لا أعرفه، وسيأتي أنَّ ابن شيخنا سمَّاه قيس بن أبي حازم، وكذا قال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين: إنَّ الحديث في «ربيع الأبرار» أنَّه قيس، انتهى، وفيه نظرٌ سيأتي.

قوله: (طَهُورٌ): هو بفتح الطاء، ويجوز ضمُّها، وقد تَقَدَّمَ، وكذا الثانية والثالثة، وإنَّما سمَّاها طَهورًا؛ لغسلها خطايا ابن آدم؛ كالماءِ.

[ج 1 ص 942]

قوله: (فَنَعَمْ إِذًا): يقال: إنَّه تُوُفِّيَ في ذلك المرض، وسيأتي، والله أعلم.

(1/6757)

[حديث: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه .. ]

3617# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، بينهما عينٌ مهملة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحَجَّاج المِنقريُّ، الحافظ المُقْعَدُ، وتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (عَبْدُ الْوَارِثِ) أنَّه ابن سعيد بن ذكوان، أبو عُبيدة الحافظ، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ) بعده: هو ابن صُهيب.

قوله: (كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا): كذا في أصلنا، وكذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، ولعلَّ صوابَه: (نصرانيٌّ)، والخبر: (فأسلمَ)، وهذا الرجل لا أعرف اسمه، غيرَ أنَّه من بني النَّجَّار؛ لأنَّ في «مسلمٍ» من حديث أنس: (كان منَّا رجلٌ من بني النَّجَّار قد قرأ البقرة وآل عمران ... )؛ الحديث.

قوله: (وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ): هو بفتح الفاء؛ أي: طرحته، ويقال فيه بكسر الفاء، لغة حكاها ابن القطَّاع في «أفعاله»، وإنَّما فُعِل به ذلك؛ لتقوم الحجَّةُ على مَن رآه من الكفَّار وعرفَه، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 943]

(1/6758)

[حديث: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده]

3618# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه نُسِبَ إلى جدِّه، وهو يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث) هو ابن سعد الإمام، و (يُونُس): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا [1] أنَّه الزُّهْرِيُّ [2] مُحَمَّد بن مسلم، و (ابْنُ المُسَيّب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعيد، وأن ياء (المُسَيّب) مفتوحة ومكسورة، بخلاف غيره ممن اسمه المُسَيَّب؛ فإن ياءه بالفتح ليس إلَّا، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

قوله: (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى): تَقَدَّمَ معناه، وكذا في (قَيْصَرُ)، وتَقَدَّمَ أنَّ (كِسرى) بكسر الكاف وفتحها [3].

قوله: (لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا [4]): (تُنْفَقَنَّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (كنوزُهما): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

==========

[1] (تَقَدَّمَ مرارًا): سقط من (ب).

[2] (الزهري): سقط من (ب).

[3] في (ب): (بفتح الكاف وكسرها).

[4] في «اليونينيَّة»: (لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا).

[ج 1 ص 943]

(1/6759)

[حديث جابر: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده]

3619# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثَّوْريُّ.

قوله: (رَفَعَهُ): تَقَدَّمَ الكلام على (يرفعُه) و (يَنميه)، و (يَبلُغُ به)، و (روايةً)، وأنَّ كلَّه مَرْفُوعٌ إذا قاله صَحَابيٌّ كهذا، وأنَّ كلَّه بمنزل: (قال رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)، وإنْ قاله تابعيٌّ؛ فهو مرسلٌ، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 943]

(1/6760)

[حديث: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب]

3620# 3621# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه الحكم بن نافع، وأنَّ (شُعَيْبًا): هو ابن أبي حمزة.

قوله: (قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ): هو مسيلمة بن حبيب، وقيل: ابن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هَفَّان بن ذُهل بن الدؤل [1] بن حنيفة، من بني حنيفة، كنيته أبو ثمامة، ولا عقب له، جمعَ جموعًا كثيرةً من بني حنيفة وغيرِهم من سُفهاء العرب وغَوْغَائهم، وقصد قتال الصَّحَابة على إثر وفاةِ رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجهَّز إليه الصِّدِّيق الجيوشَ وأميرهم خالد بن الوليد، فقاتلوه فظهروا عليه، فقتلوه كافرًا، وذلك في ربيع الأوَّل سنة اثني عشرة من الهجرة، قُتِل فيها أربع مئة وخمسون من الصَّحَابة، وقيل: ستُّ مئة؛ وفيهم سبعون من الأنصار رضي الله عنهم، قتله وحشيُّ بن حرب، وقيل غيره، وقد اشترك جماعةٌ في قتله أذكرهم في (غزوة أُحد) إنْ شاء الله تعالى، وقُتِل جماعةٌ من أتباعه.

لطيفةٌ: يقال: إنَّ مسيلمة أوَّل من أدخل البيضة في القارورة، وأوَّل من وصل جناح الطائر المقصوص، وكان يدَّعي أنَّ ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها، قال رجل من بني حنيفة يرثيه:

~…لَهْفِي عَلَيْكَ أَبَا ثُمَامَةْ…لَهْفِي عَلَى رُكْنَي شمَامَةْ

~…كَمْ آيَةٍ لَكَ فِيهِمُ…كَالشَّمْسِ تَطْلعُ فِي غَمَامَةْ

حكى ذلك السُّهَيليُّ، وقال: كَذَبَ، بل كانت آياته منكوسةً، يقال: إنَّه تفل في بئرِ قومٍ سألوه ذلك تبرُّكًا؛ فمَلُح ماؤه، ومسح رأس صبيٍّ؛ فقرِعَ قرعًا فاحشًا، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة؛ فرجع إلى منزله، فوجد أحدَهما قد سقط في البئر، والآخر قد أكله الذئب، ومسح على عَينَيْ رجلٍ استشفى بمسحه؛ فابيضَّت عيناه، انتهى.

قوله: (وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ): أي: لن تتجاوزَه، كذا في جميع الروايات في «البُخاريِّ»، وفي «مسلم»: «لن أتعدَّى أمرَ الله فيك»، ورجَّح الوقَّشيُّ رواية البُخاريِّ، قال: ولعلَّ ما في «مسلم»: ولن تعدَّى؛ فزيدت الألف وهمًا، قال القاضي: الوجهان صحيحان، فمعنى الأوَّل: لن تعدوَ أمرَ الله في خيبتك [2] فيما أمَّلته من النُّبوَّة وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق أمر الله وقضاؤه فيه من شقائه، ومعنى الثاني: لن أعدوَ أنا [أمر] الله فيك من أنِّي لا أُجيبك إلى ما طلبتَه ممَّا لا ينبغي لك من الاستخلاف أو من الشركة، ومِن أن أُبلِّغ ما أنزل الله إليَّ، وأدفع أمرك بالشيء الذي هو أحسنُ، انتهى كلام ابن قرقول.

قوله: (لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ): أي: ليُهلكنَّك ويقتلنَّك، ومنه الكلب العقور؛ أي: الذي يَقتل الصيدَ، ويكون بمعنى الجارح أيضًا، و (العقر): الجَرح.

قوله: (لأُرَاكَ): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: لأظنُّك.

قوله: (فِي يديَّ): هو بتشديد الياء، وهذا ظاهِرٌ، تثنية (يَدٍ).

(1/6761)

قوله: (سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ): (السِّوار): بكسر السين وتضمُّ، وأُسوار؛ بضَمِّ الهمزة؛ ثلاثُ لُغَات، وفي «المطالع»: سُوار، وسِوار، وإِسوار؛ بالكسر لا غير، انتهى، فما أدري هل قوله: (بالكسر) غلطٌ من الناسخ أو لغة ثانية؟ والله أعلم.

قوله: (فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا): (شأنُهما)؛ بالرفع: فاعل (أهمَّني).

قوله: (فَأُوحِيَ إِلَيَّ): (أُوحِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ

قوله: (أَنِ انْفُخْهُمَا): (انفخ): بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها.

قوله: (يَخْرُجَانِ بَعْدِي): أي: تظهر شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوَّةَ، وإلَّا؛ فقد كانا في زمنه.

قوله: (فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ): (أحدُهما): مَرْفُوعٌ اسم (كان)، و (العنسيَّ): مَنْصُوبٌ الخبر، ويجوز العكس، وكذا (وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ): و (مسيلمةَ): مَنْصُوبٌ، و (الكذَّابَ): صفة له، و (صَاحِبَ): مَنْصُوبٌ أيضًا، ويجوز فيه ما جاء في (أحدُهما العنسيَّ)، وهذا كلُّه ظاهرٌ، وسأذكر الكلام في مسيلمة أيضًا والأسودِ العنسيِّ في (باب وفد بني حنيفة) قُبَيل (قصَّة الأسود العنسيِّ) إنْ شاء الله تعالى.

[ج 1 ص 943]

(1/6762)

[حديث: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل]

3622# قوله: (بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ [1]، عَنْ أَبِي مُوسَى): أمَّا (بُرَيد)؛ فقد تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الراء، وتَقَدَّمَ أنَّ (أبا بُردة) جدَّ بُرَيد: اسمه الحارث أو عامر، القاضي، ابن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

قوله: (أُرَاهُ): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.

قوله: (فَذَهَبَ وَهْلِي [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: (وهَل إلى الشيء يَهِلُ وهْلًا: ذَهَبَ وهَمُهُ إليه، ووهِلَ يَوْهَلُ وهَلًا: جَبُنَ، وأيضًا قَلِق، وفي الشيء وعنه: نسيه)، انتهى، وكذا قاله غيره: وهَل إلى الشيء؛ بالفتح، يهِل؛ بالكسر، وهْلًا؛ بالسكون: إذا ذهب وهمُه إليه، قال في «الصحاح»: والوَهْلة: الفزعةُ، والوَهَل؛ بالتحريك: الفزع، وقد وَهِلَ يَوْهَلُ، وهو وهِلٌ [3] ومستوهل، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال ما لفظه: أبو زيد: وَهِلَ يوْهَلُ في الشيء وعن الشيء وَهَلًا؛ إذا غلط فيه وسها، ووهَلْتُ إليه؛ بالفتح، أَهِلُ وهْلًا؛ إذا ذهب وهَمُك وأنت تريد غيرَه؛ مثل: وهَمْتُ، وحَكى بعضهم فيه السكونَ والفتح، ثُمَّ نقل الفرق.

قوله: (أَوْ الهَجَرُ [4]): تَقَدَّمَ الكلام على (هجر)، وكلام صاحب «الصحاح» فيها، والنسبة إليها، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه الرواية، قال الدِّمْيَاطيُّ: يعني: هجر باليمن، وهي قاعدة البحرين، ويقال: الهجر: بينها وبين البحرين عشرُ مراحلَ.

قوله: (وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ): جاء في بعض طرق هذا الحديث خارجَ الكتب: (ورأيت فيها بقرةً تُنحَر)، وسأعزو هذه الزيادةَ قريبًا، وبهذه الزيادةِ يتمُّ تأويلُ الرؤيا بما ذَكر، فنَحْرُ البقر هو قتل الصَّحَابة الذين قُتِلوا بأحُد، وانظر دقَّة فهم البُخاريِّ؛ وذلك أنَّه أخرج هذا الحديث في (التعبير)، وبوَّب عليه: (بابٌ: إذا رأى بقرًا تُنحَر)، ولم يقع له (تُنحَر) في الحديث الذي أخرجه؛ لأنَّه أخرجه من حديث أبي موسى، وكأنَّها ليست فيه، أو لم تكن على شرطه، فجعلها في الترجمة، وفي «مسند أحمد»: (حَدَّثَنَا عبد الصمد وعفَّان قالا: حَدَّثَنَا حَمَّاد: قال عفَّان في حديثه: أَخْبَرنَا أبو الزُّبَير عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «رأيت كأنِّي في دِرعٍ حصينة، ورأيت بقرًا منحرة، فأوَّلت: أنَّ الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأنَّ البقرَ بقرٌ، والله خير»، وقد ساقه شيخنا الحافظ نور الدين الهيثميُّ تلميذ شيخنا العِرَاقيِّ في «زوائد [5] المسند» في (التعبير)، وهذا لفظه، وذكره في (غزوة أحُد) بالسند، ولفظه: (ورأيت فيها بقرًا تُنحَرُ).

(1/6763)

قوله: (وَاللهُ خَيْرٌ [6] ... ) إلى آخره: هو برفع الاسم الجليل، و (خيرٌ): خبره، وصُوِّب، وعند بعضهم بالكسر على القسم، و (بَعْدُ يَوْمَ [7] بَدْرٍ): بضَمِّ الدال، ونصب (يوم)، قال القاضي _كما نقله عنه النَّوويُّ_: ضبطنا هذا الحرفَ عن جميع الرُّواة: (واللهُ خيرٌ)؛ على الابتداء والخبر، و (بعدُ يومَ بدرٍ): بضَمِّ الدال، ونصب (يوم)، قالوا: ورُويَ بنصب الدال، قالوا: ومعناه: ما جاء الله به يوم بدر الثانية من تثبيت المؤمنين؛ لأنَّ الناس جمعوا لهم وخوَّفوهم، فزادهم الله إيمانًا، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 173 - 174]، وتفرَّق العدوُّ عنهم؛ هيبةً لهم، قال القاضي: قال أكثر شرَّاح الحديث: معناه: ثواب الله خير؛ أي: صُنْعُ الله بالمقتولين خيرٌ لهم من بقائهم في الدنيا، قال القاضي: والأَولى قولُ مَن قال: (واللهُ خيرٌ) مِن جملة الرؤيا، وكلمةٌ أُلقِيَت إليه، وسمعها في رؤياه عند رؤيا البقر؛ بدليل تأويله لها بقوله: «وإذا الخير ما جاء الله به»، والله أعلم.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (أَبِي بُرْدَةَ).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق) مصحَّحًا عليها، وفي «اليونينيَّة»: (وهَلي).

[3] في (ب): (وهيل)، وهو تحريفٌ.

[4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) من نسخة: (هجر).

[5] في (ب): (رواية).

[6] في (ب): (لخير)، والمثبت موافقٌ لما في البخاري».

[7] في «اليونينيَّة» و (ق): (بعدَ يومِ).

[ج 1 ص 944]

(1/6764)

[حديث: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي]

3623# 3624# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، و (زَكَرِيَّاءُ) بعده: تَقَدَّمَ أنَّه زكرياء [1] بن أبي زائدة، و (فِرَاس): هو ابن يحيى الهَمْدانيُّ الكوفيُّ المكتِّب، عن الشَّعبيِّ وأبي صالح، وعنه: شعبة وأبو عوانة، وثَّقهُ أحمد، وابن معين، والنَّسائيُّ، قال القَطَّان: ما أنكرت من حديثه إلَّا حديثَ الاستبراء، تُوُفِّيَ سنة (129 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» كالتمييز، و (عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ [2]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن شَراحيل، وأنَّ (الشَّعْبيَّ) بفتح الشين المُعْجَمَة.

قوله: (كَأَنَّ مِشْيَتَهَا): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (المِشية): بكسر الميم، و (مِشيتها): اسم (كأنَّ)، و (مَشْيُ): مَرْفُوعٌ خبر.

قوله: (ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ): هذا شكٌّ من الراوي، وكذا في غير «الصحيح» من الكتب إلَّا في «ابن ماجه»، ففيه: (عن شماله)؛ من غير شكٍّ.

قوله: (لأُفْشِيَ): هو بضَمِّ الهمزة، رُباعيٌّ؛ أي: أُظهِرُ وأُذيعُ.

قوله: (حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبِضَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.

قوله: (إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي): الظاهر أنَّ (إنَّ) بكسر الهمزة على الحكاية؛ لأنَّ الظاهر أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال لها: (إنَّ جبريل)؛ مكسورةً، والظاهر أنَّه يجوز فتحها، و (إِنَّهُ عَارَضَنِي): يجيء [3] فيه ما ذكرته في التي قبلها، والله أعلم، [وقد جاء في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ [أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ]} [آل عمران: 39] في السبعة: الفتح والكسر، وهذا مثله، والله أعلم] [4]، وكذا قوله: (وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي) مثلهما.

قوله: (وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا): (أُراه): بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.

قوله: (لِذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّث، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] (زكرياء): ليس في (ب).

[2] (الشَّعبي): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[3] في (ب): (يجوز).

[4] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[ج 1 ص 944]

(1/6765)

[حديث: دعا النبي فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيه]

3625# 3626# قوله: (فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ): كذا في أصلنا، ولعلَّه مؤوَّل بمرضه الذي قُبِض فيه.

(1/6766)

[حديث: كان عمر بن الخطاب يدني ابن عباس]

3627# قوله: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ): هو بكسر المُوَحَّدة، وبالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ أنَّ اسمه جعفر بن أبي وحشيَّة، واسم أبي وحشيَّة إياسٌ اليشكريُّ، تَقَدَّمَ.

قوله: (إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ): (أبناءً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن اسم (إنَّ)، و (لنا): الجارُّ والمجرور خبرٌ مقدَّم، و (مثلَه): مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ، وأكبر أولاد عبد الرَّحْمَن بن عوف: مُحَمَّدٌ، وبه كان يُكنَى.

[ج 1 ص 944]

قوله: ({إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ): إنْ قيل: مِن أين أخذ ذلك عُمر وابن عَبَّاس رضي الله عنهم؟ فالجواب: أنَّهما أخذاه من قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]، وسأذكر ذلك مُطَوَّلًا، والله أعلم.

(1/6767)

[حديث: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار]

3628# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ): هو عبد الرَّحْمَن بن سُليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاريُّ، و (الغَسِيل): بفتح الغين المُعْجَمَة، وكسر السين المُهْمَلَة، و (الغَسِيل): هو حنظلة بن أبي عامر، غسلته الملائكة يوم أحُد؛ لأنَّه كان جُنُبًا، وكان ينبغي أن يُكتَب: (ابنُ الغَسِيل)؛ بالألف، ويُعرَب إعرابَ (عبدُ الرَّحْمَن)؛ لأنَّه يُعرف بابن الغَسِيل، وفي أصلنا: (ابن)؛ بغير ألف، وهي مدلَّسة ليست مضبوطة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (عبد الرَّحْمَن) هذا.

قوله: (بِمِلْحَفَةٍ): هي بكسر الميم، تَقَدَّمَت.

قوله: (عَصَبَ): بتخفيف الصاد، وفي «الصحاح» التشديدُ [1]، وقد قَدَّمْتُ أنَّه يُقال بهما.

قوله: (دَسْمَاءَ): هي بفتح الدال وإسكان السين المُهْمَلَتين، ممدودة، قال ابن قرقول: ويُروَى: (دَسِمة)؛ بكسر السين؛ أَيْ: لونُها كلون الدسم؛ كالزيت وشِبهه، وقيل: سوداء، وقد رُويَت هكذا: (وعليه عصابة سوداء)، ولم تكن دَسْماءَ بما يخالطها من الدَّسم؛ لأنَّ لونَها لونُ الدسم؛ كما يُقال: ثوب زيتيٌّ جَوزيٌّ.

قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّمَ الكلام على إعرابها، وأوَّل مَن قالها، في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (يَكْثُرُونَ): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الثاء المُثَلَّثَة.

قوله: (فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ): (يقبل) و (يتجاوز): مبنيَّان للفاعل، ومعنى المجاوزة عن مسيئهم: في غير الحدود، والله أعلم.

(1/6768)

[حديث: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين]

3629# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو المسنَديُّ وإن كان [2] ابن أبي شيبة روى عن يحيى بن آدم، لكن إنَّمَا روى عنه في «مسلمٍ»، قاله ابن طاهر.

قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى): (أبو موسى) هذا: هو كما قال [3] الدِّمْيَاطيُّ: (إسرائيل بن موسى انفرد به البُخاريُّ، وإسرائيل بن يونس اتَّفقا عليه) انتهى، وكذا قال المِزِّيُّ في تطريف هذا الحديث: إنَّه إسرائيلُ هذا، وإسرائيل بن موسى صاحب الترجمة بصريٌّ نزل الهند، ورَوى عن الحسن، ووَهْب، وأبي حازم الأشجعيِّ، وعنه: السفيانان، ويحيى القَطَّان، وحُسينٌ الجعفيُّ، وثَّقهُ أبو حاتم وغيره، وله ترجمة فِي «الميزان»، وصحَّح عليه، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.

وقول الدِّمْيَاطيّ: (انفرد به البُخاريُّ)؛ أي: عن مسلم، وهذه عادته، وإسرائيل بن يونس متَّفقٌ عليه كما قال، وأخرج له بقيَّة أصحاب الكُتُب السِّتَّة، وقد تَقَدَّمَ، وله ترجمة فِي «الميزان»، وصحَّح عليه أيضًا.

قوله: (عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ): (الحسن): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، وقد قَدَّمْتُ الكلام في سماع الحسن من أبي بَكْرة، وقد تَقَدَّمَ تصريحه بالسماع منه في هذا الحديث في (الصلح) في (باب قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ ابني هذا سيِّد»)، والله أعلم.

(1/6769)

[حديث أنس: أن النبي نعى جعفرًا وزيدًا قبل أن يجيء خبرهم وعيناه ... ]

3630# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا): أي: أعلم الصَّحَابةَ بموتهما وقتلهما، وكذا ابن رواحة، وكان قتلُهم في غزوة مؤتة سنة ثمانٍ، وقد تَقَدَّمَ ذلك.

قوله: (تَذْرِفَانِ): هو بالذال المُعْجَمَة، وكسر الراء؛ أي: تنصبَّان دمعًا، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[ج 1 ص 945]

(1/6770)

[حديث: أما إنه سيكون لكم الأنماط]

3631# قوله: (عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): (عَمرو): بفتح العين، وزيادة واو، و (عَبَّاس): بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه ليس في الكُتُب السِّتَّة من اسمه عُمر بن عَبَّاس؛ بالمُهْمَلَة، ولا عَمرو بن عيَّاش؛ بالياء والشين المُعْجَمَة، والله أعلم، و (ابْنُ مَهْدِيٍّ): هو عبد الرَّحْمَن الحافظ، أحد الأعلام.

قوله: (مِنْ أَنْمَاطٍ): (الأَنْماط)؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ نون ساكنة، وفي آخره طاء مهملة: جمع (نَمَط)؛ وهو ظهرُ فِراشٍ، وهذا أيضًا يُغشَى به الهودج، وهو أيضًا: النوع والصِّنف، ومنه: «خيركم النَّمَط الأوَّل»، وفي «النهاية»: الأنماط: ضربٌ من البُسُط له خَمْلٌ رقيقٌ، واحدها: نَمَط، ومنه حديث جابر: (وأُتِيَ لنا أَنْماطٌ).

قوله: (أَمَا إِنَّها [1]): تَقَدَّمَ أنَّ (أَمَا) بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، وأنَّها بمنزلة (أَلَا) التي للاستفتاح، ولهذا كُسِرت همزة (إنَّها) بعدها.

قوله: (فَأَنَا أَقُولُ لَهَا؛ يَعْنِي: لامْرَأَتِهِ [2]): و (امرأة جابر) هذه: لا أعرف اسمها، وقال بعض الحُفَّاظ: إنَّ اسمها سُهَيمة بنت مسعود بن أوس [3] الأنصاريَّة، ذكرها ابن سعد فيمَن بايع من النساء، انتهى.

قوله: (فَأَدَعُهَا؟): هو بفتح الهمزة والدال، مَرْفُوعٌ؛ أي: أفأتركها؟

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (إنَّه).

[2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (امرأتَهُ).

[3] في (ب): (عمرو)، وليس بصحيحٍ.

[ج 1 ص 945]

(1/6771)

[حديث: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام]

3632# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ): هذا أحمد بن إسحاق بن الحصين السُّلَميُّ المطوَّعيُّ، أبو إسحاق البُخاريُّ [2] السُّرماريُّ، وقد تَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة وضبطها وما يتعلَّق به، وسُرمارة [3]: مِن قرى بخارى، أحد فرسان الإسلام، ومَن يُضرَبُ بشجاعته المثلُ، تَقَدَّمَ في أوائل هذا التعليق.

قوله: (عَنْ [4] إِسْرَائِيلَ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عَمرِو بن عبد الله.

قوله: (فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ... ) إلى قوله: (فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا [5] [يَزْعُمُ] أَنَّهُ قَاتِلُكَ): اعلم أنَّ المشهور عند أرباب السِّيَر: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال ذلك لأخيه أُبيِّ بن خلف بمكَّة قبلَ الهجرة، وهو الذي قتله عليه الصَّلاة والسَّلام بعد ذلك بأحُد بحربته، وما هنا لا ينافي ما هو المشهور عند أرباب السِّيَر، فإنَّ أُمَيَّة قُتِل ببدرٍ كافرًا، وأُبَيٌّ قتله عليه الصَّلاة والسَّلام بأُحُد كافرًا، ولكن عاش حتَّى وصلوا به سرِفَ، فهلك المُسْرِف بِسَرِف.

قوله: (انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ [6]): هما بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (إِذَا أَبُو جَهْلٍ): هذا مشهور الترجمة، واسمه عَمرو بن هشام، وهو [7] فِرعون هذه الأمَّة، قتله الله ببدرٍ كافرًا.

[ج 1 ص 945]

قوله: (آمِنًا): هو بمدِّ الهمزة، وكسر الميم، اسم فاعل، ونصبه على الحال.

قوله: (فَتَلَاحَيَا): هو بفتح الحاء؛ أي: تسابَّا.

قوله: (عَلَى أَبِي الْحَكَمِ): هو بفتح الحاء والكاف، وهي كنية أبي جهل، فغيَّرها صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى (أبي جهل)، وهي كنيةٌ مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحقُّ الخلق بهذه الكنية، قال ابن إمامِ الجوزيَّة الحافظُ شمس الدين في فصلٍ في حفظ المنطق في «الهَدْي»: ومنعُه أن يُسمَّى العنبُ كَرمًا، ومنعُه من تسمية أبي جهلٍ بأبي الحَكَم.

قوله: (فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ): (امرأة أُمَيَّة بن خلف): اسمها صفيَّة، وهي ابنة عمِّ أُمَيَّة بن خلف، ولا أعرف لها إسلامًا.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] زيد في (ب): (البخاري)، وهو تكرارٌ.

[3] في (ب): (وسرماي)، وهو تحريفٌ.

[4] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثنا).

[5] زيد في «اليونينيَّة»: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

[6] في «اليونينيَّة»: (انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ).

[7] (وهو): ليس في (ب).

(1/6772)

[حديث: أنبئت أن جبريل أتى النبي وعنده أم سلمة]

3633# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ) [2]: (عَبَّاس) هذا: بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على عيَّاش بن الوليد، وعَبَّاس بن الوليد؛ الأوَّل: بالمُثَنَّاة والإعجام، والثاني: بالموحَّدة والإهمال، وكلاهما من شيوخ البُخاريِّ، فأمَّا الأوَّل _وهو الذي بالإعجام والياء المُثَنَّاة تحت_؛ فهو الرَّقَّام، أبو الوليد البصريُّ، انفرد به البُخاريُّ عن مسلم، روى عنه البُخاريُّ فأكثرَ، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ووكيع، ومُحَمَّد بن فُضَيل، والوليد بن مسلم، والثاني _ بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، المرويُّ عنه هنا_: روى عنه البُخاريُّ في موضعَين؛ أحدهما هنا في (علامات النبوَّة)، والثاني في (المغازي) في (باب بعث النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم معاذًا وأبا موسى إلى اليمن)، عن معتمر بن سليمان وعبد الواحد بن غياث، وقال في (الفتن) بعد حديث خرَّجه من طريق هشامٍ الدَّستوائيِّ، عن قتادة، عن أنس: سألوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتَّى أحفَوه بالمسألة ... ؛ وذكر الحديث، ثُمَّ قال: (وقال عَبَّاس النرسيُّ: حَدَّثَنَا يزيدُ: حَدَّثَنَا سعيدٌ: أَخْبَرنَا قتادة: أنَّ أنسًا حدَّثهم عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حديثَ: مَن أبي يا رسول الله؟ قال: «أبوك حذافة»)، وقد روى عنه مسلمٌ، إلَّا أنَّه وقع في رواية ابن السكن في «البُخاريِّ» في (باب الحلق والتقصير عند الإحلال): (حَدَّثَنَا عَبَّاس بن الوليد: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيل: حَدَّثَنَا عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة [3]: «اللهم اغفر للمحلِّقين»)، وكذا في كتاب ابن أسد عن ابن السكن: (عَبَّاس)؛ بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، وكان القابسيُّ يشكُّ فيه عن أبي زيدٍ، فيقول: (عَبَّاس أو عيَّاش)، وكان في كتابه: (عَبَّاس)؛ بسين مهملة، وفي كتاب أبي مُحَمَّد: (عياش)؛ بالمُعْجَمَة، وهو الصواب، والله أعلم.

فكلُّ ما في «البُخاريِّ»: (عيَّاش)؛ فهو بالياء المُثَنَّاة تحت، والشين المُعْجَمَة، إلَّا في المكانين المتقدِّمين، وفي الثالث، ولكن هو معيَّن فيه أنَّه النرسيُّ، وإذا جاءت النسبة؛ فلا إشكال، والله أعلم.

قوله: (سَمِعْتُ أَبِي): (أبوه): هو سليمان بن طرخان، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ): (أبو عثمان) هذا: هو النهديُّ، عبد الرَّحْمَن بن مَلٍّ، وقد تَقَدَّمَ اللغات في (مَلٍّ)، وهو تابعيٌّ جليل، وقد أسنده في آخر المتن إلى أسامة بن زيد، ففيه تقديم بعض السند على المتن، وفيه الخلاف الذي في الرواية بالمعنى، كذا تفقَّه فيه ابن الصلاح.

قوله: (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمها هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفةَ المخزوميَّة، وتَقَدَّمَ بعض ترجمتها، وأنَّها آخر أمَّهات المؤمنين موتًا، وأنَّها تُوفِّيَت بعد مقتل الحُسين، والحُسينُ قُتِل رحمة الله عليه [4] سنة إحدى وستِّين.

(1/6773)

قوله: (هَذَا دِحْيَةُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى نسبه [5]، وأنَّه بكسر الدال وفتحها، ابن خليفة الكلبيُّ.

(1/6774)

[حديث: رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر ... ]

3634# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبد الرَّحْمَن بن عبد الملك بن مُحَمَّد بن شيبة) انتهى، وكذا بخطِّ شيخنا شيخ الإسلام البُلْقينيِّ، وفي «الكلاباذيِّ»: أنَّه ابن عبد الملك بن مُحَمَّد بن شيبة، انتهى، وكذا رأيته أنا في «رجال البُخاريِّ» للكلاباذيِّ.

(عبد الرَّحْمَن) هذا المنسوب: المدنيُّ، كنيته أبو بكر، يروي عن هُشَيم، والوليد بن مسلم، وابن أبي فُديك، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو زرعة، والربيع بن سليمان المراديُّ، وآخرون، قال أبو زرعة: لَمْ يكن بين تحديثه وبين موته كبيرُ شيءٍ، اختلفت إليه عشرين ليلةً أنظر في كتبه، وقال ابن حِبَّانَ في «الثقات»: ربَّما خالف، وقال أبو بكر بن أبي داود: ضعيف، انتهى، أخرج له البُخاريُّ والنَّسائيُّ، تُوُفِّيَ في حدود العشرين ومئتين، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (رَأَيْتُ النَّاسَ [2] فِي صَعِيدٍ): هذا كان في المنام، لا شكَّ في ذلك، والدليل على ذلك: ما في هذا «الصحيح» في (التعبير): «بينا أنا نائمٌ؛ رأيتُني على قَليب»، من غير طريقٍ.

قوله: (فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ): (الذَّنوب): الدلو العظيمة؛ وهي بفتح الذال المُعْجَمَة، وقيل: لا تُسمَّى ذَنوبًا إلَّا إذا كان فيها ماءٌ، وقوله: (أو ذَنوبين): شكٌّ من الراوي، ولهذا عقَّبه البُخاريُّ: (وقال همَّام: سمعت أبا هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فنزع أبو بكر ذَنوبين)، فلم يشكَّ، وسأذكر أين ذكر هذا التعليقَ البُخاريُّ قريبًا جدًّا.

قوله: (وَفِي [3] نَزْعِهِ ضَعْفٌ): يريد: ما ناله المسلمون في خلافته من أموال المشركين، وسيأتي له بقيَّة.

قوله: (وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ): أي: قد غفر الله له، وقيل: ضَعْفُ نَزعه: اشتغالُه بقتال أهل الرِّدَّة، فلم يتفرَّغ لفتح الأمصار وجباية الأموال، ولقصر مدَّته؛ فإنَّها سنتان وثلاثةُ أشهرٍ وعشرون يومًا، وقيل في مدَّة خلافته غير ذلك.

قوله: (فَاسْتَحَالَتْ [4] غَرْبًا): أي: صارت وانتقلت دلوًا عظيمة، و (غَرْبًا): بفتح الغين المُعْجَمَة، وإسكان الراء، وبالموحَّدة.

قوله: (عَبْقَرِيًّا): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان المُوَحَّدة، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ راء مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، وهو النافذ الماضي الذي ليس فوقه شيء، قال أبو عَمرو: عبقريُّ القوم: سيِّدهم، وقوَّتهم، وكبيرهم، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: العبقر: موضعٌ تزعُم العرب أنَّه من أرض الجنِّ، ثُمَّ أنشد بيتًا للَبِيد، ثُمَّ قال: ثُمَّ نسبوا إليه كلَّ شيءٍ تعجَّبوا من حِذقه أو جَودة صنعته وقوَّته؛ فقالوا: عبقريٌّ، وهو واحدٌ وجمعٌ، والأنثى:

[ج 1 ص 946]

(1/6775)

عبقريَّة ... إلى آخر كلامه، وقال شيخنا: الحاذق في عمله، وقيل: سيِّد القوم ومقدَّمهم، وقيل: هذا كلُّه أرضٌ تسكنها الجنُّ، فصارت مثلًا إلى كلِّ منسوبٍ إلى شيء رفيع، وقيل: هي قرية تُعمَل فيها الثياب الحسنة، فنُسِب إليها كلُّ شيء جيِّدٍ، وقيل: كلُّ شيء بلغ النهاية في الخير والشرِّ، ذكره الخَطَّابيُّ، انتهى.

قوله: (يَفْرِي فَرِيَّهُ): (الفَرِيُّ): بفتح الفاء، وكسر الراء، وتشديد الياء المُثَنَّاة تحت، وبإسكان الراء أيضًا، قال ابن قرقول: بكسر الراء وسكونها قرأناه على شيوخنا أبي الحسين وغيره، وأنكر الخليلُ التثقيلَ، وغلَّط قائله، وكذا ذكر ابن الأثير: أنَّ (الفَرِيَّ) بكسر الراء وإسكانها، وتغليطَ الخليلِ المذكور، و (يَفْرِي): بفتح أوَّله، وكسر ثالثه؛ ومعناه: يعمل عمله، ويقوَى قوَّته، يُقال: فلان يفري الفَرِيَّ؛ أي: يعمل العملَ البالغ، ومثله: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]؛ أي: عظيمًا.

قوله: (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ): (العَطَن): بفتح العين والطاء المُهْمَلَتين، وبالنون؛ أي: رَوَوا ورَوِيت إبلُهم حتَّى بركت، وعَطَن الإبل: مباركها، وأصل ذلك حول الماء تعاد إلى الشرب، وقد يكون العطن عند غير الماء، ووقع في رواية الجُلوديِّ في «مسلم»: (حتَّى ضرب الناسُ العَطَنَ)، وقد ضرب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذلك مثلًا لاتِّساع الناس في زمن عُمرَ رضي الله عنه، وما فتح عليهم من الأمصار.

قوله: (وَقَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُ أَبَا [5] هُرَيْرَةَ ... ) إلى آخره: حديث همَّام أخرجه البُخاريُّ في (التفسير) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرَّزَّاق بن همَّام، عن مَعْمَر، عن همَّام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة به، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (مُجْتَمِعِينَ).

[3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (بَعْضِ)، والمثبت موافق لرواية الحديث (3664).

[4] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (بِيَدِهِ).

[5] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (عن أبي).

(1/6776)

[باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}]

(1/6777)

[حديث: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟]

3635# قوله: (أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا [1]): أمَّا (الرجل)؛ فلا أعلم أحدًا سمَّاه، وأمَّا (المرأة)؛ فسمَّاها السُّهَيليُّ: بُسْرَة، عن [2] بعض أهل العلم.

قوله: (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ): تَقَدَّمَ بعض ترجمته رضي الله عنه، وأنَّه بتخفيف اللام، وأنَّه من ولد يوسف صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [3].

قوله: (فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آَيَةِ الرَّجْمِ): سيجيء في آخر هذا «الصحيح»: (فقالوا لرجل ممَّن يرضون: يا أعور؛ اقرأ، فقرأ حتَّى انتهى إلى موضعٍ منها، فوضع يدَه عليه)، وهذا الذي وضع يده الأعورُ: هو عبد الله بن صُوري الأعورُ الحَبْر، ذكره ابن إسحاق، وذكره أيضًا في «النَّسائيِّ»، أيضًا ذكر السُّهَيليُّ عن النَّقَّاش أنَّه أسلم، وقيل في والده: صُوريا، وذكر شيخنا أنَّه قيَّدَه بكسر الصاد، وقد ذكر ذلك عَقِيب (صوري)، وينبغي أن يكون بعد (صوريا)، وفي قوَّة كلامه أنَّه فيه، والله أعلم.

(1/6778)

قوله: (يَحْنِي [4] عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ): كذا في أصلنا، وفي نسخة في هامش أصلنا وعليها (صح) وعلامة راويها: (يجنَى)؛ بالجيم، وفي أخرى: (يَجْنَأُ)، قال ابن قرقول: (فرأيت الرجل يحني على المرأة): كذا للأصيليِّ عن المروزيِّ، ولأحمد بن سعيد في «المُوَطَّأ»: وقيَّدَه الأصيليُّ (يحني) عن الجُرْجانيِّ، وبالحاء، وفتح الياء هو عند الحمُّوي، ووقع للمستملي في موضعٍ كذلك، وكذا تقيَّد فيه عن ابن الفخَّار: (لا يحن)؛ بغير همزٍ، وكذا قيَّدناه في «المُوَطَّأ» من طريق الأصيليِّ بالحاء، مضموم الياء، مهموزٌ، ورأيت في أصل أبي الفضل بفتح الياء، ثُمَّ جيم، ثُمَّ همزة، وتحت ذلك: (يُجَبِّئُ)؛ بجيم، ثُمَّ باء معجمة بواحدة، ثُمَّ همزة: يركع عليها، وبالجيم والحاء معًا، لكن بفتح الياء قيَّدناه عن ابن القابسيِّ عن ابن سهل، وبالحاء وحدها قيَّدناه عن ابن عتَّاب، وابن حمدين، وابن عيسى، مفتوح الأوَّل، وقال أبو عُمر: وهي أكثر الروايات عن شيوخنا عن يحيى، وكذا رواه ابن قعنب وابنُ بُكَيْر، وبعضهم قيَّدَه بفتح الحاء، وشدِّ النون: (يحَنِّي)، ورواه بعضهم: (يَحْنَأ)؛ بفتح الياء، وسكون الحاء، وفتح النون، وهمزة بعدها، وجاء للأصيليِّ في بابٍ: (فرأيته أجنأَ)؛ بالجيم مهموز، وهو عند أبي ذرٍّ: (أحنأَ)، وقد رُويَ في غير هذه الكتب: (يحنُو)، والصحيح من هذا كلِّه ما قاله أبو عبيد: (يَحْنَأُ)؛ ومعناه: ينحني عليها يقيها الحجارة، يُقال من ذلك: حنأ يحنأ، قاله صاحب «الأفعال»، وقال الزبيديُّ: (حنِي)؛ بكسر النون في الماضي، ويحنُو ويحنَى: يعطف عليها، (حَنَا يحني ويحنو) [5]، ومنه: «وأحناهنَّ على ولد»، ويكون أيضًا: يحني عليها ظهره، فيكون بمعنى ما قاله أبو عبيد، وكذلك قول من قال: «يحنى» يُخَرَّج على معنى: يكلِّف ذلك ظهره ويفعله به حتَّى يحنأُ، تعدية جنأَ الرجل يجنأُ؛ إذا صار كذلك، قال الأصمعيُّ: أجنأْتُ التُّرْسَ: جعلته مُجْنَأً؛ أي: مُحْدَودبًا، وهذا مثله، انتهى.

==========

[1] في هامش (ق): (المرأة: سماها السهيليُّ: بسرة عن بعض أهل العلم، وكذا عزاه الزكي في «حواشيه» إليه، لكن قال: كذا قاله أبو القاسم الخثعميُّ، وهو هو).

[2] في (ب): (من)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (عليه السلام).

[4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (يجنأ)، وفي هامش (ق) روايتان أخريان.

[5] في (ب) بدل مما بين قوسين: (يحني يحنا، وجنى يجنو)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

[ج 1 ص 947]

(1/6779)

[باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية فأراهم انشقاق القمر]

(1/6780)

[حديث: انشق القمر على عهد رسول الله شقتين]

3636# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ): هو عبد الله بن يَسَار؛ بالمُثَنَّاة تحت، وبالسين المُهْمَلَة المُخَفَّفة، وكنية عبد الله: أبو يَسَار؛ كاسم أبيه، مكِّيٌّ، مولى ثقيف، عن أبيه، وطاووس، ومجاهد، وعنه: شعبة وابن عُلَيَّة، ثقةٌ، تُوُفِّيَ سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة فِي «الميزان»؛ لأجل الاعتقاد.

قوله: (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ): هو [1] بفتح الميمين، بينهما عين مهملة، واسمه عبد الله بن سَخْبَرة، صدوقٌ، ذكره في «الميزان» تمييزًا.

تنبيهٌ: لهم آخر يقال له: عبد الله بن سخبرة [2]، روى عن أبيه، وعنه: أبو داود نُفيع، تفرَّد عنه نُفيع، أخرج له التِّرْمِذيُّ فقط.

قوله: (انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ): هذا ظاهِرٌ، ووقع في «مسلم» و «التِّرْمِذيِّ»: (انشقَّ القمر مرَّتين)، قال أبو عبد الله ابن إمام الجوزيَّة في «إغاثة اللَّهفان» في مسألة الطلاق، ونحوُه في «الهَدْي»، واللفظ لـ «الإغاثة»، وإنَّما سُقت هنا لفظَها؛ لأنَّه أطولُ وأحسنُ: المرَّات يُراد بها الأفعالُ تارةً، والأعيان تارةً، وأكثر ما تستعمل في الأفعال، وأمَّا الأعيان؛ فكقوله في الحديث: (انشقَّ القمر مرَّتين) و (فلقتين)، ولمَّا خَفِيَ هذا على من لم يُحِط به علمًا؛ زعم أنَّ الانشقاق وقع مَرَّةً بعد مَرَّةً في زمانين، وهذا ممَّا يَعلم أهلُ الحديث ومَن له خبرةٌ بأحوال الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام وسيرتِه أنَّه غلطٌ [3]، وأنَّه لم يقع الانشقاق إلَّا مَرَّةً واحدة، انتهى.

وقال شيخنا العِرَاقيُّ: إنَّه

[ج 1 ص 947]

انشقَّ مرَّتين، وسيأتي لفظه قريبًا في (انشقاق القمر)، وقد كاتبت شيخَنا إلى القاهرة لمَّا وقفت على كلامه في «سيرته المنظومة»، وذكرتُ له كلام ابن القَيِّمِ؛ فلم يَردَّ جوابًا لذلك، وسأذكر في (باب انشقاق القمر) زيادةً على ما ذكرتُ هنا؛ فراجعه إنْ أردته.

(1/6781)

[حديث: أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آيةً فأراهم ... ]

3637# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ): (هو المسنَديُّ عبد الله) [1]، وابن أبي شيبة روى عن يونس المذكور عند مسلمٍ، و (يونس) بعده [2]: تَقَدَّمَ أنَّه ابن مُحَمَّد المؤدِّب، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (شَيْبَانُ): هو ابن عبد الرَّحْمَن النَّحْويُّ، منسوبٌ إلى القبيلة، لا إلى الصناعة، كذا قاله ابن الأثير، وقال ابن أبي داود وغيره: إنَّ المنسوبَ إلى القبيلة يزيدُ بن [3] أبي سعيد النَّحْويُّ، لا شيبان وغيره، وتَقَدَّمَ ذلك مرارًا.

قوله: (ح [4]): تَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليقِ الكلامُ على كتابتها والتلفُّظ بها [5].

قوله: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ): تَقَدَّمَ أنَّ مثل هذا يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة، وقدَّمتُ أنَّ (خليفة) هذا: هو ابن خيَّاط، أبو عَمرو، شبابٌ العصفريُّ الحافظ، وقدَّمتُه مُتَرْجَمًا، و (سَعِيدٌ) هذا: هو ابن أبي عروبة.

==========

[1] في (ب) بدل مما بين قوسين: (هذا هو عبد الله بن مُحَمَّد المسندي).

[2] (بعده): ليس في (ب).

[3] (بن): سقط من (ب).

[4] (ح): ليس في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

[5] (بها): سقط من (ب).

[ج 1 ص 948]

(1/6782)

[باب في علامات النبوة]

(1/6783)

[حديث: أن رجلين من أصحاب النبي خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة]

3639# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذٌ): هذا هو مُعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتوائيُّ، تقدَّما.

قوله: (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذان الرجلان تَقَدَّمَ أنَّهما عبَّاد بن بِشْر وأُسَيد [1] بن الحُضَير، كما جاءا مُسمَّيَين في بعض طرق هذا الحديث، وقد قَدَّمْتُ أنَّ هذه كانت عادةَ عبَّاد بن بِشْر دائمًا كلَّما أمسى عند النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعرض له مع أُسَيد بن الحُضَير هذه المرَّة، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ، وسأذكر ذلك أيضًا في (مناقبهما) لمَّا تأتي إنْ شاء الله تعالى، وذكرت فيما مضى أصحاب النور؛ وهم: أُسَيد بن حُضَير، وعبَّاد بن بِشْر، والطُّفيل بن عَمرو الدَّوسيُّ، وقَتادة بن النُّعمان، وحمزة بن عَمرو الأسلميُّ، رضي الله عنهم، والحسن بن عليٍّ منهم [2].

==========

[1] في (ب): (وعبيد)، وهو تحريفٌ.

[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[ج 1 ص 948]

(1/6784)

[حديث: لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم .. ]

3640# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الأسود حميدِ بن الأسود، ابن أخت عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، قاضي هَمَذان) انتهى، كنيته أبو بكر، بصريٌّ حافظٌ، روى عن خاله عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، ومالكٍ، ودَيلم بن غزوان، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن زُرَيع، وجعفر بن سليمان، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وسمُّويه، وإبراهيم الحربيُّ، وعثمان بن خرَّزاذ، وجماعةٌ، قال ابن معين: لا بأس به، لكنَّه سمع من أبي عوانة وهو صغير، وقال الخطيب البغداديُّ: كان حافظًا متقنًا، سكن بغداد، انتهى، تُوُفِّيَ في جمادى الآخرة سنة (223 هـ) وله ستُّون سنة، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ): المراد بـ (أمر الله): هي الريح التي تأتي فتأخذ رُوح كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة، وفي بعض طرقه: (حتَّى تقوم الساعة)؛ أي: تقرب الساعة؛ وهو خروج الريح، وبهذا يُجمَعُ بين هذا وبين ما خالفه في الظاهر، والله أعلم، وقوله: (ظاهرين): أي: عالين غالبين.

فائدةٌ: هذه الطائفة: قال البُخاريُّ فيما يأتي: (وهم أهلُ العلم) انتهى، وقال أحمد ابن حنبل: إنْ لَمْ يكونوا أهلَ الحديث؛ فلا أدري مَن هم، قال القاضي عياض: إنَّمَا أراد أحمد أهلَ السُّنَّة والجماعة، ومَن يعتقد مذهب أهل الحديث، قال النَّوويُّ: ويحتمل أنَّ هذه الطائفةَ مفرَّقةٌ في أنواع المؤمنين؛ فمنهم: شجعان يقاتلون، ومنهم: فقهاء، ومنهم: محدِّثون، ومنهم: زُهَّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم: أهلُ أنواع أُخَرَ من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض، انتهى، وسأذكر مكانَهم إنْ شاء الله تعالى، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[ج 1 ص 948]

(1/6785)

[حديث: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله]

3641# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا اسمه عبد الله بن الزُّبَير، وأنَّه أوَّل شيخ حدَّث عنه البُخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته هذه لماذا في أوَّل هذا التعليق، و (الْوَلِيدُ) بعده: هو ابن مسلم، عالم أهل الشام، تَقَدَّمَ، و (ابْنُ جَابِرٍ): هو عبد الرَّحْمَن بن يزيد بن جابر.

قوله: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ): يجوز في (قائمة) الرفعُ مع التنوين، والنصبُ معه.

قوله: (فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ): هو بضَمِّ المُثَنَّاة تحت، وبالخاء المُعْجَمَة، وبعد الألف ميم، ثُمَّ راء، لا ينصرف، وفيه العلميَّة ووزن الفعل، و (مالكٌ) هذا: روى عن معاذ، ويُقال: لمالكٍ صحبةٌ، وقد أخرج له البُخاريُّ والأربعة، وترجمته معروفة.

قوله: (وَهُمْ بِالشَّأْمِ): (الشأم): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وطوله وعرضه، وفي «مسلم»: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحقِّ حتَّى تقوم الساعة»، قال عليُّ ابن المَدينيِّ: المراد بـ (أهل الغرب): العَربُ، قال: والمراد بـ (الغرب): الدلو الكبيرة؛ لاختصاصِهم بها غالبًا، وقال آخرون: المراد به: الغربُ من الأرض، قال القاضي عياض: وقد ورد: «المغرب»؛ كذا في الحديث بمعناه، وهنا عن معاذٍ موقوفًا عليه، ولكنَّه في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه؛ يكون مرفوعًا، وقد ذكرتُ لك نصَّ الشَّافِعيِّ على ذلك في صلاة عليٍّ بالليل، مستدلًّا بذلك، وكذا في «المحصول»، وجاء في حديث آخرَ: (هم ببيت المقدس)، وهو في «مسند أحمد» من حديث أبي أمامة، ولفظه: وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»، انتهى، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك، وقيل: المراد بـ (أهل الغرب): أهل الشِّدَّة والجَلَد، وغربُ كلِّ شيء: حدُّه، فبقي معنا روايتان: رواية: (الشام)، ورواية: (المغرب)، وبيتُ المقدس وأكنافُه من الشام، وقد قال النَّوويُّ _كما ذكرتُه عنه قريبًا_: إنَّه لا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض، والله أعلم.

[ج 1 ص 948]

قوله: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ): تَقَدَّمَ أنَّه يجوز في (قائمة) الرفعُ مع التنوين، والنصبُ معه، وقد تَقَدَّمَ أيضًا قريبًا الكلامُ على هؤلاء مَن هم، وأين هم.

(1/6786)

[حديث: أن النبي أعطاه دينارًا يشتري به شاةً فاشترى له به شاتين]

3642# 3643# قوله: (عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، تَقَدَّمَ ذلك مرارًا.

قوله: (قَالَ [1] شَبِيبُ بنُ غَرْقَدَةَ): (شَبِيْب): بفتح الشين المُعْجَمَة، وكسر المُوَحَّدة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة أخرى، و (غَرْقَدة): بفتح الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ راء، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ دال مهملة، ثُمَّ تاء التأنيث، و (الغرقدة): شجرةٌ ذات شوكٍ، و (شَبِيب) هذا: سُلَمِيٌّ، ويقال: بارقيٌّ، كوفيٌّ، يروي عن عروة [2] البارقيِّ وسليمان بن عمرو، وعنه: شعبة، وزائدة، والسُّفيانان، وطائفةٌ، وثَّقهُ أحمد وجماعةٌ، أخرج له الجماعة.

قوله: (سَمِعْتُ الْحَيَّ يَتَحَدَّثُونَ [3] عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا ... )؛ الحديث: (قَالَ سُفْيَانُ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة: (كَأَنَّ [4] الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ [5] جَاءَ [6] بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ [7]، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبُ بْنُ غَرقَدَةَ [8] فَأَتَيْتُهُ [9]) يقول سفيان _يعني: ابن عُيَيْنَة_: فأتيته، (فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ [10]، سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ، وَلَكِنِّي [11] سَمِعْتُهُ [12] يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»): اعلم أنَّ حديث عروة في اشتراء شاتين، وبيع إحداهما، والإتيان بالأخرى: ليس من شرط هذا الكتاب؛ لأنَّ في سنده مجهولًا؛ وهم الحيُّ، وإنَّما الذي على شرطه هو الذي سمعه سفيانُ من شَبِيبٍ عن عروةَ: «الخير معقودٌ ... »؛ الحديث، وقد أخرج حديثَ عروة في اشتراء الشاتين أبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وابن ماجه، قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين من أشياخي: بإسناد صحيح، خلافًا لابن حزم، انتهى.

وقوله فيه: (كأنَّ الحسن بن عمارة جاء بهذا الحديث): (كأنَّ): بفتح الهمزة، وتشديد النون، من أخوات (إنَّ)، و (الحسن بن عُمَارة)؛ بضَمِّ العين، وتخفيف الميم: ضعيف، وقال الإمام الذَّهَبيُّ في «المغني»: متروك، انتهى، له ترجمةٌ فِي «الميزان»، قال ابن المَدينيِّ: ما أحتاجُ إلى شعبة فيه، أمرُه أَبْيَن مِن ذلك، قيل: أكان يغلط؟ قال: إيش يغلط؟! وذهب إلى أنَّه كان يضع الحديث.

وقوله: (جاء بهذا الحديث عنه): أي: عن شَبِيب، وقوله: (فأتيته): يقوله سفيان بن عُيَيْنَة: فأتيتُ شَبِيب بن غَرْقَدة، وقد تَقَدَّمَ ذلك، ولكن ذكرتُه زيادةً في الإيضاح، والله أعلم.

قوله: (الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ): (الخير): فسَّره في الحديث بالأجر والمغنَم، وسُمِّيَ المالُ خيرًا؛ كما قال تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] هذا هو الصحيح من الحديث كلِّه الذي تَقَدَّمَ، والباقي ليس على شرطه، وقد ذكرت لك مَن أخرجه أعلاه.

(1/6787)

قوله: (وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا): هذا يقوله شِبيب بن غَرْقَدة عن عروة: أنَّه رأى في دار عروةَ بنِ الجَعْد سبعين فرسًا، وانظر كلام أبي عُمر ابن عَبْدِ البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عروة البارقيِّ؛ تجدْ ذلك وتعرفْه.

قوله: (كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ): (الأضحية): فيها أربع لُغَات: أُضحيَّة، وإِضحيَّة؛ بضَمِّ الهمزة وكسرها، مُشَدَّدة الياء فيهما، والجمع: أضحايُّ؛ بتشديد الياء، ويجوز تخفيفها، وضحيَّة، والجمع: ضحايا، وأضحاةٌ، والجمع: أضحًى، وهي معروفةٌ، وقد تَقَدَّمَت.

(1/6788)

[حديث ابن عمر: الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

3644# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (عُبيد الله) هذا: هو عُبيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب العُمَريُّ، تَقَدَّمَ مرارًا كثيرةً.

==========

[ج 1 ص 949]

(1/6789)

[حديث أنس: الخيل معقود في نواصيها الخير]

3645# قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وتشديد المُثَنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، وتَقَدَّمَ أيضًا أنَّه يزيد بن حُمَيدٍ.

==========

[ج 1 ص 949]

(1/6790)

[حديث أبي هريرة: الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر ... ]

3646# قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (فِي طِيَلِهَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (فَاسْتَنَّتْ)، وكذا (شَرَفًا)، وكذا (تَغَنِّيًا)؛ ومعناه: ليكتسب بها، ويستغني بها عن الحاجة إلى الناس، وكذا تَقَدَّمَ: (وَنِوَاءً) ضبطًا ومعنًى؛ أي: مُعاداةً.

قوله: (الْفَاذَّةُ): هو بالذال المُعْجَمَة المُشَدَّدة؛ أي: الفردة، و (الآيَةُ): بالرفع؛ لأنَّ الاستثناء مُفَرَّغٌ، و (الآية): نائبٌ مَنَابَ الفاعل لـ (أُنْزِلَ): المَبْنيُّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الْجَامِعَةُ): صفةٌ لـ (الآية)، وكذا (الفاذَّةُ): صفةٌ بعدَ صفةٍ، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 949]

(1/6791)

[حديث: الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء ... ]

3647# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و (مُحَمَّد): هو ابن سيرين، وقد قَدَّمْتُ عدد أولاد سيرين البنين والبنات.

قوله: (بِالْمَسَاحِي): تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ (الخَمِيسُ)، وذكرت فيه قولين، و (الخَمِيس): الجيش.

قوله: (وَأَحَالُوا): هو بالحاء المُهْمَلَة، قال في «المطالع»: أي: أقبلوا إليه هاربين، قال ابن السِّكِّيت: أحلتُ إلى الشيء: أقبلتُ إليه، قال أبو عبيد: أحالَ الرجلُ إلى مكان كذا: تحوَّل إليه، وقال بعضُهم عن أبي ذرٍّ: (أجالوا)؛ بالجيم، وليس بشيءٍ، إلَّا أنْ يكون مِن أجال بالشيء: أطاف به، وجال به أيضًا، وهو بعيدٌ، قال الخَطَّابيُّ: جلتُ عن المكان: تحوَّلت عنه، وأجلت عنه [1] أيضًا.

==========

[1] (وأجلت عنه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 949]

(1/6792)

[حديث أبي هريرة: ابسط رداءك]

3648# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ [1]): اسمه مُحَمَّد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُدَيك، واسمه دينار، تَقَدَّمَ، و (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن المغيرة ابن أبي ذئب، أحد الأعلام، أبو الحارث المدنيُّ، و (الْمَقْبُرِي): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وفتحها وكسرها، وأنَّه سعيد بن أبي سعيد كَيسانَ، أحد الأعلام.

[فرغَ من تعليقه من المُسَوَّدة، وهذه المُبَيَّضة فيها زياداتٌ لَمْ تكن بالمُسَوَّدة، في شهور سنة أربعٍ وعشرين وثمان مئة، ويتلو هذا (باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قاله مؤلِّفه جامعُه إبراهيمُ بنُ مُحَمَّد بنِ خليلٍ، سبطُ ابنِ العَجَميِّ، وذلك بحلبَ بالمدرسة الشرفيَّة، رحم الله وَاقِفَها، الحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحَمَّد وآله وصحبه وسلَّم] [2].

[ج 1 ص 949]

(1/6793)

بسم الله الرحمن الرحيم

((62)) (بابُ فَضَائِلِ أصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفَضْلِهِمْ)

قوله: (وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ): اعلم أنَّ في دخول الأعمى الذي جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلمًا ولم يصحبه ولم يجالسه في كلام البخاريِّ نظرٌ، ولو قال: من لقي النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلمًا ثم مات على الإسلام؛ ليخرج من ارتدَّ كافرًا؛ كابن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صُبابة، ونحوهم، وفي دخول مَن لقيه مسلمًا ثم ارتدَّ ثم أسلمَ بعد وفاته عليه السَّلام في الصَّحابة نظرٌ كبير، فإنَّ الرِّدَّةَ مُحبِطةٌ للعمل عند أبي حنيفة، وقد نصَّ الشافعيُّ في «الأمِّ» على ذلك وإن كان الرافعيُّ حكى عنه: إنَّما تُحبَطُ بشرط اتِّصالها بالموت، وحينئذٍ فالظاهر أنَّها مُحبِطَةٌ للصُّحبة المتقدِّمة؛ كالأشعث بن قيس وغيره، أمَّا مَن رجع عن رِدَّته إلى الإسلام في حال حياةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورآه بعد المراجعة؛ كعبد الله بن أبي سَرْح؛ فلا مانعَ لدخوله في الصُّحبةِ؛ لأنَّه لقيه وهو مسلمٌ، فدخل في حَدِّ الصحابيِّ، والله أعلم.

واعلم أيضًا أنَّ قول البخاريِّ: (أو رآه ... ) إلى آخره هل المراد في حال نبوَّته أو أعمُّ من ذلك حتَّى يدخلُ مَن رآه قبلَ النُّبوَّة، ومات قبلها على دِين الحنيفيَّة؛ كزيد بن عمرو بن نُفيل، فقد قال عليه السلام فيه: «إنَّه يبعثُ أُمَّة وحدَه»، وقد ذكره في الصَّحابة ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»، وابن مَنْدَه، وكذلك لو رآه قبل النُّبوَّة، ثم غاب عنه وعاش إلى بعد زمن بعثته صلَّى الله عليه وسلَّم وأسلم، ثم مات ولم يره؛ قال شيخنا الحافظ الجهبذ العراقيُّ: لم أرَ مَن تعرَّض لذلك، قال: ويدُلُّ على أنَّ المراد: مَن رآه بعد النُّبوَّة: أنَّهم ترجموا في الصَّحابة لمن وُلِد له صلَّى الله عليه وسلَّم بعد النُّبوَّة؛ كإبراهيم وعبد الله، ولم يترجموا لمن وُلِد له قبل النُّبوَّة، ومات قبلها؛ كالقاسم، انتهى، وقد ذكر بعضهم القاسم في الصَّحابة.

واعلم أيضًا أنَّه اختُلف في حدِّ الصَّحابيِّ على أقوال:

أحدها وهو المشهور: أنَّه من رأى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حال إسلامه، كذا أطلقه غير واحدٍ من أهل الحديث، ومراده مع زوال المانع من الرُّؤية؛ كالعمى، وإلَّا؛ فمن صحبه وبه مانعٌ من الرؤية _كابن أمِّ مكتومٍ ونحوه_ صحابيٌّ بلا خلاف، وهل يشترط مع ذلك أن يكون عاقلًا مميِّزًا حتَّى لا يدخل الأطفالُ الذين حنَّكهم ولم يَرَوه بعد التمييز، ولا من رآه وهو لا يعقل، أو المراد أعمُّ من ذلك؟ قال شيخنا العراقيُّ فيما قرأته عليه في «النُّكت على كتاب ابن الصَّلاح»: (ظاهر كلامهم اشتراطُه؛ كما هو موجود في كلام ابن مَعين، وأبي زُرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البَرِّ، وغيرِهم)، انتهى، وقد ذكر الترمذيُّ والنَّسائيُّ التَّمييز في (بابٌ: متى يصحُّ سماع الصَّغير).

(1/6794)

القولُ الثاني: من طالت صُحبتُه، وكثُرت مجالستُه على طريق التَّبَع له، والأخذ عنه، حكاه أبو المظفَّر السمعانيُّ عن الأصوليِّين، وقال: إنَّ اسم الصحابيِّ يقع على ذلك من حيث اللُّغة والظاهرُ، قال: وأصحاب الحديثِ يُطلقون اسمَ الصُّحبة على كلِّ مَن روى عنه حديثًا أو كلمةً، ويتوسَّعون حتى يعدُّوا من رآه رؤيةً من الصَّحابة، قال: وهذا لشرف منزلة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعطَوا كلَّ مَن رآه حكمَ الصُّحبة، قال شيخنا العراقيُّ: وهو قولٌ لبعضهم _يعني: الأصوليين_ حكاه الآمديُّ، وابن الحاجب، وغيرهما، وبه جزم ابن الصبَّاغ في «العدَّة».

والقولُ الثالث: وهو مرويٌّ عن سعيد بن المُسَيّب _وفي السند إليه محمَّد بن عمر الواقديُّ، وهو ضعيفٌ في الحديث_: أنَّه كان لا يعدُّ الصحابيَّ إلَّا من أقام معه سنةً أو سنتين، وغزا معه غزوةً أو غزوتين، قال ابن الصَّلاح: وكأنَّ المرادَ بهذا إن صحَّ عنه راجعٌ إلى المحكيِّ عن الأصوليين، ولكن في عبارته ضيقٌ يوجِب ألَّا يعدَّ منَ الصَّحابة جرير بن عبد الله البجليُّ ومَن شاركه في فقد ظاهِر ما اشترطه فيهم ممَّن لا نعلم خلافًا في عدِّه من الصَّحابة.

القولُ الرابع: يشترط مع طول الصُّحبة الأخذ عنه، حكاه الآمديُّ عن عمرو بن يحيى، وعمرو بن يحيى الظَّاهر أنَّه الحافظ، كذا سمَّاه أبو إسحاق الشِّيرازيُّ في «اللُّمَع»، وفيه نظرٌ، وإنَّما الحافظ عمرو بن بحر.

والقولُ الخامس: أنَّه مَن رآه مسلمًا بالغًا عاقلًا، حكاه الواقديُّ عن أهل العلم.

والقولُ السادس: أنَّه مَن أدرك زمنه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مسلمٌ وإنْ لم يرَه، وهو قول يحيى بن عثمان بن صالح المصريِّ، فإنَّه قال: ومن دُفِن _أي: بمصر_ من أصحاب رسول الله عليه وسلم ممَّن أدركه ولم يسمع منه: أبو تميم الجيشانيُّ، واسمه عبد الله بن مالك، انتهى، وإنَّما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه باتِّفاق أهل السِّيَر، حكاه من الأصوليِّين العراقيُّ في «شرح التنقيح»، وكذلك إن كان صغيرًا محكومًا بإسلامه تبعًا لأحد أبويه، وعلى هذا عملُ ابن عبد البَرِّ في «استيعابه»، وابن منده في «معرفة الصَّحابة»، وقد بيَّن ابن عبد البَرِّ في ترجمة الأحنف بن قيس أنَّ ذلك شرطه، وقال في مقدِّمة «الاستيعاب»: وبهذا كلِّه يستكملُ القرنُ الذي أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، على ما قاله عبد الله بن أبي أوفى صاحبُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يريد بذلك تفسير القرن، انتهى، وقد اختلف أهل اللُّغة في مدة القرن على أقوال، وسأذكرها قريبًا إن شاء الله تعالى.

(1/6795)

[حديث: يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس]

3649# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): تقدَّم مِرارًا أنَّه ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عيينة، و (عَمْرو): هو ابن دينار، و (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ): هو الصَّحابيُّ ابن الصَّحابيِّ، وهو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريُّ، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

قوله: (فِئَامٌ): هو بكسر الفاء، ثم همزة مفتوحة، قال ابن قُرقُول: جماعة من الناس، وقيل: الطائفة، وقال ثابت: مأخوذٌ من الفئام؛ وهو كالقطعة من الشَّيء، وقاله بعضهم: بفتح الفاء، حكاه الخليل، وهي رواية القابسيِّ، وأدخله صاحب «العين» في الياء بغير همزٍ، وغيره بهمزٍ، وفي المهموز ذكره الهرويُّ، وكذا قُيِّد عن أبي ذرٍّ، وحكى الخطابيُّ: أنَّ بعضهم رواه بفتح الفاء، وشدِّ الياء، وهو غلطٌ، انتهى.

قوله: (فَيُفْتَحُ لَهُمْ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا الثانية والثالثة.

==========

[ج 2 ص 3]

(1/6796)

[حديث: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]

3650# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ): (إسحاق) هذا: قال الجيَّاني: وقال _أي: البخاريُّ_ في (الصلاة)، وتفسير (البقرة) في موضعين، وفي (الفضائل)، و (اللِّباس)، و (الأدب)، و (خبر الواحد): (حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا النَّضر)، نسبه ابن السَّكن في بعض هذه المواضع: إسحاق بن إبراهيم، وفي نسخة الأصيليِّ في (الوضوء): قال البخاري: (حدَّثنا إسحاق بن منصور: أخبرنا شعبة عن الحكم)، فذكر حديثًا، وقال أبو نصر: النَّضر بن شميل يروي عن إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور، انتهى، وقال المِزِّيُّ في هذا الحديث حين طرَّفه: (عن إسحاق بن إبراهيم)، والظاهر أنَّه وقع له كذلك، وإلا، فلو كان من توضيحه أو توضيح أحدٍ من المُتَأخِّرين عن البخاريِّ؛ لقال: يعني: ابن إبراهيم، أو: هو ابن إبراهيم، والله أعلم، وإذا قلنا: إنَّه ابن إبراهيم؛ فهو ابن راهويه، أحد الأعلام المشهورين.

قوله: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ): هو بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران الضُّبَعيُّ، و (زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ)؛ بالدال المهملة، و (مُضَرِّب)؛ بضمِّ الميم، وفتح الضاد المعجمة، وكسر الراء المُشدَّدة، وهذا شيءٌ معروفٌ.

قوله: (سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ): تقدَّم أنَّ حُصَينًا بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وهو صحابيٌّ كابنه عمران، وقدَّمت أنَّ الأسماء بالضمِّ، والكنى بالفتح، والله أعلم.

[ج 2 ص 3]

قوله: (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي): الظَّاهر أنَّ ابتداء قرنه عليه السَّلام من حين البِعثة، أو من حين فُشوِّ الإسلام، قال ابن قُرقُول: (خيركم قرني): يعني: أصحابه، وقيل: من كان حيًّا على عهده، انتهى، وقد اختُلف في القرن في اللُّغة؛ فقيل: ثمانون سنة، وقيل: ثلاثون، وهذا في «صحاح الجوهريِّ»، وفي «المحكم» ستة أقوال فيه: قيل: عشر سنين، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: ستُّون، وقيل: سبعون، وقيل: أربعون، انتهى، وقد روى ابن منده في «الصَّحابة» من حديث عبد الله بن بُسر مرفوعًا: (القرن: مئة سنة)، وقال ابن قُرقُول: حكى الحربيُّ فيه من عشرة إلى عشرين إلى مئة وعشرين، ثم قال بعد ذكر المقالات: وليس في هذا كلِّه شيءٌ واضحٌ، ورأيي أنَّ القرن كلُّ أُمَّةٍ هلكت فلم يبقَ منها أحدٌ، وقال ابن الأعرابيِّ: القرن: الوقت من الزَّمان، وفي «نهاية ابن الأثير» أقوال في القرن؛ منها: مطلقٌ من الزمان.

فإذن الأقوال المسوقة في القرن: عشرة، عشرون، ثلاثون، أربعون، ستُّون، سبعون، ثمانون، مئة سنة، مئة وعشرون، مطلقٌ من الزمان، عشَرة أقوالٍ، والله أعلم.

(1/6797)

قوله: (خَيْرُكُم قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): يعني: الصَّحابة ثم التابعين، والقرن: أهل كلِّ زمانٍ، وهو مقدار المتوسِّط في أعمار أهل كلِّ زمان، مأخوذٌ من الاقتران، فكأنَّه الزمان الذي يقترن فيه أهلُ ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم ... إلى آخر كلامه، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: إنَّ قرنه عليه السلام: الصَّحابة، و «الذين يلونهم»: التابعون، و «الذين يلونهم»: أتباع التابعين.

قوله: (قَالَ عِمْرَانُ): هو ابن الحُصَين راوي هذا الحديث، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ): فيه تأويلات؛ أصحُّها: أنَّه محمولٌ على مَن معه شهادةٌ لآدميٍّ عالم بها، فيشهد بها قبل أن يُطلَب منه.

والثاني: أنَّه محمولٌ على شاهد الزُّور، فيشهد بما لا أصل له، ولم يستشهد.

والثالث: محمولٌ على مَن ينتصب شاهدًا وليس هو أهلٌ للشهادة.

والرابع: أنَّه محمولٌ على مَن يشهد لقومٍ بالجنَّة أو بالنار من غير توقيف، وهذا ضعيفٌ.

وأمَّا الحديث الآخر الصحيح: «ألا أُخبِركم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها»؛ ففي المراد به تأويلان؛ أصحهُما وأشهرهُما تأويل مالك وأصحاب الشافعيِّ: أنَّه محمولٌ على من عنده شهادةٌ لإنسانٍ بحقٍّ ولا يعلم ذلك الإنسان أنَّه شاهد، فيأتي إليه، فيخبره بأنَّه شاهد له، والثاني: أنَّه محمول على شهادة الحِسْبَة، وذلك في غير حقوق الآدميِّين المختصَّة بهم، فممَّا قيل فيه: إنَّه يقبل فيه شهادة الحسبة: الطلاق، والعتق، والوقف، والوصايا العامَّة، والحدود، ونحو ذلك، فمن علم شيئًا من هذا النوع؛ وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامُه به والشهادة، وكذا النوع الأوَّل يلزم مَن عنده شهادة لإنسان لا يعلمها أن يُعلِمه إيَّاها؛ لأنَّها أمانة له عنده، وحُكي تأويل ثالث: أنَّه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله؛ كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال؛ أي: يعطي سريعًا عقب السُّؤال من غير توقُّف، وبما ذكرته لا تناقض بين الحديث ولا تعارض، ولله الحمد سبحانه.

قوله: (وَيَنْذرُونَ): يقال: نذر ينذِر وينذُر؛ بكسر الذال وضمِّها في المضارع.

قوله: (وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ): هو بكسر السين: السَّمانة، والسِّمَن: كثرة اللَّحم؛ أي: أنَّه الغالب عليهم، وإن كان فيهم غير سمين؛ فقليل، ألا تراه يكثر؟! وأيضًا فإنَّ هؤلاء يستحسنونه ويكتسبونه خلاف من هو فيه خِلقة.

(1/6798)

[حديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونه]

3651# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر الثاء المثلَّثة، و (سُفْيَانُ) بعده: تقدَّم أنَّ الظَّاهر أنَّه الثَّوريُّ، وذكرت مستندي في ذلك فيما مضى، و (مَنْصُور): هو ابن المعتمر، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبِيدَة)؛ بفتح العين، وكسر الموحَّدة: هو ابن عمرو السَّلْمانيُّ، أبو مسلم الكوفيُّ، تقدَّم مترجمًا، و (عَبْد اللَّهِ) بعده: هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ الصحابيُّ رضي الله عنه.

قوله: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي): تقدَّم الكلام عليه أعلاه، وأنَّهم الصَّحابة، و (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): التابعون، و (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): أتباع التابعين، وتقدم الكلام أيضًا أعلاه على القرن كم هو، والخلاف فيه، وذكرت فيه عشرة أقوال، والله أعلم.

قوله: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ): (إبراهيم) هذا: تقدم أنَّه النَّخَعيُّ أعلاه.

قوله: (وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ): قيل: هو أن يحلف إذا شهد أو عاهد، وعلى هذا تكون الواو بمعنى: (مع) أو (في)، وذكرتُ فيه قولًا آخر في (الشهادات).

==========

[ج 2 ص 4]

(1/6799)

[باب مناقب المهاجرين وفضلهم]

(بابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ؛ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ ... ) إلى آخر الترجمة ... وإلى (مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

قوله: (بابُ مَنَاقِب الْمُهَاجِرِينَ): المناقب: جمع منقَبَة؛ بفتح القاف والموحَّدة؛ وهي المفخَرة.

تنبيه: وإنَّما قدَّم المهاجرين؛ لأنَّهم أفضل من الأنصار، وسيأتي الكلام على تقديمه جعفرًا بعد الخلفاء الأربعة.

فإن قيل: لم يذكر في المهاجرين إلَّا جماعة يسيرة؟

والجواب: أنَّه ذكر ما وقع له على شرطه من الأحاديث التي رواها، وهو في حقِّ ذلك الصحابيِّ منقَبَة، والله أعلم.

فائدة: قال المازريُّ: اختَلف النَّاس في تفضيل بعض الصَّحابة على بعض؛ فقالت فرقة: لا نُفاضِل بل نُمسِك عن ذلك، وقال الجمهور بالتفضيل، ثم اختلفوا، فقال أهل السُّنَّة: أفضلهم أبو بكر الصِّدِّيق، وقالت الخطَّابية: أفضلهم عمر بن الخطَّاب، وقالت الرَّاونديَّة: أفضلهم العبَّاس، وقالت الشِّيعة: أفضلهم عليٌّ، واتَّفق أهل السُّنَّة على أنَّ أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم قال جمهورهم: ثم عثمان، ثم عليٌّ، وقال بعض أهل السُّنَّة من أهل الكوفة بتقديم عليٍّ على عثمان، والصَّحيح المشهور: تقديم عثمان، وسأذكر قريبًا هذه المسألة في حديث ابن عمر في (فضل الصِّدِّيق)، وأذكر كلام من ذُكِر فيه الإجماع؛ أعني: في أفضلية أبي بكر، ثم عمر، قال أبو منصور البغداديُّ: أصحابنا مُجمِعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور، ثم بقيَّة العشرة، ثم أهل بدر، ثم أُحُد، ثم بيعة الرضوان، وممَّن له مزيَّة أهل العقَبتين من الأنصار، وكذلك السابقون الأوَّلون؛ وهم ممَّن صلى القِبلتين في قول ابن المُسَيّب وطائفة، وفي قول الشَّعْبي: أهل بيعة الرضوان، وفي قول عطاء ومحمد بن كعب: أهل بدرٍ، وفي المسألة قولٌ رابعٌ رواه سنيدٌ بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسن قال: فرق ما بينهم فتح مكَّة، انتهى، وقال القاضي عياض: وذهبت طائفة _منهم: ابن عبد البَرِّ_ إلى أنَّ من توفِّي من الصَّحابة في حياة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل ممَّن بقي بعده، وهذا الإطلاق غير مرضيٍّ ولا مقبول.

واختَلف العلماء في أنَّ التفضيل المذكور هل هو قطعيٌّ أم لا؟ وهل هو في الظاهر والباطن أم في الظاهر خاصة؟ وممن قال بالقطع: أبو الحسن الأشعري، وعليه يدلُّ قول مالك في «المدوَّنة»، والذي مال إليه القاضي أبو بكر واختاره إمام الحرمين في «الإرشاد»: أنَّه ظنِّيٌّ، وبه جزم صاحب «المفهِم»، انتهى، قال القاضي عياض: وهم في التفضيل على ترتيبهم في الإمامة، وممن قال بأنَّه اجتهادٌ ظنِّيٌّ: أبو بكر بن الباقلانيِّ، وذكر

[ج 2 ص 4]

(1/6800)

ابن الباقلانيِّ اختلافَ العلماء في أنَّ التفضيل هل هو في الظاهر أم في الظاهر والباطن جميعًا؟ وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيُّهما أفضلُ؟ وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم، وفي كلام أبي منصور البغداديِّ: أنَّه جعل أهل أُحُد قبل أهل بيعة الرضوان، وقال ابن عبد البَرِّ ما يخالفه، قال ابن عبد البَرِّ في أواخر ديباجة «الاستيعاب» ما لفظه: (وليس في غزواته ما يعدل بها _يعني: بدرًا_ في الفضل ويقرب منها إلَّا غزوة الحديبية حيث كان بيعة الرضوان، انتهى.

وأمَّا خديجة وعائشة؛ فسأذكر تفضيلًا لأبي العبَّاس ابن تيمية في ذلك، وهو حسنٌ يأتي في مكانه، وأذكر كلام غيره.

تنبيه: لم أرَ من تعرَّض للسِّتَّة الباقين من العشرة أيُّهم أفضل، والذي ظهر لي أنَّهم في الفضيلة كما عدَّدهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل الذي أذكره في (مناقب عبد الله بن سلام) إن شاء الله تعالى، وأذكره هنا أيضًا، قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «أبو بكر في الجنَّة، وعمر في الجنَّة، وعثمان في الجنَّة، وعليٌّ في الجنَّة، وطلحة في الجنَّة، والزُّبير في الجنَّة، وسعد بن مالك في الجنَّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنَّة، وأبو عبيدة في الجنَّة»، وسكت _ يعني سعيدًا_ عن العاشر، فقالوا: من العاشر؟ قال: سعيد بن زيد؛ يعني: نفسه، قال التِّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.

ويحتمل أن يقال: أفضل السِّتَّة أسبقهم سبقًا إلى الإسلام، ويحتمل أن يقال: أفضلهم أقربهم إليه عليه السلام من الرِّجال أو من النِّساء، وعلى الاحتمال الثاني يقال: قد أسلم بدعاء أبي بكر رضي الله عنه عثمانُ، والزُّبير، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرَّحمن بن عوف، ثم أسلم أبو عبيدة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، فاجتمع من الذين سبقوا إلى الإسلام ثمانية أشخاص غير خديجة: علي، وزيد بن حارثة، وأبو بكر، وعثمان، والزُّبير، وعبد الرحمن، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، وقد روى أبو عمر ابن عبد البَرِّ في «استيعابه» بإسناده إلى عبد الله_يعني: ابن مسعود_ قال: كان أول من أظهر الإسلام سبعة _فذكر رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس هذا المراد_: أبو بكر، وعَمَّار، وسمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، قال ابن عبد البَرِّ: ويروي منصور عن مجاهد قال: (أوَّل من أظهر الإسلام سبعة)، فذكر معنى حديث ابن مسعود إلَّا أنَّه لم يذكر المقداد، وذكر موضعه خبَّابًا.

غريبة: العشرة المشهود لهم بالجنَّة لا أعلم فيهم خلافًا، وهم الذين ذكرتهم، وهم معروفون للناس الخاصِّ والعامِّ إلَّا ما رأيته في «تاريخ صاحب حماة» في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة ذكر: ابن مسعود، فقال عن بعضهم: إنَّه عدَّه من العشرة، والذي عدَّه أسقط أبا عبيدة، وهذا غريب جدًّا، وأبو عبيدة قرابة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأسلم قبل ابن مسعود.

(1/6801)

وقد تؤخذ هذه المسألة من «الاستيعاب» من ترجمة ابن مسعود، فإنَّه ذكر حديثًا عن سعيد بن زيد قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على حراء، فذكر عشرة في الجنَّة: «أبو بكر، وعمر ... » إلى أن قال: «وعبد الله بن مسعود»، ولم يذكر فيهم أبا عبيدة، والظاهر أنَّه لم يكن حاضرًا، وفي سند هذا الحديث: أبو حذيفة موسى بن مسعود، قال الدارقطنيُّ: تفرَّد به أبو حذيفة عن الثَّوريِّ بأن جعل العاشر ابن مسعود، انتهى، وأبو حذيفة هذا أحد شيوخ البخاريِّ، صدوقٌ، يهِمُ، تكلَّم فيه أحمد، وضعَّفه التِّرمذيُّ، وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به، له ترجمة في «الميزان»، والله أعلم.

وقد تؤخذ أيضًا من «الاستيعاب» من ترجمة أبي عبيدة، فإنَّه قال فيها: وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنَّة، جاء ذكره فيهم في بعض الروايات، وفي بعضها: (ابن مسعود)، وفي بعضها: (النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولم تختلف تلك الآثار في التِّسعة، انتهى.

قوله: (مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): ما قاله البخاريُّ في اسمه هو الصَّحيح المشهور، وقيل: في اسمه عتيق، والصواب: أنَّ عتيقًا لقبٌ لا اسم، ولُقِّب عتيقًا؛ لعتقه من النار، وقد روى التِّرمذيُّ بإسناده إلى عائشة رفعته: «أبو بكر عتيق الله من النار»، فمِن يومئذٍ سُمِّي عتيقًا، أو لُقِّب به لحسن وجهه وجماله، أو لأنَّ نسبه ليس فيه شيءٌ يُعاب به، وقيل: كان له أخٌ يسمَّى عتيقًا، فمات قبله، فسُمِّي به، وقيل: لأنَّه قديمٌ في الخير، وقيل: إنَّ أمَّه لمَّا ولدته قالت: اللهمَّ هذا عتيقك من الموت ابن أبي قحافة عثمان.

وأبو قحافة أسلم وصحب رضي الله عنه، وتوفِّي سنة (14 هـ) بعد ابنه أبي بكر، ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ التيميُّ، يلتقي أبو بكر معه عليه السلام في مرَّة بن كعب بن لؤيٍّ.

أمُّ أبي بكر: أمُّ الخير، قيل: سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة، أسلمت أيضًا وصحبت، قال أبو نعيم الأصبهانيُّ: إنَّها ورثت أبا بكر، انتهى، فعلى هذا لا يُعرف خليفة ورثه أبواه إلَّا هو، انتهى، ولا يعرف أربعةٌ متناسلون بعضهم من بعض صحبوا إلا آل أبي بكر؛ وهم: عبد الله بن الزُّبير، وأمُّه أسماء، وأبو بكر، وأبو قحافة، وذكر موسى بن عقبة: أبا عتيق محمَّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وفيه وقفة؛ لأنَّ أبا عتيق محمَّدًا له رؤيةٌ فقط، وعبد الله بن الزُّبير له رؤية ورواية، ولهم ثالثٌ ورابعٌ ذكرتهما في غير هذا الموضع.

(1/6802)

مناقب الصديق وترجمته معروفان، أشهر من أن يُذكَرا، ومن مناقبه ما ذكره شيخنا المؤلِّف، فإنَّه قال ما لفظُه: وروي من حديث عمران مرفوعًا: «من رأى أبا بكر في المنام؛ فقد رآه، فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل به»، وهو غريبٌ من حديث أيُّوب، تفرَّد به ابن أبي عائشة عبيد الله بن عمر، قال: وله خصائص أُخَر نحو الثلاثين ذكرتها في «العُدَّة في رجال العمدة»، انتهى، وشبَّهه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالخليل إبراهيم في عفوه ووقاره، وبميكائيل رأفةً ورحمةً، توفِّي رضي الله عنه يوم الاثنين لثمانٍ _وقيل: لثلاث_ بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وله حين توفِّي ثلاث وستُّون سنة؛ كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعمر، وعليٍّ، واختُلِف في السبب الذي مات منه؛ فذكر الواقدي: أنَّه اغتسل في يوم بارد؛ فحُمَّ، ومرض خمسة عشر يومًا، وقال الزُّبيريُّ: كان به طرف من السِّلِّ، وروي عن سلَّام بن أبي مطيع: أنَّه سُمَّ، فالله أعلم.

(1/6803)

[حديث: اشترى أبو بكر من عازب رحلًا بثلاثة عشر]

3652# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ [1]): هذا هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، تقدَّم مِرارًا، و (أَبُو إِسْحَاقَ [2]) الذي في السند: هو جدُّ إسرائيل كما سمَّيته.

قوله: (مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً): تقدَّم أنَّ عازبًا صحابيٌّ، وتقدَّم بعض ترجمته، والرَّحل؛ بالحاء المهملة، معروف، وقد تقدَّم.

قوله: (فَأَحْيَيْنَا، أَوْ: سَرَيْنَا): (أحيينا)؛ معناه: سرينا، وإنَّما شكَّ الراوي أيُّ اللفظين هو؛ محافظةً على الرِّواية باللَّفظ؛ لأنَّها مسألة وِفاق، وقد تقدَّم الكلام على أسرى وسرى، وأنَّهما لغتان؛ وهو سير الليل.

قوله: (حَتَّى أَظْهَرْنَا): وفي نسخة: (ظهرنا)؛ بغير همزة، قال ابن قُرقُول: (حتَّى ظهرنا): كذا لهم، وعند أبي ذرٍّ: (أظهرنا)، فـ (ظهرنا)؛ أي: علونا؛ أي: في سيرنا، ويكون (ظهرنا) بمعنى: فُتنا الطالبَ، يقال: ظهرت عنه؛ إذا فُتُّه، ومعنى (أظهرنا): صِرنا في الظهيرة؛ وهي ساعة الزوال؛ لأنَّ الشمس تظهر ذلك الوقت؛ أي: تعلو غاية ما لها أن تعلُوَ، وقال يعقوب: الظَّهيرة: نصف النهار حين تكون الشمس حيال رأسك، وبه سُمِّيت صلاة الظهيرة، وجمع الظهيرة: ظهائر، انتهى.

قوله: (وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ): هو كناية عن وقوف الشمس وقت الهاجرة كأنَّها لا تبرح، فيكون قيامها كنايةً عنها، أو عن الظِّلِّ؛ لوقوفه حينئذٍ حتَّى يأخذ في الزيادة، وقيل: نحر الظهيرة: أوَّلها.

قوله: (فَآوِيَ إِلَيْهِ): هو بمدِّ الهمزة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ): تقدَّم.

[ج 2 ص 5]

قوله: (لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ): تقدَّم.

قوله: (مِنْ لَبَنٍ): تقدَّم الكلام عليه في (أعلام النُّبوَّة)، وكذا تقدَّمت الكُثبة ضبطًا ومعنًى، وكذا (الإِدَاوَة) مرِّاتٍ، وكذا (آن)، وكذا الكلام على (سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ)، وما ضُبط به (جُعْشم)، وكلام «الصِّحاح» في ذلك في (علامات النُّبوَّة).

قوله: (قَدْ لَحِقَنَا): هو بفتح القاف.

==========

[1] في هامش (ق): (ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعيُّ، يروي عن جدِّه أبي إسحاق السبيعيِّ).

[2] في هامش (ق): (السبيعيُّ).

(1/6804)

[حديث: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما]

3653# قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هو همَّام بن يحيى العَوْذيُّ، تقدَّم، و (ثَابِت): هو ابن أسلم البُنانيُّ، وهذا ظاهرٌ.

==========

[ج 2 ص 6]

(1/6805)

[باب قول النبي: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر]

قوله: (سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ): تنبيهٌ: حديث سعد بن مالك: (أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسدِّ الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب عليٍّ) وهو في «المسند»، وفيه: عبد الله بن الرقيم، انفرد عنه عبد الله بن شريك فيما أعلم، ذكره الذَّهبيُّ في «ميزانه» من جهة الانفراد عنه، فإن لم يكن روى عنه غير عبد الله بن شريك؛ فهو مجهولٌ، وفيه عبد الله بن شريك، وله ترجمة في «الميزان»، وقد رُميَ بالتشيُّع مع مناقبه، وكذا حديث ابن عمر نحوه، وهو موقوف عليه في «المسند»، وستأتي مناقبه، وحديث ابن عبَّاس مثل حديث ابن عُمر، وحديث زيد بن أرقم: «سدُّوا الأبواب إلَّا باب عليٍّ» وهو في «المسند»، وفي سنده ميمون مولى عبد الرحمن بن سمرة، مُتَكَلَّم فيه، والحديث المذكور ممَّا أُنكِر عليه، وحديث جابر: «سدُّوا الأبواب إلَّا باب عليٍّ»، وأومأ بيده إلى عليٍّ؛ لا تصحُّ كلُّها، وقد ذكرها بِرُمَّتها أبو الفرج الحافظ ابن الجوزيِّ في «موضوعاته»، وتكلَّم عليها فردًا فردًا، قال ابن الجوزيِّ عقيب الكلام على هذه الأحاديث: وهذه الأحاديث كلُّها من وضع الرَّافضة، قابلوا بها الحديث المتَّفق على صحَّته، فتُسَدُّ الأبواب غير باب أبي بكر رضي الله عنه، انتهى.

وقد روى أحمد في «المسند» من حديث ابن عبَّاس حديثًا طويلًا، وفيه: «وسدُّوا أبواب المسجد غير باب عليٍّ»، وهو عند التِّرمذيِّ؛ أعني: أنَّه أمر بسدِّ الأبواب إلَّا باب عليٍّ، في سنده فيهما أبو بَلْج؛ بفتح الموحَّدة، وإسكان اللام، وبالجيم، وهو مُتَكَلَّم فيه، وقد ذكره في «الميزان»، وذكر من مناكيره هذا الحديث وغيره، وقد قال التِّرمذيُّ عقيب إخراجه حديث ابن عبَّاس الذي فيه أبو بَلْج: غريبٌ لا نعرفه عن شعبة إلَّا من هذا الوجه، قال المِزِّيُّ: قال أبو القاسم _يعني: ابن عساكر_: وقد رُوِي عن أبي جعفر عبد الله بن محمَّد بن نُفيل النُّفيليِّ _وهو ثقةٌ_ عن مسكين بن بُكَيْر عن شعبة، وقال الحاكم أبو عبد الله: إنَّ مسكينًا تفرَّد به، وكلاهما وَاهِمٌ في قوله، انتهى.

وفي «المسند» أيضًا الحديث الموقوف على ابن عُمَر، وفيه: (وسدُّوا الأبواب إلَّا بابه)؛ يعني: باب عليٍّ، وفي سنده هشام بن سعد، وفيه مَقالٌ، وله ترجمة في «الميزان»، وفيه أيضًا عمر بن أَسِيد بن جارية الثقفيُّ، واختُلِف عنه، فروى إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريُّ، عن الزُّهريِّ، عن عَمرو أو عُمَر، وروى مَعْمَر عن الزُّهريِّ عن عُمر بن أبي سفيان، قال أبو زُرعة: عُمر بن أَسِيد أصحُّ، وكذلك ذكره الدارقطنيُّ في «المؤتلف والمختلف»، وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: عَمرو بن أبي سفيان بن أَسِيد بن جارية، وقد ذكره المِزِّيُّ في «تهذيبه»، وتابعه الذَّهبيُّ في (عَمرو)؛ بفتح العين، وزيادة واو في آخره، وقد تقدَّم ذلك.

==========

[ج 2 ص 6]

(1/6806)

[حديث أبي سعيد: إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده .. ]

3654# قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المسنديُّ، وذلك أنَّي رأيت ترجمة أبي عامر في هذا الحديث، وهو العَقَديُّ عبد الملك بن عمرو في «الكمال» للحافظ عبد الغنيِّ، فرأيته ذكر فيها أنَّه روى عنه المسنديُّ عبد الله بن محمَّد، ولم يذكر فيها أحدًا اسمه عبد الله بن محمَّد سواه، وتقدم (فُلَيْحٌ): أنَّه ابن سليمان، و (سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ): هو بالضَّاد المعجَمة، وقد قدَّمتُ أنَّ نصرًا لا يأتي بالألف واللام، بخلاف النَّضر؛ فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، و (بُسْر بْن سَعِيدٍ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وبالسين المهملة، وتقدَّم مَن اسمُه بُسْر في «البخاريِّ» و «مسلم»، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان.

قوله: (أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَنْ): النَّاصبة للفعل المضارع؛ بفتح الهمزة، وإسكان النون، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (هُوَ الْمُخَيَّرَ): (المخيَّرَ)؛ بالنصب، و (المخيَّرَ): اسم مفعولٍ.

قوله: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ ... )؛ الحديث: معناه: أجود وأكثر وأكرم تفضُّلًا، وليس هو من المنِّ المذموم الذي هو اعتداد الصَّنيعة على المعطَى، وقد تقدَّم.

قوله: (إِلاَّ بَاب أَبِي بَكْرٍ): (باب أبي بكر): يجوز فيه النَّصب والرَّفع، وهما ظاهران.

قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُه): يعني: أفضل، وسيأتي ذلك مصرَّحًا به، وفيه إشكالٌ سيأتي قريبًا، قال ابن قُرقُول: وفي (فضل أبي بكر): (ولكن أخوَّة الإسلام)، وعند العذريِّ خاصَّةً: (خُوَّة الإسلام)، وقد تقدَّم الكلام عليه في أول هذا التعليق، ويأتي قريبًا.

(1/6807)

[باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم]

(1/6808)

[حديث: كنا نخير بين الناس في زمن النبي فنخير أبا بكر]

3655# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال، تقدَّم، و (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هو الأنصاريُّ قاضي السفَّاح.

قوله: (كُنَّا نُخَيِّرُ [بَيْنَ] النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ): اعلم أنَّ أفضل الصَّحابة أبو بكر ثم عمر، وممَّن حكى الإجماع على ذلك أبو العبَّاس القرطبيُّ، قال: ولم يختلف في ذلك أحدٌ من أئمَّة السَّلف ولا الخلف، قال: ولا مبالاة بأقوال أهل التشيُّع ولا أهل البِدَع، انتهى، وقد قدَّمتُ المسألة قريبًا، وقد حكى الشافعيُّ وغيره إجماعَ الصَّحابة والتابعين على ذلك؛ ذكره البيهقي في كتاب «الاعتقاد» عن أبي ثور عن الشافعيِّ، قال الشافعيُّ: وإنَّما اختلف من اختلف منهم في عليٍّ وعثمان، انتهى، والخلاف في ذلك ذكره غير واحد، والذي استقرَّ عليه مذهب أهل السُّنَّة تقديم عثمان على عليٍّ؛ لهذا الحديث، وقد رواه التِّرمذيُّ بلفظ: (كنَّا نقول ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ: أبو بكر، وعمر، وعثمان)، قال: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ، ورواه الطبرانيُّ في «الكبير» بلفظٍ هو أصرحُ في التفضيل، وزاد فيه اطِّلاعه عليه السلام على ذلك، وتقريره لذلك، ولفظه: (كنَّا نقولُ ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ: أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، وعُمر، وعُثمان، فيسمع ذلك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا ينكره) انتهى، ورأيت في حاشيةٍ على «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ بخطِّ أبي إسحاق بن الأمين لفظها [1]: أخْبَرَنا أبو بكر المعافريُّ: حدَّثنا الحسن بن علي بن أيُّوب: حدَّثنا أبو عليِّ بن شاذان: حدَّثنا أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن العبَّاس الجوهريُّ: حدَّثنا الحسن بن بحر بن بهرام: حدَّثنا إبراهيم بن عبد الله الهرويُّ: حدَّثنا هشيم عن مجالد عن الشَّعْبيِّ قال: سمعت شريحًا القاضي قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول على المنبر: (خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم أنا) انتهى.

تنبيه: قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عليِّ بن أبي طالب ما لفظه:

[ج 2 ص 6]

(1/6809)

من قال بحديث ابن عمر: (كنَّا نقول في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت)؛ يعني: فلا نُفاضِل، وهو الذي أنكره يحيى بن معين، وتكلَّم فيه بكلام غليظ؛ لأنَّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهلُ السُّنَّة من السَّلف والخلف من أهل الفقه والأثر؛ أنَّ عليًّا أفضلُ الناس بعد عثمان، هذا مما لم يختلفوا فيه، وإنَّما اختلفوا في تفضيل عليٍّ وعثمان، واختلف السَّلف أيضًا في تفضيل عليٍّ وأبي بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليلٌ على أنَّ حديث ابن عُمر وَهَمٌ وغلطٌ، فإنَّه لا يصحُّ معناه وإن كان إسنادُه صحيحًا، ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر، وحديث أبي سعيد: (كنَّا نبيع أمَّهات الأولاد على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وهم لا يقولون ذلك، فقد ناقضوا، وبالله التوفيق، انتهى.

(1/6810)

[باب قول النبي: لو كنت متخذًا خليلًا]

(1/6811)

[حديث: لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر]

3656# 3657# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى): وفي نسخة: (مُعلَّى بن أسدٍ وموسى بن إسماعيل التَّنوخيُّ): كذا في أصلنا، وفي الهامش ما لفظُه: (وصوابُه: التَّبوذكيُّ)، قال الجيانيُّ في «تقييده» في (الأوهام) وفي باب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لو كنتُ متَّخذًا خليلًا»: (قال البخاري: حدَّثنا مُعلَّى بن أسد وموسى بن إسماعيل قالا: حدَّثنا وهيب ... ) إلى أن قال: (وفي نسخة أبي ذرٍّ عن المستملي وحده: حدَّثنا مُعلَّى بن أسد وموسى بن إسماعيل التنوخيُّ، وهذا خطأٌ، وإنَّما هو التَّبوذكيُّ)، انتهى، وقد قدَّمت ضبط (التَّبُوْذَكيِّ) فيما مضى، وهو بفتح المثنَّاة فوق، ثم موحَّدة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم ذال معجمة مفتوحة، ثم كاف، ثم ياء النِّسبة، وإنَّما قيل له ذلك؛ لأنَّه اشترى دارًا [1] بتَبوذك، وقيل: نزل في داره قوم منها، وقيل: إنَّه نُسب إلى بيع السَّماد؛ وهو السِّرجين، وقيل: إنَّه نسبة إلى بيع ما في بطون الدَّجاج؛ من الكبد، والقلب، والقانصة، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تقدَّم مِرارًا أنَّه وُهيب بن خالد الكرابيسيُّ الحافظ، و (أَيُّوب): هو ابن تميمة السَّختيانيُّ.

قوله: (وَقَالَ)؛ يعني: أيُّوب: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً ... ) إلى آخره: هذا هو بالسند الذي قبله: أيُّوب، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس عنه صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس معضَلًا.

قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ): كذا هو في أصلنا، وقال ابن قُرقُول: وعند العذريِّ خاصَّة: (خوة الإسلام)، انتهى، فقد تقدم ذلك، وقال شيخنا: «ولكن أخوَّة الإسلام» هذا هو الصحيح في هذا الحرف، وحذف الألف لا وجه له في كلام العرب، والوجه الألف؛ كما ذكره البخاريُّ، انتهى، وفي «النِّهاية» في (خوة): (ولكن خوَّة الإسلام)؛ كذا جاء في رواية، وهي لغة في الأُخوَّة، وليس موضعها، وإنَّما ذكرناها لأجل لفظها، انتهى.

قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ): قال الداوديُّ: (ما أُراه محفوظًا، فإن لم يكن محفوظًا؛ فمعناه: أنَّ أخوَّة الإسلام دون المخالَّة أفضلُ من المخالَّة دون أخوَّة الإسلام) انتهى، وهذا كلامٌ حسنٌ معقولٌ.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تقدَّم مِرارًا أنَّ هذا عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت الثقفيُّ، وتقدَّم مترجمًا، وتقدَّم (وُهَيْب): ابن خالد الباهليُّ، وكذا (أَيُّوب): ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

(1/6812)

[حديث: لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته]

3658# قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عُبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ): هو عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام بن خويلد بن أسد رضي الله عنهما.

قوله: (أَمَّا الَّذِي قَالَ ... ) إلى قوله: (أَنْزَلَهُ أَبًا): يعني: أبا بكر الصِّدِّيق، وهذا ظاهرٌ من قوله: (يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ)، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 7]

(1/6813)

[باب الإشارة إلى خلافته بعد رسول الله]

(1/6814)

[حديث: إن لم تجديني فأتي أبا بكر]

3659# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخٍ حدَّث عنه البخاريُّ في هذا «الصحيح»، وقد تقدَّم الكلام على نسبته هذه لماذا.

قوله: (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): هذا هو محمَّد بن عُبيد الله بن محمَّد بن زيد الأمويُّ، مولى عثمان بن عفان، أبو ثابت المدنيُّ، عن مالك، وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم، وعنه: البخاريُّ، وأبو زُرعة، وأبو حاتم، وعبَّاس بن الفضل الأسفاطيُّ، وإسماعيل القاضي، وآخرون، قال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البخاريُّ ثلاثة عشر حديثًا.

قوله: (أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذه المرأة لا أعرف اسمها.

قوله: (كَأَنَّهَا تَقُولُ: الْمَوْتَ): هو منصوبٌ، ونصبه ظاهرٌ، قال القاضي: قائل هذا هو جبير بن مُطعِم راوي الحديث، وروي: (قال أبي)، فإن صحَّ؛ فقائله عنه محمَّد بن جبير المذكور في هذا الحديث، انتهى، وقد ذكر البخاريُّ في (كتاب الأحكام) وقال: (زاد الحُمَيديُّ عن إبرهيم بن سعد: كأنَّها تعني الموت)، وما قاله القاضي في قوله: («قال أبي»، فإن صحَّ؛ فقائله عنه محمَّد بن جبير المذكور في هذا الحديث، انتهى) هو في «صحيح مسلم»، ولفظه: (عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه: أنَّ امرأةً ... )؛ فذكره إلى قوله: (إن جئت ولم أجدك، قال أبي: كأنَّها تعني: الموت) انتهى.

==========

[ج 2 ص 7]

(1/6815)

[حديث: رأيت رسول الله وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر]

3660# قوله: (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ): هذا هو أحمد بن أبي الطيِّب سليمان البغداديُّ، ويعرف بالمروزيِّ، نزيل الريِّ، أبو سليمان، عن إبراهيم بن سعد، وجَرِير بن عبد الحميد، وابن المبارك، وخَلْق، وعنه: البخاريُّ، وأبو زرعة، وأبو بكر الأثرم، وآخرون، ضعَّفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: كان حافظًا كتبنا عنه، قيل له: أصدوق هو؟ قال: على هذا يوضع، أخرج له البخاريُّ والتِّرمذيُّ، له ترجمة في «الميزان»، ذكر له فيها حديثًا منكرًا.

قوله: (وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هو بفتح الموحَّدة، قال أبو عليِّ الجيَّانيُّ في «تقييده»: على مثال: شَجَرَة، وقال ابن قُرقُول: (وَوَبْرة ... ) إلى أن قال: (كذا قيَّدناه عن شيوخنا في «مسلم»، وقيَّده الجيَّانيُّ بفتح الباء، وكذا قيَّدناه في «البخاريِّ» وهو وَبْرة بن عبد الرحمن المسليُّ).

قوله: (عَنْ هَمَّامٍ): هذا هو همَّام بن الحارث النَّخَعيُّ، عن عمر وعَمَّار، وعنه: إبراهيم ووبَرة، وكان من العلماء العُبَّاد، مات قبل ابن عبَّاس، أخرج له الجماعة، وقال ابن حبَّان: مات في إمارة عبد الله بن يزيد الخطميِّ على الكوفة سنة خمس وستِّين.

قوله: (سَمِعْتُ عَمَّاراً يَقُولُ): هو عَمَّار بن ياسر أبو اليقظان رضي الله عنهما، تقدَّم مترجمًا في أوائل هذا التعليق.

قوله: (وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ): يحتمل أن يريد خمسةً من هؤلاء الذين أذكرُهم أنا: بلالًا، وعامر بن فُهيرة، وأمَّ عبيس، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وأمَّ أيمن، وزيد بن حارثة، وامرأة أخرى ذكرها ابن القَيِّم في «الهَدْي»، وقد سمَّاها ونسبها، ولكن لا يتحرَّر ذلك من سقم النُّسخة التي وقفتُ عليها، ذكرها قبل هجرة الحبشة، وصورتها: جارية بن [1] عديٍّ، قال: وكان عمر يعذِّبها على الإسلام قبل إسلامه، ورأيتهم لمَّا ذكروا أوَّل امرأة بعد خديجة ذكروا فاطمة بنت الخطاب، وبعضهم ذكر لبابة بنت الحارث زوجة العبَّاس، وصهيباء، وسميَّة أمَّ عَمَّار، فهؤلاء أوَّل من أسلم من العَبيد، هذا إن قلنا: إنَّ

[ج 2 ص 7]

العبد خلاف الحرِّ، وأمَّا إن قلنا: إنَّ العبد الإنسان، سواء أكان حرًّا أو عبدًا، وهو قولٌ لأهل اللُّغة ذكره شيخنا مجد الدِّين في «قاموسه»؛ فالمراد: خمسة أشخاص ممَّن أسلم أوَّلًا من الرِّجال؛ لأنَّه ذكر امرأتين؛ وهما: خديجة، وإمَّا لبابة بنت الحارث، وإمَّا فاطمة بنت الخطَّاب، وأوَّل مَن أسلم من الذُّكور فمعروف، وهو أبو بكر، أو عليٌّ، وادُّعي فيه الإجماع، ولم يُقبَل من يدَّعيه، وقيل: زيد بن حارثة، ويقال: خديجة، وقد ادُّعي فيها الاتِّفاق، والخلاف في ذلك معروفٌ أيضًا.

(1/6816)

وقال ابن شيخنا البلقينيُّ: (من الأعبد: زيد بن حارثة وبلال ... ) إلى أن قال: (ومن الأعبد أبو رافع إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: هرمز، وكان إسلامه مع إسلام أمِّ الفضل، قال: ويجوز أن يُعَدَّ عامر بن فهيرة منهم، فإنَّه أسلم قبل دخوله عليه السلام دار الأرقم، قال: ومنهم: أبو فُكيهة، أسلم حين أسلم بلال) انتهى ملخَّصًا، والله أعلم.

وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هم: بلال، وزيد بن حارثة، وعامر بن فُهيرة، وأبو فُكيهة، وياسر والد عَمَّار، والمرأتان: خديجة وسميَّة والدة عَمَّار، انتهى.

(1/6817)

[حديث: أما صاحبكم فقد غامر]

3661# قوله: (عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ): هو بضمِّ الموحَّدة وبالسِّين المهملة، معروف، وقد قدَّمتُ مَن يُقال [له]: بُسْر في «البخاريِّ» و «مسلم» غيرَ مرَّةٍ.

قوله: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ): تقدَّم فيما مضى أنَّه عويمر بن مالك، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن ثعلبة، وقيل غير ذلك، تأخَّر إسلامه، أسلم عقب بدر، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه، وأنَّه توفِّي سنة (32 هـ).

قوله: (آخِذاً): هو اسم فاعل، وهو منصوبٌ على الحال.

قوله: (حَتَّى أَبْدَى): أي: أظهر، وهو معتلٌّ غير مهموز، وهذا معروفٌ.

قوله: (أَمَّا صَاحِبُكُمْ): (أَمَّا) بفتح الهمزة، وتشديد الميم، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَقَدْ غَامَرَ): هو بالغين المعجَمة وفتح الميم، قال ابن قُرقُول: فسَّره المستملي عن البخاريِّ: أي: سبق بالخير، قال الشيبانيُّ: المغامرة: المعالجة، ومعناه قريب من هذا؛ أي: سارع، وقد غاضَبَ، وهو (فاعَلَ) من الغِمر؛ وهو الحِقد، وقال الخطَّابيُّ: (معناه: خاصم فدخل في غمرات الخصومة) انتهى.

قوله: (أَثَمَّ): هو بهمزة الاستفهام، و (ثَمَّ): بفتح الثاء المثلثة، وتشديد الميم؛ بمعنى: أهُناك؟ وقد تقدَّم معناها.

قوله: (يَتَمَعَّرُ): هو بتشديد العين المهملة؛ كذا في أصلنا؛ أي: يتغيَّر كراهيةً وينقبض، وفي هامش أصلنا إعجام الغين بالقلم نسخة، وعليها علامة راويها، ولم أرَ أنا هذه في «المطالع»، وقد ذكرها ابن الأثير في «نهايته» في العين المهملة، فقال: («فتمعَّر وجهه»؛ أي: تغيَّر، وأصله: قلَّة النَّضارة، وعدم إشراق اللَّون، من قولهم: مكان أمعر، وهو الجدب الذي لا خِصْب فيه)، وذكر في (مغر) بالإعجام: (أيُّكم ابن عبد المطَّلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق؛ أي: هو الأحمر المتَّكِئ على مرفقه، مأخوذ من المَغْرة، وهو هذا المدر الأحمر الذي تُصبَغ به الثِّياب، وقد تكرَّر ذكرها في الحديث، وقيل: أراد بالأمغر: الأبيض؛ لأنَّهم يسمُّون الأبيض أحمر) انتهى، فإن صحَّت النُّسخة التي في الهامش؛ فلها معنًى، والله أعلم.

قوله: (وَوَاسَانِي): هذه معناها ظاهرٌ، قال الجوهريُّ: (وواساه) لغةٌ ضعيفةٌ في (آساه)، يُبنى على (يُواسي)، وقال في (أسَا): وآسيته بمالي مواساةً؛ أي: جعلته أسوتي فيه، وواسيته: لغة ضعيفة فيه، انتهى، وفي هامش أصلنا: (وأوساني)، والظاهر أنَّ معناها: جعلني أسوته، ولا أعلمها أنا لغةً في آساه وواساه، والله أعلم، قال ابن قُرقُول: (وآساني بنفسه وماله)؛ كذا للأصيليِّ، ولبعض شيوخ أبي ذرٍّ: (وواساني)، وهو الصَّواب، انتهى.

(1/6818)

قوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟): الوجه: تاركونَ لي، قال أبو البقاء: (وحذفها غلطٌ من الرُّواة) انتهى، واعلم أنَّ كثيرًا من النَّحْويين قالوا: إنَّه لا يُفصَل بين المتضايفينِ إلَّا في الشِّعر، قال ابن هشام في «التوضيح»: (والحقُّ أنَّ مسائل الفصل سبعٌ، منها ثلاث جائزة في الشِّعر)؛ فذكر الأول، ثم قال: (الثانية: أن يكون المضاف والمضاف إليه إمَّا مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) [إبراهيم: 47] أو ظرفه كقوله عليه السلام: «هل أنتم تاركو لي صاحبي») انتهى كلامُه، فالظاهر أنَّ أبا البقاء من الكثير من النُّحاة، والله أعلم.

قوله: (فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا): (أُوذيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

(1/6819)

[حديث: أي الناس أحب إليك]

3662# قوله: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ): هذا هو أبو عثمان النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، تقدَّم مترجمًا، واللُّغات الأربعة في (مَلٍّ)؛ وهو تثليث الميم، والرابعة: مَلْء؛ بفتح الميم، وإسكان اللام، ثم همزة.

قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي): كذا هو في أصلنا بالياء، وقد تقدَّم كلام النوويِّ أنَّ الأصحَّ فيه وفي (ابن الهادي) و (ابن أبي الموالي) و (اليماني): إثبات الياء، وتقدَّم كلام ابن الصَّلاح، والله أعلم.

قوله: (عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ): هذه السريَّة كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان بعد مؤتة؛ لأنَّ مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (كانت غزوة ذات السلاسل بعد مؤتة فيما ذكر أهل المغازي سوى ابن إسحاق؛ فإنَّه قال: قبل مؤتة) انتهى، و (ذات السلاسل): من وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، سميت بماء بأرض جذام يقال له: السَّلسَل، وقال السُّهيلي: (ذات السُّلاسل؛ بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية: ماء بأرض جذام، سُمِّيت به الغزاة)، وكذا قال ابن الأثير: (هو بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية)، فوافق السُّهيليَّ في ذلك، وكأنَّ أصل ابن الأثير الجوهريُّ في «صحاحه»؛ فإنَّه قال: (وماء سَلْسَل وسَلسَال: سهل الدُّخول في الحَلْق؛ لعُذوبته وصفائه، والسُّلاسِل؛ بالضمِّ: مثله) انتهى، والمشهور في ألسنة الناس: ذات السَّلاسِل؛ بفتح الأولى، وكسر الثانية، والله أعلم.

قوله: (فَأَتَيْتُهُ): أي: أتيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 2 ص 8]

(1/6820)

[حديث: بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب]

3663# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تقدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تقدَّم (الزُّهْرِيُّ) أنَّه محمَّد بن مسلمٍ، وكذا تقدَّم (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتقدَّم مترجمًا، وكذا تقدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِه): تقدَّم الكلام على اسم مُكلِّم الذِّئب مطوَّلًا في أول (كتاب الحرث).

قوله: (عَدَا): هو بالعين المهملة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (يَوْمَ السَّبُعِ): تقدَّم الكلام عليه وضبطُه في أول (كتاب الحرث).

قوله: (وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً): تقدَّم أنَّ هذا الرَّجُل لا أعرفه.

[ج 2 ص 8]

(1/6821)

[حديث: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو]

3664# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مِرارًا أنَّ اسمه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، وتقدَّم مترجمًا، و (عَبْدُ اللَّهِ) بعده: تقدَّم أنَّه ابن المبارك، و (يُونُسَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِي): محمَّد بن مسلم، و (ابْنُ المُسَيّب): سعيد، وتقدم أنَّه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

قوله: (رَأَيْتُنِي): هو بضمِّ التاء؛ أي: رأيت نفسي.

قوله: (عَلَى قَلِيبٍ): تقدَّم أنَّه بفتح القاف وكسر اللام: البئر غير المطويَّة.

قوله: (فَنَزَعْتُ مِنْهَا ... ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ): تقدَّم الكلام على الذَّنوب ضبطًا ومعنًى، وتقدَّم أنَّ هذا شكٌّ من الرَّاوي، وتقدَّم ما عقَّبه به البخاريُّ فيما مضى برواية همَّام عن أبي هريرة: (ذَنوبين)، وكذا الكلام على قوله: (وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ)، وكذا على قوله: (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا (اسْتَحَالَتْ)، وكذا (غَرْبًا)، وكذا (عَبْقَرِيًّا)، وكذا (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ).

فائدة: قال السُّهيليُّ في «رَوضه» ما لفظه: وقد رأى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه ينزع على قليب، وحولها غنمٌ سود وعُفْر، قال: «ثم جاء أبو بكر، فنزع نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر، فاستحالت غربًا»؛ يعني: الدَّلو ... إلى آخره، قال: فأوَّلها الناس في الخلافة لأبي بكر وعمر، ولولا ذكر الغنم السُّود والعُفر؛ لبعُدت الرُّؤيا عن معنى الخلافة والرِّعاية؛ إذ الغنم السُّود والعُفر عبارة عن العرب والعجَم، وأكثر المحدِّثين لم يذكروا الغنم في هذا الحديث، ذكره البزَّار في «مسنده» وأحمد ابن حنبل أيضًا، وبه يصحُّ المعنى، والله أعلم، انتهى، وقد رأيتُ ما عزاه لـ «مسند أحمد» فيه من حديث أبي الطفيل، وفي آخره: (فأوَّلت السود العرب، والعفر العجَم) انتهى.

(1/6822)

[حديث: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة]

3665# قوله: (حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك.

قوله: (خيَلاَءَ): هو بضمِّ الخاء المعجمة وكسرها، ممدود؛ أي: كِبْرًا واستحقارًا للناس.

قوله: (قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ [1]): أمَّا (موسى)؛ فهو ابن عقبة الإمام المذكور في السَّند، و (سالم): هو ابن عبد الله بن عمر المذكور في السند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[1] في (أ): (سالم)، ولعل المثبت هو الصواب.

[ج 2 ص 9]

(1/6823)

[حديث: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب]

3666# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مِرارًا أنَّ [1] اسمه الحكم بن نافع، وتقدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ): تقدَّم الكلام عليه غيرَ مرَّةٍ، وكذا قوله: (بَاب الرَّيَّانِ)، وتقدَّم أيضًا الكلام على أبواب الجنَّة، وأنَّ القرطبيَّ قال: (إنَّها ستة عشر)؛ فانظره في (باب صفة أبواب الجنَّة).

==========

[1] في (أ): (أنه).

[ج 2 ص 9]

(1/6824)

[حديث: أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح]

3667# 3668# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تقدَّم غير مرَّةٍ أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت مالكٍ الإمام.

قوله: (بالسُّنحِ): تقدَّم أنَّه بضمِّ السين والنون، وإسكان النُّون أيضًا، وبالحاء المهملتين، منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، بينه وبين منزل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ميلٌ.

قوله: (قَالَ إِسْمَاعِيلُ): يعني: المذكور في السند ابن عبد الله أبي أويس، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (فَقَبَّلَهُ): تقدَّم أنَّ في «النَّسائيِّ» أنَّه قبَّله بين عينيه، وكذا في «ابن ماجه».

قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): تقدَّم أنَّه بكسر الرَّاء وفتحها، وهما باختلاف المعنى، وقد تقدَّم ذلك.

قوله: (فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ): (نَشَج)؛ بفتح النون، والشين المعجمة، والجيم، والنشيج: [صوت] معه توجُّعٌ وبكاءٌ؛ كما يردِّد الصبي بكاءه في صدره، وقد نشَج؛ بالفتح، ينشِج؛ بالكسر، وقد تقدَّم الكلام عليه في (الصلاة).

قوله: (فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ): تقدَّم الكلام على السَّقيفة.

قوله: (مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ): يعني: منَّا خليفةٌ، فإذا مات؛ كان منكم خليفة، وذلك أنَّه لا يجوز نَصْب خليفتين معًا.

قوله: (وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ): تقدَّم أنَّ اسمه عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمين هذه الأُمَّة، تقدَّم.

قوله: (فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ): هو بالنَّصب، قال السُّهيليُّ: ليس له وجهٌ إلَّا الحال، وقال القاضي: ضبطناه بالنصب، ويصحُّ فيه الرفع على الفاعل، والله أعلم.

قوله: (نَحْنُ الأُمَرَاءُ): (نحن) يعني: قريشًا، (الأمراء)؛ أي: الخلفاء.

قوله: (فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ): (حُبَاب)؛ بضمِّ الحاء المهملة، وتخفيف الموحَّدة، وفي آخره موحَّدة أخرى بينهما ألفٌ، وهو حُبَاب بن المنذر بن الجَموح بن زيد بن حرام _بالراء_ بن كعب بن غنم بن كعب بن سلِمة _بكسر اللام_ الخزرجيُّ السَّلَميُّ؛ بفتح السين، وكذا اللام على الأصحِّ، وقد حُكيَ كسرُها ولُحِّن، كنيته أبو عمرو، شهد بدرًا، وكان يقال [له]: ذو الرَّأي، أشار يوم بدر على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن ينزل، وهو القائل يوم السقيفة: (أنا جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجَّبُ)، روى عنه: أبو الطُّفيل، توفِّي في خلافة عمر رضي الله عنهما، لا شيء له في الكتب السِّتَّة، ولا في «المسند» لأحمد، ولا في «مسند بقيِّ بن مَخْلد»، بل قد قال بعض الحُفَّاظ: إنَّه لم يروِ شيئًا، ومات كهلًا.

قوله: (هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ) يعني: قريشًا (دَاراً)؛ أي: أشرف؛ يعني: مكَّة حاشا البقعة التي ضمَّت أعضاءه صلَّى الله عليه وسلَّم.

(1/6825)

قوله: (وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَاباً): (أعرب): بالعين المهملة والراء وبالموحَّدة؛ ومعناه: أبينهم وأصحُّهم، يقال: عربيٌّ بَيِّن العروبة والعروبيَّة، والأحساب: جمع حسَب؛ بالفتح؛ وهو ما يعدُّه الشخص من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه: دِينه، ويقال: ماله، قاله في «الصحاح»، وفي «القاموس» الأقوال الثلاثة، ثم قال: (أو الكرم، أو البال، أو الحسَب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شُرفاء، والشَّرف والمجد لا يكونان إلا بهم)، وقال شيخنا: (وأعرقهم أحسابًا هو بالقاف، وفي بعض نسخه بالباء، وعليها مشى ابن التِّين) انتهى.

قوله: (فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ): هذا القائل لا أعرف اسمه.

==========

[ج 2 ص 9]

(1/6826)

[موقوف ابن سالم: شخص بصر النبي ثم قال في الرفيق الأعلى]

3669# 3670# قوله: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ بصيغة جزمٍ، فهو صحيحٌ إلى عبد الله بن سالم، وعبد الله بن سالم ليس من شرط الكتاب، وهو أشعريٌّ وُحاظيٌّ حمصيٌّ، كنيته أبو يوسف، يروي عن محمَّد بن زياد الألهانيِّ، وإبراهيم بن أبي عبلة، والزُّبيديِّ، وجماعة، وعنه: عبد الله بن يوسف التِّنِّيسيُّ، وأبو مسهر، وجماعة، أثنى عليه غير واحدٍ، وقال أبو عبيد الآجريِّ: سمعت أبا داود يذمُّه، وكان يقول: (عليٌّ أعان على قتل أبي بكر وعمر) انتهى، وقد كذب في ذلك والله، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ، قال أبو داود: مات سنة (179 هـ)، أخرج له أبو داود والنَّسائيُّ، وعلَّق له البخاريُّ كما ترى، وهو ناصبيٌّ، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد ذكره ابن حبَّان في «ثقاته»، وهذا التعليق ليس في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْه شيخنا.

[ج 2 ص 9]

قوله: (عَنِ الزُّبَيْدِيِّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ، أبو الهذيل الحمصيُّ، تقدَّم مترجمًا، والزُّبيديُّ بضمِّ الزاي، وهذا معروفٌ.

قوله: (شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح الشِّين والخاء المعجمتين، وبالصَّاد المهملة؛ أي: ارتفع، وقيل: امتدَّ ولم يطرف، و (بصرُ): مرفوعٌ؛ لأنَّه فاعل، وأشخص بصره: مدَّه ولم يطرف، قال أبو زيد: شخَص البصر يشخَصُ _بالفتح فيهما_ شخوصًا، ولا أعرف الكسر، وإنَّما الكسر إذا عظُم شخصُه.

قوله: (فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى): قال ابن قُرقُول: أي: اجعلني وألحقني بهم، وهم الأنبياء والصِّدِّيقون والشُّهداء المذكورون في قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، وهو يقع على الجمع والواحد، وقيل: أراد رفق الرفيق، وقيل: أراد مرتفق الجنَّة، وقال الداوديُّ: (هُوَ اسمٌ لكلِّ سماءٍ)، وقال: (الأعلى)؛ لأن الجنَّة فوق ذلك، وأهل اللُّغة لا يعرفون هَذَا، ولعله تصحيفٌ له من (الرقيع)، وقال الجوهريُّ: (الرفيق الأعلى: الجنَّة) انتهى، وهذا الجوهريُّ ليس بصاحب اللُّغة المعروف، وإنَّما هو غيره، وقد نقل عنه ابن قُرقُول في غير موضعٍ، انتهى، وفي «النِّهاية»: الرَّفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عِلِّيِّين، وهو اسمٌ جاء على (فَعيل)؛ ومعناه: الجماعة؛ كالصَّدِيق والخليط، يقع على الواحد والجمع، ومنه قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، والرَّفيق: المرافِق في الطَّريق، وقيل: معنى (ألحقِني بالرفيق الأعلى): بالله تعالى، يقال: الله رفيقٌ بعباده، من الرِّفق والرَّأفة، فهو (فعيلٌ) بمعنى: فاعل، انتهى.

(1/6827)

[حديث: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]

3671# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر الثاء المثلَّثة، وهذا ظاهرٌ معروفٌ عند أهله، و (سُفْيَان) بعده: تقدَّم أنَّه _فيما يظهر_ الثوريُّ، وقد قدَّمتُ مستندي في ذلك.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى): هو منذر بن يعلى الثوريُّ، يروي عن ابن الحنفيَّة، والرَّبيع بن خُثَيم، وسعيد بن جُبَير، وغيرهم، وعنه: جامع بن أبي راشد، والأعمش، ومحمَّد بن سوقة، وفطر بن خليفة، وآخرون، وثَّقه ابن معينٍ وابن خراش، أخرج له الجماعة، تقدَّم، و (مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة): هو محمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، تقدَّم الكلام عليه وعلى أُمِّه، واسمها خولة، وذكرتُ نسَبَها.

تنبيه: قوله: (وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ): ذكر بعض الحُفَّاظ العصريِّين: روينا في الجزء الثاني من حديث أبي بكر الثقفيِّ: أنَّ عليًّا سُئلَ مرَّةً أخرى: مَن الثالث؟ فقال: (عثمان بن عفَّان)، وفي إسناده إرسالٌ، انتهى.

==========

[ج 2 ص 10]

(1/6828)

[حديث عائشة: خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره]

3672# قوله: (فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ): تقدَّم الكلام على هذه السَّفرة، وعلى (البيداء) و (ذات الجيش)، واسم المكان الَّذِي سقط به العِقد، وأنَّه يقال له: الضلضل، وعلى انقطاع العِقد، وأنَّه سقط مرَّتين، وذكرت لأيِّ شيءٍ قيل ذلك، وذكرتُ مستنده حديثًا؛ كلُّ ذلك في (التيمُّم)، وكذا (وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي): أنَّه بضمِّ العين وفتحها، وكذا (إِلاَّ مَكَانُ): أنَّه بالرفع؛ لأنّه مفرَّغٌ، وكذا على قوله: (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ)، وكذا الكلام على آية التيمُّم الَّتِي أُنزِلت في ذلك، والاختلاف فيها، وكذا على (أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ)، وأنَّه وأباه بضمِّ أوَّلهما، وكذا (فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ)؛ أَيْ: أثرناه وأقمناه من بُروكه.

==========

[ج 2 ص 10]

(1/6829)

[حديث: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ .. ]

3673# قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مِرارًا كثيرة أنَّه سُليمان بن مهران، و (ذَكْوَان) بعده: هُوَ أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات، و (أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان، صحابيٌّ مشهور، تقدَّم مِرارًا.

قوله: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي): اعلم أنَّ سبَّ الواحد منهم حرامٌ من فواحش المحرَّمات، كبيرةٌ من الكبائر، سواءٌ من لابس منهم الفِتَن وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب، وسبُّ الواحد منهم كبيرة، كما قاله القاضي عياض، ومذهب الجمهور أنَّه يُعزَّر سابُّهم ولا يُقتَل، وقال بعض المالكيَّة: يُقتَل، ذكره النَّوويُّ في «شرح مسلم» انتهى، وعن القاضي الحسين في (باب إمامة المرأة) من (كتاب الصلاة): (أنَّ مَن سبَّ الشَّيخين والحسن والحسين هل يكفر أو يفسق؟ فِيْهِ وجهان) انتهى.

تنبيه: الصَّحابة كلُّهم عدولٌ؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةًوَسَطًا} [البقرة: 143]، ولقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ولغير حديثٍ صحيح، ولإجماع مَن يُعتدُّ به في الإجماع من الأئمَّة على تعديل من لم يُلابِسِ الفِتَنَ منهم، وأمَّا مَن لابس الفِتَن منهم، وذلك من مقتل عثمان؛ فأجمع من يُعتَدُّ به في الإجماع على تعديلهم؛ إحسانًا للظَّنِّ بهم، وحملًا لهم في ذلك على الاجتهاد، كذا حكى إجماع الأُمَّة على تعديل مَن لم يُلابس الفتن منهم أبو عمرو بن الصَّلاح، وفيه نظرٌ؛ فقد حكى الآمديُّ وابن الحاجب قولًا: أنَّهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقًا، وقولًا آخر: أنَّهم عدولٌ إلى وقوع الفِتَن، فأمَّا بعد ذلك؛ فلا بدَّ من البحث عمَّن ليس بظاهر العدالة، وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليًّا منهم، وقيل: يُرَدُّ الداخلون في الفتن كلُّهم؛ لأنَّ أحد الفريقين فاسقٌ من غير تعيينٍ، وقيل: يُقبَل الداخل فيها إذا انفرد؛ لأنَّ الأصل العدالة، وشككنا في فسقِه، ولا يُقبَل مع يخالفه؛ لتحقيق فسق أحدهما من غير تعيين، والذي عليه الجمهور _كما قال الآمدي وابن الحاجب_ أنَّهم عدولٌ كلُّهم مطلقًا، وقال الآمديُّ: إنَّه المختار، وحَكى ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: إجماع أهل الحقِّ من المسلمين _وهم أهل السُّنَّة والجماعة_ على أنَّ الصَّحابة عدولٌ.

تنبيه: حكى بعضُهم عن الإمام الشَّافعيِّ: (أنَّهم عدولٌ إلَّا أربعة: معاوية، وعمرو بن العاصي، والمغيرة بن شُعبة، وزياد) انتهى، وزياد ليس صحابيًّا، والله أعلم.

تنبيه ثالث: لو قال قائلٌ من النَّاس: أنا لا أسبُّ أحدًا منهم، لكنِّي أُقدِّم عمر على أبي بكر، أو أُقدِّم عليًّا على أبي بكر، أو أُقدِّم فلانًا [1] من الصَّحابة على أبي بكر، فماذا يلزمني؟

(1/6830)

والجواب: أنَّ مذهب عمر وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ من فضَّل على أبي بكر أحدًا من الصَّحابة؛ فإنَّه يُجلد حدَّ المفتري؛ يعني: ثمانين جلدةً، وقد روى شعبة عن حُصين عن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى: أنَّ الجارود بن المُعلَّى العَبْديَّ قال: أبو بكر خيرٌ من عمر، فقال آخر: عمر خيرٌ من أبي بكر، فبلغ ذلك عمرَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، فضربه بالدُّرَّة حتَّى شغر بِرِجْليه، وقال: إنَّ أبا بكر صاحب رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان أخيرَ النَّاس في كذا وكذا، من قال غير ذلك؛ وجب عليه حدُّ المفتري، ورَوى حجَّاج بن دينارٍ عَنْ أبي معشرٍ عَنْ إبراهيم عَنْ علقمة قال: (سمعت عليًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول: بلغني أنَّ قومًا يفضِّلوني على أبي بكر وعمر، من قال شيئًا من ذلك عليه ما على المفتري)، وعن أبي عُبيدة بن الحكم عَن الحكم _كذا في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ_ ابن جحل: (أنَّ عليًّا قال: لا أوتى برجلٍ فضَّلني على أبي بكر وعمر إلَّا جلدته حدَّ المفتري)، ذكر هذه الآثارَ الذهبيُّ في «الكبائر» له، وهو في (الكبيرة السابعة والخمسون)، والله أعلم، وذكر الطريق الآخر إلى عليٍّ ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قوله: (أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً؛ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ): الحديث في «مسند عبد بن حميد» من حديث أبي سعيد: «لو أنفق كلَّ يوم مثل أحُدٍ ذهبًا؛ لم يبلغ مُدَّ أحدهم» انتهى.

قوله: (مُدَّ أَحَدِهِمْ): هو المُدُّ المعروف بضمِّ الميم، وهو واحد الأمداد؛ وهو ربع الصَّاع، وقال شيخنا: قال الخطَّابيُّ: ويُروى: (مَدَّ)؛ بفتح الميم، يريد: الفضل والطَّول، انتهى.

قوله: (وَلاَ نَصِيفَهُ): النَّصيف؛ بفتح النون وكسر الصاد: النِّصف، وفي النِّصف ثلاث لغات: نصْف؛ بكسر النون وضمِّها، ونَصيف؛ بزيادة ياءٍ، حكاهنَّ غيرُ واحدٍ، وقال شيخنا: النَّصيف هنا: مكيالٌ يُكالُ به، انتهى.

قوله: (تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ): الضمير في (تابعه) يعود على شعبة، ومتابعة جريرٍ أخرجها مسلمٌ في (الفضائل) عَنْ عثمان بن أبي شيبة، عَنْ جرير، عَن الأعمش، وباقي المتابعات لَمْ تكن في شيء من الكتب السِّتَّة، ولا عزا شيخنا شيئًا من جميعها، و (جَرِيرٌ): هُوَ ابن عبد الحميد، تقدَّم، و (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ): جدُّه اسمه عامر بن الربيع الخُريبيُّ، والخُريبة: محلَّة بالبصرة، وهو أحد الثِّقات الأعلام، تقدَّم، أخرج له البخاريُّ والأربعة، و (أَبُو مُعَاوِيَةَ): محمَّد بن خازم _بالخاء المعجمة_ الضرير، تقدَّم، أخرج له الجماعة، وهو أحد الأئمَّة الثِّقات، له ترجمةٌ في «الميزان»، و (مُحَاضِرٌ): هو ابن المورِّع، صدوقٌ مغفَّلٌ، علَّق له البخاريُّ، وروى عنه مسلمٌ حديثًا واحدًا، وأبو داود، والنَّسائيُّ، توفِّي سنة (206 هـ)، له ترجمة في «الميزان»، وهو فردٌ، والله أعلم.

(1/6831)

[حديث: ائذن له وبشره بالجنة]

3674# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هَذَا هُوَ سليمان بن بلال، تقدَّم مِرارًا، و (شَرِيكُ ابنُ أَبِي نَمِرٍ): هو شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، تقدَّم بعض ترجمته، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): تقدَّم أنَّ ياء أبيه بالكسر والفتح، وأنَّ غير أبيه لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

قوله: (وَجَّهَ [هَا] هُنَا): (وَجَّه)؛ بفتح الواو، وتشديد الجيم: فعل ماضٍ؛ أي: توجَّه، كذا ضبطه النَّوويُّ في «رياضه»، وقال ابن قُرقُول في «مطالعه»: وقيَّده بعض شيوخنا: (وجْه)؛ بسكون الجيم؛ أي: هذه الجهة، ورجَّحه بعضهم، انتهى، وما قاله عَنْ بعض شيوخه هُوَ نسخةٌ في هامش أصلنا الَّذِي سمعنا فِيْهِ عَلى العراقيِّ.

قوله: (فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ): تقدَّم أنَّه يقال: إِثْر وأثَر، وتقدَّم [ما] قاله شيخنا فِيهِ.

قوله: (بِئْرَ أَرِيْسٍ): هو بفتح الهمزة، وكسر الرَّاء المخفَّفة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ سين مهملة، قال النَّوويُّ في «رياضه»: في أريس الصرف وعدمه، وفي «شرح مسلم» في (فضل عثمان) ذكر الصرف فقط، وهي بئرٌ معروفةٌ بقرب مسجد قباء خارج مدينة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

قوله: (وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا): القُفُّ؛ بضمِّ القاف وتشديد الفاء، قال ابن قُرقُول: البناء حول البئر، والقفُّ أيضًا: حجرٌ في وسط البئر،

[ج 2 ص 10]

وهو أيضًا سقياها، وهو أيضًا مصبُّها؛ أَيْ: مَصَبُّ الدَّلو، وفي «النِّهاية»: قُفُّ البئر: هُوَ الدِّكَّة التي تُجعَل حولها، وأصل القُفِّ: ما غلُظ من الأرض وارتفع، أو هو من القفِّ اليابس؛ لأنَّ ما ارتفع حول البئر يكون يابسًا في الغالب، انتهى.

قوله: (أَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ): هذا لا يخالف ما سيجيء في مناقب عثمان: (وأمرني بحفظ باب الحائط) خلافًا للداوديِّ، فإنَّ كونه بوَّابًا ناشئٌ عَنْ أمره عَلَيْهِ السَّلام.

قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): تقدَّم أنَّه يُقال بفتح الراء وكسرها باختلاف المعنى، وتقدَّم معناها.

(1/6832)

قوله: (فقلْتُ ... أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فقال: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجنَّةِ): تنبيه: ذكر شيخنا أنَّه روي عَنْ أنس لمَّا كان عَلَيْهِ السَّلام في البستان: أنَّه بشَّر الصِّدِّيق ثُمَّ عمر ثُمَّ عثمان بالخلافة والجنَّة، قال أَبُو سعيد الكنجروديُّ في «عوالي الصَّحابة»: (قيل: تفرَّد به الصهر بن عبد الرَّحمن، وكلُّهم ثقاتٌ) انتهى، وقد ذكر الذهبيُّ في «ميزانه»: في ترجمة عبد الأعلى بن أبي المساور حديثًا من جملة ما أنكر عليه وعزاه للطبرانيِّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسين الأنماطيُّ: حدَّثنا سعيد بن سليمان: حدَّثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عَن المختار بن فلفل عَنْ أنسٍ: دخل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حائطًا، فجاء رجلٌ فقرع الباب، فقال: «يا أنس؛ افتح وبشِّره بالجنَّة وأنَّه سيلي الأمر من بعدي» ففتحت؛ فإذا أبو بكر، انتهى، وهذا الَّذِي ظهر في نقدي أنَّه منكرٌ؛ لأنَّ أنسًا لَمْ يكن معهم يوم بئر أريس، ولأنَّ الآذن عليه في بئر أريس أَبُو موسى الأشعريُّ، وتعدُّد الواقعة فِيْهِ بُعْدٌ، وفيه أنَّه لَمْ يذكر معه أحدًا، بل الصِّدِّيق وحده، والله أعلم، ولا شكَّ أنَّ ما ذكره الذهبيُّ في هذه الترجمة إلَّا لنكارته أو غرابته عليه، والله أعلم.

قوله: (وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ): أخو أبي موسى هَذَا لا أعرفه بعينه، لكن قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: (هُوَ أبو رهم، أو أبو بردة) انتهى، وله إخوةٌ فيما أعلم؛ أحدهم: أبو بردة بن قيس، واسمه عامر، صحابيٌّ، وله رواية في «مسند أحمد»، وله في «مسند بقيٍّ» حديثٌ واحدٌ، قدم على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عام خيبر، روى عنه: ابنه بُريد وكريب بن الحارث بن أبي موسى، وله أخٌ ثانٍ: أبو رهم، صحابيٌّ أيضًا، وله أخٌ ثالث: اسمه مجدي بن قيس الأشعريُّ، استدركه الغسانيُّ، صحابيٌّ، وقيل: أبو رهم اسمه مجدي، وأخٌ رابع: اسمه محمَّد بن قيس، ورد في حديث لا يصحُّ، وله أخٌ آخر: كنيته أبو عامر، اسمه هانئ، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: عُبيد، وقيل: عبَّاد، ذكره الذهبيُّ في «تجريده» في «الكنى»، ولا أعلم مَن أراد مِن هؤلاء إلَّا ما ذكرته فيما مضى قريبًا عَنْ بعض الحُفَّاظ، والله أعلم.

قوله: (قَدْ مُلِئَ): هُوَ مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، مهموز الآخر.

قوله: (وجَاهَهُ): هُوَ بكسر الواو وضمِّها لغتان، ومعناهما المقابلة، وقد حكى اللُّغتين الجوهريُّ وابن قُرقُول وابن الأثير.

قوله: (شَرِيكٌ): هو ابن عبد الله بن أبي نمر المذكور في السند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ): يعني: في اجتماعهم في مكانٍ قريبٍ بعضهم من بعض، وكذا جاء في «الصحيح»: (اجتمعوا ههنا وانفرد عثمان)؛ يعني: في البقيع، وليس المراد من أنَّهم في المدفن واحد عَنْ يمينه والآخر عَنْ شماله؛ وذلك لأنَّ في صفة قبورهم ثلاثة أقوال؛ فقيل: هكذا:

وَهوَ الأكثر، وقال النَّوويُّ: المشهور الصِّفة الأولى، قال: لأنَّ رأس أبي بكرٍ عند منكب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو هكذا:

(1/6833)

أو هكذا:

وسيأتي ما يوهِم كيفيَّةً أخرى، وقد روى أبو داود بسنده عَن القاسم بن محمَّد قال: (دخلت على عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها فقلت: يا أُمَّتاه؛ اكشفي لي عن قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبَيهِ، فكشفت لي عَنْ ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء)، رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ، والحاكم بزيادة: (فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقدَّمًا، وأبا بكر رأسُه بين كتفي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعمر رأسه عند رِجْلَي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثُمَّ قال: هَذَا حديث صحيح الإسناد، انتهى.

تنبيه: رأيت في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» عَنْ عائشة _بإسنادٍ فِيْهِ عوبدٌ عَنْ أبيه؛ وهو أبو عمران الجونيُّ، وفيه ابن بابنوس؛ وهو يزيد، وسأذكر ترجمتهما قريبًا وفِي (باب مرض النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) _ حديثًا طويلًا وفي آخره: (أدخِلوه فادفنوه معه _يعني: عمر_ أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره)، ولكنَّ هذا حديث في إسناده عوبد، وهو متروك، وفيه ابن بابنوس، ولم يروِ عنه إلَّا أبو عمران الجونيُّ، فهو مجهولٌ، وحديث القاسم صحيحٌ، وقد قدَّمته أعلاه، والله أعلم.

(1/6834)

[حديث: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان]

3675# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدار، و (يَحْيَى) بعده: تقدَّم أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان الحافظ شيخ الحُفَّاظ، و (سَعِيد) بعده: هو ابن أبي عروبة، وقد قدَّمت ما قاله شيخنا في «القاموس» فِيْهِ.

==========

[ج 2 ص 11]

(1/6835)

[حديث: بينما أنا على بئر أنزع منها جاءني أبو بكر وعمر]

3676# قوله: (حَدَّثَنَا صَخْرٌ): هذا هو ابن جويرية البصريُّ، مولى بني نميرٍ، مشهورٌ.

قوله: (فَنَزَعَ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ): تقدَّم أنَّ هَذَا شكٌّ من الرَّاوي، وتقدَّم أنَّ البخاريَّ قال: (وقال همَّام عَنْ أبي هريرة: ذنوبين)، وتقدَّم الكلام على الذَّنوب، وتقدَّم الكلام على الضِّعف الَّذِي نزعه ما هو، وتقدَّم الكلام على قوله: (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا قوله: (فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً)، وكذا (عَبْقَرِيًّا)، وكذا (يَفْرِي فَرِيَّهُ)، وكذا (بِعَطَنٍ).

قوله: (قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ ... ) إلى آخره: (وهب) هذا: هو وهب بن جريرٍ المذكور في السَّند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (فَأَنَاخَتْ): قيل: حقُّ الكلام: فأُنيخَت؛ أي: بُرِّكت، قال شيخنا في «القاموس»: (تَنَوَّخَ الجمل النَّاقة: أبركها للسِّفاد؛ كأناخها، فاستناخت وتنوَّخت، ولا يقال: ناخت، ولا: أناخت) انتهى.

==========

[ج 2 ص 11]

(1/6836)

[حديث: إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع]

3677# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وقدَّمت أنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي): سيأتي أنَّه عليُّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قوله: (وَضَعَ مِرْفَقَه): تقدَّم أنَّ في المرفق لُغتين: فتح الميم وكسر الفاء، وتُكسَر مَعَ فتح الفاء.

قوله: (عَلَى مَنْكِبِي): هُوَ بالإفراد [1]، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (مَعَ صَاحِبَيْكَ): يعني: النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر، وهذا معروفٌ، ويُعرَف أيضًا ممَّا بعده.

قوله: (فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا): (أنْ) التي مع (يجعلك): مخفَّفة من الثقيلة، فعلى هَذَا (يجعلك) مرفوع، ويحتمل أن تكون ناصبة، و (يجعلك الله) مدلَّسة في أصلنا، والله أعلم.

(1/6837)

[حديث: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي ... ]

3678# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ): قال الكلاباذيُّ: هَذَا محمَّد بن يزيد البزَّاز الكوفيُّ، وليس بأبي هشام محمَّد بن يزيد الرفاعيِّ، وكذلك قال أبو عبد الله النيسابوريُّ، قال البخاريُّ: محمَّد بن يزيد الكوفيُّ سمع الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة، وكذلك قال ابن أبي حاتم، قال: وسمعت أبي يقول: هُوَ مجهولٌ، انتهى كلام الجيَّانيِّ، ومحمد بن يزيد الحزاميُّ الكوفيُّ البزَّاز يروي عن شريك وابن المبارك، وعنه: البخاريُّ، والفسويُّ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثقةٌ، أخرج له البخاريُّ فقط، قال الذهبيُّ في «ميزانه»: (محمَّد بن يزيد الكوفيُّ عن الوليد بن مسلم، مجهولٌ، قلت: هو الحزاميُّ البزَّاز، روى عَنْ أبي بكر بن عياش وابن عيينة، وعنه: البخاريُّ، والدَّارميُّ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة) انتهى، وأما محمَّد بن يزيد أبو هشام الرفاعيُّ الكوفيُّ قاضي بغداد؛ فلم [1] يُخرِّج له البخاريُّ، إنَّما روى له مسلمٌ، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، ضعَّفه ابن معينٍ وأبو حاتمٍ، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ): هو ابن مسلم، عالم أهل الشَّام، و (الأَوْزَاعِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه أبو عمرو عبد الرَّحمن بن عمرو، وتقدَّمت ترجمته، و (يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الكاف وكسر الثاء المثلَّثة.

[ج 2 ص 11]

قوله: (عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ): (أشدِّ)؛ بالجر؛ لأنَّه مضافٌ إلى (ما) بمعنى: الذي، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ): (عقبة): كافر معروفٌ، قُتِل صبرًا بعرق الظُّبية بعد أن أُسِرَ ببدر، قتله بأمره عليه السلام عاصمُ بن ثابت بن أبي الأقلح؛ بالقاف والحاء المهملة، وقيل: عليُّ بن أبي طالب، والذي أسره عبد الله بن سلِمة؛ بكسر اللام.

قوله: (خَنقاً شَدِيداً): هو بكسر النُّون والإسكان، كذا ذكر كسر النُّون غيرُ واحدٍ من أهل اللُّغة، والإسكان ذكره ابن قُرقُول، ولفظه على ما في نسختي بـ «المطالع»: بضبط المصدر بفتح النُّون والإسكان، والظاهر أنَّ هذا غلطٌ، ولعل _أو ألبتُّ_ صوابه بكسر النون، فإن كان ما في نسختي صحيحًا؛ ففيه ثلاث لغاتٍ، والله أعلم.

==========

[1] في (أ): (فلن)، ولعل المثبت هو الصواب.

(1/6838)

[باب مناقب عمر بن الخطاب]

(بابُ مَنَاقِب عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ... إلى (مَنَاقِبِ عُثْمَانَ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُما

هو أبو حفص عمر بن الخطاب _ولم يُسْلم الخطَّاب، وأظنُّ أنَّه هلك قبل المبعث_ ابن نفيل بن عبد العُزَّى بن رِياح _بكسر الراء، وبالمثنَّاة تحت_ ابن عبد الله بن قرط بن رَزاح _بفتح الراء، ثم زاي مخفَّفة، وفي آخره حاء مُهمَلة، تنبيه: قال السُّهيليُّ في «رَوضه» في نسب عمر رضي الله عنه: (رِزاح: بكسر الراء قيَّده الشيخ أبو بحر، وزعم الدارقطنيُّ أنَّه بالفتح، وإنَّما رِزاح بكسر الراء رزاح بن ربيعة أخو قُصَيٍّ لأُمِّه) انتهى، وكذا قال الأمير: (إنَّ رَزاحًا جدَّ عمر بالفتح، ورِزاح بن ربيعة بكسر الراء، والله أعلم_ ابن عديِّ بن كعب بن لؤيِّ بن غالب، يلتقي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كعب بن لؤيٍّ، واتفقوا على أنَّ أُمَّه حَنْتَمة؛ بفتح الحاء المهملة، ثم نون ساكنة، ثم مثنَّاة فوق مفتوحة، ثم ميم، ثم تاء التأنيث، ولم تُسلِم، بنت هاشم _ويقال: هشام_ ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب، فمن قال: أُمُّه بنت هشام؛ كانت أختَ أبي جهلٍ، ومن قال: بنت هاشم؛ كانت بنتَ عمِّه، قال ابن عبد البَرِّ: (الصحيح: بنت هاشم، ومن قال: بنت هشام؛ فقد أخطأ).

مناقبه كثيرةٌ جَمَّة، وسيأتي في إسلامه متى أسلم، واتَّفقوا على تسميته بالفاروق، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنَّه عليه السَّلام سمَّاه الفاروق، وأمَّا تكنيته بأبي حفص؛ فكناه بها أيضًا عليه السَّلام يوم بدر، والقصَّة بذلك مشهورةٌ.

طُعن يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وعشرين، ودُفِنَ يوم الأحد هلال المحرَّم سنة أربع وعشرين، وفي «تاريخ المدينة» لابن حسين الإمام زين الدِّين عن «العتبيَّة»: (أنَّ عمر مات من اليوم الذي طُعِنَ فيه) انتهى، وقيل: تُوفِّي لأربعٍ بقينَ من ذي الحجَّة، وقيل: لثلاثٍ، وقيل: لِلَيلة، وقيل غير ذلك، وكان له حين توفِّي ثلاث وستُّون سنةً؛ كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعليٍّ، وهذا تقدَّم، وقد قيل: في مبلغ سنِّه سبعة أقوالٍ أخرى، ذكر أبو الفرج بن الجوزيِّ في «تلقيحه» منها سبعة، وذكر الثمانية شيخنا في أوَّل شرح هذا «الصحيح» في ترجمة عمر في حديث «الأعمال بالنِّيَّات»، وسيأتي الكلام على قاتله في (مناقب عثمان) عند ذكره، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 12]

(1/6839)

[حديث: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ... ]

3679# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونُ): تقدَّم ضبط (الماجِشُون) ومعناه.

قوله: (رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ): تقدَّم أنَّه بضمِّ التاء؛ أي: رأيتُ نفسي.

قوله: (فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ، امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ): هي بضمِّ الراء، وفتح الميم، وبالصَّاد المهملة، ثم همزة ممدودة، وهي أمُّ سُليم، وقد قدَّمتُ الخلاف في اسمها؛ فقيل: سهيلة، وقيل: رُميلة، وقيل: رُميثة، وقيل: مُليكة، وقيل: الرُّميصاء، وقيل: الغميصاء بنت ملحان الخزرجية، والدة أنس بن مالك، صحابيَّة فاضلة لبيبة، مناقبها جمَّة، خرَّج لها أحمد في «المسند»، والبخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وقد قيل: إنَّها خالة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: خالة أبيه، وقيل: خالة جدِّه، وقد تقدَّم الكلام في ذلك مطوَّلًا، وكلام أبي محمَّد الدِّمياطيِّ وإنكارُه ذلك في أختها أمِّ حرام، والله أعلم.

و (أبو طلحة): تقدَّم أنَّه زيد بن سهيل، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

قوله: (وَسَمِعْتُ خَشفَةً): الخَشْفَة؛ بفتح الخاء وإسكان الشِّين المعجَمتين، ثم فاء مفتوحة، ثم تاء التأنيث: هي صوتُ حركةٍ ليس بالشديد، قاله أبو عُبيد، وقال الفرَّاء: هو الصوت الواحد، وبتحريك الشين: الحركة، قاله ابن قُرقُول، وقال ابن الأثير: الخَشْفة؛ بالسكون: الحسُّ والحركة، وقيل: هي الصوت، والخشَفة؛ بالتحريك: الحركة، وقيل: هما بمعنًى، وكذلك الخَشَف.

قوله: (بِفِنَائِهِ): تقدَّم ما الفِناء.

قوله: (فَإِذَا امْرَأَةٌ ... إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ): تقدَّم في (صفة الجنَّة): (تتوضَّأ إلى جانب قصرٍ)، وقد تقدَّم الكلام عليه هناك.

(1/6840)

[حديث: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ ... ]

3680# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه سعيد ابن أبي مريم الحكم، وتقدَّم (اللَّيْثُ) بعده: أنَّه ابن سعد الإمام المشهور، وتقدَّم (عُقَيْلٌ): أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وقدَّمت من يقال له: (عُقَيل) كهذا في «البخاري» و «مسلم» غير مرة، وتَقَدَّم (ابْنُ شِهَابٍ): أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهري، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب)، والكلام على ياء أبيه أنَّها بالفتح والكسر، بخلاف غيره ممَّن اسمه المسيَّب؛ فإنَّه لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

قوله: (رَأَيْتُنِي): تَقَدَّم أعلاه أنَّها بضمِّ التاء؛ أي: رأيت نفسي.

قوله: (تَتَوَضَّأُ): تَقَدَّم الكلام على (تتوضَّأ) في (باب صفة الجنَّة).

قوله: (فَبَكَى عُمَر): تَقَدَّم أنَّه بكى إمَّا سرورًا، وإمَّا تشوُّقًا إلى ذلك، احتمالان تَقَدَّما.

(1/6841)

[حديث: بينا أنا نائم شربت حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري]

3681# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَاْرَكِ): هو عبد الله العالم المشهور، شيخ خراسان، و (يُونُس): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِي): محمَّد بن مسلم، و (حَمْزَةُ): هو بالحاء المهملة، والزاي، و (أَبُوهُ): عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وهو أخو سالم لأبويه، وثَّقَ حمزةَ العجليُّ وغيره، وكان أحد الفقهاء بالمدينة، أخرج له الجماعة.

[ج 2 ص 12]

قوله: (حَتَّى أَنْظُر): يجوز في (أنظر) النصب والرفع؛ لأنَّه مثل: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214].

قوله: (إلى الرِّيِّ): هو بكسر الراء، وتشديد الياء، وبفتح الراء أيضًا مع تشديد الياء، وقد تَقَدَّم.

قوله: (في ظُفُرِي): الظُّفُر: بضمِّ الظاء المعجمة والفاء وإسكانها، وأمَّا قراءة من قرأ: (كل ذي ظِفر) [الأنعام: 146]؛ بالكسر؛ فشاذٌّ غير مأنوسٍ به؛ إذ لا يُعرف (ظِفر)؛ بالكسر، قاله ابن سِيْده، والجمع: الأظفار، وجماعة الأظفار: أظافير، ويقال للظُّفر: أُظفور، وجمعه: أظافير، وقال الجوهريُّ: (الظُّفر: جمعه أظفار، وأُظفور، وأظافير) انتهى، وقد قرأ الحسن: (كلَّ ذي ظِفْر)؛ بكسر الظاء وإسكان الفاء، وقرأ أبو السَّمَّال _ولي ذكر بعض ترجمته في تفسير: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وهو: بالسين المهملة، وتشديد الميم، وباللام في آخره_ بكسر الظاء والفاء، وهي لغةٌ، والله أعلم.

وقوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: الْعِلْمَ): تَقَدَّم في (كتاب العلم): أنَّ مِنَ القائلين أبا بكر الصديق، وتَقَدَّم الحكمة في إخراج البخاريِّ هذا في (باب فضل العلم)؛ فانظره؛ فإنَّه مفيدٌ من كلام ابن المنيِّر، وقدَّمت هناك سؤالًا وجوابه.

(1/6842)

[حديث: أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب]

3682# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة، وبالشين المعجمة، تَقَدَّم، و (عُبَيْدُ اللهِ) بعده: هو عبيد [الله] بن عمر العمريُّ، و (أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ) بعده: هو أبو بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب.

قوله: (عَنْ سَالِمٍ بِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كذا في أصلنا، وصوابُه: عن سالم عن عبد الله بن عمر، وكذا صُوِّب في هامش أصلنا.

قوله: (بِدَلْوِ بَكرةٍ): قال ابن قُرقُول: (بدلو بَكرة): على الإضافة، الباء مفتوحة، والكاف ساكنة ومفتوحة أيضًا، وبالسُّكون ضبطها الأصيليُّ، ونوَّنه بعضهم على البدل، وبالإضافة قيَّده شيوخنا، وهو أصوب، انتهى، قال بعضهم: الصواب في (البكْرة) الإسكان.

قوله: (عَلَى قَلِيبٍ): تَقَدَّم ما القليب ضبطًا ومعنًى، وكذا (ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ)، وما هو الذَّنوب، وأنَّ الصواب من أحد المسألتين: ذنوبين؛ لأنَّه جزم به في مكان، ومعنى قوله: (نَزْعاً ضَعِيفاً)، وكذا (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا (الْعَبْقَرِيُّ)، وكذا (يَفْرِي فَرِيَّهُ)، وكذا (وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ)، وتَقَدَّم كلام السُّهيليِّ في ذلك وفي الزيادة التي في «مسندالبزَّار» و «أحمد»، ولولا الزيادة؛ لَعزُب تأويل الرُّؤيا عن الخلافة، والله أعلم.

قوله: (قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ): هو شيخ البخاريِّ محمَّد بن عبد الله بن نمير شيخه في هذا الحديث وفي غيره، ووقع في أصلنا الدمشقيِّ: (ابْنُ جُبَيْرٍ)، وكذا في أصلنا القاهريِّ في الأصل، وعليه علامة راويه، وفي الهامش: (نمير)، وعليه علامة راويه، وقد راجعت شرح شيخنا، فرأيته قد جعله على الصواب: (ابن نمير)، فما في أصلنا الدمشقيِّ والقاهريِّ فيه نظرٌ، والله أعلم.

قوله: (وَقَالَ يَحْيَى: الزَّرَابِيُّ): (يحيى) هذا: هو الفرَّاء، وسيأتي مترجمًا في سورة (الصفِّ) في (التفسير) إن شاء الله تعالى، فإنَّه ذكر يحيى أيضًا هناك.

(1/6843)

[حديث: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب]

3683# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّم (صَالِح): أنَّه ابن كيسان، وكذا (ابْنِ شِهَابٍ): أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهريُّ.

قوله: (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ): كذا في أصلنا، وهذا لم يذكره المِزِّيُّ، وإنَّما ذكر الذي بعده حديث عبد العزيز بن عبد الله، ولم يذكر حديث عليِّ بن عبد الله، وحديث عليِّ بن عبد الله هو في بعض النُّسخ، وذلك لأنَّه أشار إليه في أصلنا بعلامة راويه، وكتب عليه: (مِن ... إلى)، وما جرت عادة البخاريِّ بذكر الحديث على هذا الطريق، هذا فيما رأيتُه، إنَّما يفعل العكس، وقد يفعل مثل الأوَّل، وعبد الحميد في السند الأوَّل سمَّاه في السَّند الثاني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، وزيد هو ابن الخَطَّاب، ومحمد بن سعد في السند الأول هو محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص المذكور في السَّند الثَّاني، والله أعلم.

وقوله: (وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ): هؤلاء النِّسوة القرشيَّات هنَّ أزواجه القرشيَّات، وهنَّ معروفات، هذا ما ظهر من سياق الحديث، ولا يكون معه عليه السَّلام بهذه المثابة وهذا الإدلال إلَّا أزواجُه أقرباؤه، وقد تَقَدَّم ما قاله بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين، وقال شيخنا في «شرحه» هنا فيه: (إنَّه عليه السَّلام كان يأتيه نساء المؤمنين، ويبسطن عنده) انتهى، ففيه أنَّهن لسنَ أزواجه؛ لكن ينبغي أن يقول: نساء المؤمنين القرشيَّات، والله أعلم.

قوله: (وَيَسْتَكْثِرْنَه): أي: يُكثِرن عليه السُّؤال والكلام؛ أي: يطلبن منه استخراج الكثير منه أو من الحوائج، وقد تَقَدَّم، وقال شيخنا: يريد العطاء.

قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ): (عاليةً): منصوبٌ منوَّن حال، و (أصواتَهنَّ): مرفوع، وقد تَقَدَّم كلام القاضي عياض في معنى ذلك.

قوله: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هما بمعنى: شدَّة الخلق وخشونة الجانب، ولم يأتِ (أفعل) ههنا للمبالغة بينه وبين النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل: أنت فظٌّ غليظ، أو تكون للمفاضلة بينهما فيما يجب من الإنكار والخشونة على أهل الباطل؛ كما قال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فيكون عند عمر زيادة في غير هذا من الأمور، فيكون أغلظ بهذا على الجملة، لا على التفصيل فيما يجب من ذلك، وقد تَقَدَّم.

(1/6844)

قوله: (إِيهًا يَا بْنَ الْخَطَّابِ [1]): قال ابن قُرقُول: (إيهًا)؛ بكسر الهمزة: كلمة تصديق وارتضاء، وفي نسخة: (إِيهٍ)؛ بكسر الهمزة منوَّنة، وهي كلمة استزادة من حديثٍ لا تعرفه، و (إيهِ)؛ غير منوَّنة: استزادة من حديث تعرفه، وقال يعقوب: يقال للرَّجل إذا استزدتَه من عملٍ أو حديثٍ: إيهِ، فإن وصلت؛ نوَّنت فقلت: إيهٍ حدِّثْنا، قال ثابت: وتقول: إيهًا عنَّا؛ أي: كُفَّ عنَّا، وويهًا؛ إذا أغريتَه أو رجوتَه، وواهًا؛ إذا تعجَّبتَ، وقال اللَّيث: إيهٍ: كلمة زيادةٍ واستنطاقٍ، وقد تنوَّن، وإيهْ: كلمة زَجْرٍ، وقد تُنوَّن؛ فيقال: إيهًا، وفي «النِّهاية»: (إيهِ: كلمةٌ يراد بها الاستزادة، وهي مبنيَّةٌ على الكسر؛ فإذا وصلت؛ نوَّنت، فقلت: إيهٍ حدِّثنا، فإذا قلت: إيهًا _بالنصب_؛ فإنَّما تأمره بالسُّكوت) ... إلى أن قال: (وقد ترد المنصوبة _يعني: إِيْهًا_ بمعنى التَّصديق والرِّضا بالشيء) انتهى، وفي «الصِّحاح» بعد أن ذكر (إِيهِ): (فإذا سكَّتَّه؛ قلت: إيْهًا عنَّا، وإذا أردت البعيد؛ قلت: أَيْهًا _بفتح الهمزة_؛ بمعنى: هيهات).

قوله: (فَجًّا): تَقَدَّم أنَّها الطريق المتَّسعة، وقد قدَّمتُ كلام القاضي عياض في (باب صفة إبليس وجنوده)، وكذا تَقَدَّم (قَطُّ) ولغاتها.

(1/6845)

[حديث: ما زلنا أعزةً منذ أسلم عمر]

3684# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القطَّان، تَقَدَّم، و (إِسْمَاعِيل) هذا: هو ابن أبي خالد، تَقَدَّم، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ رضي الله عنه.

[ج 2 ص 13]

(1/6846)

[حديث: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون .. ]

3685# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، و (عَبْدُ اللهِ) بعده: تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن المبارك شيخ خراسان، و (ابن أبي مُلَيْكَة): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وتَقَدَّم أنَّ زهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ): (وُضِعَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

قوله: (فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ): أي: أحاطوا به.

قوله: (يُرْفَعَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (فَلَمْ يَرُعْنِي): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الراء، ثم عين مهملة ساكنة؛ أي: لم أشعر، وإن لم يكن من لفظه، كأنَّه فاجأه بغتةً من غير موعدٍ ولا معرفة، فراعه ذلك وأفزعه.

قوله: (أَخَذَ بمَنْكِبِي): (أخذ): فعلٌ ماضٍ، كذا في هامش أصلنا نسخة، وفي الأصل: اسم فاعل، وهو بمدِّ الهمزة، وكسر الخاء، و (منكبي)؛ بالإفراد، وكذا هو مضبوطٌ في أصلنا.

قوله: (مَا خَلَّفْتَ): هو بفتح التاء على الخطاب، يخاطب عمر رضي الله عنهما، وعلى التاء المفتوحة في أصلنا: (صح).

قوله: (وَايْمُ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ همزتها همزة وصلٍ على الصحيح، وفي قولٍ قطعٌ، وتَقَدَّم ما معناها.

قوله: (إِنْ كُنْتُ): هو بضمِّ تاء المتكلِّم، وهذا ظاهرٌ، وكذا هو في أصلنا، وكذا قوله: (وَحَسِبْتُ).

قوله: (إِنِّي كُنْتُ كَثِيراً): (إِنَّي)؛ بكسر الهمزة، كذا في أصلنا الذي سمعت منه على العراقيِّ، وعلى هذا يكون الحسبان من قول الراوي لا من قول عليٍّ رضي الله عنه، وإنَّما قال عليٌّ رضي الله عنه: (أن يجعلك الله مع صاحبَيك، إنِّي كنت كثيرًا ... ) إلى آخره؛ فحصل للرَّاوي شكٌّ في قول عليٍّ: (إنَّي كنت كثيرًا ... ) إلى آخره، فأدخل الحسبان عليه، فالكسر فيه على الحكاية، ولو فتحت الهمزة؛ لكان له وجهٌ جيِّدٌ، وإن كان الحسبان من قول الراوي؛ فتكون الهمزة مفتوحةً تعليليَّةً، والله أعلم.

(1/6847)

[حديث: اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان]

3686# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي عَروبة، تَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ): كذا في أصلنا إلى آخره، وقد تَقَدَّم أنَّ قول البخاريِّ: (قال لي فلان)؛ كقوله: (حدَّثنا)، لكنَّ الغالب استعمالها في المذاكرة إذا أخذ البخاريُّ عن ذلك الشيخ ذلك الحديث مذاكرةً، و (خليفة): هو ابن خيَّاط شَبَاب العصفريُّ الحافظ، شيخ البخاريِّ، تَقَدَّم مترجمًا، ولما طرَّف المِزِّيُّ الطريق التي قبله طريق سعيد _هو ابن أبي عروبة_ قال: (وفي كتاب ابن رُميح: وقال لي خليفة)؛ فذكر هذا، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ): هو بفتح السِّين المهملة ممدود الآخِر، وهذا ظاهرٌ، ومحمدٌ هذا سدوسيٌّ ضرير، عن ابن عونٍ وطائفة، وعنه: خليفة وابن راهويه، مات سنة (187 هـ)، أخرج له مسلمٌ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائي، وابن ماجه، وثَّقه ابن حِبَّان، قال الذهبيُّ في «ميزانه»: أحد الثِّقات المعروفين، قال الأزديُّ: غالٍ في القدَر، وقد علَّق له البخاريُّ كما ترى على ما في كتاب ابن رُميح، ولكن لم أر الذهبيَّ علَّم عليه: (خت) لا في «الكاشف»، ولا في «الميزان»، ولا مقرونًا، وهو هنا مقرونٌ بكهمس، وكهمس مقرونٌ به.

قوله: (وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ): هذا سدوسيٌّ، كنيته أبو عثمان، بصريٌّ لؤلؤيٌّ، عن ابن أبي عَروبة، وإسحاق بن عُمارة، وغيرهما، وعنه: خليفة بن خيَّاط، وسعيد بن عفير المصريُّ، وغيرهما، قال ابن حِبَّان في «الثقات»: كان يقول بالقدَر، وقال أبو حاتم: يُكتَب حديثُه، روى له البخاريُّ مقرونًا بمحمد بن سواء، له ترجمة في «الميزان» من أجل القدَر، وله حديثٌ منكَرٌ من أجله أدخله البخاريُّ في كتاب «الضُّعفاء»، وقال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق، انتهى.

قوله: (قَالاَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن أبي عروبة.

قوله: (صَعِدَ): تَقَدَّم أنَّه بكسر العين في الماضي، وفي المستقبل مفتوحها، عكس: عَمَدَ يَعْمِدُ، غير أنَّ (عمد) رأيت من ذكر فيها لغتين عن «شرح الفصيح» للَّبليِّ.

قوله: (أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ): كذا في أصلنا، وفي نسخة: (وصِدِّيقٌ)، ولم يذكر في (أو شهيدان) شيئًا، و (أو) بمعنى الواو، وقد تَقَدَّم كذلك في (مناقب الصِّدِّيق)، ويأتي في (مناقب عثمان): (وصِدِّيق وشهيدان)؛ بالواو.

(1/6848)

[حديث: ما رأيت أحدًا قط بعد رسول الله من حين قبض كان أجد ... ]

3687# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، وتَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بلغاتها في أول هذا التَّعليق.

قوله: (مِنْ حِينَ قُبِضَ): (حينَ): بالفتح، ويجوز كسر نونها، والقاعدة: أنَّه إن أتى بعد (حين) معرب؛ أُعربت، ويجوز فيها فتح النون أيضًا، وإن أتى بعدها مبنيٌّ كالماضي؛ فإنَّها تكون نونها بالفتح، ويجوز كسرها، والله أعلم، و (قُبِضَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (كان أَجَدَّ وَأَجْوَدَ): قال ابن قُرقُول: (أي: أحزم في الأمور، وأنهض فيها وأكرم)، قال الحربيُّ: (جَدَّ في الحاجة يجدُّ: بلغ فيها جِدَّه، وأجدَّ يُجِدُّ: صار ذا جدٍّ فيها)، وأبو زيد: (جَدَّ وأجدَّ واحدٌ).

==========

[ج 2 ص 14]

(1/6849)

[حديث: أنت مع من أحببت]

3688# قوله: (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ): هذا الرَّجل لا أعرفه، وقال ابن شيخنا البلقينيُّ: قال ابن بشكوال: هذا الرجل _إن شاء الله_ هو أبو موسى الأشعريُّ أو أبو ذرٍّ، واحتجَّ في ذلك بحديثين لا حُجَّة فيهما، انتهى، وكذا رأيت في «مبهمات» ابن بشكوال، انتهى، ثم ذكر حديثًا عن ابن مسعود من عند الدارقطنيِّ قال: (جاء أعرابيٌّ ... )؛ فذكره، ثم قال: (وقد تَقَدَّم أنَّ هذا الأعرابيَّ البائل ذو الخويصرة، فيكون هو السَّائل أيضًا) انتهى، وقال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين بعد أن ذكر ما ذكر عن ابن بشكوال ما لفظه: وليس فيما ساقه ما يشهد لصحَّة ما ذكر، وفي «الدارقطنيِّ» من حديث ابن مسعود التَّصريحُ بأنَّ السَّائل عن ذاك هو الشيخ الأعرابيُّ الذي بال في المسجد، وقد قدَّمنا تسميته في (الطَّهارة)، وفي «جزء أبي الجهم»: أنَّ السائل عن ذلك هو عمير بن قتادة، وفي «المعلم» للذَّهبيِّ: أنَّ السائل عن ذلك عمر بن الخَطَّاب، وأظنُّ هذا من جملة الحكمة في إيراد البخاريِّ للحديث في «مناقب عمر»، انتهى.

[ج 2 ص 14]

قوله: (فرَحَنَا): هو بالنَّصب، ونصبُه ظاهرٌ معروفٌ على نزع الخافض؛ أي: كفرحنا.

(1/6850)

[حديث أبي هريرة: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ... ]

3689# قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا كثيرةً أنَّه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مُحَدَّثُونَ): تَقَدَّم ضبطًا ومعنًى في (بني إسرائيل).

قوله: (زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ): تَقَدَّم أنَّ (زاد) مثل: قال، و (زكريَّاء): تَقَدَّم أنَّه ثقةٌ حافظٌ، يروي عن الشَّعْبي وسماك، وعنه: القطَّان وأبو نعيم، ثقةٌ يُدلِّس عن الشَّعْبيِّ، وقد قدَّمتُه مطوَّلًا، فهذا تعليق؛ لأنَّه ليس بشيخه، والله أعلم، وما زاده لم تكن زيادته عنه في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يعزُها شيخنا، قال بعض حُفَّاظ العصر: وصلها الإسماعيليُّ.

قوله: (رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ): هو بتشديد اللام المفتوحة، قال شيخنا: (يعني: الفراسة، كأنَّه حُدِّث بذلك الشيء، وقيل عن الشيخ أبي الحسن: تُكلِّمُهم الملائكة، واحتجَّ بقوله: «يُكلَّمون») انتهى، والحقيقة هي الظاهر، خصوصًا مع قوله: (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)، وعمران بن حصين كان تُسلِّم عليه الملائكة، ولكن لو كان كذلك؛ لكان نبيًّا، ولا نبيَّ بعده عليه السلام؛ فتأويله متعيِّنٌ، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 15]

(1/6851)

[حديث: بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة]

3690# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّم مِرارًا كثيرةً أنَّه اللَّيث بن سعدٍ الإمام الجواد، و (عُقَيْلٌ): كذلك تَقَدَّم أنَّه ابن خالد، وتَقَدَّم من يقال له: (عُقَيل) في «البخاريِّ» و «مسلم» وأنَّه هذا، ويحيى بن عُقيل في «مسلم»، والقبيلة: عقيل في «مسلم» أيضًا، و (ابن شِهَابٍ): قد تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهريُّ، و (سَعِيدِ بْنِ المُسَيّب): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ والده بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أَبُوْسَلَمَةَ): تَقَدَّم أعلاه، وكذا (أَبُوْهُرَيْرَةَ).

قوله: (بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِه): تَقَدَّم الكلام على اسم هذا الرَّاعي في أوَّل (كتاب الحَرْث)، وكذا الكلام على (يَوْمَ السَّبُعِ) ضبطًا ومعنًى، وكذا (ثَمَّ) وأنَّها بفتح الثاء، ومعناها: هناك.

(1/6852)

[حديث: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص]

3691# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، و (اللَّيْثُ): تَقَدَّم أعلاه وقبله، وكذا (عُقَيْل)، وكذا (ابْن شِهَابٍ) أعلاه، وكذا (أَبُو أُمَامَةَ): تَقَدَّم قبل ذلك، وأنَّ اسمه أسعد، وأنَّه وُلِد زمنَه صلَّى الله عليه وسلَّم، وروى عن عمر، وقال أبو زرعة: لم يسمع من عمر، وقد روى عن عدَّة، وتَقَدَّم مترجمًا، روى عنه الزُّهريُّ، ويحيى بن سعيد، وخَلْقٌ، و (حُنَيْف) جدُّه: بضمِّ الحاء المهملة، وفتح النون، كافر، و (سَهْل): بدريٌّ كبيرٌ أنصاريٌّ، و (أَبُوْ سَعِيد): سعد بن مالك بن سنان الخُدْريُّ، تَقَدَّم مِرارًا.

قوله: (عُرِضُوا عَلَيَّ): (عُرِضوا): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذلك: (وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (الثُّدِيَّ): هو بضمِّ الثاء المثلثة، وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء، وفي نسخة في أصلنا بالإفراد، والمفرد يُذكَّر على اللُّغة الفصيحة، قال ابن فارسٍ: (الثَّدي للمرأة، ويقال لذلك الموضع من الرجل: ثُنْدُؤة، وثَنْدُوة؛ بالضمِّ مع الهمزة، وبالفتح مع عدمه، وقال الجوهريُّ: (الثَّدي للمرأة والرَّجل، وجمع الثَّدي: أثْدٍ، وثُديٌّ، وثِديٌّ؛ بالضم والكسر)، وقد تَقَدَّم.

قوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟): تَقَدَّم أنَّ مِن القائلين أبا بكر رضي الله عنه.

(1/6853)

[حديث: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه]

3692# قوله: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ العالم المشهور، وتَقَدَّم (ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ): أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وأنَّ زهيرًا صحابيٌّ، وتَقَدَّم (الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ) أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ مخرمة صحابيٌّ من مُسْلِمة الفَتْح.

قوله: (لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ): (طُعِنَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، وحُذِف الفاعل؛ استحقارًا له، وهو عبد المغيرة بن شعبة أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، وكان نصرانيًّا، وقيل: مجوسيًّا، طعنه وعمر قائم في صلاة الصبح حين أحرم بسِكِّين ذات طرفين مسمومة، فضربه في كتِفه وحاجزته، وقيل: ضربه ستَّ ضرباتٍ، وطعن العلجُ أبو لؤلؤة مع عمر ثلاثة عشر رجلًا، توفِّي منهم سبعةٌ، وسأذكر قريبًا مَن عُرف منهم، وعاش الباقون، وطُرح عليه برنس، وسأذكر طارحه عليه قريبًا، فلمَّا أحسَّ العلج أنَّه مقتول؛ قتل نفسه، وقد قدَّمتُ أنَّه طُعِن يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وعشرين، ودُفِن يوم الأحد هلال المحرَّم سنة أربعٍ وعشرين، وفي سنِّه سبعة أقوال، واختُلف أيضًا في تاريخ وفاته رضي الله عنه.

قوله: (جَعَلَ يَأْلَمُ): هو بهمزة ساكنة يجوز تسهيلها، وفتح اللام.

قوله: (وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ): هو بضمِّ أوله، وكسر الزاي المُشدَّدة؛ أي: يزيل جزعه، وهو مثل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23]؛ أي: أُزيل عن قلوبهم الفزع والرَّوع، وكما يقال: مرَّضه؛ إذا عانى إزالة مرضه، ورواه الجرجانيُّ: (وكأنّه جَزِع)، وهذا يرجع إلى حال عمر رضي الله عنه، ويصحُّ به الكلام، قاله بمعناه ابن قُرقُول.

قوله: (لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ... ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ): (صحبتَ) في الموضعين بفتح تاء الخِطاب.

قوله: (ثُمَّ صَحِبْتَ صُحبَتهم، فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ [1]): يعني: المسلمين، قال ابن قُرقُول: (ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم صَحِبْتَهم فأحسنت صُحبتهم، ولئن فارقتهم؛ يعني: المسلمين، كذا للمِروزيِّ والجرجانيِّ، وعند غيرهم: (ثم صحبت صَحَبْتهم): بفتح الصاد والحاء؛ يعني: أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر، أو تكون (صحبت) زائدة، والوجه الرِّواية الأولى، انتهى.

قوله: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ): (أمَّا)؛ بفتح الهمزة وتشديد الميم، و (ذكرتَ)؛ بفتح تاء الخطاب، وكذا الثانية.

قوله: (مَنٌّ): هو بفتح الميم وتشديد النُّون، والمَنُّ معروف، وكذا في الموضع الثاني.

[ج 2 ص 15]

قوله: (طِلاَعَ الأَرْضِ): الطِّلَاع: بكسر الطَّاء وتخفيف اللام، وفي آخره عينٌ مهملتين، وطِلاعها: مِلْؤُها، وهو ما طلعت عليه الشَّمسُ.

قوله: (ذَهَباً): منصوبٌ على التَّمييز، وهذا ظاهرٌ.

(1/6854)

قوله: (قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ): هو بفتح الهمزة؛ من رؤية العين، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ؛ بِهَذَا): هذا تعليقٌ مجزوم به، و (أيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (ابن أبي مُلَيْكَة): تَقَدَّم قريبًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وأنَّ زهيرًا صحابيٌّ، وتعليق حمَّاد بهذا السند ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْه شيخنا.

==========

[1] في هامش (ق): (قوله: «ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم»؛ يعني: المسلمين، كذا للمروزيِّ والجرجانيِّ، وعند غيرهما: «ثم صحبت صَحَبتهم»؛ بفتح الصاد والحاء؛ يعني: أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبي بكر رضي الله عنه أو تكون «صحبت» زائدة، والوجه الرواية الأولى، قاله عياض).

(1/6855)

[حديث: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة]

3693# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وبعده (عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ): تَقَدَّم أنَّه بالغين المعجمة المكسورة، ثم مثنَّاة تحت مخفَّفة، وفي آخره ثاء مثلَّثة، وهذا ظاهرٌ معروفٌ عند أهله، و (أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ، وأنَّه بالحركات الثلاث في الميم، ويقال: بكسر الميم، وبعدها همزة، واللام قبلها ساكنة، و (أَبُوْ مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، أمَّره عليه السَّلام، وتَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ الحائط البستان، وقد تَقَدَّم أنَّ هذا الحائط هو الذي فيه بئر أريس، والله أعلم.

قوله: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ): تَقَدَّم في (مناقب الصِّدِّيق) رواية من روى: (والخلافة)، وكذا في عمر، وكذا في عثمان رضي الله عنهم.

(1/6856)

[حديث: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب]

3694# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم قوله: (حَيْوَةُ): أنَّه بفتح الحاء المهملة، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم واو مفتوحة، ثم تاء التأنيث، وهذا ظاهرٌ عند أهله، وإنَّما ضبطته لأنَّ بعضهم قرأه عليَّ: حَياة، وهو حَيْوة بن شريح _بالشين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة_ التجيبيُّ أبو زُرعة، فقيه مصر، وزاهدُها، ومُحدِّثها، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، ويزيد بن أبي حبيب، وربيعة القصير، وعنه: الليث، وابن وهب، وآخر أصحابه هانئ بن المتوكِّل، له كراماتٌ وأحوال، مات سنة (158 هـ)، أخرج له الجماعة، عدل ثقة رِضًا، وليس بحَيْوة بن شريح الحضرميِّ الحمصيِّ هذا شيخ البخاريِّ وأبي داود، وهذا ليس من تلك الطبقة، وقد تَقَدَّم هذا الثاني، والله أعلم، و (أَبُو عَقِيلٍ): زهرة بن مَعْبد؛ بفتح العين وكسر القاف.

==========

[ج 2 ص 16]

(1/6857)

[باب مناقب عثمان بن عفان]

(بابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ... إلى (مَنَاقِبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

تنبيه: لو قدَّم البخاريُّ رحمه الله (باب قصَّة البيعة والاتِّفاق على عثمان رضي الله عنه)؛ كان يكونُ أحسنَ فيما يظهر، ثم يقول: باب مناقب عثمان رضي الله عنه، ويحتمل أنَّما قدَّم المناقب؛ لأنَّ بيعته وتقديمه _كما تَقَدَّم_ من مناقبه هذه، والله أعلم.

هو عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ القرشيُّ، يلتقي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عبد مناف، أمُّ عثمان أروى بنت كُرَيز؛ بضمِّ الكاف، وفتح الراء، وفي آخره زايٌ، وأمُّ أروى أمُّ حَكِيم _بفتح الحاء وكسر الكاف_ البيضاء بنت عبد المطَّلب عمَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يقال: إنَّها توءَمة عبد الله بن عبد المطَّلب، وقد اختُلِف في ذلك، ولم يُختَلف أنَّها شقيقة عبد الله وأبي طالب والزُّبير بني عبد المطَّلب، فعثمان ابن بنت عمَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كنيته أبو عمرو، كما قال البخاريُّ هنا، ويقال: أبو عبد الله وأبو ليلى، ترجمته رضي الله عنه معروفةٌ، ومناقبه جمَّة، يقال له: ذو النُّورين؛ لأنَّه تزوَّج بنتَي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رُقَيَّة ثم أمَّ كلثوم، ولا يُعرف أحدٌ تزوَّج بنتَي نبيٍّ إلَّا هو.

حُصِر رضي الله عنه في ذي الحجَّة سنة خمسٍ وثلاثين عشرين يومًا في داره، وقُتِل فيها، فقيل: لثماني عشرة خلون من ذي الحجَّة، وحُكيَ الإجماع عليه، وقيل: يوم التروية، وحُكيَ عليه الإجماع، وقيل غير ذلك، وقال الواقديُّ: حصروه تسعةً وأربعين يومًا، وقال الزبير: حصروه شهرين وعشرين يومًا، اختُلِفَ في قاتله؛ فقيل: جَبلة بن الأيهم، وقيل: رُومان رجل من بني أسد، وقيل: سُودان بن حمران، وقيل غير ذلك، وفي «الاستيعاب» في ترجمته رضي الله عنه: اختُلِف فيمن باشر قتله بنفسه، فقيل: محمَّد بن أبي بكر ضربه بمشقص، وقيل: بل حبسه محمَّد بن أبي بكر، وأشعره غيره، وكان الذي قتله سودان بن حَمران، وقيل: بل ولي قتله رومان اليمانيُّ، وقيل: بل قتله رومان رجلٌ من بني أسد بن خزيمة، وقيل: إنَّ محمَّد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها وقال: ما أغنى عنك معاوية؟ وما أغنى عنك ابن أبي سرح؟ وما أغنى عنك ابن عامر؟ فقال له: يا بنَ أخي؛ أرسِلْ لحيتي، فوالله إنَّك لتجبذ لحيةً كانت تعزُّ [1] على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منِّي، فيقال: إنَّه حينئذٍ تركه وخرج عنه، ويقال: إنَّه حينئذٍ أشار إلى مَن معه، فطعنه أحدهم، فقتلوه ... ، إلى أن قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ _أي: قتل عثمان_ قال: قتله رجلٌ من أهل مصر يقال له: جَبلة بن الأيهم، انتهى، وفي «التذكرة» للقرطبيِّ: دخل كنانة بن بشر عليه، وأشعره مِشقصًا؛ أي: قتله به، وقيل: ذبحه رجلٌ من أهل مصر يقال له: حمار، وقيل: ذبحه رومان، وقيل: قتله الموت الأسود، ويقال له: الدم الأسود، وقيل: لم يتعيَّن له قاتل.

(1/6858)

قوله: (مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ): تَقَدَّم الكلام على هذه الرِّواية: (من يحفر)؛ لأنَّه لم يحفرها، وعلى (رومة)، وبكم اشتراها، والخلاف فيه في (الوقف) مطوَّلًا.

قوله: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ): هم جيش تبوك، وسيجيء الخلاف في عددهم، وقد ذكرت في (الوقف) بكم جهَّزهم، وهو بتسع مئة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا، قاله ابن عبد البَرِّ، ثم قال: عن أسد بن موسى: حدَّثني أبو هلال الراسبيُّ: حدَّثنا قتادة قال: حمل عثمان في جيش العُسرة على ألف بعيرٍ وسبعين فرسًا، وفي «التِّرمذيِّ»: عن عبد الرحمن بن خبَّاب السُّلميِّ الصَّحابيِّ قال: شهدت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يحثُّ على جيش العُسرة، فقال عثمان بن عفَّان: يا رسول الله؛ عليَّ مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حثَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ ثلاث مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينزل عن المنبر وهو يقول:

[ج 2 ص 16]

«ما على عثمان ما عمل بعد هذه»، رواه التِّرمذيُّ بإسناد جيِّد، وفيه أيضًا عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بألف دينارٍ حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها في حجره، فقال عليه السلام: «ما ضرَّ عثمان ما عمِل بعد اليوم»، رواه التِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، وما قاله أبو عمر ما أخذه إلَّا من حديث، ولا تنافيَ بينه وبين ما في «التِّرمذيِّ»، ولا ما ذكره عن أسد بن موسى بسنده عن قتادة.

تنبيه: في «مسند أبي يَعلى الموصليِّ» بسنده: أنَّ عثمان جهَّز جيش العُسرة، وجاء بسبع مئة أوقيَّة ذهب، انتهى.

تنبيه ثانٍ: ذكر ابن عَديٍّ في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثَّقفيِّ بعد أن قال فيه: روى عن الثِّقات ما لا يُتابَع عليه: حدَّثنا أبو يَعلى: حدَّثنا عَمَّار أبو ياسر: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، عن أبي وائل، عن حذيفة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إلى عثمان بسبع مئة في غزاةٍ غزاها، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه ... ؛ الحديث، انتهى، ذكره الذَّهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثقفيِّ، وأبو يعلى: هو الموصليُّ الحافظ، وعَمَّار أبو ياسر: هو عَمَّار بن نصر السعديُّ المروزيُّ، نزيل بغداد، قال ابن معين: عَمَّار أبو ياسر المستملي ليس بثقةٍ، وقال موسى بن هارون: عَمَّار أبو ياسر متروك، وقال الخطيب: لعلَّ هذا القول منهما في عَمَّار بن هارون، وقال أبو أحمد الحبيبي: سألت صالحًا جزرة عن أبي ياسر عَمَّار بن نصر، فقال: لا بأس به، كان ابن معين سيِّئ الرأي فيه، قال الخطيب: ورُوِي عن ابن معين توثيقُه، انتهى كلام «الميزان»، وباقي السند مشهوران، والله أعلم.

(1/6859)

[حديث: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه]

3695# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ ... ) إلى آخره: أمَّا (حماد)؛ فهو ابن زيد، وقد تَقَدَّم غير مرَّةٍ أنَّ حمادًا إذا أطلقه سليمان بن حربٍ الراوي هنا عن حمَّاد أو عارم محمَّد بن الفضل؛ فهو ابن زيد، وإن أطلقه موسى بن إسماعيل التَّبوذكيُّ أو عَفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا أطلقه هُدْبة بن خالد، و (أيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (أبُو عُثْمَانَ): هو النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، وقد تَقَدَّم ضبط مَلٍّ قريبًا وبعيدًا، و (أبُو مُوسَى): عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، تَقَدَّم.

قوله: (دَخَلَ حَائِطاً): تَقَدَّم أنَّه البستان، وتَقَدَّم أنَّ هذا الحائط [1] فيه بئر أريس، وكذا تَقَدَّم أنَّ الرجل الأول بشَّره أيضًا بالجنَّة وبالخلافة، وكذا الثاني والثالث.

قوله: (هُنَيَّة): تَقَدَّم أنَّها تصغير: هنة، وأنَّ (هُنَيَّة) كُتِبَ بالهمزة، وهي بضمِّ الهاء، وفتح النون، وتشديد الياء المثنَّاة تحت، قال النَّوويُّ: ومن همز؛ فقد أخطأ.

قوله: (قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ ... ) إلى آخره: أمَّا (حمَّادٌ)؛ فهو ابن سلمة، وكذا هو في نسخةٍ في طرَّة أصلنا، والذي في «أطراف المِزِّيِّ» في عدَّة أماكن: حمَّاد بن زيد، وقد أخرجه البخاريُّ قُبَيْلَ هذا عن سليمان بن حرب، عن حمَّاد بن زيد، كما أوضحته أنا أعلاه، قال المِزِّيُّ: عن أيُّوب، وعاصم الأحول، وعليِّ بن الحكم؛ أربعتُهم؛ يعني: ومع الثلاثة عثمان بن عَفَّان، ثم قال: وفي حديث عاصم زيادة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان قاعدًا في مكانٍ فيه ماءٌ ... ؛ فذكره، وكذا أخرجه مسلم من طريق حَمَّاد بن زيد، وكذا التِّرمذيُّ، والله أعلم، وقال شيخنا فيه: هذا أسنده عبد الله بن أحمد في (فضائل عثمان رضي الله عنه) عن هدبة، عن حَمَّاد بن سلمة، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي موسى، وهذا ليس تعليقًا، بل هو معطوفٌ على السَّند قبله مع زيادةٍ في حديث عاصم الأحول، والله أعلم، قال بعضهم: (هذه الزِّيادة هنا وهَمٌ، وإنَّما ذلك في واقعةٍ كانت في بيته صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وصدق؛ لأنَّ في «مسلم» في (مناقب عثمان): (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر ... )؛ فذكر القصَّة؛ انتهى.

تنبيه: في «مسند أحمد ابن حنبل» بسنده: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان جالسًا كاشفًا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر ... )؛ فذكر الحديث، وروى أيضًا الإمام أحمد بإسناده عن حفصة بنت عمر قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم، فوضع ثوبه بين فخِذيه، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فأذن له، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على هيئته)؛ فذكر نحو حديث عائشة، وفيه: (فلمَّا كان عثمان، فاستأذن؛ فتجلَّل بثوبِه).

(1/6860)

[حديث: إن الله سبحانه بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب ... ]

3696# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ): تَقَدَّم أنَّ شَبِيبًا بفتح الشِّين المعجمة، وكسر الموحَّدة، والباقي معروف، بل كلُّه معروفٌ عند أهله، وكذا (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، تَقَدَّم مِرارًا، و (ابْنُ شِهَابٍ): تَقَدَّم كذلك أنَّه محمَّد بن مسلم، و (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ [1] بْنِ الْخِيَارِ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الخاء المعجمة، وبالمثنَّاة تحت المخفَّفة، وفي آخره راء؛ كالخيار الذي يؤكَل، وكذا تَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ) قريبًا وبعيدًا أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ (مَخْرَمة) صحابيٌّ أيضًا، و (يَغُوثُ)؛ بفتح المثنَّاة تحت، وضمِّ الغين المعجمة، وبعد الواو ثاءٌ مثلَّثة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (قَالاَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَلِيدِ؟): وفي رواية: (أن تُكلِّم خالك عثمان)، وسأذكر في نسب عبيد الله بن عدي بن الخِيَار في (هجرة الحبشة) كيف عثمان خال عبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار، وعبيد الله تابعيٌّ، وقوله: (لأخيه الوليد)؛ أي: لأجل أخيه الوليد، وهو الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، واسم أبي مُعَيط: أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو أخو عثمان لأمِّه، أمُّهما أروى كما قدَّمته في عثمان، و (الوليد) صحابيٌّ، كنيته أبو وهب، ترجمته معروفة رضي الله عنه.

قوله: (قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ): (مَعْمَر): هو ابن راشد، وهو بفتح الميمين، بينهما عينٌ مهملة، وحديث مَعْمَر قد رواه البُخاريُّ في (هجرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) وفي (هجرة الحبشة): عن عبد الله بن محمَّد، عن هشام بن يوسف، عن مَعْمَر، عن الزُّهريِّ به، والله أعلم، و (أُراه)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ): رسول عثمان إلى عُبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار لا أعرفه.

قوله: (وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ): هو بفتح تاء (كنتَ) على الخطاب لعثمان، وكذا (فَهَاجَرْتَ)، وكذا (وَصَحِبْتَ)، وكذا (وَرَأَيْتَ).

قوله: (الْهِجْرَتَيْنِ الأولَيَيْن): يعني: الأولى: إلى الحبشة، والثانية: إلى المدينة.

قوله: (وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ): هو بفتح الهاء، وإسكان الدال المهملة: الطريقة، والمذهب، والسَّمت.

قوله: (أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح تاء المخاطب، وعثمان يخاطب عُبيد الله، وقد قدَّمتُ قُبيل هذا أنَّه تابعيٌّ.

قوله: (خَلَصَ إليَّ من عِلْمِه ... ) إلى آخره: يعني: الشيء اليسير.

قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّم الكلام على إعرابها، وعلى أوَّل من قالها في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (فَكُنْتُ): هو بضمِّ تاء المتكلِّم يقوله عثمان رضي الله عنه، وكذا (وَآمَنْتُ)، وكذا (وَصَحِبْتُ)، وكذا (وَبَايَعْتُه)، وكذا (مَا عَصَيْتُهُ)، وكذا (وَلاَ غَشَشْتُهُ).

(1/6861)

قوله: (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلهُ): يجوز في لام (مثله) النَّصب والرَّفع، وكذا في (عُمَرُ مِثْلهُ)، وإعرابهما ظاهرٌ.

قوله: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ): (أمَّا)؛ بفتح الهمزة، وتشديد الميم.

[ج 2 ص 17]

قوله: (فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ): قال الحافظ الدِّمياطيُّ: هذا مخالفٌ لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار بالسند إلى عليٍّ: أنَّه جلده عبدُ الله بن جعفر، وعليٌّ يَعُدُّ، فلمَّا بلغ أربعين؛ قال عليٌّ: (أَمسِكْ، جلد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعُمر ثمانين، وكلٌّ سُنَّة)، قال: وقد أعاده البُخاريُّ في (هجرة الحبشة) بعد ذلك على الصواب من حديث مَعْمَر عن الزُّهريِّ، وقال فيه: (فجلد الوليد أربعين) انتهى، وكذا قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: إنَّه أصحُّ؛ يعني: جلد أربعين، قال: والذي شهد عليه بذلك أبو زينب الأزديُّ، وسعد بن مالك الأشعريُّ، وأبو مورِّع، وجندب الأزديُّ، روى ذلك عمر بن شبَّة عن المدائنيِّ، وذكر ابن عبد البَرِّ منهم حمران مولى عثمان، وذكر ابن حمدون في «تذكرته» منهم: قبيصة بن جابر، انتهى.

وقال النَّوويُّ رحمه الله في «شرح مسلم» في (باب حد الخمر): واعلم أنَّه وقع هنا في «مسلم» ما ظاهره: (أنَّ عليًّا جلد الوليد بن عقبة أربعين)، ووقع في «صحيح البُخاريِّ» من رواية عُبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار: (أنَّ عليًّا جلده ثمانين)، وهي قضيَّة واحدة.

قال القاضي عياض: المعروف من مذهب عليٍّ الجلد في الخمر ثمانين، ومنه قوله: (في قليل الخمر وكثيره ثمانون جلدةً)، وروي: أنَّه جلد المعروف بالنَّجاشيِّ ثمانين، كما سبق عن رواية «الموطأ» وغيره، وهذا كلُّه يرجِّح رواية من روى: (أنَّه جلد الوليد ثمانين)، قال: ويُجمَع بينه وبين ما ذكره مسلم من رواية الأربعين ما روي: (أنَّه جلده بسوطٍ له رأسان، فضربه برأسَيه أربعين)؛ فتكون جملتها ثمانين، قال: ويحتمل أن يكون (وهذا أحبُّ إليَّ) عائدًا إلى الثمانين التي فعلها عمر، فهذا كلام القاضي، وقد قدَّمنا ما يخالفُ بعض ما قاله، وذكرنا تأويله، والله أعلم، انتهى.

قوله في أصل الحديث _وسيأتي_: (وكلٌّ سُنَّة) معناه: أنَّ فعل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر سُنَّة يُعمَل بها، وفعل عُمر، قاله النَّوويُّ.

==========

[1] في (أ): (بن عبد الله)، وهو خطأ، انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (؟؟؟).

(1/6862)

[حديث: كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان]

3697# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ): هو بالموحَّدة المفتوحة في أوَّله، وكسر الزاي، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم عين مهملة، لا أعلم في إهمالها خلافًا، وهو مشهورٌ من مشايخ البُخاريِّ وأبي داود، ثقة، و (شَاذَانُ)؛ بالشِّين المعجمة، وبعد الألف ذال معجمة، واسمه الأسود بن عامر، شاميٌّ نزيل بغداد، كنيته أبو عبد الرحمن، وثَّقه ابن المَدينيِّ وغيره، توفِّي في أوَّل سنة ثمان ومئتين، أخرج له الجماعة، تَقَدَّم، ولكن طال العهد به، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُون): تَقَدَّم ضبط (الماجِشُون)، وأنَّه الأحمر المُورَّد، وهو لقبٌ [1] لعبد العزيز، فيكون مرفوعًا؛ لأنَّه لقبٌ لمرفوع، واسم (عبد العزيز): يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الفقيه، كذا صرَّح أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في «تقييده» بأنَّه لقبٌ لعبد العزيز يعقوب، وأنَّ معناه: الأبيض الأحمر، وعزاه إلى البُخاريِّ في «الأوسط».

قوله: (لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَداً ... ) إلى آخره: تَقَدَّم الكلام على هذا الحديث في (مناقب الصِّدِّيق)، وقول ابن عبد البَرِّ فيه، والله أعلم.

قوله: (لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ): (نُفاضِل)؛ بالنون، وبعد الألف ضادٌ معجمة مكسورة.

قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ): الضمير في (تابعه) يعود على شاذان الأسود بن عامر، و (عبد الله) هذا: هو ابن صالح بن محمَّد بن مسلم الجُهنيُّ مولاهم، المصريُّ، كاتب الليث، تَقَدَّم الكلام عليه مطوَّلًا، وأنَّ البُخاريَّ روى عنه في «التاريخ»، والأصحُّ: أنَّه روى عنه في «الصحيح»، فعلى هذا قوله: (تابعه عبد الله) يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة، والله أعلم، و (عبد العزيز): تَقَدَّم أنَّه الماجِشُون أعلاه، وهذه المتابعة ليست في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْها شيخنا.

==========

[1] في (أ): (صفة)، ولم يضرب عليها، وكتب فوقها المثبت مصححًا، وكذا في الموضع اللاحق.

[ج 2 ص 18]

(1/6863)

[حديث: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني]

3698# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم الكلام على نسبته هذه لماذا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وكذا تَقَدَّم (عُثْمَانُ بنُ مَوْهَبٍ): أنَّه بفتح الميم، وإسكان الواو، وفتح الهاء، وبالموحَّدة، وهذا ظاهرٌ عند أهله.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ): هذا الرَّجل ذكر شيخنا عن الحُمَيديِّ أنَّ البُخاريَّ سمَّاه حكيمًا، انتهى، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّه العلاء بن عَرار، وعزاه إلى «خصائص النَّسائيِّ»، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين: قيل: إنَّ هذا الرجل هو يزيد بن بشر السَّكسكيُّ، انتهى، وسيجيء قريبًا زيادةٌ في ذلك من كلام هذا الحافظ.

قوله: (تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ): تَقَدَّم أنَّه لم يتغيَّب، ففي هذه اللفظة نظرٌ، وقد اعتذر عنه عبد الله بن عمر بما اعتذر به هنا، وذكرت فيما مضى أنَّه كان به جُدريٌّ، فالظاهر أنَّه كان معذورًا من جهتين، وكذا قوله: (تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ)، فإنَّه لم يتغيَّب، وإنَّما أرسله عليه السلام إلى مكَّة، وقد دلَّ عليه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عمرُ، والقصَّة معروفة.

قوله: (تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ): (أُبيِّنْ): مجزومٌ جواب الأمر.

قوله: (فَأَشْهَدُ): هو بفتح الهمزة، وهو فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ.

قوله: (فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: هذه البنت التي لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم التي كانت تحت عثمان رضي الله عنه في وقعة بدر هي رقيَّة رضي الله عنها، وتوفِّيت في هذه الضعفة، وكانت حصبة، وقدم زيد بن حارثة بَشِيرًا إلى أهل السافلة بمقتل أصحاب بدر وقد سوَّوا التُّراب عليها رضي الله عنها.

==========

[ج 2 ص 18]

(1/6864)

[حديث: اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان]

3699# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا يحيى بن سعيد القطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (سَعِيد) بعده: هو سعيد بن أبي عَروبة.

تنبيه: هذه الطريق التي هنا أهملها المِزِّيُّ في «أطرافه»، وقد رأيتُ بخطِّ بعض فضلاء المحدِّثين من الدَّماشِقة وممَّن صحِبناه واجتمعنا به بدمشق والقاهرة وحلب ما لفظه: حاشية: وفي (فضل عثمان): عن مسدَّد عن يحيى، كتبه ابن كثير كذا في نسخته، انتهت، وابن كَثِير: هو الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كَثِير البصرويُّ، ختن الحافظ المِزِّيِّ، وصاحبُ «البداية والنِّهاية» في التاريخ، وصاحب الأحكام والتفسير، وهو ممَّن أدركناه بالسِّنِّ، وقرأنا على مَن قرأ عليه.

قوله: (صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (صَعِد)؛ بكسر العين [في] الماضي، وفتحها في المستقبل، وقد تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ، وهو ظاهرٌ.

==========

[ج 2 ص 18]

(1/6865)

[باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان]

(1/6866)

[حديث: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن ... ]

3700# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم أعلاه (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (حُصَيْن): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وأنَّ الأسماء بالضمِّ، والكُنى بالفتح، وهو ابن عبد الرحمن السُّلَميُّ.

قوله: (قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ): تَقَدَّم في أوَّل مناقبه متى أُصيبَ رضي الله عنه، وسيأتي هنا أنَّه ما أتت عليه رابعةٌ من حين المقالة حتَّى أُصيبَ.

قوله: (عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ النَّوويَّ قال: الصحيح في حذيفة بن اليماني وابن أبي الموالي وابن العاصي وابن الهادي إثباتُ الياء، انتهى، وهو هنا في أصلنا بغير ياء، وقد تَقَدَّم حذيفة مترجمًا، ولِمَ قيل لأبيه: (اليماني) فيما مضى.

قوله: (وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ): هو بضمِّ الحاء المهملة، وفتح النون، مصغَّر، وعثمان صحابيٌّ شهِد أُحُدًا وما بعدها، بقي إلى زمن معاوية رضي الله عنه.

قوله: (حَمَّلْنَاهَا أَمْراً هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ): أي: حمَّلنا أرض الخراج من الخراج ما تحتمل أو تطيق.

قوله: (مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ): (كبير)؛ بالموحَّدة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (أَوِ النَّحْلِ): هو بالجرِّ؛ أي: سورة (النَّحل).

قوله: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ): (نحوَ): منصوبٌ معطوفٌ على (سورةَ) المنصوبة على المفعوليَّة لـ (قرأَ)، وفي نسخة: (بسورة)، وهذه في هامش أصلنا، فعلى هذه (نحو) بالجر.

قوله: (قَتَلَنِي _أَوْ أَكَلَنِي_ الْكَلْبُ): قيل: ظنَّ أنَّ كلبًا عضَّه لمَّا جُرِح، وكان يقول: ما أظنُّه إلَّا كلبًا حتَّى طعنه الثالثة.

قوله: (فَطَارَ الْعِلْجُ): تَقَدَّم اسم الذي طعن عمر رضي الله عنه، وأنَّه نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ، وأنَّ اسمه فيروز، و (العِلْج)؛ بكسر العين المهملة، وإسكان اللام، وبالجيم: الرَّجل من كُفَّار العجم وغيرهم.

[ج 2 ص 18]

(1/6867)

قوله: (حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ): تنبيه: ذكر ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة كُليب من عند عبد الرزاق: عن مَعْمَر عن الزُّهريِّ: أنَّ أبا لؤلؤة طعن اثنَي عشر رجلًا، فمات منهم ستة؛ منهم: عمر وكُليب، وعاش منهم ستة، ووجه الجمع مع أنَّ حديث «الصحيح» صحيح، وكلام الزُّهري موقوفٌ عليه، وما أدرك القصَّة أيضًا؛ هو: أنَّ من قال: (ثلاثة عشر)؛ عدَّ عمر، ومن قال: (اثني عشر)؛ أسقطه، وكذا العمل في الميت منهم، والله أعلم، وإن كان يبعد هذا التأويل مع قوله: (فمات منهم ستة)، أو أنَّ رواية: (اثني عشر) لا تنافي (ثلاثة عشر)؛ لأنَّها من باب مفهوم العدد، وذكر الذَّهبيُّ في «المشتبه» في (الجرَّار)؛ بالجيم وراءين: وكليب بن قيس اللَّيثيُّ الجرَّار الذي وثب على أبي لؤلؤة فقتله أبو لؤلؤة ذكره ابن الفوطيِّ في كتاب «بدائع التُّحَف في ذكر من نُسِب من العلماء إلى الصَّنائع والحِرَف»، وقال: إنَّما قيل له: الجرَّار؛ لإقدامه في الحرب، انتهى، وكليب هذا من الصَّحابة، ذكره أبو عمر في «الاستيعاب» في (باب كُليب)، قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: قلت: سُمِّي منهم كليب بن البُكَيْر الليثيُّ، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن.

قوله: (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ): هذا الرَّجل من المسلمين لا أعرفه، وفي «الاستيعاب»: أنَّه رجلٌ من أهل العراق، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّ في «دُوَل الإسلام» للذَّهبيِّ: أنَّه أخذ عبد الله بن عوف بساطًا، ورماه به، وقبضه، انتهى، وفي خط ابن الحسبانيِّ في «دُوَل الإسلام»: أنَّه عبد الرحمن بن عوف، انتهى، قال: وفي «طبقات ابن سعد»: أنَّه أخذه رهطٌ من قريش؛ منهم هاشم بن عتبة ورجل من بني سهم، فطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة، وفيه: أنَّ أبا لؤلؤة طعن نفسه بالخنجر حتَّى مات، فاحتزَّ رأسه عبد الله بن عوف، قال: وفي «ذيل الاستيعاب»: أنَّ اسم الذي ألقى عليه البرنس حطَّان التميميُّ، انتهى، وفي كلام بعض حُفَّاظ المِصريِّين في «مغازي يحيى بن سعيد الأمويِّ»: أنَّ اسمه حطَّان، وفي «طبقات ابن سعد»: (فقام إليه هاشم بن عقبة، وعبد الله بن عوف، وغيرهما، وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة، فنحر نفسه، فاحتزَّ رأسه عبد الله بن عوف)، وعبد الله بن عوف مذكورٌ في «الصَّحابة»: أنَّه عبد الله بن عوف، له ذكرٌ في حديث مرسَل، قال ابن سميع: هو تابعيٌّ بالشام، ولهم: عبد الله بن عوف الأشجُّ، له وِفادةٌ، نزل البصرة، ذكره أبو موسى، ولهم ثالثٌ: عبد الله بن عوف الزُّهريُّ، أخو عبد الرحمن أحدِ العشرة، من مُسْلِمة الفَتْح، ذكره أبو موسى، فهؤلاء ثلاثةٌ ذُكِروا في الصَّحابة، ولعله الزُّهريُّ أخو ابن عوفٍ أحد العشرة، والله أعلم.

(1/6868)

قوله: (فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً): في «الاستيعاب»: أنَّه قرأ بأقصر سورتين في القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ}، ثم ذكر في «الاستيعاب» عن الواقديِّ مسندًا إلى عامر بن عبد الله بن الزُّبير عن أبيه: أنَّه قرأ في الركعتين بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}.

قوله: (فَجَالَ سَاعَةً): أي: دارَ.

قوله: (فَقَالَ: غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ): تَقَدَّم اسمه _لعنه الله_ فيروز.

قوله: (الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ): (الصَّنَع)؛ بفتح الصاد المهملة والنون، وبالعين المهملة أيضًا، يقال: رجلٌ صَنِيع اليدين، وصِنْع اليدين أيضًا؛ بكسر الصاد [1]؛ أي: صانع حاذِق، وكذلك رجلٌ صَنَعُ اليدين؛ بالتحريك، يقال: إنَّ أبا لؤلؤة هذا قاتل عمر كان نجَّارًا.

قوله: (مِيْتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ): (مِيْتَتِي)؛ بكسر الميم، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم مثنَّاتين فوق؛ الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة؛ لياء الإضافة، كذا في أصلنا، وفي الهامش: (مَنيَّتِي)؛ بفتح الميم، ثم نون، ثم مثنَّاة تحت مشدَّدة، ثم مثنَّاة فوق مكسورة؛ للإضافة، وعلى هذه النُّسخة علامة أبي الهيثم وغيره، والله أعلم.

قوله: (أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ): هو جمع عِلْج، وقد تَقَدَّم قريبًا ما [2] هو العِلجُ.

قوله: (إِنْ شِئْتَ؛ فَعَلْتُ): (شئتَ)؛ بفتح تاء الخطاب، و (فعلتُ)؛ بضمِّ تاء المتكلِّم.

قوله: (فَاحْتُمِلَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (النَّاسَ): منصوبٌ اسمها.

قوله: (قَبْلَ يَوْمِئِذٍ): (قبل): منصوب، و (يومِئذٍ): مجرور بالإضافة، ويجوز نصب (يومئذٍ).

قوله: (فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ): (أُتيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والنَّبيذ معروف؛ وهو أن يوضع تمر أو زبيب في ماء، ويُنقَع، ولم يكن مسكرًا، حاشا لله، وهذا ظاهرٌ لا شك فيه.

قوله: (ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ): (أُتيَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (فعرفوا) نسخة، وعليها علامة راويها و (صح).

قوله: (وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ): هذا الشاب لا أعرفه، وقد قال ابن شيخنا البلقيني في هذا: إنَّه ابن عبَّاس، وذكر مستنده من «طبقات ابن سعد»، وقد ذكره في (الجنائز)؛ فانظره، فإنَّ فيها أنَّه من الأنصار، والله أعلم، انتهى، وكذا قال نحوه بعض حُفَّاظ المِصريِّين، قال: ويحتمل أنَّه أطلق عليه أنصاري _يعني: على ابن عبَّاس_ بالمعنى الأعمِّ، وفي (المغازي) من «مصنَّف ابن أبي شيبة» من طريق المِسْوَر بن مَخْرَمة ما يرشد إلى أنَّه المِسْوَر، انتهى، والمِسْوَر أيضًا قرشيٌّ ليس أنصاريًّا.

(1/6869)

قوله: (وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ): هو بفتح القاف والدال؛ أي: سابقة ومتَقَدَّم فضل، ومنه قوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2]، كذا في أصلنا: (قَدَم)، وفي الهامش نسخة: (وقِدَم)؛ بكسر القاف وفتح الدال بالقلم، ولم يذكر ابن قُرقُول أنَّ هذا اللفظ يقال فيه بالوجهين، وإنَّما ذكر غيره، والله أعلم.

قوله: (مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ): الثلاثة بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (ثُمَّ شَهَادَةٌ): هي مرفوعة منوَّنة، كذا في أصلنا، والظاهر أنَّه مرفوعٌ فاعل فعل مقدَّر؛ تقديره: حصلت لك شهادة، أو خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: ثم خاتمةُ عملك شهادةٌ، ورأيت في نسخة صحيحة: (شهادةٍ): مجرور مُنَوَّن بالقلم، وجرُّه على أنَّه معطوفٌ على المجرور، وهو (وقدم)، وكذا رأيته مجرورًا بالقلم في خطِّ شيخنا الإمام أبي جعفر الأندلسيِّ في نسخته.

قوله: (وَدِدْتُ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الدال الأولى، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (أَبْقَى لِثَوْبِكَ): هو بالموحَّدة، قال ابن قُرقُول: (أبقى لثوبك): كذا الرِّواية، قال الأصيليُّ: ومنهم من يقول: (أنقى)؛ بالنون، انتهى، وهذه الثانية هي في هامش أصلنا نسخة.

قوله: (وَأَتْقَى لِرَبِّكَ): هو بالمثنَّاة فوق ليس غير، من التَّقوى.

قوله: (فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً أَوْ نَحْوَهُ): هذا ردٌّ لما قاله القاضي عياض: إنَّ دَين عمر رضي الله عنه كان ثمانية وعشرين ألفًا، وقد قدَّمتُ البيِّنة على ذلك في (الاستسقاء) في ذكر دار القضاء، وذكرتُ هناك أنَّ القاضيَ له سلفٌ في هذا القدر.

قوله: (فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ): (أدِّ)؛ بفتح الهمزة وكسر الدال المُشدَّدة: أمر بالأداء، و (عنِّي): جارٌّ ومجرور.

قوله: (وَلاَ تَقُلْ: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ): يجوز في (أمير) الرَّفع والنَّصب، وإعرابهما ظاهرٌ.

قوله: (فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.

قوله: (فإذا أنا قُبِضْتُ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

[ج 2 ص 19]

قوله: (فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بن الخَطَّاب ... ) إلى آخره: إنَّما أمرهم بإعادة الاستئذان بعد موته ورعًا؛ مخافةَ أن تكون أذِنت له في حياته حياءً ومحاباةً، والله أعلم.

قوله: (فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ): أي: دخلتْ عليه.

قوله: (أَوْصِ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (اسْتَخْلِفْ): بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها، وهذا ظاهرٌ أيضًا.

قوله: (بِهَذَا الأَمْرِ): أي: الخِلافة.

قوله: (النَّفَرِ، أَوِ الرَّهْطِ): تَقَدَّم أنَّ (النَّفر) و (الرَّهط): ما دون العشَرة من الرِّجال، وقد تَقَدَّم مطوَّلًا.

(1/6870)

قوله: (فَسَمَّى عَلِيّاً ... ) إلى آخره: تَقَدَّم في (الجنائز) أنَّه لم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، ولا أبا عُبيدة عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمَّا أبو عُبيدة؛ فإنَّه كان قد توفِّي في سنة ثماني عشرة، والقصَّة تَقَدَّمت أنَّها كانت سنة ثلاث وعشرين، وأمَّا سعيد؛ فقيل: لم يذكره؛ لقرابته منه، فتركه تورُّعًا، كما أنَّه لم يذكر ابنه عبدَ الله، وقيل: لأنَّه كان غائبًا، والله أعلم.

قوله: (فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْداً): هذا هو سعد بن أبي وقاص، وهذا ظاهرٌ، ويؤخَذ ممَّا قبله.

قوله: (أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (ما): زائدة؛ للتأكيد.

قوله: (بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ): هم من صلَّى القِبلتَين منهم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمَّا من أسلم بعد تحويل القِبلة؛ فلا يُعدُّ فيهم، قاله القاضي عياض، وقد اختُلِف في المهاجرين الأوَّلين؛ فقيل ما ذكرتُه، وكذا عن أبي موسى الأشعريِّ وابن المُسَيّب، وقيل: إنَّهم الذين أدركوا بيعة الرضوان منهم، قاله الشَّعْبيُّ وابن سيرين، فعلى القول الأوَّل: هم الذين هاجروا قبل التحويل، والتحويل سنة اثنتين من الهجرة، وعلى الثاني: هم الذين هاجروا قبل الحديبية، وهي في ذي القعدة سنة ستٍّ.

قوله: (أَنْ يُقْبَلَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (يُعفَى)، وقوله: (وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ)؛ أي: في غير الحدود، وقد تَقَدَّم.

قوله: (رِدْءُ الإِسْلاَمِ): الرِّدْءُ؛ بكسر الراء، ثم دال مهملة ساكنة، ثم همزة مضمومة، ومعناه: عونهم، والرِّدْءُ: العون والناصِرُ.

قوله: (وأَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ): (يُؤخَذ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (فضلُهم): مرفوعٌ على الاستثناء المفرَّغ.

قوله: (بِالأَعْرَابِ): هم سُكَّان البوادي، وكلُّ بدويٍّ أعرابيٌّ وإن لم يكن من العرب، وإن كان يتكلَّم بالعربيَّة وهو من العجم؛ قلت: هو عَرَبَانيٌّ، والعجميُّ: من يُنسَب إلى العجم وإن كان فصيحًا، والأعجميُّ: الذي لا يُفصِح وإن كان عربيًّا، قاله ابن قتيبة، وقال أبو زيد: القيسيُّون يقولون: هي الأعجم، ولا يعرفون العجم، قال ثابت: وقول أبي زيد أولى، والله أعلم.

قوله: (وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ): هو بفتح الدال المهملة المُشدَّدة؛ ومعناه: الذين يمدُّونهم، ويُعينُونهم، ويكثرون جيوشهم إذا استنفروهم، ويمدُّونهم أيضًا: يأخذون من صدقاتهم، وكلُّ ما أعنتَ [به] قومًا في حربٍ أو غيره؛ فهو مادَّةٌ لهم، يقال: مددنا القومَ وأمددناهم: صِرنا لهم مَدَدًا.

قوله: (حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ): الحَوَاشِي؛ بفتح الحاء المهملة، ثم واو مخفَّفة، وبعد الألف شينٌ معجمة مكسورة، وحَوَاشِي أموالهم: هي صغار الإبل؛ كابن المخاض، وابن اللَّبون، واحدها: حاشية، وحاشية كل شيء: جانبه وطرفه، وهذا الآخر: «اتَّقِ كرائم أموالهم»، والله أعلم.

(1/6871)

قوله: (وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ [اللَّهِ] وَذِمَّةِ رَسُولِهِ): الذِّمَّة بمعنى: العهد والأمان، والمراد: أهل الذِّمَّة، وسُمُّوا أهل الذِّمَّة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانِهم، والله أعلم.

قوله: (أَنْ يُوفَى): هو بإسكان الواو وتخفيف الفاء، ويجوز فتح الواو وتشديد الفاء، وقد تَقَدَّم، لغتان، وهو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا: (وَأَنْ يُقَاتَلَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (مِنْ وَرَائِهِمْ): معناه فيما يظهر: أي: أمامهم، و (وراء) من الأضداد، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ} [الكهف: 79]، قرأها ابن عبَّاس شاذًّا: (أمامهم)، وكذا كان، وكذلك قوله تعالى: {وَمِن وَرَائِه عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17]، والله أعلم، ومعنى الكلام _والله أعلم_: إنْ قَصَدهم عدوٌّ؛ فقاتِلوه [3].

قوله: (فَلَمَّا قُبِضَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (أَدْخِلُوهُ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَوُضِعَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ) مثلُه.

قوله: (تَبَرَّأَ): هو مهموز الآخر، وهو فعلٌ ماضٍ.

قوله: (مِنْ هَذَا الأَمْرِ): أي: أخرج نفسه من الخلافة.

قوله: (فَنَجْعَلَهُ إِلَيْهِ): هو بنصب (نجعلَ) جواب الاستفهام.

قوله: (واللهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ): الاسم الجليل: مرفوع، وكذا (الإسلام)، ورفعُهما ظاهرٌ.

قوله: (فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر الكاف، كذا في أصلنا، وفي الحاشية ما لفظه: قال أبو ذرٍّ: (فأَسكَت)؛ بفتح الهمزة والكاف أصوب، انتهت، (أَسكَت)؛ بفتح الهمزة والكاف قال ابن قُرقُول: (أَسكَت القومُ: سكتوا، يقال: سكت وأَسْكت، وقيل: أطرقوا، وكذا ذكر في (فأَسكت النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وفي «الصِّحاح»: تقول: تكلَّم الرجل ثم سكت؛ بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلَّم؛ قلت: أَسْكَت، وقال ابن القطَّاع: وسكت سكوتًا وسُكاتًا وأَسكت: صمت، ويقال في أسكت: أطرق وانقطع، والغضب: سكت سكوتًا.

[ج 2 ص 20]

قوله: (وَاللَّهُ عَلَيَّ): الاسم الجليل: مرفوع، و (عليَّ): جارٌّ ومجرور.

قوله: (ألَّا آلُوَ): (آلُوَ)؛ بمدِّ الهمزة، ثم لام مضمومة؛ أي: لا أقصِّر.

قوله: (والقِدَمُ [4] فِي الإِسْلاَمِ): هو بكسر القاف، كذا هو في أصلنا، وقد عمل الآن (قِدَم) و (قَدَم) ضبط بالقلم بهما، قال ابن قُرقُول: وفي (فضل عثمان رضي الله عنه): (والقَدَم في الإسلام): كذا ضبطناه عن القابسي، وضبطه بكسرها، ولكِليهما وجهٌ صحيح، والأوَّل أوجه وإن كانا بمعنًى، وكذا في (فضائل سعد): (وكان ذا قَدَم في الإسلام)، ويُروى بالكسر، انتهى.

قوله: (مَا قَدْ عَلِمْتَ): هو بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَاللهَ عَلَيْكَ): الاسم الجليل منصوبٌ.

قوله: (وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ): (ولَجَ): تَقَدَّم أنَّ معناه: دخل، و (أهل الدار): الحارة والمحلَّة.

==========

[1] في (أ): (النُّون)، وهو وهمٌ.

(1/6872)

[2] في (أ): (من)، وكتب فوقها المثبت من غير تصحيح.

[3] في (أ): (قاتلوه) مكسورة التَّاء، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

[4] في (أ): (وقدم)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

(1/6873)

[باب مناقب علي بن أبي طالب]

(بابُ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ... إلى (بابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

تنبيه: قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: قال أحمد ابن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يُروَ في فضائل أحدٍ من الصَّحابة بالأسانيد الحِسان ما روي في فضائل عليِّ بن أبي طالب، وكذلك قال أحمد بن شعيب النسويُّ، انتهى.

هو عليُّ بن أبي طالب عبد مناف، هذا هو المشهور، وقيل: اسمه كنيته، وقيل: اسم أبي طالب: عمران، ولا يصحُّ، وقد قدَّمتُ ذلك، ابن عبد مناف، وأمُّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهاجرت، وتوفِّيت في حياةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وصلَّى عليها عليه السلام، ونَزل في قبرها، وحَمَل في سريرها، وهي أوَّل هاشميةٍ وَلَدت هاشميًّا، كنية عليٍّ رضي الله عنه: أبو الحسن، كما قال البُخاريُّ، وكنَّاه عليه السلام: أبا تُراب، وهو لقبٌ له، كنَّاه بذلك عليه السلام في غزوة العشيرة، كما سيأتي فيها من كلامي، ذكر ذلك ابن إسحاق، وهو في «مستدرك الحاكم»، وسكت عليه الذَّهبيُّ الحافظ، وقد ذكر ابن إمام الجوزيَّة الحافظ شمس الدين هذا المكان؛ أعني: أنَّه عليه السلام كنَّاه بذلك في العُشيرة من عند الدِّمياطيِّ، وتعقَّبه وقال: إنَّما كنَّاه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا تراب بعد بدر، وذكر قصَّة «الصحيح»، ثم قال: وهو أوَّل يوم كنى فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا تراب، فغلَّط هذا المكان، وجعل قصَّة «الصحيح» هي الصحيحة، ولم يجمع بينهما، انتهى.

مناقبُه غزيرة، فقيل: منها: أنَّه أوَّل من أسلم، وادُّعي فيه الإجماع، وفيه نظر، ضربه عبد الرحمن بن مُلْجَم؛ بضمِّ الميم، وإسكان اللام، وفتح الجيم، وهذا ظاهرٌ، وقد ضبطه كذلك الإسنويُّ في «مُهِمَّاته» في (قتال البُغاة)، ومِن قبله النَّوويُّ في «تهذيبه» في الأبناء، وزاد: أنَّه بسكون اللام، وعبد الرحمن خارجيٌّ عدادُه في بني مراد، فقُطِعت أربعته ولسانه، وسُمِلت عيناه، ثم أُحرِق، وكان عابدًا قانتًا لله، لكن خُتِم له بشرٍّ، نسأل الله العافية، ضربه ابن مُلْجَم بسيف مسموم في جبهته، فأوصله دماغه، فقُتِل ليلة الجمعة، وقيل غير ذلك، وتوفِّي عليٌّ رضي الله عنه بالكوفة ليلة الأحد التي تلي الجمعة تاسع عشر رمضان سنة أربعين، وقال مغلطاي: وفي «تاريخ ابن أبي عاصم»: سنة تسع وثلاثين، وفيه غرابةٌ، انتهى، وهو ابن ثلاثٍ وستِّين سنةً على الأصحِّ.

تنبيه: قد شارك ابنَ مُلْجَم في دم عليٍّ رضي الله عنه شخصٌ يقال له: شَبيب بن بَجَرَة خارجيٌّ أشجعيٌّ، وبَجَرَة: بفتح أوَّله _وهو موحَّدة_ ثم جيمٌ ثم راء مفتوحتان، ثم تاء التأنيث، ذكره ابن ماكولا في «إكماله»، والذَّهبيُّ في «المشتبه».

(1/6874)

ثم اعلم أنَّ النَّسائيَّ ذكر حديث عَمَّار بن ياسر عنه عليه السلام أنَّه قال لعليٍّ: «أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربُك على هذا _ووضع يده على رأسه_ حتى تخضب هذه»؛ يعني: لحيته، وعبد الرحمن بن مُلْجَم ذكره الذَّهبيُّ في «تجريد الصَّحابة»، وقال: ذكر ابنُ يونس أنَّه قرأَ على مُعاذ بن جبل، انتهى، وذكره في «ميزانه»، والله أعلم.

(1/6875)

[حديث: لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه]

3701# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ): هذا هو عبد العزيز بن أبي حَازم، و (أَبُو حَازِمٍ)؛ بالحاء المهملة: سلمة بن دينار الأعرج المدنيُّ، تَقَدَّم.

قوله: (يَدُوْكُونَ): هو بفتح المثنَّاة تحت، وضمِّ الدال المهملة، ثم واو ساكنة، ثم كاف مضمومة، قال ابن قُرقُول: يخوضون، والدوكة: الاختلاط والخوض، وضبطه الأصيليُّ: (يُدَوَّكُون)، وعند السمرقنديِّ: (يذكرون ليلتهم أيُّهم يعطاها)، فإذا صحَّت الرواية؛ فهو بمعنى الأوَّل، لكنَّه غير معروفٍ.

قوله: (فَأَرْسِلُوا): هو بكسر السين، فعل أمر، وقطع الهمزة، وفي (خيبر) في أصلنا بالقلم: فعل ماضٍ وفعل أمر.

قوله: (فَأُتِيَ بِهِ): (أُتيَ): فعل مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والذي جاء به في «صحيح مسلم»: أنَّه سلَمة بن الأكوع، وقال ابن شيخنا البلقيني في (خيبر): والمرسل إليه هو سلمة بن الأكوع، وساق شاهده من «طبقات ابن سعد»، انتهى، ولا حاجة إلى عزوه إلى «الطبقات»، فهو في «مسلم»، ولفظه في «مسلم»: (ثم أرسلني)؛ يعني: النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قال: (فأتيت عليًّا فجئت به أقودُه وهو أرمد حتَّى أتيت به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، ذكر ذلك في بيعة الحديبية، وغزوة ذي قرد، وخيبر في حديث سلمة الطويل؛ فاعلمه.

قوله: (بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ): تَقَدَّم أنَّه يقال: بصق، وبسق، وبزق، من حيث اللُّغة.

قوله: (فَقَالَ: انْفُذْ): هو بهمزة وصل، فإن ابتدأت بها؛ ضممتَها وضممتَ الفاء، وبالذال المعجمة؛ أي: انفصِلْ وامْضِ.

قوله: (على رِسْلِكَ): هو بكسر الراء وفتحها باختلاف المعنى، وقد تَقَدَّم.

قوله: (حُمْرُ النَّعَمِ): (حُمْر)؛ بضمِّ الحاء وإسكان الميم: جمع أحمر، قال ابن قُرقُول: (حُمْر النَّعَم)؛ يعني: الإبل، وحُمرها: أفضلُها عند العرب.

[ج 2 ص 21]

(1/6876)

[حديث: لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبه الله ورسوله]

3702# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، يروي عن هشام بن عروة ويزيد بن أبي عُبيد، وعنه: ابن معين، وابن راهويه، وغيرهما، ثقة، توفِّي سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد تَقَدَّم.

==========

[ج 2 ص 22]

(1/6877)

[حديث: اجلس يا أبا تراب]

3703# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ (أبا حَازم) اسمه سلمة بن دينار.

قوله: (أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، وكذا قال بعض المِصريِّين: إنَّه لم يُسَمَّ.

قوله: (هَذَا فُلاَنٌ، لِأَمِيرِ الْمَدِينَةِ): في «صحيح مسلم»: (أنَّه رجلٌ من آل مروان)، ذكر ذلك في مناقب عليٍّ رضي الله عنه، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: أمير المدينة هو مروان بن الحكم، انتهى، وهذا مبايِنٌ لما نقلتُه عن «صحيح مسلم».

قوله: (فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً): معنى (استطعمت الحديث): طلبتُ منه أن يحدِّثني الحديث، و (سَهْل): هو ابن سعد.

قوله: (وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ) هو بالموحَّدة والسين المهملة، هي كنية سهل بن سعد، ويقال: كنيته أبو يحيى، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ رضي الله عنهما.

قوله: (يَا أَبَا تُرَابٍ، مَرَّتَيْنِ): كذا في هذا الحديث، وفي «السِّيرة» لابن إسحاق: أنَّه عليه السلام كنَّاه بذلك في غزوة العشيرة، وقد قدَّمتُ ما قاله ابن القَيِّم قريبًا، وسأذكر ذلك في (باب الكُنية للصَّبيِّ)، وأجمعُ بينهما، وما قاله ابن إسحاق هو في «مستدرَك الحاكم»، وسكت عليه الذَّهبيُّ في «تلخيصه».

==========

[ج 2 ص 22]

(1/6878)

[حديث: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر ... ]

3704# قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ): هو حُسين بن عليِّ بن الوليد، الجُعْفيُّ مولاهم، الكوفيُّ المقرئ الزاهد، أبو محمَّد وأبو عبد الله، أحد الأعلام، عن خاله الحسن بن الحرِّ، والأعمش، وجعفر بن برقان، وزائدة، وجماعة، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، ومحمد بن رافع، وخَلْق، قال أحمد: ما رأيت أفضلَ منه ومن سعيد بن عامر، توفِّي سنة (203 هـ) في ذي القعدة، أخرج له الجماعة، و (زَائِدَة) هذا: هو ابن قدامة أبو الصَّلت الثقفيُّ، تَقَدَّم، وهو ثقةٌ حُجَّة، و (أَبُو حَصِينٍ): تَقَدَّم، اللَّيثيُّ، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، واسم هذا عثمان بن عاصم، تَقَدَّم، و (سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ)؛ بضمِّ العين، وهذا معروفٌ عند أهله.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ ... ) إلى آخره: هذا الرَّجل تَقَدَّم اسمُه قريبًا: حكيمًا، وسيأتي في تفسير (البقرة) تسميةٌ من كلام شيخنا، وتَقَدَّم أنَّه العلاء بن عرار، قاله ابن شيخنا البلقيني، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هذا الرَّجل هو نافع بن الأزرق، فقد روى ابن أبي شيبة من هذا الوجه في هذه القصَّة، فذكر طرفًا من الحديث، وفي آخره: فإنِّي أُبغِضه، واتَّهم الرجل، ثم روى من وجه آخر: أنَّ نافع بن الأزرق جاء إلى ابن عمر، فقال: إنِّي لَأُبغِضُ عليًّا، فقال: أبغضك الله، وليس هذا السَّكسكيَّ المتَقَدِّم فيما أظنُّ، انتهى، والظَّاهر: أنَّ هذا الكلام سقط منه شيءٌ، والله أعلم، ويحتمل ألَّا يكون سقط منه شيءٌ، ويكون ذكره بنسبه، وهو يزيد بن بشر السكسكيُّ.

قوله: (فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ): أي: ألصقه بالرَّغام _وهو التُّراب_ بفتح الراء، و (أرغم): مُتَعَدٍّ، وكأنَّه ضمَّنه فعلًا آخر، وكذا الثانية: (فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ).

قوله: (فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ): (اجْهَد): ثلاثيٌّ، فعل أمر، همزته همزة وصل، و (جهدَك): منصوب على المصدر؛ أي: افعل في حقِّي ما تسْتطيعُ وتقدر عليه.

==========

[ج 2 ص 22]

(1/6879)

[حديث: ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما ... ]

3705# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّم ما معنى البُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدَرٌ) ضبطًا ومعنًى، ومن لقَّبه بذلك، وأنَّه محمَّد بن جعفر، و (الْحَكَم): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن عتيبة القاضي العالم، و (ابْنُ أَبِي لَيْلَى): تَقَدَّم مِرارًا عبد الرحمن بن أبي ليلى.

قوله: (مِنْ [أَثَرِ] الرَّحَى): هو مقصورٌ معروف.

قوله: (فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ): (أَتَى): فعل ماضٍ بفتح الهمزة والتاء، والسَّبْيُ: مرفوعٌ فاعل، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 2 ص 22]

(1/6880)

[حديث: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى]

3706# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم أعلاه وبعيدًا مرارًا، وكذا تَقَدَّم أعلاه وبعيدًا مرارًا (غُنْدُر): محمَّد بن جعفر، و (سَعْد): هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريُّ، تَقَدَّم، روى عن خالَيه: إبراهيم بن سعد، وعامر بن سعد، ورأى ابن عمر، تَقَدَّم، و (إِبْرَاهِيم بْنُ سَعْدٍ): هو ابن أبي وقَّاص الزُّهريُّ، يروي عن أبيه، وخزيمة بن ثابت، وأسامة بن زيد، وعنه: ابن أخته سعد بن إبراهيم، وأبو جعفر الباقر، وحبيب بن أبي ثابت، وجماعة، وثَّقه ابن سعد، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقوله: (عَنْ أَبِيهِ): تَقَدَّم أنَّه سعد بن أبي وقَّاص قُبيله.

قوله: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى): قال القاضي عياض: هذا الحديث تعلَّقت به الرَّوافض والإماميَّة وسائر فرق الشِّيعة في أنَّ الخلافة لعليٍّ حقًّا، وأنَّه رضي له بها، قال: ثم اختلف هؤلاء؛ فكفَّرت الروافض سائرَ الصَّحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضُهم فكفَّر عليًّا؛ لأنَّه لم يقم في طلب حقِّه بزعمهم، قال: وهؤلاء أسخف مذهبًا وأفسد عقلًا من أن يُردَّ عليهم أو يُناظروا، قال القاضي: ولا شكَّ في كفر من قال هذا؛ لأنَّ من كفَّر الأمة كلَّها والصدر الأوَّل فقد أبطل الشريعة وهدم الإسلام، وأمَّا من عدا هؤلاء الغلاة؛ فإنَّهم لا يسلكون هذا المسلك، وأمَّا الإماميَّة وبعض المعتزلة؛ فيقولون: مخطئون في تقديم غيره لا كفَّار، وبعض المعتزلة لا يقولون بالتخطئة؛ بجواز تقديم المفضول عندهم، وهذا الحديث لا حُجَّة فيه لأحدٍ منهم، بل هو إثبات فضيلة لعليٍّ، لا تعرُّض فيه لكونه أفضلَ من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأنَّه عليه السلام إنَّما قال هذا لعليٍّ حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ويؤيِّد هذا أنَّ هارون المشبَّه به لم يكن خليفةً، بل توفِّي في حياةِ موسى قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنةً على ما هو مشهورٌ عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنَّما استخلفه حين ذهب لميقاتِ ربِّه للمناجاة، نقله النَّوويُّ عن القاضي، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 22]

(1/6881)

[حديث: اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف ... ]

3707# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (ابْنُ سِيرِينَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن سيرين، وتَقَدَّم عدد بني سيرين في أوَّل هذا التعليق، و (عَبِيدَة): تَقَدَّم أنَّه بفتح العين، وكسر الموحَّدة، وأنَّه عَبِيدة بن عمرو السَّلمانيُّ، وتَقَدَّم الكلام عليه، وذكرتُ من يقال له: عَبَيدة _كهذا_ في «البُخاريِّ» و «مسلم»؛ وهم: عامر بن عَبِيدة الباهليُّ، وعَبِيدة بن عمرو السَّلمانيُّ هذا، وعَبِيدة بن حُمَيد، وعَبِيدة بن سفيان، وذكرت نسب السَّلمانيِّ.

قوله: (اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ): (اقضُوا)؛ بهمزة وصلٍ، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (أَوْ أَمُوتَ): هو بنصب (أموت)، ويجوز رفعُه.

قوله: (فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ): يعني: محمَّدًا.

(1/6882)

[باب مناقب جعفر بن أبي طالب]

(بابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ) ... إلى (بابُ مناقبِ الأَنْصارِ)

اعلم أنِّي قد قدمت أنَّ أفضل الصَّحابة على الإطلاق أبو بكر الصِّدِّيق، ثم عمر بن الخَطَّاب، ثم عثمان قبل عليٍّ، وقيل: بالعكس، والأوَّل ذهب إليه الأكثرون، قال أبو منصور البغداديُّ من الشافعيَّة: أصحابنا مُجمِعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم العشرة، ثم البدريُّون، ثم أصحاب أُحُد، ثم أهل بيعة الرضوان، وقد قدَّمتُ ما قاله ابن عبد البَرِّ في تقديم أهل بيعة الرضوان بعد البدريين، وذكرتُ أيضًا ما قاله ابن عبد البَرِّ في أوَّل (مناقب الصَّحابة)، وهو غريب، والذي عمله

[ج 2 ص 22]

البُخاريُّ ليس كذلك، والظَّاهر أنَّه مشى على ما سيق عن ابن عبد البَرِّ في أوَّل (مناقب الصَّحابة)، والله أعلم، وكان الأَولى والأحسن _والله أعلم_ ذكر العشرة على ترتيبهم عنده، بل على ما سبق في الحديث، ثم ما ذكرناه عن أبي منصور، أو أنَّه تَقَدَّم بعد العشرة من رأى تقديمه، ويحتمل أن يكون جعفر عنده أفضلَ ممَّن ذكره بعده، وكما هو مقتضى كلام ابن عبد البَرِّ، وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما احتذى النِّعالَ ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من جعفر)، أخرجه النَّسائيُّ والتِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، والحديث صحيحٌ على شرط البُخاريِّ غير أنَّ عكرمة مولى ابن عبَّاس يحايده مالك، ولم يخرِّج له مسلمٌ في الأصول، وإنَّما قرنه، والباقون قد أخرج لهم الأئمَّة السِّتَّة، والله أعلم بمرادِ البُخاريِّ، والحديث المشار إليه في «المستدرك» أيضًا، وقال: على شرط البُخاريِّ، وسكت عليه الذَّهبيُّ.

كنيةُ جعفر: أبو عبد الله، وهو ذو الجناحين، وسيأتي الكلام على جناحيه، استُشهِد بغزوة مؤتة، وقد قدَّمتُ متى كانت، وقبره وقبر صاحبَيه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ظاهرة مشهورة بمؤتة من أرض الشام على نحو مرحلتين من بيت المقدس، قسم له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسهمه وأجره في بدر، كما رواه الحاكم، وسأذكره فيمن لم يحضر بدرًا وضُرب له بسهمه وأجره، وكان لجعفر يوم توفِّي إحدى وأربعون سنةً، وقيل غير ذلك.

قوله: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي): الأُولى: بفتح الخاء، والثانية: بضمِّها، وقد قدَّمتُه فيمن يشبه النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في (الصُّلح).

(1/6883)

[حديث أبي هريرة: أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة ... ]

3708# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب أحد الأعلام، تَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (بِشِبَعِ بَطْنِي [1]): وفي نسخة: (لِشبَع)؛ باللام؛ أي: ليُشبِعه، كما قال: لملءِ بطني، قال ابن قُرقُول: ومثله: أنَّ موسى عليه السلام آجر نفسه بشِبْع بطنه؛ بإسكان الباء: اسم لما يُشبعُك، وبالفتح: مصدر لفعلك أو فعله، انتهى، وكذا قال الجوهريُّ في «صحاحهِ»: الشِّبَعُ _يعني: بفتح الباء_ نقيض الجُوع، والشِّبْع؛ بالكسر _يعني وسكون الباء_: اسمٌ لما أشبعك من شيءٍ، انتهى، وهو في أصلنا بفتح الباء فيهما، وينبغي أن يكون بالسكون فيهما، والله أعلم.

قوله: (حَتَّى لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ): هو العجين المختمر، قال بعضُهم: ويروى: (الخبيز)؛ بالموحَّدة؛ أي: الخبز المأدوم، انتهى.

قوله: (وَلاَ أَلْبَسُ الْحَبِيرَ): هو بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم راء، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (الحرير)، قال ابن قُرقُول: قيل: الجديد، وقال في الاختلاف: (ولا ألبس الحرير): كذا لجميعهم في (كتاب الأطعمة) من غير خلاف، وللأصيليِّ والقابسيِّ والحمُّوي والنَّسفيِّ وعبدوس في (كتاب المناقب): (الحبير)؛ بالباء بدلًا من (الحرير)، ولغيرهم فيه: (الحرير)، كما في (الأطعمة)، وصوابه بالباء، وهو الثوب المحبَّرُ.

قوله: (أُلْصِقُ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر الصاد المهملة، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (بِالْحَصْبَاءِ): هو بإسكان الصاد المهملة، ثم موحَّدة، ممدود: الحصى الصِّغار.

قوله: (وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ): كذا في أصلنا: بالهمز، وهي لغةٌ، وفي هامش أصلنا: (خيرَ)، وهذه الأكثر في اللُّغة.

قوله: (إِنْ كان): (إِنْ)؛ بكسر الهمزة، وإسكان النون، وهذا ظاهرٌ.

==========

[1] في (أ): (بطنه)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

[ج 2 ص 23]

(1/6884)

[حديث: أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك ... ]

3709# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس الحافظ الصَّيرفيُّ، وكذا تَقَدَّم (الشَّعْبِيُّ): أنَّه عامر بن شراحيل، وأنَّه بفتح الشين المعجمة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ): هو عبد الله بن جعفر، والله أعلم، وأولاد جعفر ثلاثة من أسماء بنت عُمَيس: عبد الله، ومحمد، وعون، والعقب لعبد الله دون أخوَيه.

قوله: (يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ): جاء في غير «البُخاريِّ»: أنَّه قُطِعت يداه يوم مؤتة، فجعل الله له جناحين يطير بهما في الجنَّة، وفي «التِّرمذيِّ» [1] من طريق أبي هريرة مرفوعًا: «رأيت جعفرًا يطير في الجنَّة مع الملائكة»، وفي إسناده مقالٌ، قال الإمام السُّهيليُّ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنَّة حيث شاء» ما لفظه: وممَّا ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين: أنَّهما ليسا كما يسبق إلى الوهم على مثل جناحَي الطائر وريشه؛ لأنَّ الصُّورة الآدميَّة أشرف الصُّور وأكملُها، وفي قوله: «إنَّ الله خلق آدم على صورته» تشريفٌ لها عظيم، وحاشا لله من التشبيه والتمثيل، ولكنها عبارة عن صفة مَلَكيَّة وقوَّة روحانيَّة أُعطيها جعفر كما أُعطيتها الملائكة، وقد قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه: 22]؛ فعبَّر عن العَضُد بالجناح توسُّعًا وليس ثَمَّ طيران، فكيف بمن أُعطيَ القوة على الطيران مع الملائكة؟! أخْلِق به إذًا أن يوصَف بالجناح مع كمال الصُّورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية! وقد قال أهل العلم في أجنحة الملائكة: ليست كما يُتَوهَّم من أجنحة الطير، ولكنها صفاتٌ مَلَكيَّة لا تُفهَم إلَّا بالمعاينة، واحتجُّوا بقوله تعالى: {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، فكيف يكون كأجنحة الطير على هذا؟ ولم يُر طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة، فكيف بستِّ مئة جناح؛ كما جاء في صفة جبريل عليه السلام، فدلَّ على أنَّها صفاتٌ لا تنضبط كيفيَّتها للفكر، ولا ورد أيضًا في بيانها خبر، فيجب علينا الإيمان بها، ولا يفيدنا علمًا إعمالُ الفكر في كيفيَّتها، وكلُّ امرئٍ قريب من معاينة ذلك فإمَّا أن يكون من الذين {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنَّة الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، وإمَّا أن يكون من الذين تقول لهم الملائكة وهم {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93]، انتهى كلامُه، وهو غريبٌ مستفادٌ مما يستفاد.

(1/6885)

وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة، وجاءت أحاديثُ كثيرةٌ فيها ذكر الأجنحة للملائكة؛ منها في «مسلم»: لمَّا يهبط عيسى عليه السلام وهو واضعٌ يديه على أجنحة ملَكَينِ، ومنها: «ما زالت الملائكةُ تُظِلُّه بأجنحتها حتَّى رُفِع»، وغير ذلك، وحديثٌ رواه الدارقطنيُّ من حديث ابن عبَّاس قال: لمَّا نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}؛ جاءت امرأة أبي لهبٍ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فلما رآها؛ قال: يا رسول الله؛ إنَّها امرأة بذيئة، فلو قمت، لا تؤذيك، فقال: «إنَّها لن تراني»، فجاءت، فقالت: يا أبا بكر؛ صاحبك هجاني، قال: لا، وما يقول الشِّعر، قالت: أنت عندي تصدق، وانصرفت، قلت: يا رسول الله؛ لم تَرَكَ؟! قال: «لا، لم يزل ملَكٌ يسترني

[ج 2 ص 23]

بجناحه»، فهذا تصريحٌ بأنَّه الجناح المحسوس، والقوة والملَكة ليست جسمًا، فيحتاج السُّهيليُّ إلى جوابٍ عن هذا، فإن كان ما نقله السُّهيليُّ إجماعًا أنَّ الجناح في الملائكة ليس مرادًا، وذلك لأنَّه نقله عن أهل العلم؛ فذاك، وإلا؛ فيحتاج إلى جواب، وسند هذا لا أعلم به بأسًا إلَّا أنَّه من رواية عطاء بن السائب، وكان قد اختُلِط في آخر عمره، وما أعلم عبد السلام بن حرب سمع منه قديمًا أو بعد الاختلاط، وإذا لم يُعلم؛ يُرَدُّ به الحديث، ثم إنِّي رأيت هذا الحديث في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» بسندٍ آخرَ، لكن في الطريق عبد السلام بن حرب عن عطاء بِه، وكذا رأيت غير ذلك من الأحاديث.

تنبيه: ما رواه إبراهيم بن سُليمان: حدَّثنا خلاد بن يحيى، عن قيس بن الربيع، عن أبي حَصِين، عن يحيى [بن] وثَّاب، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان على الحسن والحسين تعويذتان فيهما زغبٌ جناح جبريل عليه السلام)؛ رواه ابن الأعرابي في «معجمه» عن إبراهيم هذا، قال الإمام الذَّهبيُّ في «الميزان»: أُراه وضع هذا القول والله أعلم؛ يعني: إبراهيم، انتهى، وقد ذكره ابن الجوزيِّ في آخر «الموضوعات» في القسم الموضوع على الصَّحابة، وقال فيه: حديث موضوع، والمتَّهم به الكديميُّ، فإنَّه كان يضع الحديث، انتهى.

(1/6886)

[باب ذكر العباس بن عبد المطلب]

قوله: (بَاْبُ ذِكْر الْعَبَّاسِ): اعلم أنَّ البُخاريَّ في مكانٍ يقول: (باب مناقب فلان)، وفي مكانٍ: (باب ذكر فلان)، وآخرُ ما ظهر لي أنَّه أراد أن يتنوَّع في العبارة، والله أعلم.

مناقب العبَّاس كثيرة رضي الله عنه، توفِّي بالمدينة يوم الجمعة لِثِنْتَي عشْرةَ ليلةً خلت من رجب، وقيل: من رمضان، سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وله نحو ثمانٍ وثمانين سنةً، وقبره مشهور بالبقيع، وعليه وعلى غيره معه قُبَّة عظيمة.

==========

[ج 2 ص 24]

(1/6887)

[حديث: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ... ]

3710# قوله: (كَانَ إِذَا قَحَطُوا): هو بفتح القاف والحاء، وفي نسخة في هامش أصلنا: (قُحِطوا)؛ بضمِّ القاف، وكسر الحاء: مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله؛ أي: إذا احتبس المطر، قال الجوهريُّ: وقَحط المطر يقحَطُ؛ إذا احتبس، وحكى الفرَّاء: قَحِط المطرُ _بالكسر_ يقحَطُ، وأقحط القوم؛ إذا أصابهم القحط، وقُحِطوا أيضًا _على ما لم يسمَّ فاعله_ قَحْطًا، انتهى، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في (الاستسقاء)، والضبط الثاني الذي في الهامش موافقٌ لما في «الصِّحاح»، والله أعلم.

تنبيه: استسقى عمر بالعبَّاس رضي الله عنهما عام الرَّمادة سنة سبع عشرة في خلافته.

قوله: (فَتَسْقِينَا): ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وهما لغتان، وبهما ضُبِط في أصلنا.

قوله: (فَاسْقِنَا): هو ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وبهما ضُبِط في أصلنا.

(1/6888)

[باب مناقب قرابة رسول الله]

قوله: (بابُ: مَنَاقِب قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ [عَلَيْهَا السَّلاَمُ] بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى قوله: (الْجَنَّةِ): أمَّا قوله: (ومنقبة فاطمة ... ) إلى (الجنَّة)؛ فإنَّه مكتوبٌ عليه في أصلنا: (لا ... إلى)، وعليه علامة راويه زائدة، وسيأتي لمناقبها ترجمة مفردة، وسأذكر في ترجمتها المفردة _على تقدير ثبوت هذه هنا، وهو الذي يترجَّح في النظر، ويدلُّ على ذلك ما ذكره في هذه الترجمة من الحديث_ ما الحكمة في إفرادِها، والله أعلم، وتَقَدَّم أنَّ المنقبَة _بفتح الباء_ المفخرة.

وقد تَقَدَّم أنَّ فاطمة رضي الله عنها توفِّيت بعده عليه السلام بسِتَّة أشهر على الصَّحيح من أقوال، وقيل: بثلاثة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يومًا، وقيل: بشهرين، قيل: توفِّيت لثلاثٍ خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، وكان عمرها تسعًا وعشرين سنةً، وقيل: ثلاثين، وقيل: إحدى وعشرين، وقال الكلبيُّ: كان عمرها خمسًا وثلاثين سنةً، ومناقبها كثيرة، وهي سيِّدة نساء أهل الجنَّة، وهي أفضل بناته، وفيها وفي أمِّها خلافٌ، وكذا فيها وفي عائشة، وسأذكره.

==========

[ج 2 ص 24]

(1/6889)

[حديث: أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ... ]

3711# 3712# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم.

قوله: (وَفَدَكٍ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الفاء والدال المهملة، تُصرَف ولا تُصرَف.

قوله: (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ): هي مُنَوَّنة مرفوعة، وقد تَقَدَّم الكلام عليها.

(1/6890)

[حديث: ارقبوا محمدًا في أهل بيته]

3713# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هو ابن الحارث أبو عثمان الهجيميُّ البصريُّ الحافظ، قال أحمد: إليه المنتهى في التفسير بالبصرة، وقال ابن القطَّان: ما رأيت خيرًا منه ومن سفيان، توفِّي سنة (186 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ وَاقِدٍ): هو بالقاف، وهو واقد بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر العُمريُّ، يروي عن أبيه، وابن أبي مُلَيْكَة، وسعيد بن مرجانة، ونافع مولى ابن عمر، وغيرهم، وعنه: ابنه عثمان، وأخوه عاصم، وشعبة، وثَّقه أحمد وغيره، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.

تنبيه: ليس في الكتب السِّتَّة و «الموطَّأ» راوٍ اسمه وافد؛ بالفاء، بل ولا في مصنَّفات أصحاب الكتب التي قد ترجمها المِزِّيُّ، والله أعلم، ولهم خارج الكتب: وافد _بالفاء_ ابن موسى الذَّارع ووافد بن سلامة، ذكرهما ابن ماكولا وغيره، قال الذَّهبيُّ: وغيرهما.

قوله: (ارْقُبُوا مُحَمَّداً فِي أَهْلِ بَيْتِهِ): (اُرقُبوا)؛ بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها، ومعناه: راعوه واحترِموه، وقال بعضهم: احفظوه فيهم، والعبارة الأولى أوضحُ في المرادِ.

==========

[ج 2 ص 24]

(1/6891)

[حديث: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني]

3714# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، و (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ، وتَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ)، وأنَّه بكسر الميم وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وأنَّ والده مَخْرَمة صحابيٌّ أيضًا من مُسْلِمة الفَتْح.

قوله: (بَضْعَةٌ مِنِّي): البَضْعة؛ بفتح الباء الموحَّدة وإسكان الضاد المعجمة؛ أي: قطعة.

فائدة: قال الإمام السُّهيليُّ: روى حَمَّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عليِّ بن الحُسين: أنَّ فاطمة أرادت حَلَّه _أي: حَلَّ أبي لبابة حين ربط نفسه بساريةٍ من سواري المسجد_ حين نزلت توبتُه، فقال: قد أقسمتُ ألَّا يحلَّني إلَّا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فاطمة مضغةٌ منِّي»، فصلَّى الله عليه وسلَّم وعلى فاطمة، فهذا يدلَّ على أنَّ من سبَّها فقد كفر، وأنَّ من صلَّى عليها فقد صلَّى على أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم، انتهى، وعليُّ بن زيد فيه مقالٌ، ورواية عليِّ بن الحسين _هو زين العابدين_ عن فاطمة مرسَلة، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 24]

(1/6892)

[حديث: دعا النبي فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيها]

3715# 3716# قوله: (أَتْبَعُهُ): هو بإسكان التاء، ويجوز (أتَّبِعُه)؛ بفتحها وتشديدها، وهما لغتان.

==========

[ج 2 ص 24]

(1/6893)

[باب مناقب الزبير بن العوام]

قوله: (بابُ مَنَاقِب الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ): تَقَدَّم أنَّ المناقب جمع منقبَة؛ بفتح الباء، وأنَّها المفخرة.

فائدة: الزُّبير أوَّل من سلَّ سيفًا في الله، والقصَّة في «الاستيعاب»؛ فانظرها.

ثانية: قال بعضهم: إنَّه أوَّل من استحقَّ السَّلَبَ في الإسلام.

ثالثة: نزلت الملائكة على زِيِّه يوم بدر رضي الله عنه، قتله عمر بن جُرموز سنة ستٍّ وثلاثين، وقال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: فاتَّبعه ابن جُرموز عبد الله _وقيل: عُمير، ويقال: عَميرة، وقيل: عُميرة بن جرموز_ السعديُّ، فقتله بموضعٍ يُعرَف بوادي السِّباع، انتهى، وقد تَقَدَّم الخلاف في الشهر الذي قُتِل فيه عند حديث تَرِكَتِه.

قوله: (هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُمِّيَ الْحَوَارِيُّونَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ): تَقَدَّم الكلام على (الحواريِّ)، وأنَّه الناصر، وقيل: الخالص، وقيل: الحواريُّون: المجاهدون، وقيل: أصحاب الأنبياء، وقيل: الذين يَصلحون [1] للخلافة بعده، حكاه الحربيُّ، وقيل: الأخلَّاء، قاله السُّلميُّ، هذا كلُّه في حواريِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل في أصحاب عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّهم كانوا قصَّارين؛ لأنَّهم يُبيِّضون الثياب، والحوَر: البياض، وكانوا أولاد قصَّارين، وقيل: صيَّادون، وقيل: الحواريُّون: الملوك، فتصحُّ في الزُّبير صُحبتُه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصرته، واختصاصه به، وإخلاصه له، وقيل: المفضَّل عندي كفضل الحُوَّارى في الطعام، وكان ابن عمر يذهب إلى أنَّه اسمٌ مختصٌّ بالزُّبير دون غيره؛ لتخصيصه صلَّى الله عليه وسلَّم إيَّاه به، وقد ذكرت الحواريِّين من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم اثنا عشر؛ وهم: العشرةُ سوى سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، والثلاثة الذين هم خارج العشرة: عثمان بن مظعون، وحمزة، وجعفر بن أبي طالب، المجموع من قريش.

[ج 2 ص 24]

==========

[1] في (أ): (يُصلحون).

(1/6894)

[حديث: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت]

3717# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تَقَدَّم أنَّ مَخْلدًا بإسكان الخاء المعجمة، وهذا معروفٌ.

قوله: (مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه تابعيٌّ، وقدَّمتُ بعض ترجمته.

قوله: (رُعَافٌ شَدِيدٌ): سنة الرُّعاف هي سنة خمس وثلاثين.

قوله: (فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: اسْتَخْلِفْ): هذا الرجلُ من قريشٍ لا أعرفُ اسمه، وقال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: هو طلحة بن عبيد الله، انتهى.

قوله: (فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ _أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ_ فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ): (الحارث) هذا: لا أعرفه، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هو ابن الحكم أخو مروان.

قوله: (قَالُوا: الزُّبَيْرَ): هو منصوبٌ؛ أي: استَخْلِفِ الزُّبيرَ.

قوله: (أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ): (أَمَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف الميم: تحقيقٌ للكلام الذي يتلوها.

قوله: (إِنَّهُ [1] لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ): (إِنَّه)؛ بكسر الهمزة على الابتداء، وقد تَقَدَّم أنَّ (أَمَا) كالاستفتاح، فـ (إِنَّ) بعدها مكسورةٌ على الابتداء، و (لَخيرُهم): اللام للتأكيد، دخلت على الخبر، و (خيرُهم): الخبر مرفوعٌ.

قوله: (مَا عَلِمْتُ): (ما): مصدريَّةٌ؛ أي: في علمي، ويجوز أن تكون بمعنى: الذي، والله أعلم، وهذا أيضًا فيه نظرٌ، ولعله مؤوَّل، وإن أجريناه على ظاهره؛ عارضه غيره، والله أعلم، وكذا قوله: (أَنَّهُ خَيْرُكُمْ)، ولعلَّ المراد بهذا: فخاطِبُوه في تلك المسألة.

قوله: (وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا مؤوَّل، وإجراؤه على ظاهره معارِضٌ لغيره، والله أعلم.

==========

[1] في (أ): (إنهم)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

[ج 2 ص 25]

(1/6895)

[حديث: أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم ثلاثًا]

3718# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، وتَقَدَّم ترجمة (مَرْوَانَ): هو ابن الحكم، وأنَّه تابعيٌّ.

قوله: (أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ): تَقَدَّم أنَّ هذا الرجل لا أعرفه، ولعلَّه الأوَّل، وهو من قريش، وقد تَقَدَّم ما قاله بعض الحُفَّاظ، و (استخلِفْ): فعل أمر.

قوله: (أَمَا وَاللَّهِ): تَقَدَّم الكلام عليها أعلاه، وقبل ذلك مرَّاتٍ.

(1/6896)

[حديث جابر: إن لكل نبي حواريًا وإن حواري الزبير بن العوام]

3719# قوله: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ): كذا في أصلنا، وقد تَقَدَّم الكلام على (حواري)، وأنَّ الزَّجَّاج قال: (حواريٌّ): ينصرف؛ لأنَّه منسوب إلى حَوارٍ، وليس كبَخاتيٍّ وكراسيٍّ؛ لأنَّ واحدها بختيٌّ وكُرسيٌّ، وتَقَدَّم الكلام على ياء (وَ [إِنَّ] حَوَارِيّ الزُّبَيْرُ)، وأنَّها بالفتح والكسر.

==========

[ج 2 ص 25]

(1/6897)

[حديث: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم]

3720# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم هذا أنَّه أحمد بن محمد بن موسى المروزيُّ مردويه، وقال الدارقطنيُّ: أحمد بن محمَّد بن ثابت، يعرف بابن شبُّويه، والله أعلم، و (عبد الله): هو ابن المبارك، شيخ خراسان العالم الزاهد المشهور.

قوله: (كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ): هي غزوة الخندق، وقد تَقَدَّم متى كانت، وسيأتي قريبًا أيضًا.

قوله: (جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ): (جُعلتُ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمر بن أبي سلمة): هو ربيب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَقَدَّم والدُه أنَّه عبد الله المخزوميُّ، وتَقَدَّمت أمُّه هند بنت أبي أميَّة حذيفة المخزوميَّة، روى عمر عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن أمِّه، وعنه: عطاء، وثابت، وأبو وَجْزة، وآخرون، وُلِد بالحبشة، وتوفِّي سنة (83 هـ)، أخرج له الجماعة رضي الله عنه.

قوله: (أَوَهَلْ): هو بتحريك الواو على الاستفهام، وقد قدَّمتُ الأماكنَ التي تُفتَح فيها الواوُ، والأماكن التي تُسكَّن.

تنبيه: وُلِد عبد الله بن الزُّبير سنة اثنتين، بعد الهجرة بعشرين شهرًا من التاريخ، وقيل: إنَّه وُلِد في السنة الأولى، والأحزاب ستأتي، وتَقَدَّم أنَّها في سنة خمس، قاله ابن إسحاق، وقال ابن عقبة: سنة أربعٍ، فعلى قول ابن عقبة انظر سِنَّه، وكذا على قول ابن إسحاق، والشهر أيضًا مُختَلَفٌ فيه؛ فعند ابن عقبة وابن إسحاق: كانت في شوال، وعند ابن سعد: كانت في ذي القعدة سنة خمسٍ، والله أعلم.

قوله: (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي): تَقَدَّم الكلام على التفدية بالأبوين، وستأتي في (أُحُد).

قوله: (يَوْمَ الْيَرْمُوكِ): هو بفتح المثنَّاة تحت، ثم راء ساكنة، ثم ميم مضمومة، ثم كاف؛ وهو موضع بالشام كانت به وقعةٌ عظيمةٌ بين المسلمين والرُّوم في خلافة الفاروق سنة خمسَ عشْرةَ، وكان المسلمون ثلاثين ألفًا، والرُّوم مئة ألف، وقد تَقَدَّمت.

==========

[ج 2 ص 25]

(1/6898)

[حديث: أن أصحاب النبي قالوا للزبير يوم اليرموك ... ]

3721# قوله: (ألا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ): (فنَشُدَّ): منصوبٌ، ونصبه معروفٌ.

قوله: (فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ): سيأتي في (غزوة بدر) أنَّه ضُرِب ثنتين يوم بدر، وواحدةً يوم اليَرْمُوك، والجمع ممكِنٌ.

قوله: (ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ): (ضُرِبَها): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

==========

[ج 2 ص 25]

(1/6899)

[باب ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله]

قوله: (بابُ: ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [1]): هو طلحة بن عُبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ التيميُّ، أمُّه الصعبة بنت الحضرميِّ أخت العلاء بن الحضرميِّ، أسلمت وهاجرت، مناقبه كثيرة، سمَّاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: طلحة الجود، وطلحة الخير، توفِّي في وقعة الجمل، وهو أوَّل قتيلٍ قُتِل في الوقعة _وفي «الاستيعاب»: أنَّ قاتله مروان بن الحكم_ لعشرٍ خلون من جمادى الآخرة سنة ستٍّ وثلاثين، وقيل في وقعة الجمل غير ذلك.

تنبيه: تَقَدَّم أنَّ أبا محمَّد ابن حزم إمام أهل الظَّاهر أنكر وقعة الجمل، وهذا شيء غريب مع اطِّلاع هذا الرجل، وتَقَدَّم أنَّ القاضي عياض حكى في «الشفا» إنكارها عن هشام وعبَّاد.

==========

[1] في هامش (ق): (فائد: قُتل سنة ثلاث _صوابه: ستٍّ_ وثلاثين يوم الجمل، وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً).

[ج 2 ص 25]

(1/6900)

[حديث: لم يبق مع النبي في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن ... ]

3722# 3723# قوله: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ): تَقَدَّم أنَّ (المُقَدَّميَّ): منسوبٌ إلى جدِّه مُقَدَّم؛ بفتح الدال المُشدَّدة، اسم مفعول، وكذا تَقَدَّم (أَبُوْعُثْمَانَ) أنَّه النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ أنَّه مثلَّث الميم، ومَلْء؛ بفتح الميم، وإسكان اللام، وهمزة.

قوله: (غَيْرُ طَلْحَةَ): (غيرُ)؛ بالرَّفع، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (وَسَعْدٍ): هو سعد بن أبي وقَّاص.

قوله: (عَنْ حَدِيثِهِمَا): يعني: أنَّهما حدَّثا أبا عثمان بذلك، وهذا ظاهرٌ، إلَّا أنَّ بعض الطلبة سألني عنه فيما إَخَالُ، والله أعلم.

[ج 2 ص 25]

(1/6901)

[حديث: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي قد شلت]

3724# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا هو خالد بن عبد الله الواسطيُّ الطحَّان، تَقَدَّم أنَّه ثقة عابد، يقال: إنَّه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرَّاتٍ بزِنَتِه فضَّةً، تَقَدَّم، و (ابْنُ أَبِي خَالِدٍ): هو إسماعيل، تَقَدَّم، و (قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم أنَّه بالحاء المهملة.

قوله: (يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): وقاه عليه السلام بيده يوم أُحُد، وكانت يده اليمنى.

قوله: (وَقَدْ شَلَّتْ): هو بفتح الشين المعجمة، وتشديد اللام المفتوحة، ثم تاء التأنيث، ولا يجوز ضمُّ الشين، قال الجوهريُّ: والشَّلل: فسادٌ في اليد، يقال: شَلَّت يمينُه؛ بالفتح، وأشَلَّها الله، وفي «المطالع»: شَلَّت يدُه؛ بفتح الشين، وهو يبس اليد، ولا يقال بضمِّ الشين، وقيل فيما لم يُسَمَّ فاعله: أُشِلَّت يدُه، وأَشلَّها الله، وفي «النِّهاية»: شَلَّت يدُه تشَلُّ شَللًا، ولا تُضَمُّ الشين، انتهى، ولم أرَ أنا أحدًا ذكره بضمِّ الشين، وقد رأيت في ذلك «المشارق»، و «المطالع»، و «الجمهرة»، و «الصحاح»، و «النِّهاية»، و «أفعال ابن القطاع»، ولفظُه: (ولا يقال: شُلَّت)، وقد ذكر شيخنا عن ابن درستويه أنَّ (شُلَّت) بالضمِّ العامَّةُ تقوله، وهو خطأٌ، وقال اللِّحيانيُّ: إنَّه قليلٌ، انتهى.

==========

[ج 2 ص 26]

(1/6902)

[باب مناقب سعد بن أبي وقاص]

قوله: (مَنَاقِب سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ [1] الزُّهْرِيِّ): رضي الله عنه، هو سعد بن أبي وقَّاص مالك بن وُهَيب _ويقال: أُهَيب_ بن عبد مناف بن زهرة بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤيٍّ القرشيُّ الزُّهريُّ، وسأذكر الكلام على زُهرةَ بُعَيدَ هذا، كنيته أبو إسحاق، مناقبه جمَّة، توفِّي سنة خمس وخمسين، وقيل غير ذلك، وهو آخر العشَرة وفاةً، توفِّي بقصره بالعقيق على عشرة أميال _وقيل: سبعة_ من المدينة المشرَّفة، وحُمِل على أعناق الرِّجال إلى المدينة، فصُلِّي عليه بها، ودُفن بالبقيع رضي الله عنه.

قوله: (وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إنَّما كانوا أخواله؛ لأنَّهم أقرباء والدة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آمِنة، وذلك لأنَّ آمنة هي بنت وهب بن عبد مناف بن زُهْرة، وزُهْرة: هو ابن كلاب، وقال بعض شيوخ شيوخي: ويقال: عبد مناف بن كلاب، وزُهْرة أمُّه فيما قاله ابن قتيبة والجوهريُّ، وفيه نظرٌ، انتهى، وفي «الرَّوض»: عن ابن قتيبة في «معارفه»: أنَّ زُهْرة امرأةٌ عُرِف بها بنو زُهْرة، وهذا مُنكَرٌ غير معروف، انتهى، وقد راجعتُ «صحاح الجوهريِّ»؛ فوجدتُه كما نقله عنه، ولفظ الجوهريِّ: (وزُهْرة أيضًا: حيٌّ من قريش، وهو اسم امرأة كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهر، نُسِب ولدُه إليها، وهم أخوالُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، و (زُهْرة)؛ بضمِّ الزاي، وإسكان الهاء، بخلاف النجم المعروف، فإنَّه الزُّهَرة؛ بضمِّ الزاي، وفتح الهاء.

(1/6903)

[حديث: جمع لي النبي أبويه يوم أحد]

3725# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت الثقفيُّ، أبو محمَّد الحافظ، وتَقَدَّم مترجمًا، و (يَحْيَى) بعده: هو ابن سعيد الأنصاريُّ القاضي، تَقَدَّم مترجمًا، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): تَقَدَّم أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (سَعْدٌ): هو ابن أبي وقَّاص صاحب هذه المناقب.

قوله: (جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَبَوَيْهِ] يَوْمَ أُحُدٍ): يعني: قال له: «فداك أبي وأُمِّي» حين كان يرمي، وقد قال الزُّهريُّ: رمى سعدٌ يومئذٍ _يعني: يوم أُحُد_ ألف سهمٍ، وفي «شرف المصطفى»: فما من سهم إلَّا قال عليه السلام: «إيهًا سعدُ، فداك أبي وأمِّي»، قاله شيخنا، ثم قال: قلت: وكان سعد جيِّد الرمي، وقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ارمِ رمى الله لك»، ووقع في «الجمع بين الصحيحين» لأبي نعيم الحدَّاد: (أنَّه عليه السلام جمع له أبوَيه يوم الخندق)، كذا قال، انتهى، وقد رأيتُ ما قاله الزُّهريُّ من أنَّه رمى بألف سهمٍ في «المستدرَك» في (المغازي).

==========

[ج 2 ص 26]

(1/6904)

[حديث: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام]

3726# قوله: (حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ): هذا هو هاشم بن هاشم بن عتبة، ويقال: هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص الزُّهريُّ، قال الذَّهبيُّ: وهذا أصحُّ، فإنَّ هاشم بن عتبة قُتِل بصِفِّين، ولا يمكن أن يكون هذا ولدَه لصلبه إِلَّا ولد ولده، انتهى، وقد قدَّمتُ ذلكَ.

قوله: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي): هو بضمِّ التاء، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلاَمِ): يعني: كنا ثلاثة مسلمين، وهذا مؤوَّلٌ، وقال بعض الحُفَّاظ: أسلم قديمًا بعد أربعة، وقيل: بعد ستَّة، وهو ابن سبع عشرة سنة، والله أعلم، قال شيخنا: قال ابن التِّين: إن لم تكن الروايتان محفوظتين _يعني: هذه ورواية: وما معه إلَّا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر_؛ فلم يعلم سعد إلَّا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر، ولم يعلم سعد بعَمَّار، ويحتمل أن يريد سعد ثلاثةً غير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويحتمل أن يكون عليه السلام أحدهم، أو يريد سعد من الرِّجال الأحرار، انتهى، وقد قدَّمتُ من كلام ابن إسحاق أنَّه أسلم _أعني: سعدًا_ بدعاء أبي بكر رضي الله عنهما.

(1/6905)

[حديث: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه]

3727# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ): هو يحيى بن زكريَّاء بن أبي زائدة، تَقَدَّم.

قوله: (حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ): هذا تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه، وقبل ذلك أيضًا.

قوله: (مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ): الظَّاهر أنَّ (إلَّا) [1] زائدة، فيكون معنى الكلام: ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه؛ يعني: أنَّه انفرد بالإسلام ذلك اليوم، وكذا رواه ابن ماجه في «سننه»: (ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه)، وأمَّا على تقدير ثبوتها؛ فمعناه مُشكِل جدًّا، ولا يصحُّ إلَّا بتأويل، والله أعلم.

قوله: (تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ): الضمير في (تابعه) يعود على ابن أبي زائدة يحيى بن زكرياء، و (أبو أسامة): حَمَّاد بن أسامة، ومتابعتُه هذه أخرجها البُخاريُّ في (إسلام سعد بن أبي وقَّاص) عن إسحاق عن أبي أسامة به.

==========

[1] في (أ): (لا)، ولعل المثبت هو الصواب.

[ج 2 ص 26]

(1/6906)

[حديث: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله]

3728# قوله: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي خالد، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم.

قوله: (إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ): إن قيل: في أيِّ الأماكن رمى سعد في سبيل الله أوَّل العرب؟ فالجواب: أنَّ ذلك كان في بعث عُبيدة بن الحارث، وكان عليه السلام بعث عُبيدة بن الحارث في ستِّين أو ثمانين راكبًا من المهاجرين، فسار حتَّى بلغ ماءً بالحجاز بأسفل ثَنيَّة المُرَّة؛ تلقَّى بها جمعًا عظيمًا من قريش، فلم يكن بينهم قتالٌ، إلَّا أنَّ سعد بن أبي وقَّاص رمى بسهم في سبيل الله، فكان أوَّل سهمٍ رُمِيَ به في سبيل الله.

فائدة: وسعدٌ أيضًا أوَّل من أهراق دمًا في الإسلام، وذلك أنَّ سعدًا كان في نفرٍ يصلُّون في شِعْبٍ من شِعاب مكة؛ إذ ظهر عليهم نفرٌ من المشركين وهم يصلُّون، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعدٌ يومئذٍ رجلًا بلُحْي جملٍ فشجَّه، فكان أوَّل دمٍ أُهريق في الإسلام، وقيل: بل أوَّل من أراق دمًا في الإسلام طُليب بن عمير، وقد حكى القولين معًا ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في طُليب بن عمير.

[ج 2 ص 26]

قوله: (مَا لَهُ خِلْطٌ): هو بكسر الخاء المعجمة، وإسكان اللام، وبالطاء المهملة، ومعناه: لا يخالطه شيء من ثُفل [1] الطعام غيره، وأوضح من ذلك كلام ابن الأثير: أي: لا يختلط نَجْوُهم بعضُه ببعض؛ لجفافِه ويُبْسِه، فإنَّهم كانوا يأكلون خُبز الشعير وورق الشجر؛ لفقرهم وحاجتهم.

قوله: (بَنُو أَسَدٍ): هو بفتح السين، كذا نصَّ عليه ابن قُرقُول، وهذا ظاهرٌ عند أهله، والمراد ببني أسد: بنو الزُّبير بن العوَّام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى، قاله النَّوويُّ، وقال شيخُنا في (الأطعمة) عند ذكر هذا الحديث: (ووقع في «ابن بطَّال» هنا: أنَّ عمر بن الخَطَّاب من بني أسد، وهو عجيبٌ ... ) إلى آخر كلامه، وصدق؛ وذلك لأنَّ عمر من بني عدي، وأمُّه مخزوميَّةٌ أخت أبي جهلٍ على قول، والصَّحيح: أنَّها بنت عمِّه، والله أعلم.

قوله: (تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ [2]): أي: توقِفُني، قال الهرويُّ: (والتعزير في كلام العرب: التوقيف على الفرائض والأحكام)، وقال الطبريُّ: (تُعزِّرني): تُقوِّمني وتُعلِّمني، من تعزير السلطان؛ وهو تأديبه وتقويمه، وقال الطبريُّ: العزر: اللوم، وقال أبو بكر: العزر: المنع، وعزَّره: منعه، قال الزَّجَّاج: أصل العزر: الردُّ، وهذا ملخَّصٌ من كلام ابن قُرقُول.

قوله: (وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ): (وَشَوا)؛ بفتح الواو والشين المعجمة المخفَّفة؛ ومعناه: نمَوا به ورفعوا عليه.

(1/6907)

[باب ذكر أصهار النبي]

قوله: (بابُ ذِكْر أَصْهَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إن قلتَ: لم يذكر فيها إلَّا أبا العاصي بن الرَّبيع نصًّا، وليس فيها ذكر غيره، إلَّا أنَّ عليًّا لمَّا ترك الخِطبة شفقًا من قلبه عليه السلام لقلب فاطمة؛ فاستلزم ذلك الثناءَ عليه، وليس فيه ذكرُ غيرهما، فأين الأصهار؟ فإنَّه بقي منهم عثمان.

ثم اعلم أنَّ الأصهار: أهل بيت المرأة، عن الخليل، ومن العرب من يجعل الصِّهر من الأحماء والأخْتان جميعًا، فالأصهار: أقرباء الرجل والمرأة الزوجين، والأخْتان: أقرباء المرأةِ الزوجةِ، والأحماء: أقرباء الرجل الزوج.

وكأنَّ البُخاريَّ رحمه الله أراد الحديث الذي ذكره ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عثمان، ولفظه: وثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «سألت ربِّي عزَّ وجلَّ ألَّا يُدخِل النَّار أحدًا صاهر إليَّ أو صاهرتُ إليه»، وهو حديث رواه الحاكم في «المستدرك» في (مناقب عليٍّ)، ولفظه: «سألت ربِّي ألَّا أُزوِّج أحدًا من أُمَّتي ولا أتزوَّج إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني»، صحيح، وسكت عليه الإمام الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فيكون البُخاريُّ قصد بهذا التبويب هذا الحديث، وكأنَّه لم يكن على شرطه، أو أنَّه لم يقع له روايته، فترجم عليه، وأخرج ما هو على شرطه، وقد روى الطبراني في «معجمَيه الصغير والأوسط» من حديث عبد الله بن عمرو، ولفظه: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنِّي سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا يتزوَّج إليَّ أحدٌ إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: لم يروِه عن هشام _يعني: ابن عروة_ إلَّا عَمَّار؛ يعني: ابن سيف، ولا عنه إلَّا يزيد؛ يعني: ابن الكُمَيت، تفرَّد به محمَّد؛ يعني: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيَّ، وذكر من حديث عبد الله بن أبي أوفى: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا أُزَوَّج إليه إلَّا كان في الجنَّة، وأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: لم يروِه عن إسماعيل _يعني: ابن أبي خالد_ إلَّا عَمَّار؛ يعني: ابن سيف، ولا عنه إلَّا قَبِيصة؛ يعني: ابن عقبة، تفرَّد عنه ابنه؛ يعني: عقبة بن قَبِيصة بن عقبة، انتهى.

في سند الطبراني الأوَّل: يزيد بن الكُميت متروكٌ، وفيه: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيُّ ما عرفتُه أنا، وفيه: عَمَّار بن سيف مُختَلفٌ فيه، والسند الثاني جيِّدٌ إلَّا أنَّ فيه عَمَّارًا، وهو سندٌ حسنٌ، والله أعلم.

(1/6908)

قوله: (مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي بْنُ الرَّبِيعِ [1]): اختُلِف في اسم (أبي العاصي)، وقد قدَّمتُه؛ فقيل: لقيط، وهو الأصحُّ، وقيل: مهشم، وقيل: هُشَيم، وقيل: قاسم، وقيل: مقسم بن الربيع على الصواب، وقيل: ربيعة بن عبد العُزَّى بن عبد شمس العبْشميُّ، وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد أمِّ المؤمنين، أمُّه هالة بنت خويلد صحابيَّةٌ جليلة رضي الله عنها، أُسِر أبو العاصي يوم بدر، فمُنَّ عليه بلا فداء؛ كرامةً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسبب زينب، ثم أسلم قُبيل الفتح، وسيأتي غير ذلك، وحسن إسلامه، وردَّ عليه السلام إليه زينب بنكاح جديد، ويقال: بالنِّكاح الأوَّل، وتوفِّيت زينب عنده، وقد قدَّمتُ تاريخ وفاتها، وتوفِّي هو سنة عشرين من الهجرة، وفي «أبي داود» من طرقٍ إلى ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (ردَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته زينب على أبي العاصي بالنكاح الأوَّل، لم يُحْدِث شيئًا)، قال محمَّد بن عمر: وفي حديثه: بعد ستِّ سنين، وقال الحسن بن علي: بعد سنتين، سكت عليه أبو داود، قال الخطابيُّ: إنَّ صحَّ الحديث؛ فيُحتَمل على أنَّ العدَّة تمادَّت بزينب إلى وقت إسلام أبي العاصي، فأُقِرَّا على النكاح، وأمَّا تزويج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إيَّاها منه وهو كافرٌ وهي مسلمة؛ فكان قبل نزول قوله تعالى: {وَلاَتُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، فلمَّا أسلم؛ ردَّها إليه؛ لاجتماعهما على الإسلام، انتهى، قال ابن حزم: (كان إسلام أبي العاصي قبل نزول تحريم المسلِمة على المشرِك، وقبل الحديبية، وكان إسلامها قبلُ بأزيدَ من ثماني عشرة سنة) انتهى.

==========

[1] في هامش (ق): (واسمه لقيط، وقيل: هشيم، تزَّوج زينب بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وماتت عنده سنة ثمان من الهجرة، وهو ابن خالتها، وكانت هاجرت زينب قبله وتركته على شركه، وردها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه بالنكاح الأول بعد سنين، وقيل: ست، وقيل: قبل انقضاء العدة، وقيل: بنكاح جديد، وولدت له عليًّا ومات صغيرًا، وأمامة المحمولة في صلاة الصبح، وتزوجها عليٌّ بعد موت فاطمة).

[ج 2 ص 27]

(1/6909)

[حديث: أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني]

3729# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنٍ): هو زين العابدين، تَقَدَّم، وهو أشهر من أن يُترجَم، و (الْمِسْوَر): تَقَدَّم أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ أباه (مَخْرَمَة): صحابيٌّ من مُسْلِمة الفَتْح، وكان من المؤلَّفة، وحسُن إسلامه.

[ج 2 ص 27]

قوله: (خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ): بنتُ أبي جهل المخطوبة: تَقَدَّم أنَّ اسمها العَوْراء، وقيل: جويرية، وجزم بذلك السُّهيليُّ في «رَوضه» في (الفتح)، وقيل: اسمها جَهْدمة، وقيل: جَميلة، أربعة أقوال، صحابيَّة رضي الله عنها.

قوله: (أَمَّا بَعْدُ): قد تَقَدَّم الكلام على إعرابها والاختلاف في أوَّل من قالها في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (بَضْعَةٌ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الباء بلا خلاف، وبالضَّاد المعجَمة؛ أي: قِطعة، وفي أصلنا نسخة: (مضغة)، والمضغة: تَقَدَّم أنَّها قطعة لحمٍ بقدر ما يُمضَغ في الفم.

قوله: (الْخِطْبَةَ): هي بكسر الخاء، وهذا معروفٌ.

قوله: (وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ): تَقَدَّم أنَّ (حَلْحَلة) بحاءين مهملتين مفتوحتين بعد كلِّ حاءٍ لامٌ؛ الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة، وبعد اللام الثانية تاء التأنيث، و (محمد): ثقةٌ مشهور، روى عن عطاء بن يسار، ووهب بن كيسان، وجماعة، وعنه: يزيد بن أبي حبيب، ومالك، وغيرهم، وقد تَقَدَّم أنَّ (زاد) مثلُ: قال، فهو تعليق مجزوم به، وقد أخرجه البُخاريُّ مسنَدًا في (الخُمس) من طريق ابن حلحلة هذا.

قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ المذكور في السَّند قبله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ): تَقَدَّم أنَّه أبو العاصي بن الربيع، وقد ذكرتُ نسبه إلى عبد شمسٍ قريبًا.

قوله: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي): وعده أن يرسل إليه ابنته زينب، فأرسلها، و (صَدَقني): بالتخفيف؛ أي: حدَّثني حديثَ صدقٍ، و (وَفَى): تَقَدَّم أنَّه يجوز فيه التخفيف والتشديد.

(1/6910)

[باب مناقب زيد بن حارثة]

قوله: (بابُ: مَنَاقِب زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (زيد) هذا: صحابيٌّ مشهور، و (حارثة) والدُه بالحاء المهملة، وبعد الراء ثاءٌ مثلَّثة، في «تجريد الذَّهبيِّ»: أنَّه أسلم في خبرٍ طويلٍ في «فوائد تمام»، انتهى، فهو معدودٌ في الصَّحابة، واسم والد حارثة شراحيل بن كعب بن عبد العُزَّى بن امرئ القيس بن عامر بن النُّعمان بن عامر بن عبد الله بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عُذرة بن زيد اللات بن رُفيدة بن كلب بن وبَرة بن الحاف بن قضاعة، الكلبيُّ نسبًا، القرشيُّ الهاشميُّ ولاءً، ويقع في نسبه اختلاف وتغيير، وزيادة ونقص، وهو مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأشهرهم.

أمُّ زيد: اسمها سُعْدى بنت ثعلبة من بني معن بن طيِّئ، وكانت خرجت به تُزيرُهُ أهلَها، فأصابته خيل بني القين بن جسر، فباعوه بسوق حُباشة _وهو من أسواق العرب_ وزيدٌ يومئذٍ ابن ثمانية أعوام، ثم كان من حديثه ما ذكره ابن إسحاق، وقصَّته مشهورة.

(1/6911)

وللنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم موالٍ غيرُه؛ وهم: ابنه أسامة، وأخوه لأمِّه أيمن بن عُبيد ابن أم أيمن، وأسلَم بن عُبيد، وأبو رافع واسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: هرمز، وأبو رافع أيضًا والد البهي بن أبي رافع، وقيل: كان اسمه رافعًا، وقيل: إنَّه الأوَّل، وأبو أُثيلة، وأبو كبشة، واسمه سُليم، وأنسة، وثوبان، وشقران واسمه صالح، ورَباح _بفتح الراء وبالموحَّدة_ أسود، ويسار _بالمثنَّاة تحت في أوَّله_ نوبيٌّ، وفَضالة، وأبو السمح، قيل: اسمه إياد، وأبو مُوَيهبة، ورافع، وأفلح، ومأبور، ومدعم أسودُ، وكركرة، وزيد، وعُبيد، وطهمان، وكيسان، وذكوان، ومروان، وواقد؛ بالقاف، وأبو واقد؛ بالقاف أيضًا، وسَندر، وهشام، وحُسين، وسعيد، وأبو عَسِيب واسمه أحمر، وأبو لبابة، وأبو لَقيط، وسفينة واسمه مهران، وأبو عبيد، وسعد، وضُميرة بن أبي ضميرة، وأبو هند، وأبو بَكْرة نُفيع، وأخوه نافع، وأبو كندير سعيد، وسلمان الفارسيُّ، وسالم، وسابق، وعُبيد الله بن أسلم، ونُبيه، ووردان، وأنجشة، وبادام؛ ذكره النَّوويُّ عن أبي موسى، وحاتم، وزيد بن بولا، وهذا عند الذَّهبيِّ هو جدُّ بلال بن يسار بن زيد، وأبو الفتح اليعمريُّ جعلهما اثنين، ودَوس، ورويفع، وأبو ريحانة شمعون، وعُبيد بن عبد الغفَّار، وغيلان، وقفيز، وكُريب، ومحمد بن عبد الرحمن، ومحمد غير منسوب، ومكحول، وذُكِر: أنَّه عليه السلام وهبه أخته من الرَّضاعة الشيماء، ونبتل، وهرمز، وأبو البَشِير، وأبو صفية، ورأيت في «مستدرك الحاكم» في (معرفة الصَّحابة): زيد بن سعنة مولى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكر حديثًا عن عبد الله بن سلام عنه قال الحاكم: صحيح، قال الذَّهبيُّ: ما أُنكِرُه وأترُكه ... إلى آخر كلامه، انتهى، ومن النِّساء: أمُّ أيمن واسمها بركة، وسَلمى أمُّ رافع، ومارية، وريحانة، ورُبَيحة، ولم يذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده» مع جمعه، وخُضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد، وميمونة بنت أبي عَسيب، وأمُّ ضُميرة، وأمُّ عياش؛ بمثنَّاة تحت وشين معجمة، وأميمة، وقيسر القبطية أهداها المقوقس مع مارية، وسيرين، وميمونة غير منسوبة.

استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنهما بمؤتة من أرض الشَّام سنة ثمان؛ كما تَقَدَّم في تاريخ غزوة مؤتة، مناقبُه جمَّة؛ منها: أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يذكر في القرآن صحابيًّا باسمه إلَّا هو، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تبنَّاه، فكان يقال له: زيد بن محمَّد، حتَّى أنزل الله تعالى: {ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، والله أعلم.

(1/6912)

[حديث: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل]

3730# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ (مَخْلَدًا) بإسكان الخاء، و (سُلَيْمَانُ): بعده هو ابن بلال أبو محمَّد مولى أبي بكر، وقال شيخنا العراقيُّ: الأشهر في كنية سليمان بن بلال أبو أيُّوب، تَقَدَّم مترجمًا.

تنبيهٌ: من يقال له: سُليمان وروى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الكتب السِّتَّة أو بعضها: هذا، وسليمان بن سفيان المدنيُّ، لكنَّ ابن بلال روى له عنه البُخاريُّ ومسلم، وابن سفيان روى له عنه به التِّرمذيُّ فقط حديثًا واحدًا.

قوله: (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثاً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ): هذا البعث هو جيش أسامة بن زيد بن حارثة إلى أُبْنَى؛ وهي أرض الشَّراة ناحية البلقاء، وهو آخر البعوث، كما سأذكره، وذلك يوم الاثنين لأربع ليالٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مُهاجَره عليه السلام، فلمَّا كان يوم الأربعاء؛ بُدئَ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعُه الذي مات فيه، فحُمَّ وصُدِع، فلمَّا أصبح يوم الخميس؛ عقد لأسامة لواءه بيده الكريمة، وقد تكلَّم قوم وقالوا: تستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟! فغضب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، فصعد المنبر ... ؛ فذكره.

تنبيه: في «السِّيرة» لابن سيِّد الناس، وغيرها: (فلم يبقَ أحدٌ من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلَّا انتُدِب في تلك الغزوة التي بُعِث عليها أسامة، منهم: أبو بكر، وعمر)، وكذا في «تذهيب الذَّهبيِّ»، وفي غيره الجزم بعمر، وقد أنكر الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية ذلك في كتابه «الردُّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ»، فقال ما لفظه: (هذا من الكذب المتفق على أنَّه كذب عند كلِّ من يعرف السِّيرة، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة، وإنَّما روي ذلك في عمر ... ) إلى آخر كلامه، وابن تيمية عالمٌ كبيرٌ له اطِّلاعٌ كثيرٌ، ولم يُنكِر هذا إلَّا عن تروٍّ، فيُنظَر من أين أخذه ابن سيِّد الناس وغيره، ويُنظَر في أسانيده ويُعتبَر، وسأذكر من وقفتُ عليه مسمًّى في هذا البعث إن شاء الله فيما يلي هذا.

[ج 2 ص 28]

تنبيه: قال ابن شيخنا البلقينيِّ: سُمِّي من البعث عمر بن الخَطَّاب، وأبو عُبيدة، وسعد بن أبي وقَّاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل من المهاجرين، ومن الأنصار: قتادة بن النُّعمان، وسلمة بن أسلم، فقال رجالٌ من المهاجرين، وكان من أشدِّهم قولًا في ذلك عيَّاشُ بن أبي ربيعة ... ؛ فذكره من «تاريخ ابن عساكر؛ تاريخ دمشق» عن الواقدي، وذكر في عدَّة البعث أنَّهم ثلاثة آلاف رجلٍ، وفيهم ألفٌ من قريش، وروى عن أبي هريرة: أنَّ البعث كان سبع مئة، انتهى ملخَّصًا.

(1/6913)

قوله: (فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ): ذكر بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين المِصريِّين: أنَّ الذي أنكر بعثَ أسامة هو عيَّاشُ بن أبي ربيعة المخزوميُّ فيما ذكر البلاذريُّ، وكذا ذَكَر عنه: أنَّ أمير جيش الروم يومئذٍ شرحبيل بن عمرو الغسانيُّ.

قوله: (أنْ تَطْعُنُوا) وكذا (َتطْعُنُونَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه بضمِّ العين وتُفتَح.

قوله: (وَايْمُ اللَّهِ): تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ أنَّ همزة (وَايْمُ): همزة وصلٍ على الصحيح، وقيل: قطع، وقد تَقَدَّم معناها.

قوله: (لَخَلِيقاً): هو بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، وبالقاف؛ أي: لحقيقًا وجَديرًا.

(1/6914)

[حديث عائشة: دخل علي قائف والنبي شاهد ... ]

3731# قوله: (دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ): تَقَدَّم أنَّ هذا القائف هو مجزز المدلجيُّ، وقدَّمتُ الكلام على ضبطه، وما يتعلَّق به، وأنَّه عليه السلام روى عنه قولَه، وحدَّث عنه وعن تميم الداريِّ في أواخر «مسلم» حديث الجسَّاسة والدَّجَّال، وقدَّمت أنَّه روى عن غيرهما.

فائدة: قال الدِّمياطيُّ هنا: روت الأئمَّة السِّتَّة من حديث ابن عيينة عن الزُّهريِّ، عن عروة، عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليها مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تسمعي ما قال المدلجيُّ؟ ورأى أسامة وزيدًا نائمَينِ، وقد خرجت أقدامُهما، فقال: إنَّ هذه الأقدام بعضُها من بعض»، انتهى، وهو كما قال.

قوله: (وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ): تَقَدَّم أنَّ أسامة كان أسود طويلًا؛ خرج إلى أمِّه، وزيدًا [1] أبيض قصيرًا، وقيل: بين البياض والسواد، وما كان يقال في أسامة حتَّى قال مجزز ما قال.

قوله: (فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَعْجَبَهُ] وأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَة): (سُرَّ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

==========

[1] في (أ): (وزيد)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

[ج 2 ص 29]

(1/6915)

[باب ذكر أسامة بن زيد]

قوله: (بابُ ذِكْر أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): تَقَدَّم الكلام على نسبه قُبيل هذا، وكنية أسامة: أبو محمَّد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو خارجة، أمُّه أمُّ أيمن بركة حاضنة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قدَّمتُ أنَّ بعضهم عدَّها من المراضع، مناقبه مشهورة رضي الله عنه، توفِّي بالمدينة، وقيل: بوادي القُرى، وحُمِل إلى المدينة سنة أربع وخمسين، وقيل غير ذلك، وقد اعتزل الفتن، فلم يشهدها، وقد قعد عن الفتن غيرُه أيضًا، وسأذكرهم في (الفتن).

==========

[ج 2 ص 29]

(1/6916)

[حديث: أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية فقالوا: من يجترئ عليه .. ]

3732# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعد أحد الأعلام والأجواد، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم.

قوله: (شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ): تَقَدَّم أنَّ اسمها فاطمة بنت أبي الأسد أو أبي الأسود، وقيل: بنت الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيَّة المخزوميَّة، و (شأنُ): مرفوع فاعل (أهمَّ)، والضمير مفعول، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (إِلاَّ أُسَامَةُ): هو مرفوع مفرَّغ، و (حِبُّ): صفة له.

قوله: (حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (حِبُّ): بكسر الحاء المهملة؛ أي: محبوب، وقد تَقَدَّم.

==========

[ج 2 ص 29]

(1/6917)

[حديث: إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه]

3733# قوله: (وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو عليُّ بن عبد الله بن المَدينيِّ الحافظ المشهور، و (سُفْيَانُ) بعده: ابن عيينة، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

قوله: (وَجَدْتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ): اعلم أنَّ الوِجادة؛ بكسر الواو: مصدرٌ مولَّدٌ لـ (وجَدَ يجِد)؛ وهي أن تجد بخطِّ من عاصرته _كسفيان مع أيُّوب بن موسى، وهو من مشايخ السُّفيانين_ لقيتَه أو لم تَلْقَه، أو لم تعاصره، بل كان قبلك؛ أحاديثَ يرويها أو غير ذلك، ما لم تسمعه منه، ولم يُجِزْه لك، فلك أن تقولَ: وجدت بخط فلان: أخبرنا فلان ... ، وتسوق الإسناد والمتن، أو ما وجدته بخطِّه، ونحوَ ذلك، هذا إذا وثقت بأنَّه خطُّه، فإن لم تثِق بأنَّه خطُّه؛ فاحترِز عن جزم العبارة بقولك: بلغني عن فلان، أو وجدتُ عنه، أو وجدتُ بخطٍّ قيل: إنَّه خطُّ فلان، أو قال لي فلان: إنَّه خطُّ فلان، أو ظننتُ أنَّه خطُّ فلان، أو ذكر كاتبه أنَّه فلان بن فلان، كذا مثَّل ابن الصَّلاح الوِجادةَ بما إذا لم يكن له إجازةٌ ممَّن وجد ذلك بخطِّه، وقد استعمل غيرُ واحد من أهل الحديث الوجادة مع الإجازة، وهو واضحٌ.

واعلم أنَّ الرِّواية بالوِجادة فقط بغير إجازة منقطعةٌ، ولكنَّه إذا وثِق بخطِّه؛ أخذ شوبًا من الاتِّصال، وأمَّا العملُ بالوجادة؛ فقال القاضي عياض: اختلف أئمَّةُ الحديث والفقه والأصول فيه مع اتِّفاقهم على منع النَّقل والرِّواية به، فمعظم المحدِّثين والفقهاء من المالكيَّة وغيرهم لا يرَون العمل به، قال: وحُكِي عن الشافعيِّ جوازُ العمل به، وقالت به طائفةٌ من نُظَّار أصحابه، وهو الذي نصره الجُوَينيُّ، واختاره غيرُه من أرباب التحقيق، قال ابن الصَّلاح: قطع بعضُ المحقِّقين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثِّقة به، وقال: لو عُرِض ما ذكرناه على جملة المحدِّثين؛ لأبَوْه، قال ابن الصَّلاح: وما قطع به هو الذي لا يتَّجِهُ غيره في الأعصار المتأخِّرة، وقال الشيخ مُحيي الدين النَّوويُّ: هذا هو الصَّحيح.

(1/6918)

واعلم أنَّ هذا الحديث الذي فيه تحديثُ سفيان _هو ابن عيينة_ بالوِجادة عن أيُّوب بن موسى عن الزُّهريِّ بعد أن تعلم أنَّ أيُّوب بن موسى حدَّث عنه السُّفيانان وغيرهما، وهو أيُّوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أبي أُحَيحة سعيد بن العاصي بن أميَّة الأمويُّ، أبو موسى المكِّيُّ، روى عن عطاء، ومكحول، ونافع، ومحمد بن كعب القرظيِّ، والزُّهريِّ، وجماعة، قال أحمد وجماعة: ثقةٌ، وكان مفتيًا فقيهًا كبير القدر، توفِّي سنة ثلاثٍ وثمانين ومئة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان» قال فيها: لا يقوم إسناد حديثه، قاله الأزديُّ، ولا عبرةَ بقوله؛ لأنَّه وثَّقه أحمد ويحيى وجماعة، أخرجه كذلك البُخاريُّ في (فضل أسامة)، والنَّسائيُّ في (القَطْع)، وقد رواه النَّسائيُّ في (القطع) عن عليِّ بن سعيد بن مسروق، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهريِّ به، وقد رواه غير واحدٍ عن سفيان عن الزُّهريِّ به.

قوله: (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ): تَقَدَّم الكلام عليها أعلاه، وقبل ذلك أيضًا.

قوله: (لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ؛ لَقَطَعْتُ يَدَهَا): (قَطعتُ): مبنيٌّ للفاعل، والتاء مضمومة؛ تاء المتكلِّم، وإنَّما نظَّرها بفاطمة ابنته؛ لِما تَقَدَّم أنَّ اسمها فاطمة، وأنَّها قرشيَّة، كما ابنتُه قرشيَّة، وقد قدَّمتُ ما في «سنن ابن ماجه» عن شيخه محمَّد بن رمح عن اللَّيث.

فائدة: الذي سرقته المخزوميَّة كان قطيفةً، كذا في «مسند أحمد»، وكانت تُساوي أحدَ عشر درهمًا، كما جاء في روايةٍ.

[ج 2 ص 29]

(1/6919)

[باب في حب ابن أسامة بن زيد]

(1/6920)

[حديث: لو رآه رسول الله لأحبه]

3734# قوله: (حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ): تَقَدَّم ضبط (الماجِشُون)، وأنَّه بكسر الجيم، وأنَّه الأحمر المُورَّد، وهذا هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجِشُون، تَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ): (يَسحَب): بفتح أوَّله والحاء المهملة ثالثه، وهذا الرجل سيأتي في هذا الحديث نفسه أنَّه محمَّد بن أسامة، وقد تَقَدَّم بقيَّة نسبه، وهو محمَّد بن أسامة بن زيد بن حارثة، روى عن أبيه، وعنه: الأعرج، وعبد الله بن محمَّد بن عَقِيل، وجماعة، قال ابن سعد: ثقة، توفِّي في خلافة الوليد، له في «التِّرمذيِّ»، وله في «خصائص عليٍّ» للنَّسائيِّ.

قوله: (لَيْتَ هَذَا عِنْدِي): كذا هو بالنُّون في أصلنا، قال ابن قُرقُول في «المطالع»: (عبدي)؛ بالباء من العُبودية للنسفيِّ، وللكافَّة: بالنون، والأوَّل أوجه، انتهى.

قوله: (فقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ): هذا الإنسان القائل لابن عمر ذلك لا أعرفه.

قوله: (فَطَأْطَأَ): هو بهمزتين؛ الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة، وهذا معروفٌ.

(1/6921)

[حديث: اللهم أحبهما فإني أحبهما]

3735# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم الكلام على نسبته هذه، و (مُعْتَمِرٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن سُليمان بن طرخان، وتَقَدَّم ضبط (طرخان) ومعناها، و (أَبُو عُثْمَانَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّم ضبط مَلٍّ غيرَ مرَّةٍ.

قوله: (يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ): سيأتي الكلام على رواية: (فيُقعدُهما على فخذه، والحسن على الفخذ الأخرى)، وما قيل فيها.

قوله: (اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا): هو فعل أمر، والثانية: (فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا): فعل مضارع.

(1/6922)

[معلق نعيم: أن الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن وكان أيمن ... ]

3736# قوله: (وَقَالَ نُعَيْمٌ [1] عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ): (نُعَيم): هذا هو ابن حَمَّاد بن معاوية بن الحارث بن همَّام الخزاعيُّ، أبو عبد الله المروزيُّ، الحافظ الفرضيُّ الأعور، صاحب التصانيف، ونزيل مِصر، رأى الحسين بن واقد، وروى عن أبي حمزة السُّكَّريِّ وإبراهيم بن طهمان شيئًا قليلًا، وعن ابن المبارك، وخلقٍ كثيرٍ بخراسان والحجاز والشام والعراق، وعنه: البُخاريُّ مقرونًا بغيره، وابن معين، والذُّهليُّ، والدارميُّ، وأبو زرعة الدمشقيُّ، وخلقٌ، قال يوسف بن عبد الله الخوارزميُّ: سألت أحمد ابن حنبل عن نُعيم بن حَمَّاد، فقال: لقد كان من الثِّقات، وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن ابن معين: ثقة، وقال الحسين بن حبَّان عن ابن معين: ثقة صدوق، أنا أعرَفُ الناس به، كان رفيقي بالبصرة، كتبَ عن رَوح بن عبادة خمسين ألف حديث، حُمِل إلى العراق في امتحان القرآن مع البُويطيِّ مُقيَّدَين، فمات نُعيم بالعسكر بسامُرَّاء، قال جماعة: مات سنة (229 هـ)، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمةٌ في «الميزان» [2]؛ منها: أنَّ الأزديَّ نسبه إلى الوضع، وفي هذا الحديث قرنه البُخاريُّ مع شيخه الآتي؛ وهو سليمان بن عبد الرحمن؛ هو أبو أيُّوب التميميُّ الدِّمشقيُّ الحافظ ابن بنت شرحبيل، مفتٍ ثقةٌ، لكنه مُكثِرٌ عن الضُّعفاء، وهذا نوعٌ من القرن، وما شرط القرن أن تقول: حدَّثنا فلان وفلان، وقد تَقَدَّم مثلُه؛ فاعلمه.

و (ابْنُ الْمُبَارَكِ): عبد الله أحد الأئمَّة الأعلام، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّم أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم، و (مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): سيأتي في الطريق الثانية أنَّه حرملة، وسأذكر بعضَ ترجمته لمَّا يصرح به الزُّهري في الطريق الثاني.

قوله: (أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ): (الحجَّاج بن أيمن): ابن عُبيد بن عمرو بن بلال الخزرجيُّ، وقيل: الحَبَشيُّ، ابن أمِّ أيمن، قُتِل أبوه أيمن يوم حُنين شهيدًا، وعاش الحجَّاج إلى إمرة الزُّبير، لم يروِ شيئًا، وله رؤيةٌ رضي الله عنه.

قوله: (ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ): قال الدِّمياطيُّ: (أمُّ أيمن: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن، مولاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخادمتُه، ورِثها من أبيه، وقيل: من أمِّه، وقال: «أمُّ أيمن أمِّي بعد أمِّي»، خلف عليها زيدُ بن حارثة بعد عُبيد بن عمرو بن بلال، فولدت له أسامة، واستشهد أيمن بن عُبيد يوم حُنين، ثبت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم ينهزم) انتهى، ثبت مع من ثبت، وقد ذكرتُهم، وذكرتُ الاختلاف في عددهم.

قوله: (أَعِدْ): هو بفتح الهمزة، وكسر العين، وإسكان الدال المهملتين، أمرٌ بالإعادة.

==========

[1] في هامش (ق): (ابن حماد بن معاوية بن الحارث، مات سنة «228 هـ»).

[2] زيد في (أ): (ترجمة).

[ج 2 ص 30]

(1/6923)

[حديث: لو رأى هذا رسول الله لأحبه]

3737# قوله: (وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّم أعلاه الكلام عليه، و (الْوَلِيد) بعده: هو ابن مسلم عالم أهل الشام، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

قوله: (حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): (حرملة) هذا: يروي عن مولاه أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، ولزمه حتَّى قيل له: مولى زيد بن ثابت، وعليٍّ، وابن عمر، وعنه: الزُّهريُّ وأبو جعفر محمَّد بن عليٍّ، فرَّق أبو حاتم بين مولى أسامة وبين مولى زيد، وقال: مولى زيد بن ثابت روى عن زيدٍ وأُبيٍّ وعائشة، وعنه: أبو بكر ابن حزم، رقم على حرملةَ مولى أسامة الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (بخ)؛ أي: أخرج له البُخاريُّ في كتاب «الأدب المفرد»، ولم يذكره الذَّهبيُّ في «كاشِفه»، وهو يلزمه؛ لأنَّه كما ترى مُخرَّج له في «البُخاريِّ»، وينبغي أن يُثبَت في «الكاشف»، ويُرقَم عليه: (خ)، والله أعلم، وسيجيء أيضًا في (كتاب الفتن) في (باب قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن: «إنَّ ابني هذا سيِّدٌ») ما لفظُه: (حدَّثنا عليُّ بن عبد الله: حدَّثنا سفيان قال: قال عمرو: أخبرني محمَّد بن عليٍّ: أنَّ حرملة مولى أسامة أخبره، قال عمرو: وقد رأيت حرملة قال: أرسلني أسامة إلى عليٍّ ... )؛ الحديث، وقد ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه» في الرُّواة عن ابن عمر، ولفظه: (حرملة مولى أسامة بن زيد الكلبيُّ عن ابن عمر حديث: أنَّ الحجَّاج بن أيمن بن أمِّ أيمن، وكان أيمن أخا أسامة لأمِّه، وهو رجلٌ من الأنصار)، فذكره، وذكر المكان الثاني أيضًا في «مسند أسامة»، والله أعلم.

[ج 2 ص 30]

قوله: (وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي): وفي رواية هي نسخة في طرَّة أصلنا وعليها علامة راويها و (صح): (وزادني بعض أصحابي عن سليمان)، أمَّا بعض أصحاب البُخاريِّ؛ فلا أعرف مَن هو، وذكر حافظ عصري أنَّه محمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، ثم نقل مستَنَده بذلك، ثم قال: وقد أخرجه البيهقيُّ في «دلائل النُّبوَّة» من طريق يعقوب بن سفيان، والطبرانيُّ في «مسند الشاميِّين» من طريق أبي عامر محمَّد بن إبراهيم الصوريِّ؛ كلاهما عن سليمان بن عبد الرحمن، والذي ترجَّح لي أنَّه الذُّهليُّ، قال: ومن عادة البُخاريِّ أنَّه لا يُفصِح به، انتهى.

وأمَّا (سُلَيْمَان)؛ فهو ابن عبد الرحمن، تَقَدَّم قريبًا.

(1/6924)

[باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب]

قوله: (بابُ مَنَاقِب عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): هو عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب، وقد تَقَدَّم بقيَّة نسب والده، أمُّ عبد الله وأمُّ أخته حفصةَ أمِّ المؤمنين زينبُ بنتُ مظعون بن حبيب الجُمَحيَّة، صحابيَّةٌ، توفِّيت بمكة، أسلم عبد الله مع أبيه، وهاجر قبل أبيه، وفي «الصَّحيح»: إنَّما هاجر به أبواه، نقول: ليس كمن هاجر بنفسه، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: وقد قيل: إنَّ إسلامه كان قبل إسلام أبيه، ولا يصحُّ، وكان عبد الله يُنكِر ذلك، وأصحُّ من ذلك قولُهم: إنَّ هجرته كانت قبل هجرة أبيه، انتهى، وقد قدَّمتُ أنا ما في «الصَّحيح»، فينبغي أن يُجابَ عنه، أو يكونَ هو الصحيح.

مناقبُه كثيرةٌ؛ منها: أنَّه أتْبَعُ الصَّحابة للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأزهدُهم، كذا قالوا، وأظنُّ أنَّ أبا ذرٍّ قد كان أزهدَ منه، بل هما زاهدا الأمَّة على كل تقدير، توفِّي سنة (73 هـ) بعد قتل ابن الزُّبير بثلاثة أشهر، وقيل: بستَّة أشهر، وقال يحيى ابن بُكَيْر: توفِّي بعد الحجِّ، ودُفِن بالمُحَصَّب، قال: وبعض الناس يقول: دُفِن بفَخٍّ، وفَخٌّ؛ بفتح الفاء وبالخاء المعجمة المُشدَّدة: موضعٌ بقرب مكة.

تنبيه: وقع في «المهذَّب» في أوَّل السِّيَر: (أنَّ ابن عمر عُرِضَ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم بدرٍ وهو ابن أربعَ عشْرةَ سنةً)، وهذا غلطٌ، وصوابُه: (يوم أُحُد)، كذا في «الصَّحيحين» وغيرهما، والله أعلم، قاله النَّوويُّ، وهو صحيحٌ.

تنبيهٌ آخر: وقع في «البُخاريِّ» من حديث البراء قال: (استُصغِرتُ أنا وابن عمر يوم بدر)، وفيه أيضًا: (استُصغِرتُ وأنا وابن عمر) ولم يذكر يوم بدر، ذكرهما البُخاريُّ في (باب عدَّة أصحاب بدرٍ).

==========

[ج 2 ص 31]

(1/6925)

[حديث: كان الرجل في حياة النبي إذا رأى رؤيا قصها على النبي]

3738# 3739# قوله: (إِذَا رَأَى رُؤْيَا): تَقَدَّم أنَّها بغير تنوين، وكذا الثانية.

قوله: (وَكُنْتُ غُلاَماً شَابًّا أَعْزَبَ): وفي نسخة: (عَزَبًا)، قال ابن قُرقُول: كذا وقع فيها لكافَّة رُواة البُخاريِّ، و «ما في الجنَّة أعزب»: كذا للعذريِّ، وصوابه: عَزَب، (وكنت شابًّا عَزَبًا)، وكذا للأصيليِّ فيهما، انتهى، وكذا نكَّر غيرُ ابن قُرقُول (أعزب)، وقد قال شيخنا مجد الدِّين في «القاموس»: العَزَب؛ محرَّكة: مَن لا أهلَ له؛ كالمِعزابة والعَزيب، ولا تقل: أعزب، أو قليلٌ، انتهى، و (أعْزَب): لغةٌ قليلة في (عَزَب)، والله أعلم.

قوله: (فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ): أي: مبنيَّة كبناء البئر.

قوله: (وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ): قرنا البئر: الدِّعامتان من خشبٍ، أو بناءٌ على البئر، تُمَدُّ عليهما خشبةٌ ثالثةٌ يكون فيها البَكَرة، وقد تَقَدَّم.

قوله: (لَنْ تُرَاعَ): كذا للجماعة، وللقابسيِّ: (لن تُرَع)، و (تُراع) و (تُرَع): مبنيَّان لِما لم يُسَمَّ فاعلُهما، و (لن تُرَع): لغة شاذَّة لبعض العرب الجزم بـ (لن)؛ كما أنَّهم ينصبون بـ (لم)، وقد قُرِئَ: (ألم نشرحَ) [الشرح: 1]؛ بالنَّصْب شاذًّا، ومعنى (لن تراع): أي: لا تفزع.

==========

[ج 2 ص 31]

(1/6926)

[حديث: إن عبد الله رجل صالح]

3740# 3741# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم (يُونُسَ): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب.

==========

[ج 2 ص 31]

(1/6927)

[باب مناقب عمار وحذيفة]

قوله: (بابُ: مَنَاقِب عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): أمَّا (عَمَّار)؛ فهو ابن ياسر، تَقَدَّم نسبُه في أوَّل هذا التعليق، وكنيته أبو اليقظان، أسلم هو وأبوه ياسر وأمُّه سميَّة قديمًا، قَتل أبو جهل _لعنه الله_ سميَّة، فهي أوَّل شهيدة في الإسلام، ويقال: أوَّل شهيد في الإسلام الحارث بن أبي هالة ابن خديجة، وقد قدَّمتُ ذلك في (الجهاد).

مناقبُ عَمَّار كثيرة، قُتل مع عليٍّ رضي الله عنهما بصِفِّين سنة سبع وثلاثين في شهر ربيع الأوَّل، وقيل: الآخر، وهو ابن ثلاث، وقيل: أربعٍ وتسعين سنةً، وقد قتله أبو الغادية، كذا في «مسند أحمد»، واسمه يسار بن سبع، وقيل غير ذلك، وهو جُهَنيٌّ، سكن الشام، ونزل واسِطًا، عِداده في الشَّاميِّين، أدرك النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو غلامٌ، وسمع منه قوله: «لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقاب بعض»، وكان محبًّا لعثمان، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتلُ عَمَّار بالباب؛ يتبجَّح بذلك، روى عنه: كلثوم بن جبر وغيره، وفي كلام بعض الحُفَّاظ: قَتل عَمَّارًا أبو الغادية الفزاريُّ وابن جَزء، اشتركا فيه.

تنبيه: لهم آخرُ يقال له: أبو الغادية، لكنَّه مُزَنيٌّ، فقيل: إنَّه غير الأوَّل، وقيل: هو هو.

وأمَّا (حذيفة)؛ فهو ابن اليماني، وقد تَقَدَّم الخلاف في اسم أبيه، ولِمَ قيل له: اليماني، وقد تَقَدَّم أنَّ الصحيح أنَّ (اليماني) بإثبات الياء، مناقب حذيفة كثيرة، توفِّي بالمدائن سنة ستٍّ وثلاثين بعد مقتل عثمان، قيل: بأربعين ليلة، وقد تَقَدَّم من قَتل عثمان رضي الله عنه، أمُّ حذيفة صحابيَّةٌ، أخرج التِّرمذيُّ في (مناقب الحسن والحسين) حديثًا حسَّنه يقتضي إسلامَها، وقد ذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده»، فقال: (أمُّ حذيفة بن اليماني لها ذكرٌ في حديثٍ لابنها أخرجه ابن منده) انتهى، واليماني: صحابيٌّ رضي الله عنه، قُتِل بأُحُد، وستأتي كيفيَّة قتله.

(1/6928)

[حديث: والله لقد أقرأنيها رسول الله من فيه]

3742# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ، تَقَدَّم مترجمًا، و (الْمُغِيرَة): هو ابن مِقسَم، تَقَدَّم مثله، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، تَقَدَّم، و (أَبُو الدَّرْدَاءِ) عويمر، تَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟): هو بتحريك الواو على استفهام الإنكار، وقد قدَّمتُ متى تُفتَح الواو ومتى تُسكَّن، ويعني بـ (ابن أمِّ عبد): عبد الله بن مسعود، وقد تَقَدَّم، الهذلي، وأمُّه أمُّ عبدٍ _بلا إضافة_ بنت سُود بن قويم _

[ج 2 ص 31]

وفي نسخة بـ «الرَّوض»: (بنت قرين) انتهى_ ابن صاهلة، فرَضَ لها عمر ألفين، وهي من المهاجرات، وذكر ابن الدبَّاغ: أمَّ عبد بنت عبد ودِّ بن سوَاد، وإنَّما هي بنت سود رضي الله عنها.

قوله: (صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ): كان عبد الله بن مسعود صاحبَ نعلَي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، إذا قام عليه السلام؛ ألبسه إيَّاهما، وإذا جلس؛ جعلهما في ذراعَيه حتَّى يقومَ عليه السلام.

قوله: (وَالْوِسَادِ): هو بكسر الواو، قال ابن قُرقُول: (صاحب الوِساد والمطهرة)؛ يعني: عبد الله بن مسعود، كذا في «البُخاريِّ» من غير خلاف في (كتاب الطهارة)، وكذا في رواية مالك بن إسماعيل، وفي رواية: (الوسادة والسِّواد)؛ بكسر السين، وكان ابن مسعود يمشي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حيث ينصرف، ويحمل مَطهرته، وسِواكه، ونَعْلَيه، وما يحتاج إليه، فلعلَّه أيضًا كان يحمل وِسادهُ إذا احتاج إليه، وأمَّا عمر؛ فإنَّه يقول: كان يُعرَف بصاحب السِّواد؛ أي: السِّرِّ؛ لقوله: «إذنُك عليَّ أن تَرفَع الحجاب وتسمع سِوادي»، انتهى، وقد تَقَدَّم.

قوله: (وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]): يريد بالذي أجاره على لسان نبيِّه: عَمَّارًا، وقد قدَّمتُ قصَّته وكيف أجاره الله من الشَّيطان في (باب صِفة إبليس وجنوده).

قوله: (أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُه أَحَدٌ غَيْرهُ؟): (أوَ)؛ بفتح الواو: استفهام إنكارٍ، وقد قدَّمت متى تُفتَح الواو ومتى تُسكَّن، يريد بذلك: حُذيفة، وسيأتي كذلك، وكان حذيفة صاحب سرِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المنافقين، يعلمُهم وحدَه، وقد سأله عمر رضي الله عنه: أفي عُمَّالي أحدٌ منهم؟ قال: نعم؛ واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكرُه، فعزله عمر رضي الله عنه، كأنَّما دُلَّ عليه.

(1/6929)

قال أبو الأسود في «مغازيه» عن عروة قال: ورجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قافلًا من تبوك إلى المدينة، حتَّى إذا كان ببعض الطريق؛ مكر برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ناسٌ من المنافقين، فتآمروا أن يطرحوه من عَقبةٍ في الطريق، فلما بلغوا العقبة؛ أرادوا أن يسلكوها معه، فلمَّا غشيهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أُخبِرَ خبرَهم، فقال: «من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي؛ فإنَّه أوسع»، وأخذ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلَّا النَّفر الذين همُّوا بالمكر برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لمَّا سمعوا بذلك؛ استعدُّوا وتلثَّموا، وقد همُّوا بأمر عظيم، وأمر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حذيفة اليماني وعَمَّار بن ياسر، فمشيا معه، وأمر عَمَّارًا أن يأخذ بزِمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينا هم يسيرون؛ إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم، وقد غشَوه، فغضب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمر حذيفة أن يردَّهم ... إلى أن قال: فقال عليه السلام لحذيفة: «هل عرفتَ مِن هؤلاء الرَّهط _أو الرَّكب_ أحدًا؟» قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمةٌ، وغشيتهم وهم متلثِّمون، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «هل علمتُم ما كان شأن الرَّكب، وما أرادوا؟» قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: «فإنَّهم مكروا حتَّى يسيروا معي، إذا أظلمت في العقبة؛ طرحوني منها»، قالوا: أوَلا تأمر بهم يا رسول الله إذا قال [2] الناسُ فنضربَ أعناقهم؟ قال: «أكره أن يتحدَّث [الناس] ويقولوا [3]: إنَّ محمَّدًا قد وضع يده في أصحابِه»، فسمَّاهم لهما، وقال: «اكتُماهم».

وذكر ابن إسحاق القصَّة، وأنَّهم اثنا عشر، وعدَّدهم، وقد ذكرهم عنه ابن قيِّم الجوزية في «الهَدْي» مسمَّين عنه، ولابن إسحاق وقد ذكرهم ابن شيخنا البلقينيِّ عن الزُّبير بن بكَّار: مُعتِّب بن قُشير، ووديعة بن ثابت، وجَدُّ بن عبد الله، والحارث بن يزيد، وأوس بن قيظي، والجُلاس بن سويد بن الصامت، وسعد بن زرارة، وسُويد، وداعس، وقيس بن عمرو بن قهد، وزيد بن اللُّصيت، وسلالة بن الحمام، انتهى، ولمَّا ذكرها ابن القَيِّم عن ابن إسحاق؛ ذكر فيها أوهامًا نبَّه عليها.

وقوله في سياق القصَّة لحذيفة وعَمَّار: فسمَّاهم لهما وقال: «اكتُماهم»؛ فيه نظرٌ؛ إذ المنفرد بذلك حذيفة، والنُّسخة التي وقفتُ عليها بـ «الهَدْي» فيها سقمٌ؛ فلتُراجَع من نسخةٍ أخرى.

وقال شيخنا في (كتاب الاستئذان) في (باب من أُلقِي له وِسادة): (إنَّ المنافقين الذين أسرَّ لحذيفة فيهم كانوا سبعة عشر لم يُعْلِمه لأحدٍ غيره، وكان عمر رضي الله عنه إذا مات من يُشَكُّ فيه رصد حذيفة، فإن خرج بجنازته؛ [خرج]، وإلَّا؛ لم يخرج) انتهى، وفي كلام غير شيخنا أنَّه أسرَّ إليه سبعةً وعشرين من المنافقين.

قوله: (كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟): عبد الله المشار إليه هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ، تَقَدَّم مِرارًا.

(1/6930)

قوله: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى) [الليل: 3]: يأتي الكلام على هذه القراءة في (التفسير) في سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}.

(1/6931)

[حديث: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني ... ]

3743# قوله: (عَنْ مُغِيرَةَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن مِقسم، وكذا تَقَدَّم (إِبْرَاهِيم): أنَّه ابن يزيد النَّخَعيُّ، وتَقَدَّم (الشَّأْمِ) ضبطًا وطولًا وعَرضًا في أوَّل هذا التعليق، وكذا تَقَدَّم (أَبُو الدَّرْدَاءِ): عويمِر مترجمًا.

قوله: (صَاحِبُ السِّوَاكِ أو السِّوَادِ [1]): تَقَدَّم أعلاه أنَّ (السِّواد) بكسر السين، وأنَّه السِّرُّ في كلام ابن قُرقُول، وقبل ذلك أيضًا، وقال: «إذنُك عليَّ أن ترفع الحجاب وتسمع سِوادِي حتَّى أنهاك»، (السِّواد): السِّرار، يقال: ساودت الرجل مساودة؛ إذا ساررتَه، قيل: [هو] [2] من إدناء سوادك من سواده؛ أي: شخصك من شخصه.

==========

[1] في هامش (ق): (السِّواد: السِّرُّ، قيل له: السِّواد؛ لدنو السواد من السواد حينالسِّر، قاله في «النِّهاية»).

[2] سواد في (أ).

[ج 2 ص 32]

(1/6932)

[باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح]

قوله: (بابُ مَنَاقِب أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): تَقَدَّم الكلام [عليه]، وأنَّه عامر بن عبد الله _ وقيل: بالعكس، وقدَّمه بعض الحُفَّاظ_ ابن الجرَّاح بن هلال بن وُهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك، يلتقي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الأب السَّابع، وهو فهر، وهو الأب الحادي عشر للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أبعدُ العشرة قرابةً منه صلَّى الله عليه وسلَّم، قَتل أبو عبيدة أباه يوم بدر.

مناقبه جمَّةٌ معروفة، توفِّي سنة ثماني عشرة في طاعون عَمَواس؛ بفتح العين والميم وبسكونها _ذكرها النَّوويُّ بهما، أمَّا الفتح؛ فذكره في «تهذيبه»، وأمَّا السُّكون؛ فذكره في «أذكاره» _ وآخرها سين مهملة، وكذا العين مهملة أيضًا، وعَمَواس: قريةٌ بالشام بين الرملة وبيت المقدس، ونُسب الطاعون إليها؛ لأنَّه بدأ منها، وقيل: لأنَّه عمَّ النَّاس، وتواسَوا فيه، وقبر أبي عُبيدة بغور بيسان عند قرية يقال لها: عمتا، رحمه الله تعالى.

(1/6933)

[حديث: إن لكل أمة أمينًا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة]

3744# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس الحافظ، و (عَبْدُ الأَعْلَى) بعده: هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميُّ؛ بالسين المهملة، أحد المحدِّثين الكبار، عن يونس، والجريريِّ، وخالد الحذَّاء، وخلقٍ، وعنه: ابن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، والفلَّاس، وخلقٌ، وثَّقه ابن معين وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن حبَّان: كان ضعيفًا في الحديث، قدريًّا داعية، قال الفلَّاس: توفِّي في شعبان سنة (189 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّم، و (خَالِدٌ) بعده: هو ابن مهران الحذَّاء، و (أَبُو قِلَابَةَ): عبد الله بن زيد الجرميُّ، تَقَدَّما.

[ج 2 ص 32]

(1/6934)

[حديث: لأبعثن يعني أمينًا حق أمين]

3745# قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو السَّبِيعيُّ عمرو بن عبد الله.

قوله: (عَنْ صِلَةَ [1]): هو ابن زُفَر، وزُفَر: لا ينصرف؛ للعدل والعلميَّة، وليس في الكتب السِّتَّة مَن يقال له: (صلة) مِن الرواة غيرُه، وهو عبسيٌّ _بالموحَّدة_ كوفيٌّ، كنيته أبو العلاء، ويقال: أبو بكر، وثَّقه ابن خراشٍ وغيره، قال خليفة: مات في ولاية مصعب بن الزُّبير، أخرج له الجماعة.

قوله: (لِأَهْلِ نَجْرَانَ): تَقَدَّم أنَّ (نَجْران) مدينة معروفة بين مكَّة واليمن على سبع مراحل من مكَّة، قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفد نصارى نجران ستُّون راكبًا؛ فيهم أربعة عشر رجلًا من أشرافهم، في الأربعة عشر منهم ثلاثةُ نفر إليهم يَؤُول أمرُهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، واسمه عبد المسيح، والسيِّد ثِمَالُهم وصاحب رَحْلهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أسقفهم، وحبرهم، وإمامهم ... إلى أن قال: وكان تسمية الأربعة عشر: العاقب، والسيد، وأبو حارثة، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، وقصَّتهم معروفةٌ ذكرها ابن إسحاق مطوَّلةً، وذكرها عنه أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»؛ فانظرها إن أردتَها، والله أعلم.

==========

[1] في هامش (ق): (صلة بن زفر العبسيُّ الكوفيُّ، يُكْنَى أبا بكرٍ، ويقال: أبا العلاء، توفِّي في زمنِ مصعب بن الزبير).

[ج 2 ص 33]

(1/6935)

[باب ذكر مصعب بن عمير]

قوله: (بابُ مَنَاقِب مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ): وفي نسخة: (ذكر مصعب بن عُمير)، اعلم أنَّ الإمام البُخاريَّ لم يذكر في ترجمة مصعب بن عُمير هنا حديثًا، وكأنَّه رحمه الله استغنى بما ذكره في (الجنائز) وغيرها من حديث سعد بن إبراهيم عن أبيه: أنَّه أُتِي _يعني: عبد الرحمن بن عوف_ يومًا بطعامه، فقال: (قُتِل مصعب بن عُمير، وكان خيرًا منِّي، فلم يوجد له ما يُكفَّن فيه إلَّا بردة ... )؛ الحديث، وأخرجه في (المغازي)، وأخرج أيضًا في (الجنائز) وغيرها حديث خبَّاب: (هاجرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نلتمس وجه الله، فوقع أجرُنا على الله، فمِنَّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا؛ منهم: مصعب بن عُمير ... )؛ الحديث، وكأنَّه فعل ذلك اختصارًا؛ لشهرة الحديثين، أو على أنَّه فتحه ليذكر فيه الحديثين أو أحدَهما، فمات قبل وضع شيءٍ فيه وإن كان قد هذَّب الكتاب وأسمعه غيرَ مرَّةٍ في حياته، وكذا يجري لكثيرٍ من المصنِّفين، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 33]

(1/6936)

[باب مناقب الحسن والحسين]

قوله: (قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَانَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ): حديث نافعٍ هذا عن أبي هريرة أخرجه البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، أخرجه البُخاريُّ في (البيوع) وفي (اللباس)، ومسلم في (الفضائل)، والنَّسائيُّ في (المناقب)، وابن ماجه في (السُّنَّة).

==========

[ج 2 ص 33]

(1/6937)

[حديث أبي بكرة: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به ... ]

3746# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ: سَمِعَ أَبَا بَكْرَة): أمَّا (أَبُو مُوسَى)؛ فاسمه إسرائيل بن موسى، من أهل البصرة، نزل الهند، لم يروِه عن الحسن غيره، قاله أبو ذرٍّ، انتهى، كذا في حاشية أصلنا، قال الدِّمياطيُّ: (انفرد به البُخاريُّ، فأمَّا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ؛ فاتَّفقا عليه، وكنيته أبو يوسف، لا ثالث لهما في «الصحيح») انتهى، وقول الدِّمياطيِّ: انفرد به البُخاريُّ؛ يعني: عن مسلم، وقد تَقَدَّم الكلام في سماع الحسن من أبي بكرة، والصحيح: أنَّه سمع منه، وصرَّح بالسماع منه هنا وبالتحديث منه في (الصُّلح)، وقد عقَّبه البُخاريُّ بكلام عليِّ ابن المَدينيِّ، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 33]

(1/6938)

[حديث أسامة: اللهم إني أحبهما فأحبهما]

3747# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ أبو عثمان النَّهديُّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ.

==========

[ج 2 ص 33]

(1/6939)

[حديث أنس: كان أشبههم برسول الله]

3748# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن إشكاب.

قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الراء، وهو ابن حَازم؛ بالحاء المهملة.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ): (محمَّد) هذا: هو ابن سيرين العالم المشهور.

قوله: (أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ): (أُتيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عبيد الله بن زياد): مرفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، و (عبيد الله) ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها، ولا شيء له في الكتب السِّتَّة، وكيف يكون وقصةُ المجيء برأس الحسين مشهورة؟! فمن أراد الوقوف على ذلك؛ فلينظُر التواريخ.

قوله: (فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ): (جُعل): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والطَّست: معروف، وقد قدَّمتُ اللُّغات فيه في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (فَجَعَلَ يَنْكُتُ): أي: فجعل عُبيد الله بن زياد ينكت، قال الجوهريُّ: النَّكت: أن ينكت في الأرض بقضيب؛ أي: يضرب فيؤثِّر، فجعل الفاسق الخبيث يؤثِّرُ في رأسه الكريم بالقضيب.

قوله: (فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يعني: يشبهه عليه السلام من سُرَّته إلى رِجْليه، وأمَّا مِن السُّرَّة إلى فوق؛ فالحسن أشبه الناس به عليه السلام، وقد ذكرتُ ذلك في (الصُّلح)، والاعتذار عمَّن عدَّه في المشبهين، وحديث والده قاضٍ على قول كلِّ أحد، وقد ذكرتُه هناك؛ فانظُره.

قوله: (بِالْوَسْمَةِ): هي بفتح الواو، وإسكان السين المهملة، وضبَطها بعضُهم بكسرِها، كذا في «المطالع»، وفي «النِّهاية»: بكسر السين، وقد تُسكَّن، وكذا في «الصحاح»، فإنَّه قال: و (الوسِمة)؛ بكسر السين: العِظْلم يُختضَب به، وتسكينها لغةٌ، ولا تقل: وُسمة؛ بضمِّ الواو، انتهى، قال ابن الأثير: نبت _وقيل: شجر_ باليمن يُخضَب بورقه الشعر أسود، انتهى.

==========

[ج 2 ص 33]

(1/6940)

[حديث: اللهم إني أحبه فأحبه]

3749# قوله: (أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ): هذا هو عديُّ بن ثابت الأنصاريُّ، و (البَراء): تَقَدَّم أنَّه ابن عَازب [1]، وأنَّ عَازبًا صحابيٌّ أيضًا.

قوله: (وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ): (الحسنُ): مرفوع مبتدأ، و (على عاتقه [2]): خبر، و (رأيت) هنا: من رؤية العين لا يتعدَّى إلَّا إلى واحدٍ على الأكثر.

قوله: (فأَحِبَّه): هو بفتح الهمزة، فعل أمر من الرُّباعيِّ، وهذا ظاهرٌ.

==========

[1] في (أ): (عاب)، وهو تحريفٌ.

[2] في (أ): (عاقبه)، وهو تحريفٌ.

[ج 2 ص 33]

(1/6941)

[حديث: رأيت أبا بكر وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي]

3750# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، و (عَبْدُ اللَّه) بعده: هو ابن المبارك، و (ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، تَقَدَّم مرارًا، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ): هذا هو عقبة بن الحارث بن نوفل النَّوفليُّ الصَّحابيُّ، وكنيته أبو سِروعة، من مُسْلِمة الفَتْح، ترجمته معروفة.

قوله: (رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ): هذا هو أبو بكر عبد الله بن عثمان الصِّدِّيق، أفضل الصَّحابة، تَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (لَيْسَ شَبِيْهًا بِعَلِيٍّ): كذا في أصلنا: (شبيهًا)، وعليها: (ظ) إشارة إلى النَّظر، أو أنَّها إشارة إلى رواية شخص معيَّن عند الكاتب، والله أعلم، وفي الهامش: (شبيهٌ)، وعليها (صح)، وكذا هو (شبيهٌ) في أصلنا الدِّمشقيِّ، أمَّا النَّصْب؛ فظاهرٌ، وأمَّا

[ج 2 ص 33]

الرَّفع؛ فقد قدَّمتُه، وهو على أنَّها حرف عطفٍ؛ أعني: (ليس)؛ كما حكاه النحَّاس وابن بابَشاذ عنهم، وحكاه ابن عُصفور عن البغداديِّين، واستدلُّوا بأشياء؛ منها قول الشاعر:

~…أين المفرُّ والإلهُ الغالبُ…والأشرَمُ المغلوبُ ليس الغالبُ

فـ (ليس) في البيت عندهم حرف عطف بمعنى: (لا)، قال ابن مالك: ومن أجود ما يُحتَجُّ لهم قولُ أبي بكر رضي الله عنه: (بأبي شبيه بالنَّبي، ليس شبيهٌ بعلي)، وقد تُعقِّب ابن مالك في ذلك، ولذكره وذكر ما يُعارضه موضعٌ غيرُ هذا، والله أعلم.

وقد قدَّمتُ الجماعة الذين يُشبِهونه صلَّى الله عليه وسلَّم في (الصُّلح)؛ فانظرهم، وذكرتُ هناك أنَّ أشبههم به عليه السلام الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما.

(1/6942)

[حديث: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.]

3751# قوله: (عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم أنَّه بالقاف، وأنَّه ليس في رجال الكتب السِّتَّة ومؤلَّفاتهم التي صنَّف فيها المِزِّيُّ: وافد؛ بالفاء، وذكرتُ من يقال له: وافد _بالفاء_ في غير الكتب ومؤلَّفاتهم.

قوله: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ارقُبُوا): همزته همزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها، وقدَّمتُ أنَّ معناها: احفظوه، وأوضحُ من ذلك: راعوه واحترموه.

==========

[ج 2 ص 34]

(1/6943)

[حديث: لم يكن أحد أشبه بالنبي من الحسن بن علي]

3752# قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الميمينِ بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزومٌ به، وأتى به؛ لأنَّ هشام بن يوسف عنعَنَ عن مَعْمَر، والزُّهري عنعن عن أنس، وفي التعليق صرَّح عبد الرزاق بالإخبار من مَعْمَر، وصرَّح الزُّهريُّ بالإخبار من أنس، وهشام ليس مدلسًا، ولكن ليخرج من الخلاف، والزُّهريُّ مدلِّس، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 34]

(1/6944)

[حديث: هما ريحانتاي من الدنيا]

3753# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): هو بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة: بُنْدار، تَقَدَّم مِرارًا، و (غُنْدُر): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثم نون ساكنة، ثم دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم من لقَّبه بذلك، و (ابْن أَبِي نُعْمٍ [1]): اسمه عبد الرحمن بن أبي نُعْم البجليُّ، كنيته أبو الحكم، كوفيٌّ عابدٌ ثقة، توفِّي في حدود المئة، أخرج له الجماعة، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: وكان من الأولياء الثِّقات، وقال أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين: ابن أبي نُعْم ضعيف، كذا نقل ابن القطَّان، وهذا لم يُتابَع عليه أحمدُ، انتهى، يعني: ابن أبي خيثمة.

قوله: (وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمِ): كذا في أصلنا، وصُحِّح عليه، وفي الهامش: (رجل)، والرجلُ السائل لابن عمر لا أعرفُه.

قوله: (رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا): جاء في حديثٍ آخرَ: «وإنَّكم لمن ريحان الله»؛ يعني: الأولاد، قال ابن الأثير: والرَّيحان: يُطلَق على الرحمة، والرزق، والراحة، وبالرزق سُمٍّي الولد ريحانًا، وفي «المطالع»: «من عُرِض [2] عليه ريحان؛ فلا يردَّه»، والرَّيحان: كلُّ بقلةٍ طيِّبة الريح، وقد يحتمل أن يريد كلَّه؛ لما جاء في الحديث الآخر: «من عُرِض عليه ريحان؛ فلا يردَّه»، وأصله الواو، و «هما ريحانتاي من الدنيا» انتهى، وقال أيضًا ابن قُرقُول: (هما ريحانتاي من الدنيا)؛ أي: في الدنيا، وقيل: من الجنَّة؛ كما قال: «الولد الصالح ريحان من ريحان الجنَّة»، والريحان: ما يُستراح إليه، وقيل: يوجد منه ريح الجنَّة، وقيل: لأنَّهما يُشمَّان كما تُشَمُّ الرياحين، انتهى.

(1/6945)

[باب مناقب بلال بن رباح]

قوله: (بابُ مَنَاقِبِ بِلاَلِ بْنِ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): (رَباح)؛ بفتح الراء وبالموحَّدة، اشترى أبو بكر بلالًا بخمس أواقيَّ، وقيل: بسبع، وقيل: بتسع، وأعتقه لله عزَّ وجلَّ، وقد تَقَدَّم أنَّ الأوقية أربعون درهمًا، وأمُّ بلال: حمامة، مولاةٌ لبني جُمَح، وهي صحابيَّة، ذكرها ابن عبد البَرِّ فيهم، وهي ممَّن كان يُعذَّب في الله، فاشتراها أبو بكر وأعتقها، وممَّن اشتراه أبو بكر: عامر بن فُهيرة، وأم عُبيس، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة وبنتها، والمؤمِّلية.

غريبة: في «صحاح الجوهريِّ» في (بلل): (وبلال بن حمام مُؤذِّن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الحبشة) انتهى.

مناقب بلال جمَّةٌ، ولم يُعقِّب بلال، قاله النَّوويُّ في «تهذيبه»، توفِّي بدمشق سنة عشرين، وقيل غير ذلك، ودُفِن بباب الصَّغير، وقد زُرتُه، وقيل: بباب كيسان، كلاهما منها، وقيل: بداريَّا، وقيل: بحلبَ، قال المنذريُّ وليُّ الدين عبدُ العظيم في «حواشيه» بعد ذكر القول بأنَّه دُفِن بحلب: (إنَّ الذي دُفِن بحلب هو خالد بن رَباح أخو بلال، ودُفِن خارج باب الأربعين، وغالب ظنِّي أنِّي رأيتُ ذلك كذلك في الجزء الأوَّل من «تاريخ ابن العَديم» أنَّ خالدًا هذا دُفِن خارج باب الأربعين) انتهى، ولم يتعيَّن لنا قبرُه أين هو من باب الأربعين، وقال السمعانيُّ في «الأنساب»: إنَّ بلالًا دُفِن بالمدينة، وغُلِّط، والصحيح الأوَّل، والله أعلم.

قوله: (سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ): دَفُّ النَّعل؛ بفتح الدال المهملة _وبالمعجمة أيضًا، ذكره بهما ابنُ الأثير في «نهايته» _ وبالفاء المُشدَّدة؛ وهو صوتُهما عند الوطْء عليهما، وذكره ابن قُرقُول في المهملة فقط، فقال: (دَفُّ نعليك)؛ بالفتح لا غير؛ أي: صوت مَشْيك فيها، وعند ابن السَّكَن: (دُوِيَّ): بضم الدال، والمعنى قريب، وهو الصوت أيضًا، انتهى، وقد تَقَدَّم.

==========

[ج 2 ص 34]

(1/6946)

[حديث عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]

3754# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ.

==========

[ج 2 ص 34]

(1/6947)

[حديث: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني]

3755# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ): هو محمَّد بن عبد الله بن نُمير، و (إِسْمَاعِيلُ): هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم؛ بالحاء المهملة، تَقَدَّما.

قوله: (فَأَمْسِكْنِي): هو بقطع الهمزة، رُباعيٌّ.

قوله: (وَعَمَلَ اللهِ): (عملَ)؛ بالنَّصْب، ونصبه ظاهرٌ على أنَّ الواو بمعنى: مع؛ فهو مفعولٌ معه، ويُحتَمل في نصبه وجهٌ آخر، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 34]

(1/6948)

[باب ذكر ابن عباس]

(1/6949)

[حديث: اللهم علمه الحكمة]

3756# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان أبو عُبيدة الحدَّاد الحافظ، و (خَالِد) بعده: هو الحذاء خالد بن مهران أبو المَنازل.

[ج 2 ص 34]

قوله: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ): قيل: (الحكمة): الإصابة في القول من غير نبوَّة، وقيل: الفقه في الدِّين والعلم به، وقيل: الخشية، وقيل: الفهم عن الله، وقيل غير ذلك، و {الحكمة} في قول الله تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]: فقه القرآن، أو فهمُه، أو العمل به، أو علمُ ناسِخِه ومنسوخه، أو النُّبوَّة، أو المعرفة، أو الخشية، أو الورع، أو العقل، أو الكتابة، أو إصابة القول والفعل وما يشهد العقل بصحته، أو السُّنَّة، أو نور يُفرَّق به بين الوسواس والإلهام، أو سرعة الجواب مع إصابة القول؛ أقوال.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا ضبطُه، وأنَّه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجَّاج، و (عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم في ظاهر هذه أنَّه ابن سعيد أبو عُبيدة الحدَّاد، وقوله: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)؛ يعني: بالسند المُتَقدِّم؛ وهو عبد الوارث، عن خالد _هو الحذَّاء_ عن عكرمة، عن ابن عبَّاس؛ فاعلمه.

قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ مِثْلَهُ): أمَّا (موسى)؛ فهو ابن إسماعيل التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم (وُهَيب): أنَّه وهيب بن خالد الكرابيسيُّ، (عن خالد مثله)؛ يعني: بالإسناد المُتَقدِّم؛ خالد، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، وقد أخرج حديث موسى بهذا السند أيضًا في (الاعتصام)، والله أعلم.

(1/6950)

[باب مناقب خالد بن الوليد]

قوله: (بابُ مَنَاقِب خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عُمير بن مخزوم بن يقظة بن مرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ المخزوميُّ، أمُّه لُبابة الصُّغرى بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث أمِّ المؤمنين، ولبابة الكبرى: زوج العبَّاس، وأمُّ خالد لُبابة قال أبو عمر ابن عبد البَرِّ: في إسلامها نظرٌ، وقال ابن سعد: أسلمت وبايعت، انتهى، في «سيرة ابن سيِّد الناس»: أنَّ إسلامه وإسلام عمرو بن العاصي وعثمان بن طلحة قبيل عمرة القضاء، وقيل: بعدها، انتهى، وفي «سيرة مغلطاي»: أنَّ إسلامهم في صفر سنة ثمان، قال ابن أبي خيثمة: كان ذلك سنة خمس، وقال الحاكم: سنة سبع، انتهى، ذكر ذلك في سَريَّة غالب بن عبد الله إلى بني الملوَّح بالكديد في صفر سنة ثمانٍ، وقد تَقَدَّم الكلام في وفاة خالد رضي الله عنه في (الجنائز) وأنَّه دُفِن بحمص، وقال دُحيم: بالمدينة، والصحيح الأوَّل، ومناقبه جمَّة؛ منها: أنَّه سيف الله وسيف رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم.

(1/6951)

[حديث: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب]

3757# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ): هو بالقاف، وهو أحمد بن عبد الملك بن واقد، وقد قدَّمتُ غيرَ مرَّةٍ أنَّه ليس في الكتب السِّتَّة ولا في مؤلَّفاتهم التي ألَّفها المِزِّيُّ راوٍ اسمه وافد؛ بالفاء، وقد ذكرتُ من يقال له: وافد [1] في غير الكتب ومؤلَّفاتهم.

قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

قوله: (نَعَى [زَيْدًا وَ] جَعْفَرًا): أي: أَعْلَمَ بمؤتة، وقد تَقَدَّم أنَّ جعفرًا [2] وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قُتِلوا بمؤتة من أرض الشام، وقد قدَّمتُ غيرَ مرَّةٍ متى كانت غزوة مؤتة، وأنَّها تُهمَز ولا تُهمَز.

قوله: (تَذْرِفَانِ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الراء، وقبلها ذالٌ معجمة ساكنة، وتَقَدَّم معناه.

قوله: (حَتَّى أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ): السيف من سيوف الله: هو خالد بن الوليد، وتَقَدَّم الاختلاف في الهزيمة على مَن ثلاثة أقوال؛ الصحيح عند ابن إسحاق: أنَّه لم ينكسر أحدُ الفريقين، ولكن هنا ما قد رأيت، وهو يقتضي أنَّ المسلمين انتصروا.

(1/6952)

[باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة]

قوله: (بابُ مَنَاقِبِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ): هو سالم بن عُبيد بن ربيعة، كذا نسبه ابن منده، وقال أبو نعيم: هذا وَهَمٌ فاحشٌ، وقال غيره: هو سالم بن معقل، وهو مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ القرشيُّ العبشميُّ، كان سالم من أهل فارس من إصطخر _وإصطخر: بهمزة مكسورة، ويقال: بفتحها، والنِّسبة إليها: إصطخريٌّ، وإصطخرزيٌّ؛ بزيادة زاي، رأيت ذلك في كلام الصَّغانيِّ في كتابٍ له في اللُّغة لطيفٍ، وفيه قراءاتٌ شاذَّةٌ_ أعتقته مولاتُه ثُبَيْتَة امرأة أبي حذيفة، وثُبَيْتَة _بثاء مثلَّثة مضمومة، ثم موحَّدة مفتوحة، ثم ياء مثنَّاة ساكنة، ثم تاء مثنَّاة من فوق مفتوحة، ثم تاء التأنيث_ بنت يعار _بمثنَّاة تحت_ صحابيَّةٌ، ذكرها ابن عبد البَرِّ وغيرُه، وقيل: اسم مُعتِقته سلمى بنت تعار؛ بالمثنَّاة فوق، وقيل: سلمى بنت يعار؛ بالمثنَّاة تحت، قال الذَّهبيُّ في «تجريد الصَّحابة»: مجهولة، انتهى، وقيل: اسمها عمرة بنت يعار، وعمرة هذه ذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده» في الصَّحابة، فقال: (عمرة)، لكن قال: (بنت يسار الأنصاريَّة امرأة أبي حذيفة) انتهى، وقال السُّهيليُّ في (هجرة عمر وعيَّاش) وذكر المرأة التي أعتقته سائبةً: وهي ثُبَيْتَة بنت يعار، وقد قيل في اسمها: بُثينة، ذكره أبو عمر، وذُكِر عن الزُّهريِّ أنَّه كان يقول فيها: بنت تعار، وقال ابن قتيبة في «المعارف»: اسمها سلمى

[ج 2 ص 35]

، ويقال في اسمها أيضًا: عَمرة، انتهى، وذكر شيخنا: أنَّها سلمى، وقيل: ثُبَيْتَة بنت يعار، وقال أبو عمر: عمرة بنت يعار، انتهى.

هاجر سالم إلى المدينة قبل مقدمه عليه السلام، فكان يؤمُّ المهاجرين بها؛ لأنَّه كان أكثرَهم قرآنًا، مناقبه جمَّة، قُتِل يوم اليمامة شهيدًا، وقد تَقَدَّم متى كانت وقعة اليمامة، وكانت سنة اثنتي عشرة في خلافة الصِّدِّيق رضي الله عنه.

(1/6953)

[حديث: استقرؤوا القرآن من أربعة.]

3758# قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): هو إبراهيم بن يزيد النَّخَعيُّ.

قوله: (ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو): (ذُكِرَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عبدُ الله): مرفوعٌ قائمٌ مَقام الفاعل، والمراد بـ (عبد الله): عبد الله بن مسعود بن غافل الهذليُّ رضي الله عنه، و (عبد الله بن عَمرو): هو ابن العاصي بن وائل السهميُّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ رضي الله عنهما.

قوله: (فَبَدَأَ بِهِ): (بدأَ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وكذا (بدأَ) الثانية.

==========

[ج 2 ص 36]

(1/6954)

[باب مناقب عبد الله بن مسعود]

قوله: (بابُ مَنَاقِب عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): هو عبد الله بن مسعود بن غَافِل _بالغين المعجمة وبعد الألف فاءٌ مكسورة_ ابن حبيب بن شمخ بن فارِ _بالفاء وتخفيف الراء_ ابن مخزوم بن صاهلة _بالصَّاد المهملة_ ابن كاهَل _قال السُّهيلي: قيَّده الوقشيُّ بفتح الهاء من (كاهل)؛ كأنَّه سُمِّي بالفعل من كاهَلَ يكاهِلُ ... إلى آخره، انتهى_ ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مُضَر بن نزار الهذليُّ، حليف بني زُهْرة، ومسعود لم يُسلِم؛ فليُعلَم، فإنِّي رأيت كثيرًا ممن لا يعرف الأحوال إذا ذكر ابن مسعود يترضَّى عنهما، وإنَّما أسلمت أمُّه أمُّ عَبْد، وقد تَقَدَّم الكلام عليها في (مناقب عَمَّار وحذيفة)، وهي من المهاجِرات رضي الله عنها.

كنية ابن مسعود: أبو عبد الرحمن، توفِّي بالكوفة سنة ثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، وقيل: عاد إلى المدينة، أسلم قديمًا حين أسلم سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل قبل عمر بن الخَطَّاب بزمان، جاء عنه قال: (لقد رأيتُني سادس ستَّةٍ ما على الأرض مسلمٌ غيرنا)، رواه الطبرانيُّ بإسناده، هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد المشاهد معه عليه السلام.

فائدة شارِدة: لابن مسعود ثلاثةُ بنينَ: عبد الرحمن، وبه كان يكنى، وعتبة، وأبو عُبيدة، واسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، واتَّفقوا على أنَّ أبا عُبيدة لم يسمع أباه، ورواياته عنه كثيرة في «السُّنن الأربعة»، وليس له عنه في «البُخاريِّ» و «مسلم» شيءٌ، وأمَّا عبد الرحمن؛ فقال ابن المَدينيِّ والأكثرون: سمع أباه، وقال ابن حنبل: توفِّي ابن مسعود ولابنه عبد الرحمن ستُّ سنين، وقال يحيى: لم يسمع أباه، والله أعلم، وأمَّا ابنه عتبة؛ فلا أعرفُ له ترجمة، ولم أرَه في «تذهيب الذَّهبيِّ»، ولا «كاشفِه»، ولا في «الميزان»، ولا في «رجال مسند أحمد»، ولا في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتِم، ولا في «ثقات ابن حِبَّان»، ولا في «ثِقاتِ العجليِّ»، والله أعلم.

فائدة: في «سيرة مغلطاي الصُّغرى»: أنَّ ابن مسعود أوَّل مَن جَهَرَ بالقرآن.

==========

[ج 2 ص 36]

(1/6955)

[حديث: استقرؤوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود]

3759# 3760# قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هذا هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمَّد القارئُ، و (أَبُو وَائِلٍ): شقيق بن سلمة، تَقَدَّما.

قوله: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا): قال ابن عرفة: الفاحش: ذو الفُحش في كلامِه، والمتفحِّش: الذي يتكلَّف ذلك ويتعمَّده، وقال الطبريُّ: الفاحش: البذيءُ الذي يأتي الفاحشة المنهيَّ عنها، وقد تَقَدَّم.

(1/6956)

[حديث: دخلت الشام فصليت ركعتين فقلت اللهم يسر لي جليسًا]

3761# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه موسى بن إسماعيل التَّبوذكيُّ، و (أَبُو عَوَانَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (مُغِيرَة): هو ابن مِقسم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّم، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ.

قوله: (دَخَلْتُ الشَّأْمَ): تَقَدَّم ضبط (الشَّأم) وطوله وعرضه في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا): هذا الشيخ هو أبو الدَّرداء عويمِر، تَقَدَّم مترجَمًا.

قوله: (صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وهو ابن مسعودٍ، وعلى (الوِساد).

قوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ فِيْهِمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟): تَقَدَّم أنَّه يعني: عَمَّار بن ياسر، وتَقَدَّمت قِصَّته، (أوَلم)؛ بفتح الواو على الاستفهام، وكذا الثانية.

قوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ؟): تَقَدَّم أنَّه يعني بذلك: حذيفة بن اليماني وسِرَّه عليه السلام في المنافقين، وتَقَدَّم الاختلاف في عدَّتهم، وكيف كان ذلك مع القصَّة مطوَّلة قريبًا.

قوله: (كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن مسعود، وتَقَدَّم الكلام على أُمِّه (أمِّ عبدٍ)؛ بغير إضافة، وأنَّها صحابيَّة رضي الله عنها.

قوله: (فَاهُ إِلَى فِيَّ): في إعراب (فاه إلى فيَّ) كلامٌ مطوَّلٌ، وملخَّصُه ما قاله الجوهريُّ في «صحاحه» في (فوه) قال: (وكلَّمتُه فاهُ إلى فيَّ؛ أي: مشافِهًا، ونُصِب «فوه» على الحال)، والله أعلم.

(1/6957)

[حديث: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي]

3762# قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهَمْدانيُّ السَّبِيعيُّ الكوفيُّ أحد الأعلام، و (عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ): هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النَّخَعيُّ، أبو بكر الكوفيُّ، أخو الأسود بن يزيد، عن عمِّه علقمة، وعن عثمان، وابن مسعود، وعنه: منصور، والأعمش، وأبو إسحاق، وعِدَّة، مات قبل الجماجم، أخرج له الجماعة، ويقال: مات سنة (73 هـ)، وقال ابن سعد: مات في ولاية الحجَّاج قبل الجماجم، وقال الفلَّاس: مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين، وثَّقه ابن معين وغيره.

قوله: (قَرِيبِ السَّمْتِ): هو بفتح السين المهملة، وإسكان الميم، وبالمثنَّاة فوق؛ وهو حسن الهيئة والمنظر في الدِّين والخير، لا في الجَمال والملبَس.

قوله: (وَالْهَدْي): تَقَدَّم أنَّ (الهَدْي) بفتح الهاء، وإسكان الدال المهملة، وهو حيث ذُكِر: الطريقة، والمذهب، والسَّمْت.

قوله: (وَدَلًّا): الدَّلُّ؛ بفتح الدال المهملة وتشديد اللام؛ وهو حسن السَّمْت، والشمائل، وحديثٍ، وحركةٍ.

قوله: (مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ): تَقَدَّم أنَّه ابن مسعود، و (أمُّ عبدٍ): تَقَدَّم أعلاه وقبله أنَّها أمُّه، وهي بغير إضافة، صحابيَّة من المهاجِرات.

(1/6958)

[حديث أبي موسى: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينًا ما نرى ... ]

3763# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ): في هامش أصلنا ما لفظُه: (هو إبراهيم بن يوسف ابن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ، عن أبيه، عن جدِّه، واعلم أنَّ أبا إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعيَّ أولادُه: يونس، ويوسف، وإسحاق؛ فإسحاق له ولد اسمه يوسف، وهو المرادُ به في هذا السند، ويونس له ولدان: إسرائيل وعيسى، فإسرائيل حدَّث عن جدِّه)، انتهى، وهو كلامٌ صحيح، وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق مُتَكَلَّمٌ فيه، وله ترجمةٌ في «الميزان».

[ج 2 ص 36]

قوله: (سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار مرارًا، وتَقَدَّم مترجمًا.

قوله: (قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ)، قال بعض حُفَّاظ المِصريِّين: إنَّه أبو رهم. [1]

قوله: (قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ): تَقَدَّم أنَّ أبا موسى له عِدَّة إخوة ذكرتهم فيما مضى، وهم: أبو رهم، وأبو بُردة، ومجدي، ومحمد، وله أخٌ آخَر كنيته أبو عامر، واسمه هانئ_وقال بعض حُفَّاظ هذا العصر: إنَّه أبو رهم، انتهى_ وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عُبيد، وقيل: عبَّاد، ذكره الذَّهبيُّ في «تجريده»، وقد صرَّح أبو عمر بأنَّ أبا رهم وأبا بردة ومجدي قدموا معه في البحر إلى المدينة، فالله أعلم مَن أراد منهم، وقد ذكرتهم في (باب قدوم الأشعريِّين) بأطولَ مِن هذا؛ فانظره، ولا أعلم مَن أراد منهم.

قوله: (مَا نُرَى): هو بضمِّ النون؛ أي: نظنُّ.

قوله: (لِمَا نَرَى): هذه بفتح النون، من رؤية العين.

قوله: (وَدُخُولِ أُمِّهِ): تَقَدَّمت أمُّه قريبًا. [2]

قوله: (وَدُخُولِ أُمِّهِ): تَقَدَّم الكلام عليها قريبًا، وأنَّها أمُّ عبدٍ، مُهاجِريَّةٌ رضي الله عنها.

==========

[1] ألحق المصنف هذه الفقرة في الحاشية.

[2] ألحق المصنف هذه الفقرة في الحاشية.

(1/6959)

[باب ذكر معاوية]

قوله: (بابُ ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ بنَ أبِي سُفْيَان): معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ، وقد تَقَدَّم ذكر أبيه أبي سفيان في أوَّل هذا التعليق، أمُّ معاوية هند صحابيَّةٌ أيضًا، وهي بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أسلم معاوية وأبوه وأخوه يزيد وأمُّه هند في فتح مكَّة، وكان معاوية يقول: إنَّه أسلم يوم الحديبية، وكتم إسلامه من أبيه وأمِّه، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها.

وقد روى التِّرمذيُّ في «جامعِه» بإسناده إلى [1] عبد الرحمن بن أبي عَمِيرة، وكان من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال لمعاوية: «اللهمَّ اجعله هادِيًا مهديًّا»، قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ، وروى فيه أيضًا عن عُمير بن سعيد قال: سمعتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «اللهمَّ اهدِ به»، انتهى، ولم يتكلَّم عليه، وفي «مسند أحمد» من حديث العِرْباض بن سارية قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول وهو يدعو إلى السُّحور في شهر رمضان: «هلمُّوا إلى الغداء المبارك»، ثم سمعته يقول: «اللهمَّ علِّم معاوية الكتاب والحساب وقِهِ العذاب»، انتهى، وقصَّة السُّحور في «أبي داود» وغيره، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: (إلا أنَّ الحارث بن زيادٍ مجهولٌ لا يُعرَف بغير هذا الحديث) انتهى، وكذا قال غيره، ولكنِّي رأيته في «ثقات ابن حبَّان»، غير أنَّه لم يذكر عنه راويًا سوى يوسف بن سيف.

تنبيه: ذكر ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» بإسناده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ _هو ابن راهويه_ أنَّه قال: لا يصحُّ في فضل معاوية شيء، وقد قدَّمتُ أنا غير حديثٍ في فضله، ولكنَّ ابن راهويه حافظٌ جليلٌ، لا يقول مثل هذا القول إلَّا عن تروٍّ، وذكر فيها بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: (سألت أبي: ما تقول في عليٍّ ومعاوية؟ فأطرق، ثم قال: إيش أقول فيهما؟ اعلم أنَّ عليًّا عليه السلام كثير الأعداء، ففتَّش له أعداؤه عيبًا، فلم يجدوا، فجاؤوا إلى رجلٍ قد حاربه وقاتله، فأطرَوه كيادًا منهم له)، انتهى، لعن الله من يبغض معاوية أو أحدًا من الصَّحابة، ورضوان الله عليهم أجمعين.

توفِّي معاوية في رجب لأربعٍ بقين من سنة ستِّين، وقيل: عاش ثمانيًا وسبعين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وقبره في دار الإمارة في قِبلة جامع دمشق، وهو الذي يقال: إنَّه قبر هود، وأمَّا القبر الذي خارج الباب الصغير منها؛ فإنَّه قبر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد زُرناه غيرَ مرَّةٍ ظنًّا منَّا أنَّه قبر معاوية بن أبي سفيان، وقد رأيت كلامي _أعني: أنَّه قبر معاوية بن يزيد_ في كلام أبي العبَّاس ابن تيمية، ونُقل لي عن كلام غيره من أفراخه.

==========

[1] زيد في (أ): (عن).

[ج 2 ص 37]

(1/6960)

[حديث: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس]

3764# قوله: (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة وإسكان الشين المعجمة.

قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وتَقَدَّم أنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ): هذا المولى لا أعرف اسمه، قال بعض حُفَّاظ مِصْر: هو كريب، رواه محمد بن نصر في كتاب «الوتر» له.

(1/6961)

[حديث: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة]

3765# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه سعيد ابن أبي مريم الحكم بن محمَّد، و (نَافِعُ بْنُ عُمَرَ): شيخه الجمحيُّ المكيُّ الحافظ، (عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ): عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير بن عبد الله بن جدعان، تَقَدَّم، كذا في أصلنا، وفي هامش أصلنا: (عن) مشار إليها بعد نافع، فبقي: (حدَّثنا نافع عن ابن عمر قال: حدَّثني ابن أبي مُلَيْكَة)، وعمل على (عن): (ظ)؛ يعني: نظرًا، وهذه التي في الهامش غلط صريح، وأين نافع عن ابن عمر؟ وأين نافع بن عمر؟! وأيضًا بقي السند مخبوطًا، والصواب: ما في الأصل: (نافع بن عمر) لا (نافع عن ابن عمر)، وعلى الصواب هو في «أطراف المِزِّيِّ»، والله أعلم، وقد انفرد بهذا الأثر البُخاريُّ.

قوله: (قِيْلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ): قال بعض حُفَّاظ مِصْر: رواه محمد بن نصر في كتاب «الوتر» له من طريق عليِّ بن عبد الله بن عبَّاس: أنَّه شاهد ذلك من معاوية، فسأل عن ذلك أباه، قال: وهو المراد بقول ابن أبي مُلَيْكَة: قيل لابن عبَّاس، انتهى [1].

(1/6962)

[حديث: إنكم لتصلون صلاةً لقد صحبنا النبي فما رأيناه يصليها]

3766# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): تَقَدَّم بالموحَّدة وبالسين المهملة غيرَ مرَّةٍ، و (مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) بعده: هو غُنْدُر، و (أَبُو التَّيَّاح): تَقَدَّم ضبطه، وأنَّه يزيد بن حُمَيد، و (حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ) تَقَدَّم، وأنَّ أبانًا الصحيح صرفُه، وتَقَدَّم الكلام على أبان مطوَّلًا في أوَّل هذا التعليق.

(1/6963)

[باب مناقب فاطمة]

قوله: (بابُ مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا): إن قيل: قد ذكر مناقبها بعد (مناقب العبَّاس)؟

والجوابُ: على تقدير ثبوت ذلك هناك، وقد تَقَدَّم أنَّه الذي يترجح في النظر أنَّه ذكر منقبتها هناك ضمنًا ومعطوفة أيضًا؛ لأنَّه عطفها على مناقب قرابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: (باب مناقب قرابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنقبة فاطمة)، وهنا ذكرها مفردة؛ للاهتمام بها ولشأنها، والله أعلم.

قال الإمام العلامة أبو الحسن عليُّ بن عبد الكافي السُّبْكي في «المسائل الحلبية» ما لفظُه: (والذي نَدينُ اللهَ به أنَّ فاطمة أفضلُ، ثم خديجة، ثم عائشة، ولم يخفَ علينا الخلافُ في ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله؛ بطل نهر معْقل)، ثم ذكر الحجَّة في تفضيل فاطمة رضي الله عنهنَّ.

ورأيتُ عن ابن قيِّم الجوزيَّة في كون عائشة أفضل أو فاطمة قال: (إذا حُرِّر محلُّ التفضيل؛ صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم، فإن أُريد بالفضل كثرة الثواب عند الله؛ فذلك أمرٌ لا يُطَّلع عليه إلَّا بالنصِّ؛ لأنَّه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بمجرَّد أعمال الجوارح، وكم من عاملَينِ أحدهما أكثر عملًا بجوارحه، والآخر أرفع درجة منه في الجنَّة، وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم؛ فلا ريب أنَّ عائشة أعلم وأنفع للأمَّة، وأدَّت إلى الأمَّة من العلم ما لم يؤدِّ غيرها، واحتاج إليها خاصُّ الأمة وعامَّتها، وإن أُريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب؛ فلا ريب أنَّ فاطمة أفضل، فإنَّها بضعةٌ من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك اختصاصًا لم يشركها فيه غير أخواتها، وإن أُريد السِّيادة؛ ففاطمة سيِّدة نساء الأمَّة، وإذا ثبتت وجوه التفضيل ومواد الفضل وأسبابه؛ صار الكلام بعلم وعدل، وأكثر الناس إذا تكلَّم في التفضيل؛ لم يفصِّل جهات الفضل، ولم يوازن بينها [1]، فيبخس الحقَّ، وإنِ انضاف إلى ذلك نوع تعصُّب وهوًى لمن [2] يفضِّله؛ تكلَّم بالجهل والظُّلم، وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل من مسائل التفضيل؛ فأجاب فيه بالتفصيل الشافي، انتهى.

فائدة: قال السُّهيليُّ في «رَوضه»: (وروى حَمَّاد بن سلمة، عن عليِّ بن زيد، عن عليِّ بن الحسين: أنَّ فاطمة أرادت حَلَّه _يعني: حَلَّ أبي لبابة_ حين ربط نفسَه بساريةٍ من سواري المسجد حين نزلت توبته، فقال: قد أقسمتُ ألَّا يحلَّني إلَّا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فاطمة مضغةٌ مني»، فصلَّى الله عليه وسلَّم وعلى فاطمة، فهذا حديثٌ يدلُّ على أنَّ من سبَّها؛ فقد كفر، وأنَّ من صلَّى عليها؛ فقد صلَّى على أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وقد تَقَدَّم قريبًا، وهذا حديثٌ مرسَل،

[ج 2 ص 37]

وفيه: عليُّ بن زيد بن جدعان، وهو مُتَكَلَّم فيه، أخرج له مسلم والأربعة، حافظ ليس بثبتٍ.

(1/6964)

تنبيه: ذكر بعضُهم فيما بلغني عنه: أنَّ فاطمة لم تَحِضْ قطُّ، وهذا يردُّه قول جعفر بن محمَّد عن أبيه: (أنَّ بين الحسن والحسين طهرًا واحدًا)، والطُّهر ضدُّ الحيض، ولو كان ذلك صحيحًا؛ لكان أزواجُه صلَّى الله عليه وسلَّم أولى بذلك؛ لئلا يتعطَّل البعلُ عن الوطء وإن كانت فاطمة أفضلَ منهنَّ، ولا أستحضر خلافًا أنَّها أفضل ممَّن عدا عائشة وأمِّها، والله أعلم، وإن وقع في كلام الرافعيِّ تفضيل زوجاته عليه السَّلام على سائر النساء، وهذا لفظُه: (وقد عُرِف الخلافُ في خديجة وفاطمة، وفي عائشة وفاطمة، واشتُهِر خلافُ النَّاس في مريم هل هي نبيَّة؟ وقد قدَّمتُ أنَّ الصَّحيح أنَّها ليست بنبيَّة).

ثم إنِّي رأيت في «موضوعات أبي الفرج ابن الجوزيِّ» حديثًا في فضائلها _أعني: فاطمة_ وأنَّها لا تحيضُ، قال الخطيبُ: إسنادُ هذا الحديث فيه غير واحدٍ من المجهولين، وليس بثابت) انتهى.

تنبيه: لم أرَهم ذكروا تفضيلًا بين بقيَّة بناته عليه السلام وبقيَّة أزواجه، والذي يظهر أنَّ بقيَّة البنات أفضل منهنَّ؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منهنَّ بضعةٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم، ويشدُّه حديث في «مسند أبي يعلى»: (تَزوَّجُ حفصةُ خيرًا من عثمان، ويُزوَّجُ عثمان خيرًا من حفصة، فزوَّجه عليه السلام ابنته؛ يعني: أمَّ كلثوم)، والله أعلم.

(1/6965)

تنبيه: أفضل بناته عليه السَّلام فاطمة، كما هو مشهورٌ؛ لأنَّهنَّ في ميزانه عليه السلام، وهو في ميزانها، وأمَّا ما رواه الطحاويُّ وأخرجه الحاكم في ترجمتها مطوَّلًا بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لزيد بن حارثة: «ألا تنطلق فتجيء بزينب»؛ يعني: ابنته لمَّا خرجت من مكَّة، وأدركها هبَّار بن الأسود حتَّى ألقت ما في بطنها، وأعطاه خاتمه، وجاء إلى راعي غنمٍ لها، فأعطاه الخاتم واستكتمه، فأعطاها الخاتم، فعرفته، حتَّى إذا كان الليلُ؛ خرجت إليه، فقال لها: اركبي بين يدي، قالت: لا، لكن اركب أنت، فركب وركبت وراءه حتَّى أتت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هي أفضلُ بناتي أُصيبت فيَّ»؛ فجوابُه _وقد قال الحاكم: البُخاريُّ ومسلم_: قال الذَّهبيُّ في «تلخيصه»: (العرب تقول: أفضل؛ تريدُ: مِن أفضل)، ثم قال الذَّهبيُّ: (خبر مُنكَر، ويحيى ليس بالقويِّ) انتهى، وقد رواه الحاكم بسنده إلى يحيى بن أيُّوب: حدَّثنا ابن الهادي: حدَّثني عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها .. ؛ فذكره، وقد ذكره الحاكم مطوَّلًا في أوَّل (كتاب الطَّلاق) بالسند، قال الذَّهبيُّ: (ويحيى بن أيُّوب فيه كلامٌ) انتهى، ويحيى أخرج له الأئمة السِّتَّة، وفيه كلامٌ، وله ما يُنكَر، وإن صحَّ؛ فيُحمَل على أنَّه كانت ذلك الوقت أفضلَ، ثم وهب الله لفاطمة من الأعمال الصالحة والأحوال السَّنيَّة والكمال ما لم يشركها فيه أحد من بناته سواها، وأجاب الطحاويُّ عن مجيء زينب مع زيد: بأنَّ زيدًا [كان] في حكم التبنِّي أخًا لزينب مَحْرمًا لها جائزًا له السفر بها؛ كما يجوز لأخ لو كان لها، والله أعلم.

(1/6966)

[حديث المسور: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني]

3767# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّم مترجمًا، وكذا تَقَدَّم (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ، وكذا تَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَة): أنَّه بكسر الميم وإسكان السين، وتَقَدَّم أنَّه صحابيٌّ صغير، وأنَّ (مَخْرَمة): صحابيٌّ، من مُسْلِمة الفَتْح.

قوله: (بَضْعَةٌ مِنِّي): تَقَدَّم أنَّ البَضعة بفتح الموحَّدة ليس إلَّا، وأنَّها القطعة.

==========

[ج 2 ص 38]

(1/6967)

[باب فضل عائشة]

قوله: (بابُ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا): تَقَدَّم الخلاف في عائشة وخديجة أيُّهما أفضل، وتَقَدَّم أنَّ السُّبْكيَّ أبا الحسن عليَّ بن عبد الكافي قال: إنَّ خديجة أفضل، وقد أجاب أبو العبَّاس ابن تيمية عن أيِّهما أفضل، فقال: سَبْق خديجة وتأثيرها في أوَّل الإسلام ونصرها وقيامها في الدِّين لم يشركها فيه عائشة ولا غيرها من أُمَّهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأُمَّة وإدراكها من العلم ما لم يشركها فيه خديجة ولا غيرها ممَّا [1] تميَّزت به عن غيرها؛ فتأمَّل هذا الجواب الذي إذا أجبتَ به من التفضيل مطلقًا؛ لم تتخلَّص من المعارضة، انتهى.

(1/6968)

[حديث: يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام]

3768# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وتَقَدَّم أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وتَقَدَّم أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد الإمام الجواد، وأنَّ (يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْنُ شِهَابٍ): تَقَدَّم أنَّه محمَّد بن مسلم مترجَمَين، وكذا (أَبُو سَلَمَةَ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف، أحدُ الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر.

قوله: (يَا عَائِش): هذا منادًى مرخَّم، يجوز في شينه الضمُّ والفتح، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ): تنبيه: في «الطبرانيِّ الكبير» في (مسند النِّساء) في (باب نظر عائشة إلى جبريلَ) قال الطبرانيُّ: حدَّثنا العبَّاس بن الفضل الأسفاطيُّ: حدَّثنا إسماعيل بن أبي أويس: حدَّثني سليمان بن بلال، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لها: «جبريل يُقرِئك من ربِّك السَّلام»، قالت: (قلت: فلِربِّي السَّلام، ومنه السَّلام، وعلى جبريل السَّلام)، السند كلُّهم عرَّفتهم، والعبَّاس صحَّح الحاكم حديثًا من طريقه في (الجنائز)، وهو مشهورٌ، و (إسماعيلُ): أخرج له البُخاريُّ ومسلم، و (سليمان): أخرج له الجماعة، و (عبد العزيز): أخرج له البُخاريُّ وغيره، و (محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق): قرنه البُخاريُّ، وهو ثقةٌ، و (أبو يونس): أخرج له مسلم، وهو ثقةٌ، فالسند كلُّهم ثقاتٌ، فاستوت هي وخديجة في أنَّ كلًّا منهما سلَّم الله عليها مع جبريل، ولا يبقى في سلام الله على خديجة ما يقتضي تفضيلها على عائشة، بل من شيء آخر، وهذا متنٌ غريب، وأخشى أن يكون بعض المعدَّلين المذكورين في سند هذا الحديث انقُلِب عليه، والأحاديث من الثِّقات لا تُرَدُّ بالخشية من ذلك، والله أعلم.

قوله: (ح): تَقَدَّم الكلام عليها كتابةً وتلفُّظًا في أوَّل هذا التعليق، فإن أردتَه؛ فانظُره، وسيجيء في أواخر هذا التعليق.

==========

[ج 2 ص 38]

(1/6969)

[حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران]

3769# قوله: (وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو): هذا هو عَمرو بن مرزوق الباهليُّ، يروي عن مالك بن مغول وعكرمة بن عَمَّار، وعنه: البُخاريُّ مقرونًا، وهذا هو هنا مقرونٌ بآدم، وهو ابن أبي إياس العسقلانيُّ، فابن مرزوقٍ ثقةٌ مأمون، تَقَدَّم مترجمًا، وروى عنه: أبو داود أيضًا، وإسماعيل القاضي، وأبو خليفة، وخَلْقٌ، ثقةٌ، وفيه بعض الشيء، مات سنة (224 هـ)، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا، وأبو داود، وله ترجمةٌ في «الميزان».

[ج 2 ص 38]

قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ): هو عَمرو بن مرَّة بن عبد الله بن طارق بن الحارث أبو عبد الله المراديُّ الجميليُّ الكوفيُّ الأعمى، أحد الأعلام، قال أبو حاتم: كان ثقةً، يرى الإرجاء، توفِّي سنة ستَّ عشرة ومئة، وقيل: سنة ثماني عشرة، والأوَّل أصحُّ، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وإنَّما ذكرتُ هذا وإن كان قد تَقَدَّم؛ لئلا يظنَّ شخصٌ أنَّ (مُرَّة) الذي يروي عنه هنا هو والده، وإنَّما هو مُرَّة بن شراحيل الهَمْدانيُّ الكوفيُّ الطيِّب، يروي عن عُمر وابن مسعود، وعنه: عَمرو بن مُرَّة، وطلحة بن مُصرِّف، وابن أبي خالد، وكان من العُبَّاد، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وغيره، توفِّي قبل الجماجم، قاله ابن سعد وغيره، وقيل: توفِّي سنة (76 هـ)، و (أَبُو مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

قوله: (كَملَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ): (كَمُلَ): مثلَّث الميم، والكسر أردؤُها؛ ومعناه: انتهى في الفضل نهاية التَّمام دون نقصٍ، وقيل: كمل في العقل؛ إذ وُصِف النِّساء بنقص ذلك، وقد تَقَدَّم.

قوله: (وَلَمْ يَكْمُلْ): تَقَدَّم الكلام عليه.

(1/6970)

[حديث: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام]

3770# قوله: (عَلَى النِّسَاءِ): أي: نساء العالمين، أو نساء عصرها، أو أُمَّهات المؤمنين، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم الكلام على (الثَّرِيدِ) ما هو في الحديث.

==========

[ج 2 ص 39]

(1/6971)

[حديث: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله]

3771# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، و (ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، أحد الأعلام، لا ابن عون عبد الله بن عون ابن أمير مصر، الثاني لم يُخرِّج له «البُخاريُّ» شيئًا، وإنَّما أخرج له مسلم والنَّسائيُّ.

قوله: (اشْتَكَتْ): أي: مرضت، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ): الفَرَط؛ بفتح الفاء والراء، وبالطاء المهملة، وهو هنا الذي يتَقَدَّم ليشفع، وأضافهما إلى (صدق)؛ وصفًا لهما ومدحًا.

==========

[ج 2 ص 39]

(1/6972)

[حديث: لما بعث علي عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم .. ]

3772# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا، وكذا تَقَدَّم (غُنْدَرٌ) ضبطًا، ومَن لقَّبه به، وأنَّه محمَّد بن جعفر، و (الْحَكَم): تَقَدَّم مِرارًا، ابن عتيبة القاضي، وما وقع فيه للبخاريِّ، و (أَبُو وَائِلٍ) كذا تَقَدَّم مِرارًا أنَّه شقيق بن سلمة.

قوله: (عَمَّارًا وَالْحَسَنَ): (عَمَّار): هو ابن ياسر أبو اليقظان، تَقَدَّم، و (الحسن): هو ابن عليِّ بن أبي طالب السيِّد الجليل.

(1/6973)

[حديث عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت.]

3773# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

قوله: (مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً): هذه أسماء أختها بنت أبي بكر، ترجمتها تَقَدَّمت رضي الله عنها.

قوله: (فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا [مِنْ أَصْحَابِهِ] فِي طَلَبِهَا): إن كانت هذه القصَّة ليلة الأبواء؛ فالذي أرسله في طلبها أُسَيد بن الحُضَير والزُّبير، قاله ابن بشكوال في «مبهماته»، وقد تَقَدَّم ذلك في (التيمُّم).

قوله: (بِغَيْرِ وُضُوءٍ): هو بضمِّ الواو، ويجوز فيه فتح الواو، وقد تَقَدَّم مِرارًا ومرَّةً مطوَّلًا.

قوله: (فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ): تَقَدَّم أيُّ آية أرادت، والخلاف فيها في (التيمُّم).

قوله: (فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الهمزة، وأنَّ والده بضمِّ الحاء المهملة، صحابيٌّ مشهور؛ أعني: أُسَيدًا رضي الله عنه.

قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بلُغاتها في أوَّل هذا التعليق.

(1/6974)

[حديث: أين أنا غدًا أين أنا غدًا]

3774# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

==========

[ج 2 ص 39]

(1/6975)

[حديث: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة]

3775# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد، مشهور.

تنبيه: من يقال له: حَمَّاد، ويروي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في الكتب السِّتَّة أو بعضها: هذا، وحَمَّاد بن أسامة أبو أسامة، وحَمَّاد بن سلمة، والله أعلم، لكنَّ حَمَّاد بن سلمة ليس له في «البُخاريِّ» شيء به إلَّا تعليقًا: «اقتلوا ذا الطُّفيتَين» في (بدء الخلق) عقيب حديث أبي أسامة، تابعه حَمَّاد بن سلمة.

قوله: (فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ): تعني: بقيَّة أزواجه غير عائشة وأمِّ سلمة.

قوله: (إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمها هند بنت أبي أميَّة حذيفة المخزوميَّة، وتَقَدَّم بعض ترجمتها، وأنَّها آخر أُمَّهات المؤمنين وفاةً، توفِّيت بعد مقتل الحسين رضي الله عنهما.

قوله: (أَنْ يُهْدُوا): هو بضمِّ أوله؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (غَيْرِهَا): هو بجرِّ (غير)، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 2 ص 39]

(1/6976)

((63)) (مناقِبُ الأَنْصارِ) ... إلى (بَابُ تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ)

(الأَنْصارِ): جمع نَصِير؛ كشريف وأشراف، وجزم به النَّوويُّ، ويقال: جمع ناصر، على غير قياسٍ في جمع (فاعل)، ولكن على تقدير حذف الألف من (ناصر)؛ لأنَّها زائدة، فالاسم على تقدير حذفها ثلاثيٌّ، والثلاثيُّ يُجمَع على (أفعال)، وقد قالوا في نحوه: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، والله أعلم.

وإنَّما بدأَ البُخاريُّ بالمهاجرين؛ لأنَّهم أفضل من الأنصار، وثنَّى بالأنصار.

[مطلب أنَّ الخزرج أفضل من الأوس]

ثم اعلم هل الأفضل الأوس أم الخزرج؟ لم أر فيه كلامًا لأحد، والذي يظهر أنَّ الخزرج أفضل؛ لأنَّهم أخوالُه عليه السلام، وذلك لأنَّ سلمى بنت عمرو بن زيد أمَّ عبد المُطَّلب من بني عديِّ بن النجار، وقدَّمتُ تتمَّة نسبها إلى عديٍّ فيما مضى، ولأنَّه عليه السلام خيَّر دور الأنصار؛ أي: قبائلها وعشائرها، فقال: «خير

[ج 2 ص 39]

دور الأنصار بنو النجَّار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خيرٌ»، وهؤلاء من الخزرج، ولأنَّه عليه السلام نزل في المدينة على الخزرج؛ لأنَّه نزل على أبي أيُّوب خالد بن زيد، وهو منهم من أولاد أخي عديٍّ، وهو مالكٌ، لكنَّه نزل بقباء على الأوس، ولأنَّه عليه السلام نقيب الخزرج؛ لأنَّه لمَّا توفِّي أسعد بن زرارة؛ وهو أحد النُّقباء من الخزرج، وكان نقيب بني النجَّار؛ فلم يجعل عليه السلام عليهم نقيبًا بعده، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أنا نقيبُكم»، فكانت من مفاخِرِهم، والذين ذكرهم البُخاريُّ من الأنصار غالبُهم من الخزرج، أمَّا سعد بن معاذ؛ فإنَّه من الأوس، ومعاذ بن جبل من الخزرج، وكذا سعد بن عبادة، وأُبيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت كذلك، وكذا أبو طلحة، وعبد الله بن سلام حليف الخزرج، ولم يذكر من الأوس إلَّا سعد بن معاذ، وأُسَيد بن الحُضَير، وعَبَّاد بن بِشْر، ولكنَّ هذا لا يدلُّ على تفضيل أحد الفريقين على الآخر، وإنَّما هذا بحسب ما رواه على شرطه، وأهل العقبة الأولى جاء فيها ستَّة أشخاصٍ من الخزرج كلُّهم، والنُّقباء في العقبة كانوا اثنَي عشَر؛ فيهم تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وكلُّ هذا استئناس، ولكنَّ الحديث الذي ذكرته: «خير دور الأنصار» قاطعٌ للنزاع، والله أعلم، ثم إنِّي رأيت شيخنا المؤلِّف ذكر في أوَّل «شرحه للبخاريِّ»: أنَّ الخزرج أفضل؛ للخُؤولة، انتهى.

واعلم أنَّ الأنصار بنو الأوس والخزرج ابنَي حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماءِ السماء بن حارثة الغِطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البُهلول بن مازن بن الأزد دِراءِ بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجُبَ بن يعربَ بن يقطن قحطان، وقد قدَّمت الكلام على نسب قحطان، والله أعلم.

قوله: (وقولُ اللهِ عزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَوَالإِيمَانَ}) [الحشر: 9]: أي: توطَّنوا مدينة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم قبل المهاجرين، واختاروا الإيمان.

(1/6977)

قوله: ({وَلاَيَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً}) [الحشر: 9]: أي: حسدًا، وقيل: وجْدًا من تقديمهم عليهم.

قوله: ({مِمَّا أُوتُوا}) [الحشر: 9]: يعني: المهاجرين من الفيء، وذلك فيما ذُكِر أنَّه عليه السلام قسم أموال بني النَّضير بين المهاجرين دون الأنصار، وإنَّما فعله؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل بني النَّضير له خاصَّةً.

(1/6978)

[حديث: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله؟]

3776# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّم الكلام على هذه النِّسبة.

قوله: (تُسمَّون): هو بضمِّ أوله، وفتح الميم المُشدَّدة، مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعلُه.

قوله: (وَيُقْبِلُ عَلَيَّ): هو بضمِّ أوله، وكسر الموحَّدة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ): هذا الرجل: قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: قول غيلان بن جرير: (ويقبل عليَّ أو على رجل من الأزد): غيلان هو الأزديُّ، والشكُّ من الرَّاوي هل قال: (عليَّ)، أو أبهم نفسه؟ انتهى.

==========

[ج 2 ص 40]

(1/6979)

[حديث: كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله فقدم رسول الله]

3777# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

قوله: (كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وبالعين المهملة المخفَّفة، وفي آخره ثاءٌ مثلَّثة في (كتاب العيدين)، وتَقَدَّم متى كان، وما وقع فيه، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.

قوله: (مَلَؤُهُمْ): هو مهموز؛ أي: جماعتُهم.

قوله: (وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ): (وقُتِلت): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والسَّروات: جمع سراة، وسَراة: جمع سَريٍّ؛ وهو الشريف، وقال السُّهيليُّ: وكذلك لا ينبغي أن يقال في سَراة القوم: إنَّه جمع سريٍّ، لا على القياس ولا على غير القياس؛ كما لا يقال ذلك في كاهل القوم، وسنام القوم، والعجب كيف خفي هذا على النَّحْويين؟! فلذا يخالف منهم السَّالف، فقال: سراة جمع سَريٍّ، ويا سبحان الله! كيف يكون جمعًا له وهم يقولون في جمع سَراة: سَروات؛ مثل: قَطاة وقَطوات؟! يقال: هؤلاء من سَروات الناس؛ كما يقال: من رؤوس الناس، وأنشد بيتًا لقيس بن الخطيم، ثم قال: ولو كان السَّراة جمعًا؛ ما جُمِع؛ لأنَّه على وزن (فَعَلة)، ومثل هذا البناء في الجموع لا يُجمَع، وإنَّما (سَريٌّ) (فَعِيل) من السَّرو؛ وهو الشَّرف، فإن جُمِعَ على لفظه؛ قيل: سريٌّ وأسرياء؛ مثل: غنيٍّ وأغنياء، ولكنَّه قليلٌ وُجودُه، وقلَّة وجوده لا تدفع القياس فيه، وقد حكاه سيبويه، انتهى، وقد قدَّمتُ هذا غير هذه المرَّة، ولكن بَعُد العهد به، والله أعلم.

قوله: (وَجُرِّحُوا): كذا هو في أصلنا مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، من الجُرح، وفي نسخة في هامش أصلنا: (وخَرَجوا): مبنيٌّ للفاعل؛ من الخُروج، قال ابن قُرقُول: (وجَرِجوا)؛ بجيمين: كذا للأصيلي؛ أي: اضطرب أمرُهم، يقال: جَرِج الحاكم؛ إذا جَال وقَلق، وعند غير الأصيليِّ: (وجُرحِوا)؛ من الجراحة، وكذا للأصيلي ولجماعة رواة البُخاريِّ في (باب أيام الجاهلية) من غير خلاف، وعند ابن أبي صفرة في (المناقب): (وحَرِجوا)؛ من الحرج وضيق الصدر، وعند القابسي وعبدوس: (وخرجوا)؛ من الخُروج، و (جَرِجوا) بجيمين أصوبُه، انتهى، وفي «النِّهاية»: (وجرجوا): هكذا رواه بعضهم بجيمين من الجرج؛ الاضطراب والقلق، يقال: جَرِج الحاكم؛ إذا جَال وقَلق، والمشهور في الرواية: (جُرِحوا)؛ بالجيم والحاء؛ من الجراحة، انتهى.

(1/6980)

[حديث أنس: أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم]

3778# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّم (أَبُو التَّيَّاحِ): أنَّه بفتح المثنَّاة فوق، وتشديد المثنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، وأنَّ اسمه يزيد بن حُمَيد.

قوله: (يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ فتحها في رمضان سنة ثمانٍ يوم الجمعة، وقد تَقَدَّم كم كان في الشهر أقوالٌ ذكرتها وسأذكرها أيضًا.

قوله: (وَأَعْطَى قُرَيْشًا): اعلم أنَّ مكة ليس فيها غنيمة ولا قسمة غنيمة، وإنَّما منَّ عليه السلام عليهم، وهذا الإعطاء إنَّما كان من غنائم حُنين، ولكن لمَّا كان الفتح وحُنين قريبتا [1] التاريخ؛ لأنَّ حُنينًا بعد الفتح؛ عبَّر عنها به، أو لأنَّ الفتح كان جُلَّ قصدهم، والفتح وحُنين والطائف في سفرة واحدة.

قوله: (وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ): (غنائمُنا): مرفوع في أصلنا، ويجوز فيه النَّصْب جوازًا جيِّدًا؛ لأنَّه معطوفٌ على (سيوفنا)، وهو منصوبٌ، و (تُرَدُّ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (أَوَلاَ تَرْضَوْنَ): هو بفتح الواو على الاستفهام، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (وَتَرْجِعُونَ): كذا في أصلنا، وهو مقطوعٌ عمَّا قبله، وفي نسخة: (ترجعوا)، وهذا معطوف على ما قبله.

قوله: (أَوْ شِعْبًا): تَقَدَّم الكلام على الشِّعب غيرَ مرَّةٍ، و (أو) في أصلنا بالألف بلا خلاف، قال ابن قُرقُول: (أو شعبًا)، وفي رواية منصور: (واديًا وشِعبًا): كذا للعذريِّ؛ يعني: في «مسلم»، ولغيره: (وشعبه)، الصوابُ رواية العذريِّ بـ (أو)؛ بدليل آخر الحديث.

==========

[1] كذا بالألف، ولعلَّه على تقدير الشَّأن.

[ج 2 ص 40]

(1/6981)

[باب قول النبي: لولا الهجرة لكنت من الأنصار]

[ج 2 ص 40]

قوله: (قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجَّار، أبو محمَّد الأنصاريُّ النجَّاريُّ المازنيُّ، وحديثه هذا أخرجه البُخاريُّ ومسلم؛ البُخاريُّ في (المغازي) بتمامه، وفي (التمنِّي) ببعضه، ومسلم في (الزكاة)، وفي الصَّحابة مَن اسمُه عبد الله بن زيد به خمسة أشخاص، والله أعلم؛ فلهذا ميَّزتُه.

(1/6982)

[حديث: لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت في وادي الأنصار]

3779# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وكذا تَقَدَّم (غُنْدر): أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثم نون ساكنة، ثم دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم مَن لقَّبه به.

قوله: (وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا): كذا في أصلنا، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (وشِعبًا)؛ بغير ألف، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في ظاهر هذه، وتَقَدَّم الكلام على الشِّعب غيرَ مرَّةٍ.

قوله: (بِأَبِي وَأُمِّي): تَقَدَّم الكلام على التَّفْدية بالأب أو الأمِّ، أو بهما، وأنَّه جائز، وأمُّ أبي هريرة صحابيَّةٌ، واسمها أميمة بنت صفيح، وقيل: ميمونة.

قوله: (آوَوْهُ): تَقَدَّم أنَّ المتعدِّي _كهذا_ بالمدِّ، وأنَّ اللازم بقصر الهمزة، وفي كلٍّ منهما اللُّغتان.

==========

[ج 2 ص 41]

(1/6983)

[باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار]

قوله: (بابُ إِخَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ): الإخاء: مصدرٌ هنا، واعلم أنَّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت بعد بناء المسجد، وقد قيل: إنَّ ذلك كان والمسجد يُبنى، وقال ابن عبد البَرِّ: بعد قدومه عليه السلام المدينة بخمسة أشهر، وقد قدَّمتُ ذلك.

(1/6984)

واعلم أنَّه لم يذكر في الباب إلَّا إخاءه عليه السلام بين عبد الرحمن وسعد، وقد ذُكر أنَّ الطائفتين التي وقعت المؤاخاة بينهم كانوا تسعين؛ خمسة وأربعون من كلِّ فريق، ويقال: مئة؛ خمسون من كلِّ طائفة، وقد ذكر سُنيد بن داود: أنَّ زيد بن حارثة وأُسَيد بن الحُضَير أخوان، قال ابن إسحاق من جملة كلام: وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوَين، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة جعفر بالحبشة، وعند سُنيد: أنَّ المؤاخاة كانت بين ابن مسعود ومعاذ بن جبل، قال ابن إسحاق: وأبو بكر بن أبي قحافة وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخوَين، وعمر بن الخَطَّاب وعتبان بن مالك أخوين، وأبو عُبيدة ابن الجرَّاح وسعد بن معاذ أخوَين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوَين، والزُّبير بن العوَّام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوَين، وقيل: بل الزُّبيروعبد الله بن مسعود، قال ابن سيِّد الناس أبو الفتح: (هذا كان في المؤاخاة الأُولى قبل الهجرة) انتهى، وسأذكرها، وأنها مُنكَرة؛ أعني: المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض، وعثمان بن عَفَّان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوَين، وطلحة بن عُبيد الله وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأُبيُّ بن كعب أخوين، ومصعب بن عُمير وأبو أيُّوب خالد بن زيد أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعَبَّاد بن بِشْر أخوين، وعَمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليماني أخوين، ويقال: بل ثابت بن قيس بن الشمَّاس، وأبو ذرٍّ والمنذر بن عمرو أخوين، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة أبي ذرٍّ عن المدينة، وقال: لم يشهد بدرًا، ولا أُحُدًا، ولا الخندق، وإنَّما قدِمَ بعد ذلك، وعنده: طُليب بن عُمير والمنذر بن عمرو أخوين، قال ابن إسحاق: وحاطب بن أبي بلتعة وعُويم بن ساعدة أخوين، وسلمان الفارسيُّ وأبو الدرداء أخوين، وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعميُّ أخوين، وعند سُنيد بن داود فيما حكاه ابن عبد البَرِّ: المؤاخاة بين أبي مرثد وعبادة بن الصامت، وبين سعد وسعد بن معاذ، وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح _ بالقاف_، وبين عتبة بن غزوان وأبي دجانة، وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعد بن خيثمة، وبين عثمان بن مظعون وأبي الهيثم، وزاد غيره: وبين عُبيدة بن الحارث وعُمير بن الحمام، وبين الطُّفيل بن الحارث أخي عبيدة وسفيان بن نَسر _بالنون المفتوحة والسين المهملة_ ابن زيد من بني جُشَم بن الحارث بن الخزرج، وبين الحصين أخيهما وعبد الله بن جُبير، وبين عثمان بن مظعون والعبَّاس بن عُبادة بن نضلة، وبين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلَّى، وبين المقداد وابن رواحة، وبين ذي الشِّمالين ويزيد بن الحارث من بني حارثة، وبين عمير بن أبي وقَّاص وخُبَيب _بالخاء المعجمة_ بن عديٍّ، وبين عبد الله بن مظعون وقطبة بن عامر بن حديدة، وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر، وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد، وبين زيد بن الخَطَّاب ومعن بن عديٍّ، وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل، وبين عاقل _بالعين المهملة والقاف قبل اللام_ ابن البُكَيْر ومبشر بن عبد

(1/6985)

المنذر، وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو البياضيِّ، وبين خُنَيْس _بالخاء المعجمة المضمومة، وفتح النون، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم سين مهملة_ ابن حذافة والمنذر بن محمَّد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، وبين سبرة بن أبي زهير وعبادة بن الخشخاش؛ بمُعجَمات، وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن المِزِّيِّن، وبين عكاشة بن محصن والمجذَّر بن ذياد حليف الأنصار، وبين عامر بن فُهيرة والحارث بن الصِّمَّة، وبين مهجع [1] مولى عمر وسُراقة بن عمرو بن عطيَّة من بني غنم بن مالك بن النجَّار، كلُّ هذا المزيد عن أبي عمر، قاله غير يسيرٍ منه أبو الفتح ابن سيِّد الناس.

فائدة: ذَكَرَ المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض قبل الهجرة غيرُ واحد، وذكروا فيها غيرَ حديث، وقد قال أبو العبَّاس ابن تيمية في مؤاخاته عليه السلام بين أصحابه بمكَّة: وهو عليه السلام لم يؤاخِ عليًّا ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعليٍّ ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب، وإنَّما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخِ بين مهاجريٍّ ومهاجريٍّ، انتهى، ذَكَر

[ج 2 ص 41]

ذلك في المجلَّد الثاني من «الرَّدِّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ» في الفصل الحادي عشر من المجلَّدة المذكورة تجزئة خمسة أجزاء، فإن قيل: إنَّهم قالوا: إنَّه عليه السلام آخى بين حمزة وزيد بن حارثة في جملة مَن آخى بينهم مِن المهاجرين _ويؤيده ما في «الصحيح» في اختصام زيد وجعفر وعليٍّ في ابنة حمزة، وقد اختُلِف في اسمها، وصحَّح ابن الجوزيِّ: أنَّ اسمها أمامة، وسيجيء ذلك بزيادة، فقال في ذلك زيد: هي ابنة أخي، وأقرَّه عليه السلام_؛ فقد يجيب عنه ابن تيمية بأنَّه أخٌ بنصِّ القرآن: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقد تَقَدَّم ذلك، ولهذا قال عليه السلام لزيد: «أنت أخونا ومولانا» في الحديثِ نفسِه، ولم يقل أحد: إنَّ زيدًا آخاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

تنبيه: قد رأيت أحاديثَ كثيرةً ذُكِر فيها المؤاخاة؛ فلم أر شيئًا يردُّ على ابن تيمية إلَّا حديثًا واحدًا رأيتُه في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ في آخر ترجمة ابن مسعود، وقد ساق ابن عبد البَرِّ سنده إلى أحمد بن عمرو _والظَّاهر أنَّه البَزَّار الحافظ أبو بكر_ عن محمَّد بن سنجر: حدَّثنا سعيد بن سليمان: حدَّثنا عبَّاد، عن سفيان بن حُسين، عن يَعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (آخى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين الزُّبير وابن مسعود)، وهذا حديثٌ حسن _وذلك لأنَّ سفيان بن حسين مُتَكَلَّم فيه، وهو صدوقٌ مشهور، أخرج له مسلم والأربعة، وله ترجمة في «الميزان» _ فيحتاج إلى جواب، وقد أخرجه الحاكم في «مستدركه»، وقال: صحيح، ولم يتعقبه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فلعلَّه كان بعد التجزئة، وقد يدلُّ له رواية ابن عبَّاس له، وإلا؛ فيكون مرسَل صحابيٍّ، والجمهور على قبوله خلافًا لأبي إسحاق الإسفراينيِّ وطائفةٍ يسيرة، والله أعلم.

==========

(1/6986)

[1] في (أ): (مهج)، ولعل المثبت هو الصواب.

(1/6987)

[حديث: لما قدموا المدينة آخى رسول الله بين عبد الرحمن وسعد]

3780# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت الإمام مالك بن أنس.

قوله: (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ): هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الأعلام، تَقَدَّم، وأبوه: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أمُّه أمُّ كلثوم بنت سعد بن أبي وقَّاص، وُلِّي قضاء المدينة، ورأى ابن عمر، تَقَدَّم، وأبوه _وهو جدُّ إبراهيم_ اسمه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق الزُّهريُّ، أمُّه أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط، روى عن خاله عثمان بن عَفَّان، وسعد، وأبيه عبد الرحمن، تَقَدَّم.

قوله: (بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هذا هو ابن عوفٍ، وهذا يُعرَف ممَّا قدمته من تراجم أبنائِه.

قوله: (فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ): (أقسمُ)؛ بقطع الهمزة، وهي همزة المتكلِّم، وهو فعلٌ مضارعٌ.

قوله: (وَلِي امْرَأَتَانِ): امرأتاه لا أعرفهما، وتَقَدَّم أنَّ بعض حُفَّاظ المِصريِّين قال: زوجتا سعد بن الربيع: هي عمرة بنت حزم أخت عمرو بن حزم، سمَّاها إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن»، والأخرى لم تسمَّ.

قوله: (أُطَلِّقْهَا): هو بالجزم جواب الأمر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (قَيْنُقَاعَ): تَقَدَّم أنَّه مثلَّث النون، وكذا تَقَدَّم (الأَقِط) بلُغَتَيه، وما هو.

قوله: (الغُدُوَّ): هو بضمِّ الغين المعجمة، وضمِّ الدال المهملة، وتشديد الواو.

قوله: (مَهْيَمْ): تَقَدَّم الكلام عليها في (البيوع) وغيرها.

قوله: (تَزَوَّجْتُ): تَقَدَّم أنَّ هذه المرأة التي تزوَّج بها عبد الرحمن بن عوف هي من الأنصار، وكذا في بعض طرقه في «الصحيح»، وقد ذكرها شيخنا، وقد ذكرتها في أوَّل (البيوع) بما فيها، وقال بعض حُفَّاظ مِصْر من العصريِّين: هي بنت أبي الحيسر بن رافع [1]، أو سهلة بنت عاصم بن عديِّ بن الجدِّ بن العجلان، كما تَقَدَّم في (البيوع) انتهى، وراجعتُ الكلام في (البيوع)؛ فلم أرَ في النُّسخة التي وقفتُ عليها القول الثاني، وقد ذكرتُ فيه شيئًا في أوَّل (البيوع)؛ فراجِعْه، والله أعلم.

قوله: (كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟): أي: كم مهرتها؟ وقد تَقَدَّم في أوَّل (البيوع)، وكذا (نواة من ذهبٍ) فيه.

قوله: (شَكَّ إِبْرَاهِيمُ): هو إبراهيم المذكور في السند، وهو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف، تَقَدَّم.

(1/6988)

[حديث: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى]

3781# قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ): تَقَدَّم أنَّه حميد الطويل بن تير، ويقال: تيرويه، وتَقَدَّم أنَّ كلَّ حديثٍ في الكتب السِّتَّة [فيه] (حُميد عن أنس) هو الطويل إلَّا حديثين؛ أحدهما: في «البُخاريِّ» و «النَّسائيِّ»؛ فهو ابن هلال، وقد أخرجه البُخاريُّ في (الجنائز): «أخذ الراية زيدٌ فأُصيب»، والثاني: في «البُخاريِّ» فقط: «كأنِّي أنظر إلى غبار ساطع في سكَّة بني غنم»، أخرجه في (بدء الخلق)، والجميع غير هذين عن الطويل، والله أعلم.

قوله: (فَأُطَلِّقَهَا): هو بنصب (أُطَلِّقها) على الجواب للأمر، وهو (انظر).

قوله: (وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ): الوَضَر؛ بفتح الواو، والضاد المعجمة، وبالراء: اللَّطخ من الطِّيب، وأصله: الوسخ المتلطِّخ بالإناء، ثم استُعمِل فيما يشبهه من دَسَم وطيب وغيره.

قوله: (مَهْيَمْ): تَقَدَّم الكلام عليها في أوَّل (البيوع) وفي غيره، وكذا (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ)، وكذا (سُقْتَ)، وكذا (نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ).

==========

[ج 2 ص 42]

(1/6989)

[حديث: قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخل]

3782# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّم (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرحمن بن هُرمز، وكذا تَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَة): أنَّه عبد الرحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (وتَشْرَكونا): هو بفتح أوَّله وثالثه، وفيه لغةٌ أخرى تَقَدَّمت.

قوله: (فِي التَّمْرِ [1]): هو في أصلنا بالمثنَّاة فوق، ولا أحفظه إلَّا بالمثلَّثة، والله أعلم.

==========

[1] في هامش (ق): (قال شيخنا: لا أحفظها إلا «في الثَّمَرِ»).

[ج 2 ص 42]

(1/6990)

[باب حب الأنصار]

قوله: (بابُ حُبِّ الأَنْصَارِ): الحُبُّ؛ بضمِّ الحاء، وتشديد الموحَّدة، المصدر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 2 ص 42]

(1/6991)

[حديث: آية الإيمان حب الأنصار.]

3784# قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ): كذا في أصلنا، وعلى (عبد الله) الأولى (صح)، وفي الحاشية: (عبد الرحمن) عوض (عبد الله) الأوَّل، وعليها مكتوب: (أصل)، وهذه الترجمة لا أعلم فيها خلافًا أنَّها عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصاريُّ المدنيُّ، يروي عن أبيه، وجده لأمِّه عتيك بن الحارث، وعبد الله بن عمر، وأنس، وعنه: شعبة، ومسعر، ومالك، وجماعة، ضعَّفه ابن معين وغيره، قال ابن منجويه: أهل العراق تقول في جدِّه: جبر، ولا يصحُّ، إنَّما هو جابر، انتهى، أخرج له الجماعة، وليس له ترجمة في «الميزان» فيما وقفتُ عليه، وهو يلزمه، والله أعلم.

قوله: (آيَةُ الإِيمَانِ)، وكذا (آيَةُ النِّفَاقِ): أي: علامته، وقد تَقَدَّم لأيِّ شيءٍ كان ذلك في أوَّل هذا التعليق.

==========

[ج 2 ص 42]

(1/6992)

[باب قول النبي للأنصار: أنتم أحب الناس إلي]

(1/6993)

[حديث: اللهم أنتم من أحب الناس إلي]

3785# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الميمين بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجَّاج، وتَقَدَّم أيضًا (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد أبو عُبيدة الحافظ، ومترجمًا، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ): تَقَدَّم أنَّه ابن صهيب مترجمًا.

[ج 2 ص 42]

قوله: (مِنْ عُرسٍ): هو بإسكان الراء وضمِّها، معروف.

قوله: (مُمْثلًا [1]): هو بضمِّ الميم الأولى، وإسكان الثانية، وكسر الثاء المثلَّثة وفتحها، قال ابن قُرقُول: (مُمْتِنًا): كذا في (كتاب النِّكاح) من «البُخاريِّ» عن مُتْقِني شيوخنا؛ ومعناه: طويلًا، وضبطه أبو ذرٍّ: (مُمْتَنًّا)، ورواه ابن السَّكن: (يمشي) بدلًا من (مُمْتَنًّا)، قال القاضي أبو الفضلِ: وهو تصحيفٌ، وذكره في (الفضائل) _يعني هنا_: (مُمْثِلًا)؛ بكسر الثاء؛ أي: منتصبًا، وضبطناه في «مسلم»: (مُمْثَلًا)؛ بفتح الثاء، قال الوقشيُّ: صوابه: (ممثلًا)؛ أي: قائمًا؛ وعند الجيَّاني: (مقبلًا)، وقد جاء في الرِّواية الأخرى: (فمَثُلَ قائمًا)، وهذا يُفسِّر كلَّ خلافٍ، انتهى، وقال ابن الأثير في (مثل): (فقام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُمْثلًا)؛ بكسر الثاء وفتحها؛ أي: منتصبًا قائمًا، هكذا شُرِح، وفيه نظرٌ من جهة التصريف، وفي رواية: (فمَثُل قائمًا) انتهى.

==========

[1] في هامش (ق): (فائد: فتح الثاء أرجح).

(1/6994)

[حديث: والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي]

3786# قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ): هو بفتح الكاف، وكسر الثاء المُثلَّثة.

قوله: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ): هذه المرأة لا أعرفها.

قوله: (وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا): هذا الصَّبيُّ لا أعرفه أيضًا.

========== 

[باب أتباع الأنصار]

قوله: (بابُ أَتْبَاعِ الأَنْصَارِ): الأَتْبَاع؛ بفتح الهمزة، وسكون المثنَّاة فوق: جمع تَبَع، والتَّبَعُ أيضًا يكون واحدًا وجماعة، قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} [إبراهيم: 21].

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...