65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج4.مواهب الجليل الحطاب الرعيني

ج4.مواهب الجليل

الحطاب الرعيني ج 4

[ 1 ]

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفي سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الرابع دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[ 2 ]

جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1416 ه‍ - 1995 م

[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم تتمة كتاب الحج ومنع استنابه صحيح في فرض، والاكره كبدء مستطيع به عن غيره وإجارة نفسه بسم الله الرحمن الرحيم ص: (ومنع استنابة صحيح في فرض وإلا كره) ش: يعني أن استنابة الصحيح القادر في الفرض ممنوعة ولا خلاف في ذلك، والظاهر أنها لا تصح وتفسخ إذا عثر عليها. قال في الطراز: أرباب المذاهب متفقون على أن الصحيح القادر على الحج ليس له أن يستنيب في مرضه واختلف في تطوعه فالمذهب أنه يكره ولو وقع صحت الاجارة انتهى. ونقله المصنف وابن فرحون والتلمساني والقرافي والتادلي وغيرهم يخصص الصحة بالوجه المكروه. وكلام ابن عرفة كالصريح في ذلك ونصه: ولا يصح عن مرجو صحته. ولاشهب: إن آجر صحيح من يحج عنه لزم بلا خلاف. ابن بشير: لا تصح من قادر اتفاقا ونحوه للخمي انتهى، فانظر كيف قال لا تصح. ونقله عن ابن بشير وجعل القول باللزوم لاشهب، ويحتمل أن يكون كلام أشهب في النافلة عن الصحيح ولكن سياقه يشبه أن يدل أنه فهم كلام أشهب في الفرض والله أعلم. وفي كلام ابن عرفة فائدة أخرى وهي أن مرجو الصحة كالصحيح. ويدخل في قول المصنف وإلا كره بحسب الظاهر ثلاث صور: استنابة الصحيح في النفل، واستنابة العاجز في الفرض وفي النفل لكن في التحقيق ليس هنا إلا صورتان لان العاجز لا فريضة عليه. واعلم أن ابن الحاجب حكى في جواز استنابته ثلاثة أقوال. قال في التوضيح: المشهور عدم الجواز الذي يكره صرح بذلك في الجلاب. وكلام المصنف يعني ابن الحاجب لا يؤخذ من الكراهة بل المنع وهو ظاهر ما حكاه اللخمي انتهى. وما قال إنه ظاهر كلام اللخمي هو الذي مشى عليه ابن عبد السلام وابن عرفة ونقل الكراهة عن الجلاب. واعترض ابن فرحون على المصنف في حمله عدم الجواز في كلام ابن الحاجب على الكراهة قال: وينبغي حمل الكراهة على المنع فقد نص ابن حبيب عن مالك في الواضحة: لا يجوز ولفظ لا يجوز ينفي أن تكون الكراهة على بابها انتهى. وظاهر كلام القاضي سند أن هذا القول إنما هو بالكراهة

[ 4 ]

ولم ينقل عن الواضحة لفظ لا يجوز إنما نقل لا ينبغي. ثم لما أن أخيوجه الاقوال قال: ووجه القول بالكراهة وذكره فهو مساعد لما قاله المؤلف والله أعلم. فرع: قال سند: والكلام في العمرة كالكلام في الحج التطوع ونصه في باب النيابة في الحج، وسئل هل كان مالك يوسع أن يعتمر أحد عن أحد إذا كان لا يوسع في الحج ؟ قال: نعم ولو أسمعه منه وهو رأى إذا أوصى بذلك ظاهر كلامه أنه يكرذلك ابتداء لقوله: إذا أوصى بذلك وهو قول مالك في الموازية قال: لا يحج أحد عن أحد ولا يعتمر عنه ولا عن ميت ولا عن حي إلا أن يوصي بذلك فينفذ ذلك. والكلام في العمرة كالكلام في الحج التطوع لانها عبادة بدنية وشأنهما واحد، فما جاز من ذلك في الحج جاز في العمرة وما منع منع انتهى. قلت: فلا يكون في الاستنابة في العمرة إلا الكراهة سواء كان المستنيب صحيحا أو عاجزا، اعتمر أو لم يعتمر والله أعلم. فرع: قال في شرح العمدة: النيابة في الحج إن كانت بغير أجرة فحسنة لانه فعل معروف، وإن كانت بأجرة فاختلف المذهب فيها والمنصوص عن مالك الكراهة رأى أنه من باب أكل الدنيا بعمل الآخرة. فائدة: قال الشيخ ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب: قال الشيخ أبو بكر الطرطوشي في تعليقة الخلاف: الفرق بين النيابة والاستنابة أن النيابة وقوع الحج من المحجوج عنه وسقوط الفرض عنه، ومعنى الاستنابة جواز الفعل من الغير فقط يريد بالغير المستنيب انتهى. ص: (وإجارة لنفسه) ش: هو أتم مما قبله لانه يقتضي أن إجارة نفسه مكروهة سواء كان مستطيعا أم لا فانظره. ص: (ونفذت الوصية به من الثلث) ش: يعني أنا وإن قلنا الاستنابة في الحج مكروهة على المشهور فإن الميت إذا أوصى أن يحج عنه فإن الوصية تنفذ عنه على المشهور وهو مذهب المدونة، وقال ابن كنانة: لا تنفذ الوصية لان الوصية لا تبيح الممنوع قال: ويصرف القدر الموصى به في هدايا. وقال بعض من قال بقوله: يصرف في وجه من وجوه الخير انتهى من التوضيح. وعلى المشهور فتنفذ الوصية من الثلث سواء كان ضرورة أو غير ضرورة. وقال أشهب: إن كان ضرورة نفذت من رأس المال فإن لم يوص بها لم يحج عنه. وقال ابن الحاجب: وإن لم يوص لم يلزم وإن كان ضرورة على الاصح، فمفهوم كلامه أن مقابل الاصح بقول يلزم أن يحج عنه وإن لم يوص، وهذا القول غير معروف أنكره ابن عرفة. وقال في التوضيح: الخلاف راجع إلى الضرورة وكلامه يقتضي أن الخلاف في اللزوم وظاهر كلام ابن بشير وابن شاس أن الخلاف إنما هو في الجواز وهو الظاهر وكذلك قال ابن بزيزة. فرع: قال في التوضيح: إذا أوصى بمال وحج فإن كان صرورة فقال مالك في المدونة: يتحاصان، وقال في العتبية: يقدم حجة الفريضة. وقال في البيان: والصحيح على مذهب مالك

[ 5 ]

أن الوصية بالمال مبدأة لانه لا يرى أن يحج أحد عن أحد فلاقربة في ذلك على أصله، وإن كان غير صرورة ففي المدونة أن المال مبدأ، وفي العتبية يتحاصان ففي هذه قولان وفي الاولى ثلاثة أقوال انتهى. ومحل ذكر هذا كتا ب الوصايا والله أعلم. ص: (وحج عنه حجج إن وسع وقال يحج به لا منه وإلا فميرا ث) ش: يعني أن من أوصى أن يحج عنه بثلثه فإنه يحج به عنه كله إما بحجة واحدة أحججا متعددة إن كان يسع ذلك. وقوله: وإلا فميراث أي وإن لم يسع الثلث حججا أو وسع ولم يقل يحج به بل قال يحج منه فإنه يحج عنه والباقي يرجع ميراثا والله أعلم. ص: (كوجوده بأقل أو تطوع غير) ش: يعني أنه إذا سمي الميت قدرا من المال يحج به فوجد من يحج بدونه ألا تطوع غير واحد بالحج فإن الباقي في المسألة الاولى يرجع ميراثا كما قاله ابن القاسم في المدونة، وهذا إذا لم يسم الميت من يحج عنه وسيأتي حكم ما إذا سمى الميت

[ 6 ]

من يحج عنه والله أعلم. ص: (وهل إلا أن يقول يحج عني بكذا فحجج تأويلان) ش: هذا راجع إلى قوله: كوجوده بأقل وتطوغير. والمعنى أن من سمى قدرا من المال يحج به عنه ولم يعين من يحج عنه ولا فهمنه إعطاء الجميع فوجد من يحج بدون القدر المسمى أو من يتطوع عنه بالحج وقلنا بيرجع الباقي في المسألة الاولى ميراثا والمال كله في الثانية كما تقدم فهل ذلك مطلقا سواء قال الميت يحج عني بكذا حجة أو قال يحج عني بكذا ولم يقل حجة، أو يرجع ميراثا في المسألتين إلا إذا قال الميت يحج عني بكذا ولم يقل حجة فيصرف في حجج ؟ تأويلان. ويشير إلى ما قاله في مناسكه ونصه: وإن سمى قدرا حج عنه به فإن وجدوا من يحج عنه بدونه كان الفاضل ميراثا إلا أن يفهم إعطاء الجميع. هذا إن سمى حجة وإن لم يسم فكذلك عند ابن القاسم. وقال ابن المواز: يحج به حجج. واختلف هل قوله تفسير أو خلاف والاقرب أنه خلاف انتهى. فبان لك من كلام المؤلف في مناسكه أن ما ذكرناه في حل كلامه هو المتعين دون ما سواه فإنه هو الذي تساعده النقول وما عداه إنما هو احتمالات يدفعها ظاهر كلام المؤلف وتردها النقول، إما لكونها مخالفة لها أو لعدم وجودها والله أعلم

[ 7 ]

. ص: (وإن عين غير وارث ولم يسم زيد إن لم يرض بأجرة مثله ثلثها) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في كتا ب الوصايا من المدونة: ومن قال في وصيته أحجوا فلانا ولم يقل عني أعطي من الثلث قدر ما يحج به، فإن أبى الحج فلا شئ له وإن أخذ شيئا رده إلا أن يحج به. قال أبو الحسن عن اللخمي: يعطي ما يقوم به لحجة لكراء ركوبه وزاده وثياب سفره وغير ذلك من آلات السفر وكراء سكناه بمكة أيام مقامه حتى يحج. والنفقة في ذلك على ما يعتاد مثله، فإن انقضت أيام الرمي سقطت النفقة عن الموصي إلا أن تكون العادة في مثل هذا أن ينفق عليه حتى يعود إلى أهله الشيخ: ولو قال أحجوا فلانا الوارث لم يدفع إليه شئ لانها وصية لوارث انتهى. ص: (ثم أوجر للصرورة فقط غير عبد وصبي وإن امرأة) ش: لا شك أن قوله ثم أوجر للصرورة فقط من تمام ما قبله وأن المعنى أنه إذا عين الميت شخصا يحج عنه ولم يسم ما يعطى فإنه إن لم يرض بأجرة مثله زيد عليها قدر ثلثها، فإن لم يرض بذلك تربص به قليلا لعله يرضى، فإن لم يرض فإنه يستأجر للميت من يحج عنه إن كان صرورة، وأما إن كان غير صرورة فإنه لا يحج عنه ويرجع المال ميراثا وقاله في المدونة ونقله في التوضيح. ونص المدونة: ولو كان صرورة فسمى رجلا بعينه يحج فأبى ذلك الرجل فليحج عنه غيره بخلاف المتطوع الذي قد حج إذا أوصى أن يحج عنه رجل بعينه تطوعا، هذا إن أبى الرجل أن يحج عنه رجعت ميراثا انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن رشد: بعد أن يزاد مثل ثلث أجرة المثل انتهى. ونص كلام التوضيح: ولو قال أحجوا فلانا عني فأبى فلان إلا بأكثر من أجرة المثل زيد مثل ثلثها، فإن أبى أن يحج عنه إلا بأكثر من ثلثها لم يزد على ذلك واستؤجر من يحج عنه غيره بعد الاستيناء ولم يرجع ذلك إلى الورثة إن كانت الحجة فريضة باتفاق، أو نافلة على قول غير ابن القاسم في المدونة خلاف قول ابن القاسم فيها. قاله في البيان انتهى كلام التوضيح. وأما قوله غير عبد وصبي فليس خاصا بهذه المسألة أعني مسألة من عين غير وارث وإنما يعني أن المستأجر عن الميت يكون غير عبد وصبي إن كان الميت صرورة ولا يحج عنه عبد أو صبي إلا أن يأذن في ذلك، وأما غير الصرورة فيحج عنه العبد والصبي إلا أن يمنع من ذلك، نقله في التوضيح ونحوه في أبي الحسن الصغير. قال في التوضيح: من أوصى أن يحج عنه وكان صرورة فلا يحج عنه عبد ولا صبي إلا أن يأذن في ذلك الموصي. قاله في المدونة. وقال ابن القاسم في الموازية: يدفع ذلك لغيرهما وإن أوصى

[ 8 ]

لهما، أما إن ظن الوصي أن العبد حر وقد اجتهد فلا يضمن على ظاهر المذهب، ومن حج ثم أوصى أن يحج عنه فلا بأس أن يحج عنه عبد أو صبي إلا أن يمنع من ذلك انتهى. زاد الشيخ زروق في شرح الارشاد: لانه مشتغل فغاية شرطه التمييز والاسلام انتهى. فانظر ما ذكره من التمييز وكأنه للخلاف الذي في صحة حج غير المميز والله أعلم. وقال في المدونة: ومن أوصى عند موته أن يحج عنه أنفذ ذلك ويحج عنه من قد حج أحب إلي، وإن استؤجر من لم يحج أجز أو تحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة ولا يجزئ أن يحج عنه عبد أو صبي أو من فيه بقية رق إذ لا حج عليهم ويضمن الدافع إليهم إلا أن يظن أن العبد حر وقد اجتهد ولم يعلم فإنه لا يضمن. وقال غيره: لا يزول عنه الضمان بجهله انتهى. قال أبو الحسن: قوله ومن أوصى عند موته أن يحج عنه يعني حجة الفريضة يدل عليه قوله ويحج عنه من قد حج أحب إلي وقوله ولا يجزئ أن يحج عنه يعني حجة الفريضة يدل عليه قوله يحج عنه من قد حج أحب إلي قوله ولا يجزئ أن يحج عند عبد أو صبي. انتهى. فرع: قال في المتيطية: وإذا عين الميت للحج عبدا أو صبيا أنفذ ذلك عنه حسبما أوصى به إن أذن للعبد سيده وللصبي أبوه أو وليه، فإن لم يأذن لهما رجعت وصية العبد ميراثا واستؤني بالصبي ملك نفسه، فإن حج وإلا رجعت ميراثا، هذا قول ابن القاسم لانه لما عين من لا حج له فكأنه قصد التطوع. قال ابن القاسم: وكذلك لو كان المتوفى قد حج حجة الاسلام ثم أوصى أن يحج عنه لفلان حر بالغ فإنه إن أبى يرجع ميراثا انتهى وفي النوادر خلاف هذا ونصه ابن القاسم: وإن أوصى وهو صرورة أن يحج عنه عبد أو صبي دفع ذلك لغيرهما مكانهما ولا ينتظر عتق العبد وكبر الصبي. قال أشهب: وأما في التطوع يوصي أن يحج عنه عبد أو مكاتب أو صبي فلينفذ ذلك له إن لم يكن على الصبي مضرة، فإن لم يأذن وصية أو سيد العبد تربص ذلك حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ الصبي، فإن عتق العبد وبلغ الصبي فأبيا رجع ميراثا انتهى. وما ذكره المتيطي هو في المدونة في الوصايا إلا ما ذكره من أن العبد لا يستأني عتقه فإنه لم يذكره في المدونة، ولم يذكر حكم ما إذا لم يأذن له سيده لكن نقل أبو الحسن الصغير عن ابن يونس عن غير واحد من فقهائه المتأخرين أنه إذا لم يأذن السيد لا يستأني عتق العبد كما يستأني بلوغ الصبي بخلاف العبد يوصي أن يشتري فيعتق هنا ينتظر لحرمة العتق. ثم قال ابن يونس: وقال أشهب: وذكر عنه ما تقدم من استيناء العبد حتى يؤيس من عتقه. ابن يونس: وهذا صواب لانه كما ينتظر لحرمة العتق كذلك حرمة الحج انتهى. والظاهر ما قاله غير واحد من الفقهاء لان لبلوغ الصبي حدا ولا حد لعتق العبد إلا أن يقال ربما بلغ الصبي أيضا سفيها. وقول أشهب حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ الصبي أما عتق العبد فواضح وأما بلوغ الصبي فكيف يؤيس منه ؟ والله أعلم. فرع: قال في النوادر: ومن أوصى أن يحج عنه فأنفذ ذلك ثم استحقت رقبته فإن كان معروفا بالحرية فلا ضمان على الوصي ولا على الاجير وما لم يفت من ذلك رد انتهى. ص

[ 9 ]

: (ولم يضمن وصي دفع لهما مجتهدا) ش: مفهومه أنه لو دفع إليهما غير مجتهد ضمن وهو كذلك كما تقدم عن المدونة والله أعلم. ص: (ولزمه الحج بنفسه) ش: هذا هو المشهور وقيل لا يلزم. قال ابن عبد السلام: أما إن ظهرت قرينة في التعيين أو عدمه فالظاهر أنه يصار إليها وإن لم يكن فهذا محل الخلاف، وقياس الاجارة في غير هذا الباب يقتضي عدم التعيين انتهى. وفي الجلاب: ومن استؤجر على أن يحج من غيره فلا يجوز له أن يستأجر غيره إلا أن يأذن من يستأجر انتهى. وقال ابن عسكر في شرح العمدة إن شرط عليه الفعل بنفسه في العقد فإنه يلزمه. وإن لم يشترط وكان مرغوبا فيه لعلمه وصلاحه تعين وإلا لم يتعين. انتهى. وقال ابن الحاجب: وفي تعليق الفعل بذمة الاجير قولان انتهى والله أعلم. ص: (لا الاشهاد إلا أن يعرف) ش: قال سند: إن كان بينهم شرط أو عرف عمل به وإن انتفيا، فإن قبض الاجرة فهو

[ 10 ]

أمين على ما يفعل ولا تسترد منه الاجارة حتى يثبت خيانته، وإن ليقبض الاجرة فلا شئ له يثبت أنه وفي ولا يصدق إن اتهم إلا ببينة والله أعلم. ص: (وقام وارثه مقامه فيمن يأخذه في حجة) ش: يعني أن وإرث الاجير يقوم مقامه إذا مات أو كانت الاجارة مضمونة في ذمة الاجير كما قال في قول المستأجر من يأخذ كذا في حجة. قال في الطراز في أول باب النيابة لما تكلم على موت الاجير: فلو كان الحج مضمونا ولم يشترط حجه بنفسه وإنما أخذ المال على حجة مضمونة عليه مثل أن يقول من يأخذ كذا في حجة أو من يضمن لي حجة بكذا ولم يعين لفعلها أحدا، فهذا إن مات ولم يحرم قام وارثه مقامه في استحقاقه الاجرة وتوفية الضمان كما في الكراء المضمون. قال ابن القاسم في الموازية: ومن دفع إلى رجل عينا أو عرضا أو جارية على أن يكون عليه حجة عن فلان فمات الذي عليه الحج فذلك في ماله حجة لازمة تبلغ ما بلغت لا يلزمه غير ذلك بمنزلة سلعة من السلع. وقاله أصبغ إلا أن الوارث لا يلزمه ذلك ويكون في ماله كما في الكراء. فإن مات بعدما أحرم فللوارث أن يحرم بذلك إن لم تفت السنة المعينة، وإن فات في غير المعينة إلا أنه يحرم من الموضع المشترط للاحرام منه أو من الميقات المستأجر ولا يجتزئ بما فعل الميت ولا يبني عليه. ثم قال: فإن كانت من الاجارة المضمونة المعينة الوقت والوقت باق فللوارث أن يحج أو يستأجر من يحج ويستحق الاجرة، وإن فات وقت الوقوف فسخ العقد ورد باقي الاجرة وإن كانت غير معينة، فإذا أراد الوار ث من قابل ورضي المستأجر جاز. وإن أراد المستأجر الفسخ فالقياس أن لا يفسخ لانه إنما له حج ولم يستحق سنة بعينها. وقال بعض الشافعية: له أن يفسخ لتأخير الحج عنه انتهى. فالذي قال: إنه القياس هو الذي جزم به أولا أعني قوله إن لم تفت السنة في السنة المعينة وإن فاتت في غير المعينة. وإنما كرره لينبه على أن الخلاف الذي لبعض الشافعية. ونقل القرافي كلام صاحب الطراز مختصرا ونقله ابن غازي عنه فلذا ذكرت كلام الطراز من أصله والله أعلم. ص: (ولا يسقط فرض من حج عنه وله أجر النفقة والدعاء) ش: قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب وقال يتطوع عنه بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق. قال: لان ثواب هذه الاشياء يصل إلى الميت وثواب الحج هو للحاج وإنما للمحجوج عنه بركة الدعاء وثواب المساعدة على المباشرة بما يصرف من مال المحجوج عنه. انتهى وله نحو ذلك في

[ 11 ]

مناسكه. وقال فيها أيضا بعده: وتنفذ الوصية بالحج على المشهور والشاذ لا تنفذ. وعلى المشهور فهل يكون الحج على وجه النيابة عن الميت وعليه نزلت رواية ابن القاسم في المدونة لانه قال: لا يحج عنه صرورة ولا من فيه عقد حرية فاعتبار المباشرة للحج يدل أنه على وجه النيابة. وقيل: لا تصح النيابة في ذلك وإنما للمحجوج عنه أجر النفقة، وإن تطوع عنه أحد فله أجر الدعاء انتهى. ويشهد لما قاله من أن ثواب الحج للحاج ما قاله سند في شرح أول مسألة من باب النيابة قال أبو حنيفة: يلزم المعضوب الغني أن يستأجر من يحج عنه ويلزم الاجير أن ينوي حجة الاسلام عن المعضو ب ثم يقع الحج للاجير تطوعا دون المعضوب، وإنما له ثواب النفقة في إنفاق الاجير وتسهيل الطريق وهذا قريب من قول مالك انتهى. وإنما قال قريب لان مالكا لا يقول يجب عليه الاستئجار والله أعلم. ونقله عنه التادلي في أول باب النيابة ونقله ابن فرحون في مناسكه، وقال سند بعد كلامه السابق بنحو الورقة: والحج في الحقيقة منفعة لفاعله لانه سعيه. وقال الله تعالى * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى) * فهو يرى سعيه ويجازيه أوفى جزاء وإنما للمستنيب بقصد استنابته وإعانته وسعيه في ذلك انتهى. والله أعلم. والمعضوب قال ابن جماعة في مناسكه: بعين مهملة وضاد معجمة من العضب وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف. ويقال بالصاد المهملة كأنه ضرب على عصبه فانقطعت أعضاؤه انتهى. فرع: قال في المدونة: ومن حج عن ميت فالنية تجزيه وإن لم يقل لبيك عن فلان انتهى. قال سند: مقصوده أن الحج ينعقد عن الغير بمجرد النية كما ينعقد عن المحرم بمجرد النية والله أعلم. فرع في ركنهما ص: (وركنها الاحرام) ش: لما فرغ من الكلام على حكم الحج والعمرة وشرط صحتهما وشروط وجوب الحج وما انجر إليه الكلام في ذلك من بيان حكم الاجارة عليه وكان ذلك كله كالمقدمات، شرع يتكلم على المقاصد وهي الاركان. ولما كانت العمرة تشارك الحج في ثلاثة أركان أعاد الضمير عليها مثنى للاختصار فقال: وركنهما الاحرام. ثم قال: ثم الطواف لهما. ثم قال: ثم السعي ثم ذكر الركن الرابع الذي يختص به الحج وهو الوقوف فقال: وللحج حضور جزء عرفة. فعلم من ذلك أن أركان الحج أربعة: الاحرام وطواف الافاضة والسعي والوقوف بعرفة. وأركان العمرة ثلاثة، الاحرام والطواف والسعي. فأما الاحرام فحكى الاجماع على ركنتيه غير واحد من العلماء إلا أن بعض المتأخرين من الحنفية يقولون: إنه

[ 12 ]

شرط وليس بركن لانه خارج عن الماهية والامر في ذلك قريب، فإن المراد أنه لا بد من الاتيان به ولا ينجبر تركه بشئ، وأما الوقوف وطواف الافاضة فأجمع العلماء على ركنتيهما. نص على الاجماع على ركنية الوقوف أو عمر وغيره ونقله القباب،. ونص على الاجماع على ركنية طواف الافاضة في الاكمال ونقله التادلي وإن كان الطحاوي حكى عن محمد بن الحسن أنه إذا مات قبل أن يطوف ناب الدم منابه حكاه في الطراز. وقد حكى الاجماع على ركنية هذه الثلاثة ابن الحاج في مناسكه. وأما السعي فالمشهور من المذهب أنه ركن في الحج والعمرة وبه قال الشافعي وابن حنبل في أحد قوليه. وروى ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أنه واجب يجبر بدم وليس بركن وبه قال أبو حنيفة. قال في الطراز: والرواية المذكورة عن مالك هي قوله إن من ترك السعي حتى تباعد وتطاول الامر فأصاب النساء أنه يهدي ويجزيه. ففهم صاحب الطراز عنه أنه يقول إنه ليس بركن، وفهمه اللخمي وغيره على أنه قاله مراعاة للخلاف، وعد ابن الماجشون من الاركان الوقوف بالمشعر ذكره في المقدمات وفي رسم ليرفعن أمره إلى السلطان ولفظه في الرسم المذكور. وذهب ابن الماجشون إلى أنه من فرائض الحج لا يجزي عنه الدم لقوله عزوجل * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * والدليل على أنه غير واجب تقديم رسول الله (ص) ضعفة أهله بليل ولم يفعل ذلك بعرفة مع إن الحاجة إليه بعرفة أمس انتهى. وقال في التوضيح: وحكى اللخمي عنه أي عن ابن الماجشون أنه لو ترك الوقوف بالمشعر الحرام لا شئ عليه. ولعل له قولين انتهى. ولفظ اللخمي: واختلف في ثلاثة مواضع: الاول إذا دفع من عرفة إلى منى ولم ينزل بالمزدلفة فقال مالك: عليه الدم وإن نزل بها ثم دفع أول الليل أو وسطه فلا دم عليه، وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: لا دم عليه وإن دفع من عرفة إلى منى انتهى. ثم قال: والثالث إذا نزل بالمزدلفة ولم يقف بالمشعر الحرام فقال مالك وابن القاسم: لا هدي عليه، وإن وقف بالمشعر الحرام ولم ينزل بمزدلفة عليه الدم، وجعلوا النزول بها أوكد من الوقو ف بالمشعر الحرام. وقال عطاء وابن شهاب وغيرهما عليه الدم. وقال علقمة والشعبي والنخعي: إذا لم يقف بالمشعر فقد فاته الحج انتهى. فأنت تراه لم يصرح عن ابن الماجشون بأنه لو ترك الوقوف بالمشعر لا شئ عليه، وإنما فهمه المصنف عنه ممن تقدم عنه، ويدل على ذلك أن المصنف لما تكلم على ترك المبيت بمزدلفة وذكر الخلاف في لزوم الدم قال: والقول بالسقوط لابن الماجشون. وهو ما يبين لك أن قوله اختلف في الوقوف بالمشعر الحرام هل هو ركن أم لا انتهى. وكذلك فهم القباب أن نقل اللخمي مخالف لنقل ابن رشد وكذلك أبو إبراهيم الاعرج قال: لعل له قولين نقله عنه ابن فرحون في مناسكه. وإذا علم ذلك فليس ما فهموه بظاهر لان النزول بمزدلفة غير الوقوف بالمشعر، وقد ذكر اللخمي كل واحد منهما على حدته وكذلك غيره، فيمكن أن يكون ابن الماجشون يقول بركنية

[ 13 ]

الوقوف بالمشعر وعدم لزوم الدم بترك النزول. وقد قال الحنفية بأن المبيت سنة لا يجب بتركها دم والوقوف بالمشعر واجب يجب بتركه الدم. هكذا نقل عنهم ابن جماعة في منسكه الكبير فإنه ذكر عنهم في الباب الحادي عشر أن المبيت بمزدلفة سنة. وحكى في آخر الباب الثاني عشر أن الوقوف بمزدلفة عندهم واجب. قال: والواجب عندهم منجبر بالدم إلا ركعتي الطواف، والفرض لا ينجبر بالدم وغيرهما لا يحتاج إلى جابر والله أعلم. وقد عدهما أيضا ابن الفرس في أحكام القرآن فرعين وقال بعد ذكره عن علقمة والشعبي والنخعي: إن من لم يقف بجمع فاته الحج ويجعل إحرامه في عمرة إلا أن الطحاوي رد عليهم بأن قوله تعالى * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * ليس فيه دليل على وجوب الوقوف لانه إنما أمر تعالى بالذكر وقد أجمع على عدم وجوبه، فإذا لم يجب الذكر المأمور به فأحرى أن لا يجب الوقوف. وهذا القول الذي رده الطحاوي هو قول ابن الماجشون انتهى. وذكر هذا القول عن الاوزاعي. وذكر ابن الحاج في مناسكه عن ابن عبيد أنه يقول به وهو من أصحابنا. قاله ابن فرحو في مناسكه. وعد ابن الماجشون أيضا من الاركان رمي جمرة العقبة. وحقيقة مذهبه أن رمي جمرة العقبة في أيام منى ركن، فإن رماها يوم النحر تحلل، إن لم يرمها لم يتحلل. فإن رمى الجمار ثاني يوم تحلل برمي العقبة ولا يشترط بها تعيين نية، فإلم يذكرها حتى زالت أيام منى بطل حجه ووجب عليه القضاء من قابل والهدي صرح به في الطراز في الكلام على أفعال الحج في أول كتاب الحج قبل باب تقليد الهدي ونية الاحرام. وذكره في باب رمي جمرة العقبة، واحتج بحديث إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شئ إلا النساء فجعل رميها شرطا في التحليل ولانها عبادة تتكرر سبعا فتكون ركنا كالطواف والسعي. والمذهب عدم ركنيتها وهو قول الجماعة لقوله عليه السلام من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج رواه الشيخ أبو بكر الابهري بإسناده، ورواه أبو داود. انظر المقاصد الحسنة للسخاوي. وذكره الشيخ جلال الدين الاسيوطي في قواعده بلفظ من أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج وعزاه للطبراني من طريق ابن عباس. وقوله عليه السلام من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثته خرجه أبو داود والترمذي. ولانها لو كانت ركنا لما فاتت بخروج وقتها كالطواف بالسعي والحديث المذكور لا حجة فيه لان أبا داود حرفه وقال إنه ضعيف، وتكراره سبعا لا يوجب ركنيتها كغيرها من الجمار وقياسها على بقية الجمار أولى من قياسها على الطواف. قال ابن الفرس: وحكى الواقدي عن مالك مثل قول عبد الملك بوجوب رمي جمرة العقبة، وحكاه ابن عرفة عن ابن رشد عن الواقدي والله أعلم. وحكى ابن عبد البر قولا بركنية طواف القدوم وليس بمعروف، وليس النزول بمزدلفة ركنا خلافا لبعض التابعين وهو وجه ضعيف لبعض الشافعية، وكذلك الحلق ليس بركن عندنا خلافا للشافعية. وقال الشافعية في الاصح عندهم إن الحلاق

[ 14 ]

ركن، وعند المالكية والحنفية والحنابلة وأحد الاقوال عند الشافعية أنه ليس بركن، وعد القاضي عياض في قواعده من الاركان النية. قال شارحه: جمع المؤلف بين عد النية في الحج فريضة وعد الاحرام فريضة أخرى. وما رأيته لغيره فإن منهم من يعد النية ومنهم من يعد الاحرام. والاحرام يشتمل على التجرد والغسل والركوع والنية وليس في الجميع ما هو فرض غير النية خاصة فلذلك اكتفى غيره بعد أحدهما عن الآخر وهو البين انتهى. وقد عد ابن الفرس في أحكام القرآن الاحرام من الفروض المتفق عليها، والنية من الفروض المختلف فيها وإن مذهب الجمهور فرضيتها، وذهب بعض الناس إلى أنها ليست بفرض قال: ذكره ابن حزم وسيأتي تحقيق ذلك. ذهب ابن حبيب إلى أن التلبية شرط في انعقاد الاحرام فتكون كالنية، قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وينوي ما أراد من حج أو عمرة يعني مع التلبية لانها عند ابن حبيب بمثابة تكبيرة الاحرام والغسل بمنزلة الاقامة والركوع كرفع اليدين في الصلاة. وعد القاضي عياض في الفروض دخول وقت الحج، وهذا يرجع إلى الوقوف فيشترط فيه أن يكون ليلة العاشمن ذي الحجة. وزاد التادلي تقديم الطواف على السعي ذكره في الباب الثامن وهذا راجع إلى السعي فيشترط فيه تقدم طواف عليه كما سيأتي والله أعلم. فتحصل من هذا أن الواجبات المستقلة تسعة: ثلاثة مجمع عليها وهي الاحرام والوقوف والطواف، وثلاثة مختلف فيها في المذهب وخارجه وهي السعي والمشهور أنه ركن - والوقوف بالمشعر ورمي جمرة العقبة والمشهور أنهما ليسا بركنين بل الاول مستحب والثاني سنة أو الاول سنة والثاني واجب يجبر بالدم على الخلاف الآتي، وواحد مختلف فيه في المذهب فقط وهو طواف القدوم. والمعروف من المذهب أنه واجب يجبر بدم، والثاني مختلف فيهما خارج المذهب فقط وهما النزول بمزدلفة والحلاق والمذهب أنهما ليسا بركنين بل سنتان أو واجبتان يجبران بالدم على الخلاف أيضا، ولكن ينبغي للانسان أيضا إذا أتى بهذه الاشياء أن ينوي بها الركنية ليخرج من الخلاف وليكثر الثواب إذ ثواب الواجب أكثر من ثواب السنة. أشار إلى ذلك الشبيبي في شرح الرسالة فتأمله والله أعلم. واعلم أن أفعال الحج على ثلاثة أقسام واختلف أهل المذهب في التعبير عنها. فمنهم من يقسمها إلى أركان وواجبات وسنن، ومنهم من يقول واجبات أركان غير منجبرة، وواجبات غير أركان منجبرة وسنن ومنهم من يقسمها إلى فروض وسنن وفضائل، أو يقول مستحبات. ومنهم من يقسمه إلى فروض وواجبات وسنن. وبعض هؤلاء يسمى القسم الثاني سننا مؤكدة أو سننا واجبة وهو راجع إلى اختلاف في العبارة، فما يسميه الاول أركانا يسميه الثاني واجبات أركانا غير منجبرة، ويسميه الآخران فروضا، وما يسميه الاول والرابع واجبات يسميه الثاني واجبات غير أركان منجبرة، ويسميه الآخر سننا أو سنن مؤكدة أو سننا واجبة، وما يسميه الاول والثاني والرابع سننا يسميه الثالث فضائل أو مستحبات،

[ 15 ]

فالقسم الاول هو ما لا بد من فعله ولا يجزئ عنه بدل لا دم ولا غيره وهوما تقدم ذكره من المجمع عليه والمختلف في عند من يقول به، وهو على ثلاثة أقسا: قسم يفوت الحج بتركه ولا يترتب حكم بسبب تركه وهو الاحرام، إما بتركه بالكلية أو بترك ما هو شرط فيه وهو النية، وترك التلبية على قول ابن حبيب كترك الاحرام. وقسم يفوت الحج بفواته ويؤمر بالتحلل بأفعال عمرة والقضاء في قابل، وإن بقي على إحرامه إلى قابل فأتمه أجزأه وهو الوقوف بعرفة باتفاق، وعلى القول الآخر يضاف إلى الوقوف بعرفة الوقوف بالمشعر ورمي جمرة العقبة، ويضاف إلى ذلك على قول بعض الشافعية النزول بمزدلفة. وقسم لا يفوت الاحرام بتركه ولكن لا يتحلل من الاحرام إلا بفعله ولو صار إلى أقصى المشرق والمغرب رجع وإلى مكة ليفعله وهو طواف الافاضة باتفاق والسعي على المشهور وطواف القدوم عند من قال بركنيته. والقسم الثاني ما يطلب بالاتيان به، فإن تركه لزمه دم. هل يأثم بتعمد الترك ؟ قال ابن عبد السلام: تظهر ثمرة الخلاف في التسمية بالتأثيم وعدمه، فمن يرى وجوبها يقول بالتأثيم لتاركها، ومن يقول إنها سنة لا يقول بذلك انتهى. ونقله في التوضيح ثم قال: وقال الاستاذ أبو بكر الطرطوشي: أصحابنا يعبرون عن هذه الخصال بثلاث عبارات: فمنهم من يقول واجبة، ومنهم من يقول وجوب السنن، ومنهم من يقول سنة مؤكدة، قال: ولم أر لاصحابنا هل يأثم بتركها أو لا أو أرادوا بالوجوب وجوب الدم والامر محتمل انتهى. والظاهر أن الاختلاف إنما هو في محض عبارة كما قال في الطراز: والخلاف عندي آيل إلى عبارة محضة لان الجميع قالوا في تركه دم انتهى. وأما التأثيم بتعمد الترك فقد صرح به عصري الطرطوشي الامام القاضي أبو عبد الله محمد بن الحاج في منسكه قال فيه: وأما سنن الحج فمنها ما يؤمر بفعله ولا يلحق مؤثم بالقصد إلى تركه كالغسل للاحرام. ثم قال: ومنها سنن مؤكدة يجب فعلها ويتعلق الاثم مع القصد إلى تركها كالتلبية. ثم ذكر منها ثمانية ثم قال: وما أشبه ذلك مما يجب الدم بتركه انتهى. وصرح به ابن فرحون في الباب الثامن: إذا ثبت ذلك فاعلم أن الظاهر في هذه الافعال أنها واجبة لصدق حقيقة الواجب عليها وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه فيكون كالاربعة المتقدمة. غاية الامر أن الشارع خصص كلا منها بحكم يخصه فجعل الاربعة المتقدمة لا بد من الاتيان بها وجعل هذه تجبر بالدم، كما أنه خصص بعض الاربعة بأنه يفوت الحج به ولا يترتب على ذلك شئ، وبعضها بأنه يتحلل من الاحرام بسبب فوته ويلزم القضاء، وبعضها بأنه لا يتحلل إلا بالاتيان به وبإطلاق الوجوب عليه. صدر ابن الحاجب والمصنف في مناسكه وغيرهما قال ابن الحاجب: والواجبات المنجبرة وقيل سنن. وقال المصنف في مناسكه: القسم الثاني واجبات ليست بأركان. ومن أصحابنا من يعبر عنها بالسنن، وبعضهم يقول سننا مؤكدة. ويلزم على الاول التأثيم لكن قال الاستاذ أبو بكر: لم أر لاحد من علمائنا هل يأثم

[ 16 ]

بتركها أم لا، وإن أرادوا بالوجوب وجوب الدم فالامر محتمل انتهى. وقد تقدم النص بالتأثيم فظهر إطلاق الوجوب عليها وهذا أيضا ظاهر كلام صاحب الجواهر حيث قال في أوائل الباب الخامس في المقاصد من كتاب الحج. تنبيه: اصطلاح المذهب أن الفرض والواجب سواء إلا في الحج فقد خصص ابن الجلاب وغيره اسم الفرض بما لا يجبر بالدم فقال: فروض الحج أربعة، وليس المراد الواجبات لان كل ما يجبر بالدم واجب كما خصص في كتاب الصلاة في السهو السنة بما يجبر بالسجود فجعلها خمسة مع أن سنن الصلاة قد عدها صاحب المقدمات ثمانية عشر وقال: يسجد منها الثمانية فليعلم ذلك انتهى. وكذلك قال الشيخ حلولو في شرح جمع الجوامع: الفرض والواجب مترادفان. قال: وفرق بينهما بعض أصحابنا في كتاب الحج انتهى. لكن قد علم أن تفريق أصحابنا بينهما ليس كتفريق أصحاب أبي حنيفة أن الفرض ما ثبت بقطعي والواجب بظني، بل التفريق بينهما بزيادة التأكيد. قال ابن عبد السلام: وإيجاب أهل المذهب الدم في ترك هذه الافعال كما أوجبوا السجود في بعض سنن الصلاة وذلك في الصلاة أظهر منها لكثرة الاحاديث المتضمنة لسجود السهو، والهدي إنما جاء في التمتع خاصة فيما نعلمه وفي إلحاق هذه الصور وفيه نظر انتهى. وليس الموجب للدم في هذه الصور القياس فقط بل قوله عليه السلام من ترك نسكا فعليه دم ذكره في الطراز والله أعلم. وهذا القسم على ثلاثة أقسام: قسم متفق على وجو ب الدم فيه، وقسم مختلف فيه والمشهور الوجوب، وقسم مختلف فيه والمشهور عدم الوجوب. فالاول كترك الاحرام من الميقات لمريد النسك، وترك التلبية بالكلية، وترك ركعتي الطواف حتى يرجع إلى بلده، وترك الجمار كلها أو حصاة منها حتى مضت أيام الرمي، وترك المبيت بمنى ليلة كاملة من أيام الرمي، وترك الحلاق حتى يرجع إلى بلده أو يطول لغير عذر أو لوجع برأسه لكن لا إثم مع العذر، وتأخير طواف الافاضة أو السعي أو هما معا إلى المحرم، وترك البداءة بالحجر الاسود في الطواف ثم لم يعده حتى رجع إلى بلده، والرفع من عرفة نهارا قبل الامام ولم يخرج منها إلا بعد الغروب، والتفريق بين الطواف والسعي بالزمن الطويل ثم لم يعاوده حتى رجع إلى بلده. والقسم الثاني كترك التلبية في أول الاحرام حتى يطول أو فعلها في أول الاحرام ثم تركها على ما شهره ابن عرفة، وظاهر كلام المؤلف عدم وجوب الدم في هذا. وكترك طواف القدوم لغير المراهق، وترك السعي بعده وتركهما معها كترك أحدهما من ذي الجمار إلى وقت القضاء ولو كان لمرض به ولو رمى عنه غيره ولكن لا يأثم حينئذ، وكترك المشي في الطواف للقادر ثم لم يعده أيضا، وترك المشي في السعي لقادر ثم لم يعده أيضا، وكترك الوقوف بعرفة مع الامام نهارا للمتمكن، وتأخير شئ من الجمار إلى وقت القضاء ولو كان لمرض به ولو رمى عنه غيره ولكن لا يأثم حينئذ، وترك المبيت بمنى جل ليلة من ليالي الرمي، وترك النزول بمزدلفة ليلة النحر، وترك السعي في حق من

[ 17 ]

أنشأ الاحرام من مكة وطاف وسعى قبل خروجه إلى عرفة، وتقديم الافاضة على الرمي. والقسم الثالث كترك الاحرام من الميقات لمن يريد دخول مكة ولا يريد النسك، وترك طواف القدوم والسعي بعده نسيانا حتى يخرج لعرفة، وترك المبيت بمنى ليلة يوم عرفة على ما نقله التادلي عن ابن العربي قال: وهو مما انفرد به انتهى. وترك الحلق أو الافاضة حتى خرجت أيام منى كما نقله التادلي وغيره، وتقديم النحر على الرمي، وتقديم الحلق على النحر، وترك الرمل في الطواف، وترك الخبب في السعي، وتفريق الظهر من العصر بعرفة كما صرح به ابن فرحون في الباب الخامس. وأما الدم اللازم لترك الافراد فليس لترك واجب إنما هو حكم اختصت به هذه الصفات، ألا ترى أن من يقول إن التمتع والقران مقدم على الافراد يقول بلزوم الدم فتأمله والله أعلم. والقسم الثالث من أفعال الحج وهو ما يطلب بالاتيان به فإن تركه فلادم ولا إثم وهو كثير. وأكثره مستحبات كالغسل للاحرام والركوع له، ومقارنة التلبية نية الاحرام وذلك عند توجهه واستوائه على الراحلة إلا بالمسجد الحرام كما سيأتي، وتكرار التلبية عند كل شرف وصعود وهبوط، وأن يسمع بها نفسه ومن يليه، وأن تسمع بها المرأة نفسها، والغسل لدخول مكة والدخول من أعلاها، وقطع التلبية إذا دخلها، والمبادرة للمسجد عند دخوله، والدخول من باب بني شيبة، وتقبيل الحجر أول مرة ثم تقبيله في غير الاولى، واستلام الركن اليماني والاقبال على الذكر والدعاء، وتقبيل الحجر عند الخروج للسعي، والخروج للسعي عقب فراغه من الطوا ف من باب الصفا أو غيره، والصعود على الصفا والمروة إلى أعلاهما إن أمكن، والتوجه عليهما للقبلة، والسعي متطهرا، والخروج إلى منى يوم التروية قدر ما يصلي بها الظهر، والغسل للوقوف والوقوف راكبا وإن لم يجد ما يركب فعلى قدميه، والابتهال بالدعاء والذكر والدفع مع الامام بعد الغروب والاتيان إلى المزدلفة من طريق المازمين، والاسراع في بطن محسر، والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، ورميه العقبة حين وصوله على هيئته من ركوب أو مشي، والوقوف عند الجمرتين للدعاء والتكبير مع كل حصاة، وتتابع الرمي ولقط الحصاة لا كسرها وإيقاع الرمي قبل صلاة الظهر بعد الزوال في أيام التشريق والمشي في رمي الجمار في الايام الثلاثة، والجهر بالتكبير في أيام التشريق وقتا بعد وقت، والنزول بالابطح، وطواف الوداع، والاحرام بالحج في أشهره وفي ميقاته المكاني وسوق الهدي فيه، والاحرام في البياض وإيقاع أعماله كلها بطهارة، وإيقاع ركوع الطواف خلف المقام، وسيأتي الكلام عليها مفصلا إن شاء الله تعالى. وقد استوفينا الكلام على جميع ما ذكرناه في كتابنا المسمى هداية السالك المحتاج إلى بيان أفعال المعتمر والحاج فمن أراد الشفاء في ذلك فعليه به والله أعلم. وقسم ابن الحاجب أفعال الحج إلى ما تقدم وإلى المحظور المفسد والمحظور المنجبر. فاعترض عليه ابن عبد السلام وغيره بأن تقسيم أفعال الحج إلى المحظور المفسد والمنجبر غير صحيح، لانه لا يصح أن يضاف إليه إلا ما كان مشروعا فيه وما عداه فيعد من الموانع كما يفعل في غيره من العبادات. ألا ترى أن الافعال المفسدة للصلاة لا يصح أن يقال فيها إنها من أفعالها انتهى. واعتذر

[ 18 ]

ابن راشد عنه بأنه قصد أن يبين ما يصدر من الحاج وأضا ف المحظورات إلى الحج لكونها واقعة فيه، والاضافة تكفي فيها أدنى ملابسة. وحينئذ يقال الفعل الصادر من الحاج إما مطلوب الفعل والترك. والاول قسمان: واجبوغيره. والواجب قسمان: ركن وغيره ومطلوب الترك مفسد ومنجبر انتهى من التوضيح. ولذلك لم يعد في أفعال الحج ترك اللباس والحلاق والوطئ وإزالة الوسخ وشبه ذلك لانها ممنوعات. وتقسيمه ليس بشامل لما يصدر من الحاج لانه بقي عليه الامور المكروهة ويأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وكذلك المحظورات أيضا. وعلم مما قدمناه من كلام المؤلف أن أركان العمرة ثلاثة: الاحرام والطواف والسعي. أما الاحرام فمتفق عليه عند المالكية والشافعية والحنابلة وعند الحنفية فيه الخلا ف المتقدم، وأما الطواف فاتفق على ركنتيه الائمة الاربعة، وأما السعي ففيه ما تقدم. قال في الطراز: وجملة ذلك أن السعي ركن من أركان الحج لا يتحلل من إحرامه إلا به وكذلك في العمرة ولا يحزي عنه دم وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: هو واجب وليس بركن ويكون عنه الدم. وهذه رواية ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك، وقاله الثوري وإسحاق واختلف فيه قول ابن حنبل انتهى. ويأتي فيها الكلام المتقدم على النية وكذلك التلبية وزاد الشافعي الحلاق والله أعلم. والاحرام مصدر أحرم إذا دخل الحرم أو إذا دخل في حرمة الحج أو العمرة أو الصلاة كما يقال أنجد وأتهم وأمسى وأصبح إذا دخل نجدا وتهامة والمساء والصباح ولذلك يتناول قوله تعالى: * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * الفريقين انتهى من أول الباب الخامس من الذخيرة. وقال في قتل الصيد: الاصل فيه قوله تعالى: * (لا تقتلوا الصيد) * الآية. والحرم جمع محرم والمحرم من دخل الحرم أو في الحرمات فتتناول الآية السببين ومنه قول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما فدعى فلم أر مثله مظلوما أي في حرم المدينة والشهر الحرام وهو ذو الحجة انتهى. قال التادلي: وفيه درك من وجهين: الاول أن محرما ليس بمفرد حرم إنما مفرده حرام الثاني أن حرما مطلق لا يتناول إلا أحد المعنيين على البدل لا على الجمع. ثم ذكر عن الباجي أنه قال: الحرم جمع حرام. يقال أحرم فهو محرم وحرام إذا أتى الحرم، أو أحرم بحج أو عمرة وذكر البيت ثم قال: يريد في حرم المدينة. ولا خلاف أنه لم يكن محرما بنسك فتحمل الآية من كان في الحرم أو أحرم بحج أو عمرة انتهى. والوجه الاول ظاهر، وأما الثاني فما ذكره القرافي مبني على جواز استعمال المشترك في معنييه، ومذهب المالكية جوازه إذا كانت قرينة دالة على ذلك، وإن لم تكن قرينة تحمله فيكون مجملا لا دلالة فيه، والدليل هنا سياق الآية. ويقال أيضا في اللغة أحرم إذا دخل في ذمة وحرمة لا تنتهك، ويقال أيضا إذا دخل في الشهر الحرام. ذكره في الصحاح وأنشد عليه البيت المتقدم. والحرم بضم الحاء وسكون الراء والتحريم أيضا الاحرام وفي الحديث كنت أطيبه لحله وحرمه والحرمة ما لا يحل انتهاكه وكذا الحرمة بضم الراء وفتحها. والاشهر الحرم أربعة معروفة كانت العرب لا تستحل

[ 19 ]

فيها القتال إلا حيان خثعم وطئ، وكان الذين ينسؤن الشهور أيام الموسم يقولون حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واختلف في كيفية عدها. قيل كما تقدم، وقيل من المحرم لتكون في سنة واحدة. والحكمة والله أعلم في تفرقتها كذلك لتصير وترا فإنه تعالى وتر يحب الوتر والله أعلم. والحرم بكسر الحاء وسكون الراء كالحرام وقرئ * (وحرام على قرية أهلكناها) * قال الكسائي: أي واجب. والحرمة بالكسر والسكون أيضا الغلمة بالضم وهي شهوة الجماع وفي الحديث الذين تدركهم الساعة يبعث عليهم الحرمة ويسلبون الحياء. والحرمة أيضا الحرمان والمحرم من لا يحل نكاحها والمحروم. قال ابن عباس: هو المحارب انتهى من الصحاح بالمعنى. هذا ما يتعلق به من اللغة. وأما في الشرع فقال ابن عرفة: استشكل عز الدين معرفته وأبطل كونه التلبية بعدم ركنيتها وكونه النية بأنها شرط الحج. وعرفه تقي الدين بأنه الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأفعالها. ورده ابن عبد السلام بأن ما يدخل به النية والتلبية والتوجه لغير المكي والاولان له والواجب منها النية فقط وغير الواجب لا يكون ركن الواجب، ويرد بوجوب التوجه مطلقا لتوقف سائر الاركان عليه انتهى. وقوله: مطلقا أي للمكي وغيره. ثم قال الصقلي: والقاضي هو اعتقاد الدخول في حج أو عمرة. قلت: إن أراد تقي الدين حقيقة الدخول لزم كونه بعده غير محرم وإن أراد مطلق فعلهما لزم نفيه في الاحصار والنوم والاغماء ويبطل الثاني بنفيه في الآخرين والغافل عن اعتقاده وهم محرمون اتفاقا أو إجماعا، ولا يرد بأنه الدخول في حج مضاف إليه فتتوقف معرفته على الحج والاحرام جزئه فتتوقف معرفته عليه فيدور لمنع الثانية لجواز معرفته بغير الحد التام انتهى. وقوله إن أرا حقيقة الدخول لم يذكر قسميه. وتقديره والله أعلم وإن لم يرد حقيقة الدخول بل تجوز. وأطلق الدخول على حقيقته وهو أول ما يدخل فيه وعلى ما بعد ذلك فليس من شأن الحدود المجاز والله أعلم. وقوله: وإن أراد مطلق فعلهما هو إيراد ثان على قوله والتشاغل بأفعالهما ولم يذكر قسيمه أيضا، وتقديره والله أعلم وإن أراد فعلامن أفعال الحج بخصوصه فلم يبينه والله أعلم. وقوله ويبطل الثاني أي التعريف الثاني الذي عزاه للصقلي والقاضي ثم قال: وكلامهم غلط وسببه عدم الشعور بميز الاحرام عما به يقع الاحرام فالاحرام صفة حكمية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطئ وإلقاء الشعث والطيب ولبس الذكور المخيط والصيد لغير ضرورة ولا تبطل بما يمنعه. قال: وعدم نقضه بإحرام الصلاة وحرمة الاعتكاف واضح انتهى. قلت: الظاهر أنه غير جامع لخروج من حصل منه التحلل الاول فقط مع أنه محرم كما صرح به صاحب الطراز في آخر باب رمي جمرة العقبة وصاحب المعلم وغيرهما. ونص كلام صاحب المعلم لما ذكر من حصل منه التحلل الاول وأن الصيد حرام عليه عندنا قال: ودليلنا

[ 20 ]

قوله تعالى: * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * وهذا يسمى محرما حتى يفيض لان طوا ف الافاضة أحد أركان الحج وفرائضه فلا يذهب عنه تسمية المحرم حتى يفعله انتهى. وبدليل أنه ممنوع من الوطئ ومقدماته والصيد، ولو اقتصر على قوله يوجب حرمة مقدمات الوطئ والصيد لدخل ذلك، ولا يرد إحرام الصلاة لانه لا يمنع الصيد، ولا يرد منع من كان في المسجد الحرام من مقدمات الوطئ والصيد لان كونه فيه ليس صفة حكمية فليس داخلا في المحدود، ولا يقال حده غير مانع لدخول من حلف يمينا بترك مقدمات الوطئ وما ذكره معها فيه لانا نقول ليست اليمين تمنع من فعل المحلوف عليه وتقضي تحريم الحلال إنما توجب الكفارة بالفعل فقط والله أعلم. وما ذكره ابن عرفة عن الشيخ تقي الدين وشيخه ذكره ابن عبد السلام، وذكر عن الشيخ تقي الدين أن الشيخ عز الدين كان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء، ولفظ ابن عبد السلام في الايراد الذي ذكره ابن عرفة لو قال المؤلف هو الدخول لقيل له الدخول حقيقة مركبة، فيلزم أن تكون أجزاؤها واجبة لان جزء الواجب واجب وليس من هذه الاجزاء بواجب إلا النية فيلزم أن تكون هي الاحرام، لان ما قارنها من تلبية وسير ليسا بركنين، وهو الوجه الاول من اعتراض الشيخ عز الدين لكن فيه نظر لانا نمنع أن النية شرط. فإن قال حقيقة الشرط منطبقة عليها لانه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود وكذلك النية. قلنا: لا نسلم أن ما ذكره حقيقة الشرط بل لا بد من زيادة وليس بداخل في الماهية أو ما يقوم مقام هذا اللفظ وإلا فركن الماهية وجزء علتها يشاركان الشرط فيما ذكرت فلا يكون حد الشرط مانعا انتهى. وعرفه المصنف في مناسكه بأنه الدخول بالنية في أحد النسكين مع قول متعلق به كالتلبية أو فعل كالتوجه على الطريق انتهى. ويرد عليه ما تقدم وأنه غير شامل لمن أحرم بالنسكين أو مطلقا أو كإحرام زيد والله أعلم. وقال ابن الحاج: الاحرام هو الدخول في التحريم وهو أن يعتقد الانسان الحج أو العمرة بنية ويلتزم بخالص معتقده تحريم الاشياء التي ينافيها الاحرام عن نفسه ما دام محرما انتهى. ويرد عليه أيضا ما تقدم. وعرفه ابن العربي بأنه النية، وعرفه ابن طلحة بأنه إخلاص النية. وبحث ابن عرفة في تعريف من عرفه بأنه الدخول وأطال، واعتراضه على ابن عرفة بذلك غير ظاهر لان الاحرام في لسان الفقهاء يطلق على معنيين: أحدهما الصفة المقتضية لحرمة الامور المذكورة أعني الصفة التي ذكرها وهو بذلك غير النية والتوجه والدخول وجميع ما تقدم وهو المراد بقولهم ينعقد الاحرام بكذا ويمنع الاحرام من كذا، والمعنى الثاني الدخول بالنية في حرمة أحد النسكين أو كلاهما مع القول أو الفعل المتعلقين به. وبهذا المعنى يصح ان يقال هو النية أو الدخول بالنية وهو المراد بقولهم الاحرام كرن يجب الاتيان به لان ما ذكر هو الذي يصح التكليف به، وأما الصفة المذكورة فالتكليف بها إنما هو تكليف بما يصلح به وهو ما تقدم، فكان تعريف الجماعة للاحرام الذي هو ركن أولى من تعريق ابن عرفة للصفة الناشئة عنه لانهم

[ 21 ]

بصدد بيان الاركان التي يطلب المكلف بالاتيان بها فتأمله والله أعلم. فإن قيل: الركن ما كان داخل الماهية والاحرام ليس كذلك لانه إنما ينعقد بالنية فالنية هي المميزة للحج من غيره والمميز خارج عن حقيقة المميز فيكون شرطا. قيل: الجواب عنه من وجهين: الاول أن المراد كونه ركنا أنه لا ينجبر بالدم لانه جزء. هكذا ذكره القرافي في الكلام على الميقات الزماني، والثاني أنه وإن كان كذلك لكن لما أن كان تنشأ عنه صفة تلازم تلك الماهية وتقارن جميع الاركان كلها صار كأنه جزء منها وداخل فيها والله أعلم. والاصل في وجوبه فعله (ص) وأمره - قاله ابن الحاج وغيره - ثم الاجماع المنعقد عليه والله أعلم ص: (ووقته للحج شوال لآخر ذي الحجة) ش: الضمير عائد إلى الاحرام، ولما كان الاحرام ركنا للحج والعمرة بدأ بالكلام على وقت الاحرام بالحج لانه هو المقصود، ثم بعد ذلك ذكر وقت الاحرام بالعمرة. واعلم أن للاحرام ميقاتين: أحدهما زماني والآخر مكاني، ومراد المؤلف بيان الاول. فمعنى كلامه أن الميقات الزماني للاحرام بالحج من أول شوال إلى آخر الحجة. والميقات إن كان مأخوذا من الوقت الذي هو الزمان فإطلاقه على المكاني إنما هو بالحقيقة الشرعية لانه قال في الحديث وقت لاهل المدينة ذا الحليفة الحديث. وإن كانا مأخوذين من التوقيت والتأقيت اللذين هما بمعنى التحديد فكل منهما حقيقة لغوية باقية على أصلها. وفي كلام المصنف رحمه الله مسامحة لان وقت الشئ ما يفعل فيه وليس ذو الحجة بكماله وقتا للاحرام بل بعضه والذي ذكره المصنف إنما هي أشهر الحج، وأما الميقات الزماني فهو كما قال ابن عرفة: وميقاته الزماني في الحج ما قبل زمنه الوقوف من الشهر وهو شوال وتالياه وآخرها - روى ابن حبيب - عشر ذي الحجة. ونقل اللخمي وأيام الرمي، وذكر ابن شاس رواية أشهب باقيه انتهى. لكن في عبارة ابن عرفة رحمه الله تعالى حذف وتقديره ما قبل آخر زمن الوقوف الخ. ولعله يريد وقته المختص به دون الوقوف. ومثله قول اللخمي: للحج وقت يبتدأ فيه عقده ومنتهى محل منه بينه. والاصل في ذلك قوله تعالى * (الحج أشهر معلومات) 197 ] فأولها شوال، واختلف عن مالك في آخرها فقال عشر من ذي الحجة، وقال ذو الحجة كله، وقال شوال وذو القعدة إلى الزوال من تسع ذي الحجة محل لعقد الاحرام والطواف والسعي لمن أتى من الحل، فإذا زالت الشمس كانت وقتا للوقو ف إلى طلوع الفجر من العاشر، فإذا طلع الفجر صار وقتا للوقوف بالمشعر ما لم تطلع الشمس ويستحب أن لا يؤخر لبعد الاسفار، وكذلك أيضا صار وقتا للرمي والنحر لمتعجل من ضعفة النساء والصبيان. ثم ذلك وقت للرمي والنحر والحلاق والطوال ما لتغرب الشمس وهذا هو المستحب، فإن أخر

[ 22 ]

ذلك إلى آخر أيام الرمي فعل وأجزأه ولادم عليه لما أخر من الحلاق والطواف لانه وقت له. واختلف في الدم عن تأخير رمي جمرة العقبة إذا أخرها رماها قبل أن تخرج أيام التشريق، فإن خرجت لم ترم وكاعليه الدم. واختلف إذا أخر الطواف والحلاق بعد أن خرجت أيام التشريق، فقيل عليه الدم وقيل لا دم عليه لان الوقت باق حتى يخرج الشهر فإن خرج الشهر كان عليه الدم قولا واحدا وعليه أن يحلق ويطوف انتهى. ومرادهم أن بالزوال من التاسع انقطع وقت الاحرام فقد صرح اللخمي وغيره بأن من أسلم أو احتلم أو أعتق بعرفة عشية أو قبل أن يطلع الفجر أحرم حينئذ ووقت بها وتم حجه. ونقله في النوادر عن الموازية في أول كتاب الحج من النوادر والله أعلم. والمسامحة التي في كلام المصنف واقعة في كلام ابن رشد وابن الحاجب والقرافي وابن الحاج وصاحب الشامل وغيرهم، ويمكن أن يكون مرادهم أن هذه الاشهر وقت لعقد الاحرام والاحلال منه. وعلى كل حال ففيه مسامحة لان المقصود بيان الوقت الذي يبتدأ فيه الاحرام بالحج لا وقت التجلل منه فتأمله والله أعلم. ولا خلاف أن أول أشهر الحج شوال، واختلف في آخرها على ثلاث روايات المتقدمة. قال في التوضيح والمشهور أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة حملا للفظ على حقيقته انتهى. وكذلك قال ابن القصار وهو الذي اختاره من قولي مالك وجهه قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) [ فأتى بلفظ الجمع وأقله اثنان أو ثلاثة. ولا خلاف أنه لم يرد هنا شهرين فلم يبق إلا أن يريد ثلاثة أشهر. انتهى من منسك ابن الحاج. ولم يذكر ابن الحاج وعبد الحق وسند وغيرهم إلا قولين إلى آخر ذي الحجة أو إلى عاشره. وذكر ابن شاس وتابعوه وغيرهم القول الثالث إلى آخر أيام الرمي، وعزا الشارح في الوسط القول بأن آخرها عشر ذي الحجة لابن عبد الحكم، وعلى هذين القولين الاخيرين يكون إطلاق الاشهر على ذلك مجازا.، قال ابن الحاجب: وفائدة الخلاف دم تأخير الافاضة. قال في التوضيح: فعلى المشهور لا يلزمه إلا بتأخيره إلى المحرم، وعلى العشر يلزمه إذا أخره إلى الحادي عشر وهكذا. قال الباجي وعبد الحق واللخمي وغيرهم: وليس ما زعمه ابن الحاج في مناسكه من أنه اختلاف عبارة وأنه لا خلاف في أنه لا يجب الدم إلا بخروج الشهر بجيد انتهى. وما ذكره عن ابن الحاج هو في أوائل مناسكه قال بعد أن ذكر عن الباجي: إن فائدة الخلاف ما تقدم والصحيح أنه اختلاف في عبارة وليس بين القولين اختلاف في أن طواف الافاضة لا يجب بتأخيره دم حتى يتأخر عن ذي الحجة كله انتهى. وما ذكره المؤلف عن عبد الحق فظاهر كلامه في النكت خلاف ذلك ونصه: قال عبد الحق: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كله في بعض الروايات، وفي بعضها وعشر ذي الحجة، ويحتمل أنه إنما قال ذو الحجة كله في إحدى الروايات من أجل أن من أخر طواف الافاضة لا يتعلق عليه الدم حتى يفرغ ذو الحجة ويدخل المحرم فلذلك عبر عن جميعه بأنه من أشهر الحج، وأعرف أني رأيت نحو هذا لبعض من تقدم من العلماء انتهى

[ 23 ]

فتأمله. وكذلك ليس في كلام اللخمي ما يدل على أنه إذا أخره عن يوم النحر يلزمه دم بل صرح بنفي الدم إذا أوقعه في أيام التشريق ولم يذكر فيه خلافا كما تقدم لفظه. وقال في موضع آخر: وقال: يعني مالكا فيمن أخر الافاضة وطاف بعد أن ذهبت أيام منى إن قرب فلا شئ عليه، وإن تطاول فعليه الد. وقد اختلف قوله في معنى قول الله * (الحج أشهر معلومات) * فقال مرة شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، وقال مرة ذو الحجة كله. فعلى هذا لا يكون عليه هدإلا أن يؤخر الحلاق والافاضة حتى يخرج ذو الحجة، وعلى القول الآخر عليه الدم إذ اخرجت أيام منى. وقوله في المدونة لا دم عليه في تأخير الطواف وإن خرجت أيام منى ما لم يطل استحسان للاختلاف في الاصل انتهى. فأنت تراه لم يحك وجوب الد إلا بعد خروج أيام منى لكن في بنائه ذلك على القول بأن آخرها عشر ذي الحجة نظر، بل الظاهر على هذا القول - كما قال المؤلف - أنه يلزم الدم بتأخيره إلى الحادي عشر لكن لم يصرح به بل صرح صاحب الطراز بنفي الخلاف في ذلك ونصه: وجملة ذلك أن طواف الافاضة يجوز تأخيره عن أيام منى حتى مع القول بأن أشهر الحج إلى آخر يوم النحر، ولا يختلف المذهب أن من أخره عن يوم النحر لا شئ عليه بل لا يعرف في الامة خلاف ذلك انتهى. فعلى هذا في إطلاق ابن الحاجب أن فائدة الخلاف تظهر في الدم وقبول ابن عبد السلام والمصنف لذلك وما ذكره عن الباجي نظر أو يكون من اختلاف الطرق ويبقى النظر في نقل المصنف ذلك عبد الحق واللخمي. وأشار ابن عرفة إلى أن ظاهر توجيه اللخمي لقول مالك في المدونة المتقدم بأنه استحسان لرعي الخلاف أن الاختلاف في لزوم الدم ليس مبنيا على الخلاف في أشهر الحج. قال إثنقله الخلاف في كلامه المتقدم الباجي فائدة دم تأخير الافاضة. فتوجيه اللخمي قولفيها إن أفاض قرب أيام منى فلا دم وإن طال فالدم لرعي الخلاف خلافه انتهى ولا يظهر ما أشار إليه ابن عرفة بل صريح كلام اللخمي أن لزوم الدم ترتب على الخلاف إلا أنه لما كان قوله في المدونة وإن أطال فعليه الدم غير محدود بوقت ولا يتفرع على قول من أقواله كما قال ابن عبد السلام فإنه لما ذكر التفريع المذكور ذكر بعده لفظ المدونة ثم قال: وذلك خارج عما قالوه انتهى. وكذلك أشار صاحب الطراز إلى أن قول ابن القاسم بعدم التحديد مخالف للتحديد بآخر ذي الحجة، فلما رأى اللخمي ذلك قال: إنه استحسان فتأمله والله أعلم. ولم يفرع في التوضيح على القول بأن آخرها أيام الرمي وفرع عليه ابن عبد السلام فقال: ومن أوقعه في اليوم الرابع عشر لزمه الدم على مذهب من يرى أن الغاية آخر أيام الرمي، وعلى القول الذي قبله انتهى. فتحصل من هذا أن في آخر أشهر الحج ثلاثة روايات والمشهور منها أن آخرها آخر ذي الحجة. وهل الخلاف في ذلك خلاف عبارة وهو قول ابن الحاج أو لا ؟ وعليه فهل لا خلاف في عدم لزوم الدم بتأخيره عن يوم النحر وهو قول سند وظاهر كلام اللخمي وعبد الحق، أو يدخله الخلاف أيضا وهو ظاهر ما نقل عن الباجي

[ 24 ]

وظاهر كلام ابن الحاجب وابن شاس وصريح كلام ابن عبد السلام والمصنف ؟ فتأمله والله أعلم. وأما التوفيق بين كلام المدونة والمشهور فسيأتي إن شاء الله عند ذكر المؤلف للزوم الدم والله أعلم. وسمى أولها شوال لانه يخرج فيه الحجاج فتشول الابل بأذنابها أي ترفعها، مأخوذ من قولهم شال الشئ يشول شولا ارتفع، وشلت به لازم يتعدى بحرف الجر وهو بالضم من باب فعل. قال في الصحاح: ولا تقل شلت يعني بكسر الشين والجمع شوالات وشوائل وشواويل. وذو القعدة بفتح القاف وكسرها، كذاذو الحجة بفتح الحاء وكسرها والفتح فيها أشهر. سمي الاول بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه عن القتال، وسمي الآخر بذلك لوقوع الحج فيه، والجمع ذوات القعدة وذوات الحجة ولم يقولوا ذوو على واحدة. ومن يسمي شوالا عادلا لانه كان يعدلهم عن الاقامة في أوطانهم وقد حلت، ويسمي ذو القعدة هواعا لانه يهوع الناس أي يخرجهم إلى الحج. يقال هاع فلان إذا قاء. ويسمى ذا الحجة بركا بضم الراء وفتحها لانه وقت الحج فتكثر فيه البركات. ولها أسماء أخر بلغة العرب العارية فيسمون شوالا جفيلا وذا القعدة مجلسا وذا الحجة مسبلا والله أعلم. ص: (وكره قبله كمكانه وفي رابع تردد وصح) ش: أي وكره الاحرام بالحج قبل ميقاته الزماني كما يكره الاحرا سواء كان بحج أو عمرة أو بهما قبل ميقاته المكاني وتردد المتأخرون من الشيوخ في رابع هل هو متقدم على الميقات فيكره الاحرام منه، أو هو أول الميقات فلا يكره بل يكون هو المطلوب ؟ ثم إن الاحرام يصح وينعقد في الصورتين المذكورتين وإن كان مكروها أعني فيما إذا أحرم بالحج قبل أشهره وفيما إذا أحرم قبل الميقات المكاني. هذا معنى كلامه وقول ابن الفرات أي وصح الاحرام من رابغ غير ظاهر والصواب حمله على ما ذكرنا لانه أعم فائدة. فأما المسألة الاولى

[ 25 ]

وهي من أحرم بالحج قبل ميقاته الزماني فما ذكره من أنه يكره ذلك ويصح إن وقع فهو المشهور في المذهب ومذهب مالك في المدونة قال فيها: وكره مالك أن يحرم أحد قبل أن يأتي ميقاته أو يحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين جميعا لزمه ذلك انتهى. وصرح غير واحد بأنه المشهور ومقابله ذكره اللخمي ولم يعزه ونصه: واختلف إذا عقد الاحرا بالحج قبل حلول شوال فقال مالك: ينعقد إحرامه ويكون في حج بمنزلة من عقد ذلك بعد حلوله. وقيل: لا ينعقد لانه بمنزلة من قدم الظهر قبل الزوال ويتحلل بعمرة لان شوالا وما بعده إلى الزوال من يوم عرفة محلل للاحرام والطواف والسعي وليس للوقوف بعرفة. ولو أحرم قبل شوال ثم قدم مراهقا لم يعد الاحرام خاصة ولو كان المحرم وما بعده من شهور السنة إلى شوال محلا للاحرام والطواف والسعي ولم يكن للآية فائدة ولا لاختصاص الذكر بالاشهر للاحرام والسعي فائدة إذا كان غيرها من الشهور بمنزلتها. وأما قوله يتحلل بعمرة فاستحسان وهو بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر أنه صلاها فإنه يستحب له أن ينصرف على شفع. قال ابن القاسم: فإن قطع فلا شئ عليه انتهى. يعني فإن قطع الصلاة فلا شي عليه وليس راجعا للاحرام بالحج إذ لا نص لابن القاسم في ذلك. وقوله إنه بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر أنه صلاها فيه نظر، لانه ليس مثله بل إنما يشبه من أحرم بصلاة قبل دخول وقتها فتأمله والله أعلم. وانظر قوله ولو أحرم قبل شوال إلى آخره فإنه غير بين لم أفهمه، والقول بعدم الانعقاد قبل أشهر الحج قال ابن فرحون: قاله مالك أيضا ولم أر من عزاه لمالك غيره، والاصل في ذلك قوله تعالى * (الحج أشهر معلومات) * وذلك لانه مبتدأ وخبر فيجب أن يرجعا لغير واحد والاشهر زمان والحج ليس بزمان فيتعين حذف أحد المضافين تصحيحا للكلام تقديره: زمان الحج أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات، أو يقدر: الحج ذو أشهر معلومات فيحذف المبتدأ وخبره. ثم المبتدأ يجب حصره في الخبر فيجب انحصار الحج في الاشهر فيكون الاحرام به قبلها كالاحرام بالظهر قبل الزوال فلا ينعقد، ووجه المذهب قوله تعالى * (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * فإنه يقتضي أن سائر الاهلة ميقات للحج. ونقول في الجواب عما استدلوا به الاحرام شرط لانه ينعقد بالنية والنية هي المميزة للحج والمميز غير المميز فيكون شرطا فيجوز تقديمه كسائر الشروط كالطهارة وستر العورة، ولا منافاة بين هذا وبين قول أهل المذهب أنه ركن، لانهم يعنون بكونه ركنا أنه لا ينجبر بالدم، وإذا علم ذلك فيكون المحصور إنما هو المشروط، أو نقول: هو ركن والمحصور في الاشهر الحج الكامل. ونحن نقول: الاحرام فيه أفضل ليحصل الجمع بين الآيتين. قال ابن القصار: ولا يمتنع أن يجعل الله الشهور كلها وقتا للاحرام ويجعل شهور الحج وقتا للاختيار، ويؤيد ذلك أيضا أن التحديد وقع في الميقات المكاني والاجماع على صحة الاحرام المتقدم عليه. وهذا الجواب أنسب للمذهب من جهة أنهم جوزوا للقران تقديم الطواف والسعي قبل

[ 26 ]

أشهر الحج ولمن فاته الحج وبقي على إحرامه إلى قابل تقديم الطواف والسعي مع الكراهة والله أعلم. وجعل ابن بشير وتابعوه سبب الخلاف هل إيقاعه في أشهره أولى أو واجب ؟ قال في التوضيح وفيه بحث ولم يبينه ولعله من حيث إنه لا يلزم من كونه واجبا أنه لا ينعقد والله أعلم. وقال ابن عبد السلام: وربما جعل سبب الخلاف اختلافهم في الاحرام هل هو ركن أو شرط، وهذا البحث حسن في إحرام الصلاة، وأما هنا فعبارة الائمة فيه أنه ركن ولكن من جوز تقديمه تمسك بقوله تعالى * (يسألونك عن الاهلة) * الآية. ووجد الدليل أن الالف واللام في الاهلة للعموم. فعلى هذا كل هلال يصح أن يكون ميقاتا للناس في انتفاعاتهم الدنيوية وفي الحج وذلك مستلزم لصحة انعقاد الحج في كل زمان، وكذلك ما روي عن غير واحد من الصحابة في فضل الحج أنه يحرم به من دويرة أهله وكثير من المنازل لا يمكن الوصول منها إلى مكة إلا إذا خرج منها قبل شوال. ومن لم يصحح الاحرام تمسك بقوله: * (الحج أشهر معلومات) * وهذا خاص إذا نسب إلى دليل الاولين والاثر المذكور ليس عن جميعهم وإما هو رأي لبعضهم انتهى. وما ذكره في الاحرام هل هو ركن أو شرط قد علمت ما فيه وأنه لا منافاة بين ذلك، وظاهر كلامه ترجيح دليل القول الثاني، وقد علمت جوابه ودليل الاول والله أعلم. وقال في النكت: اعترض علينا مخالفنا في هذه المسألة بالاحرام في الصلاة قبل وقتها وأصل الحج مباين للصلاة في أمور شتى قال الابهري: وجدنا الحج لا بد له أن يوقع في وقته وهو الوقوف بعرفة فلذلك جاز الاحرام قبل أشهره لانه لا يؤدي ذلك إلى الخروج منه قبل أشهره بخلاف الصلاة لوجوزنا الدخول فيها قبل وقتها لخرج منها قبل وقتها انتهى. فإن قيل: ما الفرق بين الميقات الزماني والمكاني على مقابل المشهور مع أن مراعاة المكان أولى لشرفه لقرب البيت ؟ فالجواب أنه عليه السلام قال في المكاني هن لهن ولمن أتى عليهن، فبين أن هذه الاماكن محصورة في الناسكين ولم يحصر الناسكين فيها فجاز التقديم. والميقات الزماني على العكس لانه حصر النسك قاله القرافي وغيره انتهى. تنبيهات: الاول: قال في النوادر عن محمد: ولا أحب لاحد أن يحرم بالحج في غير أشهر الحج، فإن فعل لزمه وإن أحرم في المحرم إلى ذي الحجة لزمه ولا يزال ملبيا محرما حتى يرمي ويحلق انتهى. ونقله في الطراز وحكم ما بعد طلوع فجر يوم النحر إلى أول المحرم حكم ما بعده لانه قد صرح في الطراز بأن المغمى عليه إذا لم يفق حتى فات الوقوف لم يطلب بالاحرام، وكذلك النصراني إذا أسلم، ولان كلام ابن عرفة شامل لذلك لانه لما ذكر أن ميقات إحرام الحج ما تقدم قال: فلا يحرم قبله، فإن فعل انعقد. ونقل اللخمي لا ينعقد ومال إليه انتهى. فقوله: فلا يحرم قبله شامل لذلك وقول القرافي في تعليل الكراهة بقاء من فاته الحج على إحرامه إلى قابل بعد وصوله إلى مكة لانه أحرم قبل ميقاته الزماني ونصه: قال سند: يكره له البقاء على الاحرام خشية ارتكاب المحظورات ولانه أحرم بالحج قبل ميقاته الزماني بسنة وهو

[ 27 ]

يكره في اليسير انتهى. بل ظاهر ما ذكره في النوادر عن ابن القاسم ونقله عنه اللخمي والتونسي وصاحب الطراز وغيرهم ونقله عنهم ابن عرفة والتادلي أنه لا ينبغي أن يحرم بالحج إذا علم أنه يفوته ولو كان الآن وقته باق، وأنه إن فعل وفاته لا يتحلل لانه دخل على البقاء، هذا ظاهر كلامهم كما ستقف عليه انتهى. قال في الطراز في أوائل باب المحصر: قال ابن القاسم في الموازية: وإن أحرم من بلد بعيد ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك فليلبث هذا حراما حتى يحج من قابل، فإن حصره عد ولم ينفعه وبقي على إحرامه إلى قابل لان العدو ليس الذي منعه من الحج انتهى. ولفظ اللخمي: ومن أحرم بحج من موضع بعيد لا يدرك فيه الحج من عامه ثم أحصر عن ذلك العام لم يحل إلا أن يصير إلى وقت لم يدرك الحج عاما قابلا انتهى. الثاني: حكم الاحرام بالقران قبل أشهر الحج حكم الافراد في الوقت وفي كراهة تقديم الاحرام قبل وقته نص عليه في العتبية ونقله صاحب الطراز ونصه في الباب السادس. وجملة ذلك أن القران قبل أشهر الحج يكره عند الكافة، ونص عليه في رواية ابن القاسم في العتبية وهو قول الجميع وذلك لمكان إحرامه بالحج قبل أشهر الحج. وروى ابن الزبير عن جابر أنه سئل، أيهل بالحج قبل أيام الحج ؟ فقال: لا واختلف الناس إن وقع فقال مالك وأبو حنيفة وابن حنبل والثوري وجمهور أهل العلم: إنه إذا وقع صح وانعقد الاحرام به. وقال الشافعي: ينعقد الاحرام به في الحج بعمرة وفي القران لا ينعقد إحرامه بالحج ويكون معتمرا فقط انتهى. ونقله في النوادر. والظاهر أن إرداف الحج على العمرة قبل أشهر الحج كذلك أي يكره له ذلك، فإن فعل انعقد وكان قارنا. فلو شك قبل أشهر الحج هل أحرم بحج أو بعمرة فظاهر إطلاقهم الآتي أنه شامل لهذا وأن الحكم واحد والظاهر أنه كذلك والله أعلم. الثالث: لو أحرم مطلقا فعند الشافعية انعقد إحرامه عمرة مجزئة عن عمرة الاسلام. قال ابن جماعة في منسكه الكبير: وإطلاق ابن الحاجب المالكي يقتضي أنه يخير في التعيين انتهى. يعني إطلاقه في قوله وإذا أحرم مطلقا جاز وخير في التعيين انتهى. والظاهر أنه يكره له صرفه إلى الحج والله أعلم. الرابع: على القول الذي نقله اللخمي أنه لا ينعقد قبل أشهره ينعقد القران عمرة فقط وكذا الاحرام المطلق ولا يصح الارداف، وإن شك هل أحرم بحج أو عمرة وإن تعين أنه يحج وشك بعد دخول أشهر الحج هل وقع قبل أشهره أم لا كان حجا لانه شك في المانع. وهذا التفريع لم أره منصوصا ولكن هو مقتضى عدم الانعقاد والله أعلم. الخامس: قال في المدونة مالك: وأحب إلي أن يحرم أهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة. قال سند: هذا يختلف فيه، فعند مالك يحرم أهل مكة ومن كان بها إذا أهل ذو الحجة. وقال الشافعي: المستحب يوم التروية لما روي عن جابر أنه عليه السلام قال: إذا توجهتم

[ 28 ]

إلى منى فأهلوا بالحج. وفي الموطأ عن ابن جريج أنه سأل ابن عمر فقال: رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها وساق الحديث إلى أن قال: ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولا تهل أنت حتى كان يوم التروية، ووجه المذهب ما رواه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أهل مكة، ما بال الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون ؟ أهلوا إذا رأيتم الهلال. ولم يعرف أحد أنكر على عمر وقد قال عليه السلام الحاج أشعث أغبر وهذا لما يكون لبعد الاحرام من الوقوف. روى مالك عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة سبع سنين يهل لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك. فهذا ابن الزبير يفعله بمحضر من الصحابة والتابعين، فدل على أنه إجماع وأنه العادة المعروفة عندهم من الآباء وسنة في زمن النبي (ص). وحديث جابر محمول على الجواب ولقرب إحرامهم من إحلالهم، وأثر ابن عمر حجة لنا لانه قال: لم أر أحدا من أصحابك، فدل على أن الجميع غيره على ما قلنا على أنه روى مالك عنه أنه رجع إلى ما قلنا. وقال التادلي: قال في الاكمال: المستحب عند كثير من العلماء للمكي أن يهل يوم التروية ليكون إحرامهم متصلا بسيرهم وتلبيتهم مطابقة لمبادرتهم للعمل، واستحب بعضهم أن يكون لاول ذي الحجة ليلحقهم من المشقة ما لحق غيرهم، والقولان عن مالك انتهى. وهذا القول الثاني قول مالك في الموطأ. الباجي: وعليه كان جمهور الصحابة. انتهى كلام التادلي والله أعلم. السادس: قال ابن عرفة: روى الشيخ لا يقيم محرم مطلقا بأرضه إلا إقامة المسافر انتهى. ونص النوادر: ومن أهل بحج أو عمرة فلا يقيم بأرضه إلا إقامة المسافر انتهى. فرع: سئل سحنون عن المحرم هل له أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة ؟ قال: نعم لا بأس بذلك وليس هو مثل المعتكف. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان المحرم له أن يتصرف في حوائجه ويبيع ويشتري في الاسواق وقال الله عزوجل * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا) [ يعني التجارة في مواسم الحج. فحاله غير حال المعتكف في السفر أيضا إن أراده. انتهى من أوائل سماع سحنون من كتاب الحج والله أعلم. وأما المسألة الثانية في كلام المؤلف وهي من أحرم قبل ميقاته المكاني كره له ذلك وصح إحرامه. فما ذكره من صحة إحرامه وانعقاده فلا خلاف فيه، وتقدم الفرق بينه وبين الميقات الزماني على القول بعدم انعقاد الاحرام قبله، وما ذكره من الكراهة هو المشهور من المذهب كما صرح به سند وغير واحد. قال في التوضيح: وأما كراهة تقديمه فهو الذي يحكيه العراقيون عن المذهب من غير تفصيل وهو ظاهر المدونة. وفي الموازية: لا بأس أن يحرم من منزله إذا كان قبل الميقات ما لم يكن منزله قريبا فيكره له ذلك انتهى. وما ذكره عن الموازية ذكر في النوادر أنه رواه عن مالك قال: ومن أحرم من بلده قبل الميقات فلا بأس بذلك غير أنا نكره لمن قارب الميقات أن يحرم قبله، وقد أحرم ابن عرم من بيت المقدس وأحرم من الفرع كأن خرج لحاجة ثم بدا له فأحرم انتهى.

[ 29 ]

وذكر اللخمي عن مالك قولا بجواز الاحرام قبل الميقات مطلقا، وذكر ابن عرفة الروايات الثلاث. ووجه الاولى المشهورة أنه عليه السلام لم يحرم إلا من الميقات وقال خذوا عني مناسككم. وكأن توقيته عليه السلام لهذه المواقيت نهي عن الاحرام من غيرها كما في الميقات الزماني فإنه لا خلاف أنه ينهى عن الاحرام قبله قال اللخمي: وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة انتهى. ووجه رواية ابن المواز أنه مع القرب لا يظهر له معنى إلا قصد المخالفة لتحديد الشارع بخلاف البعيد فإن فيه قصد استدامة الاحرام. ووجه الرواية الثالثة أن الميقات إنما هو لمنع مجاوزته لا لمنع تقديم الاحرام عليه، وأن القصد منه التخفيف فمن قدم فقد زاد خيرا. وقال الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة: الافضل أن يحرم من بلده لان عمر وعليا رضي الله عنهما قالا في قوله تعالى * (وأتموا الحج والعمرة لله) * إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. ولحديث أبي داود من أحرم من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة وقال صاحب الطراز والقرافي: ما رووه يحمل على النذر جمعا بين الادلة انتهى. وما ذكره عن سيدنا عمر فلعله رجع عنه كما نقل اللخمي أنه أنكر على عمران بن حصين كما تقدم والله أعلم. وذكر المؤلف هذا لمسألة قبل أن يذكر الميقات المكاني للاختصار لتساويها مع التي قبلها في الحكم والله أعلم. وقوله وفي رابغ تردد أشار لما ذكره في توضيحه ومناسكه. قال: حكى شيخنا رحمه الله عن بعض شيوخه أن الاحرام من رابغ من الاحرام أول الميقات وأنه من أعمال الجحفة ومتصل بها قال: ودليله اتفاق الناس على ذلك. قال سيدي أبو عبد الله بن الحاج: إنه مكروه ورآه قبل الجحفة. انتهى من التوضيح. وقال في مناسكه: ورأى سيدي أبو عبد الله بن الحاج أن إحرام المصريين من رابغ من باب تقديم الاحرام على الميقات. ومال شيخنا رحمه الله إلى أنه من أعمال الجحفة ومتصل بها وكان ينقله عن الزواوي انتهى. واقتصر ابن فرحون في مناسكه في الباب العاشر على ما نقله الشيخ عبد الله المتوفى عن الزواوي ونصه: ورابغ أول ميقات الجحفة انتهى. وما ذكره عن سيدي أبي عبد الله بن الحاج فهو في مدخله قال: وليحذر مما يفعله أكثرهم من الاحرام من رابغ وهو قبل الجحفة فيبتدؤن الحج بفعل مكروه ولا حجة لهم في أن الجحفة لا ماء بها لان الغسل مستحب والاحرام من الميقات سنة ولا مكان الغسل برابغ وتأخير الاحرام إلى الجحفة لان ذلك صحيح كما في الاحرام من ذي الحليفة، ولا حجة لهم في أن الركب لا يدخل الجحفة لانه ليس من شرط الاحرام الدخول بل إذا حاذاها أحرم. وينبغي له أن يحرم من أول الجحفة، فإن أحرم من أوسطها أو من آخرها ترك الاولى والله أعلم. انتهى بالمعنى. وقد ذكر ابن جماعة في منسكه الكبير والسيد السمهودي في حاشية الايضاح، أن الاحرام منها من باب تقديم الاحرام على الميقات. ونص ابن جماعة: وهي - أي الجحفة - بالقرب من رابغ

[ 30 ]

الذي يحرم منه الناس على يسار الذاهب إلى مكة. ومن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاتها بيسير انتهى. تنبيه: قاعدة المذهب أن نذر المكروه لا يلزم بل ولا المباح فقد خالفوا ذلك في الاحرام فألزموا به من نذره قبل ميقاته الزماني والمكاني كما سيأتي في باب النذور والله أعلم. ص: (وللعمرة أبدا إلا المحرم بحج فلتحليله وكره بعدهما وقبل غروب الرابع) ش: تقدم أن للاحرام ميقاتين: زماني ومكاني. وأن المصنف بدأ بالكلام على الزماني، فلما فرغ من ذكر ميقات الحج الزماني ذكر ميقات العمرة ويعني أن وقت الاحرام بالعمرة جميع السنة إلا لمن أحرم بالحج فلا ينعقد إحرامه للعمرة إلى تحليله وهي رمي جمرة العقبة وطواف الافاضة والسعي بعده لمن لم يسع. ويكره الاحرام بالعمرة بعد التحللين وقبل غروب الشمس من اليوم الرابع من أيام منى، فإن أحرم بها حينئذ انعقد إحرامه مع الكراهة. هذا معنى قول المصنف، وعليه شرحه الشارحان وقبلاه، وكلام البساطي يقتضي أن قول المصنف فلتحلليه ثبت في نسخته بالافراد. ولما كان التحلل لا يحصل إلا بشيئين ثنى الضمير في قوله وكره بعدهما. واعلم أن ميقات الاحرام بالعمرة جميع أيام السنة لمن لم يحرم بحج حتى يوم عرفة وأيام التشريق. وقال في المدونة: وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا للحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي، وكذلك من تعجل في يومين أو لم يتعجلوا أو قفلوا إلى مكة بعد الزوال من آخر أيام الرمي فلا يحرموا بالعمرة من التنعيم حتى تغيب الشمس. قال ابن القاسم: ومن أحرم منهم في أيام الرمي لم يلزمه إلا أن يحرم بعدتم رميه من آخر أيام الرمي وحل من إفاضته فيلزمه. قال مالك: ومن لم يكن حاجمن أهل الآفاق فجائز أن يعتمر في أيام التشريق لان إحلاله بعد أيام منى. قال أبو القاسم: سواء كان إحلاله منها في أيام منى أو بعدها بخلاف الحاج انتهى. وقال في البيان في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: وسئل عن

[ 31 ]

رجل يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق قال: لا بأس بذلك لان هؤلاء لا يحلون بعد ذلك فلا أرى هؤلاء مثل من يعتمر في آخر أيام التشريق من الحاج قبل الغروب فهذا لا يعجبني. قال ابن رشد: لمن لم يحج أن يعتمر في أيام التشريق. والاصل فيه أمر عمر رضي الله عنه أبا أيوب الانصاري وهبار بن الاسود لما قدما عليه يوم النحر وقد فاتهما الحج لاضلال راحلته وبخطأ الثاني في العدة أن يتحللا من إحرامهما بالحج ويقضياه قابلا ويهديا كما وقع في الموطأ. فلمن لم يحج أن يهل بعمرة في أيام التشريق سواء حل منها في أيام التشريق أو بعدها. قاله ابن القاسم في المدونة. فقوله هنا وفي المدونة أيضا إن هؤلاء يحلون بعد ذلك يريد بعد أيام التشريق ليس بتعليل صحيح انتهى. وقال سند: من لم يكن من أهل الحج فلا حجة عليه يعتمر متى شاء. وهذا قول الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة: تكره العمرة في يوم عرفة وأيام منى ووافق أبو يوسف على غير يوم عرفة. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: السنكلها للعمرة إلا خمسة أيام: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. ودليلنا أنه وقت يصح فيه الطواف والسعي فلا تكره فيه العمرة كسائر السنة، ويوم عرفة يصح فيه القران فلا يكره فيه إفراد العمرة كما لا يكره إفراد الحج، ولان من فاته الحيفعل أفعال العمرة في أيام منى. وقد قال أبو يوسف: ينقلب إحرامه عمرة فإذا كان الوقت صالحا لافعال العمرة والذمة خالية مما ينافي العمرة لم يبق للكراهة وجه، وما رواه لا يثبت عند أهل الحديث، وإن صح فمحمول على من أحرم بالحج انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: والوقت الذي يؤتي بها فيه على وجهين، فمن لم يتقدم له حج ولا يريده في ذلك العام فيعتمر من السنة في أي وقت أحب وفي أشهر الحج ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ويكون الناس في الوقوف بعرفة وهو يعمل عمل العمرة، وأما من حج فلا يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قال: وإن تعجل فلا يحرم بعمرة فإن فعل لم ينعقد. قال ابن القاسم: إلا أن يحرم في أيام التشريق بعد الرمي فيلزمه. قال محمد: يلزمه الاحرام ولا يحل حتى تغرب الشمس وإحلاله قبل ذلك باطل وإن وطئ قبل ذلك أفسد عمرته وقضاها وأهدى. والقياس إذا أكمل الاجرام للحجة أن ينعقد الاحرام لعمرة ويصح عملها انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب: يعني أن العمرة لا تختص بزمن معين كالحج فقد اعتمر رسول الله (ص) في أشهر الحج وأمر عبد الرحمن بن الصديق أن يعمر عائشة في ذي الحجة. وقال: عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي إلا أن الفقهاء يقولون: العمرة لا ترتدف على الحج فلذلك يشترطون أن لا يكون في أيام منى لمن حج، وأما من لم يحج فيجوز أن يأتي بها في سائر السنة ولو في يوم عرفة أو يوم النحر انتهى. وإذا علم ذلك فما نقله ابن الحاج وابن فرحون عن القاضي أبي محمد مخالف لاطلاق ما تقدم من النصوص وصريحها ونص ابن الحاج، وأما غير ابن الحاج فلا تكره له العمرة أيام منى

[ 32 ]

وأن يحل منها قبل انقضائها من أي بلد كان، وأصل ذلك حديث هبار. وهل لهم أن يعتمروا يوم النحر ؟ فحكى القاضي أبو محمد عن المذهب أنهم ليس لهم ذلك لان يوم النحر يوم الحج الاكبر ويحتمل أن يكون حكم يوم النحر في ذلك حكم أيام التشريق انتهى. ونص ابن فرحون في مناسكه مثله إلا أنه قال: فحكى القاضي أبو محمد على قواعد المذهب فلعل لفظ قواعد سقط من كلام ابن الحاج والله أعلم. وقد تقدم نقل سند عن أبي حنيفة كراهتها في يوم النحر ويوم عرفة وأيام التشريق، وأن أبا يوسف وافقه على ما عدا يوم عرفة. فلو كان المذهب يوافقه في يوم النحر لبينه، ولا أدري ما مرادهما بالقاضي أبي محمد، والظاهر أنه ليس هو القاضي عبد الوهاب والله أعلم. هذا حكم المسألة الاولى في كلام المصنف وهو بيان ميقات الاحرام بالعمرة لمن لم يحج. وأما حكم المسألة الثانية في كلام المصنف وهو بيان ميقات الاحرام للعمرة لمن حج، فظاهر ما ذكره المصنف فيها مخالف لنصوص المذهب، منها نص المدونة المتقدم حيث قال: وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا الحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي إلى آخر كلامه. قال ابن فرحون في مناسكه: وهذه الكراهة للحاج على المنع. وقال ابن رشد في رسم حلف ابن الحاجب قال ابن القاسم في كتاب الحج إثر كلامه المتقدم: وأما من حج فلا يجوز له أن يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، فإن أهل بعمرة في آخر أيام التشريق قبل أن تغيب الشمس بعد أن رمى وأفاض وأحل من إحرامه الاول لزمه الاحرام. قاله في كتاب الحج الاول من المدونة. قال في كتاب ابن المواز: ولا يعمل من أعمال العمرة شيئا حتى تغيب الشمس، فإن عمل فعمله باطل وهو على إحرامه. والاصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها حين أمرها رسول الله (ص) بقضاء عمرتها بعد قضاء حجها انتهى. ويعني بقضاء عمرتها أن صورتها صورة القضاء لا أنها قضاء حقيقة إذ لا يلزمها ذلك والله أعلم. وظاهر كلام ابن رشدوابن فرحون أن المنع شامل لما قبل غروب الرابع ولو رمى له، وهو أيضا ظاهر ما نقله المصنف في التوضيح عن ابن هارون. نعم في كلام صاحب الطراز أن المنع بعد رمي الرابع على الكراهة أن كل حجة بتحليلة، وسواء في ذلك من تعجل ومن لم يتعجل، وذلك أنه قال في شرح قوله في المدونة: إن من أحرم بعمرة في أيام التشريق لا يلزمه إلا أن يكون أحرم في آخر أيام التشريق بعدما رمى الجمار وحل من إفاضته فإن ذلك يلزمه ما نصه. وحملة ذلك أن أفعال الحج تنافي العمرة ووقت الفعل ملحق بالفعل، فإذا سقط الفعل وبقي الوقت، فإن كان وقتا لما يكون من فعل الحج فما بعد امتنع معه فصل العمرة وإحرام العمرة لان صورة الفعل تركت تخفيفا وبقي حكمه فما عدا الرخصة في ذلك قائما وذلك كمن تعجل في يومين، ولو أن المتعجل أحرم بعمرة بعد أن حل وخرج وتم عمله لم يلزمه الاحرام أحرم ليلا أو نهارا ولا قضاء عليه، أما إذا سقط الفعل بتوقيته وبقي الوقت المتسع له فها هنا لا يمتنع عنده انعقاد

[ 33 ]

الاحرام بالعمرة وإن كره له ابتداء إلا أنه يمتنع من فعلها حتى يخرج وقت الحج. قال محمد: فإن جهل فأحرم في آخر أيام الرمي قبل غروب الشمس وقد كان تعجل في يومين أو لم يتعجل وقد رمى في يوميه فإن إحرامه يلزمه ولكن لا يحل حتى تغيب الشمس وإحلاله قبل ذلك باطل، يريد أنه لا يطوف حتى تغرب الشمس انتهى. وقوله ووقت الفعل ملحق بالفعل على ما بينا يشير به إلى ما قاله في تعليل كون المتعجل لا يحرم بالعمرة إلا بعد غروب الرابع عند مالك خلافا لغيره ونصه: راعى مالك وقت الرمي ووقته إلى آخر أيام التشريق لانه لا دم على من أخر رمي الثالث إلى قبل الغروب، وللوقت تأثير في المنع لان من اعتمر قبل الزوال في أيام الرمي لا تشغله عمرته من فعل الرمي في وقته إذ وقته قبل الزوال، فلو كان المنع لمجرد فعل الرمي لاختص بوقت فعله، ولما منع من العمرة في غير وقت الرمي كان للزمان تأثير في المنع في حق الحاج انتهى. فعلم من كلامه أن المنع منها بعد رمي الرابع إنما هو على الكراهة، وعلم مما نقله في الطراز عن الموازية أن المتعجل أيضا يمنع من الاحرام بالعمرة ولا ينعقد إحرامه بها إلا بعد دخول وقت رمي الرابع. وفي شرح الجلاب للتلمساني ما يدل على ذلك ونحوه للشبيبي في شرح الرسالة في آخر كتاب الحج. ونص كلام الشبيبي: وجميع السنة لها وقت إلا أيام منى لمن حج، فإذا غربت الشمس من آخر أيام التشريق جاز الاحرام بها، فإن أحرم قبل الزوال من آخر أيام التشريق لم ينعقد إحرامه ولا قضاء عليه، وإن أحرم بعد الزوال وقبل الغروب انعقد إحرامه وأخر السعي والطواف إلى الغروب، فإن فعلها أو شيئا منها قبل غروب لزمه إعادته بعد الغروب انتهى. وقال المصنف في مناسكه: وأما الزماني ففي جميع أيام السنة وفي يوم النحر وأيام التشريق إلا أن يحرم بالحج فيمتنع عليه الاحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه، ولو نفر في اليوم الاول لم ينعقد إحرامه بها وكذلك لا ينعقد إذا أحرم بها قبل رميه لليوم الثالث ولا يلزمه أداؤها ولا قضاؤها فيكره له أن يحرم بعد رميه وقبل غروب الشمس من آخر أيام التشريق، وإن أحرم حينئذ لزمه الاحرام بها ومضى فيها حتى يتمها بشرط أن يكون طاف للافاضة. وعلى هذا فلا تنعقد إلا بشرطين: أن يرمي لليوم الثالث وأن يطوف للافاضة. وإذا أحرم بها حينئذ فلا يفعل منها فعلا إلا بعد الغروب ولو طاف وسعى فهما كالعدم. انتهى ونحوه في التوضيح. إذا علم ذلك فنرجع إلى كلام المصنف في مختصره لنقول: ظاهره بل صريحه أن من أحرم بالحج يمتنع منه الاحرام بالعمرة ولا ينعقد إلى أن يتحلل من الحج بتحلليه الاصغر والاكبر وهمرمي جمرة العقبة وطواف الافاضة والسعي بعده إن كان لم يقدم السعي، ثم بعدهما يكره له الاحرام بها وينعقد وهو وإن كان لم يذكر الانعقاد وعدمه في كلامه إلا أنه معناه وبه فسره شارحاه. وشمل ذلك ما لو وقع منه التحللان في يوم النحر أو بعده وهو مخالف لما تقدم من نصوص المذهب في الوجهين كما قد علمت وكلامه في توضيحه ومناسكه في غاية الحسن والله أعلم

[ 34 ]

. تنبيهات: الاول: قال في النكت: قال بعض شيوخنا: من أهل بلدنا ويكون خارج الحرم حتى تغيب الشمس ولا يدخل الحرم لان دخوله الحرم لسبب العمرة عمل لها وهو ممنوع من أن يعمل لها عملا حتى تغيب الشمس انتهى. ونقله المصنف في توضيحه ومناسكه وصاحب الطراز وغيرهم وقبلوه وهو ظاهر. وانظر لو دخل من الحل قبل الغروب ولم يعمل عملا إلا بعد الغروب والظاهر على بحثه أن دخوله لغو ويؤمر بالعود إلى الحل ليدخل منه بعد الغروب ولم أقف فيه على نص والله أعلم. الثاني: شمل قوله إلا لمحرم بحج من كان محرما بقران والحكم في ذلك سواء، بل لو أحرم بعمرة لم ينعقد إحرامه بعمرة أخرى حتى تكمل الاولى. وقد صرح بذلك المصنف وسند في باب من أفسد حجه وغيرهما. فلو قال المصنف إلا لمحرم فلفراغه منه ودخول وقت رمي الرابع إن كان بحج وكره بعدهما وقبل غروب الرابع لوافق النقول وشمل جميع ما ذكرناه. أو لو ترك ذكر ذلك هنا وقال إثر قوله فيما يأتي وألغى عمرة عليه إلى فراغه منه ورمى الرابع وكره بعدهما وقبل غروب الرابع لكان صحيحا أيضا والله أعلم. الثالث: يستثنى من قولهم لا يصح الاحرام بالعمرة إلا بعد تمام أفعال الحج الحلاق فإنه لو بقي عليه الحلاق وأحرم بعمرة انعقد إحرامه. ذكره عبد الحق ونقله عنه سند وسيأتي عند قول المصنف وصح بعد سعي وحرم الحلق. وكذلك لو أحرم بعمرة وأكملها ولم يبق منها إلا الحلاق ثم أحرم بأخرى انعقد إحرامه الثاني كما سيأتي والله أعلم. الرابع: تقدم في كلام سند وغيره أن إحلاله قبل الغروب لا يفيد. قال سند إثر كلامه المتقدم: قال محمد: فإن وطئ بعد ذلك الاحلال أفسد عمرته وليقضها بعد تمامها ويهدي. وخرج الباجي الكلام في ذلك على نزول المحصب هل هو من عمل الحج. قال: فمن جعله من عمل الحج قال يلزمه ألا يحرم بها قبل إتمامه انتهى. ونقل كلام ابن المواز اللخمي وغيره وكلام الباجي والله أعلم راجع إلى أول الكلام في انعقاد الاحرام بعد رمي الرابع وقبل غروب الشمس منه، وذلك أنه وقع في كلام صاحب الاكمال ما نصه: وقت العمرة لغير الحاج السنة كلها وللحاج بعد أن تغيب الشمس من آخر أيام التشريق ونحوه للشافعي. قال مالك: وسواء تعجل أم لا. فإن أحرم قبل ذلك بالعمرة وقد بقي عليه شئ من الرمي لم ينعقد إحرامه وإن لم يبق انعقد. وظاهر المدونة أنه لا ينعقد، واختلف في قول مالك انتهى. ونقله عنه ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة، ونقله أيضا التادلي وذكره بعد كلام المدونة، وفي ذكرهما كلام المدونة مع ما قال أنه ظاهرها رد عليه والله أعلم. الخامس: لما ذكر ابن رشد كلام ابن المواز في وطئه بعد إحلاله قبل غروب الرابع قال: القياس إذا كان قد حل من إحرام الحج وانعقد إحرام العمرة أن يصح عملها. انتهى من الرسم المتقدم ونحوه ما تقدم عن اللخمي والله أعلم.

[ 35 ]

السادس: قال في النوادر: ولا بأس أن يعتمر الصرورة قبل أن يحج وقد اعتمر النبي (ص) قبل أن يحج. انتهى ونقله المصنف في مناسكه. ويعني بذلك أن من قدم في أشهر الحج وهو صروة فلا يتعين عليه أن يحرم بالحج بل يجوز له أن يعتمر، وأما إذا قدم قبل أشهر الحج فالمطلوب منه حينئذ الاحرام بالعمرة من غير خلاف والله أعلم. ص: (ومكانه له للمقيم مكة) ش: يعني أن الميقات المكاني للمقيم بمكة إذا أراد أن يحرم بالحج مكة سواء كان من أهلها أو أقام بها. تنبيهان: الاول: ظاهر كلامه أنه يتعين عليه الاحرام من مكة ولا يجوز له أن يحرم من غيرها، والذي صرح به ابن الحاجب وغيره أنه يجوز الاحرام من غيرها. مقال ابن الحاجب: ولو خرجا - يعني المكي والافاقي المقيم بها - إلى الحل جاز على الاشهر. قال في التوضيح: قال ابن هارون: قوله على الاشهر يقتضي أن فيهما قولا بالكراهة والمنع ولا نعلم في ذلك خلافا إلا في الاولوية. ونقله ابن فرحون أيضا وقال: قال ابن راشد: مقابل الاشهر في كلامه قول بعدم الجواز ولم أقف عليه معزوا انتهى. وقال في المدونة: وإذا أحرم بالحج من خارج الحرم مكي أو متمتع فلا دعليه في تركه الاحرام من داخل الحرم، فإن مضى إلى عرفات بعد إحرامه من الحرم ولم يدخل الحرم وهو مراهق فلا دم عليه وهذا زاد ولم ينقص. قال التادلي: قا الباجي: قوله زاد ولم ينقص هذا عندي فيمن عاد إلى الحرم ظاهر، وأما من أهل الحل وتوجه إلى عرفات دون دخوله الحرم أو أهل من عرفات بعد أن توجه إليها حلالا مريدا الحج فإنه نقص ولم يزد، وإنما وجب عليه الدم على هذا لان مكة ليست من المواقيت لان المواقيت وقتت لئلا يدخل الانسان إلى مكة بغير إحرام فمن كان عند البيت فليس البيت ميقاتا له بدليل أن المعتمر لا يحرم منها، والمواقيت يستوي في الاحرام منها الحج والعمرة انتهى. ونقل المصنف لي التوضيح بعض كلام الباجي ولعله حصل في نسخته من المنتقى سقط، ووجه سند كلامه في المدونة بنحو ما ذكره الباجي. فظاهر كلام أهل المذهب أن من ترك الاحرام من مكة وأحرم بالحج من الحل ترك الاولى والافضل ولا يقال إنه آثم ولا إنه أساء. وقال ابن جماعة الشافعي: لو فارق المقيم بمكة بنيانها وأحرم في الحرم أو في الحرم أو في الحل فهو مسئ يلزمه الدم إن لم يعد قبل الوقوف إلى مكة، وكذلك مذهب المالكية إلا أنهم لا يوجبون الدم بالاحرام من غير مكة وإن لم يعد إليها انتهى.

[ 36 ]

قلت: الذي يقتضيه كلام أصحابنا أنه لا إساءة في ذلك وإنما هو خلاف الاولى. نعم يمكن أن يقال فيمن أخر الاحرام إلى عرفة وهو مريد للحج إنه مسئ. ولم أقف عليه في كلام أهل المذهب ولا أجزم بأنه آثم. الثاني: يخصص كلامه هنا بالمقيم الذي ليس في نفس من الوقت أو كان في نفس من الوقت ولكنه لا يقدر على الخروج لميقاته أي في سعة أن يخرج إلميقاته، أو يقال: لا يرد عليه ذلك لانه سيأتي له أنه يستحب لمن كان مقيما بمكوكان في نفس من الوقت أي في سعة أن يخرج إلى ميقاته ليحرم منه بالحج. وقاله في المدونة. والنفس بفتح الفاء السعة. ص: (ندوب المسجد) ش: أي ويستحب للمقيم بمكة إذا أراد أن يحرم منها بالحج أن يحرم من المسجد، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها: واستحب مالك لاهل مكة ولمن دخلها بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام انتهى. وعن ابن حبيب أن المستحب أن يحرم من باب المسجد. وقيل: لا يستحب الاحرام من المسجد ولا من بابه بل يحرم من حيث شاء. وظاهر كلام ابن الحاجب أن هناك قولا بلزوم الاحرام من المسجد. واعترض عليه بأنه لا خلاف في عدم اللزوم. ونص كلام ابن الحاجب: وفي تعيين المسجد قولان انتهى قال ابن عبد السلام: وأكثر النصوص استحباب ذلك، وظاهر كلام المؤلف أن القولين في الوجوب ولم أر ذلك لغيره إلا لابن بشير انتهى. قلت: ليس في عبارة ابن بشير تصريح بالوجوب ونصه: ومريد ذلك يعني الاحرام لا يخلو من أن يبعد بلده أو يقرب أو يكون في الحرم. ثم قال: فإن كان من أهل مكة أو ممن دخلها ثم أنشأ الاحرام منها، فإن أراد الحج أحرم من مكانه. ومن أين ؟ هل من داخل المسجد لانه أقصى الممكن من البعد عن الحل فأشبه المواقيت، أو من حيث شاء من مكة ؟ في ذلك قولان انتهى. فتأمله. وقال في التوضيح: وقوله - يعني ابن الحاجب - ففي تعيين المسجد للاحرام قولان أي يستحب تعيين المسجد إذ لا خلاف في عدم اللزوم. انتهى ونحوه لابن فرحون. وقال بعد ذكر القول الثاني بعدم الاستحباب وهو حسن لحديث جابر أهلنا بالابطح. واعترض ابن عرفة على من أنكر القول باللزوم بأنه مفهوم من كلام الشيخ ابن أبي زيد وسماع أشهب ابن رشد عليه. ولنذكر كلامه برمته. قال منها: فيها إحرام مريده من مكة، وفيها أيضا يستحب من المسجد الحرام. وسمع القرينان يحرم من جوف المسجد قيل: من بيته ؟ قال: بل من جوف المسجد. قيل: من عند باب المسجد ؟ قال: لا بل من جوف المسجد. ابن رشد: لان السنة كون الاحرام إثر نفل بالمسجد فإذا صلى وجب إحرامه من مكانه لان التلبية إجابة إلى بيته الحرام أو بخروجه يزاد من البيت بعد الخلاف خروجه من غيره من مساجد المواقيت بخروجه يزداد من البيت قربا. اللخمي: قوله في المبسوط من حيث شاء من مكة أصوب.

[ 37 ]

الباجي: في كون إحرامه من داخل المسجد أو بابه روايتا أشهب وابن حبيب. وقول ابن عبد السلام أكثر النصوص استحباب المسجد ولم يحك لزومه غير ابن بشير قصور لنقل الشيخ رواية محمد وسماع أشهب يحرم من بيته قال: بل من جوف المسجد. وعبارة ابن رشد عنه يوجب انتهى. ويشير لقول ابن رشد في شرح مسألة سماع القرينين المتقدم ذكره، فإذا صلى في المسجد وجب أن يحرم من مكانه ولا يخرج إلى باب المسجد لان التلبية إجابة الله إلى بيته الحرام، فهو بخروجه من المسجد يزداد بعدا من البيت بخلاف خروجه من غيره من مساجد المواقيت بخروجه يزداد قربا انتهى. والظاهر أن قول ابن رشد وجب أن يحرم من مكانه لم يرد به الوجوب الذي هو أحد الاحكام الخمسة، وإنما مراده به اللزوم والترتب وكثيرا ما يقع ذلك في عبارة ابن بشير وغيره. قال في الطراز في مسألة ما إذا أفسد الاجير حجة: وإنه يلزمه قضاؤه ولا يجزئه. أما كونه لا يجزئه فمتفق عليه إلا ما ذكره عن المزني ثم رده وأطال ثم قال: وإذا لم يجز عن الميت وجب أن يكون لفاعله. وقال في المعونة في باب الاذان: والافضل أن يكون متطهرا لانه دعاء إلى الصلاة فيجب أن يكون الداعي إليها على صفة من يمكنه أن يصلي انتهى. وقال في الطراز في غسل الاحرام: وإذا ثبت الغسل للاحرام وجب أن يكون متصلا به. وقال في كتاب العقيقة من البيان لما ذكر أن المولود إذا مات قبل السابع لا يعق عنه لان العقيقة إنما يجب ذبحها في يوم السابع. ومثل هذا كثير في عباراتهم. ولو فهم ابن رشد الرواية المذكورة على الوجوب لنبه على أنها مخالفة لمذهب المدونة كما هو عادته فتأمله منصفا. تنبيه: إذا قلنا يحرم من داخل المسجد فإنه يحرم من موضع صلاتويلبي وهو جالس في موضعه كما يفهم ذلك من نصوصهم لا سيما كلام ابن رشد المتقدم حيث قال: وإذا صلى في المسجد وجب أن يحرم من مكانه ولا يخرج إلى باب المسجد إلى آخر ما تقدم. وفهم منه أنه لا يلزمه أن يقوم من مصلاه ولا أن يتقدم إلى جهة البيت لان ذلك لو كان مطلوبا لنبهوا عليه، ولم أر في كلام أصحابنا استحباب موضع مخصوص من المسجد. وقال الشافعي في أحد قوليه: يحرم من قرب البيت، إما تحت الميزاب أو غيره. وقال صاحب المفهم من الحنابلة من تحت الميزاب والله أعلم. ص: (كخروج ذي النفس لميقاته) ش: يعني أن من كان مقيما بمكة يستحب له إذا كان في نفس من الوقت أن يخرج إلى ميقاته للاحرام بالحج وتقدم بيانه. وظاهر كلامه أن هذا خاص بالحج وليس كذلك، بل وكذلك من أراد العمرة استحب له الخروج لميقاته، قال في النوادر عن كتاب ابن المواز: قال مالك: والمواقيت في الحج

[ 38 ]

والعمرة سواء إلا من منزله في الحرم أو بمكة فعليه في العمرة أن يخرج للحل وأقل ذلك التنعيم ما بعد مثل الجعرانة فهو أفضل، ولو خرج الطارئ إلى ميقاته كان أفضل انتهى. وقال في الجلاب: والعمرة من الميقات أفضل منها من الجعرانة أو التنعيم. قال التلمساني: إنما قال ذلك لان الاصل في الاحرام إنما هومن الميقات، وإنما رخص لمن بمكة من الجعرانة أو التنعيم وإن لم يبلغوا مواقيتهم وإلا فالافضل لهم الاحرام من مواقيتهم انتهى. وفهم من كلام التلمساني أن كلام ابن الجلاب في غير أهل مكة وهو ظاهر والله أعلم. ص: (ولها وللقران الحل والجعرانة أولى ثم التنعيم) ش: يعني أن الميقات المكاني للعمرة والقران لمن كان بمكة طرف الحل من أي جهة كانت ولو بخطوة واحدة، والافضل أن يبعد عن طرف الحل. وأفضل جهات الحل الجعرانة لان النبي (ص) اعتمر منها ولبعدها، ثم يليها في الفضل التنعيم لان النبي (ص) أمر السيدة عائشة أن تعتمر منها. وقوله هنا ثم التنعيم أحسن من قوله في مناسكه أو التنعيم لانه لا يقتضي تفضيل الجعرانة على التنعيم، وقد تقدم التصريح بأفضليتها في كلام النوادر. والجعرانة بالتخفيف والتشديد. وصوب الشافعي الاول وقال: إن التشديد خطأ وأكثر المحدثين على التشديد، وقال في القاموس: الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء. وقال الشافعي: التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف انتهى. وهي إلى مكة أقرب بكثير لان بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا. وظاهر كلام أهل المذهب أن الجهات بعدهما متساوية. وزاد الشافعية بعد التنعيم الحديبية لان النبي (ص) تحلل فيها. وهي بضم الحاء وفتح الدال المهملتين، ويجوز في يائها الثانية التخفيف والتشديد، وصوب الشافعي التخفيف وأكثر المحدثين على التشديد والله أعلم. فوائد: الاولى: اعتمار النبي (ص) من الجعرانة كان في ذي القعدة حين قسم غنائم حنين كما ثبت ذلك في الصحيح. وذكر المحب الطبري عن الواقدي أن إحرامه بالعمرة منها كان ليلة الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة. ثم قال المحب الطبري: ومنها يحزم أهل مكة في كل عام في ليلة سبع عشرة من ذي القعدة وذلك خلاف ما ذكره الواقدي انتهى. قال القاضي تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام: وما ذكره المحب الطبري يخالف ما أدركنا عليه أهل مكة فإنهم يخرجون من مكة في اليوم السادس عشر من ذي القعدة ويقيمون اليوم السابع عشر بالجعرانة ويصلون المغرب بها ليلة الثامن عشر ويحرمون ويتوجهون إلى مكة، وهو يلائم ما ذكره الواقدي إلا أن في بعض السنين يحصل للناس خوف فيخرجون من الجعرانة محرمين قبل الغروب من اليوم السابع عشر، وربما خرجوا منها قبل صلاة العصر وبعده قبل الغروب

[ 39 ]

انتهى. وعلى ما ذكره القاضي تقي الدين أدركنا عليه عمل أهل مكة لكن يخرج الكثير منهم قبل صلاة العصر وبعدها قبل الغروب من غير حصول خوف. وفي هذا الفعل الذي يفعلونه أمور منها: أنهم يفعلونها قبل الوقت الذي فعلها فيه رسول الله (ص) إفي كثير من الاحيان. ومنها أن الاحرام بالعمرة في هذا الوقت يفيت فضيلة الافراد بالحج لمن يحج في عامه. ومنها اتخاذ ذلك سنة في كل عام والنبي (ص) إنما صادف اعتماره هذا في ذلك الوقت ولم يشهر ذلك ولم يأمر به. ومنها أن هناك حجرا محفورا يسمونه صحفة النبي (ص) وصخرة عظيمة يسمونها ناقة النبي (ص) فيجتمع الرجال والنساء عندهما ويعجنون في الصحفة عجينا ويقطعونه قطعا صغارا يضعونها في الدراهم للبركة ويحملون من مائها ويصرون ذلك مع قطع العجين للمقيمين بمكة. ومن فضائل الجعرانة أن ما ذكره الجندي عن ابن مالك أنه اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبي، وفيها ماء شديد العذوبة يقال إن النبي (ص) فحص موضع الماء بيده المباركة فانبجس فشرب منه وسقى الناس. ويقال: إنه غرز فيه رمحه فنبع. وقد استوفيت الكلام على ذلك مع مزيد فوائد عديدة تتعلق بأحكام العمرة والجعرانة والتنعيم في شرح مناسك الشيخ خليل فمن أراد الشفاء في ذلك فليراجعه والله أعلم. الثانية: أمره (ص) لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن يخرج بأخته عائشة رضي الله عنها كان في حجة الوداع. وذلك أنها أحرمت بالعمرة فحاضت قبل أن تطوف وتسعى للعمرة وأدركهم وقت الوقوف قبل أن تطهر، فأمرها النبي (ص) أن تردف الحج على العمرة، فلما قضت الحج قالت: يرجع الناس بنسكين وارجع أنا بنسك واحد يعني يرجع الناس بنسكين مفردين وترجع هي بنسك واحد أي بصورة نسك فإن عمل العمرة اضمحل، فأمر أخاها أمن يعمرها من التنعيم. وفي بعض روايات الحديث وهذه مكان عمرتك وتقدم في عبارة ابن رشد أمرها رسول الله (ص) بقضاء عمرتها بعد انقضاء حجها، وتقدم أن المعنى في ذلك أن صورتها صورة القضاء لا أنها قضاء حقيقة إذ لا يلزمها قضاء وإنما يستحب لها أن تأتي بعمرة كما سيأتي عند قول المصنف وإن أردف الخوف فوات أو لحيض. وفي مراسيل أبي داود عن ابن سيرين قال: وقت رسول الله (ص) لاهل مكة التنعيم. وقال سفيان: هذا حديث لا يعرف والله أعلم. الثالثة: قال سند: وقد رغب الشرع في العمرة في رمضان لما يرجى من تضاعف الحسنات، ففي الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن امرأة أتت النبي (ص) فقالت: إني كنت قد تجهزت للحج فاعترض لي فقال النبي (ص): اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه بحجة. روي عن ابن عباس أن النبي (ص) أراد الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله (ص) وذكر الحديث إلى أن قال: إنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك ؟ فقال النبي (ص): اقرأها السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في رمضان. خرجه أبو داود انتهى

[ 40 ]

. وفي مختصر الواضحة ونقله ابن فرحون: أفضل شهور العمرة رجب ورمضان. انتهى. وقال في القوانين: وتجوز في جميع السنة إلا لمن كان مشغولا بالحج وأفضلها في رمضان انتهى. والحديث في فضلها في رمضان وأنها تعدل حجة معه عليه الصلاة والسلام ثابت في صحيح البخاري وغيره،، وقد استمر عمل الناس اليوم على الاكثار منها في رجب وشعبان ورمضان وبعد أيام من لآخر الحجة والله أعلم. ص: (وإن لم يخرج أعاد طوافه وسعيه بعده) ش: يعني أن من أحرم بالعمرة قبل أن يخرج إلى الحل فإن إحرامه بلها ينعقد على المعروف من المذهب ويؤمر بالخروج إلى الحل قبل أن يطو ف ويسعى لها، فإن طاف وسعى للعمرة قبل خروجه إلى الحل فطوافه وسعيه كالعدم ويؤم بإعادتهما بعد الخروج إلى الحل. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام أهل المذهب أو صريحه أن الاحرام بها من الحل واجب. قال القاضي عبد الوهاب في التلقين والمعونة: لا يجوز الاحرام بالعمرة من الحرم. وكذا قال التلمساني في شرح الجلاب: لا يجوز أن ينشئ الاحرام بها من مكة. وظاهر كلام صاحب النوادر وابن بشير وغيرهما بل نقل التادلي في موضعين من مناسكه وابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير عن ابن جماعة التونسي المالكي أنه حكي قولا في المذهب أنها لا تنعقد، والمعروف من المذهب انعقادها، وظاهر كلام المصنف في التوضيح أنه يتفق على انعقادها والله أعلم. الثاني: إذا قلنا إن الاحرام ينعقد فلا دم عليه على المعروف. وحكى ابن جماعة التونسي أن عليه الدم. ونص كلامه في تذكرته في الفرعين على ما نقله التادلي وابن جماعة: من أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه وخرج إلى الحل ولزمه الدم لمجاوزته الميقات، وقيل لا ينعقد. انتهى. الثالث: حكم من كان منزله بالحرم كأهل منى ومزدلفة حكم أهل مكة. الرابع: بين المصنف حكم من أحرم بالعمرة من الحل ولم يذكر حكم من أحرم بالقران. وذكر صاحب الطراز وابن عرفة وغيرهما أنه إذا أحرم بالقران من مكة أو من الحرم لزمه ذلك ويلزمه الخروج إلى الحل، ولكنه إذا دخل من الحل فلا يطوف ولا يسعى لان سعيه يقع في الحج وهو قد أحرم بالحج من مكة. وقال في المدونة: وإذا أحرم مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزمتاه وصار قارنا ويخرج للحل ولا دم عليه للقران لانه مكي انتهى. ونقله ابن الحاجب. وانظر إذا فعل ذلك ولم يخرج إلى الحل حتى خرج إلى عرفة ثم رجع وسعى بعد الافاضة، والظاهر أنه يجزئه كما يظهر ذلك من كلام ابن بشير وغيره وهو ظاهر والله أعلم.

[ 41 ]

الخامس: ما ذكره المصنف من خروج القارن إلى الحل هو المشهور ومقابله ما عزاه في التوضيح لسحنون وعبد الملك وإسماعيل، وعزاه ابن عرفة لسحنون ومحمد وإسماعيل. وقال ابن عبد السلام: وهو الظاهر لان عمل العمرة في القران مضمحل فوجب أن يكون المعتبر إنما هو الحج والحج ينشأ من مكة والله أعلم. ص: (وأهدى إن حلق) ش: في إطلاق الهدي على هذا مسامحة وإنما هو فدية. وقد اعترض ابن عبد السلام على ابن الحاجب في إطلاق الدم عليه ولو قال وعليه الفدية كان أولى لان غالب استعمالهم لفظ إنما هو في الهدي لتعينه فيه ابتداء وعدم تعين الدم فالفدية انتهى. وإطلاق الهدي عليه أشد والله أعلم. ص: (وإلا فلهما ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن وذات عرق) ش: الضمير في لهما راجع للحج والعمرة أي وإن لم يكن مقيما بمكة فالميقات المكاني إذا أراد الاحرام بالحج والعمرة هذه المواقيت المذكورة. والاصل في هذا ما ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) وقت لاهل المدينة ذا الحليفة، ولاهل الشام الجحفة، ولاهل نجد قرن المنازل، ولاهل اليمن يلملم. وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فمن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة. وفي رواية للبخاري: ومن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكيهلون من مكة. فأما ذو الحلفية فهو ميقات أهل المدينة، وهو بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء تصغير حلفة وهو مال لبني جشم - بالجيم والشين المعجمة - وهو أبعد المواقيت من مكة بينهما عشر مراحل أو تسع، وبينها وبين المدينة أربعة أميال على قول ابن حزم. وقال النووي ستة. وقال غيره سبعة. وقال ابن مسدي: وهي من المدينة على أربعة أميال أو دونها، وبين ذي الحليفة ومكة نحو المائتي ميل تقريبا. قال ابن جماعة: ومسجده يسمى مسجد الشجرة وقد خرب وبها البئر التي يسمونها العوام بئر علي ينسبونها إلى علي رضي الله عنه ويزعمون أنه قاتل الجن بها، ونسبتها إليه رضي الله عنه غير معروفة عند أهل العلم ولا يرمى بها حجر وغيره كما يفعله بعض الجهلة انتهى. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وهي داخل حرم المدينة. وفي بعدها معنى لطيف وهو أن أهل المدينة يتلبسون بالاحرام في حرم المدينة ويخرجون محرمين من حرم إلى حرم فيتميز الاحرام من المدينة بحصول شرف الابتداء والانتهاء والحاصل بغيره شرف الانتهاء، انتهى بالمعنى

[ 42 ]

. وأما الجحفة فهي ميقات أهل الشام ومصر وأهل المغرب. قال ابن الحاج: ومن وراءهم من أهل الاندلس انتهى. وكذلك أهل الروم وبلاد التكرور. قال ابن فرحون في الشرح: وهي بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء قرية خربة بين مكة والمدينة على نحو خمسة مراحل من مكة وهي على نحو ثمان مراحل من المدينة. قال النووي في تهذيبه: وكانت عامرة ذات منبر. قال صاحب المطالع وغيره: سميت جحفة لان السيل أجحفها وحمل أهلها انتهى. وذكر ذلك غير واحد وذكر الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عن بعضهم أن هذا لا يصح لان النبي (ص) سماها بذلك في زمانه، والسيل إنما أجحفها في سنة ثمانين من الهجرة انتهى. قلت: والظاهر أن السيل أجحفها قبل هذا الاجحاف الذي ذكره الشيخ يوسف بن عمر فقد ذكر في القاموس أنها كانت تسمى مهيعة فنزلها بنو عبيد وهم إخوة عاد حين أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة. وذكره الشيخ أبو الحسن الصغير في سرح المدونة وقال في آخره فأجحفهم أي أهلكهم ويشير إلى ما ذكرناه من قول ابن الفاكهاني في شرح العمدة سميت بذلك لان السيل أجحفها في وقت انتهى. ومهيعة بفتح الميم وسكون الهاوفتح المثناة التحتية. قال ابن جماعة: هذا هو المشهور. وقيل: بفتح الميم وكسر الهاء وسكون الياء على وزن جميلة وهي التي دعا النبي (ص) أن ينقل إليها حمى المدينة، وكانت يومئذ دار اليهود ولم يكن بها مسلم. ويقال: إنه لا يدخلها أحد إلا حم، وهي بالقرب من رابغ الذي يحرم الناس منه على يسار الذاهب إلى مكة انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب: وقال بعضهم: إن مهيعة قرية قريبة من الجحفة انتهى. وحديث الدعاء بنقل حمى المدينة إلى الجحفة في كتا ب الحج من الصحيحين، والجحفة قريبة من البحر بينها وبينه ستة أميال. وأما يلملم فهو ميقات أهل اليمن والهند ويماني تهامة، وهي بفتح الياء المثناة التحتية واللام الاولى والثانية وبينهما ميم ساكنة وآخره ميم. ويقال ألملم بهمزة مفتوحة في موضع الياء ثم لام مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم لام مفتوحة ثم ميم ساكنة. قال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب وابن جماعة الشافعي: وهو الاصل. والياء بدل من الهمزة. ويقال يرمرم براءين بدل اللامين وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة. وأما قرن بفتح القاف وسكون الراء فهو ميقات أهل نجد اليمن وأهل نجد الحجاز. والنجد - بفتح النون وسكون الميم - ما ارتفع من الارض وحده ما بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبلي طئ وإلى جدة وإلى اليمن وذات عرق أول تهامة إلى البحر وجدة. وقيل: تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة وما وراء ذلك من المغرب فهو غور والمدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها فوق الغور ودون نجد. قاله في النهاية. وقرن هو جبل في جهة المشرق بينه وبين مكة مرحلتان. قال في التوضيح: وهو أقرب المواقيت إلى مكة. وقاله

[ 43 ]

النووي في شرمسلم. ثم قال في التوضيح: وبينه وبين مكة أربعون ميلا انتهى. وقال ابن مسدي فمنسكه: إن أقرب المواقيت إلى مكة يلملم وقال: إن بينها وبين مكة ثلاثين ميلا.، وقال بين مكة وقرن اثنان وأربعون ميلا وهو غريب فإن الذي ذكره التادلي أن بين مكة وقرن أربعين ميلا، وبين مكة ويلملم أربعين ميلا. وقال ابن جماعة الشافعي وغيره في قرن ويلملم وذات عرق: إن هذه الثلاثة على مرحلتين من مكة. ونقل ابن جماعة أيضا عن ابن حزم أن ذات عرق بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلا. وقال في الطراز: وأبعد المواقيت ذو الحليفة ويليه في البعد الجحفة، وأما يلملم وذات عرق وقرن فقيل: مسافة الجميع واحدة بين الميقات بينها وبين مكة ليلتان قاصرتان. قلت: فالذي تحصل من كلامهم أن هذه المواقيت الثلاثة متقاربة المسافة إلا أن أقر بها كما قاله النووي والمصنف في التوضيح. وقال في الاكمال: وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير وهو قرن المنازل أو قرن الثعالب. وقال بعضهم: وهو بفتح الراء وهو خطأ انتهى. وقال ابن جماعة الشافعي بعد أن ذكر نحو ما تقدم: هذا هو المشهور. وقال بعض المتقدمين من فقهاء الشافعية: القرن اثنان أحدهما في هبوط يقال له قرن المنازل، والآخر على ارتفاع وهي القرية وكلاهما ميقات. وقيل: قرن بإسكان الراء لجبل المشرف على الموضع، وقرن بفتح الراء الجبل الذي تفترق منه فإنه موضع فيه طرق مفترقه انتهى. وعزا صاحب الاكمال هذا القول الآخر للقابسي. وقال ابن جماعة: ويقال له قرن غير مضاف وسماه في رواية للشافعي في المسند قرن المعادن. قال في التوضيح قال النووي: وأخطأ الجوهري فيه خطأين فاحشين: أحدهما أنه قال بفتح الراء، والثاني أنه زعم أن أويسا القرني منسوب إليه، والصواب أنه منسوب إلى قبيلة يقال لها بنو قرن - بفتح الراء - وهي بطن من مراد كما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثه الذي ذكر فيه أويسا القرني. وقال ابن بشير في التنبيه: قرن بفتح الراء وإسكانها والله أعلم. وأما ذات عرق فهو ميقات أهل العراق وبلاد فارس وخراسان وأهل المشرق ومن وراءهم، وهي - بكسر العين المهملة - قرية خربة على مرحلتين من مكة. وقال ابن حزم: بينهما اثنان وأربعون ميلا. ويقال: إن بناءها تحول إلى جهة مكة فتحرى القرية القديمة. ويذكر عن الشافعي أن من علاماتها المقابر القديمة. قال صاحب الطراز: هذه المواقيت معتبرة بنفسها لا بأسمائها، فإن كان الميقات قرية فخربت وانتقلت عمارتها واسمها إلى موضع آخر كان الاعتبار بالاول لان الحكم تعلق به. وروى ابن عيينة أن سعيد بن جبير رأى رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ به حتى خرج به من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال: هذه ذات عرق الاولى انتهى. تنبيهات: الاول: قال القاضي عبد الوهاب: هذه المواقيت منقسمة على جهات الحرم

[ 44 ]

انتهى. والمواقيت الاربعة الاولى وهي: ذوالحليفة والجحفة ويلملم وقرن متفق على أنها من توقيت الرسول (ص)، واختلف في ذات عرق فقيل إنها من توقيت سيدنا عمر رضي الله عنه لما روى البخاري عن ابي عمر أنه لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله (ص) حد لاهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وإن أردنا قرنا شق علينا. قال: انظر واحذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق. والمراد بالمصران البصرة والكوفة، والمراد بفتحهما بناؤهما فإنهما بنيتا في خلافه سيدنا عمر رضي الله عنه وهو الذي جعلهما مصرين. وقوله جور بفتح الجيم وسكون الواو أي مائلة عن طريقنا. وقال مالك في المدونة: وقت عمر لاهل العراق ذات عرق ولم يذكر في الموطأ من وقتها، والصحيح أنها من توقيت النبي (ص) ففي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفعه إلى النبي (ص) فقال: مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذا ت عرق، ومهل أهل نجد من قران، ومهل أهل اليمن من يلملم. وقوله عن المهل هو بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي من موضع الاهلال، وكذلك مهل أهل المدينة وأهل العراق وأهل نجد وأهل اليمن أي موضع إهلالهم اسم مكان من أهل. وقوله أحسبه يعني أبا الزبير فقال: أظن أن جابرا رفعه إلى النبي (ص). قال النووي: ولا يحتج بهذا الحديث مرفوعا لكونه لم يجزم برفعه انتهى. قلت: لكن رواه أبو داود النسائي على الجزم وبرفعه من حديث عائشة أن رسول الله (ص) وقت لاهل العراق ذات عرق، وقال ابن جماعة: وإسناده صحيح. ورواه الامام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر وجزم برفعه لكن في سنده ابن لهيعة. ورواه الامام أحمد من حديث ابن عمر لكن في سنده إبراهيم بن يزيد الجويري وهو ضعيف، لكن ظهر بما تقدم من طرق الحديث قوته وصلاحيته للاحتجاج به. الثاني: قال صاحب الطراز: فإن قيل لو وقته رسول الله (ص) لما خفي على عمر ولا غيره. قلت: يجوز أن يخفى لان العراق لم تفتح في زمن الرسول حتى يكون إهلالا شائعا ذائعا، وإنما كان النبي عليه السلام يقول ذلك في بعض مجالسه بيانا لما سيكون ومثل ذلك يجوز أن يخفى على معظم الصحابة كما خفي على عمر توريث المرأة من دية زوجها حتى روي له الحديث بذلك، وخفي على أبي بكر أمر الجدة حتى روي له حكم الرسول (ص) فيها انتهى. قلت: فيحمل توقيت سيدنا عمر على أنه لم يبلغه الحديث فوقت ذلك باجتهاده فوافق نص الحديث، وقد نزل القرآن على وفق قوله رضي الله عنه. ثم قال في الطراز: فإن قيل: فأهل العراق كانوا مشركين في زمنه (ص) فكيف يكون له ميقات. قلنا: عنه جوابان: أحدهما

[ 45 ]

أن ذلك لمن جاء من ناحية العراق وإن لم يكن من أهل العراق نفسها، والثاني أنه عليه السلام علم أنهم يسلمون كما يسلم أهل الشام وكما قال لعدي بن حاتم: يوشك أن تخرج الظغينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها لا تخا ف إلا الله انتهى. قلت: يعني أنه كما وقت لاهل الشام ومصر الجحفة ولم تكونا فتحتا فكذلك وقت لاهل العراق ذات عرق وإن لم تكن فتحت، وقد علم (ص) ما سيفتح بعده وزويت له مشارق الارض ومغاربها وقال: سيبلغ ملك أمتي ما روي لي منها، وكما أخبر (ص) بغير ذلك من المغيبات، وقد ضعف الدارقطني الحديث بما تقدم أعني كون العراق لم تفتح حينئذ ورد عليه القاضي عياض بنحو ما تقدم والله أعلم. الثالث: أجمع العلماء على هذه المواقيت الخمسة إلا أن الشافعي رضي الله عنه استحب لاهل العرب أن يهلوا من العقيق لحديث أبي رواه الترمذي عن ابن عباس أنه (ص) وقت لاهل المشرق العقيق وهو أبعد من ذات عرق بمرحلتين أو مرحلة، والعقيق كل واد نسفته السيول، وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى بالعقيق عدها بعضهم عشرة. ووجه قول الجمهور ما تقدم من نصوص الاحاديث وإجماع الناس على ما فعله عمر رضي الله عنه. قال صاحب الطراز: ولانه لا خلاف أنهم إذا جاوزوا العقيق وأحرموا من ذات عرق فإنه لا دم عليهم، فلو كان العقيق ميقاتا لهم لوجب عليهم الدم بتركه. قلت: والحديث الذي استدل به الشافعي في إسناده يزيد بن أبي زياد وقد ضعفوه، وذكر البيهقي أنه قد تفرد به والله أعلم. وقد نظم بعضهم المواقيت الخمسة في بيتين فقال: عرق العراق يلملم اليمني وبذي الحليفة يحرم المدني والشامي جحفة إن مررت بها ولاهل نجد قرن فاستبن ولم ينون الجحفة ولا قرن اه‍ الرابع قال في الطراز في باب حكم المواقيت: يكره لاهل المدينة أن يحرموا من المدينة لان ذلك مخالف لفعله (ص) انتهى والله أعلم. الخامس: قوله (ص) هن لهن قال القاضي عياض: كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما عند أكثر الرواة يعني أنه بالتأنيث في قوله لهن قال: ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم هن لهم يعني بتذكير الضمير في قوله لهم قال: وكذا رواه أبو داود وغيره وهو الوجه لانه ضمير أهل هذه المواضع. قال: ووجه الرواية المشهورة أن الضمير في لهن عائد إلى المواضع والاقطار المذكورة وهي المدينة والشام واليمن ونجد أي هذه المواقيت لهذه الاقطار، والمراد لاهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه انتهى. وقوله هن بالتأنيث قال الفاكهاني في شرح العمدة: أكثر ما تستعمل العرب هذه الصيغة فيما دون العشرة وما جاوز العشرة استعملته بالالف والهاء. قال الله تعالى * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في

[ 46 ]

كتاب الله يوم خلق السموا ت والارض منها أربعة حرم) * أي من الاثني عشر ثم قال: * (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * الاربعة. وقد قيل في الاثني عشر وهو ضعيف شاذ فاعلم هذه القاعدة فإنها من النفائس. قلت: ذكرها القاضي عياض في الاكمال في شرح هذا الحديث قال: وأما قوله فهن فجمع من لا يعقل بالهاء والنون فإن العرب تستعمله وأكثر ما تستعمله فيما دون العشرة وتستعمل ما جاوز العشرة بالهاء ثم ذكر الآية. ص: (ومسكن دونها) ش: يعني به أن من بين مكة والمواقيت فميقاته منزله وهذا ظاهر والاصل فيه قوله (ص) في الحديث السابق لما ذكر المواقيت ومن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة رواه البخاري كما تقدم. تنبيهات: الاول: ظاهره سواء كان منزله في الحل أو في الحرم وهو كذلك لمن أراد الاحرام بالحج،. وأما من أراد الاحرام بالعمرة فإن كان منزله في الحل أحرم منه، فإن كان في الحرم فلا بد من الخروج إلى الحل كما تقدم، وكذلك إن أراد القران على المشهور وقد تقدم بيان جميع ذلك والله أعلم. الثاني: إذا قلنا يحرم من منزله فمن أين يحرم ؟ قال في الطراز قال مالك في الموازية: يحرم من داره أو من مسجده ولا يؤخر ذلك. وهذا بين لانا إن قلنا من داره فلقوله (ص) فمن كان دونهن فمن أهله. وإن قلنا من المسجد فواسع لانه موضع الصلاة ولان أهل مكة يأتون المسجد فيحرمون منه، وكذلك أهل ذي الحليفة يأتون مسجدهم. والاحسن أن يحرم من أبعدهما من مكة، واستحب أصحاب الشافعي أن يحرم من حد قريته الابعد من مكة ويجري ذلك على قول مالك في الموازية. وقد سئل في ميقات الجحفة: أيحرم من وسط الوادي أو من آخره ؟ قال: كله مهل ومن أوله أحب إليه انتهى. وسيأتي كلام الموازية بكماله عند قول المصنف كإحرامه أوله. الثالث: سيأتي عند قول المصنف إلا كمصري حكم ما إذا سافر من منزله دون الميقات لما وراء منزله أو لما وراء الميقات والله أعلم. الرابع: قال في الجلاب: ومن كان منزله بعد المواقيت إلى مكة أحرم منه فإن أخر الاحرام منه فهو كمن أخر الاحرام من ميقاته في جميع صفاته انتهى وهذا بين والله أعلم. ص: (وحيث حاذى واحدا أو مر) ش: يعني أن من حاذى واحدا من هذه المواقيت أو مر عليه وجب عليه الاحرام منه إلا المصري ومن ذكر معه إذا مروا بالحليفة فلا يجب عليهم

[ 47 ]

الاحرام منه ولكن يستحب كما سيأتي. قال أبو إسحاق التونسي: ومن كان بلده بعيدا من الميقات مشرقا عن الميقات أو مغربا عنه وإذا قصد إلى مكة من موضعه لم ير ميقاتا وإذا قصد إلى الميقات شق عليه ذلك لامكان أن تكون مسافة بلده إلى الميقات مثل مسافة بلده إلى مكة، فإذا حاذى الميقات بالتقدير والتحري أحرم ولم يلزمه السير إلى الميقات، وكذلك من حج في البحر فإذا حاذوا الميقات أحرموا انتهى. فرع: حكم من كان منزله حذاء الميقات حكم من حاذى الميقات في السر. قال في النوادر: ومن كان منزله حذاء الميقات فليحرم من منزله وليس عليه أن يأتي الميقات انتهى. لكن إن كان منزله قريبا من الميقات فيستحب له الذهاب إلى الميقات. قال سند في باب حكم المواقيت: إن من كان منزله بقرب المواقيت فيستحب له أن يذهب إلى الميقات فيحرم منه. قاله فيمن أراد الاحرام بالعمرة. قلت: والظاهر أن مريد الحج أو القران كذلك والله أعلم. وشمل كلام المصنف المكي إذا مر بميقات من هذه المواقيت أو حاذاه فإنه يجب عليه الاحرام منه ولا يتعداه وهو كذلك. قال الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة: وإذا مر مكي بأحد المواقيت فجاوزه ثم أحرم بحج أو عمرة، فإن لم يكن حين جاوزه يريد إحراما بأحدهما فلا دم عليه وإلا فعليه الدم، وكذلك لو لم يحرم حتى دخل مكة فأحرم فإن كان إذا جاوزه مريدا وإلا فلا شئ عليه وقد أساء في دخوله مكة بغير إحرام. ثم قال: وأهل الشام ومصر وأهل المغرب يقدم معهم فذلك ميقات له. قال سند: إذا مروا على ذات عرق أو يلملم أو قرن صار ذلك ميقاتا لهم، فإن تعدوه فعليهم دم إذ يتعدونه إلى ميقات لهم. قال: وكذلك المكي يقدم معهم فذلك ميقات له. قال سند في باب المواقيت لما تكلم على إحرام المكي بالحج من خارج الحرم ما نصه: لو سافر المكي من مكة ثم رجع إليها أحرم من الميقات الذي يمر به. وصرح بذلك في موضع آخر وسيأتي كلامه فيه عند قول المصنف إلا كمصري. فإن قيل: مقتضى ما ذكروه في المصري ومن ذكر معه من جواز تأخيرهم والاحرام للجحفة لانها ميقاتهم أن يجوز للمكي تأخير الاحرام إلى مكة لقوله (ص) حتى أهل مكة من مكة. فالجواب ما ذكره صاحب الطراز وغيره أن المواقيت إنما شرعت لئلا يدخل مكة بغير إحرام. فلو أجزنا للمكي دخول مكة بغير إحرام لزم منه إبطال الحكم التي لاجلها شرعت المواقيت وتقدم نحوه في كلام الباجي في المكي إذا أحرم بالحج من الحل. قلت: ومقتضى هذا الكلام أن المكي إذا مر بذي الحليفة وجب عليه الاحرام منه ولا يؤخر للجحفة وهو ظاهر، وفي كلام ابن أبي زيد وصاحب الطراز ما يدل على ذلك والله أعلم. ص: (لو ببحر) ش: يعني أن من سافر في البحر فإنه يحرم إذا حاذى الميقات ولا يؤخر إلى البر. وهكذا قال في مناسكه ونصه: ومن سافر في البحر أحرم أيضا في البحر إذا حاذاه

[ 48 ]

على ظاهر المذهب خلافا لسند في قوله إنه يؤخر للبر خوفا من أن ترده الريح فيبقى محرما وهو ظاهر من جهة المعنى. ونقل ابن الحاج عن ابنافع مثل قول سند فقال: وقال ابن نافع: لا يحرم في السفن ورواه عن مالك انتهى. ويشير بقوله على ظاهر المذهب إلى قول مالك في الموازية قال في النوادر قال محمد قال مالك: ومن حج في البحر من أهل مصر وشبههم إذا حاذى الجحفة انتهى. ونقله جماعة وأبقوه على ظاهره وهو ظاهر كلام المؤلف هنا، وأجمل رحمة الله فيما حكاه عن سند وذلك لان سندا يقول: من أتى بحر عيذاب حيث لا يحاذي البر فلا يجب عليه الاحرام في البحر إلى أن يصل إلى البر إلا أن يخرج على بر أبعد من ميقات أهل الشام وأهل اليمن، ولا يلزمه بتأخير الاحرام إلى البرهدي. وأما إن أتى على بحر القلزم حيث يحاذي البر فالاحرام عليه في البحر واجب لكن يرخص له التأخير إلى البر ويلزمه الهدي. والفرق بينهما أن الاول في إحرامه في البحر على محاذاة الجحفة خطر خوفا من أن ترده الريح فيبقى محرما حتى يتيسر له إقلاع سالم. قال: وهذا من أعظم الحرج المنفي من الدين. وإذا ثبت الجواز ترتب عليه نفي الدم حتى يدل دليل على وجوبه ولا دليل، وأما الثاني فإنه قادر على الاحرام من البر من نفس الجحفة والسير فيه لكن عليه ضرر في النزول إلى البر ومفارقة رحله فيجوز له التأخير للضرورة إلزامه الهدى كما يجوز استباحة ممنوعات الاحرام للضرورة مع مع وجوب الفدية والله أعلم. انتهى مختصرا بالمعنى. فقد ظهر الاجمال الذي في كلام المصنف الذي حكاه عن سند وأن قول سند ليس كرواية ابن نافع من كل وجه، وقد ذكر المصنف التوضيح كلام سند كما ذكرناه ولم يتعقبه بأنه خلاف ظاهر المذهب كما قال في مناسكه، وكذلك القرافي في ذخيرته وابن عرفة والتادلي وابن فرحون في شرح ابن الحاج وفي مناسكه، ولم يتعقبوه بأنه خلاف بل ظاهر كلامهم أنهم قبلوا تقييده كلامالك بما ذكر وهذا هو الظاهر، فيتعين تقييد كلام المصنف به، وقد شاهدت الوالد يفتي بما قاله سند غير مرة والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال سند: ولا يرحل من جدة إلا محرما لان جواز التأخير إنما كان للضرورة وقد زالت. وهل يحرم إذا وصل البر أو إذا ظعن من جدة يحتمل، والظاهر إذا ظعن لان سنة من أحرم وقصد البيت أن يتصل إهلاله بالمسير. الثاني: هذا التفصيل التي ذكره سند في جهة الشام في بحر عيذاب وبحر القلزم يقال مثله في جهة اليمن والهند وهذا ظاهر والله أعلم. ص: (إلا كمصري بما يمر بالحليفة فهي أولى) ش: أشار بالكاف للمغاربة والشاميين ومن وراءهم، ويمكن أن يقال: أشار بها لذلك ولما

[ 49 ]

ذكره سند من أنه يلحق بهم في جواز تأخير الاحرام عن الميقات الذي يمر به وهو من كان منزله بين مكة والمواقيت إذا سافر لما وراء الميقات ونصه: من كان منزله دون الميقا ت وسافر لما وراء الميقات ثم أتى مريدا لدخول مكة، فهذا له أن يحرم من الميقا ت وله أن يؤخر إلى منزله كما يؤخر المصري إحرامه من الحليفة إلى الجحفة، فينظرها هنا إن كان يريد الحج أخر إحرامه إلى منزله إن شاء إذا كان منزله بغير مكة ولا يؤخره إذا كان مسكنه مكة إذ لا يدخل المكي مكة إلا محرما، فلما وجب عليه الاحرام قبل منزله وجب عليه الاحرام من الميقات الذي مر به وهو كمن لا ميقات لاحرامه بعده، وإن كان هذا الداخل معتمرا نظرت، فإن كان منزله في الحل جاز له التأخير له، وإن كان في الحرم لم يجز كالمكي انتهى. ونقله في الذخيرة على أنه المذهب وهو ظاهر ولم أقف على ما يخالفه إلا ما ذكره القرطبي في شرح مسلم فإنه قال ما نصه: ولو مر من منزله بعد المواقيت بميقات من المواقيت المعينة العامة وهو يريد الاحرام وجب عليه أن يحرم منه ولا يؤخر الاحرام إلى بيته لقوله (ص) هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ويخالف هذا من كان ميقاته الجحفة ومر بذي الحليفة فإن له أن يؤخر الاحرام إلى الجحفة لان الجحفة ميقات منصوب نصبا عاما لا يتبدل بخلاف المنزل فإنه إضافي يتبدل بالساكن فانفصلا انتهى. قلت: وما قاله سند أظهر والله أعلم. ولا شك أن إحرامه من الميقات أفضل كما يؤخذ ذلك من قياسه على المصري إذا مر بذي الحليفة وإن كان ليس في كلامه التصريح بأن إحرامه من الميقا ت أولى ولكنه ظاهر من جهة المعنى وللخروج من الخلاف. وانظر على ما قال القرطبي إذا سافر من منزله دون الميقات إلى منزل أبعد منه ولكنه دون الميقات أيضا ثم أراد دخول مكة أو أراد الاحرام، فهل يلزمه أن يحرم من المنزل الابعد أوله أن يؤخر إلى منزله لان المنزل الذي هو به ليس بميقات عام، وهذا هو الذي يدل عليه تعليله والله أعلم. وأما على ما قاله سند وصاحب الذخيرة فيجوز له التأخير، إلى منزله ولا إشكال في ذلك، والظاهر أنه يستحب له الاحرام من المنزل الابعد والله أعلم. قلت: ومقتضى كلام صاحب الطراز أن من كان منزله في الحرم وأراد الاحرام بالحج جاز له أن يؤخر ذلك إلى منزله وأن يدخل الحرم بغير إحرام، ومقتضى ذلك أيضا أنه لا يجب على من أراد دخول الحرم ولم يرد دخول مكة الاحرام كما لو كان مسكنه بالحرم وأراد دخوله ولم يرد دخول مكة، أو أراد دخول الحرم لحاجة دون مكة، وبذلك صرح ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير فقال: وقال غير المالكية: إن حكم دخول الحرم حكم دخول مكة فيما ذكرنا لاشتراكهما في الحرمة ولم يلحق المالكية الحرم بمكة في ذلك انتهى. وقول المصنف الآتي والمار به إن لم يرد مكة أو كعبد فلا إحرام عليه ولا دم كالصريح في ذلك، ولم أر في كلام أهل المذهب ما يخالف ذلك إلا ما وقع في المدونة فيمن دخل مكة بغير إحرام وإن لم يكن مريد

[ 50 ]

النسك قال فيها: لا دم عليه وقد أساء حين دخل الحرم حلالا. ويمكن أن يكون مراده بالحرم مكة لان فرض المسألة فيمن دخل مكة بغير إحرام فتأمله والله أعلم. وهذا فيمن دخل الحرم إلى منزله ولم يحتج إلى دخول مكة، أما لو لم يمكنه المرور إلى منزله إلا بالمرور على مكة فلا إشكال في أنه يجب عليه الاحرام والله أعلم. تنبيهان: الاول: ما ذكره المصنف من أن المصري ومن ذكر معه إذا مروا بالحليفة فالاولى لهم أن يحرموا منها ويجوز لهم التأخير للجحفة، إنما ذلك إذا كان المصري ومن ذكر معه يمرون بالجحفة أو يحاذونها، وأما إن أرادوا ترك المرور بالجحفة فلارخصة لهم في ترك الاحرام من ذي الحليفة. قال ابن حبيب في الواضحة: إن أراد المصري ومن ذكر معه ترك الممر بالجحفة فلا رخصة لهم حينئذ في ترك الاحرام من ذي الحليفة انتهى. وقال اللخمي لما ذكر أن لاهل الشام ومصر وأهل المغرب إذا مروا على ذي الحليفة أن يؤخروا إلى الجحفة ما نصه: وإن لم يمروا بالجحفة فلهم أن يؤخروا ليحرموا إذا حاذوها، وكذلك كل من لا يمر بميقاته فمهله إذا حاذاه في بر أو بحر. وقال ابن حبيب: إذا لم يكن مرور أهل الشام وأهل المغرب بالجحفة فلا رحصة لهم في ترك الاحرام من ذي الحليفة، يريد إذا لم يكن مرورهم على موضع يحاذي ميقاتهم انتهى. ونقله المصنف في التوضيح وابن عرفة والتادلي وابن فرحون، وظاهر كلامهم أن كلام اللخمي تقييد لما قاله ابن حبيب لا خلاف وهو ظاهر، إذ لو ترك على ظاهره لكان مشكلا، ولذلك استشكله الشيخ أبو محمد وقال: انظر لم ذلك وهم يحاذون الجحفة، نقله عنه ابن عبد السلام والمصنتف في التوضيح وابن فرحون وغيرهم. ولم يذكر سند وابن عبد السلام تقييد اللخمي، وكلام سند في غير موضع من الطراز يقتضي اعتباره والله أعلم. الثاني: فهم من قول المصنف إلا كمصري الخ أن غير المصري ومن ذكر معه كالعراقي ونحوه إذا مروا بذي الحليفة أنه يتعين عليهم الاحرام منها، وصرح بذلك في مناسكه قال: ولو مر العراقي ونحوه من ذي الحليفة تعين عليهم الاحرام إذ لا يتعداه إلى ميقات له. فقوله إنه يتعين عليهم الاحرام يقتضي أن ذلك واجب عليهم وأنهم إن أخروا الاحرام عن ذي الحليفة لزمهم الدم وهذا ظاهر المدونة. وصرح بذلك الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة فقال: ومن مر من أهل اليمن أو نجد العراق بذي الحليفة صارت ميقاتا له لا يتعداها، فإن تعداها إلى الجحفة فعليه دم إذ لا يتعداها إلى ميقات له، وكذلك سائر أهل البلدان خلا أهل الشام ومصر والمغرب فذلك لهم إذ الجحفة ميقاتهم والفضل لهم في إحرامهم من ذي الحليفة انتهى. وقال في الرسالة بعد أن ذكر أهل العراق واليمن ونجد ومن مر من هؤلاء بالمدينة: فواجب عليه أن يحرم من ميقات أهلها من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له انتهى. وقال أبو إسحاق: وكل من مر بميقات ليس له فعليه أن يحرم منه إذا لم يكن ميقاته بين يدي هذا الذي مر لانه قد صار هذا الذي مر به ميقاتا له لما لم يكن بين يديه ميقات له ومن تعداه كان

[ 51 ]

عليه الدم انتهى. ونحوه في كلام صاحب التلقين وغير واحد من أهل المذهب. وقال في الطراز بعد أن ذكر لفظ المدونة: هذا يقتضي أن ذلك يجب عليهم حتى إنهم إن أخروا عن ذي الحليفة أهدوا.، وقال في المختصر: وأحب لاهل المشرق إن مروا بذي الحليفة أن يحرموا منها. وهذا يقتضي أن ذلك على الاستحباب، ثم وجه كلا من القولين ثم قال: والاول أبين انتهى. وقال في النوادر بعد أن ذكر كلام مالك في المختصر وقال في المدونة: ليس لمن مر بها من أهل العراق أن يجاوزها لانه لا يتعداه إلى ميقات له انتهى. فنبه على أنه خلاف مذهب المدونة. ويوجد في بعض نسخ ابن عبد السلام بعد أن ذكر كلام المختصر وهو خلاف المدونة ولم يذكر المصنف في التوضيح ولا ابن عرفة القول الثاني فتأمله والله أعلم. ص: (وإن لحيض رجي رفعه) ش: يعني أن إحرام الحائض من أهل مصر والشام ونحوهم من الحليفة أولى من تأخيرهم الاحرام إلى الجحفة وإن أدى ذلك إلى إحرامها الآن من غير صلاة وكانت ترتجي إذا أخرت إلى الجحفة أن تطهر وتغتسل وتصلي للاحرام وقال في الطراز في باب ما يفعل عند الاحرام. وقال مالك في المختصر: لا تؤخر إلى الجحفة رجاء أن تطهر وهو بين، لان الاحرام بذي الحليفة أفضل إجماعا فإنها تقيم في العبادة أياما قبل أن تصل إلى الجحفة فلا يفي غسلها بفضل تقدمه إحرامها من ميقات النبي (ص). اه‍ قلت: وفي قوله لا يفي غسلها نظر لانه يقتضي أن الحائض لا تغتسل وليس كذلك كما صرح به هو غيره، ولعله أراد أن يقول فلا يفي ركوعها لان الركوع هو الذي يفوتها في تعجيل الاحرام من ذي الحليفة. ووقع له ذلك أيضا في موضع آخر قبل هذا ونصه: إن كانت الحائض والنفساء من أهل ذي الحليفة وأمكنها المقام في أهلها حتى تطهر، فاستحسن الشافعي أن لا تعجل بالسفر إن لم تدعها إليه ضرورة وتؤخر حتى تطهر فتغتسل وتركع وتحرم على أكمل حالها. وقال مالك: عند محمد تغتسل ولا تؤخر لانتظار الطهر وهو بين، فإنها إذا أحرمت من الآن دخلت في العبادة، والذي يفوتها من الفضيلة بالحرمان فوق ما يفوتها من فضيلة الغسل بعد أيام وزمان انتهى. ونقله ابن عبد السلام في الكلام علسنن الاحرام، وذكره في الشامل أيضا. وفي كلام سند الاخير فائدة أخرى وهي التصريح بأن الحائض والنفساء إذا كانتا ممن يجب عليهما الاحرام من ذي الحليفة لا يرخص لهما عند مالك في تأخير الاحرام إلى الجحفة رجاء أن تطهر وهو ظاهر كلام النوادر ونصه: ولا تؤخر الحائض من

[ 52 ]

ذي الحليفة إلى الجحفة رجاء أن تطهر انتهى. فظاهره سواء كانت ممن يجب عليها الاحرام من ذي الحليفة أو ممن يستحب لها، وهو أيضا ظاهر كلام سند الاول الذي نقله عن مالك في المختصر والله أعلم. فرع: والمستحب لمن أحرم من ذي الحليفة غير الحائض أن يصلي في مسجدها ثم يركب ثم يهل والحائض تحرم من فناء مسجدها، قال سند في باب ما يفعل عند الاحرام: قال مالك في الموازية والعتبية: ويجبر الكري أن ينيخ بالمكتري بباب مسجد ذي الحليفة حتى يصلوا ثم يركبون فيهلون، وليس له أن يقول اذهبوا فصلوا ثم تأتون إلي فأحملكم. قال في الموازية: وتحرم الحائض من رحلها إن كانت بالجحفة وبينها وبين المسجد هنيهة، وإن كانت بالشجرة يريد من ذي الحليفة - فمن فناء المسجد ولانه خلل وذلك أن ذا الحليفة موضع يقصد لركوع الاحرام اقتداء بالنبي (ص)، فأما من أحرم من سائر المواقيت عداه فالافضل له أول الميقات انتهى. ومسألة الكري في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم: وقال ابن رشد من شرحها: وهذا كما قال لان ذلك عرف فدخل عليه الكري انتهى. فرع: اختلف في المدني المريض هل يرخص له في تأخير الاحرام إلى الجحفة أم لا على قولين وهما لمالك في الموازية، فقال مرة لا ينبغي له أن يجاوز الميقات لما يرجوه من قوة وليحرم فإن احتاج إلى شئ افتدى. وقال مرة لا بأس أن يؤخر إلى الجحفة. نقل القولين صاحب النوادر واللخمي وصاحب الطراز والمصنف في التوضيح وغيرهم. قال اللخمي: والاول أقيس وهو مخاطب بالاحرام من ميقاته، فإن احتاج إلى شئ مخيط أو تغطية الرأس فعل وافتدى انتهى. وقال في الطراز: والاول أحسن لان المرض لا يبيح مجاوزة الميقات كما في سائر المواقيت. والقول الآخر استحسان لانه ميقات يجوز لبعض النساك أن يتجاوزه فكانت الضرورة وجها في جواز مجاوزته إلى غيره، وهذا استحسان والقيا س الاول انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكر القولين عن مالك اللخمي وغيره: والاول أقيس. ابن بزيزة، والمشهور الثاني للضرورة انتهى. وقال في النوادر بعد أن ذكر الروايتين: وفي رواية ابن عبد الحكم لا يؤخر إلى مكة ورب مريض أرى له ذلك حتى يأتي الجحفة انتهى. وقال ابن عرفة: وفي تأخير المدني إحرامه للجحفة لمر ض رواية ابن عبد الحكم مع إحدى روايتي محمد. ونقل ابن عبد السلام القولين لا بقيد المرض لا أعرفه إلا نقل أبي عمر إن أخر المدني للجحفة ففي لزوم الدم قولا مالك وبعض أصحابنا انتهى. قلت: لعله سقط من نسخة ابن عبد السلام قيد المرض، والذي رأيته في نسخ من ابن عبد السلام ما نصه: واختلف في المدني المريض هل يرخص له في تأخير الاحرام إلى الجحفة، والقياس أنه لا يؤخر انتهى. واعتمده في الشامل تشهير ابن بزيزة فقال: ورخص للمدني يمر

[ 53 ]

بذي الحليفة مريضا في تأخيره للجحفة على المشهور لا لمكة انتهى. وكذا التلمساني وسيدي الشيخ أحمد زروق وفي شرح الارشاد وعليه اقتصر أبو إسحاق التونسي ونصه: والمريض يحرم بذي الحليفة وإن أصابه شئ افتدى، وإن أخر إلى الجحفة فهو في سعة وأما إن أراد أن يترك الاحرام لمرضه حتى يقرب من مكة لغير ميقات له فلا يفعل وليحرم من الميقات انتهى. فتحصل من هذا أن في المسألة قولين: أحدهما أنه يرخص له في التأخير وهو الذي شهره ابن بزيزة، والثاني أنه لا يرخص له في التأخير، وقد علمت أن هذا القول رجحه اللخمي وصاحب الطراز وابن عبد السلام والله أعلم. وانظر على هذا القول هل التأخير حرام ويجب بسبب الهدي أم لا ؟ ولفظ النوادر المتقدم لا ينبغي، وهكذا نقله اللخمي وسند المصنف وغيرهم وهو لا يقتضي التحريم، ونقله ابن بشير في التنبيه بلفظ لا يجوز وهو يقتضي التحريم ونصه: وهل للمريض من أهل المدينة ومن غيرها أن يؤخر إذا مر بذي الحليفة حتى يحرم من الجحفة قولان: أحدهما أن ذلك جائز لعذره، والثاني أن ذلك لا يجوز وليحرم، فإن طرأ عليه ما يوجب الفدية افتدى انتهى. فلعله فهم قول لا ينبغي على التحريم. وفي كلامه فائدة أخرى وهي أن القولين جاريان في المريض ولو كان من غير أهل المدينة وهو ظاهر ومثله ما تقدم في كلام أبي إسحاق التونسي ويعني بغير أهل المدينة من يجب عليه الاحرام من ميقا ت أهلها احترازا من المصري ومن ذكر معه لان الاحرام من الحليفة في حق هؤلاء مستحب والله أعلم. تنبيه: قال ابن فرحون في شرحه: لو كان المدني غير مريض وأخر الاحرام إلى الجحفة ففي وجوب الدم وسقوطه قولان. والوجوب لمالك. واختلف أصحابه في الوجوب والسقوط. ذكره ابن عبد البر في الاستذكار ونقله التادلي في مناسكه. انتهى ونحوه في مناسكه. والذي نقله التادلي عن ابن زرقون عن ابن عبد البر أنه قال: اختلف في مريد الحج والعمرة يجاوز ميقاته إلى ميقات أقرب منه مثل أن يترك المدني الاحرام من ذي الحليفة ويحرم من الجحفة فقال مالك: عليه دم. ومن أصحابه من أوجب الدم فيه ومنهم من أسقطه انتهى. وهكذا نقل المصنف في التوضيح عن ابن عبد البر في الاستذكار ولم يقيده بمرض ولا بغير مرض ولكنه ظاهر في أن المراد به الصحيح ولذا قال في الشامل: ولا يؤخره صحيح وإلا فالدم على الاصح. وتقدم في كلام ابن عرفة أنه لا يعرف الخلاف بغير قيد المرض إلا لابن عبد البر والله أعلم. ص: (كإحرامه أوله) ش: يعني أن الاحرام من أول الميقات أولى لان المبادرة إلى الطاعة مستحبة. قال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز قيل لمالك في ميقات الجحفة، أيحرم من وسط الوادي أو آخره ؟ قال: كله مهل وليحرم من أوله أحب إلي. وكذلك ما كان مثل الجحفة من

[ 54 ]

المواقيت. وسئل أيضا: أيحرم من الجحفة من المسجد الاول أو الثاني ؟ قال: ذلك واسع ومن الاول أحب إلينا انتهى. ونقله سند وذكر المسألة الاخيرة في رسم حلف ليرفعن من سما ابن القاسم إلا أنه لم يقل ومن الاول أحب إلينا ولم يزد ابن رشد في شرحها شيئا غير أنه ذكر كلام مالك الاول أعني قوله مهل ومن أوله أحب إلي وعزاه للمختصر الكبير. وانظر هل مراد مالك بالمسجد الاول رابغ أم لا ؟ والله أعلم. تنبيه: يستثنى من هذا من أحرم من ذي الحليفة فإنه تقدم أن الافضل له أن يركع للاحرام في مسجدها ثم يحرم إذا خرج منه، وتحرم الحائض من فنائه ولا تدخل. وتقدم قول صاحب الطراز أن مسجدها يقصد لركوع الاحرام اقتداء به عليه السلام، وإن من أحرم من سائر المواقيت عداء فالافضل له أول الميقات والله أعلم. فائدة: قال ابن مسدي في خطبة منسكه: وعن سفيان بن عيينة قال: قال رجل لمالك ابن أنس: من أين أحرم قال: أحرم من حيث أحرم (ص). فأعاد عليه مرارا وقال: فإن زدت على ذلك ؟ قال: فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة. قال: وما في هذه من الفتنة إنما هي أميال أزيدها فقال مالك: قال الله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * قال: وأي فتنة في هذا ؟ قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أصبت فضلا قصر عنه رسول الله (ص)، أو ترى أن اختيارك لنفسك في هذا خيرا من اختيار الله لك واختيار رسول الله (ص) انتهى. وقال فيه أيضا: روينا عن معن بن عيسى قال: سمعت مالكا يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق السنة من ذلك فاتركوه انتهى. ص: (وإزالة شعثه) ش: الضمير عائد إلى الذي يريد الاحرام يعني أن الافضل لمن يريد الاحرام أن يزيل شعثه بأن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينتف إبطه ويزيل الشعر الذي على بدنه ما عدا شعر رأسه فإن الافضل له إبقاؤه طلبا للشعث في الحج، لكن نص ابن بشير على أن الافضل أن يلبده بصمغ أو غاسول فيلتصق بعضه على بعض وتقل دوابه أي لا يكثر فيه القمل. ونقله المصنف في التوضيح بلفظ: ويقتل دوابه. ونقل في مناسكه بلفظ: وتموت دوابه. وذلك مشكل لانه يقتضي أن ذلك يقتل دواب رأسه بعد أن يلتصق الشعر بعضه على بعض فيكون حاملا للنجاسة أو شاكا في ذلك لان القملة إذا ماتت نجست على المشهور كما تقدم في كتاب الطهارة. وأيضا فإن يحمل على أن يقع القتل للقمل بعد الاحرام، والذي في لفظ ابن بشير إنما هو لتقل دوابه من القلة ضد الكثرة

[ 55 ]

والله أعلم. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويستحب المبالغة في إزالة درنه وتقليم إظفاره قبل إحرامه. والشعث الدرن والوسخ والقشب انتهى. ص: (وترك اللفظ به) ش: يعني أن من ترك التلفظ بالنسك الذي يريده والاقتصار على النية أفضل من التلفظ بذلك عند مالك. قال المصنف في منسكه: هذا هو المعروف. وروي عن مالك كراهة التلفظ وروي عن ابن وهب التسمية أحب إلي. وفي الموازية قال مالك: ذلك واسع سمى أو ترك. وصفة التسمية أن يقول: لبيك بحجة أو لبيك بعمرة وحجة أو يقول أحرمت بحجة أو عمرة أو بهما. تنبيه: قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في جامع الامهات: قبل التلفظ أولى للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة يقول: إنه إن لم ينطق ينعقد إحرامه انتهى والله أعلم. ص: (والمار به إن لم يرد مكة أو كعبد فلا إحرام عليه ولا دم وإن أحرم) ش: يعني أن المار بالميقات إذا لم يرد دخول مكة بل كانت حاجته دون مكة أو في جهة أخرى فإنه لا إحرام عليه، ولو بدا له بعد أن جاوز الميقات دخول مكة وأحرم بعد مجاوزته للميقات لا دم عليه. وهذا لا خلاف فيه إلا أن يكون صرورة ففيه خلاف كما سيأتي. وكذلك لا يجب الاحرام على من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد والصبي وإليه أشار بقوله أو كعبد وشمل كلامه رحمه الله من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد والجارية والصبي والمجنون والمغمى عليه ومن لا يصح منه الاحرام به كالكافر. وقال في المدونة: وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين، فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على العبد لترك الميقات. وإذا أسلم النصراني أو عتق بعد أو بلغ صبي أو حاضت الجارية بعد دخولهم مكة أو وهم بعرفا ت فأحرموا حينئذ فوقفوا أجزأتهم عن حجة الاسلام ولا دم عليهم لترك الميقات. قال ابن يونس: لانهم جاوز. قبل توجه حج الفرض عليهم. وقال في المغمى عليه إذا أفاق وأحرم وأدرك الوقوف بعرفة أجزاه حجه وأرجو أن لا يكون عليه دم لترك الميقات. وانظر هل يدخل في كلام المصنف المرأة في التطوع ؟ والظاهر أنه ينظر، فإن كان الزوج محرما فيجب عليه الاحرام لانه لا يجوز له أن يحللها إذا أحرم وكانت صحبته كما صرح به صاحب الطراز، وأما إن كان ممن يجوز له الدخول بغير الاحرام فها هنا ليس لها أن تحرم بالتطوع إلا بإذنه، ومقتضى ذلك أنه يجوز له أن يدخلها بغير إحرام فتأمله والله أعلم. ص: (إلا الصرورة المستطيع فتأويلان) ش: ظاهر كلامه أن التأويلين إذا أرادهما بعد ذلك وأحرم وأن المعنى أن

[ 56 ]

الصرورة المستطيعة إذا جاوز الميقات غير مريد لمكة ثم أرادها بعد ذلك وأحرم فاختلف في لزوم الدم له، والمسألة كذلك مفروضة في المدونة وفي شروحها. ونقل ابن بشير الخلاف في الصرورة لا بقيد كونه أحرم بعد ذلك، وتبعه على ذلك المصنف في مناسكه وتوضيحه وهو بعيد، والتأويلان لابن شبلون على أن الصرورة يلزمه الدم سواء كان مريدا للحج حين جاوز الميقات أو غير مريد. وتأولها الشيخ ابن أبي زيد على أن الصرورة وغيره سواء وأنه لا يلزمه الدم إلا إذا جاوز الميقات وهو مريد للحج. قال ابن يونس: وقول أبي محمد هو الصواب ولا بد من تقييد قول ابن شبلون بأن يكون ذلك في أشهر الحج. ص: (ومريدها أن تردد أو عاد لها الامر فكذلك) ش: يعني أن من أراد دخول مكة ولكنه كان من المترددين إليها كالمتسببين في الفواكه والطعام وكالحطابين ونحوهم فإنهم لا يجب عليهم الاحرام وقاله في المدونة، واستحب اللخمي لهم أن يحرموا أول مرة. وقوله أو عاد لها الامر يشير به إلى ما ذكره في المدونة بعد أن ذكر المترددين بالفواكه والحطب وأنه لا إحرام عليهم. قال: أو مثل ما فعل ابن عمر حين خرج إلى قديد فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام. واعلم أنه وقع في سماع سحنون من كتاب الحج أن من خرج لحاجة لمثل جدة والطائف وعسفان ونيته العود أنه لا يجوز له الدخول بغير إحرام. قال: وإن لم تكن نيته العود فلما خرج بدا له فأراد العود فعليه الاحرام. قال ابن رشد: إن مسألة العتبية ليست مخالفة لما في المدونة من قضية ابن عمر. وحاصل ما قاله أن من خرج من مكة إما أن يخرج بنية العود أو لا. فإن خرج على أن لا يعود ثم رجع من قريب لامر عاقه كما فعل ابن عمر فيدخل بغير إحرام بخلاف ما إذا بدا له عن سفره لامر رآعلى ما في هذه الرواية فليست بخلاف لقول مالك في المدونة: وإن خرج بنية العو فإن كان الموضع الذي خرج إليه قريبا ولم يقم فيه كثيرا فله الرجوع بغير إحرام، وإن

[ 57 ]

كان الموضع بعيدا أو قريبا وأقام به فعليه أن يدخل محرما. قال: وإن كان من أهل مكة قال: وحد القرب في ذلك ما إذا خرج على أن يعود لم يلزمه الوداع. قاوهو ما دون المواقيت انتهى مختصرا بالمعنى. وظاهره أن ما بعد المواقيت بعيد مطلقا وليس كذلك، فإن الطائف وإراء الميقات وقد جعلها في الرواية من القريب. ولو حدد القريب بما كان على مسافة القصر فأقل لكان حسنا لان المواضع المذكورة في الرواية جعلها مالك في الموطأ حد المسافة القصر، ولم يفصل في الرواية بين أن يقيم في الموضع الذي خرج إليه أو يرجع بسرعة. وقيده ابن رشد بأن لا يقيم كما تقدم، وعبر عن ذلك ابن عرفة بطول الاقامة. ولم يبينوا الطول ما هو وكأنهم أحالوا ذلك على العرف، فقول المصنف أو عاد لها الامر فكذلك يقيد بقيدين على ما قاله ابن رشد بأن يكون عاد من قريب وأن يكون عوده لامر عاقه عن السفر، ويلحق بهذا في جواز الدخول بغير إحرام من دخل لقتال بوجه جائز كما ذكره المصنف في مناسكه وذكره غيره. ويلحق بهذا أيضا على ما قاله صاحب الطراز من كان خائفا من سلطانها ولا يمكنه أن يظهر أو كان خائفا من جور يلحقه بوجه قال: فهذا لا يكره له دخولها حلالا في ظاهر المدونة لان ذلك يجوز مع عذر التكرار فكيف بعذر المخالفة ؟ وقاله الشافعي وغيره انتهى. قلت: وما قاله ظاهر والله أعلم. فرع: إذا أجزنا له الدخول بغير إحرام كما في الرواية فإن ذلك لم يرد الدخول بأحد النسكين، وأما إن أراد ذلك فيتعين عليه الاحرام من موضعه الذي خرج إليه إن كان دو الميقات كجدة وعسفان، وإن جاوزه بغير إحرام مع إرادته لاحد النسكين ثم أحرم من دونه لزمه الدم وهو ظاهر كما صرحوا بأن من جاوز الميقات ولم يكن مريدا لدخول مكة ثم أراد بعد ذلك الدخول بأحد النسكين فإنه يلزمه الاحرام من موضعه ذلك، وأنه متى جاوزه كان عليه دم كما صرح به في التلقين وغيره، وبذلك شاهدت والدي يفتي غير مرة فيمن خرج لجدة بنية العود ثم إنه لما رجع أخر الاحرام إلى حدة ولم يحرم من جدة. وحدة - بالحاء المهملة - قرية بين مكة وجدة. وعرضته على جماعة من المشايخ فوافقوا عليه وخالف في ذلك بعض مشايخنا وليس بظاهر وكلمه الوالد في ذلك وما أدري هل رجع عن ذلك أم لا والله أعلم. ص: (وإلا وجب الاحرام وأساء تاركه ولا دم إن لم يقصد نسكا) ش: يعني أن المار بالميقات إذا كان مريدا لدخول مكة ولم يكن كعبد ولا من المترددين ولا ممن عاد لامر فإنه يجب عليه الاحرام، سواء أراد دخولها لاحد النسكين أو لغير ذلك. فإن دخلها بغير إحرام فقد

[ 58 ]

أساء أي أثم إلا أنه لا دم عليه إن لم يقصد دخولها لاجل نسك وإنما دخلها لحاجة أخرى أو لانها بلده أو لغير ذلك. وظاهره ولو أراد النسك بغير ذلك وأحرم من الطريق أو من مكة وهو كذلك على مذهب المدونة وسيأتي لفظه في المسألة التي بعد هذه. وتقدم لفظ مختصر ابن أبي زيد في شرح قوله وحيث حاذى واحدا وهو اختيار القاضي عبد الوهاب. وقال ابن القصار: عليه الدم. فرع: فإذا دخل مكة بغير إحرام ثم أراد الاحرام منها فاستحب له أن يخرج إلى ميقاته إن كان عليه نفس. قاله اللخمي وسند، وهو داخل في قول المصنف كخروج ذي النفس لميقاته فإن لم يقدر على ميقاته فيستحب له الخروج للحل قاله في الموازية والله أعلم. ص: (وإلا رجع وإن شارفها) ش: يعني أن من جاوز الميقات بغير إحرام وهو مريد لاحد النسكين فإنه يجب عليه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه وإن شارف مكة وقرب منها، وقد يتبادر إلى الذهن من كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه لا يرجع إذا دخلها لانه جعل المشارفة غاية في محل الرجوع. وظاهر إطلاقاتهم خلاف ذلك ولانه يرجع ما لم يحرم ولو دخلها قال في المدونة: ومن جاوز الميقات ممن يريد الاحرام جاهلا ولم يحرم منه فليرجع فيحرم إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتماد وعليه دم. قال ابن يونس في اختصار المدونة قال مالك: ومن جاوز الميقات ممن يريد الحج جاهولم يحرم منه فليرجع ويحرم منه ولا دم عليه. قال ابن المواز: وقيل يرجع ما لم يشارف مكة، فإن شارفها أحرم وأهدى. ابن يونس: يريد ولو لم يحرم فرجع فأحرم من الميقات لم يكن عليه دم. وقال الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة: ومن مر بميقات يريد حجا أو عمرة فجاوزه ولم يحرم منه جهلا أو نسيانا، فإن ذكر قبل أن يحرم رجع وأحرم من الميقات. قال ابن المواز: وقيل يرجع ما لم يشارف مكة فإن شارفها أحرم وأهدى. وقال ابن القاسم: يرجع إلا أن يكون مراهقا فليحرم. وقال في الاكمال: ومن جاوز الميقات ونيته النسك بحج أو عمرة رجع ما لم يحرم عند مالك ولا دم عليه. وقيل: يرجع ما لم يشارف مكة. وقال التلمساني في شرح الجلاب: اعلم أن من جاوز الميقات ممن يريد الاحرام ولم يحرم منه فليرجع إلى الميقات فيحرم منه إن لم يخف فوات الحج أو فوات أصحابه ولا دم عليه لانه لم يحل بنسك من مناسك الحج ولا أدخل نقصانا على إحرامه. وظاهر هذا

[ 59 ]

أنه يرجع أينما كان حتى لم يحرم. قال ابن المواز: وقيل يرجع ما لم يشارف مكة فإن شارفها أحرم وأهدى. وهذا قول جمهور أهل العلم. انتهى. وقال بعد ذلك في شرح مسألة أخرى: من أراد دخولها بحج أو عمرة فلا يجوز له دخولها إلا حراما، فإن دخلها بغير حرام ثم رجع إلى بلده فقد عصى ولا قضاء عليه لان الاحرام إنما شرع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط فعله كما في تحية المسجد. واختلف هل عليه دم أو لا فقال ابن القاسم: لا دم عليه ورواه عن مالك. وقال مالك في الموازية: عليه دم انتهى. وما ذكره عن ابن القاسم هو مذهب المدونة كما صرح به سند. وظاهر هذه النقول كلها أنه يرجع ما لم يحرم ولو دخل مكة، وبذلك أفتى الشيخ العلامة مفتي الديار المصرية ناصر الدين اللقاني أدام الله النفع به آمين. وذكر في فتواه بعض كلام البراذعي وصاحب الاكمال. وجعل اللخمي القول الذي ذكره محمد بن المواز تقييد للاول فقال: ومن تعدى الميقات وهو يريد الاحرام رجع ما لم يحرم أو يخاف فوات أصحابه ولا يجد من يصحبه ألا يشارف مكة فإنه يمضي ويهدي. وكذا ذكره التادلي عن أبي إبراهيم فطرزه على المدونة. وقال ابن عرفة: وجعل اللخمي وابن بشير وابن شاس منقول محمد وفاقا بعيد انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر غير أني لم أقف في كلام ابن بشير وابن شاس على الكلام في هذه المسألة أعني مسألة الرجوع وعدمه مع المشارفة ولم أر لها ذكرا لا في التنبيه ولا في الجواهر. فتحصل من هذا أنه يؤمر بالرجوع إلى الميقات إلى الاحرام وجوبا. ولو دخل مكة فإن رجع فلا دم عليه، وإن لم يرجع وأحرم من مكة فعليه الدم. قال البراذعي: ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم يحرم حتى دخل مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام، وإن جاوز الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء فيما فعل حين دخل الحرحلالا من أي أهل الآفاق كان ولا شئ عليه انتهى. وهذا بعد الوقوع، أما ابتداء فمريد النسك يجب عليه الخروج إلى الميقات وغير مريد النسك يستحب له الخروج لميقات فإنه لم يقدر فإلى الحل كما تقدم والله أعلم. ص: (ولا دم ولو علم) ش: يعني أنه إذا رجع إلى الميقات قبل أن يحرم فأحرم منه فإنه لا دم عليه ولو كان حين جاوزه عالما بأنه لا يجوز له مجاوزته. وكلام المصنف هنا أحسن من كلامه في مناسكه حيث قال: ثم إن الدم إنما يسقطه بالرجوع إذا جاوزه جاهلا، وأما إن جاوزه عالما بقبح فعله فمفهوم المدونة وغيرها أن عليه الدم ولا يسقط رجوعه. وحمل بعضهم المدونة على سقوط الدم بالرجوع مطلقا انتهى.

[ 60 ]

قلت: يشير إلى قوله في المدونة: ومن جاوز الميقات ممن يريد الاحرام جاهلا ولم يحرم فليرجع فيحرم منه ودم عليه إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه وعليه دم انتهى. ولم أر من حمل المدونة على المفهوم الذي ذكره إلا ابن الحاجب وأنكره عليه ابن عرفة فقال: وقول ابن الحاجب إن كان جاهلا وإلا فدم لا أعرفه. وقوله في المناسك وحمل بعضهم يوهم أن الاكثر حملوها على الاول وليس كذلك إنما حملها عليه ابن الحاجب ومن تبعه، ونحوه قول ابن شاس إنه إن عاد بعد العبد لم يسقط فإنه خلاف المذهب وقد أنكره ابن عرفة والله أعلم. ص: (ما لم يخف فوتا فالدم) ش: ما هذه ظرفية متعلقة بقوله وإلا رجع والمعنى أن من جاوز الميقات غير محرم وهو مريد لاحد النسكين فإنه يؤمر بالرجوع للميقات ليحرم منه ما لم يخف فوت الرفقة أو فوت الحج، فإنه إن خاف ذلك أحرم من محله وعليه دم لمجاوزة الميقات. ص: (كراجع بعد إحرامه) ش: يعني أن من جاوز الميقات بغير إحرام وهو مريد لاحد النسكين ثم أحرم بعد مجاوزته الميقات فإن الدم لازم له ولا يسقط عنه برجوعه إلى الميقات بعد إحرامه، وهذا هو المشهور المعروف من المذهب. وقيل: يسقط الدم برجوعه وله نظائر. ص: (ولو أفسد لا فات) ش: يعني أن من جاوز الميقات ثم أحرم بالحج ثم أفسده فإنه لا يسقط عنه دم

[ 61 ]

مجاوزة الميقات إلا بالافساد، أما لو جاوز الميقات ثم أحرم بالحج ثم فاته الحج فإنه يسقط عنه دم مجاوزة الميقات. وهذا إذا تحلل من إحرامه بعمل عمرة، وأما لو بقي عليه إلى قابل لم يسقط عنه الدم. والفرق بين الافساد والفوات، أنه في الافساد مستمر على إحرامه بخلاف الفوات فإن الحج الذي قصده لم يحصل والعمرة لم يقصدها فأشبه من جاوز الميقات غير مريد للنسكين، وإتمامه لاحرامه بعمل عمرة كإنشائه العمرة حينئذ ولم يحصل فيها تعد يجب به الدم. وعن أشهب: إن الدم لا يسقط بالفوات. وكلام المصنف قد يتبادر منه أن في مسألة الفساد قولا بسقوط الدم بالفساد ولا أعلم في لزوم الدم خلافا، والخلاف إنما هو في سقوط الدم بالفوات فتأمله. والله أعلم. ص: (وإنما ينعقد بالنية) ش: تصوره ظاهر وذكر ابن غازي أنه احتج للقول بانعقاده بمجرد النية لقوله في المدونة: ومن قال إنه محرم يوم أكلم فلانا فهو يوم يكلمه محرم. قال: وقول ابن عبد السلام لم أر لمتقدم في انعقاده بمجرد النية نصا قصور. قلت: ظاهر كلامه أن المذهب في المسألة المذكورة انعقاد الاحرام يوم يفعل ذلك بمجرد النية وأنه يكون محرما من غير تجديد إحرام وليس كذلك، فقد ذكر ابن يونس وأبو الحسن والرجراجي وغيرهم أن هذا قول سحنون، وأن مذهب مالك وابن القاسم أنه لا يكون محرما بذلك حتى ينشئ الاحرام. قال في التوضيح: واستشكل اللخمي قول سحنون قال: وهو حقيق بالاشكال فإن الاحرام عبادة تفتقر إلى نية انتهى. وقد بينت ذلك في باب النذر. ص: (وإن خالفها لفظه) ش: يعني أن المعتبر ما نواه ولا يعتبر ما تلفظ به إذا خالف النية. قال ابن الحاجب: ولو اختلف عقده ونطقه فالعقد على الاصح. قال في التوضيح: كما لو نوى الافراد بلفظ القران أو بالعكس والاصح اعتبار نيته، وليس في المذهب من صرح بالعمل على ما تلفظ به كما تعطيه عبارته، وانظر بقية الكلام على المسألة في حاشيتي على المناسك. فرع: لو كان في نفسه الحج مفردا فسها حينئذ فقرن ثم رجع إلى ذكر ما في نفسه فلا ينفعه ذلك بعدما وقع القران. نقله سند وهو واضح، فإن هذا وقت الاحرام بنية القران ولفظ بالقران يخالف ما ذكره الشيخ فإن ذلك نيته مثلا الافراد وإنما سبق لفظه إلى القران والله أعلم. ص: (ولا دم وإن بجماع) ش: قوله ولا دم من تتمة المسألة الاولى وهي مسألة مخالفة

[ 62 ]

اللفظ النية، وما ذكره هو أحد قولي مالك. قال في التوضيح قال في العتبية: ثم رجع مالك وقال عليه دم. قال المصنف في مناسكه: والاول أقيس. وقوله وإن بجماع مسألة مستقلة كما شرحه على ذلك الشارح في الشرح الصغير وعلى ذلك شرحه الشراح وجمع في الكبير بين قوله ولا دم وقوله وإن بجماع وكذلك يوجد في بعض نسخ الاوسط وذلك يوهم أنه متعلق بقوله وإن بجماع وصرح بذلك في الشامل فقال: وينعقد بنية، وقول كتلبية، أو فعل كتوجه بطريق وإن بجماع ولا دم وتمادى وقضى. فقوله في الشامل لا دم إن أراد به نفي هدي الفساد المترتب على إيقاع الاحرام حالة الجماع فلا قائل به فإنه قد صرح سند بأنه إذا أحرم وهو بجامع انعقد إحرامه فاسدا وكان عليه تمامه وقضاؤه ولازم ذلك وجوب الهدي ولا إشكال في ذلك، ولعله في الشامل أراد نفي وجوب الدم لكونه أوقعه حالة الجماع. تنبيهات: الاول: اعترض ابن غازي على المصنف بأنه سلم هذا الفرع مع أنه يقول لا ينعقد بمجرد النية قلت: ويجاب بأنه ليس في كلام المصنف تسليم لذلك وإنما قال ينعقد في حالة الجماع، يريد مع قول كالتلبية بأن ينوي ويلبي وهو بجامع أو يفعل كأن يكون في محفة وهو سائر متوجه إلى مكة فينوي الاحرام في حالة الجماع وهو متوجه، وإذا لم يقل المصنف بانعقاد الاحرام بمجرد النية لمن يكون في المسجد متطهرا فأحرى أن لا ينعقد لمن يجامع بالنية وجدها. الثاني: إن قيل لو لزمه في الحج القضاء وفي الصوم إذا طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزعه لا يلزمه قضاء ؟ قيل: لانه في الحج أدخل ذلك على نفسه بخلاف الصوم فإنه لا اختيار له في طلوع الفجر وعدمه. والظاهر أنه يجب عليه النزع كما في الصوم ولم أر من نص عليه والله أعلم. الثالث: قال في طراز التلقين: وشرط صحة انقعاد الاحرام أن لا ينوي عند الدخول فيه وطأ فإن نوى ذلك مع إحرامه لم ينعقد ولم يكن عليه من أفعال الحج والعمرة ولا من لوازم الاحرام بهما شئ. انتهى فتأمله والله أعلم. فرع: قال ابن جماعة في منسكه الكبير قال اللخمي: إذا نذر أن يصوم بعضا أو يعتكف الليل دون النهار أو يطوف شوطا أو يقف بعرفة ولا يزيد على ذلك فاختلف في هذا الاصل، فقيل لا شئ عليه، وقيل يأتي بمثل تلك الطاعة تامة، والمشهور اللزوم في الاعتكاف انتهى

[ 63 ]

. ص: (مع قول أو فعل تعلقا به) ش: هذا متعلق بمحذوف لانه في موضع الحال من النية ينعقد الاحرام بالنية حال كونها مع قول أو فعل يتعلقان بالاحرام، والقول المتعلق به كالتلبية والتسبيح والتهليل والتكبير قال في منسك التادلي: وفي كتاب ابن محرز قال أشهب: ولو كبر أو هلل أو سبح يريد بذلك الاحرام كان محرما والفعل المتعلق به كالتوجه على الطريق والتقليد والاشعار. قاله المصنف في مناسكه. وهذا هو المشهور في المذهب. قال في التوضيح: وقال صاحب التلقين وصاحب المعلم وصاحب القبس وسند: النية وحدها كافية. تنبيه: قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب وينعقد الاحرام بالنية مقرونا بقول أو فعل متعلق به كالتلبية والتوجه لا بنحو التقليد والاشعار: قوله لا بنحو التقليد والاشعار يريد إذا تجرد عن النية وليس المراد ما فهمه ابن عبد السلام أن الاحرام لا ينعقد بالنية معهما، واستشكله بأن قال: وفي عدم انعقاد النسك بمجموع النية وتقليد الهدي وإشعاره نظر. وكيف يقال هذا وقد نقل ابن يونس عن القاضي إسماعيل أنه قال: لا خلاف أنه إذا قلد وأشعر يريد بذلك الاحرام أنه محرم ؟ انتهى. وقوله وكيف يقال هذا وقد نقل ابن يونس إلى آخر كلامه ليس هو من كلام ابن عبد السلام وإنما هو من كلام المصنف. وانظر ما أنكره المصنف وابن عبد السلام مع ما نقله الامام الحافظ ابن عرفة ونصه: وفيه - أي في الانعقاد بالتقليد والاشعار - معها - أي مع النية - قولا إسماعيل عن المذهب والاكثر عنه انتهى. فظاهره أن الاكثر نقلوا عن المذهب عدم الانعقاد فهو موافق لظاهر كلام ابن الحاجب فتأمله والله أعلم. ص: (بين أو أبهم) ش: يريد أن الاحرام ينعقد سواء بين النسك الذي يحرم به من حج أو عمرة أو قران أو أبهمه بأن نوى الاحرام فقط ولم يعين نسكا معينا، وهذا بالنسبة إلى الانعقاد، وأما بالنسبة إلى الفضيلة فقال سند: والافضل في الاحرام أن يعين نسكه من حج أو عمرة انتهى. ص: (وصرفه للحج والقياس القران) ش: يعني أنه إذا أحرم وأبهم ولم يعين النسك الذي يحرم به فإن الاحرام ينعقد مطلقا ويخير في صرفه إلى أحد الاوجه الثلاثة، والاولى أن يصرفه للحج،

[ 64 ]

فقوله وصرفه للحج هو على جهة الاولى. قال ابن الحاجب: وإذا أحرم مطلقا جاز وخير في التعيين. وقال في التوضيح قال مالك في الموازية: إذا أحرم مطلقا أحب إلي أن يفرد والقياس أن يقرن وقاله أشهب. وقيل: القياس أن يصرفه إلى العمرة. ثم قال ابن عبد السلام: ما نقله المصنف هو المذهب بلا شك ونقله غير واحد، وإن كان بعض شيوخ المذهب ممن تكلم على الحديث نقل عن المذهب خلافه انتهى. وقال ابن عرفة: ومن نوى مطلق الاحرام فلابن محرز عن أشهب خير في الحج والعمرة، وللصقلي واللخمي عنه الاستحسان إفراده والقياس قرانه، وتعقبه التونسي بأن لازم قوله في القران فمحتمل أقله العمرة انتهى. وقال سند: الصحيح أن العمرة تجزئه كما أنه إذا التزم الاحرام من غير تعيين تجزئه العمرة انتهى. يعني إذا نظر الاحرام فظهر أن قول المصنف صرفه للحج إنما هو على جهة الاولى والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ومن أحرم بالاطلاق أي دون تعيين نسك قال أشهب: يخير بين الحج والعمر، والمشهور يحمل على الحج - وقاله مالك في الموازية - والقياس على القران لانه أحوط. وقال اللخمي: إن كان آفاقيا كأهل المغرب حمل على الحج، وهذا كله ما لم يقصد أحد الاقوال ويعمل عليها والله سبحانه أعلم. انتهى. تنبيه: وهذا إذا أحرفي أشهر الحج فإن أحرم مطلقا قبل أشهر الحج فقال ابن جماعة الشافعي: إطلاق ابن الحاجب يقتضي أنه يخير في التعيين انتهى. قلت: ولكنه يكره له صرفه إلى الحد قبل أشهره على المشهور لان ذلك كإنشاء الحج حينئذ، وعلى مقابله إنما ينعقد عمرة وهذا ظاهر والله أعلم. فرع: قال سند: إذا أحرم مطلقا ولم يعينه حتى طاف فالصواب أن يجعله حجا ويقع هذا طواف القدوم. وإنما قلنا لا يجعله عمرة لان طواف القدوم ليس بركن في الحج وطواف العمرة ركن فيها وقد وقع هذا الطواف بغير نية فلم يصلح أن يقع ركنا في العمرة بغير نية وخف ذلك في القدوم ويؤخر سعيه إلى إفاضته انتهى. وانظر لو سعى وصرفه لحج بعد السعي، هل يعيد السعي بعد الافاضة أم لا، والذي ظهر للذاكرين أنه يعيد احتياطا والله أعلم. وذكر الفرع الذي قاله سند القرافي ولم يعزه لسند وسقط منه ويؤخر سعيه إلى إفاضته وعزا نقله للمصنف في توضيحه ومناسكه. وتأمل قوله ويؤخر سعيه إلى إفاضته والذي يظهر أنه لما كان السعي لا يصح إلا بعد طواف ينوي به القدوم وهذا الطواف لم ينو به القدوم ولكنه لما كان أول طوافه جعلوه بمنزلة طواف القدوم ففات محل طواف القدوم أخر سعيه إلى ذلك وهذا تكلف والله أعلم. فرع: قال ابن جماعة في منسكه الكبير في أوجه الاحرام: لو أحرم بعمرة ثم أحرم مطلقا فوجهان عند الشافعية: أحدهما أن يكون مدخلا للحج على العمرة، والثاني إن صرفه

[ 65 ]

إلى الحج كان كذلك، وإن صرفه إلى العمرة يبطل الثاني، وعند المالكية أنه يصير قارنا انتهى. ص: (وإن نسي فقران ونوى الحج وبرئ منه فقط) ش: يعني أن من أحرم بنسك معين ثم إن نسي ما أحرم به فإنه يبني على القران ويجدد الآن نية الاحرام بالحج احتياطا فإن إحرامه الاول إن كان حجا أو قرانا لم يضره ذلك، وإن كان عمرة ارتد في ذلك الحج عليها وقد صار قارنا ويكمل حجه، فإذا فرغ من حجة الاول أتى بعمرة لاحتمال أن يكون إحرامه الاول إنما هو بحجة فقط فلم يحصل له عمرة، وهذا معنى قوله وبرئ منه فقط. قال في التوضيح: إذا أحرم بمعين ثم نسي ما أحرم به أهو عمرة أو قران أو إفراد، فإنه يحمل على الحج والقران أن يحتاط بأن ينوي الحج إذ ذاك ويطوق ويسعى بناء على أنه قارن ويهدي للقران ويأتي بعمرة لاحتمال أن يكون إنما أحرم أولا بإفراد انتهى. وقوله ويطوف ويسعى يعني إن لم يكن طاف وسعى، وإن كان طاف وسعى أجزاه. وقوله إذ ذاك أي وقت شكه وإطلاقه مخالف لما قاله سند من أنه إذا وقع شكه في أثناء الطواف والسعي فليمر على ما هو عليه حتى إذا فرغ من سعيه أحرم بالحج. وما قاله سند هو الظاهر ثم قال: فإن عجل فنوى الحج في أثناء الطواف والسعي جرى على الاختلاف في إرداف الحج فيهما ونص كلامه: ولو نوى شيئا ونسيه فهذا قارن وبد. وقاله أشهب في المجموعة، والوجه عندي أن ينوي إحراما بالحج، فإن كاإحرامه الاول بالحج لم يضره، وإن كان بالعمرة ولم يطف بعد فهو قارن ويصح الحج في الصورتين، وإن كان بعد السعي فأحرم بالحج فهو متمتع إن كان في أشهر الحج ويصح حجه أيضا وهو أصلح من أن يبقى على إحرامه ولعله بعمرة فلا يصح له به حج، وينبغي أن يهدي احتياطا لخوف تأخير الحلاق إن وقع شكه بعد سعيه، وإن كان في أثناء الطواف والسعي فليس

[ 66 ]

على ما هو عليه حتى إذا فرغ من سعيه أحرم بالحج، وإن عجل فنوى الحج هل يجزئه ذلك يخرج على الاختلاف في إرداف الحج في أثناء الطواف أو السعي، وذلك لانه لا يتعين ما كان إحرامه. فإن قدرناه عمرة وصححنا الارداف فقد صح حجه، وإن لم نصحح الارداف لم يصح حجه، فلهذا قلنا يجدد نية الحج بعد السعي ليكون على يقين من صحة حجه، وإن لم يفعل لم يجزئ بحجه وعليه القضاء لكونه على غير يقين من إحرامه انتهى. والمشهور أن الارداف يصح من غير كراهة في أثناء الطواف وبالكراهة بعد الطواف وقبل الركوع، وأما بعد الركوع وأثناء السعي فلا يصح الارداف. وقوله في التوضيح ويطوف ويسعى بناء على أنه قارن ظاهره أنه لو وقع شكه في أثناء الطواف ونوى الحج أن يكمل طوافه ويسعى في هذه الصورة كذلك والله أعلم. وليس هذا بمنزلة من أردف في الحرم لان هذا ليس على يقين مما أحرم به لاحتمال أن يكون إحرامه الاول قرانا أو إفرادا والله أعلم. وأمالو وقع شكه بعد الركوع أو في أثناء السعي ونوى الحج لم يصح ويعيد النية بعد السعي كما قال سند والله أعلم. ص: (كشكه أفرد أو تمتع) ش: هذا التشبيه لهذا الفرع بما قبله في الاخذ بالاحوط، وكان الاولى أن يقول كشكه أحرم بحجر أو بعمرة وتبع رحمه الله عبارة ابن الحاجب مع أنه قد اعترض عليه بنحو ما ذكرنا. وفهم من تشبيه المصنف أنه ينوي الحج هنا أيضا لاحتمال أن يكون إحرامه الاول عمرة وهو ظاهر. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وينوي الحج يعني بعد فراغه من السعي وهذا لا يحتاج إليه باعتبار قصد براءة الذمة لانه إن كان في نفس الامر في حج فهو متماد، وإن كان في عمرة فالمطلوب إنما هو تصحيحها وقد حصل جميع أركانها وإنما أمره بذلك ندبا ليوفي بما نواه إن كان قد نواه وهو التمتع لانه قد يكون أتى بأحد جزأي التمتع وهو العمرة وبقي الجزء الآخر وهو الحج، ولهذا لما فرض اللخمي المسألة فيمن شك هل أفرد أو اعتمر لم يذكر إنشاء الحج، وتبعه على ذلك غير واحد انتهى. وقال ابن عرفة قال اللخمي: والشك في إفراد وقران قران، وفي حج وعمرة حج وأهدى لتأخير حلق العمرة لا لقران فإنه لم يحدث نية، فإن كانت نية بحج فواضح، وإن كانت بعمرة فما زاد على فعلها لا يصيره قارنا. ثم اعتر ض على ابن الحاجب في قوله وينوي الحج بأنه خلاف قول اللخمي. قلت: في كلام اللخمي وابن عبد السلام وابن عرفة نظر، لانه إذا لم يحدث فيه الحج لم يبرأ منه لاحتمال أن يكون الاحرام الاول إنما هو بعمرة، وما ذكره إنما هو كاف في خلوصه من عمرة الاحرام الذي هو فيه، أما إذا لم يحج الفرض فلا يخلص بذلك من حجة الاسلام، وإن كان قد حج لم يحصل له ثواب الحج التطوع. الصواب ما قاله ابن الحاجب وتبعه المصنف عليه من أنه ينوي الحج، ولا نقول إنه ينويه بعد فراغه من السعي كما قاله ابن عبد السلام بل ينويه حين وقع له الشك لانه إن كان ذلك قبل الطواف كان مردفا

[ 67 ]

للحج على العمرة إن كان إحرامه الاول عمرة، وإن كان حجا لم يضره ذلك، وإن كان بعد فراغه من السعي كان محرما بحج بعد الفراغ من العمرة إن كان الا وعمرة، وإن كان حجا لم يضره ذلك. نعم إن وقع له الشك في أثناء الطواف أو فاثناء السعي فليصبر حتى يفرغ من سعيه ثم ينوي الحج للخلاف الذي في الارداف إذ وقع في أثناء الطواف والسعي كما سيأتي، فإن نواه في الطواف أو بعد الفراغ منوقبل الركوع صح على المشهور، وإن نواه بعد الركوع أو في أثناء السعي لم يصح ويعيد النية والله أعلم. وفي كلام صاحب الطراز المتقدم إشارة إلى ذلك، وأما كونه لا يبرأ إلا من الحج فقط فلم أر من صرح به في هذه المسألة بل صرح في الشامل بنفيها فقال: ولو نسي ما أحرم به نوى الحج وتمادى قارنا فطاف وسعى وأهدى ثم اعتمر كما لو شك أفرد أو تمتع ولا عمرة، ولكن ما قاله المصنف ظاهر من جهة المعنى إذ لا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها في موجب العمرة فتأمله والله أعلم. وقال ابن غازي: قوله كشكه أفرد أو تمتع ليس بمثال لاصل المسألة، فإن الذي قبله نسي ما أحرم به من كل الوجوه وهذا جزم بأنه لم يحرم بعمرة ولا بقران وشك هل أحرم بالافراد أو بالتمتع انتهى. قلت: نحوه لابن عبد السلام وهو سهو ظاهر لان الاحرام بالعمرة هو التمتع ويظهر من كلام ابن عبد السلام السابق أن بينهما فرقا وليس كذلك والله أعلم. فرع: فإن شك هل أفرد أو قرن تمادى على نية القران وحده. قال اللخمي: وانظر لو شك هل قرن أو تمتع والظاهر أنه يمضي على القران والله أعلم. ص: (وألغى عمرة عليه كالثاني في حجتين أو عمرتين) ش: يعني أن من أحرم بحج ثم أحرم بعمرة فإن العمرة لغو، وكذا إذا أحرم بحجة ثم أحرم بحجة أخرى أو بعمرة ثم أحرم بعمرة أخرى فإن الحجة الثانية والعمرة الثانية لغو، يريد ويكره له ذلك. قال في المدونة: وكره مالك لمن أحرم بالحج أن يضيف إليه حجة أو عمرة، فإن أردف ذلك أو دخوله مكة بعرفة أو في أيام التشريق فقد أساء وليتماد على حجه ولا يلزمه شئ فيما أردفه ولا قضاؤه ولا دم قران انتهى. وكذلك لو أحرم بحجتين أو بعمرتين فإنه يلزمه حجة واحدة وعمرة واحدة. وقوله وعمرة فاعل ألغى لانه لازم. ص: (ورفضه) ش: يعني أن رفض الاحرام لغو لا يعتد به ولا يرتفض الاحرام في صورة من الصور إلا من ارتد عن الاسلام والعياذ بالله فإنه ينفسخ إحرامه ولا يلزمه قضاؤه، نص عليه

[ 68 ]

في باب الردة من النوادر ونقلت كلامه في باب الردة فانظره. ص: (وفي كإحرام زيد تردد) ش: يعني أن من نوى الاحرام بما أحرم به زيد وهو لا يعلم ما أحرم به فقد تردد المتأخرون في صحة إحرامه، وأشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل عن المذهب فإن الذي نقله سند وصاحب الذخيرة وغيرهما عن المذهب الصحة، والذي نقله القرطبي في المفهم عن مالك المنع، والظاهر الاول. وعليه فلو بان أن زيدا لم يحرم قال سند: فإحرامه يقع مطلقا ويعينه بما شاء ويجري على ما تقدم انتهى. فلو مات زيدا ووجده محرما بالاطلاق لم أر فيه نصا في المذهب، والظاهر أنه يقع إحرامه أيضا مطلقا ويخير في تعيينه والنص فيه للمخالف مثل ما ذكرت. وإذا قلنا يتبع زيدا في إحرامه فالظاهر أنه إنما يتبعه في أوجه الاحرام خاصة، وأما كل شخص فهو على ما نواه من فرض ونفل وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وندب إفراد) ش: يعني أن الاحرام بالحج مفردا أفضل من الاحرام بالقران أو التمتع، وظاهر كلامه وإن كان لم يأت بعد الحج بعمرة وهو ظاهر كلامه في التوضيح والمناسك. وقال في مناسكه في فصل أوجه الاحرام: والافراد أفضلها وهو أن يحرم بالحج مفردا، ثم إذا فرغ يسن له أن يحرم بعمرة، فلم يجعل العمرة داخلة في حقيقة الافراد المحكوم له بالافضلية بل جعلها سنة مستقلة فإذا أحرم بالافراد وترك العمرة ترك السنة وهو نحو قوله في التوضيح: والافراد وإن لم يكن مستلزما للعمرة لكنه إذا أتى بالعمرة بعد الحج فقد أتى بهما وإن كان حجه إفرادا وهو ظاهر كلام غيره من أهل المذهب. قال ابن عرفة: الافراد الاحرام بنية حج فقط. وقال المقري في قواعده قال مالك ومحمد: الافراد أفضل إذا كان بعده عمرة، وأما إذا لم يعتمر بعده فالقران أفضل انتهى.

[ 69 ]

ولم أر من صرح بذلك من المالكية بل إنما نقله سند عن الشافعي. وقال ابن جماعة الشافعي: وعند المالكية أن الافراد أن يأتي بالحج وحده ولم يذكروا العمرة وأطلقوا القول بأنه أفضل من القران والتمتع ونص على ذلك مالك رحمه الله تعالى، ونقل الطرطوشي اتفاق مالك وأصحابه عليه انتهى. قلت: ولعل المقري أخذ ما قاله مما وقع في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج ونصه: وسئل مالك عمن أحرم بعمرة ثم حج، أذلك أحب إليك أم إفراد الحج والعمرة بعده في ذي الحجة ؟ فقال: بل إفراد الحج والعمرة في ذي الحجة بعد الحج أحب إلي صرورة كان أو غير صرورة. قال ابن رشد: كما فعلت عائشة رضي الله عنها حين أعمرها رسول الله (ص) من التنعيم، وهذا على مذهبه في تفضيل الافراد، ثم ذكر قول ابن عمر بتفضيل المتمتع انتهى. لكنه لم يصرح في العتبية بأنه إذا لم يعتمر بعد الحج فلا يكون الافراد أفضل كما قال المقري. قلت: ومما يستدل به على خلاف ما قاله المقري استدلال أهل المذهب على أفضلية الافراد بفعله عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه اعتمر بعد حجته والله أعلم. قال سند: وإنما كان الافراد أفضل من القران والتمتع لانه لا يترخص فيه بالخروج من الاحرام ولانه يأتي بكل نسك على انفراده فاجتمع فيه أمران، ولانه مجمع عليه وغيره مختلف فيه فكان عمر ينهى عن التمتع وكان عثمان ينهى عن القران، ولانه لا خلل فيه بدليل أنه لا يتعلق به وجوب الدم وغيره يوجب الدم ووجوبه دليل على الخلل فكان الافراد الذي لا خلل فيه أفضل ولانه فعل الائمة انتهى. فائدة: مثلثات الحج أوجه الاحرام الثلاثة وهي حج وعمرة وقران، والاطلاق والاحرام بما أحرم به زيد يرجع إلى أحدها، والاغتسالات ثلاثة على المشهور، والركوع ثلاثة: للاحرام ولطواف القدوم وللافاضة، ومن يجمع بين الحل والحرم ثلاثة: الحاج والمعتمر والهدي، والخبب في ثلاثة مواضع: في الطواف وفي السعي وفي بطن محسر، وخطب الحج ثلاثة، والجمار ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، وأيام النحر ثلاثة، ومتعدي الميقات ثلاثة: مريد النسك ومريد مكة بغير النسك وغير مريد لمكة والمحرمون بالنسبة إلى الحلق والتقصير ثلاثة: قسم يتعين لهم الحلق وهم الملبدون ومن كان شعره قصيرا ومن يكن برأسه شعر، وقسم يتعين لهم التقصير وذلك في حق المرأة الكبيرة، وقسم يجوز في حقهم الامران والحلق أفضل وهم من عدا من ذكر. والهدي ثلاثه: إبل وبقر وغنم. وعلاماته ثلاثة: تقليد وإشعار وتجليل وذلك في الابل وأما البقر فتقلد فقط إلا أن يكون لها أسنمة فتقلد وتشعر فقط ولا يفعل في الغنم شئ من ذلك. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة، وكل أفعال الحج يطلب فيها المشي إلا الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر ورمي جمرة العقبة انتهى. وانظر الجزولي والله

[ 70 ]

أعلم. ص: (ثم قرن بأن يحرم بهما وقدمها أو يردفه بطوافها) ش: يعني أن القران يلي الافراد في الفضل. قال المصنف: وفي الاستدلال على أفضليته من السنة عسر وإنما راعوا فيه كون المتمتع فيه ترخص بالخروج من الاحرام. وقاله سند بعبارة أخرى ونصه: وجه قول مالك هو أن القارن في عمله كالمفرد والمفرد أفضل فما قارب فعله كان أفضل بعده، وإن المتمتع يتحلل بمدة فتعطل من العبادة، ولا يكره القران خلافا لمن روى ذلك عن عثمان، ولا التمتع خلافا لمن تأوله عن عمر انتهى. وذكر المؤلف أن القران له صورتان: الاول أن يحرم بالحج والعمرة معا أي يقصد الدخول في حرمتهما معا، وسواء ذكر العمرة في لفظه قبل الحج أو بعده. قال سند: قال في التوضيح قال علماؤنا: ويقدم العمرة في نيته لارتداف الحج على العمرة دون العكس، فإن قدم الحج على العمرة فقال الابهري: يجزيه الباجي: ومعنى ذلك أنه نواهما جميعا انتهى. قلت: وما قاله الباجي متعين. قال سند: القران هو الجمع بين إحرام العمرة والحج فإن نواهما معا جاز ذكر العمرة في لفظه قبل أو بعد، وإن نوى أحدهما قبل صاحبه نظرت، فإن سبقت نية العمرة جاز أن يدخل الحج عليها، وإن سبقت نية الحج لم يجز أن يدخل العمرة عليه. ثم قال في باب الافراد: وغيره إذا ابتدأ فأهل بالحج ثم أضاف إليه عمرة هل يكون قارنا يختلف فيه ؟ فالمعروف في المذهب أنه لا يكون قارنا. وقال الشيخ أبو نصر يعني الابهري فيمن قدم الحج على العمرة في تلبيته إنه يجزئه ويكون قارنا. قال الباجي: معنى ذلك أنه نواهما جميعا، وزعم اللخمي أنه اختلف فيه كما يختلف في غيره انتهى. وما قاله الباجي هو الصواب فلا يبعد قول الابهري خلافا. وقال في المعونة: القران على وجهين: أحدهما أن يعقد الاحرام بالحج والعمرة معا في حال واحد ينوي بقلبه ويعتقد أنه داخل فيهما مقدما للعمرة في نيته من غير اعتبار باللفظ انتهى. والصورة الثانية من صورتي القران هي الارداف التي أشار إليها بقوله أو يردفه بطوافها إن صحت الخ. قال في المعونة: الوجه الثاني أن يبتدئ الاحرام بالعمرة مفردا ثم يضيف الحج إليها. ومعنى ذلك أن يجدد اعتقادا أنه قد شرك بينها وبين الحج في ذلك الاحرام فهذا يكون قارنا كالمتمتع انتهى. ولو قال المصنف ولو بطوافها لكان أبين ولكان مشيرا إلى الخلاف في الارداف في الطواف لان المراد أن وقت الارداف من حين يحرم بالعمرة إلى أن يشرع في الطواف بلا خلاف، فإذا شرع

[ 71 ]

في الطواف فات الارداف عند أشهب. هكذا نقل الباجي عنه. وفي الجلاب عنه: وفي الجلاب عنه: إذا طاف شوطا واحدا ثم أحرم بالحج لم يلزمه إحرامه ولا يكون قارنا. واعلم أن أشهب إنما يقول بفوات الارداف بشرط أن يتمادى على إكمال الطواف، أما لو قطعه لصح عنده الارداف. نقله اللخمي وعياض ونقله عنهما المصنف في التوضيح. وأما على مذهب ابن القاسم في المدونة فيجوز الاردا ف في الطواف من غير كراهة. قال في التوضيح: ومقتضى كلام ابن الحاجب أن بمجرد الشروع في الطواف يكره الارداف عند ابن القاسم وليس كذلك، بل هو جائز عنده وإن أتم الطواف ما لم يركع. قاله ابن يونس انتهى. قلت: قوله في التوضيح جائز عنده وإن أتم الطواف فيه سهو، والصواب أن يقال جائز عنده ما لم يتم الطواف فإنه إذا أتم الطواف كره الارداف كما قال في المختصر، وكره قبل الركوع ونص على ذلك في المدونة، ونقل ذلك في التوضيح عن المدونة قبل كلامه هذا بيسير. وقال ابن يونس في آخر كلامه: صار الارداف عند ابن القاسم على أربعة أوجه: أن يردف قبل الطواف أي قبل كماله فهذا جائز، وبعد الطواف وقبل الركوع وهذا مكروه، وبعد الطواف والسعي جائز وليس بقران، وبعد الركوع وقبل السعي فهذا مكروه وليس بقران. وليس في كلام ابن يونس ما يقتضي جواز الارداف بعد كمال الطواف والله أعلم، وقول ابن يونس إنه بعد السعي جائز يريد أنه صحيح كما سيأتي. ص: (إن صحت) ش: يعني أن شرط الارداف أن تكون العمرة صحيحة، فإن كانت فاسدة لم يصح الارداف عند ابن القاسم، ويكون باقيا على عمرته ولا يحج حتى يقضيها، فإن أحرم بالحج قبل أن يقضيها صح إحرامه بالحج، وإن كانت عمرته الفاسدة في أشهر الحج فحل منها ثم حج من عامه قبل قضائها فهو متمتع وعليه قضاء عمرته بعد أن يحل من حجه وحجه تام. قاله محمد ونقله صاحب الطراز. وقال عبد الملك: يرتدف الحج على العمرة الفاسدة ويكون قارنا وعليه دم في عامه الاول لقرانه وعليه القضاء من قابل ويريق دمين: دم لقران القضاء ودم الفساد. قاله في الطراز أيضا. فرع: قال سند: فإن قلنا لا ينعقد الحج فلا قضاء عليه له، وإن قلنا ينعقد فلا يجزئه ذلك عن حجة الاسلام أو النذر أو التطوع انتهى. ص: (وكمله ولا يسعى) ش: يعني أنه إذا أردف في أثناء الطواف في العمرة الصحيحة فإن يكمل الطواف ولا يسعى بعده لان حكم من

[ 72 ]

أنشأ الحج من مكة أن لا يسعى إلا بعد طواف الافاضة إذ لا طواف قدوم عليه، وإن أردف بعد كمال الطواف وقبل الركعتين فيركع تكميلا للطواف، وإن أردف بمكة أو في الحرم قبل أن يشرع في الطواف لم يلزمه طواف ولاسعي، وإن أردف قبل أن يدخل الحرم لزمه طواف القدوم وتقديم السعي بعده. وقال الشارح في الوسط والصغير: إن معنى كلام المصنف أنه إذا أردفه في الطواف على العمرة الفاسدة فإنه يكمله ولا يسعى سهو ظاهر، لان الارداف في العمرة الفاسدة لا يصح على المشهور فيستمر على طوافه وسعيه ويكمل عمرته. ص: (وتندرج) ش: قال ابن عبد السلام: معنى اندراج العمرة في الحج أن يستغني بطواف الحج وسعيه وحلاقه عما وافق ذلك من مل العمرة حتى لو كان هذا القارن مراهقا جاز له ترك طواف القدوم ويقع حلقه قبل طوافه وسعيه. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وإذا دخل مكة فالطواف الذي يوقعه هو طواف القدوم وليس هو للعمرة، لان العمرة اندرجت في أفعال الحج انتهى. فعلم من هذا أن القارن إنما يقصد بأفعاله التي يأتي بها أفعال الحج وأنها الواجبة عليه لاحرامه الذي أحرم به بالحج والعمرة، ولا يقصد أفعال العمرة بخصوصها، ولا يقصد التشريك في الطواف الاول والسعي، وأنهما للحج والعمرة بل ينوي بالطواف الاول طواف القدوم الواجب عليه في إحرامه الذي أحرمه بالحج والعمرة وبالسعي بعده السعي الذي هو ركن الاحرام المذكور، وبالوقو ف الوقوف الذي هو ركن للاحرام المذكور، وبالطواف الذي يأتي به بعد الوقوف طواف الافاضة الذي هو ركن للاحرام المذكور ولا يعتقد أن أفعال العمرة قد انقضت بالطوا ف الاول والسعي بل حكمها باق. وقال في المدونة في كتاب الحج الثالث في ترجمة الذي يفسد حجه: وإذا طاف القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض قارنا لان طوافه وسعيه إنما كانا للحج والعمرة جميعا، ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على القران صحيحا لم يلزمه إذا رجع من عرفات أن يسعى لحجه وأجزاه السعي الاول انتهى. فمعنى قوله للحج والعمرة جميعا أنه للاحرام الذي أحرم به لا أنه يقصد بالطواف الاول أنه للقدوم وللعمرة وبالسعي أنه سعي العمرة والحج وأن العمرة قد تمت. قال سند في شرح كلام المدونة المذكور: وهذا الذي قاله بين وهو حجة على من ذهب من أصحابنا إلى أنه لا ينبغي أن يكون عليه من عمل العمرة شئ لانها قد تمت على الصحة وإنما بقي الحج وحده وإنما حمل هذا القائل على ذلك - والله أعلم - أن العمرة لا يؤتى لها إلا بطواف واحد وسعي واحد فيقع الطواف الاول وسعيه مشتركا بين النسكين وما بقي من الافعال يختص به الحج دون العمرة

[ 73 ]

فيقابل الفساد أفعال الحج المختصة بدون أفعال العمرة وهو وهم، فإن أفعال العمرة قائم بالقران حتى يتحلل القارن ولولا ذلك لوجب عليه دم إذا قدم سعيه لتأخير حلق العمرة انتهى. ففيه إشارة إلى ما ذكرته وإن لم يكن مفصحا به. ومثل كلامه السابق في المدونة قوله في الحج الا ومن دخل مكة قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج ثم حد من عامه فعليه دم القران، ولا يكون طوافه حين دخوله مكة لعمرته لكن لهما جميعا، ولا يحل من واحدة منهما دون الاخرى لانه لو جامع فيهما قضاهما قارنا. فقوله لهما جميعا أنه للاحرام الذي أحرمه بهما وبذلك يجمع بين قولهم إن أفعال العمرة تندرج، وكلام المدونة في الموضعين، وعلى هذا يحمل ما ذكره ابن عرفة عن اللخمي ونصه: وفيها على من دخل قارنا فطاف وسعى قبل أشهر الحج وحج من عامه دم القران فخرجه اللخمي على اختصاص حج القارن بالطواف والسعي دونها كقول مالك فيها إن رمى قارن مراهق جمرة العقبة حلق. ونفيه على اشتراكهما فيهما كقول ابن الجهم في القارن إن المراهق لا يحلق حتى يسعى انتهى. فقوله على اختصاص حج القارن بالطواف والسعي يعني به أن لا يقصد التشريك فيهما بل يقصد بذلك طواف القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج والعمرة، وأما على ما ذكره ابن الجهم فيمكن أن يقال: إنه يقصد بهما التشريك، ويمكن أن يقال: إنما مرادهما صورة الطواف والسعي وإن كان إنما يقصد بالطواف طواف القدوم وبالسعي سعي الركن في إحرامه المذكور. تنبيهان: الاول: لا يلزم المحرم القارن أن يستحضر عند إتيانه بالافعال المذكورة أنها لاحرامه بالحج والعمرة بل إذا نوى طواف القدوم الواجب عليه أجزاه، وكذلك السعي والوقوف وغيرهما، بل لو لم يستشعر العمرة أجزاه كما سيأتي فيمن طاف لعمرته على غير وضوء ثم أحرم بالحج أنه يصير قارنا. قال ابن عبد السلام: وإن كان في ظنه أنه متمتع بل قال سند في شرح مسألة كتاب الحج الاول المتقدمة في القارن: إذا طاف وسعى قبل أشهر الحج إنه لو اعتقد أنه في العمرة فقط لوقوع فعله قبل أشهر الحج ثم حج إنه يجزئه وأنه لا يؤثر اعتقاده ذلك. نعم إن تحلل بعد طوافه وسعيه لزمته الفدية لما فعله من التحلل، وإن جامع لزمه القضاء قارنا انتهى بالمعنى. وما ذكره من الاجزاء ظاهر إذا رجع إلى بلده، وأما إن ذكر وهو بمكة فيؤمر بالاعادة كما سيأتي في الكلام على طواف القدوم. فإن ذكر ذلك قبل الوقوف أعاد الطواف والسعي بنية طواف القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج والعمرة، وإن ذكر بعد الوقوف وقبل طواف الافاضة أعاد السعي إثر طواف الافاضة، وإن ذكره بعد طواف الافاضة أعاد طواف الافاضة والسعي بعده، وإن دخل شهر المحرم أعادهما ويستحب له أن يهدي كما سيأتي فيمن ترك ركعتي الطواف والله سبحانه أعلم. ويستفاد من كلام صاحب الطراز أن من طاف طواف الافاضة على غير وضوء أو بطل طوافه بوجه من الوجوه وسعى بعده ثم أحرم بعمرة وطا ف لها وسعى لها بوضوء، أن طوافه للعمرة وسعيه يجزئه عن طواف

[ 74 ]

حجه وسعيه، ويحمل ذلك على ما إذا رجع إلى بلده، وأما إن ذكر ذلك بمكة فيعيد كما تقدم وهو ظاهر لا سيما وقد قالوا إنه إذا تطوع بعد الافاضة بطواف إنه يجزئه فتأمله. الثاني: قال صاحب الطراز في القارن إذا دخل مكة قبل أشهر الحج: إنه يكره له تقديم السعي بل يؤخر سعيه لافاضته، وما قاله غير ظاهر بل ظاهر المدونة أنه يطوف ويسعى قبل الوقوف. نعم يمكن أن يقال: يؤخر طواف القدوم والسعي حتى تدخل أشهر الحج ثم يطوف ويسعى فيوقع أفعال الحج في أشهره ولا يلزمه بالتأخير شئ لانه إنما يجب الدم إذا أخرها حتى وقف بعرفة. نعم تفوته فضيلة التعجيل فقد يقال إن ذلك مغتفر لايقاع أفعال الحج في أشهره، والذي يظهر من كلامهم عدم التأخير فتأمله والله أعلم. ص: (وكره قبل الركوع) ش: أي وكره الارداف قبل الركوع. قال في المدونة في كتاب الحج الاول: فإذا طاف بالبيت ولم يركع كره له أن يردف الحج، فإن فعل لزمه وصار قارنا وعليه دم القران انتهى. وقد تقدم بيان ذلك والله أعلم. ص: (لا بعده) ش: هذا معطوف على قوله أو يردفه بطوافها والضمير للركوع أي فلا يردف الحج على العمرة بعد الركوع، ولا يصح الارداف حينئذ ولا يكون قارنا، وكذلك الارداف في السعي لا يصح ويكره له فعل ذلك في الصورتين كما صرح به في المدونة ونصه: وإن أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع أو سعى بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره مالك ذلك، فإن فعل فليمض على سعيه فيحل ثم يستأنف الحج انتهى. فالنفي راجع إلى الارداف فهو مخرج من قوله أو يردفه بطوافها إن صحت وليس هو محرجا من قوله وكره قبل الركوع لان الكراهة باقية بعد الركوع، وكذلك في السعي ونبه على ذلك ابن غازي والبساطي والله أعلم. تنبيه: وإذا قلنا بأنه لا يصح الارداف بعد الركوع وقبل السعي أو في أثنائه فلا يلزم قضاء الاحرام الذي أردفه على المشهور كما صرح به ابن يونس وغيره ونقله في التوضيح. قال ابن يونس إثر قول المدونة المتقدم: ثم يستأنف الحج. قال يحيى بن عمر: إن شاء انتهى. واقتصر على هذا القول ولم يحك غيره وكذلك ابن الحاجب إذ قال: فإن شرع في الطواف قبل أن يركع كره وكان قارنا بذلك خلافا لاشهب. وقيل: ولو ركع. وقيل: وفي السعي وعلى الصحة يكون كمحرم بالحج من مكة فيركع إن كمل الطواف ولا يسعى وعلى نفيها فكالعدم انتهى. قال في التوضيح: أي وإذا فرعن على نفي صحة الارداف فيكون إحرامه الثاني كالعدم فلا يلزمه قضاؤه ولا دم عليه. اللخمي: وحكى عبد الوهاب في هذا الاصل أعني إذا

[ 75 ]

لم يصح إرداف الحج على العمرة قولين بوجوب القضاء وسقوطه. انتهى ونحوه في ابن عبد السلام وزاد: وأجرى ابن بشير وجوب القضاء هنا على الخلاف في وجوب قضاء صوم النذر الذي لا يجوز الوفاء به وهو صحيح لوجود الخلاف هناك. وقال في الذخيرة: وإذا قلنا يصير قارنا في بعض الطواف لسقط عنه باقي العمرة ويتم طوافه نافلة ولا يسعى، لان سعي الحج لا بدمن اتصاله بطواف واجب. وإن قلنا يصير قارنا في أثناء السعي قطع سعيه لان السعي لا يتطوع به مفردا. وحيث قلنا لا يكون قارنا فإن كان الحج حج الاسلام بقي في ذمته، أو تطوعا سقط عنه عند أشهب كما لو أردف حجا على حج أو عمرة على عمرة على حج. وقيل يلزمه الاحرام به لانه التزم شيئين في إحرامه الحج وتداخل العمل بطل الثاني فيبقى الاول عملا بالاستصحاب انتهى. وهو مختصر من كلام صاحب الطراز فإنه قال بعد أن ذكر الاحوال المتقدمة قال: وإذا قلنا لا يصح إردافه الحج في الاحوال المتقدمة فإنه يبقى على عمرته، فإن كان الحج حج الاسلام فهو في ذمته، وإن كان تطوعا فهل يجب عليه الاحرام به أو لا ؟ اختلف فيه قال أشهب وغيره في الموازية: لا يلزمه إلا أن يشاء، وذكر القاضي في معونته قولين: أحدهما أنه لا يلزمه، والآخر أنه يلزمه، ثم ذكر احتجاج كل قول بما يطول. قلنا: وقوله وإذا قلنا لا يصح إردافه في الاحوال المتقدمة يعني إذا أردف بعد شروعه في الطواف على قول أشهب القائل بعدم صحة الارداف حينئذ أو بعد إكمال الطواف وقبل الركوع على مقابل المشهور القائل بعدم الصحة أيضا أو بعد الطواف والركوع على المشهور والله أعلم. وقال ابن بشير في التنبيه: وإذا قلنا إن الحج لا يرتدف في هذه الصور فهل يلزم قضاؤه ؟ قولان، المشهور عدم اللزوم، وقد قدمنا الخلاف فيمن نذر صوم ما لا يحل صومه هل يلزمه قضاؤه أم لا ؟ وهذا من ذلك النظم لانه إنما التزمه بشرط الصحة، فمن نظر إلى نفس الالتزام أوجب القضاء، ومن التفت إلى الشرط أسقطه انتهى. ونقل القولين في التنبيهات. وقال: وأكثرهم على القضاء اه‍. ونقله عنه أبو الحسن. ونص كلام التنبيهات: وإذا لم يكن قارنا هل يلزمه إحرامه الذي أحرم به بالحج أم لا ؟ وذلك إذا أردف الحج في طوافه وسعيه على القول بأنه لا يرتدف حينئذ ولا يكوقارنا فقيل إنه يلزمه ذلك الحج وهو ظاهر قوله في الكتاب ويستأنف الحج وإلى هذا ذهب أكثرهم. وذهب يحيى بن عمر إلى أن ذلك لا يجب عليه وأن معنى قوله يستأنف الحج أي إن شاء انتهى. وعلى قول يحيى اقتصر عبد الحق في تهذيبه ونصه: وأما إن أردف الحج بعد طوافه لعمرته وركوعه وبعد أن سعى بعض السعي أو لم يعمل من السعي شيئا، فهذا يمضي على سعيه ويحل من عمرته ولا يلزمه الحج إلا أن يشاء أن يبتدئه كما قال يحيى بن عمر انتهى. والله أعلم. وتقدم في شرح قول المصنف أو يردفه بطوافها مناقشته في التوضيح لقول ابن الحاجب: فإن شرع في الطواف بعد أن يركع كره والله أعلم. فرع: قال في التوضيح قال في النوادر قال في الموازية: ومن تمتع ثم ذكر بعد أن يحل

[ 76 ]

من حجه إن نسي شوطا لا يدري من حجته أو عمرته، فإن لم يكن أصاب النساء رجع فطاف وسعى وأهدى لقرانه وفدية واحدة لحلاقه ولباسه إذا كان الشوط من حجه فقد أتى به يعني لاتيانه الآن بالطواف وأهدى لتمتعه، وإن كان من العمرة صار قارنا قاله ابن القاسم وعبد الملك، وأشهب يوافقهما في هذه المسألة لانه وإن كان يرى أن المعتمر إذا طاف شوطا لا يرتدف حجه لكن إنما قال ذلك في الطواف الكامل. وهذا الطواف الذي نسي منه الشوط إن كان من العمرة فقد أساء للتباعد فيصير إرداف الحج قبل الطواف. ولو وطئ النساء فإنه يرجع فيطوفويسعى ويهدي لقرانه أو لتمتعه وعليه فدية واحدة ثم يعتمر ويهدي، وبقي من كلا محمد في هذه المسألة شئ ذكر فيه أنه إن كان الشوط من العمرة صار قارنا وأفسد قارنه فيجب عليه بدله مقرنا في قولهم أجمعين. وهذا من قول محمد لا أعلم معناه إلا على قول عبد الملك الذي يرى أنه يردف الحج على العمرة الفاسدة، وأما في قول ابن القاسم فلا إلا أن يطأ بعد الاحرام بالحج وقبل رمي جمرة العقبة والافاضة في يوم النحر. انتهى بمعناه انتهى كلام التوضيح. ص: (وصح بعد سعي) ش: أي وصح الاحرام بالحج بعد الفراغ من طواف العمرة وسعيها لانه لم يبق إلا الحلق وليس بركن. وعبر المصنف بالصحة ليفهم منه أنه لا يجوز له ذلك ابتداء وهو ظاهر، لان ذلك يستلزم تأخير حلق العمرة أو سقوطه على ما سيأتي. وتقدم في كلام ابن يونس أنه جائز ويتعين حمله على أنه أراد أنه صحيح لا أنه يجوز الاقدام عليه ابتداء والله أعلم. ص: (وحرم الحلق وأهدى لتأخيره ولو فعله) ش: يعني أن المحرم بالعمرة إذا أحرم بالحج بعد سعيها وقلنا إن إحرامه صحيح فإنه يحرم عليه الحلق ويلزمه هدي لتأخير حلاق العمرة. قال في مناسكه: فإن أردف بعد السعي لم يكن قارنا اتفاقا ولا متمتعا إلا أن يحل من عمرته في أشهر الحج ويصح إحرامه بالحج، ولهذا لا يحلق لعمرته حتى يفرغ من حجه وعليه دم لتأخير الحلاق انتهى. وهو نحو قوله في المدونة: وعليه دم لتأخير الحلاق في عمرته. ويفهم منه أنه لو لم يحصل تأخير الحلاق أنه لادم عليه، وبذلك جزم ابن عطاء الله في شرح المدونة كما نقله عنه التادلي فإنه قال بعد أن ذكر أن عليه دما لتأخير الحلاق ما نصه. هذا إذا كان بين إحرامه بالحج ويوم عرفة زمن طويل. قال في شرح المدونة لعبد الكريم الاسكندراني فيمن

[ 77 ]

اعتمر في آخر يوم عرفة ثم أحرم بالحج ولم يحلق حتى وصل إلى منى يوم النحر فحلق أجزأه، وكأنه تداخل الحلاقان معا قال: وانظر إذا فرغ من عمرته ثم أحرم بأخرى قبل أن يحلق الاولى، هل يكون مثله ؟ تردد في ذلك، ولا فرق في الموضعين وهما معا من باب التداخل انتهى. قلت: وذكر صاحب الطراز في كتاب الحلاق عن عبد الحق ما يقتضي أن الدم لا يسقط ولو حلق بالقرب لان الحلق للنسك الثاني فإنه قال لما تكلم على من أخر الحلق عن الافاضة ما نصه: إذا قلنا يحلق بعد إفاضته ولا شئ عليه فلو اعتمر بعد أيام منى قبل أن يحلق قال عبد الحق: عليه الهدي وإن كان بالقرب لانه لما أحدث العمرة وجب عليه أن يحلق لها انتهى. قلت: وهو الذي يظهر من كلام عبد الحق وابن يونس في الكلام على مسألة من أحرم بالحج بعد سعي العمرة وقبل الحلاق. وقال عبد الحق: عليه دم لتأخير الحلاق لانه لما أحرم بالحج لم يقدر على الحلاق، فإن عمد فعجل الحلاق. وقال عبد الحق: عليه دم لتأخير الحلاق لانه لما أحرم بالحج لم يقدر على الحلاق، فإن عمد فعجل الحلاق فعليه الفدية لانه محرم حلق رأسه، ولا يسقط عنه دم تأخير الحلاق لانه قد وجد عليه ولزم ذمته انتهى. وقال ابن يونس: قال لي بعض أصحابنا: إن تعدى لهذا الذي لزمه تأخير الحلاق فحلق فظهر لي أنه لا يسقط عنه دم تأخير الحلاق لانه نقص لزمه كمن تعدى الميقات ثم أحرم بالحج فلزمه دم التعدي فلا يسقط عنه رجوعه إلى الميقات. وقال بعض أصحابنا: يتخرج على قول ابن القاسم وأشهب فيمن قام من اثنتين فلما استوى قائما رجع فجلس. قال ابن القاسم: يسجد بعد. وقال أشهب: قبل. فعلى قول ابن القاسم يسقط عنه دم تأخير الحلاق، وعلى قول أشهب يجب أن لا يسقط عنه دم تأخير الحلاق. انتهى أوله باللفظ وآخره مختصرا بالمعنى. وإلى عدم سقوط الدم أشار المصنف بقوله ولو فعله. واختار صاحب الطراز أن دم التأخير يسقط عنه إذا حلق، ورد القول الذي صححه ابن الحاجب والمصنف فقال: وزعم بعض القرويين أنه وإن حلق لا يسقط عنه الهدي لان حلقه غير جائز. قال: وهذا فاسد لان الهدي عليه لتأخير الحلاق وإن لم يثبت التأخير فلا يثبت حكمه والحلق هاهنا غير جائز من وجه وهو صحيح من وجه ويضاهي الصلاة في الدار المغصوبة، فإن حلق فلا هدي عليه وعليه الفدية انتهى. قلت: ولا يؤخذ من كلامه هذا مثل ما نقله التادلي عن ابن عطاء الله لان هذا حلق لكل نسك حلاقا فتأمله. ص: (ثم تمتع بأن يحج بعدها وإن بقران) ش: يعني أن حقيقة التمتع

[ 78 ]

بأن يحرم بعمرة ويحل منها في أشهر الحج ثم يحج بعدها في عامه ذلك، ولو كان حجه بقران بأن يحرم بعد فراغه من العمرة بحجة وعمرة معا ويصير متمتعا قا. قال في التوضيح: اتفاقا ويجب عليه دمان دم لتمتعه ودم لقرانه. وقال بعض القرويين: يحتمل أن لا يكون عليه إلا هدي واحد لما ثبت في الشرع من قاعدة التداخل. وقال في الشامل: وعليه دمان على المنصوص. فرع: قال في النوادر: والمعتمر مرارا في أشهر الحج من عامه فهدي واحد يجزئه لتمتعه انتهى. وقال في الشامل: ويتكرر الدم بتكررها في زمنه ولا حجة في هذا لما قاله بعض القرويين في المسألة الاولى، لانه في المسألة الاولى جمع فيه بين السببين الموجبين للدم، وأما في المسألة الثانية فلم يأت إلا بسبب واحد والله أعلم. ص: (وشرط دمهما عدم إقامة بمكة أو ذي طوى وقت فعلهما وإن بانقطاع بها) ش: يعني أن شرط وجوب دالقران ودم المتعة أن لا يكون الشخص من المقيمين بمكة أو ذي طوى وقت فعل القران أو التمتع ولو كانت الاقامة بالانقطاع إلى مكة، يريد أو بالانقطاع إلى ذي طوى. وإنما وحد الضمير في قوله بها لان مراده أن ينبه على أن مكة وذا طوى في حكم البلد الواحد والمراد بالاقامة الاستيطان. قال في التوضيح: قال الباجي: إنما لا يكون متمتعا من كمل استيطانه قبل أن يحرم بالعمرة مثل أن يدخل معتمرا في رمضان فيحل في رمضان من عمرته ثم يستوطن مكة ثم يعتمر في أشهر الحج فإنه لا يكون متمتعا، وهو بمنزلة أهل مكة. قاله أشهب ومحمد وهو معنى قول مالك انتهى. وقال بعدها: هذا إطلاق التوطن على طول الاقامة مجاز لان حقيقة التوطن الاقامة بنية عدم الانتقال انتهى. وقال ابن عرفة: ويوجب الدم شرط كونه غير مكي وهو متوطنها أو ما لا

[ 79 ]

يقصر مسافر منها فيه كذي طوى. ثم قال: والمعتبر استيطانه قبل العمرة، فلو قدم بعمرة ناويه لم يفده لانشائها غير مستوطن. وقوله في المدونة لانه قد يبدو له مشكل انتهى. يشير لقوله في المدونة: ومن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها ثم حج من عامه ذلك فعليه دم المتعة وليس هو كأهل مكة، لانه إنما يريد السكنى وقد يبدو له ومن حل من أهل الآفاق من عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر عمرة ثانية من التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه فذلك عليه دم المتعة وهو أبين من الذي قدم ليسكن لان هذا لم تكن إقامته الاولى سكنى انتهى قال سند: استنبط ابن القاسم حكم الدم من قول مالك في المسألة الاولى من حيث الاولى وهو بين، لان الاولى أوجبنا عليه الدم وإن كان سفره لسكني مكة لما لم يتحقق كونه عند الاحرام حاضر المسجد الحرام فهو الذي لم يرد سكنى مكة واستيطانها وإنما أراد الحج فقط، وإنما بادر بسفره فيه أحرى بوجوب الدم وثبوت حكم المتعة انتهى. وقال في الموطأ قال مالك: وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج فليس بمتمتع وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنها. وقال في المعونة: ويلزمه الهدي لقرانه إذا لم يكن مقيما بمكة مستوطنا. وقال في شروط التمتع: والسادس أن يكون وطنه غير مكة من سائر الآفاق من الحرم أو الحل. وقال في الجواهر: المراعى في حضور المسجد الحرام وقت فعل النسكين وابتداؤه بهما فإن كان في ذينك الوقتين مستوطنا مكة فحكمه حكم أهلها، وإن كان مستوطنا سائر الآفاق انتهى. ولابن فرحون نحوه وزاد: وإن كان مكي الاصل فظهر أن المسقط للدم هو الاستيطان وأن الاقامة بغير نية الاستيطان لا تسقط الدم ولو طالت. ولما كان المستوطن نوعين أحدهما أهل مكة والثاني من انقطع إليها بنية عدم الانتقال، بالغ المصنف بقوله وإن بانقطاع بها. وفيه إشارة إلى أن المراد بالاقامة الاستيطان إذ لو كان المراد مطلق الاقامة لما حسنت المبالغة بالانقطاع. وقال ابن الحاجب: والمنقطع إليها كأهلها. قال ابن فرحون: المنقطع بها هو الآفاقي الذي أقام بها وأعرض عن سكنى غيرها وهذا حكمه حكم المكي انتهى. وقول المصنف في التوضيح المنقطع إليها كالمجاور كأهلها فمراده بالمجاور من جاور بنية عدم الانتقال لا مطلق المجاورة كما تقدم في كلامه. وذو طوى هو ما بين الثنية التي يهبط منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلاة والثنية الاخرى التي إلى جهة الزاهر، وتسمى عند أهل مكة بين الحجوقين. هكذا قال شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخ مكة. قال: وفي صحيح البخاري ما يؤيده ونقل ابن جماعة الشافعي عن والده نحو ذلك. قلت: وهو الذي يفهم من كلامه في القران فإنه قال في أول باب دخول مكة: فإذا دنا من مكة بات بذي طوى بين التثنيتين حتى يصبح. ثم قال بعد ذلك: وهو ربض من أرباض مكة بطرفها. ثم قال: قيل لمالك: ذي طوي في مر الظهران ؟ قال: الذي سمعت بقرب مكة انتهى. وله نحو ذلك في باب ما يفعل عند الاحرام. ثم قال ابن جماعة: وقال المحب الطبري:

[ 80 ]

هو موضع عند باب مكة يسمى بذلك لبئر مطوية فيه. ثم قال: وما ذكره والدي هو المعروف عند أهل مكة انتهى. قلت: ما ذكره عن المحب الطبري مأخوذ من قول النووي في تهذيبه إنه موضع عند باب مكة بأسفل مكة في صوب طريق العمرة ويعرف اليوم بآبار الزاهر انتهى وقال الفاسي: قال الداودي: إن ذا طوى هو الابطح نقله عنه صاحب المطالع وقال الفاسي وهو بعيد. قلت: وأبعد منه قول البساطي في شرحه في هذا المحل إنه الموضع الذي يعبر عنه اليوم ببطن مر، لان بطن مر هو مر الظهران. وقد صرح في المدونة بأن أهله ليسوا من حاضري المسجد الحرام والاقرب في تفسيره ما ذكره الفاسي أولا ونقله ابن جماعة عن والده وهو الموضع الذي يستحب لداخل مكة أن يغتسل فيه كما سيأتي، وهو مثلث الطاء مقصور الالف، وأما المذكور في القرآن العظيم فهو بضم الطاء وكسرها قرئ بهما في السبعة، وهو موضع بالشام. وفي طريق الطائف موضع يقال له طواء بفتح الطاء والمد قاله ابن جماعة الشافعي. وقال الشيخ بهرام في الكبير أبو علي: وطوى واد من أودية مكة منون مقصور على فعل أبو زيد: طواء ممدود على وزن فعال. قال: فأنكر هذا الاصمعي أو قال: طواء الذي بالطائف ممدود الذي بمكة مقصور انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه في باب دخول مكة: وطوى بفتح الطاء مقصورة والذي بطريق الطائف طواء بالمد انتهى. وحكى المصنف في مناسكه تثليث الطاء كما تقدم وكذلك الفاسي في تاريخه ولم يحك في الصحاح إلا الضم والله أعلم. ص: (أو خرج لحاجة) ش: هو معطوف على ما في حيز المبالغة من يعني أن من كان من أهل مكة انقطع إليها واستوطنها من غير أهلها فإنه من الحاضرين، وإن خرج لحاجة من غزو أو تجارة أو رباط أو أمر عرض له ولو طالب إقامته بغيرها إذا لم يرفض سكناها، وسواء كان له بها أهل أو لم يكن. قال في التوضيح: وقوله الخارج لرباط أو تجارة شمل الخارج من أهلها وغيرهم وهو صحيح، فقد قال مالك في العتبية والموازية إنه ليس على من ترك أهله بمكة من أهل الآفاق وخرج لغزو أو تجارة إذا قدم في أشهر الحج متعة كما ليس على أهل مكة متعة، وقال محمد: معناه أنه دخل للسكنى قبل أن يحرم بالعمرة. وكذلك قال في البيان: معناه أنه قدم مكة قبل أشهر الحج فتركه أهله بها على نية الاستيطان بها ثم خرج لغزو أو تجارة فقدم معتمرا في أشهر الحج، كذلك لو سكنها بغير أهل قبل أن يتمتع. قاله ابن المواز انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم إن ترك آفاقي أهله بمكة أو خرج لغزو أو تجر وقدمها متمتعا فلا دم. ابن رشد: لان تركه بنية الاسيتطان. محمد: وكذلك لو سكنها دون أهل فقول أبي عمر لا يكون مكيا حتى

[ 81 ]

يستوطنها عاما مشكل. انتهى والله أعلم. ص: (لا إن انقطع بغيرها) ش: يعني أن من انقطع من أهل مكة أو ممن استوطنها بمكة فإن رفض سكنى مكة فإنه يخرج عن حكم الحاضرين ويلزمه دم التمتع إذا تمتع. ص: (أو قدم بها ينوي الاقامة) ش: هو معطوف على قوله لا إن انقطع بغيرها والضمير في بها عائد إلى أشهر الحج أو إلى العمرة، ومعناه أن من قدم بها أي فيها يعني أشهر الحج أو قدم بها أي بالعمرة في أشهر الحج ونيته الاقامة أي الاستيطان فليس من الحاضرين، ويشير إلى مسألة المدونة المتقدمة التي قال فيها: ولعله أن يبدو له. ص: (وندب لذي أهلين وهل إلا أن يقيم بأحدهما أكثر فيعتبر تأويلان) ش: يعني أن من كان له أهل بمكة وأهل بغيرها ثم تمتع فإنه يستحب له أن يهدي. ثم اختلف شيوخ المدونة في فهمها فقيل مستحب مطلقا ولو كان يقيم بأحدهما أكثر، وقيل إذا أقام بأحدهما أكثر اعتبر فإن أقام بمكة أكثر فهو مكي ولادم عليه، وإن أقام بمكة أقل فهو غير مكي ولا دم عليه، ولفظ المدونة على اختصار البراذعي وابن يونس. قال مالك: ومن له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق فقدم مكة معتمرا في أشهر الحج ثم حج من عامه فهذا من مشتبهات الامور والاحوط أن يهدي. قال ابن يونس: قال ابن القاسم: وذلك رأي. قال ابن المواز: قال أشهب: إن كاإنما يأتي أهله بمكة منتابا فعليه دم التمتع. وإن كان سكناه بمكة ويأتي أهله بغيرها منتابا فلا هدي عليه قال اللخمي: وهذا صحيح ولم يتكلم مالك في مثل هذا وإنما جاوب على من يكثر المقام بالموضعين انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي: ومن كان له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق احتاط بدم المتعة. وقيل: إن كان يأتي مكة منتابا وأكثر إقامته بغيرها فعليه دم المتعة، وإن كان أكثر إقامته بها فلا دم عليه. وظاهر مذهب ابن القاسم خلاف هذا، ألا ترى أنه وإن كان يأتي مكة منتابا فهي وطنه لا يقصر الصلاة بها انتهى. وأشار المصنف في دلالة لفظ المدونة المتقدم بالتأويلين إلى كلام اللخمي وكلام أبي إسحاق التونسي فلم يذكر ابن عرفة كلام أبي إسحاق التونسي. تنبيه: في دلالة لفظ المدونة المتقدم على كون الدم مستحبا نظر، بل المتبادر منه أنه واجب، نعم نقلها سند وابن الحاجب بلفظ هذا من مشبهات الامور والاحتياط في ذلك

[ 82 ]

أعجب إلي، وهذا يقتضي الاستحباب فتأمله والله أعلم. والمنتاب الذي يأتي مرة بعد أخرى قاله في الصحاح. وهو بالنون والتاء الفوقية وآخره موحدة. ص: (وحج من عامه) ش: يعني أن شرط وجوب دم القران والتمتع أن يحج من عامه فإن فاته الحج في عامه ذلك فلا دم عليه للقران ولا للتمتع، وهذا ظاهر بالنسبة إلى التمتع وكذا إلى القران إذا فعل الاولى وتحلل، فإن ترك الاولى في حقه وهو التحلل واستمر على إحرامه إلى قابل لم يسقط عنه هدي القران وهذا ظاهر وقد نص عليه في التوضيح وغيره. ص: (وللمتمتع دم عوده لبلده) ش: يريد أو ما قاربه. قال في التوضيح: ولا إشكال أنه إذا عاد إلى بلده أو ما قاربه في سقوط الدم. وحكى البناجي الاتفاق على ذلك والله أعلم. ص: (أو مثله ولو بالحجاز) ش: يعني أن المتمتع إذا عاد إلى مثل بلده في البعد عن مكة سقط عنه الدم ولو كان بلده بالحجاز. والخلاف المشار إليه بلو إنما هو إذا عاد لمثل بلده، فالمشهور سقوط الدم ولو كان بلده بالحجاز، وفي الموازية: إنه لا يسقط بعوده إلى مثله إذا كان بلده بالحجاز وإنما يسقط بعوده إلى نفس بلده أو بالخروج عن أر ض الحجاز بالكلية. كذا نقل في التوضيح ونصه المشهور: إنه لا فرق بين قطر الحجاز وغيره. وأشار ابن المواز إلى ما فهمه ابن يونس وغيره عنه إلى أنه إنما يسقط عنه الدم بالعود إلى مثل أفقه إذا كان أفقه غير أفق الحجاز، وأما الحجاز فلا يسقط عنه الدم إلا بالعود إلى نفس أفقه أو بالخروج عن أرض الحجاز بالكلية انتهى. ونص كلام ابن المواز: ومن اعتمر من أهل الآفاق في أشهر الحج ثم رجع إلى مثل أفقه ثم حج من عامه، فإن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز كالشام ومصر والعراق أو أفق من الآفاق أو أفقه فلا هدي عليه انتهى. قال ابن عبد السلام: وظاهره أنه لو رجع إلى الحجاز وهو أفقه أو مثل أفقه لما سقط عنه الهدي. وأنكر ذلك بعض الشيوخ انتهى. وضعف ابن يونس واللخمي ما في الموازية ورأوا أنه لا فرق بين الحجاز وغيره فعلم منه أن العود إلى البلد نفسه مسقط للدم بلا خلاف. وظاهر كلام ابن عبد السلام أن الخلاف في ذلك ولو رجع لبلده وتبعه على ذلك الشارح وليس كذلك كما بينا والله أعلم. ص: (لا بأقل) ش: هذا هو المشهور. قال في التوضيح: وأطلق المتقدمون في هذا الشرط وقيده أبو محمد بما إذا كان أفقه يدركه إن ذهب إليه ويعود فيدرك الحج من عامه، وأما من أفقه إفريقية فيرجع إلى مصر فيسقط التمتع

[ 83 ]

لان موضعه لا يدرك أن يذهب إليه ثم يعود من عامه انتهى. وقبل ابن عرفة وغيره تقييد الشيخ أبي محمد وهو ظاهر. ص: (وفعل بعض ركنها في وقته) ش: يعني أن من شروط وجوب الدم على المتمتع أن يفعل بعض أركان العمرة في وقت الحج أي في أشهره. قال في المدونة: ومن اعتمر في رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل هلال شوال فأتم سعيه فيه ثم حج من عامه كان متمتعا. قال اللخمي: هذا قول مالك. ويصح أن يقال إذا لم يبق إلا الشوط والشوطان من السعي أن ليس عليه شئ‌لان اليسير في حيز اللغو انتهى. وقال ابن يونس: يريد أنه إذا تم سعيه بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان لان تلك الليلة من شوال، وأما لو رأى هلال شوال نهارا فأتم سعيه بعد أن رآه نهارا فليس بمتمتع لان ذلك اليوم من رمضان والله أعلم. ص: (وفي شرط كونهما عن واحد تردد) ش: أشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل، فالذي نقله صاحب النوادر وابن يونس واللخمي عدم اشتراط ذلك. وقال ابن الحاجب: الاشهر اشتراط كونها عن واحد. وحكى ابن شاس في ذلك قولين. قال في التوضيح: لم يعزهما ولم يعين المشهور منهما ولم يحك صاحب النوادر وابن يونس إلا ما وقع في الموازية أنه تمتع انتهى. وقال في مناسكه بعد أن ذكر كلام ابن الحاجب خليل: ولم أر في ابن يونس وغيره إلا القول بوجوب الدم. وقال ابن عرفة: وشرط ابن شاس كونهما عن واحد، ونقل ابن الحاجب لا أعرفه بل في كتاب أبي محمد: من اعتمر عن نفسه ثم حج من عامه عن غيره متمتع. فما ذكره المصنف من التردد صحيح لكن المعروف عدم اشتراط ذلك، وعادته أنه يشير بالتردد لما ليس فيه ترجيح. وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير: لا يشترط أن يقع النسكان عن واحد عند جمهور الشافعية وهو قول الحنفية ورواية ابن المواز عن مالك وعلى ذلك جرى جماعة من أئمة المالكية منهم الباجي والطرطوشي ومن الشافعية من شرط ذلك. وقال ابن الحاجب: إنه الاشهر من مذهب مالك، وتبع ابن الحاجب في اشتراط ذلك صاحب الجواهر. وقوله وأنه الاشهر غير مسلم فإن القرافي في الذخيرة ذكر ما سوى هذا الشرط وقال: إن صاحب الجواهر زاد هذا الشرط ولم يعزه إلى غيره انتهى. تنبيه: شروط القران لا شك أنها شرط في وجوب الدم لا في تسمية الفعل قرانا، وأما شروط التمتع فهل شروط في وجوب الدم أو في تسميته متمتعا ؟ فظاهر كلام المصنف وابن

[ 84 ]

الحاجب أنها شروط في وجوب الدم. وصرح القاضي في المعونة بأنه إذا فقد شرط منها لا يسمى متمتعا. قال: لان أصل التمتع الجمع بين العمرة والحج في سفر واحد. ثم قال: بشرط أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج لان أصل الرخصة بذلك تعلقت وهو إيقاع العمرة في أشهر الحج لان العرب كانت تراه فجورا. وبذلك صرح اللخمي وغيره. نعم وقع في المدونة والرسالة إطلاق التمتع على ما يفعله المكي ولعل ذلك على سبيل التجوز والله أعلم. وقال القباب في شرح قواعد القاضي عياض عند قوله وعلى القارن غير المكي والمتمتع الهدي يعني والمتمتع غير المكي: وقد يقال إنه لا يحتاج إلى هذه العناية لانه قد قدم أن المتمتع إنما هو غير المكي فلا يسمى المكي متمتعا فلذلك لم يقيده انتهى. ويشير بما قدمه إلى قوله في كلامه السابق: والتمتع هو أن يعتمر غير المكي في أشهر الحج ثم يحل ويحرم من عامه ولا يكون متمتعا إلا بشروط ستة إلا أن يكون مكيا انتهى. وقال بعض المالكية في منسكه: من تمتع بالعمرة إلى الحج ولم تجتمع فيه شروط التمتع فهو مفرد مع أنه قدم العمرة على الحج انتهى. وقال ابن جماعة في منسكه الكبير: والشروط المذكورة معتبرة عند الشافعية لوجوب الدم كما بيناه. وهل تعتبر في تسميته تمتعا ؟ قال القفال: تعتبر وحكاه عن نص الشافعي وبه جزم الدارمي. فلو فات شرط لم يمكن متمتعا وكانت الصورة صورة إفراد. وقال الرافعي: إن الاشهر أن ذلك لا يعتبر وهو قول المالكية ومذهب الحنابلة انتهى. تنبيه: ذكر التادلي للمتمتع تسعة شروط: الخمسة التي ذكرها المصنف، وزاد عن الباجي سادسا وهتقديم العمرة على الحج، وسابعا وهو أن يحل من العمرة قبل الاحرام بالحج وهما في الحقيقة شئ واحد لان الاحلال من العمرة قبل الاحرام بالحج يستلزم تقديم العمرة على الحج، وقد نبه على ذلك التادلي والمصنف في التوضيح، وهذا أن الشرطان مأخوذان من قول المصنف في تعريف التمتع بأن يحج بعدها. وزاد عن الباجي أيضا ثامنا وهو كون العمرة صحيحة وهو غير صحيح لان ذلك ليس بشرط كما نص عليه ابن يونس ونقله المصنف في التوضيح ونصه: ولا يشترط في التمتع صحة العمرة لانه في الموازية: من أفسد عمرته في الحج يعني في أشهر الحج ثم حل منها ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته فهو متمتع وعليه قضاء عمرته قبل أن يحل من حجه وحجه تام. ذكر ابن يونس انتهى. وتقدم ذلك في كلام صاحب الطراز عند قول المصنف إن صحت. وزاد عن الباجي تاسعا وهو كون العمرة مقصودة وهو يشير به إلى ما قاله المصنف في فصل الموانع ولا يتحلل إن دخل وقته وإلا فثالثها يمضي وهو متمتع. وذكر للقران شروطا لا يحتاج إليها منها أن يقدم العمرة على الحج في نيته، وأن يبدأ بفعل العمرة إن أتى بهما في عقدين، وأن يحرم بالحج قبل تمام العمرة إن كان مردفا، وأن لا يتمادى على الطواف إذا أردف في أثنائه، وأن تكون العمرة صحيحة، وهذه كلها مستغنى عنها بما ذكره المصنف في صفة القران. ص:

[ 85 ]

(ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله) ش: ذكر رحمه الله مسألتين: الاولى منهما أن دم التمتع يجب بإحرام الحج وبذلك صرح ابن شاس وابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام والمصنف وابن فرحون وغيرهم ونحوه للخمي وسيأتي لفظه في شرح المسألة الثانية. وخالف في ذلك ابن رشد وابن العربي وصاحب الطراز وابن عرفة. قال ابن عرفة: سمع ابن القاسم: إن مات يعني المتمتع قبل رمي جمرة العقبة فلا دم عليه. ابن رشد: لانه إنما يجب في الوقت الذي يتعين فيه نحره وهو بعد رمي جمرة العقبة، فإن مات قبله لم يجب عليه. قال ابن عرفة: قلت: ظاهره لو مات يوم النحر قبل رميه لم يجب وهو خلاف نقل النوادر عن كتاب محمد عن ابن القاسم وعن سماع عيسى من مات يوم النحر ولم يرم فقد لزمه الدم. ثم قال ابن عرفة: فقول ابن الحاجب يجب بإحرام الحج يوهم وجوبه على من مات قبل وقوفه ولا أعلم في سقوطه خلافا. ولعبد الحق عن ابن الكاتب عن بعض أصحابنا: من مات بعد وقوفه فعليه الدم انتهى. وقال صاحب الطراز لما تكلم على تقليد هدي التمع قبل الاحرام بالحج أو عند الاحرام بالعمرة ووجه جواز ذلك بأن الصحابة كانت تتمتع وتسوق الهدي معها للمتعة ما نصه: فإن قيل: ما وجب بعد. قلنا: لا يشترط في تقليد هدي المتعة وجوبه لانه لو اشتراه بعد الفراغ من العمرة وقبل أن يحرم بالحج وقلده ليوقفه في الحج وينحره عن متعته أجزأه، ولا خلاف أنه لو قلده في إحرامه بالحج أنه يجزئه ولم يجب بعد. وعند مالك روى عنه ابن القاسم فيمن تمتع ثم مات قال: إن مات قبل رمي جمرة العقبة لا شئ عليه، وإن مات بعد رميها فقد لزمه هدي التمتع، وإذا أخر تقليدها عند إحرام الحج ولم يجب عليه جاز عند إحرام العمرة لانها إحدى نسكي التمتع فهي من سبب الهدي في الجملة ونحوه لا يكون حتى يجب فيقلده لوجوب سببه وينحره لتمام وجوبه انتهى. وقال في باب صوم الهدي: يختلف في وقت وجوبه، ثم ذكر الخلاف فيمن مات يوم النحر ولم يرم ثم قال: فراعى ابن القاسم خروج وقت الوقوف بعرفة، وراعى مالك خروجه من إحرامه. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يجب إذا أحرم بالحج انتهى. ونحوه لابن العربي وسيأتي لفظه في المسألة الثانية. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ودم التمتع يجب بإحرام الحج يعني أن دم التمتع يتحقق وجوبه بأوائل درجات الجمع بين العمرة والحج وذلك يجمل بالاحرام بالحج من غير زيادة ركن آخر، وذلك لان الاحرام لا يرتفض فقام لذلك الركن الواحد مقام الجمع. ولا يراعى احتمال الفوات إذ الاصل عدمه وذلك أن المتمتع إذا فاته

[ 86 ]

الحج وعاد فعله إلى عدم العمرة سقط عنه الهدي على ما رواه أصبغ عن ابن القاسم بخلاف ما لو فسد والفرق بين الفوات والفساد ظاهر. فإن قلت: إذا كان هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف به بعرفة أو بمكة بعد ذلك على ما سيأتي، فما فائدة الوجوب هنا ؟ قلت: يظهر في جواز تقليده وإشعاره بعد الاحرام بالحج وذلك أنه لو لم يجب الهدي حينئذ مكونه يتعين بالتقليد لكان تقليده إذ ذاك قبل وجوبه فلا يجزئ إلا إذا قلد بعد كمال الاركان، وقد اختلف المذهب فيمن مات وهو متمتع، ثم ذكر ما تقدم عن ابن القاسم وأشهر وسحنون والله أعلم. وإذا علم ذلك فتحصل أن في وقت وجوبه طريقتين: إحداهما لابن رشد وابن العربي وصاحب الطراز وابن عرفة أنه يجب برمي جمر العقبة أو بخروج وقت الوقوف، والثانية للخمي ومن تبعه أنه يجب بإحرام الحج. والطريقة الاولى أظهر لان ثمرة الوجوب إنما تظهر فيما إذا مات المتمتع والحكم فيها ما تقدم وسيذكره المصنف فيما سيأتي وفي مسألة الفوات، والمذهب سقوط الدم كما تقدم وفي وجوب التقليد والاشعار وفيه الخلاف، ومراعاة المسألتين الاوليين أولى لان التقليد والاشعار قد أجازه ابن القاسم قبل الاحرام بالحج بل عند الاحرام بالعمرة ورواه عن مالك، بل فيما روي عنه: إذا ساق في عمرته هديا تطوعا ولم ينحره فيها وأخره إلى يوم النحر ونحره عن متعته أنه قال أولا: لا يجزئه. ثم رجع وقال: رجوت أن يجزئه، وقد فعله أصحاب النبي (ص) وأحب إلي أن ينحره ولا يؤخره. ونحو هذا ما قال في مسألة القران وهي ما إذا ساق الهدي لعمرته ثم أردف لخوف فوات الحج أن ذلك الهدي يجزئه لقرانه. وإلى المسألتين أشار المصنف بقوله فيما سيأتي: وإن أردف لخوف فوات أو لحيض أجزأ التطوع لقرانه كأن ساقه فيها ثم حج من عامه. وتؤولت أيضا فيما إذا سيق للتمتع، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله في محله. والحاصل أن دم التمتع والقران يجوز تقليدهما قبل وجوبهما على قول ابن القاسم ورواية عن مالك، وهو الذي مشى عليه المصنف. فإذا علم ذلك فلم يبق للحكم بوجوب دم التمتع بإحرام الحج فائدة. نعم على القول بأنه لا يجزئه من قلده قبل الاحرام بالحج تظهر ثمرة الوجوب في ذلك، ويكون المعنى أنه يجب بإحرام الحج وجوبا غير متحتم لانه معرض للسقوط بالموت والفوا ت، فإذا رمى جمرة العقبة تحتم الوجوب فلا يسقط بالموت كما نقول في كفارة الظهار إنها تجب بالعود وجوبا غير محتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها، فإن وطئ تحتم الوجوب ولزمت الكفارة ولو ماتت الزوجة أو طلقها. وأما المسألة الثانية وهي قوله وأجزأ قبله فالذي يتبادر من كلامه أنه يجزئ نحو هدي التمتع قبل الاحرام بالحج وهو الذي يتبادر من كلام الشارح في شروحه الثلاثة حيث

[ 87 ]

فسر كلام المصنف بأنه إذا أخرجه قبل الاحرام بالحج أجزأه، غير أنه نقل في الكبير بعد تفسيره المذكو كلام اللخمي في تقديم التقليد والاشعار، وقال في الوسط بعد أن فسره بما ذكر وهو قول ابن القاسم خلافا لاشهب وعبد الملك، واقتصر في الصغير على التفسير المذكور. فذكره الخلاف في جواز التقليد والاشعار يدل على أنه إنما أراد بإخراج الهدي جواز تقليده وإشعاره لا سيما كلامه في الوسط، وأما البساطي فلم يفسر كلام المصنف وإنما ذكر في شرحه الخلاف في جواز التقليد والاشعار. فيفهم منه أنه إنما حمل كلام المصنف على ذلك وكذلك ابن الفرات بل زاد بعد أن ذكر الخلاف المذكور، وعلى قول ابن القاسم اقتصر المصنف ولم أر من صرح بحمل كلام المصنف على جواز نحر الهدي وذبحه قبل الاحرام بالحج، إلا بعض المعاصرين لنا ولمشايخنا، ولم أر من صرح بذلك من أهل المذهب إلا ما وقع في كلام أبي الحسن الصغير مما لا ينبغي أن يعول عليه، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، قال ابن الحاجب: ويجب دم التمتع بإحرام الحج. وخرج اللخمي جواز تقديمه عليه بعد إحرام العمرة على خلاف الكفارة. وقال ابن عبد السلام: قوله وخرج اللخمي الخ. يعني أن اللخمي خرج إجزاء الهدي المقلد قبل الاحرام بالحج وبعد الاحرام بالعمرة عن التمتع على الخلاف في جواز تقديم الكفارة قبل الحنث. وظاهر كلام المصنف يعني ابن الحاجب في تعبيره بلفظ الجواز أن التخريج المذكور وإنما هو في نحر الهدي حينئذ لتشبيهه بالكفارة ولا بأس في ذلك إن أراده. وظاهر كلامه أيضا أن المسألة مخرجة غير منصوصة وليس كذلك بل هي في الكتب التي جرته عادته بالنقل منها مختلف فيها، ثم ذكر الخلا ف عن اللخمي وصاحب النوادر وابن بشير وابن شاس ونحوه لابن فرحون. وأما المصنف في التوضيح فلم يتعرض لبيان المراد من كلام ابن الحاجب هل هو التقليد والاشعار أو نحو، لكن كلامه يدل على تقديم التقليد والاشعار ونصه في شرح المسألة بكمالها يعني أن المتمتع لا يجب عليه دم المتعة بإحرامه بالعمرة وإنما يجب عليه إذا أحرم بالحج إذ المتمتع إنما يتحقق حينئذ. قال ابن الجلاب: والاختيار تقديمه في أول الاحرام ولم يراعوا احتمال الفوات لان الاصل عدمه. اللخمي: واختلف إذا قلد وأشعر قبل الاحرام بالحج، فقال أشهب وعبد الملك في الموازية: لا تجزئه. وقال ابن القاسم: يجزئه فلم يجزه في القول الاول لان دم التمتع إنما يجب بإحرام الحج فإذا قلد قبل ذلك كان تطوعا والتطوع لا يجزئ عن الواجب، وأجزأ في القول الآخر قياسا على تقديم الكفارة قبل الحنت والزكاة إذا قرب الحول، والذي تقتضيه السنة التوسعة في جميع ذلك انتهى. وكذلك ذكر في النوادر هذين القولين. فقول المصنف وخرج اللخمي ليس بظاهر. انتهى كلامه في التوضيح. وعلم منه أنه إذا حمل كلام ابن الحاجب على جواز تقديم التقليد والاشعار لا على جواز تقديم نحر الهدي وأول كلام ابن الحاجب على جواز تقديم التقليد والاشعار لا على جواز تقديم نحر الهدي وأول كلام اللخمي ولا يقلد دم المتعة إلا بعد الاحرام بالحج وكذلك القارن، ثم ذكر ما حكاه

[ 88 ]

عنه في التوضيح إلا أن قول في التوضيح لان دم المتعة إنما يجب إذا أحرم بالحج ليس هو كذلك في تبصرة اللخمي، وإنما لفظه لان المتعة إنما تجب إذا أحرم بالحج، وكذلك نقله ابن عبد السلام وابن فرحون، لكن كلامه يدل على أن المراد دم المتعة وهذا كلام اللخمي الموعود به في المسألة الاولى. وإنما يدل على ما قاله ابن شاس وابن الحاجب والمصنف وقول المصنف في التوضيح. قال ابن الجلاب: والاختيار تقديمه في أول الاحرام يوهم أن ذلك في الهدي وليس كذلك إنما قاله في الصيام ونصه: والاختيار له تقديم الصيام في أول الاحرام إذا علم ذلك. فلم يحمل أحد من شراح ابن الحاجب كلامه على تقديم نحر هدي التمتع بل صرح ابن عبد السلام وابن فرحون أنه ليس كذلك إن أراده بل تقدم في كلام ابن عبد السلام في شر المسألة الاولى أن هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف به بعرفة أو بمكة بعد ذلك إلى آخره، وهو يدل على أنه لا يجزئ نحره قبل ذلك والله أعلم. ونصوص أهل المذهب شاهدة لذلك. قال القاضي عبد الوهاب في المعونة. ولا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل يوم النحر خلافا للشافعي لقوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر وله نحو ذلك في شرح الرسالة. وقال في التلقين: والواجب لكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر وله مثله في مختصر عيون المجالس. وقال في النوادر في ترجمة نحر الهدي: وقال مالك: والقارن إذا ساق معه الهدي فدخل به مكة فعطب بها قبل أن يخرجه إلى عرفة فلينحره بمكة إن شاء ولا يجزئ عنه ثم قال بعده: قال مالك: وكل هدي دخل مكة فعطب بها فيجزئ إلا هدي التمتع لانه إنما يبتدئ الحج بمكة. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: فكأنه عطب قبل محله انتهى. ونقل أبو إسحاق التونسي كلام مالك المذكور وقال بعده أبو إسحاق: هذا صواب وقال سند في باب الهدي: إذا ساق الهدي لينحره في عمرته نحره ثم إذا تمتع بالحج أهدى لمتمتعه، سواء قلد هدية بنية التطوع أو بنية أنه للمتعة. وبه قال أبو حنيفة إن ما نحره قبل تحلله من حجه لا يجزئه لتمتعه، سواء ساق الهدي مع إحرامه بالعمرة أو مع إحرامه بالحج. واختلف فيه قول الشافعي فمرة قال: إذا نحره بعده تحلل من العمرة أجزأه عن المتعة. ومرة قال: لا يجزئه إلا أن ينحره بعد أن يحرم بالحج وإن كان قبل الوقو ف بعرفات. ولا يشترط الشافعي تحلله قولا واحدا. أو احتج بأنه دم تعلق بالاحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كفدية الاذى ودليلنا قوله تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) * فإنما يشرع الهدي لذلك إذا وقع التمتع ولا يقع التمتع بالنسكين حتى يحرم بهما جميعا، فإذا أهدى قبل أن يحج أهدى قبل أن يكون متمتعا فأشبه ما لو أهدى قبل أن يحل من عمرته، فلا خلاف أنه لا يجزئه كذلك مسألتنا، ولان كل زمان لا يجوز فيه ذبح أضحية لا يجوز فيه ذبح هدي المتعكقبل التحلل من العمرة وبخلاف فدية الاذى لانها عندنا

[ 89 ]

ليست بهدي حتى إذا جعلها هديا لا يجزئه قبل يوم النحر. ثم الفدية حجتنا لانها لا تجزئ قبل كمال سبب وجوبها وكذلك تجب في التمتع لا يجزئ هديه قبل حصوله انتهى. ثم قال في باب صوم الهدي لما ذكر الاحتجاج على أن الهدي لا يجب بإحرام الحج ما نصه: ولان الهدي لو وجب بها لجاز نحره إذ شرط الوجوب التمكن من فعل ما وجب. وسلم أبو حنيفة أنه لا يجوز نحر الهدي حتى يحل، وإذا كان لا يتمكن من نحر الهدي حتى يحل وجب أن لا يجب حتى يحل. ثم قال: إذا ثبت ذلك فلا يجوز الهدي عند مالك حتى يحل وهو قول أبي حنيفة، وجوزه الشافعي من حين يحرم بالحج. واختلف قوله فيما بعد التحلل بعد العمرة قبل الاحرام بالحج، ودليلنا أن الهدي متعلق بالتحلل وهو المفهوم من قوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * إلى آخر الآية: وقال في باب المواقيت فيمن تجاوز الميقات ثم فاته الحج قال ابن القاسم: يسقط عنه دم تجاوز الميقات. قال سند: رأى ابن القاسم أن الدم المتعلق بنقص الاحرام إنما يستقر وجوبه عند انتهاء الاحرام بدليل أنه لو فعله قبل ذلك لم يجزه، وبدليل دم المتعة لانه لو مات قبل الوقوف أو قبل الرمي لم يلزمه عند أشهب وابن القاسم ولو مات بعد الرمي لزمه ذلك انتهى. وقال ابن العربي في أحكامه: يجب على المتمتع الهدي إذا رمى جمرة العقبة إن الحج حينئذ يتم ويصح منه وصف التمتع. وقال أبو حنيفة والشافعي: يجب عليه الهدي إذا أحرم بالحج لان الحج وجب عليه بضم الحج إلى العمرة، وإذا أحرم بالحج فأول الحج كآخره، وهذه دعوى لا برهان عليها ولو ذبحه قبل يوم النحر لم يجز وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: وهذا كلام ابي العربي الموعود به في أحكامه. وقال في الاكمال: قال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز نحره قبل فجر يوم النحر. وأجازه الشافعي ونحوه لابن الفرس في أحكامه. وقال الحفيد: قال مالك: إن ذبح هدي التمتع والتطوع قبل فجر يوم النحر لم يجزه وجوزه أبو حنيفة في التطوع والشافعي فيهما، ومراده بالتطوع الذي ساقه ليذبحه في حجه والله أعلم. تنبيه: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في شرح قوله في المدونة: ومن اعتمر في أشهر الحج فساق معه هديا فطاف بالعمرة وسعى فلينحره إذا أتم سعيه، قال أبو محمد صالح، يريد ويجزيه عن تمتعه إذا حج من عامه. ثم قال في المدونة: فإن كان لما حل من عمرته أخر هديه إلى يوم النحر فنحره لم يجزه عن تمتعه. قال أبو محمد صالح: قال الفقيه: قف على هذا فإنه مشكل لانه إذا كان لا يجزيه الادنى إذا أخره مع أن الهدي وجب عليه، فكيف يجزيه مع التقديم مع أنه لم يجب عليه بعد ؟ قال: فيحتمل أن يكون هذا جاريا على أحد القولين في الهدي إذا أخره عن محله الذي أمر أن ينحر فيه هل يجزئه أم لا انتهى. قلت: وقوله إنه مشكل لا شك في ذلك ولكنه إنما جاء الاشكال من حيث قال يريد ويجزئه إذ لم يقل ذلك أحد من أهل المذهب ولا غيرهم كما علمت ذلك من نصوص العلماء، لان الشافعي وإن قال بجواز ذبحه بعد التحلل من العمرة فإنما ذلك إذا قصد به التمتع فلا يلتفت إلى هذا ولا يعول عليه، ولا يحل لاحد أن

[ 90 ]

يعتمده. وهذه المسألة يغلط فيها كثير من الناس يتمسكون بظاهر كلام المصنف وذلك حرام لا يحل خصوصا مع الوقوف على نصو ص العلماء المخالفة لذلك فتأمله منصفا. وإذا علم ذلك فيتعين حمل كلام المصنف على أن المراد وأجزأه تقليده وإشعاره قبل الاحرام بالحج كما تقدم بيان ذلك في المسألة الاولى، وكما سيأتي في قول المصنف كأن ساقه فيها ثم حج من عامه وهي مسألة المدونة التي ذكرها أبو الحسن وزاد بعد قوله لم يجزه عن تمتعه ما نصه: لانه قد لزمه أن ينحره أولا. ثم قال مالك: إن أخر هذا المتمتع هديه إلى يوم النحر فنحره عن متعته رجوت أن يجزئه وقد فعله أصحاب النبي (ص) وأحب إلي أن ينحره ولا يؤخره والله أعلم. ص: (ثم الطواف لهما سبعا) ش: هذا معطوف على الاحرام في قوله وركنهما الاحرام ويعني أن الركن الثاني من الاركان التي يشترك فيها الحج والعمرة الطواف، فإن الطواف ركن في العمرة والطواف الركني في الحج طواف الافاضة وللطواف مطلقا، سواء كان واجبا أو غير واجب، كان في حج أو في عمرة. شروط الاول أن يكون سبعة أطواف فإن ترك من الطواف الركني شوطا أو بعض شوط رجع له من بلاده. قال في التلقين: ولا يجزئ لاستيفاء أشواطه فمن ترك شوطا أو بعضا منه أو من السعي عاد على إحرامه من بلاده لاتمامه انتهى. وقال في شرح الرسالة: ومن ترك شيئا منه لم يجزه ولم ينب عنه الدم انتهى. وهذا هو المعروف في المذهب. قال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ذكر شوطا من طوافه فليرجع له من بلاده. وإلى هذا رجع ابن القاسم بعد أن كان يخفف الشوط والشوطين، وكذلك إن شك في ذلك فليرجع انتهى. فعلم منه أن ابن القاسم إنما كان يخفف الشوط والشوطين إذا رجع إلى بلاده، وأما إن كان بمكة فلا يختلف في إعادته، والظاهر أن ابن القاسم لما كان يقول بتخفيف ذلك كان يوجب عليه في ذلك دما والله أعلم. تنبيهات: الاول: لم يذكر المصنف في هذا المختصر حكم الابتداء من الحجر الاسود في الطواف وقال في مناسكه: والبداءة بالحجر الاسود سنة انتهى. وقال سند: لم يجعل مالك ذلك شرطا وجعله سنة يجبر بالدم انتهى. قلت: يعد في الافعال التي اختلف أهل المذهب في التعبير عنها هل هي واجبة أو سنة، والتحقيق فيها أنها واجبة لصدق حد الواجب عليها كما بينت ذلك في المناسك التي جمعتها. قال في النوادر: وعن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن

[ 91 ]

بدأ في طوافه بالركن اليماني فإذا فرغ من سعيه أتم ذلك فتمادى من اليماني إلى الاسود، فإن لم يذكر حتى طال أو انتقض وضوؤه أعاد الطواف والسعي وإن خرج من مكة وتباعد أجزأه أن يبعث بهدي ولا يرجع. وقاله أصبغ. وإن كابتعمد فليبتدئ إلا فيما لا تراخي في مثله مثل أن يعدل إلى بعض المسجد ثم يستفيق فليبن كمن يخرج من مصلاه إلى مثل جوانب المسجد وإيوانه، وإن كان ذلك منه بنسيان أو جهل ولم يتباعد فليبن ما لم ينتقض وضوؤه أو يطل انتهى. وقوله: من سبعه بضم السين وسكون الموحدة يعني طوافه. وقوله: وإن كان متعمدا إلى آخره يعني أن من ابتدأ من الركن اليماني عمدا وأتم إليه فإنه يبتدئ الطواف إلا أن يكون لم يحصل في ذلك طوال فإنه يبن ما لم ينتقض وضوؤه أو يطل جدا، ففرق في ذلك بين العمد وبين النسيان والجهل، فمن فعل ذلك عمدا ثم خرج إلى السعي وسعى بعض السعي فظاهر كلامه أنه لا يبني وهو ظاهر، وإن فعل ذلك نسيانا أو جهلا ثم ذكر في أثناء السعي ولم ينتقض وضوؤه فإنه يرجع فيبني، وكذلك لو ذكر بعد السعي بالقرب ولم ينتقض وضوؤه كما سيأتي فيمن نسي بعد طواف. وجعل الجاهل في هذه المسألة كالناسي فتأمله. ثم قال في الموازية: ومن ابتدأ طوافه من بين الحجر الاسود وبين الباب بالشئ اليسير ثم ذكر قال: يجزئه ولا شئ عليه. وإن ابتدأ من باب البيت ألغى ما مشى من باب البيت إلى الركن الاسود ولا يعتد به انتهى. قلت: ونقله المصنف في توضيحه ومناسكه، ونقله أيضا غيره وهو محتاج إلى بيان. فأما من ابتدأ من باب البيت فالحكم فيه كما تقدم فيمن ابتدأ بالركن اليماني في البناء والابتداء وعمد الرجوع، وأما من ابتدأ من بين الحجر الاسود والباب وأتم إلى الحجر الاسود فقوله: يجزئه يريد أنه لا يلغي ذلك بل يتم إلى المحل الذي ابتدأ منه ويجزئه، وأما من ابتدأ من بين الحجر الاسود والباب ولم يتم إلى المحل الذي ابتدأ منه بل أتم إلى الحجر الاسود فهذا لا يجزئه ويرجع فيكمل ما بقي عليه إن كان قريبا، فإن طال أو انتقض وضوؤه أعاد طوافه وسعيه، فإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فيرجع لذلك من بلده، هكذا كان والدي يقرره، وخالفه في ذلك بعض طلبة العلم وقال قولهم هذا يسير ويجزئه يدل على أنه مغتفر. قلت: والصواب الاول، وقد تقدم عن التلقين أن من ترك بعض شوط يرجع له. وقال التادلي: قال الباجي: وإن بقي عليه بعض شوط، فهل يتم ذلك الشوط أو يبتدئه ؟ الذي يقتضيه قول أصحابنا أنه يبتدئ الطواف من أوله انتهى. وسيأتي أن المقبل ينصب قامته عند تقبيل الحجر لئلا يكون قد طاف وبعضه في البيت فيبطل طوافه لذلك. وقال ابن الحاج في مناسكه: من ترك من السعي ذراعا فإنه يرجع له من بلده. ونقله التادلي وابن فرحون ولم يحكوا فيه خلافا، فإذا كان السعي لا يغتفر منه ذراع وهو أخف من الطواف فأحرى أن لا يغتفر ذلك في الطواف، وسيأتي في التنبيه الثاني في كلام ابن الفاكهاني وصاحب المدخل ما يقتضي أن نقص ذلك يبطل الطواف والله أعلم.

[ 92 ]

الثاني: قال ابن معلى: قال بعض العلماء رضي الله عنهم: وكيفية الطواف أن يمر بجميع بدنه على الحجر وبذلك بأن يستقبل البيت ويقف إلى جانب الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يساره يمينه ويصير منكبه الايمن عند طرف الحجر، ثم ينوي الطواف لله تعالى، ثم يمشي مستقبل الحجر مارا إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر بجميع بدنه، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج، ولو فعل هذا في الاول وترك استقبال الحجر جاز ذكر هذه الكيف يحذاق الشافعية. قلت: ولم أرد من تعرض لها من أئمة المالكية، ولا شك أن الاتيان بها للخروج من الخلاف من باب الاولوية لان النووي رحمه الله قال: لا يصح طواف من لم يمر بجميع بدنه على جميع الحجر. انتهى كلام ابن المعلى ونقله التادلي عنه وأصله للنووي في الايضاح. وحاصل كلامه فيه أنه يشترط في صحة الطواف أن يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، والمستحب في ذلك أن يستقبله على الكيفية المذكورة، فإن جعل الحجر الاسود عن يساره من الاول ومر بجميع بدنه عليه جاز ولكن فاته المستحب كما صرح بذلك النووي في الكلام على الواجب الرابع من واجبات الطواف، ولم يذكر ابن المعلى كلام النووي جميعه بل اقتصر على كلامه في كيفية ابتداء الطواف. وظاهر كلام ابن معلى بل صريحه أن هذه الكيفية ينبغي أن تكون مطلوبة أيضا في المذهب، وكذلك ظاهر كلام التادلي. وما قالاه غير ظاهر فقد نازع المتأخرون من الشافعية النووي في استحباب الكيفية المذكورة، قال ابن جماعة إثر كلامه المتقدم: حكى ابن الصلاح استحباب الكيفية الاولى من هاتين الكيفيتين في الطوفة الاولى خاصة دون ما بعدها عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب في طائفة من العراقيين، وجزم النووي بأنه إذا تركها فاتته الفضيلة. ثم قال ابن جماعة: ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول الله (ص) لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا، فمن بدأ بالطواف مستقبلا للحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل فقد خالف السنة ومضى جزء من طوافه والبيت ليس على يساره، ولم ينقل ذلك عن سيدنا رسول الله (ص) المبين عن الله ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مع توفر الدواعي على النقل، ولم يذكره الشافعي رحمه الله ولا الخراسانيون من الشافعية ولا الرافعي، واقتصروا على الكيفية الثانية، فالصحيح عدم استحباب الكيفية الاولى وكراهتها لما قدمناه، ولان ارتكابها قد يوقع في الاذى وأنا ممن تأذى بها فإن بعض فقهاء الشافعية عمل بها وأنا معه في الطواف وكنت وراءه حين مشى مستقبل الحجر قبل أن يجاوزه ولم أدر به فانفتل عند مجاوزته الحجر ولم يرني فداس رجلي فأذاني برجله بدوسته انتهى. وقال الزركشي مع الشافعية أيضا: يلزم على الكيفية الاولى يعني التي استحبها النووي ثلاثة أمور: تأخيره إلى صوب الركن اليماني بعد استلام الحجر، ومشيه مستقبلا حتى يقطع الحجر، وانفتاله بعد مجاوزته الحجر. وإذا كان أبو الطيب لم يسمح بتكبيرة لم تثبت فكيف

[ 93 ]

يسمح بهذا ؟ بل في صحيح مسلم أنه (ص) أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه، وظاهر كلام الائمة أن ذلك لا يجوز لان من بدأ بالطواف مستقبلا الحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل بعد مضي جزء من طوافه والبيت ليس على يساره فالوجه امتناعه وقد إأشار ابن الرفعة لذلك. وقال: إن الامام احترز عنه بقوله المراد بالبدن في المحاذاة شق الطائف اليسار لا غير، لكن كلام القاضي أبي الطيب والبندنيجي وغيرهما مصرح بأن اشتراط جعل البيت على يساره هو من حين مجاوزه الحجر لا عند محاذاته وهو يؤيد كلام النووي انتهى. فهؤلاء من أئمة الشافعية أنكروا هذه الكيفية وأنكروا استحبابها بل جعلوها مكروهة وممنوعة. وأما اشتراط أن يمر بجميع بدنه على جميع الحجر فقد اعترض عليه في ذلك بأنه صرح في الروضة وأصلها بأنه يكفي أن يحاذي بجميع بدنه بعض الحجر قال: وينبغي أن يمر بجميع بدنه على جميع الحجر. وقال في شرح المهذب: إنه المذهب. وأما المالكية فليس في كلامهم تعرض للكيفية المذكورة بل الواقع في كلامه أنهم يقولون يستلم الحجر ثم يجعل البيت على يساره. بل في كلام القاضي سند في الطراز ما يقتضي أنها غير مطلوبة فإنه قال: يبدأ في الطواف من الحجر الاسود فيستقبل الحجر بجميعه لما روي عن ابن عمر أن النبي (ص) لما دخل المسجد استقبل الحجر واستلمه، والاحسن أن يأتي عن يمين الحجر ويحاذي بيساره يمين الحجر ثم يقبله ويضعه على يساره ويطوف على يده اليمنى، ولو حاذى بعضه أجزأه لانه منه بدأ، فإذا انتهى إلى ذلك الموضع كان شوطا وزعم بعض أصحاب الشافعي أنه لا يجزئه ذلك الشوط حتى يستقبل جميع الحجر عن يمينه لانه ما لزمه استقباله لزمه بجميع بدنه كالقبلة. وما قلناه أبين لان الواجب طواف بالبيت وموضع البداءة الحجر وقد بدأ منه ويخالف القبلة فإن عليه أن لا يستقبل غيرها، ولانه في البيت أيضا لا يستقبل جميعه في الصلاة وإنما يستقبل بعضه وكذا يجزئه من الحجر بعضه انتهى. قال ابن فرحون بعد أن ذكر كلام ابن معلى: وهذا من الحرج الذي لا يلزم، والمذهب مبني على عدم هذا التحديد ومراعاة هذه الكيفيات والمراعى أن يبتدئ من الحجر الاسود ويحتاط في ابتداء الشوط الاول بحيث يكون ابتداؤه من الحجر الاسود انتهى. وقد صرح سند بأن البداءة من الحجر ليست شرطا عندنا بل هي مما يجبر بالدم، بل صرحوا بأنه لو بدأ من بين الحجر والباب أنه يسير ويجزئه والله أعلم. ولا يقال قوله في الطراز يستقبل الحجر بجميعه معارض لقوله بعد والاحسن أن يأتي من يمين الحجر ويحاذي يساره بيمين الحجر لانا نقول: المراد أنه يستقبل الحجر بجميع بدنه وتكون يده اليسرى محاذية ليمين الحجر ثم يقبله ويمشي على جهة يده اليمنى والله أعلم. الثالث: ذكر الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في ابتداء الطواف أمرا لا يحتاج إليه بل هو مشو ش على كثير من الناس ويوجب لهم الوسواس وربما حصل منه إذا فعلوه تشويش على الطائفين ونصه: وليحذر مما يفعله بعضهم وهو أن يأتي الحجر فيقبله ثم يأخذ في

[ 94 ]

الطواف وبعض الحجر خلفه، وإذا فعل ذلك لم يستكمل الطواف بالبيت سبعة أشواط بل ستة، فإذا كان في طواف القدوم وجب عليه دم، وإن كان في طواف الافاضة بطل طوافه ووجب عليه القضاء من قابل وهو باق على إحرامه فيلزمه في كل ما يقع له مما يخالف إحرامه ما ذكره العلماء في ذلك. وهذا إذا لم يمكنه التدارك وكيفية ميفعله حتى يسلم مما ذكر هو أن يمشي ثلاث خطوات أو نحوها من ناحية الركن اليماني ثم يرد البيت على يساره ثم يأخذ في الطواف فيكون على يقين من إكماله، ومثل ذلك يفعل في الشوط الاخير يمشي فيه حتى يترك الحجر خلفه بخطوتين أو ثلاث لكي يوقن ببراءة ذمته انتهى. قلت: وهذا غير لازم لانه قد تقدم أنه إذا ابتدأ من أي ناحية من الحجر أجزأه إذا تم الشوط السابع إلى الموضع الذي ابتدأ منه، بل لو ابتدأ من بين الركن والباب فقد تقدم أنه يجزئه إذا أتم إليه. فإن كان مراد صاحب المدخل أنه إذا ابتدأ من وسط الحجر الاسود أو من جانبه الذي يلي البيت ثم أتم الطواف إلى طرفه الذي يلي الركن اليماني، فما قاله من عدم صحة الطواف صحيح ولكنه لا يحتاج إلى ذكره من الرجوع إلى جهة الركن اليماني بثلاث خطوات أو نحوها، ولان ذلك ربما آذى الطائفين وشوش عليهم وتقدم بيان ما يفعله في ابتداء الطواف. وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: ينبغي أن يحتاط عند ابتدائه الطواف بأن يقف قبل الركن بقليل بأن يكون الحجر عن يمين موقفه ليستوعب جملته بذلك، لانه إن لم يستوعب الحجر لم يعتد بذلك الشوط الاول فليتنبه لذلك فإن كثيرا ما يقع فيه الجاهل انتهى. قلت: إن أراد أن هذا هو الاول فظاهر لكن قوله: إن لم يستوعب الحجر لم يعتد بذلك الشوط ليس بظاهر لما تقدم. الرابع: قال سند: إطلاق الاطواف مجمع عليه، وجوز مالك الاشواط، وكره الشافعي الاشواط والادوار، وقد ورد في حديث الرمل. انتهى يعني إطلاقه الاشواط. ونقل ابن فرحون عن ابن حبيب عن مجاهد أنه كره أن يقال شوط أو دور وإنما يقال طواف انتهى. وظاهر كلام صاحب الطراز أن الادوار لا تكره أيضا فإنه قال في آخر كلامه أيضا: ولا فرق بين قولك أطاف به ودار به. ولم يذكر ابن فرحون كلام صاحب الطراز والله أعلم. ص: (بالطهرين والستر) ش: الالف واللام في الطهرين والستر للعبد يشير بذلك إلى ما تقدم في الصلاة، فأما اشتراط طهارة الحدث في الطواف فهذا هو المعروف من المذهب. فمن طاف محدثا متعمدا أو جاهلا أو ناسيا لم يصح طوافه ورجع إلى ذلك من بلده على المعروف خلافا للمغيرة، وأما طهارة الخبث فعدها غير واحد من أهل المذهب من شروطه قالوا كالصلاة، ويعنون بذلك أنها واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان، وجعلها ابن عرفة شرط كمال فيه، وذكر في صحة طواف من طاف بها عامدا وإعادته أبدا قولين، وسيأتي لفظه عند قول المصنف أو علم بنجس. والظاهر

[ 95 ]

من القولين هو القول بالاعادة أبدا وهو الذي يفهم من المدونة وكلام أئمة المذهب. قال سند: إن قلنا إزالة النجاسة شرط في الصلاة على الاطلاق فكذلك في الطواف، وإن قلنا شرط مع الذكر فكذلك في الطواف أيضا، وإن قلنا ليست بشرط بحال فكذلك أيضا انتهى. وأما من طاف بها ناسيا فإن ذكر في أثناء الطواف فسيأتي في كلام المصنف أنه يطرحها ويبني، وسيأتي الكلام على ذلك. وإن ذكر بعد فراغه من الطواف وقبل ركعتين فإنه لا يفيد الطواف عند ابن القاسم قال: لانه بمنزلة من صلى بنجاسة ثم رآها بعد خروج الوقت قال: ويقلع الثوب ويصلي الركعتين بثوب طاهر. هكذا نقل ابن يونس وابن رشد في سماع أشهب والمصنف وغيرهم عن ابن القاسم. وقال ابن عرفة: فإن ذكرها بعده نقبل ركعتيه فقال ابن رشد: ابتدأه. فظاهره أن ابن رشد ذكره على أنه المذهب وليس كذلك وإنما قال بعد أن ذكر كلام ابن القاسم: والقياس أن يستأنف. وقال أشهب: يعيد الطواف والسعي فيما قرب إن كان واجبا وإن تباعد فلا شئ عليه ويهدي وليس بواجب. وإن ذكر بعد فراغه من الركعتين فسيأتي في كلام المصنف أنه يعيدهما بالقرب، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله. وقد فرع أهل المذهب الكلام على الطهرين، وأما الستر فلم يذكروا من فروعه إلا القليل. قال ابن فرحون في مناسكه: الثالث ستر العورة، وحكمه أيضا في الطواف حكم الطهارة وحكم من صلى بثوب نجس أو طاف به انتهى. وذكر ابن معلى في منسكه عن النووي أن المرأة المكشوفة إذا طافت وهي مكشوفة الرجل أو شئ منها أو شعر رأسها لم يصح طوافها، وإن طافت كذلك ورجعت فقد رجعت بلا حج ولا عمرة. قال ابن معلى: وظاهر مذهبنا في هذه المسألة صحة حجها لان مالكا قال في المدونة: إذا صلت الحرة بادية الشعر أو الوجه أو الصدر أو ظهور قدمين أعادت في الوقت، والاعادة إنما هي من باب الاستحباب، نعم إن كانت بمكة أو حيث يمكنها الاعادة فلتعد على جهة الاستحباب انتهى. قلت: والظاهر أنها لا يستحب لها الاعادة ولو كانت بمكة لان بالفراغ من الطواف خرج وقته كما تقدم فيمن طاف بنجاسة ناسيا فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال ابن فرحون إثر قول ابن الحاجب: من واجبات الطواف شروط الصلاة إلا الكلام. مقتضاه أنه لا يجوز أن يشرب فيه لانه لم يستثن من شروط الصلاة إلا الكلام وقد أجازوه إذا اضطر إلى ذلك انتهى. ومفهومه أنه لا يجوز إذا لم يضطر ذلك وليس كذلك. قال في الجلاب: ولا يتحدث مع أحد في طوافه ولا يأكل ولا يشرب في أضعافه. قال التلمساني في أثناء شرحه: ويكره أن يشرب الماء إلا أن يضطره العطش فحمل قوله لا يشرب على الكراهة ولم يتعرض للاكل والظاهر أنه مثله والله أعلم. ص: (وبطل بحدث بناء) ش: يعني

[ 96 ]

أن طهارة الحدث شرط في ابتداء الطواف ودوامه، فمن أحدث في أثناء طوافه فقد بطل طوافه ولا يجوز له البناء على ما مضى منه إذا تطهر ولو كان قريبا، وسواء كان حدثه غلبة أو سهوا أو عمدا ؟ وسواء كان الطواف واجبا أو تطوعا، فإن كان الطواف واجبا توضأ واستأنفه، وإن كان تطوعا لم يكن عليه اعادته إلا أن يتعمد الحدث، فإن توضأ وبنى على ما طافه فهو كمن لم يطف. هكذ قال ابن القاسم. وقال ابن حبيب عن مالك: إذا أحدث في الطواف فليتوضأ ويبني. قال ابن يونس: ورواية ابن حبيب هذه ضعيفة. وظاهر كلام ابن يونس أن له أن يفعل ذلك ابتداء على رواية ابن حبيب، وظاهر كلام ابن الحاجب أن خلاف ابن حبيب إنما هو بعد الوقوع وهذا هو الظاهر. وقد نص ابن حبيب في الواضحة على أنه إذا انتقض وضوؤه وهو يطوف أنه يقطع ويبتدئ الطواف من أوله إن كان واجبا وهو مخير في التطوع. ونقل المصنف في التوضيح عن صاحب النوادر والباجي أنهما نقلا عن ابن حبيب أنه قال: إن انتقض وضوؤه قبل ركعتين ابتدأ الطواف إن كان واجبا وهو مخير في التطوع انتهى. فإذا كان يبتدئه إذا انتقض وضوؤه قبل الركعتين فأحرى أن يبتدئه إذا انتقض في أثنائه، ولم أقف في مختصر الواضحة على حكم ما إذا لم يقطع ويبني والله أعلم. تنبيهات: الاول: لم يذكر المصنف حكم من انتقض وضوؤه قبل أن يصلي الركعتين والحكم فيه أن يتوضأ ويعيد الطواف، فأتوضأ وصلى الركعتين وسعى فإنه يعيد الطواف والركعتين والسعي ما دام بمكة أو قريبا منها، فإن تباعد من مكة فليركعهما بموضعه ويبعث بهدي. قال ابن المواز: لا تجزئه الركعتان الاوليان. انتهى من ابن يونس. الثاني: إذا قلنا لا يجوز للمحدث البناء فجاء وبنى على ما طاف أولا ثم علم أنه لا يصح له البناء على ما قبل الحدث، فالظاهر أن له أن يبني على ما طافه الآن ويكمل سبعة أشواط ويجزئه، وكذا أيضا من شرع في سبع فطاف بعضه فلما وصل للحجر الاسود في بعض الاشواط ظن أنه قد أكمله فنوى سبعا آخر ثم تذكر، فالظاهر أنه يبني على ما طافه أولا إن كان الطواف نافلة. ومثله أيضا لو غفل من الاول بالكلية ولم يخطر بباله إكماله ولا عدمه غير أنه لما وصل إلى الحجر الاسود ظن أنه كما جاء ليبتدئ الطواف فنوى حينئذ طواف سبع ثم تذكر بعد ذلك، فالظاهر أنه يبني هنا أيضا، على ما طافه أولا ويكمل سبعة أشواط ويجزئه إن كان الطواف نافلة، وأما إن كان الطواف الاول فريضة والذي نواه نافلة فالامر محتمل والاحوط أنه يبتدئ الطواف. وقد قال في الطراز في شرح المسألة الثامنة عشر في باب حكم منى والرمي: لو اعتقد شخص أنه في الشوط السابع ثم تبين له أنه الخامس أنه يتم على ذلك ولا يقول أحد إنه يعيد انتهى والله أعلم. الثالث: وقع في كلام الشارح هنا في الكبير والوسط بعد أن ذكر المشهور وذكر عن

[ 97 ]

ابن حبيب أنه يتوضأ ويبني ما نصه: وكذلك إذا أحدث في السعي وظاهره أنه تشبيه في أصل المسألة وأن من أحدث في أثناء السعي يقطع ويبني ويبتدئ على المشهور وليس هذا مراده رحمه الله، وإنما هو راجع إلى قول ابن حبيب ومراده أن ما ذكره ابن حبيب في الطواف من الوضوء والبناء هو المذهب في السعي إذا أحدث في أثنائه ولم يقل أحد بأنه يبتدئ السعي إلا أن بين الطواف والسعي فرقا من جهة أخرى، وهو أن هذا في الطواف واجب لان الطهارة شرط في صحته وتستحب في السعي لان الطهارة ليست شرطا في صحته وإنما هي مستحبة، فلو أتم سعيه وهو محدث أجزأه، ولم يذكر الشارح في الشرح الصغير قول ابن حبيب فتقوى الاشكال في كلامه والله أعلم. الرابع: من شرع في الطواف ثم رفضه في أثنائه هل يرتفض ويبطل كالصلاة أو لا يبطل بالرفض كالحج والعمرة والوضوء ؟ لم أقف الآن على نص في المسألة فليتأمل ذلك والله أعلم. ص: (وجعل البيت عن يساره) ش: يعني أن من واجبات الطواف وشروطه أن يجعل البيت على يساره فلو طاف وجعل البيت على يمينه أو طاف ووجهه إلى البيت أو ظهره لم يجز طوافه وهو كمن لم يطف فيرجع لذلك من بلده، وهو مذهب مالك والشافعي وابن حنبل، لانه (ص) طاف كذلك وقال: خذوا عني مناسككم. وقال أبو حنيفة: إن ذلك سنة، من تركه صح طوافه ويعيد ما دام بمكة فإن خرج إلى بلده لزمه دم. هكذا نقل عنه في الطراز. فإن قيل: فلم جعلتم الترتيب هنا واجبا وجعلتموه في الوضوء سنة ؟ فالجواب أنه هنا مطلوب إجماعا ولم ينقل أحد من الصحابة والتابعين أنه طاف منكوسا، وأما الوضوء فقد ورد عن ابن عباس أنه قال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي. هكذا نقل الشارح عن أبي الحسن الصغير. تنبيه: فلو جعل البيت عن يساره ولكنه طاف منكوسا فرجع القهقري من الحجر الاسود إلى اليماني فالظاهر أنه لا يجزئه، وكلام صاحب الطراز وغيره يدل على ذلك. فائدة: حكمة جعل الطائف البيت على يساره ليكون قلبه إلى جهة البيت. وقال في الذخيرة: فلو جعله على يمينه لم يصح ولزمته الاعادة لان جنبي باب البيت يسبتهما إليه كنسبة يمين الانسان ويساره إليفالحجر موضع اليمين لانه يقابل يسار الانسان وباب البيت وجهه، فلو جعل البيت على يمينه وعرض عن باب البيت الذي هو وجهه، ولو جعله على يساره أقبل على الباب ولا يليق بالآداب الاعراض عن وجوه إلا ماثل وتعظيم بيت الله تعظيم له انتهى.

[ 98 ]

ص: (وخروج كل البدن عن الشاذروان) ش: الشاذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وهو بناء لطيف جدا ملصق بحائط الكعبة. قاله النووي: وقال ابن رشيد في رحلته: الشاذروان لفظة عجمية هي في لسان الفرس بكسر الذال. واعلم أن المصنف مشى في كتبه كلها على أن الشاذروان من البيت معتمدا في ذلك على ما قاله صاحب الطراز وابن شاس ومن تبعهما من المتأخرين. قال صاحب الطراز في شرح قوله في المدونة: وسئل عن ممر الطائف في الحجر. فقال: قال مالك: ليس بطواف ويلغيه ويبني على ما طاف. وهذا أبين لان الطواف إنما شرع بجميع البيت إجماعا، فإذا سلك في طوافه الحجر أو على جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد بذلك، وهو قول الجمهور، لانه لم يطف بجميع الكعبة وقد حيز ذلك بالحواجز لاستكمال الطواف. وعند أبي حنيفة يجزئه انتهى. وعد ابن شاس من شروط الطواف أن يكون جميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذروانه، وتبعه على ذلك القرافي في الذخيرة وابن جزي في قوانينه، وابن جماعة التونسي وابن الحاجب وابن عبد السلام وابن هارون في شرح المدونة، وابن راشد في اللباب، وأظن أنهما وافقاعلى ذلك في شرحيهما على ابن الحاجب لانهما لو خالفا لنقل ذلك عنهم المصنف وابن فرحون. ونقل ابن عرفة كلام ابن شاس وقبله ولم يتعقبه مع كثرة تعقبه له فيما لا يكون موافقا لنقول المذهب، بل جزم في فصل الاستقبال بأنه من البيت وتبعه على ذلك الابي. وممن تبع ابن شاس ابن معلى والتادلي وغيرهما وهذا هو المعتمد عند الشافعية. وقد أنكر جماعة من العلماء المتأخرين من المالكية والشافعية كون الشاذروان من البيت، فمن المالكية العلامة الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة بعدها ياء تصغير ذكر ذلك في رحلته وبالغ في إنكاره. وقال: لا توجد هذه التسمية ولا ذكر مسماها في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن صحابي ولا عن أحد من السلف فيما علمت ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيين المتقدمين والمتأخرين إلا ما وقع في جواهر ابن شاس وتبعه ابن الحاجب، ولا شك أن ذلك منقول من كتب الشافعية، وأقدم من ذكره فيما وقفت عليه المزني ووقع لها ذكر مقتطف في كتاب الصريح من شرح الصحيح للقاضي أبي بكر بن العربي من غير تعرض لبيان حكم وهو أقدم من ابن شاس قال: شاهدت الكعبة في سنة تسع وثمانين وأربعمائة مكشوفة لم تستر ذلك العام لامر بيناه في كتاب ترتيب الرحلة فتأملتها مرارا وقست خارجها والحجر والشاذروان. ثم قال: ولنرجع إلى الكلام على هذه المسألة فنقول: انعقد إجماع أهل العلم قبل طرو هذا الاسم الفارسي على أن البيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين

[ 99 ]

اليمانيين ولذلك استلمهما النبي (ص) دون الآخرين، وعلى أن ابن الزبير لما نقض وبناه إنما زاد فيه من جهة الحجر وأنه أقامه على الاسس الظاهرة التي عاينها العدول من الصحابة وكبراء التابعين، ووقع الاتفاق على أن الحجاج لم ينقض إلا جهة الحجر خاصة. ثم نقل عن الشيخ أبي الحسن القابسي والقاضي عياض من المالكية وابن الصباغ والنووي من الشافعية التصريح بأن الركنين اليمانيين على قواعد إبراهيم. ثم نقل عن أبي عبيد في كتا ب المسالك والممالك أن ابن الزبير لما هدم الكعبة ألصقها بالارض من جوانبها وظهرت أسسها وأشهد الناس عليها ورفع البناء على ذلك الاساس. ثم ذكر عن ابن عبد ربه في كتابه العقد وعن ابن تيمية من الحنابلة أن الشاذروان وإنما جعل عمادا للبيت. قال: وهذا أمر لا يحتاج عندي إلى نقل والمتشكك فيه كمن شك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الامة. وممن أنكر ذلك من المالكية الامام العلامة أبو العباس القباب في شرح قواعد القاضي عياض، وسيأتي كلامه عند قول المصنف ونصب المقبل قامته. وتبع ابن رشيد والقباب على ذلك ابن فرحون في مناسكه وشرحه قال: واعلم أن ابن شاس هو المتبوع في هذه المسألة. ثم ذكر كلام ابن رشيد وزاد عليه، وسيأتي عند قول المصنف ونصب المقبل قامته شئ من كلامهما وكلام ابن جماعة الشافعي. قلت: وقول ابن رشيد وابن فرحون أن ابن شاس هو المتبوع في ذلك وأنه أقدم من ذكرها من المالكية ليس كذلك كما تقدم من كلام صاحب الطراز وهو أقدم من ابن شاس، وقول ابن رشيد أن أقدم من ذكرها من الشافعية المزني ليس كذلك، وقد نقل ابن جماعة الشافعي عن نص الشافعي في الام أنه لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد مع أن ابن جماعة ممن رجح أنه ليس من البيت. قال في منسكه الكبير: الذي يظهر لي أنه ليس من البيت كما نقله السروجي عن الحنفية واختاره جماعة من محققي العلماء. وقال ابن مسدي في منسكه: قال أبو حنيفة: الطواف على الشاذروان جائز والبيت هو الظاهر من البناء القائم، ويروى نحو ذلك عن مالك بن أنس والدليل على الاحتياط أرجح انتهى. قلت: وبالجملة فقد كثر الاضطراب في الشاذروان وصرح جماعة من الائمة المقتدى بهم بأنه من البيت فيجب على الشخص الاحتراز منه في طوافه ابتداء وأنه إن طاف وبعض بدنه في هوائه أنه يعيد ما دام بمكة، فإن لم يتذكر ذلك حتى بعد عن مكة فينبغي أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة لمن يقول إنه ليس من البيت والله أعلم. تنبيه: ذكر المحب الطبري عن الازرقي أن عرض الشاذروان ذراع. قال: وقد نقص عما ذكره الازرقي في الجهات قال: فتجب إعادته ويجب أن يحترز من ذلك الزائد وألف في ذلك تأليفا سماه (استقصاء البيان في مسألة الشاذروان) نحو نصف الكراس هذا ملخصه والله أعلم.

[ 100 ]

ص: (وستة أذرع من الحجر) ش: يعني أن من شرط صحة الطواف أن يخرج الطائف بجميع بدنه عن مقدار ستة أذرع من الحجر، لان ذلك من البيت كما ورد ذلك في الحديث الصحيح. والحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم. هذا هو الصواب المعروف. قال النووي: وحكى بعضهم فتح الحاء. وسمى حجرا لاستدارته وهو محوط مدور على صورة نصف دائرة خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام. ويقال له الجدر - بفتح الجيم وسكون الدال المهملة - وهو من وضع الخليل عليه الصلاة والسلام وعلى ما ذكره الازرقي في خبر رواه عن أبي إسحاق قال: وجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجر إلى جانب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز وكان زربا لغنم إسماعيل عليه الصلاة والسلام. ثم إن قريشا أدخلت فيه أذرعا من الكعبة كما سيأتي. وقول المصنف ستة أذرع بإثبات التاء في العدد لان الذراع تذكر وتؤنث. قال في الصحاح: ذراع اليد يذكر ويؤنث. وتبع المصنف رحمه الله في التقييد بستة أذرع اللخمي وإن كان اللخمي لم يصرح في كتاب الحج بستة أذرع إلا أنه صرح في كتاب الصلاة بأن الذي من البيت في الحجر هو مقدار ستة أذرع، وكلامه في كتاب الحج يقتضي أن ذلك القدر هو الذي يطلب الخروج عنه في الطواف ونصه: ولا يطاف في الحجر وإن طاف فيه لم يجزه فإن الموضع الذي ينصرف الناس منه يلي البيت وهو من البيت فكأنما طاف ببعض البيت، ولو تسور من الطرف لاجزأه لانه ليس من البيت وليس بحسن له أن يفعل ذلك انتهى. وقد أسقط المصنف رحمه الله هنا وفي التوضيح والمناسك من كلام اللخمي قوله وليس بحسن أن يفعل مع أن ذلك متعين لان كلام المصنف يقتضي أنه لو فعل ذلك لم يكن فيه بأس، وكلام اللخمي يقتضي أنه ليس بحسن وغير الحسن مكروه أو خلاف الاولى. قلت: وكلام أصحابنا المتقدمين يقتضي أنه لا يصح الطواف إلا من وراء الحجر جميعه. قال في المدونة: ولا يعتد بما طاف في داخل الحجر ويبني على ما طاف خارجا منه، وإن لم يذكر حتى ترجع إلى بلده فليرجع وهو كمن لم يطف. قال صاحب الطراز في شرح هذه المسألة: لان الطواف إنما شرع بجميع البيت إجماعا، فإذا سلك في طوافه الحجر أو على جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد بذلك، وهو قول الجمهور انتهى. فصرح بأنه إذا طاف على جدار الحجر أنه لا يعتد بذلك. وقد تقدم كلامه في شرح مسألة الشاذروان. وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة: ولا يجزئ الطواف داخل الحجر خلافا لابي حنيفة لقوله (ص): الحجر من البيت وإذا ثبت أنه من البيت لم يجز أن يطوف فيه لقوله تعالى * (وليطوفوا بالبيت

[ 101 ]

العتيق) * وذلك يقتضي استيفاء جميعه ولانه (ص) طاف خارج الحجر وقال: خذوا عني مناسككم. واعتبارا بالطوا ف داخل البيت انتهى. وقال في التلقين: ثم يطوف خارج الحجر. وقال ابن عسكر في عمدته: لما ذكر شروط الطواف وأن يطوف من وراء الحجر. وقال ابن بشير: ولا يجزئ الطواف في الحجر فمن طاف فيه كان بمنزلة من طاف ببعض البيت، وقال ابن شاس: الواجب الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذروانه ولا في داخل الحجر فإن بعضه من البيت. وقال ابن الحاجب لما ذكروا واجبات الطواف: الثالث أن يطوف خارجه لا في محوط الحجر ولا شاذروانه. وقال ابن جزي: الرابع أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على الشاذروان ولا على الحجر. وذكر ابن عبد السلام كلام اللخمي بتمامه وعزاه لبعض المتأخرين ويشبه أنه جعله تقييدا. وقال ابن عرفة في شروط الطواف: وكونه خارج البيت فلا يجزئ داخل الحجر. ثم ذكر مسألة من ابتدأ من غير الحجر الاسود ثم ذكر كلام اللخمي بتمامه، ولم ينبه على أنه تقييد لما قبله ولا خلاف. وقال ابن مسدي في منسكه: وأما قولنا ويطوف من وراء حجر إسماعيل فهو الاجماع. ثم اختلفوا فقال أصحاب الرأي: يطوف من وراء الحجر استحبابا. وقال جمهور العلماء بالوجوب استبراء لان بعض الحجر من البيت مقدر غير معلوم العين. ثم اتفقوا على أن من طاف ببناء البيت الظاهر ولم يدخل الحجر في طوافه أنه يعيد الطواف ما دام بمكة، ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة: ومن تبعه يعيد استحبابا. وقال جمهور العلماء: يعيد وجوبا لانه كمن لم يطف فإن لم يذكر حتى انصرف إلى بلاده فقال ابن عباس: هو كمن لم يطف، وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد ابن حنبل وإسحاق وداود وغيرهم من أهل العلم وقالوا: عليه أن يرجع من حيث كان يطوف من وراء الحجر انتهى. إذا علم ذلك فالذي يظهر من كلام أصحابنا المتقدمين أنه لا يصح الطواف في شئ من الحجر ولا على جداره. وذلك - والله أعلم - على وجهين. الاول منهما أنه قد اختلفت الروايات في الحجر فقال ابن جماعة الشافعي: قال ابن الصلاح: إن الروايات اضطربت في الحجر، ففي رواية أنه من البيت، وفي رواية ستة أذرع من الحجر، وفي أخرى ست أو نحوها، وفي رواية خمسة، ويروى قريب من تسع. وكل هذه الروايات في الصحيح فإذا طاف في شئ من الحجر يكون في شك من أداء الواجب. وفي صحيح البخاري من قول ابن عباس من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر. الثاني: أن النبي (ص) طاف بالحجر وقال: خذوا عني مناسككم. وهكذا فعل الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ومن بعدهم. قال النووي في شرح المهذب: وذلك يقتضي وجوب الطواف من خارج الحجر، سواء كان كله من البيت أو بعضه، لانه وإن كان بعضه من البيت فالمعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي (ص) فوجب الطواف بجميعه انتهى.

[ 102 ]

قلت: وهذا هو الظاهر من قول مالك في المدونة ولا يعتد بما طاف داخل الحجر لان ذلك شامل لستة أذرع ولما زاد عليها، وهو الذي يظهر من كلام أصحابنا كما تقدم. والذي قاله اللخمي رحمه الله إنما هو تفقه منه على عادته في اختياره لما يقتضيه الدليل والقياس وإن خالف المنصوص عن مالك. وقوله وليس بحسن أن يفعل ذلك يدل على ذلك والله أعلم. وبما قاله اللخمي قال جماعة من الشافعية منهم إمام الحرمين وأبوه والبغوي وصححه الرافعي، وبالقول الآخر قال جماهير الشافعية، قال النووي: وهو الصواب واحتج شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخ مكة لما قاله اللخمي والرافعي بأن أفعاله (ص) في الحج منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، فطوافه خارج الحجر ما يكون واجبا إلا بدليل ولا دليل إلا ما وقع في بعض رواية عائشة أن الحجر من البيت وهي رواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة، ويحمل طوافه (ص) خارج الحجر ليزيل عن غيره مشقة الاحتراز عن تحرير الستة أذرع ونحوها ومشقة تسور جدار الحجر حصوصا للنساء، ومثل ذلك يقال في طواف الخلفاء ومن بعدهم فيكون الطواف هكذا مطلوبا منه متأكدا لا وجوبا لعدم نهوض الدلالة على الوجوب من طوافه (ص). فإن خالف إنسان وتسور على جدار الحجر فطاف فيما ليس من الكعبة خصوصا على رواية سبعة أذرع، ففي الجزم بفساد طوافه نظر كبير مما لا ينهض عليه دليل. انتهى مختصرا وآخره باللفظ. قلت: فيما قاله رحمه الله نظر، لان أفعاله (ص) محمولة على الوجوب حتى يدل دليل على الندب لا سيما في باب الحج. قال النووي في شرح المهذب: لما تكلم على اشتراط الطهارة في الطواف ثبت في صحيح مسلم من رواية جابر أن النبي (ص) قال في آخر حجته: لتأخذوا عني مناسككم. قال أصحابنا: في الحديث دليلان: أحدهما أن طوافه (ص) بيان للطواف المجمل في القرآن. الثاني قوله (ص) لتأخذوا عني يقتضي وجوب كل ما فعله إلا ما قام دليل على عدم وجوبه انتهى. قلت: ولا سيما في الطواف الذي ثبتت فرضيته بالقرآن مجملا ولم يعلم بيانه إلا من فعل الرسول (ص) فتحمل أفعاله فيه على الوجوب إلا ما دل دليل على عدم وجوبه كاستلام الحجر والاضطباع، وقد استدل أئمة مذهبنا وغيرهم على وجوب كثير من أفعال الحج بفعله (ص) لذلك مع قوله خذوا عني مناسككم. إذا علم ذلك فالذي يظهر - والله أعلم - وجوب الطواف من وراء محوط الحجر وإن طاف داخله يعيد طوافه، ولو تسور الجدار وطاف من وراء الستة الاذرع أو السبعة وهذا ما دام بمكة، فإن عاد إلى بلاده وكان طوافه من وراء الستة الاذرع فينبغي أن لا يؤمر بالعود مراعاة لمن يقول بالاجزاء كما تقدم في مسألة الشاذروان. وقد تبع المصنف على التقييد بالستة الاذرع صاحب الشامل وغيره من المتأخرين، وقد تبعتهم في المناسك التي كنت جمعتها ثم ظهر لي الآن خلاف ذلك والله أعلم بالصواب.

[ 103 ]

تنبيهات: الاول: قوله في المدونة ويبني على ما طاف خارجا منه قال أبو إبراهيم الاعرج في طرره على التهذيب: يعني يبني على الاشواط الكاملة، وأما بعض الشوط فلا. نقله عنه التادلي وابن فرحون في منسكيهما ولم ينبه على ذلك أبو الحسن ولا صاحب الطراز ولا غيرهما من شراح المدونة فيما علمت. والظاهر أنه يبني على ما طاف خارجا عنه ولو كان بعض شوط إلا أن يريد أبو إبراهيم إذا لم يعمل بذلك في ذلك الشوط بل طاف بعده شوطا أو أشواطا ثم تذكر فإنه إنما يبني على الاشواط الكاملة وهو مراده والله أعلم. والثاني: قد تقدم في كتاب الصلاة في استقبال القبلة في الستة الاذرع قولين، وتقدم أن الظاهر من القولين والراجح منهما أنه لا يصح استقبالها. فإن قيل: لا ينبغي أن يجري الخلاف في صحة الطواف فيها على ذلك الخلاف، وإذا صححتم عدم الاستقبال فينبغي أن تصححوا الطواف فيها. قلنا: أما على ما رجحناه هنا من منع الطواف به كله فلا يرد السؤال لانا إنما منعناه لفعل الرسول الله (ص)، وأما على ما قاله اللخمي وغيره فالجواب أنه احتيط في كل من البابين فمنعوا الصلاة فيه لعدم القطع لانه من البيت، ومنعوا الطواف فيه لانه قد ثبت بحديث الصحيحين أنه من البيت. الثالث: قال القاضي تقي الدين الفاسي: سعة فتحة الحجر الشرقية يعني التي تلي المقام خمسة أذرع، وكذلك سعة الغربية بزيادة القيراط وذلك بذراع الحديد. وذكر ابن جبير في رحلته أن سعة فتحة الحجر ستة أذرع بذراع اليد وقد ذرعت ذلك فرأيته قريبا من ذلك والله أعلم. ص: (ونصب المقبل قامته) ش: هذه الدقيقة التي نبه عليها النووي وغيره من متأخري الشافعية وبنوه على أن الشاذروان من البيت. قال النووي في إيضاحه: وينبغي أن ينتبه هنا لدقيقة وهي أن من قبل الحجر الاسود فرأسه في حال التقبيل في جزء من البيت فيلزمه أن يثبت قدمه في موضعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما لانه لو زالت قدماه عن موضعهما إلى جهة الباب قليلا ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي زالتا إليه ومضى من هناك، لكان قد قطع جزءا من طوافه ويده في هواء الشاذروان فتبطل طوفته تلك انتهى. ونقله ابن معلى ثم نقل عن غير النووي من الشافعية أنه ينبغي للطائف أن يحترز في حال استلامه الحجر والركن اليماني من هذا الشاذروان، لانه إن طاف ويده ورأسه في هواء الشاذروان أو وطئه برجله لم يصح طوافه،. فالواجب على الطائف أن يثبت قدميه حتى يفرغ من تقبيله ويعتدل قائما ثم يمشي. قال: وهذه من الدقائق النفيسة وكثير من الناس يرجعون بلا حج بسبب الجهل بما قلناه. قال ابن معلى بعد نقله هذا الكلام: قلت: وقد نبه المتأخرون من المالكية على التحفظ من الشاذروان كابن الحاجب وغيره. وأما هذه الدقيقة التي حذرت الشافعية منها وبالغت في الايضاح على التنبيه عليها فلم أر أحدا من المالكية نبه عليها غير شيخنا الفقيه المحقق أبي يحيى بن جماعة فقال في كتابه المسمى

[ 104 ]

بتذكرة المبتدي ما نصه: وإذا قبل الطائف الحجر وقف حتى يعتدل قائما وحينئذ يأخذ في السير. قال ابن معلى: فيجب التحفظ من ذلك عند التقبيل. انتهى كلامه ونقله التادلي أيضا وقبله، ونقل ابن فرحون في مناسكه وشرحه كلام التادلي وجعل قول ابن معلى. وقد نبه المتأخرون من المالكية على قوله إلا شيخنا الفقيه المحقق من كلام التادلي وكأنه لم يقف على كلام ابن معلى في منسكه فظن أنه من كلام التادلي، وقد أشار المصنف إلى ما ذكره ابن معلى والتادلي في مناسكه وتوضيحه. قال في منسكه: ولكون الشاذروان من البيت قالوا: ينتبه عند تقبيل الحجر إلى نكتة وهو أنه لا يطوف وهو مطأطئ الرأس بل يثبت قدميه ثم يرجع ويطو ف، لانه إن طاف مطأطئ الرأس يكون قد طاف بعض الطواف وبعضه في البيت انتهى. وقول المصنف في المناسك ثم يرجع أي يرجع قائما وليس مراده يرجع إلى جهة خلفه كما يفعله بعض الناس فيؤذي الطائفين بذلك كما يأتي في كلام ابن جماعة الشافعي ويبين ذلك كلام المصنف في توضيحه. قال: قال بعضهم: إذا قبل الحجر فليثبت قدميه ثم يرجع قائما كما كان ولا يجوز أن يقبله ثم يمشي وهو مطأطئ الرأس لئلا يحصل بعض الطواف وليس جميع بدنه خارجا عن البيت انتهى. قلت: والذي يقتضيه كلام المصنف ومن نبه على هذه الدقيقة من المالكية أن من لم ينتبه لها وطا ف ورأسه أو يده في هواء الشاذروان أن طوافه ذلك لا يصح، فإن تنبه لذلك بالقر ب عاد ومشى ذلك القدر، وإن أكمل الاسبوع فيبطل ذلك الشوط ويصير حكمه حكم من ترك جزءا من طوافه. قلت: وينبغي أن يلاحظ في ذلك ما ذكرناه في الكلام على الشاذروان، وأن من لم ينتبه لذلك حتى بعد عن مكة أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة للخلاف في الشاذروان والله أعلم. تنبيه: قال ابن رشيد في رحلته لما ذكر هذه الدقيقة: فهذه الدقيقة تغيب عن الصحابة ومن بعدهم فلا يتنبه أحد لها ولا نبه حتى نبه على ذلك بعض المأخرين أن هذا لمن البعيد القصي في الغاية. وقال ابن فرحون: إن هذا لمن الامر البعيد الذي لا تسكن إليه نفس عاقل انتهى. وقال القباب: وقد حذر بعض المتأخرين من الشاذروان وذكر بعض كلامهم ثم قال: ولو كان كما قالوا الحذر منه السلف الصالح لعموم البلوى بذلك مع كثرة وقوعه. فتركهم ذكره دليل أن مثله مغتفر والتوقي منه أولى، وأما أن ذلك مبطل فبعيد انتهى. وقال ابن جماعة الشافعي: ولو كان ما ذكر الشافعية أنه ينبغي الاحتراز منه عند تقبيل الحجر معتبرا لنبه سيدنا رسول الله (ص) الصحابة عليه لكونه مما تمس الحاجة إليه، ولم ينقل أنه (ص) نبه على ذلك بقول ولا فعل ولا الخلفاء الراشدون ولا الصحابة رضي الله عنهم من توفر الدواعي على النقل، وليت من يعتبر ذلك يقف عند ما قالوه بل يزيد بعض المتنطعين منهم فيتأخر خطوة أو أكثر منها إلى جهة ورائه بعد تقبيل الحجر فربما آذى من خلفه بتأخره فليحذر من ذلك والله أعلم.

[ 105 ]

ص: (داخل المسجد) ش: منصوب على الحال من الطواف، والمعنى أن من شروط الطواف أن يكون داخل المسجد فلو طاف خارجه لم يجزه. ابن رشد: ولا خلا ف في ذلك. قلت: ومثله - والله أعلم - من طاف على سطح المسجد وهذا ظاهر ولم أره منصوصا. وصرح الشافعية والحنفية بأنه يجوز الطواف على سطح المسجد ولم يتعرض لذلك الحنابلة والله أعلم. ص: (وولاء) ش: يعني أن من شروط الطوا ف الموالاة. قال ابن بشير: ولا يفرق بين أجزاء الطواف فإن فعل ابتدأ إلا أن يفرق لضرورة كصلاة الفرض تقام عليه وهو في الطواف انتهى. وهذا في التفريق الكثير، وأما في التفريق اليسير فقد صرح اللخمي بأنه مغتفر. قال: ويوالي بين الطوا ف والركوع والسعي، فإن فرق الطواف متعمدا لم يجزه إلا أن يكون ذلك التفريق يسير، أو يكون لعذر وهو على طهارة فإن انتقضت طهارته توضأ واستأنف الطواف من أوله، سواء انتقضت طهارته تعمدا أو غلبة انتهى. وصرح صاحب الطراز أيضا بأن التفريق اليسير لا يفسد الطواف ونصه: الطائف يخرج للمكتوبة عند الجميع لان الطواف لا يفسد بالتفريق اليسير سيما إذا كان لعذر انتهى. ثم قال لما ذكر قول أشهب: إنه يبني إذا صلى على جنازة وجهه أنه عبادة لا يفسدها التفريق اليسير مع الذكر في حال فلا ينافيها. ووجه قول ابن القاسم أنه لا يبني لانه قطعه لفعل لم يتعين عليه وجوبه فامتنع عليه بناؤه انتهى. فعلم منه أنه إنما امتنع البناء عند ابن القاسم إذا صلى على الجنازة لانه أتى بفعل آخر غير ما هو فيه لانه فصل طويل وقال بعد ذلك فيما إذا خرج لنفقة نسيها روى ابن القاسم يتبدئ ولم يفصل هل طال أو قصر. وعلى قول أشهب إن لم يطل بنى وهو أعذر من الذي خرج للجنازة. والقيا س أنه يبني في سير التفريق من غير تفصيل لكن يكره منه ما لا يكون لعذر وحاجة، ويستحب في ذلك أن يبتدئ أي ولم يجز فيه التفريق اليسير مع الذكر لما جاوزه للفريضة لانه إنما خرج لفضيلة الجماعة والجماعة ليست بفرض فيجري في يسير التفريق في العمد على حكم الطهارة لا على حكم الصلاة. وقال مالك في الموازية: لا بأس بشرب الماء في الطواف لمن يصيبه ظمأ انتهى. قلت: الظاهر أن قولهم يبتدئ إذا خرج لنفقة نسيها إنما يريدون إذا خرج من المسجد، وأما من نسي نفقة أو شيئا في طرف المسجد فخرج من الطواف وأخذه فلا يبطل بذلك طوافه. وقد تقدم عند قول المصنف سبعا ما يدل على ذلك، وكذلك من وقف في الطواف لحظة لم يبطل بذلك طوافه. قال ابن حبيب: الوقوف للحديث في السعي والطواف أشد منه

[ 106 ]

بغير وقوف وهو في الطواف الواجب أشد. انتهى من التادلي. فعلم من كلام صاحب الطراز أن التفريق اليسير لا يبطل به الطواف ولو كان لغير عذر والله سبحانه أعلم. ص: (وابتدأ إن قطع الجنازة ونفقة) ش: يعني أن من قطع طوافه وصلى على جنازة أو قطعه لطلب نفقة فإنه يبتدئ الطواف من أوله، وسواء كان ذلك الطواف واجبا أو تطوعا، والمصنف رحمه الله إنما تكلم هنا على الحكم بعد الوقوع ولم يذكر حكم قطع الطواف لذلك. أما الجنازة فلا شك في المنع من القطع لها على المشهور. قال في مناسكه: ولا يقطع لجنازة خلافا فالاشهب. وقال في توضيحه: الخلاف في البناء لا في القطع لانه لا يقع للجنازة ابتداء، ولم أر في ذلك خلافا انتهى. وانظر لو تعينت الجنازة وخشي على الميت التغير فالظاهر حينئذ القطع. وفي كلام صاحب الطراز إشارة إلى ذلك وتقدم كلامه عند قول المصنف وولاء، وفي كلام أبي الحسن الصغير أيضا إشارة إلى أن ذلك إنما هو من حيث لم يتعين. وإذا قلنيقطع إذا تعينت فالظاهر أنه حينئذ يبني أيضا على قول ابن القاسم والله أعلم. وأما القطع لنفقة إذا نسيها فقال في التوضيح: قد علمت أن مذهب المدونة عدم الخروج للنفقة لقوله ولا يخرج إلا لصلاة الفريضة وأن القول فيها بالبناء مخرج على قول أشهب في الجنازة. ولو قالوا بجواز الخروج للنفقة لكان أظهر كما أجازوا قطع الصلاة لمن أخذ له مال له بال وهذا أشد حرمة، وجعله ابن عبد السلام الخلاف في القطع وليس بظاهر اه‍. وجزم في مناسكه بما بحثه في توضيحه فقال: ويقطع إذا نسي نفقته كما في الصلاة لكن لا يبني على المشهور في مناسكه بما بحثه في توضيحه فقال: ويقطع إذا نسي نفقته كما في الصلاة لكن لا يبني على المشهور انتهى وهو الظاهر والله أعلم. ثم القطع فيمن خرج للنفقة إنما هو - والله أعلم - إذا خرج من المسجد كما نبهت على ذلك عند قول المصنف وولاء. ص: (أو نسي بعضه إن فرغ سعيه) ش: يريد وطال الامر بعد فراغه من السعي أو انتقض وضوؤه، وأما إن تذكر بإثر فراغه من السعي ولم ينتقض وضوؤه فإنه يبني على ما طافه على المشهور وهو مذهب المدونة، وقد نبه على ذلك الشارح. وعبارة ابن الحاجب كعبارة المصنف واعترضها في التوضيح بما ذكرنا ونصه في قول ابن الحاجب: فإن كمل سعيه ابتدأ الطواف على المشهور نظر لانه يقتضي أن المشهور إذا ذكر بمجرد الفراغ من سعيه أنه يبتدئ. والذي في المدونة أنه إنما يبتدئ إذا طال أمره بعد إكمال سعيه أو انتقض وضوؤه انتهى.

[ 107 ]

تنبيه: قال سند: إن قيل كيف يبني بعد فراغ السعي وهذا تفريق كثير يمنع مثله البناء في الصلاة ؟ قلنا: لما كان السعي مرتبطا بالطواف حتى لا يصح دونه جرى معه مثل مجرى الصلاة الواحدة، فمن ترك سجدة من الاولى ثم قرأ في الثانية البقرة عاد إلى سجود الاولى وإنما يراعى القرب من البعد للحالة التي فرغ فيها من السعي، فإن قرب منها بنى، وإن بعد ابتدأ ويرجع ذلك إلى العرف. انتهى باختصار. قلت: فإذا كان الطواف لا سعي بعده كطواف الافاضة والوداع والتطوع فيراعى القرب والبعد من فراغه من الطواف فتأمله والله أعلم. ص: (وقطعه للفريضة) ش: ظاهره وجوب القطع للفريضة وهو كذلك. قال في التوضيح: ظاهر كلام ابن الحاجب أنه مخير وكلامهم يقتضي وجوب القطع لقول الابهري في تعليل البناء: إذا قطع للفريضة لان الطواف بالبيت صلاة ولا يجوز لمن في المسجد أن يصلي بغير صلاة الامام المؤتم به إذا كان يصلي المكتوبة لان في ذلك خلافا عليه، وكذلك قال صاحب البيان وهو مقتضى العتبية، وهكذا أشار ابن عبد السلام إلى أن ظاهر نصوصهم وجوب القطع انتهى. وقال ابن عرفة: ظاهر سماع القرينين يقطعه لاقامة الفرض. قال ابن رشد: اتفاقا أمره بالقطع لا تخييره. وقول ابن الجلاب لا بأس بقطعه يقتضي تخييره انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل كلام الجلاب وابن الحاجب على أن المراد نفي توهم قطع هذه العبادة لعبادة أخرى فتتفق النقول وقد أشار إلى ذلك ابن فرحون والله أعلم. تنبيهات: الاول: قوله قطعه الضمير للطواف سواء كان فريضة أو نافلة فيقطعه لاقامة الصلاة الفريضة ولا يقطع الطواف الفرض لغير الفريضة. فلو كان في طواف واجب وخشي أن تقام صلاة الصبح وتفوته ركعتا الفجر لم يقطع الطواف لذلك. نعم استخف في سماع أشهب أن يقطع الطواف التطوع إذا خاف أن تفوته ركعتا الفجر فيصلي الفجر ثم يبني على طوافه، وسيأتي في التنبيه الثاني كلام ابن رشد في ذلك. الثاني: هذا الفعل مأمور به عند الوقوع، وأما ابتداء فالاولى بالشخص أنه لا يشرع في الطواف إذا خاف أن تقام الصلاة، وكذلك إذا خا ف أن تفوته ركعتا الفجر. قال ابن رشد في سماع أشهب: الطواف بالبيت صلاة إلا أنه ابيح فيه الكلام والشغل اليسير فلا يصح لاحد أن يترك طوافه الواجب لشئ إلا للصلاة الفريضة واستخف له أن يترك طوافه النافلة، وإن كان الاختيار له أن لا يفعل شيئا من ذلك فلا ينبغي للرجل أن يدخل في الطواف إذا خشي أن تقام الصلاة قبل أن يفر من طوافه ولا أن يدخل في طواف التطوع إذا خشي أن تفوته ركعتا الفجر إن أكمل طوافه. انتهى ونقله عنه التادلي وغيره.

[ 108 ]

الثالث: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: هذا إذا لم يكن الطائف صلى تلك الصلاة، أما لو صلى في بيته ثم أتى المسجد فدخل الطواف فقال ابن الماجشون: له أن لا يقطع ويعتد بصلاته التي في بيته. حكاه ابن حبيب في مختصر الواضحة عنه انتهى. قلت: ليس كلامه في مختصر الواضحة صريحا فيما ذكره فإنه لما ذكر مسألة من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف قال: يقطع ولم يذكر هذا التقييد. ثم قال في ترجمة غائب الطواف واستلام الركن ما نصه: وسألته عمن صلى العصر في بيته بمكة ثم جاء المسجد فطاف وذلك قبل أن يصلي الامام تلك الصلاة. فقال: لا يركع الركعتين حتى تغرب الشمس. قلت: لم وهو يصلي مع الامام ؟ قال: ألا ترى أنه لو شاء ترك الامام وكانت صلاته هي التي صلى في بيته انتهى. قلت: فقوله إن شاء ترك الامام يعني قبل أن تقام الصلاة، وأما إذا أقيمت عليه الصلاة فإنه يجب عليه أن يصليها مع الامام كما تقدم ذلك في باب صلاة الجماعة، فالظاهر أنه لا فرق في وجوب القطع بين أن يكوصلى تلك الصلاة أو لم يكن صلاها فتأمله والله أعلم. الرابع: قال ابن فرحون في مناسكه: إذا تقرر أنه يقطع إذا أقيمت عليه الفريضة، فهل يقطع إذا أقيمت صلاة أحد الائمة الاربعة أو المعتبر إمام المقام ؟ فالجواب أن ذلك مبني على أصل وهو هل هذه المقامات كمساجد مستقلة بأئمة راتبين، أو الامام الراتب هو إمام المقام وهو الاول وما عداه كجماعة بعد جماعة في مسجد، أو إمام راتب، فعلى الاول يقطع الطواف إذا أقيمت عليه الصلاة أحدهم، وعلى الثاني لا يقطع لغير صلاة الاول ويكون الثاني أو الثالث والرابع كرجل واحد صلى بجماعة في المسجد بعد صلاة الامام فيجب قطع الطواف لاجله، ثم ذكر فتوى جماعة من شيوخ المذهب بأن صلاتهم جائزة لا كراهة فيها إذ مقاماتهم كمساجد متعددة لامر الامام بذلك وأن غيرهم خالف في ذلك. وقال: إن الامام الراتب هو إمام المقام ولا أثر لامر الخليفة في رفع الكراهة، وقد ذكرنا في باب صلاة الجماعة كلامهم وكلام المخالف في ذلك وهو الشيخ أبو القاسم بن الحباب، وبينا أن الحق في ذلك هو ما ذكره المخالف. فإذا علم ذلك فلا يقطع لاقامة صلاة الامام الاول الذي هو الراتب على أن في تصوير القطع لغير الامام الاول بعدا لان صلاة الائمة الاربعة متصلة بعضها ببعض إلا أن يفرض أنه حصل فصل بين صلاتهم حتى شرع شخص في طواف وطاف بعده في ذلك الفصل. وأما من صلى مع الامام الاول فلا يمكن أن يقال إنه ينتظر صلاة بقية الائمة حتى يفرغوا لانه عند من يقول تجوز صلاتهم كأنهم أئمة في مساجد متعددة، فلا يقال لمن صلى مع إمام لاتتنفل ولا تطوف حتى يفرغ بقية الائمة والله سبحانه أعلم. الخامس: إذا دخل الخطيب يوم الجمعة المسجد الحرام فالظاهر أنه لا يجوز لاحد حينئذ أن يشرع في طواف لا واجب ولا تطوع. قال سند في القادم إذا دخل المسجد الحرام بدأ

[ 109 ]

بطواف القدوم إلا أن يجد الامام في صلاة الجمعة أو يجد الامام في صلاة الفرض فإنه يصليها معه ثم يطوف، وكذلك إذا خاف فوات وقت المكتوبة فإنه يصليها ثم يطوف انتهى. فقوله في صلاة الجمعة ينبغي أن يحمل على أن المراد به ما يعم الصلاة والخطبة وما قبل ذلك من حين دخول الامام المسجد ومن شرع في الطواف ثم دخل الخطيب عليه وهو في أثناء الطواف فلم أر فيه نصا. والذي يظهر لي أنه يتم طوافه إلى أن يشرع الامام في الخطبة، فإن أكمل طوافه لم يركع ويؤخر الركعتين حتى يفرغ الامام من الصلاة، وإن لم يكمل طوافه قبل شروع الامام في الخطبة فإنه يقطع حينئذ والله أعلم. السادس: من ذكر في الطواف صلاة فريضة وخاف فوات وقتها، فإن كان الطواف نافلة فلا إشكال في قطعه، والظاهر أنه يبني بعد فراغه من الفريضة، وإن كان طوافه فريضة فالظاهر أن حكمه كذلك لان خوف فوات الوقت آكد من صلاة الجماعة، وقد تقدم أنه يقطعه لاقامة صلاة الجماعة فتأمله، وفي كلام الشيخ أبي الحسن الصغير إشارة إلى ذلك والله أعلم. ص: (وندب كمال الشوط) ش: يعني أنه يستحب للطائف إذا خرج للفريضة أن يخرج على تمام شوط وهو إذا بلغ الحجر الاسود. قاله في الطراز ونقله المصنف في التوضيح ونقله غيره وظاهر كلامهم أنه يستحب إتمام الشوط ولو أحرم الامام وهو ظاهر. وقوله في الجلاب لا بأس أن يطوف بعد إقامة الصلاة شوطا أو شوطين قبل الاحرام بالصلاة، يريد بالنسبة إلى الاشواط الكاملة فلا يبتدئ بعد الاحرام في شوط إذا أكمل الشوط الذي هو فيه. فرع: فإن خرج قبل كمال الشوط فقال في التوضيح: ظاهر المدونة والموازية أنه يبني من حيث قطع. واستحب ابن حبيب أن يبتدئ ذلك الشوط انتهى. قلت: وينبغي أن يحمل كلام ابن حبيب على الوفاق وهو ظاهر كلامه في الطراز. فرع: إذا خرج للفريضة فإنه يبني قبل أن يتنفل. قاله في الموازية. قال ابن الحاج: فإن تنفل قبل أن يتم طوافه ابتدأه ونقله ابن فرحون في مناسكه. قلت: وكذا لو جلس بعد الصلاة جلوسا طويلا لذكر أو حديث فإنه يستأنف الطواف لترك الموالاة والله أعلم. ص: (وبنى إن رعف) ش: يعني أن من رعف في الطواف فإنه يخرج لغسل الدم، فإذا غسل الدم رجع وبنى على طوافه ولم يشترطوا فيه الشروط المذكورة في الرعاف في الصلاة. والذي يظهر أنه يشترط هنا أن لا يجاوز المكان القريب إلى مكان أبعد منه بكثير وأن لا يبعد المكان جدا.

[ 110 ]

تنبيه: قوله إن رعف الاحسن إن لو قال كان رعف بالكاف ليفيد أنه إذا قطعه للفريضة كما إرعف فإنه يبني بخلاف النسخة التي بإسقاط الكاف فإنها لا تفيد إلا أنه يبني إرعف ولا يعلم ما يفعل إذا قطعه للفريضة هل يبني أم يبتدئ ؟ والله أعلم. ص: (أو علم بنجس) ش: يعني أن من علم بنجاسة في ثوبه أو بدنه وهو في أثناء الطواف فإنه يزيلها ويبني على ما مضى من طوافه. قاله في التوضيح. ويؤخذ منه خفة أمر الطواف بالنسبة إلى الصلاة لان المذهب في الصلاة القطع انتهى. قلت: لاخفاء في خفة أمر الطواف بالنسبة إلى الصلاة فإن المذهب أن من أحدث في الصلاة قطعها ولا يجوز له البناء على رواية ابن حبيب وهو مذهب الشافعية، وما ذكره المصنف من البناء هو الذي جزم به ابن الحاجب وابن معلى في مناسكه ولم يحكيا غيره. وقال في الشامل: إنه الاصح. وحكى الشيخ ابن أبي زيد عن أشهب أنه يبتدئ الطواف. وقال أبو إسحاق التونسي في شرح المدونة: وإن ذكر في الطواف أن الثو ب الذي عليه نجس فعلى مذهب أصبغ يخلعه ويبتدئ، ويشبهه أن يبني على مذهب ابن القاسم لانه يقول: إذا فرغ من الطواف لم يعد الطواف انتهى. فلعل ابن الحاجب وابن معلى اعتمدا على ما قاله التونسي أو رأيا ما يقويه وكذلك المصنف. والذي قاله المصنف ظاهر وقد أجاز مطرف وابن الماجشون لمن علم بنجاسة في صلاته أن يطرحها ويبني، بل تقدم في كتاب الصلاة عن اللخمي وصاحب الطراز أنهما نقلا عن أشهب أنه أجاز في الصلاة لمن خرج لغسل النجاسة أن يغسلها ويبني وإن كان ذلك غريبا. ومراد المصنف أنه إذا علم بالنجاسة فطرحها من غير غسل واحتاجت إلى غسل وكان ذلك قريبا ولم يطل الفصل، وأما إن طال فيبطل الطواف لعدم الموالاة، وأنكر ابن عرفة ما ذكره ابن الحاجب من البناء ونصه: وشرط كماله - يعني الطوا ف - طهارة الخبث لسماع القرينين يكره بثوب نجس وفيها إذا ذكر أنه طاف واجبا بنجاسة لم يعده كذكره بعد وقت الصلاة. ابن رشد: القياس إن ذكرها فيه ابتدأ. ابن عرفة: حكاه الشيخ عن أشبه قال عنه وبعده أعاده والسعي إن قرب وإلا استحب هديه. وذكره عنه ابن رشد دون استحباب الهدي وقال: ليس هذا بالقياس، وقول ابن الحاجب إن ذكرها فيه لا أعرفه انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على كلام أبي إسحاق التونسي السابق والجاري على عادته في مثل هذا أن يقول لا أعرفه إلا قول فلان كذا وكذا. فرع: قال ابن عرفة: ولو طاف بها عامدا ففي صحته وإعادته أبدا قولان، أخذ ابن رشد

[ 111 ]

من سماع القرينين يكره بثوب نجس وتخريجه على الصلاة انتهى. قلت: تقدم أن الظاهر من المدونة وكلام أهل المذهب هو القول بالاعادة والله أعلم. ص: (وأعاد ركعتيه بالقرب) ش: يعني أن من طاف بنجاسة ولم يذكرها إلا بعد فراغه من الطواف وركعتيه فإنه يعيد الركعتين فقط إن كان قريبا. هكذا نقله ابن يونس وابن رشد في سماع أشهب عن ابن القاسم. وزاد قيدا آخر وهو أن لا ينتقض وضوؤه وقال: فإن انتقض وضوؤه أو طال فلا شئ عليه لزوال الوقت، ولم يبين ابن يونس وابن رشد هل إعادتهما بالقرب على جهة الوجوب أو الاستحباب. وذكر المصنف في التوضيح أن ابن القاسم يقول: يعيدهما استحبابا وأصبغ يقول بنفي الاعادة. تنبيه: لم نقف على حد القرب لاحد من أصحابنا والذي يظهر لي أن يحد بما تقدم في حد القرب الذي يجوز له فيه البناء إذا نسي بعض الطواف، وقد تقدم بيانه في قول المصنف أو نسي بعضه إن فرغ من سعيه. ص: (وعلى الاقل إن شك ش: قال ابن عرفه: وفي الموطأ: أو شك النقص كتحققه. الباجي: يحتمل أن الشك بعد تمامه غير مؤثر. وسمع ابن القاسم تخفيف مالك للشك قبول خبر رجلين طافا معه. الشيخ: وفي رواية قبول خبر رجل معه. الباجي عن الابهري: القياس إلغاء قول غيره وبناؤه على يقينه كالصلاة، وقاله عبد الحق، وفرق الباجي بأنها عبادة شرعت فيها الجماعة والطواف عبادة لم يشرع فيها الجماعة، فيعتبر قول من ليس معه فيها كالوضوء والصوم انتهى. قلت: اختصر ابن عرفة رحمه الله كلام الموطأ جدا حتى إنه قد يتوهم أنه في الشك في حال الطواف وليس كذلك ونصه: قال مالك: ومن شك في طوافه بعد أن ركع ركعتي الطواف فليعد فليتم طوافه على اليقين ثم يعيد الركعتين لانه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع انتهى. قلت: وهذا والله أعلم ما لم يستنكحه ذلك، فإن استنكحه قليله عنه وهو ظاهر، وقد قال الجزولي في باب جامع في الصلاة: الالهاء يتصور في جميع الافعال في الوضوء والصلا والغسل والعصمة وغير ذلك، والاستنكاح بلاء ودواؤه الالهاء، فمن لم يقبل الدواء فمبتدع، فتحصل من هذا أن المنصوص عن مالك أنه يبني على الاقل، سواء شك وهو في الطواف أو بعد فراغه منه، بل تقدم في شرح قول المصنف سبعا عن الموازية أنه إذا شك في إكمال طوافه بعد رجوعه لبلده أنه يرجع لذلك من بلده. فقول الباجي يحتمل أن الشك بعد تمامه غير مؤثر بحث منه مقابل للمنصوص، وكذلك قول الابهري القياس إلغاء قول غيره بحث منه والمنصوص أنه يقبل خبر من معه كما تقدم والله أعلم. ص:

[ 112 ]

(وجاز بسقائف لزحمة وإلا عاد ولم يرجع له ولا ذم) ش: يعني أن من طاف في سقائف المسجد لزحام فإن طوافه جائز، قال في المدونة: ومن طاف وراء زمزم أو سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس، وإن طاف في سقائفه بغير زحاونحوه أعاد الطواف. وقال أشهب: لا يصح الطواف في السقائف ولو لزحام وهو كالطواف من خارج المسجد. قال سحنون: ولا يمكن أن ينتهي الزحام إلى السقائف انتهى. قلت: ولم نسمع قط أن الزحام انتهى إليها بل لا يجاوز الناس محل الطواف المعتاد والله أعلم. وقوله: وإلا أعاده وإن طاف في السقائف لا لزحام بل لحر أو مطر أو نحو ذلك، فإنه لا يجزئه ويعيد طوافه ما دام بمكة، فإن رجع إلى بلده لم يرجع لاجل الطواف ولا دم عليه. أما ما ذكره من عدم وجوب الدم فهو جائز على ما نقله ابن عبد السلام عن الباجي وتبعه في التوضيح، والذي نقله ابن بشر وابن شاس وجوب الدم. قال ابن بشير: ولا يطوف من وراء زمزم ولا من وراء السقائف، فإن فعل مختارا أعاد ما دام بمكة، فإن عاد إلى بلده فهل يجزئه الهدي أو يرجع ؟ للاشياخ قولان: أحدهما الاجزاء لانه قد طاف بالبيت الثاني يرجع لانه قد طاف في غير الموضع الذي شرع فيه الطواف انتهى. وقال ابن شاس: ولا يطوف من وراء زمزم ولا من وراء السقائف، فإن فعل مختارا أعاد ما دام بمكة، فإن رجع إلى بلده فهل يجزئه الهدي أو يلزمه الرجوع ؟ قولان للمتأخرين انتهى. ونقل كلامهما في التوضيح. وقال ابن عرفة: وفيها لا بأس به من وراء زمزم لزحام وفي صحته في سقائفه له أي للزحام قولا ابن القاسم وأشهب. ولا لزحام في عدم رجوعه له من بلده قولا الشيخ وابن شبلون، وخرجهما الصقلي على قولي ابن القاسم وأشهب متمما قول الشيخ بالدم. ونقل ابن عبد السلام تفسير الباجي بعدم الدم لم أجده انتهى. وقال عبد الحق في تهذيبه: قال بعض شيوخنا من أهل بلدنا فيمن طاف في سقائف المسجد من غير زحام ورجع إلى بلده فيجزئه ولا دم في هذا، وقد ذكرنا في كتاب النكت اختلاف أبي محمد وابن شبلون هل يرجع لذلك من بلده أو على ما ذكرت عنهما انتهى. ولم يذكر في كتاب النكت عن أبي محمد سقوط الدم ولا وجوبه، وأما ابن يونس فإنه فسر كلام أبي محمد بأنه يجزئه مع الدم كما نقله عنه ابن عرفة وقال بمنزلة من طاف راكبا. ونقل أبو الحسن كلام ابن يونس ونقل عن

[ 113 ]

اللخمي أنه يجزئه وعليه دم ولم أقف على ذلك في كلام اللخمي بنفي ولا إثبات ونصه: ولا يطوف في الحجر ولا موراء زمزم ولا في سقائف المسجد. ثم قال: وإن طاف في سقائف المسجد من زحام أجزأه، وإن فعل اختيارا أو فرارا من الشمس أعاد. قال ابن القاسم في المجموعة: لا يجزئه إن كان فرارا من الشمس. قال أشهب: وهو كالطائف من خارج المسجد. وعلى قولهما لا يجزئ الطائف من وراء زمزم لانه يجول بينه وبين البيت كما حالت اسطوانات السقائف بينه وبين البيت انتهى. فلم يتعرض لعدم الرجوع فضلا عن لزوم الدم إذا علم ذلك. فما ذكره المصنف موافق لما ذكره عبد الحق في تهذيبه ولكن الظاهر وجوب الدم والله أعلم. تنبيهات: الاول: لم يذكر المصنف حكم الطواف من وراء زمزم، وجعل اللخمي حكمه حكم الطواف في السقائف وخرج على قول ابن القاسم وأشهب في الطواف فيها ونصه: ولا يطاف في الحجر ولا من وراء زمزم ولافي سقائف المسجد. ثم قال: فإن طاف في سقائف المسجد من زحام أجزأه، وإن فعل اختيارا أو فرارا من الشمس أعاد. قال ابن القاسم في المجموعة: لا يجزئه إن كافرارا من الشمس. قال أشهب: وهو كالطائف من خارج المسجد وعلى قولهما لا يجوز الطواف من وراء زمزم لانه يحول بينه وبين البيت كما حالت اسطوانات السقاءف بينه وبين البيت انتهى. ورده صاحب الطراز بأن زمزم في جهة واحدة فلا تؤثكا المقام وحفر في المطاف ونصه: وخرج بعض المتأخرين الطواف من وراء زمزم على منع أشهب في السقائف. والفرق أن زمزم في بعض الجهات عارض في طريق الطائفين فلا يؤثر في المقام وحفر في المطاف لان زمزم في حيالته كأسطوانات السقائف وليس س كذلك، فإن زمزم في جهة مخصوصة كأنه عارض عرض في بعض طريق الطائفين فلا يؤثر كالمقام وكخشب الوقيد وكحفر في المطاف وشبه ذلك بخلاف الاسطوانات الدائرة بالسقائف فإنها كالحاجز الدائر الخارج عن سلك الطائفين انتهى. ونقله القرافي باختصار ونصه: قال سند: وخرج بعض المتأخرين المنع من وراء زمزم على منع أشهب في السقائف، والفرق أن زمزم في بعض الجهات عارض في طريق الطائفين فلا يؤثر كالمقام إلا حفر في المطاف انتهى. وعزا في التوضيح الفرق المذكور للقرافي، وتبع اللخمي في إلحاق زمزم بالسقائف ابن بشير وابن شاس واقتصرا على ما قاله وتقدم كلامهما، وتبعهم على ذلك ابن الحاجب إلا أنه حكى في ذلك قولين وجعل الاشهر منهما اللحوق فقال: داخل المسجد لا من ورائه ولا من وراء زمزم وشبهه على الاشهر إلا من زحام انتهى. وأنكره ابن عرفة انتهى. فقال: وألحق اللخمي بها - أي بالسقائف - ما وراء زمزم. ورده سند بأن زمزم في جهة واحدة فقط. فقول ابن الحاجب من وراء زمزم وشبهه على الاشهر إلا من زحام لا أعرفه انتهى. وسبقه إلى الانكار المذكور المصنف في التوضيح ونصه في شرح قول ابن الحاجب المذكور قال ابن هارون: ولا خلاف أنه إذا طاف خارج لمسجد في

[ 114 ]

نفي الاجزاء. وعلى هذا فقوله على الاشهر عائد على زمزم وشبهه وشبه زمزم قبة الشراب، ويحمل قوله على الاشهر على ما إذا فعل ذلك لا على الابتداء وإن كان ظاهر كلامه. وانظر كيف شهر المصنف عدم الاجزاء في زمزم وشبهه والخلاف فيه على ما نقل ابن شاس وغيره للمتأخرين، ولكون ابن القاسم وأشهب لم يتكلما على زمزم خرجه اللخمي على قولهما في السقائف. انتهى كلام التوضيح. قلت: ما قاله اللخمي وخرجه على قول ابن القاسم وأشبه وقال به غير واحد من أئمة المذهب المتأخرين كابن بشير وابن شاس وتبعهم عليه ابن الحاجب من أن حكم زمزم حكم السقائف هو الظاهر والله أعلم. وقوله في التوضيح ويحمل قوله على الاشهر على ما إذا فعل ذلك لا على الابتداء أشار به لقول ابن عبد السلام في شرحه لهذا المحل. ظاهر كلام المؤلف يعني - ابن الحاجب - أن في جواز الطواف من وراء زمزم قولين مشهورين، وأشهرهما عدم الجواز إلا من عذر. والذي حكاه غيره وهو أقرب إلى التحقيق أن القولين إنما هما بعد الوقوع. فقال ابن القاسم: يجزئ مع العذر. وقال أشهب: لا يجزئ انتهى. الثاني: فهم من احتجاج سند بجواز الطواف من وراء زمزم لكونها في جهة واحدة كالمقام أن الطواف من خلف المقام لا يؤثر وهو ظاهر، وكذلك - والله أعلم - الطواف من خلف الاساطين التي في ناحية الطواف لا يؤثر فيما يظهر والله أعلم. الثالث: تقدم في كلام التوضيح في شبه زمزم أنه كقبة الشراب والله أعلم. ص: (ووجب كالسعي قبل عرفة) ش: لما ذكر أن الطواف ركن في الحج والعمرة وكان من المعلوم أن الطواف الركني في الحج هو طواف الافاضة وأنه بعد الفجر يوم النحر، نبه على أن الطواف يجب في الحج أيضا على من أحرم به من الحل ويسمى طواف القدوم، ونبه على أن محله قبل عرفة وأنه يجب تقديمه قبل الخروج إلى عرفة، وكذلك يجب تقديم السعي معه على

[ 115 ]

من أحرم بالحج من الحل، فأفاد كلامه شيئين: أحدهما أن الطواف واجب. والثاني أنه يجب إيقاعه قبل عرفة. فأما تسميته طواف القدوم واجبا فقد صرح بذلك في المدونة والرسالة وغيرهما، وذكره ابن عرفة وغيره وقبلوه. وقال ابن عبد السلام: وقد أطلق عليه في المدونة في غير موضع الوجوب. وزعم غير واحد أنه ليس بواجب وأن إطلاق الوجوب عليه في المدونة على سبيل المجاز وهو بعيد لمن تأمل لفظه مع تكراره لذلك. واعلم أن طواف القدوم من أفعال الحج التي اختلفت عبارة أهل المذهب فيها، فمنهم من يعبر عنها بالوجوب، وبعضهم بالسنة. والتحقيق فيها أنها واجبة وأن في إطلاق السنة عليها مسامحة كما بينت ذلك أول الباب، وفي الكتاب الذي جمعته في المناسك المسمى (هداية السالك المحتاج إلى بيان أفعال المعتمر والحاج) وفي قوله وجب إشارة إلى المغايرة بين هذا الطواف وطواف الافاضة، فإن طواف الافاضة ركن وهذا واجب وليس بركن. وأما كونه يجب إيقاعه قبل عرفة فهذا هو المذهب، وكذا إيقاع السعي بعده. قال ابن عبد السلام: وهو محلهما اتفاقا، فمن تركه أو ترك تقديم السعي بعده وكان قد أحرم بالحج من الحل وليس بمراهق ولا حائض ولا ناس فعليه الدم على المشهور، وإن ترك ذلك نسيانا فلا دم عليه على المشهور. قاله المصنف في توضيحه ومناسكه. وحكى ابن الحاجب في سقوط الدم قولين، وعزا السقوط لابن القاسم، وعزا في التوضيح القول باللزوم لابن الجلاب والابهري، وقال ابن عرفة واللخمي والتونسي: ناسيه عامده انتهى. وفي كلام أبي إسحاق التونسي ما يدل على أن مذهب المدونة لزوم الدم. وصرح ابن الجلاب بأن مذهب ابن القاسم أن لا دم عليه. قال: وإن ترك الطواف والسعي ناسيا والوقت واسع يعني أنه غير مراهق فلا دم عليه عند ابن القاسم. والقياس عندي أنه يلزم الدم بخلاف المراهق. وكذا قال الشيخ أبو بكر الابهري. ص: (إن أحرم من الحل) ش: يعني أن من أحرم بالحج من الحل فإنه يجب عليه طواف القدوم وتعجيل السعي بعده، سواء كان آفاقيا أو مكيا أو غيره من المقيمين إذا خرجوا للحل. قال ابن الحاجب: وهما أي الطواف والسعي واجبان قبل عرفة على من أحرم من الحل غيمراهق. ولو خرج من مكة حاضرا أو غيره قال ابن عبد السلام: يؤمر بهما كل من أحر من الحل وهو غير مراهق، سواء كان من أهل مكة أو غيرها وهو مراده بقوله حاضرا أو غيره. ولانه قادم على مكة. وقال ابن فرحون: قوله ولو خرج يعني أن طواف القدو والسعي يجبان على القادم الآفاقي وعلى المكي وغيره من المقيمين إذا خرجوا إلى الحل فأحرموا منه ثم دخلوا إلى مكة انتهى. وقال سند: كل من أحرم من منزله من الحرم فهو كمن أحرم من مكة في تأخير الطواف، وإن أحرم هؤلاء من الحل فليعجلوه إلا أن يكونوا مراهقين انتهى. إذا علمت هذا فقوله في التوضيح في شرح قوله ولو خرج من مكة أي أنهما يجبان على القادم ولو كان مكيا خرج إلى الميقات لا مفهوم له أعني قوله خرج للميقات

[ 116 ]

لانه إذا خرج للحل وأحرم بالحج منه وجب عليه طواف القدوم وتعجيل السعي بعده كما علم مما تقدم والله أعلم. ص: (وإلا سعى بعد الافاضة) ش: أي وإن أحرم بالحج من الحرم أو أحرم به من الحل ولكنه مراهق، أأحرم بالعمرة من الحل ثم أردف الحج عليها في الحرم، فإنه لا يطلب بطواف القدوم، وإذا لم يطلب بطواف القدوم فإنه يؤخر السعي إلى طواف الافاضة لانه سيأتي أنه يجب أن يكون السعي عقب أحد طوافي الحج، فلما سقط طواف القدوم تعين أو يكون عقبه طواف الافاضة. فروع: الاول: قال في التوضيح: ومتى يكون الحاج مراهقا إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير طوافه، وإن قدم يوم التروية أحببت تعجيله وله في التأخير سعة. محمد: وفي المختصر عن مالك إن قدم يوم عرفة فليؤخره إن شاء وإن شاء طاف وسعى، وإن قدم يوم التروية ومعه أهل فليؤخر إن شاء وإن لم يكن معه أهل فليطف وليسع. ومعنى ذلك أن الاشتغال يوم عرفة بالتوجه إلى عرفة أولى، وأما يوم التروية فمن كان معه أهل كان في شغل مما لا بد للمسافر بالاهل منه انتهى. وقال ابن فرحون: لانه بأهله في شغل وحال المنفرد أخف. وقال قبله: والمراهق هو الذي يضيق وقته عن إيقاعه طواف القدوم والسعي وما لا بد له من أحواله ويخشى فوات الحج إن تشتمل بذلك فله تأخير الطواف. ثم ذكر ما قاله أشهب ونقله عن مالك في المختصر. انتهى من مناسكه. الثاني: حكم من أحرم بالقران من الحل حكم من أحرم بالحج من الحل في وجوب طواف القدوم عليه وتعجيل السعي بعده، فإن تر ك ذلك وهو غير مراهق فعليه الدم، وإن كان مراهقا فلا دم عليه. قاله في المدونة الثالث: إذا أردف الحج على العمرة في الحل فحكمه حكم من أحرم بالقران من الحل في وجوب طواف القدوم والسعي بعده إذا لم يكن مراهقا وهو ظاهر والله أعلم. الرابع: إذا أحرم بالقرن من مكة أو بالعمرة من مكة ثم أردف عليها حجة وصار قارنا فإنه يلزمه الخروج للحل على المشهور، فإذا دخل من الحل لا يطوف ولا يسعى لانه أحرم من مكة. قاله ابن رشد عن ابن القاسم ونقله ابن عرفة وقد تقدم ذلك عند قوله ولها وللقران الحل والله أعلم.

[ 117 ]

والخامس: من أحرم بالحج أو بالقران من الحل ومضى إلى عرفات ولم يدخل مكة وليس بمراهق فإنه بمنزلة من ترك طواف القدوم ويجب عليه الدم. قاله في المدونة، كلام المصنف في مناسكه يوهم سقوط الدم وليس كذلك والله أعلم. ص: (وإلا فدم إن قدم ولم يعد) ش: أي وإن لم يؤخر سعيه إلى طواف الافاضة بل قدمه قبل الخروج إلى عرفة إثر طواف طافه فإنه يؤمر بأن يعيد السعي إثر طواف الافاضة، فإن لم يعده حتى رجع إلى بلده فعليه دم. وظاهر كلامه أن هذا الحكم شامل للمراهق وليس كذلك، لان المراهق إذا قدم الطواف والسعي أجزأه ولا يؤمر بإعادة السعي لانه أتى بما هو الاصل في حقه لان التأخير في حقه رخصة، ولذلك قال ابن عبد السلام: الشبه بين المراهق وبين غيره إنما هو في مطلق السقوط وإلا فالطواف ساقط في حق المراهق للمشقة وخوف فوات عرفات حتى لو تجشم المشقة وغرر فأدرك فطاف وسعى لكان آتيا بما هو مشروع في حقه بالاصل، وأما من أحرم بالحج من مكة فلم يشرع له طواف القدوم انتهى. وقد نبه الشارح على هذا وقال: لعل قوله إن قدم فيه إيماء لذلك لان مثل هذا لا يقال فيه قدم بل أوقعه في محله الذي خوطب به في الاصل انتهى. وما قاله ظاهر انتهى والله أعلم. تنبيه: قال ابن الحاجب: ولو سعى ورجع إلى بلده مقتصرا أجزأه وعليه دم على المشهور. قال ابن عرفة: وفيها يؤخر المحرم من مكة سعيه لآخر إفاضته، فإن طاف وسعى قبل وقوفه أعاد سعيه إثرها، وإن لم يعد كفاه وأيسر شأنه هدي وشاذ قول ابن الحاجب هدي على المشهور لا أعرفه إلا تخريج التونسي من عدمه فيها على مفيض محدث طاف تطوعا بطهارة ويفرق بتقديم نية طواف الافاضة فيحكم بانسحابها انتهى. قلت: ذكره اللخمي في كتاب الحج الاول في باب مواقيت الحج ونصه: واختلف فيمن أفرد الحج من مكة ثم طاف وسعى قبل أن يخرج إلى عرفة هل يحتسب بذلك ؟ فقال مالك في المدونة: إذا رجع من عرفة طاف للافاضة وسعى، فإن هو لم يفعل حتى رجع إلى بلده رأيت السعي الاول يجزئه وعليه الدم وذلك أيسر شأنه عندي. وقال ابن القصار: وقد روي عن مالك أنه إذا كان قد طاف وسعى ثم فرغ من حجه ورجع إلى بلده أجزأه. وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة لان الطواف بانفراده ليس من شرطه أن يؤتى به من الحل وكذلك السعي، وإذا كان كذلك كان الصواب أنه جائز حسبما روي عن مالك في أحد القولين انتهى. ص: (ثم السعي سبعا بين الصفا والمروة منه البدء مرة والعود

[ 118 ]

أخرى) ش: هو معطوف على الاحرام في قوله وركنهما الاحرام يعني أن الركن الثالث من الاركان التي يشترك فيها الحج والعمرة والسعي وهو آخر أركان العمرة. وقول ابن الحاجب وتنقضي العمرة بالطواف والسعي والحلاق أو التقصير قال المصنف في التوضيح: أي كمال العمرة ونصه: اعلم أن العمرة هي إحرام وسعي وطواف وحلق. والثلاثة الاول أركان والرابع يجبر بالدم. فقوله يعني ابن الحاجب تنقضي العمرة أي كمال العمرة وإلا فالعمرة تصح بدون الحلاق انتهى. وما ذكره المصنف من أن السعي ركن هو المعروف من المذهب، فمن ترك السعي أو شوطا منه أو ذراعا من حج أو عمرة صحيحتين أو فاسدتين رجع له من بلده. وروى ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أن السعي واجب يجبر بدم إذا رجع لبلده. والرواية المذكورة عن مالك هي من ترك السعي حتى تباعد وأطال وأصاب النساء أنه يهدي ويجزيه. ففهمها صاحب الطراز أنه غير ركن عنده، وفهمها اللخمي وابن رشد على أنه قاله مراعاة للخلاف. ويظهر من كلام المصنف في التوضيح أنه ركن من غير خلاف. وأن القول بالرجوع مراعاة للخلاف، وصرح بذلك ابن فرحون في شرحه وهو بعيد، وانظر ابن عرفة. وللسعي شروط منها كونه سبعة أشواط، وقد تقدم في الكلام على الطواف أن من ترك من السعي شيئا ولو ذراعا يرجع له من بلده. ومنها كونه بين الصفا والمروة فلو سعى في غير ذلك المحل بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا ودخل المسجد لم يصح سعيه. والواجب فيه السعي بين الصفا والمروة ولا يجب الصعود عليهما بل هو مستحب كما سيأتي. قال سند: والمذهب أنه لا يجب إلصاق العقبين بالصفا بل أن يبلغهما من غير تحديد. ومن شروطه البدء من الصفا فإن بدأ من المروة لم يعتد بذلك الشوط الاول، فإن اعتد به فهو كمن ترك شوطا من سعيه. وقوله منه البدء مرة أفاد أن البدء من الصفا وأنه يحسب ذلك شوطا ويحسب العود شوطا آخر. ص: (وصحته بتقدم طواف ونوى فرضيته وإلا قدم) ش: يعني أن شرط صحة السعي أن يتقدمه طواف. قال ابن عبد السلام: وذلك متفق عليه. وقال ابن عرفة: والمذهب شرط كونه بعد طواف انتهى. فلو سعى من غير طواف لم يجزه ذلك السعي بلا خلاف. وقوله ونوى فرضيته وإلا فدم يعني ويجب في الطواف الذي سعى بعده أن يكون فرضا، فإن أوقع السعي بعد طواف ليس بفرض فعليه دم. قال ابن عبد السلام إثر كلامه المتقدم. ثم اختلف هل

[ 119 ]

يشترط مع ذلك أن يكون مع أحد الطوافين، إما طواف القدوم وإما طواف الافاضة ويكفي فيه أي طواف كان. وقال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم: وفي شرط وجوبه قولان لابن عبد الحكم ولها انتهى. وقال في التوضيح: من شرط صحة السعي أن يتقدمه طواف، واختلف هل من شرطه أن يكون واجبا أو يكفي أي طواف كان لقوله في المدونة: وإذا طاف حاج أول دخوله مكة لا ينوي به تطوعا ولا فريضة لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى، وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك وعليه دم والدم في هذا خفيف انتهى. فتخفيفه للدم يقتضي أن ذلك ليس بشرطه. وقال ابن عبد السلام: إلى الاشتراط يرجع مذهب المدونة وهذا هو المنصوص في المذهب انتهى. وفيه نظر لانه لو كان مذهب المدونة الاشتراط للزمه الرجوع لان الشرط يلزم من عدمه العدم على أن سندا اعترض على البراذعي قوله ولم ينو فرضا ولا تطوعا لم يجزه وقال: إنما قال في الكتاب ولم ينو حجا ثم سعى فلا أحب له سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفرض، فإن رجع إلى بلده أو جامع رأيته مجزيا عنه وعليه دم. انتهى كلام التوضيح. يعني أن سندا اعترض على البراذعي في قوله لم يجزه فإنه قال في الطراز: لو لم يكن مجزيا لوجب أن يرجع له من بلده كما لو طاف على غير وضوء وسعى ولم يعد سعيه حتى رجع إلى بلده. وأجاب العوفي عن البراذعي بأن الاجزاء معناه الاكتفاء وهو لا يكتفي بما فعله قريبا كان أو بعيدا. ففي القرب يعيده وفي البعد يجبره بالدم قال: وإنما الاعتراض على البراذعي أنه قال في الام لم ينو بطوافه لحجه وبدلها هو بقوله فريضة ولا تطوعا، وهذه العبارة إنما تطلق على العابث أو الذاهل. ثم قال: ويمكن أن ينتصر له بأنه أراد أنه لم يعين نيته حين الطواف أنه تطوع ولا قدوم فلا يكتفي به، وإن تباعد أجزأه إذ لم يخل عن نية التقرب به وقرينته حال الحاج سيما من البلاد البعيدة أنه إنما يطوف تقربا لله تعالى، وأقل درجات هذه النية التطوع فلهذا ساغ أن يكتفي به. انتهى يعني مع البعد. قلت: والذي رأيته في الام كما قال البراذعي ونصها: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا دخل مكة فطاف بالبيت أول ما دخل مكة لا ينوي بطوافه هذا فريضة ولا تطوعا ثم يسعى بين الصفا والمروة. قال: لا أرى أن يجزيه سعيه بين الصفا والمروة إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة الذي دخل به، فإن فرغ من حجه ورجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء رأيت ذلك مجزيا عنه، ورأيت عليها الدم والدم في هذا خفيف عندي. قال: وإن كان لم يتباعد رأيت أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة انتهى. وهكذا نقله ابن يونس، ونقل العوفي عن الام مثل ما قال سند واختصار الشيخ أبي محمد قريب من ذلك، ولعل نسخ الام مختلفة وهذا هو الظاهر والله أعلم. فعلم مما تقدم أن معنى قول المصنف ونوى فرضيته وإلا قدم الطواف الذي يقع بعده السعي يجب أن ينوي فرضيته بأن يكون طواف الافاضة أو طواف

[ 120 ]

القدوم بالحج أو طواف العمرة، فإن أوقعه بعد طواف لا ينوي فرضيته كطواف الوداع أو طواف تطوع كمن أحرم بالحج من مكة وطاف وسعى فإنه يؤمر بإعادته بعد طواف واجب فإن لم يفعل حتى تباعد فعليه دم. وقول المصنف وإلا فدم فيه مسامحة لان ظاهره أنلا يؤمر بالاعادة وليس كذلك كما تقدم في لفظ المدونة. فإن قيل: أما طواف الافاضة والعمرة فلا شك في فرضيتهما لانهما ركنان وأما طواف القدوم فليس بفرض لانه ليس بركن وإنما هو واجب على الراجح كما تقدم، وقد فرقوا بين الفرض والواجب في باب الحج على ما نقله ابن الجلاب وغيره. فالجواب أن المصنف رحمه الله أطلق عليه أنه فرض تبعا للفظ المدونة المتقدم أعني قوله ولا أحب له سعيا إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة. ومعلوم أن مراده طواف القدوم وطواف الافاضة لا غير. وقال ابن عرفة في كلامه على طواف القدوم وسماه فيها واجبا وفرضا: وأيضا فإن هذا هو الجاري على قاعدة المذهب أن الفرض والواجب مترادفان، وقد ثبت أنه واجب فيصح أن يطلق عليه فرض، ولم يلتفت المصنف إلى ما اصطلح عليبعض المتأخرين من التفريق بينهما في الحج. تنبيهات: الاول: إذا نوى المحرم بالحج أو بالقران بطوافه الذي يسعى بعده طواف القدوم الواجب عليه فهذا هو المطلوب، وإن نوى طواف القدوم واعتقد أنه سنة فإن كان ممن له معرفة ويعلم أن طواف القدوم من الافعال اللازمة للمحرم بالحج أو بالقران وأنه إن تركه فعليه دم وأن تسميته سنة بمعنى أنه ليس بركن فهو عندي كالاول، وإن اعتقد أنه سنة بمعنى أنه لا يلزم الاتيان به فالظاهر أنه لا يجزيه ويعيد ما دام بمكة، وإن نوى طواف القدوم ولم يستحضر أنه واجب أو سنة فإن كان يعلم أنه واجب فهذا لا يضر كمن نوى صلاة الظهر ولم يستحضر أنها واجبة، وإن كان يعتقد أنها سنة فعلى ما تقدم من التفصيل المذكور. وإن لم يستحضر طواف القدوم ونوى أنه يطوف لحجة فإن كان يعتقد أن المحرم بالحج إذا دخل مكة يجب عليه الطواف والسعي ونوى بطوافه ذلك الظاهر أنه يجزيه، وإن لم يعلم ذلك فيعيد ما دام بمكة. وكذلك لو نوى الطوا ف ولم يستحضر شيئا فهذا يعيد ما دام بمكة لقوله في المدونة: لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفريضة. وكما صرح بذلك العوفي فيما تقدم فتأمله والله أعلم. الثاني: لم يذكر المصنف من شروط السعي إيصاله بالطواف واتصاله في نفسه وذلك شرط إلا إن التفريق اليسير مغتفر. قال اللخمي: ويوالي بين الطواف والركوع والسعي. ثم قال: وإن فرق بين الطواف والسعي لم يجب عليه أن يستأنف، وكذلك إذا فرق بين السعي نفسه وخرج لجنازة أو نفقة أو ما أشبه ذلك ما لم يطل فإنه يستأنف، وكذلك إذا فرق بين السعي نفسه وخرج لجنازة أو نفقة أو ما أشبه ذلك ما لم يطل فإنه يستأنف الطواف. قال مالك في كتاب محمد فيمن طاف ولم يخرج للسعي حتى طاف تنفلا سبعا أو سبعين أحب إلي أن

[ 121 ]

يعيد الطواف ثم يسعى، فإن لم يعد الطواف رجوت أن يكون في سعة. وقال فيمن طاف وركع ثم مرض فلم يستطع السعي حتى انتصف النهار أنه يكره أن يفرق بين الطواف والسعي. وقال ابن القاسم: يبتدئ وهذا استحسان فإن لم يفعل أجزأه. وقال مالك فيمن طاف ليلا أو أخر السعي حتى أصبح: فإن كان بطهر واحد أجزأه وإن كان قد نام وانتقض وضوؤه فبئس ما صنع وليعد الطواف والسعي والحلق ثانية إن كان بمكة، وإن خرج من مكة أهدى وأجزأه. وهذا يدل على أن إعادة المريض استحسان لان هذا فرق وهو قادر على أن يسعى قبل أن يصبح فرآه مجزيا عنه ولا إعادة عليه إن لم تنتقض طهارته. وقوله أيضا إذا انتقضت طهارته أنه يعيد استحسان ولو كان واجبا لرجع ولو بلغ بلده لان السعي يصح بغير طهارة إذا سعى بالقرب، ويصح من الحائض فلم يكن لمراعاة انتقاض الطهارة إذا بعد وجه انتهى. قلت: ولعل وجه ذلك أنه مظنة للتفريق الفاحش. وقال في المدونة: وإن جلس بين طهراني سعيه شيئا خفيفا فلا شئ عليه، وإن طال فصار كتارك ما كان فيه فليبتدئ ولا يبني، وإن صلى على جنازة قبل أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس مع أحد أو وقف معه يحدثه لم ينبغ له ذلك، فإن فعل منه شيئا بنى فيما خف ولم يتطاول وأجزأه، وإن أصابه حقن في سعيه مضى وتوضأ وبنى انتهى. قال سند: ولو جلس ليستريح فنعس واحتلم فليذهب فيغتسل وبني وإن أتمه جنبا أجزأه وكذلك لو حاضت المرأة بعد الركعتين فإنها تسعى. وقال التادلي: قال الباجي: من طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى إلا من ضرورة يخاف فواتها أو يتعذر المصير إليها ويرجو بالخروج ذهابها كالحقن والخوف على المنزل انتهى. قال في التوضيح: وقوله في المدونة فصار كتارك ما كان فيه فليبتدي. قال أبو محمد: يريد الطواف والسعي. ابن يونس وغيره: وظاهر قول ابن الحاجب أنه يبتدئ السعي انتهى. قلت: الظاهر ما قاله أبو محمد لانه إذا بطل سعيه كان كمن فرق بين الطواف والسعي. وقد صرح أبو إسحاق التونسي في مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء بأنه إذا لم يسع بعد الطواف فسد الطواف. الثالث: تقدم في لفظ التهذيب ما نصه: وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء، فعطف قوله وجامع بالواو يقتضي أن ذلك مسألة واحدة والذي في الام عطفه به أو وهو الظاهر فتأمله. ص: (ورجع إن لم يصح طواف عمرته حراما) ش: يعني أن

[ 122 ]

المحرم بالعمرة إذا لم يصح طواف عمرته لفقد شرط من شروطه فإنه يرجع من بلده محرما متجردا من المخيط كما كان عند الاحرام لانه كمن لم يطف ولم يسع، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت وسعى، وإن كان قد أصاب النساء فعليه أن يعيد العمرة ويهدي. قاله في الموازية ونقله ابن يونس. قلت: ويقضيها من الميقات الذي أحرم منه أولا. قال في المدونة: وعليه لكل صيد أصابه الجزاء. قال ابن يونس: وإن تطيب فعليه الفدية. تنبيه: فإن فعل موجبات الفدية وتعددت منه ففدية واحدة تجزئه كما سيأتي في قول المصنف واتحدت إن ظن الاباحة وذكر المصنف رحمه الله هذا التفريع بعد أن ذكر شروط الطواف وقال فيه: إن لم يصح لينبه على أنه ليس خاصا بمن طاف على غير طهارة كما فعل ابن الحاجب وغيره والمصنف في مناسكه، فإنهم إنما ذكروا هذا التفريع فيمن طاف غير متطهر وما فعله المصنف هنا حسن. ص: (وإن أحرم بعد سعيه بحج فقارن) ش: تصوره واضح. فرع: فإن نسي ركعتي الطواف وسها عن ذكرهما بعد أن أحرم بالحج بالقرب بحيث لا يؤمر بإعادة الطواف لو لم يحرم بالحج، فهل يكون قارنا أم لا ؟ ذكر عبد الحق في تهذيبه في ذلك قولين: أحدهما أنه قارن لان من ذكر الركعتين بمكة أو قريب منها يؤمر بإعادة الطواف والسعي. قال أبو محمد: وإن كان قد لبس أو تطيب فإنه يفتدي وإن وطئ فإنه يعيد الطواف والسعي ويأتي بعمرة، وأما إن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فإنه يركعهما ويبعث بهدي. قال عبد الحق: وفي هذا القول نظر. والقول الثاني أنه لا يكون قارنا وأن إحرامه يقوم مقام الطواف واختاره عبد الحق وقال: هذا القول عندي حسن، وذلك أنه إذا عقد الحج كان ممنوعا من إعادة الطواف والسعي فكان ذلك كالطوالذي لا يطوف معه ولا يسعى فلا يكون قارنا، فعقده الحج إذا ترك الركعتين من طواف عمرته ضرورة مانعة من إعادة الطواف والسعي فكان الجواب في ذلك ما قدمنوالله أعلم نتهى. والقول الذي اختاره عبد الحق قال ابن يونس: إنه الصوا ب والله أعلم. فرع: فإن أحرم بعد سعيه بعمرة كان تحلله من الثانية تحللا من الاول. قاله سند ونصه، لو كان اعتمر بعد هذه العمرة التي فيها الخلل لكان قد تحلل بفعل الثانية انتهى. وانظر لو طاف تطوعا وسعى بعده ثم علم بعد رجوعه إلى بلاده أن طوافه لم يصح، هل يجزئ ذلك ؟

[ 123 ]

والظاهر الاجزاء كما سيأتي عن القاضي سند. أما لو لم يرجع إلى بلده فلا كلام في الاعادة والله أعلم. ص: (كطواف القدوم إن سعى بعده واقتصر) ش: يعني أن من طاق للقدوم ولم يصح طوافه لفقد شرط من شروطه فإنه يرجع لذلك إن كان أوقع السعي بعده واقتصر على ذلك السعي. وفي الحقيقة إنما يرجع للسعي، واحترز بقوله واقتصر مما لو ذكر أن طواف قدومه لم يصح فأعاد السعي بعد طواف إفاضته فلا شئ عليه، ولا يلزمه دم لترك طواف القدوم لانه لم يتعمد تركه. قاله في المدونة. ويدخل فيه أيضا مال وأعاد السعي بعد إفاضته مع عدعلمه ببطلان طواف القدوم ثم علم بذلك، فإن ابن يونس نقل عن بعض شيوخه أنه يجزيه. قال: وقال بعض أصحابنا: لا يجزيه لان السعي لا يكون إلا في حج أو عمرة. قال ابن يونس: والذي أرى أنه يجزيه لانه كان عليه أن يأتي به فقد أتى به وإنما عدم النية فيه، فإذا كان بمكة أو قريبا منها أعاد، وإن تطاول أو رجع إلى بلده أجزاه كمن طاف أول دخوله لا ينوي فريضة ولا تطوعا وسعى ولم يذكر. إلا بعد رجوعه لبلده فإنه يجزيه وعليه دم وهو خفيف فكذلك هذا انتهى. وقوله فكذلك هذا الظاهر من كلامه أنه يجزيه وعليه دم لكونه لم ينو بسعيه السعي الفرض، ولا دم عليه لترك طواف القدوم لما تقدم. وانظر إذا أحرم هذا الذي لم يصح طواف قدومه بعد فراغه من الحج على ما في ظنه بعمرة فطاف لها وسعى وكمل عمرته. فأما العمرة فلا كلام في عدم انعقادها لبقاء ركن من الحج وهو السعي، وهل يجزيه طوافه وسعيه للعمرة عن سعي حجه ؟ الظاهر أنه إن كان بمكة أعاد الطواف والسعي لحجة ليأتي بذلك بنية تخصه، وإن رجع إلى بلده فالظاهر أنه يجزيه ولا يأتي فيه الخلاف الذي ذكره ابن يونس عن بعض أصحابه، لانه مفهوم تعليله في المسألة الاولى أن السعي لا يتطوع به وإنما يفعل في حج أو عمرة وهو في مسألتنا قد أتى به في العمرة الذي كان يعتقد أنه يجب عليه أن يسعى لها فتأمله والله أعلم. ص: (والافاضة إلا أن يتطوع بعده ولا دم) ش: يعني أن من طاف للافاضة ثم تبين له أن طوافه غير صحيح لفقد شرط من شروطه فإنه يرجع لذلك من بلده إلا أن يكون طاف بعد طواف الافاضة طوافا صحيحا تطوعا، أو لوداع فإنه لا يرجع حينئذ لطواف الافاضة ويجزئه ما طافه تطوعا عن طواف الافاضة. قال في المدونة: ومن طاف للافاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده فيطوف للافاضة إلا أن يكون قد طاف بعد ذلك تطوعا فيجزئه عن طوا ف الافاضة. قال ابن يونس: يريد ولا دم عليه انتهى.

[ 124 ]

تنبيهات: الاول: قال أبو الحسن الصغير: قال أبو إسحاق: لم يذكر في المدونة إعادة إذا كان بالقرب أو أعليه دما إذا فات انتهى. قلت: لا إشكال أن المسألة إنما هي مفروضة فيمن رجع الى بلده، وأما إذا كان بمكة فلا شك أنه مطلوب بالاعادة،. وسيأتي في كلام ابن يونس وصاحب النكت أنه إذا ذكر ذلك وهو بمكة أنه يعيد طوافه وسعيه ولم يفصلوا فيه بين أن يكون طاف بعده تطوعا أم لا. وكما يفهم من كلام سند في التنبيه الثالث ومن كلام غيره أن المسألة إنما هي مفروضة مع الرجوع إلى بلده. الثاني: قال في التوضيح: حمل بعضهم المشهور على أن ذلك كان نسيانا بخلاف العمد. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام غيره ولو كان على سبيل العمد انتهى. قلت: الظاهر حمله على النسيان. وقد قال الجزولي في باب جمل من الفرائض: لا خلاف فيما إذا طاف للوداع وهو ذاكر الافاضة أنه لا يجزئه انتهى. حكم من نسي الطواف بالكلية حكم من طاف ولم يصح طوافه. قال سند في شرح مسألة المدونة المتقدمة: هذا مختلف فيه إذا لم يطف للافاضة ونسي ذلك حتى طاف للوداع أو غيره وخرج فقال مالك والشافعي والجمهور: يجزئه. وقال ابن حنبل: لا يجزئه. وقال ابن عبد الحكم: لانها عبادة واجبة متصلة بالبيت فافتقرت إلى تعيين النية. ووجه ما قلناه أن أركان الحج لا تحتاج إلى تعيين النية بدليل الوقوف والاحرام والسعي، وهذا من أركان الحج فلا يفتقر إلى تعيين. نعم نية الحج مشتملة على جميع أفعاله ولا يصح فعل غير الحج في زمان الحج، فلما صح الطواف في نفسه وجب أن يحكم أنه طواف الافاضة، ويستحب ابن القاسم فيه الدم كمن طاف عند قدومه من غير نية وسعى ولم يعد سعيه حتى رجع لبلده. الرابع: قال في التوضيح: هل يجزئ طواف القدو عن طواف الافاضة ؟ ظاهر المذهب عدم الاجزاء وهو مذهب ابن القاسم وغيره، ثم ذكر عن ابن عبد الحكم ما يقتضي أنه يجزئه. ص: (حلالا إلا من نساء وصيد وكره الطيب واعتمر وإلا كثر إن وطئ) ش: هذا حال من لم يصح طواف قدومه أو طواف إفاضته. والمعنى أن من سعى بعد طواف القدوم وكان طوافه غير صحيح ولم يعد بعد طواف السعي الافاضة حتى رجع إلى بلده، أو طاف للافاضة وكان طوافه غير صحيح ولم يتطوع بعده، فإن كل واحد منهما يرجع من بلده حلالا من ممنوعات الاحرام كلها إلا من النساء والصيد فإن ذلك حرام عليه، وأما الطيب فيكره له استعماله ولا

[ 125 ]

يحرم، وذلك لان كل واحد منهما قد حصل له التحلل الاول برمي جمرة العقبة، فإذا رجع كل واحد منهما فإنه يرجع على بقية إحرامه الاول فلا يجدد إحراما من الميقات إذا مر به لان الاحرام لا يدخل على بقية إحرام الحج، ولا يلبي في طريقه لان تلبيته قد انقطعت. قاله في الطراز. فإذا وصل كل واحد منهما إلى مكة كمل ما بقي عليه، فالذي لم يصح طواف قدومه بقي عليه السعي لكن السعي لا يصح إلا بتديم طواف فيطو ف أولا ثم يسعى فيتم تحلله من الحج. قاله في الطراز. قلت: وينوي بطوافه الذي يأتي به قبل السعي طواف الافاضة، لان طواف القدوم فات محله بالوقوف بعرفة ولزمه إعادة السعي بعد طواف الافاضة، فإن لم يعد السعي بعد طواف الافاضة بطل طواف الافاضة. قاله أبو إسحاق التونسي. وصار كمن فرق بين طواف الافاضة والسعي فيعيد طواف الافاضة ويسعى بعده وهذا ظاهر والله أعلم. والذي لم يصح طواف إفاضته يطوف الافاضة فقط ولا يحلق واحد منهما لانه قد حلق بمنى، فإذا كمل كل واحد منهما إحرامه فذكر المصنف أنه يأتي بعمرة وأن جل الناس يقولون لا عمرة عليه إلا أن يطأ. تنبيهات: الاول: هذا الخلاف الذي ذكره المصنف في العمرة لم يذكره في المدونة إلا فيمن أصاب النساء. قال في كتاب الحج الاول: والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما دخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الافاضة على غير وضوء ولم يسع حتى رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد والطيب ولبس الثياب فليرجع لابسا للثياب حلالا إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى ثم يعتمر ويهدي وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي لانه قد حلق بمنى، ولا شئ عليه في لبس الثياب لانه لما رمى الجمرة حل له لبس الثياب، ولا شئ عليه في الطيب لانه بعد رمي جمرة العقبة فهو خفيف، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء، ولا دم عليه لتأخير الطواف الذي طافه حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفا لانه لم يتعمد ذلك وهو كالمراهق، والعمرة مع الهدي تجزئه من ذلك كله، وجل الناس يقولون لا عمرة عليه انتهى. فلم يذكر العمرة إلا مع إصابة النساء، وإن لم يصب النساء فلا عمرة عليه. صرح بذلك في الموازية ونقله ابن يونس وعبد الحق في نكته وتهذيبه. قال ابن يونس: قال ابن المواز: وإذا لم يطأ فليرجع فيفعل ما وصفنا ويهدي هديا واحدا ولا عمرة عليه. ولو ذكر ذلك بمكة بعد أن فرغ من حجه فليعد طوافه وسعيه ولا دم عليه انتهى. وقال في النكت: قال ابن المواز: في الذي طاف على غير وضوء: لو أنه ذكر ذلك ولم يطأ فعل ما ذكره ولا عمرة عليه وعليه الهدي، ولو ذكر ذلك وهو بمكة بعد أن فرغ من حجه فليعد طوافه وسعيه ولا دم عليه انتهى. ونحوه في تهذيبه ونقله الشيخ أبو الحسن. وقال صاحب الطراز: فإن لم يقرب النساء فلا عمرة عليه. ونحوه للشيخ أبي إسحاق التونسي. ولم أر من ذكر العمرة مع عدم إصابة النساء إلا ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام والمصنف وابن

[ 126 ]

فرحون غير أنه قال في التوضيح: والظاهر قول جل الناس لان العمرة إنما كانت عليه لاجل الخلل الواقع في الطواف بتقدم الوطئ عليه فأمر أن يأتي بطواف صحيح لا وطئ قبله وهو حاصل في العمرة بخلاف ما إذا لم يطأ. وما قاله صحيح ولا وجه للعمرة إذا لم يحصل وطئ. ويفهم من كلامه في التوضيح أن جل الناس يقولون تجب العمرة إذا وطئ، والذي نقله في المدونة وشروحها ونقله ابن الحاجب عن جل الناس أنه لا عمرة عليه وإن أصاب النساء، وكلام ابن الحاجب يفهم منه أن في المسألة ثلاثة أقوال فإنه قال: ثم يعتمر ويهدي. وقيل: لا عمرة عليه إلا أن يطأ وجل الناس لا عمرة عليه انتهى. والذي يفهم من كلام المصنف في التوضيح أنه إنما ذكر قولين فإنه قال يختلف في طلب العمرة على الجملة، وإنما اختلف هل يؤمر بها على الاطلاق أو بشرط أن يطأ انتهى. والعجب من ابن عرفة رحمه الله في عدم اعتراضه على ابن الحاجب مع كثرة تنبيهه على ما خالف فيه نقل المذهب فتأمله منصفا والله أعلم. الثاني: هذا الكلام الذي تقدم إنما ذكره في المدونة وشروحها في مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء وسعى بعده ولم يعد السعي بعد طواف الافاضة، ولم يذكروه في مسألة من طاف للافاضة على غير وضوء إذا لم يتطوع بعده. وقد سوى ابن الحاجب بين المسألتين، فاعترض عليه ابن عبد السلام بأنه لم يحسن سياق المسألتين وأنه خلط إحداهما بالاخرى. وأجاب المصنف عنه في التوضيح بأنه لم ينقل قوله ويرجع حلالا عن المدونة، والظاهر أنه لا فرق بين ما إذا طاف للافاضة لغير وضوء أو طاف للقدوم بغير وضوء ثم سعى بعده انتهى. قلت: وهو كذلك لانه قد بقي عليه التحلل الثاني في الصورتين. الثالث: قال أبو الحسن في شرح قوله وجل الناس يقولون لا عمرة عليه هم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعطاء. وقيل: يطوف ويتم حجه ويقضي قابلا وهو قول ابن عمر وابن شهاب انتهى. وقال أبو إسحاق: والاشبه ما قال جل الناس أنه لا عمرة عليه وإنما روى مالك ذلك عن ربيعة وحكى عن ابن عباس ولابن عباس خلافه أنه ينحر بدنة. وقال ابن المسيب والقاسم وعطاء: ليس عليه إلا نحر بدنة انتهى. قلت: والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف فيمن وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل الطواف والسعي، فالمشهور من مذهب مالك أن عليه العمرة. قال في الطراز في باب جمرة العقبة: وهو مروي في الموازية عن ابن عباس وربيعة. قال: وروى ابن الجهم عن أبي مصعب عن مالك أن حجه يفسد. قال القاضي أبو محمد: وهو أقيس وهو مروي في الموازية عن ابن عمر والحسن وابن شهاب. وقال أبو حنيفة: إنما عليه الهدي. وهو في الموازية عن ابن المسيب والقاسم وسالم وعطاء وعن ابن عباس أيضا انتهى. قلت: وبهذا يظهر لك أنه لا وجه للقول بلزوم العمرة مع عدم الوطئ. وعلم من هذا أن المراد بقوله في المدونة جل الناس وقول المصنف الاكثر جل العلماء خارج المذهب والله أعلم. الرابع: لم يذكر المصنف حكم الهدي، وقد تقدم في الموازية أنه إذا أصاب النساء وجب

[ 127 ]

الهدي مع العمرة وهو ظاهر، لان من وطئ قبل التحلل الثاني وجب عليه الهدي كما سيأتي في فصل ممنوعات الاحرام، فإن أخرطوا فهو يعيد إلى المحرم فهل عليه هدي واحد أو هديان ؟ قال في الطراز: يختلف فيه، ففي الموازية قال أشهب: يهدي هديين في عمرته هديا للوطئ وهديا للتفرقة، وابن القاسم يرى في ذلك هديا. والاول أقيس لانهما هديان وجبا بسببين: أحدهما الوقت فيجب إيقاع أركان الحج في أشهره فإن أخر شيئا عن زمانه وجب عليه الجبر لخلل ما ترك، والجبر في الحج إنما هو الدم. ورأى ابن القاسم أن ذلك يرجع لصفة من صفات السعي والطواف فكان خفيفا كترك الهرولة وشبه ذلك بالعمرة والدم يفي بذلك كله انتهى. وأما إذا لم يصب النساء فقد تقدم عن الموازية أن عليه الهدي إلا أن يذكر ذلك وهو بمكة بعد فراغه من حجه يريد قبل دخول المحرم وهو ظاهر. وقال في الطراز: لو لم يكن عليه فساد يعني للوطئ، هل يستحب له الهدي ؟ ويختلف فيه ففي الموازية لمالك: من جهل فلم يسع حتى رجع إلى بلده فليرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه حتى يطوف ويسعى. وقال في رواية ابن وهب: وأحب إلي أن يهدي بخلاف رواية ابن القاسم. والاحسن فيه أن يراعى الوقت، فإن رجع قبل خروج أشهر الحج فهو خفيف كما لو أخر الطوا ف والسعي إلى ذلك، وإن خرج الوقت فعليه الدم لفوات الوقت انتهى. قلت: والذي قاله ظاهر وهو الذي يفهم من كلام ابن المواز الذي نقله ابن يونس وعبد الحق فيعتمد عليه، وما ذكره صاحب الطراز عن الموازية يحمل على ما إذا لم يطل الزمن ولم يدخل المحرم وإلا فهو بعيد. الخامس: قال الشارح في الكبير: قوله واعتمر يعني إذا رجع حلالا فلا بد من دخوله مكة بعمرة وقد تقدم ذلك في كلامه في المدونة انتهى. وقال في الوسط والصغير: أي إذا رجع مكة فلا يدخلها إلا بعمرة. وقاله في المدونة انتهى. قلت: ليس هذا الذي ذكره الشارح معنى كلام المصنف ولا معنى كلامه في المدونة كما تقدم بيانه بل هو في نفسه متناقض فتأمله.

[ 128 ]

السادس: قوله في المدونة والمفرد بالحج الخ. لا مفهوم له وحكم القارن كذلك وهو ظاهر والاعلم. ص: (وللحج حضور جزء عرفة ساعة ليلة النحر ولو مر إن نواه) ش: هذا هو الركن الرابع الذي ينفرد به الحج وهو الوقوف وإضافة الحضور لجزء عرفة على معنى في وساعة منصوب على الظرفية وهي مضافة لليلة النحر على معنى اللام. ونبه بقوله جزء عرفة على أن الوقوف يصح في كل موضع من عرفة لكن المستحب أن يقف حيث يقف الناس. واستحب ابن حبيب أن يستند إلى الهضاب من سفح الجبل. قال في النوادر: قال ابن حبيب: ثم استند إلى الهضاب من سفح الجبل وحيث يقف الامام أفضل وكل عرفة موقف. ثم قال: ففيها عن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا أحب لاحد أن يقف على جبال عرفة ولكن مع الناس وليس في موضع من ذلك فضل إذا وقف مع الناس، ومن تأخر عنهم فوقف دونهم أجزأه. قال محمد: إذا ارتفع من بطن عرنة ثم قال فيها أيضا: قال أشهب: وأحب موقف عرفة إلى ما قرب من عرفة ومن مزدلفة ما قرب من الامام انتهى. وقوله ما قرب من عرفة يريد والله أعلم ما قرب منها إلى موضع وقوف الناس فمن في قوله من عرفة على أصلها والمجرور في موضع الحال. وما في قوله ما قرب من الامام بمعنى الذي فتحصل من كلامه في النوادر أن ابن حبيب يقول: إن الاستناد إلى الهضب من سفح الجبل وحيث يقف الامام أفضل. وقوله حيث يقف الامام كذا نقله في النوادر بالواو، وتبعه على ذلك غير واحد من أهل المذهب وهو من عطف التفسير، وهو في مختصر الواضحة بغير واو ولفظه: إذا انقضت الصلاة فخذ في التكبير والتحميد والتهليل وامض إلى الموقف بعرفة فاستند إلى الهضاب من سفج الجبل حيث يقف الامام أفضل ذلك وحيث ما وقفت من عرفة أجزأك انتهى. وكان الامام في ذلك الزمان يقف هناك، وأما في هذا الزمان فيقف على موضع مرتفع

[ 129 ]

آخر جبل الرحمة. وتحصل أيضا من كلام النوادر أن مذهب مالك في كتاب ابن المواز ليس في ذلك موضع له فضل على غيره إذا وقف حيث يقف الناس وأنه لا يقف على جبل عرفة ولا يبعد عن محل وقوف الناس، ونحوه ما حكاه أشهب. هذا الذي تلخص من كلامه في النوادر. وقال في الجلاب: وليس لموضمن عرفة فضيلة على غيره والاختيار الوقوف مع الناس، ويكره الوقوف على جبال عرفة انتهى. وظاهره متدافع إلا أن يحمل قوليه ليس لموضع من عرفة فضيلة أي من الموضع الذي يقف فيه الناس فيكون حينئذ موافقا لما في كتاب ابن المواز ويزول عنه التدافع والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال ابن معلى بعد أن ذكر كلام ابي الجلاب: وقد اعترض على قوله ليس لموضع من عرفة فضيلة على غيره لان العلماء استحبوا الوقوف حيث وقف رسول الله (ص) قال: وهذا الموقف عند الصخرات الكبار المفروشة في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي توسط أرض عرفة، لان رسول الله (ص) وقف هناك على ما في صحيح مسلم. وقد نص حذاق المذهب على استحباب هذا الموضع للوقوف فينبغي الاعتناء بالمحافظة عليه والاهتمام بالقصد إليه تبركا بآثاره (ص) انتهى. وقال التادلي: قال عياض في الاكمال: واستحب العلماء الوقوف بموضع وقوف النبي (ص) لمن قدر عليه انتهى. ونص كلامه في الاكمال في شرح قوله حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة فيه: أن السنة الوقوف على هذه الهيئة. واستحبوا هذا الموضع ثم قال: وقوله وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف تعريف بتوسعة الامر على أمته وبيان لهم. واستحب العلماء الوقوف بموضع وقوف النبي (ص) لمن قدر عليه انتهى. وما قاله في الاكمال ونقله التادلي عنه وذكره ابن معلى هو الذي قاله ابن حبيب. وظاهر كلام مالك في الموازية خلافه ولهذا قال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير: وأفضل المواقف في قول غير المالكية عند الصخرات الكبار المفروشة في طرف الروابي الصغار التي عند ذيل الجبل الذي بوسط عرفات وهو الجبل المسمى بجبل الرحمة. ثم قال: ومشهور مذهب مالك أن ليس لموضع من عرفة فضيلة على غيره وإنما يكره الوقوف على جبال عرفة ويقف مع عامة الناس انتهى. قلت: والظاهر أن قول مالك ليس بمخالف لقول ابن حبيب، وأن معنى قول مالك ليس في موضع من ذلك فضل أي أنه لم يرد في ذلك حديث يقتضي فضل موضع من المواضع على غيره وذلك لا ينافي استحباب القرب من محل وقوفه (ص) تبركبه. فيتحصل من هذا أن الوقوف على جبال عرفة مكروه ومثله البعد عن محل وقو ف الناس، والمستحب أن يقف في محل وقوف الناس والقرب من الهضاب حيث يقف الامام أفضل. والهضاب بكسر الهاء جمع هضبة على وزن تمرة. قال في القاموس: والهضبة الجبل المنبسط على

[ 130 ]

الارض، أو جبل خلق من صخرة واحدة، أو الجبل الطويل الممتنع المنفرد ولا يكون إلا في حجر الجبل انتهى. قلت: والظاهر أن المراد بها في كلام ابن حبيب المعنى الاول، فإن الظاهر أنه أراد بالصخرات المفروشة عند جبل الرحمة، ويقال لجبل الرحمة إلال على وزن هلال، وقيل بفتح الهمزة. الثاني: قا ابن جماعة الشافعي: وقد اجتهد والدي تعمده الله برحمته في تعيين موقف النبي ص) وجمع فيه بين الروايات فقال: إنه الفجوة المتسعلية المشرفة على الموقف وهي من وراء الموقف صاعدة في الرابية وهي التي عن يمينها ووراءها صخر ناتئ متصل بصخر الجبل المسمى بجبل الرحمة، وهذه الفجوة بين الجبل المذكور والبناء المربع عن يساره وهي إلى الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالة الواقف بيمين إذا استقبل القبلة، ويكون طرف الجبل قبالة وجهه والبناء المربع عن يساره بقليل وراء. وقال: إنه وافقه على ذلك من يعتمد عليه من محدثي مكة وعلمائها حتى حصل الظن بتعيينه انتهى. وقوله: عن يساره أي يسار الجبل، وقوله: بيمين أي في جهة يمين الواقف، وقوله: عن يساره بقليل وراء أي عن يساره إلى جهة وراء والبناء المربع الذي ذكره هو الذي يقال له بيت آدم. قال الفاسي: وكان سقاية للحاج أمرت بعملها والدة المقتدر انتهى. قلت: والائمة في هذا الزمان لا يقفون في هذا الموضع وإنما يقفون على موضع مرتفع في الجبل كما تقدم بيانه وكأنهم فعلوا ذلك ليراهم الناس والله أعلم. الثالث: نقل الازرقي عن ابن عباس أن حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون إلى جبال عرفة إلى وصيق إلى ملتقى وصيق، ووادي عرفة بالفاء ووصيق بواو مفتوحة وصاد مهملة مكسورة ومثناة تحتية ساكنة وقاف. قال الشيخ إبراهيم بن هلال: وعرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين التلعة إلى أن تفضي إلى طريق نعمان وما أقبل من كبكب من عرفة انتهى. وأصله لابن شعبان ونص كلامه في الزاهي: ويقفون مستقبلي القبلة عن يمين الامام وشماله وأمامه وخلفه، وعرفه كلها موقف إلا بطن عرنة لانه من الحرم. وعرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين التلعة التي تفضي إلى طريق نعمان، والتي تفضي إلى طريق حضن وما أقبل من كبكب من عرفات انتهى. وذكر النووي وغيره في ذلك كلاما طويلا، وقد تقدم أن جبل الرحمة في وسط عرفة والناس ينزلون حوله في قطعة من أر ض عرفة وهي متسعة من جميع الجهات والمحتاج إليه من حدودها ما يلي الحرم للاختلا ف فيه، ولئلا يجاوزه الحاج قبل الغروب وقد صار بذلك معروفا بالاعلام التي بنيت وكانت ثلاثة فسقط منها واحد وبقي اثنان مكتوب في أحدهما أنه لا يجوز لحاج بيت الله أن يجاوز هذاه الاعلام قبل غروب الشمس.

[ 131 ]

الرابع: قال ابن جماعة الشافعي: اشتهر عند كثير من العوام ترجيح الوقوف على جبل الرحمة على الوقوف على غيره أو أنه لا بد من الوقوف عليه، ويختلفون بذلك قبل وقت الوقوف ويوقدون الشمع عليه ليلة عرفة ويهتمون باستصحابها من بلادهم ويختلط الرجال بالنساء في الصعود والهبوط وذلك خطأ وجهالة وابتداع قبيح حدث بعد انقراض السلف الصالح نسأل الله إزالته وسائر البدع. وشذ بعض أهل العلم من متأخري الشافعية فاستحب الوقوف عليه وسماه جبل الدعاء وليس لذلك أصل انتهى. قلت: ذلك المحب الطبري في القربى استحباب طلوعه، وعبر المصنف بالحضور لينبه على أن المراد بالوقوف الكون بعرفة مع الطمأنينة على أي وجه حصل ذلك بقيام أو جلوس أو اضطجاع ما عدا المرور ففيه تفصيل يذكره المصنف. قال سند: ولا يشترط أحد في الوقوف قياما وإنما هو الكون بعرفة فكيف ما كان أجزأه قائما كان أو جالسا أو ماشيا أو راكبا وكيف ما تصور. وقال بعده: الواجب من الوقوف الكون بها على أي وجه كان، والمستحب أن يقف قائما إن كان ماشيا أو يركب ناقته مستقبل القبلة انتهى. قال ابن عبد السلام: ليس المراد من لفظ الوقوف حقيقته وإنما المراد منه الطمأنينة بعرفة، سواء كان فيها واقفا أو جالسا أو غير ذلك ما عدا المرور من غير طمأنينة فهو المختلف فيه. وإنما كثر استعمالهم الوقوف هنا لانه أفضل الاحوال في حق أكثر الناس والركوب لا يتأتى في حق الاكثر انتهى. وقال في التوضيح: المراد للوقوف بعرفة الطمأنينة ولو جالسا انتهى. وقال ابن فرحون: ليس المراد بالوقوف القيام على الرجلين، فالراكب بغيره يسمى واقفا بل المراد الطمأنينة بعرفة، سواء كان فيها واقفا أو جالسا أو مضطجعا، ما عدا المرور من غير طمأنينة فهو المختلف فيه انتهى. وقول المصنف ولو مر أن نواه أشار به إلى الخلاف في إجزاء المرور بعرفة من غير طمأنينة، فمذكر أنه يجزئ إذا نوى به الوقوف ويريد إذا عرفها بدليل قوله بعد هذا إلا الجاهل. وما ذكره من إجزاء المرور إذا نوى به الوقوف، وهذا أحد الاقوال الاربعة وعزاه في التوضيح لابن المواز، وعزاه ابن عرفة للشيخ عن ابن المواز ولابن محرز. وذكر في التوضيح عن سند أنه شهر إجزاء المرووإن لم يعرفها ولم ينو الوقوف وهو ظاهر كلام سند. وقيل يجزئ مروره إذا عرفهوإن لم ينو الوقوف وإنما يجزئ المرور، وإذا عرفها ونوى الوقوف وذكر الله. وقيل بالوقف. ذكر هذه الاقوال الاربعة ابن عرفة. تنبيهات: الاول: قال ابن عبد السلام: وإذا قيل إن المرور يجزئ فقال في كتاب محمد عليه دم ونقله ابن فرحون الثاني: فهم من كلام المصنف إن من وقف بعرفة نهارا ولم يقف ليلا لم يجزه، وهو مذهب مالك. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يجزئه وعليه دم. قال الجزولي في باب جمل من الفرائض: وهي قوله عندنا في المذهب. وقال ابن عبد السلام: أجمعو على أن من وقف ليلا يجزيه. والحاصل أن زمن الوجوب موسع وآخره طلوع الفجر. واختلفوا في مبدئه: فالجمهور أن

[ 132 ]

مبدأه من صلاة الظهر، ومالك يقول من الغروب، ووافق الجمهور من أهل مذهبنا اللخمي وابن العربي ومال إليه ابن عبد البر في ظاهر كلامه، واستقرأه اللخمي من مسائل وليس استقراؤه بالبين فلذلك لم ننقله هنا نعم الحق والله أعلم ما ذهب الجمهور إليه انتهى. وقال ابن فرحون بعد أن ذكر كلام ابن عبد السلام: ومالك وأصحابه وأئمة المذهب أعلم بالسنة وبما ورد منها وبما هو منها معمول به وجرى به عمل السلف وفتاويهم والله أعلم. وقال الجزولي في كتاب الحج: يستحب أن يقوم بالناس الامام المالكي لانه إذا كان غير المالكي يفسد على المالكيين حجهم لانه ينفر قبل الغروب، وإن كان مالكيا لمن ينفر إلا بعد الغروب. قلت: هذا ليس بلازم لان الامة مجمعة على طلب الوقوف في جزء من الليل. الثالث: لم يبين المصنف رحمه الله حكم الوقوف نهارا وهو واجب لمن قدر عليه، فمن تركه من غير عذر لزمه دم ومحله من بعد الزوال، ولو وقف بعد الزواودفع قبل الغروب ثم ذكر فرجع ووقف قبل الفجر أجزأه ولا هدي عليه. قال سند ومن دفع بعد الغروب وقبل الامام أجزأه والافضل أن لا يدفع قبل الامام. قاله في المدونة نقله في التوضيح. الرابع: قال ابن بشير: لو دفع من عرفة قبل الغرو ب مغلوبا فهل يجزيه أو لا ؟ قولان. نفي الاجزاء أصل المذهب وثبوته مراعاة للخلاف، ونقله التادلي وابن فرحون. والقول بالاجزاء ليحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سنة الغلو من هروبهم من عرفة قبل أن يتموا الوقوف أنه يجزيهم ولادم عليهم والله أعلم. الخامس: من دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة حتى غابت الشمس أجزأه وعليه هدي. قاله في الموازية ونقله ابن يونس واللخمي وصاحب الطراز وغيرهم. قال سند: قال أصحابنا: إنما وجب عليه الهدي لانه كان بنية الانصراف قبل الغروب. قلت: فعلى هذا من دفع قبل الغروب من المحل الذي يقف فيه الناس لاجل الزحمة ونيته أن يتقدم للسعة ويقف حتى تغرب الشمس فلا يضره ذلك والله أعلم. السادس: إذا دفع من عرفة فليحذر أن يؤذي أحدا. قال في الزاهي: فإذا غربت الشمس دفع الامام ودفع الناس فليتق أن يؤذي أحدا، وإن كان راكبا فليمش العنق فإن وجد فجوة نص والنص فوق العنق انتهى. ص: (أو بإغماء قبل الزوال) ش: يعني أن من أغمي عليه قبل الزوال وكان أحرم قبل ذلك بالحج فوقف به أصحابه فإنه يجزيه عند ابن القاسم. قال سند: لان الاغماء لا يبطل الاحرام وقد دخل في نية الاحرام. ونبه بقوله قبل الزوال على أن الاغماء لو كان بعد الزوال أجزأه من باب الاولى وهو كذلك، ولا بد أن يقف به أصحابه

[ 133 ]

جزءا من الليل ولدفعوا به قبل الغروب لم يجزه عند مالك. قال في الطراز: وهو ظاهر وهذا قول مالك وهو مذهب المدونة وهو المشهور، ومقابله قولان: أحدهما أنه إن أغمي عليه قبل الزوال لم يجزه، وإن أغمي عليه بعرفة بعد الزوال أجزأه ذلك وإن كان ذلك قبل أن يقف ولو اتصل حتى دفع به وليس عليه أن يقف ثانية إن أفاق في بقية ليلته. وهذا قول مطرق وابن الماجشون. والقول الثاني أنه إن حصل الاغماء بعد أن أخذ في الوقوف يعني بعد الزوال أجزأه، وأما إن وقف به مغمى عليه فلا يجزئه، ولو كان ذلك بعد الزوال. وعزاه اللخمي لمالك في مختصر ما ليس في المختصر ولاشهب في المدونة، وعزاه في الطراز لمن ذكر ولابن نافع. قال ابن عرفة وفي إجزاء من وقف به مغمى عليه مطلقا أو إن أغمي عليه بعرفة بعد الزوال ولو بعد وقوفه، ثالثها إن أغمي عليه بعدهما لها وللخمي عن رواية الاخوين وابن شعبان مع أشهب انتهى. ونقل الاقوال الثلاثة صاحب الطراز ونقلها في التوضيح وغيره. فرع: إذا قلنا يجزئ المغمى عليه الوقوف ولو كان قبل الزوال فنقل صاحب الطراز عن الموازية أنه لا دم عليه والله أعلم. فرع: قال سند: ولو قدم عرفات وهو نائم في محمله وأقام في نومه حتى دفع الناس وهم معهم أجزأه وقوفه للمعنى الذي ذكرناه في المغمى عليه انتهى، ونقله الشارح في الكبير. فرع: من شرب مسكرا حتى غاب عقله اختيارا أو بشئ أكله من غير علم أو أطعمه أحد ما أسكره وفاته الوقوف لم أر فيه نصا، والظاهر أنه إن لم يكن له في ذلك اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون وإن كان باختياره فلا يجزئه كالجاهل بل هو أولى والله أعلم. ص: (أو أخطأ الحج بعاشر فقط) ش: يعني أنه إذا أخطأ جماعة أهل الموسم وهو المراد بالحج فوقفو في اليوم العاشر فإن وقوفهم يجزئهم. واحترز بقوله فقط مما إذا أخطأوا ووقفوا في الثامن فإن وقوفهم لا يجزئهم وهذا هو المعروف من المذهب. وقيل: يجزيهم في الصورتين. وقيل: لا يجزئ في الصورتين. حكى الاقوال الثلاثة ابن الحاجب وغيره، وعلى التفرقة أكثر أهل العلم وهو قول مالك والليث والاوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. والفرق بين الصورتين أن الذين وقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على لسان رسول الله (ص) من إكمال العدة دون اجتهاد بخلاف الذين وقفوا في الثامن فإن ذلك باجتهادهم وقبولهم شهادة من لا يوثق به.

[ 134 ]

تنبيهات: الاول: ما ذكرناه من الخلاف في الصورتين هو طريقة أكثر الشيوخ، وذهب ابن الكاتب إلى أن المذهب متفق على الاجزاء في العاشر. الثاني: عزا ابن رشد في سماع يحيى القول بعدم الاجزاء في الصورتين لابن القاسم قال: لان اللخمي نقل عنه عدم الاجزاء إذا وقفوا في العاشر، فإذا لم يجزهم إذا أخروه فأحرى إذا قدمو. ولم يعز القول بالاجزاء في الصورتين إلا لاحد قولي الشافعي، وعزا القول الثالث لمن تقدم ذكره. وقال ابن عرفة: وعزا ابن العربي الاجزاء في الثامن لابن القاسم وسحنون واختاره. قلت: وعليه فيجزئ في العاشر من باب أحرى ويكون لابن القاسم في المسألة قولان بل ثلاثة، فإنه ذكر في سماع يحيى أنه يجزئ في العاشر دون الثامن. وعزا ابن عرفة هذه المسألة لسماع أصبغ وإنما هي في سماع يحيى بل ليس لاصبغ في كتاب الحج سماع. الثالث: إذا قلنا بالاجزاء في العاشر فقال في سماع يحيى: يمضون على عملهم وإن تبين لهم ذلك وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعدهم وينحرون من الغدو يتأخر عمل الحج كله الباقي عليهم يوما، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر، ولا رأى أن ينقصوا من رمي الجمار الثلاثة الايام بعد يوم النحر ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخطئ انتهى. وقال في التوضيح: نص مالك في العتبية على أنه إذا كان وقوفهم يوم النحر مضوا على عملهم ويتأخر عمل الحج كله الباقي عليهم يوما انتهى. قلت: وما ذكره في سماع يحيى من أنهم يمضون على علمهم سواء ثبت عندهم أنه العاشر في بقية يومهم أو بعده. قبله ابن رشد وغيره وهو الظاهر، وذكر صاحب الطراز أنه إذا ثبت عندهم أنه العاشر قبل أن يقفوا لم يقفوا. فإن كان مراده أنه ثبت عندهم قبل أن يمضي وقت الوقوف من ليلة العاشر في نفس الامر بحيث إنه يمكنهم الذهاب إلى عرفة والوقوف بها قبل الفجر، فما قاله ظاهر. وإن كان مراده أنه ثبت عندهم بعد أن يمضي وقت الوقوف من ليلة العاشر، فما قاله غير ظاهر وهو مخالف لما نص عليه مالك في العتبية والصواب ما تقدم والله أعلم. الرابع: الخلاف في إجزاء الوقوف في الثامن إنما هو إذ لم يعلموا بذلك حتى فات الوقوف. قال في البيان: ولا خلاف أن وقوفهم لا يجزئهم إذا علموا بذلك قبل أن يفوتهم الوقوف انتهى. الخامس: احترز المصنف بقوله أخطأ الجم مما إذا أخطأ واحد أو جماعة فلم يأتوه إلا بعد أن وقف الناس فإن الحج فإنهم ويتحللون بأفعال عمرة وذكره في التوضيح. السادس: قال سند: إذا شهد واحد أو جماعة ورد الحاكم شهادتهم لزمهم الوقوف لرؤيتهم كما قلنا في الصوم، وهذا قول الجمهور. وحكي عن محمد بن الحسن لا يجزئه ويقف مع الناس يوم العاشر انتهى. ونقله في التوضيح بلفظ: وقال محمد ابن الحسن: لا يجزئه

[ 135 ]

حتى يقف مع الناس. وظاهره أنه يقف على رؤيته ومع الناس. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ومن رأى هلال ذي الحجة وحده وقف وحده كأن لم يقبل فيه وفي الصوم سواء. وقال أصبغ: يقف لرؤيته ويعيد الوقوف من الغد مع الناس انتهى. وقال في البيان في سماع ابن أبي زيد من كتاب الصيام: وكذلك إن رأى هلال ذي الحجة وحده يجب عليه أن يقف وحده دون الناس ويجزئه ذلك من حجه. قاله بعض المتأخرين وهو الصحيح انتهى. قال في التوضيح في كتاب الصيام بعد أن ذكر كلام ابن رشد: ولعل بعض المتأخرين المشار إليه هو أبو عمران لكنه زاد: ثم يعيد الوقوف مع الناس. قيل له: فإن خاف من الانفراد ؟ قال: هذا لا يكاد ينزولم يقل شيئا. عبد الحق: ويحتمل أن يقال يكون كالمحصر بعد ويحل ثم ينشئ الحج من مكة مع الناس ويحج معهم على رؤيتهم احتياطا واستحسانا انتهى. قلت: ما حكاه عن أبي عمران خلاف ما قاله ابن رشد وصاحب الطراز فإن ظاهر كلامهما أنه لا يعمل إلا على رؤيته فتأمله والله أعلم. ص: (لا الجاهل) ش: يعني أن من مر بعرفة جاهلا بها فإنه لا يجزئه ذلك ولا يصح وقوفه إذا لم يعرفها لعدم استشعار القربة. وهذا القول عزاه في التوضيح لمحمد وكذلك عزاه له غيره وعزاه ابن الحاجب لابن القاسم. وقال المصنف في مناسكه: إنه المشهور. وذكر في التوضيح عن صاحب الطراز أنه قال: الاشهر الاجزاء لان تخصيص أركان الحج بالنية ليس شرطا. قلت: لم يصرح صاحب الطراز بأنه الاشهر وإنما قال بعد أن ذكر عن ابن المنذر أنه حكى عن مالك الاجزاء وهو أبين. فإن قيل: ما الفرق بين الجاهل والمغمى عليه ؟ فالجواب - والله أعلم - أن الجاهل معه ضرب من التفريط والمغمى عليه معذور، ولان الاغماء أمر غالب. بل تقدم في كلام صاحب الطراز أن النائم يجزئه وجعل النوم عذرا لانه أمر غالب والله أعلم. ص: (كبطن عرنة) ش: عرنة بضم العين المهملة وفتح الراء وبعد الراء نون. وقال عياض وغيره: بضم العين والراء. قال في التوضيح: والصواب الاول. وحكى ابن عبد السلام فيها ضم العين وسكون الراء. قال شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخه: وعرنة التي يجتنب الحاج الوقوف فيه هي واد بين العلمين اللذين هما على حد عرفة والعلمين اللذين هما على حد الحرم فليست من عرفة ولا من الحرم. وحكى ابن حبيب أنها من الحرم. قال الشيخ تقي الدين: وذلك لا يصح على ما ذكر المحب الطبري في القربى وذكر أنها عند مالك من عرفة وحكاه ابن المنذر عن مالك، وفي صحة ذلك عنه نظر على مقتضى ما ذكره الفقهاء المالكية في كتبهم، لانه توقف في إجزاء الوقوف بمسجد عرفة مع كونه مختلفا فيه، هل هو من عرفة أو من عرنة. ولعل ما حكاه ابن المنذر عن مالك رواية غير الرواية المشهورة في

[ 136 ]

المذهب والله أعلم. انتهى كلامه. وما ذكره من التنظير في كلام ابن المنذر سبقه إليه صاحب الاستظهار في مسائل الخلاف ونصه: والذي حكى ابن المنذر وغيره عن مالك ليس هو المشهور في كتب المغاربة فيمن وقف بمسجد عرفة ثم ذكر توقف مالك فيمن وقف فيه ثم قال: فهذا الاختلاف في مسجد عرفة الذي قيل فيه إنه خارج من بطن عرنة انتهى. فتحصل في بطن عرنة ثلاثة أقوال، الصحيح أنه ليس من عرفة ولا من الحرم، وللخلاف فيها وقع الخلاف في إجزاء الوقوف بها. ومعنى كلام المصنف إن من وقف في بطن عرنة لا يصح وقوفه بها ولا يجزئه قال المصنف في مناسكه على المعروف ومقابله. قال في التوضيح: حكاه ابن المنذر عن مالك أنه قال فيمن وقف في بطن عرنة: حجه تام وعليه دم. قال: ونحوه في الجلاب لانه قال: ويكره الوقوف به ومن وقف به أجزأه قال: وبطن عرنة هو المسجد انتهى. قلت: فعلى هذا لا يكون ما قاله ابن الجلاب موافقا لما حكاه ابن المنذر لان ابن الجلاب فسر بطن عرنة بالمسجد. وقد حكى سند الاتفاق على أن بطن عرنة ليس من عرفة ولا يجزئ الوقوف به. قال: واختلفوا في مسجد عرفة. وحكى ابن عرفة في الوقوف ببطن عرنة ثلاثة أقوال: عدم الاجزاء وعزاه لنقل ابن شاس على المذهب وظاهر الروايات، والاجزاء مع الدم وعزاه لابي عمر عن رواية خالد بن مروان أبي مصعب مع لفظ الجلاب عن بعض شيوخنا، والثالث الكراهة وعزاه لظاهر نقل ابن الجلاب عن المذهب. قلت: تقدم في كلام ابن الجلاب أنه فسر بطن عرنة بالمسجد فلا يعد ثالثا، وما حكاه ابن عرفة عنه في القول الثاني لم أقف عليه فيه. ص: (وأجزأ بمسجدها بكره) ش: يعني أن من وقف بمسجد عرفة فإنه يجزئه وقوفه مع الكراهة، وكان المصنف أخذها مما تقدم عن الجلاب. والذي نقله في التوضيح والمناسك ونقله ابن عرفة وغيره أن مالكا وقف في إجزاء الوقوف به، وكذلك ابن عبد الحكم، وقال محمد وابن مزين بالاجزاء، وقال أصبغ بعدم الاجزاء، فيكون ما حكاه المصنف رابعا وهو صحيح على ما حكاه ابن الجلاب عن المذهب. تنبيه: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب فيمن وقف بالمسجد: أن ابن المنذر حكى عن مالك أنه يجزئه ويريق دما انتهى. قلت: ولم يذكر صاحب الطراز ولا المصنف وابن عرفة وجوب الدم في القول بالاجزاء في مسجد عرفة، فيكون ما حكاه ابن فرحون قولا خامسا. فيتحصل في الوقوف بمسجد عرفة خمسة أقوال: الاجزاء وعدمه والاجزاء مع الدم على ما حكاه ابن فرحون والوقف والاجزاء مع الكراهة على ما حكاه المصنف هنا والله أعلم. ص:

[ 137 ]

(وصلى ولو فات) ش: يعني أن من جاء إلى عرفة فذكر صلاة منسية إن اشتغل بها فاته الوقوف بعرفة، وإن ذهب للوقوف لم يمكنه فعل الصلاة. فقال المصنف في التوضيح: المشهور من المذهب تقدم الصلاة لعظم أمرها في الشرع واستحقاقها للوقت بالذكر. وقال محمد: إن كان قريبا من عرفة مضى إليها ووقف، وإن كان بعيدا فيصلي وإن فاته الحج لحصول الشك في إدرا ك عرفة. وقال ابن عبد الحكم: إن كان من أهل مكة وما حولها فيصلي وإن كان آفاقيا فيمضي لعرفة. وقال اللخمي: تقدم عرفة مطلقا لما في فوات الحج من المشاق. وقال عبد الحميد: يصلي إيماء كالمسايف. انتهى مختصرا. تنبيهات: الاول: لم أر من شهر القول بتقديم الصلاة مع فرض المسألة في منسية فاتته بل ولا من ذكره وإنما ذكره من فرض المسألة في الحاضرة كما سيأتي في التنبيه الثاني إلا ما يأتي في كلام بعض المتأخرين الذين جمعوا بين نقول المتقدمين، ولم يذكر صاحب الطراز وابن يونس إلا قول ابن المواز وابن عبد الحكم مع أن عبارتهما محتملة لفرض المسألة في المنسية والحاضرة، ولكن ظاهر عبارتهما أنها منسية ولفظهما سواء ونصه: قال ابن المواز: من أتى قرب الفجر وقد نسي صلاة فلو صلاها لطلع الفجر وفاته الحج، فإن كان قريبا من جبال عرفة وقف وصلى، وإن كان بعيدا بدأ بالصلاة وإفاته الحج. وقال ابن عبد الحكم: إن كان من أهل مكة وما حولها بدأ بالصلاة، وإكان من أهل الآفاق مشى إلى عرفات فوقف وصلى انتهى. وذكر اللخمي هذين القولين واختار تقديم الوقوف مطلقا وكذلك صاحب الطراز وسيأتي لفظهما انتهى. فإن قلت: قد نقل القرافي في الذخيرة تقديم الصلاة مع أنه لم يصرح بفرض المسألة في الصلاة الحاضرة. قلت: إذا تأملت كلامه في الذخيرة لم تجد فيه تعريضا للقول بتقديم الصلاة فإنه قال: ومن أتى قبل الفجر وعليه صلاة إن اشتغل بها طلع الفجر، ثم ذكر قول ابن المواز وابن عبد الحكم واختيار اللخمي ثم قال: قاعدة المضيق في الشرع مقدم على ما وسع في تأخيره وما وسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات وما رتب على تاركه القتل على ما ليس كذلك، فتقدم الصلاة على الحج إجماعا غير أن فضل الصلاة قد عرض هاهنا بالدخول في الحج وما في فواته من المشاق فأمكن أن يلاحظ ذلك انتهى. فليس في كلامه تعرض للقول بتقديم الصلاة وإنما ذكر أن الصلاة من حيث هي مقدمة على الحج إجماعا للامور التي ذكرها فتأمله. نعم ذكر في قواعده القول بتقديم الصلاة لكنه

[ 138 ]

فرض المسألة في الصلاة الحاضرة كما سيأتي لفظه، ولم يذكر ابن الحاجب إلا قولي ابن المواز وابن عبد الحكم وقول الشيخ عبد الحميد أنه يصلي إيماء كالمسايف، وظاهر كلامه أنه فرض المسألة في الفائتة كما قال ابن عبد السلام والمصنف وغيرهما فإنه قال: فذكر صلاة وذكر ابن عرفة قولي ابن المواز وابن عبد الحكم والشيخ عبد الحميد واختيار اللخمي وفرض المسألة في المنسية ولم يذكر القول بتقديم الصلاة مع أنه قال في آخر كلامه: وفرضها ابن بشير في ذاكر العشاء. الثاني: قال ابن عبد السلام: ظاهر كلام ابن الحاجب وغيره واحد أنها صلاة منسية خرج وقتها الاختياري والضروري، وفرض ابن بشير المسألة فيمن ذكر صلاة العشاء من تلك الليلة ثم قال: وحكى ابن بشير قولا آخر لم يسلم قائله على عادته فيما يحكيه من الاقوال وهو تقديم الصلاة لعظم قدرها في الشرع ولاستحقاقها الوقت يعني أن الصلاة والحج وإن كان كل واحد منهما من أركان الاسلام إلا أن تقديم الصلاة على الحج معلوم قطعا، فإذا رجح الجنس على الجنس وجب مثله في الشخص على الشخص. وأما قوله ولاستحقاقها الوقت فهو جيد لكن على فرضه المسألة فيمن ذكر صلاة العشاء من تلك الليلة، وأما على ما قلنا إنه ظاهر كلام المؤلف وغيره إنها مفروضة في حق من تذكر فائتة قد خرج وقتها ففي استحقاقها هذ الوقت نظر وهو محل النزاع، وبالجملة إن هذا القول وقول الشيخ عبد الحميد إنما يظهران على طريق ابن بشير في فرض المسألة، إذ يبعد في حق المسايف المتذكر في تلك الحال منسية أن يصليها على حاله وإن كان الامر بها على الفور، وقد اختلف الناس في الوقتية في تلك الحال بما هو مذكور في غير هذا الموضع انتهى. قلت: ظاهر كلامه أنه لم يقف على القول بتقديم الصلاة مع فرض المسألة في الصلاة الحاضرة إلا في كلام ابن بشير، وقد ذكر ابن رشد والقرافي والشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل وقال: إنه المشهور. قال ابن رشد في شرح المسألة السادسة من سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة لما ذكر مسألة من انفلتت دابته وهو في الصلاة وكان في ضيق من الوقت قال: فإنه يتمادى في صلاته. قال: وإن ذهبت دابته ما لم يكن في مفازة ويخاف على نفسه إن ترك دابته حتى يصلي على ما قالوا في الحاج يصل إلى عرفة قرب الفجر ولم يصل المغرب والعشاء وهو إن مضى إلى عرفات وترك الصلاة أدرك الوقوف، وإن صلى فاته الوقوف والحج في ذلك العام وأنه يبدأ بالصلاة وإن فاته لانه قد يلزمه من النفقة والمؤنة في الحج عاما قابلا أكثر من قديمة الدابة أضعافا. وهذا على القول بأن الحج على التراخي، وأما على القول بأنه على الفور فهما فرضان وقد تزاحما في وقت واحد، فالبداءة بالوقوف أولى لان تأخير الصلاة التي يقضيها بالقرب أولى من تأخير الحج الذي لا يقضيه إلا إلى عام آخر، ولعل المنية تخترمه دون ذلك. انتهى كلام ابن رشد.

[ 139 ]

وقال القرافي في الفرق التاسع بعد المائة في بيان الواجبات لحقوق التي تقدم على الحج ما نصه: وكذلك يقدم ركعة من العشاء على الحج إذا لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء أو الوقوف. قال أصحابنا: يفوت الحج ويصلي. وللشافعية أقوال: يقدم الحج لعظم المشقة. وقيل: يصلي وهو يمشي كصلاة المسايفة. والحق هو مذهب مالك رحمه الله أن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا انتهى. وقبله ابن الشاط. وقال الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل: وقد اختلف علماؤنا في الحاج يأتي مراهقا ليلة التحرير يريد أن يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر ثم يذكر أنه لم يصل صلاة العشاء، فإن اشتغل بالصلاة فات الوقوف، وإن وقف خرج وقت العشاء على أربعة أقوال: قول يصلي ويفوت الحج، والثاني عكسه، والثالث يفرق بين أن يكون حجازيا فيقدم الصلاة أو آفاقيا فيقدم الوقوف، والرابع يصلي كصلاة المسايف والمشهور الاول انتهى. وحكى ابن بشير ثلاثة أقوال: القول بتقديم الصلاة، وقول ابن عبد الحكم، وقول الشيخ عبد الحميد. واعترض عليه بما سيأتي ذكره إن شاء الله قريبا، ولم يشهر شيئا منها إلا أنه قدم القول بتقديم الصلاة. وفرض ابن معلى لمسألة فيمن نسي صلاة وذكر قول ابن المواز وابن عبد الحكم وعبد الحميد ثم ذكر كلام القرافي في قواعده وفي هذا تخليط، لان القرافي إنما قاله في الصلاة الحاضرة، وكذلك التادلي ذكر كلام الذخيرة أولا ثم ذكر كلام ابن بشير والتحرير ما ذكرناه فتأمله. الثالث: إذا علمت ذلك فلا ينبغي أن يحمل قول المصنف وصلى ولو فات على ظاهره وأنه يقدم الصلاة على الحج مطلقا ولو كانت منسية خرج وقتها على الحج كما قد يتبادر من كلام الشارح لان هذا القول لم نقف عليه، بل الكلام في تقديم الصلاة إذا كانت حاضرة، فقد اختار اللخمي تقديم الوقوف مطلقا. وقال صاحب الطراز: الوجه عندي أن يشتغل بالحج لانه قد تعين بالاحرام وهو يفوت فعله والصلاة وقت قضائها متسع، ولو كانت صلاة تلك الليلة لم يبعد أن يقول الحج المتعين أولى به، ألا ترى أنه يؤخر المغرب ويعجل العصر مع الامكان إظهارا لمزيته وتنبيها على رتبته دون رتبة الصلاة ولما في قضائه من كبير المضرة حتى راعى ذلك جمهور العلماء إذا غم الهلال فوقف الناس يوم النحر وقالوا: يجزيهم وإن لم يكن يوم عرفة انتهى. وتقدم في كلام ابن رشد أنه إنما تقدم الصلاة على القول بالتراخي، وأما على القول بالفور فهما فرضان تزاحما في وقت واحد إلى آخر كلامه. قلت: وقوله أنهما فرضان تزاحما ظاهر وقوله إن ذلك إنما يأتي على القول بالفور غير ظاهر لان الفور والتراخي إنما ينظر فيه قبل الدخول في الاحرام، أما بعد الدخول في الاحرام فقد صار إتمامه فرضا على الفور إجماعا، بل لو كان تطوعا وجب عليه إتمامه على الفور، ولو أفسده وجب قضاؤ على الفور فالوقت مستحق للحج والصلاة معا. وقول ابن بشير في توجيه تقديم الصلاة ولاستحقاقها الوقت، وقول ابن عبد السلام إنه جيد على فرض المسألة

[ 140 ]

في الحاضرة غير مسلم أيضا لما ذكرنا، وقول القرافي المضيق في الشرع مقدم على ما وسع فيه والموسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات، وما رتب على تاركه القتل مقدم على ما ليس كذلك ليس في الصلاة في الصورة المفروضة ما يقتضي تقديمها على الحج إلا كونها ترتب على تاركها القتل، وأما ما قبل ذلك فإن الحج يشاركها فيه لانه قد استحق ذلك الوقت وصار مضيقا بحيث لا يجوز فيه الاشتغال بغيره، والصلاة الحاضرة تشاركه في ذلك لكن يترجح تقديم الحج بأن الشرع يراعي ارتكاب أخف الضررين، وبأن ما يترتب في الذمة ولا يمكن الخلاص منه إلا بعذر من بعيد ينبغي أن يقدم على ما يمكن قضاؤه بسرعة كما قاله ابن رشد. ويرجح أيضا تقديم الحج أن القرافي قرر في الفرق المذكور أن صون الاموال يقدم على العبادات، فيقدم صون المال في شراء الماء للوضوء والغسل إذا رفع في ثمنه على العادة على فعلهما، ويقدم إسقاط وجوب الحج إذا خيف على النفس أو المال على إيجاب فعله. ولا شك أن في تفويته إتلافا للمال المصروف في القضاء وفي الخلاف على النفس كما سيأتي في كلام ابن عبد السلام في التنبيه الذي بعد هذا وهو الذي يؤخذ من كلام المتقدمين، فإن كلام ابن المواز وابن عبد الحكم الذي نقله صاحب النوادر وابن يونس شامل للفائتة والحاضرة، وكل واحد منهما قدم الحج عند تحقق المزاحمة ووجود الضرورة أعني المشقة المترتبة على القضاء. ورأى ابن المواز أن مع البعد لا تتحقق المزاحمة لحصول الشك في الادراك، ورأى ابن عبد الحكم أن المرجح إنما هي الضرورة وهي إنما تحقق في الآفاقي، وغيره يرجح التقديم بغيرها مما تقدم ذكره من براءة الذمة بوجود مطلق الضرورة فتأمله والله أعلم. الرابع: اعترض ابن بشير على الشيخ عبد الحميد في قوله تصلى كصلاة المسايف بأنه قياس مع عدم تحقق وجود الجامع لان المشقة في الاصل خوف إتلاف النفس وفي الفرع خوف إتلا ف المال، وبأنه قياس على الرخص. وأجاب ابن عبد السلام عن الاول بأن الاسفار الشاقة مع بعد المسافة يخشى معها على النفس مع ضميمة إتلاف المال، ففي الفرع ما في الاصل وزيادة فيعود إلى قياس الاحرى وعن الثاني بأن القياس على الرخص المختلف في قبوله إنما هو إذا كان الاصل المقيس عليه منصوصا عليه في الشريعة أما إذا كان اجتهاديا فلا نسلم انتهى. قلت: وذكر ابن عرفة اعتراض ابن بشير ولم يرده ولا ذكر أنها تصلى عند الخوف على المال ولا ذكر كلام ابن عبد السلام، وهذا تسليم منهم أن صلاة المسايفة إنما تصلى عند الخوف عن النفس. والذي يفهم من كلامهم في كتاب الصلاة أنها تصلى عند الخوف على المال لانهم قالوا: إنها تصلى عند الخوف من اللصوص واللص إنما يطلب المال غالبا والله أعلم. الخامس: تقدم أن اللخمي قال: يقدم الحج ولا بأس بذكر كلامه كما تقدم الوعد به

[ 141 ]

للتنبيه على ما فيه. قال بعد أن ذكر قولي ابن المواز وابن عبد الحكم: وأرى إن ذكر وقد دخل أوائل عرفة بدأ بالصلاة وأجزأه عن الوقوف على القول بإجزاء المرور، وعلى مقابله يختلف بأي ذلك يبدأ وأرى أن يبدأ بالوقوف لانه قد تزاحم الفرضان فيبدأ بما يدركه بتأخيره ضرر وهو الحج، ولانه قادر على أن يأتي بها بفور الوقوف فكان ذلك أولى من تأخيره قربة لا يقدر على أن يوفي بها إلا لعام ومثله لو ذكر الصلاة قبل أن يبلغ عرفة وكان متى اشتغل بها فاته الوقوف فإنه يتمادى ويقف ثم يقضي الصلاة، وعلى القول الآخر يعني القول بإجزاء المرور يتمادى، فإذا دخل أول عرفة صلى وأجزأه عن الوقوف. انتهى أكثره باللفظ. قلت: وكلامه يقتضي أنه لا يحصل الوقوف بمكثه بعرفة في الصلاة إلا على القول بإجزاء المرور وليس ذلك بظاهر لما تقدم في كلام صاحب الطراز وابن فرحون وغيرهما أن المراد بالوقوف الكون بعرفة الاستقرار على أي حالة ما عدا المرور فإنه هو المختلف فيه. وقال ابن عبد السلام بعد أن ذكر كلام اللخمي: وعندي أنه لا يبعد في حق هذا أن يصلي وينوي مع الصلاة هناك الوقوف فيسقط الفرضان معا بفعل الصلاة المستلزم للوقوف بعرفة انتهى. قلت: وهذا ظاهر لا ينبغي أن يشك فيه أعني كون الوقوف يحصل بمكثه في الصلاة إذلا يشترط في الوقوف عدم تحريك الاعضاء، وإنما يشترط الاستقرار في محل واحد وعدم المشي عند من يقول بعدم إجزاء المرور وهو خلاف ما رجحه المصنف. السادس: يستفاد من كلام اللخمي وابن عبد السلام أن من دخل عرفة قبل الفجر واستقر بها ثم طلع الفجر عليه بها قبل خروجه منها أجزأه الوقوف وصح حجه، ولا يشترط في صحة الحج خروجه من عرفة قبل الفجر لان اللخمي فرض المسألة فيمن إذا اشتغل بالصلاة فاته الوقوف وطلع الفجر وقال: إنه إذا وصل إلى عرفة يصليها ويحصل له الوقوف وهو ظاهر ولم أقف على خلافه إلا ما ذكره ابن جزي في قوانينه ونصه: الثالث من الامور التي يفوت بها الحج من أقام بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر، سواء كان وقف بها أو لم يقف انتهى. ولم أقف عليه لغيره، وظاهر نصوص أهل المذهب أمن أدرك الوقوف بعرفة في جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج ولو طلع عليه الفجر وهو بها. وكلام صاحب الطراز كالنص في ذلك ونصه في أوائل كتاب الحج الثاني: ومن أدرك قبل فجر يوم النحر أن يقف بأدنى موضع من عرفة أجزأه عند الكافة وقد مر الحديث فيه. قال عطاء عن ابن عباس: من أدرك أن يقف على أول جبل من جبال عرفة مما يلي مكة إلى عرفة قبل الفجر فقد أدرك انتهى. ص: (والسنة غسل متصل ولا دم) ش: لما فرغ من بيان أركان الحج والعمرة شرع يذكر السنن والمستحبات

[ 142 ]

المتعلقة بكل ركن فبدأ بسنن الاحرام فقال: والسنة غسل متصل. فالسنة في الاحرام سواء كان بحج أو بعمرة أو بقران أو بإطلاق أو بما أحرم به زيد أن يكون عقب غسل متصل به. قال سند: ويؤمر به كل مريد الاحرام من رجل أو امرأة من صغير أو كبير أو حائض أو نفساء، فإن لم يحضر الماء سقط الغسل ولا يتيمم مكانه. نعم إذا كان محدثا وأراد الركوع للاحرام فإنه يتيمم لذلك وإن لحقته ضرورة من الغسل مثل قلة ماء أو ضيق وقت أو لسير رفقة أو خوف كشف للمرأة وشبه ذلك انتهى. وقال ابن فرحون في شرحه: أو خوف كشف ولم يقل للمرأة وهو أولى فإنه سقط بخوف كشف العورة مطلقا. قال في التوضيح: قال ابن المواز: وليس في تركه عمدا ولا نسيانا دم، وهذا معنى قول المصنف ولا دم. قال سحنون: ولكن أساء. وقال التادلي في مناسكه: قال ابن زرقون في كتاب الانوار له: قال أبوعمران قال ابن المعدل عن عبد الملك: هو لازم إلا أنه ليس في تركه نسيانا أو عامدا دم ولا فدية، فقد صرح في هذه الرواية عن عبد الملك بمساواة العامد والناسي. وقال ابن يونس: قال سحنون: من ترك الغسل وتوضأ فقد أساء ولا شئ عليه، وكذلك إن ترك الغسل والوضوء انتهى. فرع: فإن أحرم من غير غسل فإن بعد تمادي، وإن قرب فهل يؤمر بالغسل، قولان ذكرهما صاحب الطراز وابن بشير وابن فرحون وغيرهم. قال عبد الحق في النكت: قال أبو محمد قال ابن الماجشون في كتابه: ومن ركع للاحرام وسار ميلا قبل أن يهل بالحج ونسي الغسل فليغتسل ثم يركع ثم يهل، وإذا ذكره بعده أن أهل تمادى ولا غسل عليه انتهى. وقوله متصل أي بالاحرام. فلو اغتسل في أول النهار وأحرم عشيته لم يجزه الغسل. قاله في المدونة. وكذا لو اغتسل غدوة وأخر الاحرام إلى الظهر لم يجزه كما سيأتي بيانه في التنبيه الثاني من القولة التي بعد هذه والله أعلم. تنبيه: تقدم عند قول المصنف وإن لحيض رجى رفعه عن سند وغيره حكم ما إذا أرادت الحائض والنفساء تأخير الاحرام حتى تطهر. فرع: فإن كان من يرى الاحرام جنبا فقال سند: يغتسل لجنابته وإحرامه. وهل يكون غسلا واحدا يجري ذلك على حكم الجنابة والجمعة على ما مر انتهى. قال التادلي: واغتساله لجنابته وإحرامه غسلا واحدا يجزئ انتهى.

[ 143 ]

فرع: قال في التوضيح لما تكلم على سنن الاحرام إثر الكلام على الغسل قال ابن بشير: استحب بعض أهل المذهب أن يقلم أظفار ويزيل ما على بدنه من الشعر الذي يؤمر بإزالته، لا شعر رأسه فإن الافضل بقاؤه طلبا للشعث في الحج، وأن يلبده بصمغ أو غاسول فهو أفضل ليقتل دوابه انتهى وظاهر كلام مالك في الموازية وكلام غيره إباحة التلبيد لا استحبابه بقولهم لا بأس انتهى. وقوله ليقتل دوابه عبر عنه في مناسكه بلفظ مرادف لهذا اللفظ فقال: وتموت دوابه. وهو مشكل وسيأتي وجه إشكاله. وما ذكره المصنف في توضيحه ومناسكه مخالف لابن بشير والذي فيه لتقل دوابه مضارع، قل الشئ يقل من القلة ضد الكثرة. وكذا هو في النوادر والطراز، ولولا ما صرح به في مناسكه من قوله وتمو ت دوابه لامكن أن يقال صحف الكاتب قوله لتقل بلفظ ليقتل وإشكاله من وجهين: أحدهما أنه يصير حاملا لنجاسة أو شاكا في حملها، والثاني أن التلبيد لا يقتل القمل في ساعته وإنما يقتله بعد الاحرام، ومن قتل القمل بعد الاحرام فإن كان كثيرا لزمه الفدية، وإن كان قليلا لزمه الاطعام. ص: (وندب بالمدينة للحليفي) ش: يعني أن من كان يريد الاحرام من ذي الحليفة سواء كان ممن يلزمه ذلك أو من يستحب له الاحرام منه فإنه إذا أراد الاحرام من ذي الحليفة فيستحب له أن يغتسل بالمدينة، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وابن حبيب وسحنون. وقال عياض: إنه ظاهر المذهب وإن ابن الماجشون وسحنون فسرا به المذهب فاعتمده المصنف هنا. وحمل بعضهم المدونة على أن الغسل بالمدينة جائز وليس بمستحب وسيأتي لفظه في التنبيه الثاني. بل قال أبو الحسن: ظاهر قوله في المدونة إجزاء غسله أن المطلوب الغسل بذي الحليفة وهو ظاهر كلام صاحب الطراز. تنبيهات: الاول: الغسل بالمدينة إنما يندب أو يرخص فيه لمن يغتسل بها ثم يذهب إلى ذي الحليفة فيحرم بها من فوره أو يقيم بها قليلا بحيث لا يحصل بين الغسل والاحرام تفريق كثير، فأما من يقيم بذي الحليفة يوما أو ليلة فهذا لا يطلب بالغسل من المدينة على القول باستحبابه ولا يرخص له فيه على القول بجوازه كما بينت ذلك في شرح المناسك. الثاني: من اغتسل بالمدينة فيراعى في حقه اتصال غسله بخروجه، فإن لم يخرج من فوره وطال تأخره لم يجزه الغسل، وإن تأخر ساعة من نهار لشغل خف كشدر حله وإصلاح بعض جهازه أجزأه قال في الام: ومن اغتسل بالمدينة وهو يريد الاحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم أجزأه غسله، وإن اغتسل بها غدوة ثم أقام إلى العشاء ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم لم يجزه الغسل، وإنما يجوز الغسل بالمدينة لرجل يغتسل ثم يركب من فوره انتهى. قال سند إثر كلام المدونة: نعم لو اشتغل بعد غسله في شدر حله وإصلاح بعض جهازه ساعة من نهار كان خفيفا انتهى. وقال في التوضيح: وفي الموازية إن اغتسل غدوة وتأخر

[ 144 ]

خروجه للظهر كرهته وهذا طويل. قال بعضهم: وظاهره أنه يجتزئ به. قال: وهو خلاف المدونة، وكأنهم راعوا هنا الاتصال كغسل الجمعة انتهى. وما ذكره عن بعضهم أن ظاهر كلام محمد أنه يجزئه ذكره ابن عبد السلام ولم يذكره ابن يونس وصاحب الطراز وأبو الحسن وابن عرفة، وفي كلام محمد ما يقتضي عدم الاجزاء لانه قال بعد قوله كرهته وهذا طويل. فقوله: وهذا طويل يقتضي أنه لا يجزئه، وهكذا نقله ابن يونس وصاحب الطراز وأبوا لحسن، وكلامهم يقتضي أنه موافق للمدونة لانه لو كان مخالفا لها لنبهوا عليه كما هو عادتهم والله أعلم. الثالث: زاد البراذعي وابن يونس في اختصاريهما بعد قوله في المدونة لم يجزه الغسل وأعاده فأعطى كلامهما أنه يعيد الغسل بعد الاحرام. وليست هذه اللفظة أعني لفظة وأعاده في الام كما تقدم بل زادها البراذعي وابن يونس في اختصاريهما بعد قوله لم يجزه الغسل. ونبه على ذلك ابن عرفة فقال: ونقل البراذعي والصقلي عنها إعادته ليس فيها انتهى. قلت: ولم يذكر ابن أبي زمنين والشيخ ابن أبي زيد والشيخ أبو إسحاق وصاحب الطراز في اختصارهم للمدونة اللفظة المذكورة بل قال سند إثر كلامه المتقدم: فإذا قلنا لا يجزئه الغسل، فإن علم بذلك قبل أن يحرم اغتسل قولا واحدا، وإن لم يعلم حتى أهل وسار فهل يغتسل ؟ يختلف فيه وقد مر ذكره انتهى. وتقدم ذكر الخلاف في ذلك عند قول المصنف والسنة غسل متصل، وقد استوفيت الكلام على ما يتعلق بالغسل بالمدينة لمن أراد الاحرام من ذي الحليفة في شرح المناسك فمن أراد ذلك فليراجعه هناك والله أعلم. فرع: وهل يتجرد بالمدينة إذا اغتسل بها. قال سند: من رأى أن تقديمه الغسل بالمدينة فضيلة جعل التجرد من الثياب بها فضيلة، ومن جعل ذلك رخصة جعل التجرد أيضا منها رخصة. فرع: قال في الطراز: ولا يختص تقدمة الغسل بالمدينة بل كل من كان منزله قريبا من الميقات أي ميقات كان، والميقات منه على ثلاثة أميال ونحوها ومثل ذي الحليفة من المدينة واغتسل من منزله، أجزأه لان غسله في بيته أستر له وأحسن وأمكن انتهى. فعلى هذا من أراد الاحرام من التنعيم فإنه يجوز له أن يغتسل من مكة وربما كان غسله بها أولى لما ذكر في الطراز من كونه أستر وأمكن والله أعلم. ص: (ولدخول غير حائض مكة بذي طوى وللوقوف) ش: هو معطوف على قوله للحليفي وكذا قوله للوقوف. والمعنى أن غسل دخول مكة مستحب وكذلك الوقوف. قال في الطراز: والغسل عند مالك في الحج في ثلاثة مواضع.

[ 145 ]

قال في المدونة: يغتسل المحرم لاحرامه ولدخول مكة ولرواحه إلى الصلاة بعرفة ثم قال: ورتبة هذه الاغتسالات مختلفة. قال مالك: عند محمد غسل الاحرام أوجبها وهو بين فإن الاحرام يترتب عليه سائر المناسك فالغسل له أفضل من الغسل لبعضها لتعلقه بجميعها فالغسل له سنة ولغيره فضيلة انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي: وغسل دخول مكة ووقف عرفة مستحب ولا يتدلك فيه ولكن يصب على نفسه الماء صبا انتهى. وقال قبله: والغسل للاحرام يتدلك فيه. وقال في الرسالة: والغسل لدخول مكة مستحبلكنه قال في غسل عرفة: إنه سنة. وقيل: الاغتسالات كلها سنة. وقيل: كلها مستحبة. حكى القولين الآخرين الجزولي في الكبير والشيخ يوسف بن عمر. وقول المصنف غير حائض يعني به أن الغسل لدخول مكة لا يستحب للحائض يريد ولا للنفساء لان الغسل في الحقيقة إنما هو للطواف وهذا هو المشهور، ولذلك لو دخل من غير غسل أمر بالغسل بعد دخوله، وإذا اغتسل لدخوله اكتفى به عن الغسل للطواف. وقيل: إن الغسل لدخوله مكة فغسل الحائض والنفساء لا يجتزأ به عن الغسل للطواف. نقل القولين في ذلك ابن فرحون وغيره، ونص كلام ابن فرحون في شرحه: اختلف في الغسل لدخول مكة فقيل هو للطواف، وقيل هو لدخول مكة. فعلى أنه للطواف لا تغتسل الحائض لدخول مكة ويجزئ الرجل للدخول وللطواف، وإليه ذهب الباجي. وعلى أنه لدخول مكة فتغتسل الحائض والنفساء بذي طوى وهو مروي عن مالك ولا يجتزأ على هذا القول بالغسل لدخول مكة عن الغسل للطواف انتهى. وقال ابن عبد السلابعد ذكره القول الاول: إنه في الحقيقة إنما هو للطواف وهو أكثر نصوصهم. وروعن مالك أن الحائض والنفساء يغتسلان لدخول مكة انتهى. فرع: ويطلب في الغسل لدخول مكة أن يكون متصلا بالدخول، فلو اغتسل ثم بات خارج مكة لم يكتف بذلك. قال سند: والاغتسال لدخول مكة يستحب قبل دخولها ليكون طوافه متصلا بقدومه، فإن أخره واغتسل بعد دخوله فواسع. قال مالك: عند محمد ولا يكون غسله قبل دخوله إلا بقرب الدخول. ثم قال في أثناء كلامه: إذا ثبت أن الغسل للاحرام وجب أن يكون متصلا به أو في حكم المتصل فكذلك الغسل لدخول مكة لا يغتسل اليوم ويبيت بظاهرها ثم يدخل من غده انتهى. ويؤمر به كل من يريد الطواف. قال سند: قال مالك: لا يغتسل النساء والصبيان لدخول مكة. وقوله بطوى يعني به أن المطلوب لغسل مكة أن يكون بقرب مكة قبل دخولها ليكون طوافه متصلا بدخوله. وقال بعض المالكية في مناسكه: ولو اغتسل قبل ذي طوى بالقرب أجزأه. وذو طوى تقدم ضبطه وتفسيره عند قول المصنف وعدم إقامة بمكة أو ذي طوى. فرع: قال سند: من أتى مكة من جهة أخرى اغتسل بقربها قال: وواسع لمن اغتسل لاحرامه من التنعيم في ترك الغسل لدخول مكة انتهى. وانظر لو اغتسل لاحرامه من التنعيم في مكة والظاهر أنه يكفيه.

[ 146 ]

فرع: ولا يتدلك في غسل دخول مكة ولا في غسل عرفة بل يكتفي بصب الماء على ما قاله أكثر الشيوخ، وقد تقدم ذلك في كلام أبي إسحاق ومع إمرار اليد على ما قاله المصنف في مناسكه تبعا لما قاله ابن عطاء الله، وأشار إليه ابن معلى. ويطلب أيضا في غسل عرفة الاتصال فلو اغتسل في أول النهار لم يجزه. قال في الطراز في أثناء كلامه على حكم الاغتسال بالمدينة: فمن اغتسل غدوة وراح عشاء لم يتصل رواحه بغسله فلم يجز كما لو اغتسل صبيحة يوم عرفة لوقوفه بعد الزوال انتهى. قال ابن فرحون في شرحه: ويستحب تقديمه على الصلاة انتهى. وقال في الرسالة: ولينظر قبل رواحه انتهى. وقال في شرح العمدة: ووقته قبل الزوال لان المقصود به الوقوف، وإنما يقدم على الصلاة لانه يعقب الصلاة بالوقوف انتهى. ويطلب به كل من وقف بعرفة حتى الحائض والنفساء. قاله سند والتادلي والله أعلم. ص: (ولبس إزار ورداء ونعلين) ش: يعني أن خصوصية لبس ما ذكر سنة ولو لبس غير ذلك أجزأه كما لو التحف في كساء أو رداء، ولا ينبغي أن يعد التجرد من المخيط في سنن الاحرام كما فعل المصنف في منسكه وغيره لان التجرد واجب يأثم بتركه لغيره عذر كما صرح بذلك المصنف في مناسكه أيضا وصرح به غيره. ولا يقال التجرد إنما يجب بعد الاحرام فالتجرد عند إرادة الاحرام سنة لانه قد صرح القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة بأن التجرد يجب عند إرادة الاحرام، ونصه في شرح قول الرسالة: ويتجرد من مخيط الثياب، وذلك لان المحرم ممنوع من لبس المخيط فلذلك وجب إذا أراد الاحرام أن يتجرد منه انتهى. وقال في التلقين: وأما واجباته - يعني الاحرام - فأن يحرم من ميقاته وأن يتجرد من مخيط الثياب وقت إرادته الاحرام ومن كل ما يمنعه في الاحرام مما سيذكره انتهى. ص: (وتقليد هدي ثم إشعاره) ش: يعني أنه يسن لمن أراد الاحرام وكان معهدي أن يقلده بعد غسله وتجريده ثم يشعره، وسيأتي إن شاء الله الكلام على التقليد والاشعار في آخر الفصل الثاني حيث يتكلم عليه المصنف. وإنما ذكر المصنف هنا أن التقليد والاشعار مقدمان على الركوع كما هو مذهب المدونة. ولمالك في المبسوط أن الركوع مقدم عليهما، ولم يذكر الخليل الهدي لانه مستحب ليس بسنة كما سيأتي. ذكره عند الكلام على التقليد والاشعار. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: إن تقليد الهدي وإشعاره ليس سنة إلا فيما ساقه من الهدايا لا فيما وجب عليه في أثناء الاحرام ونصه: لما كان التقليد والاشعار. من سنة الهدي

[ 147 ]

ذكره معه وليس بسنة إلا فيما ساقه المحرم لا فيما وجب عليه أثناء مناسكه. وقد تقدم ذلك على الاحرام. انتهى فتأمله والله أعلم. والهدي بسكون الدال المهملة وتخفيف الياء، ويقال بكسر الدال وتشديد الياء. قاله ابن جماعة في منسكه الكبير. وقال: قال الازهري: وأصله التشديد الواحدة هدية وهدية انتهى. تنبيه: قد يستروح من كلام المصنف رحمه الله أن سوق الهدي سنه وصرح به في مناسكه فقال: وسياقه الهدي سنة لمن حج، وقد غفل الناس عنها في هذا الزمان انتهى. وقال سند في باب الهدي: الهدي مشروع في الحج ومشروع في العمرة، لكن صرح في موضع آخر أن الهدي مستحب وليس بسنة. قال ابن عطاء الله في شرح المدونة: وما قاله سند إن الهدي ليس من سنن الحج ضعيف. قال: وقد رد على نفسه في تشبيهه الهدي بالغسل ولا خلاف أن الغسل من سنن الاحرام. وقد قال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب: أليس سنتهم الضحية وإنما سنتهم الهدي. وقال أبو الوليد الباجي في منتقاه: إن الهدي تبع للنسك ومن سننه انتهى. ونقل ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير في الباب الرابع في كلام سند وكلام ابن عطاء الله ونصه: قال سند من المالكية: إن الهدي ليس من سنن الحج وإنما يكون لترك واجب أو تبرعا. وقال: إنه مستحب والمستحب عندهم دون السنة ويسمونه فضيلة. وقال الشيخ أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله في شرح التهذيب: وما قاله سند من أن الهدي ليس من سنن الحج ضعيف، ثم ذكر بقية كلامه بلفظه المتقدم فتأمله والله أعلم. ص: (ثم ركعتان) ش: ظاهره أن السنة ركعتان بخصوصهما وليس كذلك، وإنما السنة الركوع عند الاحرام كما قال في مناسكه: الثالثة أن يصلي ركعتين فأكثر من غير الفريضة انتهى. وقال في المدونة: والمستحب إحرامه بإثر النافلة ولا حد لتنفله. وقال المازري في شرح التلقين في أول كتاب الصلاة: وينبغي أن يتأمل تحرير أبي محمد لما ذكر ركوع الحج فقال: ركعتا الطواف والركوع عند الاحرام. وهذه إشارة منه إلى أنهم لم يشتهر في أصل الشرع الاقتصار على ركعتين عند الاحرام كما اشتهر الاقتصار عليهما عقب الطواف لم يقل ركعتا الاحرام كما قال ركعتا الطواف. انتهى فتأمله. فإنه حسن والله أعلم. ص: (والفرض مجزئ) ش: يعني أن الاحرام عقب الفرض مجزئ. قال المصنف في مناسكه في التوضيح: السنة الثالثة أن يحرم إثر صلاة، والمستحب أن تكون نافلة ليكون للاحرام صلاة تخصه، ويدل على الاستحباب قوله يعني ابن الحاجب: فإن اتفق فرض أجزأ وفي المذهب قول إنه لا رجحان للنافلة انتهى. فدل كلامه على أن أصل السنة يحصل بالاحرام عقب الفريضة فتأمله. ص: (يحرم إذا استوى والماشي إذا مشى) ش: تصوره

[ 148 ]

ظاهر. وقال في مناسكه الشيخ يوسف بن عمر: فإذا فرغ من صلاته ركب راحلته، فإذا استوت به قائمة أحرم، وإن ركبها قائمة فحين يستوي عليه انتهى. ص: (وتلبية) ش: يعني أن إيصال التلبية بالاحرام من غير فصل سنة وأما التلبية في نفسها فواجبة، ويجب أيضا أن لا يفصل بينها وبين الاحرام زمن طويل ولذلك قال في التلقين لما عد سنن الاحرام: ويهل بالتلبية حين اعتقاد الاحرام ويسن أن لا يفصل بين كلماتها بشئ. قال في الطراز لما تكلم على التلبية: ومن سننها أن تكون نسقا لا يتخللها كلام غيرها كالاذان، فإذا سلم عليه قال مالك: لا يرد حتى يفرغ من تلبيته فيرد بعد ذلك انتهى. وأما عده التلبية في سنن الاحرام ففيه تجوز ولذلك لما عد في الجواهر سنن الاحرام عده فيها تجديد التلبية لا التلبية نفسها، وتبعه على ذلك القرافي في ذخيرته والله أعلم. فرع: قال سيدي إبراهيم بن هلال في منسكه في الباب الاول من الابواب الاربعة التي في آخر المناسك: قال ابن العربي: التلبية هي الاجابة والقصد والاخلاص قال: وتكون بالقلب واللسان ولا تتم إلا باجتماع الكل انتهى والله أعلم. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويلبي الاعجمي بلسانه الذي ينطق به. وإن لم يقدر على حفظ التلبية، فهل يكفي التكبير ونحوه أو كالعدم ؟ وتلبي الحائض والجنب كغيرهما انتهى. وأصله لسند ناقلا له عن الموازية وأصله: قال مالك في الموازية: والاعجمي يلبي بلسانه الذي ينطق به. وهذا متفق عليه. وزاد أبو حنيفة فقال: ويفعله من يحسن العربية وهو فاسد فإن الله لا يذكر بغير ما لبى به نفسه في الشرع. فالاحسن أن يتعلم الاعجمي التلبية بالعربية فإن لم يجد من يعلمه لبى بلسانه. انتهى ذكره في أول باب صفة التلبية. فرع: قال ابن هارون في شرح المدونة: قوله وكره مالك أن يلبي من لا يريد الحج ورآه خرقا لمن فعله قيل: الذي كرهه مالك إنما هو تلبية الحج. وأما قول القائل لمن دعاه لبيك فلا كراهة، فإن الصحابة لم يزالوا يلبون النبي (ص) في غير موضع فلا يعيب ذلك عليهم. وفي الحديث أن الرسول (ص) يقول يوم القيامة لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك.

[ 149 ]

وأما تلبية الحج فتكره في غير موضعها إلا لرواية أو معلم أو متعلم. والخرق بضم الخاء الحمق وسخافة العقل انتهى. وقال في التوضيح عن الشيخ ابن أبي جمرة: وقد نص العلماء على أن جواب الرجل لمن ناداه بلبيك من السفه وأنه جهل بالسنة، واستدل على ذلك بكون الصحابة لم يفعلوا ذلك فيما بينهم وبكونه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك معهم انتهى. فانظر ما قاله مع كلام ابن هارون إلا أن يحمل كلامه على ما حمل عليه ابن هارون كلام المدونة فيتفق كلامهما وهو الظاهر والله أعلم. فرع: قال في الشفاء: وسئل ابن القاسم رحمه الله عن رجل نادى رجلا باسمه فأجابه لبيك اللهم لبيك. قال: إن كان جاهلا أو قاله على وجه سفه فلا شئ عليه. قال القاضي رحم الله في شرح قوله إنه لا قتل عليه: والجاهل يزجر ويعلم والسفيه يؤدب، ولو قالها على اعتقاد إنزاله منزلة ربه كفر. وهذا مقتضى قوله انتهى. فائدة: قال خليل في منسكه في آخر باب ما يحرم بالاحرام قبل باب ما يجب بمحظورات الاحرام: قال ثابت البناني: كان مالك بن أنس لا يحرم حتى ينتهي إلى ذات عرق، فإن انتهى إليها أحرم وكان لا يكلم أحدا إلا بما لا بد له منه حتى يطوف بالبيت انتهى. ص: (وخلف صلاة) ش: قال في التوضيح: يريد الفرض والنفل قاله ابن المواز وابن حبيب وغيرهما. ص: (وهل لمكة أو للطواف خلاف) ش: فلا يلبي إذا شرع في الطواف بلا خلاف حتى يكمل سعيه. فرع: انظر لو أقيمت عليه الصلاة وهو في أثناء الطواف فقطع الطواف للصلاة وصلى، هل يلبي بعد تلك الصلاة أم لا لانه لم يكمل السعي وهذا هو الظاهر ولم أر الآن فيه نصا والله أعلم. ص: (وإن تركت أوله فدم إن طال) ش: ومفهوم قوله إن تركت أوله أنه إذا بنى في أول الاحرام ثم تذكرها بعد ذلك أنه لا دم عليه وبذلك صرح أبو الحسن الصغير. قال في شرح قوله فالمدونة وإن توجه ناسيا للتلبية من فناء المسجد كان بنيته محرما، وإن ذكر من قريب لبى ولا شئ عليه، وإن تطاول ذلك به أو نسيه حتى يفرغ من حجه فليهرق دما.

[ 150 ]

وقال عبد الحق: ظاهر هذا الكلام أنه إذا رجع إلى التلبية بعد الطول لا يسقط عنه الدم برجوعه إليها بخلاف من لبى أول إحرامه ثم ترك التلبية ناسيا أو عامدا فهذا لا دم عليه انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي: لو ابتدأ بالتلبية ثم ترك أو كبر فلاشئ عليه. وقيل: عليه دم انتهى. ونقله عنه التادلي. وعلى ذلك اقتصر صاحب التلقين فقال: وإن قال منها ولو مرة فلا شئ عليه. وقال في العمدة: ويجزئ منها مرة واحدة وإن تركت في جميعه فدم. وقال ابن عطاء الله في مناسكه: وأقلها مرة فإن تركها بالكلية فالهدي. وعليه اقتصر الشيخ سليمان المذكور أولا في مناسكه وشهر ابن عرفة وجوب الدم ونصه، فإن لبى حين أحرم وترك ففي الدم ثالثها إن لم يعوضها بتكبير وتهليل للمشهور وكتاب محمد واللخمي انتهى. وقال سيدي إبراهيم: قال ابن العربي: وإن ابتدأها ولم يعدها فعليه دم في أقوى القولين انتهى. وكأن المصنف اعتمد ما تقدم وهذا ظاهر والله أعلم. ص: (برواح مصلى عرفة) ش: يريد إلا أن يحرم بها فإنه يلبي حينئذ ثم يقطع على المشهور كما صرح به القرافي في شرح الجلاب. وقال ابن الجلاب: إنه يلبي إلى جمرة العقبة. ص: (وللطواف المشي) ش: قال سند: لان الطواف عبادة بدنية فينبغي أن يباشرها المرء بنفسه ويفعلها، وفعل المحمول إنما هو للحامل فلا يطاف بأحد محمولا إلا من عذر وهو أثقل من الراكب على بعير لان فعل البهيمة منسوب إلى راكبها، وبالعكس من ذلك في فعل الحامل فإنه منسوب للحامل لا إلى المحمول. انتهى أوله بالمعنى وآخره باللفظ والله أعلم. وتبع المصنف ابن الحاجب في عد المشي من سنن الطواف. وقد ناقشه في ذلك في التوضيح وقال: لعل من يرى وجوب الدم فيه يقول إنه واجب انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر وقد صرح بذلك ابن راشد: قال ابن فرحون في شرحه: قال ابن راشد: المشهور أنه مبني على الوجوب فهو من الواجبات المجبرة بالدم، وأدخله ابن الحاجب في السنن للاختلاف فيه والله أعلم.

[ 151 ]

تنبيه: لم يذكر المصنف حكم المشي في السعي وحكم الركوب فيه حكم الركوب في الطواف. قاله في المدونة ونقله ابن عرفة ونصه: وفيها لا يسعى راكب لغير عذر انتهى. وقاله في التوضيح وغيره. ص: (وإلا قدم لقادر لم يعده) ش: قال في التوضيح: احترز - يعني ابن الحاجب - بقوله قادرا مما لو ركب لعجز فإنه يجوز. الباجي: ولا خلاف فيه ولا يشترط فيه عدم القدرة بالكلية بل يكفي المرض الذي يشق معه المشي انتهى. وقال ابن عبد السلام: وقال التادلي قال القرافي: ويجوز الركوب لمن لا يطيق المشي، ولمالك في الكعبة وحدها قولان والمشهور المنع انتهى فتأمله. فإنه يشبه أن يكون مخالفا لما في التوضيح والله أعلم. والكبر عذر في الركوب في الطواف والسعي. نقله الباجي عن ابن نافع ونقله ابن عرفة في الكلام على السعي، ونصه الباجي عن ابن نافع الكبر عذر انتهى. وتقدم أن حكم الركوب في الطواف والسعي واحد انتهى. فروع: الاول: انظر لو ركب في الطواف والسعي جميعا، هل يلزمه هدي واحد وهو الظاهر أو هديان كما لو ترك الرمي ومبيت منى والله أعلم. الثاني: لا فرق في الركوب أن يكون على دابته أو على آدمي. قال التادلي: قال ابن يونس: ومن المدونة قال مالك: ومن طاف محمولا أو راكبا. - قال سحنون - يريد على أعناق الرجال لان الدواب لا تدخل المسجد والحكم فيهما سواء إن نزل لا فرق بين ركوبه على دابته وعلى رجل انتهى. الثالث قال التادلي: قال الباجي: وإن طاف راكبا فيجب أن يكون راكبا بعيرا من غير الجلالة لطهارة بوله وروثه لانه لا يؤمن أن يكون ذلك منه في المسجد انتهى. ونقل ذلك ابن

[ 152 ]

عرفة باختصار ونصه: والعاجز - قال سحنون - يحمل ولا يركب لان الدواب لا تدخل المسجد. الباجي: له ركوب طاهر الفضلة انتهى. ص: (وفي الصوت قولان) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وفي كراهته التصويت بالتقبيل قولان، ورجح غير واحد الجواز، وكره مالك السجود على الحجر وتمريغ الوجه. قال بعض شيوخنا: وكان مالك يفعله إذا خلا به انتهى. وذكر العلامة ابن رشيد في رحلته أن الشيخ محب الدين الطبري جاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر وقال له: علمني السنة في تقبيل الحجر يعني أبصوت أم دونه. فذكر له التقبيل من غير تصويت فقال: إني لا أستطيع. قال: فأطرق الشيخ ثم ارتجل هذه الابيات: وقالوا إذا قبلت وجنة من تهوى فلا تسمعن صوتا ولا تعلن النجوى فقلت ومن يملك شفاها مشوقة إذا ظفرت يوما بغاياتها القصوى وهل يشفي التقبيل إلا مصوتا وهل يبرد الاحشا سوى الجهر بالشكوى قال: هكذا. قال: وهل يشفى محرك اليا اللضرورة ولا ضرورة بل نقول وهل يبرئ والله أعلم. ص: (وللزحمة لمس بيد ثم عود وضعا على فيه ثم كبر) ش: ظاهر قوله ثم كبر أن التكبير إنما يكون عند تعذ الاستلام بالفم واليد والعود وأنه لا يجمع بين التكبير والاستلام، وهذا هو الذي فهمه المصنف عن المدونة. واعترض على ابن الحاجب في كون ظاهر كلامه أنه يجمع بين التكبير والاستلام اعتمادا منه رحمه الله على ظاهر لفظ التهذيب ونصه: وإذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الاسود بفيه إن قدر وإلا لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يصل كبر إذا حاذاه ثم يمضي يطوف ولا يقف، وكلما مر به إن شاء استلم أو ترك ولا يقبل اليماني بفيه ولكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يستطع لزحام كبر ومضى انتهى. والصواب ما قاله ابن الحاجب، ففي التهذيب نفسه ما يدل على ذلك ونصه: وكلما مر به في طواف واجب أو تطوع فواسع إن

[ 153 ]

شاء استلم أو ترك ولا يدع التكبير كلما حاذاهما في طواف واجب أو تطوع انتهى. وفي الرسالة: ويستلم الركن كل ما مر به كما ذكرنا ويكبر. وفي مختصر الواضحة لابن أبي زيد: ولا يدع التكبير فيهما استلم أم لا انتهى. وقال أبو الحسن الصغير في شرح قوله في المدونة ولا يقبل اليماني في الامهات، قيل له: هل يكبر إذا استلم الركن اليماني بيده أو إنما هو إذا استلمه بفيه ؟ قال: يكبر على كل حال انتهى. تنبيهات: الاول: فإذا قلنا يجمع بين التكبير والاستلام، فهل التكبير قبل الاستلام أو بعده ؟ لم أقف فيه على نص صريح إلا قول ابن فرحون في مناسكه إذا تقدمت للطواف فاستقبل الحجر وكبر ثم قبله بفيك انتهى. فظاهر عطفه التقبيل بثم على التكبير يقتضي أن التقبيل عقب التكبير، لكن ظاهر كلام المدونة المتقدم أو صريحه يفهم منه أن التكبير متأخر عن التقبيل لانه قال أولا فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الاسود بفيه إن قدر ثم قال: فإن لم يصل كبر إذا حاذاه ثم يمضي يطوف ولا يقف. ويؤيد ما قلناه أن ظاهر كلامها أن التقبيل متأخر عن التكبير ما فهمه سيدي خليل منها من أن التكبير إنما يكون بعد الفجر عن التقبيل باليد أو بالفم، ولو فهم من كلامها أن التكبير متقدم على التقبيل لما وقع فيما اعترض به عليه فتأمله والامر سهل والله أعلم. الثاني: قال في الطراز: مسألة من قال فيه من لا يستطيع أن يلمس الركن قال مالك: يكبر ويمضي ولا يرفع يديه. هذا يختلف فيه فقال الشافعي: يشير بيده وهو فاسد ثم ذكر وجهه والله أعلم. وفي مناسك ابن فرحون أول الكلام على الطواف: ولا تشير إليه بيدك انتهى. قال أيضا في سنن الطواف: ولا يشير إليه بيده ويضعها على فيه انتهى. وقال ابن معلى في مناسكه: فإن لم يصل إلى الحجر كبر إذا حاذاه ولا يرفع يديه أي لا يشير، واختار القاضي عياض الاشارة مع التكبير. والاكثرون على عدمها وهو مذهب المدونة انتهى. وما ذكره عن عياض هو في قواعده والله أعلم. ص: (والدعاء بلا حد) ش: قال في شرح العمدة: والمستحب أن يطوف بالباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو بغير ذلك من الاذكار، ولا يقرأ وإن كان القرآن المجيد أفضل الذكر لانه لم يرد

[ 154 ]

أنه (ص) قرأ في الطواف، فإن فعل فليسر القراءة لئلا يشغل غيره عن الذكر انتهى. ص: (ولو مريضا وصبيا حملا) ش: قال التادلي عن القرافي: فإنه قيل: كيف يصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه يركب في السعي وأنه رمل فيه ؟ قلنا: رمل بزيادة تحريك دابته، ويجوز أن يكون ركب في حجه ومشى في عمرته وبالعكس انتهى. قال التادلي: وقف من هذا الجواب على أن الراكب إذا سعى راكبا يرمل بتحريك بادته ويلزم مثله في الطواف أيضا إذ لا فرق بينهما. وما رأيت أحدا نص عليه إلا ما يستقرأ من هذا الجواب، ويؤيده نصوص المذهب على استحبابه لكن للراكب في بطن محسر وللماشي فلا فرق بينهما انتهى. وما ذكره صحيح، وقد نص سند على أن الراكب في الطواف يخب بدابته ونصه: وإن طاف راكبا لم يخب دابته في الاشواط على القول بأن المحمول لا يخب به، وعلى القول بأنه يخب الحامل بالمحمول يخب الراكب بدابته وهو قول أصحاب الشافعي، وقد زعم بعضهم إن الدابة يخب بها وإن لم يخب بالمحمول انتهى والله أعلم. ص: (وللزحمة الطاقة) ش: قال في المدونة: وإن زوحم في الرمل فلم يجد مسلكا رمل بقدر طاقته. قال سند: يستحب للطائف الدنو من البيت هو المقصود، فإن كان بقرب البيت زحام لا يمكنه أن يرمل فيه، فإن كان يعلم أنه إذا وقف قليلا وجد فرجة تربص فإذا وجد فرجة رمل، وإن لم يطمع بفرجة لكثرة الزحام فإن علم أنه إن تأخر إلى حاشية الناس أمكنه الرمل فليتأخر ورمله مع ذلك أولى من قربه بالبيت من غير رمل، فإن كان لا يمكن التأخير أو كان ليس في حاشية الناس فرجة فإن يمشي ويعذر في ترك الرمل انتهى. قال عبد الحق: وذكر بعض البغداديين أنه إذا زوحم في الرمل فلم يجد مسلكا إنما يرمل إذا قدر على المشي، فأما إذا لم يستطع وهو قائم في موضعه فليس يؤمر أن يتحرك إذا لم يطق المشي، ويدل على هذا قول مالك في كتاب محمد: إنه لا فرع: نقل في المسائل يحرك منكبيه في الرمل فاعلم ذلك انتهى والله أعلم فرع: نقل في المسائل الملقوطة عن والده أنه يكره الطواف مع الاختلاط بالنساء. ص: (وللسعي تقبيل الحجر) ش: قال ابن فرحون: إن كان على غير وضوء فإن الحجر يستلمه إلا متوضئ انتهى. وهو ظاهر. وقال ابن عبد السلام: ظاهر المدونة أن هذا الاستلام آكد من الاستلام في الشوط الثاني وظاهر كلام ابن الحاجب أنهما سواء.

[ 155 ]

تنبيه: قال ابن فرحون: تقدم أنه إذا أراد الخروج للسعي من المسجد قبل الحجر الاسود ثم يخرج ولم يذكروا أنه يقبل الحجر بعد طواف الوداع وقبل الخروج من المسجد وهو حس فتأمله انتهى. قلت: نص على تقبيله بعده في مختصر الواضحة، وسيأتي كلامه عند قول المصنف ودعاء بالملتزم. وقال في المدونة: فإذا فرغ من طوافه أول ما دخل مكة وصلى الركعتين فلا يخرج إلى الصفا والمروة حتى يستلم الحجر، فإن لم يفعل فلا شئ عليه، فإذا طاف بالبيت بعد أن أتم سعيه وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يرجع فيستلم الحجر الاسود إلا أن يشاء انتهى. قال سند: وذلك أن الطوا ف إذا اتصل بالسعي وقع الاستلام في أضعاف العبادة فكان من توابعها، وإذا لم يتصل بالطواف سعى وفرغ حكمه بالفراغ من ركوعه فيكون الاستلام بعده على حكمه منفردا من غير طواف من شاء فعله ومن شاء تركه انتهى. وقال الشيخ زروق: يستحب لمن طاف وركع أن يكون آخر عهده بالبيت فيقبل الحجر ثم يمر بزمزم فيشرب منها ويدعو عند ذلك بما أحب وينوي بشربه ما أراد فإن ماء زمزم لما شرب له كما في الحديث، وإن لم يصح فقد جربت بركته، ويخرج من أي باب شاء عند مالك. وقال ابن حبيب: من باب بني مخزوم لان النبي (ص) خرج منها وهي المعروفة اليوم باب الصفا لانها تقابله انتهى. فأول كلامه ظاهره يقتضي أن تقبيله بعد ركوع كل طواف مطلوب لكن قوله ويخرج من أي باب شاء عند مالك إلى آخر كلامه، يفهم منه إنما مقصوده الكلام على الطواف الذي بعده سعى والله أعلم. ص: (وإسراع بين الاخضرين) ش: هكذا وقع في عبارة ابن الحاجب وغيره وكأنهم يعنون الميلين الذين في جدار المسجد الحرام على يسار الذاهب إلى المروة، أولهما في ركن المسجد تحت منارة باب على والثاني بعده قبالة رباط العباس. والاميال أربعة،. الميلان المذكوران وميلان آخران على يمين الذاهب في مقابلة الميلين الاولين. تنبيه: مقتضى قول المصنف وغيره بين الميلين أن ابتداء الخبب في السعي من عند الميل الذي في ركن المسجد وليس كذلك. قال في الطراز: إذا نزل الساعي من الصفا مشى حتى

[ 156 ]

يأتي الوادي، فإذا كان دون الميل الاخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا جيدا حتى يحاذي الميلين الاخضرين اللذين بفناء المسجد ودار العباس فيترك الرمل ويمشي حتى يبلغ المروة انتهى. وذكر ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير نحو ذلك عن الشافعية وقال: لانه محل الانصباب في بطن الوادي قال: وقال جماعة من الشافعية: إن الميل كان موضوعا على بناء على الارض في الموضع الذي شرع منه ابتداء السعي فكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد ولم يجدوا على السنن أقرب من ذلك الركن فوقع متأخرا عن محل مبتدأ السعي انتهى والله أعلم. وقد نبه على ذلك أيضا القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخ مكة والله أعلم. ص: (وفي سنية ركعتي الطواف أو وجوبهما تردد) ش: أشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل، فاختار الباجي وجوبهما مطلقا، وعبد الوهاب سنيتهما مطلقا، والابهري وابن رشد أن حكمهما حكم الطواف في الوجوب والندب. وهذا الثالث هو الظاهر وعليه اقتصر ابن بشير في التنبيه. وقال سند: لا خلاف بين أرباب المذاهب إنهما ليستا ركنا والمذهب أنهما واجبتان تجبران بالدم انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: والمشهور أن حكمهما حكم الطواف. وقال في شرحها: ذهب ابن رشد إلى أن حكمهما في الوجوب والندب حكم الطواف. وقال الباجي: الاظهر وجوبهما في الطواف الواجب ويجبان بالشروع في غيره انتهى. فتحصل من هذا أن الراجح والمشهور من المذهب وجوب ركعتي الطواف الواجب والله أعلم. ص: (وندبا كالاحرام بالكافرون والاخلاص) ش: قال ابن الحاج: ولو اقتصر على أم القرآن وحدها أجزأه انتهى، ونقله التادلي عنه والمفهوم من كلام المصنف وغيره أنه يقرأ في الاولى بقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بقل هو الله أحد. وصرح بذلك ابن فرحون وابن جماعة في فرض العين وغيرهما. وقال في مختصر الواضحة: ويستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن وقل هو الله أحد في الاولى، وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون انتهى. وكذلك قال ابن الحاج في مناسكه وزاد: فقد روى جابر أن رسول الله (ص) لما طاف تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ. * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) *

[ 157 ]

فجعل المقام بينه وبين البيت ثم قرأ في الركعتين ب‍ * (قل هو الله أحد) * و * (قل يا أيها الكافرون) * انتهى. ولا دليل في ذلك لان الواو تقتضي الترتيب، ولان في ذلك مخالفة السنة من وجهين: أحدهما القراءة على خلاف ترتيب المصحف، والثاني تطويل الثاني على الاول والله أعلم. ص: (وبالمقام) ش: المراد به مقام إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام والصلاة خلفه. واعلم أنه يصح أن يركعهما في كل موضع حتى لو طاف بعد العصر أو بعد الصبح وأخر الركعتين فإنه يصليهما حيث كان ولو في الحل ما لم ينتقض وضوؤه. قاله في المدونة. ولكن المستحب أن يركعهما في المسجد أو بمكة كما نقله في التوضيح عن مالك في الموازية. ونقل قبله عن الباجي أن المستحب أن يركعهما في المسجد والافضل من المسجد خلف المقام. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ويستحب كونهما بالاخلاص والكافرون وخلف المقام في كل طواف على المشهور انتهى. وقال ابن عرفة وابن عبدوس: يركعهما لطوافه أول دخوله خلف المقام. وقال ابن شعبان: في كل طواف انتهى. قال الشيخ في التوضيح: قال ابن عبد البر: وإن لم يمكنه فحيث يتيسر من المسجد ما خلا الحجر. زاد غيره والبيت وظهره انتهى. وقال التادلي في شرح الجلاب للشارمساحي: يجوز أن يركعهما حيث شاء إلا في ثلاثة مواضع: داخل البيت وعلى ظهره وبين الحجر والبيت، وكذلك جميع الصلوات والسنن المؤكدة. قال أبو الطاهر بن بشير في كتاب الصلاة: فإن صلى فيه ركعتي الطواف. فهل يكتفي بهما في المذهب ؟ قولان انتهى كلام التادلي. ويشير بذلك إلى قول ابن بشير في ركعتي الطواف الواجب لا يركعهما في الحجر، فإن ركعهما فيه فهو بمنزلة ما لو ركعهما في البيت ويختلف في إعادتهما ما دام بمكة على الاختلاف فيمن صلى الفريضة في البيت، قيل يعيد في الوقت، وقيل أبدا، وقيل لا إعادة وإن عاد إلى بلده ركعهما هناك، ويختلف هل يلزمه هدي انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي لي باب استلام الاركان ولا يركع في الحجر ركعتي الطواف الواجب، فإن فعل وكان بالقرب أعادهما، وإن بعد أعاد الطواف والركوع والسعي ما كان بمكة أو قريبا منها، فإن بعد أجزأتاه ويبعث بهدي كمن لم يركعهما. أبو إسحاق: ولم يجعل ذلك كفريضة صليت بثوب نجس، أن الوقت إذا ذهب لا شئ عليه. واختلف قوله في ركعتي الطواف هل يركعهما في الحجر انتهى. وما ذكره نقله ابن يونس عن ابن المواز عن ابن القاسم ونصه في كتاب الصلاة الاول قال ابن المواز عن ابن القاسم: ومن صلى المكتوبة في الحجر أعاد في الوقت، وإن ركع فيه الركعتين الواجبتين من طواف القدوم أو الافاضة أعاد واستأنف ما كان بمكة، وإن رجع إلى

[ 158 ]

بلده ركعهما وبعث بهدي ابن يونس: جعله في الفريضة يعيد في الوقت وكان يجب على هذا لا يعيد الركعتين إذا بلغ لبلده لذهاب الوقت، ويجب على قوله في الركعتين أن يعيد الفريضة أبدا وإلا كان ذلك تناقضا انتهى. ونقل أبو الحسن الصغير كلامهما في كتا ب الصلاة، وهذا حكم ركعتي الطواف الواجب. وأما النافلة فتقدم في كلام أبي إسحاق أنه اختلف في ركعتي الطواف هل يركعهما في الحجر. وقال في المدونة في با ب المواضع التي تجوز فيها الصلاة من كتاب الصلاة الاول: ولا يصلي في الحجر ولا في الكعبة فريضة ولا ركعتي الطواف الواجب ولا الوتر ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به انتهى. ونقل ابن عرفة في كتاب الصلاة أول كلام المدونة إلى قوله ولا ركعتي الفجر ولم ينقل ما بعده بل نقله عن سماع ابن القاسم فكأنه لم يقف عليه في المدونة أو نسي والله أعلم. ص: (ودعاء بالملتزم) ش: الظاهر أن الاولى أن يكون الدعاء بالملتزم بعد الركعتين. وكذا نص عليه في الواضحة في طواف الوداع قال: وإذا أردت الخروج فطف بالبيت سبعا ثم صل خلف المقام ركعتين ثم تأتي زمزم فتشرب من مائها ثم تأتي الملتزم - وهو ما بين الركن والباب - فتدعو كثيرا رافعا بذلك راغبا إلى الله تعالى أن يقبل حجك وأن يقبلك عتيقا من النار، وألصق وجهك وصدرك بالملتزم، ثم استلم الحجر وقبله إن قدرت على تقبيله ثم انفر إلى بلدك فقد قضى الله حجك انتهى. وهذا كلام الواضح الموعود به في شرح قوله وللسعي تقبيل الحجر. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويستحب له أن يدعو في طوافه بما تيسر، وكذا في المقام والحطيم والملتزم وهو مابين الباب والحجر الاسود وعند الحجر الاسود، وفي الركن اليماني وفي المستجار وهو المستعاذ أعني ما بين الركني اليماني والباب المغلق الذي كان فتحه ابن الزبير رضي الله عنهما، وفي الحجر تحت الميزاب ولا حد في ذلك كله انتهى. ص: واستلام الحجر واليماني بعد الاول) ش: فهم منه أن استلامهما في الاول سنة، أما الحجر فقد صرح بذلك وأما اليماني فمن هنا لانه لما نفى عنه الاستحباب تعينت السنية إذ لا يتوهم الوجوب لان استلام الحجر الذي هو آكد منه سنة. تنبيهات: الاول: فهم من اقتصار المصنف على هذين الركنين أن الركنين الشاميين لا يستلمان ولا يكبر عندهما وهو كذلك نص عليه في المدونة وغيرها. وقال ابن الحاجب: يكبر إذا حاذاهما. واعترضه ابن عرفة وقال: قول ابن الحاجب يكبر إذا حاذاهما لا أعرفه انتهى. قلت: نقله ابن فرحون في شرحه عن أبي الفرج، ولفظ ما نقله المؤلف نقله أبو الفرج في

[ 159 ]

الحاوي ونصه: ويكبر لمحاذاة كل ركن انتهى. فيكون مراد المؤلف إذا حاذى الركنين الشاميين في وسط الحجر كبر. ما وقع في المدونة وغيرها يحمل على الركنين القائمين اليوم فيكون وفاقا. انتهى كلام ابن فرحون. الثاني: قول المصنف بعد الاول يعني في آخر كل شوط. قاله في الجواهر وصرح به ابن عطاء الله في منسكه وابن جماعة التونسي في فرض العين. وشمل كلامه الشوط الاخير فيكون جملة التقبيل ثمان تقبيلات وهو كذلك، وانظر حاشيتي على المناسك. الثالث: الاستلام في الواجب آكد منه في التطوع وقاله في المدونة والله أعلم. ص: (واقتصار على تلبية الرسول الله (ص)) ش: قال الجزولي في باب جمل من الفرائض: وما رأينا من قال إذا لم يقل الصفة التي قال أبو محمد عليه الدم انتهى. ص: (ودخول مكة نهارا) ش: قال سند في أول باب دخول مكة: يستحب لمن أتى مكة ليلا أو ضيق نهاره أن يبيت بذي طوى، فإذا أصبح وأراد دخول مكة اغتسل انتهى. وقال أيضا: يستحب أن يدخل مكة على طهر ليكون طوافه متصلا بدخوله انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: يستحب له عند إتيان مكة أربع نزوله بذي طوى وهو الوادي الذي تحت الثنية العليا ويسمى الزاهر، واغتساله فيه لدخول مكة ولا تفعله الحائض والنفساء وهو سنة على المشهور، ولا يتدلك فيه بغير إمرار اليد برفق لئلا يزيل الشعث كسائر غسولات الحج التي داخل إحرامه، ونزوله لمكة من الثنية العليا إن كان من ناحية المغرب، وأن يبيت بالوادي المذكور فيدخل مكة ضحى. ص: (والبيت) ش: أي يستحب دخول البيت من غير تقييد بنهار ولا ليل، فقد أخذ بجواز دخولها ليلا من كونه (ص) جاء إلى عثمان بن شيبة بالسيدة عائشة ليفتحها لها ليلا فاعتذر له بأنه لم يفتحها ليلا، لا في الجاهلية ولا في الاسلام، فوافقه (ص) وجاء بها إلى الحجر وقال لها: صلي فيه. ولا يقال يؤخذ من موافقته (ص) على ذلك كراهة ذلك وأنه خلاف الاولى، لانه (ص) إنما وافقه تطييبا لقلبه وتأليفا له بدليل إتيانه بها إلى الحجر. فرع: ويستحب التنفل في البيت. قال في مختصر الواضحة: سئل مالك عن الصلاة في البيت وعن دخوله على ما قدر عليه الداخل فقال: ذلك واسع حسن انتهى. فرع: ويستحب النظر إلى البيت لما ورد في ذلك من الآثار، وممن صرح بذلك ابن أبي

[ 160 ]

جمرة في شرح الاحاديث التي اختصرها من صحيح البخاري. ص: (ومن كداء لمدني) ش: هذا ظاهر المدونة. وقال الشيخ يوسف بن عمرو الجزولي: يستحب الدخول منه لكل داخل كما هو ظاهر الرسالة انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: والمشهور المعروف استحباب الدخول من كداء كما ذكر الشيخ، وإن لم تكن في طريق الداخل إلى مكة فيعرج عليها. وقيل: إنما دخل (ص) منها لانها في طريقه فلا يستحب لمن ليست على طريقه، ولا أعلم هذا الخلاف في مذهبنا، فإن لم يفعل فلا حرج لانه لم يترك واجبا ولا مسنونا والله أعلم انتهى. وقال ابن رشيد في رحلته: وكان دخولنا من كداء من الثنية العليا التي بأعلى مكة إذ الدخول منها مستحب لمن كانت على طريقه، وإن لم يكن فينبغي أن يعوج إليها ويعرج عليها انتهى. وقال السهيلي: إنما استحب الرسول (ص) لمن أتى مكة أن يدخل من كداء لانه الموضع الذي دعا فيه إبراهيم ربه بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ولم يقل تصعد إليهم، فقيل له * (أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) * الآية. ألا ترى أنه قال يأتوك ولم يقل يأتوني انتهى. وقال الشيخ زروق عند قول صاحب الرسالة: ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإنما يدخل من هذا لفعله عليه السلام وحكمة دخولها من أعلاها قيل لدعوة إبراهيم عليه السلام إذ قال: أفئدة من الناس تهوي إليهم انتهى. تنبيه: ضبط الشييوسف بن عمر كذاء الاول بالذال المعجمة، وكداء الثانية بالدال المهملة، وما ذكره ولم أره لغيره، والظاهر أنه غلط إنما ذكر ابن الاثير كدى وكداء في باب الكاف مع الدال المهملة ولعله توهم مما وقع في البخاري في حديث السيدة عائشة موعدك كذا فإنه بالذال المعجمة لكن قد قالوا فيه إن كذا فيه إن كذا فيه ليس هو الثنية إنما هو اسم كني به عن موضع ونقل هذا الكلام التادلي في منسكه والله أعلم. ص: (والمسجد من باب بني شيبة) ش: ظاهره استحباب الدخول منه وإن لم يكن في طريق الداخل، وهو الظاهر من إطلاقاتهم إذ لا كبير كلفة في ذلك. وقد ذكر الشيخ يوسف بن عمر في منسكه والشيخ عبد الرحمن الثعالبي أن من أتى من منى لطواف الافاضة يدخل من باب بني شيبة. ص:

[ 161 ]

(وركوعه للطواف بعد المغرب قبل تنفله) ش: قال ابن غازي: صيغة العموم في الطواف هنا وفي قوله وفي سنية ركعتين للطواف يقتضي شمول طواف التطوع. وقد بنى القرافي في ذخيرته على هذا نكتة بديعة فإنه قال: قال اللخمي: يركع الطائف لطواف التطوع كالفرض فإن لم يركع حتى طال وانتقض وضوؤه استأنفه، فإن شرع في أسبوع آخر قطعه وركع، فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه لانه أمر اختلف فيه. ومقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول تمنع الاصلاح وتوجب الاستئناف. ثم قال القرافي: فهذا الكلام من اللخمي وإطلاقه الاجزاء ووجوبه الاستئناف يشعر بأن الشروع في طواف التطوع يوجب الاتمام كالصلاة والصوم وهو ظاهر من المذهب وكلام شيوخه، ثم ذكر النظائر التي تلزم بالشروع. ثم قال ابن غازي: ما نسبه القرافي للخمي من أن مقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول فيه نظر حسبما بسطناه في تكميل التقييد انتهى. قلت: انظر من النكتة البديعية، هل هي لزوم طواف التطوع بالشروع أو كون الاربعة طولا ؟ انتهى فتأمله. وقوله إن فيما نسبه القرافي للخمي نظرا ليس بظاهر، لان ما ذكره القرافي عن اللخمي موجود في تبصرته ونصه: السنة فيمن طاف أسبوعا تطوعا أن يعقبه بركعين، ومن لم يفعل حتى طال أو انتقضت طهارته استأنفه، وإن أعقب الاسبوع الاول بثان قبل أن يركع قطعه ثم ركع عن الاول وإن لم يفعل حتى أتم الثاني أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه. قال ابن القاسم في المدونة: لانه أمر قد اختلف فيه. وكذلك لو أتى بأسبوع ثالث أو رابع فإنه يأتي لكل أسبوع بركعتين ويجزئه، وقياس المذهب أن ذلك طول يحول بينه وبين إصلاح الاول ويوجب عليه الاستئناف فيما تقدم انتهى. وكان ابن غازي رحمه الله رأى ما ذكره ابن عرفة

[ 162 ]

عن اللخمي فاعترض على القرافي بأن ما ذكره ابن عرفة مخالف لما ذكره القرافي ونص اللخمي، ومفاد المذهب أن الثاني طول يوجب استئناف ما تقدم انتهى. تنبيهات: الاول: قول اللخمي وإن أعقب الاسبوع الاول بثان قبل أن يركع قطع ظاهره أنه يقطع ولو ذكر ذلك في الشوط السابع وهو الذي يظهر من كلامهم. قال في المدونة: ومن طاف بالبيت أسبوعا فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثان قطع وركع فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين للاختلاف فيه انتهى. ومثله كلام اللخمي المتقدم. وقال التادلي: قال الباجي: ومن سعى في طوافه فبلغ ثمانية أطواف أو تسعة أو أكثر من ذلك ولم يكن قصد أن يقرن بين سبعين فإنه يقطع ويركع ركعتين للسبع الكامل ويلغي ما زاد عليه ولا يعتد به إن أراد أن يطوف أسبوعا آخر وليبتدئ من أوله. وهذا حكم العائد في ذلك، فأما إذا أكمل أسبوعين عامدا أو ناسيا صلى لكل واحد منهما ركعتين، لان الاسبوع الثاني مختلف فيه فأمرناه بالركوع مراعاة للخلاف الذي هو المشهور من قول مالك، وقاله ابن كنانة في المدونة. وروى عيسى عن ابن القاسم: يصلي ركعتين فقط. واختار عيسى الاول. ووجه قول ابن القاسم أنه لما كان حكم كل أسبوع أن يعقبه ركعتان وحال بين الاسبوع الاول وركعتيه الاسبوع الثاني بطل حكمه فصلى ركعتين للاسبوع الثاني انتهى. وقال التادلي: ومن هذا التوجيه علم أن الركوع إنما هو للثاني ويلغي الاول، وعليه إذا طاف ثمانية أو أكثر ينبغي أن يكون الركوع للسبعة الاخيرة ويلغي الزائد أولها لا من آخرها، لانه إذا ألغى آخرها كان قد فرق بين الاسبوع وركعتيه بما زاد انتهى. قلت: صريح كلام الباجي أن الالغاء إنما هو لما زاد على السبعة، وهذا هو الظاهر بدليل أنه لو كان حصل في الشوط الثامن أو فيما بعده ما يبطل الطواف لا ينبغي أن تصح السبعة الاول، ولو كان الامر بالعكس بأن حصل في السبعة أو في بعضها ما يبطلها لا ينبغي أن لا تصح، لان الزائد على السبعة بمنزلة الخامسة، فكما لا تجزئ الخامسة عن الاولى إذا بان بطلانها فكذلك هنا فتأمله. ولا يضر الفصل بما زاد على السبعة لانه خفيف، والفرق بين هذا وبين ما إذا أكمل السبعة عامدا أو ساهيا على قول ابن القاسم أنه يركع للثاني فقط دون الاول أنه إذا أكمل السبعة حصلت عبادة كمالة مستقلة محتاجة للركوع فيكملها به ويبطل الاول للفصل بالعبادة الكالمة فتأمله. وقد نقل المصنف في التوضيح كلام الباجي وقال في أول كلامه: فإن شرع في ثان قبل أن يركع للاول قطع ما لم يكمله ثم قال بعد ورقة ونحوها: فلو خالف ما أمر به وأكمل أسبوعا ثانيا لركع لهما، سواء كان عامدا أو ناسيا. قاله الباجي واللخمي وسند وابن عبد السلام. وكذلك لو أكمل ثالثا ورابعا انتهى. قلت: التصريح بقوله سواء كان عامدا أو ناسيا وقع في كلام الباجي، وأما اللخمي وسند وابن عبد السلام فلم يصرحوا به ولكنهم أطلقوا، ففهم المصنف من إطلاقهم ذلك وهو ظاهر والله أعلم.

[ 163 ]

الثاني: ما ذكره المصنف من ركوعه للطواف بعد المغرب مقيد بما إذا لم ينتقض وضوؤه. قال اللخمي: قال مالك: من انتقض وضوؤه بعد تمام الطواف وقبل أن يركع توضأ واستأنف الطواف إن كان واجبا إلا أن يبعد فلا يرجع ويركع ويهدي، وإن كان الطواف تطوعا لم يبتدئه إلا أن يشاء إذا لم يتعمد الحدث انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله ونحوه في التوضيح. الثالث: لم يصرح المصنف وكثير من أهل المذهب ببيان حكم جميع الاسابيع وحكمه الكراهة. قال في الجلاب: ويكره أن يطوف المرء أسابيع ويجمع ركوعها حتى يركعها في موضع واحد ولركع عقب كل أسبوع ركعتين. انتهى. ونقله ابن معلى وغيره. الرابع: تقدم في كلام الباجي أنه يصلي لكل أسبوع ركعتين مراعاة للخلاف، وكذلك وقع في كلام غيره. والخلاف في ذلك إنما هو في خارج المذهب كما صرح بذلك في التوضيح. وقال ابن عبد السلام: وأجاز الجمع بين الاسابيع جماعة من السلف، وشرط بعضهم أن يكون عدد الاسابيع وترا. الخامس: ظاهر كلام ابن عبد السلام أنه لم يقف على كلام الباجي، فإنه لما ذكر رواية عيسى قال: يريد - والله أعلم - أنهما يكونان للاسبوع الاخير انتهى. وتقدم التصريح بذلك في كلام الباجي. وانظر على المشهور ولو صلى لكل أسبوع ركعتين، هل يقدم ركعتي الاسبوع الاول أو الثاني ؟ ص: (ورمل محرم من كالتنعيم) ش: يعني أن الرمل في حق من أحرم من التنعيم مستحب، سواء أحرم بحج أو بعمرة أو بقران كما يفهم من التوضيح. ص: (أو بالافاضة لمراهق) ش: لو قال لكمراهق لكان أحسن ليشمل من أحرم بالحج من مكة والناسي لطواف القدوم. قال ابن الحاجب: وأما طواف الافاضة للمراهق ونحوه والمحرم من التنعيم وشبهه فثالثها المشهور مشروع دونه. قال في التوضيح: قوله ونحوه أي الناسي أي من أحرم بالحج من مكة مكيا كان أو آفاقيا أو أحرم بالحج من التنعيم وشبهه أي الجعرانة والله أعلم. ص: (وكثرة شرب ماء زمزم ونقله) ش: أما استحباب الاكثار من شربه فقد صرح به

[ 164 ]

في الواضحة ونقله صاحب الطراز وصاحب الذخيرة والمصنف في مناسكه وغير واحد، وكذلك الاكثار من الوضوء، وأما استحباب نقله فقد صرح به في الواضحة أيضا. قال في مختصرها. واستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده فإنه شفاء لمن استشفى. ونقله عنه ابن الحاج في مناسكه ونصه: قال ابن حبيب: ويستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده ونقله ابن معلى والتادلي وغيرهم. وظاهر كلام الشارح أنه في الذخيرة ولم أره فيها، وكذلك نكت عليه ابن غازي فقال: أما شربه فذكره غير واحد ثم ذكر كلام الذخيرة ثم قال: وأما نقله ففي مسلك السالك لقاسم بن أحمد الحضرمي الطرابلسي وكأنه لم يقف عليه لغيره. تنبيهات: الاول: ذكر المصنف في مناسكه ناقلا عن ابن حبيب أنه يستحب أن يكثر من شرب ماء زمزم والوضوء به ولم يذكر الاغتسال به. وقد نص ابن حبيب على استحباب ذلك فقال في مختصر الواضحة: يستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم تبركا ببركته ويكون منه شربه ووضوؤه واغتساله ما أقام بمكة ويكثر من الدعاء عند شربه قال: واستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده فإنه شفاء لمن يستشفي به انتهى. الثاني: قال ابن غازي: ومن الغرائب ما حدثنا به شيخنا الامام وأبو عبد الله القوري قال: حدثنا الحاج أبو عبد الله بن عزوز المكناسي أنه سمع الامام الاوحد الرباني أبا عبد الله البلالي بالديار المصرية يرجح حديث الباذنجان لما أكل له على حديث ماء زمزم لما شرب له قال: وهذا خلاف المعروف انتهى. قلت: لا شك أن هذا من أغرب الغرائب بل هو من الامور التي لا يجوز نقلها إلا مع التنبيه على بطلانها. قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة في الاحاديث المشتهرة على الالسنة لما ذكر حديث الباذنجان لما أكل له إنه باطل لا أصل له. وقال الحافظ ابن حجر: لم أقف عليه. وقال بعض الحفاظ: إنه من وضع الزنادقة، وقال الزركشي: وقد لهج به العوام حتى سمعت قائلا منهم يقول هو أصح من حديث ماء زمزم لما شرب له وهو خطأ قبيح وكل ما يروى فيه باطل. انتهى كلام السخاوي. وأما حديث ماء زمزم لما شرب له فقال فيه الحافظ السخاوي: رواه الحاكم وقال إنه صحيح الاسناد. وقد صحح هذا الحديث من المتقدمين ابن عيينة ومن المتأخرين الحافظ الدمياطي انتهى. ورأيت لابن حجر كلاما جوابا بالسؤال فيه عن هذا الحديث قال في آخره بعد أن ذكر طرق هذا الحديث: إذا تقرر هذا فمرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق أنه يصلح للاحتجاج به على ما عرف من قواعد الحديث، ثم ذكر عن الحافظ الدمياطي أنه صححه ثم قال: واشتهر عن الشافعي أنه شربه للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة. وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف وغيره فكان أحسن عصره تصنيفا، ولا يحصى كم شربه من الائمة لامور نالوها.

[ 165 ]

وقد ذكر لنا الحافظ العراقي أنه شربه لشئ فحصل له، وأنا شربته مرة وأنا في بداءة طلب الحديث وسألت الله أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث ثم حججت بعد عشرين سنة وأنا أجد من نفسي طلب المزيد على تلك الرتبة، فسألت مرتبة أعلى منها فأرجو الله أن أنال ذلك. وذكر الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن والده أنه كان يطوف بالليل واشتدت عليه الاراقة وخشي إن خرج من المسجد أن تتلوث أقدامه بأذى الناس وكان في الموسم، فتوجه إلى زمزم وشرب من ذلك ورجع إلى الطواف قال: فلم أحس بالبول حتى أصبحت. انتهى كلام ابن حجر. قلت: وهذا من الغرائب فإن ماء زمزم يرد الاراقة كما هو المشهور. ونحو هذا ما أخبرني به بعض أصحابنا أنه أصابه إسهال فشرب له ماء زمزم فذهب مع أن ماء زمزم يطلق البطن غالبا، وقد شربته لامور فحصل بعضها والحمد لله، ونرجو من الله حصول باقيها. وقد شربه بعضهم لعطش يوم القيامة، ولو أردنا استقصاء ما رجح به هذا الحديث لطال الكلام وإنما أردنا التنبيه على بطلان ذلك الكلام الموضوع أعني قولهم الباذنجان لما أكل له فضلا عن كونه أصح من حديث ماء زمزم لما شرب له. الثالث: يستحب الاكثار من الطواف أيضا. قال في مختصر الواضحة في ترجمة العمل في الطواف: فإذا فرغت من السعين بين الصفا والمروة فارجع إلى المسجد الحرام فطف بالبيت وأكثر من الطواف ماكثا مقيما بمكة ومن الصلاة في المسجد الحرام الفريضة والنافلة انتهى. وقال ابن الحاج في مناسكه: وتكثر من الطواف في الليل والنهار بلا رمل، ولا تسعى بين الصفا والمروة وتصلي كل أسبوع ركعتين خلف المقام فإنه يستحب كثرة الطواف مع كثرة الذكر انتهى. ونقله التادلي أيضا. وقال ابن المنير في حاشية البخاري، وبسطه الدماميني أيضا في قول البخاري باب من لم يقرب الكعبة: ولم يطف أي طوافا آخر تطوعا بعد طواف القدوم ومشى على مذهب مالك رضي الله عنه في أنه لا يتنفل بطواف بعد طواف القدوم حتى يتم حجه. انتهى من الدماميني. وقال ابن حجر: ونقل عن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجه وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد. انتهى فتأمل ذلك والله أعلم. ص: (وللسعي شروط الصلاة) ش: أي ويستحب للسعي شروط الصلاة. قال في التوضيح: أي طهارة الحدث والخبث وستر العورة، وأما استقبال القبلة فغير ممكن. واستحب مالك لمن انتقض وضوؤه أن يتوضأ ويبني، فإن لم

[ 166 ]

يتوضأ فلا شئ عليه. وكذلك إن أصابه حقن فإنه يتوضأ ويبني انتهى. فصريح كلام مالك أنه إذا انتقض وضوؤه بغير الحقن بل بريح أو مس ذكر انه يستحب له تجديد الوضوء. وقال في النوادر عن كتاب محمد: إن أحدث في السعي أو ذكر أنه غير متوضأ، فإن أتم سعيه كذلك أجزأه وأحب إلينا أن يتوضأ ثم يبني. وقاله مالك ثم قال بعده: ومن العتبية قال مالك: ومن أحدث في سعيه فتمادى فلا إعادة عليه وأحسن ذلك أن يتوضأ ويتم سعيه. انتهى ونحوه في الطراز عن الواضحة. وقال ابن هارون في شرح المدونة: فإن قلت: السعي يصح من الحدث والموالاة واجبة في السعي، فكيف يشتغل بالوضوء المندوب وفيه إخلال بالموالاة الواجبة ؟ قلت: لعل مراده بالوضوء أنه يزيل الحقن ويستنجي لقول الراوي: توضأ وضوء الماء تحت إزاره واستخف الوضوء ليسارته. فإن قلت: لم بنى في السعي بعد الحدث بخلاف الطواف ؟ فالجواب: أن الموالاة في الطواف أوجب منها في السعي، وأيضا الطواف كالصلاة والسعي ليست الطهارة شرطا فيه، وإنما أجيز للحاقن الخروج لضرورة زوال ما به فإذا خرج أمر بالوضوء لحقنه لا أنه يخرج لاجل الوضوء بدليل أنه لو أحدث بريح في سعيه مضى عليه انتهى. ص: (وخطبة بعد ظهر السابع بمكة واحدة) ش: جعل رحمه الله كلما يذكره من قوله وندبا كالاحرام بالكافرون والاخلاص إلى آخر الفصل مستحبات. وفيها سنن منها هذه وما بعدها إلى قوله ودعاء وتضرع للغروب. وقوله بعد ظهر السابع هذا هو المشهور. وقال في مختصر الوقار ضحى. وقال فيه أيضا في الخطبة الثالثة: يخطب الامام من غد يوم النحر ارتفاع الضحى انتهى. وقوله بمكة مفهومه أن هذه الخطبة لا تكون بغير مكة. وقد ذكر الشافعية أن الحجيج إذا توجهوا لعرفة ولم يدخلوا مكة فيستحب لامامهم أن يفعل كما فعل بمكة. فانظره والله أعلم. وقوله واحدة قال المصنف في مناسكه وتوضيحه تبعا لابن الحاجب هو المشهور، وما شهره هو قول ابن المواز عزاه له ابن عرفة والقاضي سند، وعزيا القول بالجلوس في وسطه لابن حبيب عن مطرف وابن ماجشون. قال سند عقبه: وهو موافق لرواية المدونة. ونقل ابن عرفة بعد ذكره الخلاف لفظ المدونة فقال: وفي صلاتها يجلس في أول كل خطبة ووسطها انتهى. وما ذكره عنها في الصلاة الثاني في باب الخطبة، فعلم أن القول بالجلوس في وسطها قوي، ولم يذكر الشيخ أبو الحسن الصغير خلافا هناك والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح عن ابن الحاج: إنه يفتتح هذه الخطبة بالتلبية بخلاف الاخيرتين، وعن ابن حبيب عن الاخوين أنه يفتتح الجميع بالتكبير. قال التادلي عقب نقله الكلامين: فيتحصل في تعيين ما يفتح به الخطبة الاولى قولان، هل بالتكبير أو بالتلبية انتهى.

[ 167 ]

والظاهر أن محل الخلاف إذا كان الامام محرما وأن الاولى له التلبية لانها مشروعة الآن وهو شعار المحرم، وإن كان غير محرم فيتعين التكبير والله أعلم. الثاني: قال المصنف في مناسكه وغيره يوم السابع ويسمى يوم الزينة. وقال ابن فرحون في الباب الخامس عشر: كانوا يبرزون فيه تبرز زينة المحامل وجلالات الهدايا انتهى. وقال والدي: الظاهر أنه إنما سمى يوم الزينة أخذا من يوم الزينة المذكور. في القرآن، لان الذي صرح به الكواشي في تفسيره أنه يوم كانوا يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة، فلما كان يوم السابع يوما يجتمع فيه كل من يريد الحج غير المراهق سمي يوم الزينة. وذكر ابن الحاج وابن فرحون فصلا لتسمية أيام الحج فليراجعه من أحبه والله أعلم. ص: (وخروجه لمنى قدر ما يدرك به الظهر) ش: ينبغي أن يقرأ وهو وما بعده بالرفع عطفا على ما قبله من المندوبات، ويعني أن الخروج لمنى يكون يوم التروية بمقدار ما يدرك بها الظهر، ويسمى يوم النقلة لانتقال الناس فيه. وعبارة المصنف واقعة في عبارة غير واحد من أهل المذهب، والظاهر أن مرادهم بقولهم قدر ما يدرك بها الظهر أن يدرك آخر الوقت المختار، لان في عبارة كثير منهم يروح بعد الزوال وبعضهم يقول عند الزوال. ومعلوم أن من راح عند الزوال أو بعده إنما يدرك بها آخر الوقت ومن كان به ضعف أو ثقل بحيث لا يدر ك آخر الوقت المختار بمنى إذا خرج عند الزوال فلا بأس أن يخرج من أول النهار بحيث يدرك بها آخر الوقت المختار، إذ لا يجوز له أن يؤخرها إلى الوقت الضروري. قال الشيخ يوسف بن عمر: فإذا كان يوم التروية خرج إلى منى ضحى فيقيم بها يوما وليلة ثم يغدوا إلى عرفات بعد طلوع الشمس، ولا بأس للضعيف ومن به علة أن يغدو قبل ذلك انتهى. وقال الجزولي: يخرج من مكة في اليوم الثامن بعد طلوع الشمس بمقدار ما يصل عند الزوال فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح انتهى. والحاصل أن الخروج لمنى قدر ما يدرك بها الظهر. ثم قال: وكره التقدم إلى منى قبل ذلك ابن عبد السلام على جهة الاولى، ولو خرج قبل ذلك في يوم التروية جاز وإنما يكره التقدم قبل يوم التروية. وقال ابن الحاجب: ويخرج إلى منى قد ما يدرك بها الظهر ثم قال: وكره التقدم إلى منى قبل ذلك. قال ابن عبد السلام: يعني أن مالكا كره التقدم إلى منى قبل يومها وإلى عرفة قبل يوم عرفة وإن كان كلام المصنف ظاهرا في كراهة التقدم إلى منى في أول يومها وليس كذلك، لان قوله قبل ذلك إشارة إلى ما تقدم. والذي تقدم إنما هو الخروج إلى منى بقدر ما يدرك بها الظهر، ومعلوم أن من خرج أول النهار متقدم قبل هذا، وما قلناه من قصر الكراهة على اليوم هو نص قوله في المدونة وغيرها. انتهى ونحوه في التوضيح والله أعلم. ص: (وبيانه بها) ش: فإن لم يبت فالمشهور لا دم عليه.

[ 168 ]

وقال ابن العربي: عليه الدم. انتهى من الجزولي من ياب جمل من الفرائض ونقله التادلي. ص: (وسيره لعرفة بعد الطلوع) ش: تصوره ظاهر. قال الجزولي: ثم يمضي إلى عرفات ويستحب أن يمشي على طريق المأزمين. وقاله في المدخل والتلمساني في شرح الجلاب وعد الجزولي أيضا من السنن التي لا توجب الدم المرور بين المازمين في الذهاب والرجوع قال: وهما جبلان يقول لهما الحجاج العلمين. ص: (وجمع بين الظهرين) ش: قال في مختصر الواضحة: ولا يتنفل فيهما وإن صلى في رحله انتهى. وقال ابن شعبان في الزاهي: ويصلي المغرب والعشاء ويجمع بينة ما ولا يتنفل ثم يوتر ثم يبيت انتهى. وقال الشبيبي في الصلاة المنهي عنها: والصلاة بين الصلاتين في الجمع بعرفة والمزدلفة وليلة المطر انتهى. ونحوه في مختصر الوقار. تنبيه مهم: قال الجزولي في باب جامع في الصلاة: المشهور أن من فاته الجمع لا يجمع وحده وهو غريب والله أعلم. ص: (وركوبه) ش: قال الشيخ يوسف بن عمر به ما لم يضر بمركوبه. وقال ابن هارون في شرح المدونة: ويقف على الدواب ما لم يضر بها انتهى. ص: (ثم قيام إلا لتعب) ش: هذا هو المشهور في مختصر الوقار والراكب بعرفة والجالس أفضل من القائم انتهى. ص: (وصلاته بمزدلفة العشاءين وبياته به) ش: جمع الصلاتين بمزدلفة سنة وكذا

[ 169 ]

المبيت بها إلى الصبح، وأما النزول فواجب ولهذا قال وإن لم ينزل فالدم. ص: (وإن لم ينزل فالدم) ش: قال سند: النزول الواجب يحصل بحط الرحل والاستمكان من الليث انتهى. وقال المصنف في مناسكه: والظاهر أنه لا يكفي في النزول إناخة البعير فقط بل لا بد من حط الرحال انتهى. قلت: وهذا ظاهر إذا لم يحصل لبث، وأما لو حصل اللبث ولم تحط الرحال فالظاهر أن ذلك كاف كما يفعله كثير من أهل مكة وغيرهم فإنهم ينزلون ويصلون ويتعشون ويلقطون الجمار وينامون ساعة وشقاذفهم على ظهور الجمال، نعم لا يجوز ذلك لما فيه من تعذيب الحيوان والله أعلم. تنبيه: واختلف في الوقت الذي يسقط النزول فيه الدم. فقال أشهب: قبل الفجر وإن أتى بعد الفجر فعليه الدم وإن كان من ضعفة الرجال والنساء والصبيان. وقال ابن القاسم: إذا أتى بعد طلوع الفجر ونزل بها فقد أدرك ولا شئ عليه، وليقف بالمشعر ما لم يسفر جدا وإن دفع الامام. قاله في التوضيح، وذكر ابن عرفة هذين القولين وقولا ثالثا أنه لا دم في ترك النزول بالمزدلفة فقال: وفي وجوب الدم بتركه النزول بها قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس ثالثها لا دم مطلقا. والاول للشيخ عن أشهب قائلا: ولو في ضعفة النساء والصبيان، والثاني لابن القاسم معها، والثالث للخمي عن ابن الماجشون. قلت: قد يفهم من كلام التوضيح وابن عرفة أن من ترك النزول ليلا بالمزدلفة من غير عذر ثم جاء بعد الفجر أنه لا شئ عليه عند ابن القاسم، وإن من لم يصل إلى المزدلفة إلا بعد طلوع الشمس فعليه الدم عند ابن القاسم أيضا. ولو كان بعذر وليس كذلك قال في الطراز: من ذهب إلى عرفات والامام بمزدلفة، فإن أدركه قبل الصبح أو بعده وهو واقف بالمشعر وقف معه، وهو قول الجميع لانه أدرك النسك معه. وهل عليه دم في فوته المبيت ؟ يختلف فيه ففي الموازية عن أشهب: إن لم ينزل بمزدلفة حتى طلع الفجر فعليه الهدي وإن كان من ضعفة الرجال والنساء والصبيان، وهذا يحتمل أن يريد به من لم يصلها من الضعفة أو غيرهم حتى

[ 170 ]

أصبح، ويحتمل أن يريد من جاز عنها إلى منى ثم علم فرجع فلم يدركها أو لم يرجع حتى طلع الفجر. وقال ابن القاسم: إن نزل بها بعد الفجر ما لم تطلع الشمس فهو مدرك ولا هدي عليه. ورأى أشهب أن المبيت لما كان واجبا لم يسقط إلا إلى بدل وهو الهدي واعتبارا بمن دفع من عرفات مع الامام فنزل بغير المزدلفة ولم يأتها حتى طلع الفجر. ورأى ابن القاسم أن المبيت سقط في حق هذا لما تعذر عليفلا يلزم فيه هدي كما لا يلزمه ذلك في فقد الوقوف مع الامام بعرفة والدفع معه، فإن أتى هذا المزدلفة وقد طلعت الشمس قال مالك: يمر إلى منى ولا وقوف له وهو قول الجميع ولا دم عليه، لانه معذور كما في ترك الوقوف، وعلى قول أشهب يهدي: فإن أتى قبل طلوع الشمس قال ابن القاسم في الكتاب: يقف إن لم يسفر. قال في الموازية: يقف ما لم يسفر جدا فإن دفع الامام وفرق بينه وبين من بات مع الامام بالمزدلفة ثم وقف معه أو لم يقف فإنه لا يلبث بعد دفع الامام ويدفع بدفعه وهو بين، فإن وقت الوقوف ما لم تطلع الشمس كوقت صلاة الصبح فالامام ينفر في بقية من الوقت ولا ينتظر طلوع الشمس، فإذا دفع من ائتم به ومن لم يبت معه خارج عن ذلك، ونظيره الوقوف بعرفة فإن الامام يدفع من أول الليل ووقته إلى آخر الليل انتهى. قلت: فتحصل من كلامه أن من ترك النزول من غير عذر حتى طلع الفجر لزمه الدم عند ابن القاسم أيضا، ومن تركه لعذر فلا شئ عليه ولو جاء بعد الشمس والله أعلم. ص: (وجمع وقصر إلا لاهلها كمنى وعرفة) ش: ظاهره أن أهل مزدلفة لا يجمعون ولا يقصرون وأنهم يصلون المغرب في وقتها والعشاء في وقتها، وكذا أهل عرفة لا يجمعون بين الظهر والعصر ولا يقصرون وهو ظاهر بالنسبة إلى القصر، وأما الجمع فإنهم يجمعون. قال الشيخ بهرام في الوسط عند قول المصنف إلا أهلها أي أهل مزدلفة فإنهم لا يقصرون شيئا، وهذا حكم من في منى وعرفة من الجمع والقصر وعدمه. وحاصله أن أهل كل موضع يتمون به ويقصرون فيما عداه هنا انتهى. وقال في التوضيح: بضابطه أن أهل كل مكان يتمون به ويقصرون فيما عداه فيتم أهل عرفة بها ويقصرون بمنى ومزدلفة، ويتم أهل مزدلفة بها ويقصرون بعرفة ومنى، ويتم أهل منى بها ويقصرون في عرفات ومزدلفة انتهى. وقال سند في آخر كتاب الصلاة الثاني: وقال بعده: وهذا مجمع عليه يريد عند أهل المذهب. ونحو ذلك في الجلاب. وفي الاكمال: ولا خلاف أن الحاج من غير أهل مكة يقصرون بمنى

[ 171 ]

وعرفة. وكذلك عند مالك حكم الحاج من أهل مكة يقصرون بعرفة ومنى لتقصيرهم مع النبي (ص)، وكذلك أهل عرفة ومنى بمكة لخطبة عمر أهل مكة بالتمام دونهم. وذهب أبو حنيفة والشافعي وجماعة من العلماء إلى أن أهل مكة بمنى وعرفة وأهل عرفة ومنى بمكة يتمون كغير الحاج منهم إذ ليس في المسافة مدة قصر الصلاة، وحجتنا ما تقدم من السنة والاتباع، ولان فتكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر الصلاة عند الجميع انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب الصلاة في باب قصر الصلاة بمنى: وعند مالك أن حكم الحاج من أهل مكة أنهم يقصرون بمنى وبعرفات وكذلك أهل عرفة بمنى ومكة يقصرون، وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي. ثم قال: فأما أهل تلك المواضع فلا خلاف أحسبه في أن كل واحد منهم يتم بموضعه وإن شرع في عمل الحج لانهم في أهليهم انتهى.. وقال في المدونة: ويتم أهل منى بمنى وأهل عرفة بعرفة وكل من لم يكن من أهلها فليقصر الصلاة بها. قال ابن هارون: يريد وإن كان من أهل مكة. وهذا إذا لم يكن الامام من أهل عرفة ولا منى، فإن كان منها أتم وأتم الناس معه. وكره مالك أن يكون بغيرها من أهلها لانه يغير سنة القصر. وفي الاكمال: مذهب مالك والاوزاعي أن الحاج يقصر الصلاة مطلقا إلا أهل مكة بمكة وأهل منى بمنى وأهل عرفة بعرفة إلا الامام فإنه يقصرو إن كان من سكان هذه المواضع. ثم قال: وفيما حكاه عن مذهب مالك نظر انتهى. ووجه النظر واضح لانه نص في المدونة على خلافه قال: ولا أحب للامام أن يكون من أهل عرفة فإن كان منها أتم الصلاة بها، قال ابن هارون: يريد ويتم الناس انتهى. وما نقله عن الاكمال هو في كتاب الحج منه ونصه: ذهب مالك إلى أن الحاج المكي يقصر ولا يقصر العرفي بعرفة ولا المنوي بمنى إلا أن يكون إماما فإنه يقصر. وذهب بعض السلف إلى أن الجميع يتمون إذ ليسوا على مسافة القصر انتهى. وانظر قوله وذهب بعض السلف إلى أن الجميع يقصرون مع قول القرطبي المتقدم ولا خلاف أحسبه في أن كل واحد منهم يتم بموضعه وإن شرع عمل الحج لانهم في أهليهم والله أعلم. ونقل ابن عرفة عن الباجي أن العرفي لا يقصر بعد رجوعه من عرفة. ونص كلام ابن عرفة في كتاب الصلاة: ويقصر كل حاج حتى المكي إلا المنوي والعرفي بمحلهما. الباجي: لان عمل الحج إنما يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم الانتقال من محل لآخر، ولان الخروج من مكة لعرفة والرجوع لها واجب لازم فلفق ولذا لا يقصر عرفي بعد وقوفه وتوجهه لمكة ومنى لان رجوعه لعرفة لوطنه فلا يضم انتهى. والذي في كلام الباجي أنه

[ 172 ]

علل قصر الحاج بثلاثة أوجه: أحدها أن عمل الحاج لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة. والثاني أن من مكة إلى عرفة ومن عرفة إلى مكة قدر ما تقصر فيه الصلاة ويلزم الذهاب إو الاياب بالشروع. والثالث أن الحاج من مكة لا يصح منه نية إلا بأن ينوي الرجوع إلى مكة للطواف فصار سفره لا يصح إلا بأن يجمع على مسير ما تقصر فيه الصلاة، وعلى هذين التوجيهين لا يقصر العرفي لانه لا ينوي مسافة قصر. انتهى من كتاب الصلاة أكثره بالمعنى. فعلم من كلامه أنه لم يجزم به وإنما ذكر أنه لا يتأتى على التوجيهين المذكورين والتوجيهان غير مسلمين فإنهما مبنيان على أن من مكة إلى عرفة أربعة وعشرين ميلا ولم يقله أحد والحس يخالفه. وأيضا فإن المشهور أن القصر في ذلك إنما هو بالسنة، وأيضا فإنما يتم ما ذكره إلا إذا كان العرفي مقيما بعرفة ولم يتوجه إلى مكة ليخرج مع الناس كما هو الاولى. وقد نقل الباجب بعد ذلك عن سماع عيسى خلاف ذلك، فإنه وقع في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الصلاة ما نصه: وسئل ابن القاسم عن أهل منى، هل يقصرون إذا أرادوا الافاضة وأهل عرفة ؟ فقال: أما أهل عرفة فيقصرون ولا يقصر أهل منى. قال ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر فإذا أفاض قصر، وكل من كان بمنى يتم فإذا أفاض أتم. قال ابن رشد: قوله في المنوي صحيح لقرب ما بين مكة ومنى، وقوله في العرفي صحيح أيضا على قياس قوله: إنهم يقصرون بمنى لانهم إذا كانوا يقصرون بمنى فهم على ذلك حتى يرجعون إلى وطنهم بعرفة، وفي قوله: إنهم يقصرون بمنى نظر لانه إنما قال إنهم يقصرون بمنى قياسا على المكي وذلك إنما فيه الاتباع للرسول لتقصيره فيهما ولا يتعدى بالسنة موضعها إذا لم تكن موافقة للاصول ولا سيما وقد قيل إنه عليه السلام لم يكن مقيما بمكة، وإليه ذهب أهل العراق فلم يجيزوا للمكي التقصير. وقول ابن القاسم وكل من كان بمنى يقصر فإذا أفاض قصر مثل قوله أولا، أما أهل عرفة فيقصرون لان أهل عرفة عنده يقصرون بمنى على ما تقدم. ووقع في بعض الروايات: وكل من كان بعرفة يقصر فإذا أفاض قصر وهو غلط، لان قوله يتناقض بذلك من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة وهو قد قال إنهم يتمون إذا أفاضوا انتهى. فنقل الباجي أول المسألة إلى قوله ولا يقصر أهل منى. وقال في توجيههما ما نصه: ووجه ذلك أن المنوي بعد الافاضة يرجع إلى وطنه ويرجع إلى وطنه في مسافة إتمام، والعرفي يفيض من مكة إلى غير وطنه لاتمام حجه، فإذا رجع من منى بعد انقضاء حجه لم يقصر إلى عرفة لما ذكرناه انتهى. وقد نقل ابن عرفة هذا السماع وبعض كلام ابن رشد عليه وكلام الباجي أيضا ولم يبحث فيه والله أعلم. ولا يدخل في قول ابن القاسم وكل من كان بمنى يقصر فإنه يقصر إذا أفاض المكي والمقيم بمكة إذا وصلا إليها لان ذلك معلوم لرجوعهما إلى

[ 173 ]

وطنهما، ومعلوم أن الشخص لا يقصر في وطنه. ووقع في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ما نصه: وسئل مالك عن الرجل ينصرف من منى إلى مكة وهو من أهل مكة فتدركه الصلاة قبل أن يصل إلى مكة، أترى أن يتم الصلاة ؟. قال: نعم وأهل المحصب يتمون وراءهم مثلهم، وأرى أن يحصب الناس بالمحصب حتى يصلوا العشاء وقد حصب النبي (ص) ثم قال لي بعد ذلك: أرى أن يصلوا ركعتين حين ينزلون بالمحصب إذا أدركهم الوقت فيما بين مكة ومنى. وإن تأخروا بمنى فليصلوا ركعتين، وقال ابن القاسم: وقوله الاول أعجب إلى أن يتموا حتى يأتوا المحصب. قال ابن رشد: أما من قدم مكة ولم ينو المقام بها أربعا حتى خرج إلى الحج فلا اختلاف في أنه يقصر بمنى وفي جميع مواطن الحج لانه مسافر بعد على حاله، وإنما اختلف أهل العلم فيمن نوى الاقامة بمكة أو كان من أهلها فخرج إلى الحجر فقيل: إنه يتم لانه ليس في سفر تقصر في مثله الصلاة وهو مذهب أهل العراق. وقيل: إنه يقصر لانها منازل السفر وإن لم تكن سفرا تقصر فيه الصلاة. وإلى هذا ذهب مالك، ودليله أن رسول الله (ص) قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى. فلم يختلف قول مالك في أنه يقصر بمنى وعرفة وفي جميع مواطن الحج إلا في رجوعه من منى إلى مكة بعد انقضاء حجه إذا نوى الاقامة بمكة أو كان من أهلها على ما تقدم، فكان أولا يقول: إنه يتم مراعاة لقول من يرى إنه يتم ثم رجع فقال: يقصر حتى يأتي مكة بناء على أصله في أنه من أهل القصر دون مراعاة لقول غيره. وكذلك اختلف في ذلك اختيار ابن القاسم، وستأتي هذه المسألة في رسم الشريكين وفي رسم المحرم في بعض الروايات انتهى. ونص ما في رسم الشريكين: وسئل مالك عن أهمنى إذا انصرفوا فأدركهم الوقت ولم يبلغوا الابطح ولا مكة فيما بين منى ومكة وهم يريدون أن تكون لهم إقامة وعن أهل مكة إذا أدركهم في ذلك الوقت. قال مالك من انصرف من أهل مكة من منى إلى مكة فأدركه الوقت وخاف ذهاب الوقت قبل أن يبلغ فأنا أرى أن يصلي أربعا، لان صلاة منى قد انقطعت ولا يكون في ميلين أو ثلاثة ما تقصر فيه الصلاة. قال مالك: ومن أقام منهم بمنى ليخف الناس ويذهب زحامهم قال: أرى أن يتم الصلاة وإن كان بمكة، وأرى أهل الآفاق من كان منهم يريد الاقامة بمكة أكثر من أربعة أيام فإنه يقتدي بأهل مكة في ذلك، ومن أقام لزحام ومن خا ف فوات الوقت فيما بين مكة ومنى أن يصلي أربعا. قال ابن القاسم: ثم قال لي مالك: ركعتين في ذلك كله. قال ابن القاسم: وقوله الاول أعجب إلي. قال أصبغ: رجع ابن القاسم وقال قوله الآخر أعجب إلي. قال أصبغ: وبه أقول إنه يقصر حتى يأتي مكة. وقال سحنون مثله انتهى. ولم يتكلم عليها ابن رشد بشئ بل قال: تقدالقول على هذه المسألة في رسم شك يشير إلى كلامه المتقدم، ونقل ابن عرفة هذه المسألة مختصرة فقال: وسمع ابن القاسم

[ 174 ]

رجوع مالك عن إتمام المكي وناوي الاقامبمكة والمحصبي في رجوعهم إلى مكة ومقامهم بمنى ليخف الناس إلى قصرهم حتى يصلوا المحصب. ابن القاسم: والاول أعجب إلى العتبي. عن أصبغ رجع فقال: الآخر أعجب إلي. وقاله أصبغ وسحنون ونقله الباجي في المكي والمنوي فقط، ولم يذكر المحصبي وصرح بتقصيرهما بالمحصب قال: والقولان بناء على أن التحصيب مشروع أوقال: ويلزم عليه قصر المنوي في رجوعه من مكة لمنى لانه بقي عليه عمل من الحج. ثم ذكر عن المازري بحثا مع الباجي في تعليل القولين ورده ثم رد على الباجي قوله يلزم عليه قصر المنوي في رجوعه من مكة لمنى لانه بقي عليه شئ من عمل الحج فإن العمل المذكور هو في وطنه والتحصيب خارج عن وطنه. ثم اعترض عليه في قوله يقصران بالمحصب فإنه جمع في الرواية معهما المحصي، وذلك يمنع دخول ما بعد حتى فيما قبلها انتهى. يعني في قوله في الرواية حتى يصلوا إلى المحصب، ولم أقف في كلام الباجي على ما ذكره أعني قوله ويقصران بالمحصب. وما نقله عن السماع وأفيه حتى يصلوا المحصب لعله في نسخته، والذي رأيته حين ينزلون وهو الذي يفهم من النوادر بل صريحها ونصه في كتاب الصلاة الرابع في ترجمة صلاة المكي والمنوي في مسيرهم إلى عرفة. ومن كتاب العتبي قال ابن القاسم: قال مالك: من انصرف من المكيين وأهل منى من منى فأدركته الصلاة قبل أن يصل إلى مكة فليتم، وكذلك من نزل بالمحصب وليقيموا حتى يصلوا العشاء. ثم رجع فقال: أرى أن يصلوا ركعتين في نزولهم بالمحصب أو إن تأخروا بمنى يريد من المكيين لزحام ونحوه. واختلف في ذلك قول ابن القاسم وإلى آخر قوليه رجع، وبه قال سحنون وأصبغ وكذلك في كتاب ابن المواز فيمن تخلف بمنى يريد من المكيين لزحام أو غيره تحضره الصلاة بها أو في طريقه فقال مالك: يتم. ثم قال: يقصر. ثم قال: يتم. وبالاقصار أخذ ابن القاسم بعد أن اختلف فيه قوله وقاله أصبغ. ومن كتاب العتبي قال مالك في المكي يقيم بمنى ليخف الناس: فليتم بمنى وكذلك من نوى الاقامة من أهل الآفاق بمكة أربعة أيام، وكذلك من خاف منهم فوات الوقت فيما بين مكة ومنى صلى أربعا. قال أبو محمد: أراه يريد فيمن تقدم له مقام أربعة أيام بمكة بنية انتهى. وقال في آخر ترجمة من كتاب الحج الاول: ومن كتاب ابن المواز والعتبية وهو في كتاب الصلاة أيضا قال أشهب عن مالك: ومن أقام بمنى آخر أيام الرمي بعد أن رملزحام أو لبرد أو لغير ذلك قال في العتبية: فحانت صلاة الظهر بمنى فليقصر، وكذلك لو رجع إليها بعد الرمي فأقام حتى صلى الظهر فليقصر كان مكيا أو غيره ممن يريد الاقامة بمكة أو لم يرده وقد قال قبل ذلك إنه يتم، واختلف فيه قول ابن القاسم. وقال أصبغ: يقصر وإليه رجع ابن القاسم. قال مالك: وأهل منى يتمون بمنى ويقصرون بعرفة، وأهل عرفة يتمون بها ويقصرون بمنى، وليس الحاج كغيره وهوفي الحج سفر يقصر فيه انتهى. وذكر سند الخلاف كذلك ونصه في آخر كتاب الصلاة الثاني.

[ 175 ]

فرع: فمن قضى نسكه من أهل مكة ثم انصرف إلى مكة فأدركته الصلاة قبل أن يصل مكة، أو نزل المحصب فأقام به حتى يصلي العشاء ويدخل مكة، أو كان من أهل منى ففعل ذلك، واختلف فيه قول مالك رحمه الله. روى عنه ابن القاسم في العتبية أنه يتم ثم رجع فقال: أرى أن يصلوا ركعتين في نزولهم بالمحصب، وإن تأخروا بمنى لزحام ونحوه يريد المكيين. واختلف في ذلك قول ابن القاسم أيضا وإلى آخر قوله رجع وبه قال أصبغ وسحنون انتهى. وذكر ابن الحاج في مناسكه نحو كلام النوادر. وأما من ورد على مكة ولم ينو المقام بها أربعا حتى خرج إلى الحج فإنه يقصر بمنى وفي جميع مواطن الحج، وكذلك في انصرافه إلى مكة إذا لم ينو المقام بمكة أربعا فإنه يقصر أيضا ولا خلاف في ذلك انتهى. تنبيه: قول سند أو كان من أهل منى ففعل ذلك، وقول غيره من انصرف من المكيين وأهل منى من منى، مرادهم بأهل من الحاج من غير أهل مكة وهو ظاهر والله أعلم. وفهم من كلام سند أن أهل مكة يحصبون وهو المفهوم من إطلاقاتهم والله أعلم. فرع: قال في النوادر: وفي كتاب الحج في ترجمة قصر الحاج بمنى، قيل له - يعني مالكا - فمن خرج من مكة ممن قد أتم بها الصلاة إلى منى، أيقصر حين يخرج ؟ قال: نعم. ثم قال للسائل: بل يقصر بمنى ولا أدري ما يصنع إذا خرج انتهى. وقال سند في آخر كتاب الصلاة الثاني: وفي المجموعة من رواية ابن نافع أن مالكا قال فيمن أقام بمكة ثم خرج إلى منى فقال: يقصر بمنى. قيل ففي طريقه قبل أن يصل إلى منى قال: لا أدري. قال سند: وهذا من قبيل الاول لان النزول بمنى أول المناسك فإن لم ينزل بها لم يحصل له حكم النسك إلا أنه قد ضرب في الارض، والاحسن أن يقصر لانه قد أعطى سفره حكم القصر فهو باق عليه حتى يحضر انتهى. وحاصل ما تقدم أن جميع من يخرج إلى الحج يقصر الصلاة في خروجه من مكة قبل وصوله إلى منى على الاحسن كما قاله سند، وبعد وصوله إليها بلا خلاف في المذهب. وكذا في ذهابه إلى عرفة وفي عرفة وفي رجوعه للمزدلفة وفي المزدلفة وفي رجوعه إلى منى وفي مدة إقامته بمنى إلا أهل كل مكان في محلهم فلا يقصرون فيه. ومن توجه من الحاج إلى طواف الافاضة. فهل يقصر في حال إفاضته ؟ تقدم عن سماع عيسى أنه يقصر غير المنوي وأنه لا بد من استثناء المكي والمقيم بمكة أيضا بعد وصوله إلى مكة، وإنما سكت عنه لوضوحه وإذا رموا في اليوم الرابع ثم توجهوا إلى المحصب فنزلوا فيه أو أقاموا بمنى ليخف الناس أو أدركتهم الصلاة في الطريق، ففي قصرهم وإتمامهم قولان. رجع مالك إلى القصر وإليه رجع اختيار ابن القاسم، وهذا كله في حق من لم يثبت له حكم السفر، أما من قدم قبل الخروج إلى الحج بأقل من أربعة أيام وعزمه أن لا يقيم بعده فهذا حكمه حكم المسافر في كل موضع حل به فإن أقام قبل الحج أربعا أو كان من أهل مكة وعزم على الحج والسفر بعده من غير إقامة أربعة أيام، فإن لم يرد إقامة بمكة أصلا فله حكم السفر كالاول وإن نوى إقامة يوم أو

[ 176 ]

يومين فقد تقدم أن له حكم المقيم. وإن قدم قبل الحج لاقل من أربع ليال ولكن نيته أن يقيم بعد الحج أربعا، فالذي اختاره اللخمي أن له حكم السفر حتى يرجع للاقامة إلى مكة والله أعلم. ونص كلامه في تبصرته: قال محمد بن مسلمة فيمن قدم مكة يريد المقام بها وهو يريد الحج وليس بينه وبين الخروج إلى منى إلا أقل من أربعة أيام: إنه يقصر حينئذ حتى يرجع إلى مكة بعد حجه لانه إنما قدم مجتازا يريد المقام بعد الرجعة. وقال مالك في مختصما ليس في المختصر: يتم الصلاة بمكة قبل الخروج. والقول الاول أبين ولا تضم إقامته الاولى إلى ما بعدها كما لا يضم السفر الاول إلى ما بعده إذا كان بينهما إقامة أربعة أيام انتهى. ونقله ابن عرفة وابن ناجي وسند وغيرهم ونص كلام سند في كتاب الصلاة الثاني في باب القصر. فرع: روى ابن نافع عن مالك في حاج أقام بمكة - حرسها الله - يتم ثم خرج إلى منى وعرفة فقصر ثم عاد إليها يريد بها إقامة يوم أو يومين ثم يسير إلى بلده، فإنه يتم بها قال: ولو كان لما وصل لم يرد أن يقيم بها فليقصر الصلاة إن مر بها. ففرق ب ين أن يخرج منها على نية العود إليها ثم يسافر فيكون سفره الثاني غير سفره الاول، أو يكون عوده إليها قاطعا بين السفرين، أو يخرج عنها على نية السفر بالكلية لا تبقى له حاجة فيكون سفرا واحدا في سريه عليها وليس له بها مسكن ولا أهل انتهى. وانظر هل تتخرج هذه المسألة على مسألة من أقام بمكة بضعة عشر يوما ثم خرج ليعتمر من الجحفة ويقيم يومين، فقد اختلف فيها قول مالك فقال: إنه يتم في اليومين ثم رجع إلى أن يقصر وهو المشهور في الظاهر أنه لا يتخرج لانه قد حصل هناك سفر طويل يقطع حكم الاقامة، وهنا لم يحصل سفر طويل وإنما حصل القصر بالسنة. وقد قال ابن يونس في تلك المسألة: ولو خرج ليعتمر من الجعرانة أو التنعيم أو نحو ذلك مما لا تقصر فيه الصلاة فإن يتم بلا خلاف والله أعلم. تنبيهات: الاول: من تعجل وأدركته الصلاة في الطريق، هل يتم أم لا ؟ لم أر من نص عليه، وانظر هل يتخرج فيه القولان اللذان في غير المتعجل أو لا. أما على توجيه ابن رشد لهما فيتخرجان وهو ظاهر كلام التلمساني في شرح الجلاب، وأما على توجيه الباجي لهما فلا يتخرجان والاتمام أحوط. الثاني: محل الخلاف في النازل في المحصب في الصلوات التي شرع له إيقاعها في المحصب وهي الظهر والعصر والعشاء ولا إشكال في ذلك، وانظر هل يدخل الخلاف في الثالث أيضا في حق المقيم بمنى فإنه صرح في النوادر بالظهر وظاهر كلامهم الشمول والله أعلم. الثالث: من أدركته الصلاة من الحاج وهو في غير مواضع النس‍ ك كالرعاة إذا رموا الجمرة وتوجهوا للرعي، فالظاهر من كلامهم أن حكمهم حكم الحجاج والله أعلم.

[ 177 ]

الرابع: قال في النوادر في كتاب الحج: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا رمى في اليوم الثالث فلا يقيم بعد رميه ولينفر ويصلي في طريقه، وإذا كان له ثقل وعيال فله أن يؤخر ما لم تصفر الشمس ولا يصلي ذلك اليوم بمسجدمنى غير صلاة الصبح. وذكر مثله ابن القاسم في العتبية عن مالك قال: ولا يرمويرجع إلى ثقله فيقيم فيه حتى يتحمل. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: والسنة للامام أن يرمي الجمرة الآخرة عند الزوال ويتوجه قاصدا وقد أعد رواحله قبل ذلك أو يأمر من يلي ذلك له ولا يرجع إليه انتهى. وقوله وإذا رمى في اليوم الثالث يعني به ثالث أيام منى وهو اليوم الرابع والله أعلم. ص: (وإلا فكل لوقته) ش: أي وإن لم ينفر مع الامام صلى كل صلاة في وقتها. وبهذا صدر ابن الحاجب ثم قال: وقيل ما لم يرم قبل الثلث أو النصف على القولين. وعزا في التوضيح الاول لابن المواز، والثاني لابن القاسم ثم قال: وانظر كيف صدر بقول ابن المواز. قلت: عزاه ابن عرفة للمدونة ونصه: وفيها من وقف بعد الامام لم يجمع ابن القاسم إن رجى وصولها قبل ثلث الليل أخر الجمع إليها ابن بشير: وإلى نصف الليل على أنه المختار انتهى. وقال في الطراز: تأخير المغرب رخصة في حكم السنة لمن وقف بعرفة مع الناس. قال أشهب عن مالك فيمن كان بمكة عشية عرفة فغربت عليه الشمس فإنه يصلي الصلاة لوقتها ولا يؤخر حتى يقف بعرفة ويرجع للمزدلفة، لان الرخصة إنما جاءت فيمن وقف وقد يحول هذا دون عرفة أو يعوقه عائق فيفوته الحج ولا يكون من أهل الرخصة، وهو بمثابة من خرج إلى عرفة زوال الشمس وأراد أن يصلي بمكة ويخرج فلا يجمع بين الظهر والعصر كذلك هنا. ص: (وإن قدمتا عليه أعادهما) ش: أي وإن قدمتا على محل الجمع أعادهما ومحله المزدلفة إذا وصل إليها بعد مغيب الشفق، فإن صلى المغرب قبل المزدلفة أو جمع الصلاتين بعد مغيب الشفق وقبل المزدلفة فاختلف فيه. قال في التوضيح: واتفق على إعادة العشاء إذا صلاها قبل الشفق لكونه صلاها قبل وقتها. واختلف في إعادة المغرب، فقال ابن القاسم: يعيدها في الوقت. وقال ابن حبيب: أبدا انتهى. وظاهره أن العشاء إذا صليت قبل مغيب الشفق تعاد أبدا وهو كذلك إلا على ما روي عن أشهب والله أعلم.

[ 178 ]

ص: (ووقوفه بالمشعر) ش: المشعر اسم البناء الذي بالمزدلفة ويطلق على جميعها. وقال في الزاهي: فإذا أصبح وصلى وقف الامام والناس بالمشعر الحرام الذي بمناه قصي بن كلاب في الجاهلية ليهتدي به الحاج المقبلون من عرفات انتهى. والوقوف في أي جزء من المزدلفة يجزئ وعند البناء أفضل ويجعل البناء على يساره. قال في شرح العمدة لابن عسكر: وليقف بعد الصلاة عند المشعر الحرام وهو المسجد الذي بالمزدلفة انتهى. ص: (يكبر ويدعو للاسفار) ش: نحوه لابن الحاجب. قال في التوضيح: وظاهر كلامه جواز التمادي بالوقوف إلى الاسفار، ونحوه في الموازية والمختصر. وفي المدونة: ولا يقف أحد بالمشعر إلى طلوع الشمس أو الاسفار ولكن يركعون قبل ذلك انتهى. فرع: قال في المدونة: وإذا أسفر ولم يدفع الامام دفع الناس وتركوه. قال سند: إذا أخر الامام الدفع فإن لم يسفر لم يدفع قبله لانه موكول إلى اجتهاده والوقت يحتمل الاجتهاد، وإن أسفر ولم يدفع دفعوا وتركوه لانه ليس بعد الاسفار وقت للوقوف فيتبعوه فيه والخطأ لا يتبع فيه. ولا خلاف في كراهة التأخير حتى تطلع الشمس ومن فعله فقد أساء ولا هدي عليه. ص: (ولا وقوف بعده ولا قبل الصبح) ش: أي ولا قبل صلاة الصبح. قال ابن فرحون في مناسكه: ومن وقف بعد الفجر وقبل أن يصلي الصبح فهو كمن لم يقف انتهى. ص: (وإسراع ببطن محسر) ش: قال ابن ناجي: بطن محسر موضع بمنى. قال الفاكهاني: وانظر سر التحريك فإني لم أقف على شئ فيه اعتمد عليه انتهى. وليس بطن محسر من منى بل هو على حد منى. وفي كلام ابن جماعة في فرض العين ما يقتضي استحباب الاسراع فيه في الذهاب والرجوع فراجعه والله أعلم. ص: (ورميه العقبة حين وصوله وإن راكبا) ش: قال سند: والركوب في العقبة ليس من سنة الرمي حتى يقال من قدم منى ماشيا فليركب وقت الرمي، وإنما السنة الاستعجال فمكان راكبا رمى راكبا قبل أن ينزل، ومن كان ماشيا رمى

[ 179 ]

ماشيا. ولو مش الراكب وركب الماشي لم يكن فيه شئ لان هذه هيئة وليس بنسك مستقل. قال مالك في الموازية: وليمش في رمي الجمار في أيام منى وفي اليوم الآخر، فقيل إن الناس قد تحملوا مرحلتين قال في ذلك سعة ركب أو مشى انتهى. وقال قبله قال في الموازية: وليرمها راكبا كما هو إلا أن يأتي قبل الفجر يريد أن الركوب ليس هو لاجل الجمرة وإنما المقصود منه الاستعجال بها، فإذا قدم راكبا مر كما هو إليها ورمى، وإن قدم في غير وقت رمي أخر الرمي حتى تطلع الشمس، ثم ليس عليه أن يركب إليها بل يمشي لها كما يمشي لسائر الجمار فإن المشي إلى العبادة أفضل في هذا الموضع لما رواه نافع عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الايام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا، ويخبر أن النبي (ص) كان يفعل ذلك. أخرجه أبو داود. وروى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين، وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان. انتهى ونقله في النوادر. فرع: قال في النوادر: ولما تكلم على رمي جمرة العقبة قال مالك: ورميها من أسفلها، فإن لم يصل لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها، وقد فعله عمر لزحام. ثم رجع مالك فقال: لا يرميها إلا من أسفلها فإن فعل فليستغفر الله. وكذلك في المختصر. وإذا رماها من أسفلها فليستقبلها ومنى عن يمينه وهو ببطن الوادي. وكذلك كان ابن مسعود يفعل، ولا يقف عندها بعد الرمي انتهى. وقال قبله: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن رمى جمرة العقبة رجع من حيث شاء انتهى. وقال في التوضيح: وقول ابن الحاجب ولا يقف للدعاء ظاهر. الباجي: ويحتمل أن يكون ذلك من جهة المعنى أن موضع الجمرتين الاوليين فيه سعة للقيام لمن يرمي، وأما جمرة العقبة فموضعها ضيق ولذلك لا ينصرف الذي يرميها على طريقه لانه يمنع الذي يأتي للرمي وإنما ينصرف من أعلى الجمرة انتهى. ص: (وحل بها غير نساء وصيد) ش: شمل قوله نساء الجماع ومقدماته وعقد النكاح وهو كذلك فإن هذا لاشياء لا تباح بالتحلل الاول. قال في الطراز: فإن عقد النكاح فهو فاسد وإن قبل فعليه هدي، وأما الجماع فسيذكر المصنف حكمه والتحلل الاول ويحصل برمي جمرة العقبة أو بخروج وقت إدائها. قاله في الطراز في آخر مسألة من باب جمرة العقبة ونحوه في ابن عرفة ونصه: وفوت رمي العقبة بخروج وقته كفعلها في الاحلال الاصغر لسماع عيسى عن ابن القاسم من مضى إثر وقوفه

[ 180 ]

لبلده رجع لابسا ثيابه انتهى. والمراد بالوقت وقت الاداء. قال في الطراز في أثناء كلامه فراجعه والله أعلم. ص: (وتنكيره مع كل حصاة) ش: ابن عرفة: روى محمد رافعا صوته بالتكبير وفيها قيل إن سبح أيجزئه ؟ قال: السنة التكبير. ثم قال: فإن ترك التكبير فلا شئ عليه أبو عمر: إجماعا انتهى. وقال ابن هارون: ومن لم يكبر فلا شئ عليه عند مالك. وذهب قوم إلى أن التكبير هو الواجب في الجمار وإنما جعل الرمي حفظا لعدده كالتسبيح بالحصى، فالدم يتعلق عندهم بترك التكبير لا بترك الرمي. وحكاه الطبري عن عائشة والجمهور على خلافه انتهى. وحكى في الطراز أيضا الاجزاء عن الجمهور. تنبيه: ذكر ابن عطاء الله في منسكه عن بعض أصحابنا أنه يقول مع التكبير هذه في طاعة الرحمن وهذه في غضب الشيطان انتهى. وقال في الزاهي: ويقول إذا رمى الجمار اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا انتهى. ويعني بعد فراغه من رمي الجمار. وقال في النوادر: وقال ابن حبيب: وكلما رمى أو عمل شيئا من أمر الحج قال: اللهم اجعله مبرورا وذنبا مغفورا انتهى. ص: (وتتابعها) ش: أي ندب تتابع الحصيات السبع أي موالاتها، وهذا كقوله بعد وندب تتابعه أي تتابع الرمي في الجمار الثلاث وفي غيرها فهو أعم من الاول لان الكلام الاول خاص بجمرة العقبة والثاني عام في الجمار كلها انتهى. وسيأتي الكلام على التتابع هل هو واجب أو مستحب عند قول المصنف وندب تتابعه. ص: (ولقطها) ش: قال ابن الحاجب: ولقطها أولى من كسرها. وقال ابن هارون في شرح المدونة: قال ابن المواز عن مالك: ولقطها أحب إلي من كسرها وليس عليه غسلها، فإن احتاج إلى كسرها فلا بأس انتهى. وقال في التوضيح: وقال غير واحد: له أن يأخذ حصى الجمار بمنزله من منى أو من حيث شاء إلا جمرة العقبة فإنه يستحب أخذه من المزدلفة. قاله ابن القاسم وابن حبيب وغيرهما. وقال ابن الحاجب في مناسكه: ويستحب له أخذها من وادي محسر. ونص اللخمي وغيره على أنه ليس من مزدلفة. ص: (وطلب بدنة له ليحلق) ش: قال في التوضيح: لان

[ 181 ]

تأخير الحلق إلى بعد الزوال بلا عذر مكروه انتهى. قلت: وإن كان ذلك مكروها فتأخير الذبح أيضا مكروه لان الذبح مقدم على الحلق والله أعلم. ص: (ثم حلقه) ش: الاستحباب يرجع إلى تقديم الحلق على التقصير أو إلى إيقاع الحلق عقب الذبح، أما الحلق نفسه فإنه يجب هو أو التقصير، ثم استحباب الحلق على التقصير ليس هو على العموم بل قد يتعين الحلق في بعض الصور كما إذا كان الشعر قصيرا جدا أو لم يكن في الرأس شعر كالاقرع فإنه يمر الموسى على رأسه. قاله في المدونة. قال سند: ولو أمر الموسى على رأسه في الاحرام لم يلزمه شئ انتهى. ويتعين الحلق أيضا في الرجل إذا لبد رأسه أو عقص أو ضفر للسنة، ويتعين التقصير في حق المرأة الكبيرة ولو لبدت ويخير في الصغيرة. قال في التوضيح: فإن لم يمكن التقصير إما لتصميغ وهو أن يجعل الصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه عند الاحرام أو يقصر الشعر جدا أو لقصر الشعر جدا أو عدم الشعر تعين الحلق بأن يمر الموسى على رأسه. قال في المدونة: ومن ضفر أو عقص أو لبد فعليه الحلق. التونسي: الحلاق على هؤلاء واجب. وفي قول المصنف يعني ابن الحاجب إن لم يكن لتصميغ نظر لامكان أن يغسله ثم يقصر. وإنما عين علماؤنا تعيين الحلق في حق هؤلاء بالسنة ويحقق ذلك أن المرأة لو لبدت ليس عليها إلا التقصير. قاله في الموازية انتهى. قال سند: قال مالك في الموازية: ومن الشأن أن يغسل رأسه بالغاسول والخطمي حين يريد أن يحلق انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها الشأن غسل المحرم رأسه بالخطمي والغاسول حين إرادة حلقه انتهى. تنبيه: قال في التوضيح: والحلاق أفضل من التقصير إلا للمتمتع فإن التقصير في العمرة أفضل له ليبقى عليه الشعث في إحرام الحج. قلت: وظاهره أن المتمتع يستحب له التقصير مطلقا. والذي في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الحج تقييد ذلك بأن تقرب أيام الحج ونصه: وسئل عن المعتمر أيحلق رأسه أحب إليك أم يقصر ؟ قال: بل يحلق إلا أن تكون أيام الموسم ويتقار ب الحج مثل الايام اليسيرة قال: أرى أن يحلق ويقصر أحب إلي. قال ابن رشد: الحل أفضل لان الله تعالى بدأ به في كتابه ودعا (ص) للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة إلا أن تقرب أيام الحج فالتقصير في العمرة أفضل انتهى. ونقله ابن عرفة فقال: وسمع ابن القاسم حلق المعتمر أفضل من تقصيره إلا أن يعقبه الحج بيسير أيام فتقصيره أحب إلي انتهى. ففي الرواية تقييد ذلك بأيام الموسم وهي في العرف من أوائل شهر ذي الحجة

[ 182 ]

والله أعلم. وأما إيقاع الحلق عقب الذبح فإنه يستحب، ولافرق على المشهور بين المفرد والقارن. وقال ابن الجهم: إن المكي القارن لا يححتى يطوف ويسعى ويلزمه في حق كل من أخر السعي إلى طواف الافاضة. فروع: الاول حكم الصبي حكم الرجل في الحلاق قاله سند. الثاني: قال سند: قال مالك في الموازية: ومن لم يقدر على حلاق رأسه ولا التقصير من وجع به فعليه هدي بدنة، فإنه لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وسبعة انتهى. ونقله المصنف في توضيحه وقاله أيضا في مناسكه في تحلل الحج. والترتيب المذكور في الهدي هو على جهة الاولى، وانظر هل يجب عليه أن يحلق إذا صح وهو الظاهر والله أعلم. الثالث: قال في التوضيح ابن حبيب: ويبلغ بالحلاق يريد وبالتقصير إلى عظم الصدغين منتهى طرف اللحية انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه: ولا يتم نسك الحلق إلا بحلق جميع الرأس والشعر الذي على الاذنين. قال ابن الحاج: وقال أبو عمر: أجمع العلماء أن الحاج لا يحلق ما على الاذنين، وينبغي أن يكون النظر في كونها من الرأس أو من الوجه انتهى. الرابع: قال في التوضيح: قال ابن حبيب وإذا بدأ بالحلق بدأ باليمين انتهى. ولفظ كلام ابن حبيب في مختصر الواضحة ونقله الشيخ إبراهيم بن هلال في منسكه: ويبدأ في حلاقه بالشق الايمن لما في صحيح مسلوذكر الحديث. وقال بعده عياض: في بداءة النبي (ص) بحلقه بالشق الايمن مشهور سنة في التيامن في العبادات وغيرها انتهى. قال ابن شعبان في الزاهي: ويبدأ الحالق بالشق الايمن وليستقبل القبلة أحب إلي انتهى. والظاهر أنهم أرادوا الشق الايمن للمحلوق. وقول ابن شعبان يستقبل القبلة أي المحلق رأسه فتأمله. وانظر منسك ابن فرحون. وقال ابن جماعة في منسكه الكبير عن وكيع: إن أبا حنيفة رحمه الله قال: أخطأت في ستة أبواب من المناسك فعلمنيها حجام، وذلك أنحين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام فقلت: بكم تحلق رأسي ؟ فقال: أعراقي أنت ؟ فقلت: نعم. فقال: النسك لا يشارط عليه اجلس منحرفا عن القبلة فقال لي: حول وجهك إلى القبلة فحولت وأردت أن يحلق رأسي من الجانب الايسر فقال لي: أدر الشق الايمن من رأسك فأدرته فجعل يحلق وأنا ساكت فقال لي: كبر فجعلت أكبر حتى قمت لاذهب قال لي: أين تريد ؟ قلت: رحلي. فقال لي: ادفن شعرك ثم صل ركعتين ثم امض. فقلت له من أين لك ما أمرتني ؟ فقال: رأيت عطاء بن ربا يفعل ذلك انتهى. وهذا يدل لما ذكره الشيخ محيي الدين ابن العربي في أول باب الوصايا من الفت حات فإنه قال: إذا عصيت الله في موضع فلا تبرح منه حتى تعمل فيه طاعة لما يشهد عليك يشهد لك، وكذلك ثوبك إذا عصيت الله فيه، وكذلك ما يفارقك منك من قص

[ 183 ]

الشارب وحلق عانة وقص أظفار وتسريح لحية وتنقية وسخ لا يفارقك شئ من ذلك إلا وأنت على طهارة وذكر لله فإنه مسؤول عنك كيف تركك، وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله أن تدعو الله أن يتوب عليك حتى تكون مؤديا واجبا في امتثال قوله: * (أدعوني أستجب لكم) * * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) * يعني بالعبادة الدعاء. وقال الشيخ إبراهيم بن هلال: ويستحب الاكثار من الدعاء عن الحلق فإن الرحمة تغشى الحاج عند حلاقه انتهى. الخامس: قال الشيخ أبو الحسن في باب زكاة الفطر: ويستحب للمحرم إذا حل من إحرامه أن يخالف بين حالة الاحرام وحالة الاحلال، وكذلك الحادة، إذا انقضت عدتها يستحب لها أن تزيل الشعث عن نفسها لتخالف بين زمان الاحرام وغيره. وقال في المدونة: فإذا رمى جمرة العقبة فبدأ بقلم أظفاره وأخذ من لحيته وشاربه واستحد وأطلى بالنورة قبل الحلق فلا بأس بذلك، ويستحب له إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره من غير إيجاب وفعله ابن عمر انتهى. وقال الشيخ إبراهيم بن هلال في منسكه ناقلا عن ابن حبيب: وخذ من شاربك ولحيتك عند الحلق وبالغ في الاخذ من اللحية فإنه يستحب ذلك في ذلك الوقت ما لا يستحب في غيره ويستحب أن يقلم أظفاره انتهى. وقال ابن شعبان في الزاهي في قوله تعالى * (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) * وقضاء التفت حلاق الرأس وقص الاظفار وإماطة الاذى عن الجسد والوجه والرأس والنذر رمي الجمار يوم النحر وغيره انتهى. وقال سند: قال ابن حبيب: وكان ابن عمر يأخذ من لحيته لما جاوز القبضة ويأخذ من شاربه وأظفاره ولا يأخذ من عارضيه. وكره ابن القاسم ذلك للمعتمر بعد السعي قبل أن يحلق انتهى. وقال ابن عرفة إثر كلامه السابق زاد في رواية محمد: ولا بأس أن يتنور ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه ولحيته قبل حلقه. ابن القاسم: أكره غسل المعتمر رأسه أو لبسه قميصا قبل حلقه. الباجي: ليس بخلاف لان الحاج وجد منه تحلل في جمرة العقبة والمعتمر لا تحلل له قبل حلقه. انتهى ونحوه في التوضيح. ص: (وهو سنة المرأة) ش: قال في التوضيح: ويكره لها الحلاق. هكذا حكى البلنسي في شرح الرسالة، وحكى اللخمي أن الحلق للمرأة ممنوع لانه مثلة بها، أما الصغيرة فيجوز فيها الحلق والتقصير. اللخمي: وكذلك الكبيرة إذا كان برأسها أذى والحلق صلاح لها انتهى. وقال ابن عرفة: وليس على النساء إلا التقصير. روى محمد: ولو لبدت الباجي: بعد زوال تلبيدها بامتشاطها ثم قال فيها: ولتأخذ في الحج والعمرة من كل قرونها الشئ القليل وما أخذت من ذلك أجزأها. الشيخ: روى محمد حلق الصغيرة أحب إلي من تقصيرها. وسمع ابن القاسم التخيير. اللخمي: بنت تسع كالكبيرة ويجوز في

[ 184 ]

الصغيرة الامران، وحلق بعضه أو تقصيره لغو ولا نص في تعميمه منهما والاقرب الكراهة انتهى. والظاهر أنه لو فعل ذلك أعني التعميم منها انتفت الكراهة وهو ظاهر كلام الطراز. ص: (تأخذ قدر الانملة والرجل من قر ب أصله) ش: قال ابن فرحون في مناسكه: ولا بد أن تعم المرأة الشعر كله طويله وقصيره بالتقصير. نقله الباجي انتهى. وما ذكره المصنف هو على جهة الاولى. قال في التوضيح: قال مالك: ليس تقصير الرجل أن يأخذ من أطراف شعره ولكن يجزه جزا، وليس مثل المرأة فإن لم يجزه وأخذ منه فقد أخطأ ويجزئه انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها ما أخذ من كل شعره أجزأ انتهى. وفي الطراز: قال مالك في الموازية: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذ منه الرجل والمرأة أجزأ انتهى. وقال ابن عبد السلام: أقل ما يكفي من التقصير الاخذ من جميع الشعر طويله وقصيره. كذا نص عليه في الموازية مع ما يصدق عليه اسم التقصير من غير اعتبار بأنملة أو أقل أو أكثر. انتهى والله أعلم. ص: (ثم تقبض) ش: قال الشيخ إبراهيم بن هلال في منسكه: وينبغي أن لا يؤخر طواف الافاضة بعد الحلق إلا بقدر ما يقضي حوائجه التي لا بد منها انتهى. فرع: قال سند: يستحب للحاج أن يطوف للافاضة في ثوبي إحرامه انتهى. فرع: واستحب مالك أنه إذا فرغ من طواف الافاضة أن يرجع إلى متى ولا يتنفل بطواف ولا بطوافين. قال ابن رشد في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج عن النخعي أنهم كانوا يستحبون أن يطوفوا يوم النحر ثلاثة أسابيع قال: وقول مالك أولى لما قدمناه انتهى. وقال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم فيمن أفاض يوم النحر أو في يوم من أيام متى: فلما فرغ من طوافه سمع الاذان هل ترى له أن يقيم حتى يصلي ؟ قال أرجو أن يكون واسعا. قال ابن رشد: لان الاختيار أن يرجع إلى منى فيصلي بها الظهر إن كان أفاض في صدر النهار أو المغر ب إن كان أفاض في آخره انتهى. وقال في النوادر: وزاد في كتاب محمد: وإن سمع الاقامة فواسع أن يثبت ليصلي انتهى. وقال في سماع أشهب فيمن أفاض يوم جمعة أجب إلى أن يرجع إلى منى. فرع: قال في الزاهي: ولا يمضي من منى إلى مكة في أيام منى للطواف تطوعا ويلزم

[ 185 ]

مسجد الخيف للصلوات أفضل انتهى. ص: (وحل به ما بقي إن حلق) ش: أي وحل بطواف الافاضة ما بقي وهو الجماع ومقدماته والنكاح والصيد وكراهة الطيب، وهذا يسمى التحلل الثاني، وهذا في حق من قدم السعي بعد طواف القدوم، وأما من لم يسع قبل الوقوف فالتحلل الثاني في حقه أن يطوف ويسعى. قاله سند في آخر باب رمى جمرة العقبة من كتاب الحج، وشرح مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء من الحج الاول، وقاله في الذخيرة في المقصد الثامن. وكلام المصنف في التوضيح في شرح مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء صريح في ذلك. وقال في مناسكه في الفصل التاسع من الباب الثالث في بيان أفعال الحج: ويرجع للسعي من بلده على المشهور ويأتي بعمرة إن أصاب النساء انتهى. وكلام أهل المذهب صريح في ذلك والله أعلم. ص: (كتأخيره الحلق لبلده) ش: نحوه لابن الحاجب. قال في التوضيح: يريد أو طال ذلك ثم قال: فإن قلت: هل يقيد وجو ب الدم بما إذا أخره إلى المحرم كطواف الافاضة ؟ قيل: لا، لان الباجي نقل عن ابن القاسم ما ينفي هذا التقييد ولفظه: قال ابن القاسم: إذا تباعد ذلك بعد الافاضة أهدى وليس لذلك حد، وإن ذكر وهو بمكة قبل أن يفيض فليرجع حتى يحلق ثم يفيض انتهى. وقال سند في باب الاحصار لما تكلم على ما إذا أخر المحصر الحلق إلى بلده وأنه لا دم عليه عن ابن القاسم ما نصه: رأى ابن القاسم أن الدم في الحلاق إنما يكون بتأخيره عن وقته ووقته أشهر الحج ولا يجب في مكان تحلله، ولهذا لو رحل رجل من منى ولم يحلق بها وحلق في غيرها في وقت الحلاق وأشهر الحج لم يكن عليه شئ انتهى. ص: (أو الافاضة للمحرم)

[ 186 ]

ش: وكذا لو طاف للافاضة وأخر السعي حتى دخل المحرم فإنه يعيد طواف الافاضة ويسعى وعليه الهدي كما ذكره سند في باب المحصر، وإن أخر الطواف والسعي معا فهدي واحد يجزيه. قاله سند في باب الطواف من كتاب الحج الاول والله أعلم. ص: (ورمي كل حصاة) ش: بالجر عطفا على الحلق في قوله كتأخير الحلق ص: (وإن لصغير لا يحسن الرمي أو عاجز وليستنب) ش: يعني أن الهدي يترتب بتأخير حصاة أو جمرة أو الجمار كلها لليل وإن كان ذلك التأخير لصغير لا يحسن الرمي، فإن لم يرم عنه وليه حتى غربت الشمس أو كان التأخير لمريض عاجز لم يستطع أن يرمي عن نفسه حتى غربت الشمس والحال أن العاجز عن الرمي يستنيب لكن استنابته لا تسقط عنه الهدي وإنما يسقط عنه الهدي إذا صح قبل الغروب ورمى عن نفسه، وأما الصبي إذا رمى عنه وليه فلا هدي في ذلك. قال ابن عبد السلام: والفرق بين الصبي والعاجز أن الرمي في حق الصبي جزء من أفعال الحج التي تفعل بالصبي والفاعل في الحقيقة لها غير الصبي فلا يلزم في الرمي عنه هدي كما لا يلزم في سائر الافعال من وقوف وطواف وغير ذلك، والمريض هو الفاعل لسائر الاركان فإذا فعل عنه فعل عنه الرمي خاصة مع أنه أتى بسائر الافعال صار كأن الرمي لم يقع ألبتة انتهى والله أعلم. ص: (وأعاد إن صح قبل الفوات) ش: الظاهر أن الاعادة على الوجوب فقد قال ابن عبد السلام: إنه كالناسي. قال: وإذا قضى فإنه يرمي الجمرة

[ 187 ]

الاولى ثم الثانية ثم الثالثة عن اليوم الاول ثم يرمي عن اليوم الثاني كذلك ثم الثالث كذلك ولا يرمي الجمرة الاولى ثلاث مرات على الايام الثلاث وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وتقديم الحلق أو الافاضة على الرمي ش: أما تقديم الحلق على الرمي ففيه الفدية كما صرح به في المدونة وغيرها لا كما تعطيه عبارة المصنف من أن الواجب هدي، لان الدم إذا أطلق إنما ينصرف للهدي وأما تقديم الافاضة على الرمي فالذي رواه ابن القاسم عن مالك الاجزاء مع الهدي كما قال هنا، وروي عن مالك أنه لا يجزيه وهو كمن لم يفض، وأنه لو وطئ بعد إفاضته وقبل الرمي فسد حجه وهو خلاف مذهب المدونة. وقال أصبغ: أحب إلي أن يعيد الافاضة وذلك في يوم النحر آكد. تنبيه: وانظر لو أعاد الافاضة بعد الرمي على القول الاول، هل يسقط عنه الهدي أم لا يسقط عنه. لم أر فيه نصا، والظاهر أنه لا يسقط فإنه قال في الطراز: إذا قلنا يجزئه الحج فعليه الهدي لما أخر من سنة الحج ثم قال: وهل يعيد الافاضة بعد ما رمى ؟ قال أصبغ: أحب إلي أن يعيد. وقال محمد: لا يعيد الافاضة قال: لو لم يجزه لفسد حجه كما قال أشهب، وأن يعيد أحسن لانه أحوط وأصون ويخرج من الخلاف انتهى. فقوله: وهل يعيد الافاضة يقتضي أنه مفرع على القول بالاجزاء مع الهدي ومقتضاه أنه لا يسقط بالاعادة فتأمله. ص: (إن خالف في غير) ش: بأن قدم النحر على الرمي أو قدم الحلق على النحر أو قدم الافاضة على النحر أو على الحلق أو عليهما معا ص: (فوق العقبة) ش: أي فوق جمرة العقبة كما صرح به المصنف في توضيحه ومناسكه. قال في التوضيح: ولا يجوز المبيت دون جمرة العقبة لانه ليس من منى. وفي الموطأ عن عمر أنه كان يرحل الناس من ورائها. وفيه أيضا عنه أنه قال: لا يبيتن

[ 188 ]

أحد من الحاج ليالي منى أمن وراء العقبة. وعن مالك في الموازية: إن بات رجل ليلة وراء العقبة فليهد هديا. وروي عنه أنه لا دم عليه حتى يبيت الليلة كلها بغير منى انتهى. وقال في مناسكه في الفصل السادس في المبيت بمنى: والرمي وليس ما بعد جمرة العقبة من منى فمن باب بعدها فحكمه حكم من لم يبت بمنى. وقال بعده بنحو ورقة: ويشترط في التعجيل أن يخرج من منى بأن يجاور جمرة العقبة قبل غروب الشمس انتهى. وقال في الطراز في باب حكم منى: ورمي الجمرات الثلاث وهي التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى وهي التي تلي الاولى، ثم الثالثة وهي جمرة العقبة وهي القصوى وهي أبعد الجمار إلى منى وأقربها إلى مكة وهي التي ترمى يوم النحر وهي على حد أول منى من ناحية مكة انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وجمرة العقبة آخر منى من ناحية مكة انتهى. وقال في شرح الارشاد المذكور: المبيت بمنى ليالي الرمي سنة وتاركه يلزمه الدم، ولو بات تحت الجمرة مما يلي مكة وسواء الليل كله أوجله على المشهور انتهى. وما وقع في عبارات أهل المذهب من إطلاقاتهم لفظ العقبة فإنما يعنون به جمرة العقبة، ولا نزاع في ذلك فقد قال المؤلف قبل هذا ورميه العقبة وقال بعده: ورخص لراع بعد العقبة وقال: ورمى العقبة أول يوم طلوع الشمس ومراده بذلك كله جمرة العقبة والله أعلم. ص: (قبل الغروب من الثاني) ش: يعني أن التعجيل إنما يكون قبل الغروب من اليوم الثاني فيمن جاوز جمرة العقبة قبل غروب الشمس فلا شئ عليه، ومن غربت عليه الشئ قبل أن يجاوزها لزمه المبيت بمنى ورمى اليوم الرابع. فرع: ومن أفاض ليس شأنه التعجيل فبدا له بمكة أن يبيت فله ذلك ما لم تغب عليه الشمس بمكة، فإذا غابت فليقم حتى يرمي من الغد. فرع: ولو رجع إلى منى ثم بداله قبل الغروب أن يتعجل فله ذلك ص: (فيسقط عنه رمي الثالث) ش: أي الثالث من أيام الرمي. قال في الطراز: من تعجل سقط عنه رمي الثالث، فإن كان معه حصا أعده لرمي اليوم الثالث طرحه أو دفنه لمن لم يتعجل. وما يفعله الناس من

[ 189 ]

دفنه لا يعرف له أصل ولم يثبت فيه أثر انتهى. قلت: قال التادلي: وفي منسك مكي: من أراد أن يتعجل دفن ما بقي عليه من الحصا وهو أحد وعشرون حصاة وهو غريب. قال في التوضيح: وذكر بعض أصحابنا أنه يدفن الحصى إذا تعجل وليس بمعروف انتهى. ص: (ورخص لراع بعد العقبة أن ينصرف ويأتي الثالث فيرمي لليومين) ش: قال في التوضيح: وقال محمد: يجوز لهم ذلك ويجوز لهم أن يأتوا ليلا فيرموا ما فاتهم في ذلك اليوم وانتهى. ونقله ابن عرفة وغيره. والظاهر أنه ليس بخلاف لانه إذا رخص لهم في تأخير الرمي ولليوم الثاني فرميهم ليلا أولى بالجواز إلا أنهم إذا جاؤوا ليلا إلى منى فيظهر من كلام صاحب الطراز إنه يلزمهم حكم المبيت بها. قال: لان حاجة الرعي إنما تكون بالنهار فإذا غربت الشمس فقد انقضى وقت الرعي، وبهذه العلة فرق أصحاب الشافعي بينهم وبين أهل السقاية إذا غربت لهم الشمس بمن قالوا: لان سقايتهم بالليل والنهار فكان لهم ترك المبيت بمنى بخلاف الرعاة. تنبيه: يذكر المصنف هنا حكم السقاية مع أنه أشار إلى ذلك في مناسكه. قال في الطراز: يجوز لاهل السقاية ترك المبيت بمنى ويبيتون بمكة يرمون الجمار بمنى نهارا ويعودون إلى مكة انتهى. وعلم من كلام صاحب الطراز أن أهل السقاية ليسوا كالرعاة في تأخير الرمي، وكلام المصنف في مناسكه يقتضي أنهم سواء. فائدة: تتضمن الكلام على حكمة أصل خروج سابق الحاج المبشر عنهم بسلامتهم ووقت خروجه، هل هو يوم العيد أو بعد مضي أيام التشريق. قال الشيخ جلال الدين السيوطي في حاشية الموطأ في جامع القضاء إن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج ما نصه. أخرج الخطيب البغدادي في كتابة ثاني التلخيص من طريق حسين العجلي عن علي ابن زيد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: تخرج الدابة من جبل أجياد في أيام التشريق والناس بمنى قال: فلذلك جاء سابق الحاج يخبر بسلامة الناس. قلت: هذا أصل قدوم المبشر عن الحاج وفيه بيان السبب في ذلك وأنه كان من زمن عمر بن الخطاب إلا أن المبشر الآن يخرج من مكة يوم العيد وحقه أن لا يخرج إلا بعد أيام التشريق، ثم رأيت ابن مردويه أخرج في السيرة من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أبي أسيد أراه رفعه قال: تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة فبينما هم قعود تربو الارض فبينما هم كذلك إذ تصعدت. قال ابن

[ 190 ]

عيينة: تخرج حين يسري الامام من جمع، وإنما جعل سابق الحاج ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج. فهذه الرواية تقتضي أن خروج المبشر يوم العيد واقع موقعه انتهى. ص: (وتقديم الضعفة في الرد للمزدلفة) ش: أي تقديم الضعفة إلى منى في الرد إلى المزدلفة، أو اللام بمعنى من كقولهم سمعت له صراخا أي منه، ونحوه قول المصنف فيما يأتي في الاشعار من الرأس للرقبة أي من الرقبة أي جهة الرقبة. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد. أما دفعه من المشعر قبل طلوع الشمس فسنة ولا بأس بتقديم الضعفة ليلا كنفرهم من عرفة بعد الغروب وقبل الامام انتهى. وقاله غيره. تنبيه: قال في التلقين: وللامام أن يقدم ضعفة أهله ليلة المزدلفة إلى منى بشرط الدم. وقيل: إنها رخصة له خصوصا. انتهى وهو مشكل والله أعلم. ص: (من الزوال للغروب) ش: هذا وقت الاداء والوقت المختار منه من الزوال إلى الاصفرار. ص: (وصحته بحجر كحصى الخذف) ش: قال ابن هارون في شرح المدونة. قال ابن شاس: يشترط كونها حجرا ولا يجزئ غير الحجر وهو المفهوم من لفظ الحصى والجمار إلا أن في عدم إجزاء غيره نظر انتهى. واستحب مالك في المدونة أن يكون حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلا. قال في التوضيح: قال سند: وكان القاسم بن محمد يرمي بأكبر من حصى الخذف. واستشكل الشافعي استحباب مالك كونها أكبر مع ما ورد أن النبي (ص) رمى. ممثل حصى الخذف وأجيب بوجهين: أحدهما للباجي أنه لم يبلغه الحديث، والثاني لعبد الحق وغيره أنه بلغه لكن استحب الزيادة على حصى الخذف لئلا ينقص الرامي ذلك انتهى. وقال ابن ناجي: قال غير واحد: فوق الفستق ودون البندق. قال الفاكهاني: سمعت خطيب الحاج بمكة يقوله ثم رأيته لاصحابنا انتهى.

[ 191 ]

فرع: قال في الزاهي: ويحمل حصى نفسه ولا يستعين على حمله بغيره ولا يغسل الحصى. ص: (وإن بمتنجس) ش: يعني الرمي يصح بالحجر المتنجس يريد ولكنه مكروه. قال في التوضيح: قال سند: قالت الشافعية: لو رمى بحجر نجس أجزأه. قال: وليس ببعيد على المذهب ولكنه يكره انتهى. ولفظ الطراز: قال أصحاب الشافعية لو رمى بحجر نجس لاجزأه، وهذا لا يبعد على المذهب فقد قال مالك في الموازية في الحصى يلتقطها: ليس عليه أن يغسلها ولو كان تحقق النجاسة يمنع الاجزاء لكان توقعها يؤذن باستحباب غسلها إلا أنه لا ينبغي أن يرمي بحجر نجس، وإن رمى به أعاد. فإن وقع ذلك وفات أجزأه لان المقصود الرمي بالحصى وقد حصل فوقع الاجزاء انتهى. وليس في كلام المصنف ما يفهم الكراهة ولا استحباب الاعادة، وكلام صاحب الطراز يدل على أن هذا الفرع ليس بمنصوص عليه لمالك. وقال في التوضيح: ونقل ابن الحاج عن مالك الاجزاء في الحجر النجس. ص: (على الجمرة) ش: قال الباجي: الجمرة اسم لموضع الرمي قال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب: وليس المراد بالجمرة البناء القائم وذلك البناء قائم وسط الجمرة علامة على موضعها والجمرة اسم للجميع انتهى. وقال الشيخ زروق: ومن أي جهة رمى الجمرة في مرماها صح الرمي. انتهى من شرحه على الارشاد. ص: (وفي إجزاء ما وقف بالبناء تردد) ش: الظاهر الاجزاء والله أعلم. ص: (وأعاد ما حضر بعد المنسية وما بعدها في يومها فقط) ش: قال في المدونة: فلو رمى من الغد

[ 192 ]

ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الجمرة الاولى بالامس فيرمي الاولى بحصاة والثنتين بسبع سبع ثم يعيد رمي يومه لانه في بقية من وقته انتهى. وقال ابن هارون في شرح المدونة: قوله يرمي الاولى بحصاة وقيل يستأنفها بسبع حكى الباجي أنه قول ابن كنانة في المدونة، وسبب الخلاف هل الفور واجب مطلقا أو مع الذكر انتهى. وانظر الطراز في المسألة السابعة عشر من باب حكم منى مع الرمي وإعادته لرمي ما حضر وقته على جهة الاستحباب كإعادة الصلاة الوقتية إذا صلاها قبل منسية. قاله ابن هارون في شرح المدونة ونصه إثر كلامه السابق. وقوله يعني في المدونة في المدونة ثم يعيد رمي يومه يعني استحبابا في الوقت كما يعيد صلاة وقته إذا صلاها قبل منسيته. وحكى ابن شاس قولا آخر أنه لا يعيد ما رماه في يومه انتهى. فرع: سئلت عمن نسي رمي جمار يوم من أيام فذكر ذلك قبل غروب الشمس من اليوم الثالث بقدر ما يسع رمي الجمار الثلاث، هل يبدأ برمي الاداء أو برمي القضاء ؟ فإنه إن رمى للقضاء فات الاداء وفات قضاؤه، وإن رمى الاداء فات القضاء. وكذلك لو وقع ذلك في غير اليوم الثالث، هل يقوم القضاء وإن أدى إلى فوات الاداء ؟ فأجبت بأني لم أقف على نص في المسألة، والذي يظهر لي في غير اليوم الثالث أنه يقدم القضاء وإن أدى لفوات الاداء كما في الصلاة الحاضرة والمنسية، وأما في الثالث الذي هو رابع يوم النحر فالذي يظهر لي أنه يقدم الاداء وقد فات وقت الاداء حيث لم يبق للغروب إلا ما يسع رمي اليوم الرابع فتأمله والله أعلم. ص: (وندب تتابعه) ش: أي وندب تتابع الرمي في الجمار الثلاث، وظاهر كلامه أن التتابع أي الفور في رمي الجمار مستحب مطلقا أي مع الذكر وعدمه، وهو الذي شهره ابن بشير، وحمل أبو الحسن الصغير المدونة عليه ومشى عليه المصنف في توضيحه، وجزم به هنا

[ 193 ]

في مناسكه، وقبل ذلك الشارح في شروحه الثلاثة، وكذلك البساطي والاقفهسي وهو ظاهر المدونة. قال في المدونة: ويوالي بين الرمي ولا ينتظر بين كل حصاتين شيئا. قال أبو الحسن الصغير: هذا على جهة الاولى والافضل إلا أنه من شروط صحة الرمي يدل عليه ما يأتي في مسائل النسيان انتهى. ويشير بمسائل النسيان إلى المسائل التي ذكر المصنف بعضها بعد قوله وندب تتابعه. وقال في المدونة: فإن ترك رمي جمرة العقبة أو بعضها يوم النحر إلى الليل فليرمها ليلا وفي نسيان بعضها يرمي عدد ما ترك ولا يستأنف جميع الرمي. ومن رمى الجمار الثلاث بخمس خمس يوم ثاني النحر ثم ذكر من يومه رمي الاولى بحصاتين، ثم الوسطى بسبع، ثم العقبة بسبع ولا دم عليه، ولو ذكر من الغد رمى هكذا وليهد على أحد قولي مالك. ولو رمى من الغد ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الجمرة الاولى بالامس فليرم الاولى بحصاة والاثنين بسبع سبع ثم يعيد رمي يومه لانه في بقية من وقته وعليه دم للامس، وإذا ذكر ذلك بعد مغيب الشمس من اليوم الثاني رمى عن أمس كما ذكرت وعليه فيه دم ولم يعد رمي يومه، وإن لم يذكر ذلك إلا بعد رمي يومين فذكره قبل مغيب الشمس من آخر أيام التشريق رمى الاولى بحصاة والاثنتين بسبع سبع عن أول يوم وأعاد الرمي عن يومه هذا فقط إذ عليه رمي بقية يومه، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما لان وقت الرمي قد مضى. وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول يوم ولا يدري من أي جمرة فقال مالك مرة يرمي الاولى بحصاة ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع سبع وبه أقول، ثم قال يرمي كل جمرة بسبع سبع انتهى. قال في النكت: وفي كتاب الابهري. قال: ومن بقيت بيده حصاة فلم يدر من أي جمرة هي فليرم بها الاولى ثم يرمي الباقيتين بسبع سبع. وقد قيل: إنه يستأنفهن، والاول أحب إلينا. وجه قوله يأتي بحصاة للاولى جواز أن تكون الحصاة منها ولا يصح رمي ما بعدها إلا بتمامها فوجب في الاحتياط أن يجعلها من الاولى ليكون على يقين ووجه قوله إنه يستأنفهن أنه قد انقطع

[ 194 ]

بناء رمي الاولى للحصاة التي بقيت، فوجب أن يبتدئ لرميهن كلهن حتى يوالي الرمي انتهى. ونحوه في ابن يونس ونقله أبو الحسن الصغير قم قال: فهذا يكره النقص على ما تقدم وإن الموالاة مطلوبة فيكون في الكتاب قولان انتهى. وقال ابن بشير: فإن ترك حصاة فلا يخلو أن يذكر موضعها أو يشك، فإن ذكر موضعها فهل يعيد الجمرة من أصلها أو يكفيه رمي حصاة واحدة ؟ ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يعيد بل يرمي حصاة واحدة وهذا هو المشهور، والثاني أنه يعيد الجمرة من أصلها، والثالث: إذا ذكرها يوم الاداء أعادها خاصة، وإن ذكرها في يوم القضاء أعاد الجمرة من أصلها. وسبب الخلاف هل الموالاة في الجمرة الواحدة واجبة أو مستحبة ؟ فمن أوجبها أوجب الاعادة للكل، ومن لم يوجبها اجتزأ برمي ما نسي خاصة، ومن فرق فلانه رأى أن حكم القضاء والاداء مختلفان فلا يجتمعان في جمرة واحدة، وإن لم يدر موضعها فقولان في الكتاب أحدهما أنه يرمي عن الاولى الحصاة ثم يعيد ما بعدها، والثاني أنه يرمي عن الجميع ولا يعتد بشئ. وقد تردد أبو الحسن اللخمي هل هذا الخلاف يوجب الاختلاف إذا علم موضعها أو يكون هذا بخلاف ذلك وهو مقتضى الكتاب. والفرق أنه إذا علم الموضع قصد بتلك الحصاة ذلك الموضع وأعاد ما بعده، وإن لم يعلم الموضع فلم تحصل له صورة يعول فيها على الترتيب فأعاد الجميع في قول انتهى. وقال ابن الحاجب: فلو كانت حصاة لم يكتف برمي حصاة على المشهور، وثالثها إن كانت في يوم القضاء اكتفى. قال في التوضيح: ولو كان المنسي حصاة من إحدى الثلاثة ويذكر من يوم أو من الغد لم يكتف برمي حصاة على المشهور، بل لا بد من إعادة الجمرة كلها، وقيل: يكتفي برمي أن حصاة ويعيد بست في الجمرة الاولى بناء على أن الفور في الجمرة واجب أو مستحب وذكر المصنف أن المشهورة رعدم الاكتفاء وفيه نظر، فقد صرح الباجي وابن بشير بأن الاكتفاء هو المشهور. وكذلك قال ابن راشد وغيره وبه صدر في الجواهر. وقوله في القول الثالث: إن كان يوم القضاء اكتفى عكس المنقول. وممن نقل العكس الباجي وابن بشير وابن راشد وابن عبد السلام، وقد وقع في بعض النسخ إن كان يوم القضاء لم يكتف وهو الصواب وهو قول ابن القاسم في المدونة، ووجهه أنه لو قيل بالاكتفاء في القضاء لزم أن يكون بعض الجمرة أداء وبعضها قضاء بخلاف يوم الاداء. إذا تقرر ذلك علمت أن الترتيب والفور هنا على العكس من الوضوء لان الترتيب هنا واجب والفور ليس بواجب والله أعلم. انتهى كلام التوضيح وجزم بذلك في مناسكه فقال: والفور في رمي حصاة الجمرة ليس بواجب انتهى. إذا علمت ذلك فيتحصل مما تقدم ومن كلام صاحب الطراز وابن هارون وابن عبد السلام الآتي في الفور في رمي حصى الجمرة طريقتان: الاولى طريقة ابن بشير وأبي الحسن الصغير والمصنف هنا وفي توضيحه ومناسكه أن الفور مستحب مطلقا على المشهور، سواء كان ذاكرا أو ناسيا وهو ظاهر المدونة من مسائل للنسيان التي ذكر المصنف بعضها. ويؤخذ أيضا مما ذكره في شرح أول

[ 195 ]

مسألة من البيان عن ابن المواز ونصه: قال ابن المواز: ولو رمى الجمار بحصاة حصاة كل جمرة حتى أتمها بسبع سبع، فليرم الثانية بست والثالثة بسبع وهو صحيح، لان الترتيب يصح له بهذا. فلم يعتبر ابن رشد في تصحيح رميه إلا حصول الترتيب لا الفور فتأمله والله أعلم. والثانية طريقة صاحب الطراز وابن هارون وابن عبد السلام أنه اختلف في الفور، هل هو شرط مطلقا أو شرط من الذكر ؟ وعلى هذه الطريقة فلو فرقه عامدا لم يجز باتفاق وبذلك صرح ابن عبد السلام فقال: لو فرقه عامدا لم يجزه لاشتراط التتابع في رمي الحصى مع الاختيار باتفاق. انتهى ونحوه في الطراز ونصه: اختلف في الفور هل هو شرط مطلقا أو شرط مع الذكر ؟ ذكره في شرح مسألة المدونة المتقدمة، ونقله عنه في الذخيرة ونحوه قول ابن هارون في القولة التي قبل هذه حيث قال: وسبب الخلاف هل الفور واجب مطلقا مع الذكر. ففهم من كلامهم أنه يتفق على أنه شرط مع الذكر والله أعلم. ص: (ورميه العقبة أول يوم طلوع الشمس) ش: هذا أول الوقت المختار من وقت الاداء وآخره إلى الزوال. وأول وقت الاداء من طلوع الفجر وآخره إلى الغروب، ويكره بعد الزوال إلى الغروب. قاله ابن بشير وابن هارون في شرح المدونة. ونص ابن هارون. وأما رمي العقبة فيستحب بعد طلوع الشمس ويجوز بعد الفجر إلى الزوال ويكره عند الزوال إلى الغروب من غير دم. واختلف في الدم إذا ذكر في الليل وما بعده من أيام التشريق انتهى. وقال الجزولي: ويكره من الزوال للغرو ب ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (ولا إثر الزوا قبل الظهر) ش: قال في الموازية والواضحة: قال ابن المواز: فلو رمي بعد أن صلى الظهر أجزأه زاد في الواضحة وقد أساء انتهى. ص: (وتحصيب الراجع ليصلي أربع صلوات) ش: ظاهره كأن يقيم بمكة أم لا وهو

[ 196 ]

كذلك على ظاهر كلام ابن الحاج. قال في مناسكه مسألة فإذا وصل الحاج من الابطح إلى مكة تنفل بالبيت مدة مقامه بها وهو أفضل له من تنفله بالصلاة والله أعلم. وتقدم عند قول المصنف وجمع وقصر في كلام سند أن أهل مكة يحصبون وهو المفهوم من إطلاقاتهم والله أعلم. ص: (وطواف الوداع إن خرج لكالجحفة لا كالتنعيم) ش: قال ابن معلى: قال القاضي عبد الوهاب: أفعال الحج كلها المكي والافاقي فيها سواء إلا في شيئين: طواف القدوم وطواف الوداع انتهى. وقال ابن فرحون: فإذا دخلت مكة وقد كنت طفت طواف الافاضة وأنت تريد الرحيل فطف للوداع، وإن كنت تريد الاقامة فأنت في الطواف بالخيار اه‍. وقوله إن خرج لكالجحفة لا كالتنعيم يعني أن طواف الوداع مشروع لكل من خرج من مكة، مكي أو غيره، قدم لنسك أو لتجارة، إن خرج لمكان بعيد سواء كان بنية العودة أم لا وهو مراد المصنف بقوله إن خرج لكالجحفة. وأما إن خرج لمكان قريب، فإن كانت نيته العودة فلا طواف عليه كمن خرج ليعتمر من التنعيم. قال سند: ومن خرج إلى شئ من المنازل القريبة لاقتضاء دين أو زيارة أهل وشبه ذلك انتهى. وقال في التوضيح لما تكلم على من خرج للجعرانة أو التنعيم. التونسي: ولو خرج ليقيم يعني بهما ودع انتهى. وانظر لو كان منزله بذي طوى ونحوه هل عليه طواف أم لا ؟ والظاهر أن عليه الطواف.

[ 197 ]

فرع: قال سند: ليس على من يتكرر منهم الدخول مثل الحطابين وأهل البقول والفواكه وداع كما لا يعتمرون إذا قدموا، وترك العمرة أشد من ترك الوداع وإسقاط الوداع عمن خرج لحاجة قريبة ثيعود بين لانه ليس في عداد المفارق والتارك للبيت بخلاف من خرج ليقيم بأهله في منزله انتهى. وقال ابن عرفة: وطواف الوداع هو طواف الصدر مستحب لكل خارج ممكة لبعد منها أو مسكنه ولو قرب مطلقا انتهى. فكلام سند الاخير مع كلام ابن عرفة يشهد لما تقدم من أن طواف الوداع على أهل ذي طوى إذا خرجوا ليقيموا به والله أعلم. تنبيه: قال المصنف في مناسكه: وطواف الوداع يسمى طواف الصدر والاول أشهر. وكره مالك في الموازية أن يقال طواف الوداع قال: وليقل الطواف انتهى. وقال في التوضيح: وسمي صدرا إما لكونه يصدر بعده للسفر وإما لكونه يعقب الصدر من منى. قال عياض: والصدر بفتح الصاد الرجوع انتهى. وقال النووي: بفتح الصاد والدال ويطلق الصدر على طواف الافاضة. قال ابن السيد: ويقال وداع بفتح الواو وكسرها وكأن الوداع بالكسر مصدر وادعت وبالفتح الاسم انتهى. ويحتمل أنه إنما كره أن يقال طواف الوداع لانه لا يكون من المفارق فكره له اسم المفارقة عن ذلك المحل الشريف والله أعلم. فرع: قال سند: يستحب إذا فرغ من طواف وداعه أن يقف بالملتزم للدعاء. ص: (وإن صغيرا) ش: يعني أن طواف الوداع يؤمر به العبد والحر والصغير والكبير والذكر والانثى والله أعلم. ص: (وتأدى بالافاضة والعمرة) ش: يعني أن طواف الوداع ليس مقصودا لذاته بل المقصود أن يكون آخر عهده بالبيت للحديث فأي طواف كان أجزأه فرضا أو تطوعا نص عليه اللخمي والله أعلم. ص: (ولا يرجع القهقرى) ش: قال في مناسكه: ولا يرجع في خروجه القهقري لانه خلاف السنة وكثير من الناس يفعل ذلك هنا وفي مسجده عليه السلام ولا أصل لذلك في الشرع الشريف، وأدت هذه البدعة إلى أن صاروا يفعلونها مع مشايخهم وعند المقابل التي يحترمونها ويزعمون أن ذلك من الادب انتهى. ص: (وبطل بإقامة بعض يوم لا بشغل خف) ش: ابن عرفة: وفيها يسير شغله بعده قبل خروجه لا يبطله وإن أقام بعض يوم أعاد. اللخمي: هذا أصوب من رواية ابن شعبان من ودع ثم أقام الغد بمكة فهو في سعة أن يخرج وفيها من ودع وأقام به كريه بذي طوى يومه وليلته لم يعد. زاد الشيخ في رواية ابن عبد

[ 198 ]

الحكم: وكذا من أقام بالابطح نهاره انتهى. ونقله سند ولفظه في ابن الحاجب والله أعلم. ص: (ورجع له إن لم يخف فوات أصحابه) ش: يعني أن من ترك طواف الوداع يرجع له وفواته بأحد أمرين: إما بتركه بالكلية بأن لا يفعله أصلا، وإما بتركه حكما كمن طاف على غير وضوء أو لم يصل له ركعتين حتى انتقض وضوؤه بالاول. قال المؤلف: يرجع إن لم يخف فوات أصحابه. وقال ابن عرفة: ويرجع له من لم يبعد وفيها رد له عمر من مر الظهران، ولم يحد له مالك أكثر من القرب وأرى أن يرجع ما لم يخف فوات أصحابه أو يمنعه كريه. وروى الشيخ: من بلغ مر الظهران لم يرجع له انتهى. ونقله في التوضيح. والثاني وهو فواته حكما لتركه أصلا. قال في الطراز: قال مالك عن ابن القاسم: ولو كان الطواف قبل طلوع الشمس فخرج وهو يريد أن يركع الركعتين بذي طوى فانتقض وضوؤه، فإن تباعد فلا شئ عليه بخلاف ركعتي الطواف الواجب يريد ويركعهما - وقاله في العتبية - ولو كان قريبا في الوداع رجع. قال ابن حبيب: يأتنف الطواف انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه. فرع: ولطواف الوداع ركعتين ومن نسيهما حتى تباعد وبلغ بلده ركعهما ولا شئ عليه، وإن كان بالقرب وهو على طهارة رجع فركعهما، وإن انتقض وضوؤه ابتدأ الطواف وركعتيه، وإن كان توديعه بعد العصر فله أن يركع الركعتين إذا حلت النافلة في الحرم أو خارجا عنه انتهى والله أعلم. فائدة: مر الظهران هو وادي مر بينه وبين مكة ستة عشر ميلا، وقيل ثمانية عشر، وقيل أحدا وعشرين. حكاه ابن وضاح، وذكر السهيلي خلافا في تسميته بمر فقال: سمى مرا لان في عروق الوادي من غير لون الارض شبه الميم الممدود بعدها راء خلقت كذلك. قال: ونقل عن ذر سميت مرا لمرارتها ولا أدري ما صحة هذا. ونقل الحارثي عن الكندي أن مراسم للقرية والظهران اسم للوادي. ص: (وحبس الكري والولي لحيض أو نفاس قدره وقيد إن أمن

[ 199 ]

والرفقة في كيومين) ش: ربما يوهم إتيانه بهذه المسألة هنا أنها من مسائل الوداع وليست هي منه إنما هي من مسائل طواف الافاضة. وأما طواف الوداع فإنها تخرج فلا تقيم حتى تطهر وتطوف قاله في المدونة. فلو نفرت قبل طواف الوداع وهي حائض فطهرت فإن كانت بقرب مكة وأمكنها الرجوع فعلت. قاله سند. وقول المصنف أو نفاس يعني سواء علم أنها حامل أو لم يعلم. وسواء كانت حاملا حين عقد الكراء أولا. هذا على مذهب المدونة. وروي في الموازية عن مالك: لا يحبس على النفساء لانه يقول لم أعلم أنها حامل، وأما الحيض فلا كلام له فيه لان من شأن النساء. قاله في التوضيح. وقوله قدره قال في التوضيح: مدة ما يحكم لها بالحيض مع الاستظهار فيحبس على المبتدأة خمسة عشر يوما، وعلى المعتادة عادتها والاستظهار. ابن المواز: واختلف قول مالك في الحائض فقال مرة يحبس عليها خمسة عشر يوما، وقال مرة خمسة عشر وتستظهر بيوم أو يومين، وقال مرة شهرا ونحوه. اللخمي: وليس هذا بالبين لانها إذا جاوزت الخمسة عشر يوما أو السبعة عشر يوما كانت في معنى الظاهر تصلي وتصوم ويأتيها زوجها انتهى. وقال سند: وهذا عندهم في حيض الحامل، وأما الحامل فلا يدوم بها الحيض هكذا، وخرج قوله في الحامل على اختلاف القول في مبلغ حيضها انتهى. قال في التوضيح: قال في البيان: ويحبس فيها في النفا س ستين يوما انتهى. وقال ابن عرفة: ابن رشد على الاول يعني القول بأنها يحبس عليها أيامها المعتادة والاستظهار إن زاد دمها فظاهرها تطوف كمستحاضة، وتأولها الشيخ بمنعه وفسخ كرائها انتهى. وقال في التوضيح: قال في الجواهر. فرع: إذا قلنا برواية ابن القاسم فتجاوز الدم مدة الحبس فهل تطوف أو يفسخ الكراء قولان انتهى. والظاهر أنها تطوف ولا وجه للفسخ لان مدة الحبس هو أقصى مدة الحيض والنفاس والله أعلم. انتهى كلام التوضيح. وقوله وقيد إن أمن هذا التقييد نسب للتونسي وابن اللباد والشيخ أبي محمد ابن أبي زيد، ويعني به أنه إنما يحبس مع أمن الطريق وأما مع عدم الامن فلا يحبس الكرى. قال ابن عرفة: قال اللخمي: يختلف هل يفسخ أو يكري عليها. فرع: قال في التوضيح: قال مالك في العتبية: شرطت عليه عمرة في المحرم فحاضت قبلها لا يحبس على هذا كريها ولا يوضع الكراء شئ. قال في الذخيرة: لان المقصود الحج انتهى. ونقله سند. وقال ابن عرفة: سمع القرينان لو شرطت عليه عمرة في المحرم بعد حجها

[ 200 ]

لم يحبس قبلها قيل: أيوضع لهامن الكراء شئ ؟ قال: لا أدري ما هذا. ابن رشد: إنما حبس في الحج لامتناع خروجها قبل إفاضتها وإمكانه في العمرة لعدم إحرامها بها. قلت: مفهومه إن أحرمت حبس قال: والصواب فيما وقف فيه مالك إن أبت الرجوع وأبى الصبر عليها فسخ كراء ما بقي لحقها في العمرة لانها عليها سنة واجبة وإن كانت قد نذرتها فأوضح انتهى. فرع: استحسن في سماع أشهب إذا حبس الكري للنفساء أن تعينه بالعلف وأما الحائض فلا. قاله في التوضيح ص: (وكره رمي بمرمى به) ش: يعني أن الرمي بالحصى المرمي به مكروه سواء رمي به هو أو غيره. فرع: قال اللخمي: لو كرر الرمي بحصاة واحدة سبعا لم يجزه وناقشه ابن عرفة والله أعلم. ص: (كان يقال للافاضة طواف الزيارة) ش: ذكر عبد الحق في التهذيب أن مالكا كره أيضا أن تسمى أيام منى أيام التشريق واستحب أن تسمى بالايام المعلومات انتهى. وقال ابن أبي زيد في مختصره في كتاب الجامع في باب القراءة والذكر: وأنكر مالك أن يقال صلاة العتمة وأيام التشريق. وقال يقول الله تعالى * (من بعد صلاة العشاء) * وقال عزوجل * (واذكروا الله في أيام معدودات) * انتهى. ص: (أو زرنا قبره عليه السلام) ش: الكراهة باقية ولو سقط لفظ القبر نقله في التوضيح عن سند. وقال البساطي: إطلاق هذه اللفظة في حقه (ص) وفي حق بيت الله تعالى من حيث إنها إنما تستعمل بين الاكفاء وفي السعي الغير الواجب ويعد الزائر متفضلا على من زاره، ولا يقول من ذهب إلى السلطان لاقامة ما يجب من حقه أتيت السلطان لازوره ولا زرت السلطان، ولان من سعى يطلب حاجة من عند أحد يعد زائرا، وكذا لا يسعون في الحج لحوائجهم وقضاء فرائضهم وعبادة. ولا هم، وكذلك في مشاهدة الرسول والصلاة في مسجده إنما يطلبون بذلك الفضل

[ 201 ]

من الله تعالى والرحمة فليسوا الزائرين على الحقيقة انتهى. ص: (ورقي البيت أو عليه أو منبره عليه الصلاة والسلام بنعل) ش: مراده برقي البيت دخوله وقوله أو عليه أي على ظهره أو على منبره عليه السلام، ويؤخذ منه أنه لا كراهة في رقى درج البيت. وكره مالك أن يجعل نعله في البيت إذا جلس يدعو وليجعلهما في حجرته، قاله سند ونقله المصنف في مناسكه وتوضحه، ونقله غيره. والمراد بالنعلين المتحقق طهارتهما قال في المدونة: وكذلك الخفين والله أعلم. ص: (وإن قصد بطوافه نفسه مع محموله لم يجز واحدا) ش: حكى ابن الحاجب وابن عرفة فيمن حمل صبيا ونوى أن يكون الطواف عنه وعن الصبي أربعة أقوال: بالاجزاء عنهما وعدمه وبالاجزاء عن الحامل دون المحمول أو عكسه. وقال ابن الحاجب: إن المشهور عدم الاجزاء عنهما. قال في التوضيح: ولم أر من شهره. ونسب ابن راشد للمدونة الاجزاء عن الصبي قال: وهو جار على مذهب مالك فيمن حج من فرضه ونذره أنه يعيد الفريضة. خليل: وفيه نظر ولا يؤخذ من المدونة حكم المسألة بعد الوقوع وإنما يؤخذ منها المنع ابتداء انتهى. وظاهر كلام صاحب الطراز ترجيح القول بالاجزاء عنهما، وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين كون المحمول واحدا أو جماعة، صغيرا نوى الحامل عنه وعن نفسه أو كبيرا ينوي هو لنفسه وينوي الحامل لنفسه والله أعلم. فصل ص: (حرم بالاحرام على المرأة) ش: بدأ بالكلام على المرأة مع أن البداءة بالرجل أولى

[ 202 ]

كما ورد بذلك القرآن في آي كثيرة وورد ت بذلك السنة، ولعل المصنف إنما فعل ذلك لقلة الكلام المتعلق بالمرأة. فائدة قال بعضهم: تخالف المرأة الرجل في عشرة أشياء في الحج: في تغطية الرأس وفي حلقه، وفي لبس المخيط وفي لبس الخفين، وفي عدم رفع الصوت بالتلبية، وفي الرمل في الطواف، وفي الخبب في السعي بين الصفا والمروة، وفي الوقوف بعرفة والركوب، والقيام أفضل للرجل والقعود أفضل للنساء، وفي البعد عن البيت في الطواف والقرب منه أفضل للرجال والبعد منه أفضل للنساء، وفي الارتقاء على الصفا والمروة انتهى. قلت: وفي ركوب البحر والمشي من المكان البعيد فيكره ذلك للنساء ولو قدرن. ويجب على الرجل، إذا قدر، وفي أنها يشترط في حقها زوج أو محرم أو رفقة مأمونة والله أعلم. ص: (لبس قفاز) ش: قال في التوضيح القفاز ما يفعل على صفة الكفين من قطن ونحوه ليقي الكف من الشعث انتهى. وقال ابن عرفة: قال الباجي: ويجب على المرأة تعرية يديها من القفازين ويستحب من غيرهما، فإن أدخلتهما في قميصها فلا شئ عليها انتهى. ونحوه في الطراز ونقله ابن فرحون في شرحه، فإن لبست القفازين فعليها الفدية على المشهور خلافا لابن حبيب. وعزاه ابن عرفة المشهور لرواية الشيخ ابن أبي زيد مع أنه في المدونة. ويستفاد حكم الفدية من كلام المصنف لان كل ما حكم له في هذا الفصل بأنه ممنوع ففيه الفدية ما لم يصرح بأنه لا فدية فيه كتقليد السيف لغير ضرورة. ص: (وستر وجه) ش: قال في المناسك: وإن سترت وجهها أو بعضه فالفدية كما لو تبرقعت أو تعصبت انتهى. ونص عبد الوهاب في شرح الرسالة في الكلام على غسل الوجه في الوضوء على أنه إن غطت المحرمة شيئا من وجهها وجبت عليها الفدية، ولو غطت ما في الصدغ من البياض لا يلزمها شئ. وذكره على وجه الاحتجاج به على أنه ليس من الوجه فظاهره أنه متفق عليه ونصه: فأما حد الوجه فهو عندنا من قصاص شعر الرأس إلى آخر الذقن طولا، ومن الصدغ إلى الصدغ عرضا، والبياض الذي وراء الصدغ إلى الاذن ليس من الوجه عند مالك. والذي يدل على سقوط غسله أن المرأة إذا أحرمت لزمها كشف جميع وجهها ثم لا شئ عليها في تغطية هذا الموضع، ولو غطت شيئا من وجهها لزمها الفدية انتهى. وما ذكره من وجوب الفدية فيما إذا غطت شيئا من وجهها فيعني به ما عدا ما يستره الخمار من وجهها فإنه يعفى عن ستره. قال في الطراز لانه لما كان عليها ستر رأسها ولا يمكن إلا بجزء من الوجه سترت من الوجه ما يستره الخمار في تخمير الرأس، وقدم لستر ذلك الجزء على كشف جزء من الرأس لان الرأس عورة وستر العورة فوق حق الاحرام. انتهى أعلم. ص: (إلا لستر بلا غرز وربط) ش:

[ 203 ]

أي لقصد الستر عن الرجال. ولا يحتاج أن يقول المصنف ذلك لانه الستر يستلزمه ولذلك جعل في المدونة كونه للستر قسيم كونه لحر أو برد، وكذا في كلام الباجي. وبهذا اعتذر ابن عرفة عن ابن حبيب فإن فعلته لحر أو برد فسيان فيه الفدية. قاله في التوضيح. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وأما الاجل حر أو برد أو لغير سبب فليس لها ذلك انتهى. وقال في الطراز: للمرأة أن تستر وجهها عن الرجال، فإن أمكنها بشئ في يديها كالمروحة وشبهها فحسن، وإن لم يمكنها وكان لها جلباب سدلته على رأسها، فإن لم يكن لها جلباب فلها أن تنصب بعض ثوبها تجاهها بيدها ولها أن تلقي كمها على رأسها وتسدل بعضه على وجهها، فإن لم تجد إلا خمارها الذي على رأسها فإن كان فيه فضل ترفعه على رأسها فتسدله على وجهها فعلته، وإن رفعت حجز خمارها فألقته على رأسها فلا شئ عليها لان ستر الوجه ولبس المخيط إنما تجب فيه الفدية مع الطول والانتفاع باللبس من حر أو برد وشبهه مما وضع له ذلك اللباس وليس هذا منه في شئ، فإن عقدت الخمار على رأسها نظر، فإن حلته بالقرب فلا فدية عليها، وإن تركته حتى طال افتدت، وإن أرسلته على رأسها ولم تعقده وطال كان على القولين في ستر وجه المحرم ويخالف العقد من حيث إنه في معنى المخيط انتهى. فرع: ولا يضرها ترك مجافاة ردائها عن وجهها إذا سدلته عليه. قاله في المدونة. وانظر ما يفعله النساء اليوم من القف المعمولة من السعف ويربطنها على وجوههن ثم يسدلن عليها الثوب، والظاهر أن عليها الفدية إذا فعلت ذلك وطال. وقد قال في المدونة في المرأة تتبرقع وتجافى البرقع عن وجهها إن عليها الفدية. قال في الطراز: لان البرقع مخيط وضع للوجه وقد عقدته عليه فقد تم لبسه. ص: (وإلا ففدية) ش: وإن سترت وجهها للستر لكن بغرز أو ربط فعليها الفدية. قال في المدونة: وإن رفعته من أسفل وجهها افتدت لانه لا يثبت حتى تعقده بخلاف السدل انتهى. وأما ستر وجهها لغير الستر فقد علم أن في ذلك الفدية من حكمه له بالمنع كما تقدم، وإنما صرح بالفدية في مسألة الغرز والربط لانه لم يستفد المنع فيها إلا من المفهوم والله أعلم. ص: (وعلى الرجل محيط بعضو وإن بنسج أو زر أو عقد) ش: محيط

[ 204 ]

بالحاء المهملة ليتعلق به قوله بعضو ثم بالغ بقوله وإن بنسج فدخل المخيط من باب أولى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والتجرد من المخيط - بفتح الميم والمعجمة - واجب وكذلك المحيط - بضم الميم والحاء المهملة - شرط إحرام الرجال لا النساء فلا يدع عليه ما يمسك بنفسه بخياطة وإحاطة لا أزرار دون عقد ولا زر بل يخالف طرفيه ويأتي بكل ناحية لمقابلها فيلفه عليها انتهى. وقال ابن عرفة: وممنوع الاحرام غير مفسده التطيب وإزالة الشعث ولبس الرجل المخيط الكثيف لبسه كالقميص والجبة والبرنس والقلنسوة. الباجي: إلا المخيط على صورة النسج كمئزر ورداء مرفقين انتهى. تنبيه: قال ابن فرحون في شرحه في كتاب ابن المواز: إجازة التخلل بعود ومنعه في العتبية انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها التخلل والعقد والمزرر كالخياطة. قلت: ولهذا قال الملبد والمنسوج على صورة المخيط الممنوع مثله ولبس المخيط الممنوع ممنوع لبس الجائز جائز. ونقل ابن عبد السلام إجازة التخلل عن كتاب محمد لم أجده له ولا لغيره انتهى. ولم أقل عليه في نسختي من ابن عبد السلام ولعله سقط منها والله أعلم. ص: (كخاتم) ش: قال ابن الحاجب: وفي الخاتم قولان فحملهما في التوضيح على الجواز والمنع. وقال اللخمي وابن رشد: المعروف من قول مالك منعه لانه أشبه بالاحاطة بالاصبع المحيط. وفي مختصر ما ليس في المختصر: بأس به. وحكى ابن بشير قولين في الفدية إذا قلنا بالمنع انتهى. وظاهر كلام أبو عبد السلام أنهما في الفدية وعدمها قال: والاقرب سقوط الفدية. وكذا قال ابن عرفة ونصه: وفي الفدية في الخاتم قولان لنقل اللخمي معروف قوله في هذا المنع مع قول ابن رشد دليل تخفيفهما أن يحرم بالصبي وفي رجله الخلاخل وعليه الاسورة أن الرجال بخلافه. ونقل اللخمي رواية ابن شعبان انتهى. وإذا علم هذا فالذي يظهر أن القائل بالمنع يقول بالفدية، والقائل بسقوط الفدية يقول بالجواز والله أعلم. تنبيه: وهذا في حق الرجل، وأما المرأة فيجوز لها لبس الخاتم. قاله في التوضيح وغيره. والخاتم بكسر التاء وفتحها والخيتام والخاتام كله بمعنى الجمع خواتيم. ص: (وقباء وإن لم يدخل كما) ش: نحوه لابن الحاجب. قال ابن عبد السلام: فيه إجمال لانه يصدق على ما لو لم يدخل منكبيه فيه. وظاهر المدونة لا بد في الفدية من دخولهما. انتهى ونحوه لابن فرحون، وفهم المصنف في التوضيح أن ابن عبد السلام اعترض على ابن الحاجب بأن كلامه مخالف للمدونة من حيث إنه قال فيها وأكره أن يدخل منكبيه، فعبر بالكراهة. وجزم ابن

[ 205 ]

الحاجب بالفدية ثم رد على ابن عبد السلام بأن كلامه في المدونة يدل على وجوب الفدية، وقد علمت أن اعتراض ابن عبد السلام ليس من هذه الحيثية والله أعلم. والقباء بفتح والقاف والمد ما كامفرجا. ص: (وستر وجه أو رأس) ش: قال في الطراز: سواء غطى رأسه أو بعضه خلافا لابي حنيفة انتهى. فرع: قال سند في كتاب الطهارة في باب بقية من أحكام الرأس والاذنين في شرح مسألة الشعر المسدل: لا يجب على المحرم شئ بتغطية ما انسدل من لحيته ونقله عن عبد الوهاب. فرع: قال في النوادر: وإذا مات المحرم خمر وجهه ورأسه انتهى. ص: (كطين) ش: قال سند: أو حناء أو طيب والله اعلم. ص: (واحتزام) ش: قال في مختصر الوقار: ولا بأس أن يحزم ثوبا علوسطه من فوق إزاره إذا أراد العمل ما لم يعقده انتهى. ص: (وجاز خف قطع أسفمن كعب لفقد نعل أو غلوه فاحشا) ش: قال الشيخ سليمان الحيري في شرح اللمع قال في شرح الجلاب: قال مالك: ولا يلبس نعلين مقطوعي العقبين. قال الابهري: وإنما قال ذلك لانهما بمنزلة الخف المقطوع أسفل الكعب انتهى. ولا يلبس أيضا القبقاب لان سيره محيط بأصابع رجليه انتهى كلام الشيخ سليمان. وهذا إذا كان سير القبقاب غليظا فواضح وإلا فالظاهر الجواز والله أعلم. ثم قال الشيخ سليمان: ولا يلبس الصرارة بل يلبس الحذوتين اللتين يلبسهما أهل البادية وشبه ذلك مما له سير يفتحه ويغلقه من غير خياطة ولا تسمير ولكن يعوقه تعويقا بحيث إنه إذا سحب ذلك السير انحل انتهى. والصرارة هي المشهورة عندنا

[ 206 ]

بالحجاز بالتاسومة ومنه أيضا وقد نص في التلقين على امتناع لبس الخمشكين للمحرم انتهى. وفسر الشيخ سليمان الخمشكين بالسرموجة. وقال القاضي عياض في قواعده: والتجرد من المخيط والخفاف للرجال وما له حارك من النعال يستر بعض القدم إلا أحد لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين انتهى. ونقله ابن فرحون في مناسكه وقال بعد قوله: وما له حارك من النعال كنعل التكرور التي لها عقب يستر بعض القدم انتهى والله أعلم. فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. تنبيه: إذا كان الميقات يوجد في النعل للشراء فهل يلزمه أن يعدها قبل ذلك ؟ وقع في كلام القاضي سند في الطراز أن على المحرم أن يعد النعلين إذا علم أنهما لا توجدان في الميقات وكان واجدا لثمنهما انتهى. وتبعه الشيخ زروق في شرح الارشاد. ص: (واتقاء شمس أو ريح بيد) ش: قال في النوادر: ولا بأس أن يواري المحرم بعض وجهه بطرف ثوبه، ولا بأس أن يجعل يدية فوق حاجبيه ليستر بهما وجهه. وقال مالك في المختصر: وليس على المحرم كشف ظهره للشمس إرادة الفضل فيه انتهى. وقال سند: لا بأس أن يسد أنفه من الجيفة واستحبه ابن القاسم إذا مر بطيب انتهى. ص: (أو مطر بمرتفع) ش: ظاهر كلام المصنف أنه لا يستتر بمرتفع من البرد وهو رأي ابن القاسم في المدينة. قال في التوضيح: قال ابن الحاج في مناسكه: وله أن يرفع فوق رأسه شيئا يقيه من المطر. واختلف هل يرفع شيئا يقيه من البرد وهو رأي ابن القاسم في المدينة فوسع ذلك مالك في رواية ابن أبي أويس في المدينة ولم ير ذلك ابن القاسم في المدينة أيضا، وليس له أن يضعه على رأسه من شدة الحر انتهى. والاقرب جواز ذلك لما في صحيح مسلم وأبي داود والنسائي عن أم حصين قالت: حججت مع رسول الله (ص) حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقته عليه السلام والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة انتهى. ومثل الشيخ بهرام للمرتفع في كلام المصنف بالخيمة وفيه نظر لايهامه أن الخيمة لا يستظل بها إلا من مطر فقط وليس كذلك الجواز دخوله فيها ولو لغير مطر كما سيقوله المصنف. فقال سند: ولا خلاف في دخوله تحت سقف بيت أو

[ 207 ]

في خيمة أو قبة على الارض انتهى. اللهم إلا أن يريد الشيخ بهرام بذلك حالة كون المستظل راكبا ولكن فيه تخصيص المسألة بالراكب وهو أعم والله أعلم. ص: (وتقليم ظفر انكسر) ش: نحوه في المدونة. قال التونسي: وينبغي على هذا لو انكسر له ظفران أو ثلاثة فقلمهما ما كان عليه شئ ولم يجعله أنه أماط أذى عن نفسه بإزالة المكسور كما قال: إذا نتف شعرة من عينه إن ذلك إماطة أذى ويفتدي انتهى. ونقله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح بإسقاط ينبغي من أوله، ولم يذكره ابن عرفة وصاحب الشامل وما قاله التونسي ظاهر، وعارض أبو الحسن الصغير بين هذا وما يأتي من أن الفدية تجب في الظفر الواحد إذا أماط به أذى. قلت: ويجاب عن معارضته وعن معارضة التونسي بمسألة الشعر من العين، فأينما كانت الضرورة فيه عامة والغالب وقوعه فيغتفر لاجل الضرورة وتسقط الفدية فيه، وما كان وقوعه نادرا فهو باق على الاصل وتؤثر الضرورة في رفع الاثم فقط لا في سقوط الفدية فتأمل ذلك ثبت مسائل هذا الباب جارية عليه والله أعلم. فرع: قال سند بعد أن ذكر تقليم الظفر المنكسر: إذا ثبت هذا فإنه يقتصر على ما كسر منه عملا بقدر الضرورة، فإن أزال جميع ظفره كان ضامنا كمن أزال بعض ظفره ابتداء من غير ضرورة فإنه بعض من جملة مضمونة فيكون مضمونا انتهى. وما قاله ظاهر ومراده - والله أعلم - أنه يقطع المنكس ويواسي الباقي حتى لا تبقى عليه ضرورة فيما يبقى في كونه يتعلق بما يمر عليه والله أعلم. ص: (وتظلل ببناء أو خباء) ش: قال في التوضيح: قال في الاستذكار: أجمعوا على أن للمحرم أن يدخل تحت الخباء وأن ينزل تحت الشجرة. ثم قال: وحكى غيره أيضا جواز الاستظلال بالفسطاط والقبة وهو نازل انتهى. وقال في التمهيد: لابن عبد البر في الثامن والاربعين من حديث نافع: أجمعوا على أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا انتهى والله أعلم. ص: (ومحارة لا فيها) ش: يريد أنه يجوز له أن يستظل بجانب المحارة، يريد سواء كانت بالارض أو سائرة وما ذكره هو أحد القولين. قال في التوضيح: وهو ظاهر المذهب. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف هنا وفي التوضيح أن المحار حكمها حكم المحمل. وقال في التوضيح: وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وفي الاستظلال بشئ على المحمل وهو فيه بأعواد والاستظلال بثوب في عصا قولان. احترز بقوله: بأعواد مما لو كان

[ 208 ]

المحمل مقببا كالمحارة فإنه حينئذ كالبناء والاخبية فيجوز له ذلك انتهى. وما قاله له وجه ولكن ظاهر كلام أهل المذهب كما قال المصنف. الثاني: قال المصنف في مناسكه: ظاهر المذهب أنه لا يجوز الاستظلال بالمحارة ونحوها وأنه تلزمه الفدية إذا لم يكشفها انتهى. وانظر ما المراد بقوله: يكشفها هل هو كشف ما على المحمل جميعه ما كان فوقه وما على أجنابه أو المراد ما كان فوقه دون جوانبه وهو الظاهر لانه حينئذ يكون من باب الاستظلال بالمحمل وهو جائز كما تقدم. الثالث: قال في سماع أشهب: ولا يستظل بالمحمل ولو كان عديلا لامرأة وتستظل هي دونه. ابن رشد: هذا كقوله في الفدية لانه كتغطية رأسه. وروى ابن شعبان يستحب فديته إن فعله اختيارا ويجوز بمعادلة امرأة أو مريض. انتهى باختصار. ابن عرفة: وانظر إذا عادل المرأة وسترت شقتها ولم يستر الرجل شقته لكنه كان يجعل شقتها من جهة الشمس، والظاهر جواز ذلك لانه من باب الاستظلال بجانب المحارة. الرابع: قال في النوادر: ولا يستظل في البحر إلا أن يكون مريضا فيفعل ويفتدي انتهى. ونقله ابن الجلاب وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم، وكأنه والله أعلم فيما عدا البلاليح فإنها كالبيوت وكذلك الاستظلال بظل الشراع لا شئ فيه فيما يظهر والله أعلم. الخامس: قال في النوادر: وإذا جاز للمحرم أن يتعمم أويتقلنس جاز له أن يتظلل والله أعلم. السادس: قال في التوضيح والمناسك: وحكى ابن بشير في الاستظلال بالبعير قولين انتهى. قلت: هما القولان المذكوران في الاستظلال بالمحمل فإنه قال: وأما ما لا يثبت كالبعير والمحمل ففيه قولان انتهى: فيكون الراجح منهما الجواز سواء كان باركا أو سائرا كالاستظلال بجانب المحمل. وقد صرح بذلك ابن فرحون في شرحه فقال: والصحيح في المسألتين الجواز انتهى. يعني مسألة المحمل ومسألة البعير انتهى والله أعلم. ص: (كثوب بعصى) ش: سواء فعل ذلك وهو سائر أو نازل بالارض. قال الشيخ بهرام: أما في حق الراكب فلا يجوز قولا واحدا، وأما في حق النازل فمنعه أيضا مالك وجوزه عبد الملك انتهى. وكذا لو جعل ثوبا على أعواد قال في الطراز: واختلف في استظلاله إذا نزل فخففه ابن الماجشون. وعند ابن حبيب قال: لا

[ 209 ]

بأس أن يستظل إذا نزل بالارض وأن يلقي ثوبا على شجرة فيقيل تحته وليس كالراكب والماشي وهو للنازل كخباء مضروب. وقال ابن الماجشون: لا يستظل إذا نزل بالارض بأعواد يجعل عليها كساء أو شجرة ولا بمحمل وإنما وسع له في الخباء والفسطاط والبيت المبني انتهى. وتعليلهم بأن ذلك لا يثبت يقتضي أنه إذا ربط الثوب بأوتاد وحبال حتى صار كالخباء الثابت أن الاستظلال به جائز. ص: (ففي وجوب الفدية خلاف) ش: ظاهره أن في وجوب الفدية وسقوطها إذا استظل بالمحارة أو بثوب على عصى أو أعواد قولان مشهوران. والذي حكاه في مناسكه أن الخلاف في وجوبها واستحبابها ونصه: واختلف في الاستظلال بالمحمل وبثوب في عصى. وظاهر المذهب أنه لا يجوز وأنه تلزمه الفدية بالمحارة ونحوها إذا لم يكشفها. ثم قال: وفي منسك ابن الحاج الاصح الفدية عليه باستظلاله في حال سيره راكبا أو ماشيا استحبابا غير واجبة انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب لما ذكر القولين في وجوب الفدية وسقوطها في المحمل والثوب بالعصي: وظاهره أنهما عنده على السواء وعلى القول بالسقوط فهي مستحبة انتهى والله أعلم. فرع: قال في المناسك: واستحب مالك في يوم عرفة ترك الاستظلال انتهى. وقال في الشامل: وكره مالك تظليله يوم عرفة انتهى. كأنه مبني على أن مقابل المستحب مكروه وصرح بكراهته مالك في النوادر ونقله ابن معلى في مناسكه إلا أنهم خصوا ذلك بزمن الوقوف فقط لا بيوم عرفة جميعه. قال في النوادر في ترجمة الوقوف بموقف عرفة والدفع منها قال مالك: ولا أحب أن ينزل يوم عرفة في الموقف عن بعيره وهو أحب إلي، وإن وقف قائما فله أن يستريح إذا عيى. قال أشهب: وإن وقف بنفسه ولا علة بدابته فلا شئ عليه. وكره مالك أن يستظل يومئذ من الشمس بعصا أو نحوها انتهى. قال ابن معلى: قال الشيخ الامام أبو العباس القرطبي رحمه الله في كتاب المفهم على صحيح مسلم: استظلال المحرم في القباب والاخبية لا خلاف فيه واختلف في استظلاله حال الوقوف، فكرهه مالك وأهل المدينة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وأجاز ذلك غيرهم والله أعلم. ص: (وحمل لحاجة وفقر بلا تجر) ش: يعني أن يجوز للمحرم أن يحمل على رأسه ما تدعو الحاجة إليه من زاده ونحوه كان فقيرا ونحوه، وأما إن حمل زاده وما يحتاج إليه بخلا فعليه الفدية. قال ابن يونس. وقوله: بلا تجر زيادة بيان. قاله في المدونة. قال مالك: وجائز أن يحمل المحرم على رأسه إذا كان راجلا مما لا بد له منه مثل خرجه فيه زاده أو جرابه ولا يحمل ذلك لغيره تطوعا ولا بإجارة، فإن فعل افتدى. ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بز أو سفط ولا يتجر فيما يغطي به رأسه. وقال سند في شرحها: وجملة ذلك أن حمل المحرم على رأسه المكتل وغيره ممنوع عند مالك، وحكي عن الشافعي جوازه ثم

[ 210 ]

قال: والمحظور من ذلك ما خرج عن حاجة سفر الاحرام ويعفى عما به حاجة إليه في سفره عنه مثل حمل زاده وما لا غنى عنه في سفر إذا التجأ إليه. فأما أن يؤجر نفسه في ذلك أو يحمل التجارة أو يحمل زاده واجدا لما يحمله عليه فالفدية في ذلك كله لانه خرج عن موضع الرخصة العامة، فإن وقفت دابته بتجارة أو التجأ إلى ذلك حمل وافتدى وتأثير الضرورة عند وقوعها في رفع المأثم وجواز الفعل لا في سقوط الفدية كما في الحلاق ولبس المخيط انتهى. وقال المصنف في مناسكه: فإن حمل لغيره أو للتجارة فالفدية. قال أشهب: إلا أن يكون عيشه ذلك، والظاهر أنه تقييد وهو الذي يؤخذ من كلامه في الجواهر، وقد تأول اللخمي قوله في المدونة لا يحمل شيئا للتجارة فقال: يريد إذا لم يضطر إلى ذلك، وكلام ابن بشير يدل على أن قول أشهب خلاف انتهى. فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: فإن حمل نفقة غيره وزاده على رأسه للتجارة فهي ضرورة تسقط عنه الفدية انتهى. وقول المصنف: وحمل لحاجة شامل لما يحمله على رأسه أو غير رأسه. قال في النوادر: قال ابن عبدوس: ولا بأس فيما يحمل من وقره أن يعقده على صدره. قال في المختصر: لا بأس أن يحمل متاعه على رأسه أو يجعل فيه الحبل ويلقيه خلفه ويجعل الحبل في صدره انتهى. ونقله ابن عرفة ونصه الشيخ روى ابن عبدوس: لا بأس فيما يحمل من وقره أن يعقده على صدره وفي المختصر: لا بأس أن يجعل متاعه في حبل ويلقيه خلفه والحبل في صدره انتهى. وقال في الصحاح: الوقر بالكسر الحمل يقال جاء فلان يحمل وقره انتهى. ص: (وإبداله ثوبه أو بيعه) ش: يريد ولو قصد بذلك طرح الهوام التي فيه إلا أن ينقل الهوام من جسده وثوبه الذي عليه إلى الثوب الذي يريد طرحه فيكون ذلك كطرحه. قاله في الطراز. ص: (بخلاف غسله إلا النجس فبالماء فقط) ش: هذا كقول ابن الحاجب بخلاف غسله خيفة دوابه إلا في جنابة فيغسله بالماء وحده. قال في التوضيح: قوله بخلاف غسله أي فيكره - كذا في الموازية - لا كما يعطيه ظاهر لفظه أنه ممنوع وفي معنى الجنابة سائر النجاسات انتهى ونحوه لابن عبد السلام. قلت: وما ذكره عن الموازية من الكراهة هو كذلك إلا أنه جعل فيها غسله للوسخ جائزا كغسله للنجاسة.، ونص كلامه في الموازية على ما نقل في النوادر: وكره مالك للمحرم غسل ثوبه إلا لنجاسة أوسخ فليغسله بالماء وحده وإن مات فيه دواب ولا يغسل ثوب غيره فإن فعل أطعم شيئا من طعام خيفة قتل الدواب، فإن أمن ذلك فليغسله ولا شئ عليه انتهى. وهكذا نقل صاحب الطراز عن الموازية، ولو استشهد بلفظ المدونة لكان أولى لانه صرح فيها بالكراهة واقتصر على استثناء غسله

[ 211 ]

للنجاسة كما قال ابن الحاجب ونصها: وكره أن يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب إلا أن يصيب ثوبه نجاسة فليغسله بالما وحده لا بالحرض انتهى. قال سند: وجملة ذلك أن غسل ثوب المحرم لا يمنع للانقاء والتنظيف وإنما يمنع لاجل قتل الهوام. ثم قال: والاحسن أن من أصاب ثوبه نجاسة أو جنابة نظر إلى ذلك الموضع وافتقده وما حوله من الهوام، فإن قطع أنه لا شئ فيه غسله بمن شاء وأنقاه بالماء، وإن أصابته نجاسة ولم يدر موضعها افتقده موضعا موضعا، فإن تيقن أنه لا قمل فيه غسله، وما رأى فيه قملا نقله إلى موضع آخر حتى يتيقن سلامته. فإن كثر ذلك عليه، فإن كانت نجاسة لا تفتقر إلى حك وعرك كالبول والماء النجس وشبهه فإنه يواصل صب الماء ويتلطف في غسل ذلك، فإن شك أن يكون قتل شيئا أطعم استحبابا ولا يجب ذلك عليه. وكذلك أن احتاج إلى حك وعرك وكان فيه قتل شئ من الدواب فإنه يطعم استحبابا، ولو عرك جميع ثوبه في قصرية وكان قادرا على دون ذلك أطعم. وكذلك إن غسله بالحرض وهو الغاسول أو بالصابون أطعم عند ابن القاسم وافتدى عند مالك إن كان بثوبه كثير القمل. قال في التوضيح: قال في المدونة: ولا يغسل ثوبه بالحرض خشية قتل الدواب. ابن يونس: زاد في رواية الدباغ قال مالك: وإن فعل افتدى. وقال ابن القاسم: يتصدق بشئ لموضع الدواب. وظاهر كلام المصنف يعني ابن الحاجب أنه لا يغسله للوسخ ونحوه في مناسك ابن الحاج، والذي في الموازية جوازه انتهى فتحصل من هذا أنه إذا تحقق أنه لا قمل في ثوبه جاز له غسله بما شاء، وإن لم يتحقق ذلك فيجوز له غسله للنجاسة بالماء فقط ولا شئ عليه وإن قتل بعض قمل كما تقدم عن الموازية. قال في الطراز: يطعم استحبابا، وأما غسله للوسخ فظاهر المودنة أنه مكروه. وقال في الموازية أيضا: إنه جائز. وحكى في الشامل في غسله من الوسخ قولين، وأما غسله لغير النجاسة والوسخ فاتفق لفظ المدونة والموازية على كراهة ذلك. وقال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: إنها على بابها. وظاهر كلامه في الطراز أن غسله لغير النجاسة لا يجوز وهو الموافق لظاهر كلام المصنف فتأمله والله أعلم. ص: (وربط جرحه) ش: فرع: قال التادلي في مناسك ابن الحاج: وأجمع أهل العلم أن للمحرم أن يتسوك وإن دمي فمه انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ روى محمد والعتبي: للمحرم أن يتسوك ولو أدمى فاه انتهى. ثم قال: قلت لا يلزم من منع

[ 212 ]

القاضي الزينة منع السواك بالجواز ونحوه انتهى والله أعلم. ص: (وشد منطقة لنفقته) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: المنطقة الهيمان وهو مثل الكيس يجعل فيه الدراهم انتهى. ص: (على جلده) ش: فلو شدها على إزاره ففيها الفدية. ص: (وإضافة نفقة غيره) ش: فلو شدها لنفقة غيره وجعل معها نفقة نفسه ليستبيح ذلك فعليه الفدية. قاله في الطراز. ويفهم من كلام المصنف أنه لو شدها لنفقته ونفقة غيره لم يجز. وقاله ابن عبد السلام. قال في التوضيح: والاقرب سقوط الفدية لان نفقة غيره تبع انتهى. وهو ظاهر كلام صاحب الطراز انتهى. والله أعلم. ص: (وإلا ففدية) ش: أي وأما إن كانت لغير نفقته مثل أن يشدها للتجارة فإن عليه الفدية. نقله ابن فرحون عن ابن حبيب وابن يونس، وكذلك إن شدها لنفقة غيره فعليه الفدية. ص: (كعصب جرحه) ش: قال ابن الحاجب: ومن عصب جرحه أو رأسه افتدى. قال ابن فرحون: قال ابن عبد السلام: ولا فرق في ذلك بين كبير العصابة وصغيرها. وفي كتاب ابن شعبان إشارة إلى التفرقة بين صغير العصابة وكبيرها. ص: (أو لصق خرقة كدرهم) ش: انظر إذا كان به جروح متعددة وألصق على كل واحد منها خرقة دون الدرهم والمجموع كدرهم أو أكثر، وظاهر ما في التوضيح وابن الحاجب أنه لا شئ عليه انتهى. ص: (أو قطنة بأذنيه أو قرطاس بصدغيه) ش: قال في الطراز: والفدية في ذلك فدية واحدة سد أذنه الواحدة أو كلتيهما بما فيه طيب أو لا طيب فيه لانه باب ترفه فهو باب واحد انتهى. وقال قبله: لا فرق في الفدية فيه أن يجعلها لعلة أو لغير علة وهو بين فإن عليه كشف أذنيه، سواء قلنا إنهما من الرأس أو لانهما في عظم الرأس كالجبهة والصدغ، فإذا سدهما فقد ستر ما عليه كشفه فأشبه ما لو جعل في صدغيه قرطاسا

[ 213 ]

أو عصب جبهته بعصابة انتهى. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: أو قطنة بأذن أو قرطاس بصدغ بلفظ الافراد والله أعلم. تنبيه: قال في التوضيح: وعور ض إيجابهم الفدية في الاذن مطلقا بمسألة الخرق، وأجيب بأن ذلك لكثرة انتفاعه بسر الاذن أشبه الكثير والله أعلم. ص: (وكره شد نفقته بعضده أو فخذه) ش: يريد أو ساقه. وقاله في المدونة، وذلك لان المنطقة من اللباس الممنوع وإنما جازت للحاجة والضرورة فلا يعدل بها عن المحل المعروف بها عادة. ص: (وكب رأس على وسادة) ش: أي يكره للمحرم أن يكب وجهه على الوسادة. وهكذا وقع في الرواية، وعبر المصنف بالرأس لانه يطلق على ما فوق العنق فيكون الوجه من جملته كما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * وهذه المسألة في رسم باع من سماع ابن القاسم. وظاهر كلام ابن رشد كظاهر كلام المصنف أن الكراهة خاصة بالمحرم، وقال الجزولي وغيره: إن النوم على الوجه نوم الكفار وأهل النار والشياطين. فظاهره أنه ينهى عنه مطلقا وهو ظاهر والله أعلم. ص: (ومصبوغ لمقتدى به) ش: يعني أنه يكره للمحرم لبس الثوب المصبوغ إذا كان ممن يقتدى به، ولا يكره له لبسه إذا كان المحرم ممن لا يقتدى به. هذا جل كلامه رحمه الله وفيه تنبيهات.

[ 214 ]

الاول: قوله: مصبوغ يريد به المصبوغ بغير طيب إذا كان لون الصباغ يشابه لون المصبوغ بالطيب، فأما صبغ بطيب كالمصبوغ بزعفران أو ورس فلاخلاف أنه يحرم لبسه على الرجال والنساء في الاحرام وتجب الفدية بلبسه، فإن غسل الثوب حتى ذهب منه ريح الطيب وبقي لونه فكرهه مالك في المدونة قال: إلا أن يذهب لونه كله فلا بأس به. قال: وإن لم يذهب لونه ولم يجد غيره صبغه بالمشق وأحرم به انتهى. والمشق بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وهو المغرة بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وقد تفتح وهو الطين الاحمر. قال أبو الحسن: وقد ذكر بعضهم أن صبغها إنما يثبت إذا خلط بزيت ويقال للثوب المصبوغ بها ممشق. قاله في الصحاح. وأما المغرة بضم الميم وسكون الغين فقال في القاموس: إنه لون ليس بناصع الحمرة أو شقرة بكدرة انتهى. وقال في التوضيح: قال في الاستذكار: لا خلا ف أنه لا يجوز للمحرم لبس ثوب صبغ بورس أو زعفران. والورس نبت باليمن وصبغه بين الصفرة والحمرة، فإن غسل حتى ذهب منه ريح الزعفران فلا بأس به عند جميعهم. وروى ابن القاسم عن مالك كراهته ما بقي من لونه شئ انتهى. وأما المصبوغ بالعصفر فهو على ضربين: مفدم ومورد. فالمفدم بضم الميم وسكون الفاء وفتح الدال المهملة هو القوي الصبغ المشبع الذي رد في العصفر مرة بعد أخرى. قال في التوضيح: وهو ممنوع للرجال والمشهور وجوب الفدية فيه. وروى أشهب عن مالك سقوطها قال غير واحد: وهو على هذه الرواية مكروه. وأما المرأة فالمشهور أيضا أنه ممنوع في حقها. وروى ابن حبيب أنه لا بأس أن تلبس المحرمة المعصفر المفدم ما لم ينتفض عليها شئ منه انتهى. واستظهر صاحب الطراز القول بسقوط الفدية في المعصفر المفدم عن الرجال والنساء قال: لانه لا يعد طيبا وسيأتي لفظه. قلت: والذي يظهرمن كلام المصنف وابن عبد السلام وابن عرفة وغيرهما أن المرأة إذا لبست المفدم لزمتها الفدية على القول المشهور، وهو الذي يفهم من قوله في المدونة قال مالك: وأكره للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المفدم لانتفاضه انتهى. فسوى بين الرجال والنساء. وقال في النوادر: قال مالك: النساء والرجال فيما ينهى عنه في الاحرام في المورس والمعصفر والمفدم والمزعفر سواء انتهى. وأما المورد ففسره التونسي بالمعصفر المفدم إذا غسل، وفسره اللخمي والباجي بالمعصفر غير المفدم. وقال في التوضيح: قال مالك: وإن غسل المفدم جاز لانه يصير موردا، ثم ذكر عن الباجي أنه المصبوغ بالعصفر صبغا غير قوي قال: وهذا هو المعروف يعني في تفسير المورد. قال: وقال ابن راشد: قال القاضي منذر بن سعيد: هو الذي صبغ بالورد انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر في تفسير كلام اللخمي والتونسي والباجي: وفي تفسير البلوطي بما صبغ بورد نظر لانه طيب كالورس انتهى. والبلوطي بفتح الباء وتشديد اللام هو القاضي منذر بن سعيد. قلت: وقول ابن عرفة أن المصبوغ بالورد كالمصبوغ بالورس غير ظاهر، لان الورس من الطيب المؤنث والورد من الطيب المذكر، والظاهر أن يفصل فيه كما فصل في المصبوغ بالعصفر بين المفدم وغيره والله أعلم.

[ 215 ]

الثاني: وقولنا إذا كان لون صبغه يشبه لون المصبوغ بالطيب احترزنا به عما يكون صباغه لا يشبه لون المصبوغ بالطيب فإنه لا يكرالاحرام فيه ولكنه خلاف الاولى، لان البياض أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم فكفنوا فيها موتاكم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه. وذكر صاحب الطراز هذا الحديث بلفظ: خير ثيابكم البيض ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم قال اللخمي: يستحب للمحرم لباس البياض وهو في المصبوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كان أزرق أو أخضر أو ما أشبه ذلك، وممنوع إذا كان بالورس والزعفران وما أشبه ذلك مما هو طيب فإن فعل افتدى، ويجوز إذا كان معصفرا غير مفدم، وكره المفدم لانه ينتفض. وقال أشهب: لا فدية فيه ولم يره من الطيب المؤنث انتهى. وكان القسم الثالث من المصبوغ في كلامه هو المصبوغ بالعصفر المفدم فجعله مكروها ولم ير فيه فدية كما تقدم في رواية أشهب عن مالك والله أعلم. وعلى هذا مشى صاحب الطراز فإنه قال: البياض أفضل في صفة الثياب للحديث وذكره ثم قال: والمصبوغ منه مباح ومنه غير مباح. فالمباح ما لا يكون صبغه من ناحية الطيب فهذا يجوز للعامة ويكره لمن يقتدى به أن يلبس من ذلك ما فيه دلسة. والاصل فيه حديث الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر. فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الاحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة. وأما غير المباح فهو ما صبغ بطيب أو بما هو في معنى الطيب فما صبغ بطيب كان لبسه حراما، وما صبغ بغيره مما هو مشابه للطيب كان مكروها، وذلك يرجع في العادة إلى ثلاثة أصباغ: الزعفران والورس والعصفر. أما الزعفران والورس فاتفقت الائمة على تحريمه، وأما المعصفر فمنعه مالك وأبو حنيفة إذا كان نافضا وجوزه الشافعي وابن حنبل ولم يروه من الطيب، واختلف أصحابنا في منعه هل هو منع تحريم أو كراهة أعني المفدم المشبع، إذا كان ينتقض على الجسد. قال في المعونة: من أصحابنا من يوجب فيه الفدية، فعلى هذا يكون من محظورات الاحرام. وقال أشهب: لا فدية على من لبسه من رجل أو امرأة وقد أساء، وهذا أظهر لانه لا يعد طيبا كسائر ألوان الحمرة والصفرة واعتبارا بما لا ينتفض. وأبو حنيفة يراه طيبا

[ 216 ]

ولا يوجب فيه فدية إذا لم ينتفض لان الفدية عنده في الطيب إنما تجب في البدن خاصة، فسقوط الفدية فيه كأنه مجمع عليه من الاولين وهم الصدر الاول انتهى. فائدة: قال أبو عبد السلام: لما ذكر كراهة المصبوغ لمن يقتدى به ولهذا قال غير واحد من أهل المذهب وغيرهم: إن العالم المقتدى به يترك من المباح ما يشبه الممنوع مما لا يفرق بينهما إلا العلماء لئلا يقتدي به في ذلك من لا يعرفه إن لم يلزم غيره الكف عنه انتهى. قلت: والظاهر أن أمر العالم بالكف عن ذلك أمر ندب لا إيجاب كما يفهم من هذه المسألة والله أعلم. وقال في المدونة: ولا بأس أن يحرم الرجل في البركنات والطيالسة الكحلية وفي ألوان جميع الثياب إلا المعصفر المفدم الذي ينتفض وما صبغ بالورس والزعفران، فإن مالكا كرهه ولم يكره شيئا من الصبغ غيره. ثم قال: ولا بأس بالمورد والممشق ولا بأس بالاحرام في الثياب الهروية إن كان صبغها بغير الزعفران، وإن كان بالزعفران فلا يصلح انتهى. والبركنات بفتح الموحدة وتشديد الراء. قال في التنبيهات: مثل الاكسية. وأهل اللغة يقولون ثوب بركاني انتهى. وقال سند: البركان كساء أسود مربع من ناعم الصوف يجوز لبسه والاحرام فيه إجماعا انتهى. والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام. قال في الصحاح: والعامة تقول طيلسان بكسر اللام قال: والطاء في الطيالسة للمعجمة إنه فارس معرب انتهى. وقال في القاموس: إنه مثلث اللام، وعن عياض وغيره: إنه معرب أصله تالسان ويقال فيه طالسان وطيلس. قاله كراع ولم يفسره في الصحاح وكأنه معرب. وقال المطرزي في المقرب: هو من لباس العجم مدور أسود ومنه قولهم في الشتم يا ابن الطيلسان يريد أنك أعجمي انتهى. والثياب الهروية ثيا ب من رقيق القطن يصفر سدادها بالزعفران أو الكمون ونحوه فتأتي إلى الصفرة فكرهها لقوله (ص): لا تلبسوا شيئا مسه الزعفران وهذا مسه الزعفران، فإن وقع نظرت إلى الثوب فإن كان ريح الزعفران فيه تعلقت بلبسه الفدية، وإن لم يظهر ريحه فيه بوجه كان مكروها. أما غير الزعفران والورس والعصفر من المشق والبقم والفسه وسائر المصبغات فلا فدية فيه انتهى. وقال قبله: وسئل ابن القاسم عن الاحرام في عصب اليمن وسائر الالوان فقال: لم يكن مالك يكره شيئا ما خلا الورس والزعفران والمعصفر المفدم الذي ينتفض. قال سند: العصب ثياب قطن مرتفعة فيها خطوط مصبوغة وهي الحبرة تصبغ باليمن ليس فيها ورس ولا زعفران انتهى. وقال في التوضيح: قال الباجي: وأما المورد بالعصفر والمصبوغ بالمغرى أو المشق. ابن المواز: والاصفر بغير زعفران ولا ورس فليس بممنوع لبسه للمحرم لانه ليس فيه طيب ولا يفعل غالبا إلا إبقاء للثوب فيكره للامام ومن يقتدي به أن يفعله لئلا يلبس على من لا يعرف فيقتدي به في لبس المصبوغ الممنوع لبسه. رواه أشهب ومحمد انتهى. ثم ذكر بعد ذلك أن المذهب كراهة ما صبغ من الاصفر بغير زعفران ولاورس لمن يقتدى به. ثم قال بعد ذلك: قال في الاستذكار: ولم يختلف في جواز لبس المصبوغ بالمدر. ثم قال بعده خليل: يريد في حق من لا يقتدى به. ثم اعتر ض على ابن راشد في حمله

[ 217 ]

قول ابن الحاجب بخلاف المورد والممشق لا غير على المشهور على أن مراده أن المورد والممشق يجوز الاحرام فيهما ولا يلحق بهما غيرهما من الالوان على المشهور، بل الاحرام فيما عداهما مكروه، ولان المستحب أن يحرم في البياض فقال: ليست تمشيته بجيدة لانه لا يختلف في جواز المصبوغ بالمدر على ما نقل ابن عبد البر، ولا يكره الاحرام في غيرهما كما نص عليه ابن الجلاب واللخمي وغيرهما انتهى. ولفظ ابن الجلاب: ولا بأس أن يلبس الثياب السود والكحليات والدكن والخضر. وتقدم لفظ اللخمي. وقوله: لا يختلف في جواز المصبوغ بالمدر يريد في حق من لا يقتدى به كما تقدم في كلامه. وقال ابن عبد السلام: المذهب جواز المورد والممشق مع كراهته لمن يقتدى به انتهى. وقوله في التوضيح: ولا يكره الاحرام في غيرهما يريد وإن كان خلاف الافضل لان الافضل البياض كما تقدم وبهذا يقيد قوله في المدونة: ولا بأس بالمورد والممشق. فيقال يريد في حق من لا يقتدى به ويقيد قوله ولا بأس بالاحرام في جميع الالوان الخ. فيقال: يريد أن ذلك جائز وإ كان خلاف الاولى لان البياض أفضل والله أعلم. وظاهر كلام التلمساني أن المصبوغ يكره لبسه للمقتدى به مطلقا، سواء أشبه لونه لون المصبوغ بالطيب أو لم يشبه فإنه قال: الجائز من المصبوغ ما لا يكون صباغه من ناحية الطيب كالاخضر والازرق وما أشبه ذلك فيجوز للعامة ويكره لمن يقتدى به انتهى. ونحوه للقرافي في شرح الجلاب. فتحصل من هذا أن البياض أفضل من كل شئ، وأن المصبوغ بغير طيب ولا يشبه لون صبغه لون المصبوغ بالطيب جائز لمن يقتدى به من غير كراهة لكنه خلاف الاولى إلا على ظاهر كلام التلمساني المتقدم والقرافي، وأن المصبوغ بغير طيب ولكنه يشبه لون صبغه لون المصبوغ بالطيب، والمصبوغ بالطيب إذا غسل حتى ذهب منه ريح الطيب وبقي لونه يكره لمن يقتدى به ويجوز لغير من يقتدى به، وأن المصبوغ بالطيب حرام، فإذا علم ذلك فتعين تقييد كلام المصنف بما قيدناه به، وأن المراد بقوله مصبوغ المصبوغ بغير طيب إذا كان لون صباغه يشبه لون المصبوغ بغير الطيب، وكان المصنف استغنى عن التقييد بغير الطيب بما سيذكره من أن استعمال الطيب في الاحرام حرام واستعمال الثوب المطيب كاستعمال الطيب، واستغنى عن التقييد بكون لون صباغه يشبه لون المصبوغ بالطيب فإن ذلك يفهم من التفريق بين من يقتدى به ومن لا يقتدى به. فإن قيل: لم لا يحمل كلام المصنف على عمومه من كراهة المصبوغ مطلقا لانه خلاف الاولى لان الافضل البياض وخلاف الاولى لا بدفيه من كراهة. قلت: يمنع من ذلك تقييده الكراهة بمن يقتدي به إلا أنه موافق لظاهر كلام التلمساني والقرافي. فحاصله أن الاحرام في غير البياض خلاف المستحب في حق كل أحد فتأمله والله أعلم. الثالث: قال ابن الحاج: وجميع الالوان واسع قال في التوضيح: يعني بالتوسعة الاباحة والمذهب استحباب البياض انتهى. هكذا في النسخ التي وقفت عليها من التوضيح، والظاهر أنه سقطت منه لفظة: لا من أوله ليوافق قوله بعده: والمذهب استحباب البياض ويوافق كلام ابن

[ 218 ]

عبد السلام فإنه قال: لا يريد بالتوسعة الاباحة مطلقا فإن المذهب استحباب البياض ويقع في بعض النسخ جائز بدل واسع ولفظة واسع هنا أنسب انتهى. ونحوه لابن فرحون والله أعلم. الرابع: قال ابن فرحون: تعقب صاحب التوضيح كلام ابن رشد بقوله في الاستذكار لم يختلف في جواز لبس المصبوغ بالمدر، وما قاله صاحب التوضيح غير ظاهر لان المصبوغ بالمدر هو الممشق فيكون موافقا لما قاله المؤلف. نعم كلام ابن راشد مشكل من جهة قوله الاحرام فيما عداهما مكروه. وفي الجلاب: لا بأس أن يلبس الثياب السود والكحليات والدكن والخضر فقد نفى الكراهة عن هذه الالوان، وظاهر كلام ابن راشد أنه يجوز الاحرام في المورد والممشق بلا كراهة مطلقا، والمذهب أن الممشق مكروه للامام ومن يقتدى به انتهى. قلت: كلام ابن فرحون يقتضي أن المصنف في التوضيح إنما تعقب كلام ابن راشد من جهة كونه مخالفا لكلام ابن عبد البر فقط وليس كذلك، فقد تقدم أنه تعقبه بوجهين: مخالفته لكلام ابن عبد البر وبالوجه الذي ذكره ابن فرحون فتأمله. وإنما تعقب صاحب التوضيح كلام ابن راشد لكونه مخالفا لكلام ابن عبد البر لانه فهم أن قوله على المشهور يعود إلى جواز الاحرام في الممشق والمورد وإلى كراهة الاحرام في غيرهما فاقتضى ذلك أن في الاحرام في الممشق خلافا وهو مخالف لقول ابن عبد البر لم يختلف في جوازه، فظهر حينئذ الاعتراض على كلام ابن راشد فتأمله والله أعلم. الخامس: كلام الشارح في الاوسط يقتضي أن الباجي أطلق في كراهة المصبوغ لمن يقتدى به، سواء كان المصبوغ مما فيه دلسة بالمصبوغ بالطيب أم لا ؟ والذي تقدم في كلامه الذي نقله المصنف في التوضيح يقتضي أن الكراهة إنما هي فيما فيه دلسة فتأمله. ثم قال الشارح بعد أن ذكر عن الباجي ما قدمناه عن ابن عبد البر: ولا خلاف أنه لا يجوز انتهى. وهو مشكل لانه يقتضي أن ابن عبد البر قال في المصبوغ بغير طيب إنه لا يجوز لبسه فإن الشارح قيد كلام المصنف بالمصبوغ بغير طيب، وابن عبد البر إنما قال: لا خلاف أنه لا يجوز للمحرم لبسه في المصبوغ بالطيب كما تقدم في كلام المصنف في التوضيح، ولعله سقطمن كلام الشارح شئ وأن أصله: وأما ما صبغ بطيب فقال ابن عبد البر الخ. ويؤيد ذلك أنه قال في الشرح الصغير: أي ويكره للامام ومن يقتدى به لبس ثوب صبغ بما عدا الورس والزعفران، وأما ما صبغ بالورس والزعفران فإنه ممنوع انتهى فتأمله. وهذا المحل من الشرح الكبير لم يوجد فيه شئ فكتب فيه كلامه في الاوسط. فرع: قال مالك في الموازية: لا ينام المحرم على شئ مصبوغ بورس أو زعفران من فرش أو وسادة إلا أن يغشيه بثوب كثيف، فإن فعل ولم يغسله افتدى إن كان صبغا كثيرا والمعصفر أخف من ذلك، ولا أحب أن ينام على ذلك لئلا يعرق فيصيبه إلا الخفيف لا يخرج على الجسد، ولا يتوسد مرفقة فيها زعفران، وكره أن ينام على خشبة مزعفرة قد ذهبت الشمس بصباغها حتى

[ 219 ]

يغشيها بثوب أبيض. انتهى من النوادر ونقله صاحب الطراز وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم، ونقله اللخمي في تبصرته وقال بعده: ويريد لان الجلوس عليه لباس قال: ولو كان ثوبا كثيفا وظهر ريحه بعد ذلك وعلق بجسمه ريحه لافتدى انتهى. فرع: إذا كان الثوب مصبوغا بزعفران ولم يغسل ولكنه لبس وتقادم وانقطعت رائحة الزعفران منه حتى لا تظهر بوجه كره للمحرم لبسه ولم يحرم قاله في الطراز. فرع: قال في النوادر: ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال مالك: من أحرم في ثوب فيه لمعة من الزعفران فلاشئ عليه وليغسله إذا ذكر انتهى. وذكره في الطراز. وقال بعده: وهو بين لان ذلكلا يعد تطيبا والزعفران ما منع لعينه، وإنما منع التطيب به ولهذا إذا تناول طعاما طبخ به فاستهلك لم يكن عليه شئ عند الجميع انتهى. وذكره المصنف في التوضيح وابن عبد السلام وغيرهما وقبلوه كلهم، وقيد ابن راشد ذلك بما إذا غسل اللمعة وقاله في شرح هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الحج، وعزاها ابن عرفة لسماع ابن القاسم ولم أقف عليها فيه ونصها: وسئل عن الذي يحرم في الثوب فيه اللمعة من الزعفران. قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال ابن رشد يريد - والله أعلم - اللمعة تبقى فيه بعد غسله فاستخف ذلك ولا يستخف اللمعة منه دون الغسل لانه طيب ولا بجميعه بعد الغسل إلا أن يغير بالمشق على ما في المدونة انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: إن أحرم بثوب فيه لمعة زعفران فلا شئ عليه وليغسله إذا ذكره فقبله الشيخ وسمعه ابن القاسم فقال ابن رشد: يريد بعد غسلها ولا يستخف قبله لانه طيب انتهى. قلت: ما ذكره ابن رشد وإن كان ظاهرا من جهة المعنى إلا أنه يرد قول مالك في كتاب ابن المواز وليغسله إذا ذكره فإنه صريح في أنه أحرم فيه قبل غسله، وكأنه والله أعلم استخف ذلك ليسارته لان المراد باللمعة الشئ اليسير. أما لو كان ذلك كثيرا فالظاهر ما قاله ابن رشد وإنه إن أحرم فيه قبل أن يغسله لزمته الفدية فتأمله والله أعلم. فرع: قال في المدونة: سئل مالك عن الثوب إذا كان غير جديد هل يحرم فيه ولا يغسله ؟ قال: قال مالك: عندي ثوب قد أحرمت فيه حججا ما غسلته ولم أر بذلك بأسا. قال في الطراز: وهذا بين فإن الثوب لا يشرع غسله للعبادة إلا أن يكون فيه ما يوجب غسله بدليل الجمعة والعيد. نعم إن كان نجسا غسل من النجس أو دنسا غسل من الدنس لان البياض مستحب، وغسله من الدنس عمل في تبييضه. وزعم الشافعي أن الجديد أفضل فيقال رب غسيل أفضل من جديد فلا وجه لمراعاة الجدة انتهى. وقال في الذخيرة. قال في الكتاب: ليس بالثوب الدنس بأس فيحرم فيه من غير غسل انتهى. ولم أر هذا اللفظ. ولفظ التهذيب: ولا بأس أن يحرم في ثوب غير جديد وإن لم يغسله انتهى. فرع: قال في الطراز: فإن كان ثوبه نجسا غسله فإن لم يغسله وأحرم به صح إحرامه وفاقا ولا شئ عليه لان الاحرام يصح مع الحدث والجنابة والحيض فلا تنافيه النجاسة حتى قال

[ 220 ]

أصحابنا: لو كان في بدنه أو ثوبه طيب وأرادأن يحرم ولم يجد ما يزيل به الطيب فأزاله ببوله ثم أحرم صح إحرامه وتخلص مفدية الطيب انتهى. فرع: قال في الطراز: قال أشهب في المجموعة: وإن شك أن على ثوبه نجاسة فهذا من باب الوسواس قال: وأحب إلي غسلهما كانا جديدين أو غسيلين انتهى. ونقله في النوادر بلفظ: وإن خيف عليهما نجاسة فهذا من باب الوسواس فأحب إلي غسلهما كانا جديدين أو غسيلين انتهى. قلت: فانظر كيف جعل ذلك من الوسوسة ثم أمره بغسلهما، ولعله يريد إذا كان لشكه وجه، وأما إن لم يكن له وجه فالاولى ترك الغسل والله أعلم. فرع: قال في الطراز: ويستحب أن يتحرى في ثوبي إحرامه حل ملكهما وخلوصية أصلهما، وقد كان مالك يحرم في ثوب حججا وذلك يدل على أنه كان يرفعه للاحرام ويعده له إذ لو امتهنه لما أقام حججا لا يغسله. قال مالك في الموازية: ومن ابتاع ثوبين من أسود فخاف أن يكونا مسروقين فلا يحرم فيهما إن شك. قيل: فإن باعهما وتصدق بثمنهما ؟ قال: قد أصاب. والذي قاله من باب الورع والفضيلة لا من باب الوجوب انتهى. ونقل في النوادر كلام الموازية. قلت: ولا شك أنه ينبغي أن يحتاط في هذا الباب ويتركهما إذا حصلت به ريبة وإن ضعفت بخلاف باب الطهارة فلا يعمل به بالاحتمالا ت البعيدة والله أعلم. فرع: قال في النوادر: قال مالك: وللرجل أن يحرم في ثوب فيه علم حرير ما لم يكثر. أخبرنا أبو بكر عن يحيى بن عمر عن ابن بكير أنه سأل مالكا: هل يحرم في ثوب فيه علم حرير قدر الاصبع ؟ قال: لا بأس بذلك انتهى. فرع: قال في المدونة: وسئل ابن القاسم عن الرجل يحرم في ثوب يجد فيه ريح المسك والطيب قال: سألت مالكا عن الرجل يكون في تابوته المسك فيكون فيه ملحفة فيخرجها ليحرم فيها وقد علق فيها ريح المسك. قال: يغسلها أو ينشرها حتى يذهب ريحه. قال سند بعد أن ذكر الخلاف في التطيب عند الاحرام وإن من أباح ذلك أباحه في البدن وفي الثوب، ومن منعه منعه من البدن ومن الثوب ما نصه: أما ثوب المحرم إذا علق به ريح طيب أو تبخر بعنبر وند وشبههما فلا يلبسه المحرم، فإن فعل فقال في الموازية: لا يحرم في ثوب فيه ريح مسك أو طيب، فإن فعل فلا فدية عليه. قال أشهب في المجموعة: إلا أن يكون كالتطيب، وينبغي أن يخرج الفدية إذا فعله عند الاحرام على ما ذكرناه من الاختلاف فيمن تطيب حينئذ، أما ما بعد الاحرام فيفتدي وهو قول الشافعي. قال أبو حنيفة: لا فدية في ذلك وتعلق بأنه غير مستعمل محرم الطيب في بدنه فلا تلزمه الفدية بمجرد الرائحة كما لو جلس في العطارين فشم الطيب. ووجه المذهب أنه لبس ثوبا مطيبا عامدا فوجبت عليه الفدية كما لو تضمخ بالطيب، ويخالف الجلوس في العطارين بأنه ليس بتطيب بخلاف مسألتنا انتهى. قلت: ما ذكره عن كتاب ابن المواز وعن المجموعة نحوه في النوادر، وذكر اللخمي عن

[ 221 ]

محمد نحو ما ذكر عن أشهب وهو غريب ونصه: ولا يحرم فثوب فيه رائحة الطيب وإن لم يكن فيه عين الطيب. قال محمد: إن كثرت الرائحة افتدى انتهى. ونقله عنه أبو الحسن ولم يتعقبه وذكر ابن يونس ما في كتاب ابن المواز كأنه تتميم لكلام المدونة، ولم يعزه لكتاب ابن المواز ثم ذكر كلام أشهب أنه تقييد له فقال: قال مالك: ولا يحرم في ثوب علق فيه ريح المسك حتى تذهب ريحه بغسل أو نشر، وإن أحرم فيه قبل أن يذهب ريحه فلا فدية عليه. قال أشهب: إلا أن يكثر فيصير كالطيب انتهى. ونقله أبو الحسن وقال بعده الشيخ: المسك لم يجعل في الثوب وإنما علق به ريحه من غيره يظهر من قوله علق به انتهى. ثم قال في الطراز: فلو مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب منه، هل يحرم فيه سئل مالك في الموطأ فقال: نعم ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس. والذي يتحصل عندي من هذا أن الثوب إذا كانت فيه رائحة الطيب فلا يحرم فيه، وينبغي أن يفصل في ذلك. فإن كانت رائحة طيب مؤنث كان الاحرام فيه حراما، وإن كانت رائحة طيب مذكر كان الاحرام فيه مكروها. فإن أحرم فيه فإن كان الطيب مذكرا فلا شئ عليه، وإن كان مؤنثا فالظاهر ما قاله صاحب الطراز أن حكم ذلك حكم من تطيب عند الاحرام بما تبقى رائحته بعد الاحرام فالمشهور لا فدية عليه. وقال أشهب: عليه الفدية إن كان كثيرا واختلف هل قوله تفسير أو خلاف كما سيأتي بيانه. فرع: قال في النوادر: ولا بأس أن يحرم في ثوب مصبغ بدهن. قال ابن القاسم: وإن كانت له رائحة طيبة ما لم يكن مسكا أو عنبر انتهى. ونقله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم. وقال في رسم ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: سئل عن الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه ؟ قال: نعم لا بأس به. قال ابن القاسم: إلا أن يكون مسكا أو عنبرا. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان الادهان التي لا طيب فيها يجوز للمحرم أن يأكلها ويدهن بها يديه ورجليه من شقاق بها لا لتحسينها وهي لا تحسن الثوب بحال إذا أصابته بل توسخه فلا بأس بالاحرام فيه كما قال انتهى. فرع: قال في النوادر في الثوب المعصفر المفدم: كرهه مالك للرجال في غير الاحرام انتهى. وقال ابن الحاجب بعد أن ذكر المعصفر المفدم: وكره للرجال في غير الاحرام. قال في التوضيح: أي المعصفر المفدم، وأما المعصفر غير المفدم والمزعفر فيجوز لبسهما في غير الاحرام، نص على المورد في المدونة وعلى المزعفر في غيرها. قال مالك: لا بأس بالمزعفر لغير المحرم وكنت ألبسه وقال في الحديث في النهي عن أن يتزعفر الرجل هو أن يلطخ جسده بزعفران اللخمي: وروي عنه (ص) أنه كان يصبغ ثيابه كلها والعمامة بالزعفران، وفي قوله (ص): لا يلبس المحرم شيئا مسه ورس ولا زعفران دليل على الجواز لغير المحرم. انتهى كلام التوضيح وأصله للخمي وزاد: لانه

[ 222 ]

لو كان ممنوعا في الجملة لم يخص به المحرم وإنما يذكر في ذلك ما يفترق فيه حكم المحرم من غيره انتهى. ثم قال في التوضيح: وأما كراهة المعصفر فلما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رآني رسول الله (ص) وعلي ثوبان معصفران فقال: إن هذين من ثياب الكفار فلا تلبسهما، وفي بعض الطرق: ألا كسوتهما بعض أهلك ؟ انتهى ونحوه في الطراز وقال فيه: وحمل النهي أن يزعفر الرجل على تلطيخ الجسد على رأي الجاهلية ويعضده ما روي عن أنس أنه قال: نهى عليه الصلاة والسلام أن يزعفر الرجل جلده. وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يصبغ ثيابه كلها والعمامة بالزعفران وهذا بين، فإن ذلك عادة العرب وهو زي مكة إلى اليوم فلم يكن من محض معتاد النساء حتى يكره للرجال انتهى. قلت: والحديث في النهي عن المعصفر عام في المفدم وغيره وهو ظاهر كلام صاحب الطراز، وعلل ذلك بأن فيه تشبها بالنساء ولقد لعن (ص) من تشبه بالنساء من الرجال فتأمله. وقال المازري في المعلم في كتاب اللباس: إنه أجاز لبس الملاحف المعصفرة للرجال في البيوت وفي أفنية الدور وكره لباسها في المحافل وعند الخروج إلى السوق فكأنه رأى أن التصرف بها بين الملا من لباس الاشتهار فلهذا نهى عنه، وفي الديار ليس فيها اشتهار فأجازه انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. ونقل البرزلي في كتاب الجامع عن ابن العربي أنه قال: وأما الاحمر ومنه المعصفر والمزعفر فأجازه مالك والشافعي وأبو حنيفة، وكره بعض العراقيين المزعفر للرجال انتهى. قال ابن عرفة: وفيها كراهة المعصفر المفدم ولو للمرأة في الاحرام وللرجال في غيره. عياض وغيره: كان محمد بن بشير القاضي يلبس المعصفر ويتحلى بالزينة من كحل وخضاب وسواك. سأل رجل غريب عنه فدل عليه فلما رأه قال: أتسخرون بي أسألكم عن قاضيكم فتدلوني على زامر فزجروه فقال له ابن بشير: تقدم واذكر حجتك فوجد عنده أكثر مما ظنه عاتبه زونان في لباس الخز والمعصفر. فقال: حدثني مالك أن هشام بن عروة فقيه المدينة كان يلبس المعصفر، وأن القاسم بن محمد كان يلبس الخز ثم ترك لبس الخز. قال يحيى بن يحيى: لا يلزم من يعقل ما يعاب عليه انتهى. وزونان اسمه عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله (ص) يسمى أبا مروان ويعرف بزونان وهو من الطبقة الاولى ممن لم ير مالكا من أهل الاندلس من قرطبة. سمع ابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم وكان الاغلب عليه الفقه وكان فقيها فاضلا ورعا زاهدا، ولي قضاء طليطلة، وكان يحيى بن يحيى يعجب من كلامه، وتوفي سنة ثنتين وثلاثين ومائتين. قاله ابن فرحون في الديباج المذهب والله أعلم. ص: (وشم

[ 223 ]

كريحان) ش: يعني أنه يكره شم الريحان وغيره من الطيب المذكر. قال في التوضيح عن ابن راشد وغيره: وهو ما يظهر ريحه ويخفى أثره. قال في المدونة: كالياسمين والورد والخيلي والبنفسج وشبهه، فإن تعمد شم شئ من ذلك فلا فدية عليه بخلاف الطيب المؤنث فإنه يحرم استعماله وتجب فيه الفدية كما سيأتي وحكم ما يغتفر من هذه الرياحين كذلك. قال في الحج الثالث من المدونة: ويكره له أن يتوضأ بالريحان أو يغسل يديه بالاشنان المطيب بالرياحين، فإن فعل فلا فدية عليه، فإن كان طيب الاشنان بالطيب افتدى. انتهى. وقال ابن يونس إثر قوله يكره له أن يتوضأ يريد غسل يديه بالريحان. وقال في الطراز في شرح كلام المدونة: أما الوضوء به فمعناه غسل اليد لا الوضوء من الحدث فإنه لا يرفع حدثا لاضافته إن كان أشبع في الماء حتى غيره، وإن كان اعتصره وهو حقيقة فإنه ممنوع في الوضوء عند كافة الفقهاء فيكره للمحرم أن يغسل به يديه انتهى. وقال ابن فرحون في مناسكه: وأما ماء الورد ففيه الفدية لان أثره يبقى في البدن انتهى. وله نحو هذا في شرح ابن الحاجب وهو مخالف لما تقدم في كلام صاحب الطراز فتأمله. وما قاله في الطراز هو الجاري على القواعد ولهذا قال المصنف في مناسكه: وليحذر من تقبيل الحجر والناس يصبون عليه ماء الورد وفيه المسك فقيده بكونه فيه المسك فتأمله والله أعلم. فرع: قال سند: أما الحشائش والزنجبيل والشيخ والاذخر والقيصوم وشبهه مما يقصد شمه ولا يتطيب به ولا منه فلا فدية فيه عند الكافة وهو كالقاح والتفاح والليمون والاترج وسائر الفواكه انتهى. ص: (وحجامة بلا عذر) ش: سواء أزال بسببها شعرا أو لم يزل، وسواء خشي قتل الدواب أو لم يخش، هذا هو المشهور. وقال سحنون: هي جائزة إذا لم يزل بسببها شعرا في الرأس خيفة قتل دوابه. قاله في التوضيح. ووجه سند المشهور بأن الحجامة إنما تكون في العادة بشد الزجاج ونحوه، والمحرم ممنوع من العقد والشد على جسده وهو ظاهر والله أعلم. وأما مع العذر فتجوز فإن لم يزل بسببها شعرا ولم يقتل قملا فلا شئ عليه، وإن أزال بسببها شعرا فعليه الفدية. وذكر ابن بشير قولا بسقوطها. قال في التوضيح: وهو غريب وإن قتل قملا فإن كان كثيرا فالفدية وإلا أطعم حفنة من طعام والله سبحانه أعلم. ص: (وغمس رأس) ش: قاله في المدونة زاد: وإن فعل أطعم شيئا من طعام قال في الطراز: وإن انغمس وخاف أن يكون قتل قملا استحب له أن يطعم. وهذا فيمن له شعر يكون فيه القمل، أما من لا شعر له ولا يكون فيه القمل فلا يكره له ذلك قاله اللخمي وصاحب الطراز. أما صب الماء

[ 224 ]

على رأسه فجائز، نقله ابن يونس وصاحب الطراز وذكر ابن فرحون أنه يكره صب الماء على رأسه ولو ليجده. وقال في التوضيح: قال ابن الجلاب: يجوز له أن يغسل رأسه تبردا، وحكى عن مالك كراهة الغسل إلا من ضرورة اه‍. والاول أظهر والله أعلم. ص: (وتجفيفها بشدة) ش: الضمير المؤنث راجع للرأس وهو مهموز وقد تبدل همزته ألفا. وقد جرى المصنف رحمه الله في هذا المختصر على تأنيث الرأس هنا وفي قوله بعده: وإن حلقا وفي قوله في البيوع: في دفع رأس أو قيمتها. والذي ذكره الرجراجي في جمله وغيره أن الرأس من الاعضاء التي تذكر ولا يجوز تأنيثها. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب الغسل: والرأس مذكر ليس إلا وإنما ذكرت هذا وإن كان معلوما لاني رأيت كثيرا من الفقهاء فضلا عن غيرهم يؤنثون ولا يعرفون فيه غير التأنيث وهو من الخطأ القبيح انتهى. وقال في شرح العمدة في باب الاعتكاف: والرأس مذكر بلا خلاف أعلمه، وأما أكثر تأنيث العامة له من المتفقهة وغيرهم انتهى. ونقله القسطلاني في آخر كتاب الاعتكاف وقال ووهم من أنثه وهو مهموز وقد يخفف بتركه انتهى. ولعل المصنف أنثها باعتبار الجمجمة والله أعلم. ص: (ولبس امرأة قباء مطلقا) ش: أي في الاحرام وغيره حرة كانت أو أمة. قال في المدونة: ويكره لهن لبس القباء في الاحرام وغيره لحرة أو أمة لانه يصفها. انتهى ونقله في التوضيح. وقال التادلي: قال الشهيد بن الحاج: وكراهية لبسه للحرائر أشد انتهى. قال سند: هذا إذا لم يكن له شئ فإن كان فوقه قميص أو إزار فلا كراهة فيه كالسراويل، ويجوز للمرأة لبسه في بيتها وبين يدي زوجها، وبين من يجوز لها أن تكشف بدنها عليه إن كانت في أرض ذلك زي نسائها وإلا فيكره للمرأة أن تتشبه بالرجال في زيهم ولا يعرف ذلك من زي النساء أصلا، وإنما هو من زي الرجال. ويكره في حق غيرهم لما فيه من هيجان الشهوة وإثارة الفتنة. وفي معناه احتزام المرأة إلا أنه أخف في حق الاماء ومن لا تمد لها العين. والقباء أشهد منه في حق الجميع لما فيه من جمع البدن حتى كأنه من جلدة المرأة حتى يتخيل فيه كأنها عريانة بخلاف احتزامها من فوق ثيابها انتهى. فرع: ويجوز للمحرمة وغير المحرمة لبس السراويل. قاله في المدونة. قال سند: وذلك إذا

[ 225 ]

لبسته وفوقه قميص سائل وليس بأن تلبسه من دون قميص ثم تستر عالي جسدها وهو مكشوف أشد فتنة من القباء في حقهن ص: (وإبانة ظفر أو شعر أو وسخ) ش: هذا معطوف علي قوله أول الفصل: لبس قفاز أو على ما يليه من المحرمات أعني قوله: وعليهما دهن اللحية والرأس فإن أبان شيئا من ذلك وجبت عليه الفدية. قال ابن فرحون: والابانة بحلق أو نورة أو نتف أو قص سواء انتهى. ص: (إلا غسل يديه بمزيله) ش: قال في الطراز في باب شم الطيب: فيغسل يديه بالماء الحار وغيره وبالحرض وهو الغاسول والاشنان والصابون وكل ما ينقي الزفر ويقطع ريحه، ويتجنب ما كان من قبيل الرياحين والفواكه المطيبة التي تبقى في اليد رائحتها لما في ذلك من التشبه بالتطيب، فإن خلط مع الاشنان وشبهه شيئا مما له ريح، فإن كان مما لو استعمل مفردا لم يفتد منه فكذلك إذا خلطه إلا على رأي من رأى أن الطيب إذا خلط بطعام أو شراب وذهبت عينه وبقيت رائحته لم يكن فيه فدية انتهى والله أعلم. فرع: قال في مناسك ابن الحاج: ولا بأس للمحرم أن ينقي ما تحت أظفاره من الوسخ ولا فدية عليه ورواه ابن نافع عن مالك انتهى. ص: (وتساقط شعر لوضوء أو ركوب) ش: قال سند عن الموازية: وسألت مالكا عن المحرم يتوضأ فيمر يديه علوجهه أو يخلل لحيته في الوضوء أو يدخل يده في أنفه لمخاط ينزعه منه أو يمسح رأسه أو يركب دابته فيحلق ساقه الاكاف أو السرج. قال مالك: ليس عليه في ذلك كشئ وهذا خفيف ولا بد للناس منه انتهى. قال في النوادر من كتاب ابن المواز: ولو سقط من شعر رأسه شئ لحمل متاعه فلا شئ عليه، وكذلك إن مر بيديه على لحيته فتسقط منها الشعرة والشعرتان انتهى. ص: (ككف ورجل بمطيب) ش: يريد سواء فعله لعلة أو لغير علة، أما إذا كان لغير علة فلا إشكال

[ 226 ]

في المنع ولزوم الفدية، وأما إذا كان لضرورة فالفدية لازمة وإن كان غير ممنوع، وهذا مما يؤيد ما ذكرناه أولا أن ما حكم له المصنف بالمنع تجب فيه الفدية ما لم يستثن ذلك. ص: ولها قولان اختصرت عليهما) ش: أي وإن دهن رجله أو كفه بغير مطيب لعلة ففي وجوب الفدية قولان اختصرت المدونة عليهما. هذا معنى كلامه، وله نحوه في المناسك قال: فإن دهن يديه أو رجليه للشقوق فلا شئ عليه، وإن دهنهما لغير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه أو ما هو داخل الجسد فالفدية. هكذا قال في التهذيب، واختصر ابن أبي زمنين المدونة على وجوب الفدية. وإن دهن يديه أو رجليه لعلة. انتهى ونحوه في التوضيح. قال ابن الحاجب: فإن دهن يديه أو رجليه لعلة بغير مطيب فلا فدية وإلا فالفدية. قال في التوضيح: قوله: لعلة من شقوق ونحوها فلا فدية لعموم الحرج. والمراد باليدين باطن الكفين، وأما ظاهرهما فليفتد. نقله ابن حبيب عن مالك قوله وإلا يدخل فيه ثلاث صور: أن يدهنهما لا لعلة أو لعلة وفيه طيب أو يدهن غيرهما. وما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب قريب مما في التهذيب قال فيه: وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شئ عليه، وإن دهنهما لغير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه يحسنهما لا لعلة افتدى. واختصرها ابن أبي زمنين على الوجوب مطلقا فقال: ليحسنهما أو من علة افتدى انتهى. فجعل المخالفة بين اختصار البراذعي وابن أبي زمنين في دهن القدمين والرجلين لعلة وليس كذلك، إنما وقع اختلافهما في مسألة دهن الساقين والذراعين لا في مسألة دهن اليدين والرجلين إذ لفظ الام في ذلك لا يقبل الاختلاف كما ستراه بخلاف مسألة الساقين الذراعين كما ستقف على ذلك في كلام الام، بل لم أر خلافا في مسألة دهن اليدين والرجلين، وناهيك بابن عرفة في نقله للخلاف ولم يحك في ذلك خلافا على أن لفظ المصنف في التوضيح يمكن حمله على الصواب لولا ما قاله هنا وفي المناسك. ونص الام: قال مالك: من دهن كفه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شئ عليه، وإن دهنهما من غير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما فعليه الفدية. قال: وقال مالك: من دهن شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شئ عليه، وإن دهن ذلك بطيب. كانت عليه الفدية انتهى. فأنت تراه كيف صرح بأنه إذا دهن كفيه وقدميه للشقوق فلا شئ عليه. وعلى ذلك اختصرها ابن أبي زمنين والبراذعي وابن أبي زيد وابن يونس وصاحب الطراز، ولم أر من اختصرها على خلاف ذلك، وقد تقدم لفظ البراذعي ولفظ ابن يونس نحوه، وكذا لفظ ابن

[ 227 ]

أبي زيد وصاحب الطراز إلا أنهما لم يقولا بعد قوله ليحسنهما أو من علة كما قال البراذعي وابن يونس. ولفظ ابن أبي زيد في اختصاره: وإن دهن كفيه أو قدميه بزيت أو شحم أو ودك لشقوق فلا شئ عليه، وإن كان لغير علة أو دهن يديه أو رجليه بذلك لزينة أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما افتدى، ولو دهن شقوقا بقدميه أو بعقبيه بما فيه طيب افتدى، وأما بزيت أو شحم خالص فلا شئ عليه، محمد: قال ابن القاسم: ومن دهن شقاقا بقدميه أو بعقبيه بزيت أو شحم فلا شئ عليه، وإن كان ذلك لغير علة افتدى انتهى. ولفظ اختصار صاحب الطراز قال مالك: ومن دهن كفيه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شئ‌عليه، وإن دهنهما لغير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما فعليه الفدية. قا: وقال مالك: من دهن شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شئ عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى، ونص ما في مختصر ابن أبي زمنين: ومن دهن شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شئ عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى، ومن دهن يديه أو رجليه بالزيت لزينة افتدى. انتهى من ترجمة المحرم يشم الطيب أو يتدهن من كتاب الحج الثاني. وقال قبله في كتاب الحج الاول: قال مالك: مدهن عقبيه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شئ عليه وإن دهنهما من غير علة افتدى انتهى. فقد صرح ابن أبي زمنين بأنه لا شئ عليه في دهن الكفين والرجلين للشقوق. فهؤلاء كلهم اختصروا المدونة على عدم وجوب الفدية، بل قال سند في شرحه: إذا دهن شقوقا في يديه أو رجليه لا فدية عليه عند الجميع انتهى. وإنما اختلف المختصرون في مسألة دهن الساقين والذراعين لانه قال في الام: أو دهن ذراعيه أو ساقيه لحسنهما فعليه الفدية. فمفهوم قوله: ليحسنهما أنه لو دهنهما لا ليحسنهما لم تكن عليه فدية. وعلى هذا فهمها البراذعي وابن يونس فقالا ليحسنهما لا لعلة. قال التادلي: وفي الكتاب: إن دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى. قال أبو إبراهيم في طرره: ظاهره أنه إن كان لعلة لا فدية عليه وفي بعض الروايا ت أو لعله. وعليه اختصرها ابن أبي زمنين، وفي غير المدونة ما يدل على القولين هلا شئ عليه كالقدمين، أو عليه لان ذلك فيهما نادر بخلاف القدمين. وهذا ينبني على النادر، هل يراعى أولا قال أبو عمر: إن رأيت في المختلطة أو لعلة فعليه الفدية وهو الصحيح لان الساقين والذراعين ليس من شأنهما أن ينكشفا فأشبه من دهن سائر جسده انتهى. ونقل أبو الحسن الصغير كلام أبي إبراهيم إلا أن كلامه قد يوهم أن الخلاف في مسألة القدمين لانه قال: قوله: وإن دهن قدميه أو عقبيه من شقوق فلا شئ‌عليه المسألة ظاهرة لو كان لعلة لا فدية عليه. وفي بعض الروايات: أو من علة وعليها اختصرها ابن أبي زمنين إلى آخر ما تقدم عن التادلي، فقد يتوهم في قوله ظاهره أنه راجع لمسألة القدمين واليدين وليس كذلك وإنما هو راجع لآخر المسألة، لان عادته كذلك يذكر أولا كلام المدونة ثم يقول المسألة أو

[ 228 ]

الخ. ثم يتكلم على ما يتعلق بأولها وآخرها ويدل على ذلك بقية كلامه، فلعل المصنف فهم أن الكلام راجع إلى مسألة القدمين فقال ما تقدم، وقد علمت ما في ذلك والله الموفق. تنبيه: قال في الطراز: إذا ثبت ذلك فإنه يقتصر بالدهن على موضع الشقوق ولا يتجاوزه إلا ما لا يحترز من مثله انتهى. فرع: قال ابن عرفة: روى ابن عبد الحكم عن الموطأ: فإن قطر في أذنيه بانا غير مطيب لوجع أو جعله في فيه فلا فدية. وقال التونسي: في تقطيره في الاذن الفدية ولم يحك غيره. انتهى ونقله في الطراز. فرع: قال في الحج الاول من مختصر المدونة لابن أبي زيد: وله أن يأتدم بالزيت والشيرج ويستعط بهما وأما البنفسج والزئبق فلا انتهى قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ويحرم ترجيل الشعر بالدهن بخلاف أكله ولكون الدهن غير مطيب لم يمنع من أكله، وقد تقدم حكم الطيب في الطعام انتهى. وقال ابن فرحون: قوله: بخلاف أكله يعني فإنه جائز ما لم يكن مطيبا. فعلم مما تقدم أن حكم أكل الدهن المطيب حكم أكل الطيب الذي ذكره والله أعلم. ص: (وتطيب بكورس) ش: هو معطوف على قوله أول الفصل: لبس قفاز أو على ما يليه من المحرمات أعني قوله: ودهن الجسد. والمعنى أنه يحرم على المحرم والمحرمة التطيب بالطيب المؤنث وهوما يظهر ريحه وأثره كالورس والزعفران والمسك والكافور والعنبر والعود، يريد وتجب الفدية باستعماله. واحترز بقوله: بكورس عن الطيب المذكر فإنه لا يحر استعماله ولكنه يكره كما تقدم في قول المصنف: وشم كريحان. تنبيه: قال في الجواهر معنى استعمال الطيب إلصاق الطيب باليد أو بالثوب، فإن علق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو بيت تجمر ساكنوه فلا فدية عليه مع كراهة تمادى على ذلك انتهى. ونقله ابن الفاكهاني في شرح العمدة وقبله، وتقدم عن اللخمي وصاحب الطراز ما يخالف ذلك عند قول المصنف: ومصبوغ لمقتدى به. فرع: قال في الطراز: ولا فرق في وجوب الفدية بين أن يطيب جميع جسده أو عضوا منه أو دوذلك، وهو قول الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة: إنما تجب الفدية إذا طيب عضوا كاملا مثل الرأس والفخذ والساق والشارب وشبه ذلك، فأما أن يطيب بعض العضو فلا فدية فيه، واحتج بأنه ليس بتطيب معتاد وهذا غير صحيح والناس يختلفون في ذلك وكيفما مس الطيب فقد تطيب انتهى. ص: (وإن ذهب ريحه) ش: يعني أن الطيب ممنوع من

[ 229 ]

استعماله وإن ذهبت ريحه إلا أنه لا فدية فيه. قال أبو عرفة: وقول ابن شاس لو ذهبت رائحة المسك لم يصح إن أراد وتجب الفدية تحقق ذهاب كلها ففيه نظر انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على نص في ذلك، وقد صرح اللخمي في أوائل كتاب الحج لما تكلم على المصبوغ بالزعفران ونحوه بأنه لا فدية في ذلك فقال: ولو جعل في ثوبه طيبا قد قدم وذهب ريحه لم يكن فيه فدية انتهى. وكلامه يقتضي أن ذلك هو المذهب وهذا هو الظاهر والله أعلم. وكلام صاحب الطراز صريح أو كالصريح في ذلك فإنه قال في كتاب الحج الاول في الثوب المصبوغ بالزعفران: إذا غسل أو نشر وتقادم حتى انقطعت رائحته ولا يظهر بوجه أنه يكره لبسه ولا يحرم ثم قال: لان القصد من الطيب الرائحة، فإن كانت قائمة افتدى وإلا فلا فدية عليه انتهى. ورأيت في حاشية معزوة لكتاب اللباب شرح الجلاب للغساني فيها ما نصه: لو انقطعت رائحة الطيب لم يجز استعماله ولا فدية فيه وهو كلام حسن. ص: (أو لضرورة كحل) ش: ظاهر العبارة يقتضي أن استعمال الطيب لضرورة الكحل وشبهها ممنوع وليس ذلك مراده، وإنما أراد أن ذلك موجب الفدية وهذا نحو ما تقدم في قوله: ككف ورجل بمطيب، ولا يفهم من كلام المصنف حكم اكتحال المحرم بغير المطيب، والمذهب إن كان لضرورة فهو جائز، وإن كان لغير ضرورة فثلاثة أقوال، مشهورها وجوب الفدية على الرجل والمرأة. وقيل لا تجب عليهما. وقيل تجب على المرأة دون الرجل. قال المصنف في مناسكه: والكحل فيه الفدية إن كان مطيبا، وإن كان غير مطيب وكان لضرورة فلا شئ عليه، وإن كان لغير ضرورة فالمشهور وجوب الفدية، وثالثها تجب على المرأة دون الرجل. وحكى بعضهم الاتفاق على وجوب الفدية على المرأة. انتهى ونحوه في التوضيح. وقال ابن عرفة: واكتحال المحرم مطلقا لدواء جائز وفيه بمطيب الفدية ولزينة ممنوع، وفي الفدية بغير مطيب ثالثها على المرأة لها وللخمي على القاضي عن بعض أصحابنا والجلاب عن عبد الله انتهى. فروع الاول: قال سند: فإن اضطر إلى الكحل فاكتحل لقصد الدواء ولقصد الزينة قال ابن القاسم: عليه الفدية فغلب جانب الفدية. الثاني: قال أيضا: أما تنشيف العين فإن كان ببعض المياه أو بشئ لا يتحجر على الجسد فهو خفيف، وإن كان لشئ يتحجر ويستر البشرة سترا كثيفا حتى يكون كالقرطاس ففيه الفدية. الثالث: قال أيضا عن الموازية: لا تكتحل المرأة بالاثمد وإن اضطرت إلى الكحل لانه زينة إلا أن تدعو الضرورة إليه نفسه فتكتحل به ولا فدية انتهى.

[ 230 ]

الرابع: قال التادلي في مناسكه: قال أبو إسحاق: ولبس الحرير للمرأة المحرمة والحلي جائز بخلاف الكحل للزينة وإن لم يكن فيه طيب وعليها الفدية إن اكتحلت. فإن قيل: فلماذا أجاز لبس الحرير والحلي وذلك من دواعي النكاح ؟ وما الفرق بين ذلك وبين الكحل بغير ما فيه طيب من الاكتحال للزينة ؟ قيل: لان الكحل إذا كان للزينة فلها فيه انتفاع في عينها وجمال، والحلي والحرير لا انتفاع لها فيه. فإن قيل: المنفعة توجب عليها الفدية وإن لم يكن في ذلك زينة كدوائها لجرح وشبه ذلك. قيل: قد يكون الكحل أمرا لا يكاد أن يستغنى عنه لمكان ما في العين بما يصلحه الكحل كالادهان بالزيت ليتمرن على العمل، ولو فعل ذلك فاعل ليحسن يديه لكانت عليه الفدية فصار ما فعل للضرورة من هذا لا فدية فيه انتهى. ص: (ولو في طعام) ش: قال في المدونة: ويكره له أن يشرب شرابا فيه كافور أو يأكل دقة مزعفرة، فإن فعل افتدى. وكره في المدونة لغير المحرم أن يشرب الماء الذي فيه الكافور للسرف. انتهى من التوضيح. وقال سند: أما غير المحرم فيختلف فيه حاله بقدر ثمن الكافور وعلو قيمته ونزولها، فإن كان مما لا قيمة له فلا شئ فيه وتطيب الماء بمثل ذلك ليس بسرف وهو كتجمير آلته وإنباذ العسل فيه وشبه ذلك من مقاصد العقلاء * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) * الآية قالت عائشة رضي الله عنها: كان يستعذب له الماء عليه السلام من بيوت السقيا. قال قتيبة: عين بينها وبين المدينة يومان. خرجه أبو داود. ولم يكن هذا بإسراف في الرفاهية وطلب اللذات لانه لم يكن فيه كبير مؤنة، وكذا ما نحن فيه وإن كان مما له كبير قمة ولم يطلب بذلك التداوي إلا محض تطييب الرائحة فهو سرف ممنوع. فرع: قال سند: وسئل إن شرب المحرم ما فيه طيب، أيكون عليه الفدية في قول مالك أم لا ؟ قال: عليه الفدية في قول مالك وهو رأي انتهى. ص: (وإلا قارورة سدت) ش: يعني أن من حمل قارورة مسدودة الفم في حال إحرامه فلا فدية عليه، يريد وقد أساء في حمله لها كما سيأتي في كلام صاحب الطراز. وظاهر كلام المصنف أنه لا فدية في ذلك ولو علقت به رائحة الطيب، والذي يقتضيه كلام اللخمي وغيره أن في ذلك الفدية. قال اللخمي فيمن فرش على ثوب مصبوغ بالزعفران ثوبا كثيفا: لا فدية عليه إلا أن يعلق بجسمه ريحه فإنه يفتدي. وقد تقدم كلامه عند قول المصنف: ومصبوغ لمقتدى به. وقد تقدم عن صاحب الطراز أيضا أن المحرم إذا لبس ثوبا علق فيه ريح الطيب أن عليه الفدية. وقال ابن عرفة: وقول ابن شاس لا فديفي حمل قارورة مصممة الرأس إن أراد ولو علقت رائحته ففيه نظرا انتهى. وكأنه لم

[ 231 ]

يقف على نص في ذلك. ثم قال ابن عرفة: وتفسير ابن عبد السلام عطف ابن الحاجب على القارورة ونحوها بفأرة المسك غير ممشوقة بعيد لانه تطيب انتهى. قلت: لم يجزم ابن عبد السلام بذلك وإنما قال في شرح ابن الحاجب: ولا فدية في حمل قارورة مصممة الرأس ونحوها. يريد لا كبير رائحة يوجد من القارورة حينئذ أولا يوجد ألبتة، ولعل مراده بنحو القارورة المصممة فأرة المسك إذا كانت غير ممشوقة وفيها عندهم وجهان انتهى. ونقله عنه في التوضيح بلفظ: وفيها للشافعية وجهان، ولعل ذلك في نسخته من ابن عبد السلام. والاحسن أن يكون مراد ابن الحاجب بنحوها ما قاله صاحب الطراز ونصه: وأما إذا حمل بزينة فيها طيب أو خريطة أو خرجا أو ما أشبه ذلك وشمه فهذا أساء ولا فدية عليه لانه لم يعلق بيده منه شئ ببشرته ولا بثيابه بخلاف من باشره فإن رائحته تعلق بيده فافترقا، اللهم إلا أن يحمل زجاجة فيها طيب أو أخرجه على وجه التطيب برائحته. واختلف أصحاب الشافعي في ذلك فقال بعضهم: عليه الفدية، وقال بعضهم: هذه رائحة مجاورة ولا فدية فيها انتهى. ففي كلامه إشارة إلى ما قال ابن عرفة فتأمله. وأما على ما قاله ابن عبد السلام في النوافج فبعيد جدا. وقد قال ابن فرحون بعد نقله كلام ابن عبد السلام: هذا بعيد لانها تحصل منها من الرائحة قبل شقها ما يعبق ريحه بالثيا ب انتهى. قلت: وفي كلام صاحب الطراز ما يدل على النوافج طيب وتجب الفدية بحملها، فإنه لما ذكر الاحتجاج على وجوب الفدية بمس الطيب اليابس أو حمله بالثوب قال: وقد تعلق النوافج في الثياب ويحملها الناس لقصد التطيب بها ولم يفرق بين كونها مشقوقة أم لا ؟ ص: (ومطبوخا) ش: وإن طبخ ولم يصبغ الطيب الفم فلا شئ فيه، وإن صبغه فنص ابن بشير على أن المذهب نفي الفدية لانه أطلق في المدونة والموطأ وغيرهما الجواز. انتهى ونحوه في التوضيح. قال البساطي: فإن كان الطيب في طعام، فإما أن يطبخ معه أو يجعل فيه بعد طبخه. وفي الاول إما أن يميته الطبخ أو لا، فإن أماته الطبخ فلا شئ عليه وإلا فالفدية فيه، فإن مسه فلم يعلق به منه شئ فظاهر قوله في المدونة وإن مس الطيب افتدى لصق به أو لا فإن عليه الفدية، وإن لم يعلق به شئ. ثم قال في قوله ومطبوخا قد تقدم الكلام على المطبوخ مع الطعام وإطلاقه هنا ينافي ذلك التفصيل انتهى. ص: (وباقيا مما قبل إحرامه) ش: يريد ويكره له ذلك. قال في الطراز: منع مالك رحمه الله الطيب المؤنث عند الاحرام، واختلف فيه إذا فعله فالمشهور أنه لا شئ عليه. وقال بعض القرويين: إن تطيب بما يبقى ريحه بعد إحرامه فهو بمنزلة ما لو تطيب به بعد

[ 232 ]

إحرامه، وظاهر هذا الفدية وهو خلاف قول الكافة وإنما اختلف الناس في استحبابه. ثم ذكر عن أبي حنيفة والشافعية وابن حنبل وغيرهم استحباب ذلك وذكر استدلالهم على ذلك، ثم ذكر ما احتج به لمالك ثم قال بعد أن ذكر الاحتجاج على النهي عن التطيب قبل الاحرام: إذا ثبت ذلك فزعم ابن القصار أن ذلك عند مالك على الكراهة لا على التحريم، وهذا يقتضي أن لا فدية فيه إذا وقع ونزل وهو المعروف من قول أصحابنا: ثم قال: إذا قلنا لا فدية فيه مع كراهته فإنه يؤمر بغسله، فإن قدر على غسله بمجرد صب الماء فجلس، وإن لم يقدر إلا بمباشرته فعل ولا شئ عليه لانه فعل ما أمر به، وقد أمر النبي (ص) المتضمخ بالخلوق أن يغسله عنه ولم يذكر له فدية. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطيب في بدنه أو ثوبه إلا أنه إذا نزع ثوبه لا يعود إلى لبسه، فإن عاد فهل عليه في العود فدية ؟ يحتمل أن يقول لا فدية لان ما فيه قد ثبت له حكم العفو كما لو لم ينزعه. وقال أصحاب الشافعي: تجب عليه الفدية لانه لبس جديد وقع بثوب مطيب انتهى. وفهم منه أنه لا يجوز له لبس الثوب المطيب في حالة الاحرام وإن كان الطيب من قبل الاحرام وهو كذلك فإنه قال في باب ما يلبسه المحرم من كتاب الحج الاول: أما ثوب المحرم إذا علق به ريح طيب أو بحر بعود أو ند وشبهه فلا يلبسه، فإن فعل قال في الموازية: لا يحرم في ثوب فيه ريح مسك أو طيب، فإن فعل فلا فدية عليه. قال أشهب في المجموعة: إلا أن يكون كثيرا أو يكون كالتطيب. وينبغي أن يخرج الفدية إذا فعله عند الاحرام على ما ذكرناه من الاختلاف فيمن تطيب حينئذ أما ما بعد الاحرام فيفتدي انتهى. وتقدم كلامه هذا برمته عند قول المصنف: ومصبوغ لغير مقتدى به. تنبيه: أطلق المصنف في الطيب الباقي مما قبل الاحرام، وقيده الباجي بأن لا يكون بحيث تبقى منه ما تجب الفدية بإتلافه، ونقله عنه صاحب الطراز ونصه إثر قوله السابق: وهذا يقتضي أن لا فدية فيه إذا وقع وهو المعروف من قول أصحابنا. قال الباجي: الاظهر أنه لا تلزمه فدية لان الفدية إنما تجب بإتلاف الطيب حالة الاحرام، وهذا أتلفه قبل الاحرام إلا أن يكون من الكثرة بحيث يبقى منه ما تجب فيه الفدية بإتلافه أو لمسه فتجب بذلك الفدية وهو أبين انتهى. ونقله عنه الباجي أيضا وابن عبد السلام وابن عرفة والشارح وقبوله ولم يذكره المصنف في التوضيح. فرع: وهذا بخلاف الدهن قبل الاحرام فإنه جائز. قال ابن عرفة: وفيها لمالك: جائز أن يدهن عند إحرامه وبعد حلاقه بالبان غير مطيب والزيت وشبهه ولا يعجبني ما يبقى ريحه. اللخمي: والقياس منعه مطلقا قبل إحرامه كمنعه بعده كمنع لبسه وتطيبه عند إحرامه وبعده. قال ابن عرفة: قلت: فرق بين عدم الشعث وإزالته والمنافي للاحرام إزالته لا عدمه، ولذا جاز إحرامه إثر احتمامه وحلقه ومنع بعده انتهى.

[ 233 ]

قلت: ولا إشكال أن الممنوع إنما هو إزالة الشعث بعد الاحرام لكن في التطيب معنى آخر وهو بقاء الرائحة بعد الاحرام، وأما الدهن فإنما المقصود منه إزالة الشعث وإذا استعمل قبل الاحرام لم تحصل الازالة حال الاحرام فتأمله. وقال سند: أما الدهن بغير الطيب فلا يختلف فيه. وأما الطيب فهو ممنوع في الاحرام ويختلف فيه عند الاحرام كما يختلف في التطيب في تلك الحالة انتهى والله أعلم. ص: وخير في نزع يسيره وإلا افتدى إن تراخى) ش: هذا راجع إلى خلوق الكعبة فقط. وفهم منه أنه لا يخير في نزع اليسير من غيره بل يجب عليه نزعه وهو كذلك وهو مقتضى كلام المصنف هنا. وفي التوضيح والمناسك أن الخلوق فيه من الطيب المؤنث لا يجابه الفدية في كثيره إذا لم ينزعه وتراخى كما أشار إليه بقوله: وإلا افتدى إن تراخى. وقال سند: هذا في مجرد الخلوق، وأما إن كان مسكا أو نحوه من الطيب فإنه يغسل قليله وكثيره. واحتج بقوله في الموازية: وليغسل ما أصابه من خلوق الكعبة بيده ولا شئ عليه إن تركه إن كان يسيرا. قال: وإن أصاب كفه من خلوق الركن فإن كان كثيرا أحب إلي أن يغسل يده، وإن كان يسيرا فهو منه في سعة. وقال بعده: لان الخلوق إنما هو من العصفر والعصفر ليس من الطيب المؤنث، أما إذا خرج الخلوق بمسك أو كافور أو شئ من الطيب فهذا يتوقاه المحرم ولا يباشره، فإن أصابه من غير قصده عفي عنه إن أزاله بقربه لما فيه من الحرج، وإن قصد مسه لم يعف عنه لعدم الحرج انتهى. وفسر ابن الاثير في النهاية الخلوق بأنه طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة انتهى. تنبيه: قال البساطي: لانه لا يفهم من قول المصنف وخير في نزع يسيره الحكم فيما إذا تركه. قلت: وما قاله غير ظاهر لانه لا معنى للتخيير إلا أنه إذا تركه لا شئ فيه فتأمله. تنبيه: قوله: وإلا افتدى إن تراخى من تمام مسألة خلوق الكعبة لكن يفهم منها حكم مسألة إلقاء الريح أو القير، وإنه إن لم ينزع ما أصابه من ذلك وتراخى أن عليه الفدية سواء كان يسيرا أو كثيرا. فرع: قال في الطراز: فإن تعذر عليه الماء ليغسل به الطيب من بدنه أو من ثوبه الذي لا

[ 234 ]

يجد غيره وطال ذلك جرت على قولين فيمن ذكر لمعة كان نسيها في وضوئه وبعد منه الماء. قال وعندي أنه هنا يفتدي. لانه قادر على إزالة الطيب من غير ماء إذ لو أزاله ببوله لاجزأه في باب الازالة ويكون حامل نجاسة يغسلها إذا وجد الماء، فحمل ذلك لا ينفعه في حمل الطيب انتهى. ص: (كان حلق رأسه) ش: يعني أنه إذا حلق الحلال رأس المحرم ولزمت الحلال الفدية فإنه يفتدي بغير الصوم، فإن لم يجد فليفتد المحرم ويرجع على الحلال بالاقل إن لم يفتد بالصوم فليس هذا مكررا مع قوله: وإن حلق حل محرما بإذنه لانه بين هنا أن حكم افتداء المحل إذا حلق رأس المحرم ولزمته الفدية حكم افتدائه إذا ألقى الطيب على المحرم، وبين في قوله: وإن حلق الموضع الذي تلزم الفدية فيه المحرم أو الموضع الذي يلزم الحلال إلا أنه كان ينبغي أن يقدمه على هذا والله أعلم. ص: (ورجع بالاقل إن لم يفتد بالصوم) ش: يعني أن المحرم إذا افتدى عن نفسه بغير الصوم فإنه يرجع على الحلال بالاقل من قيمة الطعام أو النسك. ص: (وعلى المحرم الملقي فديتان على الارجح) ش: الارجح هو قول ابن القابسي، قال ابن

[ 235 ]

عبد السلام: وهو الصحيح. قال سند: والاول - يعني قوابن القابسي - أظهر - وهذا - والله أعلم - إذا مس الطيب بيده أما إذا لم يمسه فليس عليه إلا فدية واحدة وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وإن حق حل محرما بإذن فعلى المحرم وإلا فعليه) ش: ما ذكره هنا قال في التوضيح عن ابن يونس وغير عبد الحق: إنه مذهب المدونة وهو خلاف قول أشهب. قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: إذا طيب الحلال المحرم أو حلق شعره مثلا بأمر المحرم فالفدية على المحرم، وإن كان المحرم نائما أو مكرها فعلى الحلال الفدية انتهى. قال ابن عبد السلام: ويلحق بذلك ما لو لم يأذن له المحرم ولكنه لما فعل الحلال به ذلك لم يمنعه انتهى. ونقله عنه المصنف في التوضيح وابن فرحون وظاهر كلامهما أنهما لم يقفا عليه لغيره، وكذا ظاهر كلامه هو أنه من عنده. وقد صرح به صاحب الطراز في آخر باب حلق المحرم كغيره ونصه: المحرم ممنوع من قص أظفاره من غير ضرورة، وكما منع من ذلك منع غيره أن يشاركه في ذلك من حل أو محرم ومن قصه له بإذنه، فالفدية على المفعول به كما قلنا في حلاق رأسه، وإن فعله من غير إذن فإن كان نائما أو مكرها فالفدية على من فعل ذلك به، وإن كان غير نائم ولا مكره ولم يأمر بذلك إلا أنه ساكت حتى قصت أظفاره أو حلق شعره ولو شاء لامتنع فالفدية عليه انتهى والله أعلم. ص: (وإن حلق محرم رأس حل أطعم) ش: يريد إلا أن يتحقق نفي القمل. قاله اللخمي. وإن قتل قملا كثيرا فعليه الفدية. ص: (وفي الظفر الواحد لا لاماطة الاذى حفنة) ش: يريد أن من قلم ظفره لا لاماطة أذى ولا لكسره فعليه حفنة. قال ابن فرحون: وإن قلمه على وجه العبث لا لاحد أمرين أطعم حفنة انتهى. فرع: قال سند: إذا وجب الاطعام في الظفر فأطعم ثم قلم آخر أطعم أيضا ولا يكمل الكفارة بخلاف ما لو قطعهما في فور واحد، لان الجناية الاولى قد استقر حكمها منفصلة عن

[ 236 ]

الثانية فكان للثانية بعدها حكم الانفراد كمن حلق بعض رأسه فافتدى ثم حلق بعضه أو قلم يده اليمنى فافتدى ثم قلم اليسرى، أما إذا فعل ذلك قبل أن يفتدي فراعى فيه الفور أو النية انتهى. ويؤخذ منه أنه إذا فعل ما يوجب الفدية وأخرج الفدية ثم فعله مرة أخرى فعليه الفدية ولو نوى التكرار والله أعلم. فرع: أما لو قلم ظفرين فلم أر في ابن عبد السلام والتوضيح وابن فرحون في شرحه ومناسكه وابن عرفة والتادلي والطراز وغيرهم خلافا في لزوم الفدية، ولم يفصلوا كما فصلوا في الظفر الواحدة والله أعلم. فرع: قال مالك في المدونة: والحفنة مل ء يد واحدة. قال الشيخ أبو الحسن: والغرفة مل ء اليدين جميعا بخلاف عرفنا الآن انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: أما لو نتف شعرة أو شعرات أو قتل قملة أو قملات أطعم حفنة بيد واحدة كما في المدونة، وفي الموازية قبضة وهي دون الحفنة. انتهى كلامه في التوضيح. وقال سند في شرح كلامه في المدونة: أما قول حفنة في القملة والقملات فلان ذلك أفضل مما قتل فهو فوق جزاء الصيد ولهذا يجزئ من كل شئ يطعم. قال في الموازية: يطعم تمرات أو قبضات من سويق أو كسرات انتهى. وفي مناسك ابن فرحون قال مالك: والحفنة كف واحدة وهي القبضة. قال بعضهم: القبضة أقل من الكف انتهى. ص: (كحلق محرم لمثله موضع المحاجم إلا أن يتحقق نفي القمل) ش: يعني أن المحرم إذا حلق لمحرم آخر مثله موضع المحاجم فإنه يطعم حفنة إلا أن يتحقق أنه لا قمل فيه، وإن تحقق أنه قتل قملا كثيرا فالفدية. هذا إذا كان وإن لم يكن بإذنه فجميع ذلك على الفاعل كما لو حلق رأس حلال. قال اللخمي: وإن حلق محرم رأس حلال ولا قمل فيه فلا شئ عليه، وإن كان فيه يسيرا أطعم شيئا من طعام. واختلف فيه إذا كان كثيرا فقال مالك يفتدي، وقال ابن القاسم يتصدق بشئ من طعام. وكذلك إن حلق رأس محرم بطوعه فالفدية على من حلق رأسه ولا شئ على الحالق إن لم يكن فيه شئ من قمل، وإن كان فيه يسيرا أطعم شيئا من طعام، وإن كان كثيرا افتدى على قول مالك، ويتصدق بشئ على قول ابن

[ 237 ]

القاسم، وإن أكرهه على الحلاق كان على الذي حلق رأسه الفدية كان فيه شئ أم لم يكن ولا شئ عليه عن نفسه إن لم يكن فيه شئ، وإن كان وكان قليلا أطعم، واختلف إذا كان كثيرا انتهى. وكذلك نقل في النوادر عن ابن الماجشون ومطرف أن المحرم إذا حلق رأس محرم وهو نائم أن عليه فديتين. قال أبو الحسن الصغير: فدية لقتل القمل وفدية للمفعول به. انتهى بالمعنى. فإذا لم يكن قمل أو كان وكان يسيرا لم تجب إلا فدية واحدة في الصورة الاولى وفدية وحفنة في الثانية والله أعلم. ص: وتقريد بعيره) ش: أي إذا أزال عنه القراد فيطعم حفنة من طعام بيد واحدة كما قال الشارح. وقال في التوضيح: تقريد البعير هو إزالة القراد عنه. وظاهر قول المصنف يعني ابن الحاجب أن القولين في مجرد التقريد ابن عبد السلام الذي حكاه غيره أن القولين إنما هما فيما إذا قتل القراد انتهى. ونقله ابن فرحون والشارح في الكبير وقبلوه، وصرح به في الشامل فقال: وله طرح برغوث ولا شئ عليه في قتله. وقيل: يطعم كقتل النمل والعلق والوزغة وإن لدغته وقراد بعير ونحوه على المشهور لا طرح ذلك انتهى. قلت: وقد نص في المدونة على أنه يطعم في طرح القراد والحمنان عن بعيره. وقال مالك: وإن طرح المحرم عن نفسه الحلمة أو القراد أو الحمنان أو البرغوث أو طرح العلقة عن بعيره أو دابته أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شئ عليه، وأما إن طرح الحمنان والقراد عن بعيره فليطعم انتهى. قال سند: الهوام على ضربين: ضرب يختص بالاجسام ومنها يعيش فلا يقتله المحرم ولا يميطه عن الجسد المختص به إلى غيره، فإن قتله أطعم وكذا إذا طرحه. وضرب لا يختص بالاجسام كالنمل والذر والدود وشبهه، فإن قتله افتدى، وإن طرحه فلا شئ عليه إذ طرحه كتركه، وعلى هذا تخرج مسائل هذا الباب، فالحلمة والقراد والحمنان جنس واحد ليس هو من هوام الآدمي وإنما هو من هوام الدواب يسمى صغيرا قمنانا، فإذا كبر قليلا قيل حمنان، فإذا زاد قيل قراد، فإذا تناهى قيل حلمة، فهذا يطرحه المحرم عن نفسه لا يختلف فيه، وهل يطرحه عن بعيره يختلف فيه انتهى مختصرا والله أعلم. ص: (أو ظفر) ش: يعني أن الظفر الواحد إن أماط عنه أذى لزمته فدية كاملة نص عليه في المدونة. قال سند: ولم يبين ابن القاسم ما هو إماطة الاذى، وجعله الباجي على ضربين: أحدهما أن يقلق من طول ظفره فيقلمه فهذا أماط عنه أذى معتادا، والثاني أن يريد مداواة قرح بأصبعه وقد لا يتمكن إلا

[ 238 ]

بذلك، فهذا أماط به أذى إذ لا يختص بأظفاره. فراعى ابن القاسم في كمال الفدية إماط الاذى فقط لانها في نص القرآن منوطة بذلك في قوله: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) * انتهى. والوجه الاول ذكره الباجي أيضا وأشار إليه في التوضيح. والثاني هو نص المدونة وعزاه في التوضيح وابن عبد السلام لها. وقال ابن عبد السلام عقب نقله نص المدونة: وانظر إذا كان ذلك في اليسير انتهى. وقال التادلي الباجي: إماطة الاذى على ثلاثة أوجه: أحدها أن يزيل عن نفسه خشونة طول أظفاره وجفاءها، وهذا في الاغلب. إنما يكون بتقليم جميع أظفاره أو أكثرها، ثم ذكر الوجهين المتقدمين. وانظر هذا الوجه الذي ذكره فإن الذي يظهر أنه لا فرق بينه وبين الوجه الاول من الوجهين اللذين نقلهما سند إلا أن يريد أن إزالته ليست لاجل قلق يحصل له منه وإنما أراد بإزالته الترفه فقط فتأمل والله أعلم. وعارض أبو الحسن بين هذه وبين مسألة تقليم الظفر المنكسر، وقد تقدم الجواب عن ذلك عند قول المصنف: وتقليم ظفر إن كسر. وتحصل من كلام المصنف أن الظفر على ثلاثة أقسام: إن انكسر فقلمه فلا شئ فيه، وإن أماط به أذى ففيه فدية كاملة، وإن قلمه لغير ذلك فحفنة والله أعلم. ص: (ومجرد حمام على المختار) ش: المراد بمجرد الحمام صب الماء الحار دون ترك ولا إزالة وسخ لا مجرد دخوله من غير غسل بل للتدفي فإنه جائز. قاله في التوضيح ص: (واتحدت إن ظن الاباحة) ش: ظن الاباحة يتصور فيمن اعتقد أنه خرج من إحرامه. قال سند: كالذي يطوف على غير وضوء في عمرته ثم يسعى ويحل، وكذا من يعتقد رفض إحرامه واستباحة موانعه. قال في باب تداخل الفدية: ومنه من أفسد إحرامه بالوطئ ثم

[ 239 ]

فعل موجبات الفدية متأولا أن الاحرام تسقط حرمته بالفساد أو جاهل فإنها تتحد. قاله ابن الحاجب. قلت: ولم أرد من ذكر من صور ذلك من ظن أن الاحرام لا يمنعه من محرماته أو أنه يمنعه من بعضها، وقد حمل الشارح والبساطي كلام المصنف على هذا فتأمله والله أعلم. فرع مما تتحد فيه الفدية إذا كانت نيته يفعل جميع ما يحتاج إليه من واجبات الفدية. قاله اللخمي ونقله المصنف المناسك ص: (أو نوى التكرار) ش: يعني أن من فعل شيئا من ممنوعات الاحرام ونوى أنه يفعله بعد ذلك ويكرره فإن الفدية تتحد في ذلك وإن تراخى الثاني عن الاول كأن يلبس لعذر وينوي أنه إذا زال العذر تجرد فإعاد إليه العذر عاد إلى اللبس أو يتداوى بدواء فيه طيب وينوي أنه كلما احتاج إلى الدواء به فعله ومحل النية من حين لبسه الاول. قاله سند: وهو يفهم من لفظ المدونة. وأما من لبس ثوبا ثم نزعه ليلبس غيره أو نزعه عند النوم ليلبسه إذا استيقظ فقال: هذا فعل واحد متصل في العرف ولا يضر تفرقته في الحس. وقد صرح في المدونة بأن في ذلك فدية واحدة. ص: (أو قدم الثوب على السراويل) ش: قافي التوضيح والمناسك: وينبغي أن يقيد بما إذا كان السراويل لا يفضل عن الثوب وأما إذا نزل فتعدد الفدية لانه انتفع ثانيا بغير ما انتفع به أولا، وقد أشار إليه اللخمي في مسألة القلنسوة والعمامة. وقال ابن فرحون أيضا: من قال في مسألة العمامة وهذا إذا كانت العمامة تستر ما سترت القلنسوة كما تقدم في القميص، وجزم به في الشامل فقال فيها تتحد فيه الفدية كتقدم قميص على سراويل لم يفضل عنه، وإن عكس ففديتان، وإن لبس قلنسوة ثم عمامة أو بالعكس ففدية واحدة إن لم تفضل إحداهما الاخرى. قلت: وهذا ظاهر إذا كان السراويل أطول من القميص طولا يحصل به انتفاع، وأما إذا كان أطول منه بيسير لا يحصل منه انتفاع فالظاهر عدم التعدد والله أعلم. ص: (وشرطها في اللبس انتفاع من حر أو برد) ش: أعلم أن موجبات الفدية يشترط فيها أن يحصل للمحرم بها انتفاع لكن منها مالا يقع الانتفاع به كحلق الشعر والطيب فهذا تجب الفدية فيه من غير

[ 240 ]

تفصيل، ومنه ما لا ينتفع به إلا بعد طول كاللباس فلا تجب الفدية فيه إلا بانتفاع المحرم من حر أو برد - زاد ابن الحاجب - أو طول كاليوم. ونقله ابن عرفة عن ابن أبي زيد رواية. قال ابن عبد السلام: الموجب على الحقيقة في الجميع حصول المنفعة. قلت: ولم يقل المصنف أو طول كاليوم لان الطول المذكور مظنة حصول الانتفاع من حر أو برد بل لا يكاد ينفك من ذلك غالبا فهو داخل في كلامه. تنبيه: فلو لبس ولم ينتفع من حر أو برد قريبا من اليوم فلا فدية عليه. قال ابن فرحون في قول ابن الحاجب: فلو نزع مكانه فلا فدية هذا تكرار لانه معلوم من قوله: أو دام كاليوم لان مقتضاه أن ما دون اليوم يسير فمن باب أولى إذا نزعه مكانه انتهى. قلت: ولاشك أن ما قارب اليوم كاليوم لقولهم كاليوم والله أعلم. ص: (وفي صلاة قولان ش: قال في التوضيح: بناء على أنه هل يعد طولا أم لا. وقال في المناسك: واختلفوا إذا لبسه وصلى به صلاة، هل يفتدي لانه انتفع به في الصلاة، أو لا فدية عليه لعدم الطول ؟ وبذلك وجه اللخمي القولين. وقال في الطراز بعد ذكره القولين من رواية ابن القاسم عن مالك: فراعى مرة حصول المنفعة في الصلاة ونظر مرة إلى الترفه وهو لا يحصل إلا بالطول انتهى. وهذا هو التوجيه الظاهر لا ما ذكره في التوضيح إذ ليس ذلك بطول كما تقدم. وذكر في الطراز عن ابن القاسم أنه قال بعد قوله: قال مالك: يفتدي وما هو بالبين. ففيه ترجيح القول بعدم الفدية وهو الظاهر إذا لم يحصل له انتفاع من حر أو برد. ص: (ولم يأثم إن فعل لعذر) ش: يعني أن موجب الفدية لا يستلزم حصول الاثم وإنما هو لحصول المنفعة، لكن المنفعة ربما تقع مأذونا فيها كما في ذي العذر وربما تحرم كما في حق من لا عذر له والله أعلم. ص: (وهي نسك بشاة فأعلى) ش: ويشترط فيها من السن والسلامة من العيب ما يشترط في الاضحية. قال في كتاب الحج الثاني من المدونة: ولا

[ 241 ]

يجوز في جزاء الصيد والفدية ذوات العوار، ولا يجوز في الهدية إلا ما يجوز في الضحايا انتهى. تنبيه: قال البساطي: ولم يعلم من كلامه في المختصر هل الشاة أفضل كما في الضحايا أو الاعلى كما في الهدايا. قال بعضهم: الشاة أفضل إلا أن ينوي بها الهدي. انتهى من مناسك الشيخ أبي الحسن. ص: (كالكفارة) ش: فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولو افتدى من شئ قبل فعله لم يجزه. ص: (ولو أيام منى) ش: هذا مخالف لمفهوم قوله في باب الصيام: لا سابقيه إلا لمتمتع وما ذكره هنا عزاه الشارح وابن عرفة للمدونة والله أعلم. ص: (إلا أن ينوي بالذبح الهدي فكحكمه) ش: كذا في غالب النسخ بكسر الذال المعجمة بمعنى مذبوح كما في قوله تعالى: * (وفديناه بذبح عظيم) * وفي بعضها المذبح بضم الميم وسكون الذال المعجمة وفتح الباء الموحدة اسم مفعول من أذبح كمكرم من أكرم وليس بعربي إذ لا يقال: اذبح والله أعلم. وقوله: فكحكمه أي فيختص بزمان ومكان كالهدي لا في الاكل فلا يأكل منها ولو جعلت هديا. ويفهم ذلك من كلام المصنف الآتي فيما يؤكل منه من الهدايا وما لا يؤكل حيث قال: إلا نذرا لم يعين والفدية والجزاء بعد المحل، فعلم من هناك أن الكلام فيما جعل هديا لقوله بعد المحل. وقد صرح بذلك الجزولي في شرح الرسالة وغيره وأنه لا يأكل من الفدية ولو جعلت هديا والله أعلم. ص: (والجماع ومقدماته) ش: تصوره ظاهر.

[ 242 ]

فرع: نص في النوادر في باب الردة على أن لا المحرم إذا ارتد انفسخ إحرامه ولا يلزم قضاؤه، وانظر إذا أفسدثم ارتد هل يسقط القضاء أم لا. ص: (وأفسد مطلقا) ش: قال في الجواهر: ويستوي في الافساد الجماع في الفرج أو المحل المكروه في الرجال والنساء كان معه إنزال أم لا انتهى. ويريد المؤلف أيضا عمدا أو نسيانا كما قال ابن الحاجب وغيره، أو جهلا كما قاله اللخمي وغيره والله أعلم. ص: (وإن بنظر) ش: لو قال: ولو نظر لكان أولى ليشير إلى قول أشهب وإنما عليه الهدي. وقال ابن عرفة: والانزال بقصد كالوطئ والاحتلام لغو انتهى. وقال في المدونة: وإذا أدام المحرم التذكر للذة حتى أنزل أو عبث بذكره حتى أنزل أو كان راكبا فهزته الدابة فاستدام ذلك حتى أنزل أو لمس أو قبل أو باشر فأنزل أو أدام النظر حتى أنزل فسد حجه، وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعله شرار النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت انتهى. فائدة: قال في التوضيح: قال ابن بشير: وقد أخذ المتأخرون من هذا أن الاستمناء باليد حرام لقوله: شرار النساء واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون) * الآية انتهى. وانظر هذا الاخذ مع قوله: أو عبث بذكره ولم يقل شرار الرجال فتأمله. ولا شك في حرمة ذلك والله أعلم. ص: (قبل الوقوف مطلقا) ش: أي سواء وقع قبل طواف القدوم والسعي أو بعدهما أو بينهما ولا يفصل في ذلك كما يفصل فيما بعد الوقوف بين أن يقع قبل طواف الافاضة ورمي جمرة العقبة أو بعدهما أو أحدهما. ولما كان الطواف القدوم والسعي بعده شبيهين برمي جمرة العقبة وطواف الافاضة في كون كل واحد من القسمين ركنا وواجبا ويفصل في الثاني دون الاول حسنت الاشارة إلى ذلك بالاطلاق والله أعلم. ص: (أو قبله) ش: لا بد من هذه اللفظة لئلا يتوهم اختصاص الفساد بيوم النحر والله

[ 243 ]

أعلم. ص: (كإنزال ابتداء) ش: هو كقوله في المدونة إن نظر المحرم فأنزل ولم يتابع النظر ولا أدامه فعليه لذلك الدم وحجه تام انتهى. قال ابن عرفة: وناقضه اللخمي بقوله في الصوم: من نظر أو تذكر ولم يدم فأنزل فعليه القضاء فقط، وإن أدام فهو والكفارة إلا أن يحمل على استحباب القضاء. قلت: يفرق بيسير الصوم انتهى. واعلم أن ما فرق به ابن عرفة هو في كلام اللخمي ونصه: إلا أن يحمل قوله في قضاء الصوم على الاستحباب ليسارة قضاء الصوم انتهى. وقال أيضا قبل هذا اللخمي: اتفق ابن القاسم وأشهب على عدم فساد إنزال الفكر والنظر غير متكررين. قلت: عزاه ابن حارث لاتفاق كل المذهب. الباجي: رواه ابن القاسم. ابن ميسر: عليه الهدي. الباجي: معناه جريه على قلبه من غير قصد انتهى. وخرج اللخمي على ما اتفق عليه ابن القاسم وأشهب من عدم إفساد إنزال الفكر والنظر غير المتكررين لغو إنزال قبله وغمز من عادته عدم الانزال عنهما. قال ابن عرفة: ويردبأن الفعل أقوى انتهى. وقد سبقه إلى رد تخريج اللخمي القاضي سند فقال: وهذا تخريج فاسد، والفرق أن النظر قد يقع فجأة وكذلك الفكر وتغلب القوة في الانزال فعفي عنه، أما القبلة فلا تقع إلا عن اختيار وليس في تجنبها كبير مشقة ولم يبق إلا أنه قبل ولم يقصد أن ينزل وما يفسد الحج لا يقف على قصد إفساده انتهى. ص: (وإمذائه وقبلته) ش: فهم من قوله أولا والجماع ومقدماته أن مقدم ات الجماع محرمة كلها وهو كذلك، ويفهم من كلام ابن عبد السلام نفي الخلاف في ذلك. ثم بين

[ 244 ]

المصنف أن المذي يوجب الهدي وأن القبلة توجب الهدي وإن لم يحصل عنها مذي لعطفه القبلة على المذي وسكت عما عدا القبلة فيفهم منه أنه لا شئ فيه إذا لم يكن عنها مذي، وإنما فيها الاثم وهو كذلك يريد إلا الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة ففي ذلك الهدي لان ذلك أشد من القبلة. فإن الذي يتحصل من كلام ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح والقابسي في تصحيح ابن الحاجب أن يعرى وجوب الهدي في القبلة من الخلاف لانها لا تفعل إلا للذة فهي مظنتها، والتعليل بالمظنة لا يختلف وأن محل الخلاف ما عداها من ملامسة خفيفة ومباشرة خفيفة وغمز ونظر وكلام وفكر إذا حصل عن ذلك مذي، وإن أظهر القولين وأرجحهما وجوب الهدي حينئذ، وأما إن لم يحصل مذي فلا هدي عليه وقد غر وسلم. وأما الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة ففيها الهدي لانها مظنه للذة كالقبلة بل ذلك أشد ولا يكاد يتخلف عنه المذي غالبا والله أعلم. ولنذكر نصوصهم ليتضح ذلك. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وتكره مقدمات الجماع كالقبلة والمباشرة للذة والغمزة وشبهها المراد بالكراهة هنا التحريم. الباجي: وكل ما فيه نوع من الالتذاذ بالنساء فيمنع منه المحرم، ثم ما كان منه لا يفعل إلا للذة كالقبلة ففيه الهدي على كل حال، وما كان يفعل للذة وغيرها مثل لمس كفيها أو شئ من جسدها فما أتى من ذلك علوجه اللذة فممنوع، وما كان لغير لذة فمباح. انتهى بمعناه. ابن عبد السلام: ونجدهم يختلفون في القبلة هنا كما يختلفون في الصيام فليس أحد منهم يجيز القبلة في الاحرام لشيخ ولا لمتطوع. اه‍ كلام التوضيح بلفظه. وقال ابن عبد السلام: الاقر ب تحريمها يعني مقدمات الجماع لقوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق) * وهو يشمل جميع المقدمات حتى الكلام، ولا يبعد تأويل إطلاق الفقهاء الكراهة هنا وإرادة التحريم. ولا تجدهم يختلفون فيها كما اختلفوا في الصيام فليس أحد مهم يجيز القبلة في الاحرام لشيخ ولا لمتطوع انتهى. فالضمير في قول ابن عبد السلام: ولا تجدهم يختلفون فيها يرجع إلى جميع المقدمات الجماع، وجعل المصنف كلامه في القبلة فقط وليس بظاهر، بل حكم الجميع سواء. ثم قال ابن الحاجب: وفي وجوب الهدي قال في التوضيح: قد تقدم أن الباجي قال: يجب في القبلة الهدي عل كل حال. وكذلك قال ابن عبد البر في الكافي. ومن قبل أو باشر فلم ينزل فعليه دم وتجزئة شاة اه‍. وينبغي أن يقال: إن أمذى فعليه الهدي وإلا فلا. ويحتمل أن تعرى القبلة من الخلاف ويكون الخلاف فيما عداها، ويكون محل الخلاف إذا أمذى، وأما إن لم يحصل مذي فقد غر وسلم فانظر ذلك. ثم قال ابن الحاجب: وروي من قبل فليهد فإن التذ بغيره فأحب إلي أن يذبح. قال في التوضيح: قوله:

[ 245 ]

روي أي في الموازية وهو ظاهر التصور ولا شك عليها أي على هذه الرواية أن الملاعبة ونحوها أشد من القبلة انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قوله: فإن التذ بغيره يريد مما هو دون القبلة في تهييج الشهوة ولا يدخل في ذلك المباشرة وطول الملاعبة وما في معناهما، بل يدخل حكمهما في حكم القبلة من باب أولى وذلك معلوم ضرورة انتهى. وقال القابسي في تصحيح ابن الحاجب: قوله: وفي وجوب الهدي مطلقا أما القبلة فنص ابن عبد البر والباجي فيها على وجوب الهدي مطلقا، وأما غيرها من مقدمات الجماع فإن أمذى معه وجب الهدي وإلا فلا، وعليه اقتصر خليل. وفي الجلاب: إن أمذى فليهد وإن لم يمذ فيستحب الهدي انتهى. وقال ابن فرحون لما ذكر قول الباجي: كلما لا يفعل إلا للذة كالقبلة ففيه الهدي قولان. مذهب المدونة وجوب الهدي على كل حال يعني سواء التذ أو لا انتهى. تنبيه: المراد بالقبلة القبلة على الفم وأما على الجسد فحكمها حكم الملامسة كما يفهم ذلك من الكلام في نواقض الوضوء، والمراد أيضا ما لم يحصل صارف كوداع أو رحمة كما قالوا هناك فتأمله والله أعلم. ص: (ولم يقع قضاؤه إلا في ثالثة) ش: هذا إن لم يطلع عليه حتى فات الوقوف في العام الثاني، وأما إن اطلع عليه قبل ذلك فيؤمر أن يتحلل من إحرامه الاول الفاسد بأفعال العمرة ولو دخلت أشهر الحج ويقضيه في العام الثاني والله أعلم. ص: (وفورية القضاء وإن تطوعا) ش: ظاهر كلام المصنف في التوضيح وابن عبد السلام أن من

[ 246 ]

أحرم بتطوع قبل فرضه ثم أفسده أنه يقضي الفاسد قبل حجة الاسلام. ص: (وعمرة إن وقع قبل ركعتي الطواف) ش: مفهومه أنه إذا وقع بعد ركعتي الطواف لا تجب العمرة وهو كذلك إذا كان قد قدم السعي قبل الوقوف، وأما من لم يقدم السعي فتجب عليه العمرة إذا وقع قبل تمام السعي والله أعلم. تنبيه: وهذ العمرة ليست بخارجة في الحكم عن إحرام الحج ولذلك قال مالك: إن طلقت فبانت وتزوج كل واحد منهما قبل أن يعتمر فنكاحها فاسد، وكذلك إن تزوجها هو بعد انقضاء عدتها قاله سند، واستشكله بأنها لو نكحت بعد إتمام الفاسد وقبل القضاء صح نكاحها، والمسألة في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الحج. وقد استشكلها ابن رشد أيضا، ووجه إشكالها ظاهر. وانظر إذا أراد أن يحرم بحج قبل أن يأتي بهذه العمرة هل يصح إحرامه أم لا والله أعلم. ص: (وإحجاج مكرهته وإن نكحت غيره) ش: قال ابن عبد السلام: وكذلك لو أكره أجنبية لانه من باب الغرامة، ولا شك إن طاوعته بأن ذلك عليها، وقوله: مكرهته تخرج الطائعة وهو كذلك وظاهره ولو كانت أمة وقد نقل في

[ 247 ]

التوضيح وغيره عن الموازية والعتبية أن طوعها كالاكراه. ص: (وفارق من أفسد معه من إحرامه لتحلله) ش: جرى رحمه الله على غالب عادته من أنه إذا كان في المسألة احتمالات يأتي بلفظ يقبل كل واحد منها وعبارته نحو عبارة المدونة ونصها: قال ابن القاسم: ومن جامع زوجته في الحج فليفترقا إذا أحرما بحجمة القضاء فلا يجتمعان حتى يحلا اه‍. وقد اختلف في التفريق هل هو على الوجوب أو على الاستحباب، فقال ابن الجلاب وابن القصار: همستحب وفي آخر كلام الطراز ميل إليه. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وإذا قضى فارق الخ. يريد إذا قضى الفاسد فإنه يجب عليه أن يفارق زوجته أو أمته التي كان إفساده للحجة المتقدمة معها. ثم قال: وظاهر إطلاقات المذهب أن ذلك على الوجوب وهو أسعد بالاثر. وقال ابن القصار: مستحب، وفرق اللخمي بين الجاهل فيستحب والعالم فيجب انتهى. ونحوه في التوضيح. وقال ابن بشير: ظاهر الكتاب الوجوب. وقال ابن فرحون: ظاهر المذهب الوجوب، ظاهر قول المصنف من أفسد معه أن هذا الحكم خاص بتلك المرأة، ونحوه لابن الحاجب. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب المتقدم مثله في المدونة وهو يدل على اختصاص هذا الحكم بتلك المرأة، وقال اللخمي: لا فرق بين تلك المرأة وغيرها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وهل غيرها من النساء كهي قولان مشهوران انتهى. وقوله: بتحلله قال في التوضيح: أي طواف الافاضة انتهى. وهذا في حق من قدم السعي، وأما من لم يقدمه فلا يتحلل إلا بإتمام السعي. وقول المصنف: من إحرامه لتحلله ظاهر سواء كان ذلك في حج أو عمرة وهو كذلك نص عليه في الكافي وابن فرحون وغيرهما. وقال ابن فرحون: التحلل في العمرة الحلاق والله أعلم. فرع: الظاهر أنهما لا يؤمران بالافتراق في بقية حجهما المفسد، وفي كلام القاضي سند ما يدل له لانه لما علل كونه غير واجب قال: ولو أثر تحريما لكان أولى في الحجة الاولى انتهى. وقد ذكر ابن رشد في شرح هذه المسألة من سماع أشهب من كتاب الحج أن بعض أهل العلم يقول: يفرق بينهما إلى عام قابل. انتهى ونقله في التوضيح ص: (بخلاف ميقات إن شرع وإن تعداه فدم) ش: اختصار عجيب جمع فيه عدة من مسائل ويعني أن مكان الاحرام المفسد

[ 248 ]

يراعى في الاحرام بالقضاء إن كان مشروعا، وليس مراده بالميقات الشرعي بدليل قوله: إن شرع. وأفاد بذلك أنه إذا أحرم بالفاسد من الميقات الشرعي لم يجز له أن يتعداه في حجة القضاء، وأنه إن أحرم بالمفسد قبل الميقات الشرعي لم يلزمه ذلك في القضاء، وإن أحرم بالمفسد بعد الميقات الشرعي فلا يخلو أن يكون تجاوزه بوجه جائز أولا. فإن تجاوزه بوجه جائز جاز له أن يحرم بالقضاء من ذلك الموضع، وأما إن تجاوزه بوجه غير جائز فلا يجاوزه ثانيا، وقاله في التوضيح. وقوله: وإن تعداه فدم الذي يظهر من كلامهم أنه إذا أحرم بالمفسد من الميقات ثم أحرم بالقضاء من دونه فعليه الهدي ولو تعداه بوجه جائز كما لو أقام بعد كمال المفسد بمكة إلى قابل وأحرم منها بالقضاء. قال ابن فرحون في مناسكه: فإن لم يحرم من الميقات المكاني مثل أن يقيم بمكة حتى يحج منها فعليه الدم. وكذلك لو مر على الميقات الذي أحرم منه أولا فتعداه فعليه دم انتهى. ص: (وأجزأ تمتع عن إفراد) ش: فهم من قوله: أجزأ أن المطلوب أولا خلاف ذلك وهو كذلك. قال ابن الحاجب: ويراعى صفته من إفراد وتمتع وقران. قال ابن عبد السلام: يعني أن الواجب كون القضاء بصفة الاداء حتى يكونا معا إفرادا أو تمتعا أو قرانا، ولا ينبغي أن يخالف بين صفة الاداء والقضاء وعلى هذا إطلاقات المتقدمين. ص: (وحرم به) ش: أي بالحرم والمعتبر فيه وقت الرمي، فلو رمى على صيد وهو

[ 249 ]

حلال ثم أحرم قبل وصول الرمية إليه فأصابته الرمية بعد إحرامه فعليه جزاؤه. نقله ابن عرفة والمصنف في التوضيح في باب الديات. ص: (من نحو المدينة أربعة أيام أو خمسة للتنعيم) ش: زاد في مناسكه: وذكر النووي أنه ثلاثة انتهى. وقول الشيخ ابن غازي هذا التحديد في النوادر ونقله عن المدونة وهو وهم أو تصحيف كأنه يعرض بالشيخ في توضيحه وليس كذلك، وإنما أراد الشيخ بقوله هو لمالك في المدونة قول ابن الحاجب بلغني أن عمر رضي الله عنه جدد معالم الحرم بعد الكشف بدليل قول الشيخ. وقوله يعني ابن الحاجب وحد الحرم هو كذلك في النوادر والله أعلم. ص: (ومن العراق ثمانية للمقطع) ش: قال في مناسكه: وذكر النووي أنه سبعة أميال على ثنية جبل بالمقطع انتهى. ص: (ومن جدة عشرة لآخر الحديبية) ش: سماه التادلي منقطع الاعشاش جمع عش. والحديبية بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وفتح الباء وتخفيفها بالتخفيف ضبطها الشافعي، وبالتشديد ضبطها أكثر المحدثين. وزاد المصنف في مناسكه حدين آخرين: أحدهما مما يلي اليمن سبعة أميال إلى موضع يقال له أضاة بفتح الهمزة والضاد المعجمة على وزن قناة. وقال التادلي: أضاة لبن بكسر اللام وسكون الباء في تثنية لبن والحد الثاني قال المصنف: من طريق الجعرانة تسعة أميال وسماه التادلي شعب أبي عبد الله بن خالد والله أعلم. ص: (ويقف سيل الحل دونه) ش: كذا نقل في النوادر عن ابن القاسم، وكذا ذكر الازرقي في تاريخه مكة. قال الابي: موضع واحد عند التنعيم عند بيوت بدار. وقال الفاسي: وكلام الفاكهاني في تاريخه أنه يدخل من عدة مواضع. ورأيت في تاريخ الشيخ سراج الدين عمر بن فهر من أهل المائة التاسعة في ترجمة الشيخ شمس الدين محمد بن عزم ومما أنشدنيه من نظمه: إن رمت للحرم المكي معرفة فاسمع وكن واعيا قولي وما أصف واعلم بأن سيول الحل قاطبة إذا جرت نحوه فدونه تقف

[ 250 ]

انتهى والله أعلم. ص: (أو طير) ش: قال ابن فرحون في الالغاز: قال مالك: لا يقتل المحرم الطير الذيكون في البحر إذا كان يخرج إلى البر ولا يعيش إلا في البحر جاز صيده لانه من طيور البحر انتهى والله أعلم. ص: (وجزؤه) ش: كذا في غالب النسخ بالزاي والهمزة وهو نحو قوله في المناسك: ويحرم التعرض لابعاض الصيد وبيضه انتهى. فحمل قوله: تعرض لبري على أن المراد التعرض لنفسه. فرع: وأما لبن الصيد فقال سند: إن وجده محلوبا فلا شئ عليه فيه كما يجد من لحم الصيد قد ذكي، ولا يجوز للمحرم أن يحلبه لان المحرم لا يمسك الصيد ولا يؤذيه، فإن حلبه فلا ضمان عليه ولا يشبه البيض، وقال أبو حنيفة: إن نقص الصيد لذلك يضمن ما نقصه، وإن لم ينقصه لم يضمن. وهذا يجري على قول في المذهب في جرح الصيد إذا نقصه. وقال الشافعي: يضمن اللبن بقيمته واعتبره بالبيض. ودليلنا أن ذلك ليس من أجزاء الصيد ولا يكون منه صيد فلا وجه لتعلق الضمان بحكم الصيد انتهى والله أعلم. ص: (وليرسله بيده أو رفقته) ش: يصح أن يكون بيده في موضع الحال من الهاء في يرسله ش: أي ليرسله كائنا بيده أو رفقته، ويصح أن يكون خبر كان المحذوفة. والمعنى وليرسله إن كان بيده سواء كان في قفص أو غيره أو في رفقته. قال في التوضيح: وإن لم يفعل وتلف فعليه جزاؤه. مسألة: فإن قيل: لم أوجبوا على المحرم إذا أحرم وبيد صيد أن يرسله ولم يقل أحد بأنه يطلق زوجته مع أن الاحرام مانع من الاصطياد وعقد النكاح ؟ فالجواب والله أعلم أن الاحرام مانع من الاصطياد لذاته، وأما عقد لنكاح فإنما منع لكونه وسيلة إلى الوطئ، فبقاء يد المحرم على الصيد فعل في الصيد فأشبه الاصطياد. ألا ترى أنه لو كان الصيد في بيته لم يزل ملكه على المصيد، وأما الوطئ الذي هو المقصود بالذات فقد منع منه المحرم، وأما إمساك الزوجة فليس في معنى تجديد العقد عليها فليتأمل. وزال ملكه عنه. هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وفرع في التوضيح على زوال ملكه عن الصيد بالاحرام على المشهور فقال: لو أفلته أحد منه لا تلزمه قيمته، ولو أفلته صاحبه وأخذه غيره قبل أن يلحق بالوحش وبقي بيده أخذه حتى حل صاحبه من إحرامه كان لآخذه، ولو أبقاه صاحبه بيده حتى حل لزمه إرساله، ولو ذبحه بعد إحلاله لزمه جزاؤه انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (لا ببيته وهل إن أحرم منه تأويلان) ش: التأويلان سواء أحرم ببيته أو

[ 251 ]

كان يمر ببيته كما قاله في الطراز. ص: (فلا يستجد ملكه) ش: قال في التوضيح: قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم قبوله بعد إحرامه ولا شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه انتهى، فإن قبله فلا يرده. قال في التوضيح: ذكر ابن راشد أنه لا يجوز للمحرم قبول الصيد. الباجي: ومن أهدي له صيد في حال إحرامه فقبله لم يكن له رده على قياس المذهب أنه قد ملكه بالقبول، - على قول ابن القصار - وقد خرج عن ملك الواهب، وإن لم يدخل في ملك الموهوب له - على مذهب القاضي أبي إسحاق فليس له أن يرده على واهبه إن كان حلالا انتهى. وقال في الطراز: وإنما رد النبي (ص) الصيد لانه لم يقبله ولم يقع له عليه يد، أما من قبله فليرسله ولا يسل عليه ربه انتهى. تنبيه: ما تقدم من أنه لا يستجد ملكه هذا إذا كان الصيد حاضر معه، وأما إن كان الصيد غائبا عنه فيجوز له استجداد ملكه. قال سند: ويحرم ابتياع الصيد بحضرته وقبول هبته وقال اللخمي: إنما ورد النهي عن قتل الصيد بالاصطياد وأن يستأنف فيه ملكا وهو معه لئلا يكون خائفا منه، وما كان في بيتفخارج عن ذلك ويجوز له أن يشتري وهو محرم بمكة صيدا بمدينة أخرى ويقبل هديته انتهى ونقله التادلي. ص: (ولا يستودعه) ش: الاقرب أن يكون فعلا مطاوعا مبنيا للفاعل مبدوءا بياء الغائب مجزوما بلا الناهية فإنها تدخل على المضارع كان لمخاطب أو غائب أو متكلم. ذكره ابن هشام في المغني وغيره. والضمير المستتر في الفعل يعود على المحرم المفهوم من السياق، والضمير المتصل - أعني الهاء - يعود على الصيد، ويكون المعنى لا يستودع المحرم الصيد ويسميه أهل التصريف نهي الغائب نحو قوله تعالى * (لا يتخذ المؤمنون) * الآية. فرع: قال في التوضيح: فإن قبله وجب عليه إطلاقه وغرم لربه قيمته انتهى. ونقله الشارح وابن غازي، وظاهره أنه إذا قبله لا يجوز له أن يرده إلى ربه ويجب عليه إرساله ولو كان ربه حاضرا أو غائبا ووجد من يحفظه عنده وليس كذلك. قال في الطراز: ولا يجوز للمحرم أن يأخذ صيدا وديعة فإن فعل رده إلى ربه، فإن غاب قال في الموازية: عليه أن يطلقه

[ 252 ]

ويضمن قيمته لربه. ومعناه إذا لم يجد من يحفظه عنده ولو وجد لم يرسله انتهى. ونقل ابن عرفة عن اللخمي نحوه. فرع: قال في الطراز: فلو وجدربه كان محرما فأبى أن يأخذه منه فليرسله بحضرته ولا يضمن بخلاف ما إذا أرسله بغيبته فإنه يضمن لان الاحرام لا يزيل ملك ما غاب من الصيد انتهى. فرع: وفي كتاب محمد: إن أودع حلال حلالا صيدا بالحل ثم أحرم ربه فإن كانا رفيقين أرسله وإن لم يكونا في رحل واحد فكما خلفه في بيته. ص: ورد أن وجد مودعه وإلا بقي) ش: ليس هذا مفرعا على ما قبله بل هو فرع مستقل وهو من كان عنده صيد مودع قبل إحرامه فأحرى وهو عنده فإنه يرده على ربه إن وجده وإلا أبقاه حتى يقدم عليه صاحبه كما نبه عليه ابن غازي. ومعناه ورد الصيد المودع قبل الاحرام وإن وجده مودعه يعني الذي أودعه وإلا، أي وإن لم يوجد بقي أن أبقاه حتى يقدم صاحبه. قال التادلي عن القرافي: ومن أحرم وعنده صيد لغيره رده إلى ربه إن كان حاضرا. فإن كان ربه محرما قال ابن حبيب: يرسله ربه، فإن كان ربه غائبا قال مالك: إن أرسله يضمنه بل يودعه حلالا إن وجده وإلا بقي صحبته للضرورة، وإن مات في يده ضمنه لان المحرم يضمن الصيد باليد انتهى. وأصله لسند وزاد بعد قوله فإن كان ربه محرما قال ابن حبيب: يرسله ربه وإن كان حلالا جاز له حبسه والله أعلم. ص: (وفي صحة شرائه قولان) ش: فعلى الصحة عليه أن يرسله. قاله في التوضيح وغيره. قال في الطراز: ويضمن لبائعه قيمته دون ثمنه لان بائعه كان سببا في يد المحرم على الصيد وإرساله عليه فلم يبق له حق في عينه، وإنما حقه في ماليته والرجوع بقيمته. انتهى فتأمله. فإن الذي يظهر على الصحة لزوم الثمن والله أعلم. فرع: وعلى الصحة أيضا لو لم يرسله ورده إلى ربه فقال سند عن ابن حبيب: عليه جزاؤه انتهى. فرع: ولو ابتاعه بالخيار وهما حلالان ثم أحرما بعد عقد البيع وقبل انقضاء أمد الخيار فقال سند: البيع وقع على الصحة. وينظر فإن اختار المبتاع البيع غرم الثمن وأطلق الصيد، وإن رد البيع فلا ثمن عليه ويطلق على البائع. قال مالك في العتبية في المحلين يتبايعان صيدا ويشترط البائع الخيار ثم يحرمان مكانهما ويوقف البائع: فإن لم يختر فهو منه ويسرحه، وإن أمضى البيع فهو من المبتاع ويسرحه. قال: ولو سرحه المبتاع قبل اتفاق الآخر ضمن قيمته يريد

[ 253 ]

لانه أتلفه وهوفي ملك البائع ولم يضمن البيع بعد انتهى. ص: (إلا الفأرة الخ) ش: الفأر بهمزة ساكنة. قال في النهاية: وقد يترك همزها. والحدأة على وزن عنبة. قاله في الصحاح. تنبيه: أما قتل هذه الاشياء بنية الذكاة فظاهر كلام الفاكهاني أنه لا يجوز قتلها بنية الذكاة ونصه: واعتبر مالك في ذلك الايذاء فكل مؤذ يجوز عندنا للمحرم قتله بغير معنى الصيد. ثم قال: قال العبدي: وجملة ما يجوز للمحرم قتله وفي الحرم أيضا ثلاثة عشر شيئا: ستة تذبح للاكل، وسبعة تقتل للضرورة ودفع أذاها. فأما ما يذبح للاكل فبهيمة الانعام الثلاثة: الابل والبقر والغنم. وثلاثة من الطير: البط والاوز والدجاج. وأما لدفع الضرر فثلاث هوائية وهي: الغراب والحدأة والزنبور على خلاف في الزنبور. وثلاثة ترابية: العقرب والحية والفأرة. وواحد من الوجهين وهو الكلب العقور انتهى. وصرح سند بعدم جواز قتلها بنية الذكاة للمحرم ونصه: قال القاضي عبد الوهاب: له قتل الكلب العقور والحية والفأرة بغير معنى الصيد. فراعى قصده في القتل فإن قتله على وجه استباحة صيده كان ممنوعا. وظاهر كلامه أن فيه الفدية وإن قتله لدفع إذايته فهو المأذون فيه. وقوله بين فإنه إذا لم يحرم أكله فهو صيد تؤثر فيه الذكاة ويطهر جلده والمحرم ممنوع من ذكاة الصيد ومن قتله انتهى. فائدة: ورد في بعض الاحاديث الغراب الابقع وهو الذي فيه سواد وبياض، والبقع في الطير والكلاب بمنزلة البلق في الدواب. قاله في الصحاح. ص: (إن كبر) ش: قيد في عادي السبع كما قال ابن غازي. ومفهومه أن صغار السباع لا تقتل وهو مذهب المدونة، فإن قتلها فلا جزاء على المشهور. وقال المصنف في مناسكه: ولا تقتل صغار السباع على المشهور لكنه إن فعل فلا جزاء على المشهور انتهى. فيحمل المنبع على الكراهة، وبذلك صرح في الطراز

[ 254 ]

فقال: رأى ابن القاسم إن هذا مما يكره ولا يحرم لانه من جنس ما يضر ويباح قتله، وإنما كره للمحرم قتله لعدم إذايته في حقه، ونظيره المحارب يجوز قتله إذا كان كبيرا ولا يقتل الصغير ثم لا ضمان في قتل كبير منهما ولا صغير اعتبارا بالمريض من كبار السباع. ونقل الفاكهاني في شرح الرسالة عن القاضي عبد الوها ب إن قتل صغار السباع مكروه ولا جزاء فيه انتهى. ص: (والجزاء بقتله وإن بمخمصة) ش: لما ذكر رحمه الله أن التعرض للحيوان البري بأي وجه من وجوه التعرض يحرم بالاحرام والحرم شرع يبين ما يكون من وجوه التعرض موجبا للجزاء وما لا يكون موجبا له فقال: والجزاء بقتله أي أن الجزاء يترتب على المحرم بسبب قتله للصيد

[ 255 ]

، وهذا لا إشكال فيه وذكره توطئة لما بعده وهو قوله: وإن بمخمصة وما بعده وقوله وطرده من حرم ورمي منه أو له وتعريضه للتلف. ص: (أو قصر في ربطه) ش: سواء في ذلك المحرم في الحل والحلال في الحرم. قاله في الطراز. ص: (أو أرسل بقربه فقتل خارجه) ش: اعلم أنه اختلف هل يجوز الاصطياد قرب الحرم أم لا. قال في الطراز: قال أشهب: ليس له حكم الحرم. وروي ذلك عن مالك وابن القاسم قال مالك: والاصطياد فيه مباح إذا سلم من القتل في الحرم. وفي الواضحة: إن ما قتل من الصيد قريبا من الحرم يسكن بسكونه ويتحرك بتحريكه فعليه جزاؤه انتهى. وانظر ما ذكره عن مالك من أنه مباح مع قوله في التوضيح لما ذكر أن المشهور أنه لا جزاء فيما صيد قرب الحرم قال: وعلى المشهور فهو ممنوع ابتداء إما منعا أو كراهة بحسب فهم قوله عليه السلام: كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه انتهى. والظاهر الكراهة والله أعلم. فمن أرسل على صيد قرب الحرم فأدخله الحرم وقتله فيه فلا خلاف أن عليه الجزاء، وكذلك إذا أدخله الحرم ثم أخرجه منه وقتله خارجه. فإن قتله بقرب الحرم قبل أن يدخله فقال مالك وابن القاسم: لا جزاء عليه. قال أبو إسحاق التونسي: ويؤكل. قال ابن عبد الحكم: عليه الجزاء. قال ابن عرفة: ولو أرسل كلبه على قريب من الحرم فقتله به أو بعد إخراجه منه وداه وبقربه قولان، والمتبادر من كلام المصنف الصورة الاخيرة التي فيها قولان، لكن القول بوجوب الجزاء ضعيف وهو خلاف مذهب المدونة فلا يحمل كلامه عليه، وإنما مرادأنه أدخله الحرم ثم أخرجه منه وقتله خارجه وأحرى إذا قتله فيه والله أعلم. ومفهوم قول المصنف: أرسل بقربه أنه لو أرسل على بعد من الحرم فإنه لا جزاء عليه، ولو قتله في الحرم أو بعد أن أخرجه منه وهو كذلك. قال في المدونة: وإن أرسل بازه أو كلبه على صيد في بعد من الحرم فقتل الصيد في الحرم أو أدخله في الحرم ثم أخرجه منه فقتله في الحل فلا يؤكل ولا جزاء عليه لانه لم يغرر بالارسال انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن عرفة: ولو أرسله على بعيد من الحرم فقتله قرب الحرم قبل أن يدخله فلا جزاء، وفي أكله قولان لظاهرها ونقل اللخمي انتهى بالمعنى. الثاني: قال أبو إبراهيم: لو جرى الصيد من الحل فأدخله الحرم ثم خلى عنه حتى خرج الصيد من غير أن يخرجه ثم اتبعه فينبغي أن يؤكل كمسألة العصير يصير خمرا ثم يتخلل.

[ 256 ]

الثالث: قال سند: لو أرسله على صيد قرب الحرم فعدل عنه إلى غيره في الحرم فعليه جزاؤه لانه غرر كما في السهم، وكما لو أرسل على ذئب في الحرم فعدل إلى ظبي انتهى. الرابع: قال في التوضيح: والبعد ما يغلب على ظنه أن الكلب يدركه قبل ذلك أو يرجع عنه. قال في الطراز عن ابن الماجشون: البعد ما لا يتحرك الصيد فيه بحركة في ذلك الموضع. وعند ابن القاسم ما لا يظن أن الكلب يلجئ الصيد إليه، وأنه إما أن يدركه قبل ذلك أو يرجع عنه. ص: (وطرده من حرم) ش: لا إشكال في حرمة ذلك فإن فعل ثم عاد الصيد إلى الحرم فلا جزاء عليه وإن صاده صائد في الحل فعلى من نفره جزاؤه لانه السبب في إتلافه وهو كمحرم صاد صيدا في أرض غير مسبعة ثم أرسله في أرض مسبعة فأخذته السباع. قال في الطراز: وإن لم يتيقن تلفه فإن كان في موضع ممتنع ليتحقق منعته فيه فلا جزاء عليه، وإن لم يكن في ذلك متيقنا فعليه جزاؤه انتهى. فرع: وأما طرد الصيد عن طعامه أو رحله فلا بأس به إلا أنه إن هلك بسبب طرده فعليه الجزاء. قال ابن فرحون: ولا بأس أن يطرد طير مكة عن طعامه ورحله. قال ابن حبيب: وحكاه عن مجاهد وعطاء وفي البيان في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من الحج في شرح المسألة الثالثة، ذكر عن عمر رضي الله عنه على جهة الاحتجاج به على أن تعريض الصيد يوجب الجزاء أنه دخل دار الندوة بمكة فوضع ثيابه على شئ واقف يجعل عليه الثياب قال: فوقعت عليه حمامة فخفت أن تؤذي ثيابي فأطرتها فوقعت على هذا الواقف الآخر فخرجت حية فأكلتها، فخشيت أن اطآري إياها سببا لحتفها فقال لعثمان ونافع بن الحارث: احكما علي. فقال أحدهما لصاحبه: ما تقول في عنز ثنية عفر، أتحكم بها على أمير المؤمنين ؟ فقال له صاحبه: نعم فحكما عليه انتهى. ص: (ورمي منه) ش: أي من الحرم. قال في الطراز: وهذا بخلاف ما لو رأى صيدا في الحل وهو في الحرم فعدا إليه من الحرم، وذلك لان الارسال يكون بدل الذكاة، وعنده يشترط التسمية حتى لو قتله أكله فكان بدء الاصطياد مستندا إلى خروج السهم والكلب وقد ابتدأه في الحرم. وأما الذي عدا خلف الصيد فإنه يبتدئ الاصطياد من حيث يأخذه ويضر به، وعند ذلك يشترط التسمية. وذلك إنما وقع في الحل فلا اعتبار بما قبله، وإنما نظيره أن يرى الصيد في الحل فيقصد إليه بكلبه ولا يرسله بيده

[ 257 ]

حتى يفارق الحرم والله أعلم. ص: (وتعريضه للتلف) ش: يريد ولم تتحقق سلامته قيد في المسألتين. قال في التلقين: ويلزم الجزاء بقتله وبتعريضه للقتل إن لم تتيقن سلامته مما عرض له انتهى. فقول المصنف: ولم يتحقق سلامته قيد في المسألتين والله أعلم. ص: (وبإرسال للسبع) ش: يعني أن المحرم إذا أرسل كلبه على سبع فأصاب صيدا أو أرسل الحلال كلبه في الحرم على سبع فأصاب صيدا، فإن المشهور وجوب الجزاء في المسألتين، سواء فعل ذلك الحلال في الحرم أو المحرم في الحل. أما الاولى فهي مسألة المدونة قال فيها: وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيدا فعليه الجزاء، وأما الثانية فنص عليها في الجواهر وهو المفهوم من كلام ابن بشير وابن الحاجب وغيرهما. وظاهر كلام اللخمي أنه يتفق على عدم الجزاء في الثانية فإنه ذكرها في معرض الاحتجاج بها على سقوطه في الاولى ونصه. ولو لزم من أرسل على ذئب في الحرم الجزاء للزم إذا أرسل المحرم على ذئب في الحل فأخذ صيدا إلا أنه غرر أيضا على قوله انتهى. وما قاله غير ظاهر، وقد صرح في المدونة بأن المحرم إذا انصب شركا للسباع فعطف فيه المصيد ففيه الجزاء وهظاهر والله أعلم. ص: (وبقتل غلام أمر بإفلاته فظن القتل) ش: قال في المدونة: وإن كان العبد محرما فعليه الجزاء أيضا ولا ينفعه خطؤه، ولو أمره بذبحه فأطاعه فذبحه كان عليهما جميعا الجزاء أبو الحسن: إن على كل واحد منهما جزاء انتهى. قال سند:

[ 258 ]

وما وجب على العبد فيما فعله من ذلك بأمر سيده فالجزاء على سيده في الهدي والاطعام، إن شاء أخرج عنه أو أمره بذلك من ماله أو بصوم العبد عن نفسه انتهى. تنبيه: قال أبو عمر إن ذكر في الكتاب: المحرم يأمر عبده بقتل الصيد فيعطيه إن عليهما الجزاء ولم يذكر إذا أكره عبده. والذي عندي أن السيد يؤدي عن عبده الجزاء وعليه هو أيضا عن نفسه الجزاء. الشيخ: انظر ما ذكره من التفريق بين الطوع والاكراه خلاف ما تقدم أن طوع الامة كالاكراه انتهى. ومفهوم هذا الكلام أن بين الطوع والاكراه فرقا ولم يظهر لي، وما قاله سند في كلامه المتقدم في صفة الاحرام فيما وجب على العبد من الجزاء لانه أطاع سيده يجري أيضا في الاكراه، أما أن يخرج من ماله أو يأمر العبد بالاخراج من ماله أو يأمر بالصوم عن نفسه إلا أن يكون مرادهم أن في الاكراه لا يصح أن يصوم العبد ويلزم سيده أن يخرج الجزاء من ماله أو من مال العبد، وهذا عندي بعيد والله أعلم. ص: (كفزعه فمات والاظهر والاصح خلافه) ش: القول بوجوب الجزاء هو قول ابن القاسم ووافق على سقوطه إذا حفر بئرا للماء. قيل: وهي مناقضة لا يشك فيها. وحكى بعضهم قولا بوجوب الجزاء في مسألة البئر وهو ضعيف. قاله في التوضيح تبعا لابن عبد السلام، والاظهر والاصح هو قول أشهب. قال ابن عبد السلام وابن فرحون تبعا له: وهو الصحيح. وانظر قوله: والاظهر هل المستظهر له ابن رشد فإن عادته إنما يشير بهذه المادة له، وانظر أبا الحسن الصغير فإنه أقام من هذه المسألة مسائل والله أعلم. ص: (ودلالة محرم أو حل) ش: وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح فقد أساء ولا جزاء عليه على المشهور. نقله في التوضيح عن الباجي، واقتصر صاحب

[ 259 ]

المدخل على القول بوجو ب الجزاء على المحرم في دلالة المحرم على الصيد وفيمن أعطى سوطه أو رمحه لمن يقتل به صيدا، وفيما إذا فزع منه الصيد فمات، وفيما إذا تعلق بفسطاطه. والمشهو في الجميع نفي الجزاء ما عدا موته من الفزع، فالذي صدر به المصنف وجوب الجزاء. وقال في الشامل: ولو دل صائدا عليه أو أعانه بمناولة أو إشارة أو أمر غير عبده بقتله أساء ولا شئ عليه على المشهور كالقاتل إلا أن يكون محرما وعليه جزاء انتهى. فرعان: الاول: قال سند: أما إذا أمر عبده أو ولده ومن تلزمه طاعته ومن يده كيده فالضمان عليه فيه وليس على العبد ضمان آخر بخلاف ما إذا قال فيمن أحرم وبيده صيد فأمر عبده بذبحه فإن عليهما جميعا الجزاء، لان الضمان هنا سبب اليوبسبب القتل. انتهى بعضه بالمعنى. الثاني: قال سند في الطراز: وإذا قلنا جزاء عليه فلا يأكل منه ويحرم عليه وإن أكل منه فعليه الجزاء. قاله القاضي أبو الحسن والقاضي عبد الوهاب انتهى. يفهم منه أنه ليس بميتة ويجوز لغيره أن يأكل منه وليس كذلك فقد قال هو في شرح مسألة ما صيد للحلال: وجملة ذلك أن ما صاده المحرم لا يحل له أكله لا يختلف فيه، وكذلك ما صاده الحلال بأمره أو كان من المحرم فيه معونة أو إشارة، وهذا أيضا متفق عليه والله أعلم. وقال في الاكمال إذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يؤكل الصيد انتهى. وقال في التوضيح لما ذكر حديث أبي قتادة وأنه دليل لنا على أن ما صاده المحرم أو ذبحه ميتة: فيه دليل على أنه لو أمره أحد أن يحمل عليه أو أشار إليه لم يؤكل انتهى. وفي الابي: أن ضحك الصحابة في حديث أبي قتادة بعضهم إلى بعض إنما كان لتأني الصيد وغفلة أبي قتادة عنه، ولو كان ضحكهم إليه لكان إشارة إليه. وقد اعتذر الداودي بما وقع في رواية العذري فضحك بعضهم إليه فقال: إن ضحك المحرم لينبه الحلال لا يمنع من أكله ورواية العذري غلط وتصحيف والله أعلم. ص: (وكذا إن لم ينفذ على المختار) ش: يعني أنه إذا رمى الصيد في الحل ولم تنفذ الرمية مقاتله وتحامل حتى مات في الحرم فالذي اختاره اللخمي أنه لا جزاء عليه فيه وأنه يؤكل، ومقابله

[ 260 ]

قولان: أحدهما أنه لا جزاء فيه ولا يؤكل، والثاني أن فيه الجزاء ولا يؤكل، وبالثاني صدر أبو إسحاق التونسي في آخر كتاب الحج الثالث ورجحه، وظاهر كلام البساطي إنكاره فتأمله والله أعلم. ص: (وما صاده محرم) ش: أي مات بصيده أو ذبحه وإن لم يصده أو أمر بذبحه أو أعان عليه بإشارة أو مناولة سوط ونحوه فإن ذلك كله ميتة كما تقدم لا يجوز أكله لحلال ولا حرام. ص: (أو صيد له) ش: يعني ما صيد للمحرم يريد وذبح له في حال إحرامه، وأما لو صيد له وهو محرم ولم يذبح له حتى حل فذلك مكروه ولا جزاء فيه. قاله في الطراز. فرع: وسواء ذبح ليباع للمحرم أو ليهدي له. قاله في الطراز أيضا. ص: (كبيضه) ش: يعني أن بيض الطير غير الاوز والدجاج إذا كسره المحرم فهو ميتة لا يأكله حلال ولا حرام. قاله في المدونة. قال سند: أما منع المحرم منه فبين، وأما منع غير المحرم ففيه نظر لان البيض لا يفتقر إلى ذكاة حتى يكون بفعل المحرم ميتة، ولا يزيد فعل المحرم فيه حكم الغير على فعل المجوسي والمجوسي إذا شوى البيض أو كسره ولا يحرم بذلك على المسلم بخلاف الصيد فإنه يفتقر إلى ذكاة مشروعة والمحرم ليس من أهلها وهو بين فتأمله. فرع: قال في التوضيح: وانظر هل يحكم لقشر البيض بالنجاسة انتهى. قلت: الظاهر أنه ليس بنجس لما ذكره صاحب الطراز فتأمله والله أعلم. ص: (وجاز مصيد حل لحل وإن سيحرم) ش: يريد إذا ذكاه قبل أن يحرم الذي صيد له أو ما صيد له قبل أن يحرم وذبح بعد

[ 261 ]

أن حرم فهو داخل فيما ذبح للمحرم وهو ميتة. صرح بذلك اللخمي وصاحب الطراز ونقله في التوضيح. ص: (وذبحه بحرم ما صيد بحل) ش: الضمير في ذبحه عائد إلى الحل في قوله وجاز مصيد حل. والمعنى أنه يجوز للحلال أن يذبح في الحرم ما صاده هو أو غيره من المحلين في الحل ثم أدخلوه إلى الحرم. وظاهر كلام المصنف هنا أن ذلك جائز سواء كان الذابح مقيما في الحرم أو كان عابر سبيل. وقال سند: إذا صاد الحلال صيدا في الحل فأدخله الحرم له صورتان: الاولى أن يكون الحرم موضع قراره أو باعه ممن هو مستقر فيه فقال مالك: له ذبحه والثانية أن يدخل به الحرم عابر سبيل فلا يذبحه فيه. وأطلق الشافعي القول، والاستفصال أظهر لان الرخصة إنما كانت لموضع الضرورة فتختصر بقدر الضرورة، قال ابن القاسم في العتبية: ويرسله وإن أكله قبل خروجه من الحرم قبل أن يرسله فعليه جزاؤه. وقال عن أشهب: إنه خالفه فيه إذا أكله بعد خروجه من الحرم انتهى. ونقل في التوضيح كلام سند وقبله وجعله تقييدا لقول ابن الحاجب، ويجوز أن يذبح الحلال في الحرم الحمام والصيد يدخله من الحل ولم يكره الاعطاء. قال المصنف فشرحه: لانهم لو منعوا ذلك لشق عليهم لطول أمرهم ولهذا قال سند: وأما العابر بالصيد الحرم وهو عابر سبيل فلا يذبحه فيه لعدم الضرورة إلى آخر كلام سند المتقدم ولم يذكر خلافه وكذلك ابن فرحون. وجعل اللخمي ما في العتبية مخالفا لما في المدونة ولكنه رجح ما فيه العتبية ثم زاد فقال في آخر كلامه: والجاري على قول مالك أن شأن أهل مكة يطول أن يمنع الطارئ الذي مقامه أيام الحج ثم ينصرف ويباح للمكي. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام المدونة: أخذ من مفهوم طول أمرهم منعلمن دخل غير مكي ولم يعزه للخمي ولا لغيره. تنبيهان: الاول: نقل ابن جماعة في الباب التاسع عن أبي الحسن الصغير أنه إذا صاد الحمام في الحل ثم أدخله الحرم يجوز ذبحه لاهل مكة، وما ذكره هو المذهب كما علمته. وفي كلام أبي الحسن ما يقتضي أن هذا الكلام ليس له فائدة فإنه قال إثره: وما قاله هذا الشيخ ليس بصحيح بل له ذبحه وأكله في الحرم لان شأن أهل مكة يطول كما نص عليه في آخر الثالث. انتهى والله أعلم. الثاني: قال الشارح في شرح كلام المصنف: أي يجوز للمحرم أن يذبح في الحرم ما صيد في الحل. وقاله في المدونة هكذا. قال في الوسط: ونحوه في الصغير. وقال في الكبير: يعني أنه

[ 262 ]

يجوز للمحرم والحلال أن يذبح في الحرم ما صيد في الحل انتهى. قلت: ولا شك أن ذكر المحرم سبق قلم منه رحمه الله إذ من المعلوم أن المحرم لا يجوز له ذبح الصيد مطلقا لا في الحل ولا في الحرم، سواء صاده هو أو غيره وسواء صيد في الحل أو في الحرم والله أعلم. ص: (وليس الاوز والدجاج بصيد) ش: قال سند: يختلف في دجاج الحبش وتسمى الدجاجة السندية وهي تشبه الدجاج فقال الشافعي في دجاج الحبشة الجزاء لانها وحشية، وعن ابن حنبل لا جزاء فيه. ومقتضى المذهب أن ينظر فإن كانت مما يطير كانت على حكم الحمام الذي في الدور. انتهى والله أعلم. فرع: لا بأس للمحرم أن يذبح الانعا كلها نقله ابن فرحون وغيره. ص: (وحرم به قطع ما ينبت بنفسه) ش: أي وحرم بالحرم قطع ما ينبت أي النبات الذي جنسه ينبت بنفسه ولو استنبته الناس كما لو استنبت البقول البرية وشجرة أم غيلان وشبه ذلك. وظاهر عموم كلام المصنف أن الاحتشاش في الحرم حرام وقد صرح في المدونة بأنه مكروه قال فيها: وجائز الرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشجر، وأكره أن يحتش في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب، وكذلك المحرم في الحل. فإن سلموا من قتل الدواب فلا شئ عليهم وأكره لهم ذلك ونهى النبي (ص) عن الخبط وقال: هشوا وارعوا. وقال مالك: الهش تحريك الشجر بالمحجن ليقع الورق ولا يخبط ولا يعضد والعضد الكسر انتهى. وظاهر كلام أبي الحسن أن الكراهة على بابها فإنه قال في قوله: خيفة قتل الدواب: أما لو تيقن أنه يقتلها المنع. وصرح بذلك سند فقال: إذا أراد أن يحتش لماشيته لم يحرم عليه ذلك لمكان قطع الحشيش وإنما يخشى عليه قتل الدواب. ومنع الشافعي الاحتشاش. فنقول: ما جاز للمحرم أن يسلط عليه ماشيته للرعي جاز له أن يجمعه

[ 263 ]

لها كأوراق الشجر ولو لم يجز قلعه لماشية لم يجز له أن يسلطها عليه، ولما جاز له أن يسلط ماشيته على أوارق الشجر جاز له أن يهشها. ويجمع إذا ثبت ذلك فمن قدر أن لا يحتش فلا يحتش ليخرج من الخلاف ومن عموم النهي وهو وجه الكراهة انتهى. وحمل ابن عبد السلام الكراهة على التحريم فقال: وأما الاختلاء وهو حصاد الكلا الرطب فالاقرب أن الكراهة هنا يعني في كلام ابن الحاجب على التحريم. هذا هو ظاهر الحديث، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل كلام مالك وليس في قوله لمكان دوابه دليل على أن الكراهة على بابها لان مقصوده أن النهي عن الاختلاء معلل بخيفة قتل الدواب إذ لم كان أخذه ممنوعا مطلقا لما جاز الرعي والله أعلم. وقال أبو عمر في الكافي: ولا يجوز لحلال ولا لحرام قطع شئ من شجر الحرم المباح ولا كسره ولا أن يحتش في الحرم، ولا بأس بقطع كل ما غرسه الآدميون من النخل والشجر، وقد رخص في الرعي في الحرم وفي الهش من شجرة للغنم انتهى. فظاهر قوله لا يجوز المنع وفي رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الحج لا بأس أن يخبط المحرم لبعيره من غير الحرم. قال ابن رشد: الخبط أن يضرب بعصاه الشجر فيسقط ورقه لبعيره وذلك جائز في الحل للحلال والمحرم إذ يأمن في ذلك المحرم قتل الدواب بخلاف الاحتشاش، ولا يجوز ذلك في الحرم لحلال ولا حرام وإنما الذي يجوز لهما فيه الهش وهو أن يضع المحجن في الغصن فيحركه حتى يسقط ورقه انتهى. فيؤخذ من قوله إن الخبط لا يجوز في الحرم أن الاحتشاش لا يجوز أيضا، فلعل المصنف مشى على قول ابن عبد السلام وما يفهم من كلام ابن رشد وصاحب الكافي. تنبيهات: الاول: اعلم أن هذا إنما هو في قطعه للبهائم. قال سند في الاحتجاج على جواز الرعي أما قطع الحشيش فنحن لا نمنعه للماشية وإنما نمنعه لغير ذلك بأن يدخره أو يفرغ الارض منه انتهى. الثاني: فهم من قوله: يفرغ الارض منه أن ذلك ممنوع وهذا إذا كان ذلك لغير

[ 264 ]

مصلحة، وأما لو أراد أن يبني في موضع أو يغرس فيه جاز له ذلك. قال التادلي: لما ذكر المستثنيات وجملة المستثنيات من الحرم على اختلاف في بعضها الاذخر والسنا والسواك والعصا والهش والقطع للبناء والقطع لاصلاح الحوائط وذكرها ابن فرحون في مناسكه. الثالث: علم مما تقدم أن اجتناء ثمر الأشجار التي تنبت بنفسها جائز. الرابع: يفهم من إطلاق قول المصنف ما ينبت بنفسه أنه يحرم قطعه ولو استنبت كما صرح به الباجي، وذكره صاحب الجواهر وابن الحاجب على أنه المذهب وبذلك حللنا كلامه في أول القولة، ولذلك قال المصنف في مناسكه: كما يستنبت وإن لم يعالج. ص: (والجزاء بحكم عدلين فقيهين بذلك) ش: يعني أنه يشترط في الجزاء حكم حكمين وتشترط فيهما العدالة ويشترط فيهما الفقه بأحكام الصيد، ولا يشترط في ذلك إذن الامام لهما ولا يجزئ أن يكون أحدهما القاتل. قاله في المدونة، وظاهر كلام المصنف أن حكم الحكمين شرط في إجزاء الصيد مطلقا مثلا كان أو طعاما أو صياما ولا أعلم خلافا في اشتراط الاولين. وأما الصوم فصرح ابن الحاجب باشتراط ذلك فيه فقال: ولا يخرج مثلا ولا طعاما ولا صياما إلا بحكم عدلين فقيهين. وذكر صاحب الطراز في ذلك خلافا بعد أن قال أما استحبابه فلا يختلف المذهب فيه إذ لا يحل بشئ إذ فيه زيد احتياط. ثم ذكر عن الباجي أنه قال: الاظهر عندي استئناف الحكم في الصوم لان تقدير الايام بالامداد موضع اجتهاد فقد خالف فيه بعض الكوفيين وبالحكم يتخلص من الخلاف. وظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أن الصوم لا يشترط فيه الحكم ونصه: وشرط الجزاء في المثل والاطعام كونه بحكمين ولم يحك في ذلك خلافا فتأمله. فرع: قال سند: ولا بد في ذلك من لفظ الحكم والامر بالجزاء. ص: (أو إطعام بقيمة الصيد) ش: أي بقدر قيمة الصيد من الطعام. وليس المعنى أنه يقوم الصيد بدراهم مثلا ثم يشتري بتلك القيمة بل المطلوب أن يقوم الصيد من أول الامر بالطعام، ولو قوم بالدراهم ثم اشترى بها طعاما جزأ. قال في المدونة: فإن أراد أن يحكما عليه بالطعام فليقوما الصيد نفسه حيا بطعام ولا يقومان جزاءه من النعم، ولو قوم الصيد بدراهم ثم اشترى بها طعاما رجوت أن

[ 265 ]

يكون واسعا ولكن تقويمه بالطعام أصوب انتهى. وقال ابن عرفة: قال في الكافي: لو قوم بدراهم ثم قومت بطعام أجزأ والاول أصوب عند مالك والتقويم للحكمين. قلت، مثله في كتاب محمد، وظاهر قولها لو قوم بدراهم ثم اشترى بها طعاما رجوت سعته خلافه. ونقلها ابن الحاجب بلفظ أبي عمر دون قوله والاول أصوب انتهى. كذا قال ابن عبد السلام وأتى المصنف يعني ابن الحاجب بهذه المسألة وهي في المدونة على خلاف ما أتى به ثم ذكر لفظها المتقدم ثم قال: فظاهره أنه أخرج القيمة دراهم ثم اشترى بها طعاما لا أنه أخرج عن القيمة طعاما من تحت يده وهو أشد بعدا عن الاصل مما ذكر المؤلف انتهى. وانظر ما صورة هذه المسألة، هل حكم الحكمان عليه بالدراهم ثم اشترى هو بها طعاما، أو قوم الحكمان الصيد بدراهم ثم قوما تلك الدراهم بطعام وحكما عليه به، وهو الذي يفهم من كلام التوضيح وابن عبد السلام الثاني، وهو الذي يظهر من كلام الكافي فتأمله والله أعلم. ص: (بمحله وإلا فبقربه ولا يجزئ بغيره) ش: قوله: بمحله يصح أن يتعلق بقيمة الصيد وأن يتعلق بإطعام. قال سند: وجملة ذلك أن جزاء الصيد إن أخرج هديا فلا يكون إلا بالحرم، وإن شاء الصيام صام حيث شاء من البلاد، وإن شاء أن يطعم فالكلام في ذلك في موضعين في موضع التقويم وفي موضع إخراج الطعام. أما موضع التقويم فأصحابنا متفقون على تقويمه حيث أصاب الصيد إلا أن يكون ليس له هناك قيمة، إما لانه ليس بموضع استيطان أو بموضع لا يعرفون للصيد فيه قيمة. قال الباجي: ويجب أن يراعي أيضا ذلك الوقت، وأما موضع إخراجه فيختلف فيه هل يجب الحرم أم لا، فقال مالك وأبو حنيفة: لا يراعي الحرم. وقال الشافعي: يختص بالحرم، إذا

[ 266 ]

ثبت ذلك فهل يختص ذلك بموضع تقويمه ؟ ظاهر الكتاب أنه يختص ولا يجزئ بغيره. وحمل ابن المواز ذلك على اختلاف السعر فقال: إن أصاب بالمدينة وأطعم بمصر لم يجزه إلا أن يتفق سعراهما، وإن أصابه بمصر وهو محرم فأطعم بالمدينة أجزأه لان السعر أغلى. وقال أصبغ: إذا أخرج على سعره بموضعه ذلك أجزأه حيثما كان ثم قال: وإذا قلنا يخرج بغير ذلك الموضع فبقدر مكيلة ما حكم عليه أو بعدل قيمة تلك المكيلة يختلف فيه ثم قال: فرع: فلو لم يكن حكم عليه بمبلغ من الطعام حتى يرجع إلى أهله فأراد أن يطعم فليحكم اثنين ممن يجوز تحكيمهما ويصف لهما الصيد ويذكر لهما سعر الطعام بموضع الصيد، فإن تعذر عليهم تقويمه بالطعام قومه بالدراهم. وعلى ظاهر المذهب يبعث بالطعام إلى موضع الصيد كما يبعث بالهدي إلى مكة. وعلى قول ابن وهب يبتاع بتلك القيمة طعاما في بلده ما بلغت قل الطعام أو كثر انتهى. وقال في التوضيح: تحصيل المسألة أنه يطلب ابتداء بأن يخرج بمحل التقويم، فإن أخرجه بغيره فمذهب المدونة عدم الاجزاء، ومذهب الموطأ الاجزاء وعليه فثلاثة أقوال: قول أصبغ يخرج حيث شاء بشرط أن يخرج على سعر بلد الحكم، وقول ابن المواز المتقدم، وقول ابن حبيب إن كان الطعام ببلد الاخراج أرخص اشترى من الطعام الواجب عليه ببلد الصيد فأخرجه، وإن كان ببلد الاخراج أغلى أخرج المكيلة الواجبة عليه. قال ابن عبد السلام: واختلف الشيوخ في كلام ابن المواز، فمنهم من جعله تفسيرا للمدونة، ومنهم من جعله خلافا وهو الذي اعتمده ابن الحاجب انتهى. فأشار المصنف إلى أن المعتبر في التقويم موضع الاصابة بقوله: بمحله وإلا فبقربه وأشار إلى موضع الاخراج بقوله: ولا يجزئ بغيره أي ولا يجزئ الاخراج بغير محل الاصابة. ثم أشار إلى التأويلين بقوله وهل إلا أن يساوي سعره فتأويلان. والمعنى أنه إذا أخرج الطعام بغير محل الاصابة فهل لا يجزئ مطلقا، أي سواء ساوى سعر محل الاخراج سعر محل الاصابة أم لا، ولا يجزئ إلا أن يساوي سعر محل الاخراج سعر محل الاصابة ويكون سعر محل الاخراج أغلى فيجزئ والله أعلم. تنبيه: من الغريب ما وقع في الكافي المختار أنه لا يذبح الجزاء أو لا يطعم عنه إلا حيث وجب الجزاء، فإن الذبح لا يكون إلا بمكة انتهى. ونحوه ما وقع في التلقين أنه لا يجوز إخراج شئ من جزاء الصيد بغير الحرام إلا الصيام انتهى. وهو مشكل بالنسبة إلى الاطعام لان المذهب في الاطعام على ما تقدم وقد اعترض عليه في طرره. قال: ظاهره أن الهدي في جزاء الصيد الاطعام لا يجوز أن يكونا إلا في الحرم، ولا يجوز أن ينقل منه شئ إلى غير مساكين الحرم. هذا ظاهر إطلاقه وهو مذهب الشافعي، والذي ينقله الاصحاب عن مالك غيره هذا، فحكى القاضي أبو الحسن عن مالك أن الهدي إذا نحر بمكة أو بمنى جاز أن يطعم منه مساكين الحل بأن ينقل ذلك إليهم، وأما الاطعام فقد صرح في المدونة بأنه يكون في غير مكة

[ 267 ]

حيث أحب صاحبه انتهى والله أعلم. ص: (والفيل بذات سنامين) ش: هذا قول ابن ميسر زاد: فإن لم توجد البدنة الخراسانية فعليه قيمته طعاما. قاله في التوضيح. ص: (وحمار الوحش وبقره بقرة) ش: لا يقال ظاهره أن الواجب في حمار الوحش وبقره بقرة انتهى. لان البقرة تقع على الذكر والانثى. قال في الصحاح: البقر اسم جمع، والبقرة تقع على الذكر والانثى، وإنما دخلت الهاء على أنه واحد من جنس والجمع بقرات. قال في القاموس: البقرة للمذكر والمؤنث والجمع بقر وبقرا ت وبقر بضمتين انتهى. ص: (كحمام مكة والحرم ويمامه) ش: يعني أن فيه شاة. والمراد بحمام مكة والحرم ويمامه ما صيد في مكة أو الحرم. قال في كتاب الضحايا من المدونة: ولا بأس بصيد حمام مكة للحل في الحلال. قال ابن يونس: هذا يدل على أنه إذا صاده المحرم في الحل فإنما عليه قيمته طعاما أو عدل ذلك صياما وإنما تكون فيه شاة إذا صاده في الحرم انتهى. قال ابن ناجي: قال المغربي: وظاهر الكتاب أنه يجوز صيده وإن كان للفراخ. قلت: إذا كان للفراخ فالصوا ب تحريم صيده لتعذيب فراخه حتى يموتوا، وكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يفتي بجامع القرويين بالنهي عن صيادته حينئذ، ولا أدري أراد به التحريم أو الكراهة. انتهى من آخر كتاب الضحايا والله أعلم. ص: (والصغير والمريض والجميل كغيره)

[ 268 ]

ش: يعني أن جزاء الصغير كجزاء الكبير، وجزاء المريض كجزاء الصحيح، وجزاء الجميل كجزاء القبيح، وهذا عام في المثل والاطعام والصيام كما يفهم ذلك من كلام ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما. قال ابن عبد السلام: وأما الصغر والكبر والعيب والسلامة فكان ينبغي مراعاتها كما راعاها الشافعي وإن كان المستحسن عنده مثل مذهبنا، ولكن منع أهل المذهب من ذلك في الطعام لانهم لا يلتفتون إلى مثل هذه الصفات في الجزاء إذا كان هديا، فلما لم يعتبروها في أحد أنواع الجزاء إذا كان من النعم ألحقوا بها بقية الانواع. انتهى والله أعلم. ص: (وقوم لربه بذلك معها) ش: قال الشيخ أبو الحسن الصغير: يقوم من هذه المسألة يعني قوله وعليه لربه قيمته معلما أن من قتل عجلا أو خروفا يمتنح به أن يغرم قيمته وقيمة المنحة، ونظيره ما ذكره ابن يونس عن ابن عبد الحكم في كتاب الغصب في المنح أنه يغرم قيمة المنح وما نقص من الشجرة إن نقصها انتهى. ونقله ابن ناجي في آخر كتاب الضحايا. ص: (إلا أن يلتزم فتأويلان) ش: كلام المدونة صريح في أن له الرجوع مطلقا ونصها: فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام يحكمان عليه به هما أو غيرهما فذلك له انتهى. فتأويل ابن المكاتب بأن ذلك إنما هو إذا ألزم نفسه ذلك ولم يعرفا ما هو، أما لو عرف مبلغ ذلك فالتزمه لم يكن له أن يعدل إلى غيره بعيد ولذا أبقاها سند وغيره على ظاهرها والله أعلم. ص: (وإن اختلفا ابتدأ) ش: يعني أنه إذا اختلف الحكمان في جزاء الصيد فإنه لا يجزئ الاخذ بقول أرفعهما ولا بقول الآخر لانه عمل بقول حكم واحد والشرط حكمان. قال في المدونة: وإن حكما فاختلفا ابتدأ الحكم غيرهما حتى

[ 269 ]

يجتمعا على أمر واحد. وفي الموازية: ويجوز إذا ابتدأ غيرهما أن يكون أحدهما أحد الاولين اه‍. وقال سند: قوله في المدونة في اختلاف الحكمين يبتدئ الحكم غيرهما حتى يجتمعا على أمر، ظاهر في أنه لا يكتفى بقول آخر بعد ذلك يوافق أحد الحكمين الاولين، بل يكون الحكمان في مجلس واحد يتقرر الحكم بينهما فيه، وظاهر ما في الموازية جواز ذلك انتهى. ص: (الاولى كونهما بمجلس) ش: قال سند: قال محمد: وأحب إلينا أن يكون الحكمان في مجلس واحد من أن يكونا واحدا بعد واحد انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: والاولى أن يكونا بمجلس هو في كتاب ابن المواز ووجهه ظاهر. ولو قيل إن ذلك شرط لما أبعد قائله لان السابق منهما بالحكم منفرد لا ينعقد له حكم وكذلك اللاحق وتبعه فيه ابن فرحون والله أعلم. ص: (وفي الجنين والبيض عشر دية الام) ش: يعني أن من ضرب الانثى من الصيد فألقت جنينا ميتا وسلمت هي أو كسر بيضة طائر فإنه يجب في الجنين والبيضة عشر دية أمه أي عشر قيمتها من الطعام أو عدل ذلك من الصيام، وكذلك يجب في بإيض حمام مكة والحرم عشر دية أمه وهي الشاة. قال في المدونة: وإن أصاب محرم بيضة من حمام مكة أو حلال في الحرم فعليه عشر دية أمه وفي أمه شاة. قال سند: قوله: عشر دية أمه لم يرد عشر شاة على الاشاعة لان عشر الهدي لا يجب وإنما يجب عشر قيمة الام على الوسط من أقل ما يجزئ يقوم ذلك بطعام، وإن قومه بدراهم ثم اشترى بها طعاما جاز فيطعم ذلك، أو يصوم مكان كل مد يوما وذلك بحكومة عدلين لانه من باب الصيد. انتهى مختصرا. وقال ابن عرفة القابسي: في بيض حمام مكة عشر قيمة شاة طعاما يقوم الشاة بدراهم ويشتري بعشرها طعاما. ثم قال أبو عمر: لو كسر عشر بيضات ففي كل بيضة واجبها لا شاة عن جملتها لان الهدي لا يتبعض كمن قتل من اليرابيع ما يبلغ قدر شاة لا تجمع فيها. انتهى وهو ظاهر.

[ 270 ]

تنبيه: إنما يجب في الجنين العشر إذا انفصل عن أمه ميتا، أما لو ماتت قبل وضعها ففيها فقط الجزاء. قاله في الطراز. ص: (وندب إبل فبقر) ش كان ينبغي أن يقول: فضأن كما قاله في الرسالة وغيرها والله أعلم. ص: (بنقص بحج إن تقدم على الوقوف) ش: الظاهر أنه من باب التنازع يطلبه صيام وصام كمذكره ابن غازي أولا فانظره والله أعلم. فرع: وإن وجب عليه هديان صام لكل هدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. نقله في الطراز عن الموازية. قال في الطرا: قال مالك في الموازية في القارن: لا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد هديا بعد أيام التشريق وأحب إلي أن يؤخر إلى عشر ذي الحجة أو بعده انتهى. ص: (وسبعة إذا رجع من منى) ش: فإن صام منها بمنى شيئا فقال سند: الظاهر من المذهب أنه لا يجزئه، وأن الرجوع شرط، ولا يجزئه أن يصوم حتى يرجع. وقال أبو حنيفة وابن حنبل: إذا فرغ من أفعال حجه صام السبعة وجنح إليه بعض أصحابنا. وقال الشافعي مرة: إذا رجع إلى أهله يصوم السبع لا قبل ذلك فقال بعض أصحابه: فإن صامها قبل ذلك بمكة أو في طريقه لم يجزه. وزعموا أنه لا يقال للحاج رجع إلا إذا رجع إلى وطنه. وحكى بعض أصحابه عنه قولا آخر أنه يصومها إذا خرج من مكة سائرا، ودليلنا قوله: * (وسبعة إذا رجعتم) * ومن خرج من منى إلى مكة أو إلى وطنه فقد رجع من منى، والشرط إنما هو رجوع فقط وهذا رجوع، والحكم المعلق على مطلق الاسم ينطلق على ما يقع عليه الاسم، وما أطلق في نص القرآن لا يقيد من غير دليل. ثم قال: فرع: وإذا قلنا يجزئه صومه إذا رجع من منى فالمستحب له أن يؤخر إلى أهله لانه لا يختلف في جوازه قبل ذلك فيفعله على الوجه المجمع عليه أحسن، فإذا رجع إلى أهله استحب

[ 271 ]

له التعجيل، فإن استوطن مكة صام بها قولا واحدا. انتهى مختصرا. ويصلها بالثلاثة إن شاء. قاله في المدونة. ولا يطلب منه حينئذ تفريق. فرع: فلو صام ثلاثة ثم مات قبل صوم السبعة قال مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: أرى أن يهدى عنه سواء مات ببلده أو بمكة. قال ابن رشد: لو وجد الهدي بعد صوم الثلاثة لم يجب عليه إلا أن يشاء. وإنما قال مالك أرى أن يهدى عنه استحبابا من أجل أنه لا يصوم أحد عن أحد انتهى. ص: (ولم تجز إن قدمت على وقوفه) ش: فلو صام العشرة قبل الوقوف فالظاهر أنه يجتزئ منها بثلاثة كما يفهم ذلك من التوضيح. ص: (ووقوفه به المواقف) ش: الاستحباب راجع لايقافه جميع المواقف وليس المراد أن إيقافه في كل موقف مستحب لان إيقافه بعرفة شرط في ذبحه بمنى كما سيأتي. ص: (والنحر بمنى إن كان في حج) ش يعني أن النحر يستحب أن يكون في منى بشروط ثلاثة: الاول أن يكون الهدي ساقه في حج سواء كان وجب في حج أو عمرة. قال اللخمي: قال مالك: فيمن كان عليه جزاء صيد في عمرة أو شئ نقصه من عمرته فأوقفه بعرفة ثم نحره بمنى أجزأه، واحترز بذلك مما ساقه في العمرة فإن المتسحب أن ينحره بمكة. وما ذكرته من كون النحر بمنى مع الشروط مستحب هو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة فإنه قال: ومن أوقف هدي جزاء صيد أو متعة أو غيره بعرفة ثم قدم به مكة فنحره بها جاهلا أو ترك منى متعمدا أجزأه. قال ابن يونس: وقال أشهب: لا يجزئه. قال أبو الحسن: وظاهر نقل ابن يونس سواء كان ذلك في أيام منى أو بعدها خلاف. نقل اللخمي عن أشهب أن عدم

[ 272 ]

الاجزاء فيما ذبح بمكة في أيام منى، وأما ما ذبح بمكة بعد أيام منى فيجزئ. ثم قال أبو الحسن: فنحر ما وقف به بعرفة بمنى شرط كمال عند ابن القاسم. وشرط صحة عند أشهب. وصرح المصنف في مناسكه بأن المشهور الاجزاء. وحكى ابن عرفة في ذلك ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يذبح في أيام منى أو بعدها، وجعل صاحب الطراز المذهب عدم الاجزاء وليس بظاهر والمعتمد ما تقدم. فرع: قال سند: إذا سبق الهدي في إحرام لم ينحر، وإن بلغ مكة حتى يحل من الاحرام كان في حج أو عمرة، وإن ساقه في غير إحرام نحره إذا دخل مكة، وإن ساقه ليذبحه في الحودخل مكة معتمرا أخره حتى يقف به بعرفة وينحره بمنى، فإن عطب بمكة نحره وأجزأه. قال مالك في الموازية: وكل هدي دخل مكة من الحل فعطب فنحره بها يجزئ إنا هدي التمتع، يريد إذا ساق الهدي وقصد به التمتع لم يجزه عن تمتعه لانه إنما يكون متمتعا بعد ذلك. ولو اعتمر ثم خرج إلى موضع قريب من الحل ثم ساق هديا ودخل به مكة ليتمتع لم يجزه حتى يقف بعرفة، وما ذبح مما وجب في الحج من الهدي قبل طلوع الفجر يوم النحر لم يجز كمن صلى قبل الوقت انتهى. وقال بعد، وما وجب في العمرة من هدي فإنما يجب بخلل دخل على إحرامه كمجاوزة الميقات أو تر ك تلبية أو إصابة صيد أو شبهه فمحله مكة ووقته أن يحل من إحرامه كما وقت سجود السهو عند التحلل من الصلاة. انتهى والله أعلم. ص: (ووقف به هو أو نائبه كهو) ش: أي الشرط الثاني أن يكون وقف به صاحبه بعرفة أو وقف به نائبه. وقوله: كهو أي كوقوفه هو بأن يقف به في جزء من الليل. قال في التوضيح: قال ابن هارون: وأما اشتراط كون الوقف بالهدي ليلا فلا أعلم في ذلك خلافا لان كل من اشترط الوقوف بعرفة جعل حكمه حكم ربه فيما يجزئ من الوقوف انتهى. والمراد بالنائب كما قال ابن غازي من ناب عن المهدي، إما بإذنه كرسوله، وإما بغير إذنه كمن وجد هديا مقلدا فوقف به عن ربه والله أعلم. ص: (بأيامها) ش: هذا هو الشرط الثالث وهو أن يكو إن النحر في أيام منى، وكلامه يقتضي أن اليوم الرابع محل للنحر بمنى لانه من أيام منى، بل إذا أطلقت أيام منى فإنما يراد بها اليوم الرابع واليومان قبله وبذلك عبر في توضيحه أيضا ونقله عن عياض في الاكمال وتبعه الشارح في شروحه الثلاثة على ذلك أعني التعبير بأيام منى، وكأنهم أرادوا أيام النحر أعني يوم النحر واليومين بعده إذ ليس اليوم الرابع محلا للذبح بمنى، بل إذا

[ 273 ]

فاتت الايام الثلاثة تعينت بمكة، فإن ذبح الهدي بمنى في اليوم الرابع لم يجزه ووجب عليه بدله. ونقل التادلي عن عياض ما هو أقوى من ذلك ونصه: الثاني أن يكون النحر في أيام منى وهي أيام التشريق وهي الايام المعدودات انتهى. فإن هذا الكلام يقتضي خروج اليوم الاول عن كونه محلا للبحر لكونه ليس من أيام التشريق ولا من الايام المعدودات وهذا لا يقوله أحد. قال في المدونة في آخر كتاب الضحايا: وأيام النحر ثلاثة: يوم النحر ويومان بعده، وليس اليوم الرابع من أيام الذبح وإن كان الناس بمنى انتهى. وقال اللخمي في كتاب الحج: والنحر والذبح بمنومكة يختلف. فأما منى فيختص ذلك فيها بأيام معلومة وهي يوم النحر ويومان بعده، فإن ذهبت لم يكن منحرا ولا مذبحا إلا لمثله من قابل، وأما مكة فكل أيام السنة منحر بها ومذبح انتهى، ونقله أبو الحسن في كتاب الحج الثاني في شرح قول المدونة. وإن فاته أن يقف به بعرفة فساقه إلى منى. ونقله التادلي عن اللخمي. وقال ابن عرفة: والمكاني بمنى بشرط كونه في يوم النحر أو تالييه في حج انتهى. وقال في الطراز عن الموازية فيمن وجد بدنة بمنى: يعرفها إلى ثالث النحر وهو اليوم الثاني من أيام منى ثم ينحرها فإن لم ينحرها بمنى في ثالث النحر فلا ينحرها بمنى ثالث أيام منى ولكن بمكة، فإن نحرها بمنى فعليه بدلها انتهى. ونقل في النوادر كلام الموازية فقال: ومن ضل هديه الذي أوقفه بعرفة فوجده في اليوم الثالث من أيام منى فلا ينحره إلا بمكة لزوال أيام النحر وهو ظاهر والله أعلم. فائدة: قال القاضي عياض في التنبيهات في آخر كتاب الصلاة الثاني: وأيام التشريق هي يوم النحر وثلاثة بعده، سميت بذلك لصلاة التشريق وهي صلاة العيد لكونها عند شروق الشمس، وسميت سائر الايام باسم أولها كما قيل أيام العيد. وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: من ذبح قبل التشريق أعاد. وقيل: لانهم كانوا لا يذبحون فيها إلا بعد شروق الشمس - وهو قول ابن القاسم - أن الضحية لا تذبح في اليوم الاول ولا في الثاني حتى تحل الصلاة، وخالفه أصبغ في غير اليوم الاول. وقيل: سميت بذلك لان الناس يشرقون فيها لحوم ضحاياهم أي ينشرونها لئلا تتغير. وقيل: لان الناس يبرزون فيها إلى المشرق وهو المكان الذي يقيم فيه الناس بمنى تلك الايام. وكذا يأتي لاصحابنا وغيرهم أنها الاربعة أيام. وقال مالك في الموطأ وغيره: أيام التشريق هي الايام المعدودات وهي الثلاثة التي بعد النحر وهو الاكثر، ومثله لابن عباس. وذكر البخاري كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق انتهى. وتقدم عند قول المصنف كان يقال للافاضة طواف الزيارة. عن ابن أبي زيد أن مالكا كره أن يقال أيام التشريق وقد قال الله عزوجل: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * ص: (وإلا فمكة) ش: أي وإن اختل شرط مما ذكر تعين الذبح بمكة. قال في

[ 274 ]

المدونة: وإن فاته أن يقف به بعرفة فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة، ولا يخرجه إلى الحل ثانية إن كان قد أدخله من الحل، فإن هلك هذا الهدي في سيره به إلى مكة لم يجزه لانه لم يبلغ محله انتهى. وقال سند في باب حكم الهدي. مسألة: قال: وقال مالك: كل هدي فاته الوقوف به بعرفة فمحله مكة ليس له محل دون ذلك ليس منى محلا له. وقال: إذا ساقه من منى إلى مكة فعطب قبل أن يصلها لا يجزئه. وهذا لم يبلغ محله عند مالك. وجملته أن الهدي ما وقف به بعرفة نحر بمنى أيام النحر فإن فاتت أيام النحر أو فاته الوقوف بعرفة فمنحره مكة. هذا الذي ينبغي فعله. ويختلف في وجوبه، أما ما فاته الوقوف فمحله عند مالك مكة. قال مالك في الموازية: كل ما نحره بمنى مما لم يوقفه بعرفة لا يجزئه والله أعلم. ص: (وأجزأ إن خرج لحل) ش: يعني أنه إذا اشترى هديا من الحرم فإنه لا بد أن يخرجه إلى الحل، وهذا هو المعروف في المذهب. وقال صاحب الطراز: روى أبو قرة عن مالك في الهدي إن اشتراه في الحرم وذبحه فيه أجزأه انتهى. ونقله أبو الحسن. فرع: إذا كان الهدي مما يقلد ويشعر فالاحسن أن لا يقلده حتى يخرجه إلى الحل، فإن قلده وأشعره في الحرم أجزأه. قاله في الطراز. فرع: والاحسن أن يباشر ذلك بنفسه وأن يحرم إذا دخل به. قاله في الطراز ونقله في النوادر، فإن دخل به حلال أو أرسله مع حلال أجزأه. قاله في المدونة ص: (وإن أردف لخوف فوات أو لحيض أجزأ التطوع لقرانه) ش: قوله: لخوف فوات أي بغير حيض، وقوله: أي لحيض

[ 275 ]

إن خافت الفوات لاجل التأخير حتى تطهر منه وليس هذا بشرط فقد نقل في الطراز عن الموازية أنه إذا أحرم بعمرة وساق فيها هديا ثم بدا له فأردف الحج عليها أن الهدي يجزئه لقرانه. تنبيه: قال في الطراز: قال مالك في الموازية: ولو أهدت الحائض غيره كان أحب إلي وكذلك يستحب ابن القاسم. وقال مالك أيضا في الرجل يحرم بعمرة ويسوق فيها الهدي ثم يبدو له فيردف الحج قال: أحب إلي أن يهدي غيره لقرانه، وأرجو إن فعل إن لم يفعل أن يجزئه وهو حسن، لان الهدي قد تعين لجهة النفل، والدم في القران واجب وإنما طرأت له نية القران بعد تعين الهدي ووجوبه. وينبغي أن يكون القياس إعادة الهدي والاستحسان الاجزاء بالاول لانقلاب إحرامه. وقد ذكر ابن الجلاب روايتين: إحداهما أنه يجزئه عن قرانه، والثانية أن عليه غيره وهو أظهر في القياس. فرع: ويستحب لهذه المردفة أن تعتمر بعد فراغها من القران كما فعلت السيدة عائشة. قاله عبد الوهاب في المعونة ونقله في العمدة مختصر المعونة ونصه: إذا حاضت المعتمرة قبل الطواف والوقت واسع انتظرت الطهر، وفي ضيقه وخوف الفوات تحرم بالحج وتصير قارنة، ويستحب أن تعتمر بعد فراغها انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير. وفي رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الحج. ص: (كأن ساقه فيها ثم حج من عامه وتؤولت أيضا بما إذا سيق للتمتع) ش: ذكر في المدونة عن مالك قولين بالاجزاء وعدمه. وتأول عبد الحق المدونة على أن الخلاف إنما هو إذا ساقه للمتعة. وقال صاحب الطراز وغيره: الخلاف جار في الصورتين. قال: وهذه كمسألة القران السابقة والقياس أن لا يجزئه. والاستحسان الاجزاء، ولا إشكال أنه يستحب له أن لا يجتزئ به. ونقل في الطراز عن الموازية أنه يكره له الاجتزاء. ص: (والمندوب بمكة المروة) ش: تصوره ظاهر. فرع: وأما بمنى فقال مالك: منى كلها منحر إلا ما خلف العقبة. قال: وأفضل ذلك عند

[ 276 ]

الجمرة الاولى. نقله سند عن الموازية وكذا ابن عرفة وغيرهما والله أعلم. ص: وكره نحر غيره كالاضحية) ش: قال في المدونة: قال مالك: يكره للرجل أن ينحر هديه غيره كراهة شديدة وكان يقول: لا ينحر هديه إلا هو بنفسه. وكذا إذا استناب مسلما فإذا استناب غير مسلم لم يجزه. وقال مالك في المدونة: وكره مالك للرجل أن ينحر هديه أو يذبح أضحيته وإن نحر له غيره أو ذبح أجزأه إلا أن يكون غير مسلم فلا يجزئه. وقال أشهب: يجزئه إذا كان ذميا. قال في الطراز: لان ذلك قربة لا تصح من الذمي فلا يستناب فيها. قال: وموضع المنع أن يلي الذمي الذبح، فأما السلخ وتقطيع اللحم فلا بأس به عند الجميع. فرع: قال في الطراز: إذا لم تهتد للذبح بنفسك فلا بأس أن يمسك الجزار رأس الحربة ويضعها على المنحر أو بالعكس. وقال ابن المواز: وتلي المرأة ذبح أضحيتها بيدها أحب إلي. ص: (وإن مات متمتع فالهدي من رأس ماله إن رمى العقبة) ش: هذا حكم من لم يقلد الهدي، وأما إذا قلد الهدي فإنه يتعين ذبحه ولو مات صاحبه قبل الوقوف. قال في المدونة: ومن قلد بدنة أو أهدى هديا تطوعا ثم مات قبل أن تبلغ محلها فلا ترجع ميراثا لانه قد أوجبها على نفسه انتهى. قال أبو الحسن: زاد اللخمي: فإن فلس لم يكن لغرمائه عليه سبيل، يريد إذا كان الهدي بعد التقليد والاشعار ولو كان دينا تقدم رد ما لم ينحره انتهى. وعلم من كلام المدونة أنه لو بلغ الهدي محله أو كان واجبا لتعين نحره من باب أولى. وقال في الطراز في باب الهدي: إذا قلد الهدي تعين بالتقليد والاشعار أو بسوقه أو بنذره وإن تأخر ذبحه، ولو مات المحرم لم يكن للورثة تعيين الهدي وإبداله انتهى. وقال أيضا في شرح مسألة المدونة المتقدم: وهذا بين لان الهدي يتعلق بالتقليد والاشعار أي بسوقه أو بنذره، وإن تأخر ذبحه كما تعين محل العتق في الامة باستيلادها أو كتابتها فلما تعين الهدي خرج عن ملك ربه إلى جهة القربة حتى لا يملك بيعه ولا ذبحه ولا صرفه إلى غير جهة القربة. وإذا زال ملكه عنه بطل إرثه عنه، وإنما هو تحت يده حتى تبلغ محله ووجب ذلك عليه بالتزامه إياه. ودليل خروجه عن

[ 277 ]

ملكه إنه لو استحدث دينا لم يملك الغرماء بيعه، فإذا لم يبع في دينه ولم يتصرف فيه تصرف المالك فقد زال عن حكم ملكه لا محالة، وما زال عن ملكه في حياته استحال أن يملك عنه بعد وفاته. انتهى كلامه والله أعلم. ص: (والمعتب حين وجوبه وتقليده) ش: لما ذكر أنه يعتبر في الهدي ما يعتبر في الاضحية من السن والسلامة من العيب، نبه على أن الوقت المعتبر فيه ذلك هو وقت وجوبه وتقليده وعبارته نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح: والمراد بالوجوب في قوله وقت الوجوب ليس هو أحد الاحكام الخمسة، بل تعيينه وتمييزه من غيره من الانعام ليكون هديا، والمراد بالتقليد هنا أعم منه في الفصل الذي يأتي لان المراد به هنا إنما هو تهيئة الهدي وإخراجه سائرا إلى مكة. ألا ترى أن الغنم يعمها هذا الحكم وهي لا تقلد ؟ وعلى هذا فالمراد بالوجوب والتقليد متقارب، ويبين ذلك ما وقع في بعض نسخ ابن الحاجب ويعتبر حين الوجوب وهو حين التقليد. هكذا قال أبو عبد السلام. ووقع لاشهب أن من ساق شيئا من الغنم إلى مكة لم يكن بسوقه هديا وإن نواه حتى يوجب في نفسه. ابن محرز: وهو يشبه ما قاله إسماعيل أن الاضحية تجب بقول أو فعل انتهى. وقال سند في شرح مسألة المدونة المذكورة: فوق هذا الهدي يتعين بالتقليد أو الاشعار أو بسوقه أو بنذره وإن تأخر ذبحه، وإذا تعين الهدي خرج عن ملك ربه، وإذا خرج عن ملكه بطل إرثه. انتهى والله أعلم ص: (فلا يجزئ مقلد بعيب ولو سلم بخلاف عكسه) ش: لما ذكر المصنف أن الوقت المعتبر في سلامة الهدي وهو حين تقليده وإشعاره فرع عليه بفاء السبب فقال: فلا يجزئ الخ. أي فبسبب أن المعتبر حين وجوبه وتقليده لا يجزئ المقلد بالعيب ولو سلم بعد التقليد وقبل نحره لانه أوجبها معيبة ناقصة عن الاجزاء، ويجب عليه بدله إن كان مضمونا بخلاف ما لو قلده سالما ثم طرأ العيب فإنه يجزئه لانه أوجبها سالمة مجزئة. وهذا معنى قولها في الحج الثاني في ترجمة ما لا يجوز من العيوب في الهدايا والضحايا: ومن قلد هديا وأشعره وهو لا يجزئه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك العيب لم يجزه وعليه بدله إن كان مضمونا، ولو قلده سالما ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه انتهى. ص: (إن تطوع به) ش: مفهوم الشرط أن الهدي الواجب إذا قلد سليما ثم طرأ عليه عيب يمنع الاجزاء أنه لا يجزئه وهو خلاف مذهب المدونة وخلاف المشهور من المذهب. قال في كتاب الحج الثاني من المدونة: وكل هدي واجب أو تطوع أو جزاء صيد دخله عيب بعد أن قلده وأشعره وهو صحيح مما يجوز في الهدي فحمله صاحبه أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى أجزأه، وإن فاته أن يقف به بعرفة

[ 278 ]

فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة، ولا يخرجه إلى الحل ثانية إن كان قد أدخله من الحل انتهى. وقال بعده: ومن قلد هديا أو أشعره وهو لا يجزئه إلى آخر كلامه المتقدم في القولة التي قبل هذه. وقال سند في شرح المسألة الاولى: الهدي على ثلاثة أضرب: واجب وتطوع ومنذور. وهو على ضربين: منذور معين ومنذور في الذمة. فما قلد من ذلك أو أشعر أو عين وإن لم يقلد ويشعر ثم حدث به عيب أو كسر أو غيره مما لا يجزئ معه. فلا يخلو إما أن يكون بتعد أو تفريط أو بغير ذلك، فإن تعدى أو فرط ضمن، وأما إن كان بغير ذلك فأما التطوع والمنذور عينه فلا يضمنه لانه لو مات لم يضمنه، وأما غيره فيختلف فيه فروى ابن القاسم أنه يجزئه. وقال الابهري: القياس أن يبدله انتهى. وقال ابن الحاجب: ويعتبر حين الوجوب والتقليد على المشهور لا وقت الذبح. فلو قلد هديا سالما ثم تعيب أجزأه وبالعكس لم يجزه على المشهور فيهما. قال في التوضيح: تصوره ظاهر والمشهور مذهب المدونة والشاذ لم يجزم به الابهري الذي هو منسوب إليه بل قال: إن القياس. لكن صرح اللخمي بأنه خلاف فقال: وإذا سيق الهدي عن الواجب لم تبرأ الذمة إلا ببلوغه لقوله سبحانه: * (هديا بالغ الكعبة) * فإن ضل أو سرق أو هلك أو عطب قبل بلوغه لم يجزه. واختلف إذا نزل به عيب ثم بلغ محله فقال مالك: ينحره ويجزئه. وقال الابهري: القياس أنه لا يجزئه كموته. ابن بشير: وقول الابهري يؤخذ منه أنه لا يجب بالتقليد والاشعار أو بقبول وإن وجب عنده لكنه لا يستقل هديا إلا أن يدوم كماله إلى وقت نحره. انتهى كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: والمعتبر سلامته حين تقليده وإشعاره وعينه بعدهما لغو. الصقلي وعبد الحق عن الابهري: القياس حدوثه كموته. ثم قال الشيخ عن ابن حبيب: إن قلده سمينا فنحره فوجده أعجف أجزأ إن كانت مسافة يحدث فيها عجفه وإلا لم يجزه في الواجب، وعكسه لا يجزئه إن كانت مسافته قد يسمن فيها وإلا فأحب بدله. ثم قال: وفيها إن جنى عليه بعد تقليده وإشعاره أجزأه وأرش جنايته كأرش عيبه، اللخمي على قول الابهري: لا يجزئه ويغرم الجاني قيمة هدي سليم لان تعديه أوجبه عليه انتهى، فتحصل من هذا أن الهدي إذا عين سالما ثم طرأ عليه عيب من الله أو من أجنبي أجزأه، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا. أما إن كان العيب بتعد من صاحبه أو تفريط فإنه يضمنه كما قال في الطراز. والظاهر أن قول لمصنف: إن تطوع به يتعلق بالمسألة التي بعد هذه أعني قوله: وأرشه وثمنه في هدي إن بلغ وإلا تصدق به، وفي الفرض يستعين به في غيره. ويكون أصل الكلام أن يقال: وإن تطوع به فأرشه وثمنه الخ. ففصل الكاتب الفاء من قوله: فأرشه ونقص من أول الكلام ورأوا. ويقال وأرشه وثمنه في هدي إن بلغ وإلا تصدق به إن تطوع به. والاول أقرب ويدل على ذلك مقابلته بالفرض أعني قوله: وفي الفرض يستعين به في غيره فتأمله. ومشى الشارح على أن قوله: إن تطوع به قيد للمشهور في قوله: بخلاف عكسه. فقال إثره أي إذا قلده سليما ثم تعيب فإنه يجزئه في التطوع يريد وعليه بدله في الواجب إذا كان

[ 279 ]

مضمونا نص عليه غير واحد انتهى، ومشى على ذلك في شامله، ولم ينبه على ذلك ابن غازي. وأما البساطي ففي كلامه تدافع لانه قال: وأما قوله: إن تطوع به فهو شرط في إجزاء العكس يعني أنه إذا قلده سالما ثم تعيب أجزأه إن كان تطوعا. ومفهوم الشرط إن كان واجبا لم يجزه لكن يفهم منه ما يفعل به والمنصوص أنه ينحره أيضا بدله. ثم ذكر كلام المدونة المتقدم ثم قال: وظاهر هذا الخلاف ما قال المؤلف، ثم ذكر كلاما طويلا فراجعه إن أحببته وتأمله والله أعلم. ص: (وأرشه وثمنه في هدي إن بلغ وإلا تصدق به وفي الفرض يستعين به في غير) ش: يعني أن الهدي إذا قلد معيبا وقلنا: لا يجزئه فإنه يتعين هديا ولا يجوز رده ولا بيعه على المشهور. ثم ينظر فإن كان تطوعا أو منذورا معينا فإنه يرجع بأرش العيب، ثم إن بلغ ذلك ثمن هدي اشترى به هديا. وكذلك إذا استحق ولم يبلغ ثمن هدي فإنه يتصدق به على المشهور وهو مذهب المدونة، ولابن القاسم في الموازية يفعل به ما شاء، واقتصر اللخمي عليه. وأما إن كان الهدي واجبا أو نذرا مضمونا فعليه بدله ويستعين بالارش وبثمن المستحق في البدن. قاله في التوضيح. تنبيهات: الاول: هذا إذا كان العيب يمنع الاجزاء، وإن كان العيب لا يمنع الاجزاء فيستحب له أن يجعل ما يأخذه عن العيب في هدي. الثاني: قال في التوضيح: وحكم أرش الجناية كحكم أرش العيب. قاله في المدونة: وما جنى على هدي التطوع فأخذ له أرشا فليصنع به ما صنع من رجع بعيب أصابه في الهدي المقلد. ابن المواز: وأحب إلي في الجناية أن يتصدق به في التطوع والواجب. أبو محمد: يريد محمد أن يكون فيه ثمن هدي. ابن يونس: يريد ولا يلزم بدله في الواجب إذا كانت الجناية لا يجزئ بها الهدي لانها إنما طرأت عليه بعد الاشعار وهي كالعيب يطرأ بعد الاشعار وإن كان

[ 280 ]

القياس أن لا يجزئ انتهى. ثم قال أيضا: قال التونسي: ولو جنى عليه جناية لم تتلف نفسه غير أنها تنقصه نقصا كثيرا إلا أنه يمكن وصوله حتى ينحر في محله فما أغرمه إلا ما نقص لانه جاز عن صاحبه، ولو كانت الجناية تؤدي إلى عدم وصوله إلى محله لكان كأنه قتله وعليه جميع قيمته، وانظر إذا أدى الجاني قيمته، هل للجاني بيع لحمه إذا نحره لانه خشي عليه الهلاك وهو يقول لست أنا الذي تقربت به وإنما جنيت عليه فلزمتني قيمته ؟ وانظر إذا أدى الجاني قيمته والمتعدي عليه يشتري بما أخذ منه عوضا، انتهى كلام التوضيح. والظاهر أن له بيعه كما يظهر ذلك من كلام صاحب الطراز. الثالث: فلو عين هديا من الابل ثم اطلع على أن فيه قبل التقليد عيبا وقلنا يجب عليه بدله، فهل يجزيه أن يبدله بأدنى منه أو بمثل ما عين فالاحسن أن يبدله بمثل ما عين، والواجب أن يجزئه ما كان يجزئ أولا. قاله سند فيما إذا عطب الهدي الواجب قبل محله والباب واحد، وسيأتي لفظه عند قول المصنف: بدله والله أعلم. الرابع: إذا قلد هديا ثم وجده معيبا فتعدى وذبحه فإنه يضمنه بهدي تام لا عيب فيه. قاله سند في مسألة شرب لبن الهدي. ص: (وسن إشعار سنمها) ش: الضمير للابل لانها هي التي لها أسنمة. قال في التوضيح: قال اللخمي وصاحب الجواهر: أطلق في الكتاب أنها تشعر، وفي كتاب محمد لا تشعر لان ذلك تعذيب. وقال ابن عبد السلام: اختلف المذهب في إشعار ما لا سنم له من الابل والبقر. والاقرب عدمه لان الاصل عدم تعذيب الحيوان ثم قال: وأما ما له أسنمة من البقر فظاهر المذهب أنها تشعر. ص: (من الايسر) ش: الظاهر أن: من بمعنى في كقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * * (أروني ماذا خلقوا من الارض) * وقول ابن غازي إنها للبيان بعيد. ص: (للرقبة) ش: الظاهر أن اللام بمعنى من نحو قولهم: سمعت لزيد صراخا ذكره في المغني، والمعنى من جهة الرقبة فإن الاشعار أن يقطع في أعلا السنم قطعا يشق الجلد ويدمي من ناحية الرقبة إلى ناحية الذنب قدر أنملتين في الطول والله أعلم. ص: (مسميا) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال ابن جماعة في فرض العين: وتشعر قياما مستقبله القبلة في جانبها الايسر في

[ 281 ]

أعلا الاسنمة قطعا يشق الجلد ويدمي من ناحية الرقبة إلى ناحية الذنب في الاسنمة خاصة انتهى. وما ذكره من أنها تشعرقياما غريب لان ذلك غير ممكن والله أعلم. ص: (وتقليد) ش: كان الاولى أيقدم التقليد لان السنة تقديمه في الفعل لانه إذا قدم الاشعار نفرت منه عند التقليد خوف أن يفعل بها ثانيا فعل بها أولا، وكان المصنف اعتمد على ما قدمه في قوله: ثم إشعار ص: (وتجليلها) ش: الضمير للابل فإنها هي التي يستحب تجليلها: قال في التوضيح: وإنما تجلل البدن دون البقر والغنم. قاله في المبسوط. وقد يستفاد ذلك من قول المصنف: وقلدت البقر فقط والله أعلم. والتجليل أن يجعل عليها شيئا من الثياب بقدر وسعه. ص: (وشقها إن لم ترتفع) ش: أي ويستحب شق الجلال عن الاسنمة ليظهر الاشعار إلا أن ترتفع في الثمن أي تكون كثيرة فالمستحب أن لا تشق. قال في البيان: وأن يؤخر تجليلها إلى عند الغد ومن منى إلى عرفة. ونقله في التوضيح. وقول الشارح والمستحب عند مالك شق الجلال عن الاسنمة إلا أن تكون مرتفعة عن الاسنمة تبع فيه التوضيح وهو سبق قلم والله أعلم. ص: (لا الغنم) ش: قال ابن الحاج في مناسكه: قال مالك: ولا تقلد الغنم ولا تشعر ولا تساق في الهدي إلا من عرفة لانها تضعف عن قطع المسافة الطويلة انتهى. ص: (ولم يؤكل من نذر مساكين عين الخ) ش: قوله: من نذر مساكين احترز بقوله: مساكين من النذر إذا لم يكن للمساكين بل نذر أن يتقرب بهدي ولم يسمه للمساكين فإنه داخل في قوله عكس الجميع فيؤكل منه قبل المحل وبعده لان المصنف لم يستثنه فيما لا يؤكل منه بعد المحل ولا فيما لا يؤكل منه قبل المحل، لان هذا حكم النذر المضمون. وأما العين فيؤكل منه بعد المحل لا قبله

[ 282 ]

كالتطوع. قال اللخمي: والمنذور المضمون إذا لم يسمه للمساكين يأكل منه قبل وبعد، وإن سماه للمساكين وهو مضمون أكل منه قبل ولم يأكل منه بعد، وإن كان منذورا معينا ولم يسمه للمساكين أو قلده وأشعره من غير نذر أكل منه بعد ولم يأكل منه قبل انتهى. ونقله في التوضيح، ونص عليه أيضا صاحب الطراز. ولو قال: وهدي تطوع ونذرا عين إن عطبا قبله لوفى بذلك والله أعلم. وقول المصنف: إلا نذرا لم يعين أي نذرا للمساكين. والمعين مثل أن يقول نذر علي أن أهدي هذه البدنة أو أهديها للمساكين. أو هذه نذر للمساكين. والمضمون مثل أن يقول علي نذر أن أهدي بدنة أو أن أهدي بدنة للمساكين. فروع: الاول: قال سند: إذا نذره للمساكين فلا يأكل منه. قال ابن حبيب بلفظ أو بنية أنه للمساكين لا يأكل منه. الثاني: ما أبيح له الاكل منه فله كل جميعه والتصدق بجميعه. قال في الطراز: وهو أحسن إلا أنه لا يدع الاكل والصدقة لقوله تعالى: * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * واختلف الناس فيما يستحب من إطعامه، وظاهر المذهب أنه لا حد فيه، قال في الطراز: وقال أيضا: اختلف في معنى القانع لان القانع في اللغة يقع على من يقنع باليسير فيكون من الصفات، والقانع السائل الاول من القناعة والثاني من القنوع قال الشماخ لمال الحر يصلحه فيفنى مفارقه أخف من القنوع

[ 283 ]

يريد السؤال وبه فسر ابن عباس الآية وهو ظاهر، لانه عطف عليه المعتر وهو الذي يعرض بالسؤال ولا يسأ يقال معتر ومعتري انتهى. الثالث: إذا كان مع المحصر هدي ونحره في المحل الذي أحصر فيه فإنه يكون حكمه حكم ما بلغ محله وله الاكل منه. قاله سند، وسيأتي في الفصل الذي بعد هذا كلامه بلفظه إن شاء الله. ص: (فتلقى قلائده بدمه) ش: يعني أن مهديه ينحره ويلقي قلائده بدمه. فرع: فإن أمكنه ذبحه فتركه حتى مات ضمنه بتفريطه لانه مأمور بذبحه مؤتمن عليه. قاله في الطراز. ص: (كرسوله) ش: يحتمل أن يكون التشبيه راجعا إلى هدي التطوع إذا أرسل مع شخص وعطب قبل محله فإن حكم الرسول حكم ربه فينحره ويلقي قلائده بدمه ويخلي بين الناس وبينه، ويحتمل أن يكون التشبيه راجعا لجميع ما تقدم. قال في المدونة: والمبعوث معه الهدي يأكل منه لا من الجزاء والفدية ونذر المساكين فلا يأكل منها شيئا إلا أن يكون الرسول مسكينا فجائز أن يأكل منه. وقال في الطراز: فإن بلغ الهدي محله كان حكم الرسول حكم المرسل، فكل هدي يأكل منه صاحبه إذا بلغ محله فنائبه يأكل منه، وكل هدي لا يأكل منه صاحبه لا يأكل منه نائبه إلا أن يكون بصفة مستحقة ثم قال: فإن أكل السائق من الهدي إذا عطب قبل محله، فإن كان واجبا لم يجز ربه ونظرت في تضمينه فلا يقبل فيه مجرد قوله لما أكل ولو لم يأكل لقبل وذلك لموضع التهمة، فإن شهد له أحد من رفقته نظرت، فإن أكل من الهدي لم تجز شهادته لموضع التهمة ولانه يثبت لنفسه أنه ما أكل إلا مباحا إذ هو ممنوع أن يأكل منه إذا نحر لغير خوف إلا أنه لا يضمن لان الرسول يزعم أنه إنما أكل بوجه جائز فيضمن السائق والحالة هذه ولا يرجع على أحد ممن أطعمه ويضمن قيمة الهدي وقت نحره لا هديا مكانه. وإنما يضمن الهدي يهدي ربه فقط وإن كان تطوعا فليس على ربه إلا هدي بقيمة ما يرجع به، وإن كان واجبا فعليه هدي بأصل ما وجب عليه. وإن لم يأكل السائق فلا يخلو إما أن يطعم أحدا أم لا فإن لم يطعم أحدا فلا شئ عليه، وإن كان تطوعا فلا شئ على ربه أيضا، وإن كان واجبا فعليه بدله وأطعم، فإن كان واجبا فلا شئ عليه ولا

[ 284 ]

على ربه وإن أمره بذلك لانه مضمون على ربه، وإن كان تطوعا فإن أطعم غير مستحق ضمن ذلك ولا شئ على ربه إن لم يكن بأمره، وإن كان بأمره فعليه البدل. وإن أطعم مستحقا، في شئ عليه وينظر في ربه، فإن أمره بذلك لشخص معين فعليه البدل كما لو كان حاضرا فأطعمه، وإن لم يأمره بمعين ولكن قال أطعمه للمساكين فهو خفيف لان قوله خل بينه وبين الناس كقوله أطعمه للمساكين ولي في ذلك تعيين انتهى. ففهم من كلامه أن حكم الرسول في الاكل وعدمه حكم ربه إلا فيما إذا عطب الواجب قبل محله فلا يأكل منه للتهمة أن يكون عطبه بسببه، فلو قامت بينة على ذلك أو علم أم ربه لا يتهمه أو وطن منفسه على الغرم إن اتهمه جاز له الاكل. والحاصل أنت أكله منه لا يمنقع فيما بينه وبين الله تعالى ولذلك قال: إنه إن أطعم أحدا من الواجب فلا شئ عليه فتأمله والله أعلم. ص: (وضمن في غير الرسول بأمره بأخذ شئ) ش: يعني أن صاحب هدي التطوع إذا عطب قبل محله مأمور بأن يخلي بينه وبين الناس ولا يأمر أحدا بأخذ شئ منه، فإن أمر أحدا بأخذ شئ منه فإنه يضمن بدل الهدي كما يضمن إذا أكل منه أو من هدي منع من الاكل منه. ولا يصح أن يريد أنه يضمن إذا أمر بأخذ شئ‌من الهدي الممنوع من الاكل منه كما قال البساطي، فإن الفدية والجزاء ونذر المساكين إذا بلغت المحل لا يأكل منه وله تفرقتها على المساكين ويأمرهم بالاخذ منها. وقوله في غير الرسول يعني به أن الرسول وإن كان مساويا لصاحب هدي التطوع في كونه لا يأكل منه ولا يأمر أحدا لكنه إن فعل ذلك فلا ضمان عليه. قال في التوضيح: لانه أجنبي. وقال ابن عبد السلام: في سقوط الضمان عنه نظر، يريد ولا ضمان على صاحب الهدي أيضا إذا لم يكن أمر الرسول بذلك. وفي فهم هذا المعنى من كلام المصنف نظر. قال البساطي: والظاهر أن في زائدة انتهى. قلت: وعلى جعلهزائدة ففي الكلام إجمال. ولو قال وضمن ربها فقط بأمر شئ الخ. لكان أبين والله اعلم. ولفظ المدونة: ومن عطب هديه التطوع قبل محله ألقى قلائدها في دمها إذ نحرها ورمى عندها جلالها وخطامها وخلى بين الناس وبينها، ولا يأمر من يأكل منها فقيرا ولا غنيا، فإن أكل أو أمر بأخذ شئ من لحمها. فعليه البدل وسبيل الجلال والخطام سبيل لحمها، وإن بعثت مع رجل فعطبت فسبيل الرسول سبيل صاحبها ولا يأكل منها الرسول، فإن أكل لم يضمن ولا يأمر ربها بها الرسول إن عطبت أن يأكل منها، فإن فعل

[ 285 ]

ضمن، وإن أمره ربها إذا عطبت أن يخلي بين الناس وبينها فعطبت وتصدق بها الرسول لم يضمن وأجزأت صاحبها كمن عطب هديه التطوع فخلى بينه وبين الناس فأتى أجنبي فقسمه بين الناس فلا شئ عليه ولا على ربه انتهى. تنبيهات: الاول: ظاهر قوله في المدونة: وخلى بين الناس وبينها أنه يجوز للغني والفقير تناول ذلك، وصرح صاحب الطراز في شرح مسألة من بعث معه يهدي تطوع وأمره ربه إذا عطب أن يخلي بين الناس وبينه، فلما عطب تصدق به الرسول أنه إذا عطب الهدي ونحره سائقه استحقه المساكين، وأنه إن فرقه على غير المساكين ضمن ذلك اللحم الذي فرقه على غير المساكين للمساكين. وصرح ابن عبد السلام بأن إباحته لا تختص بالفقير بل هو مباح لكل من كان مباحا له يوم مبلغ محله إلا سائقه، ونقله في التوضيح والله أعلم. الثاني: إذا أرسل الهدي ربه وقال للرسول أطعمه للمساكين، تقدم في كلام صاحب الطراز أن ذلك خفيف والله أعلم. الثالث: فهم من كلامهم أنه لا يحتاج إلى أن يبيحه للناس بلفظه خلافا للشافعي. قاله سند. الرابع: انظر إذا قال للناس صاحب الهدي: كلوا، أو قال: أبحتها للناس، فلم أر فيها نصا. وظاهر قوله في المدونة: فإن أكل أو أمر بأكلها أو بأخذ شئ منها فعليه البدل أنه يضمن في قوله: كلوا أو خذوها أو اقتسموها أو نحو ذلك، ولا يضمن في قوله: أبحتها للناس، لانه لم يأمر أحدا، بأخذ شئ. ولو قال من شاء فليأخذها فالظاهر لا يضمن والله أعلم. الخامس: قال أبو الحسن: في قوله في مسألة الرسول أنه لا يضمن البدل، وأما ما أكل منه فيضمن لانه متعد انتهى. وهذا ظاهر وقد تقدم في كلام صاحب الطراز أنه يضمن ما أطعمه لغير المساكين، وصرح صاحب الطراز أيضا بأنه إذا لم يكن فقيرا يضمن ما أكله للفقراء، وهذا يدل على أنه إنما يباح للفقراء كما تقدم والله أعلم. السادس: لو كان عليه هدي واجب فضل فأبدله بغيره فعطب قبل محله فأكل منه كان عليه بدله ثم وجد الاول فإنه ينحره. قال في الطراز: قاله في الموازية ولا بد له من بدل الثاني لانه صار تطوعا أكل منه قبل محله انتهى وهظاهر. ص: (كأكله من ممنوع) ش: وكذا إذا أطعم غنيا أو ذميا مما لا يجوز له الاكل منه فإن عليه البدل. قال في المدونة: وكذا إذا أطعم منه من تلزمه نفقته قاله في الطراز. تنبيه: وهذا إذا أطعم فإن أكل منه بغير إذنه من تلزمه نفقته فإنما عليه قدر ذلك. قال في الطراز: لانه لم يتعد على شئ من الهدي حتى تعذر سقوط الاراقة في حق ذلك ووجوب ضمان الهدي وإنما وصلت إليه منفعة ذلك بما تؤمر عليه من المؤنة فعليه بقدر تلك

[ 286 ]

المنفعة، ولو لم يكن الوالد ولا الولد في عياله لم يلزمه منه شئ ولزم ذلك الاب إن كان مليا لانه أكل ما يستحقه المساكين من غير حق، وكذلك الولد وإن كان الولد البالغ فقيرا فذلك له جائز لانه ليس في عيال أحد وهو من جملة المساكين بخلاف الاب الفقير فإن نفقته على الولد انتهى. قلت: ومثل ذلك إذا أكل منها الغني أو الذمي بغير أمره فعلى الآكل قدر ما أكل، وكذا لو دفعها ربها لمن يفرقها فأعطى المفرق منها غنيا أو ذميا فعلى المفرق بدل ذلك والله أعلم. فرع: فلو أعطى الفدية أو الجزاء أو نذر المساكين من ذلك فلم أر فيه نصا، والظاهر أن لا شئ عليه وإنما هو مكروه من باب أكل الرجل من صدقته الواجبة والله أعلم. ص: (بدله) ش: انظر إذا نسك في الفدية أو جعلها هديا ثم أكل منها وقلنا يلزمه البدل، فهل يلزمه بدل الذي أكل منه أو لا يجوز أن يبدله بدونه كما لو جعل الفدية بدنة وأهداها ثم أكل منها وأراد أن يبدل ذلك ببقرة أو شاة أو أراد أن يطعم أو يصوم ؟ والظاهر أنه يلزمه بدل ذلك الذي أكل منه. قاله في المدونة: ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل أن يبلغ محله جاز له أن يأكل منه لان عليه بدله، وإن بلغ محله لم يجز له أن يأكل منه، وإن أكل منه لم يجزه وعليه البدل وهو جزاء الصيد وفدية الاذى ونذر المساكين انتهى. وقال في الطراز في الهدي الواجب إذا عطب قبل محله وكان عينه من الافضل: فالاحسن والافضل أن يبدله مثل ما كان عليه والواجب مثل ما كان يجزئ أولا، كمن نذر المشي إلى مكة مبهما فمشى في حج ثم ركب وأراد أن يقضي سنة أخرى ما ركب فإنه يأتي بمشي إن شاء في حج وإن شاء في عمرة بحكم النذر كما كان له ابتداء أن يمشي في عمرة لا في حج. واختلف أصحا ب الشافعي فقال بعضهم كما قلنا، وقال بعضهم مثل ما عين لانه أوجب الفضل بتعيينه وهو فاسد لانه ما وجب بالتعيين سقط بالعطب فلا يلزمه ضمانه كما لا يلزمه ضمان ما عين من هدي التطوع إذا عطب انتهى. فرع: لم يذكر المصنف حكم بيع شئ من لحم الهدي ولا الاستئجار به لوضوح ذلك،

[ 287 ]

وقد صرح في المدونة وغيرها بأنه لا يعطي الجزاء شيئا من لحمها ولا جلدها ولا خطامها ولا جلالها وهو واضح. فرع: فإن باع شيئا من الهدي أو استأجر به فظاهر كلام غير واحد أن حكم ذلك حكم الاضحية. وصرح به شارح الرسالة المسمى بكرامة الجزولي ونصه: فإن وقع بيع شئ من الاضحية والهدي والنسك فسخ ما لم يفت، فإن فات فقيل يصرف الثمن فيما ينتفع به من طعامه وماعونه كالرحى والغربال، وقيل يتصدق به، وقيل يصنع به ما شاء انتهى. والمشهور في الاضحية أنه يتصدق به فكذلك هنا إلا أنه ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يبلغ ذلك ثمن الهدي، فإن بلغ اشترى به هديا. قال عبد الحق في النكت: قال بعض شيوخنا فيمن باع جلال هديه يتصدق بثمنه ولا يشتري به هديا وإن بلغ لان الجلال ليس بنفس الهدي. قال عبد الحق: وأيضا فإنما الجلال للمساكين فجعل الثمن بمثابتها يكون صدقة على المساكين. وقال غيره من شيوخنا: يشتري بذلك هديا إن بلغ وإن لم يبلغ تصدق به، والقول الاول أصوب عندي. انتهى ونقله التادلي. قلت: وفي قوله انما الجلال للمساكين نظرا لما سيأتي. ص: (والخطام والجلال كاللحم) ش: هو كقول ابن الحاجب وخطام الهدايا وجلالها كلحمها وفي هدي الفساد قولان. قال ابن عبد السلام: يريد بحيث يكون مقصورا على المساكين يكون الخطام والجلال كذلك، وحيث يكون اللحم مباحا للاغنياء والفقراء يكون الخطام والجلال كذلك. قال أشهب: إن أعطى جلال بدنته الواجبة لبعض ولده فلا شئ عليه انتهى. نقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب والله أعلم. وقول ابن الحاجب وفي هدي الفساد قولان. قال ابن عبد السلام: ونقل ابن فرحون الخلاف في جلال هدي الفساد مبني على الخلاف في اللحم انتهى. والمشهور جواز الاكل من لحمه والله أعلم. ص: (وإن سرق بعد ذبحه أجزأ) ش: قال في المدونة: من سرق هديه الواجب بعد ذبحه أجزأه. قال سند: هذا بين لانه إنما عليه هدي بالغ الكعبة وقد بلغ الهدي محله، فإن كان جزاء صيد أو فدية أذى أو نذر المساكين فقد أجزأه ووقع التعدي في خالص حق المساكين وله المطالبة بقيمته وصرف ذلك للمساكين، لانه كان تحت يده وكانت له قسمته إن شاءوإن شاء غير ذلك فله المطالبة ويفعل بالقيمة ما شاء كما يفعل في قيمة أضحيته إذا سرقت، ويستحب له ابن القاسم أن يدع المطالبة بالقيمة لما فيه من مضارعة البيع انتهى. ص: (لا قبله) ش: قال في المدونة: وكل هدي واجب ضل من صاحبه بعد تقليده أو مات قبل أن ينحره بمنى أو في الحرم أو قبل أن يدخل الحرم، فلا يجزئه وعليه

[ 288 ]

بدله. وكل هدي تطوع هلك أو سرق أو ضل فلا بدل على صاحبه فيه انتهى. ص: (وحمل الولد على غيره الخ) ش: قال سند: وجملة ذلك أن حق الهدي يسري إلى الولد كحق العتق في الاستيلاد والتدبير والكتابة، فإذا ولدت ساقه مع أمه إن أمكن إلى محل الهدي فإن لم يمكن سوقه حمله فإن كان له محل غير أمه حمله عليه كما يحمل عليها زاده عند الحاجة والضرورة، فإن لم يكن فيها ما يحمله قال ابن القاسم: يتكلف حمله - يريد - لان عليه بلوغه بكل حيلة يقدر عليها. قال أشهب: وعليه أن ينفق عليه حتى يجد له محلا ولا محل له دون البيت، فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا كان حكم هذا الولد حكم الهدي إذا وقف منه، فإن كان في مسغبة فإنه ينحره في موضع ويخلي بين الناس وبينه ولا يأكل منه، كانت أمه تطوعا أو عن واجب، فإن أكل شيئا من الولد قال ابن الماجشون عن ابن حبيب: عليه بدله. ثم قال أشهب: وإن نحره في الطريق أبدله بهدي كبير ولا يجزئه بقرة يريد في نتاج البدنة. قلت: هذا مما ولد بعد التقليد، وأما ما ولد قبله فلا يجب ذلك فيه. قال مالك في الموازية: وأحب إلي أن ينحره معها إن نوى ذلك. قال محمد يعني نوى بأمه الهدي. فرع: ولو وجد الام معيبة لم يكن له أن يتصرف في ولدها وكان تبعا لها في حكم الهدي. ص: (ولا يشرب من اللبن وإن فضل) ش: صرح سند بأنه إذا فضل عن كفاية ولدها كره له ذلك، والظاهر أنه إذا لم يفضل يمنع. وقال ابن عرفة ابن حارث: اتفقوا على منع ما يروي فصيلها فإن لم يكن أو فضل عنه فقال مالك: لا يشرب فإن فعل فلا شئ عليه. أشهب، لا بأس به وإن لم يضطر ويسقيه من شاء ولو غنيا. انتهى والله أعلم. تنبيه: وهذا إذا لم يكن في تركه ضرر كما قال محمد وإلا فيحلب ما تزول به الضرورة. وصرح ابن عبد السلام بأن شرب لبنها مكروه على المذهب قال: وحكى بعض الشيوخ قولا بالاباحة. ص: (وغرم إن أضر بشربه الام أو الولد موجب فعله) ش: نحوه

[ 289 ]

لابن الحاجب. قال ابن فرحون في شرحه: فإن أضر شربه بها أو بولدها غرم قيمة ما أضر بها في بدنها ونقصها أو أضر بولدها، فإن مات ولده بإضراره فعليه بدله مما يجوز في الهدي وهو معنى قوله موجب فعله وهو بفتح الجيم أي الذي أوجبه فعله انتهى. ص: (وندب عدم ركوبها بلا عذر) ش: قال سند: وهو مقيد بشرط سلامتها فإن تلفت بركوبه ضمنها قال: ولا يركبها بمحمل ولا يحمل عليها متاعا وإنما يفعل من ذلك ما دعت الحاجة إليه. وقال ابن عبد السلام: ركوب الهدي لضرورة جائز، ولغير ضرورة المشهور كراهته، والقول الثاني جوازه ما لم يكن ركوبا فادحا. انتهى والله أعلم. ص: (فلا يلزم النزول بعد الراحة) ش: قال سند على قول مالك: ولا يركبها إلا من ضرورة ينبغي إذا استغنى عن ركوبها أيريحها انتهى. وقال في الارشاد: ولا يركب عليها ولا يحمل إلا من ضرورة، فإذا زالت بادر للنزول والحط. قال الشيخ زروق: لان ما أبيح للضرورة قيد بقدرها والمشهور ليس عليه النزول بعد راحته ولا له الرجوع إلا لعذر انتهى. ص: (وأجزأ إن ذبح غيره عنه مقلدا ولو نوى عن نفسه إن غلط) ش: قوله عنه يحتمل أن يتعلق بذبح وهو المتبادر إلا أنه لا يلائم قوله بعده: ولو نوى عن نفسه وكان الاولى إذا قصد ذلك أن يقول: كان نوى عن نفسه. ويحتمل أن يتعلق بقوله: أجزأ لكنه بعيد من جهة اللفظ. وقوله: إن غلط يعني به أن الغير إذا نوى الهدي عن نفسه فإنه إنما يجزئ عن صاحبه إذا كان ذلك غلطا، وأما إن نوى عن نفسه تعديا فلا يجزئ. قال في التوضيح: وسواء وكله صاحبه على ذبحه أو لم يوكله. وقاله ابن عرفة أيضا وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة. قاله في الرفقاء يغلطون فيذبح هذا هدي هذا ويذبح الآخر هدي

[ 290 ]

الآخر أنه يجزئ، وإذا لم يجز صاحبه فالمشهور أنه لا يجزي الذابح. وروى أبو قرة عن مالك أنه يجزئ الذابح وعليه قيمتها انتهى. فرع: قال في الطراز: إذا قلنا لا يجزئ الاول فله أخذ القيمة من الثاني. فرع: إذا نحر الهدي غير صاحبه عن صاحبه أجزأه ولو كان بغير إذنه. قاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: ونحوه في المدونة والله أعلم. فصل (وإن منعه عد أو فتنة) ش: قال ابن عبد السلام: وحصر العدو معلوم، والفتن ما قد يجري بين المسلمين كفتنة ابن الزبير والحجاج. فرع: قال التادلي: قال في تهذيب الطالب: والريح إذا تعذر على أصحاب السفن ليس

[ 291 ]

يكون تعذره كحصر العدو وهو مثل المرض لانهم يقدرون على الخروج إلى البر فيمضوا لحجهم انتهى. ص: (أو حبس لا بحق) ش: حكى ابن الحاجب في حبس السلطان ثلاثة أقوال: الاول أنه كالمرض وهو قول مالك في الموازية، والثاني أنه كالعدو ونقله ابن بشير، وثالثها إن كان الحبس بحق فكالمرض، وإن كان بباطل فكالعدو. وقال في التوضيح: وهذا القول ذكره في البيان عن مالك ولم يجعله خلافا للاول بل ساقه على أنه وفاق وهو اختيار ابن يونس انتهى. وعلى هذا اعتمد المصنف هنا فجعل الحبس لا بحق كحبس العدو، ثم ذكر بعد ذلك الحبس بحق وجعله كالمرض. تنبيه: قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام ابن رشد أن الظلم الموجب لتحلل المحبوس وإلحاقه بالعدو وهوأن يكون ظلما وعداء في ظاهر الحال ولا يحتاج أن يكون ظلما في نفس الامر حتى إنه إن حبس بتهمة ظاهرة فهو كالمرض، وإن كان يعلم من نفسه أنه برئ قال: وفيه عندي نظر، وإنما كان ينبغي أن يحال المرء على ما يعلم من نفسه لان الاحلال والاحرام من الاحكام التي بين العبد وربه ولا مدخل فيها للولاة، فإن علم من نفسه البراءة جاز له التحلل ولو كان سبب التهمة ظاهرا انتهى. وقبله في التوضيح، وجعل ابن عرفة الخلاف فيمن حبس بتهمة، وجعل قول ابن رشد أن من حبس ظلما بغير تهمة ولا سبب فهو كالعدو خارجا عن ذلك، وظاهر كلام صاحب الطراز أنه يعمل على ما يعلمه من نفسه فإنه قال: من حبس في حق من دين أو قصاص لم يجز له التحلل إذ لا عذر له في حبسه إذا كان يقدر على أدائه، وإن كان لا يقدر على أدائه أو حبس عدوانا فحكمه حكم من أحاط العدو به من سائر الاقطار، والظاهر أنه يتحلل لما عليه من الضرر. انتهى فتأمله. ونص كلامه في المدونة في الحج الثاني: قال ابن القاسم: كنت عند مالك سنة خمس وستين ومائة فسئل عن قوم اتهموا بدم وهم محرمون فحبسوا في المدينة فقال: لا يحلهم إلا البيت ولا يزالون محرمين حتى يقتلوا أو يخلوا فيحلوا بالبيت انتهى. وذكر المسألة في آخر رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الحج ونصها: سمعت مالكا وسئل عن محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالابواء أو بالجحفة اتهما بقتل رجل وجد قتيلا فأخذا فردا إلى المدينة فحبسهما عامل المدينة. قال مالك: لا يزالان محرمين حتى يطوفا بالبيت ويسعيا وأراهما مثل المريض. قال ابن رشد: زاد في النوادر عن مالك: أو يثبت عليهماما ادعى عليهما فيقتلان وهو تمام المسألة انتهى. قلت: قد تقدم ذلك في نص المدونة ثم قال ابن رشد: إنما رآهما كمن حصر بمرض لانهما إذا حبسا بالحكم الذي أوجبه الله تعالى فكان كالمرض الذي هو من عند الله، ولو حبسا ظلما وعداء لكان حكمهما حكم المحصر بعدو ويحلان موضعهما الذي حبسا فيه ويحلقان وينحران هديا إن كان معهما ولا قضاء عليهما عند مالك. انتهى مختصرا. فرع: قال في سماع أبي زيد من كتاب القذف من البيان فيمن زنا وكان بكرا وأخذ

[ 292 ]

بمكة وهو محرم: فإنه يقام عليه ويبقى ولو كان بمكة ولا ينتظر به أن يفرغ من الحج. ابن رشد: لان التغريب به من تمام الحد فتعجيله واجب لا يصح أن يؤخر لاجل إحرامه، ولعله إنما أحرم فرارا من السجن. وقد كان مالك إذا سئل عن شئ من الحدود أسرع الجواب وأظهر السرور وقال: بلغني أن يقال: لحد يقام بأرض خير من مطر أربعين صباحا. وإذا سجن كان حكمه حكم المحصر بمرض انتهى. ص: (إن لم يعلم به) ش: أي بالمنع ويعني أن من أحصر فإنه باح له التحلل بشرط أن يكون عند الاحرام لم يعلم أنهم يمنعونه، سواء علم بالعدو أو لم يعلم به، وأحرى إذا طرأ بعد إحرامه. وهذه الثلاث حالات التي ذكر اللخمي أنه يصح الاحلال فيها وهي ما إذا طرأ العدو بعد الاحرام أو طرأ قبله ولم يعلم به أو علم به وكان يرى أنهم لا يمنعونه. هكذا نقل المصنف وغيره عن اللخمي. ومفهوم قول المصنف إن لم يعلم به أنه لو علم بالمنع لم يجز له الاحلال وهو كذلك نقله في التوضيح عن اللخمي والباجي. تنبيهات: الاول: يدخل في قول المصنف: إن لم يعلم به ما إذا علم أنهم لا يمنعونه أو ظن ذلك أو شك فيه أو توهم ذلك ثم منعوه، أما إذا علم أنهم لا يمنعونه فلا كلام، وأما إذا ظن فحكمه حكم العلم كما صرح به المصنف في مناسكه ونصه: موانع الحج ستة. الاول: العدو والفتن وهو مبيح للتحلل ونحر الهدي حيث كان إذا طرأ ذلك بعد الاحرام أو كان قبله ولم يعلم أو ظن أنهم لا يصدونه انتهى. فأحرى إذا كان أولا عالما بأنهم لا يمنعونه ثم قال: وأما إن علم منعهم له فلا يجوز له الاحلال. نقله ابن المواز عن مالك ونص عليه اللخمي وغيره وقاله ابن القاسم انتهى. وأما إذا شك في منعهم إياه فلا يجوز له فنقل في التوضيح والمناسك عن اللخمي أنه لا يحل إلا أن يشترط الاحلال ونصه قال اللخمي: وإن شك في منعهم له أن يحل إلا أن يشترط الاحلال ثم قال خليل: وظاهر المذهب أن شرط الاحلال لا يفيد انتهى. وبهذا جزم المصنف فيما يأتي فقال: ولا يعيد لمرض أو غيره نية التحلل

[ 293 ]

بحصوله. ونقله في التوضيح عن المازري وعياض. وإذا كان لا يتحلل إذا أحرم مع الشك فأحرى مع الوهم. الثاني: إذا أحرم هذا في وقت يدرك فيه الحج قال سند: فإن أحصر بعدما أحرم وكان لا يمكنه الحج وإن لم يكن حصر لم يتحلل. قال ابن القاسم في الموازية: وإن أحرم من بلد بعيد ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك فليثبت هذا حراما حتى يحج من قابل، فإن حصره عدو ولم يمنعه بقي على إحرامه إلى قابل لان العدو ليس الذي منعه من الحج انتهى. ونقله اللخمي وزاد: إلا أن يصير إلى وقت إن خلي لم يدرك الحج عاما قابلا انتهى. الثالث: قال سند: قال ابن القاسم في الموازية فيمن أحصر بعد وقبل أن يحرم ثم أحرم وفاته الحج لطول سفر أو غيره قال: أحسب هذا لا يحله إلا البيت لانه أحرم بعد أن تبين له المنع انتهى. ص: (قبل فوته) ش: يحتمل أن يتعلق بقوله: فله التحلل ويكون قد أشار به إلى مخالفة قول أشهب لانه لا يحل إلايوم النحر، ويحتمل أن يتعلق بقوله: وأيس من زواله والاول أولى لافادته ما ذكر وأما الثاني فظاهر لان المعنى أيس من زوال العذر قبل فوات الحج. وظاهر كلامه أنه يحل إذا أيس من زوال العدو وقبل فوات الحج ولو بقي من الوقت ما لو زال العذر لادرك فيه الحج، وهذا ظاهر أول كلام المدونة. قال في التوضيح: واعلم أنه وقع في المدونة موضعان: الاول إذا أيس أن يصل إلى البيت فيحل بموضعه حيث كان. قال في التوضيح: وقال في موضع آخر: لا يكون محصرا حتى يفوته الحج ويصير إن خلي لم يدرك الحج فيما بقي من الايام، فذهب ابن يونس إلى أن الاول راجع للثاني. قال: وقاله بعض شيوخنا. وقال غيره: بل ذلك اختلاف قول ابن يونس والاول أبين. انتهى كلام التوضيح. وهذا الذي اختاره ابن يونس اختاره صاحب الطراز فإنه قال: قال اللخمي: مذهب ابن القاسم أنه إذا كان على إياس من انكشافه حل مكانه قال صاحب الطراز: والذي قاله اللخمي ليس بمذهب لابن القاسم ولا يحل عنده حتى يكون في زمان يخشى فيه فوات الحج وقال: إن كلامه الثاني يفسر الاول إذا علم أن هذا هو الراجح فينبغي أن يحمل كلام المصنف عليه فيكون معنى قوله: وأيس من زواله قبل فوته أنه لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمان يمكنه فيه السير ولو زال العذر والله أعلم. تنبيه: قال في الطراز فيمن أحصر فلما بلغ أن يحل انكشف العدو قبل أن يحلق وينحر فله أن يحل ويحلق مثل ما لو كان العدو قائما. وهذا إنما يكون إذا فاته إدراك الحج في عامه، وهو أيضا على بعد من مكة، فإن لم يفته فلا يحل. ولو قيل لا يحل إذا وجد السبيل إلى

[ 294 ]

البيت لانه قادر على الخروج من إحرامه بكمال فعله، إما فعل الحج أو فعل العمرة إن عجز عن الحج لكان له وجه، وإذا ضاق الوقت عن إدراك الحج إلا أنه بقرب مكة لم يحل إلا بعمل عمرة لانه قادر على الطواف والسعي من غير كبير مضرة، فإن كان الحصر في العمرة فهاهنا ينبغي أن لا يتحلل لانه قادر على فعل العمرة كما لو انكشف العدو في الحج والوقت متسع. انتهى مختصرا ونحوه للخمي. تنبيه: قال سند: وأما حد ما يؤخر إليه في العمرة قال ابن القاسم في الموازية: يحل وإن كان لا يخشى فيها فوتا. وقال ابن الماجشون: يقيم إن رجا إدراكها لفوره بما لا ضرر فيه على الصبر عليه فإن لم يرجه إلا في طول فليحل. وهذا موافق لابن القاسم، ويرجع ذلك لحاله. فإن لم يكن عليه كبير ضرر في تربصه ولا يفوته العود إلى أهله تربص، فإن خاف تعذر رجوعه إن تربص تحلل. انتهى مختصرا والله أعلم. فرع: فإن قدر على التقرب إلى مكة لم يلزم ذلك ويحل بموضعه. قاله في الطراز ونقله المصنف في مناسكه عن الباجي. فرع: قال سند: فإذا أحصر فلم يتحلل حتى فاته الحج فقال ابن القاسم: يلزمه حكم الفوات وهو قول الشافعي إلا أن عند الشافعي بهدي هديين للفوات وللحصر، وعند ابن القاسم بهدي للفوات فقط، وإنما يتحلل المحصر قبل فوات الحج فإن بقي على إحرامه حتى فاته الحج فقد وجب عليه القضاء والهدي قبل أن يتحلل للحصر ويكون الحصر بعد الفوات لا تأثير له، فإن أراد التحلل فمنع من مكة كان كالحصر في العمرة فيتحلل هذا في غير طواف ويقضي الحج لا العمرة فتأمله. وسيأتي أيضا عند قول المصنف: وإن حصر عن الافاضة ما يؤيد ذلك من كلام صاحب الطراز أيضا والله أعلم. ص: (بنحر هديه وحلقه) ش: ظاهر كلامه أن التحلل إنما يحصل بنحر الهدي والحلاق وليس كذلك، لان التحلل يحصل بالنية كما قال في الطراز والحلق من سنته كما سيأتي عند قول المصنف: ولم يفسد بوطئ بل قال في الطراز: لا خلاف أنه لو حلق ولم يقصد به التحلل أنه لا يتحلل بذلك وكذلك نحر الهدي. وصرح في الطراز أيضا أن نحر الهدي ليس بشرط في التحلل على قول أشهب القائل بوجوب الهدي على المحصر فأحرى على المشهور القائل بعدم وجوبه على المحصر. وفي الشامل: وكفت نية التحلل على المشهور. تنبيه: وينحر هديه حيث كان من حل أو حرم. لكن قال في الطراز: إن قدر على إرساله إلى مكة فعل ثم قال: فإن كان غير مضمون فلا ضمان عليه فيه. وحكمه في الاكل

[ 295 ]

حكم ما بلغ محله لان ما عطب من هدي التطوع قبل محله، وأما الهدي المضمون فإنه على حكم الحج المضمون. فإن قلنا إن الفرض سقط عنه أجزأ، وإن قلنا لا يسقط الفرض فكذلك لا يسقط الهدي. انتهى بالمعنى. ص: (ولادم إن أخره) ش: سواء أخر التحلل أو تحلل وأخر الحلاق. قاله في الطراز. ص: (ولا يلزمه طريق مخوفة) ش: مفهومه أنه إذا لم تكن مخوفة لزمه سلوكها وإن كانت طويلة وهو كذلك. نقله في التوضيح عن ابن الماجشون. قال ابن عرفة: وظاهر مساقه في النوادر أنه لابن القاسم. تنبيه: قال في التوضيح: إذا كانت طريق غير مخوفة ولو كانت أبعد فليس بمحصور إن بقي من المدة ما يدرك فيه الحج انتهى. فمفهومه أنه لو بقي من المدة ما لا يدرك فيه الحج أنه محصور. وقال في الطراز: إن كانت له طريق أخرى يمكن الوصول منها لا يخاف منها فليس بمحصور وليسلك تلك الطريق، طويلة كانت أو قصيرة، يخاف فيها الفوات أو لم يخف، وهو كمن أحرم بالحج من أول ذي الحجة من مصر أو بأقصى المغرب فإنه وإن أيس من إدراك الحج لا يحله إلا البيت لان له طريقا إلى البيت. انتهى فتأمله مع كلام التوضيح فإن مفهوم كلامه في التوضيح مخالف له والله أعلم. ص: (وكره إبقاء إحرامه إن قارب مكة أو دخلها) ش: ليس هذا من فروع المحصر وإنما هذا في حق من فاته بأحد الوجوه الآتية والله أعلم. تنبيه: فإن بقي على إحرامه أجزاه على المشهور. وقال ابن وهب: لا يجزيه عن حجة الاسلام وعلى المشهور لا هدي عليه، وفي العتبية: عليه الهدي قاله في التوضيح إما لانه كتأخير أفعال الحج عن وقته، وإما على سبيل الاحتياط إذ الغالب عدم الوفاء بحق الاحرام مع طول المقام ولهذا قال بعضهم: إن الهدي لا يؤكل منه لاحتمال أن يكون أماط أذى. ص:

[ 296 ]

(ولا يسقط عنه الفرض) ش: قال سند: من حصره العدو بعدما أحرم وهو في حج أو عمرة، فإن كافي تطوع لم يلزمه قضاء ذلك عند الجمهور، وإن كان في واجب نظرت، فإن كان في معين كالنذر المعين فلا شئ فيه أيضا، والنذر المعين في ذلك كالتطوع لانه بعد شروعه يتعين وجوبه، وإن كان في واجب مضمون كالنذر وفي الذمة من غير تعيين أو فريضة الاسلام في الحج فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل: يبقى الوجوب في ذمته. وقال ابن الماجشون: يجزئه، وإنما يستحب له مالك القضاء. انتهى أكثر باللفظ. وأما العمرة فإن لم ينذرها أو نذرها نذرا معينا فهي كالحج التطوع، وإن كان نذرا مضمونا فهي في ذمته. فتأمل كلام سند تجده موافقا لذلك، ويؤيد تقييد فريضة الاسلام بالحج وإطلاقه في الباقي. وأما عمرة القضاء فقال في التوضيح: إنما سميت عمرة القضاء لمقاضاته عليه السلام. والحنفية يقولون: لانها قضاء انتهى. ولو قلنا بقول الحنفية: إنها قضاء لم يلزمنا محذور لانا نقول فعله (ص) دليل على جواز القضاء فقال في التوضيح: إنما سميت عمرة القضاء لمقاضاته عليه السلام. والحنفية يقولون: لانها قضاء انتهى. ولو قلنا بقول الحنفية إنها قضاء لم يلزمنا محذور لانا نقول فعله (ص) دليل على جواز القضاء ونحن لا نمنعه وإنما نتكلم في وجوبه وليس في الخبر ما يدل عليه لان الذين صدوا معه (ص) كانوا ألفا وأربعمائة، والذين اعتمروا معه كانوا نفرا يسيرا، ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام أمر الباقين بالقضاء، ولو كان واجبا لبينه لهم وأمرهم به، قال سندوالله أعلم. ص: (ولم يفسد بوطئ إن لم ينو البقاء) ش: يشير إلى قوله في المبسوط: من حل له التحلل فلم يفعل حتى أصاب النساء أمه إن نوى أن يحل فلا شي عليه، وإن نوى أن يقيم على إحرامه لقابل فسد حجه وعليه القضاء انتهى. قال سند: وهذا يجري على ما سلف لان التحلل يقع من غير حلاق وأن الحلاق من سنته. فإن نوى هذا أنه تحلل فلا شئ عليه ويحلق بعد ذلك ولا دم عليه بخلاف من جامع بعد رميه وإفاضته وقبل الحلق لانه قطع بالجماع توالى نسكه، وها هنا سقطت المناسك رأسا فسقط حكم تواليها. فإن قيل: بقي قسم

[ 297 ]

ثالث وهو ما إذا لم ينو البقاء ولا التحلل وكلام المصنف يقتضي أنه لا يفسد حينئذ ولا يفهم حكمه من كلام المبسوط. فالجواب والله أعلم أنه إذا لم ينو التحلل فقد نوى البقاء لان البقاء لا يحتاج إلى تجديد نية لانه مستمر على إحرامه الاول ما لم ينو التحلل منه فتأمل. ص: (كنسيان الجميع) ش: هكذا قال في المدونة على اختصار ابن يونس، ومفهومه أنه لو تعمد ترك الجميع تعددت عليه الهدايا، وصرح بذلك في التوضيح فقال خليل: ولو قيل إذا نسي الرمي والمبيت بالمزدلفة بالتعدد ما بعد لتعدد الموجبات كما في العمد، وكأنهم لاحظوا أن الموجب واحد لا سيما وهو معذور انتهى. هكذا رأيت في التوضيح هذا الكلام منسوبا للمصنف. وذكر ابن غازي عن التوضيح أنه نقله عن ابن راشد ولعل ذلك في نسخته من التوضيح. وظاهر ما في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب الحج أن العمد مثل النسيان عند ابن القاسم. ونصه: وسألته عن الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده، كم عليه من دم ؟ قال: لا أرى عليه إلا دما بدنة أو بقر. ابن رشد: أجزأه دم واحد لترك الوقوف بالمشعر والرمي والمييت بمنى قياسا على من فاته الحج فإنه يحل ويهدي هديا واحدا إذا حل بعمرة لما فاته من الحج وقد فاته عمل الحج كله. وقال أشهب: عليه ثلاثة هدايا، هدي لترك الجمار، وهدي لترك المبيت بمنى، وهدي لترك المزدلفة وهو أقيس. انتهى ونقله ابن عرفة في الكلام على رمي الجمار. وقال في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن القاسم في مريض أفاض بعد رمي جمرة العقبة فأقام بمكة ولم يأت منى ولم يرم الجمار كلها حتى ذهبت أيام منى قال: أرى أن يهدي بدنة، فإن لم يقدر فما استيسر من الهدي شاة، فإن لم يجد صام هذا. ابن رشد: مثل قوله في المدونة إن من ترك الجمار لعذر أو نسيان أو عمد حتى ذهبت أيام منى أنه يهدي ولم يختلف قوله في ذلك كما اختلف إذا ترك رمي يوم فرماه في الليل وفيما بقي منها انتهى. ولم يتعرض ابن رشد هنلتعدد الهدي. وقال في الطراز في باب حكم منى والرمي لما تكلم على التعجيل: فإذا غربت الشمس وهو بمنى ثم أراد التعجيل قال في المدونة: فإن جهل فتعجل فقد أساء وعليه الهدي. يريد إذا لم يرجع ليبيت بمنى. وكذلك إذا أصبح عاد لرمي الجمار في اليوم الثالث وعليه هدي لترك المبيت، وإن لم يرجع كان عليه هدي لخطأ التعجيل ويجزئه عن ترك الرمي بعده. ثم ذكر مسألة العتبية الاولى، وذكر في التوضيح لما تكلم

[ 298 ]

على فرع المتعجل عن ابن راشد أن الدم يتعدد، وذكره عن الباجي أيضا وذكر ابن عرفة كلام الباجي. والحاصل: أن في التعدد مع العمد قولين: لابن القاسم وأشهب. فعند ابن القاسم لا يتعدد، وعند أشهب يتعدد وهو الذي يفهم من كلام المصنف هنا وفي مناسكه وصرح به في توضيحه والله أعلم. ص: (وإن حصر عن الافاضة الخ) ش: قال ابن غازي: ما ذكره في المحصور عن الافاضة تبعه عليه صاحب الشامل، ولم أر من ذكر أن المحصر عن الافاضة لا يحل إلا بفعل عمرة بل لا يحل إلا بالافاضة وهو داخل في قوله أولا وإن وقف وحصر عن البيت فحجة ولا يحل إلا بالافاضة فتعين أنه تصحيف وإن تواطأت عليه النسخ التي وقفنا عليها. وصوابه وإن حصر عن عرفة وبهذا يوافق قول اللخمي وغيره إن صد عن عرفة خاصة دخل مكة وحل بعمرة، ويؤيده أنه ذكر في توضيحه ومناسكه أن حصر العدو على ثلاثة أقسام: عن البيت وعرفة معا، وعن البيت فقط، وعن عرفة فقط. وبما صورناه يكون قد استوى هنا الثلاثة كما فعل ابن الحاجب وغيره انتهى. قلت: ما ذكره حسن ويمكن أن يقال: عبر المصنف عن الحصر عن الوقوف بالحصر عن الافاضة لقوله تعالى * (فإذا أفضتم من عرفات) * لكن في إطلاق الافاضة على الوقوف يعد ولا يقال إنما أطلق المصنف الافاضة على الافاضة من عرفة لا على الوقوف ويعني به أن من وقف بعرفة وحصر عن الافاضة منها فحكمه حكم من فاته الحج كما قال ابن جزي في آخر الباب الثامن من كتاب الحج لما تكلم على فوات الحج: وفواته بثلاثة أشياء آخرها فوات أعماله كلها، والثاني فوات الوقوف بعرفة يوم عرفة أو ليلة يوم النحر وإن أدرك غيرها من المناسك، والثالث من أقام بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر، وسواء كان وقف بها أو لم يقف انتهى. وإذا كان ذلك حكم من حصر عن الافاضة من عرفة علم منه حكم من حصر عن الوقوف بالكلية لانا نقول: هذا الذي ذكره ابن جزي غريب لا يعرف لغيره، بل ظاهر نصوص أهل المذهب أن من وقف بعرفة في جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج ولو طلع عليه الفجر بها. وكلام صاحب الطراز كالنص في ذلك وكذلك كلام اللخمي وابن عبد السلام فيمن ذكر صلاة عند الفجر وكان إن اشتغل بها فاته الوقوف، وقد تقدم التنبيه على ذلك عند قول المصنف: وصلى ولو فات. وأيضا فلو قيل بذلك في حق من ترك الخروج من عرفة من غير عذر فلا يقاس عليه من تركه لاجل حصر العدو فتأمل والله أعلم.

[ 299 ]

تنبيهات: الاول: هذا القسم أعني المحصرعن الوقوف وإن كان حكمه حكم من فاته الحج في كونه لا يحل إلا بفعل عمرة فإنه يخالفه في حكم آخر، وهو أن المحصر بعد ولا قضاء عليه كما صرح به المصنف في مناسكه وصرح به غيره فإنهم بعد أن ذكروا أقسام المحصر الثلاثة قالوا: ولا قضاء على محصور ولا يسقط الفرض. وكما يفهم ذلك من كلام سند الآتي في التنبيه الثاني بخلاف من فاته الحج فإن عليه قضاء ما فاته ولو كان تطوعا كما صرح به في النوادر والجلاب وغيرهما. الثاني: ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أن من أحصر عن عرفة لا يحله إلا البيت قريبا كان أو بعيدا. وقال ابن عرفة: وإن أحصر عن عرفة فقط وبعد عن مكة فقول اللخمي: حل مكانه صواب وإن قرب منها ففي كون تحلله بعمرة أو دونها قولان: لنص اللخمي وظاهر قول الباجي. وفي كلام صاحب الطراز إشارة إلى ذلك فإنه قال: المشهور أن من حصره العدو بمكة إنما يتحلل بالطواف والسعي كما يتحلل المعتمر. وهذا عندي استحسان وإنما العمرة في حق من يفوته الحج إذ لا يجوز له التحلل إلا بفعل إحرام تام، والحصر يبيح التحلل من غير فعل بدليل من بعد عن مكة في الموضعين ممن صد عن عرفة، فإن كان قادما على مكة دخلها وطاف وسعى، وكذلك إن كان بمكة وقد دخل من الحل محرما فإنه يطوف ويسعى ولا يخرج إلى الحل، فإن طرأ الحصر وسعيه استحب له الاعادة ليتحلل بالسعي كما يتحلل المعتمر، فإن أخر تحلله حتى خرج زمن الوقوف بعد طوافه وفاته الحج وجب عليه عمل العمرة لان من فاته الحج لا يتحلل إلا بعمرة والاول لم يفته وإنما يتحلل للحصر، فإن كان إحرامه بالحج من مكة فلم يطف ولم يسع حتى أحصر عن عرفة أخر ما رجا كشف ذلك حتى إذا خاف الفوات حل فيطوف ويسعى لانه قادر على السعي. ويستحب له أن يخرج إلى الحل ليكون سعيه عقب طواف من الحل قدم به كما يفعل من يفوته الحج، فإن طاف وسعولم يخرج أجزأه كما يجزئ ذلك من أحرم من مكة فطاف وسعى ثم أتم حجه ورجع إلى بلاده بخلاف المعتمر، ولا دم فيه بخلاف الراجع إلى أهله لان الراجع لا يستحب له أن يخرج من مكة في إحرامه ثم يعود إليها فيطوف ويسعى، ولو فعله لم يسقط عنه الامر بالاعادة وإن كان مأمورا بأن يسعى عقب إفاضته، فإن لم يأت به حتى رجع فعليه دم وهذا سقط عنه طواف الافاضة إذ لا إفاضة في حقه وإنما الافاضة بالرجوع من منى فيستحب له أن يخرج إلى الحل ثم يدخل فيطوف ويسعى انتهى. ونص كلام اللخمي لا يخلو المحصر عن الحج إما أن يكون بعيدا من مكة أو قريبا منها أو فيها أو بعد أن خرج منها ولم يقف أو بعد وقوفه بعرفة. فإن كان المحصر على بعد من مكة حل مكانه، وكذلك إن كان قريبا وصد عن البيت وإن صد عن عرفة خاصة دخل مكة وحل بعمرة، وكذلك إن كان فيها وكان إحرامه من الحل فإنه يحل بعمرة ولا يخرج للحل، وإن كان إحرامه من مكة وقدر على الخروج للحل فعل ثم يدخل بعمرة، فإن لم يخرج وطاف وسعى وحلق ثم أصاب النساء لم يكن عليه شئ.

[ 300 ]

وقد قال مالك فيمن أحرم من الحرم وطا ف وسعى قبل الوقوف ثم طاف الافاضة ثم حل وأصاب النساء: لا شئ عليه. وإن خرج ممكة ثم صد عن الوقوف خاصة حل بعمرة وإن صد عن الوقوف وعن مكة مكانه وإن وقف بعرفة. وذكر بقية الكلام في ذلك والله أعلم. الثالث: إذا أفسد المحرم حجة ثم حصر، فهل له أن يتحلل ؟ وهل يلزمه القضاء ؟ لم أر فيه نصا. وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير: إن له أن يتحلل ويلزمه القضاء ودم للفساد ودم للحصر، كذا قال الشافعية والحنفية والحنابلة قال: وهو مقتضى قول المالكية إلا أنه لا هدي عندهم على المحصر وما قاله ظاهر والله أعلم. الرابع: قول المصنف: بفعل عمر ظاهره أن إحرامه الاول باق وأنه لم ينقلب عمرة. وقال في الطراز في باب الاحصا: من فاته الحج وأراد التحلل، هل ينقلب إحرامه عمرة ويحل بها أولا وإنما يأتي بطواف وسعي في حجه يكون ذلك من شرط تحلله إذ لا يكمل تحلل حتى يطوف ويسعى فيكون طوافه وسعيه لتحلله من حجه وهو باق على إحرام حجه هذا يختلف فيه. فظاهر المذهب أنه ينقلب عمرة وينويها. قال في العتبية عن ابن القاسم: إذا أتى عرفة بعد الفجر فليرجع إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر وينوي بها عمرة. وهل تنقلب عمرة من أصل الاحرام أو من وقت ينوي فعل عمرة يختلف فيه انتهى. وقال بعده في باب الفوات: ويختلف فيه هل ينقلب إحرامه عمرة وينوي أنه في عمرة، أو يطوف ويسعى على اعتقاد الحج ويتحلل بذلك. كل ذلك قد مر ذكره في باب المحصر وذكر الخلاف فيه انتهى. وما ذكره عن ابن القاسم هو في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الحج. وقال ابن رشد في شرحهما: وهذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه. وقال ابن عرفة التونسي: معنى تحلله بعمرة أي يفعلها لا أنها حقيقة وإلا لزم قضاؤه عمرة لو وطئ في أثنائها. ابن عرفة: هذا خلاف نصها. ونص سماع عيسى بن القاسم: من فاته الوقوف طاف وسعى ونوى به العمرة. وخلاف قول الاشياخ ابن رشد وغيره انتهى. ثم بحث معه في الالزام الذي ذكره ثم قال: ويجاب بأن قضاء الحج يستلزم قضاءها لانها لا تفعل بإحرامه. ص: (وحبس هديه معه إن لم يخف عليه) ش: قال سند: لان من ساق هدي تطوع يستحب له أن ينحره بنفسه وأن يكون صحبته، فإذا خاف

[ 301 ]

عليه العطب كان بلوغه مع غيره أولى من عطبه قبل بلوغه ولو أرسله من غير خوف أو حبسه مع الخوف إلا أنه لم يصنع فيه شيئا حتى هلك لم يكن عليه فيه شئ وإنما الكلام فيما هو الاحسن انتهى. ص: (وخرج للحل إن أحرم بحرم أو أردف) ش: انظر إذا أحرم بالحج من مكة ثم خرج إلى عرفة فوقف في اليوم الثامن ولم يعلم بذلك حتى فاته الوقوف أو وقف بعرفة وخرج منها نهارا ثم لم يعد إليها حتى فاته الوقوف ثم علم بذلك بعد رجوعه إلى مكة، فهل يؤمر بالخروج إلى الحل أولا ؟ لاأرى فيه نصا، والظاهر أنه يجزيه ولا يؤمر بالخروج ثانيا. قال في سماع عيسى في رسم استأذن من كتاب الحج: وسئل ابن القاسم عن الذي يأتي عرفة وقد طلع الفجر، هل يرجع على إحرامه إلى مكة وينوي به عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ويرجع إلى بلاده ويحج قابلا ويهدي ؟ قال ابن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا خلاف فيه انتهى. وأما لو أحرم من مكة ثم خرج للحل لحاجة ثم فاته الحج وهو بمكة، فالظاهر أن خروجه ذلك لا يكفيه لان المقصود أن يخرج إلى الحل لاجل الحج فتأمله والله أعلم. ص: (وأخر دم الفوات للقضاء) ش: يؤخذ من هذا أن من فاته الحج فعليه الهدي والقضاء ولو كان الحج الفائت تطوعا وهو كذلك كما صرح به في النوادر والجلاب وغيرهما. قال في النوادر في أول ترجمة الفوات: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من فاته الحج لخطأ العدد أو بمرض أو بخفاء الهلال أو بشغل بأي وجه غير العدو فلا يحله إلا البيت ويحج قابلا ويهدي. قال مالك في المختصر: كان إحرامه بحج واجب أو تطوع انتهى. وقال في الجلاب: ومن أحرم بالحج ثم مرض فأقام حتى فاته الحج لم يتحلل دون مكة وعليه أن يأتيها بعمل عمرة وعليه القضاء متطوعا كان أو مفترضا انتهى. وقال التونسي في أول باب الاحصار: وقال أبو إسحاق: قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * فمن دخل في حج أو عمرة وجب عليه إتمامها، سواء غلب على ذلك أو لم يغلب، لان من فاته الحج مغلوب، ومن أغمي عليه مغلوب ومن مرض مغلوب، فجعل على من فاته الحج لغلبة القضاء كان تطوعا أو واجبا خلافا لنوافل

[ 302 ]

الصلاة والصوم التي إذا غلب عليها لم يلزمه قضاء، وجاءت السنة في حصر العدو أن لا قضاء عليه في النوافل فخرج بذلك حصر العدو عما سواه، ونقله عنه التادلي في أول الكلام على حصر العدو، وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لان بعض الناس توقف في وجوب قضاء التطوع حيث لم يره في ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما من المتون والشروح المتداولة وقد صرح بذلك غير واحد والله أعلم. ص: (وأجزأ إن قدم) ش: قال في المدونة: لا يقدم هدي الفوات وإن خاف الموت، فإن فعل أجزأه لانه لو هلك قبل أن يحج أهدى عنه ولو كان لا يجزئه إلا بعد القضاء ما أهدى عنه بعد الموت. ص: (تحلل وقضاه) ش: أي وجوبا ولا يجوز له البقاء. قال في التوضيح: إذا اجتمع في الحج فوات وإفساد، سواء كان الافساد أولا أو ثانيا، فلا يجوز له البقاء هنا على إحرامه لان فيه تماديا على الفساد ويتحلل بعمل عمرة من الحل إن كان أحرم بالحج من مكة أو أردفه فيه، وإن كان إحرامه من الحل لم يخرج إليه انتهى. وقال ابن عبد السلام: لم يجز له البقاء على إحرامه إلى قابل انتهى. فعلم أن قول المصنف: تحلل على جهة الوجوب. تنبيه: فإن أخر إحرامه حتى دخلت أشهر الحج أو وطئ في أشهر الحج، فهل يؤمر هنا بالتحلل وجوبا أو يأتي الخلاف المذكور ؟ الظاهر أنه يؤمر بالتحلل ليخلص من الفاسد ويقضيه في تلك السنة والله أعلم. ص: (ولا يجوز دفع مال لحاصر إن كفر) ش: يعني أن الكافر إذا

[ 303 ]

حصر المسلمين ولم يبذل لهم الطريق إلا بمال فإنه لا يجوز للمسلمين دفع ذلك إليه. هذه الطريقة ابن شاس وابن الحاجب وتبعهم المنصف. قال ابن شاس: لانه وهن. وقال سند: إن بذل المشركون للمسلمين الطريق على مال يدفعونه لهم كره لهم ذلك لما فيه من الذلة وكان التحلل أولى ويجوز دفعه لهم انتهى. وقال ابن عرفة: يكره إعطاء الحاصر كافرا أو مسلما مالا لانه ذلة. ابن شاس: لا يعطيه إن كان كافرا لانه وهن. قال ابن عرفة: قلت: الاظهر جوازه ووهن الرجوع لصده أشد من إعطائه انتهى. قلت: فكأنه يستظهر جوازه من غير كراهة وإلا فقد صرح سند بجوازه. وما قاله من أن وهن الرجوع أشد قول يسلم له، وما نقله عن سند من كراهة دفع المال للحاصر إذا كان مسلما مخالف لما سيأتي في كلام سند من الاتفاق على جواز ذلك إذا كان الحاصر مسلما، ولعله قال: لا مسلما فتصحفت لا باو والله أعلم. فتحصل في دفع المال للحاصر الكافر على اختيار ابن عرفة ثلاثة أقوا: المنع لابن شاس وتابعيه، والكراهة لسند، والجواز لابن عرفة. ومفهوم الشرط في قول المصنف: إن كفر يقتضي أنه لو كان الحاصر مسلما لجاز دفع المال إليه. قال ابن عبد السلام: والمصنف في التوضيح وابن فرحون: وهو ظاهر قول ابن الحاجب. ولا يجوز إعطاء مال للكافر. زاد ابن عبد السلام فقال بعد أن تكلم على جواز القتال: وأما إعطاء المال فقد مال جماعة من أهل المذهب وغيرهم إلى جواز ذلك في غير مكة إذا دعت الضرورة إليه ولا يوجد عنها محيص، وينبغي أن يجوز ذلك هنا بطريق الاولى لان الضرورة في تخليص مكة أو تحصيل المناسك آكد انتهى. ونقله ابن فرحون وكأنهم لم يقفوا على نص في المسألة. وقال سند: إن كان الصادون مسلمين فهم في القتال كالكفار، فإن بذلوا التخلية بجعل فإن كان بيسير لا كبير ضرر فيه لم يتحللوا. وهذا نحو ما يبذل للسلابة ولا يقاتلوا، وعند الشافعي لهم أن يتحللوا كان الذي طلبوه قليلا أو كثيرا. ولو وجب دفع اليسير لوجب دفع الكثير إن كان سببهما واحدا، واتفقوا على جواز دفع ذلك من غير كراهة إذ لا صغار فيه على الاسلام وإما هي مظلمة يجوز للمظلوم بذلها ولا يجوز للظالم أخذها انتهى. فصرح بجواز دفع المال قليلا كان أو كثيرا، بل إذا كان قليلا لزم دفعه ولم يجز التحلل وجعله من باب دفع ما لا يجحف للظالم وهو ظاهر وقد ظهر لك مخالفة كلام سند لما نقله عنه ابن عرفة. ص: (وفي جواز القتال مطلقا تردد) ش: يعني أنه اختلف المتأخرون في النقل عن المذهب في جواز قتال

[ 304 ]

الحاصر مطلقا، سواء كان مسلما أو كافرا، فذكر ابن شاس وابن الحاجب أن ذلك لا يجوز. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وسواء كان بمكة أو بالحرم. وذكر سند وابن عبد البر أن قتال الحاصر جائز. قال في التوضيح: قال ابن هارون: والصواب جواز قتال الحاصر. تنبيهات الاول: محل الخلاف ما إذا لم يبدأ والحاصر بالقتال فإذا بدأ به جاز. قال ابن عرفة: قتال الحاصر البادئ به جهاد وإن كان مسلما، وفي قتاله غير بادئه نقلا وسند وابن الحاجب مع ابن شاس عن المذهب، والاصل أصوب إن كان الحاصر بغير مكة، وإن كان بها فالاظهر نقل ابن شاس لحديث: إنما أحلت لي ساعة من النهار. وقول ابن هارون والصواب جواز قتال الحاصر وأظن أني رأيته لبعض أصحابنا نصا. وقد قاتل ابن الزبير ومن معه من الصحابة وقاتل أهل المدينة عقبة يرد بأن الحجاج وعقبة بدآ به وكانوا يطلبون النفس. ونقله عن بعض أصحابنا لا أعرفه إلا قول ابن العربي إن ثار بها أحد واعتدى على الله قوتل لقوله تعالى: * (حتى يقاتلوكم فيه) * انتهى. قلت: قوله: والاول أصوب إن كان الحاصر بغير مكة يريد وهو في الحرم، وأما لو كان بغير الحرم فلا يختلف في جواز قتاله. واعتراضه على ابن هارون غير ظاهر لانه قد نقل عن سند جوازه، ونقل المصنف في التوضيح جوازه عن صاحب الكافي، وكلام ابن العربي كاف في ذلك أيضا. وأما الحديث: إنما أحلت لي ساعة من نهار فيجاب عنه وعما في معناه من الاحاديث الدالة على منع القتال بها بما ذكره النووي عن الشافعي أن معناه يحرم نصب القتال وقتالهم بما يعم كالمنجنيق إذا أمكن صلاح الحال بدون ذلك هكذا ذكر عنه في التوضيح. الثاني: قال سند بعد أن ذكر جواز القتال ما نصه: فإن كانت القوة والكثرة للمسلمين استحب لهم قتالهم، وإن كانت الكثرة للكفار فلا يستحب للمسلمين فتح قتالهم إذ ربما أدى ذلك إلى وهن على المسلمين. ثم قال: وإن كان الصادون مسلمين فهم في القتال كالكفار لانهم ظلمة باغون. قال الشافعي: والاولى أن يتحللوا ولا يقاتلوهم ولا يقتلوا الحجاج فيهم وإن كان الحجاج أقوى انتهى. الثالث: قال سند: إذا بذل الحاصر الكافر الطريق للمسلمين من غير جعل، فإن وثقوا بعهودهم لم يتحللوا وإن خافوا جاز لهم التحلل. وقال في الحاصر المسلم: إذا بذلوا التخلية من غير جعل فإن وثق بقولهم لزم المضي في الاحرام، وإن لم يثقوا تثبتوا حتى ينظروا في ذلك. الرابع: قال سند: إن رأوا أن يقاتلوا الصادين جاز لهم لبس الدروع والجواشن والجآذر

[ 305 ]

وما يحتاجون إليه من ذلك وعليهم الفدية كما في لباس المحرم ما يحتاج إليه من حر أو برد انتهى. الخامس: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: أمحكم قتال أهل مكة إذا بغوا على أهل العدل، فذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قتامع بغيهم وأن يضيق عليهم حتى يرجعوا عن البغي، ورأوا أن أهل مكة لا يدخلون في عموم قوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي) * والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيها إذا لم يمكن ردهم إلا بالقتال لان قتال البغاة حق لله تعالى فحفظ حقه في حرمه أولى من أن يكون مضاعا فيه، نقل ذلك الامام العلامة عبد المنعم بن الفرس في أحكام القرآن في سورة الحجرات انتهى. ونحوه ما تقدم في كلام ابن عرفة عن ابن العربي. وقال في التوضيح عن الاكمال: قوله (ص): لا يحل لاحدكم أن يحمل السلاح بمكة وهو محمول عند أهل العلم على حمله لغير ضرورة ولا حاجة. فإن كان خوف وحاجة إليه جاز وهو قول مالك والشافعي وعكرمة وعطاء، وكرهه الحسن وشذ من الجماعة عكرمة فرأى عليه يحمله إذا احتاج الفدية، ولعل هذا في الدرع والمغفر وشبههما فلا يكون خلافا. ثم قال: وقول الكافة إن هذا مخصوص بالنبي (ص) لقوله عليه الصلاة والسلام: وإنما حلت لي ساعة من نهار فخص بما لم يخص به غيره. وقال القاضي في باب الجهاد: ولم يختلف في قوله (ص) إنما كان حلالا لدخوله وعليه المغفر ولانه كان محاربا حاملا للسلاح هو وأصحابه. واختلفوا في تخصيص النبي (ص) بذلك ولم يختلفوا أنه من دخلها لحرب بغاة أو بغي أنه لا يحل له دخولها حلالا. انتهى فانظره، وحكى الخطابي أنه إنما حلل له تلك الساعة إراقة الدم دون الصيد وغيره. انتهى كلام التوضيح. فتحصل من هذا أن الارجح قتال البغاة إذا كانوا بمكة وأنه لا يحل حمل السلاح بها لغير ضرورة وأن حمله لضرورة جائز. وقول القاضي: لم يختلفوا أن من دخلها الحرب الخ. لعله يريد لحرب غير جائز وإلا تقدم أن الداخل لقتال بوجه جائز يجوز دون دخوله بغير إحرام والله أعلم. ص: (وللولي منع سفيه وزوج في تطوع وإن لم يأذن فله التحليل

[ 306 ]

وعليها القضاء) ش: وقيل: لاقضاء على المرأة وصححه شارح العمدة ونصه: فإن أحرمت المرأة بغير إذن زوجها فان يحللها ولا قضاء عليها على الاصح لانها التزمت شيئا بعينه فمنعت من إتمامه إجبارا كالمحصر انتهى. وظاهر كلام المصنف أن السفيه لا قضاء عليه كما صرح به في التوضيح في آخر موانع الحج ناقلا له عن سند، وكذلك التادلي وتبعه الشارح بهرام ونص ما في التوضيح. فرع: من الموانع السفه. قال سند: قال مالك: لا يحج السفيه إلا بإذن وليه إن رأى وليه ذلك نظرا أذن وإلا فلا، وإذا حلله وليه فلا قضاء عليه انتهى. ونحوه لابن فرحون. وهذا مخالف لكلام ابن رشد في البيان ونصه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: وقال مالك في الرجل يلبي بالحج وهو مولى عليه والمرأة عند أبيها أو عند زوجها: إن ذلك من السفه ولا يجوز ذلك ولا يمضي لمن فعله، وليس على المرأة أن تقضيه إذا هلك زوجها أو أبوها. ابن رشد: معنى هذه المسألة أنهم أحرموا من بيوتهم قبل الميقات وقبل أشهر الحج فلذلك كان للاب والزوج والولي أن لا يمضوا فعلهم وأن يحلوهم من إحرامهم لان ذلك خطأ منهم وتعد: وقوله: ليس على المرأة أن تقضي إذا هلك أبوها أو زوجها مثل ما في المدونة لان معنى المسألة أنهم أحرموا بحجة الفريضة فليس عليهم إذا قضوا حجة الفريضة للاحرام الذي حللهم منه شئ ولو كانوا إنما أحرموا بحج تطوع وتركوا الفريضة لوجب عليهم قضاء الحجة التي حللوا منها بعد قضاء حجة الفريضة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك خلاف قول أشهب في العبد إذا أحرم بغير إذن سيده فحلله من إحرامه أنه لا يجب عليه قضاء لانه إنما حلله في حجة بعينها كمن نذر صوم يوم بعينه فمنعه من صيامه عذر. وقال ابن المواز: إن المولى عليه والمرأة عند أبيها لا يلزمهم قضاء الاحرام الذي حللوا منه كما لا يلزمهم العتق إذا ولوا أنفسهم. وهذا هو مذهب أشهب الذي ذكرته انتهى. وما نقله المصنف في التوضيح عند سند هو كذلك إلا أنه نقل كلامه بالمعنى.

[ 307 ]

تنبيهات: الاول: قال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير في الباب الثالث: اتفق الاربعة على أن المحجور عليه لسفه كغيره في وجوب الحج عليه لانه لا يدفع إليه المال بل يصحبه الولي لينفق عليه بالمعروف أو ينفق فيما ينفق عليه من مال السفيه انتهى كلامه. الثاني: إنما قال المصنف في تطوع ولم يقل في حج تطوع ليشمل الاحرام بحج التطوع والعمرة والله أعلم. الثالث: قال في البيان في ثالث مسألة من العتبية من سماع عيسى من كتاب الحج: إنه ليس للزوج منعها من حج الفريضة وأنه إذا أعطته مهرها على أن يأذن لها ولم تعلم أنه يلزمه أن يأذن لها فالمهر لازم له. وفي سماع أصبغ من كتاب السلم أنه إذا أعطته مهرها على أن يحجها أنه لا يجوز له فسخ دين في دين. وفي سماع عيسى مكتاب الصدقات والهبات في رسم إن خرجت ما يعارضه: وجمع بينهما ابن رشد بأن معنى ما في الصدقات والهبات إذا أعطته مهرها على أن يخرج معها فكان ما بذلت له على دفع الخرج لخروجه معها لئلا تمضي مفردة دونه لا على أن يحملها من ماله وينفق عليها من ماله سوى النفقة الواجبة عليه، فراجع ذلك إن أردته وانظر التوضيح والله أعلم ص: (كالعبد) ش: يعني أن العبد إذا لم يأذن له سيده في الاحرام فله أن يحلله ويجب عليه القضاء، يعني إذا عتق أو أذن له السيد على المشهور انتهى. وقال أشهب: لا قضاء عليه وعليه الهدي إذا حج القضاء، فإن قضاها قبل العتق بأن يكون السيد أذن له في ذلك وللسيد منعه عن الهدي ويكون في ذمته إلى أن يعتق، وله أن يمنعه من الصوم أيضا إذا أضر به في خدمته ويبقى ذلك في ذمة العبد. قاله سند. وظاهره مطلقا سواء كان تطوعا أو نذرا معينا أو مضمونا أو نوى بذلك حجة الفرض يظن أنها عليه، وكذلك ظاهر كلامه في المناسك وهو ظاهر كلام ابن الحاجب أيضا، فيكون ما ذكره في التوضيح عن اللخمي من التفصيل بين أيكون أحرم بتطوع أو نذر معين فلا يلزمه قضاء، أو أحرم بنذر مضمون أو بحجة الفر ض فظن أن ذلك عليه فيلزمه القضاء مقابل المشهور وهو ظاهر كلام ابن فرحون في شرحه فإنه بعد أن ذكر القول الاول بلزوم القضاء قال: وقال ابن المواز: لا قضاء عليه. وفي التبصرة وذكر كلام اللخمي المتقدم والله أعلم.

[ 308 ]

فرع: قال في التوضيح عن اللخمي: واختلف هل للسيد أن يرد عقده للنذر ؟ فأجاب ذلك ابن القاسم ومنعه أشهب وهو أحسن لان العقد لا يضر السيد ما دام في ملكه ولا ينقص من ثمنه إذا باعه انتهى. ونقله ابن عرفة هنا وأشار إليه في باب النذر وقد نقلت كلامه هنا والله أعلم. فرع: وإذا أذن له سيده في الاحرام فأحرم وكان لا يستطيع المسير، فهل يلزم سيده أن يكري له ؟ الظاهر أنه يلزمه ذلك لانه هو الذي ورطه بإذنه كما قالوا: إذا وطئ الزوجة أو الامة مكرهة أنه يجب عليه إحجاجها قابلا لانه ورطها في وجوب القضاء. تنبيه: قال سند: وحكم المدبر وأم الولد في جميع ما ذكرناه حكم القن، وكذلك حكم المعتق بعضه، وأما المكاتب فله أن يسافر فيما لا يضر بسيده وإن اعتكف بغير إذنه فيجري ذلك على اعتبار لحوق الضرورة انتهى. فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: قال في التقريب على التهذيب: ولا يكون التحليل بإلباسه المخيط ولكن بالاشهاد على أنه حلله من هذا الاحرام، وليس للعبد أن يمتنع من التحليل بل يجوز له ذلك فيتحلل بنية وبحلاق رأسه انتهى. ص: (كفريضة قبل الميقات) ش: يعني سواء كان ذلك الميقات زمانيا أو مكانيا لانه مسقطة حقه. قال ابن عبد السلام. ص: (وإلا فلا إن دخل) ش: يشير إلى أن العبد إذا أذن له سيده في الاحرام ثم بدا له فليس له منعه إن دخل في الاحرام، وأما إذا بدا له أن يمنعه قبل أن يحرم فقال اللخمي: له ذلك عند مالك قال: وليس بالبين. وقال صاحب الطراز: ظاهر الكتاب أن ذلك حق وجب للعبد على السيد يقضي له به انتهى. واعتمد المصنف على ما نقله اللخمي عن مالك. فرع: إذا قلنا يمنعه فرجع السيد ثم أحرم العبد ولم يعلم رجوعه هل يملك إحلاله ؟ قال سند: يخرج على القولين بناء على أن الموكل إذا عزل الوكيل فتصرف الوكيل قبل علمه انتهى والله أعلم. ص: (وللمشتري رده إن لم يعلم رده لا تحليله) ش: يؤخذ منه جواز بيع العبد المحرم، وقد نص على جوازه في المدونة ونقله عنها المصنف وغيره إلا أنه يجب على البائع أن

[ 309 ]

يبين أنه محرم إن علم بإحرامه لجعلهم ذلك عيبا يجب به الرد، ونص عليه أبو محمد في مختصر المدونة فقال: وله بيع عبده وأمته وهما محرمان ويبين ذلك انتهى. فإذا جاز بيعه وبين المشتري أنه محرم أو أثبت أنه علم بذلك فليس له تحليله ولا رده كما يؤخذ من كلام المصنف، ولكن له رده على البائع، فإذا رده على البائع فإن كان باعه عالما بإحرامه فليس له تحليله، وإن باعه ولم يعلم بإحرامه قال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام: إنه ينبغي أن يكون له تحليل كما قال: إذا تزوج العبد بغير إذن سيده انتهى. وقد صرح به القاضي سند في هذا الباب والله أعلم. تنبيه: ما ذكره المصنف من أن للمشتري رده مقيد بما إذا لم يقرب الاحلال. قاله في المدونة ونقله ابن الحاجب والله أعلم. ص: (وإن أذن فأفسد لم يلزمه إذن للقضاء على الاصح) ش: الاصح قال فيه سند: هو الاظهر، ومثذلك إذا أحرم بغير إذنه وأمضاه سيده فأفسده لم يلزمه إذن للقضاء. قاله سند انتهى. فرع: قال سند: فلو أذن له ففاته الحج فقال في الموازية: عليه القضاء إذا عتق. وعلى قول أصبغ له أن يقضي قبل العتق كما لو أفسد، والاول أبين انتهى. ونقل كلام الموازية في التوضيح والمناسك واقتصر عليه. فرع: قال سند إثر مسألة ما إذا أذن له ففات: فإن أراد لما فاته أن يعتمر ليحل وأراد سيده منعه وإحلاله مكانه فقال أشهب في الموازية: إن كان قريبا فلا يمنعه وإن كان بعيدا فله أن يمنعه. فإما أن يبقيه إلى قابل على إحرامه، وإما أن يأذن له في فسخه في عمرة انتهى. ونقله ابن عبد السلام مع الفرع الاول وفرق بينهما في التوضيح فساق هذا الفرع في غير محله فصار مشكلا والله أعلم.

[ 310 ]

باب في الذكاة فصل في كيفية ووجو ب الذكاة ص: (قطع مميز يناكح تمام الحلقوم والودجين من المقدم بلا رفع قبل التمام) ش: هذا هو الربع الثاني من المختصر، وافتتحه بكتاب الذكاة ثم بكتاب الضحايا لانهما كالتتمة لكتاب الحج لان المحرم يطلب بذبح الهدي أو نحره إما وجوبا أو سنة فيحتاج إلى معرفة كيفية الذكاة،

[ 311 ]

ولان المصنف أحال عيوب الهدي وسنه على الضحايا، وهذا الكتاب يسمى كتاب الذكاة ويسمى كتاب الذبائح والذكاة، والتذكية لغة الذبح. وقال الهروي: التذكية في اللغة أصلها التمام. فمعنى ذكيت الذبيحة أتممت ذبحها، وذكيت النار أتممت إيقادها، ورجل ذكي تام الفهم. وفي الشرع ذكر الجزولي عند قول صاحب الرسالة: والذكاة يقطع الحلقوم والاوداج ما نصه الكلام في ذلك في فصول: الاول في الذكاة في اللغة. الثاني في الشرع. فذكر الفصل الاول في معناها في اللغة ثم قال: وفي الشرع قال ابن وضاح: هو السبب الذي يتوصل به إلى إباحة ما يؤكل لحمه من الحيوان انتهى. ونقله الشيخ يوسف بن عمر والله أعلم. والذبائح جمع ذبيحة، والذبيح المذبوح، والانثى ذبيحة. وثبتت التاء لغلبة الاسمية وجمعت بحسب اختلاف الانواع. والذبح بكسر الذال المعجمة ما يذبح، وبالفتح الشق، ومصدر ذبحت الشاة. وفي الشرع شق خاص فيحتمل أن يكون من التواطؤ أو من باب الاشتراك. وقال ابن عرفة: الذبائح لقب لما يحرم بعض أفراده من الحيوان لعدم ذكاته أو سلبها عنه وما يباح بها مقدورا عليه. فيخرج الصيد يعني بقوله: مقدورا عليه. قال في اللباب: وحكم الذبح الجواز وهو سبب في طهارة المذبوح وفي جواز أكله ما لم يكن من المحرمات. قلت: وقد يعرض له الوجوب كما في الهدي والفداء وكما إذا خيف على الحيوان الموت والاستحباب كالاضحية والعقيقة والحرمة كالذبح لغير الله وذبح مال الغير.

[ 312 ]

تنبيه: قال ابن الحاجب: والاجماع على إباحة المذكى المأكول فقال المصنف: والمراد بالمأكول المباح فيصير تقدير كلامه وإباحة المذكى المباح وذلك غير سديد انتهى. وسبقه إلى ذلك ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: الحيوان المأكول ذو النفس السائلة إن ذكي أو كان بحريا غير خنزير وطافيه حلال وغيره ميتة حرام لغير مضطر إجماعا فيهما غير الاخيرين وذي نفس غير سائلة. وقول ابن عبد السلام مرادهم بالمأكول ما أبيح أكله، فقول ابن الحاجب أجمعوا على إباحة المذكى المأكول غير سديد لان تقديره أجمعوا على إباحة أكل المذكى المباح الاكل يرد بأن مرادهم به ما أبيح أكله بتقدير ذكاته لانهم يطلقونه عليه حيا. وجواب ابن هارون بأن مراده ذكر الاجماع على إعمال الذكاة يرد بأنه وإن سلم على بعده لا يرفع ما ادعى من قبح تركيب كلامه انتهى. وقوله لانهم يطلقونه عليه حيا أي يطلقون المباح على الحيوان حالة كونه حيا والله أعلم. وحكمة مشروعيته إزهاق الروح بسرعة واستخراج الفضلات، ولما قضى الله على خلقه بالفناء وشرف بني آدم بالعقل أباح لهم أكل الحيوان قوة لاجسامهم وتصفية لمرآة عقولهم وليستدلوا بطيب لحمها على كمال قدرته وليتنبهوا على أن للمولى بهم عناية إذ آثرهم بالحياة على غيرهم. قاله في التوضيح. وأركان الذكاة أربعة: الذابح والمذبوح والمذبوح به والصفة والله أعلم. وجعل المصنف الذكاة ثلاثة أنواع: ذبح ونحر وعقر. فالذبح والنحر للحيوان أن المتأنس والعقر للمتوحش. وقال في الذخيرة: هي خمسة أنواع: العقر في الصيد البري ذي الدم وتأثير الانسان في الجملة بالرمي في الماء أو قطع الرؤوس والارجل أو الاجنحة في الجراد ونحوه من غير ذي الدم. وذبح في الغنم ونحر في ذي النحر وتخيير في البقر مع أفضلية الذبح. وبدأ المصنف بالكلام على النوع الاول أعني الذبح مشيرا إلى شروط الذابح فقال: الذكاة قطع ميز يناكح يعني أنه يشترط في الذبح شرطان: الاول أن يكون مميزا فلا تصح ذكاة غير المميز من صبي أو مجنون أو سكران. قال في التوضيح: لافتقار الذكاة إلى نية بإجماع والنية لا تصح منهم فلا تصح ذكاتهم انتهى. وقال ابن رشد: لان شرط التذكية النية وهو القصد إلى الذكاة وهي لا تصح ممن لا يعقل. وقال ابن عبد السلام: ومن كتاب ابن المواز وغيره: ولا تؤكل ذبيحة من لا يعقل من مجنون أو سكران وإن أصابا لعدم القصد. واعلم أنه لا بد في الذكاة من النية، وحكى بعضهم الاجماع على ذلك فلذلك لم تصح ذكاة المجنون والسكران. وهذا إذا كان الجنون مطبقا وكذلك السكران، وأما لو ذكى المجنون في حال إفاقته أو كان ممن يفيق فإنها تؤكل، وإن كان السكران يخطئ ويصيب فأشار بعض الشيوخ إلى أنه يختلف في تذكيته انتهى. وجعل صاحب البيان السكران الذي يخطئ ويصيب ممن يكره ذبحه وتبعه في الشامل. الشرط الثاني أن يكون يناكح بفتح الكاف أي يجوز للمسلم أن يتزوج منهم فيشمل كلامه الكتابي. وفي المدونة في كتاب الذبائح: تجوز ذبيحته ذميا كان أو حربيا ونصها: وذبيحة

[ 313 ]

الحربيين ومن عندنا من أهل الذمة سواء، واحترز به ممن لا تجوز مناكحته كالمجوسي والمرتد والزنديق والصابئ. والصابئة طائفة بين النصراينة والمجوسية يعتقدون تأثير النجوم وأنها فعالة. وقال مجاهد: هم بين النصرانية واليهودية. وعن قتادة إنهم يعبدون الملائكة ويصلون للشمس كل يوم خمس مرات، ولا فرق في المرتد بين أن يكون ارتد إلى دين أهل الكتاب أو إلى غيره. قاله في المدونة خلافا للخمي في قوله ينبغي أن تصح ذكاته إذا ارتد إلى دين أهل الكتاب لانه صار من أهل الكتاب. وعلم من كلام المصنف جواز ذبح الصغير المميز والمرأة من غير كراهة لانه لم يذكرهما مع من يكره ذبحه وهو المشهور، ومذهب المدونة. وفي الموازية كراهية ذبحهما وعليه اقتصر ابن رشد في البيان في سماع أشهب. وقال قبله في آخر سماع ابن القاسم: ويجوز ذبح من لم يبلغ من الرجال والنساء الاحرا والعبيد لانه النية تصح من جميعهم وهي القصد إلى الذكاة انتهى. وقال في التوضيح: ظاهر كلام ابن الحاجب أن في صحة ذكاتهما قولين والقول بعدم الصحة غير معلوم في المذهب، والذي حكاه غير واحد أن الخلاف إنما هو في الكراهة. وقال ابن بشير: في المذهب رواية بعدم الصحة وهي محمولة على الكراهة. وعن مالك: تذبح المرأة أضحيتها ولا يذبح الصبي أضحيته، فرأى بعضهم أن هذا يدل على أن ذبيحة الصبي أشد كراهة، والمعروف أن الخلاف مع عدم الضرورة، وأما مع الضرورة فتصح من غير كراهة، وحكى اللخمي قولا بالكراهة مطلقا وإن كان من ضرورة. فرع: تجوز ذبيحة العبد ولا خلاف في ذلك إلا ما حكى عن عبد الله بن عمر من عدم جواز ذبح العبد الآبق. فرع: وتجوز ذبيحة الاقلف وهو الذي لم يختتن، وحكى في البيان كراهة ذكاته وتبعه في الشامل. فرع: قال في الذخيرة: وتؤكل ذبيحة الاخرس انتهى. وقال في الشامل: تصح من الاخرس والجنب والحائض انتهى. وروي عن عكرمة وقتادة أنهما قالا: يذبح الجنب وإن توضأ. وقال ابن رشد في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب: وتجوز ذبيحة الجنب والحائض والاغلف والمسخوط في دينه وإن كان الاولى في ذلك الكمال والدين والطهارة فقد كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والاصابة انتهى. وقوله: تمام الحلقوم والودجين يعني أن الذكاة الكاملة على المعروف من المذهب تحصل بقطع جميع الحلقوم وجميع الودجين. والحلقوم بضم الحاء المهملة والقاف وسكون اللام بينهما. قال في التوضيح: القصبة التي هي مجرى النفس. وقال البساطي: هو عرق واصل بين الدماغ والرئة والفم والانف يجتلب به الهواء الرطب ويدفع به الهواء الحار كالمروحة للقلب. والودجين تثنية ودج بفتح الواو وفتح الدال المهملة وهما عرقان في صفحتي العنق. قال البساطي: يتصل بهما أكثر عروق الكبد ويتصلان

[ 314 ]

بالدماغ. وفسر النووي في تهذيبه الودجين بالحلقوم والمرئ بفتح الميم وكسر الراء وآخره همزة وقد يشدد آخره ولا يهمز. قال في التنبيهات: مبلغ الطعام والشراب وهو البلعوم. ولا خلاف في حصول الذكاة بقطع الحلقوم والودجين والمرئ. وحكى عياض الاجماع على ذلك فإن قطع الحلقوم والودجين دون المرئ فالمشهور صحة الذكاة، وروى أبو تمام أنها لا تصح إلا بقطعه، وعزا ابن زرقون هذا القول لابي تمام لا لروايته، وعزاه عياض لرواية العراقيين. الباجي: لا أعلم من اعتبره غير الشافعي فإن قطع الحلقوم وحده أو مع المرئ أو لم يقطع من الودجين شيئا لم تؤكل. وقال ابن عبد السلام خلافا للشافعي في نقل بعضهم والصحيح أنها لا تؤكل انتهى. ولم أر في هذا خلافا في المذهب وإن قطع الودجين وترك الحلقوم لم تؤكل على المنصوص. وأخذ اللخمي وابن رشد عدم اشتراط الحلقوم من مسألة الصيد يفري أوداجه، وقول مالك فيها قد تمت ذكاته، وقوله في المبسوط إذا ذبح ذبيحة فقطع أوداجها ثم وقعت في ماء لا بأس بأكلها، وأخذه اللخمي من القول بجواز أكل المغلصمة لان آخر الحلقوم الغلصمة. ورد عياض الاخذ من الاول بأن ذبح الصيد المنفوذ مقتله إنما هو لسرعة موته وخروج دمه لا لذكاته وقطع الحلقوم لا يجزئه، ورده مع الثاني أيضا بأن قطع الودجين معا مستلزم لقطع الحلقوم لبروزه عنهما، ورد ابن عبد السلام الثالث بأن قطع ما فوق الجوزة يتنزل منزلة الحلقوم، ورده ابن عرفة بذلك أيضا ولم يعزه لابن عبد السلام. وعلى القول المنصوص فلو قطع نصف الحلقوم أو ثلثيه مع قطع الودجين بكمالهما فنقل الشيخ ابن أبي زيد عن ابن حبيب أنه إن قطع الاوداج ونصف الحلقوم فأكثر أكلت، وإن قطع أقل لم تؤكل. روى يحيى مثله عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور. وقال سحنون: لا يجوز حتى يقطع جميع الحلقوم والاوداج. قال ابن عبد السلام: فابن القاسم وابن حبيب متفقان على أن بقاء النصف مغتفر. وقال سحنون: لا يغتفر منه شئ ثم قال: والاقرب عندي اغتفار ذلك انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر هذه المسألة: ومسألة قطع أحد الودجين أو قطع بعض كل منهما، ومقتضى الرسالة عدم الاكل في هذه المسائل كلها لقوله: والذكاة قطع الحلقوم والاوداج لا يجزئ أقل من ذلك قيل: وهو المشهور انتهى. قلت: فصدر المصنف هنا بمذهب الرسالة الذي قيل إنه المشهور، أشار إلى القول الثاني بقوله وشهر أيضا الاكتفاء بنصف الحلقوم والودجين كما سيأتي بيانه الله أعلم. وقوله: من المقدم جعل الشارح بهرام الذكاة قطع الحلقوم والاوداج فقط ومن شرطها أن تكون من المقدم، وجعل البساطي حقيقة الذكاة قطع الحلقوم والاوداج من المقدم. فعلى ما قاله البساطي يكون قوله: من المقدم من حقيقة الذكاة وهو معنى قول المصنف: ولو نوى الذكاة وهذا الذي قاله هو ظاهر كلام ابن عبد السلام بل صريحه ونصه عند قول ابن الحاجب: ولو ذبح من العنق أو القفا لم تؤكل، ولو نوى الذكاة معنى قول المصنف ولو نوى الذكاة أي لا تنفعه النية إذا ذبح من القفا أو من العنق لان الذكاة مركبة من الفعل المخصوص مع نية الذكاة فلا تجزئ

[ 315 ]

النية عند انفرادها كما لا يجزئ ذلك الفعل وحده إذا عزا عن النية، وكذا إذا ذبح من القففي ظلام وظن أنه أصاب وجه الذبح ثم تبين له خلاف ذلك، نص عليه في النوادر وذهب جماعة من أهل العلم خارج المذهب إلى إباحة أكل ما ذبح من القفا انتهى. وقال قبله: قال في العتبية من رواية أشهب: لا يؤكل ما ذبح من القفا، فأما لو ذهب يذبح فأخطأ فانحرف فإنها تؤكل. ونقله في التوضيح ونصه إثر قول ابن الحاجب المتقدم وعدم الاكل فيهما إذ لا يصل إلى محل الذبح إلا بعد أن ينخعها، وكذلك لو ذبح من القفا في ظلام وظن أنه أصاب وجه الذبح ثم تبين له خلاف ذلك نص عليه في النوادر. محمد: وأما إن أراد أن يذبح في الحلقوم فأخطأ فانحرف فإنها تؤكل انتهى والله أعلم. وقوله: بلا رفع قبل التمام ظاهر كلامه أنه إن رفع قبل التمام لا تؤكل مطلقا، سواء كان قريبا أو بعيدا، تعيش الذبيحة لو تركت أولا تعيش، عمدا أو تفريطا أو غلبة. أما إن طال وكانت لو تركت لم تعش وكان بتعمد أو تفريط فلا خلاف في أنها لا تؤكل، وأما إن لم يطل وكانت لو تركت لم تعش ففيها خمسة أقوال: أحدها ظاهر كلام الشيخ أنها لا تؤكل، وظاهره أيضا سواء كان ذلك أيضا بغلبة أو تفريط أو تعمد، وأما إن كانت لو تركت لعاشت فإنها تؤكل ولو طال وهذه ذكاة جديدة. هكذا قيد به المصنف المسألة في التوضيح وعزاه لابن القصار، وليس في المختصر ما يدل عليه، ونقل ابن عرفة التقييد عن عبد الحق والقابسي. والحاصل أنها لو كانت تعيش لو تركت فلا حرج كما تقدم ويجري على هذه المسألة وهو ما يفعله بعض أهل البر من أنهم يشقون جلد الشاة قبل ذبحها من تحتجنبها طولا ويدخلون السكين تحت الجلد ويذبحونها ليشقوا جلدها كله مع جلد رأسها طولا. هكذا سمعت من بعضهم، وذكروا أنها لو تركت بعد الشق لعاشت وبه أفتى بعض المالكية الموجودين والله أعلم. وإن كانت لا تعيش وعاد بعد البعد فلا خلا ف في عدم الاكل، وإن عاد بالقرب ففيها خمسة أقوال، أحدها ظاهر كلام المصنف أنهالا تؤكل. وهاهنا فروع: قال ابن عرفة: قال التونسي: انظر لو غلبته قبل تمام الذكاة فقامت ثم أضجعها وأتم الذكاة وكان أمرا قريبا، هل تؤكل على ما مر ؟ قلت: قال أبو حفص العطار: تؤكل ولم يقيده بقرب ونزلت أيام قضاء ابن قداح في ثور وحكم بأكله وبيان بائعه ذلك وكانت مسافة هروبه نحوا من ثلاثمائة. باع الصقلي عن سحنون: لو قطع الحلقوم وعسر مر السكين على الودجين لعدم حدها فقلبها وقطع بها الاوداج من داخل لم تؤكل. قلت: انظر لو كانت حادة والاحوط لا تؤكل انتهى فتأمله. وقال في التوضيح: وعن أبي محمد صالح أنه قال: إن سقطت السكين من يد الذابح أو رفعها قهرا أو خائفا ثم أعاد فإنها تؤكل. وقال: ولا إشكال في عدم الاكل إذا عاد بعد البعد إذا كان ذلك عمدا أو بتفريط. ابن عبد السلام: وأما إن كان عن غلبة وكثيرا ما يجري في البقر فينبغي أن يجري الكلام فيها على عجز ماء المتطهر

[ 316 ]

انتهى. ص: (وشهر أيضا الاكتفاء بنصف الحلقوم والودجين) ش: حمل الشارحان كلامه على مسألتين: الاولى الاكتفاء بنصف الحلقوم مع تمام الودجين وهذا هو المراد بقوله بنصف الحلقوم وقدرا له الوجدين بقرينة أنه لا يمكن أن يترك الودجين ونصف الحلقوم وتؤكل. والثانية أن يقطع الحلقوم كله ونصف الودجين، وجعلا هذا هو المراد بقوله والودجين، وجعله الشارح في الكبير والوسط محتملا لمعنيين أيضا: أحدهما أن يقطع من كل واحد من الودجين النصف فقط، والثاني أن يقطع واحدا منهما ويترك الآخر. وحكى في الاول قولين: عدم الاجزاء وعزاه لعبد الوهاب، والثاني لتبصرة ابن محرز إن بقي اليسير لم يحرم، وحكى في الثاني روايتين بالاكل وعدمه. قال: ورواية عدم الاكل قيل هي الاقرب لعدم إنهار الدم، وما ذكره الشيخ بهرام من احتمال قول المصنف والودجين للمعنيين المذكورين هو ظاهر كلام البساطي أيضا. وقال في آخر كلامه: ومع هذا كله لم نر من شهر هذا. وقول الشيخ بهرام في المعنى الثاني وهو ما إذا قطع واحدا منهما وترك الآخر أن الاقرب من الروايتين عدم الاكل، كذا هو في التوضيح إلا أنه قال أيضا في مسألة ما إذا قطع من كل واحد من الودجين النصف أن الاقرب الاكل ولم يذكره الشيخ بهرام. ونص كلام التوضيح عند قول ابن الحاجب وإن ترك الاقل فقولان، يحتمل أن يريد بالاقل أحد الودجين أي اختلف إذا قطع الحلقوم وودجا وترك ودجا والقولان روايتان، ويحتمل أن يريد به إذا حصل القطع في كل ودج وبقي منهما أو من أحدهما يسير، وفي ذلك قولان للمتأخرين: المنع لعبد الوهاب والاباحة نقلها بعضهم عن ابن محرز. والذي في تبصرته إن بقي اليسير من الحلقوم أو من الاوداج لم يحرم، والاقرب في الوجه الاول عدم الاكل لعدم إنهار الدم والاكل في الثاني. وأصل هذا الكلام لابن عبد السلام ونص كلامه أثر قول ابن الحاجب أيضا: وإن ترك الاقل فقولان يحتمل أن يريد بالاقل

[ 317 ]

هنا أحد الودجين فتكون المسألة مفروضة في قطع الحلقوم مع أحد الودجين وفيه روايتان عن مالك، ويحتمل أن يريد بالاقل إذا حصل القطع في كل واحد من الودجين لكنه لم يستوعبها بذلك بل بقي منهما أو من أحدهما شئ يسير وفي ذلك قولان للمتأخرين: المنع نص عليه القاضي عبد الوهاب وأومأ إليه غيره، والاباحة حكاها بعض المؤلفين عن ابن محرز. والذي في تبصرة ابن محرز: ولم تحرم ذبيحته وذلك يحتمل الكراهة. والاحتمال الثاني أقرب إلى مراد المؤلف والاشبه أنها لا تؤكل على الاحتمال الاول لعدم إنهار الدم المقصود وإنما تؤكل على الاحتمال الثاني، لان الد يستوي خروجه إذا استوعبهما بالقطع وإذا قطع كل واحد منهما ولم يستوعبهما انتهى. وجعل ابن غازي هذا الكلام كله مسألة واحدة وهي المسألة الاولى أعني مسألة قطع نصف الحلقوم مع تمام الودجين وجعل الودجين معطوفين على لفظ نصف هذا، ونقل عن الشيفي التوضيح أنه قال: قيل: وهو المشهور ولم يقل الشيخ في هذا القول بخصوصه وإنما قاله في مقتضى كلام الرسالة كما تقدم لفظه ويظهر ذلك لمن تأمله والله أعلم. ص: (وإن سامريا) ش: السامرية صنف من اليهود ينكرون البعث نقله ابن عرفة. ص: (أو مجوسيا تنصر) ش: فرع: قال في المدونة: وتؤكل ذبيحة الغلاأبوه نصراني وأمه مجوسية لانه تبع لدين أبيه إلا أن يكون قد تمجس وتركه أبوه. قال ابن ناجي: قال المغربي: ولا يناقض هذا ما تقدم في الحرة يسبيها العدو فتلد منهم أن أولادها الصغار تبع لها في الدين إذ ليس هنا أب حقيقة انتهى. ص: (مستحله) ش:

[ 318 ]

بفتح الحاء أي ما يستحله. ص: (وإن أكل ميتة) ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: واختلف المذهب إذا كان يسل عنق الدجاجة، فالمشهور لاتؤكل. وأجاز ابن العربي أكلها ولو رأيناه يسل عنقها لانه من طعامهم. قال ابن عبد السلام: وهو بعيد، وبحث ابن عرفة مع ابن عبد السلام في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: (إن ثبت بشرعنا) ش: كذي ظفر. قال ابن عرفة عن الباجي: هي الابل وحمر الوحش والنعام والاوز وما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة انتهى. وفي تفسير سيدي عبد الرحمن الثعالبي في تفسير قوله تعالى * (كل ذي ظفر) * يريد به الابل والنعام والاوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الاصابع وله ظفر. وقال في الشحوم: وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحمها خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية في قوله * (إلا ما حملت ظهورهما) * قال: يريد ما اختلط باللحم في الظهر والاجناب ونحوه. قال السدي: الاليات مما حملت ظهورهما، والحوايا ما تحوي في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوها، وقال ابن عبدوس وغيره: هي المباعر أو ما اختلط بعظم يريد في سائر الشخص. انتهى ونحوه في ابن عرفة عن ابن حبيب. ص: (وإلا كره) ش: كالطريفة. قال ابن عرفة: هي فاسد ذبيحة اليهود لاجل الرئة انتهى. ص: (كجزارته) ش: به الجيم كذا ضبطه ابن حجر في مقدمة فتح

[ 319 ]

الباري. ويفهم من كلام القاموس أيضا والجزارة بالضم أطراف البعير يداه ورجلاه ورأسه. قاله في الصحاح ولم أر من ذكر الجزارة بفتح الجيم والله أعلم. ص: (وذبح لصليب أو عيسى) ش: وكذا ما ذبح لعيده أو لكنيسته أو لجبريل. قال في التوضيح عن ابن المواز: كرهه مالك لانه خاف أن يكون داخلا في عموم قوله: * (أهل به لغير الله) * ولم يحرمه لعموم قوله * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * وأما الذبح للاصنام فلا خلاف في تحريمه لانه مما أهل به لغير الله انتهى.

[ 320 ]

فرع: قال ابن عرفة ابن حبيب عن ابن شهاب: لا ينبغي الذبح لعوامر الجان لنهيه (ص) عن الذبح للجان. قلت: إن قصد به اختصاصها بانتفاعها بالمذبوح كره فإن قصد التقرب به إليها حرم انتهى. وهذا والله أعلم هو الفرق بين ما ذبح للاصنام وما ذبح لعيسى لان ما يذبحونه للاصنام يقصدودن به التقرب إليها، وما ذبح لعيسى أو لصليب أو نحوهما، إنما يقصدون به انتفاعها بذلك والله أعلم. ص: (وجرح مسلم مميز) ش: قوله وجرح بفتح الجيم مصدر. قال في القاموس: وإذا كان اسما كان بضم الجيم. تنبيه: كل ما ذكر من شروط الصيد إنما يشترط في صيد البر إذا عقرته الجوارح أو السلاح أو أنفذت مقاتله، فأما إن أدرك البري حيا غير منفوذ المقاتل ذكي. وإنما يشترط فيه ما يشترط في الذكاة. وإن كان الصيد بحريا فلا يشترط فيه شئ بل يجوز مطلقا،. سواء صاده مسلم أو كافر على أي وجه كان. قاله في القوانين. واحترز المصنف بقوله: مسلم من الكافر فلا يصح صيده. ففي المدونة: ويؤكل ما ذبحه أهل الكتاب ولا يؤكل ما صادوه لقوله تعالى: * (تناله أيديكم ورماحكم) * ويؤكل ما صاده المجوسي من صيد البحر دون ما صاده من البر إلا أن تدرك ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله انتهى. وفيها أيضا: ولا تؤكل ذبيحة المرتد ولا صيده انتهى. وفي التوضيح المشهور منع صيد الكتابي. وقال ابن هارون وأشهب بإباحته واختاره ابن يونس والباجي واللخمي لانه من طعامهم، ولمالك في الموازية كراهته. ابن بشير: ويمكن حمل المدونة على الكراهة ولا يصح من المجوسي باتفاق ولا يؤكل صيد الصابئ ولا ذبيحته انتهى بالمعنى. واحترز بالمميز من المجنون والسكران والصبي وغير المميز، والمشهور أن المرأة والمميز كالبالغ وكرهه أبو مصعب انتهى من التوضيح. فرع: قال ابن عرفة ابن حبيب: أكره صيد الجاهل لحدود الصيد غير متحر صوابه

[ 321 ]

انتهى. وانظر صيد الخنثى والخصي والفاسق ومن تكره ذكاته هل يكره صيده وهو الظاهر والله أعلم. ص: وحشياف وإن تأنس) ش: يعني بقوله: وإن تأنس أن الوحش إذا تأنس ثم توجش فإنه يرجع إلى أصله ويؤكل بالعقر. قال في المدونة: وما دجن من الوحش ثم ند واستوحش أكل بما يؤكل به الصيد من الرمي وغيره ثم قال: والانسيه لا تؤكل بما يؤكل به الوحش من العقر والرمي انتهى. ص: (عجز عنه إلا بعسر) ش: يعني أن من شرط أكل المتوحش بالصيد أن يكون معجوزا عنه. قال ابن الحاجب: الصيد الوحش المعجوز عنه المأكول ثم قال: ولو صار المتوحش متأنسا فالذكاة، وكذا لو انحصر وأمكن بغير مشقة. قال في التوضيح: أي وكذلك إذا انحصر الصيد المتوحش وأمكن أخذه بغير مشقة فإنه لا يؤكل إلا بذكاة الانسي. وفهم من قوله بغير مشقة أنه لو أمكن أخذه بمشقة جاز صيده وهو كقول أصبغ فيمن أرسل على وكر في شاهق جبل أو في شجرة وكان لا يصل إلا بأمر يخاف منه العطب جاز أكله بالصيد، ومن النوادر: وإذطردت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة لا مخرج له منها أو انكسرت رجله منها فتمادت الكلاب فقتلته فلا يؤكل لانه كسير. محمد: وهذا إذا كان لو تركته الكلاب قدر ربها على أخذه بيده، ولو لجأ إلى غار لا منفذ له أو غيضة فدخلت إليه الكلا ب فقتلته لاكل، ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فأطلق عليه كلابه أو تمادت فقتلته، فأما الجزيرة الصغيرة التي لو اجتهد طالبه لاخذه بيده ولا يكون له في

[ 322 ]

الماء نجاة فلا يؤكل، وإن كان له في الماء نجاة أو كانت جزيرة كبيرة يجد الصيد الروغان فيها حتى يعجز طالبه عن رجله أو على فرس أن يصل إليه بيده إلا بسهم أو كلب فإنه يؤكل بالصيد انتهى. ص: (بسلاح محدد) ش: قوله: محدد خرج به نحو البندق وذكره في التوضيح وغيره. قال في كتاب الصيد من المدونة: وما أصيب بحجر أو بندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل وليس ذلك بخرق وإنما هو ر ض انتهى. وقال في الجلاب: ولا يؤكل ما رمي بالبندق إلا أن يذكى، فإن مات قبل ذكاته لم يجزأ كله. قال القرافي في شرحه لهذا الكلام: قلت: ظاهر مذهبنا ومذهب الشافعي تحريم الرمي بالبندق وبكل ما شأنه أن لا يجرح لنهيه (ص) عن الحذف وقال: إنه لا يصاد به الصيد ولا يكاد به العدو وإنما يفقأ العين ويكسر السن إلا أن يرمى به ما يباح قتله كالعدو والثعبان ونحوه انتهى. ثم قال في الجلاب: من رمى صيدا بحجر له حد فجرحه جاز أكله، ولو لم يجرحه ولكن رضه أو دقه لم يجزأ كله إلا أن يذكيه انتهى. ص: (وحيوان علم) ش: قال في المدونة: والمعلم من كلب أو بازي هو الذي إذا زجر انزجر وإذا أرسل أطاع. ثم قال: والفهد وجميع السباع إذا علمت فهي كالكلب. قلت: فجميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البزاة ؟ قال: لا أدري ما مسألتك ولكن ما علم من البزاة والعقبان والزمامجة والشدانقات والسفاة والصقور وشبهها لا بأس بها عند مالك انتهى. قال عياض: البازي بياء بعد الزاي وحكى بعضهم باز بغير ياء. تنبيه: قال في العارضة: قال: من لا يعلم إذا صاد بكلب أسود لم يؤكل، ولعله لقوله (ص): الكلب الاسود شيطان، وصيد الشيطان لا يؤكل لانه لا يسمي الله وهذه سخافة لو سخر لك الشيطان وصدت به وسميت الله لجاز أكله. فأما أن يكون الكلب الاسود شيطانا وسخر لك وانطاع فأنت إذن سليمان بن داود، أما أنه يحتمل أن يقال بأنه لم يجزأ كل صيده لتحريم اقتنائه لقتله فلا يكون حينئذ ذكاة وهو عندنا بمنزلة الوضوء بالماء المغصوب والله

[ 323 ]

الموفق. ص: (بإرسال من يده) ش: قال في المدونة: ولو أثار صيدا فأشلى عليه كلبه وهو مطلق فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده فإنه يؤكل ما صاده. قاله مالك ثم رجع فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسلا له مشليا وبالاول أقول، وأما لو ابتدأ الكلب طلبه أو فلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد ذلك لم يؤكل لان الكلب خرج من غير إرسال صاحبه انتهى. وظاهر كلام المصنف أنه مشى على قول مالك المرجوع إليه وأنه لا بد أن يكون الكلب مربوطا معه. قال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الصيد والذبائح: قال مالك في الرجل يكون معه الاكلب في غير مقاط ولا حبل إلا أنها تتبعه فيرسلها على الصيد حين يراه فلا بأس بأكله. ابن رشد: هذا قول مالك الاول في المدونة واختيار ابن القاسم ثم رجع فقال: إنه لا يأكله إذا قتلته إلا أن يكون في يده حين أرسله انتهى. ص: (بلا ظهور ترك) ش: قال

[ 324 ]

في المدونة: ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع الكلب ثم عاد فقتله، فإن كان كالطالب له يمينا وشمالا أو عطف وهو على طلبه فهو على إرساله الاول. المشذالي: أخذ منه ابن عرفة لو أرسل كلبا عقورا لقتل إنسان فانبعث الكلب ثم رجع أنه إن رجع رجوعا بينا ثم ذهب فقتله لم يقتل به المرسل وإلا قتل انتهى. ص: (أو لم ير بغار أو غيضة) ش: قال في المدونة: ومن أرسل كلبه على صيد، فأخذ غيره لم يؤكل، وإن أرسل على جماعة من وحش أو طير ونوى ما أخذ منها ولم يخص شيئا منها أو على جماعتين ونوى ما أخذ منهما جميعا فليأكل ما أمسك عليه من ذلك كله مما قل عدده أو كثر وكذلك الرمي. وإن نوى واحدا من الجماعة فأخذ الكلب غيره منها لم يؤكل وكذلك الرمي وإن أرسل على جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يؤكل ما أخذ من غيرها كان قد رآها أو لم يرها، وإن أرسلها على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان وراء غيرها فهو مرسل عليها فليأكل ما أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما صادسواه فليأكل ما صاده، وإن رميت صيدا عمدته فأصبت غيره أو أصبته فأنفذته وأصابت آخر وراءه لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن ينوي ما أصاب سواه كما ذكرنا انتهى. فرع: قال أبو الحسن: ولو نوى واحدا غير معين فأخذ الكلب واحدا أكله، فإن أخذ اثنين أكل الاول ولا يأكل الثاني، فإن شك في الاول منهما لم يأكل منهما شيئا انتهى. ص:

[ 325 ]

(لا إن ظنه حراما) ش: قال في المدونة: ومن رمى حجرا فإذا هو صيد فأنفذ مقاتله لم يؤكل، وكذلك لو ظنه سبعا أو خنزيرا. أبو الحسن: معناه يريد قتله، وأما لو رماه ينوي ذكاته لجلده فإذا هو صيد جاز له أكله. ابن يونس: قال بعض فقهائنا: يجوز له أكله لانه قصد ذكاته وحال أن تعمل الذكاة في بعض دون بعض. وقال فقهاء القرويين: لا يؤكل إذ ليس فيه قصد ذكاة تامة. ابن يونس: وهو أبين بخلاف أن لو كان يجيز أكله فقصد ذكاته لاكله فهذا لا خلاف أن ذلك يؤكل انتهى. ص: (أو لم يتحقق المبيح في شركة غيره كماء) ش: نحو هذا في آخر كتاب الذبائح من البيان ونصه: وقال فيمن رمى صيدا فأصاب مقاتله فأدركه وقد افترسه سبع وسهمه في مقاتله أو وقع في بئر أو تردى من جبل قال: إذا علم أنه قد أصاب مقاتله فلا بأس بأكله، وإن لم يعلم أنه أصاب مقاتله فلا يقر به إلا أن يذكيه. قال ابن رشد: هذا بين أن كل ما أصابها بعد إنفاذ المقاتل فلا يضره إذا فرغ من ذكاتها وهو مثل من ذبح ذبيحته فسقطت في ماء أو تردت من جبل أنها تؤكل. قال ذلك في المدونة وفي سماع أشهب. ونص ما في سماع أشهب: وسئل عمن ذبح ذبيحة فجرت في الماء فماتت فقال: لا يأكلها إلا إن كان قد تم ذبحه فقيل: إنه يخاف أن يكون قتلها الغمر في الماء. قال: إن كان قد تم ذبحه فلا بأس بها. قال ابن رشد: هذا نص ما في المدونة إذا كمل ذبحها قبل أن تسقط في الماء فأكلها جائز. وهذا مما لا اختلاف فيه بخلاف إذا ذبحها في جوف الماء، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم انتهى. وقال في آخر كتاب الصيد من المدونة: ومن رمى صيدا في الجو فسقط أو رماه في الجبل فتردى منه فأدركه ميتا لم يؤكل إذ لعله من السقطة مات إلا أن يكون أنفذ مقاتله بالرمية انتهى. قال ابن ناجي: وجه قولها أنه لا يؤكل إذا لم تنفذ مقاتله لانه حينئذ

[ 326 ]

من باب الشك في المقتضى بخلاف إذا أنفذت المقاتل لانه تحقق المقتضى وشك في المانع. فإن قيل: يحتمل أن يكون هذا الانفاذ بالسقوط على السهم ؟ أجيب بسبقية الرمية والآخر مشكوك فيه فوجب الاستناد إلى المحقق انتهى والله أعلم. ص: (أو كلب مجوسي) ش: مفهومه أن كلب المسلم ونحوه إذا شاركه فأكله جائز وهو كذلك إذا كان ربه أرسله. قال القرطبي: فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد

[ 327 ]

آخر وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بنفسه ولا يختلف في هذا لقوله عليه الصلاة والسلام فإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل وفي رواية: فإنما سميت على كلبك ولم تسم

[ 328 ]

على غيره فأما لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فلو أنفذ أحد الكلبين مقاتله ثم جاء الآخر فهو للذي أنفذ مقاتله انتهى. فرع: منه لو مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع لم يؤكل لانه مات حتفا فأشبه أن يذبح بسكين كالة فيموت في الذبح قبل أن تفري أوداجه انتهى. ص: (ووجب نيتها) ش: الاجماع على ذلك. ص: (وتسمية إن ذكر) ش: قال ابن الحاجب: ويسمي ثم قال: وإن كبر معها فحسن. قال في التوضيح: قال في المدونة: وليقل باسم الله والله أكبر ثم قال ابن حبيب: وإن قال بسم الله فقط أو الله أكبر فقط أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو لا إله إلا الله أو سبحان الله من غير تسمية أجزأه وكل تسمية ولكن ما مضى عليه الناس أحسن وهو بسم الله والله أكب) انتهى. ونقله القرافي عن ابن يونس ونقله ابن عرفة، ونقله الشيخ أحمد زروق وابن فرحون في شرح ابن الحاجب، ولم يصرح أحد منهم بأنه المشهور أو مقابله ولم يذكروا له مقابلا. ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة كأنه المذهب ونصه عند قول صاحب الرسالة: وليقل الذابح بسم الله والله أكبر. واعلم أنه لا خصوصية لهذا اللفظ بل إذا قال غيره من الاذكار يجزئه. نص على ذلك ابن حبيب وذكر نحو ما تقدم عن التوضيح وذكره الفاكهاني في شرح الرسالة أيضا. وقال سند في كتاب الحج: إن القصد استباحة الذبح بكلمة الله خلافا لما كان عليه الجاهلية يهلون لغير الله، وهذا المقصود يحصل بذكر اسم الله كيفما

[ 329 ]

ذكر حتى لو قال الله أجزأه. أما ذكر الرحمن فلا يليق بحال القتل والاماتة فلذلك لم ينقل ولم يفعل ولو فعل أجزأه، فإن ذبح الهدي فذكر الله وكبر ودعا بأن يتقبل الله منه فحسن، وإن اقتصر على التسمية حصلت الذكاة انتهى. وقال في العارضة: التكبير مخصوص بالهدايا لقوله تعالى: * (لتكبروا الله على ما هداكم) * قال: صفة التسمية أن تقول بسم الله أو باسمك اللهم والاول أفضل انتهى. فائدة: قال بعض المحققين: الجار والمجرور في قول الذابح بسم الله يتعلق باذبح ليفيد تلبس الفعل جميعه بالتسمية. وقال بعضهم: يتعلق بابتدئ والصواب الاول والله أعلم. فروع: الاول: التكبير الذي مع التسمية قال الشيخ أحمد زروق: وهو سنة تسمية الذبيحة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن الصغير وابن ناجي والشيخ زروق وغيرهم: ولا تقل بسم الله الرحمن الرحيم لان الذبح تعذيب وذلك ينافي الرحمة. الثاني: قال في المدونة: ومن أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثا فقال العبد قد سميت ولم يسمعه السيد جاز أن يصدقه ويأكل ما ذبح إلا أن يتركه تنزها انتهى. الثالث: لو استأجر رجلا يذبح له ويسمعه التسمية فذبح ولم يسمعه التسمية وقال لقد سميت، فحكى ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال: الاول: لبعض شيوخ عبد الحق لا شئ عليه من الاجرة لفوات الشرط ولا يغرم الذبيحة. الثاني: لبعض شيوخه أيضا له أن يغرمه الذبيحة. الثالث: لابي عمر أن له الاجرة ولا ضمان عليه لانه لا يضمن مسلم تركها عمدا فهو صادق أو ناس انتهى. قال القرافي بعد أن ذكر ما تقدم متمما كلام عبد الحق إلا أن تكون الشاة للبيع فينقصها ذلك من جهة توزع الناس قلة ما نقص. وقال ابن عبد السلام بعد حكايته الاقوال: والاقرب عندي أنه لا يستحق الاجرة كاملة انتهى. وفهم من قول المصنف إن ذكر أنه لو كان غير ذاكر أنها لا تجب عليه ويعني به الناسي، وإذا لم تجب عليه وتركها صحت. وظاهره أن غير الناسي لا يعفى عنه، سواء كان متعمدا أو متهاونا أو جاهلا، فالمتهاون لا تؤكل ذبيحته باتفاق كما قاله ابن رشد، والمتعمد على المشهور، وأما الجاهل فظاهر كلام الشيخ هنا وفي التوضيح أنه كالعامد لانه جعل قول أشهب الذي يفرق بين الجاهل والعامد غير المشهور بل جعله ثالثا فتأمله والله أعلم. تنبيه: ذكر الزواوي في مسألة رده على الطرطوشي في الجبن الرومي أن ذكاة الكتابي لا يشترط فيها التسمية بإجماع، وذكر القرطبي في تفسيره خلافا ونسب الكراهة لمالك فانظره في سورة المائدة والله أعلم. ص: (ونحر إبل) ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: لا خلاف أن

[ 330 ]

المطلوب في الابل النحر. قال الابهري: وكذلك الفيل إذا قصد الانتفاع بجلده وعظمه. قال الباجي: وإنما خصصه به مع قصر عنقه لانه لا يمكن ذبحه لغلظ موضع الذبح واتصاله بجسمه وله منحر فوجب أن تكون ذكاته فيه انتهى. فمقتضاه أنه يتعين فيه النحر وهو خلاف ما نقله الشيخ زروق عن الباجي ونصه في شرح الرسالة الابهري: إن نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده. الباجي: هو كالبقر يجوز فيه الامران والخيل كذلك انتهى. قلت: كلام ابن ناجي أصح لان المصنف نقل عن الابهري في التوضيح ما نصه الابهري: وإذا نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده. وعلله الباجي بأنه لا يمكن فيه إلا ذلك انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال الباجي: والخيل في الذكاة كالبقر يعني على القول بجوازها. الطرطوشي: وكذلك البغال والحمير على القول بكراهتها انتهى. ص: (وذبح غيره إن قدر) ش: قال في التوضيح: حتى الطير الطويل العنق كالنعامة ابن المواز: وإن نحرت لم تؤكل انتهى. ص: (وجاز للضرورة) ش: صوابه بألف التثنية. فرع: قال في التوضيح: نص مالك على أنه لو نحر ما يذبح أو بالعكس ناسيا لا يعذر، قال في البيان: وقيل إن عدم ما ينحر به ضرورة تبيح ذبحه وقد قيل إن الجهل في ذلك ضرورة انتهى. وقال ابن عرفة ابن رشد: قيل عدم آلة الذبح ضرورة تبيح نحره. وكذا عكسه، وقيل الجهل ضرورة انتهى. وقال في الشامل: ولا يعذر بنسيان وفي الجهل قولان انتهى. وقال قبله: فإن عكس في الامرين لعذر كعدم ما ينحر به صح، فجزم في الشامل بأن عدم ما يذبح به ضرورة فيدخل في مفهوم قول المصنف: إن قدر. ص: (إلا البقر فيندب الذبح) ش: قال الشيخ بهرام: هو مستثنى من قوله: وذبح غيره. وقال البساطي: يحتمل هذا، ويحتمل أن يكون مخرجا من مفهوم قوله: إن قدر أي إن قدر على الذبح فيما يذبح ولا ضرورة لم

[ 331 ]

يؤكل إلا البقر فإن الذبح فيها مندوب وترك المندوب لا يمنع من الاكل انتهى. وليس بظاهر لان البقر لم يجز لها ذكر وإنما يصح على أن تكون إلا بمعنى لكن والله أعلم. ص: (وضجع ذبح على أيسر) ش: ابن عرفة ناقلا عن ابن حبيب: لو أضجعها على الايمن اختيارا أكلت. وروى عن ابن القاسم أنه إذا كان أعسر يضجعها على شقها الايمن لانه أمكن. ابن حبيب: ويكره للاعسر أن يذبح فإن ذبح واستمكن أكلت انتهى. ونقله صاحب التوضيح وغيره. فرع: قال في البيان في كتاب الذبائح في سماع القرينين: سئل مالك عمن يذبح الحمام والطير هكذا وأشار بيده وهو قائم يذبحها ما أراه بمستقيم هذا على وجه الاستخفاف فقيل له: إن الصائد فعل ذلك فقال: ألا أنه غير فقيه ولا مفلح فقيل له: أفتؤكل ؟ قال: نعم إذا أحسن ذبحها انتهى. ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل. فرع: قال ابن عرفة: وفي خفة ذبح شاة وأخرى تنظر وكراهته نقل ابن رشد عن مالك محتجا بنإحر البدن مصطفة. ابن حبيب: بأنه في البدن سنة انتهى. فرع: قال في البيان: وروي عنه عليه السلام أنه أمر أن تحد الشفار وأن يتوارى بها عن البهائم. وسمع القرينان قال مالك: مر عمر بن الخطاب على رجل قد اضجع شاة وهو يحد شفرة فعلاه بالدرة وقال له: علام تعذب الروح ؟ إلا حددت شفرتك قبل انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وفي كراهة أكل البقر تعرقب عند الذبح. نقل ابن زرقون عن فضل رواية ابن القاسم وقوله لا يعجبني قول مالك ولا بأس بأكلها. وسمع ابن القاسم لا بأس بقطع الحوت وإلقائه حيا في النار. ابن رشد: كره كراهة شديدة في موضعين من سماع القرينين وسمعا لا يعجبني شق المنهوش جوف الشاة ليدخلها رجله تداويا قيل فبعد ذبحها قبل موتها قال: إنه يقول إنه على وجه التداوي كأنه يكرهه. ابن رشد: خففه بعد ذبحها وقوله أولا: لا يعجبني حمله على الحظر لا الكراهة أبين انتهى والله أعلم. ص: (وتوجهه) ش: إنما كان على جهة الندب لعدم دلالة النصوص على الامر بها بخلاف التسمية، ولما كانت الذبيحة لا بدلها من جهة

[ 332 ]

اختيرت جهة القبلة لانها أفضل الجهات. والفرق بينه وبين الاستقبال للبول وإن كان نجسا وجهان: لان الدم أخف تنجسا لاكل قليله يعني دم العروق والعفو عن يسيره، وأن الذبائح في نفسها قربات بخلاف البول، وأيضا البول ينضاف إليه كشف العورة. قاله في الذخيرة. ص: (وفي جواز الذبح بالظفر والسن أو إن انفصلا أو بالعظم أو منعهما خلاف) ش: كذا في كثير من النسخ وهو مشكل لان الخلا ف المذكور إنما هو في الظفر والسن كما ذكره في التوضيح، ويوجه كذلك في بعض النسخ المختصر وهو الصواب. ص: (وحرم اصطياد مأكول إلا بنية الذكاة) ش: قال ابن عرفة اللخمي: هو لعيشه اختيارا مباح، ولسد خلته أو لتوسيع ضيق عيش عياله مندوب إليه، ولاحياء نفس واجب، وللهو مكروه، وأباحه ابن عبد الحكم، ودون نية أو مضيع واجبا حرام انتهى. وقال قبله: وصيد البحر والانهار أخف لا بأس بصيد الحيتان، وانظر ما يصاد ليباع للصغار ليلعبوا به وربما أدى إلى قتله. قاله في آخر كتاب الصيد والذبائح من النوادر: قال ابن المواز: وكره اللخمي أن يعطى الصيد يلعب به انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة في السلم الاول عند قوله: ومن سلف دنانير إلى صياد على صنف من الطير كل يوم كذا وكذا طائرا قال شيخنا أبو مهدي: وليس فيها ما يدل على جواز جعل الطير في القفص ولا على منعه وفي اللقطة ما يوهم جوازه وهو قوله: إذا حل رجل قفص طائر فإنه يضمن. قيل فإن قوله عليه السلام: أبا عمير ما فعل التغير يقتضي جوازه. فقلت: ليس كذلك ليسارة اللعب لانه لا بد من تخصيصه بذلك وهنا يبقى السنين المتطاولة فهو تعذيب له فهو أشد فاستحسنه، وذكر أن الشيوخ قيدوا الحديث بعدم التعذيب انتهى. وقال

[ 333 ]

البرزلي في آخر كتاب الضحايا والذبائح: ولم يمنع الاطفال من اللعب بالحيوان إذا وقع لبسط نفوسهم وفرحتهم لقوله عليه السلام: ما فعل التغير يا أبا عمير. وإنما يمنع ما كان عبثا لغير منفعة ولا وجه مصلحة انتهى. فظاهر هذا أن اللعب اليسير مباح فيكون الصيد له مباح والله أعلم. ص: (كذكاة ما لا يؤكل إن أيس منه) ش: قال ابن وهب: لا تعقر ولا تذبح. قال البرزلي: مسألة ما وقف في بلاد العدو ومن الخيل والحيوان فإنها تعرقب وإن خيف أكلها أحرقت انتهى. قال القرافي: تفريع: لو تركها فعلفها غيره ثم وجدها قال مالك: هو أحق بها لانه تركها مضطرا كالمكره ويدفع ما أنفق عليها. وقيل: هي لعالفها لاعراض المالك عنها انتهى. ومسألة عرقبة الحيوان وحرقه سيتكلم عليها المصنف في باب الجهاد، ومسألة القرافي سيأتي الكلام على شئ

[ 334 ]

منها في باب اللقطة والله أعلم. فصل في كراهة في الذكاة ص: (وسلخ أو قطع قبل الموت) ش: يعني أنه يكره له ذلك إ أنه خفف للمنهوش أن يشق جوف الشاة بعد ذبحها قبل أن تزهق نفسها لضرورة التداوي ولم يجز ذلك قبل الذبح. قاله في سماع أشهب في الضحايا، وتقدم ذلك في كلام ابن عرفة عند قول مالك: وضجع ذبح على أيسر. ص: (وملك الصيد المبادر وإن تنازع قادرون فإبينهم) ش: قال ابن عبد السلام: ولو رأى واحد من جماعة صيدا واختص برؤيته من بينهم ثم أخبرهم فبادر

[ 335 ]

إليه غيره فأخذه كل لآخذه خاصة لان المباحات إنما تستحق بوضع اليد لا بالمعاينة. ولو تنازع الجماعة فيبعد أن رأوا وقبل أن يضعوا أيديهم عليه وهو معنى قول المؤلف يعني ابن الحاجب وكل قادر أي وكل واحد منهم قادر على أخذه فهو لجميعهم لتساويهم في ذلك لعدم المنازع لهم من غيرهم. والنظر يقتضي أن لا شئ لواحد منهم لانعدام سبب الملك في حقهم وإنما حسن القضاء به لانتفاع المنازع من غيرهم كما قلنا. قال في العتبية: قضى به بينهم خوفا أن يقتتلوا عليه، وتعليله بخوف الاقتتال كالاشارة إلى ما نبهت عليه من فقدان سبب الملك انتهى. وقال ابن عرفة: ويملك لصيد بأخذه. روى سحنون: لو رأى واحد من قوم صيدا فقال هو لي لا تأخذوه أو وجدوه كلهم فأخذه أحدهم فلآخذه وإن تدافعوا عنه فلكلهم. قلت: هذا إن كان بمحل غير مملوك وأما بمملوك فلربه انتهى. فرع: قال القرافي في الفرق الخامس والثلاثين: نص أصحابنا رحمهم الله على أن السفينة إذا وثبت فيها سمكة فوقعت في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة لان حوزه أخص بالسمكة من حوز صاحب السفينة، لان حوز السفينة شمل هذا الرجل وغيره وحوز هذا الرجل لا يتعداه فهي أخص والاخص مقدم على الاعم انتهى. ص: (وإن ند ولو من مشتر فللثاني) ش:

[ 336 ]

قال في المدونة: ومن صاد طائرا في رجله ساقان أو ظبيا في أذنيه قرطان أو في عنقه قلادة عرف بذلك ينظر، فإن كان هروبه ليس هروب انقطاع ولا توحش رده وما وجد عليه لربه، وإن كان هروبه هروب انقطاع وتوحش فالصيد خاصة لصائده دون ما عليه انتهى. فرع: قال فيها: فإن قال ربه ند مني منذ يومين، وقال الصائد: لا أدري متى ند منك، فعلى ربه البينة والصائد مصدق انتهى. ص: (إلا أن لا يطرده لها فلربها) ش: قال المشذالي في كتاب الصيد من حاشيته على المدونة. قلت لشيخنا: أرأيت من اكترى أرضا فجر السيل أو النيل لها سمكا، أهو لرب الارض أو للمكتري ؟ قال: لرب الارض لقولها: وإن لم يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار انتهى. ص: (وضمن مار أمكنته ذكاته وترك) ش: ولا يؤكل الصيد ومقابله يؤكل ولا ضمان على المار وعلى المشهور فيضمنه مجروحا كما سيأتي في كلام القرافي. قال في التوضيح: إذا رمى صيدا أو أرسل

[ 337 ]

عليه فمر به إنسان وهو يتخبط وأمكنته الذكاة فلم يذكه حتى جاء صاحبه فوجده قد مات لم يأكله لان المار يتنزل منزلة ربه في كونه مأمورا بذكاته، فلما لم يذكه صار ميتا، وإلى هذا أشار يعني ابن الحاجب بقوله: فالمنصوص لا يؤكل ويضمنه المار أي أن المنصوص لابن المواز، وأجرى ابن محرز وغيره من المتأخرين قولين في الترك هل هو كالفعل. قيل: وعلى نفي الضمان فيأكله ربه. واختار اللخمي نفي الضمان قال: وإن كان ممن يجهل ويظن أنه ليس له أن يذكيه كان أبين في نفي الغرم ثم قال: واحترز يعني ابن الحاجب بقوله: وأمكنته الذكاة مما إذا لم يره أو رآه ولكن ليس معه ما يذكيه به فإنه يؤكل ولا ضمان عليه وكذلك قال اللخمي انتهى. وقال في الذخيرة. فرع: قال ابن يونس: قال محمد: لو مر به غير صاحبه فلم يخلصه من الجارح مع قدرته على ذلك لم يؤكل وعليه قيمته مجروحا. قال اللخمي: يريد إذا كان ما يذكيه به، فإن لم يكن معه أكل انتهى. وقال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال ابن المواز: ولو مر به غير صاحبه وتركه حتى فات بنفسه فلا يؤكل وغير صاحبه في هذا مثل صاحبه وقاله مالك. قال ابن المواز: لانه قد أمكن المار ذكاته فكان كربه، وفي هذا بعد لان ربه قد عدم القدرة على ذكاته حتى فات بنفسه، ومن رآه في يد الكلب لم يلزمه أن يذكيه فروع: يتذاكر بها: لو أن بل قد يقال له قتلته فعليك قيمته. قال ابن محرز رجلا أرسل كلبه على صيد فلم ينفذ الكلب مقتله حتى مر به مار غير ربه فتركه ولم يذكحتى مات لم يؤكل. قلت: ومما ينظر فيه هل يضمنه هذا أم لا، لان تركه له وهو قادر عليه يوجب ضمانه كمن رأى مال رجل في الهلاك أو يتناوله رجل أو بهيمة تتلف ولم يستنقذها حتى هلكت أو تلفت أن يضمنه، وكذلك لو أن رجلا رأى سبعا يتناول نفس إنسان ولم يخلصه منه حتى هلك أن يضمن ديته، ويجب أيضا فيمن كانت عنده شهادة بإحياء حق لرجل فلم يشهد به حتى تلف حقه أن يضمن لربه، وكذلك إن كانت عنده وثيقة لرجل في إثبات فلم يردها متعديا عليه فحبسها حتى افتقر الرجل أو مات ولا شئ عنده أنه يضمنه، وأبين من هذا التعدي والاتلاف لو تعدى على وثيقة رجل فقطعها وأفسدها فتلف الحق بقطعها أن يضمن أيضا، ولا يلزم عليه قتل الذي عليه الدين ولا قتل الشهود لان التلف في هذين الوجهين هو الانسا المضمون بديته دون ما سواه من الحقوق المتعلقة. ويشبه أن يكون من الوجوه المذكورة من مر على لقطة لها قدر فإنه مأمور بأخذها، فإن تركها حتى ضاعت ضمنها بتركه إياها. وقال ابن القاسم في الآبق يجده: إنه إن كان لمن يخصه من جار أو قريب أخذه، وفرق بينه وبين اللقطة، ويشبه أن يكون من الوجوه الاولى من وجب عليه مواساة غيره بطعام أو شراب بثمن أو غيره فلم يفعل حتى مات الآخر جوعا وعطشا فإنه يضمنه بديته، وكذلك لو وجب عليه سقي زرع بفضل مائة فترك ذلك حتى مات زرع الآخر فإنه يضمنه، وكذلك من أجيف ولم يستطع على خيط وإبرة لخياطة جرحه إلا من عند رجل فمنعه حتى مات فإنه يضمن ديته، وكذلك لو مال حائط ولرجل من جيرانه حجر أو عامود إن

[ 338 ]

عمد به استمسك وإن لم يفعل هلك فلم يمكنه منه حتى هلك فإنه ينبغي أن يضمنه. وأمثلة هذا مع التتبع تكثر وفيما ذكرته كفاية من تبصرة ابن محرز. انتهكلام الشيخ أبي الحسن من كتاب الصيد وإلى هذا جميعه أشار المصنف بقوله ص: كترك تخليص مستهلك من نفس مال إلى قوله وعمد وخشب فيقع الجدار) ش: وقال الابي في كتاب الايمان في شرح قوله عليه الصلاة والسلام أو رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل لانه يعرضه للتلف. قال عياض: وهو في تعريضه يشبه قاتله ولذلك قال مالك: يقتل به إن هلك. قال الابي: ما زال الشيوخ ينكرون حكايته عن مالك ويقولون: إنه خلاف المدونة. فرع: قال المشذالي في كتاب اللقطة مسألة: من حد قيد عبد أخذ ابن هشام من هذه

[ 339 ]

المسألة ومن مسألة القفص أن من أخفى مطلوبا عن غريمه وهو يعلم بما عليه ثم أطلقه فذهب ولم يجده طالبه لزمه غرم الدين، وكذلك السجان والعوين إذا أطلقا الغريم انتهى. وقال قبله: أخذ ابن عرفة من مسألة من حل قيد عبد أن وجد دابة لرجل على بئر فسقاها فذهبت أنه يضمنها. قلت: هذا بين إن كان إن تركها وقفت على البئر تنتظر من يسقيها ولا يبقى عليها ضرر العطش، وأما إن كان إذا تركها ماتت ففي ضمانه نظر انتهى. مسألة: قال البرزلي: وقعت نازلة: هي أن رجلا رهن أصلا وحوز للمرتهن رسمه المكتوب فتلف عند المرتهن، فأفتى شيخنا الامام بأنه ينظر إلى قيمة الاصل برسمه وقيمته بغير رسم فما بينهما يضمنه أو يثبت ملك الاصل كما كان. انتهى من أواخر مسائل الغصب والاستحقاق

[ 340 ]

وقبل مسائل الوديعة بنحو تسعة أوراق، وذكر هذه المسائل التي ذكرها المصنف هنا والله أعلم. ص: (بقطع نخاع) ش: قال في الصحاح: قال الكسائي: من العرب من يقول قطعت نخاعه، وناس من أهل الحجاز يقولون هو مقطوع النخاع بالضم وهو الخيط الابيض الذي في جوف الفقار، والمنخع موصل الفهقة بين العنق والرأس من باطن انتهى. وفي القاموس: النخاع مثلث الخيط الابيض في جوف الفقار انتهى. والفقار بفتح الفاء فقرة بفتح الفاء وكسرها ويقال فيها فقارة أيضا بالفتح. قاله في القاموس: قال: وهي ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب، ويقال في جمعها أيضا فقرات وفقرات وأقل فقار البعير ثمان عشرة وفقر. قاله في الصحاح. قال ابن الاعرابي في نوادره: فقار الانسان سبع عشرة انتهى. ومعنى انتضد أي صار بعضه فوق بعض. قال في الصحاح: نضد متاعه ينضده نضدا أي وضع بعضه على بعض والتنضيد مثله يشدد للمبالغة في وضعه متراصفا، والنضد بالتحريك متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض انتهى، والكاهل ما بين الكتفين ويقال له الحارك بالحاء المهملة. قاله في الصحاح. والعجب بفتح العين المهملة وسكون الجيم أصل الذنب، والفهقة بفتح الفاء وسكون الهاء وفتح القاف. قال في الصحاح: عظم عند مركب العنق وهو أول الفقار، وفهقت الرجل إذا أصبت فهقيه اه‍. ص: (أو حشوة) ش: قال في الصحاح: وحشوة البطن وحشوته بالضم والكسر أمعاؤه

[ 341 ]

وانتهى. ص: (وثقب مصران) ش: بضم الميم جمع مصير مثل رغيف ورغفان وجمع مصران مصارين. صرح بضم الميم ابن قتيبة في أدب الكاتب في باب ميعرف جمعه ويشكل واحده وهو

[ 342 ]

مفهوم من قوله في الصحاح مثل رغيف ورغفان. ص: (وذكاة الجنين ذكاة أمه إن تم بشعر) ش: يعني أن الجنين إذا ذكيت أمه فذكاته ذكاة له بشرطين أن يتم خلقه وأن ينبت شعره فيؤكل حينئذ إن خرج ميتا، ويستحب نحره إن كان من الابل وذبحه إن كان من غيرها ليخرج الدم من جوفه، فإن فقد الشرطان أو أحدهما لم يؤكل خرج حيا أو ميتا. ونقل ابن العربي في القبس عن مالك جواز أكله وإن لم يتم، ونقل عنه في العارضة كنقل الجماعة واختار ذلك هو لنفسه نقله ابن عرفة. وإن وجد الشرطان وخرج حيا فقد أشار إليه المصنف قوله. ص: (وإن خرج حيا ذكي إلا أن يبادر فيفوت) ش: يعني وإن خرج الجنين بعد ذكاة أمه حيا ووجد فيه الشرطان فإنه لا يؤكل حتى يذكى إلا أن يبادر إلى ذبحه فيسبق بنفسه فيؤكل، وذلك أنه إذا خرج حيا فتارة يكون به من الحياة ما يرتجى أنه يعيش بها أو يشك في ذلك فلا يؤكل إلا بذكاة. وتارة يكون به رمق من الحياة يعلم أنه لا يعيش بها فيذكى إلا أن يفوت بأن يسبقهم بنفسه فيؤكل. وهل ذكاته في هذ الحالة إذا لم يسبق بنفسه شرط وهو ظاهر كلام المصنف وعزاه ابن رشد ليحيى بن سعيد وعيسى بن دينار، أو ذكاته على جهة الاستحباب وهو الذي عزاه ابن رشد لمالك وجميع أصحابه ؟ وذكره ابن الحاج في مناسكه على أنه المذهب، وذكر

[ 343 ]

ابن رشد في آخر كتاب الضحايا من البيان وإن خرج ميتا فلا فرق بين أن يكون مات في بطن أمه بموتها، أو أبطأ موته بعد موتها، أو ترك في بطنها حتى مات. قاله ابن رشد فيه أيضا. والمراد بتمام خلقه أن يكون تم هو بنفسه لاتمام أعضاء الحيوان. فلو خلق ناقص يد أو رجل وتم خلقه على ذلك لم يمنع نقصه من تمامه. قاله الباجي: ونقله عنه المصنف وابن عرفة وغيرهما. قال ابن عرفة: وظاهر الروايات وأقوال الاشياخ أن المعتبر شعر جسده لا شعر عينه فقط خلافا لبعض أهل الوقت وفتوى بعض شيوخ شيوخنا انتهى. فرع: نقل ابن رشد في رسم سماع موسى من كتاب الصلاة جواز أكل المشيمة وهي بميمين وعاء الولد، وأفتى الصائغ بمنع أكله وأفتى بعض شيوخ ابن عرفة بأنه إن أكل الجنين أكلت. انظر ابن عرفة. فرع: وأما الدجاجة فيؤكل ما في بطنها إذا ذكيت تم خلقه أم لا. قاله الجزولي في شرح الرسالة. ص: (وذكي المزلق) ش: مزلق كمكرم اسم مفعول من أزلق. قال في الصحاح: أزلقت الناقة أسقطت انتهى. يعني أن المزلق إذا كان فيه من الروح ما يرى أن مثله يعيش فإنه يذكى ويؤكل، فإن لم يذك لم يؤكل. وإن شك هل يعيش أم لا يؤكل لم بذكاة ولا بغيرها. قال ابن رشد اتفاقا والله أعلم. ص: (وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به ولو لم يعجل كقطع

[ 344 ]

جناح) ش: قال في التوضيح: قال في المدونة: ولا تؤكل ميتة الجراد ولا ما مات منه في الغدائر ولا يؤكل إلا ما قلعت رأسه أو سلق أو قلي أو شوي حيا وإن لم تقطع رأسه، ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات من ذلك لاكل انتهى. يريد ولا يؤكل الرجل المقطوعة ولا اليد ونحوها، فإن صلق منها مع ميت أو قطعت أرجلها أو أجنحتها ثم صلقت معها فقال أشهب: يطرح جميعه وأكله حرام. وقال سحنون: تؤكل الاحياء بمنزلة خشاش الارض تموت في قدر انتهى. فرع: صرح في التنبيهات في أول كتاب الطهارة في مسألة الخشاش بأن الصحيح من المذهب أن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة انتهى.

[ 345 ]

كتاب الاطعمة باب المباح طعام طاهر ص: (والبحري وإن ميتا) ش: وإن وجد طافيا ميتا بنفسه. فرع: قال في اللباب: وإذا وجد حوت في بطن حوت أكل وإن وجد في بطن طير ميت فقيل لا يؤكل لانه صار نجسا. وقال ابن يونس: الصواب جواز أكله كما لو وقع حوت في نجاسة فإنه يغسل ويؤكل انتهى. قال البرزلي في كتاب الطهارة: وفرق شيخنا الامام بأن وقعها في نجاسة أخف بخلاف حصوله في بطن الطير إذا مر عليه زمان تسرى فيه النجاسة بالحرارة فأشبه طبخ بالماء النجس إلا أن يقال: النار في الحرارة أشد. وعلى هذا لو حصلت في بطن خنزير ومات فإنه يجري على ما تقدم انتهى. وتقدم الكلام على ذلك عند قول المصنف: " ولا يطهر زيت خولط ". وفي المدونة: ومن ملح حيتانا فوجد فيها ضفادع ميتة أكلت. قيل: الضمير للضفادع وقيل للحيتان والجميع يؤكل. وفي سماع ابن القاسم من كتاب

[ 346 ]

الصيد والذبائح ذكر غمسه في النار حيا أو في الطين ونحو ذلك لا بأس به. وانظر البرزلي ونص ما في السماع المذكور وسئل مالك عن الحوت يوجد حيا، أيقطع قبل أن يموت ؟ قال: لا بأس به لانه لا ذكاة فيه وأنه لو وجد ميتا أكل فلا بأس به أن يقطع قبل أن يموت وأن يلقى في النار وهو حي فلا بأس بذلك. قال ابن رشد: قد كرهه في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب في موضعين كراهية غير شديدة، وظاهر هذه الرواية الاباحة. والوجه في ذلك أن الحوت لما كان لا يحتاج إلى تذكية وكان للرجل أن يقتله بأي نوع شاء من أنواع القتل في المال وأن يقطعه فيه أن شاء كان له أن يفعل ذلك بعد خروجه من الماء. والوجه في كراهة ذلك أن الحوت مذكى. فالحياة التي تبقى فيه بعد صيده تشابه الحياة التى تبقى في الذبيحة بعد ذبحها فيكره في كل واحد منهما ما يكره في الآخر انتهى. ونص ما في رسم الجنائز والصيد في الموضع الاول: وسئل عن الحيتان تصاد فتغمس رؤوسها في الطين لتموت فكرهه ولم يره شديدا. ونص ما في الموضع الثاني: وسألته عن الحوت أيطرح في النار حيا ؟ قال: ما أكرهه كراهية شديدة وهو إن تركه قليلا مات. قال ابن رشد: إثر الموضع الاول: هذا نحو قوله بعد هذا في طرح الحوت في النار حيا قبل أن يموت وهو خلاف ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم وقد مضى هناك توجيه القولين والله أعلم. ص: (وطير ولو جلالة) ش: الجلالة في اللغة البقرة التي تتبع النجاسات. قال في الصحاح: الجلالة البقرة التي تتبع النجاسات. وفي الحديث نهى عن لبن الجلالة انتهى. قال ابن عبد السلام: الفقهاء استعملوها في كل حيوان يستعمل النجاسة انتهى. وقال: ابن الاثير في غريب الحديث: الجلالة من الحيوان التي تأكل العذرة، والجلة البعر فوضع موضع العذرة انتهى. وأتى المصنف ب‍ " لو " المشعرة بالخلاف تبعا للخمي. قال عنه في التوضيح في باب الذبائح: وفي اللخمي في كتاب الطهارة اختلف في الحيوان يصيب النجاسة، هل تنقله عن حكمه قبل أن يصيبها ؟ فقيل: هو على حكمه في الاصل في أسآرها وأعراقها ولحومها

[ 347 ]

وألبانها وأبوالها. وقيل: تنقله وجميع ذلك نجس انتهى. ولم يتبع في حكايته الاتفاق على إباحة الجلالة قال في التوضيح عنه: واتفق العلماء على أكل ذوات الحواصل من الجلالة واختلفوا في ذوات الكرش، فكره جماعة أكل الجلالة منها وشرب ألبانها لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن لحوم الجلالة وألبانها. ولا خلاف في المذهب في أن أكل لحم الماشية والطير الذي يتغذى بالنجاسة حلال جائز وإنما اختلفوا في الالبان والابوال والاعراق انتهى. قال ابن عبد السلام: وكلام اللخمي هو الصحيح. انتهى بمعناه. انتهى كلام التوضيح. ص: (ونعم) ش: تقدم في أول الذكاة أن النعم في عرف الفقهاء اسم للابل والبقر والغنم، وخالف في ذلك ابن دريد والهروي والحريري في درة الغواص وقالوا: إنه خاص بالابل وقيل: إنه اسم للابل والبقر دون الغنم. وكلام المحكم يقتضي أنه اسم للابل والغنم دون البقر وتقدم بيان ذلك والله أعلم. تنبيه: قال ابن عبد السلام في كتاب الذبائح: استعمل المصنف الانعام في الثمانية الازواج المذكورة في: قوله تعالى (ومن الانعام وحمولة فرشا) وزعم بعضهم أن غالب ما يستعمل هذا اللفط في الابل خاصة، وعلى الوجه الاول جاء الكتاب العزيز في غير ما آية انتهى. قلت: وما ذكره عن بعضهم غريب إنما رأيته في لفظ النعم والله أعلم. تنبيه: قال في الالغاز: قال ابن رشد: يمنع من ذبح الفتى من الابل مما فيه الحمولة، وذبح الفتى من البقر مما هو للحرث، وذبح ذوات الدر من الغنم للمصلحة العامة للناس فتمنع المصلحة الخاصة ذكره في باب الغصب انتهى من الذبائح. وانظر أول كتاب الدور والارضين من البيان والاكمال في شرح قوله (ص): " نكب عن ذوات الدر ". ص: (وقنفذ) ش: بضم القاف وسكون النون وضم الفاء وقد تفتح، وآخره ذال معجمة، والانثى قنفذة وجمعه قنافذ، ويقال للذكر شيهم بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتية وفتح الهاء. انظر القاموس والصحاح في فصل القاف من باب الذال وفصل الشين من باب الميم وضياء الحلقوم. ص:

[ 348 ]

(وحية أمن سمها وخشاش أرض) ش: قال في المدونة في أول كتاب الذبائح: وإذا ذكيت الحيات في موضع ذكاتها فلا بأس بأكلها لمن احتاج إليها، ولا بأس بأكل خشاش الارض وهوامها وذكاة ذلك كذكاة الجراد انتهى. قال أبو الحسن: موضع ذكاتها يريد حلقها وهو موضع الذكاة من غيرها. وقال بعضهم: صفة كذاتها من جهة الطب أن يؤخذ من جهة ذنبها مقدار خاص، فإن كان اثنان وضع أحدهما الموسى على حلقها والآخر على المقدار الخاص من جهة ذنبها فيقطعان ذلك كله في مرة واحدة. وإن كان المذكى واحدا جمع طرفيها ووضع الموسى على ذلك وقطع ذلك كله في مرة واحدة ولا يؤكل بالعقر. وقال أشهب: وتؤخذ برفق ومهل ولا يغيظها لئلا يسرى السم فيها. وقوله: " لمن احتاج إليها " الشيخ لابن القاسم في غير المدونة: يجوز أكلها لمن يحتاج لها. وقال ابن حبيب: يكره أكلها لغير ضرورة انتهى. وقال في الذخيرة. فائدة: ذكاة الحية لا يحكمها طبيب ماهر وصفتها أن يمسك برأسها وذنبها من غير عنق وتثنى على مسمار مضروب في لوح ثم تضرب بآلة حادة رزينة عليها وهي ممدودة على الخشبة في حد الرقيق من رقبتها وذنبها من الغليظ الذي هو وسطها ويقطع جميع ذلك في فور واحد في ضربة واحدة، فمتى بقيت جلدة يسيرة فسدت وقتلت بواسطة جريان السم من رأسها في جسمها بسبب غضبها أو ما هو قريب من السم من ذنبها في جسمها، وهذا معنى قوله: " في موضع ذكاتها ". انتهى من كتاب الاطعمة. وقال في كتاب الصيد. تنبيه: الحية متى أكلت بالعقر قتل آكلها بل لا يمكن أكله إلا بذكاة مخصوصة تقدمت في الاطعمة انتهى. وقال ابن عرفة ابن بشير: ذو السم إن خيف منه حرام وإلا حل. الباجي: لا يؤكل حية ولا عقرب الابهري: إنما كرهت لجواز كونها من السباع والخوف من سمها ولم يقم على حرمتها دليل ولا بأس به تداويا ولذا أبيح الترياق. وروى ابن حبيب كراهة العقرب وذكاتها قطع رأسها، وفي ثاني حجها لا بأس أن يأكل الحية إذا ذكيت ولا أحفظ عنه في العقرب شيئا وأرى أنه لا بأس به انتهى. وصرح الطراز في أول كتاب الطهارة بمشهورية إباحة العقرب ونصه: واختلف في العقرب والمشهور إباحتها وقيل تكره انتهى. وقوله " وخشاش أرض " أشار به لقوله في المدونة المتقدم: لا بأس بأكل خشاش الارض. قال أبو الحسن: هو عبارة عما لا نفس له سائلة. وضبط عياض بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الشين المعجمة، ويقال بكسر الخاء وحكى أبو عبيدة ضمها انتهى. قال في التوضيح: والافصح في الخشاش فتح الخاء.

[ 349 ]

قال ابن الحاجب: ويؤكل خشاش الارض وهوامها وذكاة ذلك كذكاة الجراد. وقال الباجي: أكل الخشاش مكروه. وفي ابن بشير: المخالفون يحكون عن المذهب جواز أكل المستقذرات والمذهب خلافه. وقال ابن هارون: ظاهر المذهب كما ذكر المخالف انتهى. وقال ابن العربي في عارضته: قال مالك: حشرات الارض مكروهة. وقال أبو حنيفة والشافعي: محرمة. وليس لعلمائنا فيها متعلق ولا للتوقف عن تحريمها معنى ولا في ذلك شك ولا لاحد عن القطع بتحريمها عذر انتهى. وقال ابن عرفة: قول ابن بشير حكى المخالف عن المذهب جواز أكل المستذرات وكل المذهب على خلاف رواية ابن حبيب من احتاج إلى أكل شئ من الخشاش ذكاه كالجراد والعقرب والخنفساء والجندب والزنبور واليعسوب والذر والنمل والسوس والحلم والدود والبعوض والذباب انتهى. وقال في الذخيرة بعد أن ذكر عن الجواهر نحو ما قاله ابن بشير في المستقذرات ما نصه: والعجب من نقل الجواهر مع قوله في الكتاب: " لا بأس بأكل خشاش الارض وهوامها " ثم قال: وأي شئ بقي من الخبائث بعد الحشرات والهوام والحيات انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: ولا يجوز أكل شئ من النجاسات كلها ولا تؤكل الفأرة والمستقذرات من خشاش الارض كالوزغ والعقارب، ولا ما يخاف ضرره كالحيات والنباتات كلها مباحة إلا ما فيه ضرر أو يغطي على العقل انتهى. تنبيهان: الاول: ما ذكره ابن عسكر في الوزغ من أنه من الخشاش خلاف ما صرح به صاحب الطراز وخلاف ظاهر كلام ابن عرفة. قال في الطراز في كتاب الطهارة: والخشاش بضم الخاء الحيوان الذي لا دم له. قال قطرب: الخشاش بالضم خشاش الارض وبالكسر العظم الذي في أنف الناقة، وبالفتح الرجل الخفيف الرأس. قال ابن القاسم: وخشاش الارض الزنبور والعقرب والصرار والخنفساء وبنات وردان وما أشبه هذا من الاشياء، ومن هذا القبيل النمل والجراد والعنكبوت وليس منه الوزغ ولا السحالي ولا شحمة الارض. وقال بعض الشافعية: الوزغ من الخشاش وهو غلط لانها ذات لحم ودم من جنس الحنش انتهى. وقال ابن عرفة هنا الكافي: لا يؤكل الوزغ انتهى. وصرح في كتاب الطهارة بأنه مما له نفس سائلة. فقال: فميتة بري ذي نفس سائلة غير إنسان كالوزغ نجس ونقيضها طاهر وفي الآدمي قولان انتهى. وما ذكره ابن عسكر في الفأرة هو أحد الاقوال الثلاثة فيها والثاني الكراهة والثالث الاباحة. قال في التوضيح في كتاب الطهارة. ورأيت في مجهول التهذيب أن المشهور التحريم انتهى. وقال ابن رشد في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الصلاة والقول بالمنع من أكلها ونجاسة بولها أظهر انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال في النوادر: ومن الواضحة قال ابن حبيب: بولها أي الفأرة وبول الوطواط وبعرهما نجس. وفي الوجيز لابن غلاب إلحاق الوطواط بالفأرة في البول واللحم

[ 350 ]

ولعله من هنا أخذه انتهى يعني من كلام ابن حبيب في الواضحة الثاني. قال ابن عرفة: ودود الطعام ظاهر الروايات كغيره، وقول ابن الحاجب لا يحرم أكل دود الطعام معه وقبله ابن عبد السلام. ابن هارون: لم أجده إلا قول أبي عمر رخص قوم في أكل دود التين وسوس الفول والطعام وفراخ النحل لعدم النجاسة فيه، وكرهه جماعة ومنعوا أكله وهذا لا يوجد في المذهب. وقول التلقين ما لا نفس له سائلة كالعقرب وهو كدواب البحر لا ينجس ولا ينجس ما مات فيه، وكذا ذباب العسل والباقلا ودود النخل يدل على مساواته لسائر الخشاش انتهى. قال البرزلي بعد ذكره كلام ابن عرفة: قلت: هذا جرى على حمله مذهب البغداديين على أن الخشاش يفتقر لذكاة، والذي تلقيته من غيره من سائر شيوخنا عن البغداديين أنهم يبيحون أكل الخشاش بغير ذكاة وهو ظاهر المذهب عندي في دود الطعام لما تقدم وللمشقة في الاحتراز عنه كما أفتانا في روث الفأر إذا كثر في الطعام فإنه مغتفر للخلاف فيه وللمشقة. وقال قبل نقله كلام ابن عرفة: وسئل اللخمي عمن أكل تمرة فوجد فيها دودة حية، فهل يبلعها أو يلقها ؟ وكيف لو ابتلعها بعد العلم بذلك هل ابتلع طاهر أو نجسا فيأثم ومثله دود الخل وشبهه ؟ فأجاب: تقدم الجواب على دود التمر والعسل أنه ليس بحرام انتهى. ثم ذكر كلام ابن عرفة وكلامه المتقدم وقبل في التوضيح قول ابن الحاجب وقال: فإن قلت: روى أبو داود أنه عليه السلام أوتي بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس وذلك يدل على التحريم أو الكراهة. فالجواب: أنه يجوز أن يكون ذلك لاعافة نفسه (ص) كما فعل في الضب فإن انفرد عن الطعام فلا شك أنه من جملة الخشاش انتهى والله أعلم. ص: (وعصير وفقاع وسوبيا وعقيد أمن سكره) ش: العصير هو ماء العنب أول عصره، والفقاع شراب يتخذ من القمح والتمر ونحوه، والسوبيا قريبة من الفقاع، والعقيد هو العصير

[ 351 ]

إذا عقد على النار. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: العصير ماء العنب أول عصره بلا زائد، والفقاع ماء جعل فيه الزبيب ونحوه حتى انحل إليه دون إسكار. وفي الجواهر: هي حلال ما لم تدخلها الشدة المطربة، والسوبيا فقاع يميل إلى الحموضة، والعقيد هو العصير المغلي على النار حتى ينعقد ويذهب منه الاسكار وهو المسمى عندنا بالرب الصامت. قال في المدونة في كتاب الاشربة: وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره ولا أرى ذلك ولكن إذا طبخ حتى لا يسكر كثيره حل فإن أسكر كثيره حرم قليله انتهى. قال في الذخيرة: لان العنب إذا كثرت مائيته احتاج إلى طبخ كثير أو قلت فطبخ قليل وذلك مختلف في أقطار الارض انتهى. وقال في المدونة: وعصير العنب ونقيع الزبيب وجميع الانبذة حلال ما لم تسكر من غير توقيت بزمان ولا هيئة انتهى بالمعنى. وقول المصنف: " أمن سكره " راجع إلى الثلاثة والله أعلم. وقال في شرح الارشاد أيضا: وأما ما يعطي العقل فلا خلاف في تحريم القدر المغطى من كل شئ وما لا يغطى من المسكر كما يغطى لقوله عليه السلام: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وإنما هي أربع: الخمر وهو ما فيه طرب وشدة ونشوة ويغيب العقل دون الحواس، والبنج وهي الحشيشة وقد اختلف هل هي مسكرة أو مفسدة، والمفسد ما صور خيالات دون تغييب حواس ولا طرب ولا نشوة ولا شدة، ولا خلاف في تحريم القدر المفسد. والافيون وهو لبن الخشخاش يغيب الحواس ولا يذهب بالعقل والظاهر أن القنقيط والدريقة من المفسدات ولم أقف في ذلك على شئ فانظره. والجوزاء من المخدرات وأفتى بعض شيوخنا الفاسيين بطرحها في الوادي فقال غيره: لو استفتيت عليه

[ 352 ]

لغرمته إياها فانظر ذلك. وأما الطين فكرهه ابن المواز ويدخله فيه ما يفعله المصريون مع الحمص من الطفل، وهل ما يصنع به أهل المغرب من المغرة الهريس من ذلك أو هي كالملح ؟ لم أقف فيه على نص ولا سمعت فيه شيئا فانظر ذلك انتهى. وقال في أول الشرح: وحكى خليل عن شيوخه خلافا في الحشيشة هل هي مسكرة أم لا. وقال القرافي: ينبني عليه تحريم القليل وتنجيس العين ولزوم الحد. وقال المغربي: إنما ذلك بعد قليها وتكييفها لا قبل ذلك فإنها طاهرة انتهى. وتقدم في أول المختصر في فصل " الطاهر ميت ما لا دم له " عند قول المصنف إلا المسكر الكلام على ذلك بما فيه كفاية فراجعه والله أعلم. فائدة: أسماء الانبذة أربعة عشر. الاول: الفضيخ وهو بسر يرض ثم يلقى عليه الماء ويقال له الفضوخ والاول أوجه ولذا قال أبو عمر: ليس بالفضيخ ولكنه الفضوخ إشارة إلى أنه يفضخ الرأس والبدن. الثاني: البتع وهو شراب العسل. الثالث: النزر ويتخذ من البز والشعير عادة. الرابع: الغبيراء وفي الحديث: " إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم " وهو شراب الذرة يصنعه الحبش وهو السكركه. بضم السين وإسكان الكاف. وقد تضم والكاف الثانية مفتوحة وهو الاسم الخامس. السادس: المغير وهو ما يغير بالنار أو بما يلقى فيه حتى يسكن غليانه وينحرف عن حاله إلى ما هو أضر بالبدن. السابع: الجعة وهو شراب الشعير. الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر: الباذق والطلاء والنختج والجمهوري هو المطبوخ كله حتى يرجع إلى النصف أو الثلث. الثاني عشر: المزاء هو نبيذ البسر وقيل: هو النبيذ في الخنتم والمزفت. الثالث عشر: المقدى - بفتح الدال - شراب ينسب إلى قرية من قرى دمشق يقال لها مفدية. قال ابن الانباري وهو عندي بتشديدها. قال ابن السيد البطليوسي في شرح أدب الكتاب: يجوز بتشديد الدال وتخفيفها. فمن شدد الدال جعله منسوبا إلى مقد وهي قرية بالشام، ومن خفف الدال نسبه إلى مقدية مخففة الدال وهي حصن بدمشق معروف انتهى. وضبطه في الصحاح بتخفيف الدال ونسبه إلى قرية بالشام ووهمه في ذلك صاحب القاموس. الرابع عشر: العصف وهو أن يشدخ العنب ثم يعمل في وعاء حتى يغلي، وقد يتخذ من الدبس وهو عسل التمر وكل مطعوم فإنه يمكن أن يتخذ منه نبيذ وقد أراح الله من ذلك

[ 353 ]

كله على لسان نبيه فقال: " كل مسكر حرام ". ص: (وللضرورة ما يسد) ش: قال ابن غازي: لعله ما يشبع فتصحف بيسد. تنبيه: قال في القوانين لابن جزي: ويترخص بأكل الميتة العاصي بسفره على المشهور انتهى ونحوه في الذخيرة. وقال في التوضيخ في باب التيمم: قال القرطبي في سورة البقرة: إنه يجب عليه الاكل ولو كان عاصيا. ومن هذا المعنى ما إذا خافت المرأة على نفسها الموت من الجوع أو العطش فلم تستطع ذلك إلا ممن أراد وطأها فلها أن تمكن نفسها لان ذلك إكراه وليست كالرجل يكره على الزنا. قاله في النوادر عن سحنون في كتاب ابنه وذكرها المصنف في فصل أركان الطلاق كالمرأة لا تجد من يسد رمقها إلا لمن يزني بها، وتكلم عليها ابن غازي هناك والله أعلم. ص: (وقدم الميت على خنزير) ش: فرع: قال في القوانين: إذا أكل الخنزير يستحب له تذكيته. ص: (وصيد لمحرم لا لحمه) ش: يعني أن الميتة مقدمة على الصيد للمحرم. قال في الجلاب: إلا أن تكون الميتة

[ 354 ]

متغيرة يخاف على نفسه من أكلها انتهى. وكذلك ذكر في التوضيح في باب الحج لما أن ذكر القولين قال: وقيد الاول بما إذا لم تكن متغيرة يخشى على نفسه منها. فرع: قال ابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء: ولو وجد حمارا أهليا لاكله ولم يأكل الصيد للاختلاف في الحمار الاهلي. انتهى من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة من الرسم المذكور. ص: (وطعام غير) ش: قال ابن غازي: طعام بالجر معطوف على قوله: " لا لحمه ". قال في القوانين: وإذا وجد ميتة وطعام الغير أكل الطعام إن أمن أن يعد سارقا وضمنه. وقيل: لا يضمن وليقتصر منه على شبعه ولا يتزود منه انتهى. ص: (والمحرم والنجس) ش: شمل

[ 355 ]

قوله: " والمحرم النجس " الدم لانه قدم في فصل: " الطاهر ميت ما لا دم له " أن الدم المسفوح ولو من سمك وذباب نجس. وقال في الذخيرة: قال اللخمي: ودم ما لا يؤكل لحمه يحرم قليله وكثيره وليس أعلا رتبة من لحمه، ودم ما يؤكل لحمه قبل الذكاة كذلك وبعدها يحرم المفسوح وهو الذي يجري عند الذبح. فإن استعملت الشاة قبل تقطيعها وظهور دمها كالمشوية جاز أكلها اتفاقا، وإن قطعت فظهر الدم فقال مرة حرام وحمل الاباحة على ما لم يظهر نفيا لحرج التتبع، ومرة قال حلال لظاهر الآية، فلو خرج الدم بعد ذلك جاز أكله منفردا. ودم ما لا يحتاج إلى ذكاة وهو الحوت فعلى القول بطهارته حلال والقول بنجاسته وعدم حله أولى. وما ليس له نفس سائلة على القول بذكاته تحرم رطوبته قبل الذكاة ويختلف فيما ظهر بعدها، وعلى القول بعدمها فقبلها وبعدها سواء يختلف فيه إذا فارق. فرع: يوجد في وسط صفار البيض أحيانا نقطة دم فمقتضى مراعاة السفح في نجاسة الدم لا تكون نجسة وقد وقع البحث فيها مع جماعة ولم يظهر غيره. انتهى كلامه من كتاب الاطعمة. وشمل كلامه أيضا الخمر ومذهب أبي حنيفة أن ما كان من غير النخل والكرم لا يحرم أسكر أو لم يسكر، والمتخذ من التمر والزبيب يحرم منه ما أسكر إلا القليل. قاله في القوانين. ومذهب صاحبيه وهو المفتى به أن ما أسكر حرام كان من الزبيب والتمر أو غيرهما والله أعلم. فرع: قال في الجلاب: ومن وجد عنده خمر من المسلمين أريقت عليه وكسرت ظروفها أو شقت تأديبا له انتهى. وهذا القول هو أحد الاقوال الثلاثة في القولين، واختلف في ظروف الخمر فقيل تكسر جميعها وتشق، وقيل يكسر منها ويشق ما أفسدته الخمر ولا ينتفع به دون ما ينتفع به إذا زالت منه الرائحة، وقيل أما الزقاق فلا ينتفع بها، وأما القلال فيطبخ فيها الماء مرتين وينتفع بها انتهى. وقال القرطبي فط شرح مسلم في كتاب البيع في شرح حديث إهداء الرواية من الخمر: فيه دليل على أن أواني الخمر إذا لم تكن مضراة بالخمر أنه يجوز استعمالها في غير الخمر إذا غسلت انتهى. وتقدم عند قول المصنف: " وفخار بغواص " شئ من هذا المعنى. ص: (وبغل وفرس وحمار) ش: أما الخيل فذكروا فيها هنا ثلاثة أقوال: المنع والكراهة والاباحة ولم يحكوا هنا في البغال والحمير إلا المنع والكراهة. ونقل المصنف الاباحة في

[ 356 ]

التوضيح في كتاب الطهارة عن الجواهر وسيأتي كلامه. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة في شرح قوله: والبقر تذبح فإن نحرت أكلت. قال الباجي: والخيل في الذكاة كالبقر وكذلك البغال على القول بأنها مكروهة، والحمير على القول بذلك أو الاباحة والقول بالاباحة فيها حكاه النووي عن مالك فذكر عنه ثلاثة روايات ولا أعرفه لغيره انتهى. قلت: قال في التوضيح في كتاب الطهارة في شرح قول ابن الحاجب: " والاواني من جلد المذكى المأكول " ما نصه: قال في الجواهر في باب الذبائح: ويطهر بالذكاة جميع أجزائه من لحمه وجلده وعظمه، وسواء قلنا يؤكل أو لا يؤكل كالسباع والكلاب والحمير والبغال إذا ذكيت طهرت على كلتا الروايتين في إباحة أكلها ومنعها. وقال ابن حبيب: لا تطهر بالذبح بل تصير ميتة. انتهى كلام الجواهر، انتهى كلام التوضيح فانظر قوله في إباحة أكلها المتبادر منه الاباحة إلا أن اقتصاره على روايتين يقتضي ترك إحدى الروايتين المعروفتين في البغال والحمير بالكراهة والتحريم فتأمله والله أعلم. وتقدم نقل الكراهة فيها في كلام التوضيح عند قول المصنف " ونحر إبل ". ص: (والمكروه سبع وضبع وثعلب وذئب) ش: مناط الكراهة في هذه كلها الافتراس. قال ابن

[ 357 ]

عبد السلام: وأصل الافتراس في اللغة دق العنق ثم استعمل في كل قتل انتهى. قال في الشامل: وكره مفترس على الاصح، وثالثها إن لم يعد كثعلب وضبع وهو مطلقا وإلا حرم كسبع وفهد ونمر وذئب وكلب. وقيل: لا خلاف في كراهة ما لا يعدو انتهى. وينبغي أن يعلم أولا الافتراس والعدو. وقال في التوضيح: الافتراس لا يختص بالآدمي فالهر مفترس باعتبار الفار، والعداء خاص بالآدمي فالعداء أخص من الافتراس انتهى. واعلم أنه ذكر في الشامل طريقتين في المفترس: الطريقة الاولى وهي التي ذكرها ابن الحاجب وعزاها ابن عرفة للباجي فيها ثلاثة أقوال، الاصح الكراهة مطلقا ومقابلة المنع مطلقا والثالث التفصيل. قال ابن عرفة الباجي في كراهة أكل السباع ومنع أكلها ثالثها حرمة عاد بها الاسد والنمر والذئب والكلب، وكراهة غيره كالدب والثعلب والضبع والهر مطلقا لرواية العراقيين معها وابن كنانة مع ابن القاسم وابن حبيب عن المدنيين انتهى. والطريقة الثانية تحكي الاتفاق على الكراهة فيما لا يعدو وتحكي الخلاف بالمنع والكراهة فيما يعدو وهي التي أشار إليها بقوله: " وقيل لا خلاف في كراهة ما لا يعدو ". فيتحصل من هذا أن الكلب فيه قولان: بالتحريم والكراهة والذي يأتي على ما مشى عليه المصنف وصححه صاحب الشامل القول بالكراهة وصحح ابن عبد البر التحريم. قال ابن عسكر في العمدة: قال الشيخ أبو عمر ابن عبد البر: الصحيح تحريم الكلاب والسباع العادية وهو مذهب الموطأ انتهى. وقال في الجلاب: ولا تؤكل الكلاب انتهى. ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلب والله أعلم وسيأتي في القولة التي بعد هذه حكم قتلها. ص: (وهر) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال البرزلي: نزلت مسألة وهي أن قطا عمي وفرغت منفعته فاستفتى فيه شيخنا الامام بوجوب إطعامه وألا يقتل وكذا ما يئس من منفعته لكبر أو عيب وهو نحو ما تقدم وكذا ذبح القطط الصغار والحيوان الصغير لقلة غذاء أمهاتهم أو إراحتها من ضعفها. والصواب في ذلك كله عندي الجواز لارتكاب أخف الضررين لقوله عليه السلام: إذا التقى ضرران نفى الاكبر للاصغر " ويشير بقوله: " وهذا نحو ما تقدم " لقوله وسئل عز الدين عن قتل الهر المؤذي، هل يجوز أم لا ؟ فأجاب: إذا خرجت إذايته عن عادة القطط وتكررت إذايته جاز قتله،

[ 358 ]

واحترزنا بالاول عما في طبعه تكررت منه لانه طبعه، واحترز بالثاني مما إذا وقع ذلك منه فلتة فلا يوجب قتله فلا يكون كالميؤس من استصلاحه من الآدميين والبهائم. وعن أبي حنيفة إذا آذت الهرة وقصد قتلها فلا تعذب ولا تخنق بل تذبح بموس حاد لقوله عليه السلام: " إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " انتهى الحديث. ومن هذا المعنى إذا يئس من حياة ما لا يؤكل فيذبح لاراحته من ألم الوجع والذي رأيت المنع إلا أن يكون من الحيوان الذي يذكى لاخذ جلده، وأجمع العلماء على منع ذلك في حق الآدمي وإن اشتدت آلامهم لشرف الادمي عن الذبح. قلت: الذي رأيت في القسم الاول أنها وقعت في بلاد بونة فأفتى فيها بالاجهاز عليها لاراحتها ونقلها في العتبية. ومن هذا إذا رميت السفينة بالنار ففي المدونة: لا بأس أن يطرحوا أنفسهم في البحر لانهم فروا من موت إلى موت. ولم يره ربيعة إلا لمن طمع بنجاة أو أمن فلا بأس وإن هلك فيه. وعن ربيعة: إن صبر فهو أكرم وإن اقتحموا فقد غرقوا ولا بأس به. قلت: فظاهر هذا الجواز لاستعجاله الموت للاراحة وإذا كان هذا الآدمي فأحرى في الحيوان الذي لا يؤكل إذا كان لاراحته، وسيأتي للمصنف في باب الجهاد أنه يجوز الانتقال من موت لآخر. وأما قتل الكلاب إذا آذت فقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البيوع: قلت: الحاصل من هذه الاحاديث أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمورية إذا أضرت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب كان الامر على الوجوب، وإن قل وندر فأي كلب أضر وجب قتله وما عداه جائز قتله لانه سبع لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطان. فأما المروع منهن غير المؤذي فقتله مندوب إليه أما الكلب الاسود ذو النقطتين فلا بد من قتله للحديث المتقدم، وقلما ينتفع بمثل تلك الصفة انتهى. وقال في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان: وسئل مالك عن قتل الكلاب، أترى أن تقتل ؟ قال: نعم أرى أن يؤمر بقتل ما يؤذي منها في المواضع التي لا ينبغي أن تكون فيها. قلت: له في مثل قيروان والفسطاط ؟ قال: نعم وأما كلاب الماشية فلا أرى ذلك. قال ابن رشد: ذهب مالك رحمة الله في قتل الكلاب إلى ما رواه في موطئه عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب. ومعنى ذلك عنده عند من سواه ممن أخذ بالحديث في الكلاب المنهي عن اتخاذها وقد جاء ذلك مفسرا في الاحاديث فلا اختلاف في أنه لا يجوز قتل كلاب الماشية والصيد والزرع. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يقتل من الكلاب إلا الكلب الاسود البهيم لما روي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن الكلاب أمة من الامم لامرت بقتلها

[ 359 ]

فاقتلوا منها الاسود " وقال من ذهب إلى هذا المذهب: الاسود البهيم من الكلاب أكثر أذى وأبعدها من تعلم ما ينفع. وروي أيضا أنه شيطان أي بعيد من الخير والمنافع قريب الاذى، وهذا شأن الشيطان من الانس والجن. وقد كره الحسن وإبراهيم قصد الكلب الاسود، وذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يقتل من الكلاب أسود ولا غيره إلا أن يكون عقورا مؤذيا وقالوا: الامر بقتل الكلاب منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " فعم ولم يخص كلبا من غيره. واحتجوا بالحديث الصحيح قي الكلب الذي كان يلهث عطشا فسقاه الرجل فشكر الله له وغفر له وقال: في كل كبد رطبة أجر، وقالوا: فإذا كان الاجر في الاحسان إليه فالوزر في الاساءة إليه أعظم من قتله. قالوا: وليس في قوله عليه الصلاة والسلام: " الكلب الاسود البهيم شيطان " ما يدل على قتله لان شياطين الانس والجن كثير ولا يجب قتلهم. وقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة. وما ذهب إليه مالك أولى لان الامر بقتلها قد جاء عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وبالله التوفيق انتهى والله أعلم. ص: (وشراب خليطين) ش:.

[ 360 ]

فروع: الاول: خلط اللبن بالعسل. قال ابن القاسم في العتبية: لا بأس به فلم يره انتباذا بل خلط مشروبين كشرب الورد والنيلوفر. الثاني: خلط الشربين للمريض حكى اللخمي عن بعض الشيوخ منعه، نقله عنه ابن زرقود وحكى ابن يونس عن بعضهم إجازته. الثالث: في جواز خلط الزبيب والتمر وكراهته قولان لسماع أشهب ورواية ابن عبد الحكم. الرابع: في كراهة النضوخ من الخليطين لرأس المرأة روايتان. ابن رشد: لا خلاف في كراهته من حيث كونه طعاما. انتهى جميع ذلك من شرح الرسالة للقلشاني عند قولها: " ونهى

[ 361 ]

عن الخليطين ". ص: (وفي كره الطين والمقرد ومنعهما قولان) ش: القول بمنع الطين نقل تشهيره في المدخل في باب أكل النساء للتسمين، وذكر ابن عرفة في كتاب البيع عن ابن الماجشون التحريم ولم يحك غيره، ونقل البرزلي في كتاب الطهارة عن ابن عرفة تشهير القول بأنه لا يجوز أكل التراب. وقال ابن رشد في شرح مسألة في رسم الجامع من سماع أضبع من البيوع: إن أهل العلم أجمعوا على أن لحم القرود لا يؤكل. ونقل الجزولي عن ابن يونس ثمن القرد حرام كاقتنائه. وقال في المتيطية في باب البيوع ما لا يصح ملكه: لا يصح بيعه بإجماع كالحر والخمر والخنزير والقرد والدم والميتة وما أشبه ذلك والله أعلم.

[ 362 ]

باب الضحايا ص: (سن لحر غير حاج بمنى ضحية) ش: قال في التوضيح: قال عياض: الاضحية بضم الهمزة وتشديد الياء، وإضحية أيضا بكسر الهمزة وجمعها أضاحي بتشديد الياء، ويقال الضحية أيضا، بفتح الضاد المشددة وجمعها ضحايا، ويقال أضحاة أيضا وجمعها أضاح وأضاحي انتهى. وقال الشيخ زكريا في شرح البهجة في باب الخصائص: الاضحية بكسر الهمزة وضمها مع تشديد الياء وتخفيفها انتهى. قال في التوضيح إثر كلامه السابق ناقلا له عن عياض: سميت بذلك لانها تذبح يوم الاضحى ووقت الضحى، وسمي يوم الاضحى من أجل الصلاة فيه ذلك الوقت كما سمي يوم التشريق على أحد التأويلين، أو لبروز الناس عند شروق الشمس للصلاة يقال: ضحى الرجل إذا برز للشمس، والشمس تسمى الضحاء ممدودا، ومن الاكل منها ذلك اليوم يقال ضحى القوم إذا تغدوا. وقد تشتق الاضحية من هذا المعنى ويسمى يوم الاضحى لذبح الاضاحي فيه انتهى. قلت: في تسمية يوم الاضحى بيوم التشريق نظر لان أيام التشريق هي الايام التي بعده. ص: (سن) ش: قال في التوضيح: إنه المشهور. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: والاضحية سنة واجبة يعني أنها سنة يجب العمل بها بحيث لو اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا لامتناعهم منها، وما ذكر هو كذلك في التلقين والكافي والمعلم والمقدمات وهو المشهور في الموطأ سنة غير واجبة انتهى. وظاهر كلام المصنف أن الاضحية يخاطب بها الكافر وهذا على القول المشهور من أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ولكن من شرطها الاسلام. قال ابن عبد السلام: ولا إشكال في عدم صحتها من غير المسلم لانها قربة وشرطها الاسلام انتهى.

[ 363 ]

فرع: قال في زكاة الفطر من المدونة: ومن تسلم بعد طلوع الفجر من يوم الفطر أحببت له أن يؤدي زكاة الفطر والاضحية عليه أبين في الوجوب انتهى. وقول المصنف لحر احترز به من الرقيق سواء كان قنا أم فيه شائبة رق كأم الولد والمدبر والمكاتب، واستحسن مال التضحية لهم إذا أذن لهم السيد. وقوله: غير حاج احترز به من الحاج مطلقا، سواء كان من أهل منى أو مزدلفة أو عرفة أو غير ذلك. وانظر قوله: بمنى هل احترز به عن الحاج الذي في غير منى فإنها تسن له. وقاله البساطي ولم يعزه، وهو أيضا ظاهر قول القرطبي في تفسير سورة الحج: المسافر مخاطب بالاضحية. واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمنى انتهى. ونحو هذه العبارة للجلاب وغيره. قال ابن عرفة: المأمور بها. الشيخ: روى محمد: لا ينبغي لحر قدر عليها تركها إلا لحاج بمنى. قلت: لفظها ليس على حاج إن كان من ساكني منى أبين لايهام مفهوم الاول انتهى. ص: (وإن يتيما) ش: ابن حبيب: يلزم من في يده مال الصغير من وصي أو غيره أن يضحي عنه منه ويقبل قوله في ذلك كما يقبل في النفقة سواء انتهى من التوضيح. ص: (لجذع ضأن وثني معز وبقر وإبل ذي سنة وثلاث وخمس) ش: الظاهر أن قوله ذي سنة راجع إلى الضأن والمعز فإن المشهور أن الجذع من الضأن ابن سنة. وكذا قال الشيخ بهرام في الكبير ونصه: ولعل قول الشيخ ذي سنة راجع إليهما معا وهو الظاهر انتهى. وعلى هذا فإن قيل: ما الفرق بين الثني من المعز والجذع من الضأن ؟ قال في التوضيح: لعل مراد من قال الثني ما دخل في الثانية الدخول البين، ويرجح هذا أن الشيخ أبا محمد نص في الرسالة على أن الجذع من الضأن ابن سنة مع أنه قال: إن الثني من المعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية.

[ 364 ]

فرع: انظر التضحية بالخنثى لم أقف على نص فيه في المذهب. وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات لما تكلم على الخنثى وأنه نوعان: الاول من له ذكر الرجال وفرج النساء، والثاني من ليس له واحد منهما وإنما له خرق يخرج منه البول وغيره قال: وقد وقع هذا الخنثى في البقر فجاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة قالوا: إن عندهم بقرة هي خنثى ليس لها فرج الانثى ولا ذكر الثور وإنما لها خرق عند ضرعها يجري منه البول، وسألوا عن جواز التضحية به فقلت لهم: يجزئ لانه ذكر أو أنثى وكلاهما مجزئ ليس فيه ما ينقص اللحم وأفتيتهم فيه. قال صاحب التتمة: ليس في شئ من الحيوانات خنثى إلا الآدمي والابل. قال النووي: قلت: ويكون في البقر كما حكيناه والله أعلم انتهى. قلت: وما قاله رحمه الله قابل للبحث فقد يقال إن هذا عيب يوجب الخيار للمشتري فيحتمل أن يمنع الاجزاء. وانظر قول المصنف: وفائت جزء غير خصية هل يؤخذ منه الاجزاء والله أعلم. ص: (بلا شرك إلا في الاجر وإن أكثر من سبعة إن سكن معه وقرب له وأنفق عليه وإن تبرعا) ش: يعني أن المذهب أنه لا يشترك في الاضحية وخرج بعضهم جواز الاشتراك في المذهب من القول بجواز الاشتراك في هدي التطوع. قال ابن عبد السلام: وهذا هو الصحيح عندي كما تقدم اختيارنا له في الهدي انتهى. وقوله: إلا في الاجر الخ. قال في المدونة: وإن ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزاهم وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس، وأحب إلي إن قدر أن يذبح عن كل نفس شاة، واستحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر دون حديث أبي أيوب الانصاري انتهى. قال عبد الحق: حديث ابن عمر أنه كان لا يضحي عمن في البطن وأما ما كان في غير البطن فيضحي عن كل نفس شاة، وحديث أبي أيوب كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تناهى الناس فصارت مباهاة انتهى.

[ 365 ]

فرع: قال في المدونة: ولو اشترى أضحيته عن نفس ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته جاز ذلك بخلاف الهدي انتهى. وقوله: إن سكر معه الخ قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: لا يشترك فيها لكن للمضحي أن يشرك في الاجر من في نفقته من أقاربه وإن لم تلزمه. قوله: في نفقته من أقاربه يريد الساكنين معه أشار إلى ذلك في المدونة الباجي فأباح ذلك بثلاثة أسباب: القرابة والمساكنة والاتفاق انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال ابن حبيب: يلزم الانسان أن يضحي عمن تلزمه نفقته من ولد ووالد. وفي العتبية: ذلك غير لازم. ونص في المدونة على أنه لا يلزمه أن يضحي عن الزوجة. محمد عن مالك: وله أن يدخلها. ابن حبيب: فإن لم يفعل فذلك عليها انتى. وذكر ابن عرفة عن ابن رشد أنه نقل عن ابن دينار أنها تجب على الرجل عن زوجته. ظاهر كلام ابن رشد في نوازل سحنون أنه لا خلاف في أنها لا تجب على الرجل عن زوجته وإنما ليس له ذلك وأنه إن لم يدخلها في أضحيته كان عليها أن تضحي عن نفسها. ونصه في كتاب الاضحية من نوازل سحنون أنه ليس على الرجل أن يضحي عن زوجته وإنما هي سنة لا ينبغي له تركها، فإن أدخل زوجته في أضحيته أجزأها وإلا كان عليها أن تضحي عن نفسها انتهى. تنبيه: قال الشيخ بهرام لما تكلم على الشرط الثاني الذي هو القرابة في قول المصنف وقرب له الثاني أن يكون من أقاربه: وعليه فلا تدخل الزوجة ولا أم الولد ولا من فيه بقية رق وهو خلاف ما حكاه ابن المواز عن مالك انتهى. وقال ابن عرفة: روى عياض: للزوجة وأم الولد حكم القريب. ابن حبيب: والرق كأم الولد في صحة إدخالها. اللخمي والباجي: وتسقط عن المدخول بها ولو كان مليا انتهى. وقال المازري في شرح التلقين: وإذا أشرك زوجته في الدم المراق جاز ولا يخرج هذا ما اشترطناه في الشروط الثلاثة من مراعاة القرابة فإن الزوجة وإن لم تكن من القرابة فإن هناك من المودة والرحمة ما جعله الله سبحانه يقوم مقام القرابة بخلاف الاجير المستأجر بطعامه فإنه لا شبهة له بالقرابة فلم يجز إدخاله في الاضحية انتهى.

[ 366 ]

فرع: قال المصنف في التوضيح ابن حبيب: وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنيا وأخاه وابن أخيه وابن أخته وقريبه إذا كانوا في نفقته وبيته، وكذلك الجد والجدة إذا كانا في نفقته وبيته انتهى. وهذا داخل تحت قول المصنف: وإن تبرعا. فرع: قال في التوضيح: ولا يدخل يتيمه في أضحيته ولا يشرك بين يتيمين وإن كانا أخوين انتهى. فرع: ومن له أن يدخلهم معه في أضحيته فقال في التوضيح: قال الباجي: عندي أنه يصح له التشريك وإن لم يعلمهم بذلك ولذلك يدخل فيها صغار ولده وهم لا يصح منهم قصد القربة انتهى. فرع: قال ابن عرفة الباجي والمازري: ولحمها باق على ملك ربها دون من أدخله منهم معه فيها يعطي من شاء منهم ما يزيد وليس لهم منعه من صدقة جميعها انتهى. فرع: وإذا أدخل من لم يجز إدخاله لم تجز واحدا منهما. نقله ابن عرفة والشيخ زرقون عن اللخمي والله أعلم. ص: (ومكسورة قرن) ش: قال في التوضيح: قال التونسي: وإذا استؤصل قرناها وقد برأت أجزأت انتهى. ص: (كبين مرض) ش: المرض المعتبر هو الذي لا تتصرف معه تصرف الغنم. قاله الشيخ زرقون في شرح الارشاد. فرع: قال ابن عرفة في ثالث حجها: لا تجزئ ذات الدبرة الكبيرة. ابن القاسم: وكذلك الجرح الكبير. انتهى ونقله في التوضيح. ص: (وجنون) ش: كان الاولى أن يقول: ودائم جنون لان الجنون غير الدائم لا يضر. قاله في التوضيح. قال ابن عرفة: وفي الصحاح التول بالتحريك جنون يصيب الشاة فلا تتبع الغنم وتستدبر في مرتعها انتهى. ص: (وعرج) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: العرج المانع هو الذي لا تلحق معه الغنم. ص:

[ 367 ]

(وعور) ش: المعتبر في العمى ذهاب وضوء العين وإن بقيت صورتها وكذا العور. قاله الشيخ زروق في شرح الارشاد ص: (وصمعاء جدا) ش: أي صغيرة الاذنين جدا. فائدة: قال في النهاية عند قوله: أو ليتخللنكم الشيطان كأولاد الحذف، والحذف بالحاء المهملة المفتوحتين هي أولاد الغنم الحجازية واحدها حذفة بالتحريك. وقيل: هي جرد ليس لها آذان ولا أذناب يجاء بها من حرش اليمنى انتهى. وظاهره أن الحذف اسم للغنم المذكورة، وظاهر ما في الترغيب والترهيب أن الحذف اسم لاولاد الضأن الصغار. ص: (وذي أم وحشية) ش: يعني والفحل من الانعام وهذه لا تجزئ اتفاقا. قاله في الشامل. وقال المازري في كتاب الزكاة: فإن كانت الآباء غنما والامهات ظباء فالمعروف عن العلماء أنها لا تجري عليها أحكام الغنم فلا تزكى ولا تضحى ويؤدي جزاءها المحرم إن قتلها. ومفهوم كلام المصنف أن ما كانت أمه من الانعام وأبوه من الوحش يجزئ وهو أحد القولين وهو قول ابن شعبان لكنه خلاف الاصح. قال في الشامل: ولا يكون إلا من النعم لا ما تولد من ذكرها اتفاقا وإنائها على الاصح انتهى. وقال ابن عرفة: وعلى المذهب بيعها بغير الغنم وما أمه منها كغيرها. ابن شعبان: مثلها انتهى. وهو الجاري على ما قدمه المصنف في الزكاة من أن ما تولد من الوحش والانعام لا تجب فيه الزكاة مطلقا والله أعلم.

[ 368 ]

فرع: قال في البيان: للغزاة أن يضحوا من غنم الروم لان لهم أكلها ولا يردونها للمقاسم انتهى. ص: (ومكسورة سن) ش: ظاهر كلامه أن كسر الواحدة عيب وظاهر كلامه في التوضيح وفي الشامل أنه ليس بعيب. قال في الشامل في العيوب: وسقوط الاسنان لا لاثغار اتفاقا. وكذا لكبر على الاصح، وفي السن الواحدة قولان وصحح الاجزاء. وقيل: إلا في الثنية والرباعية. وفي التوضيح قال اللخمي: لا تجزئ إذا كانت ذاهبة الاسنان لكسر أو شبهه وتجزئ إذا كانت من إثغار. واختلف إذا كانت لكبر فقال مالك في كتاب محمد تجزئ. وقال ابن حبيب: لا تجزئ والاول أبين. واختلف الشيوخ في السن الواحدة ففي كتاب محمد: لا بأس بها. وفي المبسوط لا يضحي بها ويحمل قوله على الاستحباب لانه من العيوب الخفية انتهى بلفظه. ص: (وذاهبة ثلث ذنب لا أذن) ش: يعني أن ذهاب ثلث ذنب الاضحية يضر وذهاب ثلث الاذن لا يضر، وذكر الباجي أن هذا هو الصحيح. وإذا كان ذهاب الثلث من الاذن يسيرا فالثلث في الشق أحرى، وأما النصف فقال اللخمي وغيره كثير ونحوه في نوازل ابن الحاج الثلث في الشق أو القطع من أذن الاضحية يسير والنصف كثير انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والصحيح أن الثلث من الاذن يسير يعني القطع ومن الذنب كثير. وقال اللخمي: شق النصف يسير انتهى. ص:

[ 369 ]

(من ذبح الامام) ش: هذا وقت ذبح الاضحية بالنسبة لغير الامام وأما بالنسبة للامام فغالب أهل المذهب يعبرون بقولهم: وقته له بعد الصلاة. قال في المدونة: ويذبح الامام أو ينحر أضحيته بالمصلى بعد الصلاة ثم يذبح الناس بعده انتهى. وقال ابن عرفة: وأيام الذبح يوم النحر وتالياه يفوت بفواتها، ووقته في الاول بعد صلاة العيد للامام ولغيره ذبحه انتهى. ولم يتعرضوا للخطبة وتعرض لها ابن ناجي في شرح المدونة فقال في شرح قول المدونة المتقدم بعد الصلاة: وأراد بقوله: بعد الصلاة والخطبة احترازا من ذبحه أو ذبح من ينوب عنه بعد صلاته وقبل خطبته فإنه لا يجزئه، ووقعت بالقيروان في ذبح والده أي الامام عنه وأفتى بعض شيوخنا وغيره بذلك انتهى. وقال في النوادر في ترجمة وقت الضحية من كتاب ابن المواز. قال مالك: والصواب ذبح الامام كبشه بالمصلى بعد نزوله عن المنبر ثم يذبح الناس بعده في منازلهم، ولغير الامام ذبح أضحيته بالمصلى بعد الامام انتهى. وقال في التلقين: ووقتها بعد الصلاة والخطبة وبعد ذبح الامام. انتهى وله نحوه في المعونة والله أعلم. وقال ابن دقيق العيد في شرح العمدة: والحديث نص على اعتبار الصلاة ووقت الخطبتين، فإذا مضى ذلك دخل وقت الاضحية ولم يتعرض لاعتبار الخطبتين لكنه لما كانت الخطبتان مقصودتين في هذه العبادة اعتبرهما الشافعي إلا أنه اعتبر وقت الصلاة ووقت الخطبتين، فإذا مضى ذلك دخل وقت الاضحية، ومذهب غيره اعتبار فعل الصلاة والخطبتين وهو الظاهر من لفظ الحديث انتهى. فرع: قال في التوضيح: وأما إن لم يذبح الامام فالمعتبر صلاته انتهى. فرع: قال في الذخيرة: إذا ذبح أهل المسافر عنه راعوا إمامهم دون إمام بلد المسافر. انتهى ونقل ابن عرفة وغيره. فرع: قال في الذخيرة: ولا يراعى الامام في الهدي. ص: (وهل هو العباسي أو إمام الصلاة قولان) ش: قال ابن عرفة: وفي كون المعتبر إمام الصلاة أو إمام الطاعة طريقا ابن رشد واللخمي قائلا: المعتبر أمير المؤمنين كالعباسي اليوم أو من أقامه لصلاة العيد ببلده أو عمله على

[ 370 ]

بلد من بلدانه ومن كان سلطانا دون أن يقيمه أمير المؤمنين غير معتبر ومن ليس لهم غيره يتحرون كأهل البوادي يتحرون أقرب الائمة الذين أقامهم أمير المؤمنين. وقول ابن عبد السلام في قول اللخمي لا يعتبر المتغلبون. انظر نصوص المذهب بنفوذ أحكامهم وأحكام قضاتهم يرد بعدم إمكان غير ذلك وإمكان الثاني لتحري وقت الامام غير المتغلب كما لو كان وأخر ذبحه اختيارا واستدلاله بقول عثمان وهو محصور للقائل له أنه يصلي بالناس إمام فتنة وإنت إمام العامة أن الصلاة من أحسن ما يفعله الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، فإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم ينتج عكس ما ادعاه، لان البغي إساءة إجماعا ولا سيما البغي على عثمان رضي الله عنه فوجب اجتناب الاقتداء بالبغاة لاساءتهم. قلت: وصريح نصها مع سائر الروايات بأقرب الائمة وكون المعتبر إمام من ذبح عن مسافر لا إمام بلد المسافر ظاهر في كونه إمام الصلاة لامتناع تعدد إمام الطاعة. وعليه لا يعتبر ذبح إمام صلاتها لان إخراج السلطان أضحيته للذبح بالمصلى دليل على عدم نيابته إياه في الاقتداء بذبحه خلافا لبعضهم انتهى. وقوله: قلت الخ. صحيح لان من يقيمه الامام على بلد لا سيما إماما فقول أهل المذهب أقرب الائمة إنما يريدون إمام الصلاة. وقال ابن غازي: وما احتج به من امتناع تعدد إمام الطاعة سبقه إليه أبو الفضل بن راشد وانفصل عنه تلميذه أبو الحسن بتعدد عماله انتهى. وما ذكره أبو الحسن غير ذلك لان قول أهل المذهب أقرب الائمة ونحوه لا يصدق على العمال إذا لم يكونوا أئمة للصلاة لانهم لا يسمون أئمة كما تقدم والله أعلم. وقوله: وعليه لا يعتبر ذبح إمام صلاتها أي وعلى أن المعتبر إمام الطاعة لا يعتبر الذبح إمام صلاتها الخ. ورده ابن عبد السلام فيما استدل به من كلام سيدنا عثمان غير واضح لالتزامه الرد على سيدنا عثمان في أمره بالاقتداء في الصلاة بإمام الفتنة فتأمله. وجزم ابن رشد في نوازله بأن المعتبر إمام الصلاة الذي صلى بهم صلاة العيد، فمن ذبح منهم قبل أن يذبح إمامه لم يجزه والله أعلم. ص: (ولا يراعى قدره في غير الاول) ش: الضمير لذبح الامام

[ 371 ]

على حذف مضاف أي لا يراعى قدر ذبح الامام من اليوم الاول في اليوم الثاني والثالث. وقول الشارح: لو قال قدرها ليعود على الصلاة كان أحسن فيه نظر لان الضمير عائد على ما تقدم ذكره وهو ذبح الامام، وما ذكره المصنف من أنه لا يراعى قدر الذبح في غير اليوم الاول قال ابن الحاجب: هو المشهور. قال الشيخ في التوضيح: المشهور رواه ابن حبيب عن مالك قاله الباجي وهو قول ابن المواز قال: ويذبح إذا ارتفعت الشمس ولو فعل ذلك بعد الفجر أجزأه انتهى. ثم إذا تقرر هذا علمت أن من لا يراعي قدر الصلاة لا يراعي قدر طلوع الشمس إلا استحبابا انتهى. ص: (وأعاد سابقه) ش: قال في الجلاب: ولا يجوز لاحد أن يذبح قبل الامام متعمدا، ومن فعل ذلك أعاد ضحيته سواء ذبح قبل الصلاة أو بعدها انتهى. ص: (والنهار شرط) ش: قال في الذخيرة: والخلاف في الذبح ليلا إنما هو فيما عدا ليلة اليوم الاول انتهى. ص: (وندب إبرازها) ش: قال ابن عرفة: قلت: مقتضى قول ابن رشد السنة ذبحه بالمصلى كراهة ذبحه بمنزله انتهى. ص: (وغير خرقاء وشرقاء ومقابلة ومدابرة) ش: قال

[ 372 ]

الشيخ بهرام: أي وكذا يستحب أن تكون خالية من أحد هذه العيوب الاربعة انتهى، ولو قال من جميع هذه العيوب لكان أحسن والله أعلم. ص: (وضأن مطلقا ثم معز ثم هل بقر وهو الاظهر أو إبل خلاف) ش: انظر هل يقدم الضأن ذو الام الوحشية على القول بإجزائها كما هو ظاهر كلامه في هذا الباب على المعز ذي الام الانسية، أو المعز مقدم عليه وكذلك في المعز مع الذي بعده ؟ لم أر في ذلك نصا والله أعلم. ص: (وترك حلق وقلم لمضي عشر ذي الحجة) ش: ودليلنا على الاستحباب حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال: من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي رواه مسلم والترمذي وأبو داود وهو حديث حسن صحيح. وهذا نهي والنهي إذا لم يقتض التحريم حمل على الكراهة. قاله في التوضيح ص: (وذبحها بيده) ش: يعني أنه يستحب

[ 373 ]

للمضحي أن يلي ذبح ضحيته بيده، وسواء كان رجلا أو امرأة. قاله صاحب التوضيح وغيره. وقال سند في كتاب الحج: وسئل ابن القاسم: فإن ذبح غيري هديي أو أضحيتي أيجزئني في قول مالك ؟ قال: نعم إلا أنه كان يكرهه. قال سند: وهذا بين، وذلك أن من أطاق الذبح بنفسه فالوجه أن يذبح قربته بيده، وإن لم يهتد لذلك إلا بموقف فلا بأس بأن يوقف، ولا بأس أن يمسك بطرف الحربة ويهديه الجزار إلى النحر بأن يمسك الجزار رأس الحربة ويضعه على المنحر أو بعكس ذلك. ففي سنن أبي داود عن عروة بن الحارث الكندي شهدت النبي (ص) في حجة الوداع وأتى بالبدن فقال: ادعوا إلي أبا حسن. فدعى له علي فقال له: خذ أسفل الحربة وأخذ النبي (ص) بأعلاها ثم طعن بها البدن الحديث، فإن لم يحسن شيئا استناب من يذبح له ويجزئه، وكذلك لو كان يحسن واستناب ثم قال: ويستحب له أن يحضر هديه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وليل الرجل ذبح أضحيته بيده قوله الرجل يحتمل أن يكون خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وأن المرأة والصبي كذلك، ويحتمل أن يكون مقصودا فلا تذبح المرأة ولا الصبي. ص: (واليوم الاول) ش: كذا في بعض النسخ ويعني أن اليوم الاول أفضل من اليوم الثاني. وظاهره أن جميع اليوم الاول أفضل من اليوم الثاني حتى ما بعد الزوال، وإلى هذا ذهب ابن المواز. وقيل: أول اليوم الثاني أفضل وهو قول مالك في الواضحة بل صرح بكراهة ما بعد الزوال قال: وكذلك الثاني يذبح فيه من ضحى إلى الزوال فإنه فاته صبر إلى ضحى اليوم الثالث. ابن يونس: وسمعت بعض فقهائنا قال: سمعت أبا الحسن ينكر قول ابن حبيب وقال: بل اليوم الاول كله أفضل من الثاني والثاني أفضل من الثالث. ورواية ابن المواز واختياره أحسن من هذا، والذي عند ابن المواز هو المعروف انتهى، فآخر كلام ابن يونس يدل على أن القول الذي مشى عليه المصنف رواية عن مالك واختاره ابن المواز ورجحه

[ 374 ]

أبو الحسن القابسي وابن يونس فلذلك اعتمده ووجد في بعض النسخ، وهل جميعه أو إلى الزوال قولان، وتركه أولى لرجحان القول الاول على الثاني. فإن قيل: فإذا كان الامر كذلك، فلم لم يعتمد المصنف ذلك مطلقا ويجزم بترجيح اليوم الثاني على الثالث على آخر الثاني تردد ؟ فالجواب أنه إنما فعل ذلك لانه عارض الترجيح المذكور طريقة أخرى وهي طريقة ابن رشد فإنه جعل الخلاف إنما هو في آخر اليوم الاول وأول اليوم الثاني قال: ولا يختلف في رجحان أول اليوم الثالث على آخر اليوم الثاني فلذلك احتاج إلى ذكر التردد فتأمله والله أعلم. ص: (وذبح ولد خرج قبل الذبح) ش: قال في المدونة: وإذا ولدت الاضحية فحسن أن يذبح ولدها معها وإن تركه لم يكن عليه واجبا لان عليه بدل أمه إن هلكت. ابن القاسم ثم عرضتها عليه فقال: امح واترك إن ذبحه معها فحسن وهذه إحدى ممحوات المدونة. والثانية إذ حلف لا يكسو امرأته فأفتك لها ثيابها من رهن فقال مالك أولا يحنث ثم أمره بمحوه وقال: لا يحنث. ابن القاسم: وأرى إن لم تكن له نية يحنث. والثالثة نكاح المريض إذا صح كان مالك يقول أولا يفسخ ثم أمر بمحو الفسخ. والرابعة من سرق ولا يمين له أو له يمين شلاء فقال مالك: تقطع رجله اليمنى ثم أمر بمحوه وأمر أن تقطع يده اليسرى. قاله في التوضيح، ونظمها بعضهم فقال: المحو في الايمان والاضاحي وفي كتاب القطع والنكاح

[ 375 ]

فصل في الكراهة في الضحية والعقيقة ص: (وكره جز صوفها قبله) ش: قال في المدونة: ولا يجوز أن يجز صوفها قبل الذبح. أبو الحسن: معناه لا يباح ولم يرد أن ذلك حرام وإنما هو مكروه. انتهى ونحوه في التوضيح. ويؤخذ من كلام المدونة الآتي في مسألة اللبن. ص: (إن لم ينبت للذبح) ش: قال أبو الحسن: قال أبوعمران: معنى قوله: لا يجز صوفها قبل الذبح إذا كان قرب الاضحى، وأما إذا كان بالبعد عنه بقدر لا يذبح حتى ينبت صوفها فلا بأس به ونص عليه ابن المواز انتهى. قال ابن غازي: ولو قال المصنف: وكره جز صوفها قبل الذبح إن لم ينبت له لكان أفصح انتهى. ص: (ولم ينوه حين أخذها) ش: هذا مفهوم قول اللخمي لانه نواه قربه ونص فتوى عبد الحميد. قال في التوضيح عن ابن عبد السلام: قال عبد الحميد: إن اشترى شاة ونيته أن يجز صوفها للبيع وغيره جاز ذلك، سواء جز قبل الذبح أو بعده وهو تقييد لقول من منع من ذلك إن شاء الله انتهى. فأما ما ذكره من جزه قبل الذبح فقبله ابن عرفة وهو ظاهر، وأما بعد الذبح فقال ابن عرفة: إنه شرط مناقض لحكمها فيبطل على أصل المذهب فراجعه والله أعلم. ص: (وبيعه) ش: يعني أنه يكره له بيع الصوف الذي يكره له جزه قبل الذبح. قال في سماع ابن القاسم: فلينتفع به ولا يبيعه. ابن رشد: يريد أنه يؤمر به استحبابا كما يؤمر أن يتصدق بفضل ثمنها إن باعها. ابن عرفة: وحمله ابن زرقون أيضا على الكراهة فتبعهم المصنف والله أعلم. ص: (وشرب لبن) ش: يعني أنه يكره له شرب لبن الاضحية، يريد وإن لم يكن لها ولد. قال في المدونة: ولم أسمع من مالك في لبنها شيئا إلا ما أخبرتك أنه كره لبن الهدي. وقد روي في الحديث لا بأس بالشرب منه بعد ري فصيلها: فإن لم يكن للضحية ولد

[ 376 ]

فأرى لا يشربه إلا أن يضر بها بقاؤه فليحلبه وليتصدق به ولو أكله لم أرعليه شيئا وإنما أنهاه عنه كما أنهاه عن جز صوفها قبل ذبحها انتهى. ص: (وإطعام كافر وهل إن بعث له أو ولو في عياله تردد) ش: قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وتكره للكافر على الاشهر القولان لمالك في العتبية في النصرانية تكون ظئر والاشهر هو اختيار ابن القاسم، ووجهه أنها قربة فلا يعان بها الكافر. وعن مالك التخفيف في الذمي دون غيره كالمجوسي. وأشار ابن حبيب إلى أن من أباح ذلك إنما هو في الذي يكون في عيال الرجل، وأما البعث إليهم فلا يجوز. قال: وكذلك فسره مطرف وابن الماجشون وقاله أصبغ عن ابن القاسم، وعكس ابن رشد فجعل محل الخلاف من الكراهة والاباحة إنما هو البعث، وأما من في عياله من أقاربه أو وصيفه فلا خلاف في إباحة إطعامهم، فيتحصل من الطريقتين ثلاثة أقوال انتهى. ويشير بكلام مالك وابن حبيب وابن رشد لما في البيان في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الاضحية من العتبية ونصه: سئل عن النصرانية تكون ظئرا للرجل فتأتي فتريد أن تأخذ فروة أضحية ابنها قال: لا بأس بذلك وأن توهب لها الفروة وتطعم من اللحم. قال ابن القاسم: رجع مالك فقال: لا خير فيه، والاول أحب قوليه إلي. قال ابن رشد: اختلاف قول مالك هذا إنما معناه إذا لم تكن في عياله فأعطيت من اللحم ما تذهب به على ما يأتي في رسم اغتسل، فأما لو كانت في عياله أو غشيتهم وهم يأكلون لم يكن بأس أن تطعم منه دون خلاف، وهذا يرد تأويل ابن حبيب إذ لم يجعل ذلك اختلافا من قول مالك وقال: معناه أنه كره البعث إليهم إذا لم يكونوا في عياله وأجاز أن يطعموا منه إذا كانوا في عياله. ويشير بما في رسم اغتسل لقوله: وسئل مالك عن أهل الاسلام، أيهدون من ضحاياهم لاهل الذمة من جيرانهم ؟ فقال: لا بأس بذلك. ثم رجع عنه بعد ذلك وقال: لا خير فيه غير مرة. قال ابن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم سن وقد تقدم القول فيه وبالله التوفيق. وإلى هذا الاختلاف أشار المصنف بقوله: وهل إن بعث له أو ولد في عياله تردد ص: (والتغالي فيها) ش: تصوره ظاهر.

[ 377 ]

فرع: قال البرزلي: واختلف في تسمين الاضحية، فقال عياض: الجمهور على جوازه وكرهه ابن شعبان لمشابهة اليهود انتهى. وقال أيضا في النكاح: وسألت شيخنا عن تسمين المرأة فأجاب: أما ما يؤدي إلى الضرر بالجسم والترغيم عليه أو ما يؤدي إلى فساد الطعام ونتنه فلا يجوز، وأما ما زاد على الشبع مما يؤدي إلى هذا فالصواب جوازه لانه من كمال المتعة وهي جائزة، وسمعته مرة يقول: كثرة شحم المرأة لا خير فيه لانه ثقل في الحياة ونتن بعد الممات. وفي حديث أبي هريرة ما يدل على جواز مطلق الشبع وفيه خلاف، ومثله تسمين الحيوان للاعياد الذي لا يؤدي إلى ضرر الحيوان جائز، وحكاه عياض عن الجمهور وخالفه ابن شعبان وكرهه انتهى. ويشهد لجواز تسمين الحيوان ما في أول سماع القرينين من كتاب الذبائح قال سحنون: سمعت أشهب وابن نافع يقولان: سمعنا الحسن بن عبد الملك المخزومي يحدث ما كان أبو الحويرث حدثه أن محمد بن جبير بن مطعم أمر بثلاث ديكية له أن تسمن حتى إذا امتلات شحما أمر غلاما له أن يذبحها فذبحها من أقفيتها، فلما نظر إليها أبو مطعم قال: إني لاظنه حرمناها فقلت له: كلا فخرجت معه إلى ابن المسيب حتى سألته فقال: لا تأكل. فقيل لمالك: أترى ما قال سعيد لاكل قال: نعم انتهى. فانظر هذه الجماعة كلهم قد علموا بتسمين الديكة ولم ينكره أحد وكذلك ابن رشد والله أعلم. فائدة: قال في الاكمال في شرح قوله (ص): في الثلاثة قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فيه تنبيه على أن الفطنة قلما تكون مع كثرة الشحم والاتصاف بالسمن وكثرة اللحم انتهى. ص: (وفعلها عن ميت) ش: قال في التوضيح: قال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين انتهى. قال الشارح في الكبير: إنما كره أن يضحي عن الميت لانه لم يرد عن النبي (ص) ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة وهو واضح والله أعلم انتهى. وهذا بخلاف الهدي عن الميت فإنه يستحب مالك فكان العمل على ذلك. تنبيه: يقيد قوله: وفعلها عن ميت بما إذا لم يعدها الميت وإلا فقد تقدم أنه يستحب

[ 378 ]

للوارث تنفيذها إذا مات قبل أن ينفذها والله أعلم. ص: (كعتيرة) ش: الظاهر أنه يشير به إلى ما في رسم الجنائز والصيد من سماع أهب وابن نافع من كتاب الصيد والذبائح قال مالك: العتيرة شاة كانت تذبح في رجب يتبررون بها كانت في الجاهلية وقد كانت في الاسلام ولكن ليس الناس عليها. قال ابن رشد: قول مالك إن العتيرة هي الرجبية الشاة التي كانت تذبح في الجاهلية وقد كانت في الاسلام في رجب على سبيل التبرر وأنها قد كانت في الاسلام يريد معمولا بها كالضحايا. فروي عن النبي (ص) روى عنه أنه قال بعرفة: يا أيها الناس إن على كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة. هل تدرون ما العتيرة ؟ قال الراوي للحديث محبب بن سليم: فلا أدري ما كان من ردهم عليه. قال: هي التي يقول الناس الرجبية. وقوله: ولكن ليس الناس عليها يريد أنها نسخت بما روي عن النبي (ص) من قوله: لا فرع ولا عتيرة والفرع هو أنهم كانوا يذبحون في الجاهلية أول ولد تلده الناقة أو الشاة يأكلون ويطعمون فقال رسول الله (ص) فيه لما سئل عنه: أن تدعه حتى يكون شعريا خير لك من أن تنحره فيلصق لحمه بوبره وتكفئ إناءك وتوله ناقتك. يقول (ص) خير لك أن تتركه حتى يشتد ولا تذبحه صغيرا فيختلط لحمه بوبره فتحزن ناقتك وينقطع لبنها بذبح ولدها فيكفئ إناءه إذا لم يكن له لبن. وقد اختلف في قول النبي (ص): لا فرع ولا عتيرة فقيل إن ذلك نهي عنهما فلا بر في فعلهما، وقيل إن ذلك نسخ للوجوب وفعل ذلك أي لمن شاء أن يفعله. واحتج من ذهب إلى هذا بما روى الحارث بن عمر التميمي أنه لقي رسول الله (ص) في حجة الوداع قال: فقلت: يا رسول الله الفرائع والعتائر. قال: من شاء أفرع ومن شاء لم يفرع، ومن شا أعتر ومن شاء لم يعتر. وما روي عن لقيط بن عامر من حديث وكيع أنه سأل النبي (ص) فقال: إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنطعم من جاءنا. قال النبي (ص): لا بأس. قال وكيع: لا أتركها أبدا. وقال محمد بن الحسن: العتيرة هي الفرع لا الرجبية. وقال الشافعي: كقول مالك إن العتيرة هي الرجبية. والفرع شئ كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم بأن يذبح الرجل منهم بكر ناقته أو شاته ولا يعروه رجاء البركة فيما يأتي بعد. ويرد قول محمد بن الحسن قول رسول الله (ص): لا فرع ولا عتيرة انتهى. وذكر ابن العربي في العارضة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص): نسخ الاضحى كل ذبح،

[ 379 ]

ونسخ صوم رمضان كل صوم، والغسل من الجنابة كل غسل، والزكاة كل صدقة. وقال ابن غازي: قوله كعتيرة. ابن يونس: العتيرة الطعام الذي يبعث لاهل الميت. قال مالك: أكره أن يرسل للمناحة طعام انتهى. والكراهة في سماع أشهب من الجنائز. قال ابن رشد: ويستحب لغير مناحة لقوله عليه السلام: اصنعوا لآل جعفر طعاما. وكذا جعله المصنف في الجنائز مندوبا. وفي مختصر العتيرة شاة كانت الجاهلية يذبحونها لاصنامهم. زاد الجوهري: في رجب. وليس ذلك بمراد هنا انتهى. وكان ابن غازي رحمه الله عزب عنه كون هذه المسألة في البيان أو أنه لم يطلع عليها فيه بدليل نقله في تعريفها كلام اللغويين دون تفسير مالك. وحمله العتيرة في كلام المصنف على الطعام الذي يبعث لاهل الميت وتفسير ذلك بقول مالك أكره أن يرسل للمناحة طعام ليس هو بمراد هنا والله أعلم، بل مراده بالعتيرة ما ذكرناه، ويدل على أن ذلك مراده كونه ذكره في هذا الباب وكونه ذكر المستحب من إطعام أهل الميت في باب الجنائز، فلو أراد المكروه لذكره هناك في بابه فتأمله والله أعلم. ص: (وإبدالها بدون) ش: هذا إذا لم يوجبها، وأما إذا أوجبها بالنذر فحكمها في جواز البدل وغير ذلك حكم الهدي. قاله ابن عبد السلام وغيره. وقوله بدون مفهومه أن إبدالها بغير الدون غير مكروه وهو كذلك، وظاهر المدونة وابن الحاجب أن ذلك جائز سواء أبدلها بالمساوئ أو الافضل. وقال ابن عبد السلام ونقله المصنف في التوضيح: وينبغي أن يكون إبدالها بخير منها مستحبا انتهى إلا أن يقال إنما لم يكن مستحبا رعيا لقول من يقول إنها تعينت بالشراء، وأما الاستفضال من الثمن الذي عينه بشرائها أو من باع أضحيته فاشترى ببعض ثمنها وفضلت له فضلة فهو مكروه. قال ابن عبد السلام: قال بعض الشيوخ: كالمتمم لمسألة المدونة: فإن باع الاضحية واشترى أقل منها بدون الثمن تصدق بما استفضل من الثمن وبما زادت قيمة التي أبدل على قيمة التي ضحى بها وإن اشترى أفضل منها أو مثلها بأقل من الثمن الذي باع به تصدق بما استفضل من الثمن، وإن اشترى دونها بمثل الثمن أو أكثر تصدق بما بين القيمتين لا أكثر، يريد والصدقة في جميع هذه الاقسام مستحبة وهو المنصوص لابن حبيب في جميع هذه الوجوه انتهى. فرع: قال في العتبية: إذا اشترى أضحية ثم تركها واشترى أفضل منها فأتى يوم النحر والاولى أفضل فأنه يذبح الافضل منهما كانت الاولى أو الاخيرة. انتهى ابن عبد السلام. ص: (وإن لاختلاط قبل الذبح) ش: الاضحيتان إذا اختلطتا قبل الذبح، لا يخلو إما أن يتساويا أم

[ 380 ]

لا. فإن تساويا فواضح. وإن لم يتساويا فمن أخذ الافضل ذبحه. ومن أخذ المفضول فإن ترك الافضل لصاحبه من غير حكم عد كأنه أبدل الاعلى بالادنى فكره له ذلك، وأما إن كان بحكم القرعة فالظاهر أنه لا كراهة عليه ولكن اقتصر على الادنى والحاصل له بالقرعة كره له ذلك بل يستحب له أن يبدله بمثل الاعلى. وظاهر كلام المصنف أن ذلك مكروه، سواء ترك الافضل بالحكم بالقرعة أو اختيارا، وظاهر كلامهم ما تقدم بيانه. انظر ابن عبد السلام والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة وسمع ابن القاسم: لا بأس أن يعطي أمه أضحيته. ابن رشد: يريد ويشتري مثلها أو الافضل. وسمع من اشترى ضحايا يسميها له ولغيره لا بأس أن يذبح لنفسه ما سمى لغيره إن كان أفضل. ابن رشد: وكره ذبحه لغيره ما سمى لنفسه لانه أدنى والاختيار أن يشتري له مثل ما سمى أو أفضل. ص: (وجاز أخذ العوض أن اختلطت بعده على

[ 381 ]

الاحسن) ش: ظاهره سواء كان المختلط الجزء أو الكل وهو كذلك على ما استحسنه ابن عبد السلام، وظاهره سواء كان العوض من الجنس أو من غير الجنس وهو كذلك على ما قاله في التوضيح، وتجزئ عن صاحبها على ما قاله ابن عرفة. قال ابن القاسم: إذا سرقت رؤوس الاضاحي يستحب أن لا يغرمه شيئا. وأجاز ابن الماجشون وأصبغ أن يأخذ القيمة ويصنع بها ما شاء. قال ابن رشد: قال ابن الماجشون: ويجوز له أن يأخذ من الزقاق جلدا مثل جلد ناقته فينتفع به مكان جلده الذي استهلك لانه يجوز له أن يباع القيمة التي أخذ ما احتاج إلى الانتفاع به، كما يجوز له أن يأخذ من ثمن اللحم المستهلك ما أحب من طعام أو حيوان ولا يدخله الحيوان باللحم ولا بيع الطعام بالطعام. انتهى من ابن فرحون على ابن الحاجب. وقال في أول سماع عيسى من كتاب الاضحية: قال ابن القاسم في رؤوس الضحايا في اختلاطها في الفرن يذهب برأس أضحية هذا إلى هذا وبرأس أضحية هذا إلى هذا فيأكلان ذلك ثم يعلم ذلك قال: يتحللان ولا شئ عليهم. وأنه إن طلب كل واحد منهما قيمة الذي له أو فضل الذي له على الذي لصاحبه فلا شئ له، وأنه إن سرق رجل أضحية رجل أنه أحرى أن يضمن في السرقة وما هو بالقوي عندي، وأحب إلي أن يتركها ولا يأخذها. قال عيسى: أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به. قال ابن رشد: فرق ابن القاسم في رؤوس الضحايا بين الاختلاط والسرقة فقال: إنه لا شئ على الذي أكل أفضل من متاعه للذي أكل متاعه في الفضل. وكذلك على قوله لو أخطأ فأكل رأس أضحية غيره ولم يأكله له أحد شيئا لم يكن له شئ في الذي أكل على سبيل الخطأ إذ لا فرق في القياس بين الكل والبعض. وقال في السرقة: إن له أن يضمن الذي سرق وإن كان الاحب إليه أن لا يفعل وذلك استحسان إذ لا فرق في وجه القياس بين العمد والخطأ لوجوب ضمان الاموال بهما جميعا وجوبا واحدا، فوجب أن يضمن في الوجهين ويتصدق به على القول بأن أخذ القيمة فيما استهلك بيع، وإذا أخذ القيمة على القول بأن ذلك ليس للمبيع فله أن يتمولها ويفعل ما شاء، لان الحرمة إنما كانت في غير لحم الاضحية لا في القيمة المأخوذة عنه، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة: له أن يأخذ القيمة ويصنع بها ما شاء إذ ليس ذلك ببيع كمن حلف أن لا يبيع سلعة فاستهلكها رجل أن له أن يضمنه قيمتها ولا يحنث. قال ذلك في رأس الاضحية يسرق أو جلدها يضيع عن الزقاق، ومثله في كتاب ابن المواز لمالك قال: وإذا اختلطت الرؤوس في الفرن كرهت لك أن تأكل متاع غيرك، ولعل غيرك لا يأكل متاعك أو متاعه خير من متاعك. ولو اختلطت برؤوس الفران كان خفيفا لانه ضامن كما يضمن لحم الاضاحي بالتعدي والزرع الذي لم يبد صلاحه. وقول عيسى بن دينار أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به قول ثالث في المسألة لا وجه له إلا أن يأخذ القيمة من السارق إن لم يكن يكن بيعا فلا بأس باستحباب التصدق به، وإن كان بيعا فلا يجوز ذلك وإن تصدق به ألا ترى أنه لا يجوز للرجل بيع جلد أضحيته ولا شئ منها يتصدق بالثمن. وأصل ما

[ 382 ]

يقاس على هذه المسألة ويتبين به صحة ما ذكرناه فيها مسألة الجناية على أم الولد، وذلك أن بيعها لا يجوز ويجوز الاستمتاع بها. واختلف فيها إن قتلت فقيل: لا قيمة على قاتلها إذ لا يجوز بيعها ولانه إنما أتلف على سيدها منفعة وهو قول سحنون. وقيل: إن عليه قيمتها وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ولم يقل أحد إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها، ولا فرق في ذلك بين العمد والخطأ فوجب أن ترد مسألة الضحايا إلى ذلك. وإنما كره مالك في كتاب محمد للرجل إذا اختلطت رؤوس الضحايا في الافران يأكل متاع غيره ولم يحرم ذلك: لان حكم ذلك حكم لقطة ما لا يبقى من الطعام حيث لا يوجد له ثمن إذ لا يجوز بيعه فأكله جائز إذا لم يعلم صاحبه وخشي عليه الفساد، لقول النبي (ص) في الشاة: هي لك أو لاخيك أو للذئب. والتصدق بذلك أفضل بخلاف الخبز واللحم من غير الاضاحي تختلط في الفرن فلا يعلم الرجل لمن هذا الذي سيق إليه ولا عند من صار متاعه لانه يجب عليه أن يبتاعه ويوقف ثمنه على حكم اللقطة إذا لم تبق ووجد لها ثمن انتهى. فحاصل ما ذكره أن أخذ العوض يجوز على البعض وعلى الكل من غير الجنس، وأما في الجنس فإنما جاز له الاكل لانها كلقطة ما يفسد إذا لم يكن له ثمن، والقول بجواز أخذ قيمة الاضحية ممن سرقها هو الذي اقتصر عليه سند في باب الهدي من كتاب الحج الثاني فيما إذا سرق الهدي بعد ذبحه فقال: فقد أجزأ عنه، وتقدم كلامه برمته عند قول المصنف: وإن سرق بعد ذبحه أجزأ لا قبله. وما ذكره في الخبز إذا اختلط. واللحم أنه كاللقطة. هذا حكم الخبز المأخوذ، وأما الفران فإن اعترف أن الخبز ليس هو فله تغريمه لانه قد نص ابن رشد وغيره في ضمان الصناع على أنه إذا ضيع الخبز ضامن فرط أم لم يفرط، وإن ادعى أن الموجود هو خبز هذا الرجل فالقول قوله. قال في مختصر البرزلي. مسألة: قال ابن الحاج: إذا احترق الخبز في الفرن فقال الفران هو لفلان وقال صاحبه ليس هو لي، فالقول قول الفران. قاله ابن زرب ولا ضمان عليه. البرزلي: هو ظاهر المدونة ثم ذكر كلاما عن اللخمي مضمنه أنه إن كان لا يعمل إلا للناس صدق، وإن كان يعمل لنفسه

[ 383 ]

لم يصدق فانظره والله أعلم. وانظر ما ذكره صاحب المسائل الملقوطة في الخف أو النعل يتبدل مع الكلام الذي ذكره ابن رشد، فإنه ذكر في الخف والنعل إذا تبدل ثلاثة أقوال ونصه: واختلف فيمن تبدل له خف أو نعل في المسجد أو وقت اجتماع الناس. أشهب وابن الماجشون: يحل له الخفان. أصبغ وابن وهب: يتصدق بثمنها على المساكين. وقيل: إن كان أجود من الذي له فلا يلبسه. ابن المواز: يتصدق بذلك الخف لانه لا يدري أربه أخذ خفه أم لا. انتهى كلامه والله أعلم. ص: (وصح إنابة بلفظ) ش: اعلم أن المشهور أن الاستنابة مع القدرة مكروهة لا كما يعطيه لفظ ابن الحاجب من الجواز بلا كراهة حيث قال: والاولى ذبحه بنفسه فإن استناب من تصح منه القربة جاز انتهى. ولذلك لم يعطفه المصنف هنا على الجائزات في قوله: وجاز أخذ العوض كما هي عادته بل قال: وصح. وصرح في باب الحج بالكراهة كما تقدم حيث قال: وكره نحر غيره كالاضحية. وقدم هنا في المندوبات أنه يستحب له ذبحها بيده، وقد تقدم عنده كلام سند وتصريحه بكراهة ذلك لمن أطاق الذبح بيده. وقال في التوضيح: قال ابن حبيب: أحب إلي أن يعيد إن وجد سعة. وفي مختصر ابن عبد الحكم قول إنه لا يجزئ إذا استناب مسلما. وقوله: بلفظ يعني أن الاستنابة إما أن تكون بصريح اللفظ أو بالعادة كما سيأتي في قوله: أو بعادة. ص: (إن أسلم) ش: احترازا من المجوسي والكتابي فإن أمر رجلا يظن أنه مسلم ثم تبين أنه نصراني فعن مالك أنه يعيد، فإن عز اليهودي أو النصراني بأن تزيا بزي المسلمين الذين يذبحون ضمن ذلك وعاقبه السلطان. انتهى من التوضيح. فرع: وموضع المنع أن يلي الذمي الذبح فأما السلخ وتقطيع اللحم فلا. قاله سند في الحج. ص: (ولو لم يصل) ش: يؤخذ منه أن ذكاة من لم يصل المشهور فيها أنها تؤكل. قال ابن عرفة اللخمي: إن استناب يضيع الصلاة استحب أن يعيد للخلاف في صحة ذكاته والله أعلم. ص: (أو نوى عن نفسه) ش: فق ذلك ثلاثة أقوال صوب ابن رشد ما ذكره المصنف

[ 384 ]

بأن المعتبر نية ربها كالموضأ - بفتح الضاد - لا نية الذابح كالموضئ - بالكسر - ورده ابن عبد السلام بأن شرط النائب في الذكاة صحة ذكاته بدليل منع كونه مجوسيا، فنيته إذن مطلوبة، فإذا نواها عن نفسه لم تجز ربها، والموضئ لا تطلب منه نية بدليل صحة كونه جنبا. ويجاب بأن الكلام في نية التقرب لا في نية الذكاة. قاله ابن عرفة: وانظر لو كانا شريكين في أضجية على القول بعدم جوازه ذلك أو على التخريج بجوازه فنوى عند الذبح أحد الشريكين أن تكون عنده وحده والظاهر أنها لا تجزئ. ص: (أو بعادة كقريب وإلا فتردد) ش: ظاهر كلام المصنف أن الاستنابة بالعادة تصح بمعنى أن تكون عادته أن يتولى أموره أخذا لهذا الشرط من قوله: بعادة وأن يكون كقريب وهو كقوله في المدونة: ومن ذبح أضحيتك بغير إذنك فأما ولدك أو بعض عيالك فمن فعله ليكفيك مؤنتها فذلك مجزئ انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره هو المشهور، وقول المصنف: وإلا فتردد أي وإن لم تكن عادته أن يتولى أموره وليس قريبا ولا بعض عياله أو كان متولي الامور وليس بعض عياله ولا قريبا أو قريبا أو بعض عياله ولكن لم يتول الامور، فالاولى من هذه الصورة لا تجزئ بلا كلام لفقدان الامرين معا، والاخيرتان فيهما التردد. وحيث قلنا لا تجزئ فقال اللخمي: وإذا ذبح رجل أضحية رجل بغير أمره تعديا وليس بولد ولا صديق ولا من يقوم بأمره لم تجزه وكان بالخيار بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها وما نقص الذبح. ص: (لا إن غلط فلا تجزئ عن أحدهما) ش: قال في المدونة: ويضمن القيمة وله أخذها مذبوحة. ابن عبد السلام: وحيث أخذها مذبوحة تصرف فيها كيف

[ 385 ]

شاء انتهى. وكذلك قيمتها وفرق بين الاجزاء في الهدي إذا ذبح غلطا وعدمه هنا، بأن الهدي يتعين بالتقليد والاشعار وهذه لا تتعين إلا بالذبح. وانظر لو عينها بالنذر والظاهر أنه إذا ذبحها غيره غلطا تجزئه، سواء كان نذرا مضمونا أو معينا، وإن تعمد ذبحها عن نفسه فإن كان معينا سقط، وإن كان مضمونا بقي في الذمة والله أعلم. وأما إن تعمد ذبح ضحية الغير فإن ذبحها عن مالكها فهي التي فوقها، وإن ذبحها عن نفسه فقال ابن عرفة: ابن محرز كابن حبيب عن أصبغ من ذبح أضحية رجل عن نفسه تعديا أجزأته وضمن قيمتها انتهى. فروع الاول: لو اشترى الاضحية وذبحها ثم استحق فأجاز ربها البيع لاجزأته لفعله ذلك في شئ ضمنه بالعوض الذي وداه. الثاني: اختلف لو غصب شاة وذبحها وأخذ ربها منه القيمة هل تجزيه لانه ضمنها بالغصب، أو لا لان هذا ضمان عدوان ؟ عبد الحق: والاول أبين. انتهى. من التوضيح. الثالث: قال اللخمي: واختلف إذا تعدى رجل على لحم أضحية فقال ابن ناجي: تلزمه القيمة. فانظره في كتاب الضحايا من المدونة عند قتل الكلب المأذون فيه والله أعلم. ص: (أو تعيبت حالة الذبح) ش: أي وكذلك لا يجوز له بيعها إذا تعيبت حالة الذبح يريد ولا تجزئ كما في الصور التي قبلها وبعدها. قال في التوضيح: ونص ابن حبيب على منع بيع شاة

[ 386 ]

أضجعت للذبح فانكسرت رجلها أو أصابتها السكين في عينها انتهى. وقال في المدونة: ولو أضجعها للذبح فاضطربت فانكسرت رجلها أو أصابتها السكين في عينها ففقأتها لم تجزه انتهى. وكذلك لا يجوز البيع إذا ذبح يوم التروية. قال في التوضيح: ونص ابن القاسم على منع بيع ما ذبح من الاضاحي يوم التروية وأنكره ابن رشد. انتهى والله أعلم. ص: (أو قبله) ش: يشير به إلى ما قال التونسي في حق من ضحى بشاة ثم وجد بها عيبا بعد أن ضحى أنها لا تجزئه ولا يجوز له بيعها. قاله في التوضيح والله أعلم. ص: (والاجارة والبدل) ش: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: لا بأس بإعطاء الظئر النصرانية تطلب فروة أضحية ابنها فروتها يدل على إعطاء القابلة والفران والكواش ونحوهم ومنعه بعض شيوخ بلدنا انتهى. والظاهر أن الكواش بالواو لا بالراء لانه ليس عندهم بتونس شخص يسمى الكراش بالراء، وكان الفران هو الخباز، والكواش الصبي الذي بين يديه أو بالعكس والله أعلم. ص: (إلا لمتصدق عليه) ش: قال في التوضيح في باب الاضحية: واختلف فيمن تصدق عليه أو وهب له لحم، فمنع مالك من البيع لان قصاراه أن يتنزل منزلة الاصل وبالقياس على الوارث. وقال أصبغ: يجوز له البيع

[ 387 ]

كالصدقة على الفقير والزكاة. ابن غلاب: وهو المشهور انتهى. قال في كتاب السرقة في الكلام على سرقة لحم الاضحية من المتصدق عليه: المشهور عدم جواز البيع للمتصدق عليه انتهى. وكلامه في الشامل متعارض فإنه قال أولا: وجاز لموهوب له ومتصدق عليه البيع على المشهور لا لمضح ونحوه. ثم قال: وليس له إطعام من يعلم أنه يبيعها ولو جلدا ولا لصانع دهن مصنوع بشحمه انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم كراهية دهن الخراز شراك النعال بدهن أضحيته انتهى. ص: (إن لم يتول غير بلا إذن) ش: قال ابن عبد السلام: وينبغي إذا سقط عن المضحي الثمن أن لا يسقط عن الاهل الذين تولوا البيع انتهى. ص: (كأرش عيب يمنع الاجزاء) ش: الذي في غالب النسخ وشرح عليه بهرام والبساطي بإسقاط لا، وذكر ابن غازي أنه بإثبات لا في النسخ التي وقف عليها وهي أحسن. وعلى كل حال فمذهب ابن القاسم المعتمد أنه إن كان لا يمنع الاجزاء فيتصدق بالارش، وإن كان يمنع الاجزاء صنع به ما

[ 388 ]

شاء. فعلى ما شرح عليه الشارحان يكون تشبيها في المنفي أعني قوله: وتصدق الخ. ويكون الذي لا يمنع الاجزاء لا يطلب أن يتصدق به. وظاهر كلامه أن يتصدق به، سواء أوجبها بالنذر أو لم يوجبها وليس كذلك، بل إذا أوجبها فحكمه كلحمها كما قال ابن الحاجب: والارش إما أن يجني عليها أحد أو يظهر فيها على عيب والله أعلم.، ص: (فلا يجزئ إن تعيبت قبله) ش: الضمير في قوله قبله عائد على أحد الموجبين من النذر أو الذبح وهو ظاهر كلام الشيخ بهرام، فلو نذرها ثم تعيبت قبل الذبح فلم أر فيها نصا، والذي يظهر أنها تجزئه والله أعلم. ص: (كحبسها) ش: قال في المدونة: ومن ضاعت أضحيته ثم وجدها في أيام النحر فليذبحها إلا أن يكون قد ضحى ببدلها فليصنع بها ما شاء وكذلك إن لم يضح ببدلها ثم وجدها بعد أيام النحر فليصنع بها ما شاء وليس لاحد أن يضحي بعد أيام النحر انتهى. ص: (إلا أن هذا آثم) ش: قال ابن الحاجب: وفيها قال ابن القاسم: من كانت له أضحية فأخرها إلى أن انقضت أيام الذبح أثم وحمل على أنه كان أوجبها. قال في التوضيح: وقوله: أثم ظاهر في الوجوب إذ الاثم من خصائصه. وأجيب بثلاثة أوجه: آخرها أن التأثيم أو الاستغفار في كلامهم ليس خاصا بالوجوب بل يطلقون التأثيم كثيرا على ترك السنن، وربما أبطلوا الصلاة ببعض السنن ويقولون في تارك بعضها يستغفر الله كما قال مالك في المدونة في تارك الاقامة. ثانيها: وهو الذي ذكره المصنف أنه محمول على أنه كان أوجبها وسيأتي بماذا تجب. ثالثها: أن التأثيم من قول ابن القاسم واجتهاده ثم قال في القولة التي بعد هذه: وهي قوله وتجب بالتزام اللسان أو بالنية عند الشراء على المعروف فيهما كالتقليد والاشعار في الهدي وبالذبح ذكر أنها تجب بثلاثة أمور: اثنان مختلف فيهما، والثالث متفق عليه. فالاول التزام اللسان مع النية، والثاني النية مع الشراء، ولا يريد خصوصية الشراء بل فعل مع نية أي فعل كان. قال في الجواهر: إذا قال جعلت هذه الشاة أضحية تعينت. والثالث الذبح وهذا لا

[ 389 ]

اختلاف فيه انتهى. وانظر لو أوجبها بالنذر وضلت حتى ذهبت أيام النحر أو حبسها ما يفعل فيها والله أعلم. ص: (وللوارث القسم ولو ذبحت) ش: يعني أن للورثة القسم، سواء مات بعد أن ذبحت أو مات قبل أن تذبح يعني إما بعد أن أوجبها أو لم يوجبها وفعل الورثة ما استحب لهم من الذبح فلهم القسم بالقرعة لا بالتراضي، لان القرعة على المشهور تمييز حق. والظاهر أن المصنف مشى على أنهم يقتسمونها على الرؤوس لا على المواريث لانه قول ابن القاسم. قال التونسي: إنه أشبه القولين. وأما إن مات قبل الذبح وقبل أن يوجبها ولم يفعل الورثة المستحب فهي كمال من أمواله. انظر ابن عبد السلام والله أعلم. ص: (لا بيع بعده في دين) ش: سواء كان المديان حيا أو ميتا ليس للغرماء أخذها بعد الذبح وأما قبله فلهم أخذها. قال اللخمي: ومن اشترى أضحية وعليه دين كان للغرماء بيعها في دينهم قبل الذبح وليس لهم ذلك بعد الذبح انتهى. فرع: قال البساطي: إذا ذبحت وقام عليه الغرماء فهل لصاحبها أن يأخذها لانها عين ماله - قاله بعضهم - أو لا للفوات انتهى. ص: (وندب ذبح واحدة تجزئ ضحية في سابع الولادة نهارا) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على العقيقة وذكر أنها مستحبة. قال

[ 390 ]

الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولم يقل أحد بتأثيم تاركها انتهى. وقال في المقدمات: إن من تركها تهاونا بها من غير عذر فإنه يأثم كسائر السنن فانظره والله علم. وقوله: واحدة قال في الارشاد: والعقيقة ذبح شاة عن المولود يوم سابعه والافضل عن الذكر شاتان. قال الشيخ زروق في شرحه: عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها أمر عليه السلام أن يعق عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الصبية بشاة. صححه الترمذي وقال به الشافعي: وقال ابن رشد: من عمل به فما أخطأ ولقد أصاب. وقوله: ذبح شاة يعني أن بعضها لا يجزئ في ذلك. انتهى كلام الشيخ زروق. وقال ابن عرفة الجلاب: لا يمنع اثنان بشاة انتهى. وقال في الشامل: وتعددت للتوأمين فأكثر بحسبهم انتهى. فروع: الاول: قال ابن عرفة الباجي: مقتضى قول مالك أنها من مال الاب لا من مال الولد، وظاهر قوله يعق عن اليتيم من ماله لا تلزم قريبا غير الاب انتهى. وذكر الجزولي والشيخ يوسف بن عمر في ذلك قولين: أحدهما أنها في مال الولد فإن لم يكن له مال ففي مال الاب، والثاني أنها في مال الاب. الثاني: قال ابن عرفة: روى محمد: لا يعق عبد عن ولده ولا يضحي إلا بإذن ربه وفي ما دونها ولو كان مأذونا لا يعق إلا بإذنه انتهى. الثالث: قال الشيخ كرام في شرح الرسالة: ولا تلزم السيد عن رقيقه كالاضحية انتهى. ص: (في سابع الولادة) ش: قال الشيخ زروق في شرح لفظ الارشاد المتقدم عند قوله عن المولود يوم سابعه: والمولود أعم من أن يكون ذكرا أو أنثى وذلك مشروط بحياته لسابعه، سمع

[ 391 ]

القرينان لا يعق عمن مات قبل سابعه انتهى. ووقتها في السابع الاول كما قال المصنف، فإن فات فعلها فيه سقطت على المشهور. وقيل: تفعل فيما قرب من السابع الاول. وقيل: تفعل في السابع الثاني فقط، فإن فات ففي الثالث، فإن فات لم يعق عنه بعد ذلك. حكى الاقوال الاربعة ابن عرفة، ولم أقف على قول في المذهب أنه يعق فيما بعد السابع الثالث بل قال في النوادر بعد أن حكى الخلاف المذكور: وأهل العراق يعقون عن الكبير. وروى ابن سيرين وهذا لا يعرف بالمدينة انتهى. وقول الجزولي: وقيل يعق وإن كان كبيرا الظاهر أن مراده خارج المذهب فإنه كثيرا ما ينقل الاقوال الخارجة ولا يعزوها. فروع: الاول: قال في المدخل في فصل ذكر النفاس: وينبغي إذا كان المولود ممن يعق عنه فلا يوقع عليه الاسم الآن حتى يذبح العقيقة ويتخير له في الاسم مدة السابع، وإذا ذبح العقيقة أوقع عليه الاسم، وإن كان المولود لا يعق لفقر وليه فيسمونه متى شاؤا انتهى. ونقله بعض شراح الرسالة عن التادلي وأصله للنوادر في باب العقيقة وفي العتبية. قال ابن عرفة: ومقتضى القواعد وجوب التسمية سمع ابن القاسم يسمى يوم سابعه. ابن رشد: لحديث يذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى. وفيه سعة لحديث ولدلي اللية غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، وأتي النبي (ص) بعبد الله بن أبي طلحة صبيحة ولد فحنكه ودعا له وسماه. ويحتمل حمل الاول على منع تأخير التسمية عن سابعه فتتفق الاخبار وعلى قول مالك. قال ابن حبيب: لا بأس أن تتخير له الاسماء قبل سابعه ولا يسمى إلا فيه. ثم قال الباجي: من أفضلها ذو العبودية لحديث: إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وقد سمى النبي (ص) بحسن وحسين. وروى العتبي أن أهل مكة يتحدثون ما من بيت فيه اسم محمد إلا رأوا أخيرا ورزقوا. الباجي: ويمنع بما قبح كحرب وحزن وضرار وما فيه تزكية يسيرة ومنعها مالك بمهدي. قيل: فالهادي قال: هو أقرب لان الهادي هادي الطريق الباجي: ويحرم بملك الاملاك لحديث: هو أقبح الاسماء عند الله عياض: غير (ص) اسم حكيم وعزيز لتشبيهه بأسماء صفات الله تعالى وفقهاء الامصار على جواز التسمية والتكنية بأبي القاسم والنهي عنه منسوخ انتهى. ونقل النووي عنه في كتاب الادب أن مذهب مالك جواز ذلك أعني التكني بأبي القاسم، سواء كان الاسم محمدا أو أحمد أو غيرهما والله أعلم. وقال في المدخل: قال القرطبي في شرح أسماء الله الحسنى: قد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الانسان نفسه ثم قال: قال علماؤنا: ويجري هذا المجرى ما قد كثر في الديار المصرية وغيرها من بلاد العجم والعراق من

[ 392 ]

نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية والثناء كزكي الدين ومحيي الدين وعلم الدين وشبه ذلك ثم قال: ولو كانت هذه الاسماء تجوز لما كان أحد أولى بها من أصحاب رسول الله (ص). انتهى من فصل النعوت وذكر الكنى الشرعية في فضل عيادة المرضى ونصه: والكنى الشرعية أن يكنى الرجل بولده أو بولد غيره وكذلك المرأة تكنى بولد غيرها كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها حين وجدت على كونها لم يكن لها ولد تتكنى به فقال لها عليه الصلاة والسلام: تكني بابن أختك يعني عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. وكذلك تجوز الكنى بالحالة التي الشخص متصف بها كأبي تراب وأبي هريرة وما أشبههما انتهى. فائدة: قال في الروض الانف: قيل لابي الرقيس الاعرابي: لم تسمون أبناءكم شر الاسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورابح ؟ فقال: إنما نسمي أبناءنا لاعدائنا وعبيدنا لانفسنا. يريد أن الابناء عدة للاعداء أو سهام في نحورهم انتهى والله أعلم. الثاني: تقدم في كلام ابن عرفة عن ابن رشد أن النبي (ص) أتي بعبد الله ابن أبي طلحة صبيحة ولد فحنكه بتمرة. قال الشيخ يوسف بن عمر: ويستحب أن يسبق إلى جوف المولود الحلاوة كما فعل النبي (ص) بعبد الله بن طلحة لانه حنكه بتمرة. وقد قيل: إن الحجاج لم يرضع ثدي أمه حين ولد فأتي شيخ فقال: اذبحوا جديا وأطعموه من دمه ويرجع إلى الرضاع ففعلوا به ذلك ورضع فخرج سفاكا للدماء. انتهى كلامه. وقال الجزولي: قيل: إن الشيخ الذي كلمهم في قضية الحجاج وهو إبليس انتهى والله أعلم. الثالث: قال في مختصر المدونة لابن أبي زيد في باب الجامع: وكره - يعني مالك - أن يؤذن في أذن الصبي المولود انتهى. والاقامة مثله. وذكره في النوادر في آخر كتاب العقيقة. وقال الشيخ يوسف بن عمر: استحب بعض أهل العلم أن يؤذن في أذن الصبي ويقيم حين يولد. وتقدم في أول الكتاب في باب الاذان الكلام على ذلك فراجعه هناك والله سبحانه أعلم. ص: (نهارا) ش: يعني من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والافضل ذبحها ضحوة. قال في المقدمات: وسنتها أن تذبح ضحوة إلى زوال الشمس، ويكره أن تذبح بالعشي بعد زوال الشمس أو بالسحر قبل طلوع الشمس، وأما إن ذبحها بالليل فلا تجزئ انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير وقال بعده: فجعل الوقت على ثلاثة: مستحب وهو من ضحوة إلى الزوال، ومكروه بعد الزوال إلى الغروب وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وممنوع وهو أن تذبح بالليل انتهى. وقال في التوضيح: نص مالك في المبسوط على عدم الاجزاء إذا ذبحها قبل طلوع الشمس وأخذه ابن رشد من العتبية. وقال ابن الماجشون: يجزئه إذا ذبحها بعد طلوع الفجر. قال في البيان: وهو الاظهر لان العقيقة ليست منضمة إلى صلاة فكأن قياسها على

[ 393 ]

الهدايا أولى من قياسها على الضحايا انتهى والله أعلم. ص: (وجاز كسر عظامها) ش: قال التلمساني: وليس كسر عظامها سنة ولا مستحبا. وقاله في التلقين ولكن تكذيبا للجاهلية ومخالفة لهم في تحرجهم من ذلك إذ لا فائدة فيه. انتهى من الشبيبي ونقله في التوضيح أيضا عن القاضي عبد الوهاب وزاد بعده: وفي المفيد أن الكسر مستحب لمخالفة الجاهلية انتهى. ص: (وكره عملها وليمة) ش: تصوره ظاهر. فروع: الاول: قال الشبيبي: قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يجعلها صنيعا يدعو الناس إليه. واستحسن ابن حبيب أن يوسع بغير شاة العقيقة لاكثار الطعام. وروي عن مالك أنه قال: عققت عن ولدي فذبحت بالليل ما أريد أن أدعو إليه إخواني وغيرهم، ثم ذبحت له ضحى شاة العقيقة فأهديت منها لجيراني وأكل منها أهل البيت وكسروا ما بقي من عظامها وطبخوه ودعونا إليه الجيران فأكلوا وأكلنا. قال مالك: فمن وجد سعة فليفعل مثل ذلك انتهى. الثاني: قال ابن عرفة: وفي سما القرينين: ومن وافق يوم عقيقة ولده يوم الاضحى ولا يملك إلا شاة عق بها. ابن رشد: إن رجا الاضحية في تالييه وإلا فالاضحية لانها آكد. قيل: سنة واجبة ولم يقل في العقيقة انتهى ونحوه اللخمي، فإن ذبح أضحيته للاضحية والعقيقة أو أطعمها وليمة فقال في الذخيرة: قال صاحب القبس: قال شيخنا أبو بكر الفهري: إذا ذبح أضحيته للاضحية والعقيقة لا يجزيه وإن أطعمها وليمة أجزأه. والفرق أن المقصود في الاولين إراقة الدم وإراقته لا تجزئ عن إراقتين، والمقصود من الوليمة الاطعام وهو غير مناف للاراقة فأمكن الجمع انتهى. الثالث: قال في العتبية في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الضحايا: وسألته عن الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم ممن على غير الاسلام ؟ فقال: ما سمعت ذلك وأحب إلي أن لا يطعم أحدا منهم شيئا. قال ابن رشد: مضت هذه المسألة في رسم سن من سماع ابن القاسم ويشير بذلك لما تقدم عنه في الاضحية عند قول المصنف وإطعام كافر فراجعه هناك والله أعلم. الرابع: قال الشبيبي: سئل مالك عن ادخار لحم العقيقة فقال: شأن الناس أكله وما بذلك بأس انتهى.

[ 394 ]

الخامس: قال صاحب الشامل وغيره وحكم لحمها وجلدها كالاضحية انتهى. ص: (وختانه يومها) ش: أي ويكره ختان المولود يوم العقيقة فمن باب أولى يوم الولادة، ونقل ابن عرفة كراهته فيهما من رواية ابن حبيب وسيأتي كلامه. ولم يتعرض المؤلف للوقت الذي يستحب فيه الختان ولحكمه وحكم الخفاض. فأما وقت استحباب الختان فقال في المقدمات: من سبع سنين إلى عشر. وذكره ابن عرفة أيضا من رواية ابن حبيب ونصه: روى ابن حبيب كراهته يوم الولادة أو سابعه لفعل اليهود إلا لعلة يخاف على الصبي فلا بأس، واستحبابه من سبع سنين إلى عشر. وروى اللخمي يختتن يوم يطيقه الباجي: اختار مالك وقت الاثغار. وقيل عنه من سبع إلى عشر وكل ما عجل بعد الاثغار فهو أحب إلي انتهى. وقال في جامع الكافي: ولا حد في وقته إلا أنه قبل الاحتلام وإذا أثغر فحسن أن ينظر له في ذلك، ولا ينبغي أن يجاوز عشر سنين إلا وهو مختون انتهى. وقال في المقدمات: ويستحب ختان الصبي إذا أمر بالصلاة من سبع سنين إلى العشر، ويكره أن يختتن في سابع ولادته كما يفعله اليهود انتهى. وأما حكمهما فأما الختان فقال ابن عرفة: والختان للذكور سنة التلقين: واجب بالسنة غير فرض. ولم يحك المازري غيره. الرسالة: سنة واجبة الصقلي: سنة مؤكدة. وروى ابن حبيب هو من الفطرة لا تجوز إمامة تاركه اختيارا ولا شهادته. الباجي: لانها تبطل بترك المروءة ولو أسلم شيخ كبير يخشى على نفسه منه ففي تركه ولزومه نقلا أبي عمر عن ابن عبد الحكم وسحنون قائلا: أرأيت إن وجب قطع سرقة أيترك للخوف على نفسه ؟ ولم يحك الباجي غير قول سحنون دون هذه المقالة قائلا مقتضاه تأكد وجوبه. قلت: في قطعه للسرقة مع الخوف على نفسه نظر، وإذا سقط قصاص المأمومة للخوف فأحرى للقطع لحديث: ادرؤوا الحدود بالشبهات ويكون كمن سرق ولا يدله يؤدب بما يليق ويطاف. أبو عمر: لو ولد مختونا فقالت فرقة تجرى عليه الموسى فإن كان فيه ما يقطع

[ 395 ]

قطع وأباه آخرون. قلت: يجري على الاقرع في الحج انتهى. وأما الخفاض فقال ابن عرفة: والخفاض في النساء. الرسالة: مكرمة. وروى الباجي وغيره كالختان ومن ابتاع أمة فليحفظها إن أراد حبسها، وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه. الباجي: قال مالك: النساء يخفضن الجواري. قال غيره: لا ينبغي أن يبالغ في قطع المرأة انتهى. تنبيهات: الاول: قال البساطي: هل يختتن الخنثى المشكل في أحد الفرجين أو في كليهما أو لا ؟ قال بعضهم: لم أر فيه نصا انتهى. وأصل هذا التنظير للفاكهاني. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: قال الفاكهاني: هل يختتن الخنثى المشكل أم لا ؟ فإذا قلنا يختتن ففي أي الفرجين أو فيهما جميعا ؟ لم أر في ذلك لاصحابنا نقلا. واختلف أصحاب الشافعي فقيل: يجب اختتانه في فرجه بعد البلوغ، وقيل: لا يجوز حتى يتبين وهو الاظهر عندهم. قلت: الحق أنه لا يختتن لما علمت من قاعدة تغليب الحظر على الاباحة ومسائله تدل على ذلك. قال ابن حبيب: لا ينكح ولا ينكح، وفي بعض التعاليق: ولا يحج إلا مع ذي محرم لا مع جماعة رجال فقط ولا مع جماعة نساء فقط إلى غير ذلك من مسائله. انتهى كلام ابن ناجي وسيأتي إن شاء الله في آخر الكتاب عند الكلام عليه شئ من المسائل المتعلقة به. الثاني: قال في القوانين: الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لانها قطعة من حي فلا يجوز أن يحملها المصلي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلا. انتهى وسيأتي إن شاء الله في باب الوليمة حكم ما ينثر على رؤوس الصبيان عند خروج أسنانهم وفي الختان والاعراس، وحكم الطعام الذي يعمل لاجل الختان وغيره والله أعلم.

[ 396 ]

كتاب اليمين فصل في اليمين ص: (اليمين تحقيق ما لم يجب) ش: قال في الذخيرة: اليمين في اللغة مأخوذ من اليمين الذي هو العضو لانهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه فسمي الحلف يمينا. وقيل: اليمين القوة ويسمى العضو يمينا لوفور قوته على اليسار ومنه قوله تعالى: * (لاخذنا منه باليمين) * أي بالقوة. ولما كان الحلف يقوي الخبر من الوجود أو العدم سمي يمينا. فعلى هذا التفسير يكون التزام الطلاق أو العتق وغيرهما على تقدير المخالفة يمينا بخلاف التفسير الاول انتهى. وقال ابن عبد السلام: والقسم بتحريك السين بمعنى اليمين وأقسمت أي حلفت. قال بعضهم: أصله من القسامة وهي الايمان تقسم على الاولياء. والحلف بكسر اللام وسكونها بمعناه انتهى. وفي الصحاح: وقوله تعالى * (تأتوننا عن اليمين) * قال ابن عباس أي من قبل الدين فتزينون لنا ضلالتنا كأنه أراد عن المأتي السهل. الاصمعي: فلان عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة. ويقال قدم فلان على أيمن اليمين أي على اليمين. واليمين القسم والجمع أيمن وأيمان انتهى. هذا معنى اليمين لغة. وأما في العرف فقال ابن عبد السلام: لا يحتاج إلى تعريف برسم ولا حد لاشتراك الخاصة والعامة في معرفته. قال ابن عرفة: قيل ومعناه ضرورة لا يعرف والحق نظري لانه مختلف فيه الاكثر التعليق منه لترجمتها كتاب الايمان بالطلاق وإطلاقاتها وغيرها، ولو لم يكن حقيقة ما لزم في الايمان اللازمة دون نية إذ لا يلزم مجاز دونها ورده بلزومه دونها إذا كان راجحا على الحقيقة يرد بأنه المعنى من الحقيقة العرفية. ابن رشد وابن بشير: مجاز وكل مختلف فيه غير ضروري فاليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر لقبول معلق بأمر

[ 397 ]

مقصود عدمه. فيخرج نحو إن فعلت كذا فلله علي طلاق فلانة أو عتق عبدي فلان. ابن رشد: لا يلزمه الطلاق لانه غير قربة. قلت: عزاه الشيخ لكتاب محمد والعتبي لسماع عيسى ابن القاسم. ابن رشد: ويلزم العتق ولا يجبر عليه وإن كان معينا لانه نذر ولا وفاء به إلا بنية وما أكره عليه غير منوي له، ابن العربي: اليمين ربط العقد بالامتناع والترك أو بالاقدام على فعل بمعنى معظم حقيقة أو اعتقادا ويرد بتكرار الترك وخروج الغموس واللغو والتعليق انتهى. وقوله بتكرار الترك يعني أن قوله: والترك مكرر مع قوله الامتناع. واعترضه القرافي أيضا بالغموس وما أشبهها، وبأن جميع ما ذكر يتصور بغير لفظ. والعرب لا تسمي الساكت حالفا وبأن اليمين قد تكون على فعل الغير فلا يكون هناك إقدام ولا إحجام. قال: والحق أن يقال: هو جملة خبرية وضعا، إنشائية معنى، متعلقة بمعنى معظم عند المتكلم، مؤكدة بجملة أخرى من غير جنسها. فقولنا خبرية لان ذلك صيغتها، وقولنا إنشائية لانها لا تحتمل التصديق والتكذيب، وقولنا من غير جنسها احتراز من تكرار القسم فإنه لا يسمى حلفا إلا إذا ذكر المحلوف عليه، وبقية القيود ظاهرة. وقد خصص الشرع هذا المعنى ببعض موارده وهو أن يكون المعظم ذات الله أو صفاته العلي كما صنع في الصلاة والصوم وغيرهما انتهى. وقال في اللباب اليمين هو الحلف بمعظم تأكيدا لدعواه أو لما عزم على فعله أو تركه انتهى. وقال في اللباب أيضا: وحكمها الجواز إن كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الايمان في باب أحب الدين إلى الله أدومه: فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور انتهى. وقال في المدخل في فصل الصيام: وتكثير الحلف لغير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف رضي الله عنهم، بل كان بعضهم يتوقى أن يذكر اسم الله إلا على سبيل الذكر حتى إذا اضطروا في الدعاء إلى من أحسن إليهم بالمكافآت له يقولون جزيت خيرا خوفا على اسم الله انتهى. قال في اللباب: وحكمة مشروعيتها الحث على الوفاء بالعقد مع ما فيه من المبالغة في التعظيم انتهى. تنبيه: قول المصنف: اليمين تحقيق ما لم يجب يعني أن اليمين هو أن يحقق الحالف شيئا لم يجب أي لم يثبت، وهذه العبارة هي الحاوي للشافعية. قال بعض شراحه في شرحها: أي تحقيق ما لم يتحقق ثبوته وهو ما يحتمل المخالفة والموافقة ماضيا كان أو مستقبلا، ممكنا كان أو ممتنعا. وقد دخل في قوله: ما لم يجب الممكن كقول القائل: والله لادخلن الدار والممتنع نحو: والله لاقتلن فلانا الميت وخرج منه الواجب كقوله: والله لاموتن، وإنما لم يكن ذلك يمينا لان الواجب متحقق في نفسه فلا معنى لتحققه، ولانه لا يتصور فيه الحنث بخلاف الممكن والممتنع ولذلك رجح عدم انعقاد اليمين فيما لو حلف لا يصعد السماء،

[ 398 ]

وانعقاده فيما لو حلف ليقتلن فلانا وهو ميت، وقد يفرق بين ما لا يتصور فيه الحنث فيرجع فيه عدم الانعقاد وبين ما لا يتصور فيه البر فيرجع فيه الانعقاد بأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله تعالى وامتناع البر يخل ويهتك الحرمة فيخرج إلى التكفير، ويدخل أيضا في تحقيق ما لم يجب الماضي والمستقبل والنفي والاثبات. انتهى كلامه. وقال في الارشاد: للشافعية أيضا اليمين تحقيق غير ثابت. قال مصنفه في التتمة: إن اليمين الموجبة للكفارة هي أن يقصد بها تحقيق شئ غير معلوم الثبوت ماضيا كان أو مستقبلا، منفيا كان أو مثبتا، ممكنا كان أو ممتنعا. انتهى. وما ذكره شارح الحاوي أشار الشيخ بهرام في شرحه الصغير إلى شئ منه ونصه: قوله اليمين تحقيق ما لم يجب أي اليمين الموجبة للكفارة تحقيق ما لم يجب بما ذكر، والمراد بتحقيق ما لم يجب تحقيق ما لم يثبت أي يتحقق ثبوته وهو ما يحتمل الموافقة والمخالفة أعني البر والحنث. فلو قال والله لاحملن الجبل ووالله لاشربن البحر كان يمينا لان حمل الجبل وشرب البحر لا يتحقق ثبوته، ولو قال: والله لا أحمل الجبل ووالله لا أشرب البحر لم يكن يمينا لان عدم حمله الجبل وشربه البحر متحقق الثبوت. ودخل في قولها ما لم يجب الممكن كقوله: والله لادخلن الدار، والممتنع كقوله: والله لاقتلن زيدا الميت أو لاشربن البحر أو لاحملن الجبل، وخرج به الواجب كوالله لاموتن فليس بيمين لان الواجب متحقق في نفسه. والمراد أيضا بتحقق ما لم يجب المستقبل خاصة، سواء كان متعلق يمينه من فعله أو من فعل غيره، كانت على نفي وهي صيغة البر أو إثبات وهي صيغة الحنث انتهى. ص: (بذكر اسم الله أو صفته) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. مسألة: قال القرافي في الفرق الثاني من قواعده في المسألة الخامسة في الطلاق بالقلب: وقع الخلاف في اليمين هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ ؟ انتهى. وقال القوري في مختصر القواعد في القاعدة الثانية من قواعد الخبر إثر هذا الكلام ما نصه. قلت: أحد القولين مبني على ما ذكره. ومن قال لا يلزمه فما ذلك إلا لانه لا إنشاء في

[ 399 ]

النفس وإنما يكون الانشاء اللساني إذ لو كان لترتب عليه أثر وذلك باطل، فكلامه عزوجل في القدم ولم يترتب حكم من الاحكام إلا على القرآن من حيث اللسان العربي، وأما من حيث النفس فلا. انتهى. وقال ابن عرفة: ويلزم أي الحلف باللفظ النية وفي مجردها روايتا الطلاق بها، وفي لزوم عكسه وكونه لغوا لا كفارة وفيه قولان: لها مع المشهور وإسماعيل مع الابهري واللخمي والشيخ. رد بعض البغداديين قول عائشة اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله لقول مالك لانها لا تعني تعمد الكذب بل الظن، وإلى مذهب المدونة والمشهور أشار المصنف بقوله بعد هذا: لا بسبق لسانه أي فلا دين. فرع: قال ابن عرفة: وفي لزوم اليمين بالله مرادة بلفظ مباين للفظها كالصلاة بذلك نظر. وأخذه ابن رشد من نقله عنها من قال لا مرحبا يريد به الايلاء مول. قال: وقيل معناه والله لا مرحبا بك إذ لا يعبر عن اسم الله بغير اسمه، والاظهر كاليمين بالنية انتهى وهو ظاهر. وقد سئلت عمن حلف وقال: واللا ولم يذكر الهاء فأجبت: بأنه يتخرج على هذا. فرع: قال في مختصر الوقار: ومن حلف بالله بشئ من اللغات وحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بوجه الله وحنث كفر، ومن حلف بعرش الله وحنث فلا كفارة عليه انتهى. ص: (كبالله) ش: قال في الجواهر: الالفاظ التي يحلف بها قسمان: أحدهما تجريد الاسم المحلوف به كقولك الله لا فعلت، والآخر زيادة عليه وهي ضربان: متصلة وهي الحروف نحو والله وتالله وبالله وأيم الله ولعمر الله، ومنفصلة وهي الكلمات نحو أحلف وأشهد وأقسم، فهذه إن قرنها بالله أو بصفاته نطقا أو نية كانت أيمانا، وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها من نية لم تكن أيمانا يلزم بها حكم وحكم ماضيها كمستقبلها انتهى. ص: (وهالله) ش: قال في التوضيح: قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال لاها الله هي يمين كقوله تالله انتهى. وقال في الذخيرة: قال ابن عبد الحكم: لا هالله يمين نحو بالله انتهى. وفي الفرق التاسع والعشرين والمائة المسألة الثالثة قال اللخمي: قال ابن عبد الحكم: هالله يمين توجب كفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة هاء التنبيه مقامه وقد نص

[ 400 ]

النحاة على ذلك انتهى. ص: (وأيم الله) ش: قال في الذخيرة: يقال أيمن الله وأيم الله ومن الله وم الله انتهى. وقال في الصحاح: وأيمن الله اسم وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين، ولم يجئ في الاسماء ألف وصل مفتوحة غيرها. وقيل: ألف أيمن ألف قطع وهو جمع يمين وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها، وربما حذفوا منه النون فقالوا أيم الله وأيم لله أيضا بكسر الهمزة، وربما حذفوا منه الياء قالوا إم الله، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة قالوا م الله ثم يكسرونها لانها صارت حرفا واحدا فيشبهونها بالباء فيقولون م الله، وربما قالوا من الله بضم الميم والنون ومن الله بفتحهما ومن الله بكسرهما. وقال أبو عبيد: وكانوا يحلفون باليمين يقولون يمين الله لا أفعل. انتهى كلام الصحاح. ص: (والعزيز إلى آخره) ش: قال في الذخيرة: أسماء الله تعالى يجوز الحلف بها وتوجب الكفارة على تفصيل يأتي. ثم قال: وهي على أربعة أقسام: ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا، وما لم يرد به السمع وهو يوهم فيمتنع إطلاقه إجماعا، وما لم يرد به السمع وهو يوهم فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع، وما ورد به الشرع وهو موهم فيقتصر على محله نحو مالك، وما لم يرد به الشرع وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن ويجوز عند القاضي نحو السيد وقيل بالوقف. قال أبو

[ 401 ]

الطاهر: فكل ما جاز إطلاقه صار الحلف به وأوجب الكفارة وإلا فلا، فتنزل الاقسام المتقدمة على هذه الفتيا انتهى. وفي الجواهر: ولو قال وبالشئ أو الموجود وأراد به إلا له سبحانه وتعالى كان يمينا انتهى. تنبيه: قال في الذخيرة: وفي البيان إذا قال علم الله لافعلت استحب له الكفارة احتياطا تنزيلا له منزلة علم الله. قال سحنون: إن أراد الحلف وجبت الكفارة وإلا فلا، لان حروف القسم قد تحذف انتهى. وما ذكره عن البيان هو في رسم الاقضية من سماع أشهب من كتاب النذور الاول، وإنما ذكره في البيان بلفظ يعلم الله بالمضارع، ثم ذكر ابن رشد عن سحنون علم الله. وفي الذخيرة بعد هذا في الالفاظ التي يلزم بها الكفارة منها يعلم الله، وانظر كلام التونسي والله أعلم. ص: (وعلى عهد الله إلا أن يريد المخلوق) ش: يعني أن من قال على عهد الله أن لا أفعل كذا فهي يمين وتجب عليه بذلك الكفارة. ص: (إلا أن يريد المخلوق) ش: راجع إلى قوله: وكعزة الله وأمانته وعهده أي العزة التي خلقها في عباده والامانة التي خلقها فيهم والعهد الذي جعله بينهم. مسألة: قال البرزلي في مسائل الطلاق عن المسائل المنسوبة للرماح: إذا قيل له تزوج فلانة فقال لها الذمام لا أتزوجها فلا تحرم عليه بذلك، فإن أراد بالذمام ذمة الله فهي يمين يكفر عنها ثم يتزوجها، وإن أراد به ذمامة الناس التي تجري على ألسنتهم فليس ذلك بيمين انتهى.

[ 402 ]

تنبيه: قال ابن رشد في البيان في آخر رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب النذور الاول: إن العهد إذا لم يخرج مخرج اليمين وإنما خرج مخرج المعاقدة والمعاهدة مثل أن يقول الرجل للرجل لك علي عهد الله أن أنصحك وأن لا أخونك وأن لا أفعل كذا وكذا، فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة فيلزم فيه التوبة والاستغفار ويتقرب إلى الله بما استطاع من الخير. قال: وقاله في كتاب ابن المواز والواضحة انتهى. قلت: وهذا الذي أشار إليه المصنف بقوله: لا بلك علي عهد أو أعطيك عهدا لكن ظاهر كلام المنصف أنه إنما قال: لك علي عهد من غير إضافة إلى الله سبحانه وشرحه الشارح على ظاهره ولم ينبه على ما إذا قال: لك علي عهد الله أن لا أفعل كذا، وقد علمت أن الحكم أنه لا كفارة في ذلك لعظمه والله أعلم. مسألة: إذا قال علي كذا وكذا إذا لم ينوبها اليمين وادعى أنه أراد شيئا آخر صدق. انتهى. من البرزلي. ص: (وعزمت عليك بالله) ش: قال الفاكهاني في شرح عمدة الاحكام في كتاب اللباس في شرح قوله (ص): وإبرار المقسم. والمقسم به فيه معنيان: أحدهما أن الحالف إذا حلف على شئ مأمور أن يبر في يمينه وهذا لا خلاف في وجوبه أو ما يقوم مقام الوفاء بذلك وهو الكفارة. الثاني أن يكون المراد أن تبر يمين من حلف عليك وهذا على قسمين: تارة يشوبه معنى السؤال كقوله بالله إلا ما فعلت كذا، وتارة لا يشوبه كان يقول والله لتفعلن ونحو ذلك، وسواء في هذا الاثبات والنفي، وهو مندوب في الوجهين أن يبر قسمه لكنه يتأكد في الثاني لوجوب الكفارة عليه دون الاول وذلك إضرار به. وهذا كله مع عدم المعارض الشرعي، فإن وجد معارض عما بمقتضاه كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرته (ص) فقال: أصبت بعضا وأخطأت بعضا. فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال: لا تقسم ولم يخبره انتهى. وقال في الذخيرة في كتاب الايمان في أواخر الباب الثاني ما نصه. فرع: قال في الكتاب: إذا حلف على رجل ليفعلن فامتنع فلا شئ عليهما. وقاله

[ 403 ]

الشافعي. قال ابن يونس: إذا أقسم عليك لتفعلن فيحنث إذا لم تجبه انتهى. ويشير بذلك لقوله في المدونة: إن قال لرجل أعزم عليه بالله إلا فعلت كذا فيأبى فهو كقوله: أسألك بالله لتفعلن كذا وكذا فامتنع فلا شئ على واحد منهما انتهى. قال في النوادر: وعن ابن حبيب: وينبغي أن يجيبه ما لم يكن معصية وهو من قول الله تعالى: * (واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام) * وكذلك أن يقال بالله وبالرحم فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما. وأما قوله أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم يجبه الآخر كقوله حلفت عليك بالله، وأما إن لم يقل فيهما بالله ولا نواه فلا شئ عليه انتهى ونقله أبو الحسن. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: إذا قال أقسمت عليك بالله فلا يخلو أمره إما أن يقصد اليمين فتجب، أو لم يقصده فلا تجب إلا على القول بتعلقها باللفظ وهو خلاف المشهور فيجري فيه الخلاف من وجه آخر، وإن لم يقصد شيئا فهل يحمل على اليمين أولا ؟ قولان: ولو قال عزمت عليك بالله ولم يقصد يمينا فالاصح ليست بيمين، وكذا أعزم عليك به وأسألك به انتهى. فائدة: قال النووي في الاذكار: يكره منع من سأل بالله وتشفع به. روينا في سنن أبي داود والنسائي بأسانيد الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافؤه، فإن لم تجدوا ما تكافؤنه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه انتهى. ومنه أيضا كره أن يسأل بوجه الله سبحانه غير الجنة. روينا في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): لا يسأل بوجه الله إلا الجنة انتهى. وفي كتاب الذكاة من الترغيب والترهيب قال: عن أبي موسى الاشعري أنه سمع رسول الله (ص) يقول: ملعون من سأل بوجه الله، ملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجر. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة وفيه كلام. وهجرا بضم الهاء وإسكان الجيم أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح انتهى. ص: (والنبي والكعبة) ش: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: واليمين بغير ذلك مكروه، وقيل حرام أي بغير اليمين بالله وصفاته كالحلف بالكعبة والنبي.

[ 404 ]

والاظهر من القولين التحريم لحديث الموطأ والصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا اليمين بالطلاق والعتاق وقد نصبوا على تأديب الحالف بهما ولا يكون الادب في المكروه إلا أن يقال إطلاق الايمان عليهما مجاز، ألا ترى إلى حروف القسم لا تدخل عليهما انتهى. وقال القرطبي في شرح قوله (ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم إنما نهى عن ذلك لان فيه تعظيم غير الله بمثل ما يعظم به الله وذلك ممنوع، وهذا جار في كل محلوف به غيره تعالى. وإما ذكر الآباء لانه السبب الذمي أثار الحديث حين سمع عمر يحلف بأبيه ويشهد له قوله: من كان حالفا فليحلف بالله فظاهر النهي التحريم، فيتحقق فيما إذا حلف بملة غير الاسلام أو بشئ من المعبودات دون الله أو كانت الجاهلية تحلف به كالدماء والانصاب فهذا لا يشك في تحريمه، وأما الحلف بالآباء والاشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم ونعمتهم ومشاكل ذلك فظاهر هذا الحديث تناولهم بحكم عمومه. ولا ينبغي أن يختلف في تحريمه. وأما ما كان معظما في الشرع مثل النبي والكعبة والعرش والكرسي وحرمة الصالحين فأصحابنا يطلقون على الحلف بها الكراهة، وظاهر الحديث وما قدمناه من النظر في المعنى يقتضي التحريم انتهى. وتقدم في التوضيح أن الاظهر من القولين التحريم. وقال في الشامل: هو المشهور. وقال ابن ناجي: واختلف في اليمين بما هو مخلوق فقيل ممنوع قاله اللخمي ونحوه قول ابن بشير أنه حرام، وقيل مكروه قاله ابن رشد وصرح الفاكهاني بأن المشهور الكراهة، وهذا إذا كان الحالف بهذه الاشياء المعظمة صادقا، وأما إن حلف بها كاذبا فلا شك في التحريم لانه كذب والكذب محرم واستهزاء بالمحلوف به المعظم في الشرع، بل ربما كان كفرا والعياذ بالله، إن كان في حق النبي (ص) ونحوه والله أعلم. وقال في الذخيرة: قاعدة توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام: واجب إجماعا كتوحيده بالعبادة والخلق والارزاق فيجب على كل أحد أن لا يشرك معه تعالى غيره في ذلك وما ليس بواجب إجماعا كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فيجوز أن يتصف بذلك غير إجماعا، ويختلف فيه كالحلف به تعالى فإنه تعظيم له. واختلف العلماء هل يجوز أن يشرك فيه معه غيره أم لا ؟ وإذا

[ 405 ]

قلنا بالمنع فهل يمتنع أن يقسم على الله ببعض مخلوقاته فإن القسم بها تعظيم لها نحو قولك: بحق محمد اغفر لنا ونحوه، وقد حصل فيه توقف عند بعض العلماء ورجح عنده التسوية انتهى وفيه نظر، لان المحذور إنما هو التعظيم بالحلف لورود النهي عن الحلف بذلك، وأما التعظيم بغير الحلف فليس بمحذور فإن الله لم يمنعنا أن نعظم بعض عباده بل أمرنا بذلك وأوجبه علينا في حق رسله وملائكته وأصحاب نبيه وأوليائه. وقد ورد في صحيح البخاري في فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد (ص) فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون انتهى. وفعل سيدنا عمر لذلك إنما كان بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد فدل على جوازه والله أعلم. تنبيه: قال القرافي في الذخيرة إثر كلامه السابق: ولا يشكل على القول بالمنع قسمه تعالى ببعض مخلوقاته كقوله تعالى: * (والتين والزيتون) * * (والسماء) * * (والشمس) * وغير ذلك لان من العلماء من قال تقديره أقسم برب الزيتون. وقيل أقسم بها لينبه عباده على عظمتها عنده فيعظمونها، ولا يلزم من الحجر علينا الحجر عليه بل هو الملك المالك على الاطلاق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد انتهى. وقال قبله: سؤال قال عليه السلام في حديث الاعرابي للسائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه السلام بمخلوق. جوابه أنه منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطأ وأنه منسوخ بالحديث المتقدم ذكره صاحب الاستذكار، وأما بأن هذا خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله ما أكرمه، وقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: ترتبت يداك خرج عن الدعاء إلى توطئة الكلام انتهى. وقال البرزلي في مسائل الصلاة: وفي أسئلة عز الدين هل يقسم على الله في دعائه بمعظم من خلقه كالنبي والولي والملك أو يكره ؟ فأجاب: جاء في بعض الاحاديث أنه عليه السلام علم الناس الدعاء فقال: اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة. فإن صح هذا فينبغي أن يكون مقصورا عليه (ص) لانه سيد ولد آدم ولا يقسم على الله بغيره من الملائكة والانبياء والاولياء فإنهم ليسوا في درجته ويكون من خصائصه تنبيها على درجة وارتفاع رتبته. قلت: وكان شيخنا الفقيه يختار الجواز يحتج بسؤال عمر بن الخطاب في خطبة الاستسقاء بقوله: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس حين أخرجه للاستسقاء، وكان يتقدم لنا لعله من بركته عليه السلام لانه من سببه وبإضافته إليه فلا يكون فيه دليل، واحتجوا أيضا بتضرع الشيخ الصالح المؤدب محرز بن خلف وسؤاله البرء ابنة الشيخ أبي محمد ورغبته إلى الله ببركة أبيها، وبقول العبد الذي استسقى بالبصرة بحبك لي إلا ما أسقيتنا الساعة إلى غير ذلك من الحكايات العديدة وهو الاظهر لان مظنة إجابة الدعاء كما شرع الدعاء في بقاع الصالحين وعند قبورهم وغير ذلك من أماكنهم لانه من عقد نيته في شئ انتفع به كما ورد وبالله التوفيق انتهى.

[ 406 ]

قلت: وهذا كله توسل وهو غير القسم. والقسم أن يقول: أقسمت عليك بنبيك محمد (ص) أو أقسم عليك به كما في الحديث الذي ذكره، أما التوسل فالظاهر أنه جائز والله أعلم. ص: (وكالخلق والامانة) ش: ولم يبين حكم الحلف بها، قال القرطبي في قوله: فليحلف بالله. لا يفهم منه قصر اليمين الجائزة على هذا الاسم بل حكم جميع أسماء الله حكم هذا الاسم كالعزيز والعليم والسميع والبصير، وهذا متفق عليه، وكذلك الحكم في الحلف بصفات الله كقوله وعزة الله وعلمه وقدرته مما تتمحض فيه للصفة. ولا ينبغي أن يختلف في هذا القسم أنه كالاول، وأما ما يضاف إلى الله وليس بصفة كقوله وخلق الله ونعمته ورزقه وبيته، فهذه ليست بأيمان جائزة لانها حلف بغير الله على ما تقدم. وبين هذين القسمين قسم آخر متردد بينهما فاختلف فيه لتردده كقوله: وعهد الله وأمانته فعندنا أنها أيمان ملحقة بالقسم الاول لانها صفات، وعند الشافعي ليست بأيمان انتهى. وفي الجواهر: لا يجوز اليمين بصفات الفعل ولا تجب فيها الكفارة كقوله: وخلق الله ورزق الله انتهى. ص: (وهو يهودي) ش: قال في المدونة: وإن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو كافر بالله أو برئ من الاسلام فليست هذه أيمانا وليستغفر الله مما قال. وقوله: لعمري أو هو زان أو سارق، أو قال: والصلاة والصيام والحج، أو قال: هو يأكل لحم الخنزير والميتة أو يشرب الدم أو الخمر أو يترك الصلاة أو عليه لعنة الله أو غضبه أو أحرمه الله الجنة أو أدخله النار، وكل ما دعا به على نفسه لم يكن بشئ من هذا يمينا. وكذلك قوله: وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك وهذا من كلام النساء وضعفاء الرجال، وأكره اليمين بهذا أو بغير الله أو رغم أنفي لله، ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت انتهى. قوله: ليستغفر الله قال في الذخيرة لانه التزم هتك حرمة الله على تقدير ممكن واللائق بالعبد الامتناع من ذلك مطلقا. ووافقنا ابن حنبل في الاثم وأوجب الكفارة. وقال الحنفية: ليس بآثم وتجب الكفارة. ص: (وغموس) ش: تصوره واضح. تنبيهات: الاول: قال ابن عرفة: لا لغو ولا غموس في مستقبل، وتعليق ابن الحاجب اللغو به لا أعرفه وقبوله ابن عبد السلام وقوله: يتأتى في المستقبل كالماضي والحال وأكثر كلام الشيوخ حصرها فيهما يرد بأن شأن العلم الحادث تعلقه بما وقع لا بمستقبل لانه غيب، فلا يلزم

[ 407 ]

من ترك الكفارة في حلفه على ما وقع تركها في حلفه جزما على ما لم يقع لعذر الاول وجراءة الثاني. التونسي: الاشبه في المستقبل ممتنع كوالله لا تطلع الشمس غدا أنه غموس. قلت: هو ظاهر قولها على تعمد الكذب. الصقلي: من حلف مهددا بعض أهله مجمعا على الكفارة وعدم الوفاء بيمينه لم يأثم. قلت: ظاهره لو كان غير مهدد أثم انتهى. وقال ابن الحاجب: ولا كفارة في لغو اليمين وهي اليمين على ما يعتده ثم تبين خلافه ماضيا أو مستقبلا. قال في التوضيح: مثال الماضي والله ما جاء زيد وهو يعتقد ذلك، ومثال المستقبل والله ما يأتي غدا وهو يعتقده انتهى. ثم قال في التوضيح في الكلام على الغموس: ولا كفارة في الغموس، سواء تعلقت بالماضي أو بالمستقبل. فالماضي واضح والمستقبل كما لو كانت يمينه على ما لا يصح وجوده أو قد علم أنه لا يوجد كقوله: والله لاقتلن فلانا غدا وقد علم أنه ميت، أو لاطلعن السماء اليوم أو لا تطلع الشمس غدا، ولم يجزم التونسي بحصولها في المستقبل بل قال: والاشبه أنها غموس ومثله بما ذكرناه، وأكثر كلام الشيوخ يقتضي انحصار اللاغية في الماضي وأطال وأنها لا تتناول المستقبل. وذكر بعض الشيوخ حصر اليمين الغموس في الماضي خاصة وليس كذلك انتهى. ونص كلام ابن عبد السلام: ولما كان اليمين اللاغية في المشهور على نحو ما فسر المصنف وكان ذلك متأتيا في المستقبل مثل ما يتأتى في الماضي، صح وجود اللاغية بالزمن الماضي والمستقبل كما أشار إليه المؤلف وأكثر كلام الشيوخ إلى آخره. ثم قال في الكلام على الغموس: اعلم أن متعلق الاعتقاد قد يكون ماضيا وقد يكون مستقبلا كمن يحلف على عدم طلوع الشمس في غد. وإنما ذكرنا هذا لان بعض الشيوخ حصر اليمين الغموس في الماضي خاصة وليس كذلك انتهى. وقال البرزلي: المشهور أن متعلق الغموس واللغو الماضي، وأما المستقبل فقال ابن الحاجب: يتعلقان به ثم ذكر كلام ابن عبد السلام وابن عرفة. الثاني: قال ابن عرفة الشيخ: روى ابن حبيب الالغاء في اليمين لمكر أو قطع حتى يصيرها غموسا وما كان لعذر أو خوف سحط أخيك فلا بأس به انتهى. الثالث: قال في التوضيح بعد ذكره الكلام في الحلف على الشك والظن: وهذا كله إذا أطلق اليمين، وأما إن قيدها فقال: في ظني أو ما أشبه ذلك فلا شئ عليه. انتهى وانظر البساطي. الرابع: الغموس تكون في الطلاق بمعنى أنه يأثم في الحلف بها ويلزمه الطلاق. قال في المقدمات في كتاب الايمان بالطلاق: ويأثم إذا حلف على الغيب أو على الكذب أو على الشك كما يأثم في اليمين بالله إذا حلف على شئ من ذلك انتهى.

[ 408 ]

الخامس: سميت غموسا لانها تغمس صاحبها في النار، وقيل في الاثم. ابن عبد السلام: وهو الاظهر لانه سبب حاصل. مالك: وهي أعظم من أن تكفر وهي من الكبائر وقاله في التوضيح. وقال في المسائل الملقوطة: يلزم التعزير في مسائل منها اليمين الغموس. انتهى والله أعلم. ص: (وإن قصد بكالعزى التعظيم فكفر) ش: أي وإن لم يقصد فحرام وهذه طريقة ابن الحاجب تبعا لابن بشير. وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى نفي عدم قصد التعظيم قال: لان الحالف بشئ معظم له. انتهى بالمعنى من التوضيح. تنبيه: ورد في صحيح مسلم: من قال واللات فليقل إله إلا الله، ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق قال القرطبي: لما نشأ القوم على تعظيم تلك الاصنام وعلى الحلف بها وأنعم الله عليهم بالاسلام بقيت تلك الالفاظ تجري على ألسنتهم من غير قصد للحلف، فأمر النبي (ص) من نطق بذلك أن يقول: لا إله إلا الله تكفيرا لتلك اللفظة وتذكيرا من الغفلة وإتماما للنعمة. وخص اللات لانها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم، وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها. والقول في قوله: تعال أقامرك كالقول في اللات لما ذم النبي (ص) المقامر بالغ في الزجر عنها وعن ذكرها حتى إذا ذكرها الانسان طالبا للمقامرة أمره بصدقة، والظاهر وجوبها عليه لانها كفارة مأمور بها، وكذلك قوله: لا إله إلا الله على من قال: واللات ثم هذه الصدقة غير محدودة ولا مقدرة فيتصدق بما تيسر انتهى. ص: (ولا لغو على ما يعتقده فظهر نفيه)

[ 409 ]

ش: قال ابن ناجي: قال ابن عبد السلام: عبارة المؤلف يعني ابن الحاجب هي اليمين على ما يعتقده خير من عبارة من عبر عن هذا المعنى باليقين أو من جمع بينه وبين الظن فقال: يظنه في يقينه، فإن الاعتقاد قد يتبدل ويظهر خلافه فيكون جهلا وأما اليقين فلا يتبدل. ص: (ولم يفد في غير الله كالاستنثاء بإن شاء الله) ش: وفي حكم اليمين بالله النذر المبهم. قال في المدونة: ولا ثنيا ولا لغو في طلاق ولا مشي ولا صدقة ولا غير ذلك إلا في اليمين بالله أو نذر لا مخرج له انتهى. وقاله في موضع آخر منها ونقله في التوضيح. قال الشيخ أبو الحسن: قال ابن رشد: وكذلك من حلف بالمشي أو بالصدقة أو ما أشبه ذلك مما فيه قربة على قول من يقول: إن فيه كفارة يمين. ذكره في رسم باع من سماع ابن القاسم من كتاب النذور انتهى. ونصه في الرسم المذكور في النذر الاول: لا اختلاف أعلمه في المذهب في أن اللغو لا يكون إلا في

[ 410 ]

اليمين بالله أو بشئ من صفاته أو أسمائه أو في نذر لا يسمى له مخرج، لان الله لم يذكره إلا في اليمين التي أوجب فيه الكفارة فقال تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن

[ 411 ]

يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * ويجئ على من أوجب كفارة اليمين بالله في الحلف بالمشي والصدقة وما أشبه ذلك مما فيه قربة وطاعة أن يكون اللغو في ذلك والله أعلم

[ 412 ]

انتهى. وكذلك الايمان اللازمة لا يدخلها اللغو والاستثناء، وذكر البرزلي في مسائل الايمان تخريجا في ذلك فانظره. فرع: قال ابن جزي: ويجري مجرى الاستثناء بمشيئة الله مشيئة غيره كقوله: إن شاء فلان أو إلا إن بدا لي وشبه ذلك انتهى. ص: (وفي النذر المبهم واليمين للكفارة) ش: قال ابن عرفة: ويوجبها يعني الكفارة لحنث وينقسم إلى الاحكام الخمسة لثبوته بنقيض المحلوف عليه ولا يخلو عنها. وقاله ابن بشير وقصره اللخمي على الاربعة غير المحرم لوضوحه انتهى. وقال القرافي في الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: إن الحلف مباح والحنث مباح انتهى. وفي الجواهر: ولا يحرم الحنث باليمين لكن الاولى أن لا يحنث إلا أن يكون الخير في الحنث. انتهى ونحوه في اللباب. قال القرطبي في تفسيره: اختلفوا في الكفارة قبل الحنث هل تجزى أم لا بعد إجماعهم على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن وهو عندهم أولى انتهى. ثم قال: في توجيه القول بمنع الكفارة قبل الحنث ومن جهة المعنى أن الكفارة إنما هي لرفع الاثم وما لم يحنث لم يكن هناك ما يرفع ولا معنى لفعلها انتهى. وقوله في النذر المبهم قال في المدونة: وإن قال علي نذر أو لله علي نذر أو حلف بذلك فحنث فعليه كفارة يمين. قال أبو الحسن:

[ 413 ]

قال ابن وهب: قال الرسول عليه السلام: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين. انتهى. ولما في مسلم: كفارة النذر كفارة يمين. قال في التوضيح: ولا يمكن حمله على نذر يمين لانه لو كان نذر طاعة لزم أن يأتي بالطاعة التي نذر فتعين حمله على ما لا مخرج له انتهى. فرع: قال في سماع عيسى: من قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به فعليه كفارة يمين، وفي النوادر: ومن نذر نذرا لا مخرج له بلفظ ولا نية فليطعم عشرة مساكين، وإن كان في يمين فحنث فليكفر كفارة يمين ومن كتاب ابن المواز: وقوله: إن فعلت كذا فعلي نذر أو فعلي النذر أو فلله علي نذر سواء وفيه الكفارة، وكذلك قوله: إن لم أفعل كذا من طاعة أو معصية. وأما إن قال: علي نذر أن أفعل كذا أو لا أفعلن كذا فلا كفارة عليه وليف بالطاعة ويكف عن المعصية. ومن قال: علي نذر لا يكفره صدقة ولا صيام فعليه كفارة يمين وكذلك قوله: نذر لا كفارة له انتهى. وقال ابن عرفة: وفي النذر المبهم كعلي نذر ولو قيد بلا كفارة له إلا الوفاء به كفارة يمين انتهى. ص: (واليمين) ش: قال في المدونة: ومن قال: علي يمين إن فعلت كذا ولا نية له فعليه كفارة يمين كقوله: علي نذر أو عهد انتهى ص: (والمنعقدة على بر بأن فعلت أو لا فعلت أو حنث بلا فعلن أو إن لم أفعل إن لم يؤجل) ش: قال ابن عرفة: ويمين البر ما متعلقها نفي أو وجود مؤجل ويمين الحنث خلافها. اللخمي عن محمد: يمينه ليكلمن زيدا أو ليضربن هذه الدابة كمؤجلة لان حياتهما كأجل. وعكس ابن كنانة لقوله: من حلف بعتق جاريته ليسافرن فله وطؤها وليذبحن بعيره لا يطؤها انتهى. وقال في التوضيح: البر هو أن يكون الحالف بإثر حلفه موافقا لما كان عليه من البراءة الاصلية، والحنث أن يكون الحالف بحلفه مخالفا لما كان عليه من البراءة الاصلية انتهى.

[ 414 ]

قلت: قوله موافقا لما كان عليه من البراءة الاصلية يعني أنه لا يطلب في بر يمينه بفعل يفعله بخلاف صيغة الحنث فإنه يطلب في بر يمينه بأن يأتي بما حلف عليه وإلا فلا يمكن أن يكون الحالف موافقا لما كان عليه من البراءة الاصلية، لانه قبل اليمين لا حرج عليه في الفعل أو الترك بخلاف حاله بعد اليمين فإنه إن فعل ما حلف على تركه حنث والله أعلم. وقوله: بأن فعلت قال في التوضيح: ولا إشكال أن إن في صيغة الحنث شرطية كقوله: والله إن لم أتزوج لا أقيم في هذه البلدة، وأما إن في صيغة البر فنص ابن عبد السلام على أنها حرف نفي كقوله: والله إن كلمت فلانا ومعناه لا أكلم فلانا لان كلم وإن كان ماضيا فمعناه الاستقبال إذ الكفارة لا تتعلق إلا بالمستقبل. فإن قيل: فما صرف الماضي إلى الاستقبال ؟ قيل: الانشاء إذ الحلف إنشاء وقد ذكره النحويون من صوارف الماضي إلى الاستقبال. وقول ابن عبد السلام: إن إن في صيغة البر للنفي إن أراد به إذا لم يكن هناك جزاء فمسلم وإلا فهي مع الجزاء شرط كقولك: والله إن كلمت فلانا لاعطينك مائة، أو والله إن دخلت الدار فلا كلمتك ونحو ذلك انتهى. ص: (إطعام عشرة مساكين لكل مد) ش: بدأ بالاطعام لموافقة الكتاب العزيز ولم يبين ما الافضل من الثلاثة كما

[ 415 ]

فعل في الصيام. وذكر القرطبي في تفسير قوله: * (فكفارته إطعام عشر مساكين) * الآية ما نصه: ذكر الله سبحانه الخصال الثلاثة فخير فيها وعقب عند عدمها بالصوم وبدأ

[ 416 ]

بالطعام لانه كان الافضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة إليه وعدم شبعهم، ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير. قال ابن العربي: والذي عندي أنها تكون بحسب الحال، فإن علمت محتاجا فالطعام أفضل لانك إذا أعتقت لم ترفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم، وكذلك الكسوة تليه ولما علم الله الحاجة بدأ بالمقدم والمهم انتهى. فروع: الاول: قال ابن عرفة: قال اللخمي: زوج المرأة وولدها الفقيران كأجنبي والطعام من الحب المقتات غالبا انتهى. الثاني: لا تجزئ القيمة عن الاطعام والكسوة. الثالث: قال البرزلي في أوائل مسائل الايمان: وسئل التونسي عمن قوتهم التمر وربما كان قوتهم الرطب، فهل يجزئ إخراجه عن الفطرة والكفارة ؟ فأجاب: الذي عندي إنما يجزئ من التمر الذي قد استحكم نشافه وأمكن ادخاره لا من الرطب وإن اقتيت به في بعض الاوقات، لان الغالب اقتيات التمر ولان الرطب ينقص إذا جف فلو أخرج منه أربعة أمداد نقصت إذا جفت عن أربعة التمر فيكون مخالفا لحديث أبي سعيد ونهى عليه السلام عن التمر بالرطب متماثلا للمزابنة. ولو أخرج أكثر من صاع من الرطب لخالف الحديث لانه محدود، ولو أخرج عدل الشبع من الرطب في الايمان أرجو أن يجزئه إذ ليس فيه توقيت. وإذا كان يأكل أنواع التمر في السنة فلينظر معظم أكله وأكثره وأقربه من وقت الاخراج، ولو أكل أكثر العام نوعا فلما كان زمن الفطرة والكفارة أكل نوعا آخر وجب إخراجه من الاكثر إلا أن يطول زمن انتقاله فليخرج منه. وهذا مذهب من اعتبر قوت المكفر، ومن اعتبر قوت الناس نظر

[ 417 ]

إلى الغالب من قوتهم ذلك الوقت فيخرج منه. قلت: ما أقتوا به من الوسط هو جار على قول مالك لا على قول ابن القاسم، وقول ابن القاسم حيثما أخرج مدا بمده عليه السلام أجزأه انتهى. ومن البرزلي أيضا: وسئل التونسي عما إذا أخرج عشرة أمداد من التمر في بلد عيشهم ذلك: فأجاب: إنما يخرج وسط الشبع منه لان الوسط إنما هو من القمح وغيره لا بد أن يزيد ولا يخفى الوسط. وكذا أجاب ابن محرز وزاد: ولا يجزئ الاغدل وعشاء الوسط. الرابع: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عن المحجور إذا حنث باليمين بالله تعالى هل يكفر بأحد الاصناف الثلاثة إن كان له مال أو لحاجره منعه من الصوم. فأجاب: من لم يبلغ فلا يمين عليه، ومن بلغ من السفهاء فالكفارة عليه في ماله، ومن لا مال له صام إلا أن يكفر عنه وليه. قال البرزلي: تتخرج المسألة عندي على مسألة الظهار انتهى. الخامس: قال البرزلي: من التزم الكفارة عن غيره إذا حنث فحنث لزم الملتزم الوفاء بها وعهدتها عليه ولا شئ على الحالف انتهى. السادس: قال القرطبي: من أخرج مالا ليعتق رقبة في كفارة فتلف كانت الكفارة باقية عليه بخلاف المخرج المال في الزكاة ليدفعه إلى الفقراء أو ليشتري به رقبة فتلف لم يكن عليه

[ 418 ]

غيره لامتثال الامر انتهى. ص: (كشبعهم) ش: يريد أنه يجزئه أن يشبعهم في الغداء والعشاء. قال في المدونة: وإن غدى وعشى في كفارة اليمين بالله أجزأه ولا يجزئه غداء دون عشاء ولا عشاء دون غداء ويطعم الحبز مأدوما بزيت ونحوه انتهى. وفي الشامل: ويجزئ الغداء والعشاء على المشهور إن أشبعهم ولو دون الامداد انتهى. فظاهر كلام المصنف إن شبعهم يكفي ولو مرة واحدة وليس كذلك والله أعلم. فرع: قال في مختصر الوقار: وإن شاء أن يجمعهم على طعام عنده يغدي العشرة حتى يشبعهم ويعشيهم خبزا وأدما عدسا أو زيتا ثم قال: ومن وجبت عليه كفارة في يمين بالله أو بعهد الله أو بميثاقه أو بكفالته أو في نذر لم يسم له مخرجا فغدى لذلك عشرة مساكين وعشى عشرة مساكين غيرهم فلا يجزئه ذلك عن يمينه حتى يعشي العشرة الذين غدى أو يغدي العشرة الذين عشى انتهى. ص: (والمرأة درع وخمار) ش: قال ابن عرفة: ويجزئ للقصيرة ما لا يجزئ للطويلة انتهى. قال في المدونة: وإن كسا في الكفارة لم يجزئه إلا ما تحل فيه الصلاة ثوب للرجل ولا تجزئ عمامة وحدها وللمرأة درع وخمار انتهى. قال أبو الحسن: قال أبو محمد صالح: يظهر أن الخمار أكبر من الكنبوش وأبين منه. في الرسالة: وخمار تتقنع به انتهى. وما ذكره عن الرسالة هو في باب طهارة الماء والثوب قال فيه: فأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الخصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وخمار تتقنع به. قال الجزولي: الخمار يستر رأسها وعنقها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرحه له: والخمار ما يستر الرأس والصدغين انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: يعطى للرجل ثوب ساتر في الصلاة ولا تجزئ العمامة وحدها، وفي معنى الثوب الازار الذي يمكن الاشتمال به في الصلاة. وتعطى المرأة درعا وخمارا وهما أقل ما يجزئها في الصلاة. والخمار

[ 419 ]

بكسر الخاء سمي بذلك لانه يخمر الرأس أي يغطيه انتهى. ص: (والرضيع كالكبير فيهما) ش: ظاهر كلامه أنه يعطى للصغير ولو لم يأكل الطعام وهو ظاهر كلام الباجي على ما نقله في التوضيح عنه، وظاهر المدونة وكلام ابن رشد على ما نقله المصنف في التوضيح، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه لا يعطى، وأما إن أكل الطعام فإن استغنى بالطعام أعطي بلا كلام، وإن لم يستغن فمذهب المدونة الاعطاء. كذا نقل المصنف. وأما في الكسوة فنقل ابن عرفة في كراهية ذلك خلافا ونصه: وفي كراهة كسوة الصغير ثالثها الرضيع ورابعها من لم يؤمر بالصلاة. للباجي عن ابن القاسم وسماعه عيسى والصقلي عن محمد وابن حبيب انتهى. ص: (ثم صومه ثلاثة) ش: يعني إذا عجز عن أحد الثلاثة صام، والمعتبر في العجز يوم إخراج الكفارة. قال ابن عرفة الباجي: المعتبر حاله حين تكفيره لا يوم يمينه ولا حنثه انتهى. قال في المدونة: وإن كفر بالصيام معسر قبل حنثه ثم حنث بعد يسره فلا شئ عليه انتهى. تنبيه: لا ينتقل للصوم إذا كان واجدا للرقبة في بلده. ذكره ابن عرفة في صوم المتمتع عن الهدي. ص: (ولا تجزئ ملفقة) ش: قال في الشامل: ولا تصح ملفقة من عتق وغيره اتفاقا كإطعام وكسوة على المشهور، فلو فعل الثلاث عن ثلاث ناويا كل نوع من واحدة أجزأ إلا من عتق إن ترك كغيره على المشهور وبنى على ثلاثة من الاطعام كالكسوة ثم يطعم سبعة ويكسو مثلها ويكفر عن الثلاثة وصحح بناؤه على تسعة انتهى. وقال في التوضيح: إذا كفر

[ 420 ]

عن ثلاث كفارات بعتق وكسوة وإطعام فلا خلاف في الاجزاء، سواء عين كل كفارة اليمين أو لا انتهى. وقوله في الشامل وصحح بناؤه على تسعة هذا اختيار اللخمي. قال ابن الحاجب: وقال اللخمي: يبني على تسعة وهو الصحيح. وقال في التوضيح: وما ذكره عن اللخمي هو قول جميع الشيوخ وقد نص عليه فضل بن أبي سلمة والتونسي انتهى. وقال في الكبير: وما ذكره اللخمي قال ابن عبد السلام: هو مذهب جميع الشيوخ لا أعلم منهم فيه خلافا، ونص على مثله فضل والتونسي انتهى. وما صدر به في الشامل هو قول محمد في الموازية. قال ابن عرفة: وقبله الشيخ والصقلي. وقال التونسي: الصواب على تسعة وتبعه اللخمي قائلا: قول محمد غلط. قال ابن عرفة: بل وجهه انصراف كل نوع ليمين حكما فيبطل ما أضيف منه لغيرها بالتشريك ويصح فيما بقي من قابلي التفريق لا العتق لامتناعه انتهى. وقال في التوضيح: وكان شيخنا يوجه قول ابن المواز بما معناه أن من قاعدة ابن المواز أنه لا يبتدئ كفارة من نوع الاول قبل أن يكمل الاولى انتهى. ثم قال في الشامل: وعلى الشاذيبني على تسعة من كل منهما ويبطل الثلث من كل كان شرك في كل مسكين إلا أن يزيد لمن وجده ثلثي مد فيعتد به انتهى. وقال في التوضيح: لو قصد التشريك في كل مسكين لم يصح له شئ اتفاقا إلا أن يعلم أعيان المساكين فيزيد كل واحد منهم ثلثي مد. انتهى ونقله في الكبير وهو في ابن عبد السلام. تنبيه: وأما الجمع بين الخصال الاربعة في الكفارة الواحدة فيستحب. قال القرافي في التنقيح في الفصل السادس من الباب الرابع الفائدة الثالثة: الاشياء المأمور بها على الترتيب أو على البدل قد يحرم الجمع بينهما وذكر أمثلة ذلك ثم قال: وقد تستحب كخصال الكفارة في الظهار من المرتبات وخصال كفارة الحنث مما شرع على البدل انتهى. قال في شرح التنقيح إثر هذا الكلام: وكفارة الظهار مرتبة وكفارة حنث اليمين مخير فيها على البدل، والكل يستحب الجمع بين خصالها من العتق والكسوة والاطعام والصيام لانها مصالح وقربات تكثر وتجتمع وإن كان بعضها إذا انفرد لا يجزئ عن المرتبات انتهى. ص: (وهل إن بقي تأويلان) ش: هما قولان.

[ 421 ]

قال ابن عرفة: وفي شرط البناء عليه بقيامه قولان: لاحمد بن خالد زاعما أنه ظاهرها، وعياض مع الاكثر وإن قول أحمد بن خالد بظاهرها. قال ابن عرفة: قلت بنصها إجزاء الغداء والعشاء انتهى. قلت: في كلام عياض ما يدل على أنه إنما رد عليه بمسألة الغداء والعشاء خلاف ما يعطيه كلام ابن عرفة أنه هو المراد به فتأمله والله أعلم. ص: (وأجزأت قبل حنثه) ش: هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة لكنه استحب كونها بعده قاله في التوضيح. ص: (ووجبت به إن لم يكره)

[ 422 ]

ش: مفهوم قوله يكره أن عدم الاكراه يحنث فيه مطلقا وأما مع الاكراه فلا يحنث بالبر ويحنث إن كان على حنث. قال في مختصر قواعد القرافي في القاعدة السادسة قواعد الايمان. تنبيه: إذا قلنا بأن الاكراه على الحنث يمنع من لزوم موجب اليمين فأكره على أول مرة من الفعل ثم فعله مختارا يحنث. قاله ابن أبي زيد وهو مقتضى الفقه بسبب أن الاكراه لم يندرج في اليمين فالواقع بعد ذلك بالاختيار هو أول مرة صدرت من مخالفة اليمين والاولى لا عبرة بها. ومثل هذه المسألة إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وكلم زيدا لم يلزمه بهذا الكلام طلاق، فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله انتهى.

[ 423 ]

فرع: إذا حلف على غيره ليفعلن فأكرهه على الفعل فقال في كتاب العتق من المدونة: لا يبر إلا أن ينوي ذلك يعني أنه يفعل ذلك الفعل طائعا أو مكرها، وإن لم ينو فيمينه محمولة على الطواعية وإنما يصدق في نيته إذا جاء مستفتيا. وهل له أن يكره المحلوف عليه على الفعل ؟ إن كان ملكا له فله ذلك وإلا فليس له أن يكرهه ولو زوجة. قال أبو الحسن: فإن أكره زوجته عصى وبرأ نظره فيه، وأما إذا حلف على غيره لا يفعل فأكره الغير على الفعل فذكر ابن عرفة فيه في باب الايمان قولين فانظره والله أعلم. ص: (وعتقه) ش: فإن لم يكن في ملكه شئ فقال الباجي: يلزمه عتق رقبة، وقال ابن زرقون: هذا غير معروف. وقبل ابن عرفة كلام ابن زرقون وقال في التوضيح: فيه نظر لقوله في الجواهر عن الطرطوشي إن المتأخرين أجمعوا على أنه إن لم يكن له رقيق فعليه عتق رقبة انتهى. وقال في الشامل: بت من يملكه حين حلفه من زوجة ومملوك وصفة بثلثه ومشى في نسك انتهى. وقال في التوضيح الباجي: وإن لم يكن عنده امرأة أو مملوك لم يلزمه فيمن يتزوج في المستقبل ولا من يشتريه في المستقبل وعليه عتق رقبة لا أكثر انتهى. ص: (وزيد في الايمان تلزمني صوم سنة) ش: تصوره ظاهر. ونقل البرزلي في مسائل الايمان عن ابن الحاج فيمن حلف بأيمان المسلمين تلزمه، إنه يلزمه ما يلزم في الايمان اللازمة. قال البرزلي: قلت: أما إلزامه يعني ابن الحاج في أيمان المسلمين ما يلزم في الايمان اللازمة فقد رأيت لابن علو أن أحد المفتيين بتونس أنه لا يلزمه فيها إلا ثلاث كفارات، لان أيمان المسلمين الجارية الجائزة هي الايمان بالله تعالى ويأتي الكلام عليها انتهى. ص: (إن اعتيد حلف به) ش: تصوره ظاهر.

[ 424 ]

مسألة: قال البرزلي: وسئل السيوري عمن يقول المشي إلى مكة لا فعلت ولا يريد بها اليمين فهل عليه يمين أم لا ؟ فأجاب: إذا قصد ما وصفت ولم يزد على المشي لا شئ عليه. قلت: إن لم تتقرر عادة أو نوى عدم اليمين فواضح، وأما إن تقررت عادة باللزوم وهو قصد الحالفين فإنه يلزمه. وكذا كان شيخنا يقول: فيمن قال: الصوم يلزمه أنه يلزمه سنة إلا أن ينوي غير ذلك لان عادة الحالفين جرت بذلك، وأما لو قال: المشي إلى مكة يلزمني أو صوم العام يلزمني ونوى فريضة الحج وصوم رمضان فلا يلزمه شئ وهو توريك إلا أن يكون استحلفه أحد وقلنا: اليمين على نية المستحلف فيلزمه وفيه خلاف كثير مشهور. ص: (والامة) ش: يريد إذا نوى بذلك العتق. قال في الشامل: ولا يحرم غيرها يعني الزوجة ولو أمة إلا أن ينوي عتقها. ص: (وتكررت إن قصد تكرر الحنث) ش: يعني أن من حلف أن لا يفعل فعلا ففعله فإنما يحنث بفعله مرة واحدة ثم لا كفارة عليه فيما بعد ذلك إلا أن يكون قصد تكرر الحنث كلما فعله فيتكرر عليه الحنث. قال ابن عرفة: وحنث اليمين يسقطها ولذا لا يتعدد ما يوجبه الحنث بتكرر موجبه إلا بلفظه أو نية أو عرف انتهى. فهذه المسألة ليست من تكرر اليمين بخلاف ما يأتي.

[ 425 ]

تنبيه: فهم من قول ابن عرفة حنث اليمين يسقطها أنه لو فعل المحلوف عليه ولم يحنث كما لو أكره على ذلك الفعل، وقلنا: لا يحنث ثم فعله مرة ثانية فإنه يحنث كما تقدم عن القرافي عند قول المصنف: ووجبت به إن لم يكره ببر. ص: (أو كان العرف كعدم ترك الوتر) ش: ذكر ابن رشد في ذلك قولين ولم يرتض ابن عرفة ذلك والله أعلم. ص: (أو نوى كفارات) ش: يعني أنه كرر اليمين ونوى أن يكرر الكفارات فإنها تكرر

[ 426 ]

عليه. ص: (أو دل لفظه بجمع) ش: لعله يشير بذلك إلى من قال: إن فعلت كذا فعلي أربعة أيمان ونحو ذلك كما ذكره في التوضيح وغيره، أو على عشر كفارات أو عهود كما قاله ابن الحاجب والله أعلم. ص: (ووالله ثم والله وإن قصده) ش: يعني أن الحالف بالله أو بشئ من أسمائه أو صفاته إذا كرر اليمين على ذلك الشئ بعينه فإنما عليه كفارة واحدة. قال ابن عرفة: وتتعدد الكفارة بتكرير اليمين على واحد بالشخص بنية تعدد الكفارة وتتحد بنية التأكيد وإلا فطريقان. ابن رشد: لا تتعدد عند مالك وأصحابه بالله في والله ثم والله ثم والله. اللخمي: ولو في مجالس. وقاله محمد وأرى تعددها. وقال ابن عبد الحكم: تتعدد في والله ووالله وتتحد في والله والله ثم قال: وتكرير المقسم به دون المقسم عليه وتكريرهما معا سواء، وتتعدد في تكرير النذر المبهم عطفا وغيره ولو معلقا على معين ولو قبل ذكره

[ 427 ]

كعلي نذر ونذر إن كلمت زيدا ما لم ينو الاتحاد ثم قال: وفي تعددها بتكرير الصفة المختلفة اللفظ ثالثها إن تغايرت انتهى. قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: والمشهور عدم التكرر. ثم قال ابن عرفة: وفي تكرير الحلف بالله موصوفا بصفات متغايرة كفارة واحدة ثم قال: وتتعدد في ذكر الصفة مع الذات كوالله وعزته، وفي اليمين مع النذر كقول محمد: والله لا فعلت كذا أو علي نذر كفارات انتهى. وقال ابن عبد السلام: أما إذا كان اللفظ من الاسماء واللفظ الثاني من الصفات فالحكم تعدد الكفارة اه‍. وقال في الشامل: ولزمه ثلاث كفارات في القرآن والمصحف والكتاب، وكفارتان في والعزيز وعزة الله انتهى. ص: (ولا أكلمه غدا وبعده ثم غدا) ش: قال ابن عرفة: ويتعدد موجب الحنث كفارة أو غيرها بتعدد اليمين مع تغاير متعلقها ولو بكونه جزء من الاجزاء ولازما مساويا على رأي انتهى. فصل في تخصيص النية ص: (وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت) ش: لما فرغ رحمه الله من الكلام على حد اليمين وصيغتها واليمين الموجب للكفارة وأنواع الكفارة وتكريرها واتحادها، أتبعه بالكلام على مقتضيات البر والحنث فذكر من ذلك خمسة أمور: الاول: النية. الثاني: البساط. الثالث: العرف القولي. الرابع: المقصد اللغوي. الخامس: المقصد الشرعي. وبدأ بالكلام على النية فقال: وخصصت نية الحالف الخ. يعني أن النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها. قال في الجواهر: النية تقيد المطلقات وتخصص العمومات إذا صلح لها اللفظ، نقله في الذخيرة.

[ 428 ]

ومعنى كون اللفظ صالحا لها كما قال ابن عبد السلام: أن لا يكون اللفظ صريحا فيما نواه الحالف، ولو كان كذلك لما افترق الحكم فيه بين ما يكون الحالف فيه على نية وبين ما لا يكون كذلك بل لا بد أن يكون اللفظ محتملا لما نواه ولغيره انتهى. قال القرافي: الفرق الثامن والعشرين والمائة: اعلم أن الالفاظ نصوص وظواهر، فالنصوص لا تقبل المجاز ولا التخصيص، والظواهر هي التي تقبلها. والنصوص قسمان: الاول: أسماء الاعداد كالخمسة والعشرة فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة ولا غيرها من مراتب الاعداد فهذا هو المجاز، وأما التخصيص فلا يجوز أن تقول: رأيت عشرة ثم تبين بعد ذلك مرادك بها وتقول: أردت خمسة فإن التخصيص مجاز أيضا لكنه يختص ببقاء بعض المسمى والمجاز قد لا يبقى معه من المسمى شئ كما تقول: رأيت إخوتك ثم تقول بعد ذلك: أردت بإخوتك نصفهم فهذا تخصيص، والمجاز الذي ليس بتخصيص أن تقول: أردت بإخوتك مساكنهم فليس المساكن بعض الاخوة فلم يبق من المسمى شئ، فالمجاز أعم من التخصيص. القسم الثاني من النصوص: الالفاظ التي هي مختصة بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فإنه لا يجوز استعمالهما في غير الله ألبتة إجماعا. فلو قال: والله والرحمن لا فعلت كذا وقال: أردت بلفظ الجلالة والرحمن غير الله عزوجل وعبرت بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله تعالى من باب إطلاق الفاعل على أثره والحلف بالمخلوق لا يلزم به كفارة هل تسقط عنه الكفارة ؟. قلت: ظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث، وأن هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما في غير الله، وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا، فهذا الامتناع شرعي والامتناع في الاعداد لغوي انتهى. وقوله: إن نافت أصله نافيت فتحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم حذفت الالف لالتقاء الساكنين كما في ساوت ومعناه أن من شرط النية المخصصة أن تكون منافية أي مخالفة لمقتضى اللفظ بمعنى أن يكون لفظ الحالف يقتضي ثبوت الحكم لصور والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم عن تلك الصور. قال القرافي في الفرق التاسع والعشرين: من شرط المخصص أن يكون منافيا للمخصص ومتى لم تكن النية منافية لم تكن مخصصة، وكذلك المخصصات اللفظية إذا لم تكن معارضة لا تكون منافية انتهى. وهذا إنما هو في المخصصة لا في المقيدة كما يفهم من كلام المصنف. قال في الذخيرة: تنبيه: سئل الحالف باللفظ العام فإن قال: أردت بعض أنواعه لا يلتفت لنيته ويعتبر عموم لفظه لان هذه النية مؤكدة للفظ في ذلك النوع غير صارفة له عن بقية الانواع ومن شرط المخصصة أن تكون صارفة. فإن أردت إخراج ما عدا هذا النوع حملت يمينه على ما بقي بعد الاخراج ومن شرط النية المخصصة أن تكون منافية لمقتضى اللفظ بخلاف المقيدة وقاله الائمة،

[ 429 ]

وهذا مقام لا يحققه أكثر مفتي العصر انتهى. وقال المقري في قواعده إثر نقله لهذا الكلام: قلت: شرط التخصيص منافاة حكم الخاص للعام وإلا فهو تقييد. فإذا قال الله عزوجل: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * فإن قلنا: بعمومه يتناول المسفوح وغيره ولا يختص بقوله: * (دما مسفوحا) * لموافقته له خلافا لابي ثور. وإن قلنا: بإطلاقه تقيد فمن ثم جاء القولان في تحريم الدم غير المسفوح انتهى. وقال في لباب اللباب القاعدة السابعة: الفرق بين النية المؤكدة والمخصصة، فالمؤكدة هي الموافقة لمدلول اللفظ والمخصصة منافية مثل أن يقول: والله لا لبست ثوبا ونوى كتانا. قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: الفقهاء يفتون أنه لا يحنث إلا بالكتان، والصواب أن يقال: يحنث في الكتان باللفظ والنية لان النية هنا مؤكدة ويحنث في غيره بعموم اللفظ، وإن استحضر غير الكتان في نيته ونوى إخراجه عن عموم اللفظ لم يحنث به لان النية حينئذ مخصصة لان من شرط المخصص أن يكون منافيا انتهى. وقال ابن عبد السلام المالكي: تقييد المطلق لا يلزم منه مخالفة الظاهر، لان المقيد يستلزم المطلق بخلاف تخصيص العام فإنه يلزم منه مخالفة الظاهر لان الدليل اللفظي يقتضي ثبوت الحكم لصورة أو صور والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم عن تلك الصور انتهى. فتبين مما ذكرناه أن المنافاة إنما هي شرط في المخصصة لا في المقيدة، ومفهوم قوله: إن نافت أنها إن لم تناف تخصص وهو كذلك وهو النية المؤكدة وهو معنى قول ابن عبد السلام. ولا خفاء أن النية إن كانت موافقة لظاهر اللفظ أنها مقبولة في القضاء والفتيا انتهى. وهو معنى قول ابن عرفة والنية إن وافقت ظاهر اللفظ اعتبرت اتفاقا انتهى. وقوله: وساوت يعني إذا قلنا: من شرط النية المخصصة أن تكون منافية فمن شرطها أيضا أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على حد السواء لان المنافية على أربعة أوجه: الاول: أن تخالف النية ظاهر اللفظ بأشد من مدلوله كمن حلف لا يأكل زيتا فيقول أردت سائر الادهان. الثاني: أن تخالف ظاهر اللفظ ويكون قصد مخالفتها اللفظ وقصد عدم مخالفتها له سواء، أي يمكن أن يقصد باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه أراده، ويمكن أن لا يقصد على حد السواء كما ذكر ابن غازي. الثالث: أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح القريب من التساوي. الرابع: أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح البعيد جدا. فقال المصنف: من شرط النية المخصصة أن تكون منافية كما تقدم، ومن شرطها أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على السواء كما تقدم، فإذا كانت كذلك فتكون مخصصة وتقبل في القضاء والفتيا. وهذا يفهم من إطلاق المصنف هنا وتقييده في الوجه الثالث أعني الثاني في كلامه بقوله إلا لموافقة. تنبيهان: الاول: قال ابن بشير: لكن يستظهر عليه بيمين أنه أراد ما ادعاه إن نواه. قال ابن عبد السلام: هو مما تتردد فيه الاشياخ وهو من أيمان التهم، والاقرب هنا توجهها احتياطا

[ 430 ]

لحق الله انتهى. هذا لا يفهم من كلام المصنف. وذكر في البيان في رسم العتق من سماع أشهب أن النيية إن كانت محتملة ولم يشهد لها ظاهر الحال ولا دليل عرف ولا مقصد ولم تكن مخالفة لظاهر اللفظ وكانت مما يحكم به ولم يأت مستفتيا أنه يلزمه اليمين قال: وأما إن شهد للنية ظاهر الحال أو دليل من العرف فإن اليمين تسقط، وإن كانت مخالفة لظاهر اللفظ فلا يصدق فيها بيمين ولا بغير يمين. هذا إذا لم يأت مستفتيا، أما إذا أتى مستفتيا أو كانت يمينه مما لا يحكم عليه بها فينوي فيما نواه دون يمين، وإن كانت نيته التي نوى خلاف ظاهر لفظها انتهى. ودخل في الوجه الاول من الاربعة في كلام المؤلف بالاحروية أعني قوله يقبل في القضاء والفتيا. الثاني: قال القرافي في التنقيح العام: هو اللفظ الموضوع لمعنى كلي بقيد يتبعه في محاله نحو * (اقتلوا المشركين) * وقال في الشرح: أي يتبعه بحكمه في محاله إما وجوبا أو تحريما أو إباحة، وبهذا يخرج المطلق فإن المطلق لا يتبع بل يقتصر به على فرد انتهى. وقال في جمع الجوامع: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر، فقوله: يستغرق الصالح له يعني أنه يتناول جميع ما يصلح له دفعة وبهذا يخرج المطلق. وقوله: من غير حصر ليخرج به اسم العدد من حيث الآحاد فإنه يستغرقها بحصر كعشرة. ثم قال القرافي: والمطلق هو اللفظ الموضوع لمعنى كلي نحو رجل، والمقيد هو الذي أضيف إلى مسماه معنى زائد عليه نحو رجل صالح انتهى. وقال في جمع الجوامع: المطلق الدال على الماهية بلا قيد انتهى. فعند القرافي أن النكرة والمطلق سواء وهكذا قال الآمدي وابن الحاجب، وعند السبكي أن اللفظ في المطلق والنكرة واحد، والفرق بينهما بالاعتبار. فإن اعتبرت في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد سمي مطلقا واسم جنس، وإن اعتبرت دلالته على الماهية مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة. قال السبكي: وعلى الفرق بينهما أسلوب المنطقيين والاصوليين والفقهاء حيث اختلفوا فيمن قال لامرأته إن كان حملك ذكرا فأنت طالق فكان ذكرين، فقيل: لا تطلق نظرا للتنكير المشعر بالتوحيد، وقيل: تطلق حملا على الجنس والله أعلم. فإن قيل: قد ذكرت عن القرافي وابن راشد أن الحالف لا ألبس ثوبا ونوى كتانا أنه يحنث بالكتان باللفظ والنية ويحنث في غيره بعموم اللفظ، فلم لم يجعلوا هذه النية مقيدة والمصنف قد قال: إن النية تقيد ؟ فالجواب أن لفظ الثوب هنا ليس مطلقا بل هو عام لكن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، فالنية هنا إنما هي مخصصة لا مقيدة ومن شرط المخصص أن يكون منافيا والله أعلم. ص: (في الله وغيرها كطلاق) ش: أشار به إلى أنه لا فرق في اليمين التي خصصت بما تقدم بين أن يكون بالله أو

[ 431 ]

بالصيام أو بالصدقة، ولاجل الخلاف الذي في الطلاق والعتاق هل يسميان يمينا حقيقة أو مجازا أتى بقوله: كطلاق فهو تمثيل لقوله: وغيرها ومثل الطلاق العتق. ثم مثل للنية المنافية المتساوية الاحتمال بفرع من فروعها وأدخل عليه كاف التشبيه ليعم بقية الفروع فقال: ص: (ككونها معه في لا يتزوج حياتها) ش: ويشير به إلى ما قال ابن يونس ونصه: قال ابن المواز: وأما ما يقبل فيه قوله في القضاء والفتيا مثل أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج في حياتها أو يكون ذلك شرطا في نكاحها فتبين منه ثم يتزوج ويقول: نويت ما كانت تحتي فيصدق. ومثل الذي يعاتبها زوجها في دخول بعض قرابتها إليها فتحلف بالحرية لا دخل علي أحد من أعلى، فلما مات قالت: نويت ما كان حيا فذلك لها في القضاء وإن قامت عليها بينة. ابن يونس: وكذلك مسألة العاشر والذي يعجب من عمل عبده فيقول: ما أنت إلا حر، وذلك مذكور في كتاب العتق انتهى. قال في كتاب العتق الاول من المدونة: ومن يعجب من عمل عبده أو من شئ رآه منه فقال له: ما أنت إلا حر أو قال له تعال يا حر ولم يرد بشئ من ذلك الحرية وإنما أراد تعصيني فأنت في معصيتك إياي كالحر فلا شئ عليه في القضاء ولا في الفتيا. وقال مالك في عبد طبخ لسيده طبيخا فأعجبه صنعه فقال له: أنت حر وقامت بذلك بينة أنه لا شئ عليه لان معنى قوله: أنت حر الفعل. ولو مر على عاشر فقال: هو حر ولم يرد بذلك الحرية فلا شئ عليه فيما بينه وبين الله، وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضا إذا علم أن السيد دفع بذلك عن نفسه ظلما انتهى. وقال في البيان في مسألة الحالفة لا دخل عليها أحد من أهلها في سماع ابن القاسم في رسم سلعة سماها من كتاب الايمان: إن طلاقها منه بمنزلة موته عنها. ثم قال في أثناء المسألة: قيل لمالك: أرأيت إن لم تحضرها نية ؟ قال: أحب إلي أن تأخذ في ذلك بالاحتياط وأن لا يدخلهم عليها. قال ابن رشد: إذا لم تكن لها نية فالواجب أن تنظر إلى ما جر بيمينها من عتاب زوجها إياها، فإن كان إنما عاتبها لعصيانها إياه في أن تدخلهم بيتها وهو يكرههم ويشاررهم فلا حنث عليها في إدخالها إياهم عليها بعد موته أو طلاقه، وإن كان إنما عاتبها لما كره لها من مخالطتها إياهم فهي حانثة إن أدخلتهم بعد موته أو طلاقه، وإن لم يتحقق أحد الوجهين كان الاستحباب أن تأخذ بالاحتياط كما قال مالك انتهى. فرع: يتعلق بمسألة الحالف لزوجته بطلاق من يتزوج في حياتها. قال ابن رشد في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق: ولو لم يكن المحلوف بها زوجة له فقال: إن تزوجت ما عاشت فلانة فكل امرأة أتزوجها طالق، ثم أراد أن يتزوج

[ 432 ]

قبل أن تموت وقال: أردت ما عاشت وكانت زوجة لفلان أو ما أشبه ذلك لم ينو في ذلك مع قيام البينة عليه، ولم يكن له أن يتزوج ما عاشت إلا أن يخاف على نفسه العنت انتهى. ثم لما فرغ المصنف من الوجه الثاني أتبعه بالكلام على الوجه الثالث وإن أدخل عليه الكاف فقال: ص: (كأن خالفت ظاهر لفظه) ش: ليفيد أنه كالثاني في جميع أحكامه في كونه يقبل في الفتيا وغيرها في اليمين بغير الطلاق والعتق وفي اليمين بالطلاق والعتق إذا لم تكن مرافعة ولا إقرار، وهذا الوجه هو الذي تخالف النية فيه ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح القريب من التساوي، ثم ذكر له أمثلة أشار إلى الاول منها بقوله: ص: (كسمن ضأن في لا آكل سمنا) ش: ويريد بذلك ما قال ابن يونس ولو حلف لا يأكل سمنا، وقال: نويت سمن ضأن، أو حلف لزوجته في جارية له إن كان وطئها وهو يريد بقدمه فله نيته في هذا في الفتيا دون القضاء انتهى. وأشار إلى المثال الثاني بقوله: ص: (أو لا أكلمه) ش: يعني أن من حلف لا أكلم فلانا ثم كلمه بعد ذلك وقال: نويت شهرا فله نيته في الفتيا دون القضاء، ويشير به إلى ما قال ابن يونس ونصه: قال ابن المواز: وأما ما يقبل منه في الفتيا دون القضاء فهو كل من حلف أن لا يفعل شيئا ولم يذكر تأبيدا ثم قال: نويت شهرا أو حتى يقدم فلان، وذلك أنه أظهر يمينا تدل على التأبيد وادعى ما يقطع التأبيد فيصدق في الفتيا ولا يصدق في القضاء انتهى. ومثله كما قال ابن عبد السلام ما قال في المدونة: ومن حلف بطلاق أو عتق أن لا يشتري ثوابا فاشتراه وشيئا أو صنفا سواه وقال: نويت ذلك الصنف، أو حلف أن لا يدخل هذه الدار ثم دخلها بعد شهر وقال: أردت شهرا، فله نيته في الفتيا لا في القضاء إن قامت عليه بينة انتهى. وأشار إلى المثال الثالث بقوله: ص: (وكتوكيله في لا يبيعه ولا يضر به) ش: يعني أن من حلف لا يبيع عبده فأمر غيره وقال: نويت بنفسي، أو حلف لا ضرب عبده فأمر غيره فضربه وقال: نويت بنفسي، فله نيته في الفتيا دون القضاء على أحد التأويلين الآتيين على المدونة. قال في كتاب النذور منها: وإن حلف لا ضرب عبده فأمر غيره فضربه حنث إلا أن ينوي بنفسه، وإن حلف ليضربنه فأمر غيره فضربه بر إلا أن ينوي بنفسه، وإن حلف أن لا يبيع سلعة فأمر غيره فباعه له حنث ولا يدين. وقال قبله: ومن حلف أن لا يشتري عبدا فأمر غيره فاشتراه له حنث انتهى نصها. قال ابن يونس: قال ابن المواز: إذا كانت له نية في الشراء أو البيع أن لا يليه لانه قد غبن غير مرة فله نيته، وأما إن كره شراءه أصلا فقد حنث وقاله أشهب ولم ينوه ابن القاسم انتهى. وفي التبصرة قال فيمن حلف ليضربن عبده فأمر من ضربه بر، وإن

[ 433 ]

حلف لا يضربه فأمر من ضربه حنث إلا أن ينوي أن لا يضربه بنفسه، وإن حلف أن لا يبيعه فأمر من باعه حنث ولم ينو. وقال محمد: ينوي فنواه في الضرب إذا أمر من ضربه لان من السادات من يطمن عبده بمثل ذلك لئلا يهرب أو غير ذلك من العذر، وأرى أن ينوي في البيع إن قال: خفت ذهابه فأمنته بمثل ذلك، ولو حلف في سلعة لا باعها لم ينو إذا كانت اليمين بالطلاق أو بما يضى به عليه إلا أن يبين لذلك وجها. قال في التوضيح: وإلى هذا أشار التونسي وتأول مسألة البيع على أن يمينه كانت بما يقضى عليه فيه بالحنث فإنه قال: وإن حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه بر، لان الناس إنما يقصدون بهذا إيلام العبد لا أنه يضربه بيده، وإن حلف لا ضربته فأمر غيره فضربه حنث لان القصد الايلام وقد وجد، وإن حلف لا باع ولا اشترى فأمر غيره ففعل فقال: يحنث، ولعله يريد إذا كانت يمينه بالطلاق وعليه بينة وإن كان ظاهر المدونة خلافه انتهى. وحكى في التنبيهات عن بعضهم أنه جعل ما قاله في البيع مخالفا لما قاله في الضرب والاول أظهر والله أعلم. انتهى كلام التوضيح، وهذان التأويلان المشار إليهما أولا. فروع: الاول: إذا قال: والله لاعتقن عبيدي وقال: أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي دوابي أو أردت بالعتق بيعها، أفاده ذلك لانه استعمل العبيد مجازا في الدواب والعلاقة الملك في الجميع، واستعمل العتق مجازا في البيع والعلاقة بطلان الملك فهذا تفيده فيه النية والمجاز. الثاني: إذا قال: والله لاعتقن ثلاثة عبيد ونوى أنه يبيع ثلاثة دواب من دوابه لصح. الثالث: إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا وقال: أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولادة أفاده ذلك ولم يلزمه طلاق في الفتيا ولا في القضاء وإن لم تقم عليه بينة أو قامت عليه بينة لكن هناك من القرائن ما يعضده وإلا لزمه الطلاق الثلاث في القضاء دون الفتيا. قاله القرافي في الفرق الثامن والعشرين والمائة. ومن أمثلة ذلك أيضا إذا قال: نسائي طوالق وله أربع نسوة وقال: أردت فلانة وفلانة وفلانة ولم أرد الرابعة، فنص ابن بشير في مسائل الحبس من نوازله على أنه يصدق إذا جاء مستفتيا، وأما إذا قال: جميع نسائي فلا ينوي إلا أن يقول: قد استثنيت فقلت: إلا فلانة أو نويت إلا فلانة على الخلاف في الاستثناء بالنية، وقد ذكرت كلامه في باب الطلاق والمشهور أن الاستثناء لا يفيد إلا بحركة اللسان إلا أن يعزل واحدة منهن من أول الامر فيكون ذلك من باب المحاشاة. ومن أمثلة ذلك أيضا ما نقله في التوضيح عن ابن المواز ونصه: قال ابن المواز: إذا قال لزوجته: أنت طالق أو أنت طالق ألبتة إن راجعتك ثم أراد أن يتزوجها بنكاح جديد وقد خرجت من العدة وقال: إنما نويت ما دامت في العدة، فإن كانت على يمينه بينة لم أدينه، وإن لم تكن عليه بينة دينته وقال: وقيل: إنما معنى هذا إذا

[ 434 ]

جاء مستفتيا بلا مخامصة ولا مرافعة، وأما إذا جاءت المرافعة فسواء كان على أصل يمينه بينة أو لم تكن والاقرار كالبينة. وكذلك من قال حليمة طالب وله زوجة وجارية يسميان بذلك وقال: نويت جاريتي فله نيته في الفتيا، وأما في القضاء فإن قامت عليه بينة أو حلف به على وثيقة حق فلا تنفعه نيته، وأكثر هذا في المدونة. انتهى كلام ابن المواز، انتهى كلام التوضيح. ص: (إلا لمرافعة أو بينة أو إقرار في طلاق أو عتق فقط) ش: هذا مستثنى من قوله: إن خالفت. ظاهر لفظه كما تقدم التنبيه عليه والمعنى أن النية المخالفة لظاهر اللفظ القريبة من التساوي تفيد إلا إذا كانت اليمين بغير الطلاق والعتاق المعين أو بهما وجاء مستفتيا، وأما إن حصل مرافعة مع بينة أو مع إقرار فلا تفيد قالوا: وفي قوله وبينة بمعنى مع. ص: (واستحلف مطلقا في وثيقة حق) ش: هذا معطوف على ما استثناه يعني وكذلك لا تنفعه نيته إذا كان مستحلفا في وثيقة حق، وسواء كان الحلف بالله أو بغيره، وهذا مراده بالاطلاق لان اليمين في هذه الحالة على نية الحالف له. قال في التوضيح: مثال اليمين الذي على وثيقة حق كما لو استحلف من عنده وديعة وأنكرها وحلف ما له عندي وديعة ونوى حاضرة معه، وكما لو عقد النكاح على أنه إن تسرى على زوجته فعليه التصدق بثلث ماله ثم تسرى عليها حبشية وقال: نويت من غير جنس الحبش فلا تفيده تلك النية، ونحوه البيع والاجارة وسائر العقود، وكذا من له دين على غريم فطالبه فطلب الغريم التأخير وحلف ليقضينه إلى أجل فاليمين على نية الطالب لا على نية الغريم. وحكى صاحب المقدمات وابن زرقون الاجماع على أن النية لا تنفع إذا اقتطع بها حق الغير للحديث الصحيح من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار. قالوا: وإن كان يسيرا يا رسول الله قال: وإن كان قضيبا من أراك وإن كان قضيبا من أراك وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاث مرات. انتهى باختصار بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. وما حكاه عن ابن زرقون من الاجماع خلاف ما حكاه الشيخ بهرام في الوسط عنه فإنه حكى عنه قولين فتأمله. ومفهوم قوله: وثيقة حق أنها لو لم تكن وثيقة حق تنفعه وهو كذلك إن كان اليمين بالله، وإن كانت بغير الله فثلاثة أقوال نقلها ابن الحاجب. قال في التوضيح: الاول: أن اليمين على نية المحلوف له رواه ابن القاسم عن مالك وبه قال ابن وهب وسحنون وأصبغ وعيسى. والثاني: أنها على نية الحالف وهو قول ابن القاسم.

[ 435 ]

والثالث: التفصيل لابن الماجشون وسحنون إن كان مستحلفا فعلى نية المحلوف له، وإن كان متطوعا فعلى نية الحالف انتهى. قلت: ذكر في البيان في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النذور أن القول بأنها على نية الحالف إذا كان متطوعا بها لمالك وقال: إن عليه الاكثر. ونقل عن ابن ميسر أنه رجحه وقال: إنه الاجود. وانظر المسألة في أول سماع أشهب من الايمان بالطلاق وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فظاهر كلام المؤلف أنها على نية الحالف مطلقا، سواء كانت بالله أو بغير الله إذا لم تكن في وثيقة حق. واعلم أنه كان حق المصنف أن يقدم هذا الفرع على قوله: وخصصت لانه مرتب عليه لان النية إنما تخصص وتقيد وتقبل في القضاء والفتيا ولا تقبل اليمين إذا كانت على نيته. كذا قاله ابن الحاجب والله أعلم. ص: (لا إرادة ميتة وكذب في طالق وحرة أو حرام وإن بفتوى) ش: هذا هو الوجه الرابع وهو أن تخالف النية ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح البعيد من التساوي فلا تنفعه نيته لا في القضاء ولا في الفتيا مثاله: أن يقول: امرأتي طالق أو جاريتي حرة وقال: أردت زوجتي التي ماتت وأمتي التي ماتت، وقال ابن عبد السلام: وذلك لانه إما أن يريد الانشاء أو الخبر وكل واحد منهما لا يصح إرادته في الميتة.

[ 436 ]

أما الانشاء فلانه يستدعي وجود محل يلزم فيه الطلاق والحرية والتي ماتت لا تصلح أن تكون محلا للطلاق ولا للحرية، وأما الاخبار فلانه إخبار بما لا يفيد فوجب صرفه لمن هي تحته الآن أو لمن هي في ملكه الآن. انتهى بالمعنى. وكذلك لا يصدق في إرادة الكذب فيما إذا قال لزوجته: أنت حرام وقال: أردت الكذب قال ابن عبد السلام: لان لفظه ظاهر في الانشاء بين الظهور ولا يحتمل الخبر إلا على بعد وإن كانت صيغة الخبر والانشاء في هذا سواء، لان المتبادر في الزوجة إنما هو الانشاء لما كان الصدق والكذب من عوارض الخبر وجب أن لا يقبل منه أنه أراد الكذب. ويحمل على الانشاء. فقول المصنف: في طالق وحرة راجع إلى مسألة الميتة وقوله: أو حرام راجع إلى مسألة دعوى الكذب وما قاله في هذا الوجه نحوه في المدونة قال فيها في كتاب التخيير والتمليك: ولو حلف للسلطان طائعا بطلاق امرأته في أمر كذب فقال: نويت امرأتي الميتة فلا ينوي في قضاء ولا فتيا لانه قال: امرأتي وتطلق امرأته. وفيه أيضا: وإن قال: أنت حرام ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق وإنما أردت الكذب فالتحريم يلزمه ولا ينوي. وفي كتاب العتق منها: ومن قال لعبده: أنت حر أو امرأته أنت طالق وقال: نويت بذلك الكذب لزمه العتق والطلاق ولا ينوي. قال ابن القاسم: وقد سئل مالك عما يشبه هذا فلم يجعل له نية. فانظر أول سماع عيسى

[ 437 ]

من الايمان بالطلاق في مسألة قوله: أنت حرام فإن فيه ما يشبهها وذكر أنه ينوي فيها فتأمله. وما ذكرته في حل كلام المصنف وحمل قوله: نافت على ما تقدم هو الذي يظهر من عبارته في هذا المحل، وضعه ابن غازي وقال: لو لم يكن في هذا من التكلف الا استعمال المنافاة التي هي المضادة في مثل هذا المعنى لكان كافيا في قبحه وحمل الكلام على وجه آخر. قلت: أما استعمال المنافاة في هذا المعنى فلا قبح فيه كما تقدم، واستعماله في عبارة القرافي وابن راشد وغيرهما في هذا المحل. نعم كلام المصنف رحمه الله يقتضي أن هذا التفصيل يأتي في المقيدة ولم أر من ذكره فيها، بل تقدم أنه لا يشترط في المقيدة وحينئذ فلا يتأتى فيها هذا التفصيل بل يقال: هو عائد عل المخصصة والله أعلم. وما حملنا عليه كلام المصنف هو أوضح مما حمله عليه ابن غازي. وبقي هنا احتمال آخر ولعل المصنف رحمه الله أراده لانه ظاهر كلامه في التوضيح وهو أن يكون قوله: إن نافت عائدا إلى قوله: خصصت كما تقدم، وقوله: ساوت راجع إلى قوله وقيدت، قال في التوضيح: وتتصور المساواة في تقييد المطلق وتعيين أحد محامل المشترك. ابن راشد: مثال الاول أن يقول: أحد عبيدي حر ويقول: أردت فلانا، ومثال الثاني أن يقول: عائشة طالق وله زوجتان اسم كل منهما عائشة انتهى. وليس منه أي من المساواة ما إذا قال: حكمة طالق وله زوجة وأمة اسم كل منهما حكمة، لان هذا مما خالف فيه اللفظ ظاهر النية فلا يقبل منه في القضاء وإن قامت عليه بينة أو أقر. كذا قال ابن يونس وتقدم بيانه، وجعله الشيخ بهرام في شروحه الثلاثة وفي شامله من فروع المساواة بهذا المعنى الثاني وقال: إنها مقبولة في القضاء والفتيا وليس كذلك بل إنما تقبل نيته في الفتيا لا في القضاء كما قاله ابن يونس عن ابن المواز ونقله عنه ابن عرفة

[ 438 ]

والله أعلم. ولنرجع إلى بقية كلام المصنف، فظهر معنى قول المصنف: وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت أي فإذا كانت مخصصة ومقيدة قبلت في القضاء والفتيا وهذا مفهوم من إطلاقه كما تقدم. وأتى بقوله: ككونها معه ليفيد أن التخصيص إنما هو إذا تساوى الاحتمالان كما نبه بقوله: لا إرادة ميتة على الاحتمال المرجوح البعيد جدا، وبقية الكلام على ما تقدم تقريره. قال في التوضيح: فهذه المسألة على ثلاثة أقسام: منها ما يقبل في الفتيا دون القضاء وهو ما خالفت النية فيه ظاهر اللفظ، ومنها ما يقبل في الفتيا والقضاء وهو ما إذا تساويا، ومنها ما لا يقبل في الفتيا ولا في القضاء وهو ما إذا قال امرأتي: طالق وأمتي حرة ويريد الميتة انتهى. مسألة: قال في كتاب الايمان والنذور من النوادر ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك فيمن سئل عن شئ فقال: علي فيه يمين وهو كاذب وإنما هو اعتذار فلا شئ عليه إلا في الطلاق والعتاق. وإن قامت عليه بينة قال عنه ابن وهب: وإذا جاء مستفتيا ولا بينة عليه دين ولا شئ عليه في الفتيا. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: ولا يصدق في القضاء إلا أن يكون أشهد قبل أن يقول ما قال أي إنما أقول ذلك معتذرا. قال ابن حبيب: ومن وجد امرأته قد خرجت فقال لها لم خرجت وقد كنت حلفت بطلاقك إن خرجت، ثم قال: ما حلفت وما قلت ما قلت إلا تغليظا عليها. قال: لا شئ عليه في الفتيا، وأما في الحكم فيلزمه الطلاق انتهى. وفي رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب النذور: وسئل عن الرجل يسأل عن الامر فيقول فيه علي صدقة أو مشى وهو كاذب إنما أراد بذلك أن يمنعه قال: لا شئ عليه إنما يكون ذلك عليه في العتق والطلاق يعني إذا قامت عليه بينة. قال ابن رشد: هو كما قال: إن ما لا يحكم عليه به فهو موكول إلى أمانته وحسابه على الله تعالى يوم تبلى

[ 439 ]

السرائر انتهى والله أعلم. ثم لما فرغ رحمه الله من المقتضى الاول الذي هو النية تكلم على المقتضى الثاني الذي هو البساط فقال: ص: (ثم بساط يمينه) ش: يعني فإن فقدت النية ولم يضبطها الحالف وكانت اليمين مما ينوي فيها فإنه ينتقل إلى البساط وهو السبب الحامل على اليمين وليس بانتقال عن النية في الحقيقة، وإنما هو لما كان مظنة النية عدل إليه تحويما على النية. قاله في التوضيح: والمعروف من المذهب تقديم البساط على غيره. فرع: لاجل تقديم البساط قلنا فيمن حلف لا يشرب له ماء لمن امتن عليه بما يأخذه منه أنه يحنث ولو بخيط يخيط به. قاله في التوضيح. فرع: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: لو من عليه بهبة شاة فحلف لا يأكل لبنها ولا لحمها حنث بما اشترى من ثمنها أكلا أو لباسا بخلاف غير ثمنها إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع منه بشئ انتهى. ثم لما فرغ من الثاني تكلم على الثالث الذي هو العرف القولي فقال: ص: (ثم عرف قولي) ش: وعطف بعضها على بعض بثم ليفيد أنها على الترتيب. ومعنى كلامه أنه إذا فقدت النية والبساط توصل إلى مراد الحالف من لفظه، والمشهور أنه يحمل على

[ 440 ]

العرف القولي أولا. ابن عبد السلام: لانه غالب قصد الحالف ولان كل متكلم بلغة يجب حمل كلامه على المعنى الذي يستعمل أهل تلك اللغة فيه ذلك اللفظ. وقوله: قولي احترازا من الفعلي تبعا منه رحمه الله للقرافي وغيره من لم يعتبر الفعلي. قال القرافي: العرف قسمان: فعلي وقولي والقولي قسمان: في المفردات والمركبات، وعرف المفردات قسمان: في بعض أفراد الحقيقة وأجنبي منها. فالفعلي هو غلبة ملابسه بعض أنواع مسمى اللفظ وهو غير مقدم على اللغة ولا معارض للوضع انتهى. قال في التوضيح: مثال الفعلي أن يحلف لا آكل خبزا وعادته أكل خبز البر فإنه يحنث بخبز الشعير والذرة وإن لم يأكله أبدا انتهى. ثم قال القرافي: والقولي في بعض أفراد الحقيقة كلفظ الدابة غلب استعماله في الحمار انتهى. هذا بمصر وبالعراق في الفرس وفي قفصة الانثى من الحمير. قاله ابن فرحون: قال القرافي: والاجنبي من الحقيقة نحو لفظ الغائط فإنه المكان المطمئن غلب استعماله في الفضلة الخارجة من الانسان وهي ليست بعض المواضع المطمئنة، وعرف المركبات كغلبة استعمال مركب مخصوص ومعنى مخصوص في سياق مخصوص حتى يصير أشهر فيه مما لا يقتضيه لغة كقول القائل لغريمه لاقضينك حقك في رأس الشهر في قصد عدم التأخير عن هذه الغاية دون التأخير إليها. ثم قال: وهذا القسم غير بساط اليمين فإن البساط حالة تتقدم الحلف، وهذا العرف يفهم من نفس اللفظ المركب مع الجهل بالحالة كيف كانت، فالعرف القولي كله مقدم على اللغة لانه غلبة استعمال اللفظفي غير المسمى اللغوي فهو ناسخ للغة، والناسخ مقدم على المنسوخ بخلاف الفعلي ليس معارضا للغة انتهى. وستأتي فروع في كلام المصنف تصلح أن تكون أمثلة ثم لما فرغ منه أشار إلى الرابع. ص: (ثم مقصد لغوي) ش: يعني إن فقدت النية والبساط والعرف القولي حمل اللفظ على مقتضاه لغة. قال القرافي: قال أبو الوليد: وهذا في المظنون، وأما المعلوم مثل قوله: والله لارينه النجوم في

[ 441 ]

النهار، فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة. انتهى والله أعلم. ثم لما فرغ من الرابع أشار إلى الخامس بقوله: ص: (ثم شرعي) ش: يعني إذا فقدت الاربعة المتقدمة حمل اللفظ على مقتضاه في الشرع. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وهذا إنما يصح إذا كان المتكلم صاحب الشرع، وكذلك إن كان الحلف على شئ من الشرعيات مثل أن تقول والله لاصلين أو لا أصلي، فهذا يحمل على الصلاة الشرعية لان الاطلاق العرفي يتناولها أيضا، ولو حلف ليتوضأ فالعرف الشرعي الذي تستباح به الصلاة والوضوء اللغوي قد يطلق على غسل اليدين فقط انتهى. فرع: قال في التوضيح في كتاب الوقف: قال ابن شعبان: إذا حلف لا يكلم رجال بني فلان يحنث إذا كلم صبيانهم انتهى والله أعلم. ص: (وحنث إن لم تكن له نية ولا بساط بفوت ما حلف عليه ولو لمانع شرعي أو سرقة لا بكموت حمام في ليذبحنه) ش: لما ذكر

[ 442 ]

رحمه الله مقتضيات البر والحنث من النية وما بعدها أخذ يذكر فروعا تنبني على تلك الاصول وهي في نفسها أيضا أصول. فمن ذلك إذا تعذر الفعل المحلوف عليه لفوات محله، وقاعدة المصنف في هذا الباب أنه إذا قال: وبكذا فيشير إلى ما يقع فيه الحنث، وإذا قال: لا كذا فيشير إلى ما لا يحنث فيه إلا أنه رحمه الله أجمل في كلامه بعض الاجمال لاجل الاختصار والمسألة فيها تفصيل. قال في التوضيح: اعلم أن من حلف ليفعلن شيئا فتعذر فعله، فإما أن يكون الفعل مؤقتا أم لا. ابن بشير: فإن كان الفعل غير مؤقت بأجل، فإن كان فرط حتى تعذر الفعل فلا خلاف أنه حانث، فإن بادر فلم يمكنه الفعل فكما لو كان مؤقتا انتهى. والمؤقت ينقسم تعذره إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون عقلا أو شرعا أو عادة. فالعقلي كتعذر ذبح الحمام المحلوف بذبحها لموتها إذا الذبح في الميت متعذر، فلا خلاف منصوص أنه لا يحنث. وخرج اللخمي قولا بالحنث من التعذر شرعا، وأما العادي فكما لو حلف ليذبحن الحمامات غدا فعطبت أو سرقت أو استحقت فذكر المصنف قولين ومذهب المدونة الحنث. وأما الشرعي فكما لو حلف ليطأنها الليلة فوجدها حائضا أو ليبيعن الامة فوجدها حاملا، وذكر المصنف فيه قولين ومذهب المدونة الحنث، ونص سحنون في مسألة البيوع على عدم الحنث. ووقع لابن القاسم وابن دينار فيمن حلف ليطأن امرأته الليلة فقام فوجدها حائضا إن فرط قدر ما يمكنه الوطئ حنث وإلا فلا، واختاره ابن حبيب وابن يونس. وإنما فرق ابن القاسم بين الموت والسرقة والبيع لان الفعل في الميت لا يمكنه ألبتة بخلاف السرقة والبيع. فإن الفعل يمكنه إذا مكن من ذلك ومنع الشرع منه أو العادة لا يمنع بعض الحالفين من قصده فلا يعذر بفعل السارق ونحوه، لان من أصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا يعذر بالاكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك. ابن بشير: وهذا الخلاف إنما هو إذا أطلق اليمين، وأما لو خص وقال: قدرت على الفعل أم لا فلا يختلف

[ 443 ]

في حنثه. ولو قال: إن أمكنني فلم أفعل فلا يختلف في نفي حنثه. فقول المصنف: وحنث إن لم تكن له نية ولا بساط يشير به إلى ما ذكره ابن بشير يعني وأما إن كانت له نية أو بساط فلا حنث، وأما إن لم تكن له نية ولا بساط حنث بفوت ما حلف عليه، ولو كان المانع من الفعل أمرا شرعيا كالحيض المانع من وطئ الزوجة المحلوف عليها، أو كان المانع أمرا عاديا كسرقة الشئ المحلوف عليه، وظاهره سواء كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت كما تقدم. وأشار بلو إلى الخلاف. وذكر في الارشاد أن الفوت يكون بفوت الزمان ونصه: ويتحقق الحنث بفوت المحلوف عليه كقوله: لادخلن اليوم فغربت الشمس ولم يدخل انتهى. ثم أشار إلى ما إذا كان المانع من فعل المحلوف عليه أمرا عقليا بقوله لا بكموت حمام في ليذبحنه هذا إذا كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت وبادر ولم يفرط، وأما إن كان غير مؤقت وفرط فإنه حنث كما تقدم فيحتاج كلام المصنف إلى تقييده بإخراج هذه الصورة، وانظر ابن عرفة وانظر رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور وفي مسألة من حلف على ابنته لا تضع صداقها، وانظر رسم أوصى من سماع عيسى من التخيير والتمليك فيمن حلف ليقتر على امرأته الليلة، ورسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق، وانظر رسم لم يدرك من سماع عيسى من الايمان بالطلاق فيمن حلف لربيبته، ورسم الجنائز والذبائح من سماع القرينين من النذور، وفي مسألة الحالفة لزوج ابنتها، وانظر رسم الطلاق من سماع القرينين من الايمان بالطلاق في الحالف ليطأن امرأته الليلة، ورسم الطلاق الاول منه في الحالف لرجل لاخاصمنك عند فلان فيموت. فرع: إذا حلف بعتق عبده فباعه عليه السلطان في دين فمتى عاد إليه عادت اليمين إلا أن يعود إليه بميراث فلا شئ عليه. قاله القرافي وذكر الفرق بينهما فانظره، وانظر القاعدة الثانية من قواعد الايمان من مختصر القواعد والله تهالى أعلم. مسألة: قال ابن رشد: الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعله فإن لم يفعله حتى مات وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق فوجب أن ترثه المرأة لان الطلاق بعد الموت لا يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت. انتهى من رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق، وذكر ابن عرفة المسألة في آخر كتاب الطلاق والله أعلم. مسألة: قال البرزلي: إذا حلف ليشترين دار زيد فليشترها بثمن مثلها في الوقت، فإن طلبوا منه ثمنا فاحشا فلا تلزمه يمين. وإن حلف إن وجد من يشتري داره ليبيعها فأعطي فيها رجل أقل من قيمتها، إن لم تبع بما أعطى وإلا حنث. قال البرزلي: تقدم للتونسي خلافه وأنه لا يبيعها حتى تبلغ القيمة ولا يحال بينه وبين امرأته حتى يصل لقيمتها، ولا فرق في التحقيق

[ 444 ]

بينها وبين التي قبلها انتهى. ومنه أيضا: إذا حلف لا يأكل لزوجته خبزا فأكل ما خبزته قبل اليمين، فإن كانت نيته فيما يستقبل فلا شئ عليه وإلا حنث، ومثله ما يقع إذا حلف لا يلبس ما غزلته زوجته وأراد أن يلبس ما كانت غزلته قبل ذلك أو نسجته انتهى. مسألة: من حلف أن لا يكلم فلانا في الموسم حنث إن كلمه في الحج إلا أن يكون نوى سوقا من الاسواق وأتى مستفتيا لان الموسم قد تعرف في الحج. ذكره ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحج. مسألة: قال البرزلي: وسئل السيوري عمن حلف لا دخل الدار ولا أكل الطعام في هذا العيد، فما قدر العيد ؟ فأجاب: العيد على قدر ما يعرفه الناس بينهم. قلت: أفتى أشياخنا بتونس أن آخره فتح الربع للبيع والشراء الفتح المعتاد ولا ينظر لتقدمه في بعض الصور كخروج الجيش، ولا تأخره كحصاد الزرع انتهى. وقال بعد ذلك: مسألة: من حلف لا يعيد مع أهله فيخرج من بلده إلى بلد آخر ولو قربت مسافته ولا يرجع إلا في اليوم الثاني إن كان عيد الفطر وإن كان عيد الاضحى فلا يجزئ إلا بعد ثلاثة أيام. البرزلي: هذه سيرة البلاد غير تونس، وقد تقدم أن حد عيد تونس فتح الربع لا قبل ذلك فيرجع إلى سيره كل بلد في حق العيد عنهم انتهى. وكأنه لم يقف عليها للمتقدمين وهي في نوازل أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق ونصها: وسئل أصبغ عمن حلف بالطلاق أن لا يطأ امرأته حتى إلى العيد فوطئها ليلة العيد قبل الفجر أو بعد الفجر قال: لا يطؤها حتى العيد وبعد ما ينصرف الامام، وإن وطئها قبل ذلك حنث، والعيد عندي انصراف الامام. قيل له: فرجل وقع بينه وبين أهله كلام فحلف بالطلاق أن لا يدخل بيته يوم العيد. قال: لا يدخل يوم العيد ولا يومين بعده وذلك في الفطر. قال ابن رشد: جوابه في هاتين المسألتين على المقصد الذي يرى أنه الحالف أراد وترك الاعتبار بما يقتضيه مجرد اللفظ فقال: في الذي يحلف أن لا يطأ امرأته حتى إلى العيد: إنه لا يطؤها حتى ينصرف الناس من صلاة العيد لان ذلك هو القوت الذي يترفه الناس فيه بعيدهم ويستريحون فيه من نصبهم. فمن حمل يمين الحالف على ذلك وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه لا حنث عليه إن وطئها بعد طلوع الفجر، والاول هو المشهور في المذهب. قال في الذي يحلف أن لا يدخل بيته يوم العيد: إنه لا يدخل يوم العيد ولا يومين بعده في الفطر على هذا المعنى لان هذه المدة هي التي جرت عادة الناس بالكون إلى أهلهم فيها من أجل عيدهم وترك التصرف في وجوه معاشهم، فحمل يمينه على أنه إنما أراد معاقبة أهله في أن يحرمها من نفسه ما جرت العادة فيه من الناس بمثله وهو بين، وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه ليس عليه أن يمتنع من دخول بيته إلا يوم الفطر وحده، وقد حكى ذلك ابن سحنون عن أبيه والاول هو المشهور انتهى.

[ 445 ]

ص: (وبعزمه على ضده) ش: قال في المدونة في كتاب النذور: ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك، فإن أراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة يرتجعها فتزول يمينه. ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الاجل وإنما يحنث إذا مضى الاجل ولم يفعل ما حلف عليه. القرافي في كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب: قوله: ثم أراد إلى آخره هذه المسألة من مشكلات المدونة وأن الطلاق إنما يلزم بعدم التزويج، فالطلاق المعجل لا يحل اليمين وإنما معنى هذه المسألة أنه عزم على عدم الزواج، فعزمه هذا هو حنثه فتلزمه طلقة لحنثه لا أنه ينشئها، والعزم على ترك الفعل كترك الفعل، ففي الجواهر: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي يكون مظاهرا عند اليأس أو العزم على ترك التزويج فجعل العزم يقوم مقام تعذر الفعل. فقول الكتاب: طلقها أي تسبب في طلاقها بعزمه وقبل الاجل إذا ضرب أجلا هو على بر فلا يحنث بمجرد العزم لمخالفته للبر، وإذا كان على حنث وعزم على الحنث قوي العزم بما كان حاصلا قبله وهو الحنث وتظاهر عليه فوقع الحكم وها هنا تعارضا فالبر عكس الحنث في ذلك. وقال في الذخيرة في مدارك الحنث، والبر السادس العزم على عدم الفعل وهو على حنث. ثم ذكر كلام المدونة وبه يقيد إطلاق المصنف. وقول الشارح: يحنث بالعزم على ضد ما حلف عليه كانت يمينه على بر أو حنث غير ظاهر، ومما يدل على أنه لا يحنث في العزم في البر ما سيأتي فيمن حلف لا كلم فلانا أنه لا يحنث بالكتابة إليه إذا لم يصل إليه الكتاب،

[ 446 ]

وكما إذا كلم شخصا يظنه المحلوف عليه فتبين أنه غيره، ولانه لو كان يحنث بالعزم على ضد المحلوف عليه في البر لما تصور إخراج الكفارة قبل الحنث فتأمله والله أعلم. تنبيه: ما ذكره ابن غازي عن ابن رشد يفهم منه أن اليمين بالله إذا كانت على بر أنه يحنث بالعزم وليس كذلك. قال في الام: فيمن قال: والله لاضربن فلانا ولم يوقت في ذلك أجلا أو وقت في ذلك أجلا قال: إذا لم يوقت فليكفر عن يمينه ولا يضرب فلانا، وإن وقت في ذلك أجلا فلا يكفر حتى يمضي الاجل لاني سألت مالكا عن الرجل يقول لامرأته: أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك إلى آخر كلام المدونة المتقدم، وليس هو أيضا مراد ابن رشد وإنما مراده أن اليمين بالله وإن كانت على بر فإنه يجوز فيها تقديم الكفارة لان تقديم الكفارة قبل الحنث جائز على المشهور فتأمله والله أعلم. ص: (وبالنسيان إن أطلق) ش: وكذا الجهل والخطأ قال ابن عرفة إثر مسألة النسيان: وأصل المذهب أن الجهل والخطأ في موجب الحنث كالعلم والعمد. سمع يحيى ابن القاسم: من حلف ليقضين الحق ربه يوم الفطر فكان بموضعه يوم السبت فقضاه فيه ثم جاء الثبت من الحاضرة أنه الجمعة حنث. الشيخ عن الموازية: من

[ 447 ]

حلف لا وطئ امرأته حنث بوطئه إياها نائما لا يشعر كالناسي. ابن عرفة: الناسي مفرط عاقل والنائم غير عاقل. العتبي عن أصبغ: لا يحنث في لا آخذ من فلان درهما فأخذ منه ثوبا فيه درهم فرده حين علمه. ابن رشد: لابن القاسم في المبسوط يحنث إلا أن ينوي كقوله فيمن لا ما له وله مال ورثه لم يعلمه. ولابن كنانة كأصبغ فيما لا يسترفع فيه الدراهم وعلى قول سرقتها الفرق بين ما يسترفع فيه وما لا فالاقوال ثلاثة: عدم الحنث لرعي القصد، والحنث لرعي اللفظ دونه، والثالث استحسان انتهى. وقال في التوضيح: اليمين إن قيدت كما لو قال: والله لا أدخل الدار عمدا أو لا أدخلها إلا أن أنسي فالاتفاق على أنه لا يحنث في النسيان، وإن أطلقت فالمعروف من المذهب الحنث بالنسيان. وذهب السيوري وابن العربي في جمع من المتأخرين إلى عدم الحنث، وخرج أيضا من قول مالك في العتبية في الحالف بالطلاق ليصومن يوما معينا فأصبح فيه صائما ثم أفطر فيه ناسيا أنه لا شئ عليه. فظاهره أنه لا حنث عليه وكذلك فهم جماعة وإليه أشار ابن الحاجب بقوله: وخرج الفرق أي بين العمد والنسيان ورد لعله يريد لا قضاء وهو أحد الاقوال في النذر المعين انتهى. وقد فهم ابن رشد المسألة على عدم الحنث وجعلها جارية على الاصول، ونصه في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من الايمان بالطلاق: إنما قال: لا شئ عليه لان الاكل ناسيا لا يخرجه عن أن يكون صائما بخلاف ما لو أصبح مفطرا ناسيا، وقد قال ابن دحون: إنها مسألة حائلة والحنث يلزمهم على أصولهم فيمن حلف أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا وليس ذلك بصحيح، لان أكثر أهل العلم لا يوجبون القضاء على من أفطر في رمضان ناسيا للحديث الوارد في ذلك انتهى. وقال في الرسم المذكور من السماع نفسه من كتاب الصيام: إنما قال: لا شئ عليه إذا كان ناسيا أي لا حنث عليه بخلاف ما لو أصبح مفطرا ناسيا ليمينه مراعاة للخلاف في وجوب القضاء على من أفطر في التطوع متعمدا وفي رمضان ناسيا لما جاء في ذلك انتهى. وقال في الرسم نفسه من كتاب النذور: وتكررت هذه المسألة ورأيت لابن دحون فيها أنها مسألة حائلة والحنث يلزمه فيها على أصولهم فيمن حلف أن لا يفعل شيئا أو حلف أن يفعل شيئا فنسي فعله حتى مات وليس ذلك على ما قال بل هي مسألة صحيحة، لان الاكل ناسيا لا يخرج الحالف عن أن يكون صائما ولا يبطل به أجر صيامه، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا قضاء على من أكل في رمضان ناسيا وذكر الحديث انتهى. فرع: قال في سماع عبد الملك من الايمان بالطلاق في رجل مر به رجل وهو يتوضأ فقال له: قم معي فقال له: امرأته طالق ألبتة إن قمت معك حتى أفرغ من وضوئي فتوضأ ثم ذهب معه فذكر أنه نسي التمضمض أو مسح الاذنين أو الرأس، هل ترى عليه شيئا ؟ قال: هو حانث لانه إنما أراد الوضوء الذي يتوضأ الناس ولم يرد المفروض من المسنون. ابن رشد: وهذا كما قال لان الوضوء إذا أطلق في الشرع إنما يقع على جملة الوضوء وهو يشتمل على ما فيه

[ 448 ]

من الفرائض والسنن، فتحمل يمينه على جميعه إلا أن يخص شيئا من ذلك بنية أو استثناء، كما يحمل أيضا على العمد والنسيان لدخولهما تحت عموم لفظه إلا أن يخص النسيان من ذلك بنية أو استثناء فتكون له نيته وإن جاء مستفتيا. انتهى والله أعلم. فرع: قال البرزلي عن ابن الحاج فيمن من عليه أبوه بما يشتريه فحلف بالحلال عليه حرام إن أكل شيئا مما يشتريه أبوه، ثم تبدل خبزه في الفرن بخبز أبيه فأكله إنه لا يحنث. قال البرزلي: قلت: لانه أكله على معنى العوض فلا منة عليه، ولم يكن قصد عين العطام كما قال في المدونة: لو اشترى منه شيئا كما يشتري من الناس ولها نظائر كخلط الرؤوس عند الشواء وخلط المقارض طعامه مع غيره وخلط الازواد. انتهى من أوائل الايمان. ص: (وبالبعض عكس البر) ش:. فرع: قال في التوضيح: اختلف الشيوخ هل يرفع الخلاف إذا أتى بلفظ كل وهي طريقة ابن بشير، أو هو باق وإليها ذهب الاكثر وهي الصحيحة، فإن مالكا نص على الحنث فيمن حلف لا أكل هذا القرص كله وللحنث بالبعض. قال ابن القاسم: الحنث فيمن قال امرأته طالق إن صلى ركعتين، أنه إن صلى ركعة أو أحرم ثم قطع. وكذلك يمينه لا صام ثم بيت الصيام حتى طلع لفجر فقد حنث وإن أفطر. وكذلك قال أصبغ في الحالف: لا لبس لامرأته ثوبا فلما أدخل طوقه في عنقه عرفة فنزعه، أو حلف لا ركب دابة فلان فأدخل رجله في الركاب واستقل عن الارض وهم أن يقعد على السرج ثم ذكر فنزل، فروى ابن وهب أنه حانث، ولو ذكر حين استقل من الارض ولم يستو عليها فلا شئ عليه. قال في الموازية في الحالف ليقرأن القرآن اليوم أو سورة فقرأ ذلك ثم ذكر أنه أسقط حرفا: فإن علم أنه يسقط مثل ذلك حلف عليه وما نوى، وإن جاء بما لا يعرف من الخطأ الكثير أو ترك سورة فهو حانث. وقال مالك فيمن حلف ليتزوجن على امرأته امرأة يمسكها سنة فتزوج امرأة أمسكها أحد عشر شهر ثم ماتت قال: يتزوج غيرها ويبتدئ السنة. وقال سحنون: يجزئه أن يمسكها بقية السنة انتهى. وفي الذخيرة: الحالف بطلاق امرأته إن وضعت ما في بطنها فوضعت ولدا وبقي آخر يحنث على المشهور. وقيل: لا يحنث، وإن علق الطلاق على الوطئ حنث بمغيب

[ 449 ]

الحشفة، وقيل بالانزال، وإن ألحق باليمين غير المحلوف عليه قصدا للالحاق لزمه اليمين وإلا فلا. انتهى. ثم قال صاحب البيان: الحالف أن لا يتزوج يحنث بالعقد دون الدخول انتهى. ص: (وبسويق أو لبن في لا آكل لا ماء) ش: قال في التوضيح: هكذا قال ابن بشير وابن شاس فعلاه بإن القصد العرفي التضييق على نفسه حتى لا يدخل بطنه طعام واللبن والسويق من الطعام قالا: ولو كان قصده الاكل دون الشرب لم يحنث عليه. وفي العتبية عن ابن القاسم في الحالف لا يتعشى لا حنث في التسحر. وقول ابن عبد السلام في هذا الفرع والذي قبله أن الجواب فيهما على اعتبار البساط ليس بظاهر، لان الفرض كما قال المصنف يعني ابن الحاجب عدمهما انتهى. وفي سماع أبي زيد من كتاب النذور: من حلف لا يتعشى فشرب ماء أو نبيذا فلا شئ عليه ويحنث بالسويق ولا يحنث بالسحور انتهى. ابن رشد: لان النبيذ شراب لا يطلق عليه اسم الطعام، والسويق طعام ليس يطلق عليه اسم الشراب وإن شرب، والعشاء إنما يقع على الطعام لا على الشراب، وإنما لم يحنث بالسحور لانه ليس بعشاء وإنما هو بدل من الغذاء وقد سماه رسول الله (ص) غذاء فيروى عنه أنه قال للمقداد: عليك بهذا السحور فإنما هو الغذاء المبارك. فوجب أن لا يحنث من حلف أن لا يتعشى إذا تسحر كما لا يحنث إذا تغدى انتهى. ونقله ابن عرفة. فرع: قال ابن رشد في نوازله في مسائل الطهارة: لو حلف الحالف أن يشرب ماء صرفا فشرب ماء من آبار الصحاري المتغير من الخشب الذي يوطى به لبر في يمينه، كما لو شرب ماء متغيرا من الحمأة أو الطحلب أو ما أشبه ذلك. وإن حلف لا يشرب ماء صرفا أو ليشربنه فشرب ماء الورد أو ماء مشوبا بعسل أو برب أو بشراب من الاشربة فلا حنث عليه في الاولى ولا يبر في الثانية. انتهى بالمعنى. فرع: قال في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الايمان والنذور: وسئل عن رجل عاتبته امرأة فقالت: تأكل من غزلي فحلف أن لا يأكل من عملها شيئا، ثم دخل يوما فدعا بشربة جذيذة من ماله ودعا بعسل كان له في التابوت فأخطأت المرأة فجاءت بزيت كان لها من عمل يديها أو دهن اشترته لرأسها فصبته فيه فشربه قال: إن كان زيتا فهو حانث، وإن كان دهنا فلا شئ عليه. ابن رشد: إنما لم يحنثه في الدهن لان الدهن لما كان مما لم يتخذ

[ 450 ]

للاكل حمل يمينه على ما يتخذ للاكل إذا رأى مقصده فيه ويحنث على القول أنه لا يراعى المقصد المظنون وتحمل يمينه على ما يقتضيه اللفظ. وقد مضى ذلك في سماع عبد الملك وفي مواضع من سماع عيسى انتهى. والجذيذة بجيم وذالين معجمتين بينهما ياء ساكنة. قال في النهاية في حديث أنس: إنه كان يأكل جذيذة قبل أن يغدو في حاجته أراد شربة من سويق ونحو ذلك، سميت به لانها تجذ أي تدق وتطحن انتهى. فرع: قال في الكبير في فصل القيام عن صاحب الطراز: ولو حلف لا يقوم فقام متوكئا حنث، ولو حلف ليقومن فقام متوكئا بر انتهى. ص: (وبوجود أكثر في ليس معي غيره لمتسلف لا أقل) ش: يعني إذا حلف لمن طلب منه أن يسلفه دراهم أنه ليس معه إلا عشرة دراهم مثلا ثم وجد معه أكثر من عشرة دراهم فإنه يحنث في يمينه، وأما إن وجد معه أقل فلا حنث عليه. تنبيه: هذا إذا كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو صدقة أو ما أشبه ذلك مما لا يدخله اللغو، وأما إن كانت يمينه بالله تعالى فلا شئ عليه وذلك من لغو اليمين. قال ابن فرحون في ألغازه: من حلف أنه ليس عنده مال فظهر أنه عنده مال لم يكن علم به، فإن كان حلف بالله فقد بر في يمينه وكان ذلك من لغو اليمين، وإن كان حلف بطلاق أو عتاق أو صدقة أو غير ذلك من الايمان فقد حنث. انتهى وهذا ظاهر والله أعلم ص: (وبدوام ركوبه

[ 451 ]

أو لبسه في لا أركب وألبس) ش: قال في القوانين: من حلف لا يسكن دارا وهو ساكن أو أن لا يلبس ثوبا وهو عليه أو أن لا يركب دابة وهو عليها، لزمه النزوع أول أوقات الامكان، فإن تراخى مع الامكان حنث، وفي الواضحة: لا يحنث انتهى. وانظر رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح قال في التوضيح: ومثاله في البر: لو قال: لالبسن الثوب أو لاركبن الدابة فإنه يبر بالدوام ولا يشترط في ذلك الدوام في كل الاوقات بل يحسب العرف فلذلك لا يحنث في النزول ليلا ولا في أوقات الضرورات ولا بنزع الثوب ليلا انتهى. فرع: إذا قال: إن حملت امرأته فهي طالق وهي حامل، فهل التمادي في الحمل كابتدائه وتطلق عليه أم لا تطلق إلا بحمل آخر ؟ فيه خلاف قاله في أول سماع ابن القاسم من النذور. وقال ابن عرفة: ودوام المحلوف عليه كابتدائه إن أمكن تركه. الشيخ عن ابن عبدوس عن ابن القاسم: كاللبس والسكنى والركوب لا الحمل والحيض والنوم، أو قال لحامل أو حائض أو نائمة: إذا حملت أو حضت أو نمت فأنت طالق لم تطلق بتلك الحالة بق لمستقبل فيجعل في الحيض لاتيانه. وجعله أشهب كالحمل. التونسي: اختلف في كون تمادي الحمل والحيض والنم كالركوب. مسألة: سئل ابن الحاج عمن حلف بطلاق زوجته إن قضى الله حاجته ووصل إلى موضع نواه ليتصدقن على مساكين ذلك الموضع بشئ سماه، فوصل ذلك الموضع الذي نواه وبقي مع زوجته مدة طويلة بعد وصوله لم يتصدق بشئ ثم طلق زوجته بعد تلك المدة وتصدق بعد طلاقه. فهل كان مع زوجته في تلك المدة على بر أو حنث ؟ جوابها: إن كانت نيته أن يتصدق حين وصوله عاجلا فلم يفعل فقد حنث في يمينه بالطلاق، وإن قصد التأخير فلا يحنث غير أنه إن راجعها فهو معها على حنث، فإن تصدق سقطت اليمين وإلا دخل عليه الايلاء من يوم ترفعه للقاضي، وكذا الحكم إن لم تكن له نية في تعجيل الصدقة ولا تأخيرها انتهى. ثم قال: وقعت مسألة وهي أن رجلا حلف بالطلاق الثلاث لزوجاته إن بقين له بزوجات فآل الامر بعد المراجعة لشيخنا الفقيه الامام رحمه الله إلى

[ 452 ]

أن يطلقهن واحدة على فداء ويبر في يمينه بعد أن أفتى أولا بلزوم الثلاث. ص: (ويجمع الاسواط في لاضربنه كذا) ش: وكذا لو ضربه بسوط له رأسان لم يبر لكن في مسألة جمع الاسواط يستأنف المائة جميعها، وفي مسألة السوط برأسين يجتزئ بخمسين. قال التونسي ونقله في التوضيح ونصه: وعلى المشهور يستأنف المائة في مسألة الجمع ويجتزئ بخمسين في مسألة ذي الرأسين. قاله التونسي. وانظر ابن عرفة في كتاب الايمان بالقرب من قوله هذه الاصول وذكروا فروعا، وانظر النوادر في كتاب الايمان والنذور في ترجمة الحالف ليضربن عبده أو امرأته، وانظر سماع ابن أبي زيد في كتاب الايمان بالطلاق. ص: (وهريسة وإطرية في خبز) ش: أصله لابن بشير ونقله عنه ابن عرفة وقال: قلت: الحنث بالهريسة بعيد. انتهى وهو ظاهر والله أعلم. ص: (لا عكسه) ش: هو شامل لما قبله إلى قوله: وبكعك ص: (وبضأن ومعز) ش: تصوره ظاهر.

[ 453 ]

فروع: الاول: قال ابن عرفة: محمد وابن حبيب في: لا آكل كباشا بالنعاج والصغار مطلقا لا بالصغار في لا آكل كبشا. الصقلي: وكذا عندنا في: لا آكل كباشا لا يحنث بالصغار ولا إناث الكبار. ابن حبيب: لا يحنث في: لا آكل نعجة أو نعاجا بصغير مطلقا ولا بكبار الذكور. محمد: لا يحنث في لا آكل خروفا بكبير. الشيخ عنه: ويحنث بالعتود ووقف عنها محمد. أصبغ: أمرهما واحد. ابن حبيب: لا يحنث في العتود والخروف ويحنث بالعكس في تيس أو تيوس بالعتود وصغير ذكور المعز، ولا حنث في عتود أو عتدان. ابن حبيب: أو جديان بالتيوس ولا بكبار الاناث ويحنث بصغارها. ابن حبيب: يحنث في التيوس بالجدي انتهى. الثاني: قال في النوادر: والحالف على اللحم يحنث بأكل الرأس والحالف على الرأس لا يحنث بأكل اللحم. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن حلف لا يأكل اللحم فإنه يحنث بكل ما يخرج من الشاة من كرش وأمعاء ودماغ وغيره. الثالث: قال في النوادر أيضا: ومن حلف لا آكل لحما فأكل قديدا فهو حانث إلا أن تكون له نية، وإن حلف على القديد لم يحنث بأكل اللحم ولا أسئله عن نيته. ص: (وديكة ودجاجة في غنم ودجاح) ش: قال في سماع عبد الملك: من حلف لا يأكل دجاجة فأكل ديكة لا يحنث وكذا عكسه، وإن حلف لا يأكل دجاجا فأكل ديكة حنث لان اسم الدجاج يشمل الذكور والاناث، ومن حلف لا يركب فرسا حنث بالبرذون، ومن حلف لا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث. ابن رشد: هذا كما قال لان يمين الحالف إذا عريت من نية أو

[ 454 ]

بساط أو مقصد يخالف لفظه حملت على ما يقتضيه اللفظ في اللسان، والدجاجة لا تسمى ديكا ولا ديكة فإن حلف لا يأكل ديكا ولا ديكة فلا يحنث بالدجاجة والدجاج يقع على الذكور والاناث، فمن حلف أن لا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث لان لفظه اقتضاه، وكذا البرذون يسمى فرسا لا يسمى برذونا فوجب أن يحنث من حلف لا ركب فرسا فركب برذونا ولا يحنث من حلف لا يركب برذونا فركب فرسا انتهى. ص: (وباسترخاء لها في لا قبلتك أو قبلتني) ش: أما في لا قبلتني فيحنث مطلقا، استرخى أم لم يسترخ كما قاله في المدونة. وفي سماع عيسى من الايمان بالطلاق وقبله ابن رشد وغيره ونحوه في الموازية. وقال اللخمي وغيره: ولم أر من سوى بينهما وإنما يحنث بالاسترخاء لها في لا قبلتك إذا قبلته على فمه، وأما لو تركها تقبله على غير الفم لم يحنث. قاله اللخمي، ونقله أبو الحسن عن عياض بخلاف قوله: لا قبلتني. قال في المدونة: ومن قال لامرأته: أنت طالق إن قبلتك أو ضاجعتك فقبلته من ورائه أو ضاجعته وهو نائم لم يحنث إلا أن يكون منه استرخاء، وإن كانت يمينه إن قبلتني أو ضاجعتني حنث بكل حال انتهى. قال أبو الحسن: عياض: قوله إلا أن يكون في القبلة استرخاء، هذا إذا كانت على الفم لانه مقبل، وإن كانت على غيره فلا يحنث ولو تركها. اللخمي: وأما قوله: إن قبلتني فيحنث سواء قبلته على الفم أو غيره إلا أن ينوي الفم انتهى. ونقل ابن عرفة التقييدين عن اللخمي. قال: زاد الصقلي عن محمد في عدم حنثه بتقبيلها إياه في لا قبلتك غير طائع ويحلف انتهى. فإطلاق الشيخ يوهم أنه إذا حلف لا قبلتني لا يحنث إلا أن يسترخي وهو خلاف نص المدونة المتقدم وسماع عيسى واللخمي وغيرهم ص: (وإن أحاله)

[ 455 ]

ش: قال أبو الحسن: وسواء تفرقا من المجلس أو لم يتفرقا لان بالحوالة فارقه حكما. وقال اللخمي: لا يرتفع الحنث إن نقض الحوالة وقضاه قبل أن يفارقه. قال في المدونة: لو حلف أن لا يفارقه إلا بحقه فأحاله على غريم له وأخذ منه حقه ثم وجد فيه نحاسا أو رصاصا أو ناقصا نقصا بينا أو زائفا لا يجوز أو استحق من يده بعد أن فارقه فهو حانث انتهى. ص: (وبفرع في لا آكل من كهذا الطلع) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في القوانين: من حلف أن لا يأكل فاكهة يحنث بالعنب والرمان والتفاح وغير ذلك حتى بالفول الاخضر خلافا لابي حنيفة، ولو حلف لا يأكل تمرا حنث بالرطب انتهى. وفي تفسير سورة: قد أفلح للقرطبي: من حلف لا يأكل فاكهة ففي الرواية عندنا يحنث بالباقلاء الاخضر انتهى. فرع: وإن حلف على اللبن الحليب فله أكل المضروب، وإن حلف على المضروب فله أحل الحليب، والحالف على الجبن لا يحنث بأكل الحالوم، والحالف على الحالوم لم يحنث

[ 456 ]

بأكل الجبن إلا أن تكون نية أو سبب يدل على أنه كره ما يخرج من اللبن. قاله في النوادر ص: (وبما أنبتت الحنطة إن نوى المن) ش: فرع: قال في المدونة: إن وهبه رجل شاة ثم من بها عليه فحلف أن لا يشرب من لبنها ولا يأكل من لحمها، فإن أكل مما اشترى بثمنها أو اكتسى منه حنث، ويجوز أن يعطيه من غير ثمنها ما شاء إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع بشئ منه أبدا. قاله أبو إسحاق التونسي: أصل يمينه قد خرجت عن كراهته منه لمن وهب الشاة فعلق يمينه على ما كان من جهة الشاة وحدها، وأرى أنه إذا وهبه المان شيئا آخر لا يكون عوضا عن الشاة لانه غير داخل في اليمين، والاشبه أنه لا ينتفع منه بشئ لانه كره منه، ولا فرق بين منه في هذه الشاة وغيرها انتهى. ونقل ابن عرفة هذه المسألة عن المدونة وأسقط قوله فيها إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع منه بشئ أبدا، فحصل في كلامه خلل. ذكر ذلك في كتاب الايمان منه قبل الكلام على الادام بأسطر ثم كررها بعد ذلك بورقتين بتمامهما. تنبيه: قال أبو إسحاق: لم يذكر في المدونة ما يفعل بالشاة إذا لم يقبلها منه الواهب، وقد تقدم منه قبول الهبة ولا يقدر أن ينتفع منها بغلة ولا ثمن فهل يتصدق بها عن نفسه وتحمل يمينه على أنه أراد أنه لا يتأثل منها مالا، أو يكون ذلك داخلا في الانتفاع فيتصدق بها عن ربها إذ هو أكثر المقدور عليه ؟ والله أعلم انتهى بالمعنى. ص:

[ 457 ]

(وبالحمام في البيت) ش: قال في الكبير: قال ابن القاسم: إذا حلف لا دخل عليه بيتا فاجتمعا تحت ظل جدار أو شجرة فإنه يحنث إذا كانت يمينه بغضا فيه أو لسوء عشرته. وقال ابن حبيب: إذا كانت نيته ذلك أو لم تكن له نية فإنه يحنث بوقوفه معه في الصحراء انتهى. وقاله في الشامل. ابن القاسم: فإن اجتمع معه في ظل جدار أو شجرة حنث إن كانت يمينه بقضاء فيه أو سوء عشرته. وقيل: وبوقوفه معه في الصحراء انتهى. ولا ينبغي عد كلام ابن حبيب خلافا إذا كانت تلك نيته. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو حلف لا دخل عليه بيتا حنث بالحمام لا بالمسجد، ثم ذكر الخلاف فيما إذا دخل عليه الحبس كرها أو طائعا ثم قال: وألحق ابن القاسم بهذا إذا اجتمعا تحت ظل جدار أو شجرة إن كانت يمينه بغضا فيه أو سوء عشرته. ابن حبيب: إن كانت نيته ذلك أو لم تكن له نية فإنه يحنث بوقوفه معه في الصحراء انتهى. ص: (ودار جاره) ش: قال في المدونة: وإن حلف أن لا يدخل على فلان بيتا فدخل عليه المسجد لم يحنث وليس على هذا حلف، وإن دخل على جاره فوجده عنده حنث

[ 458 ]

انتهى. ص: (وبدخوله عليه ميتا في بيت يملكه) ش: يعني أن من حلف لا دخل علي فلان بيتا يملكه كذا قال ابن الحاجب وقال: ما دام في ملكه كما نقله ابن عرفة عن ابن بشير، ثم إن الحالف دخل على المحلوف عليه بعد موته في بيت كان يملكه فإنه يحنث بدخوله، واستشكل ذلك بأنه بموته انتقل الملك للورثة. قال في التوضيح: وأصله لابن بشير وراعى في الرواية كونه له حق يجري مجرى الملك وهو أنه لا يخرج منه حتى يجهز انتهى. وفي سماع أشهب في رسم الاقضية من كتاب النذور: ومن حلف أن لا يدخل علي فلان بيتا في حياته فدخل عليه ميتا حنث. ابن رشد: هو مثل قول أصبغ في نوازله فيمن حلف أن لا يدخل بيت فلان ما عاش أو حتى يموت فدخل عليه بعد أن مات قبل دفنه حنث. قال سحنون: لا يحنث. وجه الاول أن قوله ما عاش وحياته لا يحمل على أنه أراد به وقتا ليمينه، لان الظاهر من إرادته أنه أراد أن لا يدخل عليه أبدا فعبر عن ذلك بحياته أو ما عاش لان ذلك هو الغاية التي قصد الناس بها التأبيد في عرف كلامهم من ذلك قول الرجل: لا أدخل هذه الدار ولا آكل هذا الطعام ولا أكلم فلانا حياتي أو ما عشت إذا أراد أنه لا يفعل شيئا من ذلك أبدا. ووجه قول سحنون اتباع ظاهر اللفظ دون المعنى، فقول مالك أولى بالصواب. ولو قال الرجل: لا أدخل على فلان بيتا أبدا فدخل عليه ميتا حنث إلا أن يريد حياته قولا واحدا على ما قال في أول رسم الطلاق من سماع أشهب من الايمان بالطلاق وما في سماع أبي زيد منه. انتهى أكثره باللفظ. ومنه ما نقله البرزلي عن ابن البراء ونصه: وسئل ابن البراء عمن خطب ابنة أخيه

[ 459 ]

لابنه من أخيه فلم يسعفه فحلف لا أحضره في فرح ولا حزن فمات المحلوف عليه، فهل للحالف حضور دفنه وتكفينه وتعزيته أم لا ؟ فأجاب بأنه لا يحضره بعد الموت إذا قصد الحالف إيلام نفس أخيه في عدم اجتماعه معه فيما جرت العادة بائتلاف القرابة فيه، وإذا مات فلا إيلام إلا أن يريد بقوله لا حاضرة لا حضر كل ما ينسب إليه قصد المباعدة والقطيعة فحضور جنازته هو مما ينسب إليه. وقد سئل مالك عمن حلفت لا تحضر لاختها محيا ولا مماتا، فماتت بنت أختها فأرادت انتظارها عند باب المسجد لتصلي عليها ويمينها بالمشي إلى مكة، فكره مالك ذلك لها وهي لم تعز ولم تعز ولم تحضر مشهدها والحنث يكون بأقل سبب فترك ذلك أحسن، لان قوله: لا حاضر قوي في إرادة الحياة، ولما عرف عادة بإيلامه بعدم حضوره قال البرزلي: قلت: عندي أنها تجري على مسألة لا أدخل على فلان بيتا حياته فدخل عليه بعد موته فنص الرواية يحنث خلافا لسحنون وهو الاصح، لا تسمية باسمه بعد موته فجاز من ثسمية الشئ بما كان عليه، ولان القصد الايلام لقلبه وقد مات فلا إيلام. ص: (لا بدخول محلوف عليه إن لم ينو المجامعة) ش: قال في المدونة إثر هذا الكلام المتقدم عند قول المصنف: ودار جاره في مسألة إن حلف أن لا يدخل على فلان بيتا وإن دخل المحلوف عليه على الحالف فخاف مالك عليه الحنث. وقال ابن القاسم: لا يحنث إلا أن ينوي أن لا يجامعه في بيت فيحنث انتهى. وقال في التوضيح: ابن المواز: وقيل: لا شئ عليه إلا أن يقيم معه بعد دخوله عليه. ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وكذا ينبغي على قول ابن القاسم أن لا يجلس بعد دخول المحلوف عليه، فإن جلس وتراخى حنث ويصير كابتداء دخوله هو عليه انتهى. ونقله أبو الحسن وفيه نظر، لانه قد تقدم أنه لا يحنث باستمراره في الدار إذا حلف لا دخلها وكذلك هنا إنما حلف على الدخول عليه فتأمله. وقوله: فخاف عليه مالك الحنث قال أبو الحسن: لانه خاف أن تكون نيته أعم من لفظه انتهى. ص: (وبتكفينه في لا أنفعه حياته) ش: تصوره واضح. فرع: فإن حلف أن لا ينفع فلانا شيئا وهو وصي لرجل مات وأوصى أن يقسم على المساكين أو سمى لفلان وفلان المحلوف عليه منهم، فإنه يحنث بما دفعه إليه من الوصية إلا أن تكون له نية في أنه أراد لا ينفعه بماله فيصدق إلا أن تكون يمينه بطلاق أو عتاق فلا ينوي إذا قامت عليه البينة إلا أن يكون قد كانت إليه منه صنائع من المعروف فينوي فيما ادعاه مع يمينه. قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور.

[ 460 ]

فرع: فإن حلف أنه لا ينفع أخاه فاحتاج أولاد أخيه فأعطاهم شيئا، فهل يحنث بذلك ؟ لم أر فيه نصا لكن ذكر في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق في عكس هذه المسألة، وهي ما إذا حلف بطلاق امرأته أنه لا يدخل عليه من قبل أخيه هدية ولا منفعة وكان له ولد صغير أو كبير فيدخل عليه فيصيب اليسير من الطعام وأشباه ذلك، هل ترى ذلك له منفعة فيكون حانثا أم ما ترى في ذلك ؟ قال: أما من خرج من ولاية أبيه من ولده الكبار واستغنوا عنه فأصابوا منه شيئا، فلا أرى عليه شيئا أنه لا يصل إليه من منفعة ولده شئ، وأما ولده الصغار فإن لم يكونوا يصيبوا من عنده إلا اليسير الذي لا ينتفع به الاب في عون ولده مثل الثوب يكسوه إياه، فيكون قد انتفع به حين كفاه ذلك أن يشتري له ثوبا أو يطعمه طعاما يغنيه ذلك عن مؤنته أو شبه ذلك، فإذا كان ذلك رأيت إن قد دخلت عليه منفعة فأراه حانثا. قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا وجه للقول فيها. ص: (وبأكل من تركته قبل قسمها في لا أكلت طعامه إن أوصى أو كان مدينا) ش: قال في الرسم المتقدم: ومن حلف أن لا يأخذ لفلان مالا فمات فأخذ من تركته قبل قسمها، ولا يأكل له طعاما فأكل من ماله قبل قسمها. فإنه لا يحنث إلا إن كان أوصى بوصية أو عليه دين. ابن رشد: قال ابن القاسم في المجموعة: وإن لم يكن الدين محيطا وقد قيل: إنه لا حنث وإن أحاط الدين بتركته. وقال أشهب: وهو أظهر لان الميت إذا مات فقد ارتفع ملكه عن ماله ووجب لمن يجب أخذه من ورثته وأهل وصاياه وغرمائه إن كان عليه دين، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يكن للحالف نية ولا كان ليمينه بساط يستدل به على إرادته، فإن كانت يمين الحالف كراهية للمال لخبث أصله فهو حانث بكل حال، كان على الميت دين أو وصية أو لم يكن وإن كان كراهية لمنه عليه فلا حنث عليه على كل حال، كان على الميت دين وكانت له وصية أو لم تكن. انتهى. تنبيه: قال في التوضيح: قال ابن الكاتب: قولهم: يحنث إذا أوصى معناه عندي

[ 461 ]

أوصى بمال معلوم يحتاج فيه إلى بيع مال الميت، وأما إن كانت الوصية بجزء من ماله كالثلث والربع فها هنا يكون الموصي شريكا للورثة وكأحدهم ساعة يموت فلا حنث على الحالف. وهذا كله مع عدم النية، فإن كانت له نية فتقبل منه، أما إن لم يكن عليه دين ولا أوصى بوصايا فلا يحنث باتفاق انتهى. تنبيه: قال البرزلي في مسائل الطلاق عن المسائل المنسوبة للرماح فيمن حلف لا يأكل لغيره طعاما فأكله ولم يعلم إذا أعطاه ثمنه قرب الامر أو بعد فلا حنث عليه. انتهى فتأمله والله أعلم ص: (وبكتاب إن وصل أو رسول في لا كلمه) ش: يعني أنه إذا حلف لا كلمه فكتب إليه كتابا ووصله الكتاب فإنه بمجرد وصوله يحنث، وأما إن لم يصل إليه فلا يحنث. قال في المدونة: قال مالك: ومن حلف لا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن ينوي مشافهة. ثم رجع فقال: لا ينوي في الكتب ويحنث إلا أن يرجع إليه قبل وصوله إلى فلان فلا يحنث انتهى. وقال ابن عرفة: وفي حنثه بمجرد وصوله أو حتى يقرأ ولو عنوانه نقلا اللخمي عن المذهب وابن رشد عنه مع نص ابن حبيب: وعليه في حنثه بمجرد قراءته أو بقيد كونها لفظا قولان لظاهر قول ابن حبيب ونص أشهب قائلا: لان من حلف لا يقرأ جهرا فقرأ بقلبه لا يحنث. قلت: إن رد بأن قوله جهرا في الاصل يمنع القياس لانه ليس كذلك في الفرع بمنع أنه ليس كذلك في الفرع لان كلام الغير لا يكون إلا جهرا وهو المحلوف عليه انتهى. فقد علمت أن حنثه بمجرد وصوله الكتاب هو ظاهر المدونة، وجعله اللخمي المذهب. وأما كونه إذا لم يصل لم يحنث فلا خلاف في ذلك. قاله في التوضيح عن التونسي. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: لو رد الكتاب قبل وصوله لم يحنث. ابن رشد: اتفاقا. ولو كتبه عازما عليه بخلاف الطلاق انتهى إلا أن قوله بعد هذا: لا قراءته بقلبه يعارض هذا إلا أن يحمل قوله: لا قراءته بقلبه يعني لا بقراءة الحالف الكتاب المحلوف على عدم قراءته جهرا إذا قرأه بقلبه كما تقدم. وفي بعض النسخ: إن وصل وقرئ وهذه توافق: لا قرأه بقلبه ويكون مشى أولا على ما قال ابن رشد إنه المذهب من أنه لا يحنث بمجرد وصوله ولا يحنث إلا بالقراءة كما نقله عنه ابن عرفة. ص: (ولم ينو في الكتاب والعتق والطلاق) ش: تقدم قول المدونة: وإن حلف لا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن ينوي مشافهة ثم رجع

[ 462 ]

فقال: لا ينوي في الكتاب ويحنث. قال في التوضيح: وعلى مذهب المدونة في الحنث بالكتاب والرسول فهل ينوي في إرادة المشافهة إن كانت بطلاق وعتاق ؟ قال: فيها حنث إلا أن ينوي مشافهة ثم رجع فقال: لا ينوي في الكتاب إلا أن يرجع إليه قبل وصوله إليه فلا يحنث. ولمالك في الموازية: لا ينوي في الكتاب والرسول وعلى أنه ينوي فإنه يحلف على ذلك. قاله ابن يونس انتهى. ص: (وبالاشارة له) ش: كرر في التوضيح هذا الفرع فقال أولا عند قول ابن الحاجب: ومنه لو حلف لا كلمه فسلم عليه. الفرع الثالث: لو حلف لا كلمه فأشار إليه، ففي العتبية لا يحنث، وقال ابن الماجشون: يحنث انتهى. وقال ثانيا عند قول ابن الحاجب: لو حلف لا كلمه فكتب إليه أو أرسل إليه الفرع الثالث لو أشار إليه فقال مالك وابن القاسم وابن حبيب وغيرهم: يحنث. ابن حبيب: وسواء كان المحلوف عليه أصم أو سميعا. وقال ابن القاسم: لا يحنث والاول أظهر انتهى. ونص ما في العتبية: قال في رجل حلف أن لا يكلم رجلا فأشار إليه بالسلام أو غيره فقال: ما أرى الاشارة وأحب إلي أن يترك ذلك وكأنه لم ير عليه حنثا إن فعل. قال ابن رشد: مثل هذا في المجموعة لابن القاسم وهو ظاهر ما في كتاب الايلاء من المدونة، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق.

[ 463 ]

وقال ابن الماجشون: إنه حانث. احتج بقوله: * (أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * فجعل الرمز كلاما لانه استثناه من الكلام، وليس ذلك بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء منفصلا غير متصل مقدر بلكن ومثل قول ابن الماجشون لاصبغ في سماعه من هذا الكتاب وجه القول الاول أن الكلام عند الناس فيما يعرفون إنما هو الافهام بالنطق باللسان فعمل يمين الحالف على ذلك إن عريت من نية أو بساط يدل على ما سواه. ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام والقول هو المعنى القائم بالنفس قال الله تعالى: * (ويقولون في أنفسهم لولا) * الآية. وقال: * (وأسروا قولكم) * الآية. فإذا أفهم الرجل ما في نفسه بلفظ أو إشارة فقد كلمه حقيقة لانه أفهمه ما في نفسه من كلامه بذاته دون واسطة من رسول أو كتاب. والقول الاول أظهر لان التكليم وإن كان يقع على ما سوى الافهام باللسان فقد تعرف بالنطق بالافهام باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل الكلام على ذلك وأن لا يحنث الحالف على ترك تكليم الرجل بما سواه إلا أن ينوي به انتهى. فانظر هذا القول الذي تركه المؤلف مع قوته والله أعلم. فرع: قال البرزلي في مسائل الايمان في أثناء مسألة من حلف أن لا يتكلم فقرأ بقلبه ومن حلف أن لا يكلم رجلا فنفخ في وجهه فليس بكلام انتهى. ونقله في النوادر ونقل عليه الاجماع، ونقله الجزولي عنه في الكبير عند قوله: والنفخ في الصلاة كالكلام والله أعلم. ص (ولا بسلام عليه في صلاة) ش: قال في المدونة: ومن حلف أن لا يكلم زيدا فأم قوما فيهم زيد فسلم من الصلاة عليهم أو صلى خلف زيد وهو عالم به فرد عليه السلام حين سلم من صلاته لم يحنث وليس مثل هذا كلاما انتهى. قال أبو الحسن: إن كان إنما سلم عليهم تسليمة واحدة فلا يحنث إماما كان أو مأموما، وأما إن كان سلم اثنتين فإن كان مأموما فقال في المدونة: لا يحنث. وقال في كتاب محمد: يحنث. وقال أيضا: إن كان الامام الحالف فسلم تسليمتين حنث. وقال ابن ميسر: لا يحنث. اللخمي: وهذا كله إذا كان المأموم على يسار الامام وأسمعه لان ثانية الامام يشير بها إلى اليسار فلم يحنثه بالاولى لان القصد الخروج بها من الصلاة، وحنثه بالثانية على القول بمراعاة الالفاظ ولم يحنثه على القول بمراعاة المقاصد

[ 464 ]

انتهى. ص: (وبسلامه عليه معتقدا أنه غيره) ش: قال في الشامل: قال محمد: ولو كلم رجلا غيره يظنه هو يعني الحالف لم يحنث، ولو قصده كان سلم على من رأى من جماعة أو عليهم ولم يره معهم لانه إنما كلم من عرف. ص: (أو في جماعة إلا أن يحاشيه) ش: قال ابن ناجي في شرح المدونة: عبد الحق في النكت: ومعنى قوله يعني في المدونة إلا أن يحاشيه أي بقلبه أو بلسانه إذا كان قبل أن يسلم وإذا حدثت له المحاشاة في أثناء الكلام لم تنفعه إلا أن يلفظ بها كالاستثناء، ولو أدخله أولا بقلبه لم ينفعه إخراجه بلفظه ويقوم منها جواز السلام على جماعة فيهم نصراني إذا حاشاه. انتهى والله أعلم. ص: (وبعدم علمه في لاعلمنه الخ) ش: قال في المدونة: ومن حلف لرجل إن (علم بكذا ليعلمنه أو ليخبرنه فعلماه جميعا لم يبر حتى يعلمه أو يخبره، وإن كتب به إليه أو أرسل إليه رسولا بر. قال اللخمي: يريد إذا لم يعلم بعلمه، وأما إن علم بعلمه فلا يحنث إلا بمراعاة الالفاظ انتهى. وأبقاها أبوعمران على إطلاقها. فرع: قال في التوضيح: وإذا حلف ليكلمنه فلا يبر بالكتاب والرسول بخلاف ليعلمنه

[ 465 ]

وليخبرنه. انتهى بالمعنى. ص: (وبمرهون في لا ثوب لي) ش: اعلم أن الروايات اختلفت في هذه المسألة واختلفت الاجوبة فيها. قال الرجراجي: وتحصيلها أن نقول: لا يخلو إله ما أن تكون له نية أو لا تكون له نية. فإن كانت له نية فلا يخلو من أن يكون في الثوبين فضل أم لا، فإن لم يكن في الثوبين فضل فلا خلاف أنه ينوي ولا حنث عليه. وهل يحلف على نية أم لا ؟ فظاهر المدونة أنه لا يحلف لان كل من قبلت نيته فيما ينوي فيه فلا

[ 466 ]

يمين عليه على أصل المدونة. ولمالك في كتاب محمد: يحلف إنه أراد ما أقدر عليه للعارية وذلك نيته. وإن كان فيهما فضل فلا يخلو من أن يكون غير قادر على افتكاكه قبل الاجل أو قادرا عليه. فإن كان غير قادر على الفكاك لعسره أو لدين لا يقدر على تعجيله إلا برضا صاحبه كالطعام وسائر العروض من بيع فلا إشكال أنه ينوي ولا يحنث، وإن كان قادرا على الفكاك بتعجيل الدين وهو ذو مال، فهل ينوي أو يحنث ؟ قولان: أحدهما: أنه ينوي وهو قول يحيى بن عمر. الثاني: يحنث ولا ينوي وهذا القول مخرج من ظاهر المدونة من قوله أو كان في الثوبين فضل. وما رأيت فيها نصا إلا أن أبا إسحاق قال: يحنث، وأظن في ذلك اختلافا كثيرا. هذا نص قوله وإن لم تكن له نية فالذي يتخرج من الكتاب على اختلاف الروايات ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يحنث، كان في الثوبين فضل أم لا ؟ وهذا نقل أبي سعيد في التهذيب. والثاني: أنه لا يحنث، كان في الثوبين فضل أم لا. وهي رواية الدباغ في المدونة التي قال: لا أراه حانثا. والثالث: التفصيل بين أن يكون فيهما فضل أم لا. فإن كان فيهما فضل حنث. وإن لم يكن فيهما فضل لم يحنث. وهذا القول أضعف الاقوال انتهى. ولفظ تهذيب أبي سعيد: وإن استعير ثوبا فحلف بالطلاق ما يملك إلا ثوبا وله ثوبان مرهونان، فإن كانا كفاف دينه لم يحنث إن كانت تلك نيته، وإن لم تكن له نية حنث كان فيهما فضل أم لا انتهى. ص: (وببقائه ولو ليلا في لا سكنت) ش: أي إلا أن تكون له نية. وقال أشهب: لا يحنث حتى يستكمل يوما وليلة. وقال أصبغ: لا يحنث

[ 467 ]

حتى يزيد عليهما. وظاهر كلامه أنه لو أقام لنقل حوائجه لكثرتها يحنث. قال في التوضيح التونسي: وانظر إذا حلف أن لا يساكنه فابتدأ بالنقلة فأقام يومين أو ثلاثة ينقل قماشه لكثرته أو لانه لا يتأتى نقله في يوم واحد، وينبغي أن لا شئ عليه لانه المقصود باليمين انتهى. قال ابن عرفة بعد نقله ما تقدم: قلت: مثله قولها ذلك في أخذ طعام من مدين انتهى. قال ابن عبد السلام: فإن أخذ في النقلة فأقام ينقل متاعه يومين أو ثلاثة لكثرته لم يحنث عند ابن القاسم انتهى. ثم قال في التوضيح عن التونسي: وانظر لو كان في الدار مطامير وقد أكرى الدار، فهل ينقل ما في المطامير ؟ وينبغي إذا كانت المطامير لا تدخل في الكراء إلا باشتراط فإن الناس يكرون المطامير وحدها لخزن الطعام إلا أن لا تدخل في اليمين وإن له تركها إذا كان قد أكرى المطامير على الانفراد ثم سكن أو سكن ثم أكرى المطامير إلا أن لا يثق بالمطامير أن تبقى إلا بمكان سكناه فينبغي أن ينقلها مع قشه اه‍. قلت: وشبه المطامير الصهاريج عندنا بالحجاز، والظاهر إن أكرى في عبارة التونسي بمعنى " اكترى والله أعلم. فروع: الاول: إذا خرج لم يرجع إلى سكنى ما حلف أن لا يساكنه أبدا لانه على العموم بخلاف قوله لانتقلن. قاله التونسي. الثاني: قال ابن عرفة اللخمي: لو حلف ليسكننها بر على قول أشهب بيوم وليلة، وعلى قول أصبغ بأكثر، وعلى رعي القصد لا يبر إلا بطول مقام يرى أنه قصده. قلت: يلزمه على إجرائه البر على ما به الحنث بره على قول ابن القاسم بساعة ونحوها أو ما يوجب الحنث قد لا يوجب البر انتهى. الثالث: قال في التوضيح: وإن حلف ليسكننها قيل: لم يبر إلا أن يسكنها بنفسه ومتاعه وعياله. اللخمي: وأرى أن يبر وإن لم يسكن بمتاعه انتهى. ص: (ولا بخزن) ش: لان الخزن

[ 468 ]

لا يعد سكنى إذا انفرد. قاله في التوضيح. ص: (وانتقل في لا أساكنه عما كانا) ش: قال ابن عبد السلام: لا فرق بين أن يقول له لا ساكنتك أو لا ساكنتك أو لاسكنت معك أو لا جاورتك وظاهر المجموعة أن لفظ المجاورة أشد في طالب التباعد على ما فهمت وهو أبين انتهى. والمراد بقوله انتقل الانتقال عن الحالة التي كانا عليها حين اليمين. قال ابن عبد السلام: وإن كانا حين اليمين في حارة واحدة أو ربض واحد انتقل أحدهما من تلك الحارة إلى حارة أخرى وإلى ربض آخر حيث لا يجتمعان للصلاة في مسجد واحد، وإن كانا حين اليمين في قرية واحدة انتقل عنها إلى قرية أخرى، فإن لم يكن معه فييرية بعد عنه إلى حيث لا يجتمع معه في مسقى ولا محطب ولا مسرح، وإن كانا من أهل العمود فحلف أن لا يجاوره أو لينتقلن عنه فلينتقل حيث ينقطع ما بينها من خلطة العيال والصبيان حتى لا ينال بعضهم في العارية والاجتماع إلا بالكلفة والتعب انتهى. وقال ابن عبد السلام أيضا: فإن انتقل أحدهما إلى العلو وبقي الآخر في السفل أجزأه. نص عليه ابن القاسم في المدونة. ورأى بعض الشيوخ أن هذا إنما يكفي إذا كان سبب اليمين ما يقع بينهما من أجل الماعون، وأما إن كان ذلك من أجل عداوة حصلت بينهما فلا يكفي. ومثل انتقال أحدهما إلى العلو انتقالهما إلى دار فيها مقاصير وحجر سكن كل واحدة منهما مقصورة. وإن كانا حين اليمين على أحد هذين الخالين أعين أن يكون أحدهما في علو والآخر في سفل أو كانا في دار ذات مقاصير كل واحد منهما في مقصورة، فلا بد أن ينتقلا فيسكن كل واحد منهما في منزل مختص به. انتهى والله أعلم. فروع الاول: إذا حلف لا ساكنه وهما في دار لم يحنث إذا ساكنه في بلد. قاله

[ 469 ]

البساطي. وهذا إذا لم تكن له نية ولا بساط وإلا عمل على ذلك. انظر ابن عبد السلام هنا انتهى والله أعلم. تنبيه: قال البساطي: الانتقال هنا يصدق بانتقالهما معا أو بانتقال أحدهما، ولهذا قال المصنف عما كانا لكنه يصدق بالانتقال أحدهما إلى موضع الآخر مع بقاء الحنث اه‍ بالمعنى. والظاهر أن ما قاله البساطي لا يرد على المؤلف لمن اعتنى بكلامه، وما قاله في الانتقال من أنه يصدق بانتقالهما معا أو بانتقال أحدهما هو عام حتى في القريتين والحارتين وغير ذلك وهو ظاهر والله أعلم. الثاني: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: لا يحنث في لا ساكنه بسفره معه وينوي. ابن القاسم: إن لم تكن له نية لا شئ عليه ومثله لمحمد عن أشهب. ابن رشد: إلا أن ينوي التنحي عنه. الثالث: قال ابن عبد السلام: قال ابن المواز: من آذاه جاره فحلف لا ساكنتك أو قال: جاورتك في هذه الدار فلا بأس أن يساكنه في غيرها ولا يحنث إذا لم تكن له نية، وأما إن كره مجاورته أبدا فإنه يحنث، قال وكذلك إن قال لا ساكنتك بمصر فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء انتهى. ص: (لا لدخول عيال) ش: يشير لقوله في المدونة، فإن كانت لما يدخل بين العيال والصبيان فهو أخف. ابن يونس: أي لا يحنث والله أعلم. ص: (إن لم يكثرها نهارا أو بيت بلا مرض) ش: قال في التوضيح: واختلف إن أطال التزاور فقال أشهب وأصبغ: لا يحنث. وقال مالك وابن القاسم: يحنث واختلف في حد الطول فقيل ما زاد على ثلاثة أيام، وقيل هو أن يكثر الزيارة نهارا ويبيت بغير مرض إلا أن يأتي من بلد آخر فلا بأس أن يقيم اليوم واليومين والثلاثة على غير مرض وهو قول ابن القاسم ورواه عن مالك ومثله حكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه.

[ 470 ]

فرع: الحالف لا يأوي إلى فلان فالجأه مطر أو خوف وجنه الليل فأوى إليه ليلة أو بعض ليلة فقد حنث إلا أن يكون نوى السكنى. اه‍ من ابن عبد السلام ص: (كأنتقلن) ش: الظاهر يريد كأنتقلن السابقة في قوله: لا في لانتقلن ويشير به إلى أنه إذا حلف لينتقلن فانتقل ثم أراد الرجوع إلى الموضع الاول فإنه يجزئه عند ابن القاسم نص شهر ويستحب له أن يكمل الشهر. قال ابن عبد السلام في مسألة لانتقلن: ولابن القاسم إن رجع بعد خمسة عشر لم يحنث والشهر أحب إلي. قال ابن الماجشون: وكذلك إذا حلف ليخرجن فلانا من داره فأخرجه فله رده بعد شهر. وهذا كله إذا قصد بالانتقال ترهيب جاره، وأما إن كره جواره فلا يساكنه أبدا. قاله في العتبية ونقله في التوضيح. ودخل في قوله أو لانتقلن من بلد أو من حارة أو من بيت كما تقدم بيانه إلا أنه في البلد لا بد أن ينتقل من بلد إلى بلد أبعد من بلده بمسافة القصر. والحالف لانتقلن إن لم يضرب أجلا فهو على حنث ولا يحنث إن أخر الانتقال. قاله ابن عبد السلام. قال البساطي: ويحال بينه وبين زوجته إن كانت يمينه بطلاق وإن ضرب أجلا قال ابن عبد السلام: فهو فيه على بر انتهى. فرع: قال ابن عبد السلام: وفي كتاب محمد فيمن سكن منزلا لامرأته فمنت عليه فحلف بالطلاق لينتقلن ولم يؤجل فأقام ثلاثة أيام يطلب منزلا فلم يجده: فأرجو أن لا شئ عليه. قيل: إن أقام شهرا قال: إن توانى في الطلب خفت أن يحنث. قال ابن عبد السلام: وليس هذا خلافا لما تقدم عند الواضحة لما في هذا من بساط المنة لانه إذا توانى شهرا قويت منتها عليه ولا يحنث بثلاثة أيام يطلب فيها منزلا لان هذا المقدار لا يحصل به منة ألبتة. أهو ؟ الله أعلم. ص: (ولو ببقاء رحله لا بكمسمار) ش: الظاهر أن هذا راجع لاصل المسألة كما قال البساطي. وقوله: كمسمار يعني به أن الشئ التافه الذي لا بال له لا يحنث به

[ 471 ]

كالمسمار والوتد للنزارة. قال في التوضيح: فرع: قال ابن عبد السلام: ونص في الموازية على أنه إذا تصدق بمتاعه على صاحب المنزل أو غيره فتركه المتصدق عليه في المنزل لم يحنث ونزلت فأفتيت فيها بذلك إذا أمن من التوليج ولم يطمع بمكافأة المتصدق عليه، وأما إن طمع في ذلك ففيه نظر انتهى. قال ابن عرفة اللخمي: قال محمد عن ابن القاسم: إن أبقاه صدقة على رب الدار أو غيره لم يحنث. قلت: إن قبله حينئذ وأما إن تأخر عن قدر ما يحنث به جرى حنثه على المترقب هل يعد حاصلا يوم حصوله أو يوم حصول سببه انتهى. فرع: قال ابن فرحون في شرح مختصر ابن الحاجب: لو حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل يده أو رأسه لم يحنث، وإن أدخل رجلا واحدة فقال مالك: يحنث. قال ابن القاسم: إن وضعها من وراء الباب أو في موضع من العتبة يمنع الغلق حنث، وقال ابن الماجشون: إن أقل الخارجة ليدخل فتذكر فأخرجها حنث، وإن وقف عليها لم يحنث، وإن أدخل رأسه وصدره قائما لم يحنث ومضطجعا حنث انتهى. والمسألة في النوادر نقلها عن العتبية والواضحة بأبسط من هذا والله أعلم. ص: (وباستحقاق بعضه أو عيبه قبل الاجل) ش: قال في المدونة: ومن حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل فقضاه إياه ثم وجد فيه صاحب الحق درهما نحاسا أو رصاصا أو ناقصا نقصا بينا أو زائفا لا يجوز أو استحقت من يده فقام عليه بعد الاجل فهو حانث انتهى. قال في التوضيح: لا إشكال في الحنث إذا كان الدافع عالما بذلك حين القضاء، وأما إن لم يعلم ففي المدونة يحنث. قال المصنف يعني ابن الحاجب: وهو مشكل لان القصد أن لا يماطل وقد فعل. اللخمي: الحنث على مراعاة الالفاظ ولا يحنث على القول الآخر لان قصده أن لا يلد انتهى. وما ذكره عن المدونة ليس هو صريحا فيها كما تقدم لكنه ظاهرها كما قال ابن رشد في شرح أول مسألة من تاب النذور من العتبية قال فيها في عبد مملوك حلف لغريم له ليقضينه إلى عشرة أيام، فلما مضت تسعة خاف الحنث فعمد إلى غريم لسيده فتقاضى منه بغير إذن سيده فقضى غريمه، فلما علم سيده أنكر ذلك وأخذ من الغريم ما قضاه الغلام. قال مالك: أراه حانثا، وكذلك لو سرقها فقضاه إياها حانثا. قيل: أرأيت لو أجاز السيد بعد العشرة الايام ؟ قال: ما أرى من أمر بين. قال ابن القاسم: أراه في هذا

[ 472 ]

حانثا حين لم يجز قبل أن ينقضي الاجل، لانه لو شاء أن يأخذ ما أعطاه عبده من ماله أخذه فإنما وقع القضاء بعد الاجل. قال ابن رشد: إن علم السيد قبل العشرة الايام فأجاز بر العبد فإن لم يجز وأخذ حقه حنث إلا أن يقضي غريمه ثانية قبل العشرة الايام ولا اختلاف في هذا، وإن علم بعد العشرة الايام فثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم إن العبد حانث، أجاز السيد أو لم يجز وهو ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق بين أن يأخذ المستحق ما استحق أو لا يأخذه، وظاهر ما في نوازل سحنون. والثاني لابن كنانة أنه إن أجاز السيد وإلا حنث. والثالث لا حنث على العبد، أجاز السيد أو لم يجز، لان الاجل ما مضى إلا وقد اقتضى الغريم حقه ودخل في ضمانه ولو تلف كانت مصيبته منه وهو قول أشهب في سماع أصبغ، وقول ابن القاسم أولى الاقوال بالصواب لان الحنث يدخل بأقل الوجوه انتهى. وجزم اللخمي بنسبة القول الاول للمدونة قال: إن كان عالما حنث، ويختلف إن لم يعلم. فقال في المدونة يحنث ثم قال: واختلف إذا لم يأخذها المستحق فقال ابن كنانة: لا يحنث. وقال ابن القاسم: يحنث انتهى. قال في التوضيح: صرح ابن بشير بالاتفاق على الحنث إذا لم يجز المستحق وفيه نظر، فقد ذكر في البيان ثالثا أنه لا يحنث وإن لم يجز المستحق انتهى. وقد تقدم نص كلام البيان المشار إليه. تنبيه: قال في التوضيح: قيل: وإنما يحنث إذا استحق العين بعد الاجل إذا قامت البينة على عين الدراهم والدنانير على القول بأنها تتعين، وأما على القول بأنها لا تتعين أو لم تقم بينة فلا حنث عليه مطلقا انتهى. وما حكاه بقيل جزم به صاحب البيان ونصه إثر كلامه المتقدم: وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا قامت البينة على الدينار بعينه عند الغريم أنه هو الذي سرقه العبد أو اقتضاه من غريم سيده فقضاه إياه على القول بأن الدنانير تتعين، وأما إن لم تقم بينة أو قامت عليه بينة على القول بأنها لا تتعين - وهو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم في المدونة. فلا يكون للسيد سبيل إلى غريم العبد ويرجع على عبده بالدنانير إن كان وكيلا له على الاقتضاء، أو على غريمه إن كان العبد متعديا في الاقتضاء، ويبر العبد في يمينه انتهى. فرع: من حلف ليقضين فلانا حقه في الاجل الفلاني فأعطاه رهنا لم يبر عند ابن القاسم وهو المشهور. وقال أشهب: يبر بذلك. نقله ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق. ووجه قول ابن القاسم بأنه لا يرى البر إلا بأكمل الوجوه، وعزا ابن عرفة للمدونة أنه لا يبر ولم أره في المدونة، وظاهر كلام أبي الحسن أن المسألة ليست في المدونة فإنه نقل القولين ولم يعز أحدهما للمدونة. ووقعت مسألة وهي أن رجلا حلف أنه أوصل لغريمه أربعة عشر دينارا ونوى أنه أعطى لشريكه أربعة دنانير وأعطى لصاحب الحق رهنا يساوي عشرة دنانير. فلم أر فيها نصا لكن يؤخذ من هذه المسألة أن النية تنفعه. أما على قول أشهب فظاهر لانه جعل إعطاء الرهن ينزل منزلة قضاء الحق مع أن ظاهر مسألة ابن القاسم وأشهب أن الحالف لم ينو ذلك. وأما على قول ابن القاسم فلانه لم يعلل عدم الحنث بأن إعطاء الرهن مخالف لقضاء الحق،

[ 473 ]

وإنما علل ذلك بكونه لا يرى البر إلا بأتم الوجوه، بل يفهم منه أن إعطاء الرهن هو من إعطاء الحق لكنه ليس بأتم الوجوه. وعلى هذا فإذا قال: نويته قبلت نيته على أني لا أجزم بقبول النية اعتمادا على هذا البحث ولعل الله يفتح فيها بنص والله الموفق. ص: (إن لم تف) ش: أي إن لم تف قيمة السلعة بالدين، فإن وفت به لم يحنث لان المبتاع ملك السلعة بالفوات ولزمه قيمتها وهي مساوية لدينه فهي قضاء عنه، وإن لم تكن مساوية حنث لكونه لم يقضه. ص: (كأن لم تفت على المختار) ش: يعني إذا لم تفت السلعة فالمختار أنه يفصل بين أن تكون القيمة مساوية أو لا، وهو قول أشهب وأصبغ، وقال سحنون: يحنث. ص: (وبهبته له) ش: يعني إذا حلف ليقضينه دينه فوهب الطالب الدين للحالف فإنه يحنث. قال في التوضيح: لعدم حصول القضاء. اللخمي: هذا على مراعاة الالفاظ، وأما على مراعاة المقاصد لا يحنث لان القصد أن لا تكون نيته لددا. وعلى الحنث فهل يحنث بنفس قبول الهبة وإن لم يحل الاجل وإليه ذهب أصبغ وابن حبيب، أو لا يحنث حتى يحل الاجل ولم يقضه الدين ولو قضاه إياه بعد القبول وقبل حلول الاجل لم يحنث وهو ظاهر قول مالك وأشهب ؟ انتهى. ص: (أو دفع قريب عنه وإن من ماله) ش: انظر

[ 474 ]

التوضيح ورسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى والذي بعده من اننذور، ورسم أسلم من سماع عيسى من الايمان بالطلاق. ص: (وبعدم قضاء في غد في لاقضينك غدا يوم الجمعة وليس هو) ش: لا فرق بين أن يقول: لاقضينك غدا يوم الجمعة أو يوم الجمعة غدا الحكم في ذلك سواء. قاله في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق وقبله أبو الحسن وابن يونس. وقال في رسم الطلاق من سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق: وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر وهو من بعض أهل المياه فأفطروا يوم السبت وقضاه ذلك اليوم ثم جاء الثبت من أهل الحاضرة أن الفطر كان يوم الجمعة قال: سمعت مالكا يقول: هو حانث. قال محمد بن رشد، وهذه مسألة صحيحة في أصل المذهب في أن من حلف أن لا يفعل فعلا ففعله مخطئا أو جاهلا أو ناسيا يحنث، لان يمينه تحمل على عموم لفظه في

[ 475 ]

جميع ذلك إلا أن يخص بنيته شيئا من ذلك فتكون له نيته. ثم قال: ولا ينتفع بجهله أن يوم الجمعة كان يوم الفطر إلا أن تكون له نية تخرجه من الحنث في مثل ذلك، وإنما مثل ذلك أن يحلف الرجل ليقضين الرجل حقه يوم كذا فيمر ذلك اليوم وهو يظن أنه لم يأت بعد انتهى. ص: (وبر إن غاب بقضاء وكيل تقاض أو مفوض) ش: قال في رسم جاع من سماع عيسى من الايمان بالطلاق: وأما إن كان المحلوف له حاضرا فالسلطان يحضره ويجبره على قبض حقه إلا أن يكون الحق ما لا يجبر على قبضه كعارية غاب عليها فتلفت عنده وما أشبه ذلك فيبرأ من يمينه على دفع ذلك عليه بدفعه إلى السلطان وبالله التوفيق. انتهى وانظر ابن عرفة. ص: (كجماعة المسلمين يشهدهم) ش: يعني فإن لم يكن وكيل له ولا سلطان أو له سلطان وهو جائر

[ 476 ]

أو لا يقدر على الوصول إليه فإنه يبر في يمينه بأن يأتي بالحق ويشهد على وزنه وعدده، ولو رجع به بعد ذلك إلى داره كما صرح به اللخمي. فرع: فإن أشهد على إحضاره الحق في الاجل ثم جاء الطالب بعد الاجل فمطله لم يحنث. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة. فرع: لو دفع الحق إلى رجل من المسلمين فأوقفه على يديه فإنه يبرأ إذا لم يكن له وكيل ولا سلطان. قاله اللخمي. ص: (أو لاستهلاله شعبان) ش: كذا في بعض النسخ التي رأيت بجر استهلال بلام الجر وهو مشكل فإنه يقتضي أنه إذا حلف ليقضينه لاستهلال رمضان يحنث بخروج شعبان وهو خلاف ما قاله ابن يونس. قال في المدونة: ومن حلف ليقضين فلانا حقه رأس الشهر أو عند رأسه أو إذا استهل فله يوم وليلة من أول الشهر. وإن قال إلى رمضان أو إلى استهلاله فإذا انسلخ شعبان واستهل الشهر ولم يقضه حنث. قال ابن يونس: ابن المواز: قال ابن القاسم: وكذلك كل ما ذكر فيه إلى فهو يحنث بغروب الشمس من آخر شهر هو فيه كقوله إلى الهلال أو إلى مجيئه أو إلى رؤيته ونحوه، وإن لم يذكر إلى وذكر اللام أو عند أو إذا فله ليلة يهل الهلال ويومها كقوله لرؤية الهلال لدخوله لاستهلاله أو عند استهلاله عند رؤيته أو إذا استهل أو إذا دخل ونحو. وأما إن قال إلى انسلاخ الشهر أو لانسلاخه أو في انسلاخه فيحنث بالغروب، وإذا قال عند انسلاخه أو إذا انسلخ فله يوم وليلة، وقوله في انقضائه كقوله في انسلاخه سواء. وقال ابن وهب عن مالك: إن الانسلاخ والاستهلال وإلى رؤيته إلى رمضان ذلك كله واحد وله يوم وليلة انتهى. ص: (وبجعل ثوب قباء أو عمامة في لا

[ 477 ]

ألبسه) ش: قال في المدونة: وإن حلف أن لا يلبس هذا الثوب فقطعه قباء أو قميصا أو سراويل أو جبة أو قلنسية فلبسه حنث إلا أن يكون كره الاول لضيقه أو لسوء عمله فحوله فلا يحنث، وإن ائتزر به أو لف به رأسه أو جعله على منكبه حنث، ولو جعله في الليل على فرجه ولم يعلم لم يحنث حتى يأتزر به انتهى. قال أبو الحسن: قوله إلا أن يكون كره الخ. قال أبوعمران: هذا إذا كان الثوب حين حلف يلبس على وجه ما، وأما إن كان لا يلبس على وجه كالشقائق فيحنث لانه هكذا يلبس. الشيخ: مثل من حلف لا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزها. وقوله فإن ائتزر به إلى آخره وقال سحنون: في هذا الوجه الاول لا يحنث ابن رشد: هذا على ثلاثة أوجه: وجه لا يحنث فيه باتفاق وهو إذا جعله على ناصيته، ووجه الاختلاف أنه يحنث وهو إذا لبس الثوب على هيئة لبسه مثل إذا أخذ عمامة فأدارها على رأسه أو رداء فالتحف به، ووجه اختلف فيه وهو إذا لبس الثوب على غير هيئته كالقميص يأتزر به وشبهه. وقوله لم يعلم إنما هو السؤال والمعتبر إنما هو اللبس انتهى. ولهذا أسقطه المصنف فصنيعه أحسن من صنيع صاحب الشامل حيث ذكره فإنه يوهم اعتباره والله أعلم. فرع: قال أبو الحسن الصغير: قال أبو محمد صالح: ولو حلف لا يلبس ثوبا فحمل فيه زرعا على أكتافه أو حملت المرأة فيه ولدها قال: لا يحنث. قال أبو القاسم بن زانيف: يحنث. وقال غيره: يحنث، الشيخ: يعني بالغير نفسه. ص: (وبقيام على ظهره وبمكترى في لا دخل لفلان) ش: أي في قوله لا أدخل لفلان بيتا ولا أدخل بيت فلان. قال في المدونة: وإن حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل بيتا سكنه فلان بكراء أو قام على ظهر بيت منها حنث انتهى. فرع: قال في تهذيب الطالب في باب صلاة الجمعة: نحن نقول: لو حلف ليدخلن

[ 478 ]

هذه الدار فقام على ظهر بيت منها أنها لا يبر انتهى. ص: (وبأكل من ولد دفع له محلوف عليه) ش: تصوره واضح. وأما لو حلف لا ينتفع به بشئ فأكل ولده منه فتقدم عند قول المصنف وبتكفينه في لا أنفعه حياته إنه قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق: إن الولد إذا كان خرج من ولاية أبيه فلا حنث على الاب الحالف بما أخذ من قليل أو كثير، وأما الصغار فإن كان ما أخذوه يسيرا لا ينتفع به الاب في عون ولده فلا حنث عليه أيضا، وإن أخذ من المحلوف عليه شيئا ينتفع به الاب في عون ولده مثل الثوب يكسوه إياه أو يطعمه طعاما يغنيه ذلك عن مؤنته فقد حنث وأقره ابن رشد والله أعلم. ص: (وبالكلام أبدا في لا أكلمه الايام) ش: تصوره ظاهر.

[ 479 ]

فرع: من حلف لا أكلم فلانا أياما، فهل يلغي اليوم الذي حلف فيه ؟ ذكر في أول سماع سحنون من كتاب النذور فيه خلافا، وظاهر كلامه ترجيح القول بعدم الالغاء. وذكر في التوضيح في باب صلاة السفر أن الالغاء هو قول ابن القاسم وقد نبهت على ذلك في شرح

[ 480 ]

نظائر الرسالة، وانظر رسم البر من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق. ص: (وباذهبي الآن إثر لا كلمتك) ش: انظر رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق. ص: (ولا إن دفن مالا فلم يجده ثم وجده مكانه في أخذتيه) ش: انظر رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق.

[ 481 ]

تنبيه: قال البرزلي في مسائل الطلاق: من المسائل المنسوبة للرماح إذا حلف في دراهم أن زوجته أخذتها فثبت أن أخذها غيرها فإنه يحنث، بخلاف ما إذا وجدها لم يأخذها أحد لان تقدير الكلام إن مرت فما أخذها إلا هي. التونسي: هذا على المعنى وظاهر اللفظ أنه يحنث، وأما الاولى فمن لغو اليمين الذي لا يفيد في غير اليمين بالله تعالى، وانظر ما تقدم عن ألغاز ابن فرحون عند قول المصنف: وبوجود أكثر في ليس معي غيره. ص: (وبتركها عالما في لاخرجت إلا بإذني) ش: قال ابن رشد في رسم حلف من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق بعد أن ذكر مسألة العتبية: تحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا حلف على امرأته أن لا تخرج فليس لها أن تخرج إلى موضع من المواضع وإن أذن لها، وإذا حلف لامرأته أن تخرج فلها أن تخرج حيث شاءت إذا لم يأذن لها، وإذا حلف أن لا تخرج إلا بإذنه ولم يقل إلى موضع من المواضع فيجزئه أن يقول لها: اخرجي حيث شئت فيكون لها أن تخرج حيث شاءت وكلما شاءت فلا يحنث، وإن أذن لها في موضع بعينه فذهبت إلى غيره حنث، فإن ذهبت إليه ثم ذهبت منه لغيره فقيل: لا يحنث وهو قول ابن القاسم في الواضحة، وقيل: يحنث وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد وقول أصبغ في نوازله وفي الواضحة، فإن رجعت تاركة للخروج ثم خرجت ثانية من غير إذنه حنث، وإن رجعت من الطريق لشئ نسيته ونحو ذلك من ثوب تتجمل به ونحوه ثم خرجت ثانية على الاذن الاول فقيل: يحنث، وقيل: لا يحنث. اختلف في ذلك قول ابن القاسم فله في سماع أبي زيد إنه لا يحنث وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن نافع، وله في الواضحة أنه يحنث وهو قول أصبغ. وأما إذا حلف أن لا تخرج إلى موضع من المواضع إلا بإذنه أو قال إلى موضع ولم يقل من المواضع فأذن لها إلى موضع فخرجت إلى غيره أو إليه وإلى غيره حنث، وإن رجعت من الطريق غير تاركه للاذن ثم خرجت عليه ثانيا فعلى ما تقدم من الاختلاف. وإن قال لها: اخرجي حيث شئت فقيل: لا يجزئها الاذن وليس لها أن تخرج حتى تستأذنه في كل مرة وتعلمه بالموضع

[ 482 ]

التي تخرج إليه وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك ها هنا وقول مطرف وأصبغ، وقيل: يجزئها الاذن ولها أن تخرج بغير إذنه إلى حيث شاءت لانه قد عم في الاذن لها وهو قول ابن الماجشون وأشهب. فإن رجع عن الاذن بعد ما أذن لها فقال: لا تخرجي فخرجت على الاذن الاول حنث، وقد قيل: إنه لا يحنث انتهى. ص: (لا إن أذن لامر فزادت بلا علم) ش: ظاهر كلامه أن هذا مخرج من قوله: لا خرجت إلا بإذني وأنه إذا حلف لا خرجت إلا بإذني فأذن لها في الخروج لامر فزادت أنه لا حنث عليه وهو كذلك على أحد قولي ابن القاسم، وقد تقدم ذلك في كلام ابن رشد ونقله ابن عرفة وغيره، وحمل الشارح كلام المصنف هنا على مسألة أخرى وهي قوله في المدونة: وإن حلف أن لا يأذن لها إلا في عيادة مريض فخرجت في العيادة بإذنه، ثم مضت بعد ذلك إلى حاجة أخرى لم يحنث، لان ذلك بغير إذنه. ولو خرجت إلى الحمام بغير إذنه لم يحنث إلا أن يتركها بعد علمه، وحملها على الاول أظهر والله أعلم. ص: (وبعوده لها بعد بملك آخر في لا أسكن هذه الدار أو دار فلان هذه إن لم ينو ما دامت له لا دار فلان ولا إن خربت وصارت طريقا إن لم يؤمر به) ش:

[ 483 ]

يعني أن من حلف على دار لشخص أنه لا يسكن هذه الدار أو دار فلان هذه فخرجت الدار عن ملك ذلك الشخص لشخص آخر فسكنها الحالف بعد خروجها عن ملك الاول ودخولها في ملك الثاني، فإنه يحنث بعوده لها. هذا معنى كلامه، وما حمله عليه البساطي واعترضه ليس بظاهر جدا فإنه حمل كلام المصنف على أنه إذا حلف لا سكن هذه الدار وهي له ثم خرجت عن ملكه ثم عادت لملكه بسبب آخر ظاهر في عدم قصد تخيله وسكنها فإنه يحنث. انتهى فتأمله إن أردته والله أعلم. وقوله: ولا إن خربت وصارت طريقا إن لم يأمر به قال الشارح بهرام: وقيد المصنف ذلك بما إذا لم يأمر بذلك وانظر ما معناه. وقال ابن غازي: أي إن لم يأمر الحالف بتخريبها حتى صارت طريقا. هذا هو المتبادر من لفظه أنا لم نقف عليه لغيره، وإنما ذكر هذا في المدونة فيمن دخلها مكرها بعد ما بنيت فقال: وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت أو خربت حتى صارت طريقا فدخلها لم يحنث، وإن بنيت بعد ذلك فلا يدخلها، وإن دخلها مكرها لم يحنث إلا أن يأمرهم بذلك فيحنث. ويحتمل أن يكون المصنف فهم أن معنى ما في المدونة إلا أن يأمرهم بالهدم والتخريب وفيه بعد والله أعلم. والظاهر والله أعلم ما قاله ابن غازي أنه يحتمل أن الشيخ رحمه الله فهم أن الاستثناء راجع لاول المسألة وهو خلاف ما يفهم من كلام المدونة أن الاستثناء راجع إلى مسألة الادخال. وهو ظاهر كلام ابن يونس فإنه قال: قال ابن القاسم: وإن قال لهم: احملوني وادخلوني ففعل فهذا يحنث لا شك فيه انتهى والله أعلم. وأطلق المصنف رحمه الله كالمدونة، وظاهره سواء كان يمينه من أجل صاحبها أم لا. قال أبو الحسن الصغير إثر كلام المدونة المتقدم: وظاهرها كانت يمينه من أجل صاحبها أم لا. قال محمد: أما إن كانت يمينه من أجل صاحب الدار فلا شئ عليه في المرور، وإن كانت كراهية في الدار خاصة فلا يمر فيها. قال الشيخ أبو محمد صالح: يحتمل أن يكون قول محمد تفسيرا انتهى. فرع: قال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا دخل هذا البيت فحول مسجدا فلا يحنث بدخوله انتهى والله أعلم. تنبيه: قال ابن ناجي: وأخذ من قول المدونة: وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت الخ. مسألتان: إحداهما: من ترك ربعه للناس يمشون فيه أنه لا يكون حبسا ولو طال وهذا

[ 484 ]

الاخذ نقله شيخنا حفظه الله وعرفت أنها وقعت بالمهدية منذ أيام قلائل، وأفتى فيها شيخنا المذكور بما قلنا، فأوقف على ما كان أفتى به شيوخنا أنه إن طال مشي الناس فيه فإنه يكون حبسا، فروجع في ذلك فأفتى به، والثانية: أخذ منها بعض شيوخنا أن المسجد إذا خرب صار طريقا ودخله رجل فإنه لا يطلب فيه بتحية المسجد. انتهى والله أعلم. ص: (في لا باع منه أو له بالوكيل إن كان من ناحيته) ش: هاتان المسألتان في المدونة، وترك المصنف قيدا من قيود المسألة وهو أن لا يكون الحالف عالما بأنه وكيله، فإن علم فإنه يحنث، سواء كان من ناحيته أم لا. وأجرى أبو الحسن التأويلين المتقدمين في قوله: وبه لوكيل هنا فانظره. وقوله: إن كان من ناحيته أشار به لما قاله في المدونة، وإن حلف أن لا يبيع لفلان شيئا فدفع فلان ثوبا بالرجل فأعطاه الرجل للحالف فباعه ولم يعلم به، فإن لم يكن الرجل من سبب فلان وناحيته مثل الصديق الملاطف أو من في عياله ونحوه لم يحنث وإلا حنث. قال أبو الحسن: قال اللخمي: اختلف فيمن هو من سببه فقال ابن القاسم في المدونة: الصديق الملاطف ومن هو في عياله أو هو في ناحيته. وقال ابن حبيب: هو الذي يدبر أمره أب أو أخ ممن يلي أمره، وأما الصديق والجار والجلساء فلا. انتهى. فرع: قال ابن يونس: وانظر لو اشترى لنفسه ثم ولي المحلوف عليه بحضرة المبيع في الموضع الذي يكون عنده المولى على البائع، هل يحنث البائع لان المحلوف عليه هو يطلبه بعهدة الاستحقاق، أم لا يحنث لان الحالف لم يطلب بثمنه إلا المولى ؟ انظر بقيته، وشبهه مسألة من حلف لا يشتري لامرأته شيئا فلولاها ما اشتراه لنفسه، وهي في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من النذور ورسم تسلف منه. ص: (وإن قال حين البيع أنا حلفت فقال هو لي ثم صح أنه ابتاع له لزم البيع) ش: هذا مبالغة في الكلام السابق. قال أبو الحسن: قال أبو إسحاق: لو قال المشتري بعد الشراء لفلان بعد تقدم قوله لنفسي اشتريته لم

[ 485 ]

يحنث بذلك الحالف لانه غير مصدق فيما يدعي بعد أن قال لنفس اشتريته انتهى. قال ابن ناجي: قال بعض شيوخنا: يقوم منها أنه لو قال له: أنا أبيع منك بشرط أنك إن اشتريت لفلان فلا بيع بيننا فثبت الشراء لفلان فإنه يحنث. وقول التونسي واللخمي ينبغي أن لا يحنث ولا ينعقد البيع رد بقولها. قال ابن ناجي: قلت: وفيما ذكره نظر، لان مسألة المدونة انعقد البيع بين المتبايعين وكان البائع صدق ثم تبين كذبه، وفي مسألتها البيع لم ينعقد والصواب الرد عليهما بقولها في البيوع الفاسدة، وإن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وإلا فلا بيع فإن البيع ماض والشرط باطل انتهى. ص: (وأجزأ تأخير الوارث في إلا أن تؤخرني) ش: قال ابن ناجي: قال بعض شيوخنا: وظاهر الكتاب أنه لو لم تؤخره الورثة أنه حانث، وهو خلاف نقل ابن حارث عن المجموعة: لو حلف لاقضينك إلى أجل كذا فمات ربه قبل فقضى ورثته بعد الاجل لم يحنث انتهى. وانظر أبا الحسن الصغير. ص: (لا في دخول دار) ش: قال في المدونة: وإن حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار زيد أو لا يقضيه حقه إلا بإذن. محمد: فمات محمد لم يجزه إذن ورثته إذ ليس بحق يورث. قال أبو الحسن: قال ابن المواز: فإذا أذن له فدخل فلا يدخل ثانية إلا بإذن ثان، وإن مات فقد انقطع الاذن وصار كمن حلف أن لا يدخل الدار مبهما إلا أن يقول له: قد أذنت لك أن تدخل كلما شئت فيكون ذلك له، وإن أذن له فلم يدخل حتى نهاه قال أشهب: فقد قيل لا يدخل، فإن دخل حنث لانه دخل بغير إذنه انتهى. ثم قال: قوله إذ ليس بحق يورث. ابن المواز: وإن زوجت امرأة مملوكتها لعبد امرأة فعلمت سيدته ففرقت بينهما فحلفت سيدة الجارية لا زوجتها إياه ثانية إلا برضا سيدته وورثه ورثتها، فلها أن تزوجها للعبد بإذن ورثتها الذين ملكوه لان هذا حق ورثوه فهم كميتهم انتهى. وهذا على مراعاة المقاصد ظاهر، وأما على مراعاة الالفاظ فقد يقال: إنها تحنث فتأمله والله أعلم. ص: (وتأخير وصي بالنظر ولا دين) ش: قال ابن ناجي: المشهور لا يجزئ تأخير الوصي مع الغرماء خلافا لاشهب. انتهى بالمعنى. قال أبو الحسن: قال اللبيدي عن أبي محمد: يجوز تأخير الوصي الغريم بأحد أربعة أشياء: أحدها: أن يكون التأخير يسيرا. الثاني: خوف الجحود. الثالث: خوف المخاصمة. الرابع: أن يشك هل هو نظر أم لا. الشيخ أبو الحسن: إذا أخره التأخير الكثير برئ الحالف من اليمين والوصي ظالم لنفسه انتهى. وأطلق في المدونة هنا تأخير الوصي وقيده في الوصايا بالنظر. ص: (وتأخير غريم

[ 486 ]

إن أحاط وأبرأ) ش: قال ابن ناجي: قال بعض شيوخنا: وكذا في حياته إذا فلس، وقيد أبو عمران قولها بكون الحق من جنس دين الغرماء وتكون حوالة ويقضي بها، يريد وإلا جاء فسخ الدين في الدين انتهى. قال أبو الحسن: وانظر إذا لم يتجانس الدينان، هل يكون مثل تأخير الوصي لا للنظر أو مثل القضاء الفاسد ؟ انتهى. فرع: قال أبو الحسن: قال ابن القاسم: وهذا إنما يكون إذا جعل الورثة ما بأيديهم من الخيار بأيدي الغرماء، ألا ترى أن الطالب إذا أحال على غريم له فأخر المحال عليه لم يبر إلا أن يجعل الطالب ذلك إليه انتهى. وقوله: إذا أحال على غريم له يريد وكان ذلك الغريم حلف له ليقضينه إلا أن يؤخره. ونقله ابن عرفة عن ابن القاسم في المجموعة. فرع: قال مالك في كتاب محمد: إن حلف ليقضينه رأس الشهر إلا أن يؤخره فأخره شهرا. ثم قال: المطلوب بعد حلول الشهر الآخر ما بقي على يمين قال مالك: اليمين عليه فإن لم يقضه حنث انتهى. فرع: فإن أنظره الطالب من قبل نفسه ولم يعلم الحالف قال مالك: عسى به أن يجزئه. وقال ابن وهب: هو في سعة. اللخمي: هذا على مراعاة الالفاظ لانه قال: إلا أن يؤخرني وقد أخره، وعلى مراعاة المقاصد وهو أحسن يحنث لانه قصد أن لا يلد فإذا لم يعلم بتأخيره فقد لد. انتهى من اللخمي. ص: (وفي بره في لاطأنها فوطئها حائضا) ش: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم في ليطأنها لا يبر بوطئها حائضا ولا في رمضان ويحنث في لا وطئها بأحدهما. ابن رشد: الصواب نقل محمد عن ابن القاسم بره بذلك انتهى. والمسألة في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق فانظرها. ص: (وفي لتأكلنها فخطفتها هرة فشق جوفها وأكلت أو بعد فسادها قولان) ش: ظاهر كلامه أنها لو لم تتوان ففي حنثه قولان. قال الشارح

[ 487 ]

في الصغير: والقول بالبر حكاه في التوضيح عن ابن القاسم، والقول بالحنث إن لم يتوان لم أقف عليه انتهى. وما قاله ظاهر، والمسألة في سماع أبي زيد من الايمان بالطلاق قال فيه في رجل تغذى مع امرأته لحما فجعلت المرأة لحما بين يديه ليأكله فأخذ الزوج بضعة فقال لها: كلي هذه فردتها. فقال لها: أنت طالق إن لم تأكليها. فجاءت هرة فذهبت بها فأكلتها فأخذت الهرة فذبحتها فأخرجت البضعة فأكلتها المرأة، هل يخرج من يمينه ؟ فقال: ليس ذبح الهرة ولا أكلها ولا إخراج ما في بطنها ولا أكله من ذلك بشئ، ولا يخرجه ذلك من يمينه في شئ يحنث فيه. فإذا كان ساعة حلف لم يكن بين يمينه وبين أخذ الهرة قدر ما تتناولها المرأة وتحوزها دونها فلا

[ 488 ]

شئ عليه، وإن توانت قدر ما لو أرادت أن تأخذها وتحوزها دونها فعلت فهو حانث. ابن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وهو صحيح على المشهور من المذهب من حمل الايمان على المقاصد التي تظهر من الحالفين وإن خالف في مقتضى ألفاظهم، لان الحالف في المسألة لم يرد إلا أن تأكلها وهي على حالها مستمرة مساغة لا على أنها مأكولة تعاف. وقد روى أبو زيد عن ابن الماجشون أنها إن استخرجت من بطن الهرة صحيحة كما هي بحدثان ما بلعتها من قبل أن يتحلل في جوفها شئ منها فأكلتها فلا حنث عليه. وهذا يأتي على مراعاة ما يقتضيه اللفظ وهو أصل مختلف فيه انتهى. فلم يذكر قولا بالحنث إذا لم تتوان بل الخلاف إنما هو مع التواني، فابن القاسم يحنثه بذلك، وابن الماجشون لا يحنثه وهذا هو الجاري على الاصل المعلوم من المحلوف عليه إذا منع منه مانع عقل لا يحنث بفواته كما قال في المدونة في مسألة الحمامات. وقد ذكر أبو الحسن في التفريع على مسألة الحمامات قال: وانظر لو حلف لرجل على قطعة لحم فانتهبتها هرة، فإن أكلتها لحينها لم يحنث، وإن دخلت بها في غار حيث لا يقدر عليها كانت كمسألة السارق فيحنث اه‍. وقد ذكر الرجراجي أيضا في آخر كتاب الايمان خطف الهرة وشق جوفها، وذكر قول ابن القاسم ولم يذكر قولا بالحنث إذا لم يتوان، فعلم من هذا أنها ان لم اتتوان لا حنث عليه ولو لم يشق جوف الهرة ويخرجها، والعجب من الشارح كيف إن لم اعترض على المصنف هنا وذكر القولين في شامله. فرع: قال ابن عبد السلام: وفي المجموعة عن ابن دينار وأشهب في الحالف ليشترين لزوجته بهذا الدينار ثوبا فخرج به لذلك فسقط منه، فإن كان أراد بالدينار بعينه فقد حنث، وإن أراد الشراء به وبغيره فليشتر بغيره ولا يحنث انتهى. مسألة: قال صاحب القبس في كتاب الصلاة منه: حلف شخص بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا الدست، فجاء رجل فخبط عليهم ذلك الدست قال: اختلف فتاوى الفقهاء فيه حينئذ، فأفتى بعض الشافعية بعدم حنثه، وأفتى غيرهم بحنثه، واجتمعت بعد ذلك بالطرطوشي فأفتى بعدم الحنث. انتهى من الذخيرة والله أعلم.

[ 489 ]

فصل في النذر التزام مسلم مكلف قال في الاكمال: نذر بكسر الذال المعجمة نذارة علم بالشئ ونذرت لله تعالى نذرا بفتحها معناه وعدت. ابن عرفة: النذر الاعم من الجائز إيجاب امرئ على نفسه لله تعالى أمرا لحديث: من نذر أن يعصي الله. وإطلاق الفقهاء على المحرم نذرا وأخصه المأمور بأدائه التزام طاعة بنية قربة لا لامتناع من أمر هذا يمين حسبما مر. وقاله ابن رشد انتهى. وقوله: مسلم قال ابن عرفة ابن رشد: أداء ملتزمه كافرا بعد إسلامه عندنا ندب. ابن زرقون: المغيرة فوجب الوفاء بما نذر بالكفر انتهى. وقوله: مكلف قال ابن رشد في المسألة الثانية من رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النذور: ولا اختلاف أعلمه أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه إلا أنه يستحب له الوفاء به انتهى. وقال ابن عرفة: وشرط إيجاب الحنث الكفارة وغيره في التعليق في يمين كذلك من مكلف مسلم ينفذ منه انتهى. وشمل قوله: مكلف العبد والامة لان الحرية ليست بشرط في النذر فيجب عليهما الوفاء بما نذرا، لكن للسيد منعهما من الوفاء به في حال الرق، فإذا أعتقا وجب عليهما الوفاء بما نذرا، فإن رد سيدهما النذر وأبطله فاختلف في ذلك، قال في كتاب العتق من المدونة: وإذا قال العبد: كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر فعتق ثم ابتاع رقيقا قبل الاجل فإنهم يعتقون ولا يعتق عليه من العبيد ما يملك وهو في ملك سيده إذ لا يجوز عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده، سواء تطوع

[ 490 ]

بعتقهم أو حلف بذلك فحنث إلا أن يعتق وهم في يده فيعتقون. وهذا إذا لم يرد السيد عتقه حين عتق، وأما إن رده سيده قبل عتقه وبعد حنثه لم يلزمه فيهم عتق ولزمه بعد عتقه عتق ما يملك بقية الاجل. وكذلك أمة حلفت بصدقة مالها أن لا تكلم أختها فعليها إن كلمتها صدقة ثلث مالها ذلك بعد عتقها إذا لم يرد السيد ذلك حتى عتقت انتهى. وقال في كتاب الكفالة: ولا يجوز لعبد ولا مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد كفالة ولا عتق ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو معروف عند الناس إلا بإذن السيد، فإن فعلوا بغير إذنه لم يجز إن رده السيد، فإن رده لم يلزمهم وإن عتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك، علم السيد قبل عتقهم أم لم يعلم انتهى. وقال ابن عرفة: ونذر ذي رق ما يلزم الحر يلزمه ولربه منعه فعله. ابن حارث: اتفقوا في الامة تنذر مشيها إلى مكة فيرده ربها ثم تعتق أنه يلزمها لو رد صدقة نذرها ففي سقوطها قول سحنون ورواية اعتكافها، وفي سقوط نذره برد ربه عتقه متقدم نقل اللخمي عن ابن القاسم وأشهب في نذره حجا انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: من سئل أمرا فقال: علي فيه صدقة أو مشى كاذبا إنما يريد أن يمنعه لا شئ عليه، إنما يلزمه في العتق والطلاق إذا كانت عليه بينة انتهى.

[ 491 ]

تنبيه: تقدم في باب اليمين عند قول المصنف بذكر اسم الله في اليمين هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ، وتقدم ما في ذلك من الخلاف، وانظر أيضا هل ينعقد النذر بالكلام النفسي وحده أو لا ينعقد أو يدخله الخلاف كما في اليمين. قال القرافي في كتاب الاحكام في تمييز الفتاوى من الاحكام في الفرق بين النذر والحكم: السؤال الثالث والعشرون: فإذا قلتم: إن حكم الحاكم إنشاء في النفس والنذر أيضا إنشاء حكم لم يكن متقررا فقد استويا في الانشاء وإن كليهما متعلق يجري دون شرع عام، فهل بينهما فرق أو هما سواء ؟ وجوابه أنهما وإن استويا في الانشاء فبينهما فروق: أحدهما: أن العمدة الكبرى في النذر اللفظ فإنه السبب الشرعي الناقل لذلك المندوب المنذور إلى الوجوب كما أن سبب حكم الحاكم إنما هو الحجة وسبب حكم الحاكم يستقل دون نطق، والقول الواقع بعد ذلك إنما هو إخبار بما حكم به وأمر بالتحمل عنه الشهادة في ذلك انتهى. وقال الحفيد بن رشد في بداية المجتهد: واتفقوا على لزوم النذر المطلق في القرب إلا ما حكي عن بعض أصحاب الشافعي أن النذر المطلق لا يجوز، وإنما اتفقوا على لزوم النذر المطلق إذا كان على وجه الرضا لا على وجه اللجاج. وصرح فيه بلفظ النذر لا إذا لم يصرح. والسبب في اختلافهم في التصريح بلفظ النذر في النذر المطلق هو اختلافهم، هل يجب النذر بالنية واللفظ معا أو بالنية فقط ؟ فمن قال بهما معا قال: إذا قال لله علي كذا كذا ولم يقل نذرا لم يلزمه شئ لانه إخبار بوجوب شئ لم يوجبه الله عليه إلا أن يصرح بجهة الوجوب. ومن قال: ليس من شرطه اللفظ قال: ينعقد النذر وإن لم يصرح بلفظه وهو مذهب مالك أعني أنه إذا لم يصرح بلفظ النذر أنه يلزمه وإن كان من مذهبه أن النذر لا يلزم إلا بالنية واللفظ لكن رأى أن حذف لفظ النذر من القول غير معتبر وإن كان المقصود من الاقاويل التي مخرجها مخرج النذر وإن لم يصرح فيها بلفظ النذر. وهذا مذهب الجمهور والاول مذهب سعيد بن المسيب انتهى. ونقله الجزولي في شرح قول الرسالة. ومن قال: إن فعلت كذا بلفظ قال الحفيد: اختلفوا إذا لم يلفظ بالنذر، هل يلزم أم لا ؟ إلا أنه يلزمه على اختلافهم هل يلزمه بالنية أو بلفظ النذر. مالك: يلزمه بالنذر. وقيل: لا يلزمه إلا إذا لفظ به. ثم قال الشيخ: قال ابن فرس: اختلفوا فيه على قولين. المشهور أنه يلزمه. وقيل: لا يلزمه إلا إذا لفظ بالنذر انتهى. والظاهر المتبادر أن حكمه حكم اليمين ويؤخذ ذلك من قول المصنف في باب الاعتكاف لا النهار فقط فباللفظ فتأمله والله أعلم. ص: (ولو قال إلا أن يبدو لي أو أرى خيرا منه) ش: في بعض النسخ: ولو قال: وفي بعضها وإن وهي الاحسن

[ 492 ]

لان هذا الفرع في ظني أنه عار من الخلاف والله أعلم. قال في القوانين: ينظر في النذر إلى النية ثم إلى العرف ثم إلى مقتضى اللفظ لغة ولا ينفع فيه الاستثناء بالمشيئة انتهى. يريد إلا المبهم. قال في المدونة: وكذلك الاستثناء بمشيئة الله في العتق والطلاق والصدقة والمشي، وأما في النذر المبهم فيفيد انتهى. وتقدم كلام المدونة في باب اليمين عند قول المصنف ولم يفد في غير الله كالاستثناء بإن شاء الله والله أعلم. ص: (بخلاف إلا أن يشاء فلان فبمشيئته) ش: قال أبو الحسن الصغير: فلو مات قبل أن يجيز أو يرد فلا شئ على الحالف انتهى. ص: (وإنما يلزم به ما ندب) ش: قال ابن عرفة: نذر المحرم محرم وفي كون المكروه والمباح كذلك أو مثلهما قولا الاكثر مع ظاهر الموطأ والمقدمات انتهى. وما عزاه لابن رشد في المقدمات نحوه له في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق ونصه: النذر ينقسم على أربعة أقسام: نذر في طاعة الله يلزم الوفاء به، ونذر في معصية يحرم الوفاء به، ونذر في مكروه يكره الوفاء به، ونذر في مباح يباح الوفاء به انتهى. قال في التوضيح: وقسم اللخمي نذر المعصية كصوم يوم الفطر أو الاضحى على ثلاثة أقسام: إن كان الناذر عالما بتحريم ذلك استحب له أن يأتي بطاعة من جنس ذلك، وإن كان جاهلا بالتحريم فظن أن في صومه فضلا عن غيره لمنعه نفسه لذتها في ذلك اليوم فهذا لا يستحب له القضاء ولا يجب عليه، وإن كان يظن أنه في جواز الصوم كغيره كان في القضاء قولان. انتهى باختصار وانظر ابن ناجي على الرسالة. فائدة: قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ومن نذر أن يصلي أو يعتكف في مسجد من المساجد النائية عن محله لم يلزمه ما نصه. فإن قلت: هل في قول المؤلف: لم يلزمه دليل على جواز الاقدام على الوفاء بذلك والذهاب إلى المسجد النائي لاجل الصلاة أو الاعتكاف لما علمت أن عدم اللزوم أعم من المنع ؟ قلت: لا دلالة فيه على ذلك لان عدم اللزوم كما هو أعم من المنع فكذلك هو أعم من الاذن. وأيضا فإن غالب مسائل النذر أو جميعها لا تخرج عن قسمي الوجوب والتحريم، لان نذر الطاعة لازم ونذر ما عداها لا يلزم ولا يجوز الوفاء به كنذر المشي في السوق أو لبس

[ 493 ]

ثوب وشبهه انتهى. ص: (كلله علي أو على ضحية) ش: قال ابن الفرس في أحكام القرآن في سورة المائدة: واختلف في المذهب إذا قال: لله علي أن أفعل كذا وكذا وأن لا أفعل كذا لقربة من القرب ولم يأت بلفظ النذر هل يلزم أم لا ؟ فعندنا فيه قولان، والصحيح لزومه لقوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * انتهى ص: (ونذر المطلق) ش: يشير به لقول ابن رشد: النذر ثلاثة أقسام: مستحب وهو النذر المطلق الذي يوجبه الرجل على نفسه شكرا لله تعالى على ما كان ومضى انتهى. وقال في التلقين: ويلزم بإطلاقه انتهى. وقال البساطي: يعني إذا قال: علي نذر ولم يعلقه بشئ معين لا يلزم الوفاء به ويندب له أن يفعل شيئا مما يقبل أن ينذر انتهى. وهذا ليس بظاهر لان هذا نذر مبهم وفيه كفارة يمين فتأمله والله أعلم. ص: (وكره المكرر) ش: انظر قوله هذا مع قوله في الصيام: ونذر يوم مكرر فإن الظاهر أن فيه تكرار والله أعلم. ص: (وفي كره المعلق تردد) ش: الكراهة فيه وفيما قبله مع لزومها. قال في التلقين: ويلزم عند وجود شرطه وسواء كان شرطه مباحا أو محظورا أو طاعة أو معصية، كان فعلا للناذر أو لغيره من العباد أو من فعل الله تعالى انتهى. وقال القرطبي: ورد في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة

[ 494 ]

والسلام أنه قال: لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئا. قال القرطبي: محل النهي أن يقول إن شفى الله مريضي فعلي عتق أو صدقة ونحوه. ووجهه أنه لما وقف فعل القربة على حصول غرض عاجل ظهر أنه لم ير بتمحض نيته التقرب إلى الله تعالى بل سلك سبيل المعاوضة وهذا حال البخيل الذي لا يخرج من ماله إلا بعوض عاجل أكثر منه، ثم ينضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله يفعل له ذلك الغرض لاجل النذر وإليهما الاشارة بقوله: فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئا فالاولى تقارب الكفر والثانية خطأ صراح. وإذا تقرر هذا، فهل النهي محمول على التحريم أو على الكراهة ؟ المعروف من مذاهب العلماء الكراهة. قلت: والذي يظهر لي التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك، وإذا وقع النذر على هذه الصفة وجب الوفاء به قطعا من غير خلاف. ومما يلحق هذا في الكراهة النذر على وجه التبرم والتحرج، فالاولى لمن يستثقل عبدا لقلة منفعته وكثرة مؤنته فينذر عتقه تخلصا منه وإبعادا له. وإنما كره ذلك لعدم تمحض نية القربة، والثاني أن يقصد التضييق على نفسه والحمل عليها بأن ينذر كثيرا من الصوم أو الصلاة أو غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والمشقة مع القدرة عليه، أما لو التزم بالنذر ما لا يطيقه لكان محرما. وأما النذر الخارج عما تقدم فما كان منه غير معلق على شئ وكان طاعة جاز الاقدام عليه ولزم الوفاء به، وأما ما كان منه على وجه الشكر فهو مندوب إليه كمن شفي مريضه فذر أن يصوم أو يتصدق انتهى. فرع: قال ابن عرفة: ووجوب أداء النذر المعلق على أمر بحضوره واضح. وبحضور بعضه ظاهر الروايات عدمه بخلاف اليمين. وسمع أبو زيد ابن القاسم: من نذر إن رزقه الله

[ 495 ]

ثلاثة دنانير صام ثلاثة أيام فصامها بعد أن رزق دينارين ثم رزق الثالث لم يجزه صومه، ولو نذر إن قضى الله عنه دينه مائة دينار صام ثلاثة أشهر فصامها بعد قضاء المائة إلا دينارا ونصفا أرجو أن يجزئه. وأفتى به وضعفه. ابن رشد: القياس عدم إجزائه ووجه رجائه اعتبار كون التعليق على زوال ثقل الدين، ويقوم من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقة أنه يلزمه أن يصوم بقدر ما أدى الله عنه فالاقوال ثلاثة انتهى. ص: (ولزم البدنة بنذرها) ش: يجوز إثبات التاء كما في بعض النسخ وحذفها كما في بعضها أيضا لان البدنة تطلق على الذكر والانثى فليس بمؤنث حقيقي والله أعلم. ص: (ثم سبع شياه لا غير) ش: قال ابن عرفة: وفيها لا أعرف لمن لم يجد الغنم صوما إن أحب صيام عشر الايام. فإن أيسر كان عليه ما نذر لقول مالك في عاجز عن عتق ما نذره لا يجب به صوم إن أحب صيام عشرة أيام فإن أيسر أعتق. الصقلي: إن شاء صام عشرة أيام، وقيل: شهرين إن لم يجد رقبة ولم أره انتهى. وهو في أول كتاب النذور من المدونة. ص: (وصيام بثغر) ش: هذا مكرر مع قوله في الاعتكاف: وإتيان ساحل لنذر صوم به مطلقا والله أعلم. فرع: قال في النوادر من العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال: لله علي صيام

[ 496 ]

ولم يسمه أو قال: صدقة، فإنه يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم وبنصف الدرهم والربع درهم. قيل: فالفلس والفلسين ؟ قال: ما زاد فهو حسن انتهى. والمسألة في نوازل سحنون من كتاب النذور. وقال ابن رشد في شرحها: وهذا إذا لم تكن للحالف نية ولا بساط ولا عرف ولا مقصد. قال في الذخيرة: قال في الجواهر: الناذر الصوم يلزمه يوم انتهى. وقال في القوانين: إذا نذر الصوم ولم يعين عددا كفاه يوم واحد، وكذلك إذا نذر صلاة ولم يعين شيئا كفته ركعتان. فرع: قال في الشامل: وأتى بعبادة كاملة إن نذر صوم بعض يوم أو صلاة ركعة أو طواف شوط. وقيل: لا شئ عليه انتهى. فرع: فلو نذر أن يصوم أياما كان عليه أن يصوم ثلاثة أيام. قاله اللخمي في كتاب الصوم. فرع: قال في النوادر: ومن العتبية قيل: فمن نذر إطعام مساكين أيطعم كل مسكين خمس تمرات ؟ قال: ما هذا وجه إطعامهم إلا أن ينوي ذلك فلذلك له، وإن لم ينو فليطعم كل مسكين مدا بمد النبي (ص) يقول الله تعالى: * (فإطعام عشرة مساكين) * فكان مدا لكل مسكين انتهى. وهذه المسألة في أواخر سماع أشهب من كتاب النذور. وقال ابن رشد في شرحها: وليس هذا بواجب عند مالك وإنما ذلك استحسان منه والله أعلم انتهى مختصرا بالمعنى. ص: (وثلثه حين يمينه) ش: تصوره ظاهر، وهذا إذا لم يكن عليه دين. قال البرزلي في أول كتاب الايمان: وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بالصدقة وعليه دين فأجاب: يؤدي دينه ومهر امرأته، وإن بقي شئ تصدق بثلثه. قال البرزلي: قلت: هذا في الحقوق المعينة فإن كان مستغرق الذمة لغير معين ففيه خلاف انتهى. تنبيه: وإذا وجب عليه إخراج الثلث فتارة لا يقتضى عليه بذلك ولكن يؤمر به من غير قضاء، وتارة يقضى عليه ذلك. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: ومن جعل ماله هديا أو صدقة أجزأه ثلثه ولا يقضى عليه بذلك إن جعله لمساكين غير معينين، وإن جعله لمعينين فإنه يقضى عليه به، وإن جعله لمسجد معين قيل: يقضى عليه، وقيل: لا يقضى عليه انتهى. قال المصنف في آخر باب الهبة: وإن قال: داري صدقة بيمين مطلقا أو بغيرها ولم يعين لم يقض عليه بخلاف المعين، وفي مسجد معين قولان انتهى. وقال في باب العتق: ووجب بالنذر ولم يقض إلا بيت معين انتهى. وقال في المدونة في كتاب الهبات: ومن قال: داري صدقة على المساكين أو رجل بعينه في يمين فحنث لم يقض عليه بشئ، وإن قال ذلك في غير يمين بتلا فليقض عليه إن كان الرجل بعينه. ولو قال: كل مال أملكه صدقة على المساكين لم أجبره على صدقة بثلث ماله وآمره بإخراج صدقة ثلث من عين

[ 497 ]

وعرض ودين ولا شئ عليه في أم ولده ومدبرته، وأما المكاتبون فيخرج ثلث قيمة كتابتهم. فإن رقوا يوما ما نظر إلى قيمة رقابهم، فإن كان ذلك أكثر من قيمة كتابتهم يوم أخرج ذلك فليخرج ثلث الفضل. قال: وإن لم يخرج ثلث ماله حتى ضاع ماله كله فلا شئ عليه، فرط أو لم يفرط. وكذلك إن قال ذلك في يمين فحنث فلم يخرج ثلث حتى تلف جل ماله فليس عليه إلا إخراج ثلث ما بقي في يديه انتهى. قال الشيخ أبو الحسن في شرح مسألة الدار: وحيث قالوا: يؤمر ولا يجبر ليس لانه لا يجبر عليه بل هو واجب عليه فيما بينه وبين الله. ونقل عن ابن رشد أنه أثم في الامتناع من الاخراج. وقال ابن عرفة الباجي عن محمد عن ابن القاسم وأشهب: لو امتنع من جعل ماله صدقة من إخراج ثلثه إن كان لمعين أجبر عليه، ولغير معين في جبره قولان: لابن القاسم وأشهب محتجا بأنه لا يستحق طلب معين ويلزمه في الزكاة. قلت: لها طالب معين وهو الامام انتهى. ثم ذكر مسألة الدار المذكورة عن كتاب الهبات ولم يذكر نص المدونة الذي بعدها مع أنه صريح في مسألة الباجي، والعجب من الباجي حيث لم يعز القول بعدم الجبر للمدونة وإنما عزاه لاشهب، بل ظاهر المدونة أن ابن القاسم موافق عليه إذ لم يذكر خلافه. وقد قال سند في آخر كتاب الحج: إن عادته إذا روى ما لا يرتضيه أن يبين مخالفته له فتأمله والله أعلم. تنبيه: علم مما تقدم ما يخرج ثلثه وما لا يلزمه إخراجه كما تقدم في نص المدونة. فروع: الاول: قال أبو الحسن في شرح قوله: ولو قال: كل مال أملكه قال عبد الحق عن بعض الشيوخ: لو كان ذلك على رجل بعينه لزمه إخراج جميع ماله. قال: ويترك له كما يترك لمن فلس ما يعيش به هو وأهله الايام. ابن المواز: كالشهر ذكره في غير هذا الموضع. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن ونقله في التوضيح عن النوادر وعن صاحب النكت، وانظر هل يقام مثل ذلك فيما إذا نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله فتأمله والله أعلم. الثاني: قال ابن عبد السلام: إذا حلف بصدقة ما يفيده أو يكسبه أبدا فحنث فلا شئ عليه. ابن رشد: باتفاق المذهب. وأما إن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده أبدا فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولا واحدا، وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى أجل كذا فيلزمه إخراج ذلك قولا واحدا. واختلف إذا حلف بصدقة ما يفيده أو يكتسبه إلى مدة ما أو في بلدة ما فحنث عند ابن القاسم وأصبغ لا يلزمه شئ، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم إخراج جميع ما يفيده ابن رشد: وهو القياس انتهى. الثالث: قال ابن عبد السلام: وإذا قال لرجل: كل مال أملكه إلى كذا من الاجل صدقة إن فعلت كذا فحنث فيها خمسة أقوال قول ابن القاسم وابن عبد الحكم يلزمه إخراج ثلث

[ 498 ]

ماله الساعة وجميع ما يملكه إلى ذلك الاجل انتهى. ص: (إلا أن ينقص فما بقي) ش: سواء كان النقصان من سببه أو من أمر من الله دون تفريط. قاله في التوضيح وتخيره، وظاهره كان النقصان بعد الحنث أو قبله. فأما قبل الحنث فالمشهور ما قاله، وإن لم يبق شئ فالظاهر أنه لا يلزمه شئ، وأما بعد الحنث فثلاثة أقوال: قال ابن القاسم: يضمن إذا أنفقه أو ذهب منه كزكاة فرط فيها حتى ذهب المال. وقال أشهب: لا شئ عليه فيما أنفقه بعد الحنث. وقال سحنون: إذا فرط في إخراج الثلث حتى ذهب المال ضمن. وفي الواضحة: من حلف بصدقة ماله فحنث ثم ذهب ماله باستنفاق فذلك دين عليه، وإن ذهب بغير سببه فلا يضمن ولا يضره تفريط حتى أصابه ذلك. ص: (وهو الجهاد والرباط بمحل خيف) ش: قال في كتاب النذور من المدونة: إذا جعل ماله أو غيره في سبيل الله فذلك الجهاد والرباط من السواحل والثغور وليس جدة من ذلك فإنما كان الخوف فيها مرة انتهى. وقال في كتاب الحبس: ومن حبس في سبيل الله فرسا أو متاعا فذلك في الغزو، ويجوز أن يصرف في مواحيز الرباط كالاسكندرية ونحوها. وأمر مالك في مال جعل في سبيل الله أن يفرق في السواحل من الشام ومصر ولم ير جدة من ذلك. قيل له: قد نزل بها العدو. قال: كان ذلك أمرا خفيفا. وسأله قوم أيام كان من دهلك ما كان وقد تجهزوا يريدون الغزو إلى عسقلان والاسكندرية وبعض السواحل، واستشاروه أن ينصرفوا إلى جدة فنهاهم عن ذلك وقال لهم: الحقوا بالسواحل انتهى. قال في التوضيح بعد ذكره كلام مالك: وهو مقيد بما إذا كان حالها اليوم كحالها في الزمن المتقدم، وذلك لان الثغر في الاصطلاح موضوع للمكان المخوف عليه العدو فكم من رباط في الزمان المتقدم زال عنه ذلك الوصف في زماننا وبالعكس انتهى. وأصله لابن عبد السلام وزاد: فيجب أن لا يحكم على موضع ما أبدا بأنه ثغر كما يعتقده بعض جهلة زماننا انتهى. وقال ابن عرفة الباجي: إذا ارتفع الخوف من الثغر لقوة الاسلام به أو بعده عن العدو زال حكم الرباط عنه، وقد قال مالك فيمن جعل شيئا في السبيل: لا يجعله بجدة لان الخوف الذي كان بها قد ذهب. الشيخ عن ابن حبيب: روى إذا نزل العدو بموضع مرة فهو رباط

[ 499 ]

أربعين سنة انتهى. والمواحيز بالحاء المهملة النواحي جمع ماحوز. قال في المدونة في كتاب الجهاد: ولا بأس بالطوى من ما حوز إلى ماحوز أن يقول لصاحبه: خذ بعثي وآخذ بعثك. قال أبو الحسن: قوله: ماحوز إلى ماحوز أي من ناحية إلى ناحية. قال عبد الحق: والطوى المبادلة انتهى. وجدة هي الآن ساحل مكة الاعظم. وعثمان رضي الله عنه أول من جعلها ساحلا بعد أن شاور الناس في ذلك لما سئل في سنة ست وعشرين من الهجرة وكانت الشعبية ساحل مكة قبل ذلك. قال القاضي تقي الدين في تاريخه عن الفاكهي بسنده: قال رسول الله (ص): مكة رباط وجدة جهاد وعن ابن جريج إني لارجو أن يكون فضل رباط جدة على سائر المرابط كفضل مكة على سائر البلاد. وعن وضوء بن فخر قال: كنت جالسا مع عباد بن كثير في المسجد الحرام فقلت: الحمد لله الذي جعلنا في أفضل المجالس وأشرفها. قال: وأين أنت عن جدة ؟ الصلاة فيها بسبعة عشر ألف ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف، وأعمالها بقدر ذلك، يغفر للناظر فيها مد بصره. قال: قلت: رحمك الله مما يلي البحر ؟ قال: مما يلي البحر. وعن عبيد الله بن " سعيد قال: جاءنا فرقد السنجي بجدة فقال: إني رجل أقرأ هذه الكتب وإني لاجد فيها مما أنزل الله عزوجل من كتبه جدة أو جديدة يكون بها قتلى وشهداء، لا شهيد يومئذ على وجه الارض أفضل منهم. وقال بعض أهل مكة: إن الحبشة جاءت جدة في سنة ثلاث وثمانين في مصدرها فوقعوا بأهل جدة فخرج الناس من مكة إلى جدة وأميرهم عبد الله بن محمد بن إبراهيم، فخرج الناس غزاة في البحر واستعمل عليهم عبد الله المذكور عبد الله بن الحارث المخزومي وإبراهيم جد عبد الله هذا هو أخو السفاح، وعبد الله هو ولي مكة للرشيد بن المهدي، وعلى هذا فسنة ثلاث وثمانين المشار إليها في هذا الخبر سنة ثلاث وثمانين ومائة انتهى. فيمكن أن يكون هذا هو النزول الذي ذكره مالك وغيره والله أعلم. وقد صارت جدة في هذه الايام رباطا لخوف نزول العدو بها خصوصا في أواخر فصل الشتاء وأوائل فصل الربيع عند وصول مراكب الهند، فإن العدو خذلهم الله توصلوا إلى بلاد الهند في أوائل هذا القرن وأواخر الذي قبله، ثم لم يزالوا يستولون عليه حتى استولوا على بلاد كثيرة منه. ثم إنهم خذلهم الله قصدوا إلى جدة في سنة تسعة عشر وتسعمائة ووصلوا إلى ساحل يسمى كمران من سواحل اليمن بالقرب من جدة واشتد ذلك على المسلمين ونزل الناس إلى جدة، ثم إنهم خذلهم الله رجعوا من كمران بعد أن نزلوا فيها وبنوا بها حصنا لوخم أرسله الله عليهم، ثم جاؤا في سنة ثلاث وعشرين ونزلوا بساحل جدة في ثمانية وعشرين قطعة بين غراب وبرشة وكان ذلك في عشية يوم الجمعة سادس عشر من ربيع الاول أو خامس عشرينه وحصل للناس وجل عظيم وأيقنوا بالاخذ، ونزل الناس إلى جدة وأتوا إليها من المدينة المشرفة وغيرها لكن أهل المدينة لم يصلوا إلا بعد أن رد الله الذين كفروا بغيظهم، وكان اجتمع بجدة قبل وصولهم خلق كثير لان الناس سمعوا بهم قبل وصولهم بمدة وحصن الناس جدة بالمدافع. ثم إن الله

[ 500 ]

تعالى ألقى في قلوبهم الرعب وحبسهم عن النزول إلى البر بما حبس به الفيل فلم ينزلوا ولم يقاتلوا وأقاموا نحو خمسة أيام، ثم إنهم رجعوا من غير قتال فتلا الناس هذه الآية كأنها أنزلت في تلك الساعة: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) * ثم إنهم تشتتوا وتفرقوا وأهلهكم الله وأدركهم الامير سلمان أمير جدة وغنم منهم غرابا وأخذه وأسر من فيه. واتفق عند رجوعهم من جدة إن تأخر منهم غراب فأراد الامير سلمان إدراكه فنزل إليه، فلما قرب منه رجع عليه منهم نحو عشرة أغربة فقصدهم فشق ذلك على المسلمين خوف أن يظفروا به فقدر أنهم أطلقوا على الكفرة مدفعا فرجع عليه وأحرق شراعهم وأحرق بعضهم رأيت منهم نحو الثلاثة محرقين، فلما رأى الامير ذلك رجع بسرعة إلى جدة فلم يدركوه وشنق الذي أطلق المدفع فإنه يقال إنه فعل ذلك عمدا لانه حديث عهد بالاسلام. ويقال: إن إسلامه في الظاهر فقط والله أعلم. وفي ذلك اليوم رآهم الناس من بعد قرب البر فظنوا أنهم نزلوا إلى البر فخرجوا إليهم وساروا إلى القرب منهم فلم ينزل منهم أحد. أسأل الله أن يخذلهم ويكف شرهم عن المسلمين آمين. ودهلك المذكورة قال عياض: بفتح الدال اسم ملك من ملوك السودان وبه سمي البلد، وهو جزيرة ساحل البحر من جهة اليمن. قال: وتلك الناحية أقصى تهامة اليمن. قال عياض: دهلك أقدم من الزمن الذي تكلم فيه مالك انتهى. ولم أقف على حقيقة ذلك ما هو والله أعلم. ثم في سنة ست وعشرين أتوا إلى قرب جدة ورجعوا مخذولين، ثم في جمادى الاولى من سنة تسع وعشرين أشيع أنهم واصلون إلى جدة وتتابع الخبر بذلك إلى رابع جمادى الاخيرة، فجاء الخبر بأنه مر بعض الجلاب على مواضع قريبة من جدة وسمع مدافع كثيرة فيه فما شك الناس أنهم أعداء الله الكفرة وأنهم واصلون في القرب، فبادر الناس إلى النزول إلى جدة وتحصينها بالمدافع والآلات وأقاموا بها مدة، ثم لم يظهر لهم خبر ولم يأت منهم أحد بعد تلك السنة ولله الحمد، غير أنه في بعض السنين يذكر أن بعض مراكب منهم في البحر في طريق عدن وسواحل اليمن إلى سنة تسع وأربعين وتسعمائة فجاء منهم بعض أغربة في تلك السنة إلى أن وصلوا إلى ساحل جدة وأخذوا بعض الجلاب الواصلة إلى جدة من الشام ومن اليمن وفيها جماعة من الحجاج فك الله أسرهم ونصر المسلمين وألهمهم رشدهم وخذل الكفرة ورد كيدهم في نحرهم آمين آمين. ص: (إلا المتصدق به على معين فالجميع) ش: ذكر هذا

[ 501 ]

الفرع في النوادر ونقله الشيخ أبو الحسن عنها، وذكر عبد الحق في كتاب الهبات من النكت عن بعض شيوخه قال عنه: ويترك له منه شئ كما يترك لمن فلس وأخذ ماله ما يعيش به هو وأهله الايام انتهى. فرع: قال في المدونة: وإن قال ثلث مالي أو ثلاثة أرباعه أو أكثر فليخرج جميع ما سمى ما لم يقل ماله كله انتهى. والضابط في ذلك أنه حيث أبقى لنفسه شيئا لزمه ما نذر، وحيث لم يبق لزمه الثلث، وإنما لزمه إذا نذر جميعه لشخص لان المستحق له معين يطالب به، وإنما لزمه فيما إذا نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله كما سيأتي في كلام المصنف. لانه قد أبقى شيئا ولو ثياب بدنه وما لم يعلم به من المال فتأمله والله أعلم. ص: (وكرر إن أخرج وإلا فقولان) ش: يعني أنه إذا حلف بماله وأخرج ثلثه ثم حلف بماله فإنه يكرر إخراج ثلثه، وكذلك ثالثا ورابعا، هذا إذا كانت يمينه الثانية وحنثها بعد الحنث والاخراج، فإن كانت يمينه وحنثه بعد الحنث في الاولى وقبل الاخراج ففيها قولان، وإن كانت يمينه الثانية قبل الحنث والاخراج فقال ابن عبد السلام: اختلف نظر الشيوخ هل يجري فيه القولان أو لا ؟ وظاهر كلام الباجي أنه يجري فيه القولان. قال في التوضيح الباجي: وإذا قلنا: يكفي ثلث واحد فقال يحيى عن ابن القاسم: سواء كانت أيمانه في أوقات مختلفة أو أيمان مختلفة فحنث فيها في وقت واحد أو حنث فيها حنثا بعد حنث انتهى. قال ابن عرفة: ولو كرره قبل حنثه ففي لزوم ثلثه واحد لجميع الايمان، ولو اختلفت وتعددت أوقاتها أو أوقات حنثها حنث في بعضها فأخرج ثلثه ثم حنث في بقيتها كتكررها بعتق عبد معين أو لاول حنثه ثلثه ولثانيه ثلث ما بقي نقلا ابن رشد عن سماع يحيى ابن القاسم قائلا: كانت أيمانه في أيام متفرقة أو غير متفرقة أو كان حنثه كذلك، وعن سماع أبي زيد محتملا كونه لابن القاسم أو لابن كنانة انتهى. ص: (وما سمى وإن معينا أتى على الجميع) ش: وفي مسائل القابسي فيمن حلف بصدقة ربعه

[ 502 ]

ولا شئ له غيره وعليه الحج أنه يأخذ من ثمن الربع ما يحج به نفقة بلا ترفه ولا إسراف ولا هدية ولا تفضل على أحد، وما فضل من ثمنه تصدق به. وإن كان عليه كفارات أيمان تستغرق ثمن الربع الذي حلف بصدقته وليس له غيره فإنه يبدأ بكفارات الايمان ولا تؤخر، فما فضل عنها كان في اليمين بالصدقة، وإن أيسر قبل النظر في ذلك فكفارة الايمان في يسره والربع يصرف في يمينه التي حلف انتهى. مسألة: إذا لم يكن للانسان إلا قوت يوم الفطر لا يلزمه إخراجه في زكاة الفطر، ولو نذر إخراجه لزمه. قاله في التوضيح في كتاب الحج في قوله: وفي ركوبها البحر والمشي البعيد. ص: (كهدي) ش: يعني أنه إذا نذر هدي شئ مما يهدى كالابل والبقر والغنم وكان يمكن وصوله لزمه إرساله، وإن لم يمكن وصوله بيع وعوض به من مكة أو من أي موضع، فإن ابتاعها من مكة فليخرجها إلى الحل ثم يدخلها إلى الحرم. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة اللخمي: يشتري من حيث يرى أنه يبلغه لا يؤخر إلى موضع أغلى إلا أن لا يجد من يسوقه فلا بأس أن يؤخر إلى مكة، ولو وجد مثل الاول ببعض الطريق لم يؤخر لا فضل منه بمكة. قلت: فيها لمالك يشتري بثمن الشاة شاة بمكة، ولابن القاسم فيما لا يصل من إبل يشتري بثمنها من المدينة أو من مكة أو من حيث أحب، وله أيضا فيما لا يبلغ من بقر يشتري بثمنها هديا من حيث يبلغ ويجزئه عند مالك من مكة أو المدينة أو من حيث أحب من حيث يبلغ انتهى. ص: (ولو معيبا على الاصح) ش: أي يلزم بعث الهدي ولو كان معيبا على الاصح

[ 503 ]

وهو قول أشهب، وانظر من صححه، وظاهر قول أشهب أنه لا يجوز أن يعوضه بالسليم إذا عينه، وأما إن لم يعينه فالاتفاق على أنه يلزمه السليم. وإذا قلنا: يلزم بعث المعيب وتعذر وصوله وباعه، فهل يتعين عليه شراء السليم أم لا ؟ والظاهر أنه يلزمه السليم. ص: (وله فيه إذا بيع الابدال بالافضل) ش: الضمير في فيه يتعين رده إلى قوله: كهدي يعني أنه له فيه خاصة إبداله بالافضل بخلاف الفرس والسلاح. قال في التوضيح: فلا يجوز أن يشتري بثمنه إذا لم يصل غير جنسه من سلاحة وكراع ولو كان الاحتياج إلى الغير أكثر انتهى. ص: (وإن كان كثوب بيع وكره بعثه وأهدي به) ش: أي فإن كان ما نذره هديا مما لا يهدى مثل الثوب والعبد والدابة باعه وعوض بثمنه هديا، فإن لم يبعه وبعثه كره له ذلك وباعه وأهدي به. فقوله أهدي به يعني فإن فعل المكروه وبعثه بيع هناك واشترى به هدي. قاله في المدونة وهو مبني للمفعول والله أعلم. ص: (وهل اختلف هل يقومه الخ) ش: ما حمله عليه بهرام هو الظاهر

[ 504 ]

والله أعلم. ص: (فإن عجز عوض الادنى) ش: قال في التوضيح: أي فإن قصر الثمن في مسألة الهدي والجهاد عن شراء المثل فإنه يعوض الادنى. ابن هارون: ولا خلاف في ذلك اه‍. وقال ابن عرفة: وما التزم إخراجه في سبيل الله مما يصلح بعينه للجهاد أو حلف به كالهدي في إخراج عينه أو ثمنه إن تعذر وصوله لمحله إلا أنه لا يشتري بثمنه إلا مثله لاختلاف المنافع فيه. التونسي: فإن لم يبلغ مثله اشترى به أقرب غيره إليه، فإن قصر عنه فكما لا يصلح فيها كعبده يبيعه ويدفع ثمنه لمن يغزو به من موضعه إن وجد وإلا بعث به إليه انتهى. فقول المصنف: فإن عجز يعني فإن عجز ثمن ما نذر أنه هدي ولم يمكن وصوله، ولا ثمن ما نذر في السبيل مما لم يصل أيضا، أو ثمن ما لا يهدى عن أعلى الهدي عوض الادنى، فإن لم يبلغ ذلك، من أدنى الهدي وهو شاة فإنه يدفع لخزنة الكعبة. ص: (ثم لخزنة الكعبة يصرف فيها إن احتاجت وإلا تصدق به وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم لانه ولاية منه عليه الصلاة والسلام) ش: يعني أنه إذا عجز ثمن ما لا يهدي عن قيمة أدنى الهدي وهو الشاة فإنه يدفع لخزنة الكعبة يصرف فيها إن احتاجت إليه، وإن لم يحتج إليه فيتصدق به. قال في المدونة: فإن لم يبلغ ذلك ثمن هدي وأدناه شاة أو فضل منه ما لا يبلغ ذلك قال مالك: يبعثه إلى خزنة الكعبة ينفق عليها. وقال ابن القاسم: أحب إلي أن يتصدق به حيث شاء. واستشكل بعض الاشياخ قول مالك بأن الكعبة لا تنقض فتبنى ولا يكسوها، إلا الملوك ويأتيها من الطيب ما فيه كفاية ومكانسها خوص لا تساوي إلا ما لا بال له فلم يبق إلا أن تأكله الحجبة. وليس من قصد الناذر في شئ لكن وقع في كتاب محمد ما يزيل هذا الاشكال فإنه قال بعد قوله ينفق عليها: فإن لم تحتج الكعبة إليه تصدق به وساقه ابن يونس: على أنه تفسير. ونبه المصنف على ذلك بقوله: إن احتاجت وإلا تصدق به ثم أشار بقوله: وأعظم مالك الخ إلى مسألة تتعلق

[ 505 ]

بخزنة الكعبة وليست من باب النذور ولكن ذكرها في المدونة فيه فتبعه المصنف كغيره من أهل المذهب. ولما تعرض المصنف لهذه المسألة فلا بأس أن نبسط القول فيها ونذكر ما يتعلق بها من المسائل والاحكام تتميما للفائدة إذ ليس لها محل غير هذا فأقول: الخزنة جمع خازن وخزنة الكعبة هم بنو شييبة. يقال لهم خزنة وسدنة وحجبة منصبهم يقال له: حجابة وسدانة وخزانة بكسر الخاء. قال المحب الطبري في الباب الثامن والعشرين من كتاب القربى: الحجابة منصب بني شيبة ولاهم رسول الله (ص) إياها كما ولى السقاية لعمه العباس رضي الله عنه، وصح في الحديث أن النبي (ص) قال: إلا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت والمأثرة المكرمة والمفخرة التي تؤثر عنهم أي تروى عنهم ونذكر، والمراد والله أعلم إسقاطها وحطها إلا هاتين المأثرتين وسدانة البيت خدمته وقولي أمره وفتح بابه وإغلاقه، يقال: سدن يسدن فهو سادن والجمع سدنة. ثم ذكر أن النبي (ص) لما دخل مكة عام الفتح قال لعثمان بن طلحة: ائت بالمفتاح قال: فأتيته به ثم دفعه إلي وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. ثم قال: ولم يزل عثمان يلي البيت إلى أن توفي فدفع ذلك إلى شيبه بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في بني شيبة. ثم ذكر عن ابن عبد البر أن النبي (ص) دفع المفتاح يوم الفتح إلى عثمان بن أبي طلحة وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال: خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. قال: ثم نزل عثمان المدينة فأقام بها إلى أن توفي رسول الله (ص)، ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى مات في أول خلافة معاوية رضي الله عنه سنة اثنين وأربعين. وقيل: قتل بأجنادين. ثم ذكر عن الواحدي أن أخذ المفتاح من عثمان ورده إليه ونزول الآية بالامر برده كان عثمان كافرا انتهى. قلت: والاول هو الذي تدل عليه الاحاديث. وأجنادين بفتح الهمزة وفتح الدال المهملة، ومنهم من يكسرها، وهو موضع بالشام كانت به وقعة مشهورة بين المسلمين والروم. وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات في ترجمة عثمان بن أبي طلحة: أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع النبي (ص) مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. ونزل عثمان المدينة ثم مكة وروى عن النبي (ص) وتوفي بمكة سنة اثنتين وأربعين. وقيل: قتل يوم أجنادين وقتل أبو طلحة وعمه عثمان بن أبي طلحة يوم أحد كافرين. وذكر المحب الطبري في آخر كلام الواحدي أنه جاء جبريل وقال: ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. زاد الواحدي في أسباب النزول: وهو اليوم في أيديهم. وقال المحب الطبري: وقوله: خالدة تالدة لعله من التالد وهو المال القديم أي أنها لكم من أول ومن آخر أو يكون اتباعا لخالدة بمعناها. قال العلماء: لا يجوز لاحد أن ينزعها منهم قالوا: وهي ولاية

[ 506 ]

رسول الله (ص). وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم. قال المحب الطبري: قلت: ولا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ولازموا في خدمته الادب، أما إذا لم يحفظوا حرمته فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته، وربما تعلق العنين الرأي المعكوس الفهم بقوله (ص): وكلوا بالمعروف فاستباح أخذ الاجرة على دخول البيت، ولا خلاف بين الامة في تحريم ذلك وأنه من أشنع البدع وأقبح الفواحش. وهذه اللفظة إن صحت فيستدل بها على إقامة الحرمة لان أخذ الاجرة ليس من المعروف وإنما الاشارة - والله أعلم - إلى ما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر فلهم أخذه وذلك أكل بالمعروف لا محالة، أو إلى ما يأخذونه من بيت المال على ما يتولونه من خدمته والقيام بمصالحه فلا يحل لهم منه إلا قدر ما يستحقونه انتهى. ونقل القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام في الباب الثامن منه كلام المحب الطبري مختصرا. قلت: وما ذكره المحب الطبري من أنهم يمنعون من هتك حرمته هو الحق الذي لا شك فيه لا كما يعتقده بعض الجهلة من أنه لا ولاية لاحد عليهم وأنهم يفعلون في البيت الشريف ما شاؤا فإن هذا لا يقوله أحد من المسلمين، وإنما المحرم نزع المفتاح منهم، وأما إجراء الاحكام الشرعية عليهم ومنعهم من كل ما فيه انتهاك لحرمة البيت أو قلة أدب فهذا واجب لا يخالف فيه أحد من المسلمين، وما ذكره من تحريم أخذ الاجرة على فتح البيت ظاهر أيضا لا شك فيه، ووجهه أن أخذ الاجرة إنما يجوز على ما يختص الانسان بمنفعته والانتفاع به، والبيت لا يختص به أحد دون أحد، فلا يجوز لهم أخذ الاجرة على فتحه وإنما لهم الولاية على فتحه وإغلاقه في الاوقات التي جرت العادة بفتحه فيها، ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع الناس منه دائما والله أعلم. تنبيه: والظاهر أن حكم فتح المقام وأخذ الاجرة عليه كذلك ولم أقف لاحد في ذلك على كلام والله أعلم. مسألة: جرت عادة الشيبيين في زماننا وقبله بمدة طويلة بتقديم الاكبر منهم فالاكبر في السن في كون المفتاح عنده، بل الظاهر أن ذلك كان من أول الاسلام إن النبي (ص) دفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة مع وجود ابن عمه شيبة بن عثمان كما تقدم. وتقدم أيضا أنه لما مات عثمان ولي شيبة المفتاح، بل الظاهر أن ذلك كان شأن ولاة البيت في الجاهلية. قال ابن إسحاق في السيرة النبوية. فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم خليل بن حبشية الخزاعي والدجي زوجة قصي الذي ورث منه مفتاح الكعبة على أحد الاقوال المروية، وخلفه عليه أكبر بنيه عبد الدار فكان فيه وفي ولده إلى وقت فتح مكة فأخذه النبي (ص) من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد

[ 507 ]

الدار بن قصي القرشي العبدري، ورده إليه (ص) في يوم فتح مكة. وفي كلام ابن جبير في رحلته وفي كلام الفاسي في عقده ما يقتضي اختلال هذه العادة، ولعل ذلك لتعد من بعض الولاة أو لسبب اقتضى ذلك كما دل عليه كلامهما. وقال الازرقي في موضع من كتابه: فخرج عثمان بن طلحة إلى هجرته مع النبي (ص) وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وولده مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا، فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم فولد أبي طلحة جميعا يحجبون انتهى. فهذا الكلام يقتضي أنهم يحجبون جميعا، وكأنه والله أعلم يشير به إلى ما جرت به عادتهم قديما وحديثا أنهم إذا فتحوا البيت جلسوا فيه وإن كان المتولي للفتح منهم هو الاكبر، وإلى أنهم من أهل الحجابة فإن بني شيبة بن عثمان بن أبي طلحة منعوا أولاد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من الحجابة كما نقل ذلك الفاكهي في تاريخ مكة ونصه قال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: سمعت بعض المكيين يقول: إن عثمان بن طلحة خرج إلى المدينة مهاجرا ودفع المفتاح إلى ابن عمه شيبة بن عثمان فلم يزل ولد شيبة يحجبون وولد عثمان بالمدينة، فلما كان في خلافة أبي جعفر انتقل ولد عثمان إلى مكة فدفعهم ولد شيبة عن الحجابة فركبوا إلى أبي جعفر فأعلموه، فكتب إلى ابن جريج يسأله فكتب إليه ابن جريج يقول: إن رسول الله (ص) دفع المفتاح إلى عثمان فأدفعه إلى ولده فدفعه إلى ولد عثمان فدفعوا ولد شيبة عن الحجابة فركبوا إلى أبي جعفر فأعلموه أن ابن جريج يشهد أن النبي (ص) قال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يظلمكم عليها إلا ظالم. وأن الحجابة إلى ولد أبي طلحة فكتب إلى عامله: إن شهد ابن جريج بذلك فأدخل بني شيبة وولد أبي طلحة في الحجابة، فشهد ابن جريج عند العامل على ذلك فجعل الحجابة لهم كلهم جميعا انتهى. وانظر إذا اختلفوا هل يقضى لهم بما جرت به عادتهم من تقديم الاكبر فالاكبر أم لا ؟ وربما كان الاكبر غير مرضي الحال، لم أر. في ذلك نصا لاحد من العلماء. قلت: والظاهر أنه يقضى لهم بذلك وإن كان الاكبر غير مرضي الحال فيجعل معه مشرفا، أما القضاء لهم بما جرت به عادتهم فتشهد له مسائل من ذلك ما ذكره ابن بطال في مقنعه ونقله عنه ابن فرحون أنه إذا جرت عادة ولاة الوقف على أمر في ترتيبه ولم يوجد له كتاب وقف أنهم يحملون على عادتهم.، ومن ذلك ما ذكره ابن رشد في المقدمات فيمن حفر بئرا في صحراء أنه أحق بها حتى تروى ماشيته قال: ولا تباع ولا تورث على وجه الملك إلا أن الورثة يتنزلون منزلة مورثهم في التبدئة. قال: فإن تشاح أهل البئر في التبدئة فقد قال ابن الماجشون: إن كانت لهم سنة من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم أو كبير على صغير حملوا عليها وإلا استهموا انتهى. ولا شك أن القضاء بالعرف والعادة أمر معمول به في

[ 508 ]

الشريعة في أبواب متعددة من أبواب الفقه كمسألة اختلاف الزوجين في متاع البيت، فما جرت العادة أنه للنساء حكم به للمرأة، وما جرت به العادة أنه لرجال حكم به للزوج، وإذا كان في البلد سكك مختلفة ولم ينعقد النكاح والبيع على سكة معينة منها فيقضى بما جرت العادة بالتعامل به غالبا.، وإذا اختلف المتبايعان في قبض الثمن فالاصل بقاؤه عند المشتري إلا إذا جرت العادة أن مثل تلك السلعة لا يذهب بها المشتري حتى يدفع الثمن فيحكم في ذلك بالعادة. وإذا اختلفا في صحة البيع وفساده، فالقول قول مدعي الصحة إلا إذا غلب الفساد في العادة فيحكم به، وإذا اختلف المتؤاجران في تعجيل الاجرة ولم يكن شرط فيحكم بينهما بالعرف والعادة في ذلك. وفي باب الايمان مسائل من ذلك، وقد ذكر ابن فرحون في الباب السابع والخمسين من تبصرته مسائل متعددة من ذلك وبقيت مسائل أخر غير ما ذكر والله أعلم. تنبيه على وهم وغلط رأيت بخط: بعض العلماء منقولا من كتاب الجوهر المكنون في القبائل والبطون للشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ما نصه: الحجبيون بطن من قريش منسوبون إلى حجبة الكعبة قدسها الله تعالى وهم ولد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب. قال الشيخ الشريف ابن أبي جعفر الحسني النسابة: وقالوا: ليس لبني عبد الدار بقية درج عقبهم زمان هشام بن عبد الملك بن مروان فورثوا كلالة ورثهم تسع نفر بتقديم التاء بالقعدد من قصي منهم علي وجعفر وعبيد الله بنو عبد الله بن عباس وجعفر وقثم والعباس بنوا تمام بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ومحمد وعبد الله ابنا قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وعمرو بن عبيد بن ثويب بن حبيب بن أسد بن عبد العزي بن قصي. فعلى هذا القول كل من يدعي إلى هذا البطن فهو في ضح انتهى. قال الناقل: وللشريف المذكور في كتاب ذكر أوائل قبائل قريش واليمن نحو ذلك. والضح بكسر الضاد المعجمة وتشديد الحاء قال في النهاية: ضوء الشمس فكأنه يعني في أمر بين بطلانه مثل ضوء الشمس. قلت: وقوى بعض الناس ما ذكره الشريف النسابة بما ذكره أبو الوليد الازرقي مؤرخ مكة قديما، ونقله عنه مؤرخها قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المالكي في عدة من تواريخه من أن معاوية رضي الله عنه أجرى للكعبة الشريفة وظيفة الطيب لكل صلاة، وكان يبعث بالمجمر والخلوق في الموسم وفي رجب وأخدمها عبيدا ثم اتبعت ذلك الولاة بعده انتهى. قلت: وذلك كله وهم وغلط. أما ما نقل عن الشريف النسابة فمردود بنصوص علماء مكة والمدينة الذين لا يخفى عليهم مثل ذلك لو وقع. فمن ذلك ما نقله ابن القاسم صاحب

[ 509 ]

مالك رحمه الله في كتاب النذور من المدونة عن إمامنا إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه ونصه: وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد لانها ولاية من النبي (ص) إذ دفع المفتاح لعثمان بن طلحة انتهى. قال القاضي عياض في التنبيهات: الخزانة بكسر الخاء أمانة البيت انتهى. فالشريف النسابة يقول: إنه درج عقبهم في زمان هشام بن عبد الملك وقد مات هشام في سنة خمس وعشرين ومائة، وصريح كلام مالك أنهم موجودون في زمنه وقد عاش مالك إلى سنة تسع وسبعين ومائة، ولا شك أنه أدرك زمن هشام بن عبد الملك، فإنه رضي الله عنه ولد بعد التسعين في المائة الاولى وخلافة هشام نحو العشرين سنة، فلو وقع ذلك في زمن هشام لما خفي على مالك لان مثل هذا الامر مما تتوفر الدواعي على نقله فلا يخفى على العوام فضلا عن العلماء، ولو وقع ذلك لتنازعت قريش في ذلك وكانوا أحق به من غيرهم، ولنقل ذلك المؤرخون في كتبهم ولم نقف عليه في كلام أحد منهم، بل الموجود في كلامهم خلافه كما ستقف عليه. وقد تلقى أصحاب مالك جميعهم ما ذكرناه عنه بالقبول ونقلوه في متونهم وشروحهم ولم ينكره أحد منهم، بل نقل عن مالك جماعة من العلماء من غير أهل مذهبه وتلقوه كلهم بالقبول، ومن ذلك ما وقع في كلام أبي الوليد الازرقي وأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي المكيين مؤرخي مكة في غير موضع من تاريخهما، فمن ذلك ما تقدم في كلامهما أن ولد عثمان كانوا بالمدينة دهرا ثم قدموا وحجبوا مع بني عمهم شيبة بن عثمان. وقد بين الفاكهي أن ذلك كان في ولاية أبي جعفر المنصور وهو بعد هشام بن عبد الملك لان أبا جعفر من بني العباس وهشام من بني أمية. ومن ذلك أيضا ما ذكره الازرقي في كتاب العهد الذي كتب بين الامين والمأمون ابني هارون الرشيد وفيه شهادة جماعة من الحجبة ولفظ الفاكهي كان الشهود الذين شهدوا في الشطرين من بني هاشم فلان وفلان وسماهم ثم قال: ومن أهل مكة من قريش من بني عبد الدار بن قصي وسمى الجماعة الذين سماهم الازرقي وتاريخ الكتاب المذكور في سنة ست وثمانين ومائة. ومن ذلك ما ذكره الازرقي في عمل أبي جعفر المنصور في المسجد الحرام فقال: وكان الذي ولي عمارة المسجد الحرام لامير المؤمنين أبي جعفر زياد بن عبد الله الحارثي وهو أمير مكة، وكان على شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي جد مسافع بن عبد الرحمن. ومن ذلك أيضا ما ذكره الازرقي لما تكلم على الذهب الذي في المقام فقال: حدثني جدي قال: سمعت عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة يقول: ذهبنا نرفع المقام في زمن المهدي فانثلم إلى آخر القصة. فهذا صريح في وجودهم في خلافة المهدي وهو ولد أبي جعفر المنصور، ومات في سنة تسع وستين ومائة. ومن ذلك أن الازرقي والفاكهي رحمهما الله لما ذكر أرباع مكة ذكرا جملة من رباع بني عبد الدار ولم يذكرا أنها انتقلت إلى غيرهم كما هي عادتهما، وفي كلامهما مواضع كثيرة تدل على ذلك، والازرقي كان موجودا بعد الاربعين ومائتين، والفاكهي كان موجودا

[ 510 ]

بعد السبعين ومائتين، وهما من أهل مكة ومن أسبق الناس بذلك ولهما المعرفة التامة بأخبارها، ولم يذكرا ذلك بل كلامهما صريح في خلافه كما ذكرنا، ولو وقع ذلك لما خفي عليهما ولكان ذلك من أعظم ما ينبهان عليه وقد نبها على ما هو أيسر من ذلك كما يظهر ذلك لمن طالع كلامهما. ومما يرد ما نقل عن الشريف النسابة ما ذكره الزبير بن بكار قاضي مالك ومؤلف كتاب النسب، لما ذكر حديث دفع المفتاح إلى شيبة قال: فبنو أبي طلحة هم الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار، عاش الزبير بن بكار إلى سنة ست وخمسين ومائتيتن، ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن حزم الظاهري في كتاب جمهرة النسب لما ذكر الحديث المذكور قال: فبنو أبي طلحة هم ولاة الكعبة إلى اليوم دون سائر بني عبد الدار. وعاش ابن حزم إلى سنة ست وخمسين وأربعمائة. ومن ذلك ما ذكره ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب في ترجمة شيبة بن عثمان بعد أن ذكر عن الزبير بن بكار ما نقلناه عنه ونصه: قال أبو عمر: شيبة هذا جد بني شيبة حجبة الكعبة إلى اليوم انتهى. وعاش ابن عبد البر إلى سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ومن ذلك ما وقع في كلام غير واحد من العلماء من أهل مكة وممن قدم إليها ممن هو من أهل الخبرة بهذا الشأن الذين لو وقع هذا الامر لما خفي عليهم كالمحب الطبري، وقد تقدم كلامه وابن جبير في رحلته وابن الاثير في كتاب الانساب له وسيأتي كلامه، والقاضي تقي الدين الفاسي وأنه ترجم جماعة منهم في العقد الثمين وكرر ذكرهم في شفاء الغرام وغيره من تآليفه، ولم يعرج على انقراضهم بوجه من الوجوه. وكذلك العلامة أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي فإن كلامه في كتاب نهاية الارب في معرفة قبائل العرب يدل على بقائهم إلى زمنه. وقد عاش إلى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ولو كان ما نقل عن الشريف النسابة حقيقة لما خفي على هؤلاء العلماء. ومن ذلك أيضا ما تقدم عن المحب الطبري عن الواحدي أن جبريل عليه السلام قال: ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. ويشهد لذلك اتصال نسب ذريته الموجودين في زماننا الآن. وقول الواحدي بعده وهو اليوم في أيديهم، وعاش الواحدي إلى سنة ست وثمانين وأربعمائة. وقال العلماء أيضا في قوله (ص) في الحديث المتقدم: خالدة تالدة أشار به إلى بقاء عقبهم. وأما ما ذكره الازرقي من إخدام سيدنا معاوية رضي الله عنه الكعبة عبيدا فلا دلالة فيه على انقراض الحجبة لان خدام الكعبة غير ولاة فتحها كما هو معلوم مقرر إلى زماننا، وكثيرا يقع في كلام الازرقي والفاكهي ذكر الحجبة، ثم ذكر خدمة الكعبة أو عبيدها مما يدل على التغاير بينهما. وكيف يتوهم انقراضهم في زمان سيدنا معاوية رضي الله عنه والنصوص المتقدمة صريحة في بقائهم بعده بزمن طويل، بل قد ذكر ابن الاثير في كتاب الانساب أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عاش إلى أيام يزيد بن معاوية، وكلامه يدل على بقائهم إلى زمانه وقد عاش إلى سنة ثلاثين وستمائة، ولو انقرضوا لنبه على ذلك وإنما نبهت على ذلك وإن كان والحمد لله كالمقطوع به خشية أن يقف من لا

[ 511 ]

علم عنده على ما نقل الشريف النسابة خصوصا مع ما قوي به مما نسب لسيدنا معاوية فيتوهم خلاف ما ذكرناه أو يجوز ذلك، والتحقيق ما أشار العلماء إلى استنباطه من الحديث الشريف من بقائهم والله أعلم. فوائد: الاولى: ذكر الفاكهي أن النبي (ص) لما أخذ المفتاح من عثمان فتحها بيده وقد كانوا يقولون لا يفتح الكعبة إلا الحجبة. الثانية: ذكر الفاكهي أيضا أن النبي (ص) لما دفع المفتاح إلى عثمان كان مضطبعا عليه رداؤه مغيبا له ودفعه إليه من وراء الثوب وقال: غيبوه. قال الزهري: فلذلك يغيب المفتاح انتهى. قلت: فلذلك - والله أعلم - يرخون ستر الباب حين فتحه وحين إغلاقه. الثالثة: قال الفاكهاني أيضا: كان من سنة المكيين وهم على ذلك إلى اليوم إذا ثقل لسان الصبي وأبطأ كلامه عن وقته جاؤا به إلى حجبة الكعبة فسألوهم أن يدخلوا مفتاح الكعبة في فمه، فيأخذونه الحجبة فيدخلون خزانة الكعبة ثم يغطون وجهه ثم يدخل مفتاح الكعبة في فمه فيتكلم سريعا وينطلق لسانه بإذن الله تعالى، وذلك مجرب بمكة إلى يومنا هذا انتهى. قال بعض شيوخ شيوخنا: وإلى عصرنا هذا وهو سنة خمس وثمانمائة. قلت: وإلى وقتنا هذا وهو سنة أربعين وتسعمائة ولا يخصون بذلك من ثقل لسانه بل يفعلون ذلك بالصغار مطلقا تبركا بذلك ورجاء أن يمن عليه بالحفظ والفهم، وقد فعل ذلك آباؤنا وفعلناه بأولادنا والحمد لله على ذلك. ص: (والمشي لمسجد مكة ولو لصلاة) ش: قال القرافي: وفي الكتاب إن كلمت فلانا فعلي المشي فكلمه لزمه المشي في حج أو عمرة. والمدرك إما لان الحج والعمرة العادة تلزم أحدهما، وإما لان دخول مكة لا يتأتى إلا بإحرام بأحدهما فكان اللفظ دالا عليهما بالالتزام. قال اللخمي: الناذر المشي إن نوى حجا أو عمرة أو طوافا أو صلاة لزمه ويدخل محرما إذا نوى حجا أو عمرة، وإن نوى طوافا يتخرج دخوله محرما على

[ 512 ]

الخلاف في جواز دخول مكة حلالا، ونادر السعي يختلف فيه هل يسقط نذره أو يأتي بعمرة لان السعي ليس بقربة بانفراده فيصحح نذره بحسب الامكان، وإن نذر صلاة فريضة أو نافلة أتى مكة ووفى بنذره، وهذا قول مالك. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يأتي للنفل فإن نوى الوصول خاصة وهو يرى أن ذلك قربة لم يكن عليه شئ، وإن كان عالما أنه لا قربة فيه كان نذره معصية فيستحب له أن يأتي بذلك المشي في حج أو عمرة، فإن لم تكن له نية مشى في حج أو عمرة. انتهى مختصرا. وقال الرجراجي: إذا حلف بالمشي إلى مكة ونوى الوصول ويعود ولا نية له في أكثر من ذلك فلا يخلو من وجهين: إما أن يرى أن ذلك قربة وفضيلة فلا شئ عليه لا مشي ولا غيره، أو يكون عالما بأنه لا فضيلة في نذره ووصوله إلى مكة فيكون نذره معصية، وهل يلزم أن يجعل ذلك في حج أو عمرة ؟ قولان قائمان من المدونة: أحدهما: أن يجعل ذلك في حج أو عمرة ويلزمه ذلك وجوبا، والثاني: أنه لا شئ عليه ولا يلزمه المشي وهما مبنيان على الخلاف فيمن نذر معصية هل يلزمه أن يعكس نذره في طاعة أم لا انتهى. فروع: الاول: قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: قال أبو الوليد بن رشد: وإنما يلزمه المشي إذا وجد الاستطاعة فإذا لم يجد فلا يجب عليه المشي وإنما يلزمه نية المشي إذا وجد التمكن من ذلك. الثاني: قال في الذخيرة: قال ابن يونس: وإحرامه من الميقات لا من موضعه انتهى. الثالث: قال اللخمي: واختلف في مشي المناسك إذا نذر الحج فقال مالك: يمشي المناسك. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يركبها. ورجع مالك مرة لمثل ذلك فقال في كتاب محمد: إن جهل فركب المناسك ومشى ذلك قابلا فلا هدي عليه. قال محمد: ولم يره بمنزلة من عجز في الطريق. قال ابن القاسم: ذلك فيما ظننت لان بعض الناس رأى أن مشيه الاول يجزئه وأرخص في الركوب إلى عرفة. قال الشيخ: وهذا هو الاصل لان الناذر إنما قال: علي المشي إلى مكة فجعل غاية مشيه إلى مكة فلم يلزمه أكثر من ذلك ولو كانت نيته الحج. ولو قال رجل: علي المشي إلى مصر في حج لم يكن عليه أن يمشي إلا إلى مصر لم يركب ويحج. فكذلك قوله: على المشي إلى مكة في حج يمشي إلى مكة ويركب فيما سواها إلا أن ينوي مشي المناسك. وقول ابن حبيب: يمشي لرمي الجمار وإن كان قد أفاض فلعادة، فإن لم تكن كان له أن يركب انتهى. وهذا الذي ذكره ظاهر إذا قال: علي المشي إلى مكة أو قال: علي المشي إلى مكة في حج، وأما إذا قال: علي الحج ماشيا فالظاهر لزوم مشيه الجميع والله أعلم. الرابع: قال القرطبي في شرح مسلم: فلو قال علي المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة لم يلزمه المشي عند ابن القاسم بل اللازم له المضي إليها. وقال ابن وهب: يلزمه المشي وهو

[ 513 ]

القياس انتهى. فظاهر كلامه أن صورة المسألة أنه نذر المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة ولم يعينه وإنما يلزمه المسير إليها جميعها فتأمله والله أعلم. الخامس: القائل على المشي إلى بيت الله هو الكعبة إلا أن ينوي غيره لاشتهاره، وانظر ابن عبد السلام والرجراجي وأبا الحسن فيما يتعلق بقول المصنف: ولو لصلاة والله أعلم ص: (وخرج من بها وأتى بعمرة) ش: شمل قوله: بها من كان بالمسجد الحرام ومن كان بمكة خارج المسجد فيلزمه الاتيان بعمرة، وأما من كان في المسجد فلم يذكروا فيه خلافا، سواء نذر المشي إلى المسجد أو إلى مكة، وكذا من كان خارجه ونذر المشي إلى مكة. وأما من كان خارجه ونذر المشي إلى المسجد فذكروا لابن القاسم فيه قولين. قال اللخمي في تبصرته. قال ابن القاسم: وإذا قال: علي المشي إلى مكة وهو بها خرج إلى الحل فيأتي بعمرة لان مفهوم قوله أن يأتي إليها من غيرها وأقل ذلك أوائل الحل. وإن قال: علي المشي إلى المسجد وهو بمكة خرج إلى المسجد من موضعه ولم يكن عليه أن يخرج إلى الحل. وقال مرة: يخرج إلى الحل كالاول، وإن قال وهو بالمسجد: علي المشي إلى مكة أو إلى المسجد خرج إلى الحل ثم يدخل بعمرة انتهى. وقريب منه في التوضيح. وانظر كلام ابن يونس فإنه ذكر أنه يحرم من الحل وأنه لو أحرم من الحرم خرج راكبا ومشى من الحل والله أعلم. ص: (من حيث نوى) ش: قال ابن عرفة: ابن رشد: لا يجوز نذر التحليق في المشي كنذر مدني مشيا على العراق أو الشام انتهى.

[ 514 ]

ص: (ولحاجة) ش: أي نسيها ورجع إليها ص: (ورجع وأهدى إن ركب كثيرا بحسب مسافته أو المناسك والافاضة نحو المصري فيرجع قابلا) ش: تصوره ظاهر. فروع: الاول: الهدي إنما يكون بعد رجوعه كما هو ظاهر كلام المصنف كمن فاته

[ 515 ]

الحج إنما يهدي إذا حج ثانية ولا يقدمه قبل ذلك. فإن فعل هنا أجزأه. قاله أبو إسحاق نقله أبو الحسن. الثاني: قال في الذخيرة: ولا يجعل مشيه الاول ولا الثاني في فريضة. الثالث: قول المصنف وغيره فيما إذا ركب في المناسك والافاضة أنه يرجع فيحج راكبا ويمشي في المناسك يعنون به إذا سافر من مكة، وأما لو أقام بمكة إلى العام القابل لحج من مكة ماشيا وأجزأه على ما سيأتي وكلام أبي الحسن عن أبي إسحاق في الفرع الخامس والله أعلم. الرابع: لو ركب في مشيه فوجب أن يرجع ثانيا فلو لم يرجع في العام الذي يليه وحج بعد ذلك بأمد أجزأه. نقله أبو الحسن عن عبد الحق. الخامس: قال أبو الحسن الصغير: انظر إذا عجز فركب هل يرجع إلى منزله وحينئذ يبتدئ الركوب من هناك ثم يمشي ما ركب أم لا وإنما يرجع إلى حيث ابتدأ منه الركوب فيمشي ما ركب ؟ قال الشيخ أبو محمد صالح: ظاهره أنه يرجع إلى موضعه فيبتدئ الركوب من هناك فيركب ما مشى ثم يمشي ما ركب. وقال أبو إسحاق: لو مشى أولا شيئا كثيرا ثم عرض له هذا يعني الركوب قال: يمشي من حيث عرض له ذلك في المرة الثانية واعتد بما تقدم من المشي المنفرد انتهى. ص: (فيمشي ما ركب) ش: هذا إذا علم بتلك المواضع وإلا فيلزم

[ 516 ]

مشي الجميع. انظر التوضيح وابن عرفة. ص: (وإن ظن أولا القدرة وإلا مشى مقدوره وركب وأهدى فقط) ش: ظاهر كلام المصنف أن الهدي واجب وذكر القرطبي في شرح مسلم أن الهدي مستحب فانظره. ص: (ولو قادرا) ش: هذا الذي اختاره المصنف من الخلاف خلاف ما نسبه ابن رشد للمذهب واللخمي أن القادر إذا ركب يلزمه الرجوع ثانية ولا يجزئه المشي، وسيأتي كلام ابن رشد وانظر ابن عرفة. ص: (وكأن فرقه ولو بلا عذر) ش: ظاهر كلام المصنف أن هذا يلزمه الهدي لانه عده في جملة النظائر الواجب فيها الهدي ولم أر الآن من صرح بلزوم الهدي مع التفتيش عليه، بل ظاهر كلام اللخمي أنه لا شئ عليه. وقد يؤخذ وجوب الهدي مما قالوا فيما إذا أفسده أنه يجب عليه هديان: هدي للفساد وهدي

[ 517 ]

لتبعيض المشي فتأمله. وكذلك الفرع الذي قبله لم أر من نص على لزوم الهدي غير ابن غازي ولم يعزه ولكن لزوم الهدي فيه ظاهر لانهم جعلوه بمنزلة الرجوع ثالثة فإنه يسقط ويلزم الهدي والله أعلم. ص: (يمشي عقبة ويركب أخرى) ش: العقبة ستة أميال قاله أبو الحسن. ص: (ولو أفسد أتمه ومشى في قضائه من الميقات) ش: هذا أعم من أن يكون معينا أو مبهما، انظر المدونة، وعبارة المصنف نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح ولم يصرح يعني ابن الحاجب هل يتمادى بعد الافساد ماشيا أو راكبا. ابن عبد السلام: والاقرب أنه لا يلزمه المشي لان إتمامه ليس من النذر في شئ وإنما هو لاتمام الحج انتهى. وما قاله ابن عبد السلام أنه الاقرب صرح به في سماع يحيى من كتاب الحج. وقال ابن رشد فيه: ومساواته بين أن يركب من حيث أفسد حجه أو يمضي ماشيا إلى تمام حجه صحيح، لان المشي لا يجزئه بعد الوطئ لفساد الحج ووجوب قضائه عليه، وسواء ركب أو مشى انتهى. وقول المؤلف: ومشى في قضائه من الميقات هو الذي صرح به في سماع يحيى المذكور ونقله الصقلي عن يحيى بن

[ 518 ]

عمر عن ابن القاسم واعترضه ابن رشد في شرح السماع المذكور فقال: وقوله إنه يمشي من ميقاته ويجزئه المشي الذي مشى من حيث حلف إلى الميقات، خلاف مذهب مالك وابن القاسم في المدونة. وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة من أن من ركب من غير عجز عن المشي أعاد المشي كله إذ لا يجوز له أن يفرق مشيه إلا من ضرورة ويهدي، لانه لما وطئ فرق مشيه من غير ضرورة ثم قال: إلا أن يكون وطئه ناسيا فحينئذ يمشي من الميقات لانه مغلوب على التفرقة بالوطئ ناسيا انتهى. ص: (وإن حج ناويا نذره وفرضه مفردا أو قارنا) ش: قال في المدونة: ولو قرن يريد بالعمرة المشي عليه وبالحج فريضته لم يجزه عن الفرض وعليه دم القران كمن نذر مشيا فحج ماشيا وهو ضرورة ينوي بذلك نذره وفريضته أجزأه لنذره لا لفرضه وعليه قضاء الفريضة قابلا انتهى. فرع: قال البرزلي في آخر كتاب الايمان: من أحرم من الميقات بعمرة عن نذره وأحرم من مكة عن فرضة لم يجزه عن فرضه ويجزئه عن نذره وعليه دم القران. البرزلي: يريد أحرم قبل أن يكمل العمرة في الوقت الذي يرتدف، ولو كان في وقت لا ترتدف بحيث تمت عمرته جاز عنهما وكان متمتعا وعليه دم لتأخير الحلاق انتهى. فرع: قال ابن المواز: إذا مشى لنذره حتى بلغ ميقاته فأحرم بحجة نوى بها فرضه فإنها تجزئه لفرضه، ثم يحرم بالعمرة بعد ذلك من ميقاته ليمشي ما بقي من نذره. انتهى من التوضيح. فرع: فإن أحرم ولم يقصد فرضا ولا نذرا لم أر فيه نصا، والظاهر أنه ينصرف للحج كمن أحرم بالحج ولم ينو فرضا ولا نفلا فإنه ينصرف للفرض كما صرح به سند وغيره. ص:

[ 519 ]

(ثم يحج من مكة على الفور) ش: يعني إنما يكون على الصرورة جعله في عمرة ثم يحج إذا قلنا: إن الحج على الفور والله أعلم. ص: (وعجل الاحرام في أنا محرم أو أحرم إن قيد بيوم كذا) ش: يعني أن الناذر للاحرام إذا قيده بقوله يوم أفعل كذا فإنه يوم يفعله يلزمه الاحرام. سواء نذر الاحرام بحج أو عمرة. قال ابن عرفة: وأداء الاحرام نذرا أو يمينا إن قيده بزمان أو مكان لزم منه. قاله الباجي كأنه المذهب وعزاه الشيخ للموازية. قلت: هو نص المدونة بزيادة: ولو نواه قبل أشهر الحج انتهى. ونص المدونة قال فيها: ومن قال إذا كلمت فلانا فأنا محرم بحج أو عمرة، فإن كلمه قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحج إلى دخول أشهر الحج إلا أن ينوي أنه محرم من يوم حنث فيلزمه ذلك وإن كان في غير أشهر الحج. وأما العمرة فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه فليؤخر حتى يجد فيحرم حينئذ وإحرامه بذلك بحج أو عمرة من موضعه لا من ميقاته إن لم ينوه فله نيته. ومن قال: أنا محرم يوم أكلم فلانا فإنه يوم يكلمه محرم. وقوله: يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة كقوله: فأنا محرم انتهى. قال أبو الحسن: قوله لم يلزمه أن يحرم إلى دخول أشهر الحج قال أبو محمد: هذا إن كان يصل من بلده إلى مكة في أشهر الحج، وإن كان لا يصل من بلده حتى تخرج أشهر الحج فيلزمه الاحرام من وقت حنثه. ابن يونس: يريد من وقت يصل فيه إلى مكة ويدرك الحج. وقال القابسي: بل يخرج من بلده غير محرم فحيثما أدركته أشهر الحج أحرم. وقول أبي محمد أولى لان قوله: أنا محرم بحجة أي إذا جاء وقت خروج الناس خرجت وأنا وحدي وعليه يدل لفظه، وفي كتاب محمد ما يؤيده. وقوله في العمرة يحرم وقت حنثه حكي عن أبي محمد أنه فرق بين الحج والعمرة، بأن العمرة لا وقت لها فلذا وجب أن يحرم بها وقت حنثه بخلاف الحج. وقوله: إلا أن لا يجد صحابة وقال سحنون: يحرم ويبقى حتى يجد صحابة. وقوله: من موضعه لا من ميقاته، وقيل: من ميقاته.

[ 520 ]

وقوله فإنه يكلمه محرم ظاهره يكون محرما من غير استئناف إحرام وبهذا الظاهر قال سحنون. وأما ابن القاسم فإنه يقول: يستأنف بدليل قوله بعده. وقوله: يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة كقوله: فأنا محرم أو أحرم، اتفق فيه ابن القاسم وسحنون أنه يستأنف الاحرام وهو منصوص لابن القاسم في كتاب محمد أنه يستأنف الاحرام. قال أبو إسحاق: لم يبين في الكتاب في قوله محرم هل يكون محرما حينئذ أو يستأنف، وظاهر قوله في كتاب محمد أنه لا يكون محرما بنفس الفعل حتى يحرم صح منه، ففرق سحنون بين: أنا محرم وأنا أحرم، وسوى ابن القاسم بينهما. قال ابن محرز: قال عبد الوهاب: إنما قال سحنون ذلك لان النذر معنى يتعلق بالحصر. قال الشيخ: يعني بالشرط. قال: فإذا وجب شرط وجب حصوله أصله الطلاق ولا يلزمه عليه الصلاة والصيام لان الصلاة مضيقة في باب النية عن سائر العبادات والاحرام بالحج وسع في نيته ما لم يوسع في غيره بدليل جواز النيابة فيه عند كثير من الناس. وعند قوم من أهل العلم أن المغمى عليه يحرم عنه أصحابه ويكون إذا أفاق محرما بذلك، ووجه القول بأنه لا يكون محرما حتى يستأنف إحراما. ما ذكرناه من الصلاة والصيام صح من تبصرة ابن محرز. وقال أبوعمران: سوى ابن القاسم بين قوله: أنا محرم وأنا أحرم فأوجب أن لا يكون محرما بنفس الحنث حتى يحرم بعد الحنث. وقال سحنون في التفريق بينهما: هو خلاف لابن القاسم قديما، والذي يظهر لي أن العلة إنما هي لما وجدت لفظة محرم مشتركا فيها الحال والاستقبال فلم يكن ينعقد عليه الاحرام بالشك حتى يحدث إحراما مستقبلا، فصح بهذا أن لا يكون محرما بنفس الاحرام. وأما فواه: فأنا أحرم فباتفاق أنه لا يكون محرما إلا بتجديد إحرام انتهى. وقوله بنفس الاحرام صوابه بنفس الحنث والله أعلم. وقال في التوضيح: قال ابن رشد: إذا قال: إن كلمت فلانا فأنا أحرم بحجة أو عمرة فكلمه فلا خلاف أنه لا يكون محرما حتى ينشئ الاحرام. وإن قال: أنا محرم فقال مالك: لا يكون محرما حتى ينشئ الاحرام. وقال سحنون: يكون محرما واختلف الشيوخ في معناه واستشكل كونه محرما بنفس الحنث وهو حقيق بالاشكال. لان الاحرام عبادة تفتقر إلى نية فمشى المؤلف على قول مالك. ص: (كالعمرة مطلقا) ش: يعني أن من حلف بالاحرام بالعمرة مطلقا بكسر اللام يعني لم يقيده بقوله: يوم أفعل كذا بل قال: إن كلمت فلانا فأنا محرم بعمرة، فإنه يلزمه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه فيؤخر حتى يجد. ص: (إلا الحج) ش: يعني فإنه إذا قال: إن كلمت

[ 521 ]

فلانا فأنا محرم بحجة فكلمه قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحج إلى دخول أشهر الحج إن كان يصل إلى مكة فيها. وإن لم يصل فيها فيلزمه الخروج من حيث يصل فيه ويحرم حينئذ على ما قاله ابن أبي زيد واختاره ابن يونس. ص: (والمشي) ش: يعني إذا قال: علي المشي إن كلمت فلانا فكلمه فهل يجب عليه المشي على الفور ؟ قال ابن الحاجب بعد مسألة تعجيل الاحرام وخرج عليه المشي في الفورية لا في الاحرام والمشهور التراخي يعني وخرج قول بالفورية من مسألة الاحرام، قال في التوضيح: قال ابن رشد: وما حكاه المصنف من أن المشهور التراخي ثبت في نسختي ولم أقف عليه، ولا يلزم على ما ذكره المصنف أن يكون المشهور كذلك في الاحرام، لان الاحرام ركن والمشي وسيلة والوسائل أخفض رتبة من المقاصد انتهى. تنبيه: لم يتكلم في التوضيح على قوله لافي الاحرام. وقال ابن فرحون: يعني أنه لا يلزمه الاحرام في قوله: علي المشي إلا من الميقات، يريد ولا يصح أن يقال يلزمه أن يحرم من موضعه قياسا على قوله: فأنا محرم، لانه هنا صرح بالاحرام ولم يصرح به في قوله: فعلي المشي انتهى. وقال ابن يونس في قوله في المدونة في مسألة: من قال: إن كلمت فلانا فأنا محرم: وإحرامه من موضعه بخلاف من قال: علي المشي إلى مكة فهذا يحرم من ميقاته، جعل مشيه في حج أو عمرة. انتهى. وقال في الشامل: ولا يلزم الفور في المشي على المنصوص انتهى. وقال الرجراجي في المسألة الثانية فيمن نذر إحراما بحج أو عمرة: إن فعل كذا فلا يخلو أن يقيد يمينه بوقت أو لا يقيدها، فإن قيدها بوقت غير معين وكانت يمينه بحج مثل أن يقول: يوم يفعل كذا فهو محرم، فقد قال في الكتاب: إنه يكون محرما يوم كلمه وكذلك العمرة. وهل يكون محرما بنفس الفعل أو لا بد من إحرام ويحرم به فيصير بإحرامه محرما ؟ فإنه يتخرج على قولين: أحدهما: أنه لا يكون محرما بنفس الفعل حتى يبتدئ الاحرام وهو ظاهر ما في الكتاب، والثاني: أنه يكون محرما بنفس الفعل وهو ظاهر قول سحنون، فإن تمكن له الخروج خرج في الحال وإلا بقي على إحرامه حتى يصيب الطريق، والحج والعمرة في ذلك سواء، فإن لم يقيد يمينه بوقت مثل أن يقول إن فعل كذا وكذا فهو محرم أو أنا محرم بحج أو

[ 522 ]

عمرة، فأما الحج فلا يخلو من أن يحنث قبل أشهر الحج أو في أشهره، فإن حنث قبلها، فأما في قوله: أنا أحرم فلا خلاف أعلمه في المذهب أنه لا يكون محرما بنفس الحنث، وإنما يكون محرما إذا دخلت عليه أشهر الحج لان أشهر الحج وقت الاحرام وقبلها لا يجوز، فإذا حنث قبل أشهر الحج أخر حتى تدخل إلا أن تكون له نية فيكون محرما يوم حنث كما قال في الكتاب. غير أنه ينظر، فإن كان إذا أخر الخروج إلى أشهر الحج لم يصل ولم يدرك الحج فينبغي له أن يخرج بغير إحرام، فإذا دخلت أشهر الحج في طريقه أحرم فإن حنث في أشهر الحج فإن الاحرام لم يلزمه ويكلف الخروج ليوفي بعهدة يمينه. وأما قوله: فأنا محرم هل هو مثل قوله: فأنا أحرم والمذهب على ثلاثة أقوال: أحدها: أن قوله: فأنا محرم كقوله: فأنا أحرم فلا يكون محرما بنفس الحنث وهو قول ابن القاسم في كتاب النذور. والثاني: أنه يكون محرما بنفس الحنث في أنا محرم وفي أنا أحرم وهو قول سحنون. والثالث الفرق بينهما. وأما العمرة يحنث الحالف بها فلا يخلو من أن يكون يمكنه الخروج أو لا. فإن أمكنه الخروج ووجد الاصحاب فلا خلاف أعلمه في المذهب أنه يؤمر بالخروج ولا يجوز له التأخير إلا متأولا، فإن لم يمكنه فهل يلزمه الاحرام مع الانتظار وهو قول سحنون، أو لا يلزمه الاحرام إلا مع المشي وهو قول مالك في الكتاب ؟ انتهى. وفي كلامه تعارض لانه حكى أولا أنه لا يلزمه الاحرام في أنا أحرم بنفس الحنث بلا خلاف، ثم ذكر أنه يلزمه الحنث في قول سحنون، وما ذكره أولا هو الصواب الموافق لما نقله غير واحد أبو الحسن وابن محرز وأبو عمران وابن رشد وغيرهم كما تقدم في كلام أبي الحسن وكلام صاحب التوضيح. وقوله وإنما يكون محرما إذا دخلت أشهر الحج يعني يؤمر بالاحرام إذا دخلت أشهر الحج لا أنه لا يكون محرما بنفس دخولها إذ لا قائل به. وقوله فيما إذا كان لا يصل إذا خرج في أشهر الحج أنه يحرم ويؤخر الاحرام إلى دخول أشهر الحج هو قول القابسي خلافا لما قاله أبو محمد واختاره ابن يونس ومشى عليه المصنف. قال في التوضيح: إذا قال: إن كلمت فلانا فأنا محرم بحج أو عمرة، فإن نوى تقديما أو تأخيرا وصرح بذلك لم يلزمه إلا ما نوى أو صرح به انتهى. فعلم من كلام التوضيح المتقدم وكلامه هنا وكلام الرجراجي وأبي الحسن وابن عرفة أن معنى قول المصنف: وعجل الاحرام في أنا محرم أو أنا أحرم إن قيد بيوم كذا أن من نذر الاحرام أو حلف به في يمين فحنث فإن قيده بيوم يريد بلفظ أو نية فإنه يجب عليه أن يعجله في ذلك اليوم الذي سماه أو نواه، سواء كان بحج أو عمرة. وفهم من كلامه أعني من قوله: وعجل أنه لا يكون محرما بنفس الحنث في قوله: أنا محرم كما هو في قول مالك وابن القاسم خلافا لسحنون. ثم لما فرغ من القسم المقيد ذكر المطلق وبدأ بالعمرة فقال: كالعمرة مطلقا. ويعني أن من نذر الاحرام بعمرة مطلقا أي غير مقيد ذلك بزمن معين لا بلفظ ولا بنية كمن قيدها، فيجب عليه أن

[ 523 ]

يعجل الاحرام بها يوم حنثه كما تقدم عن المدونة. فقوله: مطلقا بكسر اللام كما تقدم. ثم ذكر القيد الذي ذكره في المدونة وهو وجود الاصحاب وأنه إن لم يجد رفقة أخر الاحرام حتى يجد خلافا لسحنون ثم قال: لا الحج يعني الحج المطلق فإذا نذر الاحرام بالحج مطلقا غير مقيد إحرامه بزمن لا بلفظ ولا بنية ثم حنث فإنه لا يجب عليه أن يحرم حتى تدخل أشهر الحج إن كان يصل فيها إلى مكة، وإن لم يصل فيجب عليه أن يحرم ويخرج من الوقت الذي يصل كما قاله أبو محمد واختاره ابن يونس خلافا للقابسي في قوله: يدخل بغير إحرام، فإذا دخلت أشهر الحج أحرم. واستعمل المصنف هنا حيث للزمان وقد أنكره بعضهم. وقال في المغني: وهو للمكان اتفاقا. وقال الاخفش: وقد ترد للزمان وقوله على الاظهر نوقش في ذلك بأن الترجيح إنما هو لابن يونس لا لابن رشد. ومعنى قوله: لا المشي تقدم قبل هذا، وما ذكره المصنف في الاحرام المطلق من التفصيل بين الحج والعمرة هو مذهب المدونة. وذكر ابن الحاجب في كونه على الفور قولين ثم ذكر مذهب المدونة فقال في التوضيح بعد كلامه المتقدم: وإن لم يعين شيئا لا بلفظ ولا بنية فالقول بالفور لعبد الوهاب، وعلله بأن النذور المطلقة محلها على الفور. ابن عبد السلام: والقول الآخر ظاهر الروايات، وتأول الباجي قول عبد الوهاب على الاستحباب. ابن عبد السلام: وهو الصحيح اه‍. فرع: قال أبو الحسن: لو كلمه فحنث بالحج ولا يمكن أن يدرك الحج لضيق الوقت قالوا: يحرم ويقيم على إحرامه إلى قابل لانه ضيق على نفسه باليوم. انتهى من شرح قوله: يوم أكلم فلانا. ومفهوم كلامه أنه إذا حنث في المطلق وكان الوقت ضيقا لا يلزمه الاحرام والله أعلم. ص: (ولا يلزم في مالي في الكعبة أو بابها) ش: قال في المدونة: ومن قال: مالي في الكعبة أو في رتاجها أو حطيمها فلا شئ عليه، لان الكعبة لا تنقض فتبنى. والرتاج الباب والحطيم ما بين الباب إلى المقام. زاد ابن يونس بعد قوله: لا شئ عليه كفارة يمين ولا غيرها. وقال ابن حبيب: الحطيم ما بين الركن الاسود إلى الباب إلى المقام عليه يتحطم الناس. أبو محمد: فعلى تفسير ابن حبيب ذلك كله حطيم الجدار من الكعبة والفضاء الذي بين البيت والمقام الآن انتهى. وقال أبو الحسن عن عياض في المشارق: والحطم الهلاك مأخوذ من هلاك الجبابرة هناك بالدعاء. وقيل: هو من تحطيم الذنوب والحطم هو الانكسار انتهى. قال أبو

[ 524 ]

الحسن: حمله على أنه أراد في بنائها فلذلك قال: لا شئ عليه كما لو نوى ذلك، وأما إن نوى أن ينفق عليها لزمه انتهى. وذكر ابن الحاجب كلام المدونة وقال في التوضيح: وما ذكره المصنف من قوله: فلا شئ عليه هو المشهور. وروي عن مالك أن عليه كفارة يمين، ونقل في الاستذكار أن إسماعيلبن أبي أويس روى عن مالك أنه يلزمه إخراج ثلث ماله. وقال ابن حبيب: أرى أن يسأل، فإن نوى أن يكون ماله في الكعبة فيدفع ثلثه للخزنة يصرفونه في مصالحها، فإن استغنت عنه بما أقامه السلطان من ذلك تصدق به، وإن قال: لم أنو شيئا ولا أعرف لهذه الكلمة تأويلا فكفارة يمين أحب إلي، وسواء كان ذلك في نذر أو يمين انتهى. ونقل ابن عرفة قول ابن أبي أويس ونصه أبو عمر عن ابن أبي أويس مشهور قول مالك إخراج ثلث ماله لا كفارة يمين انتهى. وما ذكره أبو الحسن ظاهر فينبغي أن يقيد به كلام المدونة وكلام المصنف بدليل هذا الفرع الذي في المدونة وهو ما نصه قال في المدونة: ومن قال: مالي في كسوة الكعبة أو طيبها أهدى ثلث ماله يدفعه إلى الحجبة انتهى. قال في التوضيح: والظاهر في زماننا أن يتصدق بذلك لان الملوك تكفلت بالكعبة ولا يتركون أحدا يكسوها والحجبة لا يؤمنون في الغالب، وكذلك قال ابن راشد، وهو يؤخذ مما قدمناه عن الموازية انتهى. يشير إلى ما نقله عنه قول ابن الحاجب فإن قصر يعني ثمن الهدي عن التعويض فقال ابن القاسم: يتصدق به حيث شاء. وفيها أيضا يبعثه لخزنة الكعبة ينفق عليها. قال في التوضيح: أشعر قوله أيضا أن قوله في المدونة أيضا وفي قول مالك إشكال ولعل ذلك هو الموجب لنسبة ذلك للمدونة أن الكعبة لا تنقض وتبنى ولا يكسوها إلا الملوك ويأتيها من الطيب ما فيه كفاية، وهي أن كانت تكنس فمكانسها من خوص قبل الكنس لا تساوي الفلس وبعده تساوي الدرهم فلم يبق إلا أن يأكله الخزنة، وليس هذا من قصد الناذر في شئ لكن في الموازية ما يدفع هذا الاشكال، فإنه قال بعد قوله ينفق عليها: فإن لم تحتج إليه الكعبة تصدق به. وساقه ابن يونس على أنه تقييد وهو كذلك إن شاء الله تعالى انتهى. ولقوة ذلك عنده جزم به في المختصر كما تقدم وهو ظاهر لا شك فيه. ونقل ابن فرحون كلامه وقبله غير أن فيه وكذلك قال ابن هارون فما أدري تصحف عليه أم قاله ابن هارون أيضا والله أعلم. فروع: الاول: قال في المدونة: ومن قال: أنا أضرب بما لي أو بشئ منه يعينه حطيم الكعبة أو الركن فعليه حجة أو عمرة ولا شئ عليه في ماله. وكذلك لو قال: أنا أضرب بكذا الركن الاسود فليحج أو يعتمر ولا شئ عليه إن لم يرد حملان ذلك الشئ على عنقه. قال ابن القاسم: وكذلك هذه الاشياء. ابن يونس: قال ابن المواز: وإن أراد حملانه وكان يقوى على حمله فكذلك يحج أو يعتمر راكبا ولا شئ عليه، فإن كان مما لا يقوى على حمله مشى وأهدى. وقال ابن حبيب: إذا قال: أنا أضرب بكذا لشئ من ماله الركن الاسود أو الكعبة وأراد حمله على عنقه مشى إلى البيت في حج أو عمرة وأهدى فلا يحمله، ثم يدفع ما سمى إن كان لا يبلغ ثمن هدي إلى خزنة الكعبة يصرف في مصالحها. وقاله ابن القاسم

[ 525 ]

انتهى. ونقله أبو الحسن وقال: انظر الهدي هنا خفيف انتهى. وقال ابن يونس: معنى قوله: أضرب بمالي حطيم الكعبة أي أسير به وأسافر به إلى الكعبة، ومن ذلك قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الارض) * أي سافرتم. ومنه قولهم ضرب المقارض بالمال لانه يسير به ويضرب في الارض لابتغاء الرزق ولم يرد به ما عند الناس من الضرب بماله الكعبة لان ذلك استخفاف من فاعله وغير ما أمر به من التعظيم لها انتهى. ونقله أبو الحسن وقال بعده: وحمل اللخمي هذا على الضرب حقيقة قال: ظاهره نذر معصية لا شئ فيه ولكنه يحتمل أن يريد الضرب الذي هو السير لانه لفظ مشترك انتهى. وقال قبله: قوله هنا يناقض ما قال فيمن قال: على الانطلاق إلى مكة، لان القائل: أنا أضرب قد عبر بلفظ المشي إلى مكة وبغير لفظ الركوب الذي اختلف فيه قوله. الشيخ: والفرق بينهما أنه هنا ذكر البيت أو بعضه وهناك إنما ذكر مكة وهي مشتملة على البيت وغيره، فلو كان هناك أضاف السير والذهاب إلى البيت لقال مثل ما قال هنا يلزمه انتهى. فتحصل أنه إذا قال: أضرب بكذا في البيت أو جزء منه أنه إن أراد الضرب الحقيقي فلا يلزمه شئ لانه معصية، وإن أراد السير أو لم تكن له نية فإنه لم ينو حمله حج أو اعتمر راكبا ولا شئ عليه، وأن أراد حمله فعند ابن المواز يفصل فيه إن كان يقوى عليه فمثل الاول وإلا مشى وأهدى، وعند ابن حبيب يمشي ويهدي ويدفع ما سمى إن لم يبلغ ثمن هدي لخزنة الكعبة والله أعلم. تنبيه: ورد في الحديث الصحيح: لولا حداثة قومك بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله. قال القرطبي: كنز الكعبة المال المجتمع مما يهدى إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه، وليس من كنز الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه بعضهم فإن ذلك ليس بصحيح لان حليتها حبس عليها كحصرها وقناديلها لا يجوز صرفها في غيرها، وحكم حليها حكم حلية السيف والمصحف المحبسين انتهى. الثاني: وأما النذر للكعبة فإما أن يقصد بها خدمتها وهو الغالب، أو مطلق أهل الحرم فيصرف لمن قصد، أو يقصد أن يصرف في مصالحها وحكمه ما ذكره في التوضيح وذكره أبو الحسن في مسألة مالي في الكعبة أو بابها أو طيبها، وإن لم يقصد شيئا فلم أر فيه نصا، والظاهر أن يصرف في غالب ما يقصده الناس بنذورهم والله أعلم. الثالث: قال ابن عرفة: ونذر شئ لميت صالح معظم في نفس الناذر لا أعرف نصا فيه، وأرى إن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق به بموضع الناذر، وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره أو زاويته تعين لهم إن أمكن وصوله لهم انتهى. وإن لم ينو شيئا فقال البرزلي في آخر مسائل الهبة والصدقة: وسألت شيخنا الامام يعني ابن عرفة عما يأتي إلى الموتى من الفتوح

[ 526 ]

ويوعدون به مثل أن يقول: إن بلغت كذا لسيدي فلان كذا ما يصنع به ؟ فأجاب بأنه ينظر إلى قصد التمصدق، فإن قصد نفع الميت تصدق به حيث شاء، وإن قصد الفقراء الذين يكونون عنده فليدفع ذلك إليهم، وإن لم يكن له قصد فلينظر عادة ذلك الموضع في قصدهم الصدقة على ذلك. الشيخ: وكذلك إن اختلف ذرية الولي فيما يؤتى به إليه من الفتوح فلينظر قصد الآتي به، فإن لم يكن له قصد حمل على العادة في إعطاء ذلك للفقراء أو لهم أو للاغنياء. وسمعته حين سئل إني تصدقت على سيدي محرز بدرهم أو نحوه. فقال: يعطى ذلك للفقراء الذين على بابه انتهى. وقال الدماميني في حاشيته على البخاري في باب كسوة الكعبة من كتاب الحج بعد أن ذكر كلام ابن عرفة الاول: وبقي عليه ما إذا علمنا نذره وجهلنا قصده وتعذر استفساره، فعلى ماذا يحمل ؟ والظاهر حمله على ما هو الغالب من أحوال الناس بموضع الناذر انتهى. وهذا الذي ذكره يؤخذ مما ذكره البرزلي عن ابن عرفة والله أعلم، ومثل ذلك من ينذر شيئا للنبي (ص) والله أعلم. ص: (أو أهدى لغير مكة) ش: قال ابن الحاجب: وإذا التزم هديا لغير مكة لم يفعله لانه معصية. قال في التوضيح: قال في المدونة: وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال انتهى. وقال ابن فرحون: لان الهدي إنما يكون قربة إذا كان لمكة، يريد إذا ذكر لفظ الهدي لان سوق البدن إلى غير مكة من الضلال، ومعناه أنه التزم ذلك على سبيل النذر كقوله: لله علي نذر سواء كان معلقا أو غير معلق انتهى. وقال ابن عبد السلام: لا شك أن ناذر الهدي وفي معناه أن يقول: لله علي بدنة، فأما أن يكون نذرا مطلقا غير مقيد ببلد أو مقيدا ببلد والبلد إما مكة أو غيرها، والحكم في الثاني من الاقسام بين وكذلك الاول وهو المطلق، لان مكة ومنى محل الهدايا. وعلى هذا القسم تكلم في المدونة وأشار فيها إلى الثالث بقوله: وسوق البدن لغير مكة من الضلال. والمصنف لما كان مذهبه الاختصار اعتمد الكلام على القسم الثالث وسكت عن الاول والثاني، لان الكلام على الثالث يستلزم الكلام عليهما ولا ينعكس أعني إذا كان من سمى غير مكة لا يجزئه أن ينحر إلا بمكة، فأحرى من لم يسم أو سماها وهو بين انتهى. وما قاله ظاهر إلا إن أخر كلامه يوهم أن من نذر هديا لغير مكة يلزمه أن ينحره

[ 527 ]

بمكة وهو خلاف ما قال المصنف وليس كذلك، بل مراده أنه لا يجوز له نحره بغير مكة. فإن أراد نحره فإنما ينحر بمكة ويستحب له ذلك كما سيأتي عن اللخمي. قال في المدونة: ومن قال: علي لله أن أنحر بدنة أو قال: لله هدي فلينحر ذلك بمكة. ابن يونس: أو بمنى يوم النحر. وقاله ابن عمر وابن عباس انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها ينحر من قال: لله علي نحر بدنة أو لله علي هدي بمكة. قلت: يريد أو بمنى بشرطه انتهى. وظاهره أنه لم يقف عليه للمتقدمين، وقد ذكره ابن يونس كما تقدم إلا أن يريد أن مفهوم كلام ابن يونس يقتضي تخصيص نحره بيوم النحر فعدل عن ذلك بقوله: أو بمنى بشرطه ليدخل في ذلك ما بعد يوم النحر مما يجوز فيه نحر الهدي. ثم قال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم الشيخ عن أشهب: من حل بعمرة في أشهر الحج ومعه هدي تطوع نحره بمكة إلا أن يكون نذره بمنى، فإن نحره بمكة قبل عرفة فعليه بدله انتهى. ثم قال في المدونة: ولله علي جزور أو أن أنحر جزورا فلينحرها بموضعه، ولو نوى موضعا أو سماه فلا يخرجها إليه، كانت الجزور بعينها أو بغير عينها. وكذلك إن نذرها لمساكين بلده وهو بغيرها فلينحرها بموضعه ويتصدق بها على مساكين من عنده وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال انتهى. قال ابن عبد السلام: مذهب المدونة في هذه المسألة هو المشهور، وكذلك قال في التوضيح: ومقابله عن مالك أيضا. قال ابن يونس إثر نقله كلام المدونة المتقدم: قال في الموازية: وهو كمن نذر أن يصلي بمصر مائة ركعة وهو من أهل المدينة أو غيرها أنه لا يصلي إلا بموضعه قال: وقد قال مالك مرة: إنه ينحرها حيث نوى، وقاله أشهب. قال أشهب: وإن لم تكن له نية نحرها بموضعها انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة: وكلام أشهب وصوبه اللخمي قال: ولو نوى هديه لذلك البلد كان نذر معصية يستحب أن يفي به بمكة انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن يونس: قال ابن حبيب: وإن نذر أن ينحر الجزور بمكة كان عليه أن ينحرها بها وليس بهدي. قال ابن عرفة: ونقله اللخمي بلفظ نحره بها ولم يكن عليه أن يقلده ويشعره. قلت: ظاهره له كذلك فيصير هديا كفعل ذلك في نسك. انتهى يعني بالنسك الفدية. الثاني: قال في التوضيح: أشار بعضهم إلى أنه يجوز أن لا ينحر شيئا ويطعم المساكين لحما يكون قدره قدر لحم الجزور وهو ظاهر، لانه لا قربة في النحر انتهى، والبعض المشار إليه هو الباجي وعنه نقله ابن عرفة ونصه الباجي. وعندي أن النذر إنما هو في إطعام لحمها في إراقة دمها، فمن نذر نحر جزور بغير مكة فاشتراه منحورا وتصدق به أجزأه انتهى. الثالث: قال أبو الحسن: البدنة عندهم ما يذبح في محل مخصوص، والجزور الناقة المعدة

[ 528 ]

للنحر في غير محل مخصوص انتهى. ص: (أو مال غير إن لم يرد إن ملكه) ش: سواء كان ذلك مما يهدى أو مما لا يهدى، فإن أراد أن ملكه فالمشهور يلزمه ويجري على ما تقدم فيما يصح هديه وما لا يصح هديه. تنبيهات: الاول: قال أبو الحسن: إنما فرق بين قوله الحر أنا أهديك، وقوله لعبد غيره هو هدي، وإن كانا جميعا لا ملك له عليهما لان العبد يصح ملكه فيخرج عوضه وهو نيته، وأما الحر فليس مما يصح ملكه ولا يخرج عوضه فجعل عليه فيه الهدي إذا قصد القربة انتهى. الثاني: قال أبو الحسن: وقع في كتاب محمد فيمن قال: أنا أنحر عبد فلان أنه لا شئ عليه كمن قال: أنا أهدي هديا كما إذا قال: أنا أنحر فلانا انتهى. وهذا ليس هو المشهور في قوله: أنا أنحر فلانا والمشهور أنه لا يلزمه شئ والله أعلم. الثالث: أصل هذه المسألة ما رواه مسلم في المرأة الانصارية التي أسرت وكانت العضباء ناقة رسول الله (ص) أخذها العرب الذين أسروا المرأة فهربت المرأة على العضباء ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فقال النبي (ص): بئسما جزتها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملكه العبد. قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام يدل على أن الذي صدر من المرأة معصية لانها التزمت أن تهلك مال الغير فتكون عاصية بهذا القصد وهذا ليس بصحيح، لان المرأة لم يتقدم لها من النبي (ص) بيان تحريم ذلك ولم تقصد ذلك، وإنما معنى ذلك والله أعلم. أن من أقدم على ذلك بعد التقدمة إليه وبيان أن ذلك محرم كان عاصيا بذلك القصد. ولا يدخل في ذلك المعلق على الملك كقوله: إن ملكت هذا البعير فهو هدي أو صدقة، لان ذلك الفعل معلق على ملكه لا ملك غيره انتهى. فهذا يدل على أن حلف الانسان بملك الغير محرم. وقال القرطبي في شرح مسلم في شرح قوله في كتاب الايمان ليس على الرجل نذر فيما لا يملك: اختلف العلماء فيما إذا علق العتق أو الهدي أو الصدقة على الملك مثل أن يقول: إن ملكت عبد فلان فهو حر. فلم يلزمه الشافعي شيئا من ذلك، عم أو خص، تمسكا بهذا الحديث، وألزمه أبو حنيفة كل شئ من ذلك، عم أو خص، لانه من باب العقود المأمور بالوفاء بها، ووافق أبا حنيفة مالك فيما إذا خص تمسكا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة وخالفه إذا عم رفعا للحرج الذي أدخله على نفسه. ولمالك قول آخر مثل قول الشافعي انتهى. وقال ابن عبد السلام في باب

[ 529 ]

التفليس في شرح قول ابن الحاجب: وللحجر أربعة أحكام: منع التصرف في المال الموجود. قال ابن عبد السلام: احترازا مما لم يوجد له من المال كالتزامه عطية شئ ما إن ملكه فإنه لا يمنع منه الآن، ولكنه إن ملك ذلك الشئ وقد زال عنه حكم الفلس لزمه ما التزم وإلا كان للغرماء منعه. انتهى. ص: (إن لم يلفظ بالهدي أو ينويه أو يذكر مقام إبراهيم) ش: يعني فإن تلفظ بالهدي كأن قال لله علي أن أهدي فلانا أو نواه كما إذا قال: علي أن أنحر فلانا ونوى بذلك الهدي أو ذكر مقام إبراهيم كما إذا قال: أنحر فلانا في مقام إبراهيم يريد أو البيت أو المسجد أو منى أو مكة أو الصفا أو المروة فإنه يلزمه هدي. قال في التوضيح عن ابن بشير: أو يذكر موضعا من مواضع مكة أو منى. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف أنه إذا ذكر مقام إبراهيم لزمه الهدي في القريب والاجنبي، وهذه طريقة للباجي كما ذكره في التوضيح. وذكره أبو الحسن عن ابن المواز عن ابن القاسم، وظاهره أنه تقييد، وخص ابن الحاجب وغيره ذلك بالقريب. الثاني: ظاهر كلامه أيضا سواء كان ذلك في نذر أو تعليق وهو اختيار ابن يونس كما قال في التوضيح: وخص بعضهم ذلك بالتعليق قال: وأما إن قال: لله علي نحر فلان أو ولدي فلا يلزمه. الثالث: قيد ابن بشير مسألة ما إذا ذكر الهدي بأن لا يقصد المعصية يعني ذبحه قال: فلا يلزمه حينئذ شئ ويقيد به مسألة نية الهدي، وذكر المقام من باب أولى وارتضى القيد في الشامل وأتى به على أنه المذهب وهو ظاهر والله أعلم. وقال في التوضيح خليل: المسألة على ثلاثة أوجه: إن قصد الهدي والقربة لزمه باتفاق، ومن قصد المعصية لم يلزمه باتفاق، واختلف حيث لا نية والمشهود عليه الهدي انتهى.

[ 530 ]

الرابع: قال في التوضيح عن الباجي: إذا علق ذلك بمكان النحر كأن يقول: أنحرك عند مقام إبراهيم قال: فانظر قوله: فإن علق ذلك بمكان الذبح وعند المقام فإنه مخالف لما قاله ابن هارون أن المراد بمقام إبراهيم قضيته في التزام ذبح وله وفداؤه بالهدي لا مقام مصلاه انتهى. وقال ابن فرحون عند ذكر كلام ابن هارون: وهو بعيد من كلام أهل المذهب انتهى. وفي المدونة نحو ما ذكر عن الباجي قال: وإن قال عند مقام إبراهيم انتهى. الخامس: قال أبو الحسن: قال ابن المواز: لو قال لعدة من ولده أو غيره أنا أنحركم كان عليه أن يهدي عن كل واحد هديا. وقد قيل: عليه هدي لجميعهم، والاول أحب إلينا وهو الحق والله أعلم. السادس: قال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز: ومن نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشا أراه يريد إن سمى موضع النحر بمكة انتهى. السابع: قال في سماع أبي زيد من النذور: إذا قال لولده: أنت بدنة لا شئ عليه إلا أن يكون نوى الهدي. ابن رشد: قوله في ابنه هو بدنة بمنزلة قوله: أنا أنحره، وقوله لا شئ عليه إلا أن يكون نوى الهدي هو أحد أقوال مالك. والذي يتحصل أنه إن أراد الهدي أو سمى المنحر فعليه الهدي قولا واحدا، وإن لم تكن له نية ولا سمى المنحر فمرة رأى عليه كفارة يمين، ومرة لم ير عليه شيئا وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. ص: (كنذر الهدي بدنة) ش: يشير إلى قول ابن الحاجب وإن نذر هديا مطلقا فالبدنة أولى والبقرة والشاة تجزئ. قال في التوضيح: قوله: مطلقا يحتمل أن يريد من غير تعيين، ويحتمل أن يريد سواء كان معلقا أم لا. وما ذكره من أن البدنة أولى والبقرة والشاة تجزئ نص عليه في المدونة في الحج الثاني. انتهى. فرع: قال ابن الحاجب: ومن نذر هديا بدنة أو غيرها أجزأه شراؤها ولو من مكة. قال ابن عبد السلام: يعني أن من قال: لله علي هدي بدنة أو بقرة أو شاة وهو بغير مكة لم يلزمه أن يهديها من بلده وإن أمكن وصولها إلى مكة، لان نذره لا يدل على ذلك، وحيث اشتراه من مكة فلا بد أن يخرجه إلى الحل قبل أن ينحره ويفعل به من التقليد والاشعار ما هو سنة فيه وهذا معلوم، ونص على بعضه في المدونة انتهى وبعضه في التوضيح. ص: (كنذر الحفاء) ش:

[ 531 ]

قال في الشامل: ومشى في نذر الحفاء والحبو والزحف انتهى. ص: (أو حمل فلان إن نوى التعب) ش: قال أبو الحسن في مسائل الكتب في قوله: أحمل على ثلاثة أوجه: تارة يحج الحالف وحده وهذا إذا أراد المشقة على نفسه بحمله على عنقه، وتارة يحج المحلوف به وحده إذا أراد حمله في ماله، وتارة يحجان جميعا إذا لم تكن له نية، انظر بقية كلامه. ص: (وألغي على المسير والذهاب والركوب لمكة) ش: قال في المدونة: ومن قال: إن كلمت فلانا فعلي أن أسير أو أذهب أو أنطلق أو آتي أو أركب إلى مكة فلا شئ عليه إلا أن ينوي أن يأتيها حاجا أو معتمرا فيأتيها راكبا إلا أن ينوي ماشيا، وقد اختلف قول ابن القاسم في الركوب فأوجبه مرة، وأشهب يرى عليه إتيان مكة في هذا كله حاجا أو معتمرا. ص: (ومطلق المشي) ش: قال في المدونة، ومن قال: علي المشي ولم يقل لبيت الله، فإن نوى مكة مشى، وإن لم ينو ذلك فلا شئ عليه، ولو قال مع ذلك إلى بيت الله فليمش إلى بيت الله إلا أن ينوي مسجدا فله نيته. انتهى. ص: (ومشي لمسجد وإن لاعتكاف إلا القريب جدا

[ 532 ]

فقولان تحتملهما) ش: أي هل يلزمه الذهاب إليه أو لا يلزمه ؟ وإذا لزمه فيذهب إليه ماشيا ولا يركب. وحكى ابن الحاجب في ركوبه قولين. قال في التوضيح: ولم أر من قال: يلزمه الذهاب ولا يلزمه المشي كما قال المصنف انتهى. وقال ابن عبد السلام: الاقرب لزومه الذهاب لتناول الدليل الدال على وجوب الوفاء بالنذر له وعدم تناول حديث اعمال المطي، ثم الاقرب لزوم المشي لانه جاء في الماشي إلى المسجد من الفضل ما لم يأت مثله في الراكب انتهى. وحد القرب قالوا: ما لا يحتاج فيه إلى إعمال المطي وشد الرحال. ص: (ومشي للمدينة) ش. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وتوقف الشيخ عيسى الغبريني في ناذر زيارته (ص) لعدم النص، واستظهر غيره اللزوم لتحقق القربة، وأنكر ابن العربي زيارة قبر غيره عليه السلام للتبرك، وعده الغزالي في المندوبات وأجاز الرحلة له في آداب السفر، ونقل ابن الحاج كلامه بنصه وحروفه فانظره انتهى. وقال السيد السمهودي في تاريخ المدينة بعد أن ذكر كلام الشافعية في نذر زيارة قبر النبي (ص). وقال العبدي من المالكية في شرح الرسالة: وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام والمشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة إلى المدينة لزيارة قبر النبي (ص) أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس وليس عنده حج ولا عمرة، فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متفق عليها ويختلف أصحابنا في المسجدين الآخرين. انتهى من خلاصة الوفا وانظر البرزلي. ص: (إن لم ينو صلاة بمسجديهما) ش: قال أبو الحسن: ظاهره كانت فريضة أو نافلة. أما إن نوى صلاة الفريضة فلا إشكال، وأما إن نوى صلاة النافلة فلا تضعيف فيها بل في البيوت أفضل. وانظر أواخر الشفا فإنه حكى فيه قولين. الشيخ: إلا أن ينوي أن يقيم أياما يتنفل فيتضمن ذلك صاة الفرض انتهى. فرع: قال في النوادر: قال ابن حبيب: من نذر أن يصلي عند كل سارية من سواري

[ 533 ]

المسجد ركعتين قال: يعد السواري ويصلي إلى واحدة لكل سارية ركعتين وهو قول مالك انتهى. ص: (والمدينة أفضل ثم مكة) ش: هذا هو المشهور. وقيل: مكة أفضل من المدينة بعد إجماع الكل على أن موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الارض. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قلت: وينبغي أن يكون موضع البيت بعده كذلك ولكن لم أقف عليه لاحد من العلماء فانظره انتهى. وقال الشيخ السمهودي في تاريخ المدينة: نقل عياض وقبله أبو الوليد والباجي وغيرهما الاجماع على تفضيل ما ضم الاعضاء الشريفة على الكعبة. بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أنها أفضل من العرش، وصرح التاج الفاكهي بتفضيلها على السموات قال: بل الظاهر المتعين جميع الارض على السموات لحلوله (ص) بها. وحكاه بعضهم عن الاكثر بخلق الانبياء منها ودفنهم فيها، لكن قال النووي: الجمهور على تفضيل السماء على الارض أي ما عدا ما ضم الاعضاء الشريفة. وأجمعوا بعد على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد. واختلفوا فيهما والخلاف فيما عدا الكعبة فهي أفصل من بقية المدينة اتفاقا. انتهى من خلاصة الوفا. وقال في المسائل الملقوطة: ولا خلاف أن مسجد المدينة ومكة أفضل من مسجدد بيت المقدس، واختلفوا في مسجدي مكة والمدينة والمشهور من المذهب أن المدينة أفضل وهو قول أكثر أهل المدينة. وقال ابن وهب وابن حبيب: مكة أفضل. مسألة: قال في المسائل الملقوطة: وحكم ما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام حكم المزيد فيه في الفضل. ثم ذكر أحاديث ورواية عن مالك في ذلك ونقل ذلك عن تسهيل المهمات لوالده، ونص كلامه: وحكم ما زيد في مسجده (ص) حكم المزيد في الفضل لاحاديث عنه (ص) وآثار عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما مصرحة بذلك. ذكرها المؤرخون في كتبهم والله أعلم بصحتها. قال عمر رضي الله عنه لما فرغ من بناء المسجد ومن زيادته: لو انتهى بناؤه إلى الجبانة لكان الكل مسجد رسول الله (ص). وقال أبو هريرة: سمعت

[ 534 ]

رسول الله (ص) يقول: لو زيد في هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي. وعن ابن أبي ذؤيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو مد مسجد رسول الله (ص) إلى ذي الحليفة لكان منه. وقال عمر بن أبي بكر الموصلي: بلغني عن ثقات أن رسول الله (ص) قال: ما زيد في مسجدي فهو منه ولو بلغ ما بلغ. ومذهب الائمة الثلاثة حكم الزيادة حكم المزيد فيه وصرح به الشافعية غير النووي، فذكر أن مضاعفة الصلاة تختص بمسجده القديم. ثم ذكر الفقيه محب الدين الطبري في كتاب الاحكام في الحديث أن النووي رجع عن ذلك. وقال ابن تيمية في منسك الحج: حكم الزيادة حكم المزيد فيه في جميع الاحكام. ونقل أبو محمد عبد الله بن فرحون في شرح مختصر الموطأ له أنه وقف على كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكا رحمه الله سئل عن ذلك فقيل له: هل الصلاة فيما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام كالصلاة في المزيد فيه في الفضل ؟ فقال: ما أراه عليه السلام أشار بقوله: صلاة في مسجدي هذا إلا لما سيكون من مسجده بعده، وإن الله تعالى أطلعه على ذلك حتى أشار إليه انتهى. ويحتمل أنه أشار بقوله هذا إلى إخراج ما عداه من مساجده التي تنسب إليه كمسجد قباء ومسجد ذي الحليفة ومسجد العيد ومسجد الفتح وغيرها انتهى. من تسهيل المهمات، وذكر ذلك والده في باب صلاة الجماعة في شرح قول ابن الحاجب ولا تعاد صلاة جماعة مع واحد فأكثر، وقال السيد السمهودي الشافعي في تاريخ المدينة المسمى خلاصة الوفا. لما تكلم في تخصيص المضاعفة بالمسجد النبوي الاصلي وعمومها لما زيد فيه: وقد سئل مالك عن ذلك فيما قاله ابن نافع صاحبه فقال: بل هو يعني المسجد الذي جاء فيه على ما هو عليه لان النبي (ص) أخبر بما يكون بعده وزويت له الارض فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر. قال السيد: انتهى يعني كلام مالك ثم قال بعد ذلك: بل نقل البرهان ابن فرحون إنه لم يخالف في ذلك إلا النووي انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل السادس من القسم الاول: ونسبة المحراب إليه (ص) كنسبة جميع المسجد إليه، فيقال مسجد النبي (ص) ولو زيد فيه. وقال العلماء: إن الصلاة تضاعف فيما زيد فيه كما تضاعف في المسجد القديم. ولما زاد عمر رضي الله عنه في المسجد من ناحية القبلة ونقل محل الامام إلى تلك الزيادة وكان فيها محراب واستشهد رضي الله عنه في ذلك المحراب، ثم زاد بعده عثمان من ناحية القبلة أيضا وأيضا انتقل محل الامام إلى المحراب الذي في القبلة الآن وهو محراب عثمان، وكان في أيام مالك يصلي الامام في محراب عثمان فلما قل الناس رجعوا إلى محراب النبي (ص) الذي بين القبر والمنبر انتهى والله أعلم.

[ 535 ]

باب الجهاد واحكامه ص: (باب. الجهاد في أهم جهة كل سنة وإن خاف محاربا كزيارة الكعبة فرض كفاية) ش: الجهاد في اللغة التعب والمشقة مأخوذ من الجهد. وفي الشرع قال ابن عرفة: قتال

[ 536 ]

مسلم كافرا، غير ذي عهد لاعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخول أرضه. فيخرج قتال الذمي المحارب على المشهور أنه غير نقض. وقول ابن هارون: هو قتال العدو لا علاء كلمة الاسلام. غير منعكس بالاخيرين وهما جهاد اتفاقا. وقول ابن عبد السلام هو إتعاب النفس في مقاتلة العدو كذلك وغير مطرد بقتاله لا لاعلاء كلمة الله انتهى. وقال ابن عرفة أيضا: قال أبو عمر في الكافي: فرض على الامام إغزاء طائفة للعدو في كل سنة يخرج هو بها أو من يثق به، وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور لا خروجهم كافة، والنافلة منه إخراج طائفة بعد أخرى وبعث السرايا وقت الغرة والفرصة. زاد ابن شاس عنه: وعلى الامام رعي النصفة في المناوبة بين الناس. وعزا القرافي جميع ذلك لعبد الملك ثم قال اللخمي عن الداودي: بقي فرضه بعد الفتح على من يلي العدو وسقط عمن بعد عنه. المازري: قوله بيان لتعلق فرض الكفاية بمن حضر محل متعلقه قادرا عليه دون من بعد عنه لعسره وإن عصى الحاضر تعلق بمن يليه انتهى. فائدة: إن قيل: كيف غضب النبي (ص) على الثلاثة الذين خلفوا مع أنه فرض كفاية ؟ فالجواب ما قال السهيلي في الروض الانف في حديث الثلاثة: إنه كان على الانصار فرض عين عليه بايعوا النبي (ص) فكان تخلفهم في هذه الغزاة كبيرة. كذا قال ابن بطال انتهى. مسألة: قال القرطبي: قد حض الشرع على تمني الشهادة ورغب فيه فقال: من سأل

[ 537 ]

الله الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه. اه‍. ص: (ولو مع وال جائر) ش: ظاهره ولو كانوا يغدرون وهو ظاهر ما حكاه في التوضيح عن

[ 538 ]

سحنون قال القرطبي في شرح مسلم في قوله: لكل غادر لواء. وقد مال أكثر العلماء أنه لا

[ 540 ]

يقاتل مع الامير الغادر بخلاف الجائر والفاسق. وذهب بعضهم إلى الجهاد معه والقولان في مذهبنا انتهى. ص: (وبتعيين الامام) ش: تصوره ظاهر. مسألة: قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية: أيغزى بغير إذن الامام ؟ قال: أما الجيش والجمع فلا إلا بإذن الامام وتولية وال عليهم. وسهل مالك لمن قرب من العدو يجد فرصة ويبعد عليه الامام محمد كمن هو منه على يوم. ونحوه ولابن مزين عن ابن القاسم إن طمع قوم بفرصة في عدو قربهم وخشوا إن أعلموا إمامهم منعهم فواسع خروجهم وأحب استئذانهم إياه. ثم قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: إن نهى الامام عن القتال لمصلحة حرمت مخالفته إلا أن يدهمهم العدو اه‍. من أوائل الجهاد منه. وفي سماع أشهب وسئل مالك عن القوم يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون إلى العلف لدوابهم فتخرج جماعة إلى هذه القرية وجماعة إلى قرية أخرى يتعلفون لدوابهم ولا يستأذنون الامام فربما غشيهم العدو فيما هناك إذا رأوا غرتهم وقتالهم فقتلوهم أو أسروهم أو نجوا منهم وإن تركنا دوابنا هلكت فقال: أرى إن استطعتم استئذان الامام أن تستأذنوه، ولا أرى أن تغزوا بأنفسكم فتقتلون في غير عدة ولا كثرة، ولا أرى ذلك. وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل من سواحل المسلمين يقاتلونهم بغير استئمار الوالي فقال: أرى إن كان الوالي قريبا منهم أن يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم، وإن كان بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم. فقيل له: بل الوالي بعيد منهم. فقال: كيف يصنعون أيدعوهم حتى يقعوا بهم ؟، أرى أن يقاتلوهم. قال ابن رشد: وهذا كله كما قال: إنه لا ينبغي لهم أن يغزوا بأنفسهم في تعلفهم وأن الاختيار لهم أن يستأذنوا الامام في ذلك إن استطاعوا، ويلزمهم ذلك إن كان الوالي عدلا على ما قاله ابن وهب في سماع زونان وهو عبد الملك بن الحسن، وأن قتال العدو بغير إذن الامام لا يجوز إلا أن يدهمهم فلا يمكنهم

[ 541 ]

استئذانه. انتهى من سماع زونان. سئل عبد الله بن وهب عن القوم يواقعون العدو هل لاحد أن يبارز بغير إذن الامام ؟ فقال: إن كان الامام عنده لم يجز له أن يبازر إلا بإذنه، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه. قلت له: والمبارزة والقتال عندكم واحد ؟ قال: نعم. قال ابن رشد: وهذا كما قال: إن الامام إذا كان غير عدل لم يلزمهم استئذانه في مبارزة ولا قتال إذ قد ينهاهم عن غرة قد ثبتت له على غير وجه نظر يقصده لكونه غير عدل في أموره فيلزمه طاعته، فإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان له لا في طاعته إذا أمر بشئ أو نهى عنه، لان الطاعة للامام من فرائض الغزو فواجب على الرجل طاعة الامام فيما أحب أو كره، وإن كان غير عدل ما لم يأمره بمعصية اندهى. وفي سماع أصبغ وسمعت ابن القاسم: وسئل عن ناس يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين، هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها من عدوهم من غير إذن الامام والامام منهم على أيام ؟ قال: إن كانت تلك الغرة بينة قد ثبتت لهم منهم ولم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فلا أرى بأسا، وإن كانوا يخافون أن يلقوا ما لا قوة لهم به أن يطلبوا فيدركوا فلا أحب ذلك لهم. قال ابن رشد: إنما جاز لهم أن يخرجوا سراياهم لغرة تبينت لهم بغير إذن الامام لكونه غائبا عنهم على مسيرة أيام، ولو كان حاضرا معهم لم يجز لهم أن يخرجوها بغير إذنه إذا كان عدلا انتهى. وجميع هذه الاسمعة في كتاب الجهاد ونقلها ابن عرفة إثر الكلام المتقدم. قال في التوضيح: ابن المواز: ولا يجوز خروج جيش إلا بإذن الامام. وسئل مالك لمن يجد فرصة من عدو قريب أن ينهضوا إليهم بغير إذن الامام: ولم يجز ذلك لسرية تخرج من العسكر. عبد الملك: وترد السرية وتحرمهم ما غنموا. سحنون: إلا أن تكون جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم يريد وقد أخطؤوا. انتهى ذكره عند قول ابن الحاجب ويجب مع ولاة الجور. وقال في الشامل في أول الجهاد: ولا يجوز خروج جيش دون إذن الامام وتوليته عليهم من يحفظهم إلا أن يجدوا فرصة من عدو وخافوا فواته لبعد الامام أو خوف منعه وحرم على سرية بغير إذنه ويمنعهم الغنيمة أدبا لهم إلا أن يكونوا جماعة لا يخشون عدوا فلا يمنعهم الغنيمة انتهى. وقال الشيخ أحمد زروق في بعض وصاياه لاخوانه: التوجه للجهاد بغير إذن جماعة المسلمين وسلطانهم فإنه سلم الفتنة وقلما اشتغل به أحد فأنجح انتهى. ص: (كوالدين في فرض كفاية) ش: ومفهوم قوله: فرض كفاية أنه لو كان فرض

[ 542 ]

عين لم يحتج لاذنهما ولو لم يكونا في كفاية وهو كذلك، لكن قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البر والصلة: إذا تعين الجهاد وكان والده في كفاية ولم يمنعاه أو أحدهما بدأ بالجهاد، فلو لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما فيبدأ به، فلو كانا في كفاية ومنعاه لم يلتفت لمنعهما لانهما عاصيان بذلك المنع انتهى. ومذهب المدونة ما قاله المصنف. فرع: قال في رسم المحرم يتخذ حرفة من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد: وسئل مالك عن الرجل من أهل الاندلس أراد أن يلحق بالمصيصة والسواحل وله ولد وأهل بالاندلس، أترى له في ذلك سعة ؟ قال: نعم. ثم قال: أيخشى عليهم الضيعة ؟ قال: نعم فكأنه لم يعجبه ذلك حين خاف الضيعة. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان القيام عليهم وترك إضاعتهم أوجب عليه بخلاف الغزو والرباط لا ينبغي لاحد أن يضيع فرضا واجبا عليه بما هو مندوب إليه انتهى. وفي سماع أصبغ من كتاب الجامع: سئل عمن يريد الجهاد وله عيال وولد قال: إن خاف عليهم الضيعة فلا أرى له أن يخرج، وإن كان عنده من يقوم بأمرهم ويخلفه فأرى أن يخرج ولا يدع ذلك. قال ابن رشد، لان قيامه على أهله وترك إضاعتهم واجب بخلاف الجهاد في الموضع الذي هو فيه فرض كفاية، لان فرض الكفاية إذا أقيم به سقط عمن سواه وكان له نافلة ولا يصح ترك فرض لنافلة. ص: (لا جد) ش: كذا ذكر في التوضيح، وذكر ابن عرفة عن سحنون ما نصه: وبر الجد والجدة واجب وليسا كالابوين أحب أن يسترضيهما ليأذنا له، فإن أبيا فله إلى أن يخرج انتهى. وذكر في الاكمال في أول كتاب البر والصلة أن

[ 543 ]

بر الاجداد كالآباء وأنه لا يجوز الجهاد بغير إذنهما انتهى. ص: (ثم جزية بمحل يؤمن) ش: أي إنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا بمحل يؤمن عليهم من الرجوع إلى الكفر، وكذا إذا أجابوا إلى الاسلام. قاله الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس. ص: (وقتلوا إلا المرأة إلا في مقاتلتها إلى قوله وراهبا) ش: قوله: إلا المرأة يعني أن المرأة لا تقتل، سواء كانت في بلد الحرب أو خرجت مع العسكر إلى بلد الاسلام. صرح به القرطبي في شرح مسلم. وقال الرجراجي: إذا غنم من العدون ذوي القوة من الرجال فالامام مخير فيهم في خمسة أشياء: القتل أو الجزية أو الفداء أو المن أو الاسترقاق، وأما النساء فإن كففن أذاهم عن المسلمين ولزمن قعر بيوتهن فلا خوف في تحريم قتلهن، وإن شعرن في مدح القتال وذم الفرار فإن قاتلن وباشرن السلاح فلا خلاف في جواز قتلهن في حين القتل في المسايفة لوجود المعنى المبيح لقتلهن، وكذلك أيضا يباح قتلهن بعد الاسر إذا قتلن، فإن رمين بالحجارة ولم يظهرن النكاية ولا قتلن أحدا فلا يقتلن بعد الاسر اتفاقا. وهل يعرض عنهن في حين المقاتلة ويشتغل بغيرهن أو يقاتلن قتالا يكفهن من غير أن يؤدي إلى قتلهن ؟ يتخرج على قولين: فإن شهرن السلاح وباشرن الكفاح فقاتلن ولم يقتلن حتى أسرن فهل يقتلن بعد الاسر أم لا ؟ على قولين: الاول لرواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية، والثاني في قول سحنون في كتاب ابنه والصبي والمراهق كالنساء في جميع ما ذكر. واختلف فيه إذا أنبت ولم يحتلم فالمذهب على قولين، وأما الشيخ الفاني الذي لا يخشى منه نكاية ولا يتقى من ورائه غائلة ذميمة فلا إشكال أنه لا يقتل وهو مذهب المدونة. واختلف في الاجراء والحراثين

[ 544 ]

وأهل الصناعات إذا لم يخش من جهتهم وأمنت جهتهم، فهل يقتلوا أم لا ؟ على قولين: أحدهما أنهم لا يقتلون وهو قول ابن القاسم في كتاب محمد وبه قال عبد الملك في الصناع بأيديهم، والثاني أنهم يقتلون وهو قول سحنون. وأما ذوو الاعذار من الزمني والمرضى والعميان والاشل

[ 545 ]

والاعرج فلا يخلوا أن يخشى منهم في الحال لما ظهر منهم من الحيل والتدبير، أو لا يخشى منهم إلا في المآل. فإن خشي منهم في الحال لما يكون من نجابة غيرهم وعلمهم بمصالح الحرب فلا خلاف أنهم يقتلون جميعا، وإن كان لما يتوقع منهم في ثاني حال، فأما المريض إن كان شابا فالنظر فيه إلى الامام كسائر الاسراء، وإن كان شيخا فلا يقتل إذا كان صحيحا فكيف إذا كان مريضا وأما من عداهم من سائر الزمني وذوي الاعذار فقد اختلف المذهب في جواز قتلهم على قولين بعد الدتفاق على جواز أسرهم انتهى. تنبيه: ما نقله في التوضيح وفي غيره من أن الشيخ الفاني يترك له كما يترك للراهب، يحمل على ما إذا رأى الامام إطلاقهم والمن عليهم والله أعلم. فص في ما يحرم في الجهاد ص: (وحرم نبل سم) ش: قال الاقفهسي في شرح هذا المحل: يريد أنه يحرم الرمي بالنبل المسموم. وفي النوادر: وكره مالك أن يسم النبل والرماح ويرمي بها العدو. وقال: ما كان هذا فيما مضى، وعلل ذلك خشية أن يعاد إلينا وحمل المؤلف الكراهة على التحريم انتهى. ص: (واستعانة بمشرك) ش:

[ 546 ]

انظر أول رسم سماع يحيى. ص: (وإرسال مصحف لهم) ش: تصوره ظاهر. فروع: الاول: قال ابن عبد السلام: وأجاز مالك وأبو حنيفة والشافعي أن يقرأ عليهم القرآن وأن يبعث إليهم بالكتاب فيه آيات من القرآن والاحاديث بذلك كثيرة وسيقول المؤلف: واحتجاج عليهم بقرآن وبعث كتاب فيه كالآية. الثاني: لا يجوز تعليم الكافر القرآن ولا الفقه. نقله في التوضيح. الثالث: كره مالك وغيره أن يعطي الكافر درهما فيه آية من القرآن، ولا خلاف فيه إذا كانت آية تامة، وإنما اختلفوا إذا كان فيه اسم من أسماء الله تعالى ولم تكن الدراهم عليها اسم الله تعالى وإنما ضربت دراهم الاسلام في أيام عبد الملك بن مروان. انتهى من التوضيح. ص: (وفرارا إن بلغ المسلمون النصف) ش: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: ولو كان المسلمون عند الملاقاة قدر ثلث الكفار ففر من المسلمين طائفة فزاد الكفار على مثليهم جاز الفرار للباقين، ويختص العصيان بالاولين دون الباقين انتهى. وقوله: قدر ثلث الكفار لعله نصف الكفار والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال القرطبي في شرح مسلم في قوله فبايعناه على أن لا نفر يعني يوم الحديبية: هذا الحكم خاص بأهل الحديبية فإنه مخالف لما في كتاب الله من إباحة الفرار عند مثلي العدو وعلى ما نص عليه في سورة الانفال وعلى مقتضى بيعة الحديبية أن لا فرار أصلا فهو خاص بهم والله أعلم. ولهذا قال عبد الله بن زيد: لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله (ص) انتهى. وفي قوله خاص بهم نظر. وانظر لم لا يجوز أن تتفق طائفة وتتعاهد على

[ 547 ]

أن لا يفروا ؟ ثم قال في العدد المذكور في الآية: فحمله الجمهور على ظاهره من غير اعتبار بالقوة والضعف والشجاعة والجبن. وحكى ابن حبيب عن مالك وعبد الوهاب أن المراد بذلك القوة والتكاثر دون تعيين العدد، قال ابن حبيب: والقول الاول أكثر فلا تفر المائة من المائتين وإن كانوا أشد جلدا أو أكثر سلاحا. قلت: وهو الظاهر من الآية انتهى. الثاني: قال السهيلي في الروض الانف: إن قيل كيف فر الصحابة يوم حنين وهو من الكبائر ؟ قلنا: لم يجمع على أنه من الكبائر إلا في يوم بدر، وكذلك قال الحسن ونافع مولى ابن عمر، ويدل له قول الله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره) * إشارة ليوم بدر، ثم نزل التخفيف في الفارين يوم حنين فقال: * (ويوم حنين) * الآية. وفي تفسير ابن سلام: كان الفرار من الزحف من الكبائر يوم بدر وكذلك يكون من الكبائر في ملحمة الروم الكبرى عند الدجال، وأيضا فإنهم رجعوا وقاتلوا حتى فتح الله عليهم انتهى. فرع: قال القرطبي: قال عياض: ولم يختلف أنه متى جهل منزلة بعضهم من بعض في مراعاة العدد لم يجز الفرار انتهى. ص: (إلا تحرفا أو تحيزا إن خيف) ش: يعني أن التحرف والتحيز يجوز إن كان الكفار أقل من ضعفهم. وهذا إذا كان انحيازهم إلى فئة خرجوا معهم، أما لو كانوا خرجوا من بلاد الامير والامير مقيم في بلاده فلا يكون فئة لهم ينحازون إليه وذلك خاص بالنبي (ص). قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع. وقوله: إن خيف قيد في التحيز لا في التحرف فتأمله. وقول البساطي: قوله إن خيف قيد في هذين غير ظاهر والله أعلم. تنبيه: يحرم الغدر وينبغي أن يستعمل الخداع في الحرب والله أعلم. ص: (والمثلة) ش:

[ 548 ]

قال الاقفهسي: أي يحرم أن يمثل بالمقتول. قال في الاستذكار: والمثلة محرمة في السنة المجمع عليها. وهذا بعد الظفر، وأما قبله فلنا قتله بأي مثلة أمكننا انتهى. وهذا الاخير في النوادر. ص: (وخيانة أسير ائتمن طائعا) ش: قال ابن عرفة: والاسير إذا ترك بعهدة أن لا يهرب ولا يخون ظاهر أقوالهم لزومه اتفاقا، وهو ظاهر قول ابن حارث يجب على المسلم الوفاء بعهدة العد واتفاقا وفي لزومه العقد ولو كان مكرها عليه أو إن كان غير مكره نقلا المازري عن الاشياخ، وإن ترك دون ائتمان ويمين فله الهروب بنفسه وما أمكنه من قتل نفس وأخذ مال إن قدر على النجاة، وإن ترك بائتمان وأيمان طلاق أو غيره ففي كونه كذلك أو كالعهد ثالثها له الهروب بنفسه فقط لابن رشد عن المخزومي في المبسوط مع ابن الماجشون وسماع عيسى بن القاسم مع سماع عيسى والاخوين مع روايتهما انتهى. فروع: الاول: اختلف إذا أقر الاسير أنه زنى ودام على إقراره ولم يرجع أو شهد عليه فقال ابن القاسم وأصبغ: عليه الحد سواء زنا بحرة أو بأمة. وقال عبد الملك: لا حد عليه. قاله في التوضيح. الثاني: إذا قتل الاسير أحدا منهم خطأ وقد كان أسلم والاسير لا يعلم فقد قيل عليه الدية والكفارة، وقيل: عليه الكفارة فقط، وعمدا وهو لا يعلمه مسلما فعليه الدية والكفارة،

[ 549 ]

وعمدا وهو يعلم بإسلامه قتل به. قاله في الكافي. الثالث: إذا جنى الاسير على أسير مثله فكغيرهما. الرابع: إذا قتل المسلم مسلما في حال القتال وقال ظننته من الكفار حلف ووجبت الدية والكفارة. قاله البساطي. ص: (والغلول وأدب إن ظهر عليه) ش: قال في التمهيد: أجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل لصاحب المقاسم إن وجد السبيل إلى ذلك، وأنه إن فعل ذلك فهو توبة له وخروج عن ذنبه. واختلفوا فيما يفعل بما غل إذا افترق العسكر ولم يصل إليهم، فقال جماعة من أهل العلم: يدفع إلى الامام خمسة ويتصدق بالباقي. هذا مذهب الزهري ومالك والاوزاعي. انتهى من الحديث الثاني لثور بن زيد والله أعلم. ونحوه للقرطبي في شرح مسلم. وقوله: وأدب إن ظهر عليه قال القرطبي: مذهب مالك أنه يعزر بحسب اجتهاد الامام انتهى. وقال ابن عرفة: سمع ابن القاسم جواب مالك عن عقوبته إن تاب ورد ما غل ما سمعت فيه شيئا، ولو عوقب لكان لها أهلا، ابن القاسم: لا يؤدب. سحنون: كالمرتد ومن رجع عن شهادته عند الحاكم. قال ابن رشد: معنى قول ابن القاسم وسحنون إن تاب قبل القسم ورد ما غل في المغنم كمن رجع عن شهادته قبل الحكم. وقول مالك مثل ما في سرقتها فيمن رجع عن شهادته قبل الحكم وادعى وهما وتشبيها ولم يتبين صدقه. ومن تاب بعد القسم وافترق الجيش أدب عند جميعهم على قولهم في الشاهد يرجع بعد الحكم لان افتراق الجيش كنفوذ الحكم بل هو أشد لقدرته على الغرم للمحكوم عليه ما أتلف عليه وعجزه عن ذلك في الجيش انتهى. وهذه المسألة في رسم من حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد. ثم قال ابن عرفة: إن تنصل منه عند الموت فإن كان أمرا قريبا ولم يفترق الجيش فهو من رأس ماله، وإن طال فمن ثلثه انتهى. ص: (وجاز أخذ محتاج الخ) ش:

[ 550 ]

قال ابن عرفة: ولو نهاهم الامام عنه ثم اضطروا إليه جاز لهم أكله انتهى. ص: (وإن نعما)

[ 551 ]

ش: قال في التوضيح: وإذا أخذ الانعام للحاجة فله أخذ جلدها إن احتاج إليه وإلا رده للمغانم انتهى. ص: (وحرق إن أكلوا الميتة) ش: قال البرزلي: ما وقف في بلاد العدو من الخيل

[ 552 ]

والحيوان فإنها تعرقب وإن خيف أكلها أحرقت انتهى. ص: (وجعل الديوان) ش: قال ابن عرفة: الديوان لقب لرسم جميع أنواع المعدين لقتال العدو بعطاء. انتهى. فرع: قال في المدونة: قال ابن محيريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون. قال أبو الحسن: وذلك أن أصحاب العطاء كالعبيد والعبد يأمره سيده وينهاه انتهى. قال ابن عرفة: وحاصله الترجيح بكثرة العمل، فإذا اتحد كان دون عطاء أفضل انتهى. ومنه أسند سحنون أن أبا ذر قال لمن قال له: لا أفترض افترض فإنه اليوم معونة وقوة فإذا كان ثمن دين أحدكم فلا تقربوه انتهى. وقوله وجعل بفتح الجيم أي يجوز للامام أن يجعل ديوانا، ويصح أن يكون بضم الجيم أي وجاز للشخص المجاهد أن يأخذ جعلا من الديوان ونحوه قوله في الشامل: ويجوز جعل من ديوان. ص: (وجعل من قاعد لمن يخرج عنه إن كانا بديوان) ش. فرع: قال ابن يونس: وإذا غزا رجل عن رجل من أهل ديوانه بأجرة فالسهمان للذي استأجره. وقد نزلت عندنا فأفتى فيها بعض شيوخنا بذلك، وكذلك حكى بعض أصحابنا عن بعض مشايخنا القرويين انتهى. وقال ابن عرفة: قلت: الاظهر أنه بينهما لانه لولا الجعالة احتمل وجوب خروج الجاعل بالقرعة فيكون الخارج أجيرا فيستحقه الخارج، أما لو كانت الجعالة بعد تعيين الجاعل بقرعة أو كان الجاعل من غير ديوانه فكما قالوا وفيه نظر، لان قواعده الشرع تقتضي أن استحقاق الاسهام إنما هو لبماشرة حضور القتال أو الخروج له إن

[ 553 ]

عاقه عن حضوره ما لا يقدر عدى دفعه وتركه اختيار إلا في مصلحة الخارجين يمنعه انتهى. ص: (ورفع صوت مرابط بالتكبير) ش: عده المؤلف من الجائزات وكذلك هو في لفظ المدونة. وقال في المدخل في الفصل الاول من فصول العالم: يستحب للمرابطين إذا صلوا الخمس أن يكبروا جهرا يرفعون أصواتهم ليرهبوا العدو. ثم قال: وقال القاضي عياض: وأما رفع الصوت بالذكر فإن كانوا جماعة فيستحسن ليرهبوا العدو بذلك، وإن كان وحده فغير مستحسن انتهى. ص: (وقتل عين وإن أمن) ش: يريد إلا أن يسلم. ص: (والمسلم كالزنديق) ش: قال في الشامل: والذمي كذلك إلا أن يرى الامام استرقاقه انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: اعلم أن الجاسوس إن كان كافرا حربيا فإنه يقتل بإجماع، وأما المعاهد والذمي فقال مالك والاوزاعي: يصير ناقضا للعهد، فإن رأى استرقاقه أرقه ويجوز قتله. ص: (وقبول الامام هديتهم وهي له إن كانت من بعض القرابة وفئ إن كانت من الطاغية إن لم يدخل بلده) ش: قال في ثاني مسألة من أول رسم من سماع عيسى من كتاب الجهاد في الهدية تأتي الامام في أرض العدو من العدو أتكون له خاصة أم للجيش ؟ قال: لا أرى هذا يأتيه

[ 554 ]

إلا على وجه الخوف، فأراه الجماعة الجيش إلا أن يعلم أن ذلك إنما هو من جهة قرابة أو مكافأة كوفئ بها فأراها له خاصة خالصة إذا كان كذلك، ومثل الرمي يسلم فيولي فيدخل فيهدي له لقرابته وما أشبه هذا. قيل له: فالرجل من الجيش تأتيه الهدية ؟ قال: هذا له خاصة لا شك فيه، ومثل أن يحلوا بحصن فيعطيه بعض أقاربه المال وهو من الجيش فهو له خالص. قال ابن رشد في الهدية تأتي الامام في أرض العدو أنها الجماعة الجيش إلا أن يعلم أن ذلك من قبل قرابة أو مكافأة، ولم يفرق بين أن تأتيه من الطاغية أو من رجل من الحربيين وذلك يفترق، وأما إذا أتته من الطاغية فلا اختلاف في أنها لا تكون له، واختلف هل تكون غنيمة للجيش ؟ وهو قوله هنا في هذه الرواية أنها تكون للجيش يريد غنيمة لهم وتخمس. وقيل: إنها تكون فيئا لجميع المسلمين لا خمس فيها كالجزية، وهذا يأتي على ما حكى ابن حبيب فيما أخذه والي الجيش يريد صلحا من بعض الحصون الذي نزل عليها. واختلف إذا أتته من الطاغية أو من غيره من العدو وقبل أن يدرب في بلاد العدو، فحكى الداودي في كتاب الاموال له أنها تكون له، والصحيح المشهور المعلوم أنها تكون فيئأ لجميع المسلمين، وأن الامير في ذلك بخلاف النبي (ص) فيما قبل من هدايا عظماء الكفار. وأما ما أتته من رجل من الحربيين فقد روى عن أشهب أنها تكون له إذا كان الحربي لا يخاف منه، وأما الرجل من الجيش تأتيه الهدية في أرض الحرب من بعض قرابته وما أشبه ذلك فلا اختلاف أعلمه في أنها له. انتهى

[ 555 ]

كلام ابن رشد. ص: (وانتقال من موت لآخر وجب إن رجا حياة أو طولها) ش: قال البرزلي بعد أن تكلم على مسألة ما لا يؤكل لحمه: إذا أيس من حياته فيذبح لاراحته من ألم الوجع. وتقدم كلامه في باب المباح طعام طاهر عند قول المصنف: كذكاة ما لا يؤكل. ومن هذا الباب ما يقع بأهل البلايا ممن يأخذهم الولاة ويجزمون بأنهم مقتولون فيريد أن يستعجل الموت بشرب السم فيجري على ما تقدم. وقال عز الدين: إذا رجا الانسان حياة ساعة فلا يحل له استعجال موته، فظاهره أنه لا يحل له ذلك. وفي الاسئلة: هل يجوز للمكلف قتل نفسه إذا علم أنه أتى ما يوجب ذلك أو يستحب أو يحرم ؟ فإذا فعل هل يسمى بذلك فاسقا أو مفتانا ؟ جوابها من تحتم قتله بذنب من الذنوب لم يجز له أن يقتل نفسه، وستره على نفسه مع التوبة أولى به. وإن أراد به تطهير نفسه بالقتل فليقر بذلك عند ولي القتل ليقتله على الوجه الشرعي، فإذا قتل نفسه لم يجز له ذلك لكنه إذا قتل نفسه قبل التوبة كان ذنبه صغيرا لافتياته على الامام ويلقى الله تعالى فاسقا بالجريمة الموجبة للقتل، وإن قتل نفسه بعد التوبة، فإن جعلنا توبته مسقطة لقتله فقد لقي الله فاسقا بقتله نفسه لانه قتل نفسا معصومة، وإن قلنا: لا يسقط قتله بتوبته لقي الله عاصيا لافتياته على الائمة، ولا يأثم بذلك إثم من يرتكب الكبائر لانه فوت روحا يستحق تفويتها وأزهق نفسا يستحق إزهاقها، وكان الاصل يقتضي أن يجوز لكل أحد القيام بحق الله تعالى في ذلك لكن الشرع فوضه إلى الائمة كيلا يوقع الاستبداد به في الفتن انتهى. ص: (كالنظر في الاسرى بقتل أو من أو فداء أو جزية أو استرقاق) ش: قال اللخمي: المأخوذ من الغنيمة على سبعة أوجه: أموال ورجال ونساء وصبيان وأرضون وأطعمة

[ 556 ]

وأسلاب وأنفال. فالاموال تقسم على السهمان أخماسا، وأما الرجال فالامام مخير فيهم بين خمسة أوجه: المن والفداء والقتل والجزية والاسترقاق فأي ذلك رأى أحسن نظر فعله. والمن والفداء ومن ضربت عليه الجزية من الخمس على القول بأن الغنيمة مملوكة بنفس الاخذ والقتل من رأس المال، والاسترقاق راجع إلى جملة الغانمين. ثم ذكر بقية الاقسام. قال السهيلي في الروض الانف في رد سبايا هوازن: ولا يجوز للامام أن يمن على الاسرى بعد القسم ويجوز له ذلك قبل المقاسمة كما فعل عليه الصلاة والسلام بأهل حنين. قال أبو عبيد: ولا يجوز للامام أن يمن عليهم بردهم إلى دار الحرب، ولكن على أن يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين.

[ 557 ]

قال: والامام مخير في الاسرى بين القتل والمن والاسترقاق والفداء بالنفوس لا بالمال. كذلك قال أكثر الفقهاء. هذا في الرجال، وأما الذراري والنساء فليس إلا الاسترقاق والمفاداة بالنفوس دون المال انتهى. ص: (كالمبارز مع قرنه) ش: قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على جواز المبارزة والدعوة إليها وشرط بعضهم فيها إذن الامام وهو قول الثوري والاوزاعي وأحمد وإسحاق، ولم يشترطه غيرهم وهو قول مالك والشافعي. انتهى من شرح مسلم للقرطبي.

[ 558 ]

ص: (وأجبروا على حكم من نزلوا على حكمه إن كان عدلا وعرف المصلحة وإلا نظر الامام) ش: قال ابن عرفة: سحنون: صح النهي عن إنزال العدو على حكم الله عزوجل، فإن جهل الامام فأنزلهم عليه ردوا لمأمنهم إلا أن يسلموا فلا يعرض لهم في مال ولا غيره. محمد: يعرض عليهم قبل ردهم الاسلام فإن أبوا فالجزية ولينزلهم الامام على حكمه لا على حكم غيره ولو طلبوه. فإن قلت: الاظهر إن كان غيره أهلا لذلك فله إنزالهم على حكمه لصحة تحكيمه (ص) سعد بن معاذ في بني قريظة. قلت: إنما كان ذلك تطييبا منه (ص) لنفوس الاوس لما طلبوا منه (ص) تخليتهم لهم لانهم مواليهم، وما كان إنزالهم إلاعلى حكم رسول الله (ص). سحنون: فإن أنزلهم على حكم غيره فإن كان مسلما عدلا نفذ حكمه مطلقا ولم يردهم لمأمنهم ولو لم يقبل ذلك ردوا لمأمنهم. فإن قيل بعد رده سبيهم لم ينفذ وردوا لمأمنهم. فإن كان فاسقا تعقب الامام حكمه إن رآه حسنا أمضاه وإلا حكم بما يراه نظر، أو لا يردهم لمأمنهم. ولو حكموا عبدا أو ذميا أو امرأة أو صبيا عاقلين عالمين بهم لم يجز وحكم الامام ولو نزلوا على حكم الله وحكم فلان فحكم بالقتل والسبي لم ينفذ وهو كنز ولهم على حكم الله فقط، فلو نزلوا على حكم رجلين فمات أحدهما وحكم الآخر بالقتل والسبي لم ينفذ وردوا لمأمنهم، ولو اختلفا في الحكم ردوا لمأمنهم انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم: قال عياض: والنزول على حكم الامام أو غيره جائز ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم، فإذا حكم لم يكن لهم الرجوع ولهم أن ينتقلوا من حكم رجل إلى غيره. وهذا كله إذا كان المحكم ممن يجوز تحكيمه من أهل العلم والفقه والديانة، فإذا حكم لم يكن للمسلمين ولا الامام المجيز لتحكيمهم نقض حكمه إذا حكم بما هو نظر للمسلمين من قتل أو سبي أو إقرار على الجزية أو إجلاء، فإن حكم بغير هذا من الوجوه التي لا يبيحها الشرع لم ينفذ حكمه لا على المسلمين ولا على غيرهم انتهى. ص: (كتأمين غيره إقليما) ش: قال ابن عرفة في الروايات: وأقوال الرواة والاشياخ لفظ الامان

[ 559 ]

والمهادنة والصلح والاستئمان والمعاهدة والعهد منها متباين ومترادف. فالامان رفع استباحة دم الحربي ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الاسلام مدة ما، فيدخل الامان بأحد الثلاثة لانه رفع استباحتها لا المهادنة وما بعدها، وهو من حيث استلزامه مصلحة معينة أو راجحة أو مفسدة أو احتمالها مرجوحا واجب أو مندوب أو حرام أو مكروه وتبعد إباحته لانها لا تكون إلا عند تحقق عدم استلزامه أحدهما وتساويهما وهو عسر. اللخمي: هو لامير الجيش باجتهاده بعد مشورة ذوي الرأي منهم انتهى. ثم قال: والمهادنة وهي الصلح عقد المسلم مع الحربي على المسالمة مدة ليس هو فيها تحت حكم الاسلام، فيخرج الامان والاستئمان. ثم قال: والاستئمان وهو المعاهدة تأمين حربي ينزل بنا لامر ينصرف بانقضائه انتهى. فرع: قال في فتح الباري في باب إذا وادع الامام ملك القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم قال ابن بطال: العلماء مجمعون على أن الامام، إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم، واختلفوا في عكس ذلك وهو ما إذا استأمن لطائفة معينة، هل يدخل هو فيهم ؟ فذهب الاكثر إلى أنه لا بد من تعينه لفظا. وقال أصبغ وسحنون: لا يحتاج إلى ذلك بل يكتفي بالقرينة لانه لم يأخذ الامان لغيره إلا وهو يقصد إدخال نفسه والله أعلم انتهى. ص: (وإلا فهل يجوز عليه الاكثر أو يمضي إلى قوله تأويلان) ش: يشير إلى ما قاله في التوضيح ونصه: تنبيه: نص ابن حبيب على أنه لا ينبغي التأمين لغير الامام ابتداء وهو خلاف ظاهر كلام

[ 560 ]

المصنف يعني ابن الحاجب أن قوله كذلك يقتضي جواز ذلك ابتداء إذ لا خلاف في جوازه للامام ابتداء. وظاهر المدونة ككلام المصنف ففيها: ويجوز إما المرأة والعبد والصبي إن عقل الامان، ويحتمل يجوز إن وقع، ولذلك اختلف في كلام ابن حبيب هل هو موافق للمدونة أو مخالف انتهى. وبهذا فسر الشارح في الصغير التأويلين، وفسرهما في الكبير والوسط بما ذكره المصنف أيضا في التوضيح ونصه: وقوله يعني ابن الحاجب كذلك أي يجوز تأمينه وليس للامام رده وهو قول مالك وابن القاسم. وقال ابن الماجشون: الامام مخير بين أن يمضيه أو يرده. وإلى حمل قول ابن الماجشون على الخلاف ذهب عبد الوهاب والباجي وغيرهما والمصنف. وقال ابن يونس: أصحابنا يحملون قوله على أنه ليس بخلاف. ص: (وسقط القتل ولو بعد الفتح) ش: يعني أنه إذا حصل الامان بعد الفتح فإنه يسقط القتل. وظاهر كلامه أن في سقوط القتل خلافا حتى ممن أعطى الامان وليس كذلك. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفي أمنهم بعد الفتح قولان، ولان ظاهر كلام المصنف أن الخلاف عام في حق من أمنه وفي حق غيره وأنه عام في القتل والاسترقاق وليس كذلك، بل لا يجوز لمن أمنه قتله اتفاقا. والخلاف إنما هو في القتل لا في الاسترقاق لانه صار مملوكا. والقول بسقوط القتل لابن القاسم وابن المواز لقوله عليه الصلاة والسلام: يسعى بذمتهم أدناهم. وقال سحنون: لا يجوز لمن أمنه قتله، وأما الامام فإن شاء قتله فعل، وإن شاء أمضى أمانه وكان قنا. وقوله: وفي أمنهم

[ 561 ]

يحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أي وفي أمن المسلمين، أو من إضافة المصدر إلى المفعول أي وفي أمن الكفار والمعنى سواء. والظاهر أن تقديره وفي إمضاء أمنهم لان ابن القاسم وغيره إنما تكلموا على ذلك بعد الوقوع، وكذلك نقل ابن بشير ولفظه: وأما إذا وقع الفتح فإن أمنه الامير صح، وإن أمنه غيره فهل يصح تأمينه فيكون مانعا من القتل ؟ قولان انتهى. وفهم من قول المصنف: وسقط القتل أن الاسترقاق لا يسقط وهو كذلك لا كما تقدم. ص: (إن لم يضر) ش: يصح أن يعود إلى قوله وإلا فهل يجوز وعليه الاكثر، أو يمضي كما قاله في التوضيح فتأمله. ص: (أو جهل إسلامه) ش: هذا مفرع على القول الذي مشى عليه أولا وهو أن أمان الذمي غير ملزوم وهو المشهور، يعني أنا إذا قلنا: أمانه غير معتبر فقال الحربيون: ظننا أن هذا الذي أعطانا الامان مسلم، فإن الامام مخير إما أمضاه أو ردهم لمأمنهم. وهذا أحد قولي ابن القاسم. وقال مرة: لا يعذرون وهم فئ. قال في النوادر: إن أمنهم الذمي فلا أمان لهم وهم فئ. قال محمد: فإن قالوا: ظنناه مسلما فأحب إلي أن يردوا إلى مأمنهم إن أبى الامام أن يؤمنهم. واختلف فيه قول ابن القاسم فقال: هم فئ. وقال: ويردون لمأمنهم. ثم قال ابن المواز: وإن قالوا: علمنا أنه ذمي وظننا أن أمانه يجوز لذمته منكم كما يجوز أمان عبدكم وصغيركم قال: لا أمان لهم وهم فئ انتهى. فما ذكره المصنف من التفصيل هو الذي اختاره

[ 562 ]

محمد بن المواز وهو عكس ما اختاره اللخمي وذكره في توضيحه والله أعلم. ص: (أو بأرضنا وقال ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر) ش: قال في التوضيح: ولا خلاف فيمن أتى تاجرا فيقول: ظننت أنكم لا تعرضون لتاجر أنه يقبل منه ويرد لمأمنه انتهى. فحكاية الشارح فيه خلافا غير ظاهر، وإنما الخلاف فيما إذا وجد ببلد الاسلام وقال: جئت إلى الاسلام. وكذا إذا قال:

[ 563 ]

جئت أطلب الفداء. ص: (وإن مات عندنا فماله فئ إن لم يكن معه وارث أو لم يدخل على التجهيز) ش: قوله: معه يعني في بلدنا وإن لم يكن معه في بلدنا فلا شئ له إلا أن يدخل مورثه على التجهيز. قال في المدونة: وإن مات عندنا حربي مستأمن أو ترك مالا أو قتل فماله وديته تدفع إلى من يرثه ببلده. ابن يونس: وإنما يرد ماله لورثته إذا مات عندنا إذا استؤمن على الرجوع أو كان شأنهم الرجوع، وأما لو استؤمن على المقام أو كان ذلك شأنهم فإن ما ترك يكون للمسلمين. وكذلك إذا استؤمن على الرجوع وطالت إقامته عندنا يكون ماله للمسلمين، فإذا لم يعرف حالهم ولا ذكروا رجوعا فميراثه للمسلمين. انتهى من أبي الحسن الصغير ص: (ولقاتله إن أسر ثم قتل) ش: يعني أن القولين إنما هو إذا قتل في المعركة قبل أن يؤسر، وأما إن أسر ثم قتل فإن وديعته لمن قتله. انظر التوضيح. فرع: قال في المدونة: ويعتق قاتله رقبة. قال أبو الحسن: إن كان قتله عمدا كان عتق الرقبة مستحبا، وإن كان خطأ كان واجبا انتهى. قال ابن عرفة عبد الحق عن محمد: ودية المستأمن خمسمائة دينار. قال: إنما ذكرته لان لاسماعيل في ديته غير ذلك والصواب الاول انتهى. ص: (وإلا أرسل مع ديته لوارثه) ش: فإن لم يكن له ورثة فظاهر نصوصهم بل صريحها أنه لا حق للمسلمين في ماله. قال ابن ناجي على المدونة في شرح المسألة المتقدمة:

[ 564 ]

قال ابن يونس: وظاهر الكتاب تعين وارثه ببينة مسلمين أو لا وهو كذلك انتهى. وقال ابن عبد السلام: وأما إن قدم لحاجة ثم يعود إلى بلاده وهذا مراد المؤلف يعني ابن الحاجب بقوله: وإن كان على التجهيز فهذا لا حق للمسلمين في ماله إن مات، ولا فيه ولا في ديته إن قتل بل يبعث بجميع ذلك إلى بلاده. قال المؤلف: وفي رده إلى حكامهم أو إلى ورثتهم قولان انتهى. ونقله في التوضيح. ص: (كوديعته) ش: يعني أن المستأمن إذا ترك وديعة وسافر إلى بلاده فإنها ترسل إليه. قال ابن الحاجب: ولو ترك المستأمن وديعة فهي له. قال في التوضيح: يعني ذهب إلى بلده فإنها ترد إليه أو لورثته لقوله: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) * ص: (وهل وإن قتل في معركة أو فئ قولان) ش: يعني وهل ترسل وديعة المستأمن لورثته وإن قتل في محاربة المسلمين. وهو لابن القاسم وأصبغ في الموازية، وإنما يرسلها إذا مات، وأما إذا قتل في معركة فهي فئ فهو لابن حبيب ونقل عن ابن القاسم وأصبغ أيضا. ص: (وكره لغير المالك اشتراء سلعة وفاتت به وبهبتهم لها) ش: يعني إذا قدم الكافر بسلع للمسلمين وأتى بها ليبيعها فيكره لغير مالك تلك السلع أن يشتريها منهم، فإن باعها واشتراها مسلم فإنها

[ 565 ]

تفوت باشترائه لها. وكذلك إذا قدموا بها ووهبوها لمسلم فإنها تفوت بالهبة، وهذا بخلاف ما يبيعه أهل الحرب ببلدهم أو يهبونه فإن لربه أن يأخذه في البيع بالثمن وفي الهبة بلا شئ كما سيأتي. ونص عليه في المدونة قال فيها: وإذا دخلت دار الحرب بأمان فابتعت من يد حربي عبدا لمسلم أسره أو أبق إليه أو وهبه الحربي لك فكافأته عليه فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما أديت من ثمن أو عرض، وإن لم تثب واهبك أخذه ربه بغير شئ، وإن بعته أنت ثم جاء ربه مضى البيع وإنما له أن يأخذ الثمن منك ويدفع إليك ما أديت من ثمن أو عرض، وإن لم تؤد عرضا فلا شئ لك. قال غيره: ينقض بيع الموهوب له ويأخذه ربه بعد أن يدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب له. قاله ابن القاسم. وأما إن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد لاهل الاسلام قد كان أحرزهم فباعهم عندنا من مسلم أو ذمي، لم يكن لربهم أخذهم بالثمن إذا لم يكن يقدر أن يأخذهم من بائعهم في عهده بخلاف بيع الحربي إياهم في بلد الحرب، لان الحربي لو وهبهم في بلاد الحرب من المسلم فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير الثمن. وهذا الذي خرج بهم إلينا بأمان لو وهبهم لاحد لم يأخذهم سيدهم على كل حال انتهى. وقال قبله ابن القاسم: وما أحرز أهل الشرك من أموال المسلمين فأتوا به ليبيعوه لم أحب لاحد أن يشتريه منهم انتهى. ثم قال أبو الحسن: ابن المواز: واستحب غيره أن يشتري ما بأيديهم للمسلمين ويأخذه ربه بالثمن.

[ 566 ]

وقوله: لم أحب على بابه أي ذلك مكروه، ووجه الكراهة فيه تسليطا لهم على أموال المسلمين وأشلاءهم. وقيل: لان فيه تقوية لهم على المسلمين. ورد بأنه يجوز إجماعا شراء أمتعتهم وفيه تقوية لهم. انتهى بالمعنى. ثم قال أبو الحسن في قوله: إذا قدم الحربي بأمان وباع لم يكن لربهم أخذهم. الشيخ: وعلى قول محمد له أن يأخذهم بالثمن على ما حكاه عن الغير. ثم قال: والفرق بين ما يشترى ببلد الحرب وبين ما اشتري من الحربي إذا قدم بأمان، أن ما اشتري من الحربي في بلد الحرب ضعيف لانه اشتري ممن لا حرمة له ولهذا يأخذه ربه بالثمن، والذي اشترى من الحربي إذا قدم بأمان قوي لانه اشترى ممن له حرمة ولهذا لا يأخذه به بالثمن انتهى. فرع: ولهذا يجوز شراء أولاد أهل الشرك منهم. قاله في النوادر. ص: (غير الحر المسلم) ش: وكذلك الفرس المحبس والارض المحبسة وغيرها من الاحباس، وانظر فيما إذا وجد في

[ 567 ]

الغنيمة فرس حبس والله أعلم. ص: (وفدية أم الولد) ش: أي بقيمتها فإن كان سيدها معسرا اتبع بالقيمة. ص: (وعتق المدبر من ثلث سيده ومعتق لاجل بعده ولا يتبعون بشئ) ش: ذكر حكم المدبر. والمعتق لاجل ولم يذكر حكم المكاتب والحكم فيه أنه يبقى على كتابته يستوفيها الذي أسلم، فإن وفى خرج حرا وكان الولاء لسيده، وإن عجز رجع رقيقا للذي أسلم وهو في يده. ونقله ابن عرفة وغيره. ص: (وحد زان وسارق وإن حيز المغنم) ش: قال في كتاب العتق الثاني من المدونة: ومن أعتق عبدا من الغنيمة وله فيها نصيب لم يجز عتقه، وإن وطئ منها أمة حد، وإن سرق منها بعد أن تحرز قطع. قال غيره: لا يحد للزنا ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم لان حقه فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال لانه لا يورث. قال أبو إسحاق التونسي في قوله ومن وطئ جارية من الغنيمة حد: لم يبين كان ذلك قبل الاحراز أو بعده، ويحتمل أن يكون أراد إذا كان ذلك قبل الاحراز أن يحد أيضا لانها وإن لم تحرز فهي كالحربية يزنى بها. وقد قال ابن القاسم: إن من زنى بحربية أن عليه الحد. ويحتمل أن لا يحد قبل الاحراز وهو الاشبه من أجل أنها لم تملك بعد ولا حيزت عنه وقد تتلف فلا تكون ملكا للمسلمين فيكون لدرء الحد وجه بالشبهة وكلا الوجهين محتملان.

[ 568 ]

والغير المخالف لابن القاسم في هذه المسألة هو عبد الملك ذكر ابن المواز وهو الصحيح. وقد قال أشهب كقول ابن القاسم ذكر ذلك سحنون ونقله أبو الحسن. فظاهر المدونة الاحتمال الاول لانه فصل بين الزنا والسرقة، ولانه قال في كتاب القذف من المدونة: إن من زنا بحربية فعليه الحد كما نقله أبو إسحاق، ولان المصنف سيقول في باب الزنا: أو ذات مغنم أو حربية ص: (وخمس غيرها إن أوجف عليه) ش: قال ابن عرفة: ما ملك من مال الكافر غنيمة ومختص بآخذه، وفئ الغنيمة ما كان بقتال أو بحيث أن يقاتل عليه ولازمه تخميسه. اللخمي: ما انجلى عنه أهله بعد نزول الجيش في كونه غنيمة أو فيئا قولان بناء على اعتبار سببية الجيش أو عدم ممانعة العدو. وقال: وقبل خروج الجيش فئ. قلت: وبعده وقبل نزوله يتعارض فيه مفهوم ما نقله. قال: ويختلف في خراج أرضهم. ثم قال: والمختص بآخذه ما أخذ من مال حربي غير مؤمن دون علمه أو كرها دون صلح ولا قتال مسلم ولا قصده بخروج إليه مطلقا على رأي، أو بزيادة من أحرار الذكور البالغين على رأي كما لو هرب به أسير أو تاجر أو من أسلم بدار الحرب، وما غنمه الذميون، وفيما غنمه النساء والعبيد والصبيان خلاف كما تقدم فلا يدخل الركاز والفئ ما سواهما منه فيها خراج الارضين والجزية، وما افتتح من أرض بصلح وخمس غنيمة أو ركاز فئ. الشيخ: زاد ابن حبيب: وما صولح عليه أهل الحرب وما أخذ من تجرهم وتجر الذميين. قلت: وعزاه في باب آخر لمحمد عن ابن القاسم انتهى. فرع: قال في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب الجهاد: وسألته عن القوم يغنمون الرقيق هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسا ؟ قال: لا يشترى منهم إذا لم يؤدوا خمسا. قلت: وإن كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أن يحبسوا خمسا ؟ قال: لا يشترى منهم إلا

[ 569 ]

أن يعلم حالهم أنهم يؤدون خمسا. قال ابن رشد: أما إذا كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أنهم يمنعون خمسا قال: فلا وجه للمنع من الشراء منهم، وأما إذا لم يعلم حالهم فترك الشراء منهم هو التورع، وأما إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون الخمس فاختلف في جواز الشراء منهم، فروى يحيى بن عمر عن أبي مصعب أنه يشترى منهم وتوطأ الامة، وإنما الخمس على البائع وعلى هذا يأتي قول ابن حبيب في الوالي يعزل الظلمة من العمال فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه أو ليرده على أهله فيلجئهم إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم، أن الشراء منهم جائز. وقيل: الشراء منهم لا يجوز إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون الخمس لانه بيع عداء وهو قول سحنون. وعلى هذا يأتي قياس قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من زكاة الماشية إن الصدقات والعشور لا يحل الاشتراء منها إذا كانوا لا يضعون أثمانها في مواضعها، وهذا الاختلاف عندي إنما ينبغي أن يكون إذا كانت الرقاب لا تنقسم أخماسا فكان الواجب أن تباع ليخرج الخمس هن أثمانها، وأما إذا كانت تنقسم أخماسا فلم يخرجوا منها الخمس وباعوها ليستأثروا بها فهم كمن تعدى على سلعة لغيره فباعها فلا يجوز لمن علم ذلك شراؤها انتهى. زاد في النوادر: وعن أبي المصعب قيل: إن الخليفة منعم أن يخمسوها في ذلك الموضع

[ 570 ]

قال: لا أعرف هذا ولهم الشراء والوطئ والخمس على البائع. ثم قال في النوادر: وقال سحنون في قوم أسروا فقسموا الرقيق قبل أن يخمسوها أيشترى منهم قال: لا، ولكن إذا أدوا الخمس في مواضعه فهو جائز والشراء منهم حسن انتهى. ونقل هذا الفرع في الذخيرة في آخر فصل الغلول والله أعلم. فرع: قال البرزلي في نوازل ابن الحاج إذا افترق الجيش قبل قسم الغنيمة فإن الامام يأخذ خمسها ثم يحصي من حضر الغنيمة من الغزاة على التحري والتخمين بأن يجمع أعيان أصحابه وشيوخ عسكره ويقول لهم: كم تقدرون الجيش الذي كان في غزاة كذا ؟ فإن اتفقوا على تقديره بعدد ما قسم أربعة أخماسه على ذلك، وإن اختلفوا في التقدير أخذ بما اتفقوا عليه من القدر وترك المختلف فيه. ونزلت أيام المنصور فاستفتى ابن زرب فأجابه بأن أمره راجع إلى اجتهاد الامير لانه يعلم من حال الجيش ما لا يعلمه غيره. وقال غيره: إنه يوقف أنصباء الغيب بعد قسمه على نحو ما ذكرته، وفي جواب ابن زرب إجمال وتفسيره ما قدمناه. قال البرزلي: قلت: الموقوف حكمه حكم اللقطة فإن مضت له سنة ولم يعلم له طالب جرى على حكمها. وقد نص ابن مالك على ذلك في سماع أشهب وقال فيمن أخذ كبة فوجد فيها بعد تفرق الجيش حليا زنته سبعون مثقالا قال: هو كاللقطة تطيب له إذا جهل الجيش بعد المدة. ونزلت مسألة وهي من يغزو مع الجيش أو السرية فيغنمون الغنيمة ويعلم أنهم لا يتوصلون إلى حقوقهم منها، فهل يطيب له أن يخفى مقدار ما يحصل له لو قسمت على وجهها ؟ فوقعت الفتيا أنه يتحرى عدد الجيش ويخرج من الغنيمة الخمس ويقدر حقه ويأخذه وكلما شك فيه طرحه. انتهى من باب الجهاد والله أعلم. ص: (ونفل منه السلب لمصلحه) ش: ليس النفل مقصورا على السلب. ابن عبد السلام: السلب نوع من النفل فإن شاء أعطاه القاتل أو لم يعطه أو أعطاه بعضه خاصة انتهى. وقوله: لمصلحة يعني أن السلب إلى نظر الامام وكذلك المقدار الذي يعطيه لكنه لا يحكم في شئ من ذلك برأيه ولا بالهوى فلا يعطي الجبان ويحرم الشجاع ولا يعطي الشجاع فوق ما يستحقه. قال ابن عبد السلام. تنبيه: قال في التنبيهات: النفل بفتح الفاء وسكونها. وقال الفاكهاني: النفل إسكان الفاء

[ 571 ]

وفتحها وهو زيادة السهم أو هبة لمن ليس من أهل السهم يفعله الامام بطريق الاجتهاد لحارس أو لطليعة أو لنحو ذلك انتهى. وقال ابن عرفة: النفل ما يعطيه الامام من خمس الغنمية مستحقها لمصلحة انتهى. ص: (ولم يجز إن لم ينقض القتال من قتل قتيلا فله السلب) ش: يعني ولم يجز قول الامام قبل أن ينقضي القتال من قتل قتيلا فله سلبه. فرع: قال سحنون: وإن قال الامام للسرية: ما غنمتم فلكم بلا خمس، فهذا لم يمض عليه السلف وإن كان فيه اختلاف فإن أبطله لانه شاذ. انظر ابن عبد السلام. ص:

[ 572 ]

(ولمسلم فقط سلب اعتيد) ش: ومنه الخاتم قاله ابن عرفة. واحترز بالمسلم من الذمي وفهم من لفظ المسلم أن المسألة لا شئ لها وهو المنصوص ولو قاتلت المرأة. فروع: الاول: قال ابن عرفة: قلت: ويستحق سلبه بقتله قبل كمال الاستيلاء عليه. ولذا قال سحنون: من أتى بعد ذلك بأسير للامام فقتله لم يستحق سلبه لانه لم يقتله. الثاني: قال ابن عرفة: والشركة في موجب السلب يوجبها فيه. سحنون: من أنفذ مقتل علج وأجهز عليه غيره فسلبه للاول، ولو جرحه فلم ينفذ مقتله فبينهما، ولو تداعى قتله جارحه ومحترز رأسه فبينهما انتهى. وانظره فإنه بحث في ذلك. الثالث: قال ابن عرفة: وسلب القتيل المستحق سلبه إن ثبت أنه غصبه من مسلم أو استعاره من مباح ماله فلقاتله وإلا فلربه كمسلم تاجر أو رسول، فإن كان من أسلم بدار الحرب فلقاتله على قول ابن القاسم. ص: (وإن لم يسمع) ش: يعني ولو لم يسمعه أحد فلغو. قاله ابن عرفة ونصه: وشرط استحقاق التنفيل لامر يفعل سماع من يصدق عليه بعض قول الامام لقول ابن سحنون عنه: من لم يسمع قول الامام من قتل قتيلا فله سلبه كما سمعته، ولو لم يسمعه أحد فلغو انتهى. ومنه لو دخل عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للاول فلهم مثله إن كان أمير العسكرين واحدا، وانظر بقية فروعه فيه. ص: (أو تعدد) ش: قال ابن عرفة: ولو قال

[ 573 ]

الامام لعشرة هو أحدهم من قتل قتيلا فله سلبه أو زاد منا، فله إن قتل ثلاثة سلبهم كغيره من العشرة. قلت: إذا كان من ضمه إليه ممن لا يتهم في شهادته له أو إقرار له بدين في مرض أو ذي خصوصية لا يشاركهم فيها غيرهم انتهى. ص: (وإلا فالاول) ش: فإن جهل فقيل له: نصفهما وقيل: أقلهما. قاله في التوضيح. ص: (أو يخص نفسه) ش: قال ابن عرفة: ولو خص نفسه لم يثبت له، ولو قال بعد ذلك منكم ولو عم بعد ذلك اندرج فلو قتل قتيلا قبل تعميمه وآخر بعده استحق الثاني فقط. ولو قال: إذا قتلت قتيلا فلي سلبه، ومن قتل منكم قتيلا فله

[ 574 ]

سلبه، فقتل الامير قتيلين وقتل غيره قتيلين، فللامير سلب قتيله الاول لا الثاني، ولغيره سلبا قتيليه لان الامير إنما خص نفسه بقتيل واحد انتهى. فرع: منه أيضا والقتل الموجب لما رتب عليه إن ثبت بشاهدين فواضح وإلا فإن كان

[ 575 ]

قول الامام من قتل قتيلا له عليه بينة لم يثبت دونها. الباجي: ولا بشاهد ويمين لان المثبت القتل لا المال ولا يثبت القتل بيمين وإن لم يقل ببينة ففي لزومها نقل الشيخ وقول الباجي، انظر بقيته فيه. وظاهر كلام القرطبي في شرح مسلم إنه لم يقف على نص في المسألة لانه قال في شرح قوله (ص): من قتل قتيلا له عليه بينة بعد أن ذكر اختلاف العلماء: ويتخرج على أصول المالكية في هذه المسألة ومن قال بقوله أنه لا يحتاج الامام إلى بينة لانه من الامام ابتداء عطية، فإن شرط فيها الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة انتهى. وقال النووي: فيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي والليث ومن وافقهما من المالكية وغيرهم أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة ولا قبل قوله بغير بينة. وقال مالك والاوزاعي: يعطاه بلا بينة انتهى. ص: (ومريض شهد كفرس رهيص أو مرض بعد أن أشرف على الغنيمة وإلا فقولان) ش: الصواب كما نقل ابن غازي بأو أعني في قوله: أو مرض والمسألة على خمس حالات: الحالة الاولى أن يخرج في الجيش وهو صحيح ولم يزل كذلك حتى ابتدأ القتال فمرض وتمادى به المرض إلى أن هزم العدو، فإن مرضه لا يمنع سهمه على المشهور وهو مراد

[ 576 ]

المؤلف بقوله: ومريض شهد فإنه معطوف على ضال في قوله: بخلاف بلدهم. والمعنى بخلاف الضال ببلدهم فإنه يسهم له وكذلك المريض. الحالة الثانية مثل الاولى إلا أنه لم يزل وهو صحيح حتى قتل أكثر القتال ثم مرض وهذا له سهمه باتفاق وهو مراد المؤلف بقوله: أو مرض بعد أن يشرف على الغنيمة. وهذه وإن كان يستغنى عنها بالاولى لانه يؤخذ حكمها منها بالاخروية فذكرها المؤلف ليفرع عليها قوله: وإلا فقولان. والظاهر في هذه أنه لا فرق بين أن يكون قبل مرضه يقاتل أو كان حاضرا ولم يقاتل، لان المقصود أنه طرأ عليه المانع بعد أن كان خاليا عنه فإنه لا يشترط في الاسهام أن يقاتل. الحالة الثالثة أن يخرج من بلد الاسلام مريضا ولا يزال كذلك حتى ينقضي القتال. الحالة الرابعة أن يخرج صحيحا ثم يمرض قبل أن يحصل في حوز أهل الحرب. الحالة الخامسة أن يخرج صحيحا ولا يزال كذلك ثم يمرض عند ما دخل بلاد الحرب وقبل الملاقاة: وفي الثلاث قولان بالاسهام وعدمه، وفي الثالثة ثالث. اللخمي: يفصل بين من له رأي وتدبير فيسهم له، وبين من لا يكون كذلك وهو مراد المؤلف بقوله: وإلا فقولان. واستظهر ابن عبد السلام القول بالاسهام مطلقا إلا في الثالثة. فاستظهر قول اللخمي. وإنما لم تدخل في كلامه الحالة الرابعة كما فعل ابن غازي وفعل المصنف في كلام ابن الحاجب وهي أن يخرج صحيحا ويشهد القتال كذلك ثم يمرض قبل الاشراف على الغنيمة، لان المصنف شهر في الحالة الاولى أنه يسهم له فلا يمكن أن يجعل في هذه قولين

[ 577 ]

متساويين لان هذه أحرى. لان المانع في الاولى حصل من أول القتال بخلاف هذه، ولهذا لم يدخل ابن عبد السلام قول في ابن الحاجب: وإلا فقولان غير الثلاث المذكورة. وتبعه على ذلك ابن فرحون. والفرق بين هذه الثلاث وبين الاولى، أن المانع فيهن أقوى من المانع فيها فلذلك كان المشهور في تلك الاسهام وفي هذه الثلاثة القولان متساويان، وكلام البساطي بعيد جدا. ولا يدخل في كلام المصنف ما إذا خرج مريضا ثم قبل الدخول في بلاد الحرب أو بعد الدخول، وقبل القتال أو بعد القتال، وقبل الاشراف على الغنيمة وإن هذا يسهم له بلا كلام. وإنما لم تدخل في قوله: وإلا فقولان لانه يتكلم في حصول المانع لا في زواله. وانظر ابن عبد السلام في جميع ما تقدم فإنه منقول منه بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى إلا شيئا يسيرا لا يحتاج إلى نقل والله أعلم. ص: (كفرس رهيص) ش: حين حصل الرهص عند ابتداء القتال واستمر إلى انهزام العدو أو كان بعد الاشراف على الغنيمة. ص: (وللفرس مثلا فارسه) ش: هذا هو المذهب، وعزا المصنف لابن وهب أنه يسهم للفرس سهم واحد، وتبع في ذلك ابن عبد السلام وأنكر ابن عرفة وجوده واعترض على ابن عبد السلام فقال: حظ الفارس منها ثلاثة أمثال الراجل للخبر والعمل، وعللوه بكلفة نفسه وفرسه وخادمه. ونقل ابن عبد السلام عن بعض المؤلفين عن ابن وهب: للفارس ضعف ما للراجل كقول أبي حنيفة لا أعرفه، بل نقل ابن رشد المذهب قائلا اتفاقا. ونقل الشيخ عن ابن وهب إسناده حديث حجة المذهب ولم يبين المصنف حكم الراجل لوضوح ذلك وأنه كالفارس لانه قد جعل للفرس حصة فساوى الراكب الفارس. قال ابن الحاجب: وللفرس سهمان وللفارس سهم كالراجل. ص: (وإن بسفينة) ش: وكذلك إن نزلوا عن الخيل وقاتلوا رجالة لو عرفي في موضع القتال وما أشبه ذلك فإنه يسهم للخيل. قاله ابن عبد السلام.

[ 578 ]

فرع: قال في المدونة: ولو ساروا رجالة ولبعضهم خيل فغنموا وهم رجالة، أعطي لمن كان له فرس ثلاثة أسهم. قاله ابن عبد السلام. ولفظ المدونة: وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل في الفن أو ساروا رجالة ولبعضهم خيل فغنموا وهم رجالة، أعطي لمن له فرس ثلاثة أسهم انتهى والله أعلم. ص: (أو برذونا وهجينا) ش: قال ابن حبيب: البراذين هي العظام قال الباجي: يريد الجافية الخلقة العظيمة الاعضاء. وقال غيره: البرذون ما كان أبواه قبطيين، فإن كانت الام قبطية والاب عربيا كان هجينا، وإن كان بالعكس كان مقرفا، ومنهم من عكس هذا. انتهى من ابن غازي. والمقرب اسم فاعل من أقرف. قال في الصحاح في فصل القاف من باب الفاء: والمقرف الذي دانى الهجنة من الفرس وغيره الذي أمه عربية وأبوه ليس كذلك، لان الاقراف إنما هو من قبل الفحل والهجنة من قبل الام انتهى. قال ابن بري في حاشيته على الصحاح: والاقراف من قبل الاب قالت هند: وإن يك أقراف فمن قبل الفحل وقال في الصحاح في باب النون: والهجنة في الناس وفي الخيل وإنما تكون من قبل الام، فإن كان الاب عتيقا والام ليست كذلك كان الولد هجينا، والاقراف من قبل الاب انتهى. وقال في فصل العين من باب الباء: المعرب من الابل الخيل الذي ليس فيه عرق هجنة والانثى معربة انتهى. وقال في مختصر العين: والهجين ابن الامة والجمع هجن انتهى. ص: (يقدر بها على الكر والفر) ش: ظاهر كلام ابن الحاجب أن هذا خاص بالصغير وهو خلاف ظاهر كلام ابن حبيب، فظاهر كلامه أنه لا يشترط مع ذلك إجازة الامام أو نحوه. ابن

[ 579 ]

حبيب: وشرط في المدونة إجازة الامام. قال: والبراذين إذا أجازها الامام كانت كالخيل. أبو الحسن: معنى أجازها أنها تعرض عليه فإن كانت كالخيل في جريها وسبقها أسهم لها انتهى. وقال في الشامل: وهل مطلقا أو إن أجازها الوالي وهو ظاهرها خلاف انتهى. وقوله: ظاهرها فيه مسامحة بل نصها والله أعلم. ص: (ومحبس) ش: تصوره ظاهر. فرعان: الاول: في سهم الفرس المستعار هل هو لربه أو للمستعير قولان: الاول أحد قولي ابن القاسم،. والثاني لمالك وأحد قولي ابن القاسم. الثاني: اختلف هل ما للفرس للفارس في الحقيقة أوله وعليه قولان، فقال في التوضيح عن المازري: ولو أن عبدا قاتل على فرس يسده فإن قلنا: إن السهمين للفرس كان ذلك لسيده، وإن قلنا: للفارس فالعبد ممن لا سهم له. فهذه المسألة لا أعرف فيها نصا وفيها نظر انتهى. وقال البساطي: لا يسهم له والله أعلم. ص: (ومنه لربه) ش: هذا إذا لم يكن مع ربه سواه، فإن كان معه فرسان فغصب منه واحدة فقاتل عليها فله سهمه. قال ابن عرفة: من غصب فرسا لذي فرسين فسهماه لغاصبه وعليه أجره انتهى. ص: (لا أعجف أو كبيرا

[ 580 ]

لا ينتفع به) ش: قوله: لا ينتفع به قيد فيهما. قاله في التوضيح وجعل الشارح لا نافية للجنس وليس كذلك وإنما هي عاطفة والله أعلم. ص: (وبغل) ش: ومثله الفيل قاله ابن عرفة ص

[ 583 ]

(ولو عبدا على الاصح) ش: قال في التوضيح: قال اللخمي: واختلف فيما غنمه النساء والصبيان إذا انفرد بالغنيمة، هل يخمس أم لا ؟ وكأنه أشار إلى تخريجه على ما انفرد به العبد. ولم يذكر التونسي تخريجا ولا أشار إليه بر تردد رحمه الله في ذلك قال: ولا نعلم نص خلاف أنه يخمس ما أصابوه من ركاز. انتهى ونقله ابن عرفة. فرع: وهذا بخلاف ما لو أبق العبد بشئ من أموال المسلمين فإنه له. قاله في سماع يحيى من كتاب الجهاد. فرع: فلو خرج عبد وحر أو ذمي ومسلم للتلصص، فما أخذه العبد والحر المسلمان يخمس ويقسم الباقي بين الحر والعبد، وما أخذه الذمي والمسلم يقسم أولا بينهما ثم يخمس ما صار للمسلم، قال ابن رشد: وإنما لم يكن للعبد والنصراني في الغنيمة حق مع الاحرار المسلمين إذا غزوا معهم في عسكرهم من أجل أنهم في حيز التبع لهم، فإذا لم يكونوا في حيز التبع لهم كان لهم حقهم من الغنيمة. وكذلك إذا خرج العبد أو النصراني مع الرجل أو مع الرجلين أو الثلاثة أو الاربعة كان لكل واحد منهما سهمه انتهى. ص: (والشأن القسم ببلدهم) ش: قال الجزولي ناقلا عن عبد الوهاب: وتركها إلى بلد الاسلام مكروه انتهى. قال في التوضيح: والمراد بالشأن السنة الماضية. وقال أبو الحسن: الشأن يحتمل أن يريد به العمل

[ 584 ]

ويحتمل أن يريد به أنه الوجه الصواب. ص: (وأخذ معين وإن ذميا ما عرف له قبله مجانا) ش: تنبيه: قال ابن الحاجب: إذا ثبت أن في الغنيمة مال مسلم أو ذمي قال في التوضيح: أي ثبت بطريقه الشرعي ثم قال ناقلا عن ابن عبد السلام: قول المصنف ثبت وشرط الثبوت مع العلم بعين المالك مخالف لعبارة أهل المذهب في هذه المسألة وهي قولهم فإن عرف ربه، ولفظ الثبوت إنما يستعملونه فيما هو سبب الاستحقاق كالشاهدين وما يقوم مقامهما، ولفظ المعرفة والاعتراف وشبههما يستعملونه فيما دون ذلك وفيما يشمل البينة أو ما دونها، وفي كلام ابن عبيد والبرقي المتقدم دليل على ذلك. ومنه استعمالهم لفظ المعرفة في اللقطة ومعرفة العفاص والوكاء انتهى. وكلام البرقي وأبي عبيد المشار إليه هو ما نصه من التوضيح، ونص البرقي وأبو عبيد على عدم قسمه إذا عرف ذلك واحد من العسكر قالا: وإن وجد أحمال متاع وعليها مكتوب لفلان ابن فلان وعرف البلد الذي اشترى منه كالكتان بمصر لم يجز قسمه ووقف حتى يبعث إلى ذلك البلد ويكشف عمن اسمه عليه، فإن وجد من يعرفه وإلا

[ 585 ]

قسم. انتهى ونحوه نقله ابن فرحون في شرحه، ونقل ابن عرفة في ذلك ثلاثة طرق ونصه: وفي أخذه ربه إن حضر بموجب الاستحقاق طرق، مقتضى نقل اللخمي عن المذهب ومحمد بعثه لربه الغائب عدم يمينه. المازري: كالاستحقاق في إثبات ملكه ويمينه. ابن بشير: في وقفه عليه وأخذه إياه بمجرد دعواه مع يمينه قولا ابن شعبان والتخريج عن مالك الغنيمة بالقسم لا قبله وفيها ما أدركه مسلم أو ذمي من ماله قبل قسمه أخذه بغير شئ. وهذا يبين لك الحق في نقول ابن عبد السلام عبارة ابن الحاجب. وإذا ثبت أن في الغنيمة مخالفة لعبارة أهل المذهب إن عرف ربه لان، لفظ الثبوت إنما يستعمل فيما هو سبب للاستحقاق كالبينة، ولفظ المعرفة والاعتراف فيما دون ذلك اه‍. فقول المصنف: عرف يعني أنه عدل عن طريقة ابن الحاجب. وقوله: وحمل له يقتضي أنه ماش على طريقة اللخمي. وقوله بعد ذلك: حلف يقتضي أنه

[ 586 ]

مشى على طريقة ابن بشير، ويمكن أن يجمع بين كلامه بأن يحمل قوله: وحلف أنه ملكه على ما إذا لم تكن إلا دعواه كما قال ابن بشير فتأمله. ص: (وله بعده أخذه بثمنه) ش: قال

[ 587 ]

ابن الحاجب: فإن ثبت بعد القسم فلمالكه إن شاء أخذه بثمنه إن علم وإلا فبقيمته. قال في

[ 588 ]

التوضيح: له أخذه بالثمن أي بالقدر الذي قوم به في الغنيمة. قال صاحب الاستذكار وغيره: وسواء دخله عند ربه زيادة أو نقص فإنه إنما يأخذه بسبب قديم ثم قال: وإن لم يعلم ذلك القدر أو لم يشتره أخذه بالقيمة. ابن راشد: وتكون القيمة يوم القسمة وهو مقتضى كلامهم انتهى. ص: (وعلى الآخذ إن علم بملك معين ترك تصرف ليخيره) ش: يعني إن أخذ شيئا من أموال الكفار وعلم أنه ملك لمعين مسلم أو ذمي قال في التوضيح وغيره: فعليه أن يترك التصرف فيه ليخير ربه فيه. وفهم من قوله عليه أن ذلك واجب وهو الذي عليه أكثر الروايات من المدونة. وهذا إذا كان أخذ من المغانم أو اشتراه من بلاد الحرب، وأما إن اشتراه من بلاد

[ 589 ]

الاسلام من حربي قدم بأمان فليس عليه ذلك لانه ليس لربه أخذه. قال في المدونة: قيل: فمن وقع في سهمه من المغنم أمة أو ابتاعها من العدو الذين أحرزوها هل يحل له وطؤها ؟ قال: إن علم أنها لمسلم فلا يطؤها حتى يعرضها عليه فيأخذها بالثمن أو يدع، وسواء اشتراها ببلد الحرب أو ببلد الاسلام، وكذلك إن كان عبدا فليعرضه على سيده انتهى. قال أبو الحسن في الامهات: فلا يحل، وفي بعض الروايات فلا أحب. واختلف الشيوخ فيه، فمنهم من حمله على بابه ومنهم من قال: معناه لا يجوز لانه فرج فيه خيار للغير فلا يحل. وقوله: سواء اشتراها ببلد الحرب أو ببلد الاسلام ظاهره اشتراها في بلد الاسلام أو من المغنم أو ممن اشتراها من حربي في دار الحرب أو اشتراها من حربي دخل إلينا بأمان وليس كذلك، وإنما معناه إذا اشتراها في بلد الاسلام من المغنم أو ممن اشتراها من حربي في دار الحرب، وأما إن اشتراها من حربي دخل إلينا بأمان فلا يأخذها سيدها، وقد قال ذلك فيما يأتي فحمل الكلام على ظاهره يناقض ما يأتي انتهى. ونقل ابن عرفة عن المدونة ما ظاهره أنه يخالف هذا فتأمله. وقول الشيخ أبي الحسن: أو ممن اشتراها من حربي في دار الحرب فيه أيضا نظر، لانه قد نص أيضا في المدونة على أن من اشترى شيئا من بلاد الحرب ثم باعه فإنه يفوت ببيعه على ربه ولا يصير لربه إلا الثمن. وقد تقدم لفظ المدونة فراجعه والله أعلم. ص: (وإن تصرف مضى كالمشتري من حربي باستيلاد) ش: قال ابن غازي: يتعلق باستيلاد بمضي فالعتق أحرى بخلاف البيع انتهى. وقوله: بخلاف البيع ليس بظاهر فقد قال ابن يونس عقيب مسألة المدونة التي نقلها ابن غازي ما نصه: قال ابن القاسم: وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة فلا سبيل له إليه ولا إلى رفه. ابن يونس: يريد وإن فاتوا ببيع مضى ذلك ولم يكن له نقضه ولكن له أخذ الثمن الذي بيع به بعد أن يدفع ما وقع به في المقاسم ويتفاضل انتهى. ونقله أبو الحسن وانظر قول المصنف: وبالاول إن تعدد. ص: (وإلا فقولان) ش: أي وإن دخل على رده لربه فهل يمضي عتقه وهو قول القابسي وأبي بكر بن عبد الرحمن، أو

[ 590 ]

لا يمضي وهو قول ابن الحارث ؟ ص: (وفي المؤجل تردد) ش: قال ابن عرفة الشيخ عن محمد عن ابن القاسم: الكتابة والتدبير كالعتق. اللخمي: المعتق لاجل كناجز. ابن بشير: إجراؤه عليه بعيد لتأخره. قلت: قول ابن القاسم في الكتابة والتدبير كالعتق يرده ومقتضى قولها وقول ابن عبد السلام، انظر لو كاتبه عدم وقوفهم على قول ابن القاسم في الكتابة والتدبير انتهى. وذكره في التوضيح عن ابن بشير بعد قوله المتقدم فيقوي الرد هنا انتهى. وإلى كلامه وكلام اللخمي أشار بالتردد هنا. ص: (ولمسلم أو ذمي أخذ ما وهبوه بدارهم مجانا وبعوض به إن لم يبع) ش: تقدم الكلام على هذه المسألة والفرق بينها وبين قوله فيما تقدم، وكره لغير المالك اشتراء

[ 591 ]

سلعة وفاتت به وبهبتهم لها في شرح هذه القولة والله أعلم. وقوله: به أي بذلك الثمن. قال في التوضيح: فإن كان عينا دفع مثله حيث لقيه أو حاكمه، وإن كان مثليا أو عرضا دفع إليه مثل ذلك في بلد الحرب إن كان الوصول إليها ممكنا كمن أسلف ذلك فلا يلزمه إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز. ابن يونس عن بعض شيوخه: وإن كان لم يمكن الوصول إليها فعليه هنا قيمة ذلك الكيل ببلد الحرب انتهى. ص: (ثم هل يتبع إن

[ 592 ]

عتق بالثمن أو بما بقي قولان) ش: صدر ابن الحاجب بأنه يتبعه بجميع الثمن وعطف الثاني بقيل إلا أنه قال في التوضيح: ظاهر كلام المصنف أن اتباعه بالجميع هو المشهور ولم أر من شهره انتهى. والفرق بين هذه وبين ما اشترى من المقاسم أنه في المعاوضة ما دخل إلا على أن الرقبة له بخلاف الذي بيع في المقاسم والله أعلم.

[ 593 ]

فصل في الجزية ص: (عقد الجزية إذن الامام لكافر صح سباؤه) ش: قال ابن عرفة: الجزية حكمها الجواز المعروض للترجيح وقد تتعين عند الحاجة إليها قبل القدرة انتهى. وهذا الحكم ينتهي إلى نزول السيد عيسى عليه السلام ثم لا يقبل إلا الايمان. قال الابي عن القاضي عياض في قوله (ص): ويضع الجزية أي لا يقبلها الفيض المال وعدم النفع به حينئذ وإنما يقبل الايمان وقد يكون معنى وضعها ضربها على جميع أهل الكفر لان الحرب تضع حينئذ أو زارها ولا يقاتله أحد انتهى. فائدة: قال في فتح الباري: قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الاسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الاسلام. واختلف في سنة مشروعيتها فقيل في سنة ثمان، وقيل في ستة تسع انتهى. والاصل فيها الآية الكريمة. ومما يدل للحكمة المذكورة أنه لما حصل صلح الحديبية وخالط المسلمون الكفار آمنين أسلم بسبب ذلك خلق كثير كما قال ذلك أيضا في صلح الحديبية ونصه: ولقد دخل في تينك السنتين خلق كثير مثل من كان في الاسلام قبل ذلك أو أكثر يعني من صناديد قريش انتهى. وقوله إذن الامام قال في الذخيرة عن الجواهر: ولو عقده مسلم بغير إذن الامام لق يصح لكن يمنع الاغتيال انتهى. وانظر ما نقله البساطي عن الجواهر فإنه عكس هذا والله أعلم. وقوله: لكافر صح سباؤه ظاهر كلامه أنه مشى على ظاهر كلام ابن الحاجب، وأن المشهور من المذهب أن الجزية تؤخذ من كل كافر يصح سباؤه ولا يخرج من ذلك إلا المرتد. قال في التوضيح: وعلى هذا الظاهر مشاه ابن راشد وابن عبد السلام. وذكر المازري أنه ظاهر المذهب كما شهره المصنف. قال: وحكى المصنفون في الخلاف من أصحابنا وغيرهم أن مذهب مالك أنها تقبل إلا من كفار قريش. ونقل صاحب المقدمات الاجماع على أن كفار قريش لا تؤخذ منهم الجزية،

[ 594 ]

وذكر أن ابن الجهم نقل الاجماع أيضا. واختلف في تعليل عدم أخذها من كفار قريش، فعلله ابن الجهم بأن ذلك إكراما لهم لمكانهم من النبي (ص)، وعلله القرويون بأن قريشا أسلموا كلهم فإن وجد منهم كافر فمرتد فلا تؤخذ منه. المازري: وإن ثبتت الردة فلا يختلف في عدم أخذها منهم انتهى. ونقل ابن عرفة فيمن تؤخذ منهم الجزية طرقا فذكر طريق ابن رشد المتقدمة ثم ذكر كلام اللخمي وابن بشير ثم قال: وظاهر نقليهما قريش كغيرها ثم قال: لما حصل الاقوال وخامسها إلا من قريش. واعتمد صاحب الشامل على ما قاله صاحب المقدمات فقال: إلا من مرتد وكافر قريش انتهى. والسباء بالمد قاله في الصحاح وهو الاسر. ص: (مخالط) ش: احترازا من راهب الصوامع فلو ترهب بعد عقدها ففي سقوطها قولان: لنقل صاحب البيان عن ابن القاسم ولنقل اللخمي عن مطرف، وابن الماجشون نقله ابن الحاجب وصحح الاول صاحب الشامل. ص: (لم يعتقه مسلم) ش: هذا أحد الاقوال الثلاثة، وقيل تؤخذ منه مطلقا، وقيل لا تؤخذ منه مطلقا. قال ابن رشد: وهذا الخلاف إنما هو فيمن أعتق ببلد الاسلام، وأما من أعتق بأرض الحرب فعليه الجزية بكل حال، ونقله ابن عرفة وصاحب التوضيح. ص: (بسكنى غير

[ 595 ]

مكة والمدينة واليمن) ش: وهذه جزيرة العرب. قال في الذخيرة: والجزيرة مأخوذة من الجزر وهو القطع، ومنه الجزار لقطعه أعضاء الحيوان، والجزيرة لانقطاع المياه عن وسطها إلى أجنابها، وجزيرة العرب قد احتف بها بحر القلزم من جهة المغرب، وبحر فارس من جهة المشرق، وبحر الهند من جهة الجنوب انتهى. وقال ابن عرفة: وإنما قيل لها جزيرة لانقطاع ما كان فائضا عليها من ماء البحر انتهى. وقال القرطبي في سورة براءة: وأما جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها. فقال مالك يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الاسلام ولا يمنعون من التردد بها مسافرين، وكذلك قال الشافعي إلا أنه استثنى من ذلك اليمن فيضرب لهم فيها ثلاثة أيام كما ضرب لهم عمر حين أجلاهم ولا يدفنون فيها ويلجؤن إلى الحل انتهى. وقال القرطبي المحدث في شرح حديث ثمامة في كتاب الجهاد من مسلم: ومنع مالك رحمه الله دخول الكفار جميع المساجد والحرم وهو قول عمر بن عبد العزيز وقتادة والمزني انتهى. ولعله يريد بقوله يمنعون دخول الحرام أي الاقامة، ومفهوم كلام المصنف أن لهم سكنى غير ذلك وهو صحيح لكنه يشترط أن يسكن حيث يناله حكمنا لا ويسكن حيث يخشى منه أن ينكث ويؤمر بالانتقال فإن أبوا قوتلوا. فرع: قال في الذخيرة وللذمي أن ينقل جزيته من بلد إلى بلد من بلاد الاسلام انتهى. فرع: قال بعض المحققين: إذا أسلم أهل جهة وخفنا عليهم الارتداد إذا فقد الجيش فإنهم يؤخذون بالانتقال. قاله ابن عبد السلام. وظاهر كلام المصنف أن حكم العبيد حكم الاحرار في عدم السكنى في جزيرة العرب وهو قول عيسى خلاف قول ابن سيرين. قاله في التوضيح. ص: (ولهم الاجتياز) ش: قال ابن عرفة: وضرب لهم عمر ثلاثة أيام يستوفون وينظرون في حوائجهم انتهى. وتقدم نحوه في كلام القرطبي. ص: (بمال) ش: قال في الجواهر: فلو أقرهم من غير جزية أخطأ ويخيرون بين الجزية والرد إلى المأمن. انتهى من الذخيرة. ص: (للعنوي) ش: منسوب إلى العنوة. قال في التنبيهات في كتاب التجارة لارض الحرب أرض العنوة بفتح العين التي غلب عليها قهرا انتهى. ص: (والظاهر آخرها) ش: قال في التوضيح:

[ 596 ]

قال صاحب المقدمات: نقل عن بعض الاصحاب أن هذا في العنوية، وأما في الصلحية فتؤخذ معجلة لانها عوض عن حقن دمائهم ورد عليه ورأى أنه لا فرق انتهى. فرع: قال في التوضيح: ومن بلغ منهم أخذت منه الجزية عند بلوغه ولا ينتظر به الحول انتهى. ص: (ونقص الفقير لوسعه) ش: قال ابن شاس: قال القاضي أبو الوليد: من اجتمعت عليه جزية سنين إن كان فر منها أخذت لماضي الاعوام، وإن كان لعسر لم تؤخذ منه. انتهى من ابن عرفة. زاد في التوضيح: ولا يطلب بها بعد غناه والله أعلم. ص: (وإن أطلق فكالاول) ش: إذا وقع العقد فاسدا فلا نقتلهم ونلحقهم بمأمنهم. انتهى من الذخيرة. ص: (وسقطتا بالاسلام) ش: ولو كانت في ذمته سنون متعددة قاله ابن الحاجب وغيره. ص:

[ 597 ]

(كأرزاق المسلمين) ش: قال ابن عرفة: قال اللخمي: ولا أرى أن توضع عليهم اليوم بالمغرب لانهم لا جور عليهم. قلت: قل: أن يكون وفاء غير عمر كوفائه. فرع: قال ابن عرفة: ولا تثبت الجزية لمدعيها إلا ببينة أو دليل لسماع سحنون ابن القاسم: إن أخذ يهود يتجرون مقبلين من أرض الشرك قالوا: نحن من جزيرة ملك الاندلس، إن ثبت قولهم تركوا وإلا فهم فئ، فإن ثبت وادعوا على آخذيهم أخذ مال لم يحلفوا إن كانوا صالحين مأمونين. قال ابن رشد: إنما كانوا فيئا إن عجزوا عن البينة لدعواهم ما لا يشبه لاقبالهم من بلاد الشرك، ولو ادعوا ما يشبه لم يستباحوا وأسقط اليمين عن المأمونين لانها دعوى عداء والله أعلم. ص: (والعنوي حر) ش: هذا قول ابن حبيب وشهره ابن الحاجب قاله في التوضيح. ولم أر من صرح بمشهوريته ثم قال: ويشهد لتشهير المصنف ما قال صاحب البيان وابن زرقون إن ظاهر المدونة في باب الهبة لا يمنع أهل العنوة من الهبة والصدقة إذا لم يفرق بين أهل العنوة والصلح خلافا لابن حبيب انتهى. قلت: وما عزاه في التوضيح لابن

[ 598 ]

حبيب أعني القول الذي مشى عليه المصنف، عزاه ابن عرفة لسماع عيسى ويحيى وعليه فلا يحل النظر إلى شعور نسائهم، ودية من قتل منهم مائتان وخمسون وتجوز هبتهم وصدقتهم ولا يمنعون من الوصية بجميع أموالهم إذا كان لهم وارث من أهليهم. قاله ابن عرفة. ص: (وإن مات أو أسلم فالارض فقط للمسلمين) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في التوضيح: وكيف نعلم ورثته ونحن لا نعلم مورثيهم ؟ روى يحيى عن ابن القاسم أن ذلك راجع إلى أهل دينهم وأساقفتهم، فمن قالوا: يرثه من ذوي رحم أو غيره أو امرأة سلم إليه، وإن قالوا: لا وارث له فميراثه للمسلمين. ووجه ذلك أن طريق ذلك الخبر كما ينفردون به من العلم فيقبل قولهم كأخبارهم عما يعلمونه من الادواء وترجمتهم على الالسنة التي لا نعرفها. قاله الباجي: قال ابن راشد: وأما العنوي فإن كان له وارث ورثه

[ 599 ]

وسئل عن ذلك أساقفتهم، وإن لم يكن له وارث فماله لبيت المال والله أعلم. ص: (وإن فرقت عليها أو عليهما فلهم بيعها وخراجها على البائع) ش: هذا هو الوجه الثالث من أوجه الصلح، وما ذكره من أن لهم بيع الارض هو أحد الاقوال الثلاثة، والثاني أن البيع لا يجوز، والثالث أنه يجوز والخراج على المشتري. زاد في المقدمات: ولا خلاف أنها تكون لهم وإن أسلموا عليها وأنهم يرثونها بمنزلة سائر أموالهم وقرابتهم من أهل دينهم أو المسلمين إن لم يكن لهم قرابة. انتهى من الكبير. ص: (وللعنوي إحداث الكنيسة إن شرط وإلا فلا) ش: مذهب ابن القاسم على ما نقله ابن عرفة أن يترك لاهل الذمة كنائسهم القديمة في بلد العنوة المقر بها أهلها وفيما اختطه المسلمون فسكنوه معهم، وأنه لا يجوز إحداثها إلا أن يعطوا ذلك. وهذا هو المأخوذ من المدونة في كتاب الجعل والاجارة بعد تأمل كلامه وكلام شراحه. وقال عبد الملك: لا يجوز الاحداث مطلقا ولا يترك لهم كنيسة وهو الذي نقله في الجواهر وهو

[ 600 ]

الذي رآه البساطي فاعترض على المؤلف فراجعه إن شئت، وعليه اقتصر في الارشاد. ص: (وللصلحي الاحداث) ش: قال في المدونة في كتاب الجعل والاجارة: ولهم أن يحدثوها أي الكنائس في بلد صولحوا عليها انتهى. وقال ابن عرفة: ويجوز أي الاحداث لهم بأرض الصلح إن لم يكن بها معهم مسلمون وإلا فعلى قول ابن القاسم وابن الماجشون انتهى. فرع: فإن أسلم الصلحي أو اشترى مسلم دارا في مدينتهم أو قريتهم وقلنا: يجوز لاهل الصلح الاحداث، فهل يجوز له أن يبيعهم داره أو يكريها لهم ليعملوها كنيسة أو بيت نار ؟ قال في المدونة في كتاب الجعل والاجارة: إن ذلك لا يجوز. فرع: مرتب: قال ابن يونس: واختلف شيوخنا كيف الحكم إن نزل ؟ فقال بعضهم: يتصدق بالثمن والكراء، وقال بعضهم: يتصدق بفضلة هذا الثمن والكراء على ثمن الدار وكرائها على أن لا تتخذ كنيسة. وقال بعضهم: أما في البيع فيتصدق بالفضلة كما ذكر، وأما في الكراء فيتصدق بالجملة وبه أقول انتهى وهذا يأتي للمصنف إن شاء الله. حكاية: قال المتيطي: جاء في الخبر أن الوليد بن عبد الملك هدم كنيسة للروم وكان أبوه عبد الملك قد أذن لهم فيها بوجه اقتضى ذلك، فكتب ملكهم إلى الوليد وهو يقول: إن أباك قد أذن لنا في البناء لوجه اقتضى ذلك وأنت هدمتها، فإما أن يكون أباك قد أصاب وأخطأت

[ 601 ]

أنت، وإما أن تكون أصبت وأخطأ أبوك، فأشكل على الوليد الجواب وطلبه من أهل الفطنة حتى تكلم فيه مع الفرزدق فقال له: الجواب ما حكاه الله في قصة سليمان وداود * (وكلا آتينا حكما وعلما) * الآية. فاستحسن الوليد هذا الجواب وعلم فطنته وأتحفه بعطية. قال المشذالي: حاصل هذا الجواب أنا لا نسلم إلى انحصار القسمة في إصابة أحدهما وخطأ الآخر حتى تكون من مادة مانعة الجمع والخلو لجواز إصابتهما معا لنظر ورأي رآه كل منهم. انتهى من كتاب الجعل والاجارة والله أعلم. ص: (ومنع ركوب الخيل) ش: نائب فاعل منع ضمير مستتر يعود إلى الذمي المفهوم من قوله للعنوي والصلحي. وركوب الخيل منصوب على أنه مفعول والله أعلم. ص: (وجادة الطريق) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولهم

[ 602 ]

المشي على الجادة عند اختلائها وإلا فيضطرون إلى أضيق الطريق انتهى. وفي الارشاد: ولا يكنون ولا تتبع جنائزهم. قال في الشرح: التكنية تعظيم وإكرام فلذلك لا يكنون. وهل تكنيتهم بفلان الدين كذلك أو لا ؟ لم أقف على شئ فيه والاشبه المنع. وتشييع الجنائز

[ 603 ]

إكرام ولو كان قريبا أو أبا أو ابنا. نعم لوارثه إن لم يجد أحدا من أهل دينه انتهى. ص: (وإن خلا عن كشرط بقاء مسلم) ش: يعني وفعله النبي (ص) في يوم الحديبية خاص به لما

[ 604 ]

علم في ذلك من الحكمة من حسن العاقبة. قاله ابن العربي. ص: (ووجب الوفاء وإن برد رهائن ولو أسلموا كمن سلم وإن رسولا إن كان ذكرا) ش: قال ابن عرفة المازري: لو

[ 605 ]

تضمنت المهادنة أن يرد إليهم من جاءنا منهم مسلما وفي لهم بذلك في الرجال لفعله (ص) دون النساء لقوله تعالى * (لا ترجعوهن إلى الكفار) * ابن شاس: لا يحل شرط ذلك في رجال ولا نساء فإن وقع لم يحل ردهما. قلت: مثله لابن العربي فعله (ص)

[ 606 ]

خاص به لما علم فيه من الحكمة وحس العاقبة. ص: (والمعدوم) ش: قال ابن رشد في أول

[ 607 ]

سماع أشهب في شرح المسألة الثانية: وأما من فدا أسيرا لا مال له بغير أمره فالصحيح الذي يوجبه النظر والقياس أنه ليس له أن يتبعه بما فدده به، لان ذلك إنما يتعين على الامام وجميع

[ 608 ]

المسلمين، وظاهر الروايات خلاف ذلك وهو بعيد انتهى. ص: (ولا يرجع به على مسلم) ش: قال في آخر شرح آخر مسألة من سماع أصبغ: من فدا مسلما بخمر أو خنزير أو ميتة فلا رجوع له عليه بشئ من ذلك إلا أن يكون المعطي ذميا فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير والميتة إن كانت مما يملكونها. قال سحنون في كتاب ابنه: ومعناه إذا فداه به من عنده، وأما إن ابتاعه ليفديه به فإنما يرجع عليه بالثمن الذي اشتراه به انتهى.

[ 609 ]

فرع: قال المشذالي عن الوانوغي في باب الغصب في شرح مسألة من غصب جارية ثم ماتت بعد أن باعها الغاصب: إن لربها عليه إجازة البيع وأخذ الثمن الذي بيعت به، ولا يستقر من هنا جواز فداء الاسير بنصراني ميت لانه إنما نظر هنا إلى يوم العقد، ولو نظر إلى يوم الاجازة وأجاز لصح الاخذ والحكم فيه من غير هذا الموضع الجواز. قلت: الذي نص عليه عياض المنع قال ما نصه: في تحريم بيع الميتة حجة على منع بيع جثة الكافر إذا قتلناه من الكفار وافتدائهم منابه، وقد امتنع النبي (ص) من ذلك. انظر تمامه. ابن العربي: إن النبي (ص) أعطاه الكفار في جسد كافر استولى المسلمون عليه عشرة آلاف وقال: لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم في تحريم بيع الميتة: ومما لا يجوز بيعه لانه ميتة جسد الكافر، وقد أعطى رسول الله (ص) يوم الخندق في جسد نوفل بن عبد الله المخزومي عشرة آلاف درهم فلم يأخذها ودفعها إليهم وقال: لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه انتهى والله أعلم. باب في بيان أحكام المسابقة التي يستعان بها على الجهاد ص: المسابقة بجعل في الخيل والابل وبينهما والسهم) ش: ولا تجوز في غير هذه

[ 610 ]

الاشياء المذكورة من بغال أو حمير وكذلك الفيل والبقر. قاله الجزولي في التقييد الصغير عن عبد الوهاب. وعن الزناتي في شرح قول الرسالة: ولا بأس بالسبق في الخيل والابل وبالسهام بالرمي. وإنما قال ذلك لانه من اللهو واللعب فينبغي أن لا يشتغل بشئ منه لكن لما كانت هذه الاشياء مما يستعان بها على الجهاد في سبيل الله الذي هو طريق إلى إظهار دين الله ونصرته، جاز لما فيه من منفعة الدين، وما يؤدي إلى عبادة أو يستعان به في عبادة فهو عبادة. وقد أثنى رسول الله (ص) على المتصفين من الرجال بأوصاف الكمال إذ بالناس حاجة إليه فقال: من ركب وعام وخط وخاط ورمى بالسهام فذلك نعم الغلام وقال: كل لهو يلهوه المؤمن فهو باطل إلا لهوه بفرسه أو قوسه أو زوجته انتهى. ص: (وعين المبدأ والغاية) ش: قال ابن عرفة: ولا بأس أن يقدم أحدهما الآخر بقدر من المسافة على أن يجريا معا، أو إذا بلغ

[ 611 ]

المؤخر المقدم ثم قال: ويجوز نصبهما أمينا يحكم بالاصابة والخطأ. ص: (وأخرجه متبرع) ش: قال الزناتي: وهذا وعد يجب الوفاء به ويقضى عليه به إن امتنع والله أعلم. ص: (أو أحدهما فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هو فلمن حضر) ش: الذي يفهم من كلامه إنما هو حكم ما إذا كان السبق بين اثنين، وأما إذا كان بين جماعة فلا يفهم له حكم. وحكمه أنه إن سبق غيره أخذه، وإن سبق هو كان للذي يليه، وسواء شرطوا هذا على الوجه أو لم يشرطوا. قاله في الجواهر: وأما إن شرط صاحب السبق أنه إن سبق أخذه فلا يجوز على المشهور. قاله في الجواهر. وقال البساطي: إنما فيه قول بالكراهة. وقول بالاباحة ليس بظاهر بل نقل المنع ابن عرفة ونقله في الجواهر وغيرها. وقوله: فلمن حضر يعني صدقة عليهم ويؤجر عليه الذي أخرجه. وهل يأكل المخرج معهم منه ؟ فيه قولان. قال بعض الشيوخ: يؤخذ من الرسالة الجواز. وقال بعضهم: يؤخذ عدم جواز الاكل. وقال بعضهم: يحتمل ويحتمل. قاله الجزولي. وقال أيضا: نظر قوله: لمن حضر هل من حضر العقد أو المسابقة أو هما معا محل نظر. وانظر إذا لم يسبق أحد أحدا بل استوى الجميع لمن يكون السبق. والظاهر أنه يكون لمن حضر ولا يعود لصاحبه لانه إذا لم يعد إليه إذا سبق فأحرى إذا استوى مع غيره، وانظر لو لم يحضر أحد عندهما وسبق جاعل السبق ما يفعل فيه والله أعلم. ص: (ولو بمحلل يمكن سبقه) ش: أما إن

[ 612 ]

لم يكن سبقه فلا قائل بالجواز لانه قمار، وسمي محللا لانه أجاز هذا الفعل لان دخوله يدل على أنهما لم يقصدا القمار وإنما قصدا القوة على الجهاد. قال الجزولي في الكبير. وعلى قول ابن المسيب أنه يجوز مع المحلل لو استوى الثلاثة في الوصول إلى الغاية أخذ كل واحد من المتسابقين جعله ولا شئ للمحلل، وإن سبق أحد المتسابقين أخذ الجميع، وكذلك إن سبق المحلل أخذ الجميع، وإن سبق المتسابقان دون المحلل أخذ كل واحد جعله، وإن سبق أحدهما مع المحلل أخذ السابق منهما جعله وقسم جعل المسبوق بينه وبين المحلل نصفين. انتهى. بالمعنى من الجزولي والشيخ يوسف بن عمر. فرع: واختلف بماذا يكون السابق سابقا. فقيل: إن سبق بأذنيه، وقيل: إن سبق بصدره. قال الجزولي في الصغير: وهذان القولان حكاهما في الاستظهار. وقيل: حتى يكون رأس الثاني عند مؤخر الاول. ونقله في الكبير ولم يعزه وكذلك الشيخ يوسف بن عمر. ص: (ولا معرفة الجري) ش: بل يشترط أن يجهل كل واحد جري فرس صاحبه. قال القرطبي في شرح

[ 613 ]

مسلم: ومن شرط جوازها أن تكون الخيل متقاربة في النوع والحال فمتى علم حال أحدهما أو كان مع غير نوعه كان السبق قمارا باتفاق انتهى. ص: (وإن حصل للسهم عارض) ش: قال ابن عرفة: ومن عاقه الرمي لفساد بعض آلته انتظره مناضله لتلافيه على ما عرف دون طول، فإن انقطع وتره ومعه آخر يبعد من وتره في الرقة والغلظ لم يلزمه الرمي به إلا أن يقاربه وكذلك السهم انتهى. وقال: ويرتفع لزوم الرمي بالغروب ولو كان في أثناء وجه ولو رميا بعد الغروب لزم تمام الرمي والمطر وعاصف الريح يرفعه انتهى. ص: (وجاز فيما عداه مجانا) ش:

[ 614 ]

بشرط أن يكون فيه منفعة للجهاد قاله في الجواهر. فرع: قال الزناتي: واختلف فيمن تطوع بإخراج شئ للمصارعين وللمتسابقين على أرجلهما أو على حماريهما أو على غير ذلك مما لم ترد به سنة بالجواز والكراهة ص: (ولزم العقد كالاجارة) ش: قال ابن عرفة: ولو سلم أحدهما للآخر أنه نضله، فإن كان قبل رمي ما يتبين بمثله أنه منضول فليس على مناضله قبول ذلك، وكأنه ذكره أن يسمى منضولا، وإن كان بعد تبين كونه منضولا جاز إن قبله الآخر، ويمنع من شرط أن من ترك الرمي اختيارا فهو منضول انتهى. وقد استوفى في ابن عرفة غالب فروع هذا الباب والله أعلم. (تم الجزء الرابع، ويليه الجزء الخامس، وأوله كتاب النكاح)

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...