65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج8.مواهب الجليل الحطاب الرعيني



ج8.مواهب الجليل

الحطاب الرعيني ج 8

[ 1 ]

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ابي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفي سنة 945 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الثامن دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[ 2 ]

جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1416 ه‍ - 1995 م

[ 3 ]

باب ص: (الهبة تمليك بلا عوض ولثواب الآخرة صدقة) ش: قال ابن عرفة: الهبة أحد أنواع العطية. وهي - أي العطية - تمليك متمول بغير عوض إنشاء. فيخرج الانكاح والحكم باستحقاق وارث إرثه، وتدخل العارية والحبس والعمرى والهبة والصدقة. ثم قال: والهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطي بغير عوض، والصدقة كذلك لوجه الله بدل لوجه المعطي وفي الهبة لكونها كذلك مع إرادة الثواب من الله صدقة أو لا ؟ قولا الاكثر ومطرف حسبما يأتي ذكره في الاعتصار. وتخرج العارية والبيع. فقول المصنف الهبة تمليك بلا عوض يريد ولم تتمحض لثواب الآخرة وذلك أعم من أن تكون لوجه المعطى فقط أو لذلك مع قصد ثواب الآخرة، فإن تمحضت لثواب الآخرة فهي الصدقة، وهذا معنى قوله ولثواب الآخرة صدقة. فائدة: ورد في الحديث داووا مرضاكم بالصدقة. سئل ابن رشد عن هذا الحديث

[ 4 ]

ومعناه فأجاب بأني لست أجده في نص من المصنفات الصحيحة، ولو صح فمعناه الحث على عيادة المرضى لان ذلك من المعروف، وكل معروف صدقة فيحصل له السرور والدعاء له ولا شك في رجاء الاجابة له والشفاء فينفعه في الدواء. قال البرزلي: وحمله بعض شيوخنا على ظاهره وأنه إذا تصدق عنه ويطلب له الدعاء من المتصدق عليه ويرجى له الشفاء. ذكره البرزلي في آخر مسائل الوصايا والمحجور، وهو في النوازل في باب الجامع. والحديث أخرجه الطبراني والبيهقي. وقال العراقي في تخريج الاحياء: حديث الصدقة تسد سبعين بابا من السوء. ابن المبارك في البر من حديث أنس بسند ضعيف إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء والله أعلم. فرع: قال في أثناء كتاب الهبة من المدونة: ومن وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب لم يجز إلا أن يكون سفيها أو صغيرا فيشترط ذلك عليه ما دام في ولاية فيجوز، وإن شرط ذلك عليه بعد زوال الولاية لم يجز، كان ولدا للواهب أو أجنبيا. المشذالي: قال القابسي عن ابن عمران: انظر ما معنى سفيها أو صغيرا وهما لا يجوز بيعهما شرطه أم لا ؟ أبوعمران: لعله أراد أن لا تباع عليه إذا احتاج إلى النفقة لان لوليه بيع عروضه في النفقة فشرط أن لا تباع ويباع غيرها إن وجد. قال القابسي: الهبة جائزة وهي كالحبس المعين لو وهب هبة لسفيه أو يتيم أو شرط أن تكون يده مطلقة عليها وأنه لا نظر لوصيه فيها نفذ ذلك الشرط انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن: حصل ابن رشد فيها في رسم إن خرجت من سماع عيسى خمسة أقوال. الاول: إن الصدقة والهبة لا تجوز إلا أن يشاء الواهب أن يبطل الشرط، فإن مات أحدهما بطلت وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية ومثل قول ابن القاسم في رواية سحنون. الثاني: إن الواهب مخير بين أن يترك شرطه أو يسترد هبته وورثته بعده ما لم ينتقض أمره بموت الموهوب، وهذا القول يأتي على ما في مسألة الفرس. الثالث: إن الشرط باطل والهبة جائزة، وهذا يأتي على ما في المدونة في مسألة تحبيس الدار واشتراط ترميمها على المحبس عليه. الرابع: إن الشرط عامل والهبة ماضية لازمة فتكون الصدقة بين المتصدق عليه كالحبس لا يبيع ولا يهب حتى يموت، فإذا مات ورث عنه على سبيل الميراث، وهو قول عيسى بن دينار في هذه الرواية وقول مطرف في الواضحة وأظهر الاقوال وأولاها بالصواب، لان الرجل له أن يفعل في ملكه ما شاء. الخامس: أن يكون ذلك حبسا فإذا مات المتصدق عليه أو الموهوب له رجع إلى المتصدق أو ورثته أو أقرب الناس بالمحبس على اختلاف قول مالك انتهى. والاقوال مبسوطة في

[ 5 ]

كلام ابن رشد بأكثر من هذا فراجعها في الرسم المذكور من السماع المذكور من كتاب الصدقات والهبات والله أعلم. فرع: قال في كتاب الوصايا الثاني من المدونة: ومن قال في وصيته أحجوا فلانا ولم يقل عني، أعطي من الثلث بقدر ما يحج به، فإن أبى الحج فلا شئ له، وإن أخذ شيئا رده إلا أن يحج به. قال المشذالي: قال ابن عرفة: كان بعضهم يأخذ من هنا أن من أوصى لرجل بمال ليتزوج به فلم يفعل أنه يرجع ميراثا. والذي عندي أنه ينظر إلى ما يفهم بالقرائن عن الموصي إن أراد الارفاق والتوسعة عليه فيكون له، وإن لم يتزوج، وإن أراد خصوصية النكاح رجع ميراثا، وإن جهل الامر فالاصل عدم تجاوز النكاح، فإن انعدم رجع ميراثا. قلت: الظاهر أنها تجري على ما قال بعض الشيوخ في كتاب المكاتب فيمن أخذ مالا ليغزو به فلم يغز أنه يرد. وكذا ابن السبيل إذا دفع له مال ليتحمل به فلم يسافر أنه يرده، ومن دفع له مال ليقرأ فلم يفعل أنه يرده. وحكي أن الفقيه التادلي وقعت له هذه المسألة دفع له أبوه مالا ليقرأ عليه فرأى أن غرض أبيه لم يحصل فرد له المال وأخبره أنه لم يبلغ من القراءة غرضه، فأتى أبوه إلى بعض الصالحين فشكا له أمره فدعا له وقال: اللهم افتح له المدونة كما فتحتها لسحنون. المشذالي: والصالح الذي دعا له ذكر بعضهم أنه الشيخ أبو يعزى رحمه الله. قاله الشيخ أبو الحسن في كتاب المكاتب. وقال ابن رشد في أول نوازل سحنون من الوكالات: وإذا صالح الوكيل عن الغريم من ماله فلم يجز الموكل الصلح، فله أن يرجع بما دفع من ماله لانه إنما دفعه على أن يحط عن الغريم ما صالح على حطه، فإذا لم يحط كان له الرجوع، ولها نظائر كثيرة منها مسألة المكاتب في المدونة في قوم أعانوا مكاتبا ليفكوه فلم يكن فيما أعانوه كفافا أن لهم أن يرجعوا فيه إلا أن يجعلوا المكاتب في حل. ومن ذلك صلح من قتل رجلين أولياء أحدهما ويأبى أولياء الآخر، فإن له أن يرجع لانه إنما صالح على النجاة قاله في سماع يحيى من الدعوى انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في مسألة الوصايا: يقوم منه أن من أعطى مالا لاشتغاله بطلب العلم أنه لا ينفقه في غير ذلك، وكذلك من توهم فيه صلاح أو غير من وجوه الخير وهو يعلم أنه ليس كذلك أنه لا يجوز له أخذه. وانظر مسألة الحافظ التادلي ويشير لما حكاه المشذالي عنه كما تقدم. وقال في النوادر في كتاب الهبات: ومن أعطى نفقة فقيل له تقو بها في السبيل فليشتر من ذلك القمح والزيت والخل وكل ما ينتفع به في السبيل ولا يشتري به الدجاج ونحوه، وما فضل فرقه في السبيل أو رده إلى ربه إلا أن يقال اصنع به ما شئت هي لك، فهذا إذا بلغ في غزوه صنع به ما يصنع في ماله. وأما إن قال له ذلك الوصي فلا يجوز ما قاله الوصي أن يفرقه في غير السبيل إلا أن يوصي إليه بمثل هذا انتهى. مسألة: إذا قال تصدقت بجميع ميراثي أو بميراثي على فلان وهو كذا وكذا في الغنم

[ 6 ]

والبقر والرمك والثياب والدور والارضين إلا الارض البيضاء فإنها لي وفي تركته جنان لم ينص عليه قال أصبغ: له كل شئ إلا ما استثناه إذا كان يعرفه، وأرى الجنان إن كان يعرفه داخلا في الصدقة لانه إنما استثنى الارض البيضاء ولم يستثن الجنان إلا أن تكون الارض هي الجنان عند الناس. قاله في رسم القضاء المحض من كتاب الصدقات من سماع أصبغ. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لانه قد تصدق عليه بجميع ميراثه إلا الارض البيضاء كما قال فوجب أن يكون الجنان داخلا في الصدقة إلا أن يكون عند الناس من الارض البيضاء كما قال انتهى. ص: (ممن له تبرع بها) ش: قال ابن عرفة: قال ابن رشد وابن الحاجب: الواهب من له التبرع. قلت: ليس التبرع بأعرف من الهبة لان العامي يعرفها دونه والاولى هو من لا حجر عليه بوجه انتهى. قوله لا حجر عليه بوجه يريد في القدر الذي يصح له منها الهبة لقوله بعده وتصح من المريض في ثلثه إذ لا حجر عليه فيه فتأمله والله أعلم. فرع: قال في أول كتاب الصدقة من المدونة: وكل صدقة أو هبة أو حبس أو عطية بتلها مريض لرجل بعينه أو للمساكين فلم يخرج من يده حتى مات فذلك ناقد في ثلثه كوصاياه، لان حكم ذلك حكم ما أعتق الايقاف ليصح المريض فيتم ذلك أو يموت فيكون في الثلث ولا يتم فيه لقابض في المرض قبض، ولو قبضه كان للورثة إيقافه. وليس لمن قبضه أكل غلته إن كانت له غلة، ولا أكله إن كان مما يؤكل، ولا رجوع للمريض فيه لانه بتل خلاف الوصية، ولا يتعجل قبضه إلا على أحد قولي مالك في المريض له مال مأمون فينفذ ما بتل من عتق وغيره انتهى. ص: (وإن مجهولا) ش: قال في المدونة: والغرر في الهبة لغير الثواب يجوز إلا في البيع، ومن وهب لرجل موروثه من فلان وهو لا يدري كم هو سدس أو ربع أو وهبه نصيبه من دار أو جدار وهو لا يدري كم ذلك فذلك جائز انتهى. ونقله في النوادر في كتاب الهبات والصدقات عن كتاب ابن المواز، وقال قبله: قال أبو محمد: وأعرف لابن القاسم في غير موضع أن هبة المجهول جائزة. وقال ابن عبد الحكم: تجوز هبة المجهول ولو ظهر له أنها كثير بعد ذلك انتهى. فرع: قال في النوادر عن كتاب ابن المواز: إن تصدق عليه ببيت من داره ولم يسم له

[ 7 ]

مرفقا فليس له منعه من مدخل ومخرج ومرفق بئر ومرحاض إن لم يسمه في الصدقة، وليس له أن يقول افتح بابا حيث شئت. وكذلك في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم انتهى. فرع: قال في المدونة: وإذا وهب له حائط وله ثمر وزعم أنه إنما وهبه الاصل دون الثمرة، فإن كانت لم تؤبر فهي للموهوب له، وإن كانت مؤبرة فهي للواهب ويقبل قوله ولا يمين عليه انتهى. قاله في كتاب الصدقة. وانظر كلام ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الصدقات والبرزلي في كتاب الهبات فإنهما أطالا في ذلك وذكرا فروعا مناسبة والله أعلم. ص: (وهو إبراء إن وهب لمن هو عليه) ش: قال في المدونة: ومن وهبك دينا له عليك فقولك قد قبلت قبض، وإذا قبلت سقط، وإن قلت لا أقبل بقي الدين بحاله. أبو الحسن: وإن سكت فقولان، ويؤخذ القولان من مسألة الارض التي بعد هذا إذا افترقا ولم يقل قبلت فقال ابن القاسم: الهبة ساقطة. وقال أشهب: الدين لمن هو عليه وإن لم يقل ذلك حتى مات الواهب انتهى. وقال في الشامل: وإن وهب الدين لمن هو عليه والوديعة لمن هي تحت يده فقبل مضى، وإن لم يقل قبلت حتى مات الواهب بطلت الهبة على الاصح كأن قال لا أقبل انتهى. وقال البرزلي في مسائل الصدقة: وسئل أبو محمد عمن كان عليه دين فتركه صاحبه له ولم يقل الذي عليه قبلت إلا أنه سمعه ثم قام صاحب الدين يطلبه وقال: إذا لم يقل قبلت فليس له شئ. فأجاب: إذا قال المطلوب إنما سكت قبولا لذلك فالقول قوله. قال البرزلي: قلت: جعل السكوت هنا قبولا ويتعارض فيها مفهوما المدونة ونقل كلامها المتقدم. فرع: قال ابن عرفة ناقلا له عن الباجي: دعوى المدين هبة رب الدين دينه يوجب يمينه اتفاقا. قلت: وكذا من ادعى هبة ما بيده من معين. انتهى وسيأتي كلامه برمته إن شاء الله. ص: (وإلا فكالرهن) ش: أحال على الرهن ولم يتقدم له فيه شئ. وقال ابن الحاجب في باب

[ 8 ]

الرهن وقبض الدين بالاشهاد والجمع بين الغريمين إن كان على غير المرتهن وقبله في التوضيح ثم قال ابن الحاجب هنا في باب الهبة: وتصح هبة الدين وقبضه كقبضه في الرهن مع إعلام المدين بالهبة. قال في التوضيح هنا: قوله مع إعلام إلى آخره زيادة بيان لان قوله كقبض الرهن يغني عنه. ألا ترى أنه قال في كتاب الرهن: وقبض الدين إلى آخره ثم إن إعلام المدين إنما هو مع حضوره، وأما إن كان غائبا ففي المدونة يصح القبض إذا أشهد لك وقبضت ذكر الحق وهكذا تقبض الديون، ولم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب لقبض الوثيقة. قال في الهبة من المدونة: وإن كان دينه على غيرك فوهبه لك فإن أشهد لك وجمع بينك وبين غريمه ودفع لك ذكر الحق إن كان عنده فهذا قبض، فإن لم يكن كتب عليه ذكر حق وأشهد لك وأحالك كان ذلك قبضا. وحمله صاحب النكت على ظاهره من أنه إن لم يدفع ذكر الحق لا تصح الهبة بموت الواهب كالدار المغلقة إذا لم يعطه مفاتيحها حتى مات الواهب أنه لا يصح للموهوب شئ وإن أشهد له. وجعل دفع الوثيقة في وثائق ابن العطار من شروط الكمال، وظاهر قول المصنف مع إعلام المدين وقوله في المدونة وجمع بينك وبين غريمه أن ذلك شرط ويجب أن يحمل على أنه شرط كمال لانه قد حكى في البيان في الجزء الثاني من الصدقات الاتفاق على عدم اشتراطه فقال: ولا خلاف في " أن الذي عليه الدين حائز لمن تصدق عليه به وإن لم يعلم المتصدق عليه غائبا أو حاضرا فقبل. انتهى كلام التوضيح فتأمله مع كلامه هنا. وقوله في التوضيح في آخر كلامه وإن لم يعلم المتصدق عليه غائبا أو حاضرا كذا هو في التوضيح. والذي في البيان إن كان المتصدق عليه غائبا أو حاضرا فقبل ذكره في رسم العشور من سماع عيسى فقف عليه. فرع: فإن دفع الدين بعد علمه بالصدقة للمتصدق غرمه للمتصدق عليه. قال ابن رشد: ويرجع به على المتصدق به الذي دفعه إليه، وإن لم يعلم فلا غرم عليه ورجع المتصدق عليه فأخذه من المتصدق. قاله في رسم العشور من سماع عيسى من الصدقات والهبات. فرع: فإن وهب دينا وله عليه شاهد واحد، فهل يحلف ر ب الدين أو الموهوب له ؟ قال المشذالي في حاشيته على المدونة في الشفعة: لو وهب له دينا وله به شاهد حلف الموهوب له مع شاهد الواهب واستحق الدين. وتقدم في السلم الثالث مسألة المرأة تهب كالئها بعد موت زوجها مع ما يناسبها انتهى. ويشير لما قاله في كتاب السلم الثالث في قوله: وإن ابتعت طعاما فلم تقبضه حتى أسلفته. ومما يشبه هذا ما قالوه فيمن اشترى سلعة من رجل ثم أنكر البائع ولم يجد المشتري على الشراء إلا شاهدا واحدا وكان قد تصدق بما اشتراه أن اليمين على المتصدق عليه لا على المشتري، لانه يقول لا أحلف ويأخذ غيري. حكاه الشيخ أبو الحسن في كتاب الولاء، وذلك خلاف ما أشار إليه صاحب الطراز عن الابهري في امرأة تصدقت بكالئ

[ 9 ]

صداقها وقد أثبتته على زوجها الميت قال: لا يقبضه المتصدق عليه إلا بعد يمين المرأة أنها لم تقبضه ولا وهبته ولا أحالت به ولا تصدقت به خوفا أن تكون إنما فعلت لتدفع اليمين عنها. وقال البرزلي في كتاب الهبات: رأيت معلقا على فتوى ابن رشد في الهبة يحلف الواهب، وقد تقدم عن ابن عات: إذا وهب الدين بشاهد واحد من الحلف انتهى. وما ذكره عن الشيخ أبي الحسن هو في شرح قوله في المدونة: ومن أقام بينة في دار أنها لابيه وقد ترك أبوه ورثة سواه الشيخ: نزلت مسألة وهي أن رجلا اشترى شيئا ولم يقم على الشراء إلا شاهدا واحدا وتصدق بذلك الشئ ثم قام البائع عليه، فإن اليمين هنا على المتصدق عليه لان المشتري يقول لا أحلف وينتفع غيري، وهذا يظهر من مسألة الغرماء انتهى. وانظر لو كان المشتري باعه ثم قام البائع على المشتري الثاني، فهل اليمين عليه أو على المشتري الاول ؟ وقد نزلت هذه المسألة فانظر ذلك والله أعلم. ص: (أو رضي مرتهنه) ش: يريد وقبضه فأحرى إن لم يقبضه والله أعلم. ص: (وإلا قضي عليه بفكه إن كان الدين يعجل) ش: أي وإن لم يرض المرتهن بإمضاء الهبة بعد قبض الرهن قضى عليه بفكه إلى آخره، وظاهره سواء كان الواهب يجهل أن الهبة لا تتم إلا بتعجيل الدين أم لا. وقال في التوضيح: نص اللخمي وابن شاس على أنه إذا كان ممن يجهل ذلك يحلف على ذلك ولا يجبر على تعجيل الدين اتفاقا انتهى. ص: (بصيغة أو مفهمها) ش: قال في الذخيرة: الركن الرابع السبب الناقل. وفي الجواهر: هو صيغة

[ 10 ]

الايجاب والقبول الدالة على التمليك بغير عوض أو ما يقوم مقامها في الدلالة على ذلك من قول أو فعل انتهى. وفي جعله الركن سببا تأمل. ثم قال في الذخيرة. تنبيه: مذهب الشافعي القبول فورا على الفور، وظاهر مذهبنا يجوز على التراخي لما يأتي بعد من إرسال الهبة للموهوب قبل القبول، والشافعي يقول: لا بد من توكيل الرسول في أن يهب عنه، ولم يشترط ذلك مالك، وقد وقع لاصحابنا أن للموهوب له التروي في القبول انتهى. وانظر التوضيح في شرح مسألة هبة الوديعة للمودع والله أعلم. تنبيه: تقدم في باب الحجر ويأتي في الوصايا أن الرقيق لا يحتاج إلى إذن سيده في القبول في الهبة والصدقة والوصية وأن المصنف قال: لو قيل بمنعه من القبول للمنة التي ترتبت على السيد بسبب ذلك ما بعد. وانظر على هذا إذا وهب للصغير أو تصدق به عليه أو أوصى له، هل لوليه رد ذلك أم لا ؟ لم أقف على نص في ذلك. والظاهر أن للاب والوصي النظر في ذلك لان المال قد يكون حراما وقد يكون فيه منة على الوالد أو ولده ولا يجب ذلك، ولا كلام أن له الرد إذا كان يطلب عوضا عن ذلك من مال الولد. ثم رأيت في كتاب الايمان من ابن يونس في شرح قوله: وإن حلف أن لا يأكل لرجل طعاما فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه فأعطاه خبزا فخرج الصبي بالخبز لابيه فأكل منه الاب ولم يعلم حنث. قال سحنون: أما أنا فتبين عندي لا حنث، لان الابن قد ملك الطعام من الاب. قال أبو إسحاق: لم يجعل ملك ابنه تقررا على ما أعطاه فيصير الاب قد أكل مال ابنه لا مال المحلوف عليه، ولعله أراد أن ذلك يسير للاب رده، فلما كان له رده لم يتقرر للابن عليه ملك إلا برضا الاب فلهذا حنث الاب. وإما لو وهبه هبة كثيرة لها بال لا يقدر الاب على ردها فأكل منها الاب لا نبغى أن لا

[ 11 ]

يحنث لانه مال لا يقدر الاب على رده على الواهب. وقال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: إن كان الاب موسرا حتى يكون له رد ما وهب لابنه من طعام ولا ينتفع به إلا بأكله في الوقت كالكسرة والتمرة وشبه هذا مما يناوله الانسان لمن يدخل لان الاب يقول نفقة ابني علي فليس لاحد أن يحمل عني منها شيئا بغير إذني، فهذا إذا أكل مما أعطاه الصبي حنث ويعد ذلك قبولا منه الخبز المحلوف عليه. وإن كان الاب معدما حتى لا يلزمه نفقة ولده وكان عيش الابن من عند غير الاب من الصدقات ونحوها فأعطاه ذلك الرجل هذا فأكل منه الاب لم يحنث. قال: وهذا معنى قول مالك والله أعلم. قال: وعبده وابنه في هذا سواء، لان له رد ما وهب لعبده قل أو كثر إلا أن يكون على العبد دين فليس له رد ما وهب له من مال انتهى. وما ذكره عن بعض أصحابنا ذكره في النكت عن بعض القرويين ونقل ذلك في الذخيرة. وقال القرافي في الفرق الخامس والثلاثين: الاسباب الفعلية تصح من المحجور دون القولية، فلو صاد ملك الصيد أو احتش ملك الحشيش بخلاف ما لو اشترى أو قبل الهبة أو الصدقة أو قارض أو غير ذلك من الاسباب القولية لا يترتب له عليها ملك انتهى. ولم يذكر المصنف الركن الرابع وهو الموهوب له وشرطه قبول الملك والله أعلم. ص: (وحيز وإن بلا إذن وأجبر وليه عليه) ش: والحائز هو الموهوب له إن كان رشيدا، فإن كان سفيها فوليه. وفي صحة حوز السفيه قولان ذكرهما ابن عرفة في كتاب الهبة. وكلام المصنف في التوضيح والمختصر في كتاب الوقف يقتضي ترجيح القول بصحة حوزه، وتقدم الكلام عليه عند قوله في باب الوقف ولو سفيها. وقوله وأجبر عليه أي على أن يحوزه، وهذا على المشهور من أن الهبة تلزم بالقول، قال ابن عرفة: والمعروف لزوم العطية بعقدها. ابن زرقون: قال المازري: للواهب الرجوع في هبته قبل حوزها عند جماعة وفي قولة شاذة عندنا، وحكاها الطحاوي عن مالك، وحكاها ابن خويز منداد عن مالك.

[ 12 ]

قلت: تقدم في الحبس نقل ابن رشد الاتفاق وهي لمعين دون يمين ولا تعليق يقضي بها. ابن رشد: اتفاقا. قال: وعلى غير معين كذلك فيها لا يقضي بها. ابن رشد: في القضاء بها قولان على اختلاف في الرواية فيها وعلى معين في يمين أو تعليق فيها لا يقضي بها. ابن رشد: هذا هو المشهور. ولمحمد بن دينار: من تسرى على امرأته وقد شرط لها أنه إن تسرى عليها فالسرية لها صدقة تامة وإن أعتقها بطل عتقه وكانت لها وهو خلاف المشهور. وقول ابن نافع من شرط لمبتاع سلعة إن خاصمه فهي صدقة عليه فخاصمه لزمته الصدقة إن حمل اللزوم على القضاء بها فهو مثله. ابن زرقون: لابن نافع: من قال إن تزوجت عليك فأمتي صدقة عليك قضى عليه بذلك. وقاله ابن دينار. قلت: هذا خلاف عزو ابن رشد مسألة الامة لابن دينار ومسألة السلعة لابن نافع وجزمه به خلاف جعله ابن رشد محتملا. وفي القضاء بالمعلق باليمين لغير معين نقل ابن زرقون عن أصبغ والمعروف وفي إيجاب دعوى هبة معين يمين الواهب قولا الجلاب ونقل الباجي عن ظاهر المذهب قائلا: دعوى المدين هبة رب الدين دينه يوجب يمينه اتفاقا. قلت: وكذا من ادعى هبة ما بيده من معين انتهى. وقال في الذخيرة في آخر كتاب الهبة: قال صاحب المنتقى: الهبة والصدقة والحبس متى كانت على وجه اليمين لمعين أم لا لا يقضي بها اتفاقا، لانه لم يقصد البر بل اللجاج ودفع المحلوف عليه وعلى غير اليمين يقضي بها. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: إلا أن يكون على معين فإن الحق له حتى يطلبه انتهى. وانظر الكلام في ذلك في باب النذر. وأفتى ابن رشد في نوازله في سؤال سأله القاضي عياض عنه ونص السؤال والجواب. رجل أخرج مالا بصدقة فعزل منه شيئا سماه بلسانه وميزه لمسكين بعينه، ثم بعد ذلك بدا له فصدقه لمسكين آخر، فهل يباح له ذلك أم لا يباح له ذلك لتمييزه إياه لمسكين بقوله بخلاف مسألة من أخرج لمسكين كسرة فلم يجده لان ذلك لم يعطها للمسكين بقول ولا فعل، وفي مسألتنا هذه أعطاها بالقول ووجب طلبها للمسكين وتميزت له عنده فلا يجوز له صرفها إلى غيره ؟ وهل صار قوله هذا لفلان وقد أخرج المال مخرج الصدقة كقوله تصدقت بهذا على فلان ؟ وهي يستوي في هذا ما أخرج الانسان على هذا الوجه من ماله وما ميزه لمعين مما يجري من صدقة غيره على يديه إذ ظهر لي بين الوجهين فرق كما ظهر لي بين المسألتين الاوليين للعلة التي ذكرت من معنى الصدقة والعطية وهي مخصوصة بما يملك ؟ الجواب: تصفحت السؤال، فإن كان هذا الرجل الذي عزل من المال الذي أخرجه للصدقة شيئا سماه لمسكين بعينه سماه له ونوى أن يعطيه له ولم يبتله له بقول ولا نية، فيكره له أن يصرفه إلى غيره. وإن كان بتله له بقول أو نية فلا يجوز له أن يصرفه إلى غيره وهو ضامن له إن فعل، وكذلك ما جعل إليه تنفيذه مما أخرجه غيره للصدقة سواء، ومثله في المعنى الذي يأمر

[ 13 ]

للسائل بشئ أو يخرج به إليه فلا يجده، يكره له أن يصرفه إلى ماله ولا يحرم ذلك عليه إن كان إنما نوى أن يعطيه له ولم يبتله له بقول ولا نية وبالله التوفيق. انتهى من الاجوبة من باب الصدقات، وهو الذي ذكره فيما إذا بتله له بالنية يأتي على أحد المشهورين في لزوم الطلاق بالكلام النفسي. والفرق بين التبتيل بالنية ونية الاعطاء أنه لو عبر عن الاول عبر عنه بقوله أعطيته لفلان ولو عبر عن الثاني عبر عنه بقوله أعطي أو نيتي أعطي ونحوه في آخر مسائل الهبة والله أعلم. قال في المسائل الملقوطة. فرع: قال في الذخيرة في باب الهبة والصدقة: قال ابن يونس: قال مالك: إذا خرجت للسائل بالكسرة أو بالدرهم فلم تجده، درى أن يعطى لغيره تكميلا للمعروف. وإن وجدته ولم يقبل فهو أولى من الاول لتأكد العزم بالدفع. واختلف هل له أكلها أم لا ؟ فقيل يجوز له أكلها، وقيل لا، وقيل إن كان معينا أكلها وإن كان غير معين لم يأكلها انتهى. وقال فيها أيضا. فرع: قال مالك: ولا بأس بشراء كسر السائل لقوله عليه الصلاة والسلام لبريرة: هو لها صدقة ولنا هدية انتهى. فرع: قال في رسم الوصايا والحج من سماع أشهب من كتاب العارية: إذا قال له بع ولا نقصان عليك يلزمههأن معنى قوله بع والنقصان علي فهو أمر قد أوجبه على نفسه، والمعروف على مذهب مالك وجميع أصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه يحكم به عليه ما لم يمت أو يفلس، وسواء قال له ذلك بعد أن انتقد أو قيل أن ينتقد انتهى. فرع: تقدم في باب الرهن عند قول المصنف وهل تكفي نية على الحوز إنه قال في كتاب الهبة من المدونة: ولا يقضي بالحيازة إلا بمعاينة بينة لحوزه في حبس أو رهن أو هبة أو صدقة. ولو أقر المعطى في صحته أن المعطى قد حاز وقبض وشهد عليه بإقراره بينة ثم مات لم يقض بذلك إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز اه‍.. فرع: إذا قال لولده أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريتي فلانة، ففعل الولد ثم مات أبوه قبل والقرية بيده قبل أن يبلغ الولد الحوز، فقال ابن القاسم في رسم الكراء والاقضية من سماع أصبغ من كتاب الصدقات: لا تكون له القرية إلا أن يعرف تحقيق ذلك بإشهاد الاب على ذلك. ابن رشد: لان قوله لك قريتي ليس بنص في تمليكه إياها بل الظاهر منه ذلك لاحتمال أن يريد تسكنها أو ترتفق بها. قال ابن القاسم: ويكون أراد التحريض ولم يجعل ما أوجب له القرية به من إصلاحه نفسه وتعلمه عوضا لها فتمضي دون حيازة في ذلك اختلاف، فحكى ابن حبيب عن مطرف أنه قال: من أعطى امرأته النصرانية دارا ساكنا بها على أن تسلم فأسلمت فلا أراها من العطية لانه ثمن إسلامها والاشهاد يجزئها عن الحيازة وإن

[ 14 ]

مات بها وبه أقول. وقال أصبغ: لا أراها إلا عطية. وفي المدونة لابن أبي حازم وابن القاسم من رواية عيسى مثل قول مطرف واختيار ابن حبيب. قال ابن أبي حازم في رجل قال لابنه إن تزوجت فلك جاريتي: هي له إذا تزوج وإن مات الاب أخذها من رأس المال، وإن كان دين حاص بها الغرماء. وقال ابن القاسم: هي له دون الغرماء إن فلس، وإن مات أخذها من رأس المال ولم يكن لاهل الدين فيها شئ، ولو قال بدل الجارية مائة دينار كانت أسوة الغرماء في الفلس والموت لانه ليس شيئا بعينه. ابن رشد: وقول ابن القاسم هو الصحيح لا قول ابن أبي حازم، ومعناه إذا وجبت له الهبة بالتزويج قبل أن يتداين الاب. انتهى باختصار. ص: (وبطلت إن تأخر لدين محيط) ش: يعني أن الهبة تبطل إذا تأخر الحوز حتى أحاط الدين بمال الواهب، وظاهره ولو كان الدين حادثا بعد الهبة وهو أحد القولين وعليه اقتصر ابن الحاجب. ص: (أو أرسلها) ش: تصوره ظاهر. تنبيه: من بعث مالا يشتري به ثوبا لزوجته فإن لم يبتله لها بالبينة أو يشهد لها فهي عدة له أن يرجع فيها. قاله ابن رشد في آخر سماع أصبغ من كتاب الزكاة الاول.

[ 15 ]

مسألة: من تصدق على رجل بمائة دينار وكتب له كتابا لوكيله ليدفعها إليه فقدم على الوكيل بالكتاب ودفع إليه منها خمسين، وقال اذهب سأدفع إليك الخمسين الباقية اليوم أو غدا، فمات المتصدق قبل أن يقبض المتصدق عليه الخمسين الباقية من الوكيل قال: لا شئ له منها إذا لم يقبضها حتى مات المتصدق، وليس له أكثر من الخمسين الذي قبض لان التوكيل بمنزلته. ابن رشد: هذا بين لان يد الوكيل كيد موكله. ص: (أو باع واهب قبل علم الموهوب) ش: صوابه كما قال ابن غازي لا إن باع واهب حتى يوافق ما في المدونة والله أعلم. وحكم الصدقة كالهبة فإذا باع المتصدق ما تصدق به قبل علم المتصدق عليه لم تبطل الصدقة، ويخير المتصدق عليه في نقض البيع وإجازته لانه بيع فضولي كما أن للموهوب له إذا باع الواهب ما وهبه قبل علم الموهوب له لم تبطل الهبة ويخير الموهوب له في رده وإجازته.

[ 16 ]

وأما إن باع الواهب أو المتصدق بعد علم الموهوب له أو المتصدق عليه فالبيع ماض والثمن للمعطى - رويت بفتح الطاء وكسرها - وإلى ذلك أشار المصنف بقوله وإلا فالثمن للمعطى

[ 17 ]

- رويت بفتح الطاء وكسرها - والمسألة مفروضة في المدونة في الصدقة، وفرضها ابن الحاجب في الهبة فدل على أنه لا فرق بينهما. تنبيه: إذا علم الموهوب له بالهبة ولم يفرط حتى عاجله الواهب بالبيع فله رده. نقله في التوضيح عن ابن يونس. ص: (ولا إن رجعت إليه بعده الخ) ش: يعني أن الرقبة الموهوبة إذا رجعت إلى الواهب بعد أن حازها الموهوب له وكان رجوعها إلى الواهب عن قرب، ورجوعها إلى الواهب بأن يكون أجرها من الموهوب له أي استأجرها منه، أو بأن يكون الواهب أرفق بها أي أرفق الموهوب الواهب بالرقبة الموهوبة يريد أو أعمره إياها، فإن ذلك كله يبطل الهبة. قال في التوضيح: باتفاق لما دلت عليه القرينة أن ذلك تحميل إسقاط الحيازة، وهكذا صرح الباجي

[ 18 ]

وغيره بالاتفاق انتهى. وقوله بخلاف سنة يعني أن رجوع الرقبة الموهوبة إلى الواهب بعد أن حازها الموهوب له سنة لا تبطل الهبة لان السنة طول وقيل الطول سنتان. قاله في التوضيح. وما مشى عليه المؤلف من أنها إذا عادت إليه بعد الطول الذي جعله سنة لا يبطل الهبة هو أحد القولين ذكرهما ابن الحاجب من غير ترجيح، لكن قال في التوضيح عن ابن عبد السلام: إن أقرب القولين أن ذلك لا يضر. قال: وهو الذي رواه محمد عن مالك وأصحابه انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن سهل في كتاب الصدقات والهبات: سأل ابن دحون القاضي ابن زرب عمن وهبت له دار ثم أعمرها الواهب بعد أشهر يسيرة لا يكون مثلها حيازة، ثم علم أن ذلك مما يبطل هبته فأراد إبطال العمرى وقبض الدار فأطرق القاضي فيها حينا ثم قال: إن كان الموهوب له ممن يرى أنه يعلم أن العمرى إبطال الهبة فقد لزمه ما صنع وبطلت هبته، وإن كان ممن يرى أنه لا يعلم أن العمرى إبطال للهبة في ذلك انفسخت العمرى ورجع الموهوب له إلى الدار وقبضها من الواهب انتهى.

[ 19 ]

الثاني: ما ذكره المؤلف محله ما إذا كان الموهوب له يحوز لنفسه، يدل على ذلك قول المؤلف آجرها أو أرفق بها. قال في التوضيح: وأما إن كان صغيرا فحاز عليه الاب أو غيره ثم رجع الاب إليها قبل أن يكبر ويحوز لنفسه سنة فهل باطلة. محمد: لا يختلف في ذلك مالك وأصحابه. والفرق بين الصغير والكبير أن الكبير يتصور منه منع الاب من الرجوع في الهبة فلا يعد رجوعه رجوعا في الهبة، والصغير لا يقدر على ذلك فيعد رجوعه رجوعا في الهبة انتهى. الثالث: ما تقدم من الاتفاق على بطلانها إذا رجع إليها الواهب. قال في التوضيح: فذلك إذا سكنها الاب وحده، وأما إن سكن فيها مع الولد فظاهر قول مالك أيضا البطلان. وحكى أبو محمد في كتاب الاختلاف عن ابن حبيب أنها لا تبطل لانه إنما سكن بحضانته لهم انتهى. الرابع: قوله أو أرفق بها هو ماض مبني للمفعول من باب الافعال والله أعلم. ص: (وهبة زوجة دار سكناها لزوجها لا العكس) ش: قال ابن عرفة: ابن سهل: خاض أهل مجلس ابن زرب في صحة حوز الزوجة دارا تصدق بها زوجها عليها لسكناها معه. قال جلهم: حوز وأنكره ابن زرب لسكني الزوج قالوا: فما تقول ؟ قال: هي مشتبهة وتوقف. قال ابن سهل: فيه دليل عدم الاجتهاد لعزوب هذه عندهم مع نصها في سماع عيسى، فينبغي أن لا يغفل عن درس المسائل فآفة العلم النسيان. وحكي عن أبي عمر الاشبيلي أنه لا يبقى مع الحافظ آخر عمره إلا معرفة موضع المسائل وما هي بمنزلة كبيرة لمن كان بهذه المنزلة في العلم، ولم يكن كما ذكر عن بعض من اتسم بالفتيا أنه طلب باب الحضانة في باب طلاق السنة فلم

[ 20 ]

يجده فرمى بالكتاب في محرابه وهذا هو الموجود في وقتنا انتهى. وقال قبله عن ابن سهل: ولو تركت الدرس عامين لنسيت ما هو أظهر من هذا، يشير إلى مسألة ذكرها، قال ابن عرفة: يؤخذ منه أنه ينبغي لمن ابتلي بالفتوى أن لا يترك ختم التهذيب مرة في العام، وكذا كنت أفهم مما ذكر عن بعض شيوخنا. وذكر القاضي تقي الدين الفاسي في ترجمة الوانوغي عن الوانوغي أنه كان يقول: كان ابن عبد السلام يقول: من لا يختم المدونة في كل سنة لا يحل له الفتوى منها انتهى. ص: (إلا ما لا يعرف بعينه ولو ختم) ش: هذا قول ابن القاسم ورواية المصريين عنه. قال المتيطي: وبه الحكم وعليه العمل وعليه اقتصر في الارشاد. وقال في الشامل: إنه الاصح. وقال الشيخ داود في شرح الرسالة: إنه المشهور وبه أفتى ابن رشد ذكره في نوازله من مسائل الهبات. وقال الرجراجي في القول الثاني: إنه الاظهر. قال ابن رشد في الاجوبة في مسائل الهبات: والصدقة بالعين - على الصغير لا تصح إلا أن يخرجها المتصدق من ماله ويضعها على يد من يحوزها له بمعاينة الشهود لذلك، فإذا لم يكن إلا إقرار الاب أن الام تصدقت على ابنتها بمائة دينار وتسلفها الاب منها وتصديق الام له على ذلك، اتهم الاب في أن يكون أراد أن يولج إليها ذلك من ماله بعد وفاته، فلا يصح ذلك إلا بمعاينة الشهود على الصدقة بدفع المال إلى الاب ليحوزه للابنة عن الام انتهى. وأما لو دفعتها لغير الاب فإنه يكون شاهدا. ص:

[ 21 ]

(وجازت العمرى كأعمرتك) ش: قال ابن عرفة: العمرى تمليك منفعة حياة المعطي بغير عوض إنشاء، فيخرج الحكم باستحقاقها ويصدق عليها قبل حوزها لانه قبله عمرى، وكذا بقية الانواع. وحكمها الندب لذاتها ويتعذر وجوب عروضها لا كراهتها أو تحريمها. الصيغة الباجي:

[ 22 ]

ما دل على هبة المنفعة دون الرقبة كأسكنتك هذه الدار عمرك أو وهبتك سكناها عمرك انتهى. قال في أواخر كتاب الهبات من المدونة: ومن قال قد أعمرتك هذه الدار حياتك أو قال هذه الدابة أو هذا العبد جاز ذلك، وترجع بعد موته إلى الذي أعمرها أو إلى ورثته. ثم قال: ومن قال داري هذه لك صدقة سكنى فإنما له السكنى دون رقبتها، وإن قال له قد أسكنتك هذه الدار وعقبك من بعدك أو قال هذه الدار لك ولعقبك سكنى، فإنها ترجع إليه ملكا بعد انقراضهم، فإن مات فإلى أولى الناس به يوم مات أو إلى ورثتهم لانهم هم ورثته انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذلك: قال الباجي في المجموعة والموازية ابن القاسم وأشهب: من قيل له هي لك صدقة سكنى فليس له إلا سكناها دون رقبتها. محمد: حياته انتهى.

[ 23 ]

تنبيه: إذا قال أعمرتك ولم يقل حياتك أو حياتي ولم يضرب لها أجلا فهي عمرى، وكذلك أسكنتك. قال اللخمي في أواخر العارية: فصل: وقد أتت هبات متقاربة اللفظ مختلفة الاحكام حمل بعضها على هبة الرقاب وبعضها على هبة المنافع وهو أن يقول كسوتك هذا الثوب، وأخدمتك هذا العبد، وحملتك على هذا البعير. وأسكنتك هذه الدار، وأعمرتك، فحمل قوله: أعمرتك وأسكنتك وأخدمتك على أنها هبة منافع حيا المخدم والمسكن والمعمر، وقوله: كسوتك هذا الثوب أو حملتك على هذا البعير أو الفرس على هبة الرقاب. ثم قال: والعمرى ثلاثة: مقيدة بأجل أو حياة المعمر، ومطلقة ومعقبة. فإن كانت مقيدة بأجل فقال أعمرتك هذه الدار سنة أو عشرا أو حياتي أو حياتك كانت على ما أعطى، وإن أطلق ولم يقيد كان محمله على عمر المعطى حتى يقول عمري أو حياتي، وإن عقبها فقال أعمرتكها أنت وعقبك لم ترجع إليه إلا أن ينقرض العقب انتهى. وقال ابن جزي في القوانين: العمرى جائزة إجماعا وهي أن يقول أعمرتك داري وضيعتي أو أسكنتك أو وهبت لك سكناها أو استغلالها فهو قد وهب له منفعتها فينتفع بها حياته، فإذا مات رجعت إلى ربها. وإن قال لك ولعقبك فإذا انقرض عقبه رجعت إلى ربها أو إلى ورثته انتهى. وقال اللخمي قبل كلامه المتقدم: وإن قال أذنت لك أن تسكن داري أو تزرع أرضي أو تركب دابتي أو تلبس ثوبي كان عارية، وتجري على ما تقدم من العارية إذا ضر ب لها أجلا أو لم يضرب انتهى. وقال ابن عرفة في آخر كتاب العارية: المخدم ذو رق وهب مالك خدمته إياها لغيره فيدخل المدبر والجزء من العبد لا المكاتب وأم الولد وهو أحد أنواع العارية إن لم يخرج ربه عن ملك رقبته بعتق أو ملك ثم تكلم على نفقته، وقال في النوادر في كتاب الخدمة من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن وهب خدمة عبده لرجل ولم يوقت، فأما في الوصية فله خدمة العبد حياة المخدم لانه أوصى له بخدمته ولم يتركها لورثته، وأما في الصحة فأسأله وأصدقه، فإن مات ولم يبين فلا شئ

[ 24 ]

للمخدم فيه. قال أصبغ: له خدمته حياة المخدم. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي أن لا شئ له بخلاف من قال لرجل وهبت لك خدمة عبدي أو أخدمتك عبدي ومسألتك إنما هي أخدم فلانا انتهى. فرع: سئل ابن رشد عمن أعمرت أبويها دارا فمات أحدهما فقامت المعمرة تطلب نصف الدار، وهل الابوان والاجنبيان سواء أم لا ؟ فأجاب: إذا كانت المعمرة حية فهي مصدقة فيما تزعم من أنها أرادت أن يرجع إليها حظ من ما ت منهما لا إلى صاحبه، وإن ادعى الباقي منهما أنها نصت على أن الدار تبقى للآخر منهما لزمتها اليمين، ولو ماتت ولم يدر ما أرادت لتخرج ذلك على الاختلاف في الذي يحبس على معينين فيموت بعضهم هل يرجع إلى المحبس أو إلى من بقي منهم حتى يموتوا كلهم، ولا فرق بين هذا بين الابوين وغيرهم. انتهى من مسائل العمرى. وقال ابن بطال في أحكامه: قال ابن المواز: قال مالك وابن القاسم وابن وهب وأشهب فيمن حبس دارا أو حائطا على قوم فمات بعضهم: فإن ما كان للميت من ذلك يرجع على بقية أصحابه وكذلك في جميع الاحباس من غلة أو سكنى أو خدمة أو دنانير محبسة كان مرجع ذلك ا لحبس إلى صاحب ذلك الاصل أو إلى غيره أو إلى السبيل أو إلى الحرية. وهذا إذا كان مشاعا، فأما إن كان لكل واحد منهم يوم على حدة أو كيل مسمى أو سكنى معروف لكل واحد من أيام بعينها أو سكنى بعينه لكل واحد منهم سماه، فهذا من مات منهم يرجع نصيبه إلى صاحب الحبس إن جعل مرجع الحبس إليه أو إلى من جعل مرجعه إليه. قاله كله مالك. وقد قال أيضا خلافه إن لم يكن حبسا عليهم مشاعا. انظر بقية كلامه. وقال ابن رشد في نوازله فيمن نحل ابنه عند عقد نكاحه ثلث مستغل أملاكه حيثما كانت ولم يذكر حياة الناحل ولا المنحول له، ثم توفي الناحل بعد عشرة أعوام وكان المنحول له يستغلها، فقام سائر الورثة وقالوا: ليس لك بعد حياة أبيك شئ. وقال بعد ذلك لي حياتي. فأجاب: الذي أقول به في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم أن للمنحول ثلث غلة الاملاك ما بقيت وكان لها غلته طول حياته ولورثته بعد وفاته قياسا على قوله فيمن وهب لرجل خدمة عبده ولم يقل حياة المخدم ولا حياة العبد أن لورثة المخدم خدمة هذا العبد ما بقي إلا أن يستدل من. مقالته على أنه أراد حياة المخدم ويأتي على قول غيره أنه إنما للمخدم خدمة العبد حياة المخدم لا حياة العبد أن يكون للمنحول في مسألتك ثلث غلة الاملاك ما دام حيا، وأما أن يسقط حقه بموت الناحل فذلك ما لا يصح على قول قائل من أهل العلم وبالله التوفيق. انتهى من باب النحلة والسياقة من كتاب النكاح. ص: (وللاب اعتصارها من ولده) ش: قال أبو

[ 25 ]

الحسن: قال عياض: معنى الاعتصار الحبس والمنع، وقيل الارتجاع. قاله ابن الاعرابي، وكلاهما في ارتجاع الهبة صحيحا انتهى. وقال ابن عرفة: والاعتصار ارتجاع المعطي عطيته دون عوض لا بطوع المعطى. الصيغة ما دل عليه لفظا وفي لغو الدلالة عليه التزاما نقلا ابن عات عن بعض فقهاء الشورى وابن ورد. قال بعض فقهاء الشورى: من شرط في هبة ابنه الصغير الاعتصار ثم باعها باسم نفسه ومات فقيمتها لابنه في ماله، وليس ذلك اعتصارا إلا أن يشهد عند بيعه أو قبله أن بيعه اعتصار، ولا يجوز اعتصارها بعد بيعها ولا يكون اعتصارها إلا بالاشهاد. وفي الاستغناء: رأيت لابن ورد ما ظاهره خلاف هذا قال: إن باع الاب مال ابنه ونسبه لنفسه وأفصح بذلك والمبيع لم يصر للابن إلا من قبل أبيه بهبة يجوز اعتصارها فيختلف في ذلك، والاظهر أنه بيع عداء يتعقبه حكم الاستحقاق. قلت: بالاول أفتى ابن الحاج في نوازله. انتهى كلام ابن عرفة. وقال ابن راشد في اللباب: الصيغة ما يدل على ذلك نحو اعتصرت ورددت، ثم ذكر بعض ما تقدم وهو أن بيعه لا يكون اعتصارا قال: ولا يجوز اعتصارها بعد البيع والثمن للولد ولا يكون اعتصار الابوين إلا بالاشهاد انتهى. انظر البرزلي في مسائل الهبة فقد أطال في ذلك والله أعلم. تنبيه: تكلم في أوائل سماع ابن القاسم من الصدقات والهبات على حكم ما إذا باع الاب ما تصدق به على ولده. وقال في شرح المسألة الرابعة منه: فإذا وهب لابنه الصغير دينا على رجل ثم اقتضاه منه بعد ذلك فهو كما قال بمنزلة العرض يتصدق به عليه ثم يبيعه بعد ذلك أن الثمن يكون للابن في ماله وبعد وفاته لان تنصيص العرض المتصدق به بالبيع كقبض الدين، وسواء باع العرض لابنه باسمه أو جهل ذلك فلم يعلم إن كان باع لنفسه أو لابنه. وأما إن باع ذلك لنفسه نصا على سبيل الرجوع فيها والاكل لها فالبيع مردود والصدقة جائزة، ويتبع المشتري الاب بالثمن في حياته وبعد وفاته وجده أو لم يجده، لان الصدقة قد كانت حيزت للابن. ولو كانت الصدقة دارا يسكنها الاب فباعها قبل أن يرحل عنها لنفسه استرجاعا لصدقته واستخلاصا لنفسه بطل البيع إن عثر عليه في حياته ومضت الصدقة للابن، وإن لم يعثر على ذلك حتى مات الاب بطلت الصدقة ولم يكن للابن فيها حق ولا في الثمن وصح البيع للمشتري والله أعلم انتهى. وانظر المتيطية في كتاب الصدقة. وقال في مفيد الحكام في كتاب العتق: ومن وهب عبدا لولده الصغير ثم أعتقه لم ينفذ عتقه فيه إلا أن يكون أبو الولد موسرا فيعطى الولد قيمة العبد وينفذ العتق وإلا فلا. وقد قيل: إن ذلك رجوع فيما وهب من العبد وليس عليه شئ، وهذا في الموضع الذي يجوز له فيه الرجوع في هبته انتهى. وقال في الذخيرة في كتاب الهبة: قال الابهري: وإذا تصدق على ولده بعبد فأعتقه وعوضه غيره مثله أو أدنى جاز إن كان في ولايته لشبهة الولاء وشبهته في ماله، فإن كان كبيرا امتنع ويمتنع ذلك

[ 26 ]

من الوصي لعدم الشبهة بالمال انتهى. وسئلت عن رجل ملك ولده بئرا أو أرضا ثم بعد أربع سنين أوقف جميع أملاكه على أولاده وأدخل في ذلك الارض والبئر التي أوقفها على ولده أولا، فأجبت بأنه إن كان الولد كبيرا وحاز ما ملكه أبوه أو صغيرا وأشهد أبوه أنه حاز له فالتمليك صحيح، ولا يبطله الوقف الذي بعده إلا أن يشهد الاب أنه رجع فيما ملكه لولده قبل الوقفية إن كان الولد كبيرا ولم يحز أو صغيرا ولم يحز الاب له حتى أوقفه فالوقف صحيح والتمليك باطل إلا أن يحكم به حاكم لا يشترط الحيازة، وهو على القول الراجح أن الاعتصار لا يكون إلا بالقول ولا يكون بالعتق، وبذلك أفتى القاضي أبو القاسم المالكي الانصاري والله أعلم. ص: (كأم وهبت ذا أب) ش: يعني أن الام إذا وهبت لولدها، فإن كان له أب فلها أن تعتصر منه، وإن لم يكن له أب فلا تعتصر منه. وهذا إذا كان الولد صغيرا، وأما إن كان كبيرا فلها أن تعتصر منه كان له أب أو لم يكن. قال في المدونة: وللام أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة أبيه أو ولدها الكبير إلا أن ينكحا أو يتداينا، فإن لم يكن للصغير أب حين وهبته أو نحلته فليس لها أن تعتصر لانه يتيم ولا يعتصر من اليتيم ويعد كالصدقة. وإن وهبتهم وهم صغار لا أب لهم ثم بلغوا ولم يحدثوا في الهبة شيئا فليس لها أن تعتصر لانها وهبت في حال اليتم، وإن وهبتهم وهم صغار والاب مجنون جنونا مطبقا فهو كالصحيح في وجوب الاعتصار لها انتهى. وإلى هذا الاخير أشار المصنف

[ 27 ]

بقوله وإن مجنونا. ص: (إن لم يفت بحوالة سوق) ش: قال الشارح: ظاهره أن الهبة يفوت اعتصارها بحوالة السوق، والذي حكاه الباجي عن مطرف وعبد الملك وأصبغ أن ذلك غير مفيت. ابن راشد: ولا خلاف فيه انتهى. قلت: حكى في معين الحكام قولين في فوات الاعتصار بحوالة الاسواق، فيحتمل أن

[ 28 ]

يكون المصنف اعتمد القول بالافاتة فتأمله والله أعلم. ص: (وكره تملك صدقة بغير ميراث) ش: يريد بوجه من وجوه التمليك إلا بإرث وإن تداولتها الاملاك ولا يشتريها من فقير. واحترز بالصدقة من الهبة فإنه يجوز له أن يتملكها عل المشهور. قاله في التوضيح. ص: (ولا يركبها أو يأكل غلتها) ش: انظر هل النهي على المنع أو الكراهة ؟ وظاهر المدونة المنع. قال في كتاب الصدقة: ومن تصدق على أجنبي بصدقة لم يجز أن يأكل من ثمرتها ولا يركبها إن كانت دابة ولا ينتفع بشئ منها انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ولا يأكل من ثمرتها ولا يركبها يعني إذا تصدق بحائط فلا يأكل ثمرته، وإذا تصدق بدابة فلا ينتفع بركوبها وفي ذلك قولان، أشهرهما الجواز لحديث العرايا. وقال عبد الملك: لا ينتفع بذلك. خليل: وفيه نظر، لان الجواز خلاف ظاهر المدونة انتهى. قلت: إن حمل الجواز على أن المراد به المباح فهو مشكل كما ذكره لان لفظ المدونة لا أقل أن يحمل على الكراهة، ولا حجة في حديث العرايا لانهم قد صرحوا بأنه مستثنى من

[ 29 ]

شراء ما تصدق به للضرورة. وإن أريد بالجواز ما يعم المكروه فلا إشكال وكان مقابله أعني قول عبد الملك يقول بالمنع كما هو ظاهر لفظه. تنبيه: قال في التوضيح: قوله ولا يأكل من ثمرتها ظاهره لا ينتفع بها مطلقا. وفي الرسالة: لا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به. أبو الحسن: ظاهره خلاف المدونة. وفي المعونة: إلا أن يشرب من ألبان الغنم يسيرا أو يركب الفرس الذي جعله في السبيل وما أشبه ذلك مما يقل خطره. وقيل: معنى ما في الرسالة إذا كان بحيث لا ثمن له. وقيل: محمل ما في الرسالة على ما ذكره ابن المواز وقد تقدم انتهى. يشير إلى قوله. قال ابن المواز: للرجل أن يأكل من لحم غنم تصدق بها على ابنه ويشرب من لبنها ويكتسي في صوفها إذا رضي الولد، وكذلك الام. محمد: وهذا في الولد الكبير، وأما الصغير فلا يفعل. قاله مالك. وإلى هذا أشار المصنف بقوله وهل إلا أن يرضى الابن الكبير بشرب اللبن تأويلان إلا أن ظاهر كلام المصنف تخصيصه باللبن وقد علمت أنه غير خاص به والله أعلم. ص: (وجاز شرط الثواب) ش: يعني أن الهبة تجوز بشرط الثواب وسواء عين الواهب الثواب الذي يريد أم لا ؟ أما إذا عينه فقالوا إنها جائزة وهي حينئذ من البيوع. قال في التوضيح: كما لو قال أهبها لك بمائة دينار

[ 30 ]

ويشترط في ذلك شروط البيع انتهى. ولم يذكروا في ذلك خلافا. وأما إن شرط الواهب الثواب ولم يعينه فأجاز ذلك ابن القاسم في المدونة وقاله أصبغ، ومنعه ابن الماجشون لانه كبيع سلعة بقيمتها. الباجي: والاول أولى انتهى. وقال ابن عرفة: وهبة الثواب عطية قصد بها عوض مالي، وفي شرطها بغير لفظ البيع قولان ذكرا في فصل شرط العوض فيها انتهى. قلت: كذا في النسخ التي رأيتها قولان ذكرا، والذي يظهر أن حق العبارة أن يقول قولان يذكران فإن فصل العوض متأخر عن كلامه هذا. والذي رأيته في كلامه بعد البحث عنه في مظانه من البيوع وغيرها قوله في فصل شرط العوض في هبة الثواب في أواخر كتاب الهبة وفي ترجمة بيع الغرر من المنتقى: لو قال بعتك السلعة بما شئت ثم سخط ما أعطاه قال ابن القاسم: إن أعطاه القيمة لزمه. محمد: معناه إن فاتت. فحمله ابن القاسم على المكارمة كهبة الثواب، واعتبر محمد لفظ البيع انتهى. ص: (ولزم بتعيينه) ش: يعني أن الموهوب له إذا عين الثواب لزمه تسليمه للواهب وليس له الرجوع فيه ولو لم يقبضه الواهب. قاله ابن شاس

[ 31 ]

وابن الحاجب. قال في التوضيح: لانه التزمه بتعيينه. ونقله ابن عرفة عن ابن شاس وقال بعده: هذا ضروري كتب عقد الخيار انتهى. ص: (في غير المسكوك) ش: أي فلا ثواب فيه. قال في المدونة: ولو رأى أنه وهبه للثواب إلا بشرط وثوابه عرض أو طعام. نقله في التوضيح. ومثل المسكوك السبائك والحلي والمكسر على الاصح بخلاف الحلي الصحيح على الاصح. ص: (وهبة أحد الزوجين للآخر) ش: وكذا الاب وولده. قال في المدونة: إلا أن يظهر ابتغاء الثواب بينهم انتهى. فمسألة الزوجين والاقارب ليست كمسألة المسكوك ومسألة السبائك والحلي فإنه لا ثواب فيهما ولو فهم ذلك بخلاف مسألة الزوجين فإنه إذا دلت القرينة على إرادة الثواب حكم به فهي إنما تخالف هبة الثواب بين الاجانب في كونها لا يحكم فيها بالثواب إلا بقرينة، وهبة الاجانب يحكم فيها بالثواب إلا إذا قامت القرينة على عدم الثواب. ص: (ولقادم) ش: أطلق فيه رحمه الله وهو مقيد في المدونة وغيها بما يهدي له من الطعام والفاكهة ونحو ذلك والله أعلم. مسألة: في حكم هبة الطعام للثواب قال في المدخل في آخر فصل آداب الاكل: وينبغي له أن يتحفظ من هذه العادة المذمومة التي أحدثت وهي أن يهدي أحد الاقارب أو الجيران

[ 32 ]

طعاما فلا يمكن المهدى إليه أن يرد الوعاء فارغا حتى يرده بطعام، وكذلك المهدي إن رجع إليه الوعاء فارغا وجد على فاعل ذلك وكان سببا لترك المهاداة بينهما ولسان العلم يمنع من ذلك كله لانه يدخله بيع الطعام بالطعام غير يد ليد، ويدخله أيضا بيع الطعام بالطعام متفاضلا ويدخله الجهالة. فإن قيل: ليس هذا من باب البياعات وإنما هو من باب الهدايا وقد سومح فيها. فالجواب: هو مسلم لو مشوا فيه على مقتضى الهدايا الشرعية لكنهم يفعلون ضد ذلك لطلبهم العوض، فإن الدافع يتشوق له والمدفوع إليه يحرص على المكافأة فخرج بالمشاحة من باب الهدايا إلى باب البياعات، وإذا كان كذلك فيعتبر فيه ما تقدم ذكره انتهى. وانظر الابي في كتاب الهبات والله أعلم. ص: (ولزم واهبها لا الموهوب له القيمة إلا لفوت بزيد أو نقص) ش: يعني أن الواهب يلزمه قبول القيمة إذا دفعها الموهوب له ولا يلزم الموهوب له دفع القيمة إلا أن تفوت الهبة عنده بزيادة أو نقصان. تنبيه: لم يذكر المصنف بما يلزم الواهب قبول القيمة، هل بمجرد الهبة أو القبض، بل قد يتبادر أنه يلزمه قبول القيمة بمجرد عقد الهبة وهو أحد الاقوال، والمشهور أنه يلزمه ذلك بقبض الموهوب لها. قاله في التوضيح وقاله ابن عرفة. فرع: إذا أثاب الموهوب له في هبة الثواب أكثر من القيمة وامتنع الواهب أن يقبل إلا القيمة، فليس له ذلك ويجبر على أخذ ما أعطاه الموهوب. انظر المشذالي في آخر كتاب الهبات.

[ 33 ]

فائدة: قال في آخر مسائل الصدقة والهبة من البرزلي قبل آخرها بنحو الخمس ورقات: ابن عات عن الاستغناء: ليس على الفقهاء أن يشهدوا بين الناس ولا أن يضيفوا أحدا ولا أن يكافؤا عن الهدايا، وحكى ذلك عن مالك. وكذا السلطان لا يكافئ ولا يكافأ. وقد ذكر المتيطي هذا عن سعد المعافري عن مالك في أول كتاب الشهادات قال: ليس على الفقيه من مكافأة ولا ضيافة أحد ولا شهادة بين اثنين انتهى. وقال ابن فرحون في الديباح المذهب فيمن اسمه سعيد: وسعيد بن عبد الله بن سعد المعافري أبو عمر، وقيل أبو محمد، وقيل أبو عثمان، من كبار أصحاب مالك، سمع منه ابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم، وبه تفقه ابن وهب وابن القاسم وهو ثقة فاضل مأمون توفي بالاسكندرية سنة ثلاث وسبعين ومائة. مسألة: ذكر سعد هذا عن مالك قال: ليس على الفقيه ضيافة ولا مكافأة يريد عن هدية ولا شهادة بين اثنين انتهى. والظاهر أن ذكره فيمن اسمه سعيد سهو فإن كلام المتيطي المتقدم وكلام أبي الحسن وكلام المدارك أنه سعد، بل في آخر كلام ابن فرحون المذكور أنه سعد حيث قال: مسألة ذكر سعد ونص كلام أبي الحسن الصغير في كتاب العتق الثاني في مسألة من أعتق جنينا في بطن أمه لما ذكر قول مالك أنها تباع في الدين سواء كان الدين قبل العتق أو بعده ما نصه: وخالف سعد المعافري شيخه فقال: لا تباع حتى تضع إذا كان الدين لاحقا انتهى. وقال في المدارك في ترجمته: أبو محمد، وقيل أبو عثمان سعد بن عبد الله المعافري من كبار أصحاب مالك، سمع منه ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن بكير، وهو الرابع عشر من الطبقة الاولى من أصحاب مالك المصريين. وقال في آخر ترجمته: قال سعد عن مالك: ليس على الفقيه ضيافة ولا مكافأة يريد عن هدية ولا شهادة بين اثنين انتهى. وفي بعض نسخ المدارك إسقاط المعافري واستفيد من النصوص المذكورة أنه معافري والمعافري بفتح الميم وكسر الفاء نسبة إلى المعافر بن يعفر بن مالك. قال ابن الاثير في كتاب الانساب: ينسب إليه أكثر عامتهم بمصر انتهى. وقد أنشدني بعض أصحابنا عن الشيخ العلامة ابن غازي عن شيخه الامام القدوة أبي عبد الله محمد القوري أنه أنشده لما تكلم معه في هذه المسألة ما نصه: ليس على الفقيه من ضيافه ولا شهادة ولا مكافه ذكر ذا نصا عن المدارك عن سعد المعافري عن مالك والله تعالى أعلم. فائدة: قال في تخريج أحاديث الاحياء حديث من أهدي له هدية

[ 34 ]

وعنده قوم فهم شركاؤه فيها العقيلي وابن حبان في الضعفاء والطبراني في الاوسط والبيهقي من حديث ابن عباس. قال العقيلي: لا يصح في هذا المتن حديث. ص: (وإن معيبا) ش: هو من العيب كما قال ابن غازي وعكسه في المدونة أيضا. قال في كتاب الهبات منها: وإذا وجد الموهوب له بالهبة عيبا فله رده وأخذ العوض ثم قال: وإن وجد الواهب إلى آخر ما ذكره ابن غازي. وانظر أبا الحسن الصغير. وانظر المنتقى في الكلام على الرد بالعيب فإنه ذكر فيه حكم ما إذا اطلع في هبة الثواب على عيب هل يرده والله أعلم.

[ 35 ]

باب في بيان اللقطة والضالة والآبقة واللقيط ش: كلام الشارح في ضبطها فيه خلل وهي بضم اللام وفتح القاف هكذا ضبطها الاكثر وعليه استعمال الفقهاء وهو خلاف القياس، وبعضهم أنكر فتح القاف وزعم أنها بالسكون على الاصل وبعضهم رواها بالوجهين منهم ابن الاثير وقال: الفتح أصح. ومنهم ابن العربي وقال: السكون أولى والله أعلم. ص: (مال معصوم عرض للضياع) ش: الظاهر أن ضالة الابل داخلة في هذا التعريف وهي ليست لقطة وكذلك الآبق. وقال في الذخيرة: لا يسمى لقطة ولا تجري عليه أحكام اللقطة ولذا حدها ابن عرفة بأنها مال وجد بغير حرز محترما ليس حيوانا ناطقا ولا نعما فيخرج الركاز وما بأرض الحرب، وتدخل الدجاجة وحمام الدور لا السمكة تقع في السفينة وهي لمن وقعت إليه. قاله ابن عات عن الشعباني. والاظهر في السمكة إن كانت بحيث لو لم يأخذها من سقطت إليه نجت بنفسها لقوة حركتها وقرب محل سقوطها في ماء البحر فهو كما قال ابن شعبان في زاهيه وإلا فهي لرب السفينة. واعلم أن حده غير مانع لدخول التمر المعلق فيه وليس لقطة، فقول الجماعة معرض للضياع أحسن فتأمله والله أعلم. وحد الالتقاط قال ابن عرفة: هو أخذ مال ضائع ليعرفه سنة ثم يتصدق به أو

[ 36 ]

يتملكه إن لم يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر المالك انتهى. ص: (وفرسا وحمارا) ش: يريد وغير ذلك مما يصح لقطته. قال في لقطتها: ومن التقط دنانير أو دراهم أو حليا مصوغا أو عروضا أو شيئا من متاع أهل الاسلام فليعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا لم آمره بأكلها كثرت أو قلت، درهما فصاعدا إلا أن يحب أن يتصدق بها، ويخير صاحبها إن جاء أن يكون له ثوابها أو يغرمها له فعل، وأكره أن يتصدق بها قبل السنة إلا أن يكون الشئ التافه انتهى. وقوله وليعرفها سنة يأتي الكلام عليه في محله، وكذا لم آمره بأكلها. وفي كتاب الضحايا من المدونة: ولا يصاد حمام الابرجة ومن صاد منها شيئا رده أو عرف به إن لم يعرف ربه ولا يأكله، وإن دخل حمام برج لرجل في برج لآخر ردها إلى ربها إن قدر وإلا فلا شئ عليه. ومن وضع أجباحا في جبل فله ما دخلها من النحل، ومن صاد طائرا في رجليه سباقان أو ظبيا في أذنيه قرطان أو في عنقه قلادة عرف بذلك ثم ينظر، فإن كان هروبه ليس بهروب انقطاع ولا توحش رده وما وجد عليه لربه، وإن كان هروبه هروب انقطاع وتوحش فالصيد خاصة لصائده دون ما عليه. فإن قال ربه ند مني منذ يومين وقال الصائد لا أدري متى ند منك، فعلى ربه البينة والصائد مصدق انتهى. وانظر قوله فإن كان هروبه ليس بهروب انقطاع إلى آخره فهل يجب تعريفه في هذه الصورة كاللقطة وهو الظاهر فتأمله. وقال في آخر كتاب الجامع من البيان: ما أوى إلى برج الرجل من حمام برج غيره فلم يعرفه بعينه أو عرفه ولم يقدر على أخذه، فلا بأس عليه فيه وإن عرف صاحبه. هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، واختلف إذا علمه وقدر على أخذه ولم يعرف صاحبه، وظاهر قوله في هذه الرواية أنه لا شئ عليه فيه وهو دليل قول ابن كنانة ونص قول ابن حبيب في الواضحة. وقد قيل: إنه يعرفه كاللقطة ولا يأكله وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم، حكى فضل عنه أنه قال: لا ينصب لشئ من حمام الابرجة ولا يرمى ومن صاد منه شيئا فعليه أن يرده أو يعرفه ولا يأكله، وحكم أفراخها إذا عرف عشها حكم ما عرفه وقدر على أخذه، فإن عرف صاحبه رده إليه، وإن لم يعرفه فعلى ما تقدم من الاختلاف انتهى. وانظر ما حكاه عن فضل فإنه نص المدونة وهذا ما تيسر جمعه الآن والله أعلم. ص: (ورد بمعرفة مشدود فيه وبه) ش: قال ابن الحاجب: ويجب ردها بالبينة أو بالاخبار بصفتها من نحو عفاصها ووكائها وهما المشدود فيه وبه. قال في التوضيح:

[ 37 ]

أما ردها بالبينة فلا خلاف فيه ويجب أيضا ردها عندنا بالاخبار بصفتها من نحو العفاص والوكاء للحديث، ثم فسرهما بقوله وهما المشدود فيه وبه فالاول للاول والثاني للثاني، وهذا هو المعلوم في اللغة وعليه أكثر الفقهاء، بل نقل صاحب الاستذكار الاجماع عليه. ونقل الباجي عن أشهب عكسه. والوكاء ممدود، وقيل مقصور. قيل: وهو غلط. وأشار بقوله نحو عفاصها إلى أن ما لا عفاص له ولا وكاء من اللقطة يدفع بالاخبار بصفاته الخاصة المحصلة للظن انتهى. ثم قال ابن الحاجب: وفي اعتبار عدد الدنانير والدراهم قولان. قال في التوضيح: القول الاول باعتباره لابن القاسم، والاخير لاصبغ، والاول أظهر. ثم قال ابن الحاجب: ويكتفي ببعض الصفات المغلية للظن على الاصح ويستأنى في الواحدة. قال في التوضيح: أي يكتفى ببعض الصفات اثنين فصاعدا، دل على ذلك قوله ويستأنى في الواحدة والاصح لاشهب قال: إن عرف وصفين ولم يعرف الثالث دفع له، ومقابله لابن عبد الحكم قال: لو وصف تسعة أعشار الصفة وأخطأ العشر لم يعطها إلا في معنى واحد، أن يذكر عددا فيصاب

[ 38 ]

أقل منه لاحتمال أن يكون قد اغتيل فيه انتهى. وهذا أيضا يستفاد من قول المصنف بعد واستؤني في الواحدة إن جهل غيرها لا غلط على الاظهر. وفي الشامل: ودفع لمن عرف وصفين دون ثالث. وقيل: إن أخطأ واحدا من عشرة لم يعطه إلا في عدد يوجد أقل، ولو عرف واحدا من عفاص ووكاء فثالثها الاظهر لا شئ له إن غلط في الآخر واستؤني به في الجهل، ولو أخطأ في وصفه ثم أصاب لم يعطه ولا يضره الغلط في زيادة العدد إن عرف العفاص والوكاء وفي نقصه قولان انتهى. مسألة: قال في النوادر: باب في الصبي الصغير تدعي أمه أنه التقط دنانير. ومن كتاب سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في امرأة أتت بابن لها صغير معه أربعة دنانير فزعمت أنه التقطها من الطريق في غير صرة فرفعتها على أيدي أناس فأتى من ادعاها ووصف سكة بعض الدنانير ولم يصف البعض فكتب إليه: الام مقرة بأن الصبي أصابها فليس لها أن تقر على غيرها، فأرى الدنانير للصبي، وما كان من لقطة معروفة فوصف المدعي لها بعضا ولم يصف بعضا فلا شئ له. ص: (ووجب أخذه لخوف خائن إلى قوله على الاحسن) ش: حاصل ما ذكره المؤلف أنه إن خاف عليها أن يأخذها خائن وجب عليه الالتقاط إلا أن يعلم من نفسه هو الخيانة فيحرم، سواء خشي عليها أن يأخذها خائن أو لم يخش وإلا كره أي وإن لم يخف عليها خائنا ولا علم من نفسه الخيانة فيكره له الالتقاط على الاحسن. هذا حل كلامه وفيه أبحاث: الاول: كلامه يقتضي أنه إذا لم يتحقق من نفسه الامانة ولا الخيانة وخاف عليها الخونة وجب عليه الالتقاط، وهو مخالف لما قاله ابن الحاجب وقرره المصنف في التوضيح من أن الذي لا يتحقق من نفسه يكره له الالتقاط وإنما جعل وجوب الالتقاط إذا تحقق من نفسه

[ 39 ]

الامانة وخاف عليها الخونة فتأمل ذلك. الثاني: نقل في التوضيح في القسم المكروه في كلام المؤلف الذي فيه الاحسن ومقابله وهو ما إذا لم يخف عليها الخيانة وعلم من نفسه الامانة أن ابن رشد قيد الخلاف بأن يكون الامام عدلا، فإن كان غير عدل فالاختيار أن لا يأخذها اتفاقا. وكذا قيد قسم الوجوب وهي ما إذا كانت بين قوم غير مأمونين بكون الامام عدلا لا يخشى أن يأخذها إذا علم بها بتعريفه إياها. قاله في المقدمات. أما إذا كان غير عدل فقال: يخير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه من أحد الطرفين فتأمله. ونص كلام التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: والالتقاط حرام على من يعلم خيانة نفسه، ومكروه للخائف، وفي المأمون الكراهة والاستحباب فيما له بال، والوجوب إذا خاف عليها الخونة يعني أن حكم اللقطة يختلف بحسب حال الملتقط. وجعل يعني ابن الحاجب الاقسام ثلاثة: أولها أن يعلم من نفسه الخيانة فيكون التقاطها عليه حراما، وثانيها أن يخاف أن يستفزه الشيطان ولا يتحقق فيكون مكروها، وثالثها أن يثق بأمانة نفسه وقسم هذا إلى قسمين: الاول أن يكون بين ناس لا بأس بهم ولا يخاف عليها الخونة، والثاني أن يخافهم فإن خافهم وجب الالتقاط وحكى عليه الاتفاق، وإن لم يخف فثلاثة أقوال لمالك: الاستحباب والكراهة والاستحباب فيما له بال. وقيد ابن رشد هذا الخلاف بأن يكون الامام عدلا، وإن كان غير عدل وكانت بين قوم مأمونين فالاختيار أن لا يأخذها اتفاقا، وإن كانت بين قوم غير مأمونين فيخير بين أخذها وتركها انتهى. وزاد في المقدمات: وذلك بحسب ما يغلب على ظنه من أحد الخوفين انتهى. فهذا الاخير تقييد لما أطلقه المصنف في نقل قسم الوجوب، بل نقل القرافي عن اللخمي أنه يحرم أخذها إذا كان الامام غير مأمون إذا أنشدت أخذها انتهى. الثالث قوله على الاحسن فيه ترجيح القول بالكراهة وهو الذي اقتصر عليه في الشامل. تنبيهات: الاول: قال في المقدمات بعد أن ذكر الاقوال الثلاثة: وما قيدها به وهو أيضا أعني هذا الاختلاف فيما عدا لقطة الحاج لنهي رسول الله (ص) عنها، ومعنى نهيه عنها مخافة أن لا يجدها ربها لتفرق الحاج في بلدانهم المختلفة فتبقى في ضمانه فلا ينبغي لاحد أن يلتقط لقطة الحاج للنهي الوارد في ذلك عن النبي عليه السلام، فإن التقطها وجب عليه من تعريفها

[ 40 ]

ما يجب في سواها انتهى. وهذا والله أعلم في غير المحل الذي يجب فيه الالتقاط، بل صريح كلامه أنه في غير محل الوجوب لانه تقييد للثلاثة الاقوال وهي إنما هي في غير قسم الوجوب فهي داخلة في قول المؤلف وإلا كره إلا أن الكراهة فيها أقوى فتأمله والله أعلم. التنبيه: الثاني: قال ابن عبد السلام بعد أن حكى الاقوال الثلاثة: والاظهر إن كان مع القدرة على الحفظ أن يجب الالتقاط ولا يعد علمه بخيانة نفسه مانعا وأحرى خوفه ذلك لانه يجب عليه ترك الخيانة والحفظ للمال المعصوم. وقصارى الامر أن من يأمن على نفسه الخيانة فقد توجه عليه الخطاب بالحفظ وحده، ومن يعلم من نفسه الخيانة وجب عليه أمران: الحفظ وترك الخيانة. وبعد تسليم هذا فالاظهر من الاقوال الثلاثة الاستحباب أو الوجوب لو قيل به لوجوب إعانة المسلم عند الحاجة والقدرة على الاعانة. انتهى وكلامه حسن رحمه الله. التنبيه الثالث: قال في الذخيرة: كل فعل واجب أو مندوب لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق أو إزاحة الاذى عن الطريق فهو على الكفاية، وما تتكرر مصلحته بتكرره فهو على الاعيان كالصلاة والصوم. وقد تقدم بسط هذه القاعدة في مقدمة هذا الديوان. فعلى هذا يتجه الاخذ ووجوبه عند تعين هلاك المال، وعند تعين الهلاك بين الامناء يكون فرضا على الكفاية إذا خافوا غيرهم على اللقطة، ومندوبا في حق هذا المعين بخصوصه كما قلت في صلاة الجنازة وغيرها أصلها فرض على الكفاية وفظل هذا المصلى المخصوص يندب ابتداء، فإذا شرع اتصف بالوجوب. انتهى فتأمله. ص: (وتعريفه سنة الخ) ش: تصوره واضح.

[ 41 ]

تنبيهات: الاول: يجب التعريف عقب الالتقاط. قال ابن الحاجب: ويجب تعريفها سنة عقيبه. قال في التوضيح أي عقب الالتقاط، وظاهره لو أخر التعريف يضمن. وفي اللخمي: إن أمسكها سنة ولم يعرفها ثم عرفها فهلكت ضمنها انتهى. وينبغي أن لا يتقيد بالسنة اه‍. وقال ابن عبد السلام: والضمير من قوله عقيبه راجع إلى الالتقاط المفهوم من السياق ولا يؤخر التعريف فإن ذلك داعية إلى إياس ربها فلا يتعرض إلى طلبها، فإن ترك تعريفها حتى طال ضمنها. كذا قال بعض الشيوخ: نقلت كلامه على ما فهمت. انتهى. وفي معين الحكام. فرع: وإذا أمسك الملتقط اللقطة سنة ولم يعرفها ثم عرفها في الثانية فهلكت ضمنها، وكذلك إن هلكت في السنة الاولى ضمنها إذا تبين أن صاحبها من الموضع الذي وجدت فيه، وإن كان من غيره فغاب بقرب ضياعها ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه لم يضمن انتهى الثاني: قوله لا تافها مقابل لقوله تعريفه لا بقيد السنة ويعني أن التافه لا يعرف ولم يقل له أكله، لان إباحة الاكل لا تنافي سقوط الضمان كالكثير بعد السنة بخلاف عدم التعريف فإنه مناف للضمان ونحوه لابن عبد السلام. الثالث: جزم المؤلف بأن الكثير وما دونه من فوق التافه يعرف لسنة، أما الكثير فلا خلاف فيه، وأم ما دون الكثير وفوق التافه وهو المشار إليه بقوله كدلو، فحكى ابن الحاجب فيه قولين: تعريفه سنة وتعريفه أياما مظنة طلبه ورجح في التوضيح ونصه: قال ابن الحاجب: وأما ما فوقه من نحو مخلات ودلو فقيل يعرف أياما مظنة طلبه، وقيل سنة كالكثير. قوله فوقه أي فوق التافه ودون الكثير مما يشح به صاحبه ويطلبه. ابن رشد: ولا خلاف في وجوب تعريفه إلا أنه يختلف في حده، فقيل سنة كالذي له بال وهو ظاهر ورواية ابن القاسم في المدونة، وقيل لا يبلغ به الحول وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة أيضا ورودية عيسى عن ابن وهب في العتبية في مثل الدريهمات والدنانير أنه يعرف ذلك أياما. ابن عبد السلام: وتأول المدونة بعضهم على القول الاول من كلام المصنف وهو الذي عليه الاكثر من أهل

[ 42 ]

المذهب وغيرهم انتهي. فترك المؤلف القول الذي عليه الاكثر. ص: (بكباب مسجد) ش: قال في المدونة: وتعرف اللقطة حيث وجدها وعلى أبواب المساجد وحيث يظن أن ربها هناك أو خبره انتهى. وفي سماع أشهب من كتاب اللقطة: وسألته يعني مالكا عن تعريف اللقطة في المساجد فقال: لا أحب رفع الصوت في المساجد، وقد بلغني أن عمر بن الخطاب أمر أن تعرف اللقطة على أبواب المساجد، وأحب إلي أن لا تعرف في المساجد، ولو مشى هذا إلى الخلق في المساجد يخبرهم بالذي وجد ولا يرفع صوته لم أر بذلك بأسا انتهى. وقال ابن الحاجب في الجوامع والمساجد: قال في التوضيح: ظاهره أن التعريف يكون فيها ولعل ذلك مع خفض الصوت، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي في باب الجوامع والمساجد وهو أحسن لانه كذلك في المدونة وغيرها وللحديث انتهى. وفي التمهيد: التعريف عند جماعة الفقهاء فيما علمت لا يكون إلا في الاسواق وأبواب المساجد ومواضع العامة واجتماع الناس انتهى. ص: (أو بمن يثق به) ش: ابن عبد السلام: ولا ضمان عليه إن ضاعت إذا دفعها إلى مثله في الامانة انتهى. قاله في شرح قول ابن الحاجب وهي أمانة.

[ 43 ]

تنبيه: ويخير في دفعها إلى الامام إن كان عدلا. قاله في المدونة ونقله في التوضيح. ص: (ودفعت لحبر إن وجدت بقرية ذمة) ش: هذه المسألة في سماع موسى من كتاب اللقطة ونصه: وسئل مالك عن اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة فقال: تدفع إلى أحبارهم. قال ابن رشد: هذا قول فيه نظر، إذ في الامكان أن تكون لمسلم وإن كانت وجدت بين أهل الذمة فكان الاحتياط أن لا تدفع إلى أحبارهم إلا بعد التعريف بها استحسانا لغلبة الظن أنها لهم على غير قياس، فإذا دفعت إليهم بعد التعريف لها ثم جاء صاحبها غرموها له، وإنما كان يلزم أن تدفع ابتداء إلى أحبارهم لو تحقق أنها لاهل الذمة بيقين لا شك فيه مع أنهم يقولون إن من ديننا أن يكون حكم لقطة أهل ملتنا مصروفا إلينا، وأما إذا لم يتحقق ذلك فكان القياس أن لا تدفع إلى أحبارهم وتكون موقوفة أبدا وبالله التوفيق. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (أو التصدق) ش: قال في الطراز في باب إخراج زكاة الفطر في السفر في تعليل المسألة: ولانا نجوز للملتقط أن يتصدق باللقطة عن ربها ثم إنه إذا علم بها بعد ذلك ورضي جاز انتهى. فهذا هو المراد بالتصدق أن يتصدق بها عن ربها، وأما تصدقه بها عن نفسه فهو داخل في تملكه إياها والله أعلم. تنبيه: قال في المدونة: وأكره أن يتصدق بها قبل السنة إلا أن يكون الشئ التافه انتهى. قال أبو الحسن: الكراهة هنا على المنع لان الشرع لم يأذن له انتهى. ص: (أو التملك ولو بمكة) ش: تصوره واضح وعبارة ابن رشد قوية إذ قال بعد أن حكى الخلاف في تملك اللقطة: وهذا الاختلاف إنما هو فيما عدا لقطة مكة، فأما مكة فقد ورد النص فيها أنها لا تحل لقطتها إلا لمنشد، فلا يحل له استنفاقها بإجماع وعليه أن يعرفها أبدا وإن طال زمانها. انتهى. فتأمله.

[ 44 ]

فإنه مشكل والله أعلم. وفي الاكمال عن المازري عن مالك أن حكم اللقطة في سائر البلاد حكم واحد، وعند الشافعي أن لقطة مكة بخلاف غيرها. انتهى من كتاب الحج. تنبيه: قال النووي في شرح مسلم: وفي جميع أحاديث الباب دليل على أن التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا إذن سلطان وهذا مجمع عليه، وفيها أنه لا فرق بين الغني والفقير وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور والله أعلم انتهى. وفي التمهيد: أجمعوا على أن للفقير أن يأكلها بعد الحول وعليه الضمان. واختلفوا في الغني فقال مالك: أحب أن يتصدق بها بعد الحول ويضمنها. وقال ابن وهب قلت لمالك قال: إن شاء أمسكها وإن شاء تصدق بها وإن شاء استنفقها وإن شاء صاحبها أداها إليه. وقال الشافعي: يأكل اللقطة الغني والفقير بعد حول، وهذا تحصيل مذهب مالك وقوله انتهى. مسألة: قال في سماع ابن القاسم من كتاب اللقطة: وسئل مالك عن اللقطة يجدها الرجل فيعرفها سنة فلا يجد صاحبها فيستنفقها ثم يحضره الوفاة فيوصي بها ويترك دينا عليه ولا وفاء له كيف ترى ؟ قال: أرى أن يحاص الغرماء بها أهل الدين بقدر ما يصيبها. ابن رشد: هذا كما قال لان إقرار المديان بالدين عند مالك جائز لمن لا يتهم عليه كان إقراره في صحته أو مرضه، وإنما يفترق عند الصحة من المرض في رهنه وقضاء بعض غرمائه دون بعض وفي إقراره بالدين لمن يتهم عليه فلا يجوز شئ من ذلك في المرض. واختلف قوله في جواز ذلك في الصحة فمرة أجاز ذلك، ومرة لم يجزه، ومرة فرق فأجاز الرهن والقضاء ولم يجز الاقرار، ومرة أجاز القضاء خاصة ولم يجز الرهن ولا الاقرار. وأما إن أقر أنه استنفق اللقطة ولا دين عليه ولم يقم بذلك عليه حتى مات، فإن كان إقراره بذلك في صحته جاز ذلك من رأس ماله على ورثته، وإن كان إقراره في مرضه، فإن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس المال، وإن

[ 45 ]

أوصى أن يتصدق بها عن صاحبها أو توقف له واختلف إن كان يورث بكلالة فقيل: إنه إن أوصى أن توقف وتحبس حتى يأتي صاحبها جازت من رأس المال، وإن أوصى أن يتصدق بها عنه لم يقبل قوله ولم تخرج من رأس المال ولا من الثلث، وقيل إنه يكون من الثلث، وقيل إنه إن كانت يسيرة جازت من رأس المال، وإن كانت كثيرة لم تكن في رأس المال ولا ثلث انتهى. وفي سماع عبد الملك من ابن وهب قال عبد الملك: سألت ابن وهب عن اللقطة يجدها الرجل فيستنفقها بعد السنة يقدم عليه الغرماء ولم يأت صاحبها، أترى أن يحاص بها الغرماء ؟ قال: نعم أرى للسلطان أن يحاص بها الغرماء. وسألت أشهب فقال لي مثله إلا أنه لم يذكر السلطان. ابن رشد: ليس سكوت أشهب عن ذكر السلطان في هذا مخالفا لما قاله ابن وهب، لان السلطان هو الناظر فيها لصاحب اللقطة لكونه في منزلة الغائب إذ لا يعرف. ومعنى ذلك إذا علم إقراره باستنفاقه قبل أن يقوم عليه الغرماء أنه لا يجوز إقرار المفلس بعد التفليس لمعين معلوم فكيف لغائب مجهول انتهى. مسألة: من كتاب اللقطة في سماع ابن القاسم: وسئل مالك عن رجل دخل حانوت رجل بزاز ليشتري منه ثوبا ثم خرج منه فاتبعه صاحب الحانوت فقال: يا أبا عبد الله هذا دينار وجدته في حانوتي ولم يدخل علي اليوم أحد غيرك، فعمد الرجل فافتقد دينارا منها، أترى أن يأخذه ؟ فقال مالك: لا أدري هو أعلم بيقينه، إن استيقن أنه ديناره فليأخذه. قيل له: التاجر يقول لم يدخل علي اليوم غيرك وقد افتقد الرجل من نفقته دينارا. قال: إن استيقن أنه له فليأخذه. قال ابن رشد في قوله: إن استيقن فليأخذه دليل على أنه لا يأخذه إلا أن استيقن إنه له بزيادة على ما ذكره يحصل له بها اليقين أنه له، وهذا على سبيل التورع والنهاية فيه أنه إذا لم يعترضه شك في أنه له فأخذه له سائغ حلال لان الغالب على ظنه أنه له إذ قد افتقد دينارا، ولو لم يعلم عدد نفقته لساغ له عندي أن يأخذه لقول صاحب الحانوت إنه لم يدخل علي اليوم أحد غيرك وإن كان التورع من أخذه أولى وأحسن. وكذلك لو قال له صاحب الحانوت هذا الدينار وجدته في مكانك بعد خروجك ولا أدري هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت، فعد الرجل نفقته فافتقد دينارا. وأما لو قال له هذا الدينار وجدته في مكانك بعد خروجك ولا أدري هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت والرجل لا يعلم عدد نفقته، لما ساغ له أن يأخذه بالشك وبالله التوفيق. ص: (كنية أخذها قبلها) ش: قال الشارح بهرام في

[ 46 ]

الوسط: يعني أن الملتقط إذا نوى قبل السنة أكل اللقطة فإنه يضمنها يريد إذا ضاعت عنده وظاهره أنه يضمن بمجرد النية وفيه نظر، فإن أبا الحسن الصغير قال: المشهور أن النية بمجردها لا توجب شيئا إلا أن يقارنها فعل انتهى. وما نقله عن أبي الحسن فليس هو في هذه المسألة إنما قاله في شرح قوله في المدونة: ومن التقط لقطة فبعد أن حازها وبان بها ردها بموضعها أو بغيره ضمنها، فأما إن ردها في موضعها مكانه ساعته كمن مر في أثر رجل فوجد شيئا فأخذه وصاح به أهذا لك فيقول لا فتركه فلا شئ عليه، وقاله مالك في واجد الكساء بإثر رفقة فأخذه وصاح أهذا لكم فقالوا لا فرده قال: قد أحسن في رده ولا يضمن. قال أبو الحسن: قوله ليعرفها انظر هل تعريفا عاما الذي هو السنة أو تعريفا خاصا كواجد الكساء ؟ عياض: اختلف تأويل الشيوخ على كلام ابن القاسم فقيل: إن الثانية بخلاف الاولى وإنه ضمنه في الاولى لانه أخذها بنية التعريف فلزمه حفظها، والثانية لم يأخذها بنية التعريف فالقرب والبعد سواء في ذلك. وحكى ذلك عبد الوهاب، وتأول آخرون أن مذهب ابن القاسم أنه لا يضمن إذا ردها بالقرب يعني إذا أخذها بنية التعريف وإليه نحا اللخمي: فحاصله أن قوله من أخذ لقطة المسألة وقوله فأما إن ردها في موضعها مكانه اختلف في تأويله، فذهب بعض الشيوخ إلى أنه إنما ضمنها في الاولى إذا لم يردها بالقرب لقولها فبعد أن حازها وبان بها، ولم يضمنه في الثانية لانه ردها بالقرب وهذا تأويل اللخمي. وذهب غيره إلى أنه إنما ضمنه في الاولى لانه أخذها بنية التعريف فلزمه حفظها فلا فرق في ذلك بين القرب والبعد، وفي الثانية لم يأخذها بنية تعريف العام، وهذا تأويل ابن رشد. الشيخ: وهل توجب النية بمجردها شيئا أم لا ؟ فالمشهور أنها لا توجب شيئا لقوله عليه الصلاة والسلام ما لم تعمل أو تتكلم فمن نوى قربة فلا تلزمه بمجرد النية إلا أن يقارنها قول كالنذر أو الشروع في العمل، ثم هذا العمل إما أن يكون مما لا يتجزأ كصوم يوم أو صلاة فهذا يلزم إتمامه بالشروع وإن كان مما يتجزأ كالجوار وقراءة أحزاب أو نوى إطالة القيام في الركوع بدا له فيما شرع فيه لزم، وما لم يأت ليس فيه إلا مجرد النية فلا يلزمه والتعريف مما يتجزأ فليس فيما يأتي إلا مجرد النية فانظر. انتهى فتأمله. وقال البساطي: أي وكذلك يضمن الرجل إذا نوى لما وجد اللقطة أن يأخذها تملكا وكانت هذه النية قبل وضع اليد عليها فإنه يضمن بهذه النية كالغاصب انتهى. وإن قلت: حملت اللفظ على ما لا يحتمل. قلت: بل يحمل، وغاية ما يورد أني غيرت الاخذ حتى يصح المعنى المنصوص وقدرت مضافا محذوفا بعد قبل أي قبل قبضها لاجل ذلك، وما حمله عليه الشارح أولا لا يصح معنى ولا نقلا انتهى. فما قاله الشيخ بهرام هو ظاهر كلام المؤلف، وقد علمت ما في قوله وظاهره إلى آخره واحتجاجه بكلام أبي الحسن وأن ذلك ليس في هذه المسألة، وسيأتي كلام ابن عرفة بأنه يجب الضمان في هذه المسألة اتفاقا فيبقى كلام المصنف على ظاهره والله أعلم. وأما البساطي فأول كلام المصنف ليوافق ما قاله ابن رشد في المقدمات

[ 47 ]

فإنه إنما ذكر الضمان إذا أخذها بنية تملكها. وقال ابن الحاجب: وهي أمانة ما لم ينو اختزالها فتصير كالمغصوب. قال الشيخ في التوضيح: هو ظاهر تصورا وتصديقا. وقال ابن عبد السلام: يعني أن اللقطة بيد ملتقطها على حكم الامانة بمقتضى حكم الشرع وإن قبضها بغير إذن مالكها ما لم ينو اغتيالا وغصبا، فإن نوى ذلك ضمنها كما يضمن الغاصب، وهذا بين إذا كانت هذه نيته حين التقطها، وإن حدثت له هذه النية بعد الالتقاط جرى ذلك على تبدل النية مع بقاء اليد انتهى. قال ابن عرفة بعد نقل كلام ابن عبد السلام. قلت: يرد بأن القول بلغو أثر النية إنما هو مع بقاء اليد كما كانت لا مع تغير بقائها عما كانت بوصف مناسب لتأثير النية، ويد الملتقط السابقة عن نية الاغتيال كانت مقرونة بالتعريف أو العزم عليه وهي بعدها مقرونة بقيض ذلك فصار ذلك كالفعل فيجب الضمان اتفاقا انتهى. وقال ابن عرفة: قلت: الاظهر أنه ينظر لحال المدعى عليه كالغصب انتهى. وكذلك هو صريح في عبارة الشامل ونصه: ولو نوى أكله قبل العام ضمنه إن تلف انتهى. وهو ظاهر عبارة ابن الحاجب أيضا، فكلام المؤلف على ظاهره ولا يحتاج لتأويل على ما قاله البساطي. فرع: قال في كتاب الزكاة من التوضيح: وأما ملتقط اللقطة فلا زكاة عليه إن لم ينو إمساكها لنفسه، وإن نوى ذلك ولم يتصرف ففي ضمانه قولان، والقول بعدم ضمانه لابن القاسم. المجموعة: وإن تصرف فيه ضمنه بلا خلاف انتهى. ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة ونصه: وفي صيرورتها دينا على ملتقطها لارادة أكلها أو بتحريكه نقلا الشيخ عن سحنون مع المغيرة وعن ابن القاسم في المجموعة، وعزا ابن رشد الاول لروايتي ابن القاسم وابن وهب عن مالك انتهى. والمسألة في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب الزكاة والله أعلم. فرع: قال ابن عبد السلام: قال أشهب: ولو ادعى صاحبها أنه التقطها ليذهب بها فالقول قول المتلقط أنه التقطها ليعرف بها بغير يمين انتهى. وما عزاه لاشهب هو في المدونة ونصها: وإن ضاعت اللقطة من الملتقط لم يضمن. ابن يونس: قال أشهب وابن نافع: وعليه اليمين، ومذهب الكتاب في هذا لا يمين عليه إلا أن يتهم. وقاله ابن رشد. انتهى من أبي الحسن ونحوه في التوضيح. ثم قال في المدونة: وإن قال له ربها أخذتها لتذهب بها وقال هو بل لاعرفها صدق الملتقط. ابن يونس: قال أشهب: بلا يمين انتهى. وقال ابن رشد في المقدمات: ولا يعرف الوجه الذي التقطها عليه إلا من قبله، فإن تلفت عنده أو ادعى تلفها وادعى أنه أخذها ليحرزها على صاحبها فهو مصدق دون يمين إلا أن يتهم، وسواء أشهد حين التقطها أو لم يشهد على مذهب مالك لان الاشهاد مستحب انتهى. وقال في التوضيح: ولا يلزم الاشهاد عليها حال التقاطها خلافا لبعض الحنفية انتهى. ص: (وردها

[ 48 ]

بعد أخذها للحفظ إلا بقرب فتأويلان) ش: تصوره واضح. قال ابن الحاجب: فإن أخذها ليحفظها ثم ردها ضمنها. قال ابن عبد السلام: ولا شك أن هذه المسألة إنما تتفرع على القسم المختلف فيه انتهى. يعني من أقسام الالتقاط وما قاله ظاهر، لان القسم الذي يحرم فيه الالتقاط هو مأمور بالرد، والقسم الذي يجب يضمن بمجرد تركها، وقد علمت كلام المدونة والتأويلين عليه فيما سبق فلا حاجة إلى الاعادة. وقول المؤلف بعد أخذها للحفظ احتراز مما إذا أخذها لا بنية الحفظ ولا بنية اغتيالها فإنه لا يضمن إذا ردها بالقرب بلا خلاف، ويضمن إذا ردها بعد البعد. قال أبو الحسن: قال عياض: لا خلاف إذا أخذها بغير نية التعريف كأخذ الكساء أنه غير ضامن إذا ردها لموضعها في الحين انتهى. وقال في المقدمات: واجد اللقطة على ثلاثة أوجه: أحدها أن يأخذها ولا يريد التقاطها ولا اغتيالها. والثاني أن يأخذها ملتقطا لها. والثالث أن يأخذها مغتالا لها. فأما الاول فهو مثل أن يجد ثوبا وهو يظنه لقوم بين يديه يسألهم عنه، فهذا إن لم يعرفوه ولا ادعوه كان له أن يرده حيث وجده ولا ضمان عليه فيه. قاله ابن القاسم في المدونة ورواه ابن وهب عن مالك لانه لم يصر في يده ولا تعدى عليه وإنما أعلم به من ظن أنه له ولم يلتزم فيه حكم اللقطة. وهذا إذا ردها بالقرب، وأما إن ردها بعد طول فهو ضامن انتهى. والقسمان الباقيان تقدما في كلام المؤلف والله أعلم. ص: (وذو الرق كذلك وقبل السنة في رقبته) ش: يعني ذو الرق إذا التقط لقطة فعليه أن يعرفها سنة، فبعد السنة إن أكلها أو تصدق بها ضمنها في ذمته، وهذا معنى قوله كذلك. وقوله وقبل السنة في رقبته واضح. قال أبو الحسن الصغير: قال اللخمي: وليس لسيده منعه من التعريف لان التعريف يصح حين تصرفه لسيده ولا يقطعه ذلك عن بيعه

[ 49 ]

لسيده، ولسيده أن ينتزعها ويوقفها على يدي عدل لئلا يخاف عليها أن تتلف أو يتصرف فيها العبد، وإن كان غير مأمون كان أبين أن توقف على يدي عدل انتهى. وإذا كانت في ذمته فليس لسيده أن يسقطها. قاله اللخمي أيضا. قال في النوادر: قال مالك في العبد مستهلك اللقطة قبل السنة إنها في رقبته. قال ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: سواء أكلها أو أكل ثمنها أو تصدق بها أو وهبها. قال أشهب وابن المغيرة: وكذلك المدبر فإن أسلم سيده خدمته فيها أخدمه فيها ثم عاد إلى ربه، فإن مات ربه قبل استيفاء ربها قيمتها من خدمته عتق في ثلث سيده واتبع بما بقي، قال أشهب: وإن كان مكاتبا فهي في رقبته إما أن يؤدي قيمتها وإلا عجز ثم خير ربه في إسلامه بها عبدا أو افتدائه ويبقى له عبد أو إن استهلكها بعد السنة فهي في ذمته، وكذلك المدبر وأم الولد وإن استهلكت أم الولد قبل السنة فكالجناية يضمن سيدها الاقل من قيمتها أو قيمة اللقطة انتهى. ص: (وله أكل ما يفسد) ش: ظاهره من غير تعريف أصلا وهو ظاهر كلام ابن رشد وابن الحاجب، وفي المدونة ما يدل على التعريف ونصه. ومن التقط ما لا يبقى من الطعام فأحب إليه أن يتصدق به كثر أو قل، ولم يؤقت مالك في التعريف به وقتا فإن أكله أو تصدق به لم يضمنه لربه انتهى. وقال في الشامل: والتصدق به أولى ولا ضمان على الاصح، وثالثها إن تصدق به لا أكله انتهى. وظاهر كلام المؤلف كان له ثمن أم لا وليس كذلك، فقد صرح ابن رشد بأنه إذا كان له ثمن بيع ووقف ثمنه ذكره في أول سماع عيسى من كتاب الضحايا وتقدم كلامه برمته في الضحايا فراجعه والله أعلم. ص: (وشاة بفيفاء) ش: عطف الشاة على ما يفسد ولم يشبه الشاة به كما فعل ابن الحاجب، ولا شبهه بالشاة كما فعل في المدونة لان كل واحد منهما أصل ورد فيه حديث. أما الشاة فالحديث المشهور هي لك

[ 50 ]

أو لاخيك أو للذئب وأما ما يفسد فجرى ذكره في حديث الثمرة وغيره والله أعلم. وقوله بفيفاء يعني لا عمارة فيه لكونه يخشى عليها فيه السباع، وترك المؤلف شرطا آخر ذكره ابن الحاجب وهو كونه يعسر حملها، وأقره في التوضيح فقال ابن عبد السلام: والثاني لم يذكره في المدونة، وظاهر كلام المؤلف يعني ابن الحاجب أنه لو لم يعسر حملها للزمه حملها ولم يجز له أن يأكلها انتهى. وإذا أكلها بالفيفاء فلا ضمان عليه فيها. قاله في المدونة. وقوله بفيفاء احترز به مما لو وجدها في القرية أو بقرب العمران فإن عليه أن يعرفها. قال في المدونة: ومن وجد ضالة غنم بقرب العمران عرف بها في أقرب القرى إليها ولا يأكلها، وإن كانت في فلوات الارض والمهامه أكلها ولا يعرف بها ولا يضمن لربها شيئا انتهى. فرع: قال ابن يونس: قال سحنون فيمن وجد شاة اختلطت بغنمه فهي كاللقطة يتصدق بها أو بثمنها يريد بعد السنة فإن جاء ربها ضمنها له انتهى. فرع: قال في التوضيح: فلو ذبحها في الفلاة ثم أتى بلحمها أكله غنيا كان أو فقيرا. أصبغ: ويصير لحمها وجلدها مالا من ماله ولا ضمان عليه في ذلك إلا أن يأتي ربها وهي في يديه فيكون أحق بها، وإن أتى بالشاة من الفلاة إلى العمارة فلها حكم اللقطة يعرفها وإن أتى ربها أخذها. اللخمي: يريد ويعطيه أجرة نقلها انتهى. ص: (كإبل) ش: ظاهره أن هذا في جميع الازمان. قال في المقدمات: وهو ظاهر قول مالك في المدونة وفي سماع أشهب من

[ 51 ]

العتبية. وقيل: هو خاص بزمن العدل وصلاح الناس، وأما في الزمن الذي فسد فيه الناس فالحكم أن تؤخذ فتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لصاحبها، فإن أيس منه تصدق به على ما فعله عثمان لما داخل الناس في زمنه الفساد وقد روي ذلك عن مالك انتهى. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وصحيح مذهب مالك عدم التقاطها مطلقا انتهى. وظاهره أيضا سواء كانت بموضع يخاف عليها السباع أم لا، لانها لا تؤخذ. وقال في المقدمات: واختلف إن كانت الابل بعيدة من العمران بحيث يخاف عليها السباع، فقيل إنها في حكم الغنم لواجدها أكلها، وقيل إنها تؤخذ فتعرف إذ لا مشقة في جلبها انتهى. وقال ابن عبد السلام: واختلف هل تلتقط حيث لا يؤمن عليها السباع انتهى. ونقله عنه في التوضيح ولم ينقله عن المقدمات والله أعلم. وظاهره أيضا سواء كانت في العمران أو في الصحراء لاطلاقه. وقال ابن الحاجب: ولا تلتقط الابل في الصحراء. قال في التوضيح: قوله في الصحراء نحوه في المدونة فيحتمل أن لا يكون له مفهوم لانه خرج مخرج الغالب، ويحتمل أن يكون له مفهوم ثم هو محتمل للموافقة لانه إذا امتنع التقاطها حيث يتوهم ضياعها فامتناعه حيث لا يتوهم أولى، ومحتمل للمخالفة فيكون معناه أنها تلتقط في العمران لسهولة وجدان ربها لها بخلاف ما إذا نقلها من الصحراء إلى العمارة فلا تتأتى معرفة ربها، ولانها في العمران لا تجد ما تأكل فتهلك. ابن عبد السلام: والاول أسعد بظاهر المذهب، والثاني أقرب إلى لفظه انتهى. قوله في الحديث. مالك: ولها معها حذاؤها وسقاؤها. حذاؤها أخفافها لما فيها من الصلابة، وسقاؤها كرشها لكثرة ما تشرب فيه من الماء وتكتفي به الايام، وكلاهما من مجاز التشبيه والله أعلم. ص: (وغلتها دون نسلها) ش: قال في المسائل الملقوطة: وأما منافع اللقطة وغلاتها

[ 52 ]

ولبنها فقال مالك: للملتقط ولا يتبع بذلك ويتبع بها وبنسلها خاصة. وقيل: يتبع بالجميع إن

[ 53 ]

كان له ثمن وله أن يكري البقر وغيره في علفها كراء مأمونا، وله الركوب وله بيع ما يخاف ضياعه وتلفه انتهى. ص: (ووجب لقط طفل نبذ كفاية) ش: قال ابن الحاجب: اللقيط طفل ضائع لا كافل له. ابن عبد السلام: وسواء علم نسبه أو لم يعلم، والكافل المنفى هو القريب وإلا فالملتقط كافل انتهى. وقوله كفاية قال في الجواهر: وكل صبي ضائع لا كافل له فالتقاطه من فروض الكفاية، فمن وجده وخاف عليه الهلاك إن تركه لزمه أخذه ولم يحل له تركه انتهى. ص: (ونفقته إن لم يعط من الفئ الخ) ش: لم يتعرض المصنف لمنتهى النفقة وقال ابن الحاجب: فإن تعذر فعلى ملتقطه حتى يبلغ أو يستغني. قال ابن عبد السلام: يعني فإن تعذر الانفاق عليه من شئ من الوجوه المتقدمة وجبت نفقته على ملتقطه، إما بمقتضى العادة لان العادة تدل على مثل هذا، وإما لانه أولى الناس به، ويستمر إنفاقه عليه إلى البلوغ أو يستغني قبل ذلك على أن الباجي وغيره ممن نقل هذا الفرع عن كتاب محمد إنما عطف يستغنى على ما قبله بالواو وذلك يوهم أن يكون حكمه في النفقة حينئذ كحكم الولد تستمر النفقة عليه إلى أن يبلغ الذكر صحيحا أو تتزوج الانثى ويدخل بها زوجها، وما أظنه يريد مثل هذا انتهى. وقال في التوضيح: نفقته على ملتقطه حتى يبلغ ويستغني. هكذا نقل الباجي وغيره

[ 54 ]

هذه الرواية بالواو وخلاف قول المصنف أو يستغني انتهى فتأمله. وفي الشامل: حتى يبلغ ويستغني بالواو كنقل الباجي. ص: (ورجوعه على أبيه إن طرحه عمدا) ش: تصوره واقع. قال ابن الحاجب: فإن ثبت له أب بالبينة قال في التوضيح: قوله ثبت لا مفهوم له لانه لو أقر بأنه ولده كان الحكم كذلك صرح به الباجي، وإنما تشترط البينة أو ما يقوم مقامها في التصديق في الاستلحاق انتهى. وعبارة التهذيب نحو عبارة ابن الحاجب فنبه عليها أبو الحسن الصغير. وقول المؤلف إن طرحه عمدا كقول ابن الحاجب فإن ثبت له أب بالبينة طرحه عمدا لزمته. ويفهم من كلامه وكلام المؤلف أنه لو لم يطرحه أو طرحه بلا عمد لا رجوع عليه ولكن إنما تكلم ابن عبد السلام والمؤلف على امفهوم الاول وهو كونه لم يطرحه، وكذا الشارح بهرام في كلام المؤلف. وقال في المدونة: ومن التقط لقيطا فأنفق عليه فأتى رجل أقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الاب موسرا في حين النفقة لانه ممن تلزمه نفقته. هذا إن تعمد الاب طرحه، وإن لم يكن هو طرحه فلا شئ عليه. وقال مالك في صبي ضل عن والده فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشئ. قال أبو الحسن: هذا دليل على قوله لم يتعمد طرحه كأنه يقول: فكذلك مسألتك في الذي لم يتعمد الاب طرحه انتهى. وقال البساطي في شرح قول المؤلف: ورجوعه على أبيه إلى آخره أي ووجب للمنفق الرجوع على أبي اللقيط إذا طرحه عمدا، أما إنه يرجع عليه فلان النفقة بالاصالة على الاب وطرحه لا يسقطها وإما أنه إذا لم يطرحه أو طرحه بوجه كمن زعم أنه سمع أن من طرح ابنه يعيش له الذي هو مفهوم كلام المؤلف فلان أخذ الملتقط له والحالة هذه منع من إنفاق الاب عليه وهو ظاهر فيما إذا طرحه بوجه انتهى. فتأمله مع كلام المدونة والله أعلم. وبقي على المؤلف قيدان

[ 55 ]

في المسألة: الاول أن يكون الاب حين الانفاق موسرا وقد ذكره في المدونة ونبه عليه في التوضيح، وتركه المصنف اعتمادا على ما قدمه في فصل النفقة من أن نفقة الولد إنما تجب على الموسر. القيد الثاني أن لا يكون المنفق أنفق حسبة، وهذا يدل عليه قوله بعد والقول قوله إنه لم ينفق حسبة فتأمله والله أعلم. ص: (والقول قوله أنه لم ينفق حسبة) ش: يعني إذا طرحه أبوه عمدا ولزمته نفقته فادعى على المنفق أنه إنما أنفق حسبة وادعى المنفق عدم الحسبة فالقول قوله. قال في الجواهر: مع يمينه. وقال ابن عبد السلام: فيقبل قوله في أنه أنفق ليرجع وينبغي أن يكون بيمين انتهى. يظهر أنه بحث من عنده وقد صرح به ابن شاس كما علمت ونبه عليه في التوضيح. تنبيه: انظر لو اختلفا في طرحه فادعى الملتقط أن أباه طرحه عمدا وأنكره الاب، فالقول قول من أشبه منهما. وكذلك لو اختلفا في عسر الاب وقت الانفاق أو يسره والله أعلم. ص: (وولاؤه للمسلمين) ش: قال في الجواهر: ولا يختص به الملتقط إلا بتخصيص الامام انتهى. وقال فيها أيضا: وأرش خطئه على بيت المالي، وإن جنى عليه فالارش له انتهى. ص: (كان لم يكن فيها إلا بيتان إن التقطه مسلم) ش: قال في تضمين الصناع من المدونة: إلا البيتين والثلاثة ونقله في الجواهر. فمفهومه أن لو كانوا أكثر من ذلك حكم بإسلامه مطلقا، سواء

[ 56 ]

التقطه مسلم أو كافر. وقال في التوضيح: ويفهم من تعيين المصنف يعني ابن الحاجب هذه الصورة للخلاف أنه لو كان المسلمون مساوين أو أكثر أو قريبا من التساوي أن يحمل اللقيط على الاسلام ولو التقطه مشرك انتهى. ومفهوم المدونة أنه إذا كانوا أكثر من ثلاثة ولو لم يكونوا قريبا من التساوي لحكم إسلامه مطلقا كما تقدم. وانظر قوله البيتين والثلاثة لو لم يكن فيهما إلا واحد والظاهر أن الحكم متحد والله أعلم. ص: (وفي قرى الشرك مشرك) ش: نحوه في المدونة. قال أبو الحسن: وسواء التقطه مسلم أو كافر انتهى. وفي الذخيرة: وفي قرى الكفر ومواضعهم فهو كافر ولا يعرض له إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه. انتهى فتأمله. ص: (وقدم الاسبق الخ) ش: قال في التوضيح: وهذا مقيد بما إذا لم يؤد إلى ضياعه عند الاول انتهى. ونقله في الجواهر ونصه: ولو ازدحم اثنان كل منهما أهل قدم السابق، فإن استويا قدم الامام من هو أصلح للصبي، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما انتهى. وقال في تضمين الصناع من المدونة: ومن التقط لقيطا فكابره عليه رجل فنزعه منه فرافعه إلى الامام نظر الامام

[ 57 ]

للصبي، فأيهما كان أقوى على مؤنته وكفالته وكان مأمونا دفعه إليه انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قال أبو إسحاق: هو للاول إلا أن يكون الثاني أكفأ منه وأحرز الشيخ: وهو معنى الكتاب. وقوله مأمونا أي أن يبيعه انتهى. فتأمل كلام المدونة وشارحها فإنه يقتضي تقديم الاكفأ ثم الاول، فتأمله مع كلام التوضيح. وانظر هل يرجح هنا بالصلاح وعدمه فيقدم غير الفاسق على الفاسق، وقد يتلمح ذلك من قول المدونة وكان مأمونا فتأمله والله أعلم. ص: (وليس لمكاتب ونحوه التقاط بغير إذن السيد) ش: قال في التوضيح: تبعا لابن عبد السلام لانه يشتغل بتربيته ونفقته عن سيده وإنما نص على المكاتب وإنما صح لانه يتوهم أنه إنما أحرز نفسه وماله أن له ذلك ووجه أنه ليس له ذلك بأن اللقيط يحتاج إلى حضانة والحضانة تبرع وليس من أهله، وانظر المرأة هل يصح التقاطها بغير إذن زوجها ؟ فتأمله والله أعلم. ص: (وندب أخذ آبق لمن يعرف وإلا فلا يأخذه) ش: قال في التنبيهات: الاباق بكسر الهمزة اسم للذهاب في استتار وهو الهروب، والابق: بالفتح وسكون الباء وفتحها أيضا اسم الفعل والمصدر. والاباق بضم الهمزة وتشديد الباء جمع آبق انتهى. وعبارة المؤلف هي كقوله في المدونة: ومن وجد آبقا فلا يأخذه إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه فأحب إلي أن يأخذه وهو من أخذه في سعة انتهى. وقول المؤلف فلا يأخذه هو لفظ المدونة وهو على الاستحباب. قال

[ 58 ]

الرجراجي: أما أخذ الآبق فقد قال مالك في المدونة: تركه خيمن أخذه إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه فأحب إلي أن يأخذه انتهى. أبو الحسن: قوله أو لمن يعرفه هو الضابط ولا يقال إن ذلك للقرابة انتهى. ولهذا اقتصر عليه المؤلف، وقيد البساطي هذا بما إذا كان في موضع لا يخشى عليه فيه الهلاك، ولم أره لغيره إلا أن الشيخ أبا الحسن قال في قوله في المدونة: وهو من أخذه في سعة. قال اللخمي: أما إذا كان على الاميال اليسيرة من الموضع الذي أبق منه فلا سعة في تركه إذا لم يخف منه. الشيخ: لان تركه تلف له انتهى. ص: (فإن أخذه رفعه للامام ووقف سنة ثم بيع ولا يهمل) ش: قال في المدونة: ومن أخذ آبقا رفعه إلى الامام ويوقفه سنة وينفق عليه ويكون فيما أنفق عليه كالاجنبي، فإن جاء صاحبه وإلا باعه وأخذ من ثمنه ما أنفق وحبس بقية الثمن لربه في بيت المال وأمر مالك ببيع الاباق بعد السنة ولم يأمر بإطلاقهم يعملون ويأكلون ولم يجعلهم كضوال الابل لانهم يأبقون ثانية انتهى. فقول المؤلف رفعه إلى الامام كقوله في المدونة رفعه إلى الامام. أبو الحسن: ظاهره أنه مطلوب بذلك وإن كان لا يجب عليه فالرفع إلى الامام أولى وله أن يفعل هو ما يفعله الامام انتهى. وقال: قوله ويكون فيما أنفق عليه كالاجنبي يظهر منه أن الاجنبي يفعل فيه ما يفعله الامام ولا يجب عليه الرفع انتهى. وقال الرجراجي إثر كلامه المتقدم: فإن أخذه فلا يخلو السلطان من أن يكون عدلا أو جائرا. فإن كان عدلا فهو مخير إن شاء رفعه إلى الامام وإن شاء عرف به ثم قال: وإن كان السلطان جائرا فلا ينبغي له أن يرفعه إليه ويعرفه سنة وينفق عليه ويكون حكمه في النفقة حكم السلطان انتهى. وقول المؤلف ووقف سنة ثم بيع ولا يهمل مثل قوله في المدونة وبوقفه سنة إلى قوله ولم يأمر بإطلاقهم وفيه أمران: أحدهما أنه يحبس سنة، والثاني أنه يباع بعد السنة ولا يمهل. أما الاول فقال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس: قال سحنون: لا أرى أن يوقفه سنة ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع ويكتب الحاكم صفاته عنده حتى يأتي له طالب. ابن يونس: وهو الصواب، لان النفقة عليه سنة ربما ذهبت بثمنه انتهى. وفي سماع عيسى قال ابن القاسم: لشأن والسنة في الآبق أن يحبس سنة إلا أن يخاف الضيعة فيباع.

[ 59 ]

قلت: أرأيت إذا انقضت السنة ولم يخف ضيعة أيباع ؟ قال: نعم ولا يحبس بعد السنة. ابن رشد: قوله إن الآبق يحبس هو مثل ما في المدونة. وقوله إنه إذا خشيت الضيعة عليه بيع قبل السنة هو تفسير لما في المدونة، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب أنه إذا خشيت عليه الضيعة خلي سبيله ولم يبع، وقد مضى القول هنالك فلا معنى لاعادته انتهى. فما في سماع عيسى تفسير لما في للمدونة. وأما كلام سحنون فإنه خلاف للمدونة فإنه لا يرى حبسه سنة أصلا. قال الرجراجي: قال مالك في المدونة: ولم أزل أسمع أن الآبق يحبس سنة وذلك يختلف باختلاف الاحوال. وتحصيله أن العبد لا يخلو من أن يخشى عليه الضيعة في هذا الامد أم لا. فإن خيف بيع قبل السنة وهي رواية عيسى عن ابن القاسم وهو تفسير لقول مالك، وإن لم يخش عليه هل ينتظر به سنة وهو مذهب المدونة وهو المشهور، والثاني أنه لا يوقف سنة وإنما يوقف بقدر ما يتبين ضرره وهو قول سحنون انتهى. وأما الامر الثاني وهو كونه يباع بعد السنة ولا يمهل فقال في سماع أشهب: إنه إذا عرفه فلم يجد من يعرفه أنه يخليه خير له من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل أو يطرح في السجن فيقيم ولا يجد من يطعمه. قال ابن رشد: أما الاباق فسوى في هذه الرواية بينهم وبين ضوال الابل في أنهم يرسلون إذا عرفوا فلم يعرفوا. وقال في المدونة: إنهم يحبسون ثم يباعون فتحبس أثمانهم لاربابهم ولا يرسلون، فالظاهر أن ذلك اختلاف من القول وعلى ذلك يحمله الشيوخ، والاولى أن لا يحمل ذلك على الخلاف فيكون الوجه في ذلك أنه إن خشي عليه أن يضيع في السجن بغير نفقة وأن يتلف ثمنه إن بيع كان إرساله أولى من حبسه على ما قاله في هذه الرواية، وإن لم يخش عليه أن يضيع في السجن بغير نفقة ولا يتلف ثمنه إن بيع كان حبسه سنة ثم بيعه بعد السنة وإمساك ثمنه أولى من إرساله. وموضع الخلاف عند من حمله على الخلاف إنما هو إذا خشي عليه أن يضيع في السجن وأن يتلف ثمنه إذا بيع، فمرة رأى أن إرساله أولى لئلا يضيع أو يتلف ثمنه، ومرة رأى أن حبسه وبيعه وإمساك ثمنه أولى لئلا يأبق ثانية. والاختلاف إنما هو بحسب الاجتهاد أي الخوفين أشد، وأما إن لم يخش عليه أن يضيع في السجن ولا أن يتلف ثمنه إذا بيع فلا يرسل لئلا يأبق قولا واحدا، ولو لم يخش عليه أن يضيع في السجن وخشي على ثمنه أن يضيع لوجب أن يسجن سنة يعرف فيها ثم يسرح ولا يحبس أكثر منها التي هي حد تعريف اللقطة، ولو لم يخش على ثمنه ضياع وخشي عليه إن سجن لوجب عليه أن يباع ويوقف ثمنه ولا يسجن. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (وأخذ نفقته) ش: فاعل أخذ ضمير عائد على المنفق المفهوم من السياق، سواء كان الامام أو غيره والله أعلم. ص: (ومضى بيعه وإن قال ربه

[ 60 ]

كنت أعتقته) ش: قال في المدونة: وإذا جاء رب الآبق بعد أن باعه الامام بعد السنة والعبد قائم فليس له إلا الثمن ولا يرد البيع، ولو قال ربه كنت أعتقته أو دبرته بعد ما أبق أو قبل أن يأبق لم يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة انتهى. أبو الحسن: قوله بعد السنة الشيخ: وكذلك إذا باعه قبل السنة لما رأى من وجه المصلحة. وأما على قول سحنون الذي يقول لا يوقف سنة فلا إشكال انتهى. وقال الرجراجي: أما العتق والتدبير وسائر عقود العتق غير الايلاد فلا يقبل قوله في نقض العتق إلا ببينة عادلة انتهى. تنبيه: قال في المدونة إثر الكلام السابق: ولو كانت أمة فباعها الامام بعد السنة ثم جاء سيدها فقال قد كانت ولدت مني وولدها قائم، فإنها ترد إليه إن كان ممن لا يتهم. وقاله مالك فيمن باع جارية له وولدها ثم استلحق الولد أنه إذا كان ممن لا يتهم على مثلها ردت إليه، ولو قال كنت أعتقتها لم يصدق ولم ترد إليه إلا ببينة. قيل: فإن لم يكن معها ولد فقال بعد ما باعها كانت ولدت مني ؟ قال: أرى أن ترد إليه إن لم يتهم فيها انتهى. وقال الرجراجي إثر كلامه المتقدم: فإن ادعى أنها ولدت منه فلا يخلو من أن يكون معها ولد أم لا. فإن كان معها ولد فهل ترد إليه أم لا على قولين منصوصين في المدونة: أحدهما أنها ترد إليه سواء اتهم أو لم يتهم وهو قول أشهب. والثاني أنها ترد إليه إن لم يتهم وإن اتهم فيها لم ترد إليه وهو قول ابن القاسم. فإن لم يكن معها ولد، فإن اتهم فيها لم ترد إليه قولا واحدا، وإن لم يتهم فهل ترد إليه أم لا ؟ المذهب على قولين قائمين من المدونة: أحدهما أنها لا ترد إليه وهي رواية أكثر الاندلسيين وهي رواية ابن اللباد. والثاني أنها ترد إليه وهي رواية أكثر القرويين وعليه اقتصر الشيخ أبو محمد وابن أبي زمنين والبرادعي، وحكاها ابن حبيب عن ابن القاسم انتهى. فائدة: قال عبد الحق: إنما قال في العتق لا يصدق وفي الاستيلاد يصدق إن لم يتهم فيها من أجل أن العتق سبيله أن يتوثق فيه ويشهد هذه عادة الناس، فلما لم يثبت ذلك اتهم. وولادة الامة ليس شأن الناس فيه الاشهاد والاشتهار له فإذا انتفت التهمة صدق انتهى. وقوله في المدونة يتهم قال عياض: يعني بصبابة إليها. انتهى من أبي الحسن والله أعلم. ص: (وله عتقه وهبته لغير ثواب) ش: أبو الحسن: وجميع المعروف فيه جائز. ابن يونس: وهو لازم وكذلك عتقه إلى أجل فإن جعل الاجل من يوم أبق ثم لم يقدر عليه حتى انقضى الاجل كان

[ 61 ]

حرا. انتهى. ص: (إلا لخوف منه) ش: قال الرجراجي: فإن أرسله لعذر كما إذا خاف منه أن يقتله أو يضربه أو يذهب بحوائج بيته ونحو ذلك فقد قال ابن عبد الحكم: لا ضمان عليه وينبغي أن لا يختلف فيما قاله إذا غلب على الظن الخوف بما ظهر من ظواهر حال العبد. ثم قال: وليس شدة النفقة بعذر مسقط عنه الضمان. قاله ابن عبد الحكم انتهى. والظاهر أن هذا إذا لم يكن رفعه إلى الامام وإلا فلا يرسله وليرفعه إلى الامام فتأمله. ص: (لا إن أبق منه وإن مرتهنا وحلف) ش: يعني أن العبد إذا أبق من الذي هو في يده فلا ضمان عليه ثم بالغ فقال: وإن كان الذي هو في يده أخذه من ربه على جهة الرهن لكن يحلف. فقوله وحلف راجع إلى مسألة الرهن لانه إذا أبق منه قال الرجراجي: فلا يخلو من أن يهرب من الدار أو يرسله إلى بعض حوائجه، فإن أبق من داره فإن ظهر ذلك واشتهر قبل قوله بلا يمين قولا واحدا كان ممن يتهم أم لا، فإن لم يكن إلا دعواه هل يحلف أم لا ؟ المذهب على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يمين عليه وهو ظاهر المدونة، والثاني أنه يحلف لقد انفلت منه من غير تفريط وهو قول ابن الماجشون، والثالث إن كان من أهل التهمة حلف وإلا فلا. وإن أرسله في حاجة خفيفة فلا ضمان عليه، وإن أرسله في حاجة يأبق في مثلها فهو ضامن، وهو قول أشهب في كتابه انتهى. واقتصر ابن يونس على الثاني فانظره فيه. ص: (وأخذه إن لم يكن إلا دعواه إن صدقه) ش: نحو هذا قوله في المدونة: وإن ادعى أن هذا الآبق عبده ولم يقم بينة فإن صدقه العبد دفع إليه. ابن يونس: يريد بعد التلوم ويضمنه إياه. قال أشهب في كتابه بعد أن يحلف مدعيه، ثم إن جاء له طالب لم يأخذه إلا ببينة عادلة، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر للاول من الرق انتهى.

[ 62 ]

تنبيه: قال الرجراجي: فإن ادعاه - يعني الآبق - أحد بغير بينة يقيمها فلا يخلو العبد من أن يقر له أم لا. فإن أقر له أخذه بعد الاستيناء قولا واحدا، وإن لم يقر له بالملك فعلى قولين: أحدهما أن يدفع إليه بعد الاستيناء كما لو اعترف به ويضمنه وهو قول ابن القاسم في المدونة وغيرها، والثاني لا يدفع له وهو قول أشهب انتهى. واعلم أن ابن القاسم إنما قال يدفع إليه وإن لم يقر له إذا وصفه ولم يعترف لغيره بالرق ونصه بعد مسألة كتاب القاضي إلى القاضي: فإن ادعى العبد ووصفه ولم يقم البينة عليه فأرى أنه مثل المتاع ينظر فيه الامام ويتلوم له، فإن جاء أحد يطلبه وإلا دفعه إليه وضمنه إياه. قيل: ولا يلتفت ها هنا إلى العبد إن أنكر أن هذا مولاه إلا أنه مقر أنه عبد لفلان ببلد آخر. قال: يكتب السلطان إلى ذلك الموضع وينظر في قول العبد، فإن كان كما قال وإلا ضمنه هذا وسلمه إليه كالامتعة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قال اللخمي: إن اعترف الآبق لاحد بالرق كان لمن اعترف له دون من وصفه قولا واحدا، فإن اعترف لغائب كتب إليه، فإن ادعاه كان أحق به. واختلف إذا أنكر العبد هذا المدعي ولم يقر لغيره وهو مقر بالعبودية أو قال أنا حر وهو معروف بالرق، هل يكون لمن ادعاه ؟ فأما بالصفة فأرى أن يدفع إليه إذا وصفه صفة تخفي وليست ظاهرة انتهى. قلت: فمفهوم الشرط في قول المؤلف إن صدقه ليس على إطلاقه بل وكذلك يدفع إليه وإن لم يصدقه إذا وصفه ولم يقر لغيره أو أقر وأكذبه الغير فتأمله والله أعلم.

[ 63 ]

كتاب القضاء والشهادة باب في بيان شروط وأحكام القضاء (أهل القضاء عدل) ش: هذا الباب يترجم بكتاب القضاء وكتاب الاقضية، والاقضية جمع قضاء بالمد. قال في القاموس: ويقصر. يطلق في اللغة على الحكم ومنه قوله تعالى * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * أي حكم. ويطلق على الامر والايجاب. قال النووي: قال الواحدي: قال عامة المفسرين وأهل اللغة: قضى هنا بمعنى أمر. وقال غيره: بمعنى أوجب. وقيل: وصى وبها قرأ علي وابن مسعود. وروي عن ابن عباس أنه قال: التصقت إحدى الواوين بالصاد فصارت قافا انتهى. ويطلق على الالزام كما في قوله تعالى * (فلما قضينا عليه الموت) * أي حتمناه وألزمناه به. هذه المعاني متقاربة. ويطلق القضاء على الفراغ من الشئ كقولهم قضيت حاجتي وضربه فقضى عليه أي قتله كأنه فرغ منه، وسم قاض أي قاتل، وقضى نحبه أي مات وفرغ من الدنيا. وأصل النحب النذر واستعير للموت لانه كنذر لازم في رقبة كل حيوان. قال في الصحاح: وقد يكون القضاء بمعنى الاداء والانهاء. تقول قضيت ديني ومنه قوله تعالى * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) * وقوله تعالى * (وقضينا إليه ذلك الامر) * أي أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك. وقال القرافي في قوله تعالى * (ثم اقضوا إلي) * أي امضوا إلي. وقد يكون القضاء بمعنى الصنع والتقدير ومنه قوله سبحانه * (فقضاهن سبع سموات في يومين) * ومنه القضاء والقدر. ويقال استقضى فلان إذا صير قاضيا، وقضى الامير قاضيا كما تقول أمر أميرا، وانقضى الشئ وتقضى بمعنى واقتضى به دينه وتقاضاه بمعنى انتهى. وقال الازهري:

[ 64 ]

القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشئ وتمامه انتهى. هذا معناه من حيث اللغة. وأما معناه عند أهل الشرع فقال ابن رشد وتبعه ابن فرحون: حقيقة القضاء الاخبار عن حكم شرعي على سبيل الالزام. وقال ابن عرفة: القضاء صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين، فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأخواتها والامامة. وقول بعضهم هو الفصل بين الخصمين واضح قصوره انتهى. قلت: واعلم أن القضاء في اصطلاح الفقهاء يطلق على الصفة المذكورة كما في قولهم ولي القضاء أي حصلت له الصفة المذكورة، ويطلق على الاخبار المذكور كما في قولهم قضى القاضي بكذا وقولهم قضاء القاضي حق أو باطل غير أن في تعريف ابن رشد مسامحة من وجوه: الاول: ذكر لفظ الاخبار فإنه يوهم أن المراد به الاخبار المحتمل للصدق والكذب المقابل للانشاء وليس ذلك بمراد، وإنما المراد به أمر القاضي بحكم شرعي على طريق الالزام. الثاني: أنه يدخل فيه حكم الحكمين في جزاء الصيد وفي شقاق الزوجين وحكم المحكم في التحكيم، ومنها أنه يدخل فيه حكم المحتسب والوالي وغيرهما من أهل الولايات الشرعية إذا حكموا بالوجه الشرعي. وقول ابن عرفة إن التحكيم يخرج من تعريفه لم يظهر لي وجه خروجه فإن المحكم لا يحكم ابتداء إلا في الاموال وما يتعلق بها وما في معناها مما لا يتعلق بغير الحكمين، ولا يحكم في القصاص واللعان والطلاق والعتاق لتعلق الحق في ذلك بغيرهما. قالوا: فإن حكم فيها بغير جور نفذ حكمه، والظاهر أن التعديل والتجريح كذلك فتأمله والله أعلم. فائدة: قال ابن عرفة: حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الاول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بهما مع علمه بصغراه، ولا خفاء أن العلم بهما أشق وأخصر من العلم بالكبرى فقط. وأيضا فإن فقه القضاء والفتيا مبنيان على إعمال النظر في الصور الجزئية وإدراك ما اشتملت عليه من الاوصاف الكائنة فيها فيلغى طردها ويعمل معتبرها انتهى. وأصله لابن عبد السلام ونقله في التوضيح. قال ابن عبد السلام: وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع علم الفقه ولكنه متميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء، وربما كان بعض الناس عارفا بفصل القضاء وإن لم يكن له باع في غير ذلك من أبواب الفقه كما أن علم الفرائض كذلك، وكما أن علم التصريف من علم العربية وأكثر أهل زماننا لا يحسنونه وقد

[ 65 ]

يحسنه من هو دونهم في بقية العربية. ولا غرابة في امتياز علم القضاء عن غيره من أنواع الفقه، وإنما الغرابة في استعمال كليات علم الفقه وانطباقها على جزئيات الوقائع بين الناس وهو عسير على كثير من الناس، فتجد الرجل يحفظ كثيرا من العلم ويفهم ويعلم غيره فإذا سئل عن واقعة ببعض العوام من مسائل الصلاة أو من مسائل الايمان لا يحسن الجواب، بل لا يفهم مراد السائل عنها إلا بعد عسر، وللشيوخ في ذلك حكاياة نبه ابن سهل في أول كتابه على بعضها انتهى. ومنها ما قال البساطي في شرح قول المؤلف فطن وبعصرنا الآن شخص يتعاطى الدقة في العلم وينهى عن جزئية فيتجنبها بشخصها ثم يقع في أخرى مثلها، فإذا قيل له هذه مثل تلك تجنبها ويقع في ثالثة وعلى ذلك انتهى. واعلم أن صفات القاضي المطلوبة فيه على ثلاثة أقسام: الاول: شرط في صحة التولية وعدمه يوجب الفسخ. والثاني: ما يقتضى عدمه الفسخ وإن لم يكن شرطا في صحة التولية. الثالث: مستحب وليس بشرط. فأشار المؤلف إلى الاول بقوله أهل القضاء عدل إلى قوله وإلا فأمثل مقلد، وإلى الثاني بقوله ونفذ حكم أعمى إلى قوله ووجب عزله، وإلى الثالث بقوله كورع إلى آخره والله أعلم. وشمل قوله عدل الحر المسلم العاقل البالغ بلا فسق كما سيذكره في باب الشهادة. قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب الامارة: وقد نص أصحاب مالك على أن القاضي لا بد أن يكون حرا وأمير الجيش والحرب في معناه فإنها مناصب دينية يتعلق بها تنفيذ أحكام شرعية فلا يصلح لها العبد لانه ناقص بالرق محجور عليه لا يستقل بنفسه ومسلوب أهلية الشهادة والتنفيذ، ولا يصلح للقضاء ولا للامارة، وأظن جمهور علماء المسلمين على ذلك انتهى. والظاهر) من كلام المؤلف جواز ولاية المعتق. قال ابن عرفة: وهو المعروف، وعزاه ابن عبد السلام للجمهور قالا: ومنعه سحنون خوفا من استحقاقه فيجب رده إلى الرق ويفضي ذلك إلى رد أحكامه والله أعلم. وظاهر كلامه أيضا أن ولاية الفاسق لا تصح ولا ينفذ حكمه، وافق الحق أم لم يوافقه، وهو المشهور كما صرح به في توضيحه، وقاله في التنبيهات، ونقله ابن فرحون وغيره. وقال أصبغ: الفسق موجب للعزل ولا يجوز أن يولى الفاسق ويمضي من أحكامه ما وافق الحق. انتهى من التوضيح بالمعنى. وقال في العمدة: وهل ينعزل بفسقه أم يجب عزله قولان انتهى. ص: (ذكر) ش: قال في التوضيح: وروى ابن أبي مريم عن ابن القاسم جواز ولاية المرأة. قال ابن عرفة: قال ابن زرقون: أظنه فيما تجوز فيه شهادتها. قال ابن عبد السلام: لا حاجة لهذا التأويل لاحتمال أن يكون ابن القاسم قال كقول الحسن والطبري بإجازة ولايتها القضاء مطلقا. قلت: الاظهر قول ابن زرقون لان ابن عبد السلام قال في الرد على من شذ من المتكلمين وقال الفسق لا ينافي القضاء ما نصه: وهذا ضعيف جدا لان العدالة شرط في قبول الشهادة والقضاء أعظم حرمة منها. قلت: فجعل ما هو مناف للشهادة مناف للقضاء فكما أن النكاح والطلاق والعتق

[ 66 ]

والحدود لا تقبل فيها شهادتها فكذلك لا يصح فيها قضاؤها انتهى. ص: (فطن) ش: قال ابن عبد السلام: والمراد من الفطانة بحيث لا يستزل في رأيه ولا تتمشى عليه حيل الشهود وأكثر الخصوم انتهى. قال في التوضيح: وهذا الشرط لم يقع في كل نسخ ابن الحاجب، وكلام الطرطوشي يدل على اشتراطه انتهى. وجعل ابن رشد في المقدمات الفطنة من الصفات المستحبة فقال: وأن يكون فطنا غير مخدوع لعقله انتهى. وكذا جعله ابن فرحون من الصفات المستحبة. وقال ابن عرفة: وعد ابن الحاجب كونه فطنا من القسم الاول وهو ظاهر كلام الطرطوشي لا يكتفي بالعقل التكليفي بل لا بد أن يكون بين الفطنة بعيدا من الغفلة. وعده ابن رشد وابن شاس من الصفات المستحبة غير الواجبة. والحق أن مطلق الفطنة المانع من كثرة التغفل من القسم الاول، والفطنة الموجبة للشهرة بها غير النادرة ينبغي كونها من الصفات المستحبة، فعلى هذا طريقة ابن رشد أنسب لان فطنا من أبنية المبلغة كحذر والمبالغة فيها مستحبة انتهى. فلو قال المؤلف ذا فطنة لكان أحسن والله أعلم. لطيفة: قال المشذالي في حاشية المدونة: روي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بالبصرة عدي بن أرطأة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة فول القضاء أنفذهما. فجمع عدي بينهما وقال لهما ما عهد به عمر إليه. فقال له إيا س: سل عني وعن القاسم فقيهي البصرة الحسن وابن سيرين. وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين وإياس لا يأتيهما، فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به فقال له القاسم: لا تسأل عني ولا عنه، فوالله الذي لا إله إلا هو أن إياسا أفقه مني وأعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبا فما عليك أن توليني وأنا كاذب، وإن كنت صادقا فينبغي لك أن تقبل قولي. فقال له إياس: إنك جئت برجل وأوقفته على شفا جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة فيستغفر الله منها وينجو مما يخاف. فقال له عدي: أما إنك إذا فهمتها فأنت لها فاستقضاه انتهى. ص: (مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد) ش:

[ 67 ]

يشير إلى أن القاضي يشترط فيه أن يكون عالما. وجعل ابن رشد العلم من الصفات المستحبة. وقال ابن عبد السلام: والمشهور أنه من القسم الاول انتهى. وكذا عده صاحب الجواهر والقرافي من القسم الاول وعليه عامة أهل المذهب. وعليه فلا تصح تولية الجاهل ويجب عزله، وأحكامه مردودة ما وافق الحق منها وما لم يوافقه، وسيصرح المؤلف بأنها مردودة ما لم يشاور والله أعلم. ثم إنه إذا وجد مجتهد وجب توليته ولا يجوز لغيره أن يتولى. قال في الذخيرة عن ابن العربي ونقله ابن فرحون: فإن تقلد مع وجود المجتهد فهو متعد جائر انتهى. فظاهر كلام ابن العربي أن الاجتهاد إذا وجد ليس بشرط لا كما تعطيه عبارة المؤلف من أنه شرط يقتضي عدم صحة التولية بل الشرط العلم، وأما الاجتهاد. إذا وجد فلا يجوز العدول عن صاحبه فقط فتأمله. وقال ابن عرفة: وجعل ابن مرزوق كونه عالما من القسم المستحب، وكذا ابن رشد إلا أنه عبر عنه بأن يكون عالما يسوغ له الاجتهاد. وقال عياض وابن العربي والمازري: يشترط كونه عالما مجتهد أو مقلدا إن فقد المجتهد كشرط كونه مسلما حرا. ثم قال ابن العربي: قبول المقلد الولاية مع وجود المجتهد جور وتعد ومع عد - المجتهد جائز. ثم قال: ففي صحة تولية المقلد مع وجود المجتهد قولان لابن زرقون مع ابن رشد وعياض مع ابن العربي والمازري قائلا: هو محكي أئمتنا عن المذهب ومع فقده جائز ومع وجود المجتهد أولا اتفاقا فيهما انتهى. وانظر كيف عزا لابن العربي عدم صحة ولاية المقلد مع وجود المجتهد مع أنه نقل قبل هذا قوله قبول المقلد الولاية مع وجود المجتهد جور وتعد إلا أن يكون فهم من قوله جور وتعد أنها لا تصح فيصح كلامه إلا أن الذي يتبادر للفهم من قوله جور وتعد أنها تصح إلا أنه متعد فقط. وعلى ما فهمه ابن عرفة فيسقط الاعتراض السابق على المؤلف، ولعل المؤلف فهمه على ذلك،

[ 68 ]

فعلم من هذا أن كلام المؤلف ماش على ما عزاه ابن عرفة لعياض والمازري وابن العربي والله أعلم. وقول المؤلف أمثل مقلد يشير به إلى قول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب فإن لم يوجد مجتهد فمقلد، إلا أنه ينبغي أن يختار أعلم المقلدين ممن له فقه نفيس وقدرة على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه، ويعلم منه ما هو أجرى على أصل أمامه مما ليس كذلك. وأما إن لم يكن بهذه المرتبة فيظهر من كلام الشيوخ اختلاف بينهم، هل يجوز توليته القضاء أو لا. وهذه المسألة مفرعة على جواز تقليد الميت انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن عبد السلام هذا قلت: قوله اختلاف في جواز توليته إن أراد مع وجود ذي الرتبة الاولى فصحيح، وإن أراد مع فقده فظاهر أقوالهم صحة توليته خوف تعطيل الحكم بين الناس دون خلاف في ذلك انتهى. وقال ابن عبد السلام على جواز تقليد الميت: نقل ابن عرفة عن أهل الاصول انعقاد الاجماع على جواز تقليد الميت وسيأتي بعد هذا. وكلام القرافي في أول الباب الثاني من كتاب القضاء يؤذن بصحة ولاية هذا الذي قال ابن عبد السلام إن فيه اختلافا فراجعه والله أعلم. تنبيهات: الاول: قول المؤلف مجتهدان وجد قال البساطي: يقتضى أنه ممكن، فإن عنى به أنه مجتهد في مذهب مالك فقد يدعي أنه ممكن، وإن أراد المجتهد في الادلة فهذا غير ممكن. وقول بعض الناس إن المازري وصل إلى رتبة الاجتهاد كلام غير محقق لان الاجتهاد مبدؤه صحة الحديث عنده وهو غير ممكن ولا بد فيه من التقليد. وقول الشيخ محي الدين النووي إنه ممكن كالكلام المتقدم انتهى. وتأمل كلامه هذا فإنه يقتضي أن الاجتهاد غير ممكن، والخلاف بين علماء الاصول إنما هو هل يمكن خلو الزمان عن مجتهد أم لا ؟ وكلام ابن عبد السلام يشهد لامكانه لقوله: وما أظنه انقطع بجهة المشرق فقد كان منهم من ينسب إلى ذلك ممن هو في حياة أشياخنا وأشياخ أشياخنا، ومواد الاجتهاد في زماننا أيسر منها في زمان المتقدمين لو أراد الله بنا الهداية، ولكن لا بد من قبض العلم بقبض العلماء كما أخبر به الصادق صلوات الله عليه. انتهى ونحوه في التوضيح وزاد: لان الاحاديث والتفاسير قد دونت وكان الرجل يرحل في سماع الحديث الواحد. فإن قيل يحتاج المجتهد إلى أن يكون عالما بمواضع الاجماع والخلاف وهو متعذر في زماننا لكثرة المذاهب وتشعبها. قيل: يكفيه أن يعلم أن المسألة ليست مجمعا عليها لان المقصود أن يحترز من مخالفة الاجماع وذلك ممكن انتهى. وقول البساطي لا بد في صحة الحديث من التقليد لا يلزم منه عدم إمكان المجتهد لان التقليد في صحة الحديث لا يقدح في الاجتهاد فتأمله والله أعلم. وقال ابن عرفة: وما أشار إليه ابن عبد السلام من يسر الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الاشياخ أن قراءة مثل هذه الجزولية والمعالم الفقهية والاطلاع على أحاديث الاحكام الكبرى لعبد الحق ونحو ذلك يكفي في تحصيل أدلة الاجتهاد، يريد مع يسر الاطلاع على فهم مشكل اللغة بمختصر العين

[ 69 ]

والصحاح للجوهري ونحو ذلك من غريب الحديث ولا سيما مع نظر ابن القطان وتحقيقه أحاديث الاحكام وبلوغ درجة الامامة أو ما قاربها في العلوم المذكورة غير مشترط الاجتهاد إجماعا. وقال الفخر في المحصول وتبعه السراج في تحصيله والتاج في حاصله في كتاب الاجماع ما نصه: ولو بقي من المجتهدين والعياذ بالله واحد كان قوله حجة، فاستعاذتهم تدل على بقاء الاجتهاد في عصرهما والفخر توفي سنة ست وستمائة ولكن قالوا في كتاب الاستغناء انعقد الاجماع في زماننا على تقليد الميت إذ لا مجتهد فيه انتهى. الثاني: بقي على المؤلف شرط آخر وهو أن يكون القاضي واحدا، نص عليه في المقدمات ونصه: فأما الخصال المشترطة في صحة الولاية فهي أن يكون حرا مسلما عاقلا بالغا ذكرا واحدا. فهذه الست الخصال لا يصلح أن يولى القضاء على مذنبنا إلا من اجتمعت فيه، فإن ولي من لم تجتمع فيه لم تنعقد له الولاية، وإن انخرم شئ منها بعد انعقاد الولاية سقطت الولاية انتهى. ثم ذكر العدالة وقال: إنه من هذا القسم على المشهور. وإنما أخرها لان فيه خلافا. وأما العلم والفطنة فعدهما من الصفات المستحبة كما تقدم. وممن نقل هذا الشرط ابن شاس والقرافي واستوفى ابن غازي الكلام عليه عند قول المؤلف وجاز تعدد مستقل والله أعلم. الثالث: قال في المقدمات يجب أن لا يولى القضاء من أراده وطلبه وإن اجتمعت فيه شرائط القضاء مخافة أن يوكل إليه فلا يقوم به انتهى. ويريد إلا أن يتعين عليه فيجب عليه حينئذ السؤال. وهذا في السؤال بغير بذل مال فكيف مع بذل المال نسأل الله العافية والسلامة. والظاهر أنه إذا طلب فولى لا يجب عزله إذا كان جامعا لشروط القضاء والله أعلم. فهذه المسألة مع مسألة تولية المقلد مع وجود المجتهد قسم رابع فإنه لا تجوز التولية أولا، فإذا ولي لا ينعزل. وقال القرطبي في شرح قوله (ص) لا تسأل الامارة. هو نهي وظاهره التحريم وعليه يدل قوله بعد أنا لا نولي على عملنا من أراده انتهى والله أعلم. الرابع: قال البرزلي في مسائل الاقضية عن السيوري: إذا تجرح الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في جميع ما وصفته وفي جميع الاشياء، فيجتمع أهل الدين والفضل فيقومون مقام القاضي مع فقده في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك. قلت: تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم شئ منها انتهى. انظر المشذالي في كتاب الاجتهاد فإنه ذكر أن الجماعة تقوم مقام القاضي في مسائل، وذكر ذلك أيضا في كتاب الصلح، وذكره البرزلي في كتاب السلم، وقد ذكرت كلام المشذالي في باب النفقات في الطلاق على الغائب بالنفقة والله أعلم. الخامس: قال في الذخيرة في الباب الثالث من كتاب الاقضية في الكلام على ولاية

[ 70 ]

الظالم: نص ابن أبي زيد في النوادر على أنا إذا لم نجد إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم، ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم لئلا تضيع المصالح، وما أظنه يخالفه أحد في هذا لان التكليف مشروط بالامكان، وإذا جاز نصب الشهود فسقة لاجل عموم الفساد جاز التوسع في أحكام المظالم انتهى. ص: (فحكم بقول مقلده) ش: قال ابن فرحون: فصل: يلزم القاضي المقلد إذا وجد المشهور أن لا يخرج عنه. وذكر عن المازري رحمه الله أنه بلغ درجة الاجتهاد وما أفتى قط بغير المشهور، وعاش ثلاثا وثمانين سنة وكفى به قدوة في هذا، فإن لم يقف على المشهور من القولين أو الروايتين فليس له التشهي والحكم بما شاء منهما من غير نظر وترجيح، فقد قال ابن الصلاح رحمه الله في كتاب أدب المفتي والمستفتي: اعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو علمه موافقا لقول أو وجه في المسألة أو يعمل بما شاء من الاقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح، فقد جهل وخرق الاجماع وسبيله سبيل الذي حكى أبو الوليد الباجي عن فقهاء أصحابه أنه كان يقول الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه. وحكى الباجي عمن يثق به أنه وقعت له واقعة فأفتى فيها وهو غائب من فقهائهم يعني المالكية من أهل الصلاح بما يضره، فلما عاد سألهم فقالوا: ما علمنا أنها لك وأفتوه بالرواية الاخرى التي توافقه. قال الباجي: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين ممن يعتد به في الاجماع أنه لا يجوز. وقال ابن الصلاح: فإذا وجد من ليس أهلا للتخريج والترجيح اختلافا بين أئمة المذهب في الاصح من القولين أو الوجهين، فينبغي أن يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم فيعمل بقول الاكثر والاورع والاعلم، فإذا اختص أحدهم بصفة أخرى قدم الذي هو أحرى منهما بالاصابة، فالاعلم الورع مقدم على الاورع العالم. وكذا إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن أحد من أئمة المذهب بيان الاصح منهما اعتبر أوصاف ناقليهما أو قائليهما، قال ابن فرحون: وهذا الحكم جار في أصحاب المذاهب الاربعة ومقلديهم. وقال بعده بأسطر يسيرة: وهذه الانواع من الترجيح معتبرة أيضا بالنسبة إلى أئمة المذهب. قال ابن أبي زيد في أول النوادر: إن كتابه اشتمل على كثير من اختلاف المالكيين قال: ولا ينبغي الاختيار من الاختلاف للمتعلم ولا للمقصر، ومن لم يكن فيه محل لاختيار

[ 71 ]

القول فله في اختيار المفتيين من أصحابنا من نقادهم مقنع مثل سحنون وأصبغ وعيسى بن دينار، ومن بعدهم مثل ابن المواز وابن عبدوس وابن سحنون وابن المواز أكثرهم تكلفا للاختيارات، وابن حبيب لا يبلغ في اختياراته وقوة رواياته مبلغ من ذكرنا. انتهى كلام ابن فرحون. ثم نقل عن القرافي في كتاب الاحكام في تمييز الفتاوى عن الاحكام ما نصه: الحاكم إن كان مجتهدا لم يجز له أن يحكم أو يفتي إلا بالراجح عنده، وإن كان مقلدا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به، وإن لم يكن راجحا عنده مقلدا في رجحان القول المحكوم به إمامه. وأما اتباع الهوى في القضاء والفتيا فحرام إجماعا. نعم اختلف العلماء إذا تعارضت الادلة عند المجتهد وتساوت وعجز عن الترجيح، هل يتساقطان أو يختار أحدهما يفتي به ؟ قولان للعلماء. فعلى أنه يختار للفتيا فله أن يختار أحدهما يحكم به مع أنه ليس براجح عنده، وهذا مقتضى الفقه والقواعد. وعلى هذا التقدير فيتصور الحكم بالراجح وغير الراجح وليس اتباعا للهوى بل ذلك بعد بذل الجهد والعجز عن الترجيح وحصول التساوي، أما الفتيا والحكم بما هو مرجوح فخلاف الاجماع. وقال أيضا في أول هذا الكتاب: إن للحاكم أن يحكم بأحد القولين المتساويين من غير ترجيح ولا معرفة بأدلة القولين إجماعا، فتأمل هذا مع ما سبق من كلامه في قوله بعد بذل الجهد والعجز عن الترجيح. انتهى كلام ابن فرحون. فتحصل منه أنه إذا تساوى القولان من كل وجه أو عجز عن الاطلاع على أوجه الترجيح، فله أن يحكم أو يفتي بأحد القولين. ومن ابن فرحون أيضا: واعلم أنه لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتي. والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز، ولان يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل. وقد يكون تساهله بأن تحمله الاغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحذورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يروم ضرره. قال ابن الصلاح: ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه. قال: وأما إذا صح قصد المفتي واحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ولا تجر إلى مفسدة ليخلص بها المفتي من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل. وقال القرافي: إذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل، فلا ينبغي للمفتي أن يفتي العامة بالتشديد، والخواص وولاة الامور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتي في هذا انتهى. فروع: الاول: ما تقدم عن القرافي إنما هو إذا وجد في النازلة نصا، فأما إن لم يجد فنقل في التوضيح عند قول ابن الحاجب فيلزمه المصير إلى قول مقلده عن ابن العربي

[ 72 ]

ما نصه: ويقضي حينئذ بفتوى مقلده بنص النازلة، فإن قاس على قوله أو قال يجئ من كذا كذا فهو متعد. خليل: وفيه نظر، والاقرب جوازه للمطلع على مدارك إمامه انتهى. وقال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن العربي: قلت: يرد كلامه بأنه يؤدي إلى تعطيل الاحكام لان الفرض عدم المجتهد لامتناع تولية المقلد مع وجوده، فإذا كان حكم النازلة غير منصوص عليه ولم يجز للمقلد المولى القياس على قول مقلده في نازلة أخرى تعطلت الاحكام، وبأنه خلاف عمل متقدمي أهل المذهب كابن القاسم في المدونة في قياسه على أقوال مالك ومتأخريهم كاللخمي وابن رشد والتونسي والباجي وغير واحد من أهل المذهب، بل من تأمل كلام ابن رشد وجده يعد اختياراته بتخريجاته في تحصيله الاقوال أقوالا انتهى. وقد عد هو أعني ابن عرفة فتوى ابن عبد الرؤوف وابن السابق وابن دحون ونحوهم أقوالا ذكر ذلك في السلم في شرط كونه يتعلق بالذمم، ونقل لابن الطلاع قولا في المذهب نقله في غسل الوجه في الوضوء وجعله مقابلا لقول ابن القصار، وكان الشيخ خليل وابن عرفة لم يقفا على كلام القرافي في الذخيرة وبحثه مع ابن العربي ونصه بعد أن ذكر كلام ابن العربي. تنبيه: قوله فإن قاس على قوله فهو متعد قال العلماء: المقلد قسمان: محيط بأصول مذهب مقلدة وقواعده بحيث تكون نسبته إلى مذهبه كنسبة المجتهد المطلق إلى أصول الشريعة وقواعدها، فهذا يجوز له التخريج والقياس بشرائطه كما جاز للمجتهد المطلق. وغير محيط فلا يجوز له التخريج لانه كالعامي بالنسبة إلى حملة الشريعة، فينبغي أن يحمل قوله على القسم الثاني فيتجه وإلا فمشكل. انتهى من الباب الثاني وقال في الباب الخامس: المقلد له حالان: تارة يحيط بقواعد مذهبه فيجوز له تخريج غير المنصوص على المنصوص بشرط تعذر الفرق ومع إمكانه يمتنع لان نسبته إلى إمامه وقواعده كنسبة المجتهد المطلق إلى صاحب الشريعة وشريعته حكما، فكما للمجتهد المطلق التخريج عند عدم الفارق ويمتنع عند الفارق، فكذلك هذا المقلد. وتارة لا يحيط بقواعد مذهبه فلا يجوز له التخريج وإن بعد الفارق لاحتمال أنه لو اطلع على قواعد مذهبه لاوجب له الاطلاع الفرق. ونسبته إلى مذهبه كنسبة من دون المجتهد المطلق إلى حملة الشريعة، فكما يحرم على المقلد التخريج فيما ليس مذهب العلماء ويحرم عليه اتباع الادلة ويجب عليه أن لا يعمل إلا بقول عالم وإن لم يظهر له دليله لقصوره عن رتبة الاجتهاد، فكذلك هذا وهو المراد بما تقدم طفي شروط القضاء أنه لا يخرج ولا يحكم إلا بالمنصوص فافهم هذا التخريج فإنه يطرد في الفتيا أيضا انتهى. وقال ابن رشد في أجوبته في جواب سؤال سئل عنه: والسؤال عن الحكم في أمر القاضي إذا كان ملتزما للمذهب المالكي وليس في نظره من نال درجة الفتوى ولا هو في نفسه أهل لذلك، قد مضى القول عليه فيما وصفناه من حال الطائفة التي عرفت صحة مذهب مالك ولم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الاصول لانه لا يكون للمذهب المالكي إلا بما بان لهد من صحة أصوله، فسبيل

[ 73 ]

هذا القاضي فيما يمر به من نوازل الاحكام التي لا نص عنده فيها من قول مالك أو قول بعض أصحابه التي قد بانت له صحة، أن لا يقضي فيها إلا بفتوى من يسوغ له الاجتهاد ويعرف وجه القياس إن وجده في بلده وإلا طلبه في غير بلده، فإن قضى فيه برأيه ولا رأي له أو برأي من لا رأي له كان حكمه موقوفا على النظر، ويأمر الامام القاضي إذا لم يكن من أهل الاجتهاد ولا كان في بلده من يسوغ له الاجتهاد لا يقضي فيما سبيله الاجتهاد إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد انتهى. وسيأتي كلامه على الطائفة التي أحال عليها في الكلام على المفتي. وقال ابن الحاجب: فإن لم يوجد مجتهد فمقلد فيلزمه المصير إلى قول مقلده، وقيل لا يلزمه، وقيل لا يجوز له إلا باجتهاده. قال ابن عبد السلام: يعني إن ولي مقلد لعدم المجتهد فهل يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا يلزمه ذلك والاصل عدم اللزوم وهو الاقرب إلى عادة المتقدمين، فإنهم ما كانوا يحجرون على العوام اتباع عالم واحد ولا يأمرون من سأل أحدهم عن مسألة أن لا يسأل غيره لكن الاولى عندي في حق القاضي لزوم طريقة واحدة، وأنه إذا قلد إماما لا يعدل عنه لغيره لان ذلك يؤدي إلى اتهامه بالميل مع أحد الخصمين، ولما جاء من النهي عن الحكم في قضية بحكمين مختلفين انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله له. قلت: حمله كلام المؤلف على أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه وجواز انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر، لان القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما قدمناه من قول ابن العربي بنص قول مقلده فإن قاس عليه أو قال يجئ من كذا فهو متعد، وبقول التونسي واللخمي وابن رشد والباجي وأكثر الشيوخ بالتخريج من قول مالك وابن القاسم وغيرهما حسبما قدمناه عنهم انتهى. بل في نظره نظر، ولا أرجحية لحمله لان القولين اللذين فسر ابن عبد السلام بهما كلام ابن الحاجب موجودان. أما الاول فبقول ابن العربي يحكم بفتوى مقلده بنص النازلة، والثاني حكاه في الجواهر عن الطرطوشي ونصه: ولا يلزم أحدا من المسلمين أن يقلد في النوازل والاحكام من يعتزى إلى مذهبه، فمن كان مالكيا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى قول مالك، وهكذا القول في سائر المذاهب، بل أينما أداه اجتهاده من الاحكام صار إليه. فإن شرط على القاضي أن يحكم بمذهب إمام معين فالعقد صحيح والشرط باطل، كان موافقا لمذهب المشترط أو مخالفا له. انتهى من التوضيح. وانظر هذا مع ما نقله ابن فرحون في تبصرته في الباب الرابع من القسم الاول، فإنه نقل عن الطرطوشي أن العقد باطل والشرط باطل. انتهى فتأمله. ثم قال ابن عبد السلام، وقوله وقيل لا يجوز إلا باجتهاده يعني أنه لا يجوز تولية المقلد ألبتة، ويرى هذا القائل أن رتبة الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم كما أخبر به (ص) وإلا كانت الامة مجتمعة على الخطأ. قال ابن عرفة: حمله على عدم تولية المقلد. مطلقا هو ظاهر لفظه، وقبوله إياه يقتضي وجوده في المذهب

[ 74 ]

ولا أعرفه في المذهب إلا ما حكاه المازري عن الباجي في تعليله منع تولية قاضيين لا ينفذ حكم أحدهما دون الآخر، فإن ذلك يوجب التعطيل لان غالب المجتهدين الخلاف والمقلدان توليتهما ممنوعة. كذا نقل المازري عن الباجي ولم أجده له في المنتقى ولا في كتاب ابن زرقون انتهى. ثم ذكر ما نقلناه عنه أولا وهو قوله وما أشار إليه من يسر الاجتهاد إلى آخره. ثم قال: والاظهر تفسير كلام ابن الحاجب بجعل الضمير المخفوض في قوله باجتهاده عائدا على مقلده بفتح اللام، ومعناه أنه يجوز للقاضي المقلد لمالك مثلا في المسألة التي لا نص فيها أن يجتهد فيها باجتهاد إمامه أي بقواعده المعروفة له في طرق الاحكام الكلية. كقاعدته في تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد العدل وعلى القياس، وكقوله بسد الذرائع إلى غير ذلك من قواعده المخصوصة به في أصول الفقه. ولا يجوز له أن يجتهد في القياس على قوله اجتهادا مطلقا من غير مراعاة قواعده الخاصة به، فيتحصل من نقل ابن الحاجب في اجتهاد المقلد فيما لا نص لمقلده فيه ثلاثة أقوال: المنع مطلقا وهو نص ابن العربي وهو ظاهر ما تقدم من نقل الباجي ولا يفتي إلا من هذه صفته إلا أن يخبر بشئ سمعه. والثاني جواز القياس مطلقا من غير مراعاة قواعده الخاصة به وهو قول اللخمي وفعله، ولذا قال عياض في مداركه اختيارات له خرج بكثير منها عن المذهب. الثالث: جواز اجتهاده بعد مراعاة قواعد إمامه الخاصة به، وهذا هو مسلك ابن رشد والمازري والتونسي وأكثر الافريقيين الاندلسيين. وأما الملازمة في قوله وإلا كانت الامة مجتمعة على الخطأ ففي صدقها نظر لان تقديرها إن خلا الزمان عن مجتهد اجتمعت الامة على الخطأ وهذه مصادرة، لانه لا يلزم كونها مخطئة إلا إذا ثبت عدم الاكتفاء بالتقليد، وأما إذا كان جائزا فلا، والمسألة مشهورة في أصول الفقه. قال ابن الحاجب: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافا للحنابلة. زاد الآمدي وغيره: وجوزه آخرون وهو المختار انتهى. وقال المشذالي في حاشيته: ولا خلاف بين المحققين أن القاضي في هذا الزمان مفتقر إلى حفظ واسع واطلاع بارع وإدراك جيد نافع وخصوصا المدونة فإن فيها أزمة وافرة فيما يرجع إلى اقتناص الاحكام، ومن كتب الاحكام المتيطية فإن فيها جملة صالحة والتوفيق بيد الله. الثاني: وأما شرط الفتوى فقال ابن سلمون في وثائقه: سئل ابن رشد في الفتوى وصفة المفتي فقال: الذي أقول به في ذلك أن الجماعة التي تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاث طوائف: طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه دون التفقه في معانيها بتمييز الصيح منها والسقيم. وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها من صحة أصوله التي بناه عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه وتفقهت

[ 75 ]

في معانيها، فعلمت الصحيح منها الجاري على أصوله من السقيم الخارج إلا أنها لم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الاصول. وطائفة اعتقدت صحة مذهب بما بان لها أيضا من صحة أصوله لكونها عالمة بأحكام القرآن عارفة بالناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والخاص من العام عالمة بالسنين الواردة في الاحكام، مميزة بين صحيحها من معلولها، عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الامصار وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه، عالمة من علم اللسان بما يفهم به معاني الكلام، عالمة بوضع الادلة في مواضعها. فأما الطائفة الاولى فلا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته من قول مالك وقول أحد من أصحابه إذ لا علم عندها بصحة شئ من ذلك إذ لا يصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم، ويصح لها في خاصتها إن لم نجد من يصح لها أن تستفتيه أو تقلد مالكا أو غيره من أصحابه فيما حفظته من أقوالهم. وإن لم يعلم من نزلت به نازلة من يقلده فيها من قول مالك وأصحابه فيجوز للذي نزلت به النازلة أن يقلده فيما حكاه له من قول مالك في نازلته ويقلد مالكا في الاخذ بقوله فيها، وذلك أيضا إذا لم يجد في عصره من يستفتيه في نازلته فيقلده فيها. وإن كانت النازلة قد علم فيها اختلافا من قول مالك وغيره فأعلمه بذلك كان حكمه في ذلك حكم العامي إذا استفتى العلماء في نازلته فاختلفوا عليه فيها، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يأخذ بما شاء من ذلك، والثاني أنه يجتهد في ذلك فيأخذ في ذلك بقول أعلمهم. والثالث أنه يأخذ بأغلظ الاقوال. وأما الطائفة الثانية فيصلح لها إذا استفتيت أن تفتي بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه إذا كانت قد بانت لها صحته كما يجوز لها في خاصتها الاخذ بقوله إذا بانت لها صحته، ولا يجوز لها أن تفتي بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصا من قول مالك أو قول غيره من أصحابه وإن كانت قد بانت لها صحته إذ ليست ممن كمل آلات الاجتهاد الذي يصح لها بها قياس الفروع على الاصول. وأما الطائفة الثالثة فهي التي يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الاصول التي هي الكتاب والسنة وإجماع الامة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة وعلى ما قيس عليها إن قدم القياس عليها ومن القياس جلي وخفي، لان المعنى الذي يجمع بين الاصل والفرع قد يعلم قطعا بدليل قاطع لا يحتمل التأويل، وقد يعلم بالاستدلال فلا يوجب إلا غلبة الظن، ولا يرجع إلى القياس الخفي إلا بعد القياس الجلي. وهذا كله يتفاوت العلماء في التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا وتفترق أحوالهم أيضا في جودة الفهم لذلك وجودة الذهن فيه افتراقا بعيدا، إذ ليس العلم الذي هو الفقه في الدين بكثرة الرواية والحفظ وإنما هو نور يضعه الله حيث يشاء، فمن اعتقد في نفسه أنه ممن تصح له الفتوى بما أتاه الله عزوجل من ذلك النور المركب على المحفوظ المعلوم جاز له إن استفتي أن يفتي، وإذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز له أن يفتي فمن الحق للرجل أن لا يفتي حتى يرى نفسه أهلا لذلك ويراه الناس أهلا له على ما حكى مالك عن أن ابن هرمز أشار بذلك على من استشاره

[ 76 ]

السلطان فاستشاره في ذلك. وقد أتى ما ذكرناه على ما سألت عنه من بيان صفات المفتي التي ينبغي أن يكون عليها في هذا العصر إذ لا تختلف صفات المفتي التي تلزم أن يكون عليها باختلاف الاعصار. وأما السؤال عن بيان ما يلزم في مذهب مالك لمن أراد في هذا الوقت أن يكون مفتيا على مذهب مالك فإنه سؤال فاسد إذ ليس أحد بالخيار في أن يفتي على مذهب مالك ولا على مذهب غيره من العلماء، بل يلزمه ذلك إذا قام عنده الدليل على صحته، ولا يصح له إن لم يقم عنده الدليل على صحته. والسؤال عن الحكم في أمر القاضي إذا كان ملتزما للمذهب المالكي، وليس في نظره من نال درجة الفتوى ولا هو في نفسه أهل لذلك. قد مضى القول عليه فيما وصفناه من حال الطائفة التي عرفت صحة مذهب مالك ولم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الاصول، وذكر بقية كلامه المتقدم في الفرع الذي قبل هذا. وقال ابن عرفة: وأما شرط الفتوى ففيها لا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا للفتوى. وقال سحنون: الناس هنا العلماء. قال ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلا لذلك. قال القرافي إثر هذا الكلام: وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا لان الحنك - وهو اللثام تحت الحنك - من شعار العلماء حتى إن مالكا سئل عن الصلاة بغير حنك فقال: لا بأس بذلك. وهذه إشارة إلى تأكيد التحنيك، وهذا شأن الفتيا في الزمن المتقدم. وأما اليوم فقد خرق هذا السياج وهان على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم لا أدري فلا جرم آل الحال بالناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال والمتجرئين على دين الله تعالى انتهى. قلت: وقع هذا في رسم الشجرة من جامع العتبية لابن هرمز فيما ذكره مالك عنه وليس فيه ويرى نفسه أهلا لذلك فقال ابن رشد: زاد في هذه الحكاية في كتاب الاقضية من المدونة ويرى نفسه أهلا لذلك وهي زيادة حسنة لانه أعرف بنفسه وذلك أن يعلم نفسه أنه كملت له آلات الاجتهاد، وذلك علمه بالقرآن، وناسخه ومنسوخه، ومفصله من مجمله، وعامه من خاصه، وبالسنة مميزا بين صحيحها وسقيمها، عالما بأقوال العلماء وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه، عالما بوجوه القياس ووضع الادلة مواضعها، وعنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلام. وفي نوازل ابن رشد أنه سئل عمن قرأ الكتب المستعملة مثل المدونة والعتبية دون رواية أو الكتب المتأخرة التي لا توجد فيها رواية، هل يستفتى ؟ وإن أفتى وقد قرأها دون رواية هل تجوز شهادته أم لا ؟ فأجاب: من قرأ هذه الكتب وتفقه فيها على الشيوخ وفهم معناها وأصول مسائلها من الكتاب والسنة والاجماع وذكر ما نقلناه عنه في البيان في كلامه السابق ثم قال: فهذا يجوز له أن يفتي فيما ينزل ولا نص فيه باجتهاده قال: ومن لم يلحق هذه

[ 77 ]

الدرجة لم يصلح أن يستفتي في المجتهدات التي لانص فيها، ولا يجوز له أن يفتي في شئ منها إلا أن يعلم برواية عن عالم فيقلد فيما يخبر به، وإن كان فيها اختلاف أخبر بالذي ترجح عنده إن كان ممن له فهم ومعرفة بالترجيح. قلت: وهذا حال كثير ممن أدركناه وأخبرنا عنهم أنهم كانوا يفتون ولا قراءة لهم في العربية فضلا عما سواها من أصول الفقه. وقد ولي خطتي قضاء الانكحة والجماعة بتونس من قال ما فتحت كتابا في العربية على أحد، ومثله ولي القضاء في أوائل هذا القرن ببجاية، وقد رأيت بعض هؤلا يقرؤن التفسير وأخبرت أن بعضهم كان منعه قاضي وقته فلما مات أقرأه. وأفتى ابن عبد السلام بوجوب منع من لم يكن له مشاركة في علم العربية من إقراء التفسير ثم كان في حضرته من يقرئه بل ولاه محل أقرائه وهو ممن لم يقرأ في العربية كتابا والله أعلم بحال ذلك كله. وفي المقدمات: ينبغي للقاضي أن يكون عالما بما لا بد منه من العربية واختلاف معاني العبارات لاختلاف المعاني باختلاف العبارات في الدعاوى والاقرار والشهادات. وقال القرافي ما حاصله: يجوز لمن حفظ رواية المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه منها، وما ليس محفوظا له منها لا يجوز له تخريجه على ما هو محفوظ له منها إلا إن حصل علم أصول الفقه وكتاب القياس وأحكامه وترجيحاته وشرائطه وموانعه وإلا حرم عليه التخريج. قال: وكثير من الناس يقدمون على التخريج دون هذه الشرائط بل صار يفتي من لم يحط بالتقييدات ولا التخصيصات من منقول إمامه وذلك فسق ولعب. وشرط التخريج على قول إمامه أن يكون القول المخرج عليه ليس مخالفا للاجماع ولا لنص ولا لقياس جلي، لان القياس عليه حينئذ معصية وقول إمامه ذلك غير معصية لانه باجتهاد أخطأ فيه فلا يأثم. وتحصيل حفظ القواعد الشرعية إنما هو بالمبالغة في تحصيل مسائل الفقه بأصولها وأصول الفقه لا تفيد ذلك، ولذا ألفت هذا الكتاب المسمى بالقواعد. قلت: قوله ليس مخالفا للاجماع ولا لنص أما الاجماع فمسلم، وأما النص فليس كذلك لنص مالك في كتاب الجامع من العتبية وغيره على مخالفة نص الحديث الصحيح إذا كان العمل بخلافه انتهى. وكلام القرافي هذا في الفرق الثامن والتسعين، وقول ابن عرفة في أول الكلام. وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه. عبارة القرافي: فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما يحفظه وينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا انتهى. واختصر ابن عرفة كلامه فيه جدا. قال القرافي في الفرق المذكور: وكل شئ أفتى به المجتهد فوقعت فتياه فيه على خلاف الاصل والقواعد والاجماع والنص والقياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره إذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد فلا نقره والفتيا بغيره شرع حرام فالفتيا بهذا حرام. وإن كان الامام

[ 78 ]

المجتهد غير عاص فعلى أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعرف هذا من مذهبه إلا إن عرف القواعد والقياس الجلي والنص الصريح وعلة المعارض لذلك وذلك يعتمد تحصيل الفقه والتبحر في الفقه فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفقه والفتوى لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث لي على تصنيف هذا الكتاب لضبط تلك القواعد بحسب طاقتي، وباعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتيا فتأمل ذلك فإنه أمر لازم ولذلك كان السلف رضي الله عنهم يتوقفون في الفتيا توقفا شديدا انتهى. قلت: والظاهر أن قول القرافي وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها يعني غلب على ظنه أن هذه الرواية مطلقة وهذه مقيدة، وأما القطع بأن هذه الرواية ليست مقيدة فبعيد ويكفي الآن في ذلك وجود المسألة في التوضيح أو في ابن عبد السلام. قال ابن فرحون: قال المازري في كتاب الاقضية الذي يفتي به في هذا الزمان: أقل مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الشيوخ لها، وتوجيههم لما وقع فيها من اختلاف ظواهر واختلاف مذاهب وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق إلى النفس تباعدها، وتفريقهم بين مسائل ومسائل قد يقع في النفس تقاربها وتشابهها إلى غير ذلك مما بسطه المتأخرون في كتبهم وأشار إليه المتقدمون من أصحاب مالك في كثير من رواياتهم، فهذا لعدم النظار يقتصر على نقله عن المذهب انتهى. وفي آخر خطبة البيان والتحصيل لابن رشد قال: إذا جمع الطالب المقدمات إلى هذا الكتاب يعني البيان والتحصيل، حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه، وعرف العلم من طريقه وأخذه من بابه وسبيله، وأحكم رد الفرع إلى الاصل، واستغنى بمعرفة ذلك كله عن الشيوخ في المشكلات، وحصل في درجة من يجب تقليده في النوازل المعضلات، ودخل في زمرة العلماء الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية من كتابه ووعدهم فيه بترفيع الدرجات انتهى. وقد تقدم في أول المختصر عند قول المصنف مبينا لما به الفتوى في الكلام على الديباجة بعض هذه النصوص وشئ من هذا المعنى والله أعلم. الثالث: لم يتعرض المؤلف لما تنعقد به الولاية. وقال ابن بشير: في التحرير لانعقاد الولاية ثلاثة شروط: العلم بشرائط الولاية في المولى فإن لم يعلمها إلا بعد التقليد استأنفه. الثاني ذكر المولى له كالقضاء أو الامارة فإن جهل ذلك فسدت. الثالث ذكر البلد الذي عقدت عليه الولاية ليمتاز عن غيره. انتهى ونقله القرافي ونقله ابن فرحون عن ابن الامين. الرابع: قال ابن فرحون: قال الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن الامين القرطبي:

[ 79 ]

الالفاظ التي تنعقد بها الولايات أربعة: صريح وكناية. فالصريح أربعة ألفاظ وهي: وليتك وقلدتك واستخلفتك واستنبتك. والكناية ثمانية ألفاظ وهي: اعتمدت عليك، وعولت عليك، ورددت إليك، وجعلت إليك، وفوضت إليك، ووكلت إليك، وأسندت إليك. قال غيره: وعهدت إليك. وتحتاج الكناية إلى أن يقترن بها ما ينفي الاحتمال مثل احكم فيهما اعتمدت عليك فيه وشبه ذلك انتهى ونقله ابن بشير في التحرير. الخامس: قال ابن عرفة: وتولية الامام قاضيه تثبت بإشهاده بها نصا والاصح ثبوتها بالاستفاضة الدالة على توليته والقرائن على علم ذلك، ومنع بعضهم ثبوتها بكتاب يقرأ على الامام إن لم ينظر الشهود في الكتاب المقروء لجواز أن يقرأ القارئ ما ليس في الكتاب ولو قرأه الامام صحت. قلت: سماع الامام المقروء عليه مع سماعه وسكوته يحصل العلم ضرورة بتوليته إياه. ونقل المتيطي وغيره عن المذهب ثبوت ولايته بشهادة السماع انتهى. وقوله يقرأ على الامام كذا في النسخة التي رأيت منه وهو الذي يقتضيه بحثه والذي في تبصرة ابن فرحون عن الامام وهو الظاهر والله أعلم. وانظر نوازل ابن رشد في مسائل الاقضية. السادس: قال ابن فرحون: إذا كان القاضي المولى غائبا وقت الولاية فإنه يجوز أن يكون قبوله على التراخي عند بلوغ التقليد إليه، وعلامة القبول شروعه في العمل وبهذا جرى عمل الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى وقتنا هذا انتهى. وقال في الذخيرة: فرع: قال الشافعية: يجوز انعقاد ولاية القاضي بالمكاتبة والمراسلة كالوكالة وقواعدنا تقتضيه قالوا: فإن كان التقليد باللفظ مشافهة فالقبول على الفور لفظا كالايجاب، وفي المراسلة يجوز على التراخي بالقول. قالوا: وفي القبول بالشروع في النظر خلاف، وقواعدنا تقتضي الجواز لان المقصود هو الدلالة على ما في النفس انتهى. السابع: قال في الذخيرة: قال الشافعية: إذا انعقدت الولاية لا يجب على المتولي النظر حتى تشيع ولايته في عمله ليذعنوا له، وهو شرط أيضا في وجوب الطاعة، وقواعد الشريعة تقتضي ما قالوه، فإن التمكن والعلم شرطان في التكليف عندنا وعند غيرنا فالشياع يوجب له المكنة والعلم لهم انتهى. الثامن: قال ابن الحاجب: وللامام أن يستخلف من يرى غير رأيه في الاجتهاد أو التقليد ولو شرط الحكم بما يراه كان الشرط باطلا والتولية صحيحة. قال الباجي: كان في سجلات قرطبة ولا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده. قال في التوضيح: للامام أن يستخلف من يرى غير رأيه كالمالكي يولي شافعيا أو حنيفا، ولو شرط أي الامام على القاضي الحكم بما يراه الامام من مذهب معين أو اجتهاد له كان الشرط باطلا وصح العقد، وهكذا نقله في الجواهر عن

[ 80 ]

الطرطوشي. وقال غيره: العقد غير جائز وينبغي فسخه ورده، وهذا إنما هو إذا كان القاضي مجتهدا وهكذا فرض المازري المسألة فيه قال: وإن كان الامام مقلدا وكان متبعا لمذهب مالك واضطر إلى ولاية قاض مقلد لم يحرم على الامام أن يأمره أن يقضي بين الناس بمذهب مالك ويأمره أن لا يتعدى في قضائه مذهب مالك لما يراه من المصلحة في أن يقضي بين الناس بما عليه أهل الاقليم والبلد الذي هذا القاضي منه ولي عليهم. وقد ولى سحنون رجلا سمع بعض كلام أهل العراق وأمره أن لا يتعدى الحكم بمذهب أهل المدينة وقوله. قال الباجي: كان في سجلات قرطبة ولا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده. هكذا نقله الطرطوشي عن الباجي، وهو جهل عظيم منهم، يريد لان الحق ليس في شئ معين. قال ابن رشد: وما نقل عن سحنون من ولاية ذلك الشخص على أن لا يخرج عن أقوال أهل المدينة يريد قولهم انتهى. وقال ابن عرفة في أثناء الكلام على استخلاف القاضي نائبا: وشرط المستخلف على مستخلفه الحكم بمذهب معين وإن خالف معتقد المستخلف اجتهادا أو تقليدا فخرج على شرط ذلك الامام في توليته قاضيه عليه في صحته وبطلان توليته بذلك، ثالثها يبطل الشرط فقط لظاهر نقلهم عن سحنون أنه ولى رجلا سمع بعض كلام أهل العراق وشرط عليه الحكم بمذهب أهل المدينة. المازري: مع احتمال كون الرجل مجتهدا مع نقل الباجي كان الولاة عندنا بقرطبة يشترطون على من ولوه القضاء في سجله أن لا يخرج عن مذهب ابن القاسم ما وجده والطرطوشي لقوله فيما حكاه الباجي هذا جهل عظيم. ونقل المازري عن بعض الناس مع تخريجه على أحد الاقوال بإبطال فاسد الشرط في عقد البيع مع صحة البيع. قال: وقال بعض الناس: إن كان القاضي على مذهب مشهور وعليه عمل أهل بلده نهى عن الخروج عن ذلك المذهب وإن كان مجتهدا أداه اجتهاده إلى الخروج وعنه لتهمته أن يكون خروجه حيفا أو هوى، وهذا القول عمل بمقتضى السياسة ومقتضى الاصول خلافه والمشروع اتباع المجتهد مقتضى اجتهاده اه‍. التاسع: قال ابن فرحون في تبصرته: اختلف في قبول ولاية القضاء من الامير غير العادل، ففي رياض النفوس في طبقات علماء إفريقية لابي محمد عبد الله بن محمد المالكي قال سحنون: اختلف أبو محمد عبد الله بن فروخ وابن غانم قاضي إفريقية وهما رواة مالك رحمهم الله فقال ابن فروخ: لا ينبغي لقاض إذا ولاه أمير غير عدل أن يلي القضاء. وقال ابن غانم: يجوز أن يلي وإن كان الامير غير عدل. فكتب بها إلى مالك فقال مالك: أصاب الفارسي يعني ابن فروخ، وأخطأ الذي يزعم أنه عربي يعني ابن غانم. العاشر: قال في الذخيرة في الكلام على الولاية الخامسة التي هي وظيفة القضاء. قال اللخمي: إقامة الحكم للناس. واجب لانه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلى ولي الامر أن ينظر في أحكام المسلمين إن كان أهلا أو يقيم للناس من ينظر، فإن لم يكن للموضع ولي أمر

[ 81 ]

كان ذلك لذوي الرأي والثقة فما اجتمع رأيهم عليه أن يصلح أقاموه انتهى. وقال المازري في شرح التلقين: القضاء ينعقد بأحد وجهين: أحدهما عقد أمير المؤمنين أو أحد أمرائه الذين جعل لهم العقد في مثل ذلك. الثاني عقد ذوي الرأي وأهل العلم والمعرفة والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء، وهذا حيث لا يمكنهم مطالعة الامام في ذلك ولا أن يستدعوا منه ولايته، ويكون عقدهم له نيابة عن عقد الامام الاعظم أو نيابة عمن جعل الامام له ذلك للضرورة الداعية إلى ذلك. اه‍ من تبصرة ابن فرحون وتقدم في التنبيه الرابع عند قول المؤلف مجتهد شئ من هذا المعنى والله أعلم. فائدة: قال ابن عرفة ابن سهل: قال بعض الناس: خطة القضاء من أعظم الخطط قدرا وأجلها خطرا لا سيما إذا اجتمعت إليها الصلاة. قلت: يريد إمامة الصلاة ومقتضاه حسن اجتماعهما، والمعروف ببلدنا قديما وحديثا منع إقامة قاضي الجماعة بها أو الانكحة إمامة الجامع الاعظم بها، وسمعت بعض شيوخنا يعللون ذلك بأن القاضي مظنة لعدم طيب نفس المحكوم عليه به مع تكرر ذلك في الآحاد فيؤدي إلى إمامة الامام من هو له كاره. وقد خرج الترمذي عن أبي أمامة قال قال رسول الله (ص) ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون انتهى. فائدة: قال في الذخيرة: قال في النوادر: قال مالك: أول من استقضى معاوية ولم يكن لرسول الله (ص) ولا لابي بكر ولا لعثمان قاض بل الولاة يقضون، وأنكر قول أهل العراق عمر استقضى شريحا وقال: كيف يستقضي بالعراق دون الشام واليمن وغيره فليس كما قالوا. انتهى. ص: (ونفذ حكم أعمى وأبكم وأصم ووجب عزله) ش: هذا هو القسم الثاني وهو ما يقتضي عدمه الفسخ وإن لم يكن شرطا في صحة الولاية ويجب أن يكون القاضي متصفا بها. قال في التوضيح: الصفة الثانية غير شرط في صحة الولاية ولكنه يجب أن يكون متصفا بها، وعدمها موجب للعزل وينفذ ما مضى من أحكامه انتهى. فقول الشيخ بهرام هذه الاوصاف توجب العزل وليس عدمها من شروط الصحة بل وجودها من باب الاستحباب، مخالف لما تقدم من كلام التوضيح. وقال ابن عبد السلام: فإن قلت: لم خصت الصفة الاولى بالشرطية ؟ قلت: لان الولاية تنعدم بانعدامها والصفة الثانية ليست كذلك وإن وجب العزل إذا انعدمت، وهذا كما يفرقون في مسائل الصلاة بين الواجب الذي شرط في صحة الصلاة وبين

[ 82 ]

الواجب الذي ليس شرطا في صحتها انتهى. وانظر كلام المقدمات بعد هذا. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: الثاني السمع والبصر والكلام يعني أن النوع الثاني من صفات القاضي وهو الموجب للعزل إذا عدم أو عدم بعض أجزائه إلا أن وحدة النوع الاول وجعل ما تحته من القيود كالاجزاء صحيح، لان كل واحد من تلك الاجزاء إذا عدم منع الولاية، ولان جزء الشرط ينعدم المشروط بانعدامه، وأما وحدة هذا النوع بحيث يكون كل واحد من السمع والبصر والكلام جزءا له فغير صحيح، وذلك أن المؤلف جعل أثر هذا النوع إنما هو في وجوب العزل لا في انعقاد الولاية، وإنما يظهر هذا إذا انعدم واحد من تلك الاجزاء بقيد الوحدة، وأما إذا انعدم اثنان منها فأكثر فلا تنعقد الولاية أصلا. انتهى فتأمله. سؤال: قال البساطي: فإن قلت: إما أن يجعل العمى مثلا مانعا من تولية القضاء أو لا، فعلى الاول لا ينفذ حكمه وعلى الثاني لا يجب عزله قلت: كل من الشقين ممنوع، وسند الاول أن المانع إذا كان في الابتداء ترتب عليه الحكم الذي ذكرت أعني أنه لا ينفذ حكمه. ولا يلزم من هذا أنه إذا طرأ وقد كان ولي على غير هذه الصفة أنه لا تنفذ أحكامه، فمن ولى صحيحا وطرأ عليه هذا المانع هو الذي ينفذ حكمه والكلام فيه. وسند الثاني أن ما ليس بمانع من نفود الحكم لا يلزم معه دوام التولية لان النفوذ مستند إلى التولية الصحيحة ووجوب العزل مستند إلى الطارئ انتهى. وفي جوابه نظر لاقتضائه أن نفوذ حكم القاضي الاعمى إنما هو إذا ولي صحيحا ثم طرأ عليه. قال في المقدمات: وأما الخصال التي ليست مشروطة في صحة الولاية إلا أن عدمها يوجب فسخ الولاية فهي أن يكون سميعا بصيرا متكلما عدلا، فهذه الاربع خصال لا يجوز أن يولى القضاء إلا من اجتمعت فيه، فإن ولي من لم تجتمع فيه وجب أن يعزل متى عثر عليه ويكون ما مضى من أحكامه جائزا إلا الفاسق فاختلف فيما مضى من أحكامه فقال أصبغ: إنها جائزة. والمشهور في المذهب أنها مردودة، وعليه فالعدالة مشروطة في صحة الولاية كالاسلام والحرية انتهى. وقال في التوضيح: تنفذ أحكامه سواء ولي كذلك أو طرأ عليه ذلك انتهى. والجواب عن سؤاله أن يقال: قولك العمى مثلا مانع، ما تعني به مانع من صحة التولية أو من جوازها ؟ فالاول ليس مرادا لنا وعليه يلزم ما ذكرت، والثاني مرادنا ولا يلزم عليه ما ذكرت والله أعلم. تنبيه: ترك المؤلف الكلام على الكتابة. قال في التوضيخ: قال الباجي وابن رشد: إنه لا نص هل يشترط في القاضي أن يكتب، وعن الشافعية قولان انتهى. قال ابن عبد السلام: ورجح الباجي وابن رشد صحة الولاية مع ظهور القول بالمنع، وظاهر كلام بعض الاندلسيين المنع انتهى. ص: (ولزم المتعين أو الخائف فتنة أو ضياع الحق إن لم يتول القبول والطلب) ش: كأنه سقط عند الشارح بهرام لفظ والطلب في الشرح الكبير فقال: ولم يتعرض للطلب،

[ 83 ]

وظاهر كلامه أنه لا يجب لان قوله يلزمه القبول يدل على أن اللزوم مشروط بعرض الولاية عليه، وقد ذكر بعض أصحابنا أن القضاء يجب طلبه إذا كان من أهل الاجتهاد والعدالة ولا يكون هناك قاض أو يكون ولكن تحرم ولايته، أو يعلم أنه إذا لم يتول تضيع الحقوق ويكثر الهرج فقد قالوا: إنه إذا خاف ضياع الحقوق يجب عليه الطلب انتهى. وأما في الوسط والصغير فظاهر كلامه ثبوتها. وانظر إذا قيل يلزمه الطلب فطلب فمنع من التولية إلا ببذل مال، فهل يجوز له بذله ؟ الظاهر أنه لا يجوز له بذله لانهم قالوا كما سيأتي: إنما يلزمه القبول إذا تعين إذا كان يعان على الحقوق وبذل المال في القضاء من أول الباطل الذي لم يعن على تركه فيحرم عليه حينئذ، وقد يفهم ذلك من الفرع الآتي لابن فرحون والله أعلم. قال ابن الحاجب: وهو أي القضاء فرض كفاية، فإذا انفرد بشرائط تعين.

[ 84 ]

قال ابن عبد السلام: قيل إن علم القضاء يرجع إلى تعيين المدعي من المدعى عليه، فإذا كان هذا علم القضاء أو لازما له فلا بد من نصب إنسان يرفع النزاع الواقع بين الناس وينصف المظلوم من الظالم. ولما كان هذا المعنى يحصل في البلد من واحد ومن عدد قليل، كان هذا الفرض فيه على الكفاية إذا تعدد من فيه أهلية ذلك فإن اتحد تعين. ثم قال: وهذه مرتبة القاضي في الدين حين كان القاضي يعان على ما وليه حتى ربما كان بعضهم يحكم على من ولاه ولا يقبل شهادته إن شهد عنده لعدم أهلية الشهادة منه، وأما إذا صار القاضي لا يعان بل من ولاه ربما أعان عليه من مقصوده بلوغ هواه على أي حال كان، فإن ذلك الواجب ينقلب محرما نسأل الله السلامة. وبالجملة إن أكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة انتهى. ونقله في التوضيح. قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن عبد السلام هذا. قلت: وحدثني من أثق به وبصحة خبره أنه لما مات القاضي بتونس الشيخ أبو علي بن قداح، تكلم أهل مجلس السلطان في ولاية قاض فذكر بعض أهل المجلس ابن عبد السلام فقال بعض كبار أهل المجلس: إنه شديد الامر ولا تطيقونه. فقال بعضهم: نستخبر أمره. فدسوا عليه رجلا من الموجدين كان جارا له يعرف بابن إبراهيم فقال له: هؤلاء امتنعوا من توليتك لانك شديد في الحكم فقال، أنا أعرف العوائد وأمشيها، فحينئذ ولوه من عام أربعة وثلاثين إلى أن توفي رحمه الله عام تسع وأربعين وسبعمائة انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل هذا من ابن عبد السلام رحمه الله على أنه خاف أن يولي من لا يصلح للولاية فتسبب في ذلك لدفع مضرة ذلك كما ذكره ابن عرفة عن بعض شيوخه في تسببه بولايته لقضاء الانكحة تسببا ظاهرا علمه القريب منه والبعيد. قال: وكان ممن يشار إليه بالصلاح والاعمال بالنيات، وقد أشار ابن غازي إلى هذا في تكميل التقييد، فإذا كان هذا حكم القسم الواجب صار محرما فكيف ببقية الاقسام ؟ وقال في المقدمات: الهرب من القضاء واجب وطلب السلامة منه لا سيما في هذا الوقت واجب لازم، وقد روي أن عمر رضي الله عنه دعا رجلا ليوليه فأبى فجعل يديره على الرضا فأبى ثم قال له: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أي ذلك تعلم خيرا لي: قال: أن لا تلي. قال: فاعفني. قال: قد فعلت. ثم قال: وطلب القضاء والحرص عليه حسرة وندامة يوم القيامة. وروي عن النبي (ص) أنه قال ستحرصون على الامارة وتكون حسرة وندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة فمن طلب القضاء وأراده وحرص عليه وكل إليه وخيف عليه فيه الهلاك، ومن لم يسأله وامتحن به وهو كاره له خائف على نفسه فيه أعانه الله عليه. روي عن النبي (ص) أنه قال من طلب القضاء واستعان

[ 85 ]

عليه وكل إليه، ومن لم يطلبه ولا استعان عليه أنزل الله ملكا يسدده وقال (ص) لا تسأل الامارة فإنك إن تؤتها من غير مسألة تعن عليها، وإن تؤتها عن مسألة توكل إليها انتهى. وقال الجزيري في وثائقه: القضاء محنة وبلية ومن دخل فيه فقد عرض نفسه للهلاك لان التخلص منه عسر فالهروب منه واجب لا سيما في هذا الوقت وطلبه نوك وإن كان حسبة. قاله الشعبي. ورخص فيه بعض الشافعية إذا خلصت نيته للحسبة بأن يكون قد وليه من لا يرضى حاله، والاول أصح لقوله عليه السلام أنا لا نستعمل على عملنا من أراده انتهى. والنوك بالضم الحمق. قاله في الصحاح. قال قيس بن الخطيم: وداء النوك ليس له دواء والنواكة الحماقة. قال ابن عرفة إثر نقله كلام المقدمات المذكور قلت: ظاهره مطلقا. وزعم بعضهم أنه إن خاف من فيه أهلية أن يولي من لا أهلية فيه أن له طلبه وقد تحققت بالخبر الصادق أن بعض شيوخنا وكان ممن يشار إليه بالصلاح لما وقع النظر بتونس في ولاية قاضي الانكحة تسبب في ولايتها تسببا ظاهرا علمه القريب منه والبعيد، وما أظنه فعل ذلك إلا لما نقل المازري والاعمال بالبينات. قال المازري: يجب على من هو من أهل الاجتهاد والعدالة السعي في طلبه إن علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق أو وليه من لا يحل أن يولي، وكذلك إن وليه من لا تحل ولايته توليته ولا سبيل لعزله إلا بطلبه انتهى. فرع: قال ابن فرحون: وأما تحصيل القضاء بالرشوة فهو أشد كراهة. وقال أبو العباس من تلامذة ابن شريح الشافعي في كتابه أدب القضاء: من تقبل القضاء بقبالة وأعطى عليه الرشوة فولايته باطلة وقضاؤه مردود وإن كان قد حكم بحق. قال: وإن أعطى رشوة على عزل قاض ليولى هو مكانه فكذلك أيضا، وإن أعطاها على عزله دون ولاية فعزل الاول برشوة ثم استقضى هو مكانه بغير رشوة نظر في المعزول، فإن كان عدلا فإعطاء الرشوة على عزله حرام والمعزول باق على ولايته إلا أن يكون من عزله تاب فرد الرشوة قبل عزله. وقضاء المستخلف أيضا باطل إلا أن يكون تاب قبل الولاية فيصح قضاؤه، فإن كان المعزول جائرا لم يبطل قضاء المستخلف، قال المؤلف أبو العباس: قلت: هذا تخريجا على مذهب الشافعي والحنفي انتهى.

[ 86 ]

ص: (وحرم لجاهل وطالب دنيا) ش: لو قال عوض قوله لجاهل لغير أهله كما قال ابن عرفة ويحرم طلبه على فاقد أهليته انتهى لكان أتم. فائدة: ويحرم السعي على من قصد بالسعي الانتقام من أعدائه. قاله ابن فرحون. ص: (وندب ليشهر علمه) ش: نقله ابن عرفة عن المازري عن بعض العلماء وزاد معه: أو أن يكون فقيرا وله عيال ويسعى في تحصيله لسد خلته ونصه: قال بعض العلماء: يستحب طلبه لمجتهد خفي علمه وأراد إظهاره بولايته القضاء، أو لعاجز عن قوته وقوت عياله إلا برزق القضاء. المازري: ولا يقتصر بالاستحباب على هذين، بل يستحب للاولى به من غيره لانه أعلم منه انتهى. وعبر ابن فرحون عن هذا الاخير بقوله: قال المازري: وقد يستحب لمن لم يتعين عليه ولكن يرى أنه أنهض به وأنفع للمسلمين من آخر يولاه وهو ممن يستحق التولية ولكنه مقصر عن هذا انتهى. وإن كان يقصد به دفع ضرر عن نفسه، فعده ابن فرحون في القسم المباح قال: ونقله المازري في الوجه المستحب، وكذلك عد ابن فرحون في القسم المباح ما نقل المازري عن بعضهم من أنه إذا كان فقيرا وطلبه لسد خلته أنه مستحب، وعكس ما ذكره المؤلف وهو ما إذا كان عدلا مشهورا ينفع الناس بعلمه وخاف إن تولى القضاء أن لا يقدر على ذلك يكره له السعي. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة عن المازري: وفي كونه في حق المشهور علمه الغنى مكروها أو مباحا نظر. قال: وأصول الشرع تدل على الابعاد منه انتهى. قال ابن فرحون: ومن المكروه أن يكون سعيه في طلب القضاء لتحصيل الجاه والاستعلاء على الناس، فهذا يكره له السعي، ولو قيل إنه يحرم لكان وجهه ظاهرا لقوله تعالى * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * انتهى. وأما إباحة السعي فقال في التوضيح: قال المازري: ويبعد عندي تصور الاباحة إلا عند تقابل أدلة الاحكام وقرائن الاحوال ولا يقدر على ترجيح بعضها على بعض للفهم، وقد تقدم أن ابن فرحون جعل منه مسألة من سعى فيه لسد خلته، وتقدم كلام ابن عرفة أيضا والله أعلم. قال ابن عرفة بعد ذكره هذه الاقسام: قلت: هذا كله ما لم تكن توليته ملزومة لما لا يحل من تكليفه تقديمه من لا يحل تقديمه للشهادة وقد شاهدنا من ذلك ما الله أعلم به ولا فائدة في كتبه هنا. انتهى والله أعلم. ص: (كورع نزه) ش: الفرق بين الورع والنزه أن الورع هو التارك للشبهات. قاله في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وفائدة كونه ورعا ظاهرة وهو أولى الناس بذلك. والنزه هو الذي لا يطمع فيما عند الناس. قال في المقدمات: روي عن عمر بن عبد

[ 87 ]

العزيز رضي الله عنه في صفات القاضي أن يكون عالما بالكتاب والسنة ذا نزاهة عن الطمع انتهى. وفي الذخيرة قال ابن محرز: لا يأتي بما نصب له حتى يكون ذا نزاهة ونصيحة ورحمة وصلابة ليفارق بالنزاهة التشوف لما في أيدي الناس، وبالنصيحة ليفارق حال من يريد الظلم ولا يبالي بوقوع الغش والغلط والخطأ، وبالرحمة حال القاسي الذي لا يرحم الصغير واليتيم والمظلوم، وبالصلابة حال من يضعف عن استخراج الحقوق انتهى. ص: (غنى) ش: قال ابن عبد السلام: الظاهر الاكتفاء بالغنى عن عدم الدين فإن وجود الدين مع الغنى ربما يزيد على مقدار الدين لا أثر له انتهى. قال في التوضيح: خليل: وفيه نظر، والظاهر خلافه ولا يخفى عليك انتهى. وقال سحنون في كتاب ابنه: وإذا كان الرجل فقيرا وهو أعلم من في البلد وأرضاهم استحق القضاء ولكن ينبغي أن لا يجلس حتى يغنى ويقضي دينه. قال المازري: وهذا من المصلحة لانه ربما دعاه فقره إلى استمالة الاغنياء والضراعة لهم وتمييزهم على الفقراء بالاكبار إذا تخاصموا مع الفقراء فإذا كان غنيا بعد عن ذلك. انتهى من تبصرة ابن فرحون ونقله غيره والله أعلم. تنبيه: زاد ابن الحاجب: أن يكون بلديا ولا يخاف في الله لومة لائم والمصنف إنما ترك الاول لان ابن رشد وابن عبد السلام قالا: إن الولاة اليوم يرجحون غير البلدي على البلدي. وترك الثاني لانه قال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام: الظاهر أنه راجع إلى النوع الاول لان الخوف من لومة اللائم راجع إلى الفسق. انتهى. ص: (نسيب) ش: قال ابن عرفة: قال سحنون: ولا بأس بولاية ولد الزنا ولا يحكم في حد. قال الباجي: الاظهر منعه لان القضاء موضع رفعة فلا يليها ولد الزنا كالامامة. الصقلي عن أصبغ: لا بأس أن يستفتي من حد في الزنا إذا تاب ورضيت حاله أو كان عالما، ويجوز حكمه في الزنا وإن لم تجز شهادته فيه لان المسخوط يجوز حكمه ما لم يحكم بجور أو خطأ ولا تجوز شهادته، وعزاه الباجي لاصبغ انتهى. ص: (بلا دين وحد) ش: قال في التوضيح: وجوز أصبغ حكمه فيما حد فيه، ومنعه سحنون قياسا على الشهادة انتهى. ص: (وزائد في الدهاء) ش: الدهاء بفتح الدال والمد. كذا ضبطه ابن قتيبة في أدب الكتاب كالذكاء والعطاء، وكذا في ضياء الحلوم والله أعلم. ص:

[ 88 ]

(وتخفيف الاعوان) ش: قال في التوضيح: مطرف وابن الماجشون: ولو استغنى عن الاعوان أصلا لكان أحب إلينا انتهى. ص: (وتأديب من أساء عليه إلا في مثل اتق الله في أمري فليرفق به) ش: قال ابن الحاجب: ويجب عليه أن يؤدب أحد الخصمين إذا أساء على الآخر، وينبغي ذلك أيضا إذا أساء على الحاكم. ابن عبد السلام: ظاهر مغايرة المؤلف اللفظين في هذه المسألة والتي فوقها أن إساءة أحد الخصمين للآخر في مجلس القاضي أشد من إساءته على القاضي، وظاهر كلام مالك أن هذه المسألة مثل التي قبلها في الوجوب. قال عنه ابن القاسم: وأما إن قال له ظلمتني فذلك يختلف، ووجه ذلك إن أراد أذى القاضي وكان القاضي من أهل الفضل فليعاقبه. وقد أشار مطرف وابن الماجشون إلى الفرق بين المسألتين كما قال المؤلف وذلك أنهما قالا. إذا شتم أحد الخصمين صاحبه بقوله يا فاجر يا ظالم فليزجره وليضربه على مثل هذا ما لم يكن قائله ذا مروءة فليتجاف عن ضربه. وقال: إن لمز أحد الخصمين القاضي بما يكره أدبه والادب في مثل هذا أمثل من العفو ويمكن أن يقال إنما جعل الادب في مثل هذا أمثل من العفو لان الخصم لم يصرح بإيذاء القاضي وشتمه وإنما لمزه بذلك، فلذلك سوغ له حكم العفو ورجح عدمه وصرح لخصمه بالشتم فألزمه العقوبة ولم يسوغ العفو فيها. وهذا الذي قلناه في لفظة ينبغي هو مصطلح الفقهاء وقد أنكر بعض الناس عليهم. وقال: إن قول القائل ينبغي لك أن تفعل مثل قوله يجب عليك أن تفعل انتهى. ففي كلامه ميل إلى أن تأديبه

[ 89 ]

يجب، وفي كلام المصنف في التوضيح ميل إلى عدم الوجوب، فمن راعى أن في ذلك انتصارا للشرع قال بالوجوب، ومن رأى أنه كالمنتقم لنفسه قال بعدمه فتأمله والله أعلم. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: أرأيت من يقول للقاضي ظلمتني قال مالك: يختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه ما قاله إن أراد أذاه والقاضي من أهل الفضل عاقبه، وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الالداد. ابن رشد: للقاضي الفاضل العدل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من تناوله بالقول وآذاه بأن ينسب إليه الظلم والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما شهد به عليه أنه آذاه به وهو غائب عنه، لان مواجهته بذلك من قبيل الاقرار وله الحكم بالاقرار على من انتهك ماله، وإذا كان له الحكم بالاقرار على من انتهك ماله كالحكم به لغيره كان أحرى أن يحكم بالاقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره لما في ذلك من الحق لله، لان الاجتراء على الحاكم بمثل هذا توهين لهم، فالمعاقبة فيه أولى من التجافي انتهى. وهذه المسألة في رسم تأخير صلاة العشاء من كتاب الاقضية. وقال فيه بعد قوله وله الحكم بالاقرار على من انتهك ماله. فيعاقبه به أي بالاقرار ويتمول المال بإقراره ولا يحكم في شئ من ذلك بالبينة. والاصل فيه قطع الصديق رضي الله عنه يد الاقطع الذي سرق عقد زوجته. انتهى فراجعه فإنه مفيد. وقوله في السماع وما ترك ذلك إلى آخره هو كذلك في البيان ولم أفهم معناه والله أعلم وسيأتي لفظه عند قوله ولا يحكم لمن يشهد له وسيأتي أيضا شئ يتعلق بهذا المعنى عند قوله ومن أساء على خصمه. وقوله إلا في مثل اتق الله في أمري مثل اذكر وقوفك للحساب. والذي عملته معي مكتوب عليك ونحوه مما هو وعظ، وفيه إشارة فيعرض القاضي عن الاشارة ويرفق به. وقوله فليرفق به الرفق به مثل أن يقول له رزقني الله تقواه أو يقول ما أمرت إلا بخير، وعلينا وعليك أن نتقي الله، أو ذكرني وإياك الوقوف للحساب والاعمال كلها مكتوبة والله أعلم. ص: (ولم يستخلف إلا لوسع عمله في جهة بعدت) ش: قال في التوضيح: إن أذن له في الاستخلاف أو نص له على عدمه عمل

[ 90 ]

على ذلك اه‍. وقال ابن عبد السلام: إذا نهى عن الاستخلاف فيتفق على منع الاستخلاف، ويتفق أيضا على جواز الاستخلاف إذا أذن له في ذلك من ولاه انتهى. وقال ابن فرحون: إذا أذن له في الاستخلاف استخلف على مقتضى الاذن انتهى. وقال في المتيطية: وإذا كان الاستخلاف بإذن الخليفة فلا تبالي، كان القاضي حاضرا أو غائبا، وكان الامام ولي قاضيين أحدهما فوق صاحبه انتهى. وأصله في النوادر انتهى. وإن تجرد العقد عن الاذن وعدمه فقال سحنون: ليس له الاستخلاف وإن مرض أو سافر. وقال مطرف وابن الماجشون: له ذلك إذا مرض أو سافر. قال في التوضيح: ومقتضى كلام ابن الحاجب أن الاول هو المذهب عنده انتهى. لكونه صدر به وهو ظاهر إطلاق المصنف والله أعلم. وظاهره أنه يتفق مع عدم المرض والسفر على منع الاستخلاف، ثم قال في التوضيح عن ابن راشد: إن هذا إذا استخلف في البلد الذي هو فيه، أما إن كان عمل القاضي واسعا فيريد أن يقدم في الجهات البعيدة فالمشهور الجواز. وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز إلا بإذن الخليفة انتهى. فرع: قال المازري: وعلى قول سحنون بأنه لا يستخلف وإن مرض أو سافر قالا: فإن فعل فقضاء المستخلف لا ينفذ إلا إذا أنفذه القاضي الذي استخلفه. انتهى من التبصرة لابن فرحون. فرع منها: قال في وثائق ابن العطار: ولا يسجل نائب القاضي بما ثبت عنده، فإن فعل فلا يجوز تسجيله ويبطل ولا يقوم به القائم حجة إلا أن يجيزه القاضي الذي استخلفه قبل أن يعزل أو يموت، وإن كان استنابة القاضي لنائبه عن إذن الامام ورأيه وكان ذلك مستفيضا معروفا مشهورا كاشتهار ولاية القاضي، فللنائب على هذا الوجه أن يسجل وينفذ تسجيله دون إجازة القاضي، وليس لاحد رده ولا الاعتراض فيه بوجه من الوجوه. وإذا قلنا النائب لا يسجل فله أن يسمع البينة ويشهد عنده الشهود فيما فيه التنازع وله قبول من عرف منهم بعدالة ويعدل عنده المقالات، ثم برفع ذلك كله إلى القاضي الذي استخلفه ويخبره به بحضرة شاهدين ليثبت به ما عند القاضي إخباره له، ويلزم القاضي أن يجيز حينئذ فعل نائبه وينفذ ما ثبت عنده ويسجل به للمحكوم له انتهى. وانظر قوله عن إذن الامام هل مراده الاذن العام في التولية أو إذن خاص في عين المستخلف ؟ والظاهر أن مراده الاول إلا أن المتيطي ذكر هذه المسألة إثر ذكره صفة الوثيقة والوثيقة فيها استئذان الامير فتأمله والله أعلم. فرع: فإن رفع هذا المستخلف إلى وظيفة القضاء، فهل يستأنف ما كان بين يديه من الاحكام ثم يكملها بعد بالتسجيل فيها أم يصل نظره فيها بما تقدم منه في ذلك إلى تمام الحكم ؟ فاختلف في ذلك فقال ابن عات: بل يبني على ما قد مضى من الحكومة ولا يبتدئها من أولها قال: وبذلك أفتيت أبا علي حسن بن ذكوان حين ارتفع من أحكام الشرطة والسوق

[ 91 ]

إلى أحكام القضاء، ووافقني أبو المطرف بن فرج وغيره على جوابي. وقال غيره: بل يبتدئ النظر فيما كان جرى بعضه بين يديه ولم يكن كمل نظره فيه. انتهى من المتيطية. فرع: قال ابن بطال في مقنعه، قال محمد القاضي من روايته: إذا عزل القاضي ثم ولي بعد ما عزل فهو كالمحدث لا يقبل شهادة من شهد عنده قبل أن يعزل فيما لم يتم الحكم فيه حتى يشهدوا به عنده. وقال ابن سحنون: وكان شجرة ولي قضاء بلده قبل ولاية سحنون ثم عزل ثم ولاه سحنون فكتب إليه ما ترى فيما وقع عندي من البينات في المرة الاولى وما كنت عقلته يومئذ ؟ فكتب إليه: طال الزمان جدا وأخاف حوالة البينات، فما لم تخف من هذا وصح عندك ما كنت عقلته ولم تسترب منه أمرا فأمضه انتهى. وقول سحنون جار على مذهب المدونة خلاف القول الذي قدمه. قال في أوائل كتاب الاقضية من المدونة: وإذا مات القاضي أو عزل وفي ديوانه شهادة البينات وعدالتها لم ينظر فيه من ولي بعده ولم يجزه إلا أن تقوم بينة عليه. وإن قال المعزول ما في ديواني قد شهدت عليه البينة عندي لم يقبل قوله ولا أراه شاهدا، فإن لم تقم بينة على ذلك أمرهم القاضي المحدث بإعادة البينة، وللطالب أن يحلف المطلوب بالله أن هذه الشهادة التي في ديوان القاضي ما شهد بها أحد عليه، فإن نكل حلف الطالب وثبتت له الشهادة ثم نظر فيها الذي ولى بما كان ينظر المعزول. قال أبو الحسن: عياض: أفادت هذه المسألة بناء القاضي على حكم من قبله وأنه لا يلزمه الاستئناف والابتداء النظر، وكذلك إذا انتقل من خطة حكم إلى خطة حكم وقد كان نظر في صدر الخصومة في الخطة الاولى، وبهذا أفتى ابن عتاب وغيره من القرطبيين، ورأى غيرهم استئناف النظر ولا وجه

[ 92 ]

له انتهى. وقاله ابن رشد في أول مسألة من كتاب الاقضية ولم يذكر فيه خلافا، ونصه إثر قول العتبية: سئل مالك عن الرجل يأتي بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة مثل القاضي والامير وما أشبهه فلا يصل إلى المدينة حتى يموت الذي كتب له الكتاب وقضى له بالحق، قال مالك: فأرى لصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب ويقضى له بما فيه، أرأيت لو أن قاضيا قضى لرجل ثم هلك فجاء آخر بعده، أكان ينقض ما قضى ذلك ؟ قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة جارية على الاصول مثل ما في المدونة والواضحة وغيرهما، لا اختلاف فيها ولا إشكال في معناها لانه لما كان الاصل أن للقاضي أن ينفذ ما ثبت عنده من قضاء حكام البلد وإن قد كانوا ماتوا أو عزلوا كما يعتقد ما ثبت عنده من قضاء الحاكم قبله ببلد الميت أو المعزول، وجب أن تنفذ كتبهم وإن كانوا قد ماتوا أو عزلوا قبل وصول كتبهم إليه وقبل انفصالها عن ذلك البلد فيصل حكمه بحكمهم ويبنيه عليه كما ينفذ ما ثبت عنده أنه مضى من عمل الحاكم قبله المعزول أو الميت فيصل حكمه بحكمه ويبنيه عليه، ولا يأمر الخصمين باستئناف الخصام عنده إن كان الشهود قد شهدوا عند الميت أو المعزول بما شهد على ذلك أو كتب به إلى حاكم بلد آخر ثم مات أو عزل نظر الذي ولي بعده أو المكتوب إليه بما شهدوا به كما ينظر في ذلك الميت أو المعزول ولم يأمر بإعادة الشهادة عنده. وإن كانوا قد شهدوا عنده فقبلهم أعذر إلى المشهود عليه فيما شهدوا به دون أن ينظر إلى شهادتهم، وإن كانوا قد شهدوا عنده فأعذر في شهادتهم إلى المشهود عليه فعجز عن الدفع فيها أمضى الحكم عليه دون أن يستأنف الاعذار عليه مرة أخرى وهذا بين انتهى. وعلى ذلك اقتصر المؤلف في آخر الباب حيث قال: فينفذه الثاني وبنى كأن نقل لخطة أخرى والله أعلم. فرع: يتضمن الكلام على حكم قضاة الكور. قال ابن رشد في نوازله في مسائل الاقضية ما نصه. وأما السؤال العاشر فهو في قضاة الكور كغدة وجيان وواد آش وأشباهها يغيبون عنها أو يمرضون أو يشتغلون، هل يستنيبون من يحكم بين الناس بغير إذن من ولاهم من قضاة القواعد ؟ وكيف إن فعلوا ذلك من غير مرض ولا مغيب إلا تخفيفا عن شغوب الناس، فهل تجوز أحكامهم ومخاطبتهم غيرهم من قضاة البلد ؟ وهل يجوز لهم ضرب الآجال أو التعجيز في المطالب ؟ وهل يقيمون الحد في الخمر وفي الزنا على البكر أم لا ؟ وكيف إن كان ذلك بإذن قضاة القواعد ؟ فإن كان ذلك جائزا فكيف يعرف الاذن في ذلك، بإذن قاضي الكورة أم بإعلام الذي ولاه وهذا قد تتعذر معرفته ؟ بين لنا ذلك كله بيانا شافيا. الجواب عليه: لا يجوز أن يستنيب غيره على شئ من الاحكام وهو حاضر غير مريض، وأما إن غاب أو مرض فيجوز له ذلك إن كان الذي قدمه قد فوض إليه ذلك وجعله له في تقديمه إياه وذلك معلوم من سيرة أحكامه في الكور، وينزل مستخلفه في مرضه أو غيبته منزلته في جميع الامور، وإن لم يتضمن ذلك كتاب تقديمه إياه ولا كان ذلك معروفا من سيرة أحكامه في الكور فلا

[ 93 ]

يصح له الاستخلاف، فإن استخلف في مرضه أو سفره وقال إنه أذن له في ذلك صدق في قوله وجازت أحكام مستخلفه إذ قد قيل إنه يستخلف في مرضه وسفره دون إذن الذي قدمه ما لم يحجر عليه ذلك وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن رشد بلفظه، ونقله البرزلي في مسائل الاقضية وقبله. قلت: قضاة الكور هم النواب الذين يستخلفهم قضاة القواعد في القرى. وقوله في الجواب لا يجوز له أن يستنيب غيره وهو حاضر غير مريض يريد ما لم يأذن له القاضي الذي قدمه في الاستنابة مطلقا، فإن أذن له في الاستنابة مطلقا ولم يسافر جازت له الاستنابة مطلقا، بدليل أنه عول في جواز الاستنابة ومنعها على إذن القاضي الذي قدمه دون ضرورة المرض والسفر فأجاز له أن يستنيب مع المرض أو السفر إذا أذن له في ذلك من ولاه، ومنع من الاستنابة إذا لم يأذن له ولو مرض أو سافر على القول الراجح، فدل على أن المعول في ذلك على الاذن، وعلى هذا فيكون حكم النواب مع استنابهم حكم القضاة مع السلطان فإن منعهم الذي قدمهم من الاستنابة فلا يجوز لهم الاستنابة اتفاقا، وإن أجاز لهم الاستنابة جاز أن يستنيبوا على مقتضى الاذن. فإن كان الاذن مطلقا جازت الاستنابة مطلقا، وإن كان مقيدا بمرض أو سفر جازت الاستنابة في المرض والسفر، وإن عرى عقد التولية عن الاذن وعدمه فالاصح أنه لا يجوز لهم الاستنابة مطلقا، وقيل تجوز الاستنابة عند المرض والسفر. هذا ما ظهر لي والله أعلم. مسألة: قال البرزلي في مسائل الاقضية: لفظ الاستنابة والاستخلاف يقتضي النظر في جميع الاشياء إلا ما نص العلماء عليه في الوصايا والاحباس والطلاق والتحجير والقسم والمواريث إلا أن يقصره القاضي على نوع فلا يعدوه إلى غيره انتهى. ووقعت مسألة وهي شخص ولاه السلطان بلدا وأعمالها وصرح له بالاذن في الاستخلاف، فعرض للقاضي المشاور إليه سفر إلى بلد السلطان ففوض جميع ما فوضه له السلطان لانسان وأسند إليه جميع ما هو داخل في ولايته ومشمول بعمومها، وصرح له بالتفويض ونصب النواب والعزل. فأقام ذلك الانسان المفوض إليه قاضيا بمقتضى الاذن المشروح، فهل استنابة الانسان المذكور المفوض له لهذا القاضي صحيحة أم لا ؟ وإذا كانت صحيحة، فهل يجوز التعرض لنقض أحكام هذا القاضي المشار إليه أم لا ؟ فأجاب الشيخ العلامة ناصر الدين اللقاني بما نصه: قد نص علماؤنا على أن القاضي إذا فوض إليه الامام الاعظم القضاء وأذن له في الاستخلاف جاز ذلك وعمل به، وقد أشار إلى ذلك ابن الحاجب بقوله: ولو تجرد عقد التولية عن إذن الاستخلاف لم يكن له استخلاف. فقال شارحه الشيخ خليل في توضيحه: إن أذن له في الاستخماف أو نص له على عدمه عمل على ذلك. وقال ابن عرفة: والقاضي إن أذن له في استخلافه جاز استخلافه،

[ 94 ]

ومن المعلوم أن الاستخلاف في هذه النصوص لفظ عام يتناول كل استخلاف، سواء كان استخلافا على نفس القضاء والحكم أو استخلافا على تولية وظيفة القضاء والحكم، وإن كان الاول هو الغالب في الفعل عرفا، وكونه هو الغالب في الفعل عرفا لا يخصص العام لان المخصص للعام هو القول لا الفعل كما تقرر في محله من أصول الفقه. وإذا تقرر عمومه فحيث فوض الامام إلى القاضي القضاء وأذن له في الاستخلاف كان الاذن المذكور إذنا له في استخلاف من يباشر القضاء والحكم لمن يصلح شرعا، فإذا فوض القاضي المذكور لانسان ما فوضه له السلطان من القضاء ومن الاستخلاف المذكور كان هذا التفويض من القاضي المذكور لذلك الانسان في القضاء والاستخلاف صحيحا مأذونا له فيه من السلطان، فإذا استخلف هذا الانسان في وظيفة القضاء من هو أهل لذلك شرعا كان هذا الاستخلاف صحيحا معتبرا معمولا به لاستناده إلى إذن السلطان، فأقضية هذا المستخلف الاخير الذي استخلفه ذلك الانسان صحيحة وأحكامه نافذة لا يجوز التعرض لها بنقض ولا تعقب والله سبحانه أعلم بالصواب انتهى. جوابه وما قاله ظاهر. فرع: في استنابة القاضي بغير عمله: قال البرزلي: سألت شيخنا الامام عن مسألة نصها: جوابكم في قاضي عمالة سافر إلى غيرها وقد كان المقام العالي أسماه الله أذن له في النيابة عنه في عمالته بخلال ما يرجع إليها، فسافر القاضي المذكور ولم يستنب وقد كان بدأ الحكم في قضية تدمية بشهادة عدول ولم يكملها فرغبة بعد سفره المذكور أهل القضية المذكورة في الاستنابة فيها حتى يكمل، فهل يسوغ له ذلك في القضية المذكورة وهق بغير عمالته لاستناده إلى ما سبق له فيها من إذن الامام أم لا يسوغ له ذلك لكونه كحكمه في غير عمله ؟ وكيف إن سوغتم له الاذن، فهل يكفي خطه لمن استنابه وعينه لذلك أم لا بد من الاشهاد عليه في الاستنابة المذكورة بغير عمالته ؟ فإن استناب على أحد الوجهين وقد كان شهد عنده العدول في التدمية المذكورة ومن فصولها أنهم لا يعلمون الميت المذكور برئ من الجرح المذكور إلى أن مات فشهد عند النائب عنه شهود استرعاء زكاهم عدول بأن الميت المذكور مات عن صحة بينة ليس من جرح بحال، فهل يعمل على هذه الثانية لكونها أثبتت غير ما ذكرته الاولى وإن كانت الاولى أعدل أم لا ؟ فإن عمل على الثانية، فهل يلزم المدعى عليه أدب أو يسرح ؟ وإن حكم بأدبه، فهل يكفي ما مضى من سجنه وله اليوم قريب من ثلاثة أشهر مسجون مصفد في الحديد أم لا ؟ أفتنا بالجواب في ذلك. فأجاب: الاستنابة المذكورة صحيحة عاملة ولا يدخلها الخلاف الحاصل من نقل ابن سهل، لان سماع البينة أقرب للحكم من مجرد الاستنابة ويقوم جوازها من مسألة العريش من المدونة: وثبوت البينة للحكم بالصحة المذكورة، ويسقط حد الضرب والسجن، وتقدم حبسه المذكور يسقط استئناف أدبه ويكفي فيه والله أعلم. انتهى جوابه. وما ذكره من أن الاستنابة أخف من سماع البينة يشهد له ما تقدم لابن رشد أنه يكفي

[ 95 ]

فيها خط القاضي وقبول قوله إن وقع، وما ذكره من أنه يقوم جوازها من مسألة العريش هي من اكترى دابة من رجل ليحمل عليها دهنا من مصر إلى فلسطين فغره منها فعثرت بالعريش ضمن قيمة الدهن بالعريش. وقال غيره: قيمته بمصر إن أراد لانه منها تعدى. قلت: فإذا اعتبر على قول الغير محل، الاذن فهل محل القاضي هنا فلا يستنيبها لانه في غير محله ؟ ومن اعتبر ما آل إليه الامر وهو وقوع العثور فينظر تحصيله فمتى ما حصل رتب الحكم عليه، فيتخرج على هذا خلافا في هذه المسألة. وما ذكره من أعمال شهادة الصحة هو أحد الاقوال من مسائل منها شهادة الصحة والمرض ويليها الحكم للاعدل. وما ذكره من أن ما مضى يكفي في أدبه هو اختيار ابن الحاج على ما يأتي إذا سقط الدم بأي وجه سقط فيؤدب بحسب الاجتهاد ولا يبلغ به السنة خلاف، اختيار ابن رشد إذا قوي طلب الدم ثم سقط الموجب فلا بد من استئناف ضرب مائة وحبس سنة. انتهى كلام البرزلي، وما ذكره من أنه تقدم لابن رشد هو ما نصه وسئل عمن يستنيبه القاضي في المسألة، هل يكتفي المستناب بخطه إلى أمير المصر أو جماعته كما يكتفي بخط السلطان في التقليدات كلها حسبما نص عليه أهل العلم إذ هي استنابة، أم لا بد من إثبات ذلك بشاهدين كسائر الاحكام ؟ فأجاب بأنه يكتفي فيه بأيسر الاشياء من معرفة الخط وشبهه إذ لم يقتض حكما يلزم ثبوته، ولو نهض المستناب لما أمر به من غير كتاب لمضى الامر كما لو كان الكتاب. قلت: شبه ما لو حكما رجلين بينهما انتهى. ويقع في نسخ البرزلي كما يكتفي بخط السلطان في الشهادات. والذي في كتاب الاقضية من نوازل ابن رشد في التقليدات كما تقدم وهو الصواب. ومسألة العريش في كتاب كراء الدواب والرواحل من المدونة في أواخره. وفلسطين بكسر الفاء والعريش بفتح العين المهملة موضع. قاله في التنبيهات والله أعلم. فرع: قال في الارشاد: وله الاستعانة بمن يخفف عنه النظر في الاحباس والوصايا وأموال اليتامى. قال الشيخ زروق في شرحه: قال في الجواهر: ينبغي له أن يستبطن أهل الخير والامانة والعدالة ليستعين بهم على ما هو بسبيله ويقوي به على التوصل إلى ما ينويه ويخففوا عنه ما يحتاج فيه إلى الاستنابة فيه كالنظر في الاحباس والوصايا والقسمة وأموال الايتام وغير ذلك. قال: والاقرب عندي أنه إن كان عاجزا عن ذلك إلا بهم فهو واجب وإلا فمستحب انتهى. وقال المتيطي: للقاضي أن يقدم على المناكح ناظرا ينظر فيها ويتولى عقد فصولها ومعانيها، ويجوز للمقدم النظر فيما قدم من ذلك عليه دون مطالعة من ولاه ومشاورته. ونقله عنه ابن عرفة ثم قال المتيطي: قال بعض الموثقين: ولا مدخل لهذا المقدم عندي في العقد على من لها ولي حاضر يعضلها عن النكاح لان ذلك يحتاج إلى ثبوت عضلها والحكم بالنكاح عليه إلا أن يكون لعضله وجه يعرف، وليس ذلك لصاحب هذه الخطة إلا أن ينص على ذلك في تقديمه

[ 96 ]

نصا. ومنه: للقاضي أن يقدم على الحسبة ناظرا ينظر فيها، وللقاضي تقديم صاحب الاحباس لينظر في حبسات جامع حضرته ومساجدها وإصلاح ما هي ومنها وكرائها وقبض غلاتها ويصرفه في مصالحها، وذلك من الامور التي لا بد منها ولا غنى عنها وهي من أهم ما ينظر فيه ويقدم له، وتجوز أفعال المقدم بذلك ما وافق السداد ولم يخرج عن طريق الاجتهاد انتهى. فرع: قال في التوضيح: ابن محرز: ولم يختلفوا أن القاضي ليس له أن يوصي بالقضاء عند موته لغيره بخلاف الوصي والامام الاكبر. وضابط ذلك أن كل من ملك حقا على وجه لا يملك معه عزله، فله أن يوصي به ويستخلف عليه كالخليفة والوصي والمجبر - يعني في النكاح على ما ذهب إليه ابن القاسم - وإمام الصلاة. وكل من ملك حقا على وجه يملك معه عزله عنه فليس له أن يوصي به كالقاضي والوكيل ولو كان مفوضا إليه أو خليفة القاضي للايتام وشبه ذلك انتهى. وقال ابن عرفة: وفي النوادر عن الواضحة: وظاهره أنه لابن الماجشون ليس للقاضي أن يستخلف بعد موته انتهى. وانظر قوله في التوضيح عن ابن محرز وإمام الصلاة ظاهره أنه لا يملك الامام عزله. وقال في الذخيرة في الباب العاشر في العزل ما نصه: الفرع السابع: قال بعض العلماء: من التصرفات ما تتوقف صحته على الولاية كالقضاء والوكالة والخلافة، ومنها ما يصح بغير ولاية كالخطابة والامامة. فالقسم الاول يقبل العزل من جهة المولى والمتولي، والقسم الثاني لا يقبل العزل إلا من جهة المتولي بل من جهة المولي لان الخطابة لا تنفك عن المتصف بها حتى تذهب أهليته، فلا يتمكن من عزل نفسه لان صحة تصرفه لا تكفي فيه الاهلية فلعزله نفسه أثر فكان متمكنا. وأما ما يطلق للخطيب فتركه إياه ليس عزلا. وعلى هذا ليس للخليفة في نصب الخطيب إلا تسويغه المطلق للخطابة إلا أنه يفيده أهلية التصرف ومنع المزاحمة للخطيب والامام بعد الولاية، فليس ذلك ولاية إنما هو من صون الائمة عن أسباب الفتن والفساد. ويظهر لهذا البحث أن صحة التصرف في الخطيب سبب الولاية، وفي القاضي ونحوه الولاية سببه، فبين البابين فرق عظيم فلذلك يقبل أحدهما العزل مطلقا دون الآخر انتهى. وفي أسئلة الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما تقول في الائتمام بالمستخلف في الامامة إذا لم يأذن الناظر في ذلك هل يجوز ؟ فأجاب: الائتمام بالمستخلف صحيح، لان الائتمام لا يتوقف إلا على صحة الصلاة وصلاته صحيحة مسقطة للقضاء فجاز الائتمام به انتهى. فرع: علم من قوله في التوضيح بخلاف الوصي أن للموصي أن يوصي بما إليه وأن يوكل غيره في حياته. قال في المتيطية: ولا يجوز لمقدم القاضي على النظر لليتيم أن يوكل كل ما جعل إليه أحدا غيره، حي أو مات، ولا أن يوصي به إلى أحد وهو خلاف وصي الاب. وقاله ابن أبي زمنين وابن الهندي وغيرهما من الموثقين. وحكى بعض الموثقين أن الذي مضى عليه الحكم أن حكم مقدم القاضي على من قدم عليه كحكم الوصي من قبل الاب في جميع

[ 97 ]

أموره لان القاضي أقامه مقام الوصي. قاله بعض الشيوخ. فعلى هذا يكون لمقدم القاضي أن يوكل في حياته من يقوم على المحجور مقامه. انتهى. ص: (وانعزل بموته) ش: قال ابن الحاجب: وإذا مات المستخلف لم ينعزل مستخلفه ولو كان الخليفة. قال في التوضيح: المستخلف بكسر اللام ومستخلف بفتحها وظاهره الاطلاق فيتناول الامام والامير والقاضي وهو

[ 98 ]

مقيد بما عدا القاضي ونائبه، فإن نائب القاضي ينعزل بموت القاضي. نص عليه مطرف وأصبغ وابن حبيب. ابن رشد: ولا أعلمهم اختلفوا فيه قيل: ولعله أراد المتقدمين وإلا فقد نقل ابن العطار الخلاف عن فقهاء زمانه في موت الامام وجعلوا مثله مقدم القاضي للنظر على الايتام انتهى. وانظر هذا الذي ذكره المؤلف مع ما نقله ابن عرفة عن المتيطي ونصه المتيطي: ولا ينعزل مقدم القاضي عن يتيم بموته أو عزله ولا خلاف فيه. ابن العطار: اختلف فيها فقهاؤنا ولذا استحسنوا ذكر إمضاء الثاني تقديمه انتهى. ونص المتيطية لما أن تكلم على تقديم القاضي ناظر الاحباس: وإذا مات القاضي المقدم له أو عزل فتقديمه تام حتى ينقضه الوالي الذي بعده لعلة ما، إما لاستغناء أو لريبة تظهر من المقدم. وليس يحتاج أن يقول فيما يدفعه من النفقات وغيرها قبل أن يعزل الوالي الثاني أن الوالي أمضاه إذ ليس ينفسخ تقديم قاض بموته ولا عزله حتى ينقضه الوالي بعده، وبه صرح عن فسخه وعزله لان القاضي المفتي أو المعزول قدمه في وقت يجوز له فيه التقديم فذلك على التمام حتى ينقضه الوالي بعده لعلة ما كما قدمناه وتقديمه من نظر أحكامه التي لا تنقض بموته ولا بعزله، وكذلك إذا مات الامام الذي تؤدى إليه الطاعة وقد قدم قضاة وحكاما فأقضيتهم نافذة وأحكامهم جائزة فيما بين موت الاول وقيام الثاني، وكذا بعد قيامه وقبل أن ينفذ لهم الولاية وهم بمنزلة ولاة الايتام يقدمهم القاضي ثم يموت أو يعزل فتقديمه لهم ماض وفعلهم جائز ولا يحتاج أن يمضيه القاضي الذي ولي بعده. قال ابن

[ 99 ]

العطار: ونزلت عندنا واختلف فيها فقهاؤنا وفيها اختلاف قد قيل إن أحكامهم في الفترة غير نافذة وينقض ما حكموا به قبل أن يمضي الامام القائم تقديمهم وولايتهم. قال: وتنعقد عنده على هذا المذهب في أمر المقدمين للايتام أن يذكر إمضاء القاضي الثاني للتقديم للخروج من الخلاف. ويوجد هذا العقد في الوثائق القديمة ولم يلتزم الشيوخ قديما عقده إلا للاختلاف الواقع فيه فيخرج بذكره من الخلاف. قال: والقول الاول في أن أحكام الحكام نافذة قبل إمضاء الامام الوالي لولايتهم أحسن. انتهى فتأمله والله أعلم. قال ابن عبد السلام: وعندي أن ما قالوه من انعزال نائب القاضي بموت القاضي صحيح إن كان القاضي استنابه بمقتضى الولاية على القول بأن له ذلك، وأما إن استناب رجلا معينا بإذن الامام الامير أو الخليفة فينبغي أن لا ينعزل ذلك النائب بموت القاضي، ولو أذن له في النيابة إذنا مطلقا فاختار القاضي رجلا ففي انعزاله بموت القاضي نظر. انتهى. قال في التوضيح: وانظر ما الفرق بين نائب القاضي في انعزاله وبين نائب الامير في عدم انعزاله، وقد استشكله فضل وغيره انتهى. وقال البرزلي في أوائل النكاح: وسئل ابن رشد عن أمير مدينة كتب إلى الامير الاعلى في تقديم قاض وعين رجلا فكتب إليه بتوليته ففعل وكتب له صكا بتقديمه على أمر الامير الاعلى فحكم بذلك، ثم ولي صاحب مناكح فحكم بطول حياة القاضي وهو يعلم الامير، فمات القاضي وبقي صاحب المناكح على خطته وطريقته من شهادة الفقهاء عنده والاعلام بذلك فيما يرجع للنكاح والطلاق، فهل تحترم أحكامه بعد موت القاضي أو تفسخ ؟ فأجاب: لا تنقض أحكامه بموت القاضي وهو على خطته حتى يعزله من ولي بعد الاول وفعله جائز صحيح. قلت: لان من ولى القاضي الاول مطلع على تقديم هذا فكأنه قدمه، ومثله مقدم القاضي على محجوره إذا عزل القاضي فالمقدم على حاله لا يغير لان ما فعله القاضي في غيره وتقرر حكمه فيه فإنه ماض لا يغيره عزله ولا موته انتهى. وفي مسائل الاقضية من نوازل ابن رشد: ومن حق الوصي إذا عزله غير الذي قدمه أن يبين له القاضي الذي عزله الوجه الذي من أجله عزله، وأن يعذر إليه فيمن شهد عليه بالمعنى الذي أوجب عزله إذ ليس له أن يعزله إلا بأمر يثبت عليه عنده، وأما إن عزله الذي ولاه، فإن كان عزله بأمر رآه باجتهاده فليس عليه أن يعلمه به، وإن كان عزله لجرحة ثبتت عنده عليه فمن حقه أن يعذر إليه في ذلك، وإن عزل الوصي نفسه عن النظر لليتيم فليس له ذلك إلا من عذر لانه حق لليتيم أوجبه على نفسه انتهى. وذكر فيه في أوائل الاقضية عزل القاضي من قدمه غيره من قاض أو وصي أو غيره وعزل نفسه. ص: (وتحكيم غير خصم) ش: قال ابن الحاجب: فلو حكم خصمه فثالثها

[ 100 ]

يمضي ما لم يكن المحكم القاضي. قال ابن عبد السلام: هذه الاقوال صحيحة حكاها غير واحد، وأشار بعضهم أو صرح بنفي الخلاف في أن حكمه غير ماض، وحكى بعضهم أنه يمضي لكنه لم يتعرض إلى نفي الخلاف انتهى. ونقله في التوضيح وجزم ابن فرحون في تبصرته بالجواز فقال: مسألة: وإذا حكم أحد الخصمين صاحبه فحكم لنفسه أو عليها جاز ومضى ما لم يكن جورا بينا، وليس تحكيم الشخص خصمه كتحكيم خصم القاضي. قال أصبغ: لا أحب ذلك، فإن وقع مضى وليذكر في حكمه رضاه بالتحاكم إليه. وقيل: لا يجوز حكمه لنفسه، وقيل يجوز. انتهى فتأمله. وظاهر كلامهم أن هذا بعد الوقوع. وانظر هل يجوز ابتداء ؟ وانظر قول ابن فرحون جاز ومضى هل معناه جاز ابتداء أو بعد الوقوع والنزول ؟ فتأمله. ص: (وجاهل) ش: قال في التوضيح: قال ابن راشد: وأشار المازري واللخمي إلى أن الجاهل يتفق على بطلان حكمه لان تحكيمه خطر وغرر. ثم قال في التوضيح: ونص اللخمي على أنه لا يلزم حكم المحكم إذا كان مالكيا والخصمان كذلك إذا خرج عن قول مالك

[ 101 ]

وأصحابه، وإن لم يخرج باجتهاده عن ذلك لزم انتهى. وفي التبصرة لابن فرحون: إذا حكم الحاكم فليس لاحد أن ينقض حكمه وإن خالف مذهبه إلا أن يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم. وقال اللخمي: إنما يجوز التحكيم إذا كان المحكم عدلا من أهل الاجتهاد أو عاميا واسترشد العلماء، فإن حكم ولم يسترشد رد وإن وافق قول قائل لان ذلك تخاطر منهما. وقال المازري: لا يحكم إلا من يصح أن يولي القضاء. قال: فإذا كان المحكم من أهل الاجتهاد مالكيا ولم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك لزم حكمه، وإن خرج لم يلزم إذا كان الخصمان مالكيين لانهما لم يحكماه على أن يخرج عن قول مالك وأصحابه. وكذلك إذا كانا شافعيين أو حنفيين وحكماه على مثل ذلك لم يلزم حكمه إن حكم بينهما بغير ذلك. انتهى. فتأمل آخر كلامه مع أوله، والظاهر أن الاخير مقيد للاول. وظاهر قوله إذا كان مالكيا ولم يخرج عن مذهب مالك لزم حكمه سواء كان الخصمان كذلك أم لا. ومفهوم قوله إذا كان الخصمان مالكيين أنهما لو كانا شافعيين وحكم بينهما بمذهبهما وترك مذهبه لزم حكمه. فتأمله والله أعلم. وقال في الذخيرة بعد ما نقل كلام اللخمي: وهذا الكلام يقتضي أن مراده بالاجتهاد الاجتهاد في مذهب معين لا الاجتهاد على الاطلاق انتهى. وفي العمدة: وإذا حكما رجلا ورضيا بحكمه لزمهما حكمه إذا كان جائزا شرعا وإن خالف حكم البلد بخلاف التحكيم في في الشهادة فله الرجوع عنه انتهى. يعني والله أعلم إذا قال ما شهد به على فلان فهو حق. ص: (ومضى إن حكم صوابا وأدب) ش: ظاهر كلام المؤلف أنه يؤدب، سواء أنفذ الحكم أم لم ينفذه بنفسه ولكنه حكم به ورفعه إلى القاضي ينفذه. والذي حكم به نقله في التوضيح وابن عبد السلام وابن عرفة وفي الذخيرة وابن يونس وابن فرحون أن الادب إنما يكون إذا أنفذ الحكم بنفسه، أما إذا حكم ولم ينفذ فإن القاضي يمضي حكمه وينهاه عن العودة. ونص ما في التوضيح: قال أصبغ: إذا حكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه فإن القاضي يمضي حكمه وينهاه عن العودة، زاد ابن عبد السلام: ويقيم الحد وغيره انتهى. ثم قال في التوضيح: وإن فعل المحكم ذلك بنفسه فقتل أو اقتص أو حد ثم رفع ذلك إلى الامام أدبه السلطان وزجره وأمضى ما كان صوابا من حكمه. انتهى ونقله القرافي وغيره عن سحنون وزاد القرافي وابن فرحون بعد هذا الكلام الاخير: وبقي المحدود محدودا والتداعي ماضيا اه‍. فتأمل ذلك فإنه ينبغي أن يقيد به كلام المؤلف والله أعلم. ص: (وفي صبي وعبد الخ) ش: تصوره واضح. وأدخل معهم ابن رشد المولى عليه. نقله عنه الشيخ أبو الحسن في كتاب

[ 102 ]

الاقضية عند قوله ولو أن رجلين حكما رجلا والمستثنى في القول الثالث والرابع هو ما ذكره المصنف على حاله فتأمله والله أعلم. ص: (وضرب خصم لد) ش: قال في أول كتاب الاقضية من المدونة: ولا بأس أن يضرب الخصم إذا تبين لدده. أبو الحسن: قوله إذا تبين لدده معناه إذا ثبت بينة إذ لا يقضى بعلمه إلا في التعديل والتجريح انتهى. وفي رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الاقضية: سئل مالك عن الرجلين إذا اختصما وألد أحدهما فعرف ذلك منه القاضي، أترى أن يعاقبه ؟ فقال: نعم إذا تبين ذلك منه ونهاه فأرى أن يعاقبه. قال ابن رشد: هذا كما قال، لان لدد أحد الخصمين بصاحبه إذاية له وإضرار به وواجب على الامام أن يكف أذى بعض الناس عن بعض ويعاقب عليه بما يؤدي إليه اجتهاده انتهى. ومثله في سماع أصبغ فتأمل كلام ابن رشد فإنه يدل على أنه واجب. وقال ابن فرحون في الامور التي ينبغي للقاضي منع الخصوم منها: أن الغريم إذا دعا غريمه فلم يجبه أدبه وجرحه إن كان عدلا، فإن تغيب شدد القاضي عليه في الطلب وأجرة الرسول على الطالب، فإن تغيب المطلوب وتبين لدده فالاجرة عليه. ونحو ذلك للخمي. وقال ابن الفخار: ولا يلزم المدعى عليه شئ والمرجح عندهم الاول. وانظر أحكام ابن سهل، والمسألة مبسوطة في باب القضاء بالنكول عن مجلس القاضي. وفي مفيد الحكام لابن هشام: من استهان بدعوة القاضي أو الحاكم ولم يجب ضرب أربعين. ثم قال: ومنها أنه ينبغي له أن يمنع من رفع الصوت عنده فإن ذلك مما يبرمه ويضجره ويحيره انتهى. ص: (وعزله لمصلحة) ش: ابن عرفة: ويجب تفقد الامام حال قضاته فيعزل من في بقائه مفسدة وجوبا فورا ومن يخشى مفسدته استحبابا ومن غيره أولى منه عزله راجح انتهى. ثم قال المازري: إذا كان في العزل مصلحة للعامة أمر الامام بالمناداة إليه، وإن وجد الامام أفضل ممن ولى فله عزله لتولية الافضل، وإن لم يجد إلا من هو دونه فلا يعزله، فإن عزله فلا ينفذ عزله.

[ 103 ]

قلت: في عدم نفوذ عزله نظر، لانه يؤدي إلى لغو توليته غيره فيؤدي ذلك إلى تعطيل أحكام المسلمين انتهى. ص: (ولم ينبغ إن شهر عدلا بمجرد شكية) ش: مفهوم قوله إن شهر عدلا أن غير المشهور عدالته يعزل بمجرد الشكية. وحكى ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال ونصه: وعزله بالشكاية به إن لم يكن مشهورا بالعدالة في وجوبه بها أو الكتب إلى صالحي بلده ليكشفوا عن حاله فإن كان على ما يجب وإلا عزل. ثالثها إن وجد بدله وإلا فالثاني للشيخ عن أصبغ وغيره ومطرف. انتهى. ص: (وخفيف تعزير بمسجد) ش: قال في التوضيح: قال مالك: كالخمسة الاسواط والعشرة انتهى. ص: (لا حد) ش: قال في المدونة: ولا يقيم في المسجد الحدود وشبهها. أبو الحسن: لان في ذلك إهانة له والله يقول * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * وقوله وشبهها يعني التعزيرات الكثيرة انتهى. وقال ابن الحاجب: ولا تقام الحدود في المسجد. قال في التوضيح: هو محتمل للمنع لانه ذريعة إلى أن يخرج منه ما ينجس المسجد والكراهة تنزيها له. انتهى. ص: (وجلوس به) ش: قال ابن عبد السلام: الاقرب في زماننا اليوم الكراهة وتبعه في التوضيح. وقال في الذخيرة: قال اللخمي: الرحاب أحسن لان المسجد ينزه عن الخصومات. قال صاحب المنتقى: المستحب الرحاب الخارجة عن المسجد ثم ذكر الخلاف ثم قال: قال صاحب المقدمات: يستحب جلوسه في الرحاب الخارجة عنه فوافق الباجي واللخمي ولم يحك خلافا، وكلام الباجي وابن رشد هذا يدل على أنهم فهموا أن المشهور ما قالوه ويعضده قوله كل من أدركته من القضاة لا يجلسون إلا في الرحاب فدل على أن العمل على ذلك والعمل عنده مقدم انتهى.

[ 104 ]

فرع: يستحب للقاضي أن يستقبل القبلة في جلوسه. قاله ابن عرفة في كلامه على مجلس القاضي ثم قال بعده بنحو الورقتين: وينبغي له أن لا يتضاحك مع الناس انتهى. ص: (بغير عيد إلى آخره) ش: عدم جلوسه على جهة الاولى قال ابن الحاجب وغيره: لا ينبغي. وقال ابن فرحون: وكذلك يوم شهود المهرجان وحدوث ما يعم من سرور أو ضرر. وقال في المتيطية: ولا بأس أن يترك النظر يوم الجمعة انتهى. ونقله ابن فرحون والله أعلم. ص: (وبدئ بمحبوس الخ) ش: كذا ذكره في التوضيح. وقال ابن فرحون في تبصرته: ويلزمه أن يكون أول ما يبتدئ به الكشف عن الشهود والموثقين فيعرف حال من لا يعرف حاله منهم ويفحص عن عدالتهم، فمن كان عدلا أثبته، ومن كان فيه جرحة أسقطه وأراح المسلمين من إذايته، ولا يحل له أن يترك غير المرضي ينصبه للناس فإنها خديعة للمسلمين ووصمة في شعائر الدين، وعليه أن يصرح بعزل هؤلاء ويسجل على شاهد الزور كتابا مخلدا بعد عقوبته، وكذلك يجب عليه الكشف عن المحبوسين انتهى. فتأمل كيف جعل أول ما يبدأ به الشهود وهو الظاهر، لان مدار الامر كله عليهم. وإذا ولى قضاء غير بلده فنقل في التوضيح عن المازري أنه يسأل عن عدول البلد قبل خروجه. قال: وينادي مناد يشعر الناس باجتماعهم لقراءة سجله المكتوب بولايته، فإذا فرغ نظر في مكانه الذي يجلس فيه والعدل أن يكون في وسط البلد انتهى. وقال ابن عرفة المازري: إذا ولي قضاء غير بلده ينبغي له قبل خروجه بحثه عن عدول البلد الذي يقدم عليه إن كان بمكانه من يعرف حالهم ليكون على بصيرة من حالهم وقد يفتقر في حال قدومه للاستعانة بأحدهم. قلت: ولهذا المعنى كنت أفهم من بعض من لقيت ممن يقتدى به أنه قال: ينبغي لمن هو

[ 105 ]

بحيثية ولاية القضاء أو الشورى فيما يعرض من الولايات الشرعية أن يسمع ما يذكر في بعض أبناء الزمان ممن يعتبر قوله وحده أو مع غيره بنية البناء عليه أحكام التعديل والتجريح لا بنية التفكه وليس ذلك من سماع الغيبة، ومنع ذلك يوجب تعطيل الاحكام أو تولية من لا تحل توليته، ولولا هذا ما صح ثبو ت تجريح في راو ولا شاهد ولا غيره. انتهى. ص: (ونادى بمنع معاملة يتيم الخ) ش: حقه أن يذكر مع قوله ثم وصى وما معه وكذا ذكره ابن فرحون وأبو الحسن وغيرهما. قال في التبصرة لابن فرحون. التنبيه: وهذا النداء في حق السفيه إنما يكون على مذهب من يرى أن أفعال السفيه جائزة ما لم يول عليه أو يضرب على يديه وهو مروي عن مالك وعليه أكثر أصحابه، وأما على مذهب من يرى أن أفعاله مردودة وهو قول ابن القاسم ومطرف فلا يحتاج إليه انتهى. ص: (ورتب كاتبا عدلا شرطا) ش: اعلم أن ترتيبه للكاتب وللمزكي والمترجم على جهة الاولوية. هذا ظاهر عباراتهم فإن أبا الحسن الصغير والقرافي جعلاه من أداب القضاء. وقوله عدلا قال ابن فرحون: ذكر بعضهم في صفاته أربعة: العدل والعقل والرأي والعفة. وقوله شرطا كذا في بعض النسخ وفي بعضها مرضيا وهي الاولى لان العدالة ليست شرطا. قال ابن فرحون في تبصرته: قال ابن شاس: ولا تشترط العدالة في الكاتب ولعله يريد أن القاضي يقف على ما يكتب انتهى. إلا أني لم أر في الجواهر ما عزاه لابن شاس. قال ابن عبد السلام: وظاهر نصوصهم أنه لا يستعين مع القدرة إلا بالعدول، فإن لم يجدهم جاز الاستعانة بغيرهم ثم قال: وقول ابن القاسم في المدونة ولا يستكتب القاضي أهل الذمة في شئ من أمور المسلمين ولا يتخذ قاسما من أهل الذمة ولا عبدا ولا مكاتبا ولا يستكتب من المسلمين إلا العدول المرضيين، فلعل هذا مع الاختيار انتهى. وقال أبو الحسن إثر كلام المدونة: هذا إذا وجد وإلا الامثل فالامثل انتهى. وقال في التوضيح: ظاهر ما حكاه المتيطي عن ابن المواز أن عدالة الكاتب من باب الاولى لكن قال اللخمي: لا يبعد حمل قول محمد على الوجوب انتهى. هذا كلامه فتأمله. وأما نظر القاضي فيما يكتبه فنقل في التوضيح عن المازري ما نصه: إن كان غير ثقة فلا

[ 106 ]

بد من إطلاع القاضي على ما يكتبه فيجلس قريبا منه بحيث يشاهد ما يكتبه عنه، وإن كان عدلا فالمذهب أنه مأمور بالنظر إلى ما يكتب، وقد رجح بعض أشياخي وجوب ذلك على القاضي إذا كان عدلا لانه إذا شاهد ما يكتب أشهد على نفسه بأمر تيقنه، وإذا عول على الكاتب العدل اقتصر على أمر مظنون مع القدرة على المحقق. انتهى كلام التوضيح. فظاهر قول المازري فالمذهب أنه مأمور أي على جهة الاستحباب لقوله، ورجح بعض أشياخي وجوب ذلك وكذا في ابن عبد السلام إن كان غير عدل فلا بد من نظره، وإن كان عدلا نظر أيضا. وظاهر كلام المتقدمين أن ذلك على الاستحباب، وتردد بعض الشيوخ في ذلك ومال إلى الوجوب. انتهى كلام ابن عبد السلام. ووظيفة الكاتب أن يكتب ما وقع في مجلسه من الخصوم. مسألة: قال في المسائل الملقوطة. وللحاكم إذا وجد عقد الوثيقة خطأ أن يقطعه ويؤدب الكاتب على ذلك. انتهى من فوائد الشيخ جمال الدين الاقفهسي. انتهى كلام المسائل الملقوطة. فائدة: ما يكتب فيه يسمى القمطر. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والقمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء ثم الراء المهملتين الزمام الذي يكتب فيه التذكار، وقد يسمى زمام القاضي. انتهى والله أعلم. ص: (كمزك) ش: أي وكذا يرتب مزكيا عدلا ولا كلام في اشتراط العدالة هنا. وقول ابن غازي رحمه الله أي في كونه عدلا رضا فهو كقول الرسالة ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا. أول كلامه واضح وآخر كلامه بعيد من لفظ المؤلف ومن أول كلامه هو فتأمله. وقال البساطي: فإن قلت: إن حملت كلامه في المكاتب والمزكى على الجنس حتى يدخل فيه العدد خلاف الاكثر في اشتراط العدد في

[ 107 ]

الكاتب فإن الاكثر على أنه يكفي الواحد، وإن حملت كلامه على الافراد خالفت الاكثر في المزكي فإنه لا بد من العدد عندهم فيه انتهى. قلت: يحمل كلامه على الاول والجنس يحتمل الافراد كما يحتمل غيره ويلزمه الايهام وهو قريب انتهى. وحمله على هذا عبارة ابن شاس لان فيها: ويشترط العدد في المزكي والمترجم دون الكاتب. وفي التوضيح في قول ابن الحاجب: واختار الكاتب والمزكي. قوله والمزكي ظاهره الاكتفاء بالواحد. أشهب: ينبغي للقاضي أن يتخذ رجلا صالحا مأمونا منتبها أو رجلين بهذه الصفة يسألان له عن الناس إلى آخر كلام أشهب. ثم قال ابن الماجشون: وكلما يبتدئ القاضي السؤال عنه والكشف يقبل فيه قول الواحد ما لم يبتدئه هو وإنما يبتدأ به في ظاهر أو باطن فلا بد من شاهدين فيه، ثم ذكر كلام الجواهر انتهى، فصدر بما تقدم. وقال الشيخ أبو الحسن في التقييد الكبير في أول كتاب القضاء ابن رشد: وتعديل السر يفترق من تعديل العلانية من وجهين: أحدهما لا أعذار في تعديل السر، والثاني أنه يجتزئ فيه بالواحد وإن كان الاختيار الاثنين بخلاف تعديل العلانية في الوجهين لا يجوز فيه إلا شاهدان، ويلزم الاعذار فيه إلى المشهود عليه. هذا معنى ما في المدونة صح من البيان. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن. فإذا حمل كلام المصنف على هذا فلا يرد ما قاله أصلا فتأمله والله الموفق. ص: (والمترجم مخبر) ش: فيقبل الواحد والاثنان أحسن. انظر قواعد القرافي في أول فرق منها فإنه ذكر فيه الفرق بين الشهادة والخبر فتأمله والله أعلم. وقال في العمدة: وإذا لم يعرف لغة الخصم فإن كان الحكم لا يتضمن ما لو لم يقبل في الترجمة إلا الرجال والمذهب أنه لا يجزئ واحد، وإن تضمن مالا فهل يقبل رجل وامرأتان ؟ قولان انتنى والله أعلم. ص: (وأحضر العلماء وشاورهم) ش: عطف رحمه الله أحد

[ 108 ]

القولين على الآخر، فإن أشهب ومحمدا يقولان يحضرهم مطرف وابن الماجشون يقولان لا ينبغي أن يحضرهم ولكن يشاورهم. كذا قال ابن الحاجب. فقال في التوضيح: قيد اللخمي قول مطرف وابن الماجشون أن يكون مقلدا فلا يسعه القضاء إلا بمحضرهم. قال المازري: وقول مطرف وغيره إنما هو إذا كان فكر القاضي في حال حضورهم كحاله في عدم حضورهم، وأما لو كان حضورهم يكسبه حجرا حتى لا يمكنه التأمل لما هو فيه فإنه يرتفع الخلاف. وكذلك إذا كان القاضي من البلادة على حال لا يمكنه ضبط قول الخصمين ويتصور مقاصدهما حتى يستفتى عنه فإنه يرتفع أيضا الخلاف ولا يختلف في وجوب حضورهم انتهى. وقال في تبصرة ابن فرحون. تنبيه: إطلاقهم المشاورة ظاهره عالما كان بالحكم أو جاهلا. وفي الطرر لابن عات: لا يجوز للحاكم أن يشاور فيما يحكم فيه إذا كان جاهلا لا يميز الحق من الباطل، لانه إذا أشير عليه وهو جاهل لم يعلم أحكم بحق أم بباطل. ولا يجوز له أن يحكم بما لا يعلم أنه الحق، ولا يحكم بقول من أشار عليه تقليدا حتى يتبين له الحق من حيث تبين للذي أشار عليه انتهى. وهذا الاخير والله أعلم في المجتهد. وفي التبصرة أيضا قال المازري في شرح التلقين: القاضي مأمور بالاستشارة ولو كان عالما لان ما ذكره فيه الفقهاء وبحثوا فيه تثق به النفس ما لا تثق بواحد إذا استبد برأيه، ولا يمنع من ذلك كونهم مقلدين لاختلافهم في الفتوى فيما ليس بمسطور بحسب ما يظن كل واحد منهم أنه يقتضي أصول المذهب انتهى. وفي التوضيح: قال ابن عطية في تفسيره: ومن لم يستشر أهل العلم والدين فعزله واجب هذا مما لا خلاف فيه انتهى، ونقله القرطبي في تفسير سورة آل عمران. وفي ابن عبد السلام: وبالجملة فإن أحوال الخلفاء دلت على اتفاقهم على المشاورة لا سيما في المشكلات ؟ انتهى.

[ 109 ]

تنبيه: قول المؤلف وأحضر العلماء أو شاورهم هل على الوجوب أو على الاستحباب ؟ ظاهر قوله في التوضيح ولا يختلف في وجوب حضورهم، وما نقله عن ابن عطية وظاهر ما تقدم للمازري أن حضورهم واجب. وكذا ابن فرحون في تبصرته فإنه عده في الامور التي تلزم القاضي في سيرته في الاحكام، واللزوم إنما يستعمل في الوجوب. وظاهر قول ابن الحاجب ولا ينبغي للقاضي أن يثق برأيه ويترك المشاورة أن المشاورة مستحبة أو أولى فتأمله، فإني لم أر نصا يشفي الغليل. فرع: قال سحنون: لا يستشير من شهد عنده فيما شهد فيه حكاه ابن يونس. وقال غير سحنون: لا بأس بذلك. حكاه ابن رشد. انتهى مختصرا من التبصرة. واقتصر في التوضيح على قول سحنون. فرع: قال في رسم سلف من سماع ابن القاسم من الاقضية: رأيت مالكا كتب إلى عامل في قضاء كان أمضاه عاملان قبله فينظر فيه، فجاء رجل يستعين بالكتب إليه فيه فكتب إليه: إن كان من قبلك أمضاه بحق فأنفذه لصاحبه. ابن رشد: هذا يدل على أن للفقيه المقبول القول أن يكتب للحاكم بالفتوى ويعلمهم ما يصنع وإن لم يسأله الحاكم. وهذا في غير القضاة، وأما القضاة فلا ينبغي أن يكتب إليهم بما يفعلون إلا أن يسألوه لان ذلك قد يؤدي إلى أنفة تؤذي. انتهى. مسألة: إذا دعا القاضي العدول إلى قضية ينظرون فيها من فرض نفقة أو إقامة حدود ونحوه وجب عليهم انظر البرزلي في مسائل القضاء. ص: (وشهودا) ش: قال في التوضيح: وإذا كان المشهور أن القاضي إذا سمع إقرار الخصم لا يحكم عليه حتى يشهد عنده بإقراره شاهدان فيكون إحضار الشهود واجبا وإلا فلا فائدة في جلوسه انتهى. وفي المدونة: ولو أقر أحد الخصمين عنده بشئ وليس عنده أحد ثم يعود إليه المقر فيجحد ذلك الاقرار فإنه لا يقضى عليه به إلا ببينة سواه، فإن لم يكن عنده بينة شهد هو بذلك إلى من فوقه انتهى. وقال في النوادر: ومن المجموعة قال مالك وابن القاسم وأشهب: الاقرار عند القاضي في سلطانه وقبل سلطانه سواء، وكذلك في إقرار الخصمين عنده لا يحكم بشئ من ذلك. قال أشهب: ولا بما وجد في ديوانه مكتوبا من إقرار الخصم عنده فإن قامت على ذلك بينة أنفذها، فإن لم

[ 110 ]

يكن إلا هو وكاتبه شهدا بذلك عند من هو فوقه فأجازه، وإن كان وحده قضى بشهادته مع يمين الطالب انتهى. ومقابل المشهور أنه إذا سمع إقرار الخصم حكم عليه بما سمع منه وإن لم يحضره شاهدان، وهو قول ابن الماجشون. قال في النوادر إثر كلامه المتقدم: أما ما أقر به الخصوم عنده في خصومتهم فليقض به. وقاله سحنون، وهو أحب إلي من قول ابن القاسم وأشهب. ولو كان غير هذا لاحتاج أن يحضر معه شاهدين أبدا يشهدان على الناس انتهى. وقال في التوضيح قبل كلامه المتقدم: مذهب مالك وابن القاسم أن القاضي إذا سمع إقرار الخصم لا يحكم عليه حتى يشهد عنده بإقراره شاهدان ثم يرفعان شهادتهما إليه. وذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون إلى أنه يحكم بما سمع وإن لم يشهد عنده بذلك. ابن الماجشون: والذي عليه قضاة المدينة ولا أعلم مالكا قال غيره، أنه يقضي بما سمع منه وأقر به عنده وكأنهم رأوا أن الخصمين لما جلسا للخصومة رضيا أن يحكم بينهما بما أقرا به ولذلك قعدا والاول المشهور. انتهى. تنبيه: قولهم رفع إلى من فوقه قال أبو الحسن في أواخر كتاب الاقضية مسألة: إذا رأى القاضي حدا رفع إلى فوقه وهل يرفع إلى من دونه قولان. قال عياض: مذهب الكتاب أن أحدا لا يرفع إلى من دونه وتحت يده إلا السلطان الاعظم للضرورة إلى ذلك. وقال في السلطان الاعظم: لا يرفع إلى من دونه ويكون هدرا. انتهى مختصرا. وفي النوادر في ترجمة القاضي: يحكم لنفسه أو لولده وقد يحكم للخليفة وهو فوقه وهو يتهم فيه لتوليته إياه وحكمه له جائز انتهى. ونقل الخلاف في الذخيرة. ص: (ولم يفت في خصومة) ش: انظر هل على الكراهة أو على المنع. قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ولا يفتي الحاكم في الخصومات. وقال ابن عبد الحكم: لا بأس به كالخلفاء الاربعة، يريد أنه يجوز له الفتيا فيما

[ 111 ]

عدا مسائل الخصام. وهل له الفتيا في مسائل الخصام ؟ قولان: أحدهما ليس له ذلك لانه من إعانة الخصوم على الفجور. والثاني إجازة فتياه في مسائل الخصام. وأما تعليم القاضي العلم وتعلمه له فجائز انتهى. فقوة عبارته تعطي أنه لا يجوز له الفتيا على القول الاول فتأمله. وعده ابن فرحون في الامور اللازمة له في سيرته في الاحكام. وفي أوائل مسائل الاقضية من البرزلي ما نصه ابن الحاج عن ابن المنذر: يكره للقاضي الفتوى في الاحكام وكان شريح يقول: أنا أقضي ولا أفتي. قلت: يريد إذا كانت الفتوى ممن يمكن أن تعرض بين يديه ولو جاءته من خارج بلده أو من بعض الكور أو على يد عماله فليجبهم عنها. ثم ذكر كلام ابن الحاجب. وذكر عن ابن المناصف أنه ذكر القولين ثم قال: الكلام الاول النهي فيه عن فتوى القاضي في الخصومات لاحد الخصمين، والثاني فتواه في جملة الاشياء لا في خصومة بعينها. انتهى. ص: (ولم يشتر بمجلس قضائه) ش: مفهوم قوله مجلس قضائه أنه لا ينهى عنه في غير مجلس قضائه، وهو الذي حصله في التوضيح إلا أنه ينبغي له التنزه عنه مطلقا. وانظر قول المؤلف ولم يشتر هل على المنع أو على الكراهة ؟ قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولا يشتري بنفسه ولا بوكيل معروف، ظاهره في مجلس قضائه وفي غيره. ونحوه ذكره ابن شاس ومعناه عن محمد بن عبد الحكم. ابن عبد السلام: ولا تبعد صحته إلا أن المازري وغيره ذكروا عن المذهب ما يدل على جواز بيعه ابتداء. وحكى المازري عن الشافعي مثل ما حكاه المؤلف هنا انتهى. أي لان المازري نقل عن أصحاب مالك أنهم أجازوا للقاضي الشراء إذا لم يكن في مجلس قضائه، ولم يجوزوا له ذلك في مجلس قضائه لما فيه من شغل باله. مطرف وابن

[ 112 ]

الماجشون: ولا يشتغل في مجلس قضائه بالبيع والابتياع لنفسه. أشهب: أو لغيره على وجه العناية منه إلا ما خف شأنه وقل شغله والكلام فيه. سحنون: وتركه أفضل قال: ولا بأس بذلك في غير مجلس قضائه فنافذ إلا أن يكون أكره غيره أو هضمه فليس هذا بعدل وهو مردود، كان في مجلس قضائه أو غيره. والذي ذكره المازري هو الذي في النوادر وغيرها. مطرف وابن الماجشون: ويتنزه عن المبايعة في غير مجلس قضائه. انتهى كلام التوضيح. وفي ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب بعد هذه المسألة ويتورع عن العارية إلى آخره قد يقال: تغيير المؤلف العبارة بين هذه المسألة والتي فوقها يؤذن بأن المنع في الاولى أشد منه في هذه لانه أطلق المنع في الاولى وجعله في هذه من باب الورع، فيقال العكس أولى. فكلام التوضيح يؤذن بالمنع على التحريم، وأما كلام ابن عبد السلام فلا دلالة فيه على أن المنع على التحريم لانه أطلق المنع على المسألة الثانية مع أنه لا شك أنه على سبيل التورع. وفي تبصرة ابن فرحون: من الامور التي تلزم القاضي أنه يكره له البيع والابتياع بمجلس حكمه وبداره ولا يرد منه شئ إلا أن يكون على وجه الاكراه أو فيه نقيصة على البائع فيرد البيع والابتياع، كان بمجلس قضائه أو غيره. قال أشهب: إن عزل والبائع والمبتاع مقيم بالبلد لا يخاصمه ولا يذكر مخاصمته لاحد فلا حجة له والبيع ماض، ولا ينبغي أن يكون له وكيل معروف على البيع والشراء لانه يفعل مع وكيله من المسامحة ما يفعل معه انتهى. فصرح رحمه الله بالكراهة وأن حكم البيع والابتياع واحد وهو الظاهر، وينبغي أن ينظر فيه مع ما في التوضيح ويرد أحدهما للآخر والله أعلم. ص: (كسلف وقراض وإبضاع وحضور وليمة إلا لنكاح) ش: تصوره واضح ولا شك أن النهي عن هذه على سبيل التورع. قال ابن الحاجب: ويتنزه عن العارية والسلف والقراض والابضاع. وقال ابن فرحون في الامور التي تلزم القاضي منها: أن يتجنب العارية والسلف والقراض والابضاع إلا أن يكون لا يجد بدا من ذلك فهو خفيف إلا من عند الخصوم أو ممن هو في جهتهم فلا يفعل انتهى. وقوله إلا لنكاح قال في التوضيح: ثم إن شاء أكل أو ترك. قال في التبصرة: والاولى له اليوم ترك الاكل انتهى.

[ 113 ]

فرعان: الاول: في التوضيح: كره مالك لاهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم. الثاني: ولا بأس للقاضي بحضور الجنائز وعيادة المرضى وتسليمه على أهل المجالس ورده على من سلم عليه لا ينبغي إلا ذلك انتهى. ص: (وقبول هدية ولو كافأ عليها إلا من قريب) ش: قال في التوضيح: ظاهر قول ابن الحاجب المنع وعليه ينبغي أن يحمل قول ابن حبيب لم يختلف العلماء في كراهة قبول الامام الاكبر وقضاته وجباته الهدايا قال: وهو مذهب مالك وأهل السنة انتهى. ويمنع من قبول الهدية سواء كانت في حال الخصام أو قبله. قاله ابن الحاجب. وقوله إلا من قريب يريد الخاص من الولد والوالد والخالة والعمة وبنت الاخت. قاله ابن فرحون ونحوه في التوضيح. فروع: الاول: قال ابن فرحون في تبصرته: قال المازري: أما الارتزاق من بيت المال فإن من تعين عليه القضاء وهو غني عن الارتزاق فإنه ينهى عن أخذ العوض على القضاء لان ذلك أبلغ في المهابة وأدعى للنفوس على اعتقاد التعظيم والجلالة، وإن كان القضاء لم يتعين عليه وهو محتاج إلى طلب الرزق من بيت المال ساغ له أخذ ذلك. الثاني: قال في معين الحكام: قال أصبغ: ولا ينبغي له أن يأخذ رزقه إلا من الخمس والجزية وعشور أهل الذمة. انتهى من ابن فرحون. وقال ابن رشد في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات: وأما القضاة والحكام والاجناد فلهم أن يأخذوا أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم أعني العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على أيديهم فيما سوى ذلك من إعطاء مال الله لمن يرونه بوجه اجتهادهم. وأطال الكلام في ذلك فراجعه وسيأتي من كلامه في باب الشهادات عند قول المصنف ولا إن أخذ من العمال والله أعلم.

[ 114 ]

الثالث: قال في التوضيح: قال ابن حبيب: ويأخذ الامام من قضاته وعماله ما وجده في أيديهم زائدا على ما ارتزقوه من بيت المال، ويحصي ما عند القاضي حين ولايته ويأخذ ما اكتسبه زائدا على رزقه وقدر أن هذا المكتسب إنما اكتسبه بجاه القضاء. وتأول أن مقاسمة عمر رضي الله عنه ومشاطرته لعماله كأبي موسى وأبي هريرة وغيرهما إنما فعل ذلك لما أشكل عليه مقدار ما اكتسبوه من القضاء والعمالة انتهى. ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة. ونصه ابن حبيب: للامام أخذ ما أفاده العمال ويضمه إلى ما جبوه قال: وكلما أفاده الوالي من مال سوى رزقه في عمله أو قاض في قضائه أو متول أمر المسلمين فللامام أخذه للمسلمين، وكان عمر إذا ولى أحدا أحصى ماله لينظر ما يزيد، ولذا أشاطر العمال أموالهم حيث كثرت وعجز عن تمييز ما زادوه بعد الولاية. قاله مالك. وشاطر أبا هريرة وأبا موسى وغيرهما انتهى. ونقله في الذخيرة ثم قال إثره: تمهيد: الزائد قد يكون من التجارة والزراعة لا من الهدية ولا تظن الهدايا بأبي هريرة وغيره من الصحابة إلا ما لا يقتضي أخذا، ومع ذلك فالتشطير حسن لان التجارة لا بد أن ينميها جاه العمل فيصير جاه المسلمين كالعامل والقاضي وغيره رب المال فأعطى العامل النصف عدلا بين الفريقين، ولذلك لما انتفع عبد الله وعبيد الله بالمال الذي أخذاه من الكوفة سلفا في القصة المشهورة قال عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما: اجعله قراضا يا أمير المؤمنين، فجعله قراضا، ولولا هذه القاعدة كيف يصير القرض قراضا. انتهى فتأمل ذلك. وتقدم الكلام على قصتهما في أول باب القراض فراجعه والله أعلم. الرابع: قال ابن فرحون: قال في معين الحكام: وكذلك الشهود لا يجوز لهم قبول الهدية من أحد الخصمين ما دامت الحكومة بينهما. الخامس: قال ابن فرحون: قال ابن عبد الغفور: ما أهدي إلى الفقيه من غير حاجة

[ 115 ]

فجائز له قبوله، وما أهدي إليه رجاء العون على خصمه أو في مسألة تعرض عنده رجاء قضاء حاجته على خلاف المعمول به فلا يحل قبولها وهي رشوة يأخذها، وكذلك إذا تنازع عنده خصمان فأهديا إليه جميعا أو أحدهما يرجو كل واحد منهما أن يعينه في حجته أو عند حاكم إذا كان ممن يسمع منه ويوقف عنده فلا يحل له الاخذ منهما ولا من أحدهما. انتهى. وقال ابن عرفة: قال بعض المتأخرين: ما أهدي للمفتي إن كان ينشط للفتيا أهدي له أم لا فلا بأس، وإن كان إنما ينشط إذا أهدي له فلا يأخذها. وهذا ما لم تكن خصومة، والاحسن أن لا يقبل من صاحب الفتيا وهو قول ابن عيشون وكان يجعل ذلك رشوة. قلت: قد يخف قبولها لمن كان محتاجا ولا سيما إن كان اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب ولا رزق له عليها من بيت المال، وعليه يحمل ما أخبرني به غير واحد عن الشيخ الفقيه أبي علي بن علوان أنه كان يقبل الهدية ويطلبها ممن يفتيه. وفي الطراز: وظاهره لابن عيشون ومن هذا انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم ويخدمونهم هو باب من أبواب الرشوة، لان دفع الظلم واجب على كل من قدر على دفعه عن أخيه المسلم وعن الذمي. انتهى. السادس: قال القرافي في آخر كتاب الدعاوى من الذخيرة. فرع: قال بعض العلماء: إذا عجزت عن إقامة الحجة الشرعية فإن استعنت على ذلك بوال يحكم بغير الحجة الشرعية أثم دونك إن كان الحق جارية يستباح فرجها، بل يجب ذلك عليك لان مفسدة الوالي أخف من مفسدة الزنا والغصب، وكذلك الزوجة، وكذلك استعانتك بالاجناد يأثمون ولا تأثم، وكذلك في غصب الدابة وغيرها. وحجة ذلك لان الصادر من المعين عصيان لا مفسدة فيه، والجحد والغصب عصيان مفسدة، وقد جوز الشارع الاستعانة بالمفسدة لا من جهة أنها مفسدة على درء مفسدة أعم منها كفداء الاسير، فإن أخذ الكفار لما لنا حرام عليهم وفيه مفسدة إضاعة المال، فما لا مفسدة فيه أولى أن يجوز. فإن كان الحق يسيرا نحو كسرة أو تمرة حرمت الاستعانة على تحصيله بغير حجة شرعية لان الحكم بغير ما أمر الله أمر عظيم لا يباح باليسير. انتهى كلامه بلفظه ولم يذكر غيره. فتوجيهه إياه واقتصاره عليه يقتضي أنه ارتضاه والله أعلم. السابع: قال ابن فرحون: أجاز بعضهم إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان الظلم محققا انتهى. وقال ابن عرفة إثر نقله كلام بعضهم: ويقوم هذا من قولها: وإن طلب السلابة طعاما أو ثوبا أو شيئا خفيفا رأيت أن يعطوه انتهى. وقال البرزلي: قبل مسائل الطهارة بنحو صفحة: وفي الطرر قال ابن عيشون: أجاز بعضهم إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان محقا. وقال قبله: قال أبو بكر بن أويس: يحرم على القاضي أخذ الرشوة في

[ 116 ]

الاحكام يدفع بها حقا أو يشهد بها باطلا، وأما أن يدفع بها عن مالك فلا بأس. ابن عيشون: وإن تبين له الحق فيمتنع من إنفاذه رجاء أن يعطيه صاحبه شيئا ثم ينفذه له فإن حكمه مردود غير جائز. ويتخرج على أحكام القاضي الفاسدة إذا صادف الحق هل يمضي أم لا. انتهى ص: (ولا يحكم مع ما يدهش عن الفكر ومضى) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: كالغضب والهم والجوع والعطش والضجر والحنق، وكذلك إذا أخذ من الطعام فوق ما يكفيه فإن حكم وهو بحال ما ذكر مضى. انتهى. والنهي على المنع انظر أبا الحسن الصغير في أول كتاب الاقضية والبساطي والله أعلم ص: (وعزر شاهدا بزور الملا) ش: قال ابن عرفة: شاهد الزور هو الشاهد بغير ما يعلم عمدا. ولو طابق الواقع كمن شهد بأن زيدا قتل عمرا وهو لا يعلم قتله إياه وقد كان قتله ولو كان لشبهة لم يكنه. وقول الباجي: من ثبت عليه أنه شهد

[ 117 ]

بزور فإن كان لنسيان أو غفلة فلا شئ عليه، ومن كثر ذلك منه ردت شهددته ولم يحكم بفسقه يقتضي أن غير العامد شاهد زور، ويرد بما في استحقاقها إن شهدوا بموت رجل ثم قدم حيا فإن ذكروا عذرا كرؤيتهم إياه صريعا في قتلى. أو قد طعن فظنوا أنه قد مات فليس شهادتهم زورا وإلا فهم شهداء الزور اه‍. وسألت عن رجل شهد عند القاضي أن هذه المرأة ليس لها ولي فزوجها القاضي ثم ظهر أن لها ولدا ولم يكن الشاهد علم أن لها ولدا، فهل تكون شهادته هذه شهادة زور ويقال فيه إنه شاهد زور فيكون ذلك قادحا في شهادته، أو لا يقدح ذلك في شهادته، ولا يجوز أن ينسب إلى الزور ؟ وإذا نسبه أحد إلى الزور، فهل يحرم عليه ويستحق التعزير ؟ وهل يجب على الزوج أن يطلق المرأة أم لا ؟ فأجبت: إذا كان الشاهد لا يعلم أن للمرأة ولدا فليس بشاهد زور ولا يقدح ذلك في شهادته بعد ذلك، ولا يجوز لاحد أن يقول إنه شاهد زور، ومن قال إنه شاهد زور فإن القاضي يزجره على ذلك بحسب ما يراه. والنكاح الذي عقده القاضي مع وجود ولد المرأة صحيح وليس بفاسد، ولا يجب على الزوج أن يطلق الزوجة. نعم لا يجوز الاقدام عليه إذا علم أن لها ولدا، فإذا وقع ونزل صح النكاح والله أعلم ص: (كلخصمه كذبت) ش: انظر رسم الاقضية من سماع أشهب من كتاب القذف وفيه: إذا قال رجل لرجل من سراة الناس كذبت وأثمت فإنه يعزر بالسوط إذا كان في

[ 118 ]

مشاتمة لانه بمنزلة قوله كذاب، وأما إن نازعه في شئ فقال له أنت في هذا كاذب آثم فلا يجب عليه في ذلك أدب وينهى عنه ويزجر إن كان لا يتعلق به حق فيما نازعه فيه، ويجري قول الرجل للرجل يا كذاب على التفصيل الذي في قوله يا كلب انتهى. ونقله في النوادر وصاحب التبصرة في الفصل الحادي عشر في التعزيرات الشرعية من القسم الثالث، وتقدم له شئ من ذلك في الفصل السادس في سيرته مع الخصوم. ومسألة قول الرجل للرجل يا كلب ذكرها قبل هذه المسألة بمسألتين. وكذلك في النوادر، وكذلك في التبصرة قبل مسألة كذبت وأثمت بيسير. وفي التبصرة في هذا الفصل وفي البيان في مسألة يا كلب معنى دنئ الهيئة ورفيع القدر والله أعلم. وقال القاضي عياض في الاكمال في شرح حديث الحضرمي والكندي من كتاب الايمان في قوله: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه ولا يتورع عن شئ فيه أن الرجل إذا رمى خصمه حال الخصومة بحرحة أو خلة سوء بمنفعة يستخرجها في خصامه وإن كان في ذلك أذى خصمه، ولم يعاقب إذا عرف صدقه في ذلك، بخلاف لو قاله على سبيل المشاتمة والاذى المجرد وذلك إذا كان ما رماه به من نوع دعواه ولينبه بها على حال المدعى عليه لقوله الحضرمي إنه فاجر إلى آخره ولم ينكره النبي (ص) ولا زجره. ولو رمى خصمه بالغصب وهو ممن لا يليق به أدب عندنا ولم تعلق به الدعوى اه‍. ونقله الابي. ثم نقل عن القرطبي ما نصه: الجمهور على أدب من صدر منه شئ من ذلك بعموم تحريم السباب. وأجابوا عن الحديث بأن الكندي علم منه ذلك وأنه لم يقم بحقه وأنه لم يقصد إذايته، وإنما

[ 119 ]

قصد استخراج حقه انتهى. وقال في المدونة في كتاب القذف: ومن آذى مسلما أدب. قال ابن ناجي: ظاهره وإن لم يحضر المؤذي فإن القاضي يؤدبه إذا كان ذلك بحضرته وهو كذلك وكون القاضي لا يحكم بعلمه فيحاكان بمجلسه إنما هو في الاموال وأما هذا فيحكم انتهى. ص: (وإن بيقين) ش: قال ابن عرفة بعد ذكره ما عزاه المؤلف للمازري. قلت: ظاهره أن هذا غير منصوص لاصحابنا، وفي النوادر لاصبغ: إذا قضى بين الخصمين في أمر اختصما فيه ثم أخذا في حجة أخرى، فإن كان بين يديه غيرهما لم يسمع منهما حتى يفرغ ممن بين يديه إلا أن يكون شئ لا ضرر فيه لمن حضه فلا بأس ان يسمع منهما. انتهى ص: (وينبغي أن يفرد وقتا أو يوما للنساء) ش: قال القرطبي في شرح قوله عليه الصلاة والسلام للنساء اجتمعن يوم كذا يدل على أن الامام ينبغي له أن يعلم النساء ما يحتجن إليه من أمر أديانهن وأن يخصهن بيوم مخصوص لذلك لكن في المسجد أو ما كان في معناه لتؤمن الخلوة بهن، فإن تمكن من ذلك بنفسه فعل وإلا استنهض الامام شيخا يوثق بعلمه ودينه لذلك حتى يقوم بهذه الوظيفة. انتهى ص: (وأمر مدع تجرد قوله عن مصدق بالكلام) ش: قال ابن عرفة: المدعي من عريت دعواه عن مرجح غير شهادة، والمدعى عليه من اقترنت دعواه به أي بالمرجح. فقول ابن الحاجب: المدعي من تجرد قوله عن مصدق يبطل عكسه بالمدعي ومعه بينة، ونحوه لابن شاس

[ 120 ]

انتهى. ولا يرد ما قاله لان الكلام في معرفة المدعي والبينة إنما يأتي بها بعد معرفة كونه مدعيا فتأمله والله أعلم. ص: (فيدعي بمعلوم محقق قال وكذا شئ) ش: قال ابن فرحون في تبصرته: الشرط الاول أن تكون معلومة. فلو قال لي عليه شئ لم تسمع دعواه لانها مجهولة. قاله ابن شاس. ولعله يريد إذا كان يعلم قدر حقه وامتنع من بيانه. وقد قال المازري في هذه الدعوى: وعندي أن هذا الطالب لو أيقن بعمارة ذمة المطلوب بشئ وجهل مبلغه وأراد من خصمه أن يجاوبه عن ذلك بإقرار بما ادعى على وجه التفصيل وذكر المبلغ والجنس لزم المدعى عليه الجواب، أما لو قال لي عليه شئ من فضلة حساب لا أعلم قدره وقامت له بينة أنهما تحاسبا وبقيت له عنده بقية لا علم لهم بقدرها، فدعواه في هذه الصورة مسموعة، وكذلك لو ادعى حقا له في هذه الدار أو الارض وقامت له بينة أن له فيها حقا لا يعلمون قدره، فهي دعوى مسموعة، وسيأتي كثير من هذا المعنى في باب القضاء بالشهادة الناقصة انتهى. فقوله: أما إلى آخره يدل على أن هذا يسمع بلا خلاف فهو مخصوص لقول المؤلف معلوم. وقوله: بمعلوم محقق نحوه لابن الحاجب فأورد عليه ابن عرفة توجيهه يمين التهمة على القول بها فتأمله والله أعلم.

[ 121 ]

قلت: ومسائل المدونة وغيرها صريحة في أنه تسمع الدعوى بالمجهول إذا كان لا يعلم قدره. قال في آخر كتاب الشفعة من المدونة: ومن ادعى حقا في دار بيد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعا جاز ذلك، وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه، فإن لم يسمه بطل الصلح ولا شفعة فيه انتهى. وقال المتيطي في كتاب الصلح: لو شهد الشهود للقائم في الدار المقوم فيها بحصة لا يعرفون مبلغها ففي كتاب ابن حبيب في رواية مطرف عن مالك أنه يقال للمشهود عليه أقر بما شئت منها واحلف عليه، فإن أبى قيل للمشهود له سم ما شئت منها واحلف عليه وخذه، فإن أبى أخرجت الدار من المطلوب ووقفت حتى يقر بشئ. قال مطرف: وقد كنا نقول وأكثر أصحابنا إنه إذا لم يعرف الشهود الحصة فلا شهادة لهم ولا يلزم المطلوب شئ حتى قال ذلك مالك فرجعنا إلى قوله واستمرت الاحكام به انتهى. مسألة: ليس من تمام صحة الدعوى أن يذكر السبب، يؤخذ ذلك من قول المصنف بعد هذا ولمدعى عليه السؤال عن السبب. وإذا لم يلزم ذلك فأحرى أن يكون من شرط صحتها ذكر تسليم المبيع إذا كان مثليا وهو واضح. وهذا بخلاف الشهادة على ما ذكره ابن فرحون في الفصل الثامن فيما ينبغي للقاضي أن يتنبه له في أداء الشهادة والله أعلم. ثم قال ابن فرحون: الشرط الثاني من شروط الدعوى أن تكون مما لو أقر بها المدعى عليه لزمته كمن ادعى على رجل هبة وقلنا الهبة تلزم بالقول فيلزم المدعى عليه الجواب بإقرار أو إنكار. وإن قلت بقول المخالف والقول الشاذ عندنا أن الهبة لا تلزم بالقول، فذهب بعض الناس إلى أن الجواب فيه لا يلزم، وكذلك العدة على القول بعدم اللزوم. وكذا الوصية وذكر شروطا أخرى فانظرها فيه. وانظر أيضا الباب الثامن والعشرين من القسم الثاني في القضاء بالاتهام وأيمان التهم قال فيه: قال أبو الحسن الصغير: المشهور أن اليمين تجب بمجرد الاتهام ولم يحقق الدعوى، والظاهر أنه يريد بعد إثبات أن المدعى عليه ممن تلحقه التهمة فيما ادعى عليه به. انظر بقيته. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: فصل في تصحيح الدعوى: والمدعى به أنواع، فإن كانت الدعوى في شئ من الاعيان وهو بيد المدعى عليه فتصحيح الدعوى أن يبين ما يدعي به ويذكر أنه في يد المذكور يعني المطلوب بطريق الغصب أو العداء أو الوديعة أو العارية أو الرهن أو الاجارة أو المساقاة أو غير ذلك، ولا يشترط في الدعوى أن يسأل الحاكم النظر بينهما

[ 122 ]

بما يوجب الشرع انتهى. قوله: أو غير ذلك يدخل فيه أن يقول ضاع مني أو سرق مني ولا أدري بماذا وصل إلى هذا الذي هو في يديه، وهذا مستفاد من نصوص أهل المذهب. قال اللخمي في كتاب الشهادات: فصل: وإن ادعى عبدا في يد رجل وقال أبق مني، فإن كانا من بلد واحد كلف أن يأتي بلطخ أنه ملكه لان ملك ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل سوقه، وإن كان أحدهما طارئا لم يحلف أحدهما الآخر كأنه إن ادعى الطارئ على المقيم قال المدعى عليه أنت لا تدعي على معرفة ذلك لاني لست من بلدك ولا يجوز أن يكون صادقا، وكذلك إن ادعى المقيم عبدا أتى به الطارئ لم يحلفه لانه لا علم عنده هل هو ملكه أم لا، فإن أقام شاهدا أنه عبده حلف معه وإن نكل لم يرد اليمين لان الآخر لا علم عنده فلا يحلف على تكذيب الشاهد. انتهى انظر بقية كلامه وكلام المدونة وشروحها. وانظر ابن فرحون في فصل توقيف الشئ المدعى فيه فإن كلامه أصرح من هذا والله أعلم ص: (ثم مدعى عليه ترجح قوله بمعهود أو أصل) ش: المعهود هو شهادة العرف ونحوه والاصل استصحاب الحال. قاله ابن عبد السلام والله أعلم. مسألة: قال ابن فرحون في الكلام على القسم الثالث من أقسام الجواب عن الدعوى ما نصه: مسألة: إذا ادعى رجل قبل رجل حقوقا وكشفه عن بعضها وسأله الجواب عما كشفه عنه، فقال المطلوب اجمع مطالبتك حتى أجيبك، لم يكن له ذلك، وله أن يطلب من حقوقه ما شاء ويترك ما شاء، وإن كان إنما قال له هل لك في هذه القرية شئ غير الابتياع الذي قمت به علي فقال له خصمه جاوبني عن الابتياع أولا، فليس له ذلك حتى يقول له ليس لي دعوى غير الابتياع، وحينئذ يلزم المطلوب الجواب بالاقرار أو الانكار. قال المتيطي: وهذا خلاف ما حكاه ابن أبي زمنين في التفرقة بين المواريث وغيرها، لان المواريث لا يحاط بها فيلزم المدعى عليه الجواب على ما ادعى عليه فيها بخلاف غير المواريث لا يلزم المدعى عليه الجواب حتى يجمع المدعي دعاويه كلها انتهى. وذكرها بعد هذا في فصل مسائل تتعلق بحكم اليمين ونصه: مسألة: قال ابن أبي زمنين في المقرب: ومن وجبت له على رجل يمين لبعض ما جرى بينهما من المعاملات في الاخذ والاعطاء فقال المدعى عليه للمدعي اجمع مطالبك إن كانت تزعم أن لك عندي مطلبا غير هذا الذي تريد إحلافي عليه لاحلف في جميع ذلك يمينا واحدة، فهو من حق المدعى عليه بخلاف من وجبت له يمين على صاحبه بسبب ميراث فقال المدعى عليه للمدعي اجمع مطالبك قبلي في هذا الميراث لاحلف لك على

[ 123 ]

هذا كله يمينا واحدة، لم يكن له ذلك لان الميراث لا يحاط بالحقوق فيه. وقد تقدم في فصل الجواب عن الدعوى حكم هذه المسألة وفيها من الخلاف غير هذا انتهى. وفي الفصل الثاني من مفيد الحكام ابن أبي زمنين: ومن لزمتك له يمين بلا بينة إلا بمجرد الدعوى في قول من يرى ذلك، فلك أن تقول له اجمع دعاويك كلها قبلي لادخلها في يميني، ولو لزمتك له بسبب ميراث لم يكن لك أن تقول اجمع دعاويك كلها لادخلها في يميني، لان الميراث لا يحاط بالحقوق فيه، وهذا الذي أخذنا عن مشيختنا انتهى. ولم يحك فيه خلافا وبهذا جرى العمل في هذا الزمان. وذكر في التبصرة بعد هذه المسألة في الموضع الثاني مسألة من الوثائق المجموعة تشهد لهذا، وهي من ادعى بحقوق وزعم أنه لا بينة له على بعضها وله بينة على بعضها وأراد استحلافه فيما لا بينة له فيه ويبقى على إقامة البينة فيما له فيه بينة، فإنه إن التزم إنه إن لم تقم له بينة فيما زعم أن له فيه بينة لم تكن له يمين على المدعى عليه فإنه يحلفه الآن، فإن أقام البينة وإلا فلا يمين له عليه. وإن لم يلتزم ذلك لم يستعمل يمينه حتى يقيم البينة، فإن أقامها وإلا جمع دعاويه وحلف له على الجميع. انتهى. فرع: وإذا قلنا إن الدعاوى تجتمع في يمين واحدة، فإذا كان بعضها مما تغلظ فيه اليمين، وبعضها لا تغلظ فيه اليمين فإن من وجبت عليه اليمين يخير بين أن يحلف يمينا واحدة في المسجد وبين أن يحلف على ما لا تغلظ فيه في غير المسجد، ثم يحلف أخرى في المسجد. ذكره ابن سهل في ترجمة جمع الدعاوى في يمين واحدة. تنبيه: قوله: ثم مدعى عليه هذا إذا كان المدعى عليه ممن يصح إقراره، فإن كان ممن لا يصح إقراره فقال ابن فرحون في تبصرته: ليس للحاكم أن يسمع الدعوى على من لا يصح إقراره. قاله في الفصل الثالث في تقسيم المدعى عليهم. واعلم أن الدعوى على المحجور على ثلاثة أقسام: القسم الاول: أن يدعى عليه بما لا يلزمه، ولو قامت به البينة كالبيع والشراء والسلف والابراء فهذا لا يسمع القاضي الدعوى به ولا البينة. والقسم الثاني: ما يلزمه في ماله إذا قامت به البينة ولا يلزمه بإقراره كالغصب والاستهلاك والاتلاف واستحقاق شئ من ماله ونحو ذلك من الجراح التي لا توجب القصاص وإنما توجب المال، فهذا يسمع القاضي الدعوى به ويكلف المدعي إثبات ما ادعاه ويحكم به في مال المحجور، ولا يكلف المحجور وإقرارا ولا إنكارا. القسم الثالث: ما يلزم المحجور إذا أقر به كالطلاق والجراح التي توجب القصاص إذا كان المحجور بالغا، فهذا تسمع الدعوى فيه ويكلف الاقرار والانكار. وهذا التقسيم مأخوذ من كلام ابن فرحون المشار إليه، وما ذكره في باب الحجر من أنه يلزمه الطلاق والحدود ونحو ذلك فتأمله والله أعلم. وأما عكس هذا وهو دعوى المحجور على غيره فقال في معين الحكام: يجوز للمحجور طلب حقوقه كلها عند قاض أو غيره ولا يمنع من ذلك في حضور وصيه أو غيبته، قال ابن بكير: وله أن يوكل على ذلك ليعلم ما يتوجه إليه وخالفه غيره في ذلك انتهى.

[ 124 ]

وقال في المتيطية في الوصايا في فصل تقديم الوصي: قال غير واحد من الموثقين: وللسفيه طلب حقوقه بمحضر وصيه وفي مغيبه والخصام فيها، وليس له أن يوكل على طلبها. وقال ابن بقي وغيره: له أن يوكل كما له أن يطلب وعلى هذا مضى العمل انتهى. وقال ابن رشد في نوازله: للمحجور أن يطلب وصيه وغيره بما له قبله من حق ليظهره وليبينه، فإن ظهر من وصيه إنكار لحقه وجحد عزل عنه انتهى. وانظر القلشاني عند قول الرسالة: ومن قال رددت إليك وما وكلتني عليه. فرع: قال في معين الحكام: ولو طلب يتيم ولا وصي له ولا مقدم حقا له فسأل المطلوب أن يقدم عليه لاجل الخصام فلا يمكن من ذلك، وإذا استحق اليتيم حقه قدم القاضي من يقبضه له، ويجوز الاحتساب للايتام إن لم يكن لهم ولي إلا أن يخاف ضعفه. انتهى ص: (إن خالطه بدين أو تكرر بيع وإن بشهادة امرأة) ش: ما قاله الشارح وابن غازي كاف في ذلك، وظاهره أن المرة الواحدة في الدين تكفي وهو كذلك كما سيأتي في الفرع الآتي ونصه: فرع: قال في التوضيح: وفي سماع يحيى عن ابن القاسم من كتاب الشهادات فيمن يأتي قوما بذكر حق كتبه على نفسه لرجل غائب فيشهد بما فيه: لا أرى أن يكتب فيه إذا

[ 125 ]

خاف على نفسه لرجل غائب ليستوجب بذلك مخالطته فيحلفه إن ادعى عليه. بعض الشيوخ: فظاهره أن المرة الواحدة مخالطة. انتهى كلام التوضيح في كلامه على الخلطة. وقال الشيخ أبو الحسن في كلامه على نفقة الزوجة من كتاب النكاح الثاني عن أبي محمد صالح: ينبغي لمن أتاه رجل بكتاب فيه دين فقال له اشهد علي بما فيه أن لا يشهد إلا بحضور من له الدين خوفا من هذا. قال الشيخ: وذكر الشيخ ابن رشد في سماع يحيى أن الموثق إذا أراد أن يتحرز من هذا يكتب أقر فلان لفلان بدين من غير محضر من المقر له. قال الشيخ: وهذا أبين مما قاله أبو محمد صالح فيكتب إقراره كما ذكر، ثم لا يحكم له بذلك حتى سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وتحصل الحيازة في كل شئ بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والولاء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع في حصته وكان له الثمن، وإن سكت بعد العام ونحوه حتى استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع وإلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ منه، وإن سكت العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شئ واستحقه الحائز. وإن حضر مجلس الهبة والصدقة والتدبير والعتق فسكت حتى انقضى المجلس لم يكن له شئ، وإن لم يحضر ثم علم، فإن قام حينئذ كان له حقه. وإن سكت العام ونحوه فلا شئ له، ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق ؟ قولان. انتهى مختصرا ص: (وإنما تفترق الدار من غيرها في الاجنبي ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض) ش: يعني أنه إنما يفترق بين الدور وغيرها في مدة

[ 126 ]

الحيازة إذا كانت الحيازة بين الاجانب. وأما في حيازة القرابة بعضهم على بعض فلا يفرق بين الدور وغيرها. قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: إن الاقارب والشركاء بالميراث أو بغير الميراث لا خلاف أن الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع، ولا خلاف أنها تكون بالتفويت بالبيع والصدقة والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطئ - وإن لم تطل المدة - والاستخدام في الرقيق والركوب في الدواب كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع. قال: والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور وكالغرس في الارضين. ثم قال: ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والاصول والثياب والحيوان والعروض، وإنما يفترق ذلك في حيازة الاجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الاصول والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب فقد قال أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن، وإن السنتين والثلاثة حيازة في الدواب إذا كانت تركب، وفي الاماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك، ولا يبلغ في شئ من ذلك كله بين الاجنبيين إلى العشرة الاعوام كما يصنع في الاصول. انتهى. تنبيهات: الاول: علم من كلام ابن رشد أن اللباس في الثياب كالسكنى في الدور وأنه لا تحصل حيازة بين الاقارب ولو طالت المدة، وأن الاستقلال في الرقيق والدواب والثياب بمعنى قبض أجرة العبيد والدواب والثياب كالهدم والبنيان في العقار فلا تحصل الحيازة بين الاقارب في الرقيق والثياب والعروض إلا بالاستغلال. ويختلف في مدتها على القولين السابقين اللذين أشار إليهما المصنف بقوله: وفي الشريك القريب معهما قولان أو بالامور المفوتة كالبيع والهبة والصدقة والعتق والوطئ، ويعلم هذا من كلام المصنف لانه لما جعل ذلك مفوتا بين الاب وابنه علم أنه مفوت في حق غيرهما من باب أحرى والله أعلم. الثاني: فهم من قول المصنف: في الاجنبي أن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه، سواء كان شريكا أو غير شري‍ ك، ففيه إشارة إلى ترجيح القول بتساويهما كما تقدم ذلك. الثالث: تقدم في كلام ابن رشد: الثياب يكفي في حيازتها السنة والسنتان ولم يتعرض لها المصنف بل قد يفهم من كلامه دخولها في العروض فتنبه لذلك. الرابع: التفصيل الذي ذكرناه عن ابن رشد لا يؤخذ من كلام المصنف ولم ينقله في التوضيح وهو أتم فائدة فتأمله والله أعلم. الخامس: في المدة التي يسقط بها طالب الدين قال في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لولد ابن فرحون: الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق

[ 127 ]

الغريم في دعوى الدفع، ولا يكلف الغريم ببينة لا مكان بينهما حججا لا ينتقلان منها، ولا بأس به من ذلك. ثم ذكر هذه المسألة التي ذكرها ابن فرحون، وذكر قوله وتضفيزهما بلفظ ولا يضفزهم حججا لا ينتقلان منها إلى غيرها انتهى فتأمله والله أعلم. وفي عبارة بعضهم: ولا يصفرهما بصاد مهملة ثم فاء ثم راء مهملة مضارع صفر، وفي بعضها: يصرفها بتقديم الراء على الفاء من الصرف، وذلك كله غير صحيح، بل الكلمة بضاد معجمة ثم فاء ثم زاي معجمة مضارع ضفز. قال في القاموس في فصل الضاد المعجمة من باب الزاي: الضفز لغم البعير أو مع كراهته ذلك والدفع والجماع والعدد والوثب والعقد والضرب باليد والرجل وإدخال اللجام في الفرس. والضفز الغليظ ومنها اللقمة الغليظة وأضفزه التقمه كارها. انتهى. وفي المحكم: الضفز والضفيز شعير يحش ثم يبل ويعلفه البعير، وقد ضفزت البعير أضفره فاضطفز. وقيل: الضفز أن تلقمه لقما كبارا. وقيل: هو أن يكرهه على اللقم. وضفزت الفرس اللجام إذا أدخلته في فيه، وضفزه بيده ورجله ضربه، وضفزها أكثر لها من الجماع، قاله ابن الاعرابي انتهى. والمعنى لا يدخلها عليهم أو لا يلزمهم إياها حججا والله أعلم. وقال في مختصر الواضحة في الترجمة المذكورة: وإذا تواضع الخصمان عند القاضي الحجج معنى قوله: تواضخ الخصمان والله أعلم. وضع كل واحد حجته وكتبها وقيدها والله أعلم. ص: (وإن أنكر قال ألك بينة) ش: ظاهر هذا أن القاضي لا يسمع من بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه، ولا شك أن هذا هو الاكمل، فإن سمع البينة قبل ذلك لم يكن خطأ. قال في المتيطية في آخر كتاب حريم البئر: واستحسن أهل العلم أن لا يسمع القاضي من البينة إلا بعد ثبوت المقالة وعلى ذلك بنيت الاحكام، ومن حجتهم في ذلك أنه قد يمكن أن يقر المدعى عليه بدعوى المدعي فيستغني عن الاثبات، ولكنه إن سمع البينة قبل انعقاد المقالة لم يكن ذلك من الخطأ الذي يوجب نقض الحكم انتهى. تنبيه: للقاضي أن يسمع البينة قبل الخصومة على مذهب ابن القاسم خلافا لعبد الملك. قال في المدونة في باب المفقود من كتاب طلاق السنة: وإن أقام رجل البينة أنه أي المفقود أوصي له بشئ أو أسند إليه الوصية سمعت بينته، فإذا قضى بموته بحقيقة أو بتعمير جعلت الوصي وصيا وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حيا وحملها الثلث ولا أعيد البينة، وكذلك إن أقامت امرأة بينة أنه زوجها قضيت لها كقضيتي على الغائب انتهى. وقال ابن فرحون في

[ 128 ]

التبصرة في الفصل السادس من الركن الاول من الباب الخامس من القسم الاول: مسألة: قال ابن الماجشون: العمل عندنا أن يسمع القاضي من بينة الخصم ويوقع شهادتهم، وحضر الخصم أم لم يحضر. فإذا حضر الخصم قرأ عليه الشهادة وفيها أسماء الشهود وأنسابهم ومساكنهم، فإن كان عنده في شهادتهم مدفع أو في عدالتهم مجرح كلفه إثباته وإلا لزمه القضاء، وإن سأله أن يعيد عليه البينة حتى يشهدوا بمحضره فليس له ذلك. وقال بعض العراقيين: لا يكون إيقاع الشهود إلا بمحضر الخصم المشهود عليه. قال ابن حبيب: وقال لي مطرف وأصبغ مثله. وقال فضل وسحنون مثله إلا أن يكون الخصم غائبا غيبة بعيدة انتهى. وقال في العتبية في أول مسألة من سماع عيسى من كتاب الاقضية: قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن رجل ادعى وكالة ولم يثبتها بعد وشهود الحق الذي وكل فيه حضوره أيقبل القاضي شهادتهم ؟ قال: إن خاف أن يحرجوا إلى موضع وكان لذلك وجه قبل القاضي شهادتهم ثم يثبت الوكالة بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة. قال ابن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم. وروايته عن مالك أن القاضي يسمع من البينة قبل وقت دخول الحكم بها، من ذلك قوله في كتاب الطلاق السنة منها أن القاضي يسمع البينة على المفقود بأنه أوصى بوصية أو أوصى إلى رجل قبل الحكم بتمويته. ويأتي على قول مطرف وابن الماجشون أن القاضي لا يقبل من أحد بينة ولا يسمعها إلا في حال يحكم بها للطالب أو يدفع بها عن المطلوب أنه لا يسمع من بينته حتى تثبت وكالته، وإن خشى مغيب بينته أشهد على شهادتهم انتهى. وقال في النوادر في كتاب أدب القضاء في إنصاف الخصمين والعدل بينهما: قال مطرف وابن الماجشون: ولا يسمع من أحد الخصمين إلا بمحضر صاحبه إلا أن يعرف من المتخلف لددا في تخلفه فيشكو إليه فيسمع منه. ثم ذكر عن المجموعة عن أشهب كلاما ثم قال: ومن العدل بين الخصمين أن لا يجيب أحدهما في غيبة الآخر إلا أن يعرف لددا من المتخلف أو لم يعرف وجه خصومه المدعي، فلا بأس أن يسمع منه حتى يعلم أمره. وإذا جاء أحدهما ولم يحضر الآخر فلا يسمع منه حجته وليأمره بإحضار خصمه أو يعطيه طينه أو يكتب بجلبه إلا أن يكون لم يعلم ما خصومتهما فلا بأس أن يسمع منه انتهى. ونقله ابن بطال في أوائل مقنعه. وقال في الباب الذي قبله: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا استعدى رجل على رجل بدعوى عند الحاكم، فإن كان في المصر أو قريبا منه أعطاه طابعا في جلبه أو رسولا، وإن كان بعيدا من المصر لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهدان أو شاهد، فإذا ثبت عنده كتب إلى من يثق به من أمنائه إما أنصفه وإلا فليرتفع معه، وأما القريب من المدينة مثل أن يأتي ثم يرجع ويبيت في منزله والطريق مأمونة، فهذا يرجع بالدعوى كالذي في المصر، انتهى ونقله ابن فرحون في الفصل المتقدم ذكره وأطال الكلام فيه فراجعه والله أعلم ص: (فإن

[ 129 ]

نفاها واستحلفه إلى آخره) ش: قوله: واستحلفه يشير إلى أن القاضي لا يستحلف الخصم حتى يطلب ذلك خصمه. قال ابن فرحون في الفصل السادس في سيرته مع الخصوم: ومنها أن القاضي لا يستحلف المدعى عليه إذا أنكر إلا بإذن المدعي إلا أن يكون من شاهد ذلك ما يدل على أنه أراد ذلك من القاضي. وقد ذكر عن بعض القضاة أن رجلا ادعى على آخر ثلاثين دينارا فأنكر المدعى عليه فاستحلفه القاضي، فقال الطالب لم آخذ في هذه اليمين ولم أرض بها ولا بد أن تعاد اليمين، فأمر القاضي غلامه أن يدفع عن المطلوب من ماله ثلاثين دينارا كراهة أن يكلفه إعادة اليمين التي قضى عليه بها، وإذا استحلفه له فلا بد من حضور المحلوف له أو وكيله، فإن تغيب وثبت تغيبه عند القاضي أقام القاضي من يقضيها انتهى. وما ذكره فيما إذا تغيب عن اليمين ذكره البرزلي في مسائل التفليس ونصه: من وجبت له يمين على رجل فتغيب عن قبضها فالقاضي يوكل من يتقاضى عنه اليمين إذا ثبت مغيب من وجبت له اليمين وشهد على ذلك من نظره. وقال في أوائل الفصل الذي ذكر فيه مسائل تتعلق بحكم اليمين مسألة: وإذا حلف الخصم دون حضور خصمه لم تجزه اليمين، وكذلك إذا بادر باليمين بحضور خصمه قبل أن يسأله ذلك فإن لم يرض بها قبل أن يسأله لم تجزه. انظر المنتقى للباجي وأحكام ابن سهل انتهى. وعكس هذا أن يطلب الطالب اليمين من المطلوب بغير محضر الحاكم وأمره فيحلف له، فإن ذلك يكفيه كما سيأتي عند الكلام على النكول. ويحمل قول المؤلف وله يمينه أنه لم يحلفه عند حاكم أو دون حاكم والله أعلم. فرع: قال ابن فرحون في آخر الفصل الذي ذكر فيه مسائل تتعلق بحكم اليمين: مسألة: وإذا وجبت يمين على رجل فأراد الطالب تأخيرها وأراد المطلوب تعجيلها أو بالعكس، فتعجيلها أوجب لمن طلب ذلك منهما ولا تؤخر. نقله ابن عبد السلام في بعض تعاليقه عن أبي الفرج. انتهى كلام ابن فرحون. فرع: فإذا كانت الدعوى على امرأة وطلب الخصم أن تحلف بمحضره، فقال البرزلي في كتاب الشهادات: قال عبد الوهاب: إذا كانت المرأة من أهل الشرف والقدر جاز للحاكم أن يبعث إليها من يحلفها لانه صيانة، ولا مقال للخصم لان من له إحلافها فليس له ابتذالها. قال البرزلي: يؤخذ من هذه المسألة أن الطالب لليمين لا يحضر معها وبعث القاضي يكفي ونزلت وحكم بأنه يقف بحيث يسمع يمينه ولا يرى شخصها لانه قابض لليمين وعلى ما ذكر هنا يكون على وجه النيابة. انتهى ص: (فلا بينة إلا لعذر كنسيان) ش: قال ابن فرحون في الباب الثالث عشر من التبصرة. تنبيه: قال في المتيطية: ومن الحزم للمدعى عليه إذا طلب المدعي يمينه أن يلزم المدعي أنه

[ 130 ]

قد أسقط بينة ما علم منها وما لم يعلم، فإذا عقد على نفسه مثل هذا لم يكن له أن يقدم عليه بعد يمينه بالبينة انتهى. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ولو حلفه على أنه متى وجد بينة قام بها ففي إعمال شرطه قولان فانظره. انتهى ص: (قال وكذا إنه عالم بفسق شهوده) ش: انظر إذا ادعى المشهود عليه أن بينه وبين الشهود عداوة وادعى أن خصمه يعلم بذلك، فهل له أن يحلفه على ذلك أم لا ؟ لم أر الآن فيها نصا وقد سئلت عنه مرارا فأجبت: الظاهر أن اليمين تلزمه قياسا على هذه المسألة فتأمله والله أعلم. ص: (واعذر بأبقيت لك حجة) ش: تصوره واضح.

[ 131 ]

تنبيهان: الاول: كان المصنف هرب بأفراد الضمير في قوله لك مما في المدونة من تثنيته لان فيها وجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم بينهما أن يقول لهما أبقيت لكما حاجة فإن قالا لا حكم بينهما ثم لا تقبل منه حجة بعد إنفاذه انتهى. فقيل: الحجة إنما تطلب ممن يتوجه عليه الحكم وهو المدعى عليه، ولهذا اختصرها أبو محمد بإفراد الضمير، لكن أجيب عنها بأن الحكم تارة يتوجه على الطالب وتارة على المطلوب لانه قد تقوى حجة المدعى عليه فتضعف حجة المدعي فيتوجه الحكم عليه بالابراء وغيره فلا بد من الاعذار، فلما كان يعذر تارة إلى هذا وتارة إلى هذا اختصر وأتى بذلك في لفظ واحد. كذا قال عياض وغيره. انتهى من التوضيح. الثاني: اختلف في وقت الاعذار إلى المحكوم عليه، فقيل قبل الحكم وبه جرى العمل، وقيل بعده ذكره في مفيد الحكام. ونقله ابن فرحون في تبصرته. وفي مسائل ابن زرب: ولا تتم قضية القاضي إلا بعد الاعذار انتهى. وفي آخر وثائق الجزيرى في تسجيل بنقض حكم قضاء قاض فنظر فيه فتبين له من خطئه وجهله بالسنة ما أوجب فسخ قضائه عند فلان إذا كان لم يعذر إليه أو لم يصرح بأسماء الشهود الذين حكم بهم إذ ليس ذلك جائزا إذ ليس بمشهور بالعدل في الحكم انتهى. فعلم منه أن الحكم قبل الاعذار لا يجوز. وفي البرزلي في مسائل الاقضية: وحكى ابن فرحون مسألة طول فيها من ابتياع وخصومة فيها، فذكر فيها أن حكما وقع بغير إعذار فاختلف فيه، فذهب منذر بن إسحاق إلى أن الحكم بغير إعذار غير صواب ولا هو من وجه الحق لانه من قبيل من لا يجب قبوله وليس نظره بحجة قال: وفيه ضعف. وقال مطرف وابن الماجشون: إذا لم يكتب الاعذار في الحكم وزعم المكتوب عليه بعد موت الحاكم أو عزله له أنه لم يمكنه من جرح الشاهد، فلا يسمع منه والحكم ماض عليه. وقال غيرهما: إن دعي إلى الاعذار فإنه يعذر إليه وذلك من حقه، فإن أتى بمدفع نظر له وإن لم يأت بمدفع مضى الحكم بالاعذار إليه ولا يستأنف النظر فيما تقدم من الحكم لغفلة من غفل عن تتبع حقه انتهى. ويؤخذ من المسألة الثانية من سماع عبد الملك بن الحسن من الاستحقاق أن الغائب على حجته وله نقض الحكم إذا ظهر ما ينقضه ولو لم ترج له الحجة لانه في المسألة المذكورة لم ترج له الحجة وفي أثناء شرح المسألة الاخيرة من رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة في تعليل المسألة لان الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الاعذار إلى المشهود عليه انتهى. وانظر مختصر الواضحة في باب ما يفسخ فيه حكم القاضي والله أعلم. ص: (وندب توجيه متعدد فيه) ش: الضمير المجرور بفي يعود على الاعذار المدلول عليه بقوله واعذر

[ 132 ]

يعني أنه يستحب للقاضي إذا وجه من يعذر إلى أحد فليوجه إليه متعددا. قال في معين الحكام: ينبغي للقاضي أن لا يحكم على أحد حتى يعذر برجل أو رجلين، وإذا أعذر بواحد أجزأه. انتهى. ص: (وموجهه) ش: وكذا لا إعذار فيمن يوجهه القاضي في الاعذار إلى شخص أو غيره. قال في تبصرة ابن فرحون. مسألة: قال أبو إبراهيم: ولا يعذر القاضي فيمن أعذر به إلى مشهود عليه من امرأة أو مريض لا يخرجان. مسألة: ولا يعذر في الشاهدين اللذين يوجههما لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار. وقال ابن سري: سألت ابن عتاب عن ذلك فقال: لا إعذار فيمن وجه للاعذار، وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما وقد اختلف فيهما. مسألة: وكذلك الشاهدان الموجهان لحضور اليمين لا يحتاج إلى تسميتهما لانه إعذار فيهما على المشهور من القول، لان القاضي أقامهما مقام نفسه، وقيل لا بد من الاعذار فيهما.

[ 133 ]

مسألة: وكذلك الشهود الذين يحضرون تطليق المرأة وأخذها بشرطها في مسائل الشروط في النكاح لا يحتاج إلى تسميتهم لانه لا إعذار فيهم انتهى. قال والدي حفظه الله: ولعل المؤلف أشار إلى جميع ذلك وما أشبهه بقوله وموجهه والله أعلم. ص: (وإن أنكر مطلوب المعاملة إلى قوله لا حق لك علي) ش: تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الوكالات عند قول المصنف أو أنكر القبض فقامت البينة فشهدت بينة بالتلف. وانظر الباب السادس والخمسين في القضاء بموجب الجحود من القسم الثاني من التبصرة. وانظر رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح. فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب المديان فيمن ادعى على رجل بحق، فقال المدعى عليه لا أعرفك ولا كانت بيني وبينك خلطة قط، ثم ادعى بعد ذلك المدعى عليه قبل المدعي بحق وأتى عليه ببينة قال: ولا أرى أن تنفعه بينته إلا أن تكون بعد ذلك خلطة. ابن رشد: إن أقام بينة عليه من معاملة قائمة قبل إنكاره لم ينتفع بها، وأما إن أقام

[ 134 ]

البينة بحق له من معاملة حديثة بعد إنكاره قضى له بها وإن لم تكن بينهما خلطة، وإن قالت البينة لا ندري هل كانت المعاملة قبل الاقرار أو بعده فالقول قول الطالب مع يمينه أنها بعد الاقرار. انتهى. ص: (وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها) ش: قال في المسائل الملقوطة: وفي أحكام ابن سهل: وإن ادعى عليه أنه قذفه لم تجب عليه اليمين إلا إن شهدت بينة بمنازعة وتشاجر كان بينهما فتجب اليمين حينئذ انتهى. وقال الرعيني في كتاب الدعوى والانكار: وإذا ادعى رجل على رجل أنه عبده وأنكر الآخر ذلك، فلا قول للمدعي إلا ببينة، ولا يمين على المدعى عليه وهو حر. وإذا كان عبد بيد رجل مقر له بالملك، ثم ادعى بعد ذلك

[ 135 ]

الحرية فعليه البينة انتهى. وانظر بقية فروع المسألة فيها والله أعلم. ص: (ولا يحكم لمن لا يشهد له على المختار) ش: تنبيه: قال ابن فرحون في تبصرته في الركن الثالث المقضى له. مسألة: وفي ابن يونس: لا ينبغي للقاضي أن يحكم بين أحد من عشيرته وبين خصمه وإن رضي الخصم بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل انتهى. فرع: قال ابن الحاجب: ولا يحكم على عدوه. قال في التوضيح: هو متفق عليه. واتفاقهم هنا واختلافهم في الاولى يعني الحكم للقرابة يدل على أن مانع العداوة أقوى من مانع المحبة انتهى. وسيقول المصنف. إن مما ينتقض فيه حكم القاضي حكمه على عدوه. وهو كذلك وصرح به في النوادر وقال فيها أيضا. قال سحنون: أصله أن من لا تجوز شهادته عليه فلا يجوز أن يقضى عليه ولا أن يحكم برد شهادته ولينفذ شهادته غيره إذا ولي في ذلك الشئ وفي غيره. وقاله ابن المواز إذا ثبت أن بينه وبين القاضي الذي رد شهادته عداوة انتهى. وممن تجوز شهادته عليه يتيم عدوه على الاصح فيصح حكمه عليه والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة الشيخ: لاشهب في المجموعة وكتاب ابن سحنون: لا يجوز أن يقضي القاضي لنفسه. ولابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم: له الحكم بالاقرار على من انتهك ماله فيعاقبه ويتمول المال بإقراره، ولا يحكم بشئ من ذلك بالبينة، ودليله قطع الصديق رضي الله عنه يد الاقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته. هذه الرواية الصحيحة انتهى. يعني بقوله هذه الرواية الصحيحة قطعه باعترافه فإنه روي أنه قطعه بالبينة والاول أصح. قاله ابن رشد في الرسم المذكور من كتاب الاقضية، ولم يذكر ابن رشد ما تقدم إلا على أنه المذهب ونصه: قيل لمالك: أرأيت الذي يتناول القاضي بالكلام فيقول له قد ظلمتني قال: إن ذلك ليختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه ما قاله إذا أراد بذلك أذاه، وكان القاضي من أهل الفضل أن يعاقبه. ابن رشد: وهذا كما قال، لان للقاضي الفاضل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من تناوله بالقول وأذاه بأن نسب إليه الظلم والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما يشهد به عليه أنه أذاه به وهو غائب، لان

[ 136 ]

ما واجهه به من ذلك هو من قبيل الاقرار وله أن يحكم بالاقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به أي بإقراره ويتمول المال بإقراره، ولا يحكم في شئ من ذلك بالبينة. والاصل في ذلك قطع أبي بكر رضي الله عنه يد الاقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته، وإن كان في حديث الموطأ فاعترف به لاقطع أو شهد عليه على الشك فالصواب ما في غير الموطأ أنه اعترف به من غير شك إذا لو لم يعترف لما قطعه بالبينة، كما لو كان المسروق له إذ لا فرق بين كونه له أو لزوجته في هذا لان متاعها كمتاعه. والدليل على ذلك قول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن الحضرمي لما جاءه بغلامه فقال إن هذا سرق مرة لامرأتي: لا قطع عليه. هذا خادمكم سرق متاعكم. ألا ترى أن الرجل لا يجوز أن يشهد لنفسه ؟ فإن كان يحكم الاقرار في مال كما يحكم به في مال غيره كان أحرى أن يحكم بالاقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره لما يتعلق في ذلك من الحق لله، لان الجرأة على القضاة والحكام بمثل هذا توهين لامرهم وداعية إلى الضعف على استيفاء الحقائق في الاحكام، فالمعاقبة في مثل هذا أولى من التجاوز والعفو. وقاله في الواضحة انتهى. فرع: قال ابن عرفة: قال اللخمي: وما اجتمع فيه حق له ولله في جواز حكمه فيما هو لله كمن شهد عنده عدلان بأنه سرق من ماله ما يقطع فيه في حكمه بقطعه قولا ابن المواز وابن عبد الحكم. قلت: هذا يوهم أن قول محمد إنما هو فيما شهد به عدلان. وفي النوادر ما نصه: قال أشهب في المجموعة: إن أخذ القاضي فله قطعه ولا يحكم عليه بالمال. وكذا في الموازية وفي المجموعة. وكذا في محارب قطع عليه الطريق فليحكم عليه بحكم المحارب ولو جاء تائبا. فرع: مما يجري مجرى القاضي في المنع من الحكم لمن يتهم عليه المفتي يعني لمن يتهم عليه ممن لا تجوز شهادته له، وينبغي للمفتي الهروب من مثل هذا. انتهى من الركن الثالث المقضى له. فرع: قال الاقفهسي في شرح المختصر في آخر باب الاقضية. وسئل ابن أبي زيد: هل يجوز الحكم للمغترقي الذمم بالغصوب الممتنعين باليد القاهرة على أحد ولا يجوز الحكم لا لهم ولا عليهم ؟ وما لم يعلم له مالك بعينه ولا هو عين المغصوب مما بأيديهم، فهل يحكم له بحكم الفئ أم لا ؟ فأجاب: من كان مغترق الذمة فلا يحكم له بما ليس له ولو كان عين الغصب وما بأيديهم إذا لم يعلم له مالك معروف ولا يعرف وإرث مالكه ولا من يستحقه على حال من الاحوال ولا يمكن أن يتحاصص في ماله بتجر ولا غيره إذ لا يحصل ما غصب ولا أقربه ولا يمكن تحريه. فإن كان ممن غصبه فقراء فيفرق فيهم ويعطى منهم من كان صغيرا قدر ما يرى، وإن كان لا يوجد فيمن غصبه مستحق للصدقة كان حكمه حكم الفئ وذلك حكم

[ 137 ]

ما في بيت المال ينظر ما هو أنفع يعمل به، إما الصدقة أو بناء القناطر أو جميع ما يصرف فيه متاع بيت المال، وقد وقع في هذا قولان: أحدهما يوضع ذلك في بيت المال، والآخر في الفقراء وهي ترجع إلى قول واحد. انتهى. ص: (ونبذ حكم جائر الخ) ش: هذا كما قال القضاة ثلاثة: الاول الجائر فتنبذ أحكامه كلها أي تطرح وترد، سواء كان عالما أو جاهلا،

[ 138 ]

وظاهره ولو علم أن ما حكم به حق. والثاني الجاهل فإن كان لم يشاور العلماء نبذ حكمه

[ 139 ]

مطلقا أيضا لان أحكامه كلها باطلة لانها بالتخمين، وإن كان يشاور العلماء تعقبت أحكامه وأمضى منها ما ليس فيه جور ونبذ الآخر. والثالث العدل العالم فلا تتعقب أحكامه ولا ينظر فيها إلا أن يرفع أحد قضيته ويذكر أنه حكم فيها بغير الصواب فينظر في تلك القضية وتنقض إن خالفت نصا قاطعا أو جلي قياس. قال في العمدة: وإذا حكم بحكم لم يكن له ولا لغيره نقضه إلا أن يحكم بجهل أو يخالف قاطعا أو يكون جورا بينا انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: وفي مختصر الواضحة: وعلى القاضي إذا أقر بالجور أو ثبت عليه ذلك بالبينة، العقوبة الموجعة ويعزل ويشهر ويفضح، ولا تجوز ولايته أبدا ولا شهادته وإن أحدث توبة وصلحت حالته بما احترم في حكم الله تعالى انتهى.

[ 140 ]

فرع: اختلف في أحكام العمال، فظاهر قول مالك في رسم سلف من سماع ابن القاسم من الاقضية أنها محمولة على الرد حتى يتبين أنها كانت أمضيت بحق فتجوز، وهو خلاف ما وقع من قوله في المدونة فيما قضت فيه ولاة المياه أن ذلك جائز إلا أن يكون جورا بينا، لان هذا يقتضي أنها على الاجازة فلا ينظر فيها ولا تتعقب ما لم يتبين فيها الجور البين. وهذا الاختلاف إنما يصح في غير العدل من الولاة، فمرة رآها جائزة ما لم يتبين الجور وهو مذهب أصبغ، ومرة رآها مردودة ما لم يتبين فيها الحق وهذا هو اختيار ابن حبيب. وأما العدول منهم فلا اختلاف أن أحكامهم محمولة على الجواز وأنها لا يرد منها إلا ما تبين فيه الجور، ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على العدل، وما في سماع ابن القاسم على غيره، فلا يكون اختلاف من قول مالك. فرع: قال ابن رشد: وإن جهل حاله فالذي أقول به أنه ينظر إلى الذي ولاه، فإن كان عدلا فهو محمول على العدالة، وإن كان جائرا يولي غير العدول، فهو محمول على غير العدالة وإن كان غير عدل إلا أنه لا يعرف بالجور في أحكامه ولتوليته غير العدول جرى ذلك على الاختلاف في جواز أحكامه انتهى. وفي شرح مسلم للقرطبي في كتاب الامارة في بعث معاذ وأبي موسى رضي الله عنهما إلى اليمين وقتل المرتد قال: وفيه - يعني الحديث - حجة على أن لولاة الامصار إقامة الحدود في القتل والزنا وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. واختلف في إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك، فرأى ذلك أشهب لهم إذا جعل ذلك الامام لهم. وقال ابن القاسم نحوه. وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الامصار ولا يقيمه عامل السواد. واختلف في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة بنوع من الاحكام، فالجمهور على أن جميع ذلك لهم من إقامة الحدود وإثبات الحقوق وتغيير المنكر والنظر في المصالح، قام بذلك قائم أو اختص بحق الله، وحكمه عندهم حكم الوصي المطلق في كل شئ إلا ما يختص بضبطه بيضة الاسلام من إعداد الجيوش وجباية الخراج. انتهى ونحوه لعياض في الاكمال. فرع: قال ابن رشد أيضا: واختلف الشيوخ عندنا في أحكام ولاة الكور، فأمضاها أبو إبراهيم، ولم يجزها اللؤلئي حتى يجعل إليه مع القيادة والنظر في أمور الكورة النظر في الاحكام، واستحسن ابن أبي زمنين إذا كان للكورة قاض قد أفرد للنظر في الاحكام أن لا يجوز حكم الولاة، وإن لم يكن لها قاض أن يجوز حكمهم لما للناس في ذلك من الرفق، وهذا أحسن الاقوال وأولاها بالصواب لانه إذا ولي مع القائد حاكم فقد بان أنه حجر عليه الحكم في الاحكام، وإذا لم يول معه وجب أن يجوز حكمه كما قال مالك في ولاة المياه. انتهى من الرسم المذكور. وولاة المياه قال في التنبيهات: وولاة المياه البوادي الذين يسكنون

[ 141 ]

على المياه خلاف أهل الامصار. انتهى. ص: (وفي القطع حلف المقطوع أنها باطلة) ش: يعني فإن كانت الشهادة في قطع فإن شهد أن هذا قطع يد هذا عمدا ثم تبين أن أحدهما عبد أو كافر أو صبي أو فاسق فإنه يحلف المحكوم له بالقصاص، فإن نكل حلف المقطوع يده على رد شهادة الشاهد واستحق دية يده. قال ابن عبد السلام: وحكمها حكم الدية في المسألة الاولى يعني مسألة القصاص فيكون الحكم على ما قال المصنف أن الغرم على الشهود إن علموا وإلا فعلى عاقلة الامام. وفي كتاب الحدود من المدونة: وإن شهدا عليه بقطع يد رجل عمدا فاقتص منه ثم تبين أن أحدهما عبد أو من لا تجوز شهادته، لم يكن على متولي القطع شئ. قال: وهذا من خطأ الامام. قال أبو الحسن في المهمات: قلت: فهل للمقتص منه على الذي اقتص له شئ ؟ انتهى. قال: لم اسمع عن مالك فيه شيئا. قلت: فهل على الذي اقتص شئ ؟ قال: لا وهذا من خطأ الامام. اللخمي: يريد إذا لم يعلم الحر أن الذي معه عبد. انتهى. ص: (ونقضه هو فقط إن ظهر إن غيره أصوب الخ) ش: هذا ما دام على ولايته التي حكم فيها بذلك الحكم. قال في وثائق الجزيرى: وللقاضي الرجوع عن حكمه فيما فيه الاختلاف ما دام على خطته، وليس لمن ولى بعده نقض ذلك الحكم إذا وافق منه قول قائل وإن كان ضعيفا، وكذلك ليس له هو نقضه إن عاد إلى الحكم بعد العزل، وللقاضي فسخ حكم قاض حكم على من بينه وبينه عداوة أو بين أبويهما أو بين الحاكم وأبي المحكوم عليه ولا ينفذ حكمه عليه، وكذلك حكم الشهادة عليه وإن كان أعدل خلق الله. وقد قال ابن القاسم: لا تجوز شهادته عليه ولو كان مثل سليمان. ابن القاسم: وكان سليمان هذا في غاية من الزهد والورع. ولو كانت العداوة في الله لجازت أحكامه وشهادته انتهى. وقال في المتيطية في كتاب الاقضية:

[ 142 ]

للقاضي الرجوع عما حكم به وقضى فيه مما فيه اختلاف بين أهل العلم وفيما تبين له فيه الوهم ما دام على قضائه، فإن عزل أو مات نفذ حكمه ولم يكن لغيره فسخه ما لم يتبين فيه جورا ويكون قد قضى بخطأ لا اختلاف فيه بين أهل العلم، وما حكم فيه مما فيه اختلاف وإن كان وجها ضعيفا فلا يحل لاحد سواه فسخه. قال ابن القاسم: وكذلك إن عزل القاضي ثم صرف إلى خطة فليس له أن ينقض ما حكم به إلا ما يكون له من نقض قضاء غيره وعزله وتوليته كعزله وتوليته غيره. ثم نقل عن ابن عبد الحكم أنه ليس له رجوع عما حكم به، ثم ذكر أن الخلاف إنما هو إذا حكم بذلك وهو يراه باجتهاده. وأما إن قضى بذلك وهلا أو نسيانا أو جهلا فلا ينبغي الخلاف في أنه يجب عليه أن يرجع عنه إلى ما رأى إذ قد تبين له الخطأ انتهى. وقال البرزلي في أوائل مسائل القضاء: ابن يونس في المجموعة عن أشهب: إذا اشتكى رجل القاضي أنه جار عليه وحكم عليه بغير الحق فيكشف عن ذلك، فإن أخطأ في رأيه وتبين للعلماء نهاه عن إنفاذه، وإن خف على الامام جمعهم عنده فعل وإلا أقعد معه رجالا من أهل العلم والصلاح ويأمرهم بالنظر فيه ولا ينفرد دونهم، ولا ينفعه قوله كنت حكمت قبل قعودهم لانه مدع إلا أن يقيم بينة أنه كان حكم فينظر في ذلك الامام، فإن كان صوابا أو فيه خلاف مضى وإلا فسخ انتهى. ص: (ورفع الخلاف لا أحل حراما) ش: قال في النوادر في كتاب الاقضية في ترجمة ما يحل بحكم الحاكم: ولو طلق امرأته ألبتة فخاصمته إلى من يراها واحدة والزوجة مذهبها إنها ثلاث والزوج أيضا ممن يرى أن ألبتة ثلاث، فلا يحل للزوج أن يقربها حتى تنكح زوجا غيره ولا يبيح له الحاكم أن تمكنه من نفسها حتى تنكح زوجا غيره من قبل أن الحكم لا يحل لهما ما هو عليهما حرام. وكذلك لو قال لعبده اسقني الماء يريد بذلك عتقه والسيد يرى أنه لا يلزمه في مثل هذا عتق وإن نواه والعبد يراه عتقا، فللعبد في هذا أن يذهب حيث شاء بما حكم له. ولو قال لزوجته اختاري فقالت قد اخترت نفسي وهي

[ 143 ]

تذهب إلى أن الخيار ثلاث والزوج يراه واحدة، فإن الحكم لا يبيح للمرأة أن تمكن الزوج منها ولتمنعه جهدها، ولو رفعها إلى قاض يرى الخيار طلقة فارتجعها الزوج فلا ييبح لها الحكم ما هو عندها حرام، ولا يحل لها أن يأتيها الزوج إلا وهي كارهة. انتهى. ص: (ونقل ملك وفسخ عقد وتقرر نكاح بلا ولي حكم) ش: تصوره واضح. قال في تبصرة ابن فرحون في الفصل الثاني من القسم الاول من الركن السادس في كيفية القضاء ما نصه: اعلم أن القاضي إذا حكم بفسخ نكاح أو بيع أو إجارة وشبه ذلك لموجب من موجبات الفسخ وذلك في مسألة مختلف فيها ومثار الخلاف فيهما اجتهادي أي ليس فيها نص جلي يمنع من الاجتهاد، فإن حكم الحاكم لا يتعدى ذلك الفسخ. وأما ما يتبع ذلك من الاحكام والعوارض فذلك القاضي بالنسبة إليها كالمفتي، وكذلك لو حدثت قضية أخرى مثل القضية التي حكم فيها بالفسخ في ولاية ذلك القاضي ولم ترفع إليه أو رفعت إليه ولم ينظر فيها حتى عزل أو مات، فإنها تحتاج إلى إنشاء نظر آخر من القاضي الاول أو من القاضي الثاني، وسبب ذلك أن حكم القاضي لا يتعلق إلا بالجزئيات لا بالكليات انتهى. فرع: إذا باع الحاكم على مفلس أو يتيم أو فعل عقدا من العقود، فهل ذلك حكم منه بذلك الفعل أم لا ؟ الظاهر أنه ليس بحكم وقد نقل في التوضيح في بيع البراءة عن المازري

[ 144 ]

ما يقتضى ذلك والله أعلم. وانظر تبصرة ابن فرحون فإنه نقل عن القرافي أن ما تولاه من العقود من بيع أو نكاح من في ولايته ليس بحكم. فرع: قال ابن رشد في نوازله: إشهاد القاضي على نفسه بثبوت العقد عنده حكم بعدالة البينة عنده، فلا يلزم أن يعيد الشهود شهادتهم عند غيره لان ذلك يوجب أن لا يحكم بشهادتهم إلا بعد علمه بعدالتهم أو بعد تزكيتهم عنده، وإذا ثبت عنده أن القاضي الاول أشهد بثبوت العقد عنده قضى بشهادتهم بعد الاعذار دون تزكية وإن لم يعرف عدالة انتهى. ووقع في كلامه بعد ذكره مسألة تخالف ما ذكره في هذه المسألة. مسألة: سئلت عن مسألة وهي ما إذا أسند شخص وصيته على أولاده إلى شخص وأثبت ذلك حاكم مالكي وحكم به، فهل للحاكم الحنفي أو غيره أن يثبت رشد ذلك المحجور ويفك عنه الحجر ؟ فأجبت بأنه إذا حكم المالكي بصحة الوصية فلا ينافي ذلك حكم الحنفي أو غيره بفك الحجر عنده بما يوجب ذلك، وأما إذا حكم المالكي بموجب الوصية فللحنفي إذا أنس منه الرشد وثبت ذلك عنده أن يحكم بفك الحجر لثبوت الرشد عنده، وأما إذا أراد أن يفك الحجر بغير ذلك كما يذكر عن الحنفية أن الشخص إذا بلغ خمسا وعشرين سنة انفك عنه الحجر وإن لم يؤنس رشده، فليس له ذلك لان ذلك مناف لحكم المالكي بموجب الوصية لان من موجبها أنه لا ينفك عنه الحجر إلا بإيناس الرشد فتأمله والله أعلم. فرع: قال القرافي في الفرق الثالث بعد المائتين: الاقطاع حكم من أحكام الائمة لا

[ 145 ]

ينقض. وذكره في الذخيرة في باب إحياء الموات والله أعلم. ص: (كفسخ برضاع كبير وتأبيد منكوحة عدة) ش: ما ذكره ابن عرفة من البحث مع ابن شاس وتفريقه بين المثالين ظاهر، لان حكم القاضي في رضاع الكبير بفسخ النكاح مستلزم لحكمه لتحريم رضاع الكبير إذ لا موجب للفسخ سواه، فحكم الثاني بصحة النكاح الثاني رافع لحكم الاول بتحريم رضاع الكبير فلا يصح حكمه بذلك بخلاف حكمه بفسخ نكاح المعتدة فإنه لا يستلزم الحكم بتأبيد حرمتها، لان الفسخ لكون النكاح في العدة فاسدا وتأبيدا التحريم أمر وراء ذلك اختلف فيه العلماء هل يستلزمه النكاح في العدة أم لا. وأما الفسخ فلا تعلق له به. نعم وقع في عبارة ابن شاس التي نقلها الجماعة عنه منهم ابن عرفة أن للقاضي فسخ نكاح المعتدة وحرمتها. فإن كان مرادهم بقولهم حرمتها أنه حكم بحرمتها عليه للفسخ فما قالوه ظاهر، وإن كان مرادهم إن القاضي حكم بتأبيد تحريمها فكيف يصح حكم القاضي الثاني بصحة النكاح الثاني ؟ ولعلهم فهموا المعنى الاول، وأما على المعنى الثاني فلا يجوز للقاضي الثاني أن يحكم بصحة النكاح الثاني.

[ 146 ]

تنبيه: لو رفع نكاح الناكح في العدة لقاض ففسخ ثم تزوجها ذلك الزوج بعد انقضاء العدة والاستبراء من وطئه، فرفع ذلك لقاض يرى تأبيد تحريمها ففسخ النكاح حينئذ ولا يصح لقاض آخر أن يحكم بصحة نكاحها بعد ذلك، لان فسخ هذا النكاح الثاني مستلزم للحكم بتأبيد تحريمها على الناكح في العدة إذ لا مقتضى للفسخ سواه فتأمله والله أعلم. ص: (أو أقر الخصم بالعدالة) ش: انظر ابن عرفة ورسم الشجرة تطعم بطنين من سماع ابن القاسم من الشهادات، وتقدم كلام ابن رشد على مسألة الرسم المذكور وما حصله في ذلك في باب الاقرار عند قول المصنف لو شهد فلان غير العدل. ص: (وإن أنكر محكوم عليه إقراره بعده لم يفده) ش: تقدم كلام التوضيح عند قول المصنف وشهودا أن الخصم إذا أقر عند الحاكم فالمشهور أنه لا يحكم عليه ابتداء بما أقر به عنده في مجلسه حتى يشهد عنده بإقراره شاهدان، ومقابله أن له ذلك وكلام المصنف هذا بعد الوقوع والنزول وهو فيما إذا أقر عنده وحكم عليه قبل أن يشهد على إقراره فأنكر الخصم الاقرار. والمعنى أن الحاكم إذا حكم مستندا لاقرار المحكوم عليه في مجلسه من غير أن يشهد على إقراره مقلدا للقول بجواز ذلك، فإن حكمه بذلك لا ينقض كما تقدم. فإذا قال الحاكم حكمت عليه بمقتضى إقراره عندي فقال المحكوم عليه لم أقر عنده، فلا يفيده ذلك والقول قول الحاكم. هكذا فرض المسألة في التوضيح

[ 147 ]

وغيره. قال في النوادر: فإن جهل وأنفذ عليه هو حكمه بما أقر به عنده في مجلس الحكم ولم يشهد عليه بذلك غيره فلينقض هو ذلك ما لم يعزل، فأما غيره من القضاة فلا أحب له نقضه في الاقرار خاصة في مجلس القضاء، وأما ما كان قبل أن يستقضي أو رآه وهو قاض أو سمعه من طلاق أو زنا أو غصب أو أخذ مال فلا ينفذ منه شئ، فإن نفذ منه شئ فلا ينفذه أحد غيره من الحكام ولينقضه انتهى. فرع: فإذا أنكرت البينة أن تكون شهدت عند القاضي بما حكم به وهو يقول شهدتم وحكمت بشهادتكم فاختلف في ذلك، قال في النوادر في كتاب أدب القضاة في ترجمة القاضي يقول حكمت لفلان ما نصه: قال ابن القاسم في المجموعة في القاضي يقول لرجل قضيت عليك بكذا بشهادة عدول فأنكر، وقال ما شهدوا علي وسأل الشهود فأنكروا فقال القاضي قد نزعوا قال: يرفع ذلك إلى سلطان غيره، فإن كان القاضي ممن يعرف بالعدل لم ينقض قضاؤه أنكر الشهود أو ماتوا، وإن لم يعرف بالعدالة لم ينفذ ذلك وابتدأ السلطان النظر في ذلك. وقاله سحنون. قال سحنون: ولا يرجع على الشهود بشئ انتهى. وقال اللخمي: إن أنكرت البينة أن تكون شهدت عليه بتلك الشهادة كان فيها قولان. هل يقبل قولهما وينقض الحكم أو يمضي ويعد ذلك منهما رجوعا ؟ وقال ابن القاسم: يرفع ذلك الامر إلى السلطان، فإن كان القاضي عدلا لم ينقض قضاؤه. قال سحنون: ولا يرجع على الشهود بشئ. وقال ابن المواز في كتاب الرجوع عن الشهادة: إذا حكم القاضي بشهادة رجلين على رجل بمائة دينار ثم أنكر الشاهدان وقالا إنما شهدنا بالمائة للآخر المحكوم عليه والقاضي على يقين أن الشهادة كانت على ما حكم قال: فعلى القاضي أن يغرم المائة للمحكوم عليه لان الشهود شهدوا بخلاف قوله، ولا يجوز للقاضي أن يرجع على المشهود له لانه يقول حكمت بحق، وهذا خلاف قول ابن القاسم لانه نقض الحكم فيما بين الحاكم والمحكوم عليه وأغرم المال برجوع البينة، وينبغي على أصله إذا كان الحاكم فقيرا أن ينتزع المال من المحكوم له ويرد إلى المحكوم عليه إذا رفع ذلك إلى حاكم غير الاول. انتهى. قلت: وهذا القول غير ظاهر والله أعلم. ثم قال اللخمي: وإن قال القاضي أنا أشك أو وهمت، نقض الحكم فيما بين المحكوم له والمحكوم عليه ويرجع الامر إلى ما تقوله البينة الآن،

[ 148 ]

ويكون على المحكوم له أن يغرم مائتين المائة التي قبض والمائة التي شهدت بها البينة. انتهى ص: (وشاهدين مطلقا) ش: قال ابن رشد في شرح أول مسألة من الاقضية: والاصل في هذا أن قول القاضي مقبول فيما أخبر أنه ثبت عنده أو قضى به ينفذ ما أشهد به من ذلك على نفسه ما دام قاضيا لم يعزل انتهى. تنبيه: قوله: مطلقا يقتضي أنه لا يثبت حكم الحاكم إلا بشاهدين ولو كان المحكوم به مالا وهو مخالف لما سيقوله في الشهادة، فينبغي أن يقيد بذلك. ونقل الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر النكاح الثاني عن ابن رشد أنه قال: المشهور أن حكم الحاكم في المال يثبت بالشاهد واليمين والله أعلم ص: (ولم يفده وحده) ش: يعني أن كتاب القاضي لا يفيد وحده دون إشهاده أن ما فيه حكمه أو أنه خط. قال ابن رشد في شرح أول مسألة من الاقضية: ولا

[ 149 ]

يكتفي في ذلك بالشاهد الواحد ولا بالشهادة على أن الكتاب بخط القاضي ولا أن الختم ختمه. وهذا في الكتب التي تأتي من كورة إلى كورة، ومن مثل مكة إلى المدينة وأما إذا جاء من أعراض المدينة إلى قاضيها كتاب بغير بينة فإنه يقبله بمعرفة الخط والختم وبالشاهد الواحد إذا لم يكن هو صاحب القضية لقرب المسافة واستدراك ما يخشى من التعدي. قاله ابن حبيب. وقال ابن كنانة وابن نافع في الحقوق اليسيرة خلاف ظاهر قول ابن حبيب، وقد كان يعمل فيما مضى بمعرفة الخط والختم دون بينة حتى حدث اتهام الناس. قال في رسم الاقضية من سماع أشهب من الوصايا: أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته. وفي البخاري: أول من سأل البينة على كتاب القاضي ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله العبدي: ذكره في الكلام على فرض القاضي للزوجة نفقتها ثم يموت في كتاب النفقات من المدونة. والمسألة تكلم عليها ابن رشد في أول مسألة من رسم جاع فباع من كتاب عيسى من سماع الشهادة والله أعلم انتهى.

[ 150 ]

ثم قال: وإذا كتب إليه يسأله عن الشاهد الذي شهد عنده اكتفي في جوابه بمعرفة الخط دون الشهادة على الكتاب. قاله ابن حبيب. ما لم يكن فيما سأله عنه فكتب إليه فيه قضية قاطعة، والقياس أنه لا يكتفي بشئ من ذلك إلا بمعرفة الخط إلا فيما قرب من أعراض المدينة على ما تقدم. انتهى ص: (كأن شاركه غيره) ش: قال البرزلي في مسائل النكاح: من شهد عليه بحق فأنكر أن يكون هو المشهود عليه، فذكر ابن رشد أن الاصل أنه هو إذا كان موافقا لما في الوثيقة حتى يثبت أن ثم غيره على صفته ونسبه فيكون حينئذ الاثبات على الطالب في تعيينه دون غيره. وأحفظ في بعض نوازل ابن الحاج أن الحق يلزم جميع من كان على تلك الصفة اتحد أو تعدد انتهى. قوله: فيكون حينئذ الاثبات على الطالب يعني فإذا أثبت أن ثم غيره

[ 151 ]

على الصفة المذكورة فيكون الاثبات حينئذ على الطالب ص: (والبعيد جدا الخ) ش: هذه تسمى يمين الاستبراء ويمين القضاء وهي تتوجه في الحكم على الغائب والميت، وقد عقد لها في التبصرة فصلا. وذكر ابن سهل في أحكامه أنها إنما تتوجه فيما إذا كان الحق في ذمة الميت، وأما إذا شهدت بينة بأن الميت أقر بهذا الشئ لشخص فإنه يأخذه ولا يمين. وسيأتي مزيد كلام لذلك في باب الشهادة عند قول المصنف: وإن قال أبرأني موكلك الغائب. مسألة: قال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب المناقب في شرح قوله: من ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار. وفي رواية مسلم والاسماعيلي: من ادعى ما ليس له منا وليتبوأ مقعده من النار وهو أعم مما تدل عليه رواية البخاري. ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشئ ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعوى الباطلة كلها. واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيح الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة. قال: وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد، وإنما المقصود إيصال

[ 152 ]

الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر، وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم انتهى. وكلام ابن دقيق العيد المذكور رأيته في شرح العمدة له في كتاب اللعان فلينظر فيه والله أعلم. ص: (وجلب الخصم بخاتم أو رسول إن كان على

[ 153 ]

مسافة العدوى) ش: قال القرافي في الفرق الخامس والثلاثين والمائتين بين قاعدة ما تجب فيه إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه إن دعى من مسافة العدوى فما دونها وجبت الاجابة لانه لا تتم مصالح الاحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا بذلك، ومن بعد من المسافة لا تجب الاجابة، وإن لم يكن له عليه حق لم تجب الاجابة أو له عليه حق ولكن لا يتوقف على الحاكم لا تجب الاجابة. فإن كان قادرا على أدائه لزمه أداؤه ولا يذهب إليه، ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه ودعواه إلى الحاكم. وإن دعاه وعلم أنه يحكم عليه بجبر لم تجب الاجابة، وتحرم في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية. وإن كان الحق موقوفا على الحاكم كتأجيل العنين يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الاجابة وبين الاجابة فليس له الامتناع منها، وكذلك القسمة المتوقفة على الحكم يخير بين تمليك صحته لغريمه وبين الاجابة فليس له الامتناع، وكذلك الفسوخ الموقوفة على الحكام. وإن دعى إلى حق يختلف في ثبوته وخصمه يعتقد ثبوته وجب لانها دعوى حق، أو يعتقد عدم ثبوته لم تجب لانه مبطل. وإن دعاه الحاكم وجبت له لان المحل قابل للحكم والتصرف والاجتهاد، ومتى

[ 154 ]

طولب بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب وجب أداؤه في الحال، ولا يحل له أن يقول لا أدفعه إلا بالحكم لان المطل ظلما ووقوف الناس عند الحاكم صعب. وأما النفقات فيجب الحضور فيها عند الحاكم لتقديرها إن كانت للاقارب، وإن كانت للزوجة أو الرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الاجابة انتهى. ونقله في الذخيرة في أول كتاب الدعاوى وصدره بقوله: إذا ادعى خصم من مسافة العدوى فما دونها وجبت الاجابة إلى آخره. وذكر ما تقدم فدل على أن مسافة العدوى هي مسافة القصر. وفي المسائل الملقوطة: اختلف العلماء هل يحضر الحاكم الخصم المطلوب بمجرد الدعوى أو لا بد أن يسأله عن وجه الدعوى ويذكر للحاكم السبب ؟ والذي ذهب إليه جماعة من أصحابنا أنه لا يحضر حتى يبين للمدعي أن للدعوى أصلا وهي رواية عن أحمد. ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة وعن أحمد في رواية أنه يحضر بمجرد الدعوى. والاول أولى لان الدعوى قد لا تتوجه فيبعث إليه من مسافة العدوى ويحضره لما لا يجب عليه فيه شئ ويفوت عليه كثير من مصالحه، وربما كان حضور بعض الناس والدعوى عليه بمجلس الحكام مزر به فيقصد من له غرض فاسد أذى من يريد بذلك من التبصرة. انتهى ص: (ولا يزوج امرأة ليست بولايته) ش: مسألة: وقعت: وهي امرأة في بلاد الشحر من اليمن تزوجها رجل مغربي ثم سافر عنها إلى جهة مصر ولم يترك لها نفقة ولا ما تنفق عليه، وكتب إليه فلم يطلق ولم يرسل بنفقة وليس ببلدها من يطلق عليه لكونها بنت قاضي ذلك البلد، فهل لقاضي مكة أن يطلق عليه ؟ فأجاب القاضي أبو القاسم بن أبي السعادات الانصاري المالكي بأن لم ير الحكم على الغائب أن يحكم بالفسخ وتمكن المرأة من إيقاع طلقة بعد إثبات الفصول المعتبرة في ذلك شرعا إذا حضرت المرأة المذكورة أو وكيلها، ويكتب الحاكم لعدول بلدها بما ثبت عنده ويأمرهم بتحليفها وتمكينها من إيقاع طلقة عليها والله أعلم. ص: (وهل يراعى حيث المدعى عليه وبه عمل أو المدعي وأقيم منها) ش: هذا نحو ما ذكره في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في الحكم على الغائب. وقال ابن عبد الحكم: إن كان له بالبلد مال أو حميل إلى آخره. وعليه شرحه الشراح. والذي في تبصرة ابن فرحون إنما هو إذا كان الشئ المدعي فيه في غير بلد

[ 155 ]

المدعى عليه فقال ابن الماجشون: إنما الخصومة حيث المدعى فيه. وقال مطرف وأصبغ: حيث المدعى عليه والله أعلم. وقال أبو الحسن لما ذكر بعض الكلام في هذه المسألة في أوائل كتاب الشفعة في مسألة ما إذا كانت الدار غائبة والشفيع والمشتري حاضران قال: وهذا كله في الاصول، وأما ما يتعلق بالذمم فحيث لقي الطالب المطلوب. انظر نوازل سحنون انتهى. وانظر أحكام ابن سهل في الجزء الثاني من الاقضية والله أعلم ص: (وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد) ش: أشار بالتردد إلى الخلاف في الطرق التي ذكرها في التوضيح، وذكرها ابن عرفة وغيره اه‍. تنبيه: هذا الخلاف في الدعوى ممن لا تعلق له بالشئ المدعى فيه بإذن من صاحبه أو بغير إذنه أو من له فيه تعلق لاستيفاء حقه منه، فهل له المطالبة بذلك أم لا ؟ لم أر في ذلك كلاما شافيا، والذي تقتضيه نصوص المذهب الآتي ذكرها أن تلخص قاعدة من ذلك وتجعل المسألة على ثلاثة أوجه: وهي أن هذه المدعي إن تعلق به الشئ المدعى فيه ودخل في ضمانه وهو مطالب به فله المخاصمة فيه والدعوى وإثبات ملك الغائب وتسلمه، وإن لم يكن في ضمانه، فإما أن يريد أن يستوفي من ذلك المدعى فيه شيئا له في ذمة المالك الغائب أم لا ؟ فإن كان الاول جاز له أن يدعي ويثبت ملك الغائب أيضا وإلا لم يمكن من الدعوى. فمن القسم الاول الغاصب إذا غصبه غاصب آخر، والمستعير إذا كان الشئ مما يغاب عليه، والمرتهن كذلك، والحميل كذلك. قال في نوازل سحنون من كتاب الغصب: سئل سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعه يدفعه إليه فأخرج له ما أمره به فدفعه إليه ثم عزل ذلك العامل الغاصب ثم أتى المغصوب منه المتاع فطلب ما غصب، فهل

[ 156 ]

يكون له أن يأخذ بماله من شاء منهما إن شاء من الآمر وإن شاء المأمور ؟ فقال: نعم له أن يأخذ بماله من شاء منهما. قيل له: فإن أخذ ماله من الذي أكره على الدخول، هل يرجع هذا الذي غرم على العامل الذي أكرهه على الدخول ؟ فقال: نعم. قيل له: فإن عزل الامير الغاصب وغاب المغصوب منه المتاع فقام هذا المكره على الدخول في بيت الرجل على الامير الغاصب لهذا المتاع ليغرمه إياه ويقول أنا المأخوذ به إذا جاء صاحبه، هل يعدى عليه ؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لان الاكراه على الافعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالقتل والغصب لا يصح بإجماع، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق لمخلوق من الاقوال باتفاق، ومن الافعال على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق. وأما قوله: بأنه يقضى للمكره على الدخول في بيت الرجل العامل بالمال لانه هو المأخوذ به ففيه نظر، والذي يوجبه النظر أن يقضى له بتغريمه إياه ولا يمكن منه ويوقف لصاحبه انتهى. ونقله في التوضيح وقبله، وكذلك ابن عرفة لكن قال أثره: قلت: الاظهر تمكينه منه لانه لو هلك في الوقت لضمنه لانه على حكم الغصب باق انتهى. وأما قوله: إن الاكراه على الافعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالغصب والقتل لا يصح بإجماع فليس كذلك فيه الخلاف حسبما نقله في التوضيح وابن عرفة وغيره. وقالوا أيضا في باب الحمالة: إذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله والطالب غائب وقال أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه قبل قدوم الطالب أو لا يخاف إلا أنه كثير اللدد والمطل مكن من ذلك، فإن كان الحميل أمينا أقر عنده وإلا أردع لبراءة الحميل والغريم، انتهى من الذخيرة، ذكره أبو الحسن عن عبد الحق وغيره. ومن القسم الثاني المرتهن يثبت ملك الراهن ليبيعه ويستوفي منه حقه وزوجة الغائب وغرماؤه يثبتون ماله ليباع لهم ويستوفون حقهم. قال ابن رشد: الذي جرى به العمل أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت عنده الدين والرهن وملك الراهن له ويحلفه مع ذلك أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا أحال به وأنه لباق عليه إلى حين قيامه انتهى. وقال

[ 157 ]

في التوضيح في باب النفقات: وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك ولها أن تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم دينا ويقضى عليهم بنفقتها. ثم قال: واعلم أن الحاكم لا يبيع الدار حتى يكلف المرأة إثبات ملكية الزوج لها وتشهد البينة بأن الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم انتهى. وقال في التوضيح في شرح مسألة من ادعى عليه في شئ بيده فقال هو لفلان الغائب عن المازري ما نصه: فإن زعم المدعى عليه أن الدار رهن في يديه، فالتحقيق يقتضي أن يمكن من إقامة البينة أنها للغائب حينئذ انتهى. وقال في كتاب الرهون من المدونة: وأما ما يغاب عليه فالمرتهن يضمنه إلا أن يقيم بينة على هلاكه من غير سببه وإنما هو بأمر من الله أو بتعدي أجنبي فذلك من الراهن وله طلب الجاني. وقال أبو الحسن: وإنما لم يقل لهما لان الراهن أرجح لان الملك له، وأما المرتهن فليس له إلا الوثيقة، فإذا لم يطلبه الراهن كان للمرتهن طلبه بحق وثيقة انتهى. وقال في أواخر باب الاجارة من الجواهر فيما إذا غصبت الدار المستأجرة: ولو أقر المكري للغاصب بالرقبة قبل إقراره في الرقبة ولا يفوت حق المنفعة تبعا على المستأجر بل له مخاصمة الغاصب لاجل حقه في المنفعة انتهى. ومن القسم الثالث المودع والوكيل على شئ مخصوص ونحو ذلك. قال في الذخيرة في كتاب الوديعة: الفرع الثامن: قال صاحب الاشراق: إذا سرقت الوديعة ليس للمودع مخاصمة السارق إلا بتوكيل منك. وقال أبو حنيفة: له ذلك بناء على أن الخصومة في الاملاك للملاك، ومن ليس مالكا فلا خصومة له انتهى. وفي نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات في شرح المسألة الثانية: قال محمد بن رشد: إذا وكل الوكيل على طلب آبق فأدركه في يد مشتر أنه لا يمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله حتى يقيم البينة أنه وكله على الخصومة فيه وهو صحيح على ما تقدم في المسألة التي قبلها أنه ليس للوكيل أن يتعدى ما وكل عليه ويتجاوزه إلى غيره انتهى. وقال في التوضيح في شرح المسألة المتقدمة وهي مسألة من ادعى عليه رجل في شئ بيده فقال هو لفلان الغائب، فنقل الكلام المتقدم عن المازري ونصه: ولو أراد من بيده الدار أن يقيم بينة بملك الغائب يعارض بها بينة المدعي ولم تثبت له وكالة تبيح المدافعة، ففي تمكينه من ذلك خلاف للعلماء انتهى. وقال في كتاب الغصب من المدونة: ومن بيده وديعة أو عارية أو إجازة وربها غائب فادعاها رجل وأقام البينة أنها له فليقض له بها لان الغائب يقضي عليه بعد الاستيناء إلا أن يكون ربها بموضع قريب فيتلوم له القاضي ويأمر أن يكتب إليه حتى يقدم انتهى. فلم يجعل لمن بيده الوديعة والعارية ولا المستأجر المخاصمة بل قضى بذلك على الغائب الذي أقام البينة أن ذلك له. وقال في أكرية الدور من تبصرة اللخمي: وإن هدم الدار أجنبي سقط مقال المكتري في ذلك الكراء لان المنافع في ضمان المكري حتى يقبضها المكتري، ويكون صاحب الدار

[ 158 ]

بالخيار بين أن يغرم الهادم قيمتها على أن لا كراء فيها، أو يغرمه قيمتها مستثناة المنافع سنة ويأخذه بالمسمى الذي أكرى به لانه دين كان له على المكتري أبطله له بهدمه لتلك الدار انتهى. فجعل المتكلم في ذلك لمالك الدار ولم يجعله لمالك المنافع وهو المكتري لانه ليس له شئ في ذمة المكري يستوفيه منها لسقوط ذلك عنه بالهدم لكون المنافع في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري. وقال في نوازل ابن رشد في مسائل البيع. سئل: عن أصحاب المواريث إذا باعوا شيئا على أنه لبيت المال. فقام من أثبت عند القاضي أن هذا المبيع لقريب منه غائب وهو حي وحازه عند القاضي، هل يفسخ القاضي البيع ويوقفه للغائب أو يبقى بيد المبتاع حتى يقدم الغائب ؟ فأجاب: لا يمكن القاضي القريب من المخاصمة عن قريبه الغائب فيما باعه صاحب المواريث دون وكالة وإنما يمكنه من إثبات حقه في ذلك والتحصين له بالاشهاد عليه مخافة أن تغيب البينة أو تتغير. وقال في رسم الاقضية من سماع أشهب: وسألته عن عشيرة رجل ذكروا أن رجلا منهم بالاندلس، وفي يد رجل منهم له دار وأنه ادعاه لنفسه وأنكر أن يكون لصاحبهم في يديه حق، وسألوه أن يأذن لهم في المخاصمة وإثبات البينة عليه بحق الغائب قبل هلاك من يعلم ذلك ويشهد عليه، هل ترى أن يأذن لهم في ذلك ؟ قال: لا أرى ذلك إلا بوكالة أو أمر يعرفه. قال ابن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية ابن غانم عن مالك ومن رواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك، وزاد عن ابن القاسم أنه قال: فإن جهل القاضي فأمره بالمخاصمة فحكم عليه أوله لم يجز ذلك عليه ولا له. وقال ابن نافع مثله، وقد مضى القول على هذه المسألة محصلا مستوفى في الرسم الذي قبل هذا، ويشير بذلك إلى ما في رسم الاقضية الثالث من السماع المذكور ونصه: وسألته عن الرجل يموت ويترك زوجة وبيدها ماله ورباعه ودوابه وكل كثير له وقليل وللهالك أخ غائب، فيقوم ابن الاخ الغائب فيقول أنا أثبت أن هذا المال الذي بيدها كله لعمي وليس لها منه شئ وأبي وارثه، فإذا قضى به لعمي فضعوه بيد عدل ولا تدفعوه إلي، أو يقوم في ذلك رجل غير ابنه فيقول مثل مقالته فقال: أما الابن فأرى أن يمكن من ذلك، فإذا ثبت ما قال وضع على يد عدل، فأما الرجل غير ذلك فلا أدري ما هذا. قال ابن رشد: أجاز في هذه الرواية للابن أن يخاصم عن أبيه الغائب في رباعه وحيوانه وجميع ماله دون توكيل، وكذلك الاب فيما ادعاه لابنه وقع ذلك في الجدار. وقال في الواضحة: إن ذلك في الاب أبين منه في الابن، ولم يجز ذلك لمن سوى الاب والابن من القرابة والعشيرة على ما سيأتي له في الرسم الذي بعد هذا، وفي رسم الكبش من سماع يحيى غير أنه في هذه الرواية أراد المالك أن يمكن من إيقاع البينة وإثبات الحق لا أكثر، وليس ما في رسم الكبش بمخالف لما في هذه الرواية وقد حملها بعض أهل النظر على الخلاف وليس ذاك بصحيح. وقد اختلف في هذا على أربعة أقوال.

[ 159 ]

الاول: ما حملت عليه هذه الرواية وما في رسم الكبش من سماع يحيى من التفرقة بين الاب والابن وبين سائر القرابة والاجنبيين. والثاني: أنه يمكن من قام عن غائب يطلب حقا له من المخاصمة عنه في ذلك دون توكيل وإن كان أجنبيا. ذهب إلى هذا سحنون، وإلى أن القاضي يوكل من يقوم بحقه تأول ما روي عن مالك من أنه لا يمكن أحد إلا بوكالة فقال: معناه فيما طال من الزمان ودرس فيه العلم وهو أحد قولي ابن الماجشون وروي ذلك عن أصبغ. والثالث: يمكن من إقامة البينة ولا يمكن من الخصومة. والرابع: أنه لا يمكن من إقامة البينة ولا من الخصومة وهو قول ابن الماجشون في الواضحة ومطرف وقد قيل: إن القريب والاجنبي يمكن من المخاصمة في العبد والدابة والثوب دون توكيل لان هذه الاشياء تفوت وتحول وتغيب، ولا يمكن من المخاصمة فيما سوى ذلك من الدين وغيره إلا الاب والابن. حكى هذا ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وهو قول خامس في المسألة. واختلف إذا مكن القائم عن الغائب في المخاصمة عنه فيما يدعيه له دون توكيل على القول به، فقيل: ذلك في قريب الغيبة وبعيدها سواء وهو الظاهر من رواية أشهب هذه إذ لم يفرق فيها بين قريب الغيبة من بعيدها، وكذلك حكاه أبو زيد عن ابن الماجشون في الحيوان يدعيه ابن الغائب أو أجنبي. وقيل: إن ذلك في القريب الغيبة دون البعيد وإلى هذا ذهب سحنون وابن حبيب فيما حكى عن مطرف، ثم ذكر مسائل استدل بها لهذا القول وأطال في ذلك والله أعلم. تنبيهات: الاول: إذا كان للمدعي حصة في الشئ المدعي به وباقيه للغائب فله الدعوى في ذلك ويأخذ حصته ويترك الباقي في يد من هو في يده حتى يأتي من يدعيه. قال في أواخر الشهادات من المدونة: وإن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين لم يعط هذا منها إلا مقدار حصته ويترك القاضي باقيها في يد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه. وقد كان يقول غير هذا يعني بالمقول ما روي عن مالك بعده وهو أنه ينزع من يد المطلوب ويوقف، وفي كتاب الولاء أتم مما هنا. قال بعض القرويين: ينبغي على قول ابن القاسم إذا قامت غرماء بدين على الغائب أن يباع لهم الحظ الموقوف بيد المدعى عليه، لان الغائب لو كان حاضرا ونكل عن اليمين لكان للغرماء أخذها وبيعها في دينهم. ابن يونس: يريد بعد يمينهم التي كان يحلفها الغائب. انظر تمامها انتهى. وانظر التبصرة لابن فرحون في تقسيم المدعى لهم.

[ 160 ]

الثاني: إذا ثبت حق لغائب. فهل يوقف حتى يحلف يمين الاستظهار أو يسلم لوكيله وتؤخر اليمين حتى يقدم فيحلف، أو يموت فتحلف ورثته وإن نكل أو نكلوا راجع عليه ؟ ذكر البرزلي في ذلك قولين في مسائل الغصب والاستحقاق، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي في باب الشهادات عند قول المصنف: وإن قال أبرأني موكلك الغائب. الثالث: إذا ردت اليمين (على الموكل وهو غائب فقال ابن رشد في آخر مسائل الوكالات من نوازله في رجل غائب وكل وكيلا على القيام بعيب في سلعة اشتراها من رجل، فأنكر الرجل أن يكون باع من موكله وإنما باعها من رجل آخر فلزمه اليمين لعدم البينة فرد اليمين على الغائب. الجواب الذي أرى في هذا إذا لم يسم المقوم عليه من باع السلعة منه أو سمى رجلا بعيد الغيبة فتبين بذلك لدده أن يؤخذ منه حميل بالثمن إلى أن يكتب للغائب في الموضع الذي هو به فيحلف، وسواء كان قريب الغيبة أو بعيدها. ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في وكيل الغائب على قبض الدين يقر به ويدعي أنه قضاه، لان هذا مقر للغائب بشئ، وأما أخذ الثمن منه وإيقافه فلا أراه إذ لم يثبت عليه بعد شئ انتهى. الرابع: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في كتاب الرد بالعيب في الكلام على الرد على الغائب. والقاعدة أن الامام لا يتعرض لديون الغائب يقبضها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو حاضرا. يريد أن تبرأ ذمته ورب الدين غائب أو حاضر ملد، وهذا بخلاف من تعدى على مال غائب فأفسده فإن الامام يأخذ منه القيمة ويحبسها للغائب. انتهى ونحوه في النكت فانظره. قال ابن رشد: وإنما لا يعرض السلطان لمن غاب وترك مالا له بيد رجل أو دينا له قبله إذا سافر كما يسافر الناس، وأما إذا طالت غيبته وانقطع خبره فالسلطان ينظر له ويحوز ماله على ما وقع في طلاق السنة. انتهى من رسم الاقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الاقضية. الخامس: قال في نوازل ابن رشد من مسائل الدعوى والخصومات: سئل عن أصحاب المواريث، هل يجوز لهم الخصام في شئ لبيت المال وهو بيد رجل يدعيه لنفسه أم لا يجوز لهم خصامه ويقيمون البينة على انفراد بيت المال به دون الذي هو في يده ؟ الجواب: لا يمكن أصحاب المواريث من الخصام في ذلك دون أن يجعل إليه الطلب في ذلك والمخاصمة، وإن أراد ليثبت ذلك لبيت المال ويحصنه بالاشهاد دون مخاصمة من هو في يده كان ذلك له وبالله التوفيق انتهى.

[ 161 ]

باب في بيان الشهادة فصل في العدل ص: (العدل حر مسلم عاقل بالغ) ش: هذا يسمى باب الشهادة. قال ابن عبد السلام: ولا حاجة لتعريف حقيقتها لانها معلومة. واعترضه ابن عرفة بأنه مناف لقول القرافي: أقمت ثماني سنين أطلب الفرق بين الشهادة والرواية. قال ابن عرفة: والصواب أن الشهادة قول هو بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقتضاه إن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه. فتخرج الرواية والخبر القسيم للشهادة وإخبار القاضي بما ثبت عنده قاضيا آخر يجب عليه الحكم بمقتضى ما كتب به إليه لعدم شرطية التعدد والحلف. وتدخل الشهادة قبل الاداء وغير التامة لان الحيثية لا توجب حصول مدلول ما أضيفت إليه بالفعل حسبما ذكروه في تعريف الدلالة انتهى. وقوله: إن عدل قائله يريد إذا ثبت عدالته عند القاضي، إما بالبينة أو بكونه يعلمها. ولو قال: قول عدل إلى آخره وأسقط قوله أن عدل قائله لكان أبين لان عدل إنما يستعمل غائبا فيما ثبت. أو لو قال: يوجب على الحاكم سماعه لان الحكم بمقتضاه إن علم عدالة قائله لشمل ذلك ما إذا ثبتت عدالته عنده أو كان عالما بها. والظاهر أن في حده دورا لان الحكم بافتقاره للتعدد فرع عن كونه شهادة. تنبيه: جعل المصنف رحمه الله هذه شروطا في العدالة وهو خلاف ما يقوله أهل المذهب فإنهم إنما جعلوا هذه الاوصاف شروطا في قبول الشهادة، وذكروا من جملة الشروط العدالة وهو أبين، فإن العبد يوصف بالعدالة. قال ابن عرفة: ولما كانت الشهادة موجبة لحكم الحاكم

[ 162 ]

أي بمقتضاها اكتسبت شرفا فاشترط فيها شروطا منها في أدائها الاسلام اتفاقا. قال: ومنها الحرية والعقل ثم قال: والبلوغ. ثم قال: والعدالة. قال: ولما كانت شروطا في الشهادة والرواية تكلم عليه الفقهاء والاصوليون وابن الحاجب في أصله وفقهه. وأطال المازري فيها الكلام. والاولى صفة مظنة تمنع موصوفها البدعة وما يشينه عرفا ومعصية غير قليل الصغائر. فالصغائر الخسيسة مندرجة فيما يشين، ونادر الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر بدليل قولها في آخر شهادتها مما يجرح به أنه كذاب في غير شئ واحد. وأطول منه قول ابن الحاجب في الفقه: العدالة المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر وتوقي الصغائر وأداء الامانة وحسن المعاملة ليس معها بدعة أو أكثرها. ابن عبد السلام: والضمير في قوله ليس معها بدعة راجع للعدالة، وظاهره أن السلامة من البدعة أمر زائد على العدالة لكن تعليله اشتراط هذه المعية بقوله فإنها فسق يوجب كونها مضادة فيستغنى بذكر العدالة عنها كما

[ 163 ]

استغني بذكر العدالة عن سائر أضدادها. وقد يجاب بأن هذا النوع من أضداد العدالة فلذا كثر النزاع فيه انتهى. ويجاب بأن قوله الدينية احترز به من المحافظة المذكورة إذا لم يكن القصد بها الدين وإنما فعلها لتحصيل منصب دنيوي. وقال ابن محرز في تبصرته: قال أبو بكر الابهري في صفة من تقبل شهادته: هو المجتنب الكبائر المتوقي لاكثر الصغائر إذا كان ذا مروءة وتمييز، متيقظا متوسط الحال بين البغض والمحبة. قلت: وقد أتت هذه الصفة على جميع ما ينبغي للشاهد العدل انتهى. وقوله حر لاخفاء في اشتراط الحرية. وقوله مسلم كذلك. وقوله عاقل قال ابن عرفة: ابن عبد السلام: لا يختلف في اعتبار العقل في حالتي التحمل والاداء، ولا يضر ذهاب العقل في غير هاتين الحالتين. ونص عليه عبد الملك. قال ابن عرفة: قلت: ما ذكره هو مقتضى المذهب، ونص عبد الملك عليه لا أعرفه بل نقل الشيخ عن المجموعة قال ابن وهب عن مالك في الكبير: يخنق ثم يفيق إن كان يفيق إفاقة بينة يعقلها جازت شهادته وبيعه وابتياعه انتهى. ص: (أو كثير كذب) ش: قال ابن عرفة: وأما الكذب فنصها مما يجرح به الشاهد قيام بينة على أنه كذاب في غير شئ واحد. ونقلها ابن الحاجب بأنه معروف بالكذب في غير شئ واحد. قال ابن عبد السلام: كلامه يعني تكرار الكذب ممن يثبت عليه ذلك وأنه مشهور من قوله معروف، ولم يشترط هذا القيد الاخير في المدونة ويكفي تكرار الكذب. قلت: قوله يعطى تكرار الكذب لا وجه له لتخصيصه به دون المدونة، لان فيها لفظ كذاب وفعال يدل على التكرار ضرورة. وقوله إنه مشهور من قوله معروف يرد بمنعه لان مدلول مشهور أخص من معروف ولا يلزم من صدق الاعم صدق الاخص. وقوله لم يشترط هذا في المدونة إن أراد به كونه مشهورا فلا يضر لما بينا أن لفظ معروف لا يستلزمه، وإن أراد لفظ معروف فقوله لم يشترط في المدونة إن أراد نصا فمسلم، وإن أراد لزوما منع لان لفظ قولها قيام البينة العادلة أنه كذاب بصيغة المبالغة يدل على أنه معروف بمطلق الكذب عادة لان الغالب في العادة أنه لا يثبت بالبينة العادلة على رجل أنه كذاب في غير شئ إلا وهو معروف بمطلق الكذب عادة لانه الغالب فتأمله منصفا. انتهى. ص: (وسفاهة) ش: لعله يريد بالسفاهة المجون. قال في المدونة في كتاب القطع أو أنهم مجان: قال في التوضيح: جمع ماجن. الجوهري: المجون أن لا يبالي الانسان ما صنع انتهى. وقال ابن فرحون في شرحه: وفي التقريب: الماجن هو القليل المروءة الذي يكثر الدعابة والهزل في أكثر الاوقات. انتهى. ص:

[ 164 ]

(ذو مروءة) ش: ابن عرفة: والروايات والاقوال واضحة لان ترك المروءة جرحة. قيل: لان تركها يدل على عدم المحافظة الدينية وهي لازم العدالة وتقرر بأنها مسببة غالبا عن اتباع الشهوات. المازري: لان من لا يبالي بسقوط منزلته ودناءة همته فهو ناقص العقل ونقصه يوجب عدم الثقة به. قلت: والمروءة هي المحافظة على فعل ما تركه من مباح يوجب الذم عرفا كترك الملئ الانتعال في بلد يستقبح فيه مشي مثله حافيا وعلى ترك ما فعله مباح يوجب ذمه عرفا كالاكل عندنا في السوق وفي حانوت الطباخ لغير الغريب انتهى. وفي التوضيح: ابن محرز: ولسنا نريد بالمروءة نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة وحسن الشارة، بل المراد التصون والسمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب المجون والسخف والارتفاع عن كل خلق ردئ يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه وإن لم يكن في نفسه جرحة انتهى. فمن ترك اللباس المحرم أو المكروه الخارح عن السنة لا يكون جرحة في شهادته كلباس فقهاء هذا الزمان من تكبيرهم العمائم وإفراطهم في توسيع الثياب وتطويلهم الاكمام وقد صرح الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل بأن ذلك ممنوع. ونقل عن العلماء من أهل المذهب وغيرهم الكلام في ذلك فراجعه. نعم لو مشى الانسان حافيا أو بغير عمامة بالكلية مما هو مباح لكن العادة خلافه ينظر في أموره فإن أراد بذلك كسر النفس ومجاهدتها لم يكن ذلك جرحة في حقه، وإن كان على جهة المجون والاستهزاء بالناس فذلك جرحة كما قاله في التوضيح في الصنائع، وتقدم في كلام ابن عرفة في القولة التي قبل هذه. وأما حمل الانسان متاعه من السوق فهو من السنة لقوله عليه الصلاة والسلام صاحب الشئ أحق بشيئه وذلك حين اشترى السراويل وأراد بعض أصحابه أن يحملها عنه وأظنه السيد أبا بكر رضي الله عنه والقضية في الشفاء. وقوله في التوضيح وحسن الشارة الشارة الهيئة واللباس. يقال ما أحسن شوار الرجل وشارته أي لباسه وهيئته. قال ابن الاعرابي: الشورة بالضم الجمال وبالفتح الخجل. انتهى من المعلم في شرح قوله إن رجلا أتاه وعليه شارة حسنة. وقال القاضي عياض: الشوار هنا بالفتح. وأما الشورة الجمال فبالفتح والضم معا. وشوار البيت متاعه بالكسر، وشوار الرجل مذاكيره انتهى. وقال ابن سيده في محكمة: وشوار الرجل ذكره وخصياه وأسته. وفي الدعاء أبدى الله شواره

[ 165 ]

بالضم لغة عن ثعلب. انتهى. ص: (بترك غير لائق من حمام) ش: قال في التوضيح عن ابن محرز: الادمان على لعب الحمام والشطرنج جرحة وإن لم يقامر عليها. قال في آخر كتاب الرجم: ولا تجوز شهادة لاعب الحمام إذا كان يقامر عليها، واختلف الشيوخ هل يقيد ما قاله في غير هذا الموضع بهذا القيد أي المقامرة أو خلاف انتهى. وقال في الشامل بترك غير لائق من لعب بحمام وإن دون قمار على الاصح انتهى. لكن يفهم من كلامه في التوضيح اشتراط الادمان، وظاهر كلام المصنف هنا خلاف ذلك. وعزا أبو الحسن التقييد بالادمان لكتاب الشهادات. ويفهم من كلام المصنف وغيره من أهل المذهب أن اللعب بالحمام غير حرام ولكنه غير لائق والله أعلم. ص: (وسماع غناء) ش: قال في التوضيح: الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه ولا يقدح في الشهادة بالمرة الواحدة بل لا بد من تكرره. وكذا نص عليه ابن عبد الحكم لانه حينئذ يكون قادحا في المروءة. وفي المدونة: ترد شهادة المغني والمغنية والنائح والنائحة. إذا عرفوا بذلك. المازري، وأما الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور فممنوع وكذلك المزمار. والظاهر عند بعض العلماء أن ذلك يلحق بالمحرمات وإن كان محمد أطلق في سماع العود أنه مكروه وقد يريد بذلك التحريم. ونص محمد بن عبد الحكم على أن سماع العود ترد به الشهادة قال: إلا أن يكون ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر

[ 166 ]

فإنه لا يمنع من قبول الشهادة قال: وإن كان ذلك مكروها على كل حال وقد يريد بالكراهة التحريم كما قدمنا انتهى. ونقله ابن عرفة أيضا. ص: (وحياكة) ش: قال البرزلي: رأيت لبعضهم أن هذه الصناعات إن صنعها تصغيرا لنفسه أو ليدخل السرور بها على الفقراء أو يتصدق بما يأخذ فإنها حسنة وإلا فهي جرحة. انتهى. ص: (وإدامة شطرنج) ش: قال في الشامل: وإدامة شطرنح ولو مرة في العام، وقيل أكثر. وهل يحرم أو يكره ؟ قولان، وثالثها أن لعبه محرم مع الاوباش على طريق حرم وفي الخلوة مع نظائره بلا إدمان وترك مهم ولهي عن عبادة جاز. وقيل: إن ألهي عن الصلاة في وقتها حرم وإلا جاز. انتهى. ص: (وإن أعمى في قول) ش: شهادة الاعمى في الاقوال المشهور فيها أنها جائزة وشهادته في غير الاقوال لا تجوز. وهذا فيما تحمله بعد العمى، وأما ما تحمله من الشهادة في غير الاقوال قبل العمى فظاهر كلام بعض أصحابنا كالمصنف في توضيحه وابن عبد السلام في شرحه وابن فرحون في تبصرته أنها لا تجوز لانهم ينقلون أولا المذهب ثم يقولون، وقال الشافعي: تجوز فيما تحمله قبل العمى.

[ 167 ]

فتخصيصهم التفرقة بين ما تحمله قبل العمى وبين ما تحمله بعده، فالشافعي يدل على أن المذهب عدم التفصيل. وقال في الجزء الاول من شهادات النوادر: وقد قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: ما شهد عليه قبل أن يعمى قبلناه. قال سحنون: ولا فرق بين ذلك لانه حين قبولها أعمى انتهى. فظاهر كلام سحنون أن مذهبنا لا فرق خلافا القول ابن أبي ليلى وأبي يوسف فتأمل ذلك. وصرح الشيخ سليمان البحيري في شرح الارشاد بأنه إذا تحملها قبل العمى أنها تقبل منه ونصه عند قول صاحب الارشاد: وتقبل من الاعمى فيما لا يشبه عليه من الاقوال. قال في شرح العمدة: معناه تجوز شهادة الاعمى على الاقوال إذا كان فطنا ولا تشتبه عليه الاصوات ويتيقن المشهود له. وعليه فإن شك في شئ من ذلك لم تجز شهادته ولا تقبل في المرئيات إلا أن يكون قد تحملها بصيرا ثم عمي وهو يتيقن عين المشهود عليه أو يعرفه باسمه ونسبه انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الشهادات: مال المصنف يعني البخاري إلى إجازة شهادة الاعمى وهو قول الليث، سواء علم ذلك قبل العمى أو بعده. وفصل الجمهور فأجازوا ما تحمله قبله لا بعده وكذا ما يتنزل فيه منزلة البصير كان يشهده شخص بشئ ويتعلق هو به إلى أن يشهد به عليه. انتهى. ص: (ولا متأكد القرب كأب وإن علا الخ) ش: قال ابن عرفة: المازري: لا تجوز شهادة الاب وإن علا لولده وإن سفل كان جدا من قبل الاب أو الام ولا شهادة بني بنيهم لهم وهو مشهور مذهب مالك والشافعي: وذكر بعض متأخري الشافعية عن مالك قبول شهادة الولد لابيه دون الاب لابنه وهو حكاية مستنكرة عند المالكية وربما كانت وهما من ناقلها. انتهى.

[ 168 ]

فرع: قال ابن عرفة: ابن سحنون عنه: شهادة الولدين أن فلانا شج أباهما وهما مسلمان والاب عبد أو مكاتب مسلما أو نصرانيا ساقطة، وكذا لو شهد لابيهما وقد مات نصرانيا بدين على فلان وترك ولدا نصرانيا. وكذا لو شهدا أن أباهما العبد جنى على رجل جناية وأن سيده باعه أو أعطاه أحدا. ابن عبدوس عن سحنون: وكذا شهادة ابن الملاعنة لمن نفاه. انتهى. فرع: قال في المدونة: ولا تجوز شهادة الابوين أو أحدهما للولد ولا الولد لهما ولا أحد الزوجين لصاحبه ولا الجد لابن ابنه ولا الرجل لجده، ولا يجوز لاحد من هؤلاء شهادة الآخر في حق أو تزكية أو تجريح من شهد عليه انتهى. زاد ابن يونس بعد قوله: ولا الرجل لجده من قبل الرجال والنساء كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا انتهى. وقال ابن عرفة وفيها: لا تجوز لاحد الزوجين على صاحبه. زاد ابن سحنون: كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا انتهى. وهذه العبارة التي قالها لا معنى لها فتأمله ولفظ المدونة ما تقدم. فرع: ولا تجوز شهادة الرجل لزوجة أبيه ولا لزوجة ابنه ولا لابن زوجته ولا لابيها عند ابن القاسم خلافا لسحنون. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات. وقال في رسم جاع من سماع عيسى: وأما شهادة الرجل لابن زوج ابنته وأبويه فلا يخالف ابن القاسم سحنون في جوازها لهم لبعد التهمة وإنما يخالفه فيما تقدم انتهى. وقال ابن عرفة: اللخمي: لابن القاسم في العتبية: لا تجوز شهادة الرجل لزوج ابنته ولا لزوجة ولده انتهى. وفي النوادر: ومن هذه الكتب كلها إلا كتاب ابن حبيب. قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادته لزوجة أبيه ولا لزوجته ولا لابن امرأته ولا لوالدها وكذلك المرأة لابن زوجها انتهى. وإذا كانت شهادته لزوجة أبيه غير جائزة عند ابن القاسم مع بعد التهمة للعداوة التي بينهما في الغالب، فشهادة الرجل لزوج أمه أحرى بعدم الجواز كما دل عليه كلام المصنف وقبله الشارح فإني لم أقف عليه الآن منصوصا، بل مقتضى كلام المصن‍ ف عدم صحة شهادة الشخص لزوجة جده وزوج جدته وإن بعدا، وعدم صحة شهادة الشخص لزوجة ابن ابنه وزوجة بنت ابنه وإن سفلا، ولم أقف على التصريح بجميع ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (وشهادة ابن مع أب واحدة ككل عند الآخر على شهادته أو حكمه) ش: هذا قول أصبغ. وقال سحنون بجواز الجميع بشرط التبريز كما قاله ابن رشد في أول سماع ابن القاسم من الشهادات. وقال

[ 169 ]

ابن رشد في اللباب: وشهادة الاب مع ولده جائزة على القول المعمول به انتهى. وقال ابن فرحون: ولو شهد الاب مع ابنه عند الحاكم جازت على القول المعمول به. وقال بعض الموثقين: شهادتهما بمنزلة شهادة واحدة. وفي معين الحكام: والقول بأنهما بمنزلة شاهدين أعدل ثم قال: وتعديل أحدهما الآخر لم يجزه أحد من أصحاب مالك إلا ابن الماجشون قال: إن لم يكن التعديل نزعه ولم يكن به قام وإنما نزعه وقام به إحياء شهادته فلا بأس أن يصفه بما تتم به شهادته وفيه بعد. قال ابن عرفة: وما أدركت قاضيا حفظه الله من تقديم ولده أو قريبه إلا قاضيا واحدا جعلنا الله ممن علم الحق وعمل به انتهى. ثم قال: مسألة: وأما شهادة الاخوين في شئ فشهادتهما جائزة وليسا كالاب وابنه. تنبيه: قد تلحقهم التهمة فلا تجوز شهادتهما كما لو شهد أخوان أن هذا ابن أخيهما الميت والمشهود له ذو شرف، فإن النسب لا يثبت بشهادتهما ويثبت للمشهود له المال إن ادعاه والله أعلم. فرع: تنفيذ القاضي حكم والده أو ولده لم أر فيه نصا، والظاهر جواز ذلك لان للحاكم أن ينفذ حكم نفسه إذا قامت عليه بينة، وإن نسيه أو أنكره فكذلك حكم ولده أو والده فتأمله والله أعلم. ص: (بخلاف أخ لاخ إن برز ولو بتعديل) ش: ويشترط فيه أن لا يكون في عياله، ويشترط ذلك أيضا في شهادة المولى لمعتقه والصديق الملاطف والاجير. وقد نص على الثلاثة الاول في كتاب الشهادات من المدونة قال فيها: وتجوز شهادة الاخ لاخيه والرجل لمولاه أو لصديقه أو الملاطف إلا أن يكون من عياله أحد من هؤلاء يمونه فلا تجوز شهادته له، وتجوز شهادة الرجل لشريكه المفاوض إذا شهد له في غير التجارة إذا كان لا يجر لنفسه بذلك شيئا انتهى. وقال في أول الكتاب: ولا تجوز شهادة من هو في عيال الرجل له وكذلك الاخ والاجنبي إذا كانا في عياله، فإن لم يكونا في عياله جازت شهادتهما إذا كانا مبرزين في العدالة في الاقوال والتعديل. قال في التنبيهات: المبرز بكسر الراء المشددة أي ظاهر العدالة سابقا غيره متقدما. وأصله من تبريز الخيل في السبق وتقدم سابقها وهو المبرز لظهوره وبروزه أمامها انتهى. وقال ابن رشد في سماع ابن القاسم من الشهادات: يشترط التبريز في العدالة على مذهب ابن القاسم فيمن سئل في مرضه شهادة لتنقل عنه فقال لا أعلمها ثم شهد

[ 170 ]

بها واعتذر بأنه خشي في مرضه عدم تثبته فيها. ومن زاد في شهادته أو نقص بعد أدائها وشهادة الاخ لاخيه، والاجير لمن استأجره إن لم يكن في عياله، وشهادة المولى لمن أعتقه، وشهادة الصديق الملاطف لصديقه، وشهادة الشريك المفاوض لشريكه في غير مال المفاوضة انتهى. وسيأتي لفظ السماع في القولة التي بعد هذه ونقله ابن عرفة في المانع الثالث، وكان المؤلف استغنى عن هذا الشرط بقوله بعد هذا ولا إن جربها فإنهم جعلوا من ذلك شهادة المنفق عليه للمنفق فتأمله. تنبيهان: الاول: قال سحنون في كتاب ابنه: معنى ليس الذي في عياله هو الاجير المشترك مثل الصناع وغيرهم. فأما الاجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله قد دفع إليه مؤنته، فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معتزلا عنه. انتهى من النوادر ونقله ابن يونس وأبو الحسن وزاد: قال اللخمي: ظاهر قول ابن القاسم أن المنع إذا كان في نفقته كانت النفقة بالطوع أو من الاجارة، لان المظنة تتعلق بالوجهين جميعا لانه يخشى إن لم يشهد له أن يصرفه. وكذلك الاجير المشترك كالطراز والقصار لانه يتهم في شهادته له أن يخصه بأعماله انتهى. وأما شهادة السمسار فقال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الاقضية في شرح قولها ولا تجوز شهادة المعزول على ما حكم به يقوم منه ومما فوقه. ومن قولها بعد، ولا تجوز شهادة قسام القاضي أن شهادة الخاطب والسمسار لا تجوز وفي ذلك خلاف، والفتوى بقبول شهادة الخاطب دون السمسار انتهى. لكن قيد في كتاب الايمان بالطلاق عدم جواز شهادة السمسار بما إذا شهد فيما يتهم فيه ونصه عند قول المدونة: وإن شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن ينكحاه وأن يبتاعا له بيعا وأنهما فعلا ذلك وهو ينكر، لم تجز شهادتهما عليه لانهما خصمان. قال ابن ناجي: مثله في النكاح الاول حيث لم تجز شهادة الاب في عقدة النكاح لانه شهد على فعل نفسه، ويقوم منهما أن شهادة السمسار لا تجوز وذلك فيما يتهم فيه كما إذا شهد في عقد البيع، وأما حيث لا يتهم فجائزة كما إذا شهد في الثمن وكانت أجرته لا تختلف، سواء باع بقليل أو كثير. ونص عليه بذلك الشعبي. وأفتى ابن الحاج بجواز شهادته ذكره فيما إذا أنكر المبتاع البيع. ويقوم منها أيضا أن شهادة الخاطب لا تجوز وفيها خلاف حكاه صاحب الطراز في أول الانكحة فقال: لا تجوز شهادة الخاطبين لانهما معا كخصمين. وقيل: إنما ذلك ءذا أخذا على ذلك أجرا، فإن لم يأخذ أجرا جاز، وكانت الفتوى تجري به. وسئل عنها ابن رشد فأجاب بجوازها لعدم التهمة. وأما شهادة المشرف لمن يشرف عليه فسأل عنها عياض ابن رشد فأفتاه بالجواز وهو واضح لقول أحمد بن نصر وغيره إن تنازع

[ 171 ]

المشرف والوصي عند من يكون المال فإنه يكون عند الوصي. ويقوم منها ما في سماع أصبغ من الشهادات فيمن دفع إلى رجلين مالا وأمرهما أن يدفعاه إلى رجل وأن يشهدا عليه، فزعما أنهما فعلا ذلك وأنكر الرجل فقال: لا تجوز شهادتهما لانهما يتهمان في دفع اليمين عنهما انتهى. فتحصل من كلامه أن شهادة السمسار جائزة فيما لا يتهم فيه بلا خلاف، وفي شهادته فيما يتهم فيه قولان وقعت الفتوى بكل منهما فتأمله والله أعلم. وتقدم الكلام على شهادة الخاطب والقسام والعاقد في كتاب القسمة. فائدة: وقع في نوازل البرزلي في كتاب الاجارة للسماسرة عدة أسماء فسماهم في ب عض المواضع سماسرة، وفي بعضها النخاسين، وفي بعضها الصاحة، وفي بعضها الدلالين، وفي بعضها الطوافين، وفي بعضها الوكلاء من السماسرة والله أعلم. الثاني: الصديق الملاطف هو المختص بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه. ومعنى اللطف الاحسان والبر والتكرمة وهو أحد معاني تسميته لطيفا، ولو كانت هذه الملاطفة من أحدهما للآخر كانت كمسألة الاخوين اللذين ينال أحدهما بر الآخر وصلته. انتهى من كتاب الاقضية من التنبيهات. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب في كتاب الاقرار: والصديق الملاطف هو الذي قيل فيه:

[ 172 ]

إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك اه‍. وهذا الذي قاله بعيد وقل أن يوجد أحد بهذه الصفات، فالاولى تفسيره بما في التنبيهات والله أعلم. ص: (أو منقص) ش:. مسألة: وإذا نقص الشاهد بعض الشهادة ونسي البعض فيرد الجميع. قاله ابن رشد في نوازل أصبغ من الشهادات في آخر الكلام على مسألة من أعتق عبدين فشهدا بعد عتقهما أنه غصبهما من رجل ونصه: وإذا لم يأت الشاهد بالشهادة على وجهها أو سقط عن حفظه بعضها فإنها تسقط كلها بإجماع. انتهى. ص: (وذاكر بعد شك) ش: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: إذا سئل الشخص عن شهادة في مرضه لتنقل عنه أو ليشهد على شهادته تحصينا لها، أو سئل عند الحاكم ليشهد بها فأنكرها وقال لا علم عندي منها ثم جاء يشهد، فإنه يقبل إذا كان مبرزا في العدالة. وأما لو لقيه الذي عليه الحق فقال بلغني أنك تشهد علي بكذا فقال لا أشهد عليك بذلك ولا عندي منه علم وإن شهدت عليك فشهادتي باطلة، لم يقدح في شهادته ولا يضرها وإن أقام على قوله بينة. قال ذلك ابن حبيب في الواضحة. وهل يحمل على التفسير لقول مالك هذا انتهى. وفيه: أما إذا قال الشاهد بعد شهادته للمشهود عليه إن كنت شهدت عليك بذلك فأنا مبطل فإنه رجوع عن الشهادة، وذكر فيه ابن رشد خلافا. فرع: قال في الطراز في الذي يسأل الشهادة فيقول هي اليوم عندي ألف سنة قال بعضهم: هو جاهل ولا تسقط شهادته لانه محمول على المبالغة، وقد قال عليه الصلاة والسلام لا يضع عصاه عن عاتقه. فرع: قال ابن رشد في مسائل الشهادات في نوازله في رجل شهد لرجل شهادة، فقال

[ 173 ]

المشهود عليه للمشهود له ما بال هذا الشاهد لم يؤد لك هذه الشهادة منذ كذا وكذا، فقال له المشهود له إنه لتحريه وتوسوسه توقف وتثبت حتى جاء بنص كلامك مخافة أن يزيد عليك فيه شيئا لم تقله، فزعم المشهود عليه أن قول المشهود له المنصوص فوق هذا مسقط لشهادة الشاهد لما فيه من ذكر الوسوسة. فأجاب: إن ذلك لا يبطل شهادة الشاهد لانه إنما وصفه بالتحري والتثبت. انتهى مختصرا. ص: (فأشهد أنه عدل رضا) ش:. فرع: ذكر الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الشهادات في قوله لا نعلم إلا خيرا إن هذا اللفظ لا يفيد التزكية وإنما يكتب في التبرئة من التهم فيقولون في عقد التبرئة لا يعلم شهوده على فلان إلا خيرا، ولا بد في هذه الشهادة من خبرته ومباطنته، وكذلك قوله لا أعلم له وارثا وقوله لا أعلم له مالا انتهى. ص: (كجرح إن بطل حق) ش: وعكس هذه

[ 174 ]

المسألة إن شهد الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته، فهل يجوز لك أن تجرحه ؟ ذكر فيه ابن رشد في سماع ابن القاسم في رسم الشجرة وفي سماع عيسى وفي سماع سحنون قولين ورجح أنه لا يشهد بجرحته. ص: (بخلاف الجرح) ش:. مسألة: إذا قال أحد المجرحين في أحد الشاهدين هو كذاب، وقال الآخر فيه هو آكل ربى، فليس بتجريح حتى يجتمعا على شئ واحد. وإن قال أحدهما هو خائن وقال الآخر يأكل أموال اليتامى فذلك تجريح لانه معنى واحد. وقال أيضا: إذا جرحه أحدهما بمعنى وجرحه الآخر بمعنى آخر فذلك تجريح لانهما قد اتفقا على أنه رجل سوء. قال ابن حبيب: وسألته قبل ذلك عن تجريحهما إياه بأنه رجل غير مقبول الشهادة وقال لا يسمى بالجرحة فقال: هي جرحة ولا يكشف عن أكثر من هذا. انتهى من ابن سهل. ص: (وهو المقدم) ش: قال في النوادر: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا عدل الشهود عنده ثم أتى من يجرحهم فإنه يسمع الجرحة فيهم أبدا ما لم يحكم، فإذا حكم لم ينظر في حالهم بجرحة ولا بعدالة في ذلك الحكم. انتهى من كتاب الاقضية الثاني وآخر ترجمة المحكوم عليه يجد بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره. وقال في الطرر في ترجمة وثيقة بتجريح عداوة. ولابن الماجشون: إن جرح رجلان عدلا ثم جاء المجرح بمن يعدله لم نقبله ولو بألف عدل، وقاله أصبغ من رواية أبي زيد عنهما انتهى. والظاهر أن هذا على سبيل المبالغة. ص: (وبخلافها لاحد ولديه على الآخر

[ 175 ]

أو أبويه إن لم يظهر ميل له) ش: هذا مخرج أرضا من عدم قبول شهادة متأكد القرابة فهو معطوف على خلاف من قوله بخلاف أخ لاخ. وأعاد العامل لطول الفصل. والضمير في بخلافها عائد إلى الشهادة، والمعنى أن شهادة الولد أو الوالدة لاحد ولديه على الآخر جائزة إن لم يظهر ميل للمشهود له، وكذلك شهادة الولد ذكرا كان أو أنثى لاحد أبويه على الآخر جائزة إن لم يظهر ميل للمشهود له. فقوله إن لم يظهر ميل قيد في المسألتين، ومفهوم الشرط أنه إن ظهر ميل للمشهود له لم تجز الشهادة اتفاقا، وأما إن لم يظهر ميل فالذي رجحه ابن محرز واللخمي ومشى عليه المصنف وهو قول ابن القاسم قبول الشهادة، لان الشاهد استوت حاله فيمن شهد له، وعليه فصار كمن شهد لاجنبي. وقال سحنون: لا تجوز شهادة الاب لابنه على كل حال. واشترط بعضهم في قبول هذه الشهادة التبريز ولم يذكره المصنف، فإن ظهر الميل للمشهود عليه قال ابن الحاجب: فأولى بالجواز. قال في التوضيح: يريد على القول بالجواز ولا يريد أنه يتفق على الجواز لان سحنونا يمنع وإن شهد للاكبر على الاصغر، والرشد على السفيه، وللعاق على البار وكأنه رآه حكما غير معلل وأن المنع في ذلك للسنة انتهى. وقال في الشامل: وإن ظهر ميل للمشهود عليه جازت على المشهور انتهى. فرع: قال في التوضيح. قال ابن رشد: وإن شهد لابيه على ولده أو لولده وليس في حجره فيخرج على الخلاف في شهادته لاحد أبويه على الآخر، ولو شهد لابيه على جده أو لولده على ولد ولده لانبغى أن لا تجوز اتفاقا، ولو كان على العكس لانبغى أن تجوز اتفاقا. انتهى. ص: (ولا عدو ولو على ابنه) ش: يريد إذا كانت العداوة بينه. قال في التوضيح: فإن

[ 176 ]

قلت: ما أفاد قوله يعني ابن الحاجب عكس القرابة ؟ قيل: فائدتين: الاولى تقييد العداوة وبالبينة كما قيد في القرابة تأكيد الشفقة. قال ابن كنانة في المجموعة: إن كانت الهجرة في أمر خفيف فشهادة أحدهما تقبل على الآخر، وأما المهاجرة الطويلة والعداوة البينة فلا تقبل. انتهى. ونقله ابن عرفة عن المازري ونصه المازري: قال ابن كنانة: إن كانت العداوة خفية على أمر خفيف لم تبطل الشهادة. تنبيه: والعداوة المانعة هي العداوة بسبب أمر دنيوي. قال ابن الحاجب: وشرطها أن تكون عن أمر دنيوي من مال أو جاه أو منصب أو خصام وإن كان أصله دنيا يتشوف به عادة إلى أذى يصيبه. وقوله ولو على ابنه مثله أبوه كما صرح به في البيان. وكذا أمه. نقله ابن عرفة عن الشيخ. وتجوز على عدو أخيه في المال. نقله في رسم باع من سماع عيسى من كتاب الشهادات. فرع: وتجوز على صبي أو سفيه في ولاية عدوه على الاصح. فرع: من كان بينهما عداوة معلومة ثم اصطلحا جازت شهادة كل منهما على صاحبه إذا طال الامر واستحق الصلح وظهرت برأتهما من دخل العداوة لانه يتهم إذا شهد بقرب صلحه أنه إنما صالحه ليشهد عليه. قاله في سماع أشهب ونقله ابن عرفة. وقال في المسائل الملقوطة: مسألة: قوم بينهم فتنة أو بين آبائهم وأجدادهم ثم اصطلحوا فلا يشهد بعضهم على بعض حتى ينقضي القرن الذين شاهدوا الفتنة. قاله مالك في أسئلة محمد بن سالم. وفي النوادر ومثله لابن العربي في الاحكام واستدل بقوله تعالى * (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) * من الاحكام من مسائل الحكام. انتهى. ص: (وليخبر بها) ش: أي بالعداوة. والمسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وفي النوادر، ورجح ابن رشد القول بأنه لا يخبر بها. وانظر إذا كان الشاهد يعلم من نفسه الجرحة، والظاهر أنه لا يجوز له أن يذكر ذلك، وتقدم في باب الصوم أن مرجو

[ 177 ]

الشهادة له أن يشهد وإن علم من نفسه الجرحة. وانظر أول عسم من سماع عيسى وسماع سحنون ونوازله والنوادر والله أعلم. مسألة: الشاهد يشهد بما لا يرى جوازه ذكرها في الواضحة ونقلها ابن فرحون في الفصل الثامن في تنبيه القاضي على أمور عند أداء الشهادة ونصه: وفي مختصر الواضحة فيمن عنده شهادة على شئ لا يعتقد جوازه قال ابن عبدوس: سألت سحنونا عن الرجل تكون عنده الشهادة وهو ممن لا تجوز عنده والقاضي ممن يرى إجازتها، أترى على الشاهد أن يؤديها إلى القاضي ؟ قال: كيف هذه الشهادة ؟ قلت: مثل أن يشهد على صداق. معجل في نكاح ومعه مؤجل لم يضرب له أجل فقال: ما أرى أن يشهد، فإن جهل الشاهد فينبغي للقاضي أن ينبهه على أنه لا ينبغي له أن يشهد في ذلك. انتهى. ص: (واعتمد في إعسار بصحبة وقرينة صبر ضر كضرر أحد الزوجين) ش: يعني أن الشاهد في الاعسار وما أشبهه كالتعديل وضرر الزوجين يجوز له أن يعتمد فيما يشهد به على الظن القوي لانه المقدور على تحصيله غالبا، ولو لم يحكم بمقتضاه لزم تعطيل الحكم في التعديل والاعسار فيعتمد في الاعسار على الصحبة وصبره على الضرر كالجوع ونحوه مما لا يكون إلا مع الفقر. فالباء في قوله بصحبته بمعنى على كقوله تعالى * (من إن تأمنه بقنطار) * بدليل قوله تعالى * (هل آمنكم

[ 178 ]

عليه) * وقوله تعالى: * (وإذا مروا بهم يتغامزون) * بدليل * (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) *. مسألة: لا يكلف الشهود من أين علموا ما شهدوا به. قال ابن سهل في كتاب الاقضية: فصل: إذا شهدوا أنه كف ء لليتيمة قال ابن لبابة: الشهادة تامة وليس على القاضي أن يسألهم من أين علموا ذلك انتهى. وقال في كتاب الشهادات: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهد أن لفلان على فلان ذلك مائة دينار ولم يقولا أقر بذلك، فلا تجوز شهادتهما لانهما حاكيان حتى يبينا ذلك فيقولان أقر عندنا أو أسلفه انتهى. ونقل ابن فرحون عن معين الحكام أن ظاهر كلام ابن الحارث خلاف ذلك ونصه في معين الحكام: قال محمد بن حارث: إذا لم يبين الشهود وجه الحق الذي شهدوا فيه ولا فسروه، فليس ذلك بشئ حتى يبينوا أصل الشهادة وكيف كانت فيقولون أسلفه بمحضرنا أو بإقراره عندنا. وفي أحكام ابن سهل قال محمد بن عبد الحكم وذكر كلامه المتقدم ثم قال بعده. تنبيه: وفي معين الحكام: قال بعض المتأخرين: ظاهر هذا أنه إذا أقر عندهما بالدين مجملا ولم يذكر المقر وجهه وشهدوا به أنه يؤخذ بذلك. وظاهر ما قاله ابن حارث في هذه المسألة خلاف هذا حتى يشهد بإقراره بالسلف أو المعاملة. انتهى ص: (فيما رد فيه لفسق) ش: وكذلك جميع موانع الشهادة. قال ابن عرفة: قال المازري والشيخ لابن سحنون عن أبيه: أجمع أصحابنا على أن الشهادة إذا ردت لظنة أو تهمة أو لمانع من قبولها ثم زالت التهمة أو الوجه المانع من قبولها أنها إذا أعيدت لم تقبل انتهى. ونقله ابن عبد السلام. واحترز بقوله: فيما رد فيه بما لو أدى الشهادة ولم ترد حتى زال المانع فإنها تقبل لكن بشرط إعادتها بعد زوال المانع. قال في التوضيح: وكذلك لو قال القائم بشهادته للقاضي عندي فلان العبد أو الصغير أو النصراني فقال القاضي لا أجيز شهادة هؤلاء، فإن هذا ليس ردا لشهادتهم وتقبل

[ 179 ]

شهادتهم بعد ذلك لان كلامه إنما هو فتوى. قاله غير واحد ونقله في الشامل ص: (أو على التأسي) ش: يعني أنه يتهم في أن يجعل غيره مثله لان المصيبة إذا عمت هانت وإذا ندرت هالت، ولهذا قال عثمان رضي الله عنه: ودت الزانية أن النساء كلهن يزنين. انتهى من التوضيح ص: (كشهادة ولد الزنا) ش: قال ابن عبد السلام: لما كان هذا الوصف لازما له لا ينفك عنه في طاعة ولا فسق اتفق المذهب على رد شهادته في ذلك انتهى. وتبع في الاتفاق ابن الحاجب وهذه طريقة المازري. قال ابن عرفة: وفي ولد الزنا طريقان: المازري: لم يختلف المذهب في رشد شهادته في الزنا وقبولها فيما سوى ذلك مما تعلق له بالزنى، ثم ذكر الطريق الثانية وعزاها لابن رشد ونصه: شهادة ولد الزنا في الزنا وفي نفي الرجل عن أبيه جارية على الخلاف فيمن حد في شئ هل تجوز شهادته فيه أم لا، والمشهور من قول ابن القاسم أنها مردودة انتهى. قال في التوضيح في هذا المحل: قال مطرف وابن الماجشون: وكذلك لا تقبل فيما يتعلق بالزنا كاللعان والقذف والمنبوذ. انتهى ص: (أو من حد فيما حد فيه) ش: هذا هو المشهور وصرح بمشهوريته ابن عبد السلام في الاستذكار. نقله في التوضيح وابن عرفة فعزو تشهيره لابن رشد قصور. وقال ابن عرفة: الشيخ عن الاخوين: المحدود في الزنا يتوب شهادته جائزة في كل شئ إلا في الزنا والقذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شئ من وجوه الزنا لا قذف ولا غيره وإن كان عدلا. وفي نوازل سحنون: من اقتص منه في جناية لم تجز شهادته في مثل الجرح الذي اقتص منه. ابن رشد: هذا شذوذ أغرق فيه في القياس. قلت: للشيخ عن الواضحة قال الاخوان: من قتل عمدا فعفي عنه ثم حسنت حالته جازت شهادته إلا في القتل وفي كتاب ابن سحنون: قيل لابن كنانة من ضر به الامام نكالا، أينتظر في قبول شهادته توبته ؟ قال: ليس ما ينكل به سواء نكل ناس بالمدينة لهم حال حسنة لشئ أسرعوا فيه إلى ناس وشهادتهم في ذلك تقبل ليس لاحد فيهم مغمز ومن ليس بحسن الحال إلا أن شهادته تقبل وليس بمشهور العدالة يأتي بما فيه النكال الشديد فلينظر في هذا، وإنما

[ 180 ]

يعرف هذا عند نزوله، وأما الشتم ونحوه وهو في غير ذلك يعرف بالصلاح فلا ترد شهادته. انتهى والله أعلم ص: (كمخاصمة مشهود عليه مطلقا) ش: أي في حق الله أو في حق الآدمي. أما في حق الله كما لو تعلق أربعة برجل ورفعوه للقاضي وشهدوا عليه بالزنا، وأما في حق الآدمي فقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: وفي القبول كمخاصمة المشهود عليه في حق الآدمي إن أراد بتوكيل من المشهود له فهو نقل الباجي عن ابن وهب الوكيل على خصومة لا تجوز شهادته فيما يخاصم فيه وإلا فهو أحرى في عدم القبول انتهى. والظاهر أنه كذلك إذا خاصم بغير وكالة بل هو أظهر. فرع: قال في النوادر في الجزء الثاني من كتاب الشهادات في الترجمة التي قبل ترجمة الرجل يشهد لنفسه ولغيره، ومن كتاب ابن المواز: من وكل رجلا على طلب في حق ثم عزله وتولى الطلب بنفسه فشهادة الوكيل له جائزة. انتهى. تنبيهات: الاول: ظاهر كلامه أن المخاصمة في حق الله تعالى مبطلة مطلقا، سواء كان مما يستدام فيه التحريم أو لا، وهو كذلك على ما قال بعض المتأخرين أنه مذهب ابن القاسم خلاف مذهب مطرف وابن الماجشون، وعند ابن رشد أن المخاصمة إنما تبطل ما لا يستدام فيه التحريم، وأما ما يستدام فيه التحريم فلا تبطله المخاصمة كما يأتي في كلامه. وظاهر كلام المازري فيما حكى عنه ابن عرفة الاطلاق ككلام المؤلف. الثاني: ظاهر كلامه أيضا أن المخاصمة مطلقا في حقه تعالى مبطلة ولو كان القائم فيها من أصحاب الشرط الموكلين بتغيير المنكر وليس كذلك، بل هو مقيد بغيرهم كما سيأتي في كلام ابن رشد ونصه: قال في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات: وقال ابن

[ 181 ]

القاسم في صاحب السوق أخذ سكرانا فسجنه وشهد عليه وآخر معه فقال: لا أرى أن تجوز شهادته لانه قد صار خصما حين سجنه، ولو رفعه إلى غيره قبل أن يسجنه وشهد مع الرجل جازت شهادته عليه. قال محمد بن رشد: إنما جازت شهادته عليه وإن أخذه فرفعه ما لم يسجنه لان ما فعل من أخذه ورفعه لازم له من أجل أنه موكل بالمصلحة، ولو لم يكن صاحب السوق موكلا بالمصلحة فأخذ سكرانا فرفعه إلى غيره لم تجز شهادته عليه على ما قال في المسألة بعدها وبالله التوفيق. مسألة: وقال ابن القاسم في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة، ورواها أصبغ في كتاب الحدود. وقال محمد بن رشد: إنما لم تجز شهادتهم لان ما فعلوا من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم بل هو مكروه لهم، لان الانسان مأمور بالستر على نفسه وغيره. قال رسول الله (ص): من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدلنا فضيحته نقم عليه كتاب الله. وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك. فلما فعلوا ذلك صاروا ظالمين له ومدعين الزنا عليه وقذفة له، فوجب عليهم الحد له إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة. ولو كانوا أصحاب شرطة موكلين بتغيير المنكر ورفعه أو أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاؤا به فشهدوا عليه لقبلت شهادتهم لانهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم على قياس. قوله في المسألة التي قبلها وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنا على رجل جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاؤا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريب بعضه من بعض. ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوا من قيامهم عليه مباحا لهم وإن كان الستر أفضل لم يكونوا خصماء إذ لم يقوموا لانفسهم وإنما قاموا لله. وقد مضى هذا الاختلاف مجردا عن التوجيه في أول رسم من هذا السماع. ولو كانت الشهادة فيما يستدام فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتاق لجازت شهادتهما في ذلك وإن كانا هما القائمين بذلك لان القيام بذلك متعين عليهما. وقد قال بعض المتأخرين: إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم. وقوله في هذه المسألة خلافا لمطرف وابن الماجشون. ووجه ذلك أن كل من قام في حق يريد إتمامه فهو يتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه وهو عندي بعيد انتهى. وكررها في سماع أصبغ من كتاب الحدود والقذف. وذكر ابن رشد كلامه عليها بالحرف وأشار إلى أنه قدمه غير أنه زاد بعد قوله في آخر الشرح وابن الماجشون لفظ وأصبغ وهو ظاهر وقال بعده: ووجه ذلك بأن كل من قام إلى آخر ما تقدم، فجعل وجه فعل ماضيا مسندا إلى ضمير بعض المتأخرين. كذا

[ 182 ]

رأيته هناك مضبوطا بالقلم ويدل عليه قوله: بأن بإدخال الباء على أن بخلاف ما في هذا المحل فإنه وجه فيه مصدر مما يظهر ويدل عليه إدخال اللام على أن والظاهر ما في الحدود فلعل ما هنا تصحيف من الناسخ والله أعلم. وفي تعليله شئ فإنه في أول الكلام جعل فعلهم من الرفع وعدم الستر مكروها ثم جعله مباحا، والمباح مباين للمكروه. ولعله أراد الجائز فإنه يطلق على ما يشمل المكروه والمباح والمندوب والواجب كما تقدم أول الكتاب عن القرافي. قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم في الكلام على العداوة. قلت: فشهادة من رفع من شهد عليه لانه مولى على ذلك مقبولة، وفي غير المولى ثالثها إن كان فيما يستدام فيه التحريم الاول للاخوين الثاني لبعض المتأخرين على قياس قول ابن القاسم فيما لا يستدام تحريمه، الثالث لابن رشد محتجا بأن القيام به متعين انتهى. وقال ابن عرفة في هذا المحل: قال المازري: واختلف إذا قام الشهود وخاصموا في حقوق الله، فأسقط ابن القاسم شهادتهم لان خصامهم علم على شدة الحرص على إنفاذ شهادتهم والحكم بها، وشدة الحرص قد تحمل على تحريفها أو زيادة فيها. قال مطرف: شهادتهم تلزمه لانه في أمور الآخرة، وقد قدمنا أن العداوة في حق الله لا تؤثر في الشهادة. وذكر الباجي في قول محمد: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين: من قام يطلب حق الله لم تقبل شهادته فيه. قاله ابن القاسم في العتبية. وقال مطرف: شهادته جائزة انتهى. قلت: ونحوه لابن رشد وتقدم ذكر كلامه في ذكر الخصومة فجعل المازري المانع حرصه على القبول خلاف كونه الخصومة انتهى. وقال ابن فرحون في الفصل الثالث من القسم الرابع ومن الركن السادس من الباب الخامس من القسم الاول: من كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا ادعي أن يقوم بها، وإن لم يدع فهو على وجهين: إما أن يكون حقا لله، وإما أن يكون حقا لآدمي. فالاول على قسمين: ما لا يستدام فيه على التحريم وما يستدام فيه. فالاول كالزنا والشرب وشبهه فلا يضر ترك إخباره بالشهادة لان ذلك ستر عليه. وأشار ابن رشد إلى أن هذا في حق من ينذر منه، وأما من كثر منه فينبغي أن يشهد عليه. وإن علم الامام بذلك فقد قال ابن القاسم في المجموعة: يكتمونه الشهادة ولا يشهدوا بذلك إلا في تجريح إن شهد على أحد. والثاني: كالعتق والطلاق والخلع والرضاع والعفو عن القصاص وتملك الاحباس والقناطر وشبهه، فيلزمه أن يخبر بشهادته ويقوم بها عند الحاكم، فإن لم يخبر بشهادته سقطت لان سكوته عن ذلك جرحة إلا أن يثبت أن لهم عذرا في عدم القيام. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام ابن رشد اختلف في تجريح الشاهد بذلك. واختلف في بطلان شهادته بالسكوت. فإن كان المنكر هو القائم عليه وهو القائم بالشهادة، فاختلف هل تقبل شهادته أم لا ؟ وذهب ابن

[ 183 ]

القاسم إلى أنه لا تجوز شهادته إذا كان هو القائم بها. وذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ إلى أن شهادته جائزة، وكذلك الحكم لو كانوا جماعة هم القائمون عليه وهم الشهود انتهى. وقال بعده: تنبيه: يستثنى من ذلك مسألة صاحب الشرطة وذكر مسألة البيان المتقدمة. وحاصل ما تقدم أن ما حكاه ابن رشد عن بعض المتأخرين الذي هو ظاهر كلام المؤلف هو ظاهر إطلاقات أهل المذهب. ولا شك في ظهور الفرق بين وجوب رفع الشهادة وسقوطها بكون الشاهد هو المدعي فرفع الشهادة عند الحاكم والاخبار بها من غير مخاصمة فيما يستدام فيه التحريم واجب غير مسقط للشهادة كما سيصرح به المصنف بقوله: وفي محض حق الله تعالى تجب المبادرة بالامكان إن استديم تحريمه. وأما إن كان الرافع هو المخاصم فتسقط الشهادة كما أطلقه هنا في قوله: كمخاصمة مشهود عليه مطلقا والله أعلم. وانظر الشفاء في الشهادة بشئ في حق الجناب العلى. فرع: قال في الطرر في ترجمة عداوة: إذا قام أهل مسجد في حباسة مسجدهم أو حقه على رجل وشهدوا فيه وأنكر الرجل لم تجز شهادتهم عليه لانهم خصماؤه، فإن قام عليه منهم قائم وشهد غيره جازت شهادتهم لانهم ليسوا خصماء انتهى. فائدة: قال رسول الله (ص): من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة رواه مسلم في كتاب البر والصلة. قال في الاكمال: وهذا الستر في غير المشتهرين، وأما المتكشفون المشتهرون الذين تقدم إليهم في الستر وستروا غير مرة فلم يدعوا وتمادوا فكشف أمرهم وقع شرهم مما يجب لان كثرة الستر عليهم من المهاودة على معاصي الله ومصانعة أهلها. وهذا أيضا في ستر كشف معصية انقضت وفاتت، فأما إذا عرف انفراد رجل بعمل معصية أو اجتماعهم لذلك فليس الستر هاهنا السكوت على ذلك وتركهم وإياها، بل يتعين على من عرف ذلك إذا أمكنه تنفيرهم عن ذلك بكل حال وتغييره وإن لم يتفق له ذلك إلا بكشفه لمن يعينه أو السلطان. وأما إيضاح حال من يضطر إلى كشفه من الشهود والامناء والمحدثين فبيان حالهم ممن يقبل منه وينتفع به مما يجب على أهله، فأما الشاهد فعند طلب ذلك منه منه لتجريحه أو إذا رأى حكما يقطع بشهادته وقد علم منه ما يسقطها فيجب رفعها، وأما في أصحاب الحديث وحملة العلم

[ 184 ]

المقلدين فيجب كشف أحوالهم السيئة لمن عرفها ممن يقلد في ذلك ويلتفت إلى قوله لئلا يغتر بهم ويقلد في دين الله من لا يجب. على هذا اجتمع رأي الائمة قديما وحديثا. وليس الستر هاهنا بمرغب فيه ولا مباح، وليس في الحديث ما يدل على الاثم في كشفه ورفعه إلى السلطان، وإنما فيه الترغيب على ستره. ولا خلاف إن رفعه له وكشفه لمعصية الله مباح له غير مكروه، ولا ممنوع إن كانت له نية من أجل عصيانه لله ولم يقصد كشف ستره والانتقام منه مجردا فهذا يكره له اه‍. والظاهر أنه يحرم بهذا القصد لقوله تعالى: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) * والظاهر أيضا إن الستر إذ خلا عن القيود التي ذكرها أولا يكون مندوبا إليه للحديث المتقدم وأنه يكره الرفع والله أعلم. فرع: قال في النوادر: قال ابن وهب عن مالك: الجار يظهر شرب الخمر وغيره فليتقدم إليه وينهه، فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الامام. والشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس في بيت على شراب قال: أما البيت الذي لم يعلم ذلك منه فلا يتبعه، وإن كان بيتا معلوما بالسوء قد تقدم إليه فيه فليتبعه الشرطي. انتهى من الترجمة الثانية من كتاب الشهادات ص: (أو شهد وحلف) ش: قال ابن عبد السلام: إلا أن يكون الشاهد من جهلة العوام فإنهم يتسامحون في مثل ذلك فينبغي عندي أن يعذروا به. فإن قلت: هذا الوجه من الحرص لا يدل على ضعف في الشهادة. ألا ترى أنه قد جاء في كتاب الله * (فيقسمان بالله) * وعلى ما جاء في حديث أبي موسى الاشعري ؟ قلت: قد قبل أن الحكم منسوخ وبتقدير كونه محكما فالشهود لم يبدؤا باليمين وإنما طلبت منهم فلا يضر انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الشهادات: قال ابن بطال في قوله عليه الصلاة والسلام: تسبق شهادة أحدهم يمينه: يستدل به على أن الحلف في الشهادة يبطلها. قال: وحكى ابن شعبان في الزاهي من قال أشهد بالله أن لفلان على فلان كذا لم تقبل شهادته لانه حلاف وليست بشهادة. قال ابن بطال: والمعروف عن مالك خلافه انتهى ص: (أو رفع قيل الطلب في محض حق الآدمي) ش: قال في التوضيح: نعم قال علماؤنا يجب عليه أن يعلم صاحبه به إن كان حاضرا، فإن لم يفعل فروى عيسى عن ابن القاسم ذلك مبطل لشهادته. قال الاخوان: إلا أن يعلم صاحب الحق بعلمهم. وجعله ابن رشد تفسيرا. وقال سحنون: لا يكون ذلك جرحة إلا في حق الله تعالى لان صاحب الحق إن كان حاضرا فقد ترك حقه، وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة. ويلزم على هذا التعليل أنه إذا كان حاضرا لا يعلم أن تلك الرباع له مثل أن يكون أبوه أعارها

[ 185 ]

أو أكراها لمن هي بيده فباعها الذي هي بيده والولد لا يعلم أنها لابيه أن على الشاهد أن يعلم بذلك وإلا بطلت شهادته. الباجي: وعندي أن ذلك إنما يكون جرحة إذا علم أنه إن كتم ولم يعلم بشهادته بطل الحق أو دخل بذلك مضرة أو معرة، وأما على غير ذلك فلا يلزم القيام بها لانه لا يدري لعل صاحب الحق تركة انتهى. قال ابن عبد السلام: وينبغي لهذا الشاهد أن ينكر على المتصرف في مال غيره. وروي من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) قال: من كانت عنده شهادة فلا يقل لا أخبر بها إلا عند الحاكم ولكن ليخبر بها لعله يرجع أو يرعوي وقال ابن عرفة: حال الحاضر تبطل الشهادة بترك إعلام الحاضر بها لا بترك رفعها للسلطان. قلت: إلا أن يكون ربها من هو إلى نظر السلطان كاليتيم المهمل انتهى. ص: (وفي محض حق الله تجب المبادرة الخ) ش: قال ابن عبد السلام: إن كان هناك غيره ممن يتم الحكم بشهادته فإنه يستحب له المبادرة تحصيلا لفرض الكفاية، فإن أبى غيره أو منعه من ذلك مانع تعين عليه القيام. انتهى ص: (كعتق وطلاق ووقف ورضاع) ش: نحوه لابن الحاجب. قال في التوضيح: قيد ابن شاس الوقف بأن يكون على غير معينين، وأطلق القول فيه الباجي وابن رشد انتهى. وفي كون هذه الاشياء من محض حق الله تعالى عندي نظر والله أعلم. تنبيه: بهذا القسم والذي قبله اندفع التعارض بين قوله (ص) في معرض الذم: ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون وقوله: تبدر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته وبين قوله في معرض المدح ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فحكم الاول على الاول والثاني على الثاني والله أعلم. ص: (وإلا خير كالزنا) ش: تقدم في شرح قوله:

[ 186 ]

كمخاصمة مشهود عليه أن الستر أولى والرفع مكروه. وهذا في حق من يندر منه، وأما في حق من يكثر ذلك منه فليرفعه كما تقدم ذلك أيضا في كلام ابن فرحون وابن رشد والقاضي عياض، بل أول كلام عياض يقتضي أن الرفع واجب وتقدم الكلام على ذلك بما فيه الكفاية

[ 187 ]

والله أعلم. ص: (بخلاف الحرص على التحمل) ش: قال ابن الحاجب: ففي التحمل كالمختفي فتحملها لا يضر كالمختفي على المشهور. وقال محمد: إذا لم يكن المشهود عليه مخدوعا أو

[ 188 ]

خائفا. قال في التوضيح: وليس قول محمد تقييدا للمشهور بل هو من تمامه، ففي الموازية قال مالك في رجلين قعد لرجل من وراء حجاب يشهدان عليه قال: إن كان ضعيفا أو مخدوعا أو خائفا لم يلزمه ويحلف ما أقر إلا بما ذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه ولعله يقر خاليا ويأبى من البينة فهذا يلزمه ما سمع منه. قيل: فرجل لا يقر إلا خاليا أقعد له بموضع لا يعلم للشهادة عليه. قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرهما ولكني أخاف أن تسمع جوابه لسؤاله ولعله يقول له في سر إن جئتك بكذا ما الذي لي عليك، فيقول له عندي كذا، فإن قدرت القول أن تحيط بسرهم فجائز انتهى. وقال ابن عرفة عن ابن رشد: شهادة المختفي لا خفاء في ردها على القول بلغو الشهادة على إقرار المقر دون قوله اشهدوا علي، وإنما اختلفوا فيها، فمنهم من أجاز ذلك فمنعها سحنون مطلقا، ومنهم من كره له الاختفاء لتحملها وقبولها إن شهد بها وهم الاكثر وهو ظاهر قول عيسى هنا خلاف قول ابن القاسم في تفرقته بين من يخشى أن يخدع لضعفه وجهله، وبين من يؤمن من ذلك منه، ولو أنكر الضعيف الجاهل الاقرار جملة لزمته الشهادة عليه، وإنما يصدق فيه مع يمينه إذا قال إنما أقررت لوجه كذا مما يشبه انتهى. ودل المشهور هنا على أنه ليس من شرط صحة الشهادة قول المقر للشهادة أشهد على. ابن عبد السلام: وفي

[ 189 ]

ذلك قولان. وذكر ابن رشد في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الشهادات القولين، وذكر أن القول بجوازها قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وقول أشهب وسحنون وعيسى بن دينار وكافة أصحاب مالك انتهى. قال الدماميني في حاشية البخاري: فإذا صرح المقر بالاشهاد فالاحسن أن يكتب الشاهد أشهدني بذلك فشهدت عليه به حتى يخلص الخصم من الخلاف انتهى. وانظر آخر سماع أبي زيد من كتاب الشهادات. تنبيه: قال ابن عرفة: وجعل المازري ومن تبعه علة رد شهادة المختفي الحرص على التحمل بعيد. فتأمله انتهى ص: (ولا إن جربها) ش: يعني أن شهادة الشاهد إذا كانت تجر له نفعا فلا تجوز وهذا ظاهر. فرع: قال في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات: وسئل مالك عن رجل شهد على رجل أنه حلف بطلاق امرأته في حق له عليه ليدفعنه إليه فحنث فقال: ما هو بجائز الشهادة عليه. قال ابن رشد: ليس إسقاط شهادته في هذا ببين، وكان الاظهر أن تجوز شهادته عليه أنه قد حنث لان وقوع الطلاق عليه لا يدعوه إلى أن يعجل حقه وإنما يدعوه بالطلاق ليقضينه إلى أجل مخافة أن يقع عليه الطلاق إن لم يقضه قبل الاجل لما كان لو شهد عليه بذلك قبل أن يحنث والحق عليه لم يدفعه لم تجز شهادته عليه لاتهامه أن يكون إنما شهد عليه ليعجل له القضاء ولا يحنث لم تجز شهادته عليه إذا شهد عليه أنه قد حنث لاحتمال أن يكون قد ادعى ذلك عليه قبل الحنث فأراد أن يحقق دعواه عليه قبل الحنث لشهادته عليه بعد الحنث وهو ضعيف انتهى والله أعلم. ولم يذكر في ذلك خلافا وإنما ذكر ما ذكره على سبيل البحث. وقد نقل في النوادر في كتاب الشهادات في أول الجزء الثاني من الشهادات في ترجمة شهادة الاجير والشريك والمقارض والغريم عن المجموعة في ذل‍ ك قولين، ونصه من المجموعة عن ابن القاسم: وإذا غرم الجميل ما تحمل به ثم قدم المطلوب فأنكر الحمالة فشهد الغريم على الحمالة فلا تجوز، وكذلك من حلف لغريمه بالعتق ليقضينه إلى أجل فحنث فقام رفيقه فشهد لهم الطالب بالحنث فلا تجوز شهادته. ورواه أشهب عن مالك فيه. وفي العتبية. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن شهادته تجوز قبض منه حقه أو لم يقبض إذ لا يجربها إلى نفسه شيئا. وقاله أصبغ انتهى. وقال قبل هذا في ترجمة ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه من الجزء الاول من الشهادات: قال مالك فيمن سمع رجلا حنث في طلاق ولا يشهد عليه بذلك عليه غيره قال: فليرفعه إلى السلطان. وكذلك لو حنث بذلك في حق الشاهد عليه فليرفع ذلك حتى يكون السلطان ينظر في أمره، يريد لا تجوز شهادته في حنثه في

[ 190 ]

دينه عليه وقد ذكرها بعد هذا انتهى. وقد ذكر ابن بطال في مقنعه بلفظ: لا تجوز شهادته في حنثه في دينه. وانظر كلام ابن رشد في شرح المسألة الثامنة من رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الايمان بالطلاق من البيان. وانظر كلام البرزلي في مسائل الايمان في مسألة من حلف بالحلال عليه حرام لا أشتري منه غلة زيتون أبدا ثم اشتراها بعد سنين وشهد عليه البائع فإنه قال: الصواب إنه لا يحنث بشهادته لانه يتهم أنه أراد فسخ صفقته. فرع: قال في الذخيرة في باب الشهادة عن الموازية: إذا قال حبست على أهل الحاجة من قرابتي حبسا فشهد فيه منهم أهل الغنى، فإن كان الحبس يسيرا بحيث لا ينفع هؤلاء إن احتاجوا قبلت شهادتهم وإلا ردت. انتهى من الباب الثامن في آخر المانع الثالث والله أعلم. وأصله في النوادر في أوائل الجزء الثاني من كتاب الشهادات في ترجمة الرجل يشهد لغيره ولنفسه. نقل عن ابن سحنون أنه قال: سمعت بعض أصحابنا سئل عن ذلك فأجاب بما ذكره. وفي رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب الشهادات نحوه، وقبله ابن رشد ولم يتكلم عليه بل قال: هذه مسألة صحيحة بينة. فرع: قال في النوادر في الترجمة المذكورة من النوادر: ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له قبل رجلين حق وأيهما شاء أخذه بحقه، فأقر أنه قبضه من أحدهما والآخر يقول أنا دفعته إليه: فشهادة القابض للدافع هاهنا جائزة إذ ليس له عليهما شئ يجربه إلى نفسه شيئا انتهى. ووقعت مسألة وهي أن رجلا شهد على حاكم بثبوت وقف عنده والحالة أن الرجل المذكور ليس له الآن استحقاق في الوقف حال أداء الشهادة وإنما يؤل إليه بمقتضى ما رتبه الواقف، فهل تقبل شهادته في ذلك ؟ فأجاب بعضهم بأنه إن كان لا يحصل له انتفاع بهذا الشئ الموقوف إذا صار من أهله بأن يكون الوقف يسيرا قبلت شهادته، وإلا ردت قياسا على الفرع المتقدم وهو ظاهر. والمسألة في سماع أصبغ من الشهادات وهي المسألة الثانية، وهي أيضا في النوادر والله أعلم. مسألة: إذا شهد الشاهدان على حكم قاض عزل أو مات وقالا كان القاضي حكم بشهادتنا، فهل تبطل شهادتهما على الحكم وعلى أصل الشهادة، أو تجوز على الحكم أو لا تجوز على الحكم وتجوز على أصل الشهادة ؟ ثلاثة أقوال أظهرها رواية يحيى أن الشهادة على الحكم جائزة، ولا يضرهما ما ذكراه. قاله ابن رشد في رسم كراء الدور من سماع يحيى من الشهادات. مسألة: إذا شهد شاهد بطلاق امرأة من زوجها فأثبت زوجها أنه كان يخطبها، فهل تسقط بذلك شهادته ولا يلزم الزوج يمين ؟ قولان حكاهما في النوادر. فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم: يجوز قبول إخبار رسول الله (ص) من الراوي لها

[ 191 ]

العدل وإن كان جر لنفسه بذلك نفعا أو ولده أو ساق بذلك مضرة لعدوه كإخباره عن الخوارج انتهى. مسألة: من شهد شهادة تؤدي إلى رقه فقال أصبغ في نوازله: إنها لا تجوز ونصه: وسمعته أي أصبغ سئل عن رجل أعتق عبدين له فشهدا بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار أن شهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصبه رقابهما لانهما يتهمان أن يريد إرقاق أنفسهما ولا يجوز لحر أن يرق نفسه. قال ابن رشد: ولسحنون في كتاب ابنه: لا تجوز شهادتهما ولا في المائة وهو الاظهر، لان الشهادة إذا رد بعضها للتهمة ردت كلها بخلاف إذا رد بعضها للسنة، والمشهور إذا رد بعض الشهادة للتهمة أن ترد كلها. وقيل: إنه يرد ما لا تهمة فيه وهو قول أصبغ. هذا والمشهور إذا رد بعض الشهادة للسنة كشهادة رجل واحد أمر امرأتين في وصية فيها عتق ومال أن يجوز منها ما أجازته السنة وهو الشهادة بالمال، فيثبت بالشاهد مع اليمين أو بشهادة المرأتين مع يمين. وقيل: يبطل الجميع لانه لما رد بعضها وجب ردها كلها، وذلك قائم من المدونة وحكاه البرقي عن أشهب وجميع جلسائه. انتهى مختصرا. وذكر هذه المسألة في نوازل أصبغ في ثلاثة مواضع، وفي مسائل الاقضية من البرزلي من ذلك مسائل. وذكر في نوازل أصبغ أيضا مسألة من شهد شهادة تؤدي إلى حده أنه تسقط شهادته ويحدكما إذا شهد شاهدان أن رجلا طلق امرأته ألبتة وأنهما رأياه بعد ذلك يزني بها كالمرود في المكحلة. وقال ابن الماجشون: الحد ساقط عنهما السقوط شهادتهما في الطلاق وقال سحنون: الشهادة ساقطة ولا حد عليهما. قال ابن رشد: وقيل يلزمه الطلاق ويحدان وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وقول أصبغ في إيجاب الحد على الشاهدين وإن سقطت شهادتهما في الطلاق، أظهر من قول ابن الماجشون وسحنون انتهى. وانظر توجيه الاقوال فيه والله أعلم ص: (كعلى مورثه المحصن بالزنا) ش: قال ابن رشد في أول سماع سحنون من كتاب الشهادات: وإذا سقطت شهادتهم بأي وجه سقطت وجب الحد عليهم. وقد قال سحنون: إذا سقطت شهادتهم بالظنة ولا فرق بين أن تسقط بالظنة أو

[ 192 ]

بالجرحة. انتهى ص: (أو بدين لمدينه) ش: يعني أن شهادة رب الدين للمديان بدين له على شخص آخر لا تجوز لانه يتهم أن يكون شهد له بذلك ليقضيه منه. تنبيهات: الاول: قيد رحمه الله المسألة بكون رب الدين شهد للمديان بدين ولا خصوصية للدين، وفرضها في التوضيح فيما إذا شهد له بمال ويدخل فيه ما إذا شهد له بقضاء دين عليه فإنها شهادة بمال وهو ظاهر الرواية كما سيأتي. الثاني: أطلق رحمه الله في رد شهادته ولم يفرق بين أن يكون المديان مليا أو معسرا، وتبع في ذلك ابن الحاجب، وعلى ذلك اقتصر ابن فرحون في تبصرته، وذكر في التوضيح في ذلك ثلاثة أقوال. الاول: رد شهادته مطلقا وهو مذهب ابن القاسم. الثاني: إجازتها له وإن كان معدما وعزاه لاشهب. الثالث: التفرقة بين أن يكون المديان معدما فتمنع الشهادة وبين أن يكون مليئا فتجوز. وتبع المصنف في حكاية هذه الاقوال ابن عبد السلام، وتبعهما صاحب الشامل فقال: ولو شهد رب دين لمديانه بطلت على الاصح وثالثها إن كان معسرا انتهى. ونقل في البيان القول بجواز شهادته له مطلقا عن مالك من رواية ابن القاسم. وذكر عن ابن القاسم أنه بلغه عن مالك القول بالتفرقة بين الملئ والمعدم. وجعله ابن رشد تفسيرا فقال في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: قال مالك: شهادة الرجل لرجل

[ 193 ]

وللشاهد على المشهود له حق جائزة. ابن القاسم: بلغني عنه إن كان المشهود له موسرا قبلت وإلا لم تقبل لانه إنما شهد لنفسه. قال ابن رشد: ما بلغ ابن القاسم من تفرقة مالك بين كون المشهود له مليا أو معدما مفسر لما سمعه منه مجملا. وهذا إن كان الدين حالا أو قرب الحلول وإن بعد جازت شهادته كما لو كان مليا وشهادته له فيما عدا الاموال جائزة. قاله بعض أهل النظر وهو صحيح. انتهى باختصار ابن عرفة. وعلى كلام ابن رشد هذا اقتصر ابن عرفة ولم يحك فيه خلافا فتأمله، فإنه مخالف لما نقله المصنف في التوضيح عن ابن القاسم من رد شهادته مطلقا. وأيضا فقد نقل ابن عبد السلام والمصنف القول بالتفرقة عن بعضهم وجعلوه خلافا، ونقله في البيان عن مالك من رواية ابن القاسم وجعله تفسيرا، وهذا هو الظاهر من المذهب ولذلك اعتمده ابن عرفة فاقتصر عليه وكذلك القرافي في الذخيرة. الثالث: أطلق المصنف في رد الشهادة وتقدم في كلام ابن رشد تقييد المسألة بحلول الدين أو قرب حلوله والله أعلم. ص: (بخلاف المنفق للمنفق عليه) ش: تصوره ظاهر. وأما عكسه وهو شهادة المنفق عليه للمنفق فإنها لا تجوز له كما نقلها الشارح عن المدونة. ونقل في المسائل الملقوطة أنها جائزة إذا كان مبرزا في العدالة ونصه فيما يشترط فيه التبريز شهادة

[ 194 ]

الصناع لمن يكثر استعمالهم للتهمة في جر أعمالهم لهم وتوقيفها عليهم. وزاد أيضا الشهادة للصانع إذا كان مثله يرغب في عمله ولا عوض منه. وزاد أيضا المنفق عليه للمنفق. انتهى من المتيطية ومعين الحكام وابن راشد اه‍ كلامه. ولعل صوابه المنفق للمنفق عليه أعني الصورة الاولى التي في كلام المصنف وإلا فهو مشكل والله أعلم. ص: (ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية وإلا قبل لهما) ش: تصوره ظاهر. مسألة: وأما شهادة الوصي على الميت أوله فقال في كتاب الشهادات من المدونة: وتجوز شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت. ابن يونس: مع يمين الطالب أنه ما قبض منه شيئا ولا سقط عنه بوجه ما اه‍. ثم قال في المدونة: ولا تجوز شهادة الوصي بدين للميت إلا أن يكون الورثة كبارا وهم بحال الرشد يلون أنفسهم ولا يتهم على قبض لهم فتجوز انتهى. وفي

[ 195 ]

المقرب: وشهادة الوصي على الميت جائزة، وإن شهد بدين للميت على أحد لم تجز شهادته لانه يجر إلى نفسه إلا أن تكون الورثة كلهم كبارا مرضيين ولا يجر بشهادته إلى نفسه شيئا فشهادته جائزة. وقال مالك: وإن شهد أوصياء ميت أن الميت أوصى لفلان جازت شهادتهم. وقال غيره: وهذا إذا ادعى ذلك فلان ولم يكن لهما فيما شهدا به شئ يجرانه إلى أنفسهما، وكذلك شهادة الوارثين في مثل هذا إذا شهد أن الميت أوصى لفلان فشهادتهما في ذلك جائزة إذا لم يجرا بها شيئا إلى أنفسهها. اه‍ من كتاب الشهادات ص: (ولا إن شهد باستحقاق وقال أنا بعته له) ش: قال في النوادر في أوائل الجزء الثاني من كتاب الشهادات

[ 196 ]

في آخر ترجمة الرجل يشهد لغيره ولنفسه ما نصه: سئلت عمن شهد لرجل استحق ثوبا أنه له بعته أنا منه، فأجبت بأنه لا تجوز شهادته لان من شهد له بشئ أنه ملكه بشرائه إياه من فلان فلا تتم فيه الشهادة حتى يقولوا إن فلانا البائع علمنا أنه يملكه أو يحوزه حيازة المالك حتى باعه من هذا، فهذا الشاهد البائع لم يثبت ملكه للثوب إلا بقوله انتهى. فرع: قال في الترجمة المذكورة: ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد رجل لرجل في سهم في شرب عين أو نهر أو حوائض وكان أصل ذلك بينه وبينه فقاسمه ثم شهد له الآن بملكه لذلك الذي صار له في القسمة من أصل عين أو أرض قال: شهادته له فيه جائزة اه‍. فرع: قال في الطرر في ترجمة استئجار راع لغنم بأعيانها في الراعي إذا ادعى أن بعض الغنم التي يرعاها له أو لشخص، أنه لا يصدق فيما يدعيه لنفسه إلا أن يأتي بسبب يدل على صدقه فيحلف معه. قال: وأما إن أقر بشئ منها لغير الذي استأجره فهو شاهد له تقبل شهادته إن كان عدلا، وسواء كان يأوي الراعي إلى داره أو إلى دار الذي استأجره. انتهى. آخره باللفظ. وتقدم بعضه عند قول المصنف في باب الاجارة وهو أمين ص: (ولا عالم على مثله) ش: قال ابن عرفة.

[ 197 ]

فرع: قال في الطرر في ترجمة تقييد عداوة مال بعض أهل الشورى أن شهادة أهل المذهب جائزة على جميع المسلمين، يريد أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما. وقال في الاستغناء: إن هذا إجماع ص: (ولا إن أخذ من العمال أو أكل عندهم بخلاف الخلفاء) ش: قال في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات في مسألة طويلة سئل عنها سحنون، وقد يكون الرجل يقبل صلة السلطان ويأكل طعامه وسلاطين هذا الزمان من قد علمت أتراه بذلك مجرحا ساقط الشهادة. فإن قلت: إن ذلك جرحة في شهادته فقد قبل جوائز السلطان من قد علمت من أئمة الهدى والعلم، وقد أخذ ابن عمر جوائز الحجاج والحجاج من قد علمت، وأخذ ابن شهاب جوائز عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء وأخذ مالك جوائز أبي جعفر. فإن قلت: إنهم يأخذون ذلك على وجه الخوف فإن منهم من يأمن السلطان بترك الاخذ منه فلم نر إلا خيرا.

[ 198 ]

وقد ذكر أن أبا جعفر أمر لمالك بثلاث صرر دنانير فاتبعه الرسول بها فسقطت منه صرة في الزحام، فلما أتاه بالصرتين سأله عن الثالثة فأنكر أن يكون أخذ غير الصرتين فألزمه مالك بالثالثة وألح عليه فيها حتى أتى بها بعض من وجدها فدفعها إليه، فمالك لم يفعل هذا إلا متطوعا. فإن رأيت طرح شهادة من أخذ من السلطان فجميع القضاة منه يرزقون وإياه يأكلون. فقال سحنون: من قبل جوائز السلطان ساقط الشهادة عندنا، وأما الاكل فمن كان ذلك منه الزلة والفلتة فغير مردود الشهادة، وأما المدمن الاكل فساقط الشهادة. وأما احتجاجك بقبول ابن شهاب ومالك لجوائز السلطان فقد قسمت بغير قياس واحتججت بما لا يحتج به من قبل. إن

[ 199 ]

قبول مالك لها من عند من تجري على يده الدواوين وهو أمير المؤمنين، وجوائز الخلفاء جائزة لا شك فيها على ما شرط مالك لاجماع الخلق على قبول العطاء من الخلفاء ممن يرضى به وممن لا يرضى به، ولم نعلم أحدا من أهل العلم أنكر أخذ العطاء من زمن معاوية إلى اليوم. وأما قولك في القضاة فإنما هم أجراء المسلمين آجروا أنفسهم فلهم أجرهم من بيت مال المسلمين. وأما ما ذكرت عن ابن عمر فقد سمعت علي بن زياد ينكر ذلك على ابن عمر ويدفعه. قال ابن رشد: قول سحنون إن قبول الجوائز من العمال المضروب على أيديهم جرحة تسقط الشهادة والعدالة صحيح، ومعناه عندي إذا قبضوا ذلك من العمال على الجباية لانهم إذا جعل إليهم قبض الاموال وتحصيلها دون وضعها في وجوهها ومواضعها. وأما الامراء الذين فوض إليهم الخليفة أو خليفة الخليفة قبض الاموال وجبايتها وتصريفها باجتهادهم كالحجاج وشبهه من الامراء على البلاد المفوض جميع الامور فيها إليهم، فقبض الجوائز منهم كقبضها من الخلفاء فإن صح أخذ ابن عمر جوائز الحجاج فهذا وجهه، ثم تكلم على حكم أخذ القضاء والحكام الارتزاق من العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على أيديهم فيما سوى ذلك وأجاز لهم أخذ ذلك منهم، ثم تكلم على حكم ما إذا كان المجبى حلالا أو حراما أو مشوبا بحلال وحرام

[ 200 ]

وأطال في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: (ولا إن تعصب) ش: قال ابن فرحون: من موانع الشهادة العصبية، وهو أن يبغض الرجل الرجل لانه من بني فلان أو من قبيلة كذا. انتهى ص: (وتلقين خصم) ش: قال ابن فرحون: ومن الموانع تلقين الخصم الخصومة فقيها كان أو غيره انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: لا تجوز شهادته فقيها كان أو غيره، ويضرب ويشهر في المجالس ويعرف به وسجل عليه، وقد فعله بعض القضاة بقرطبة بكثير من الفقهاء بمشورة أهل العلم. انتهى ص: (ومطل) ش: قال في التوضيح في باب الحوالة فرع: وإذا مطل الغني ردت شهادته عند سحنون لانه ظالم، لا عند محمد بن عبد الحكم. خليل: والظاهر أن من علم من صاحب الدين والاستحياء في المطالبة أن ذلك كالمطل والله أعلم انتهى. وزاد أبو الحسن في القول الثاني: ما لم تكن عادته انتهى. فرع: قال في التوضيح: البخيل الذي ذمة الله ورسوله هو الذي لا يؤدي زكاة ماله، فمن أدى زكاة ماله فليس ببخيل ولا ترد شهادته. وقال بعض أصحابنا: شهادة البخيل مردودة وإن كان مرضي الحال يؤدي زكاة ماله انتهى. وقال ابن فرحون: قال ابن القاسم: وقد اختلف

[ 201 ]

في شهادة البخيل وإن كان يؤدي زكاته. قال المازري: البخل منع الحقوق الواجبة وأما منع ما لا يجب فالقدح به في الشهادة مفتقر إلى تفصيل يعرفه من يعرف الاستدلال بحركات الناس وطبائعهم وسيرهم في دينهم وصدقهم. انتهى ص: (وحلف بطلاق وعتق) ش: ظاهره أن مجرد الحلف بهما ولو مرة يكون جرحة. والذي ذكره في مختصر الواضحة في أوائل كتاب الايمان أنه جرحة في حق من اعتاد الحلف بذلك كما ذكره في الواضحة. وكما وقع ذلك في كلام صاحب النوادر واللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم ناقلين له عن مطرف وابن الماجشون، وكلهم قبلوه. وقد نقلت كلامهم في الحاشية على رسالة ابن أبي زيد عند قول صاحب الرسالة: ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق. وقال ابن فرحون: من الموانع اعتياد الحلف بالطلاق والعتاق انتهى. فالجرحة إنما تكون لمن اعتد ذلك والله أعلم. تنبيه: ذكر الشارح هنا حديث الطلاق والعتاق من أيمان الفساق. وذكره الفاكهاني في شرح الرسالة عن ابن حبيب. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: لم أقف عليه. ولم يذكر ابن فرحون الحديث ولم يذكره ابن حبيب في الواضحة في كتاب الايمان ص: (وبمجئ مجلس القاضي ثلاثا بلا عذر) ش: لم يبين البساطي ولا الشارح في الوسط معنى قوله: ثلاثا هل ثلاث مرات في اليوم أو ثلاثة أيام متواليات. وقال الشارح في الشرح الصغير: ثلاث مرات في اليوم وربما فهم منه أن مجيئه ثلاثة أيام متواليات لا يقدح مع أنه قادح فينبغي أن يفسر به كلام المؤلف ليدخل الاول من باب أحرى. قال ابن فرحون: ومن الموانع إتيان مجلس القاضي ثلاثة أيام متواليات من غير حاجة لان في ذلك إظهار منزلته عند القاضي ويجعل ذلك مأكلة للناس

[ 202 ]

وينبغي للقاضي أن يمنعه من ذلك انتهى. وقال في العارضة في كتاب الزكاة في كون الصحابة جلوسا حول النبي (ص) ما نصه: هذا يدل على جواز الجلوس للناس حول القاضي يسمعون قضاءه ويتعلمون أعماله. وقال الفقهاء: لا يجلس حوله وذلك منقسم، أما من كان قصده التعلم ويظن ذلك فليقرب، ومن كانت إرادته الدنيا ليس العلم فليباعد ومن كان قصده التعلم ويطوي في ذلك نيل معاش حلال فيمكن وذلك بحسب ما يظهر للعالم القاضي من شمائل أو فراسة. انتهى ص: (وسكنى مغصوبة) ش: قال ابن فرحون: من الموانع أن يسكن في دار يعلم

[ 203 ]

أن أصلها مغصوبة انتهى. وقال ابنه: ومن ذلك معاملة أهل الغصوب والسلف منهم. وقال بعده: ومنه الطحن في الرحا المغصوبة إذا علم ذلك. انتهى. فصل في القدح في الشاهد ص: (والشاهد حر) ش: يريد

[ 204 ]

محكوما بإسلامه كما قاله في الشامل وغيره. ص: (ولم يحضر كبير) ش: أطلق رحمه الله في الكبير، فظاهره سواء كان الكبير ممن تجوز شهادته أو ممن لا تجوز شهادته. فيفهم منه أن علة عدم قبول شهادة الصبيان مع حضور الكبير إنما هو لاجل خوف التخبيب وذلك أنه إذا حضر بينهم كبير تجوز شهادته فشهادتهم ساقطة على المشهور خلافا لسحنون. قال ابن الحاجب: ولا تقبل شهادتهم مع حضور كبير رجل أو امرأة. قال في التوضيح: لم يخالف في ذلك إلا سحنون في أحد قوليه انتهى. واختلف في علة سقوط شهادتهم، هل هو خوف التخبيب أو للاستغناء بشهادة الكبير. ثم قال ابن الحاجب: فإن كان فاسقا أو عبدا أو كافرا فقولان. قال في التوضيح: أي الكبير الحاضر إن كان ممن لا تجوز شهادته كالكافر والفاسق والعبد فقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا يضر حضورهم بشهادة الصبيان. المازري: ولا خلاف منصوص فيه عندنا. وقاله سحنون في كتاب ابنه ثم توقف. فالقول بعدم الاجازة على هذا

[ 205 ]

ليس بمنصوص إلا أنه لازم على التعليل بالتخبيب بل التخبيب في حق هؤلاء أشد، والاول مبني على التعليل بارتفاع الضرورة بشهادة الكبير انتهى. وتبعه على هذا في الشامل فقال: ولا يضر رجوعهم بخلاف دخول كبير بينهم خلافا لسحنون إلا إن كان كافرا أو عبدا أو فاسقا على المنصوص انتهى. فتبع صاحب الشامل المازري في أن القول بسقوط شهادتهم غير منصوص. وجعل الرجراجي القول الثاني منصوصا ونصه: إذا حضر كبير فإن كان شاهدا عدلا فلا خلاف أن شهادة الصبيان ساقطة لوجود الكبير العدل، وإن كان ليس بعدل فالمذهب على قولين: أحدهما أن شهادتهم جائزة وهو قول ابن الماجشون وأصبغ وروى ابن سحنون عن أبيه مثله. والثاني إن شهادتهم لا تجوز لحضور الكبير وإن كان ليس بعدل وهو قول ابن سحنون في كتاب أبيه. وإن كان مشهودا عليه فلا تجوز شهادتهم عليه باتفاق وكذا شهادتهم في الجراح أو في النفس إن كان عاش حتى يعرف ما هو فيه، وإن مات من ساعته جازت شهادتهم له انتهى. وصرح ابن يونس بالقول الثاني، ونصه بعد أن حكى قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ: وهذا خلاف ما في كتاب ابن المواز لانه قال فيه: إنما يتقى من الكبير أن يعلمهم أو يخببهم فلا تراعى في ذلك الجرحة انتهى. ونقله أبو الحسن وزاد فقال: حاصله قولان. فنظر مطرف ومن معه للضرورة وإذا كان الكبير غير عدل لم ترتفع الضرورة. وانظر ابن المواز للتخبيب والتعليم وهو من غير العدل أكثر انتهى. تنبيه: قال في المدونة: وتجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجرح ما لم يفترقوا أو يخببوا. قال الرجراجي: والتخبيب تعليم الخبث وهو أن يدخل بينهم كبير أو كبار على وجه يمكنهم أن يلقنوهم الكذب ويصدونهم عما يحصل عندهم من يقين أو يزينوا لهم الزيادة فيها والنقصان منها، فإذا كان ذلك لم تقبل وبطلت انتهى. وقال ابن عرفة: شرط ابن الحاجب في شهادتهم كونها قبل تفرقهم. ابن عبد السلام: هذا مراد الفقهاء بقولهم ما لم يخببوا فإن افتراقهم مظنة مخالطتهم من يلقنهم ما يبطل شهادتهم. قلت: مقتضى قولها تجوز شهادة الصبيان ما لم يفترقوا أو يخببوا مع اختصارها. أبو سعيد: كذلك أنهما غير مترادفين، وكذا لفظ اللخمي قبل تفرقهم وتخببهم. ثم قال الباجي: التخبيب أن يدخل بينهم كبير على وجه يمكنه أن يلقنهم انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: أو يدخل بينهم كبير. قال أبوعمران: هذا تفسير لقول مالك أو يخببوا. ومنهم من قال: قوله: أو يدخل بينهم كبير بعد المعركة وقبل الافتراق وكان يتلقى منهم الشهادة فقال: إنما هذا إذا دخل بينهم الكبير على الوجه التخبيب، وأما إذا كان على جهة سماع الشهادة فيجوز ويعرف ذلك بالقرائن مثل أن يكون هذا الداخل عدلا لا يتهم والفاسق يتهم انتهى. وقال اللخمي: واختلف إذا خالطهم رجل، هل تسقط الشهادة لامكان أن يكون خببهم ووقف

[ 206 ]

الشهادة أولى وإن كان عدلا وقال لا أدري من رآه ثبتت شهادة الصبيان انتهى. إذا علم ذلك فالفرع الذي أشار إليه المصنف بقوله: ولم يحضر كبير وأشار إليه ابن الحاجب، غير الذي أشار إليه صاحب الرسالة بقوله: ولم يدخل بينهم كبير لان المصنف أراد الحضور وقت الجراح أو القتل وكلام الشيخ ابن أبي زيد فيما إذا حضر بعد ذلك، والظاهر أنه حينئذ ينظر، فإن كان يمكن منه التخبيب سقطت شهادتهم، وإن كان عدلا لم تسقط كما يفهم ذلك من كلام اللخمي أيضا والله أعلم. ص: (وللزنا واللواط أربعة) ش: أي على فعل الزنا واللواط وأما على الاقرار به فلا يحتاج إلى الشهادة به على القول الذي مشى عليه المؤلف أن المقر بالزنا يقبل رجوعه عن الاقرار ولم لم يأت بشبهة، وهو قول ابن القاسم لان إنكاره كتكذيب نفسه. قاله في التوضيح في باب الشهادا ت وفي باب الزنا والله أعلم. ص: (بوقت ورؤية اتحدا) ش: يعني بالوقت المتحد أن يأتوا بشهادتهم في وقت واحد. قاله المؤلف في قول ابن الحاجب مجتمعين غير مفترقين. وما ذكره من اشتراط اتحاد الرؤية هو المشهور أنه لا تلفق الشهادة في الافعال. قاله في التوضيح. تنبيه: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم في الشهادة على الشهادة في الزنا لا تجوز حتى يشهد أربعة على أربعة في موضع واحد ويوم واحد وساعة واحدة في موقف واحد على صفة واحدة. ابن رشد: ليس من شرطها تسمية الموضع ولا اليوم ولا الساعة إنما شرطها عند ابن القاسم أن لا يختلف الاربعة في ذلك. فإن قالوا رأيناه معا يزني بفلانة غائبا فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة تمت شهادتهم وإن قالوا لا نذكر اليوم ولا نحد الموضع، وإن قالوا في موضع كذا ويوم كذا أو ساعة كذا من يوم كذا كان أتم، وإن اختلفوا في الموضع أو الايام فقال بعضهم كان ذلك في موضع كذا، وقال بعضهم بل كان في موضع كذا، أو قال بعضهم بل كان في يوم كذا، وقال بعضهم بل كان في يوم كذا، بطلت شهادتهم عند ابن القاسم، وجازت عند ابن الماجشون لانهم اختلفوا فيما لو لم يذكروه تمت شهادتهم، ولم يلزم

[ 207 ]

الحاكم أن يسألهم عنه انتهى. ومنه في الموازية أن قال أحدهم زنا بها منكبة، وقال بعضهم مستلقية بطلت الشهادة وحدوا للقذف انتهى. ومنه أيضا: وسمع عيسى: إن شهد أربعة بزنا رجل بامرأة شهد اثنان بأنها طاوعته واثنان بأنه اغتصبها حد الاربعة. ص: (ولكل النظر للعورة) ش: ذكر ابن عرفة نص المدونة في هذه المسألة وذكر معارضتها بمسألة عدم إجازة النظر للفرج في اختلاف الزوجين في العيب، وذكر جواب ابن عبد السلام ورده ثم ذكر ثلاثة أجوبة ثم قال في آخر كلامه: قلت: وهذا كله إن عجز الشهود عن منع الفاعلين من إتمام ما قصداه أو ابتدآه من الفعل، ولو قدرا على ذلك بفعل أو قول فلم يفعلا بطلت شهادتهم لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر إلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لسرعتهما انتهى. ونقله ابن غازي ولم يتعقبه وهو ببادئ الرأي ظاهر ولكن صرح ابن رشد في البيان في ثالث مسألة من سماع أصبغ بن الفرح من كتاب الحدود في السرقة بخلافه ونصه: مسألة: قال ابن القاسم في الرجل يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه ويشهدا عليه بسرقته فينظران إليه ورب المتاع معهم قال: لو أراد أن يمنعه منه قال ليس عليه قطع ونحن نقول إنه قول مالك. قال أصبغ: أرى عليه القطع. قال محمد بن رشد: قول أصبغ أظهر لانه أخذ المتاع مستترا به لا يعلم أن أحدا يراه، لا رب المتاع ولا غيره، كمن زنا والشهود ينظرون إليه ولو شاؤا أن يمنعوه منعوه وهو لا يعلم أن الحد عليه واجب بشهادتهم، ووجه قول ابن القاسم وما حكاه أنه من قول مالك هو أنه رآه من ناحية المختلس لما أخذ المتاع من صاحبه وهو ينظر إليه، وليس بمنزلة المختلس على الحقيقة إذ لم يعلم هو بنظر صاحب المتاع

[ 208 ]

إليه. انتهى بلفظ فتأمله. ص: (وندب سؤالهم كالسرقة ما هي وكيف أخذت) ش: قال في أول كتاب السرقة من المدونة: وينبغي للامام إذا شهدت بينة عنده على رجل أنه سرق ما يقطع في مثله أن يسألهم عن السرقة ما هي وكيف أخذت ومن أين أخذها وإلى أين أخرجها، كما يكشفهم عن الشهادة على رجل بالزنا. فإن كان في ذلك ما يدرأ به الحد درأه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: ما هي هذا سؤال عن جنسها لان السؤال بما إنما يكون عن الحقيقة والماهية. وقوله: كيف هي أي كيف صفة أخذها. وقوله: من أين أخذها هل من حرز أم لا ؟ وإلى أين أخرجها هل أخرجها من الحرز أو أخذ قبل أن يخرجها. ثم قال: وقوله: ينبغي معناه والله أعلم يجب لانه قد يكون في شهادتهم ما يسقط الحد فيؤدي ذلك إلى أن يقطع عضوا شريفا لقوله عليه السلام: ادرؤا الحدود بالشبهات انتهى. وقال في أول كتاب الزنا من المدونة: وينبغي إذا شهدت بينة عنده على رجل بالزنا أن يكشفهم عن شهادتهم وكيف رأوه وكيف صنع، فإن رأى في شهادتهم ما تبطل به الشهادة أبطلها انتهى. قال أبو الحسن: انظر قوله: ينبغي هل معناه يجب أو هو على بابه الاقرب الوجوب كما قال في السرقة، أو يفرق بين البابين وأن السرقة اختلف في نصابها اختلافا كثيرا وفي الزنا لم يختلف إلا أن يقال في الزنا أيضا شديد لانه قيل: زنا العين النظر واليدان تزنيان إلى غير ذلك، فيجب الكشف عن هذا لئلا يظن الشاهد أن ذلك زنا انتهى. فحاصل كلامه في الموضعين أنه يميل إلى أن ينبغي للوجوب وهو الظاهر فتأمله.

[ 209 ]

تفريع: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وينبغي للحاكم أن يسألهم في السرقة إلى آخره. قال ابن المواز: فإن غابوا قبل أن يسألهم غيبة بعيدة أو ماتوا أنفذت الشهادة وأقيم الحد. قال: وإن كان الشهود أكثر من أربعة فغاب منهم أربعة بعد أن شهدوا لم يسأل من حضر وثبت الحد، لان من حضر لو رجعوا عن شهادتهم لثبت الحد بمن غاب. ورأى بعض الشيوخ أن غيبة أربعة لا يمنع سؤال من حضر لاحتمال أن يذكر الحاضرون ما يوجب التوقيف عن شهادة الغائبين والحاضرين جميعا. وقيد اللخمي قول محمد إذا غابوا بما إذا كانوا من أهل العلم بما يوجب الحد. انتهى. ص: (ولما ليس بمال ولا آيل إليه) ش: يريد وليس بزنا ولا مما يختص به النساء. واكتفى الشيخ عن ذكر الزنا بما تقدم، وعن ذكر ما يختص بالنساء بما سيذكره، ومما لا يكفي فيه الشاهد واليمين إسقاط الحضانة، نقله ابن ناجي في شرح قول الرسالة. ومن حبس دارا قال: ومن ذلك الوصية لغير معين. قال: وكذلك الادب بالشاهد واليمين. ذكره ابن رشد. ومن ذلك الطلاق والخلع كما صرح به ابن فرحون في تبصرته. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: اختلف في إلحاق ما هو آيل إلى المال بالمال والمشهور الالحاق ثم قال: وعلى المشهور فالخلع آيل إلى المال وفيه خلاف. انتهى. قلت: إن أراد أن المرأة إذا ادعت على زوجها أنه خالعها على شئ من مالها فهذا من دعوى الطلاق ولا يثبت إلا بشاهدين، وإن أراد أن الرجل ادعى على الزوجة أنها خالعته على شئ من مالها فهذه دعوى بمال لان الطلاق إنما لزمه بإقراره ويثبت المال بشاهد ويمين كما قاله في المدونة في كتاب إرخاء الستور ونصه: وإن صالحته على شئ هو فيما بينهما فلما أتى بالبينة لتشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئا، فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين، فإن نكلت حلف هو واستحق، وإن أتى بالزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق. انتهى. ص: (وإلا فعدل وامرأتان) ش: تصوره واضح.

[ 210 ]

فرع: قال ابن رشد في نوازله: المشهور المعلوم من مذهب مالك رضي الله عنه وأصحابه أن شهادة النساء في الاحباس عاملة، لان الاحباس من الاموال. ولا اختلاف أن شهادة النساء في الاموال جائزة، وإنما اختلف فيما جر إلى الاموال كالوكالة. وإنما يتخرج أن شهادتهن غير عاملة في ذلك على مذهب ابن الماجشون وسحنون في أن شهادة النساء لا تجوز إلا حيث يجوز اليمين مع الشاهد إذا قلنا إن الحبس لا يستحق باليمين مع الشاهد وفي ذلك بين أهل العلم اختلاف انتهى. وقد عد ابن فرحون فيما يثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين الحبس. ص: (وإيصاء بتصرف فيه) ش: ظاهر كلام الشيخ أن هذا مما يقبل فيه شاهد ويمين وامرأتان ويمين وشاهد وامرأتان، ولكن الشارح بهرام والبساطي لم يذكرا الخلاف فيه، إلا في الشاهد والمرأتين، ومثل الايصاء بالتصرف في المال الشهادة بالوكالة عليه كذا جمعهما ابن الحاجب، واعلم أن ابن عبد السلام رحمه الله لما ذكر مراتب الشهادة قال ما نصه: الثالثة الاموال وما

[ 211 ]

يؤل إليها كالاجل والخيار والشفعة والاجارة وقتل الخطأ وما يتنزل منزلته مطلقا وجراح المال مطلقا وفسخ العقود ونجوم الكتابة، وإن عتق بها فيجوز لرجل وامرأتين، وكذلك الوكالة بالمال والوصية به على المشهور اه‍. قال في التوضيح: قوله: وكذلك الوكالة بالمال أي وكله في حياته ليتصرف له. والوصية به أي أوصاه بأنه يتصرف في أمواله بعد وفاته انتهى. ولم يذكر المؤلف ولا ابن عبد السلام أن الشاهد واليمين يجوزان على الوكالة والوصية وإنما تكلما فيما تكلم عليه ابن الحاجب ثم إن ابن عرفة لما تكلم على هذه المسألة ذكر هذا الخلاف في الشاهد والمرأتين، ولما تكلم في فصل الشاهد واليمين ذكر عن ابن رشد في أثناء كلامهما أنه قال: لا خلاف أنه لا يجوز الشاهد واليمين في الشهادة على الوكالة. ثم لما فرغ من الكلام على مسألته قال: وقول ابن رشد لا خلاف أنه لا يجوز شاهد ويمين في الشهادة على الوكالة خلاف نقل اللخمي والمازري. قال اللخمي: اختلف إذا شهد على وكالة من غائب هل يحلف الوكيل والمشهور أنه لا يحلف وهو أحسن إن قانت الوكالة بحق لغائب فقط، وإن كانت مما يتعلق بها حق للوكيل لان له على الغائب دينا أو ليكون ذلك المال بيده قراضا أو تصدق به عليه حلف واستحق إن أقر الموكل عليه بالمال للغائب. وإن وكل على قضاء دين فقضاه بشاهد فجحده القابض حلف الوكيل وبرئ الغريم، فإن نكل حلف الطالب وغرم الوكيل إن كان موسرا، وإن كان معسرا حلف المطلوب وبرئ وكانت تباعة الطالب على الوكيل متى أيسر. قلت: فظاهر لفظ اللخمي أن الخلاف في الشاهد واليمين في الوكالة. وقال المازري: معروف المذهب أن الشاهد واليمين لا يقضى به في الوكالة لكن منع القضاء بها ليس من ناحية تصور هذه الشهادة في القضاء بها في الوكالة، بل لان اليمين مع الشاهد فيها متعذرة لان اليمين لا يحلفها إلا من له فيها نفع والوكيل لا نفع له فيها. وإن كان وقع في المذهب أن الوكيل يحلف مع شاهده بالوكالة وقبض الحق فتأول الاشياخ هذه الرواية على أن المراد بها وكالة بأجرة يأخذها الوكيل أو يقبض المال لمنفعة له فيها انتهى. وقال في النوادر: ومن العتبية: قال سحنون: قال أشهب: لا يقضى بشاهد ويمين في وكالة في مال. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن أقام شاهدا أنه أوصى إليه أنه لا يحلف معه ولا يثبت له ذلك إلا أن يراه الامام أهلا لذلك فيوليه بغير يمين. وقال في المدونة: قال سحنون: الوصايا والوكالة ليستا بمال

[ 212 ]

إذ لا يحلف وصي ولا وكيل مع شاهد رب المال إذ المال لغيرهما. انتهى ص: (وقصاص في جرح) ش: يعني أن القصاص في الجراح يثبت بالشاهد واليمين. قال في كتاب الديات من المدونة: من أقام شاهدا على جرح عمدا فليحلف ويقتص، فإن نكل قيل للجارح احلف وابرأ، فإن نكل حبس حتى يحلف. ثم قال: قيل لابن القاسم: لم قال مالك ذلك في جراح العمد وليست بمال ؟ فقال: كلمت مالكا في ذلك فقال: إنه لشئ استحسناه وما سمعنا فيه شيئا

[ 213 ]

انتهى. وقال في كتاب الشهادات: وكل جرح فيه قصاص يقتص فيه بشاهد ويمين وكل جرح لا قصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والمأمومة وشبههما فالشاهد واليمين فيه جائز، لان العمد والخطأ فيه إنما هو مال انتهى. قال ابن يونس: أي بشاهد ويمين الطالب لان الجراحة لا قسامة

[ 214 ]

فيها بذلك مضت السنة، وإنما القسامة في النفس فلما كانت النفس تقتل بشاهد واحد مع القسامة فلذلك اقتص بشاهد مع يمين المجروح. وقاله عمر بن عبد العزيز انتهى. وفي النوادر: قال ابن المواز: ويقضى بالقصاص في الجراح بالشاهد واليمين صغيرها وعظيمها في العمد والخطأ، ولا شك في الخطأ. وقال ابن عبد الحكم: لا أرى في ذلك في العمد إلا في اليسير من الجراح. وروي عن مالك أنه يقتص بذلك رواية مبهمة لم يذكر ما صغر أو كبر. وروي عن مالك أن ذلك فيما لا خوف فيه من موضحة ودامية وجراح الجسد، وأما اليد والعين وشبه ذلك فلا يقتص إلا بشاهدين وهذا قول عبد الملك. قال ابن عبد الحكم: وهذه الرواية من قوله أحب إلي. قال محمد: وروى ابن القاسم وأشهب عنه أنه يقتص بذلك فيما عظم أو صغر منها من قطع اليد وغيرها يحلف يمينا واحدة ويقتص. قال ابن القاسم: فإن نكل حلف القاطع وبرئ فإن نكل حبس حتى يحلف وقيل يقطع انتهى. فرع: قال في النوادر: قال مالك: وإن كان الشاهد غير عدل حلف المطلوب وليس كالقسامة وما قال أحد غير هذا إلا بعض من لا يؤخذ بقوله انتهى. فرع: قال فيها أيضا: فإذا تعلق به وقال أنت جرحتني فله عليه اليمين وإن كان من أهل التهم أدب. والذي في سماع أشهب عن مالك: إذا تنازعا ثم أتى أحدهما بأصبعه مجروحة تدمي يزعم أن صاحبه عضها قال: يحلف له وإن كان من أهل التهم أدب، قال في الكتابين: وقال ابن القاسم فيمن ادعى أن فلانا جرحه فلا يستحلف في جرح ادعاه أو ضرب إلا أن يكون مشهورا بذلك فيحلف، فإن نكل سجن حتى يحلف. وقال أصبغ: فإن طال حبسه ولم

[ 215 ]

يحلف عوقب وأطلق إلا أن يكون متمردا فيخلد في السجن ثم ذكر مسائل تتعلق بالعبد إذا قام على جرحه شاهد واحد فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: (وبيع ما يفسد ووقف ثمنه معهما بخلاف العدل فيحلف ويبقى بيده) ش: يعني أن من ادعى شيئا مما يفسد بالتأخير كاللحم ورطب الفواكه وأقام شاهدين واحتيج إلى تزكيتهما، فإن ذلك الشئ يباع ويوقف ثمنه بخلاف ما إذا أقام عدلا واحدا فإن المدعى عليه يحلف أن المدعي لا يستحق فيه شيئا ويترك ذلك الشئ بيده. هكذا قال ابن الحاجب متبرئا منه بقوله: قاله وقبله في التوضيح. وقال: تبرأ منه لاشكاله وذلك لان الحكم كما يتوقف على الشاهد الثاني كذلك يتوقف على عدالة الشاهدين، فإما أن يباع ويوقف ثمنه فيهما أو يخلى بيده فيهما. وأجاب صاحب النكت بأن مقيم العدل قادر على إثبات حقه بيمينه فلما ترك ذلك اختيارا صار كأنه مكنه منه بخلاف من أقام شاهدين أو شاهدا ووقف ذلك القاضي لينظر في تعديلهم لا حجة عليه في ذلك لعدم قدرته على إثبات حقه بغير عدالتهم. وأشار المازري إلى فرق آخر وهو أن الشاهدين المجهولين أقوى من الواحد لان الواحد يعلم الآن قطعا أنه غير مستقل والشاهدان المجهولان إذا عدلا فإنما أفاد تعديلهما بعد الكشف عن وصف كان عليه حين الشهادة. ويحتمل أن يكون وجه الاشكال ما ذكره ابن عبد السلام مقتصرا عليه فإنه قال: إنما تبرأ منه لانهم مكنوا من الطعام من هو بيده بعد قيام شاهد ولم يمكنوه منه إن قام عليه شاهدان، بل قالوا: يباع ويوقف ثمنه والشاهد أضعف. قال: قلت: ولاجل أن الشاهد أضعف من الشاهدين أبقى الطعام بيد المدعى عليه لانه إذا ضعفت الدعوى لضعف الحجة ضعف بسبب ذلك أثرها فإبقاء الطعام بيده ليس هو لما توهم من تقديم الاضعف على الاقوى بل هو عين ترجيح الاقوى. فأجاب عن ذلك بأنه

[ 216 ]

لو كان صحيحا للزم مثله فيما لا يخشى فساده أن يحلف من هو بيده ويترك له يفعل فيه ما أحب. قال: ويجاب عن أهل المذهب بأن ما يخشى فساده قد تعذر القضاء بعينه للمدعي لما يخشى عليه من الفساد قبل ثبوت الدعوى فلم يبق إلا النزاع في ثمنه، فهو كدين على من هو بيده فمكن منه بعد أن يحلف ليسقط حق المنازع في تعجيله له، ولا يلزم مثل ذلك فيما قام عليه شاهدان لان حق المدعى فيه أقوى من حق المدعى عليه انتهى كلام التوضيح. قلت: وأصل المسألة في كتاب الشهادات من المدونة قال فيها: وإن كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم ورطب الفواكه وقد أقام لطخا أو شاهدا على الحق وأبى أن يحلف وادعى بينة قريبة على الحق أجله القاضي بإحضار شاهدين أو شاهد إن أتى بشاهد قبله ولم يحلف ما لم يخف فساد ذلك الشئ، فإن جاء بما ينتفع به وإلا أسلم ذلك الشئ إلى المطلوب ونهى المدعي عن التعرض له. وإن كان الطالب قد أقام شاهدين فأوقف القاضي ذلك الشئ إلى الكشف عنهما، فإن خاف على فساده باعه وأوقف ثمنه، فإن زكيت بينة المدعي وهو مبتاع أخذه وأدى الثمن الذي قالت بينته كان أقل من ذلك أو أكثر، ويقال للبائع إذا كان يأخذ أكثر من الثمن الموقوف أنت أعلم بالتحرج عن الزيادة، وإن لم يزكوا أخذ المدعى عليه الثمن الموقوف لانه عليه بيع نظرا، ولو ضاع الثمن قبل القضاء أو بعده كان لمن قضى له به انتهى. قال في النكت: إذا أقام شاهدين وأوقف القاضي الشئ المدعى فيه لينظر في تعديلهما فخاف فساده أو أقام شاهدا واحدا فكان الحاكم ينظر في تعديله. الجواب: سواء يباع ذلك الشئ بخلاف إذا أقام شاهدا عدلا وأبى أن يحلف معه وقال آتى بآخر فخاف الحكم فساد ذلك الشئ هاهنا يسلمه إلى المطلوب، يريد لان هذا قادر على إثبات حقه بيمينه مع شاهده الذي ثبت له فترك ذلك اختيارا منه، والذي ينظر في تعديل شاهديه أو شاهده الذي أقامه لا حجة عليه انتهى. فهو موافق لما قاله ابن الحاجب إلا أنه لم يذكر استحلاف المطلوب. وكذلك قال اللخمي ونصه: ومن ادعى مالا يبقى ويسرع إليه الفساد كاللحم ورطب الفواكه وأتى بلطخ أو بينة لا يعرفها القاضي، فقال الجاحد وهو البائع - أو المدعي - وهو المشتري - نخاف فساده أو لم يقولاه، فإن أثبت لطخا وقال لي بينة حاضرة أو أقام شاهدا وقال عندي شاهد آخر ولا أحلف، فإن لم يحضر ما ينتفع به وخشي عليه الفساد خلى بين البائع وبين متاعه. وأما الشاهدان فينظر في عدالتهما، فإن خشى الفساد بيع وأوقف الثمن انتهى. فلم يذكر استحلاف المطلوب أيضا. وقال في التنبيهات: قوله في توقيف ما يسرع إليه الفساد إذا قال المدعي عندي شاهد واحد ولا أحلف معه أنه يؤجله ما لم يخف عليه الفساد وإلا خلى بين المدعى عليه وبين متاعه معنى قوله: لا أحلف معه أي ألبتة ولو أراد أن لا يحلف معه الآن لاني أرجو شاهدا آخر فإن

[ 217 ]

وجدته وإلا حلفت مع شاهدي بيع حينئذ ووقف ثمنه إن خشي عليه الفساد، وليس هذا بأضعف من شاهدين يطلب تعديلهما فقد جعله يبيعه هنا ونحن على شك من تعديلهما وهو إن لم يعدلهما بطل الحق وشاهد واحد في الاول ثابت بكل حال والحلف معه ممكن إن لم يجد آخر ويثبت الحق انتهى. ونقل ابن عرفة كلام المدونة وكلام التنبيهات ثم قال بعد: فحاصلها إن لم يقم المدعى إلا لطخا قاصرا عن شاهد عدل وعن شاهدين يمكن تعديلهما وقف المدعى فيه ما لم يخش فساده، فإن خشي فساده خلى بينه وبين المدعى عليه. وكذا إن أقام شاهدا عدلا وقال لا أحلف معه بوجه، وإن قال أحلف معه أو أتى بشاهدين ينظر في تعديلهما بيع ووقف ثمنه حسبما ذكره في الام. ومثل ما ذكره عياض عن المذهب ذكر أبو حفص العطار وزاد: إن كان أتى الطالب بشاهد واحد وإن لم يزكه وهو قابل للتزكية فهو كقيام شاهدين ينظر في تزكيتهما يباع المدعى فيه لخوف فساده. ونقل أبو إبراهيم قول عياض ولم يتعقبه. انتهى كلام ابن عرفة وليس فيه ولا في كلام التنبيهات استحلاف المطلوب لكن في كلام الشيخ أبي الحسن الصغير ما يقتضي ذلك فإنه قال في شرح قوله في المدونة: والاسلم ذلك الشئ إلى المطلوب ظاهره من غير يمين. الشيخ: وهذا لا يصح فمعناه بيمين انظره انتهى. وقال في كتاب الاقضية من النوادر: وإذا كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم والفاكهة الطرية وأقام لطخا أو قام له شاهد فإنه يوقف إلى مجئ شاهده الآخر أو يمينه إلى مثل ما لا يخشى فيه فساد الذي فيه الدعوى، فإن خاف فساده أحلف المدعى عليه وترك له ما أوقف عليه انتهى. وفي كلام التنبيهات الذي ذكرناه وقبله ابن عرفة تقييد عدم بيع المدعى فيه مع قيام الشاهد العدل بما إذا قال المدعي لا أحلف معه ألبتة، وأما إذا قال لا أحلف الآن لاني أرجو شاهدا آخر فإن وجدته وإلا حلفت مع شاهدي أنه يباع ويكون بمنزلة الشاهدين. وكلام ابن عرفة يقتضي أن هذا هو المذهب فإنه قال في كلامه المتقدم: ومثل ما ذكره عياض عن المذهب ذكر أبو حفص العطار. وقال بعد أن ذكر كلام ابن الحاجب وابن عبد السلام: حاصل كلامه يعني ابن عبد السلام أن المذهب عنده هو ما نقله ابن الحاجب وأشار إلى التبري منه ثم قال: ومن تأمل كلام عياض وأبي حفص بن العطار مراعيا أصول المذهب علم منه أن ما فهمه الشيخ - يعني ابن عبد السلام - عن المذهب وفسر به كلام ابن الحاجب وما أشار إليه من التبري غير صحيح انتهى. ولا شك أن هذا التقييد الذي ذكره القاضي في التنبيهات يزول به الاشكال، فإنه ينبغي أن يقرر وجه التبري في كلام ابن الحاجب بأنه كيف قالوا إنه مع الشاهد الواحد العدل يمكن المدعى عليه من الشئ المدعى فيه ومع الشاهدين اللذين يريد أن يزكيا لا يمكن منه ويباع ويوقف ثمنه مع أن الحق مع الشاهد الواحد العدل أقرب إلى الثبوت لانه يمكن إثباته، سواء وجد شاهدا ثانيا أو لم يجده، بخلاف الشاهدين اللذين يزكيان فإنه إن لم يجد

[ 218 ]

من يزكيهما لم يثبت الحق. فقيام الشاهد الواحد أقوى في إثبات الحق من الشاهدين اللذين يزكيان. فيجاب عن ذلك بأنه إنما يمكن المدعى عليه من المدعى فيه مع الشاهد الواحد العدل إذا قال المدعي لا أحلف معه ألبتة وإنما أطلب شاهدا ثانيا، فإن وجدته أثبت حقي وإن لم أجده لم أحلف، فحينئذ يمكن المدعى عليه من المدعى فيه إذا خيف عليه الفساد لان الشاهد الواحد حينئذ أضعف من الشاهدين، لان احتمال عدم ثبوت الحق معه حاصل والواحد أضعف من الاثنين. وأيضا فإن المدعي مختار لعدم إثبات حقه بامتناعه عن اليمين كما تقدم عن النكت. وأما إذا قال المدعي أنا لا أحلف الآن لاني أرجو شاهدا ثانيا فإن وجدته وإلا حلفت، فهذا يباع ذلك الشئ ويوقف ثمنه لان الشاهد الواحد حينئذ أقوى من الشاهدين. فإن قيل: لم لم يفصلوا فيما لا يخشى فساده في قيام الشاهد الواحد العدل بل قالوا إنه يحال بين المدعى عليه والشئ المدعى فيه مع قيام الشاهد العدل من غير تفصيل ؟ فالجواب: أن ما يخشى فساده لما تعذر القضاء بعينه للمدعي لما يخشى من فساده قبل ثبوت الدعوى ولم يبق إلا أن يقضى له بثمنه وقوي حق المدعى عليه بسبب وضع اليد مع ترك المدعي إثبات حقه القادر عليه اختيارا أبقى الشئ المدعى فيه بيد المدعى عليه بخلاف ما لا يخشى فساده، لان القضاء بعينه للمدعي ممكن ولا كبير ضرر على المدعى عليه في إيقافه فتأمله. والحاصل أن قول المصنف: بخلاف العدل فيحلف معه ويبقى بيده يقيد ذلك بما إذا قال المدعي أنا لا أحلف ألبتة مع شاهدي العدل وإنما أطلب شاهدا ثانيا، فإن وجدته وإلا تركت. وأما إذا قال أنا لا أحلف الآن لاني أرجو شاهدا ثانيا فإن وجدته وإلا حلفت فإن المدعى فيه يباع ويوقف ثمنه كما يوقف مع الشاهدين على ما قاله عياض وأبو حفص العطار وقبله ابن عرفة فتأمله منصفا والله أعلم. ص: (وإن سأل ذو العدل الخ) ش: يشير إلى قوله في المدونة في كتاب الشهادات قال مالك: ومن ادعى عبدا بيد رجل فأقام شاهدا عدلا يشهد

[ 219 ]

على القطع أنه عبده أو أقام بينة يشهدون أنهم سمعوا أن عبدا سرق له مثل ما يدعي وإن لم تكن شهادته قاطعة وله بينة ببلد آخر، فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته لتشهد على عينه عند قاضي تلك البلدة فذلك له، وإن لم يقم شاهدا ولا بينة سماع على ذلك وادعى بينة قريبة بمنزلة اليومين والثلاثة فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته لم يكن له ذلك. وإن قال أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي لم يكن له ذلك إلا أن يدعي ببينة حاضرة على الحق أو سماعا يثبت له به دعواه، فإن القاضي يوقف العبد ويوكل به حتى يأتيه ببينة فيما قرب من يوم ونحوه. فإن جاء بشاهد أو سماع وسأل إيقاف العبد ليأتي ببينة، فإن كانت بعيدة وفي إيقافه ضرر استحلف القاضي المدعى عليه وأسلمه إليه بغير كفيل، وإن ادعى شهودا حضورا على حقه أوقف له نحو الخمسة الايام والجمعة، وهذا التحديد لغير ابن القاسم. ورأى ابن القاسم أن يوقف له لان الجائي بشاهد أو سماع له وضع القيمة عند مالك والذهاب به إلى بينته فهذا كالايقاف انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: عبدا ليس يريد خصوصية العبد وإنما نبه به على ما سواه، وقوله: وأقام شاهدا يريد وأبى أن يحلف معه. ابن رشد: وكذا لو أقام شاهدين مجهولي الحال قوله عند قاضي تلك البلد ظاهرها كان قريبا أو بعيدا انتهى. ونبه الشيخ بقوله: لا إن انتفيا وطلب إيقافه إلى أنه لا يجاب إلى الذهاب به من باب أولى فتأمله. ونقل الشارح في الكبير في شرح هذه المسألة مسألة كتاب الصناع في عكس المسألة وهي من استحقت من يده دابة فسأل القاضي وضع قيمتها ويذهب بها إلى بلد البائع ولم ينقل هذه المسألة فقد يشوش ذلك على فهم الطالب والله أعلم. تنبيه: قول المصنف: وضع قيمة العبد هذا في المستحق بالرق، وأما المستحق بالحرية ففيه تفصيل ينظر في آخر سماع عيسى من الجهاد، وفي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الاستحقاق. ص: (والغلة للقضاء والنفقة على المقضى له به) ش: قال في المدونة إثر الكلام السابق: ونفقة العبد في الايقاف على من يقضى له به. ثم قال: الغلة أبدا للذي هي في يده

[ 220 ]

لان ضمانها منه حتى يقضى بها للطالب. قال أبو الحسن: في المسألة ثلاثة أقوال: النفقة والغلة لمن ذلك بيده. وقيل لمن يقضى له به، والتفصيل وهو ظاهر الكتاب. قال: ومذهب الكتاب مشكل فقال بعضهم: وجهه أنه لما ادعى العبد كأنه أقر بأن نفقته عليه فيؤخذ بإقراره ولا يصدق في الغلة لانه مدع فيها. انظره انتهى. وقال في النكت: فإن تشاحا في النفقة كانت عليهما جميعا ثم ينظر بعد ذلك ويقضى له به. وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إن لم يتطوع أحدهما بالنفقة وتشاحا كانت على من هو بيده لانه على أصل ملكه لا يخرجه الايقاف حتى ينظر فيه، يريد فإذا ألزم النفقة ثم ثبت للآخر رجع عليه بذلك انتهى. فرع: قال في آخر كتاب الدعاوى من الذخيرة: قال بعض العلماء: إذا ألزم المدعى عليه بإحضار المدعي به لتشهد عليه البينة، فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه لانه مبطل ملح وإلى فعلى المدعي لانه مبطل في ظاهر الشرع، ولا تجب أجرة تعطيل المدعى به في مدة الاحضار لانه حق للحاكم لا يتم مصالح الحكام إلا به انتهى. وقال بعده بنحو صفحة: فرع: إذا تنازعتما حائطا مبيضا هل هو منعطف لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الاجرة في الكشف عليه فمشكل لان الحق قد يكون لخصمك والاجرة ينبغي أن تكون لمن له نفع العمل، ولا يمكن أن تقع الاجرة على أن الاجارة على من يثبت له الملك لانكما جزمتما بالملكية، فما وقعت الاجارة إلا جازمة. وكذلك الغائب لو امتنع إلا بأجر. قال: ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحد منهما باستئجاره وتلزم الاجرة في الاخير من ثبت له الملك كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب انتهى. وهذا الاخير هو الظاهر كما في الفرع قبله فتأمله والله أعلم. ص: (وجازت على خط مقر) ش: ظاهره سواء كانت الوثيقة بخطه أو فيها شهادته فقط على نفسه وهو كذلك. قال في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: وسئل مالك عن رجل كتب على رجل ذكر حق

[ 221 ]

وأشهد فيه رجلين، فكتب الذي عليه الحق شهادته على نفسه بيده في الذكر الحق فهلك الشاهد ثم جحد فأتى رجلان فقالا نشهد أنه كتابه بيده. قال مالك: إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده رأيت أن يؤخذ منه الحق ولا ينفعه إنكاره، وذلك بمنزلة لو أقر ثم جحد فشهد عليه شاهدان بإقراره فأرى أن يغرم. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله. لان شهادة الرجل على نفسه شهادة إقرار عليها وإقراره على نفسه شهادة عليها. ونقله ابن عرفة ص: (وإن بغير مال فيهما) ش: هذا الذي اختاره رحمه الله أن الشهادة على الخط جائزة في الطلاق والعتاق وغيرهما، وكأنه رحمه الله اعتمد على ما ذكره في التوضيح عن أحكام ابن سهل ونصه: وفي

[ 222 ]

أحكام ابن سهل عن محمد بن الفرج مولى ابن الطلاع أنه قال: الاصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق والطلاق والعتاق والاحباس وغيرها انتهى. وهو خلاف ما نقله البرزلي عن السيوري أنه قال: لا تجوز الشهادة على الخط في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود على ما في الواضحة وغيرها. انتهى من أوائل مسائل الايمان ونقله في مسائل الاقضية والشهادات عن ابن رشد انظر كلامه. وقال ابن رشد في نوازله في أثناء مسائل النكاح في رجل يقيم عليه بعقد يتضمن إشهاده على نفسه أنه متى تزوج فلانة فهي طالق ثلاثا وقد تزوجها فأنكر العقد فشهد شهود أن العقد خط يده فقال: إن كان العقد الذي قيم على الرجل المذكور ثبت بشهادة الشهود الذين أشهدهم على نفسه بما تضمنه وعجز عن الدفع، فالذي أراه وأتقلده أن يفرق بينهما وهو الصحيح عندي من الاقوال المشهورة في المذهب، ولا يكون ذلك جرحة تسقط شهادته إلا أن يقر على نفسه أنه تزوجها بعد أن حلف بطلاقها ألبتة أن لا يتزوجها وهو يعتقد أن ذلك لا يحل له جرأة على الله عزوجل إذ لو أقر بطلاقها على ما تضمنه العقد وقال إنما تزوجها لانه اعتقد أن ذلك يسوغ له لاختلاف أهل العلم في ذلك لعذر فيما فعله، ولم يكن ذلك جرحة لا سيما إن كان ممن ينظر في العلم ويسمع الاحاديث. وأما إن لم يثبت العقد الذي قيم به إلا بالشهادة على الخط فلا يحكم به عليه إن أنكر، ولا يفرق بينهما أو إن عجز عن الدفع في شهادة من شهد عليه أنه خط يده لان الشهادة على الخط لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا نكاح ولا حد من الحدود على ما نص عليه ابن حبيب في واضحته وغيره. ولو أقر أنه خطه كتبه بيده وزعم أنه لم يكتبه عازما على إنفاذه وإنما كتبه على أن يستشير وينظر في ذلك لصدق في ذلك على ما قاله في المدونة انتهى والله أعلم. وما ذكره عن ابن حبيب في واضحته نقله ابن حبيب فيها عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ وأنها لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود ولا كتاب قاض، وإنما تجوز في الاموال فقط. وحيث لا تجوز شهادة النساء ولا الشاهد مع اليمين فلا تجوز على الخط، وحيث يجوز هذا يجوز هذا. ووقع في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا تجوز شهادته إن وجدت من يشهد لها على خطه نفعها ذلك. قال ابن رشد: ومثله في مختصر ابن عبد الحكم، وكان يمضي لنا عند من أدركناه من الشيوخ أن ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ هو مذهب مالك لا خلاف فيه، وأن

[ 223 ]

معنى قوله في الرواية: نفعها ذلك أنه يكون لها شبهة توجب لها اليمين على الزوج أنه ما طلق. والذي أقول به أن معنى ما حكاه ابن حبيب إنما هو أن الشهادة لا تجوز على خط الشاهد في طلاق ولا عتاق ولا نكاح لا أنها لا تجوز على خط الرجل أنه طلق أو أعتق أو أنكح بل هي جائزة على خطه بذلك لا تجوز على خطه بالاقرار بالمال وهو بين من قوله. فالصواب أن يحمل قول مالك: نفعها على ظاهره من الحكم لها بالطلاق عليه إذا شهد على خطه شاهدان عدلان، وذلك إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق زوجته مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه بأنه طلق زوجته أو إليها يعلمها بذلك. وأما إن كان الكتاب إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا يحكم عليه به إلا أن يقر أنه كتبه مجمعا على الطلاق، وفي قبول قوله إنه كتبه غير مجمع على الطلاق بعد أن أنكر أنه كتبه اختلاف. انتهى بعضه بالمعنى وأكثره باللفظ. فيكون اختيار ابن رشد ثالثا يفرق بين الشهادة على خط الشاهد فلا تجوز إلا في الاموال وبين الشهادة على خط المقر فتجوز في الاموال وغيرها إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق أو أعتق ونحو ذلك. وأما إذا كان الخط إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا. وذكر ابن عرفة عن ابن سهل نحو اختيار ابن رشد وعن الباجي أيضا. وظاهر ما تقدم عن ابن رشد في نوازله في النكاح أنه حمل قول مطرف وابن الماجشون على ظاهره. وقال في مسائل الشهادات من نوازله: ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن الشهادة على الخط لا تجوز فيما عدا الاموال، لا على خط الشاهد ولا على خط المعتق أو المطلق. وسائر ما ذكره مما ليس بمال، وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه. ومعنى ذلك إذا وجد الكتاب بالعتق عنده بعد موته أو بيده في حياته لانه لو أقر أنه خطه وقال كتبته على أني أستخير في تنفيذه ولم أنفذه بعد صدق في ذلك. وأما إذا كان دفعه إلى العبد أو كان قد نص فيه على أنه أنفذه على نفسه فالشهادة عليه عاملة كالشهادة على خطه بالاقرار بالمال، وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك في العتبية وما في مختصر ابن عبد الحكم انتهى. وقال ابن فرحون بعد نقله قول مطرف وابن الماجشون: قال ابن رشد: وهذه التفرقة لا معنى لها إلا أن يريد أن الاموال أخف، والصواب الجواز في الجميع. قال ابن الهندي: ويلزم من أجازها في الاحباس القديمة أن يجيزها في غيرها لان الحقوق عند الله سواء. انتهى ص: (وإنه كان يعرف مشهده وتحملها عدلا) ش: ما ذكره من معرفة مشهده هو أحد

[ 224 ]

القولين، وما ذكره من قوله: وتحملها عدلا هو تعديل للمشهود على خطه. وظاهر كلامه أن الشاهد على الخط لا بد أن يشهد بذلك. وذكر المتيطي أنه لا يشترط ذلك بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما. قال في كتاب الحبس في فصل ذكر فيه أن قائما قام بالحسبة أن فلانا باع حبسا ما نصه: وإن كان الشهود الذين شهدوا على خطوط شهود موتى في كتاب الحبس.

[ 225 ]

قلت: فأتى إليه بفلان وفلان شهدا عنده أن شهادة فلان وفلان الواقعة في كتاب الحبس المنتسخ في هذا الكتاب بخطوط أيديهما لا يشكان في ذلك وأنهما ميتان، فقبل القاضي شهادة الشهيدين عنده وشهادة الشهيدين المشهود على خطوطهما وإن عدلهما الشاهد أن عنده على خطوطهما جاز ذلك. وقلت في إثر قولك: وإنما ميتان وأنهما كانا في رسم العدالة وقبول الشهادة في تاريخ شهادتهما عن الشهادة أو المذكورة وبعدها إلى أن توفيا وإن عدلهما عنده غير الشاهدين اللذين شهدوا على خطوطهما. قلت: في الشهيدين وقبل شهادتهما لمعرفته بهما وقبل شهادة فلان وفلان المشهود على خطوطهما بتعديل فلان وفلان لهما عنده بالعدل والرضا إلى أن توفيا على ذلك. انتهى ص: (وجاز الاداء إن حصل العلم ولو بامرأة) ش: مسألة: قال في نوازل ابن رشد في مسائل الشهادات في رجل شهد على امرأة أنها أوصت لاخيها لامها بثلثها وأدى الشهادة على ذلك وقطع بمعرفتها، ثم شهد عليه شاهدان أنه أقر عندهما بعد أداء الشهادة أن هذه المرأة لم يكن يعرفها قبل ذلك الاشهاد ولا رآها قط وإنما عينها له في حين ذلك الاشهاد امرأة وثق بها، فهل

[ 226 ]

ذلك مسقط لشهادته في هذه النازلة خاصة ويكون كالرجوع عن الشهادة، أو يراه إقرارا منه على نفسه بتعمد الكذب فيكون جرحة وتسقط شهادته في ذلك وغيره ؟ فأجاب: شهادته عاملة إذا كان هو ابتداء سؤال المرأة لان ذلك من ناحية قبول خير الواحد، وأما إذا لم يبتدئ هو بسؤالها وإنما قالت له ذلك على سبيل الشهادة عنده مثل أن تقول له المرأة التي أشهدته على نفسها بالوصية هذه فلانة تعرف أني فلانة بنت فلان وتعرفه بذلك، فلا يجوز له أن يشهد عليها بتعيين المرأة له إياها على هذا الوجه وإن كانت عنده ثقة، فإن جهل سقطت شهادته عليها ولم يكن ذلك جرحة ذلك تسقط شهادته فيما سوى ذلك. اه‍. ص: (وجازت بسماع فشا عن ثقات وغيرهم) ش: قال ابن عرفة: وشهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد

[ 227 ]

فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين، فتخرج شهادة ألبت والنقل انتهى. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا بد أن يكون السماع فاشيا عن الثقات وغيرهم. وهذا قول ذكره في التوضيح عن بعضهم ومذهب المدونة خلافه، ويحتمل أن يكون مراد المصنف أنه يشترط فيها أن يكون السماع فاشيا، سواء كان من الثقات أو من غيرهم، وهذا هو الراجح. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات: ظاهره أنه لا يقبل إذا كان من غير الثقات، وهو مذهب مطرف وابن الماجشون قالا: ولا تجوز زمن غير أهل العدل من سامع أو مسموع منهم. وظاهر المدونة نفي اشتراط العدالة في المنقول عنهم. قاله المازري: وروي عن ابن القاسم اشتراط العدالة في المنقول عنهم إلا في الرضاع. وقيل: لا بد من السماع من غير العدول مع العدول لان قصر السماع على العدول يخرجه إلى نقل الشهادة عن المعينين، وذلك باب آخر انتهى. وقال ابن عبد السلام: ذكر المؤلف في صفة هذا السماع الفشو وأن يكون عن الثقات، فأما الفشو فمتفق عليه، وأما كونه عن الثقات فمنهم من شرطه ومنهم من لم يشترطه، لان المقصود دن يحصل للشاهد علم أو ظن يقاربه وربما كان خبر غير العدل في بعض الاوقات مفيدا لما يفيد خبر العدل لقرائن تحتف به، ومنهم من رأى أنه لا بد من السماع من غير العدل مع العدل وإن كان السماع مقصورا على العدل يخرجه إلى نقل الشهادة عن المعينين وذلك باب آخر. انتهى. قلت: فيحمل كلام المصنف على المحمل الثاني ليكون موافقا لظاهر المدونة كما قاله المازري، وعلى هذا عول العبدوسي في قصيدته حيث قال: وليس من شروطها العدول بل اللفيف قادر ما أقول وقال ابن غازي: لو قال عوضا منه: وليس سمعها من العدول شرط بل اللفيف في

[ 228 ]

النقول لكان أدل على المراد. ص: (بملك لحائز متصرفا طويلا) ش: أفاد بقوله: لحائز أن شهادة السماع في الملك إنما تفيد للحائز فقط وإنها لا تفيد في الانتزاع. قال في التوضيح: ظاهر كلام المصنف يعني ابن الحاجب أن شهادة السماع تكون بالملك في الانتزاع. والذي نص عليه أصحابنا أنه لا يستخرج بها من يد حائز وإنما تصح للحائز. ثم قال: وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ ما يقتضى أنه يستخرج بها من اليد. وهل يستحق بها ما ليس في حوز واحد كعفو من الارض ؟ قولان عندنا بناهما المازري على اختلاف المذهب في بيت المال هل يعد حائزا لما لا ملك له أو لا انتهى. وقال ابن سلمون في كتاب الاستحقاق: ولا يقوم بشهادة السماع إلا الذي الملك بيده ولا تجوز لغيره لان شهادة السماع لا يستخرج بها من يد حائز شيئا تحت يده إلا أن تكون اليد كلا يد مثل أن يكون غاصبا وذا سلطان غير مسقط وثبت أنه مال القائم أو ورثته على السماع، أو ثبت أيضا أنه يصير إلى الذي يملكه من الوجه المذكور، فيستخرج من تحت يده ما يده عليه من الاملاك ويستحق ذلك بشهادة السماع ويحكم بذلك. ذكر ذلك ابن الحاج في مسائله. انتهى وهو كلام حسن. وأفاد المصنف بقوله: لمتصرف طويلا أنه إنما يشهد بالملك إذا طالت الحيازة وكان يتصرف تصرف الملاك من الهدم ونحوه ولا ينازعه أحد، وأنه لا بد من الامرين. وهكذا قاله في الجواهر ونقله عنه في التوضيح، وذكر الشارح كلام الجواهر بأو فقال ابن شاس: وأن يشهد بالملك إذا طالت الحيازة أو كان يتصرف تصرف الملاك من الهدم ونحوه. ثم اعترض في شرحه الكبير على المصنف بأن كلامه يقتضي أنه لا بد من مجموع الامرين وأنه خلاف نقل ابن شاس، وقد علمت أن كلام ابن شاس موافق لما قاله المصنف، ولعل ذلك وقع في نسخة الشارح من الجواهر والله أعلم. تنبيه: بينة السماع في الرهن مقتضى ما في نوازل ابن رشد في كتاب الدعاوى والخصومات أنها عاملة، وسيأتي كلامه في آخر الباب عند قول المصنف: وإن حاز أجنبي ص: (وقدمت بينة الملك) ش: يعني أنه إذا شهدت بالملك بينة بالسماع وشهدت بينة أخرى

[ 229 ]

بالملك لشخص آخر بالقطع فبينة الملك التي قطعت مقدمة على بينة السماع. ص: (إلا بكسماع أنه اشتراها من كأبى القائم) ش: تصوره من كلام الشارح واضح. والمسألة مبسوطة في المدونة في كتاب الشهادات في الشهادة على السماع. ومثل الشراء منه أنه تصدق بها عليه أو وهبها له كما ستقف عليه في كلام ابن رشد في شرح أول مسألة من رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. ونص مسألة السماع: وسألته عن رجل غاب عن داره أو أرضه فدخلها رجل بعد غيبته فسكنها زمانا ثم مات عنها وبقي ورثته فيها، وقدم الغائب فادعى ذلك وأصله معروف له والبينة تشهد أنه إنما دخل فيها الميت بعد مغيب هذا وإن كان يختلف إن كان سمع من الهالك يذكر أنه اشترى أو لم يسمع ذلك منه، طال زمان ذلك أو لم يطل قال ابن القاسم: القادم أولى بها إذا كان على ما ذكرت. كان الرجل فيها حيا أو ميتا، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الداخل الهالك يذكر أنه اشترى إلا أن يكون للداخل بينة على الشراء أو هبة أو صدقة أو سماع صحيح على ما اشترى مع طول الزمان وتقادمه. قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها من أنه لا حيازة على غائب، فإذا قدم والاصل معروف له وشهدت له البينة بدخول الميت فيها بعد مغيبه كما ذكرت كان على ورثة البينة على ما ادعوا من شراء أو صدقة أو هبة أو سماع على ذلك فيما طال من السنين انتهى. فقول ابن رشد: أو سماع على ذلك شامل للشراء والصدقة والهبة

[ 230 ]

والله أعلم. ص: (ووقف) ش: أي لحائز كما قاله في التوضيح وغيره. ولا يشترط فيها تسمية المحبس ولا إثبات ملكه بخلاف ما لو شهدا على الحبس بالقطع فإنه لا يثبت الحبس حتى يشهدوا بالملك للمحبس. قاله في التوضيح: قال ابن سهل في أحكامه الصغرى والكبرى: كيفية الشهادة بالسماع في الاحباس أن يشهد الشاهد أنه يعرف الدار التي بموضع كذا وحدها كذا، وأنه لم يزل يسمع منذ أربعين سنة أو عشرين عاما متقدما لتاريخ شهادته هذه سماعا فاشيا مستفيضا من أهل العدل وغيرهم أن هذه الدار وهذا الملك حبس على مسجد كذا أو على المرضى بحاضرة كذا وعلى فلان وعقبه، أو حبس لا غير وأنها كانت محترمة بحرمة الاحباس وتحوزهما بالوقف إليها والتبيين لها. بهذا جرى العمل في أداء هذه الشهادة. زاد في الكبرى: فإذا أديت هكذا وكان الشهود بها شاهدين فصاعدا حكم بها بعد حيازة الشهود بتحبيسه والاعذار إلى من يعترض فيه ويدعيه. قال ابن القاسم في سماع عيسى في حبس العتبية: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس جازت شهادتهما وكانت حبسا على المساكين إن كان لم يسم أحدا. انتهى. تنبيه: استفيد من هذه المسألة النص في أن مصارف الحبس وصروف الواقف تثبت بشهادة السماع، ونص على ذلك أيضا في كتاب الشهادات من المدونة. قال: وسئل مالك عن قوم شهدوا على السماع في حبس على قوم أنهم يعرفون أن من مات منهم لا يدخل في نصيبه زوجته وتهلك ابنة الميت فلا يدخل فيه ولدها ولا زوجها فقال: أراه حبسا ثابتا وإن لم يشهدوا على أصل الحبس ولم يذكروا ذلك كله وذكروا في السماع ما يستدل به فذلك جائز. انتهى ص: (وموت ببعد) ش: قيد البعد راجع إلى قوله: وموت ص: (وشهد

[ 231 ]

اثنان) ش: قال ابن يونس في كتاب الشهادات: ومن كتاب الشهادة قال ابن القاسم: وأما إن شهد شاهد واحد على السماع لم يقض له بالمال وإن حلف، لان السماع نقل شهادة ولا يجوز نقل شهادة واحد على شهادة غيره. انتهى. وقال أبو الحسن: بل أضعف من نقل الشهادة. وانظر الدماميني في حاشية البخاري في الشهادة على الانسان والموت القديم وارضاع. وانظر في مسائل الاقضية والشهادات من البرزلي ورود كتاب المسافرين بأن فلانا مات ونحو ذلك. ص: (وعتق) ش:.

[ 232 ]

مسألة: عدا بن جزي في المواضع التي تجوز فيها الشهادة بالسماع الفاشي الحرية والله أعلم. ص: (والتحمل أن افتقر إليه فرض كفاية) ش: قال ابن عرفة: التحمل عرفا علم ما يشهد به بسبب اختياري. فيخرج علمه دونه كمن قرع أذنه صوت مطلق ونحوه من قول يوجب على قائله حكما. فالمعروض للتكليف به الاول لا الثاني وهو فرض كفاية. ثم قال: والاداء عرفا إعلام الشاهد الحاكم بشهادته بما يحصل له العلم بما شهد به. وقال ابن رشد في شرح المسألة الثالثة والعشرين من رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من الجامع: من دعي أن يشهد على أمر جائز أو مستحب أو واجب فالاجابة عليه فرض من فروض الكفاية، ومن دعي أن يشهد على مكروه فيكره له أن يشهد عليه، ومن دعي أن يشهد على حرام فلا يحل له أن يشهد عليه انتهى. وقال الدماميني في كتاب الشهادات في قوله عليه الصلاة والسلام: لا أشهد على جور. قال المهلب في الحديث: من الفقه أن الانسان لا يضع اسمه في وثيقة لا تجوز. ومن العلماء من رأى جوازه بقصد الشهادة على الممنوع ليرد. قال ابن المنير: إنما يريد لا يضع خطه في وثيقة بظاهر الجواز مع أن الباطن باطل. وأما المساطير التي تكتب لابطال المفاسد بصيغة الاستدراك لا البناء، فلا خلاف ولا خفاء في وجوب وضع الشهادة فيها. ولو وضع شهادته في وثيقة كتبت بظاهر الجواز والعقد فاسد زاد في خطه فقال: والامر بينهما في ذلك محمول على ما يصححه الشرع من ذلك أو يبطله ومثل هذا الموضع لا يكاد يختلف فيه انتهى. وانظر الواضحة في الكلام على شهادة الشاهد بما لا يرى جوازه. ونقله ابن فرحون في التبصرة في فصل تنبيه القاضي على أمور عند أداء الشهادة، وتقدم كلامه عند قول المصنف: وليخبر بها. وانظر كلام الرجراجي في أجر قسام القاضي في كتاب الشهادة فإنه تكلم على أخذ الشهود الاجرة على الشهادة. ص: (وتعين الاداء) ش: تصوره ظاهر.

[ 233 ]

مسألة: قال في النوادر في كتاب الشهادات: من كان يشهد بدين فشهد عنده شاهدان بقضائه أو رجل وامرأتان أنه لا يشهد قيل له فإنه أخبره شاهد واحد فوقف وقال ما تبين لي.

[ 234 ]

انتهى ص: (وحلف بشاهد في طلاق وعتق) ش: يريد أو امرأتين قاله في التوضيح. ونقل ابن عرفة عن المدونة: وتكلم في شهادة النساء من قرابتها في ذلك قولين: مذهب المدونة أنها لا تجوز فانظره ونص على ذلك في أواخر العتق الثاني من المدونة. وانظر في ابن عرفة أيضا إذا شهد شاهد في زنا أو قذف أو سكر ونحوه. ص: (وحلف عبد وسفيه مع شاهده) ش: فإن

[ 235 ]

نكل السفيه وحلف المطلوب ثم رشد السفيه، فهل له أن يحلف الآن مع شاهده أم لا ؟ قولان. قال ابن القاسم: لا يحلف. وأما العبد فقال ابن عرفة: قال اللخمي: إن كان بمال وهو مأذون له فهو كالحر إن نكل حلف المطلوب وبرئ ولا مقال لسيده، وإن كان غير مأذون له حلف

[ 237 ]

واستحق، ثم نقل ابن رشد نحوه ص: (ولم يشهد على حاكم قال ثبت عندي إلا بإشهاده) ش: مسألة: قال الباجي في المنتقى: اختلف قول مالك في الرجلين يتحاسبان بحضرة رجلين ويشترطان عليهما أن لا يشهد بما يقران به فيقر أحدهما فيطلبهما الآخر بالشهادة، فروى ابن القاسم عن مالك: يمنعان من الشهادة ولا يعجلان فإن اصطلح المتداعيان وإلا فليؤديا الشهادة. وروى عنه ابن نافع: لا أرى بامتناعهما من الشهادة بأسا. وقال الشيخ أبو إسحاق: لا تجوز شهادة الحاكم بما سمع من الخصوم وكذلك شهادة من توسط بين اثنين، اه‍ من ترجمة الشهادات. وذكر في النوادر القولين في الترجمة الثانية من كتاب الشهادات، وزاد في القول الاول: كنت أحب أن لا يقبلا يعني أن لا يدخلا على الشرط المذكور. ثم قال بعد أن ذكر قول ابن نافع: قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا أدخلا بينهما رجلين على أن لا

[ 238 ]

يشهدا عليهما فذكرا نحو قول مالك الخ. وذكر ابن فرحون في الباب الحادي والخمسين قول ابن القاسم وقول ابن نافع، وجعل كل واحد منهما فرعا مستقلا وليس كذلك. ونقلهما عن المقنع لابن بطال وكلام صاحب المقنع لا يقتضي ذلك. وما ذكره الباجي عن الشيخ أبي إسحاق فالظاهر أنه اختيار منه لرواية ابن نافع، واقتصر عليه صاحب المسائل الملقوطة أعني ما ذكره الباجي عن الشيخ أبي إسحاق ونصه: شهادة المتوسط الذي يدخل بين اثنين بالصلح لا تجوز وإن استوعب كلامهما من الكافي لابن عبد البر والمنتقى للباجي الخ. ص: (ولم يطرأ فسق أو عداوة بخلاف جن) ش: يعني أن طرو الفسق والعداوة على الاصل قبل أداء الفرع يبطل شهادة الفرع بخلاف طرو الجنون على الاصل فإنه لا يبطل شهادة الفرع. وإذا طرأ على الاصل تهمة القرابة كأن يتزوج الشاهد المنقول عنه المرأة المشهود لها أو العكس فقال ابن عرفة: ولما كان تمام شهادة النقل بأداء ناقلها عنه كان طرو مانع شهادة الاصل قبل أداء ناقلها الطرو المانع على شاهده قبل أداء شهادته أو بعده وقبل الحكم بها والاول واضح، والثاني تقدم حكمه عن المازري، وتقدمت الرواية بأن حدوث سبب العداوة بعد تقييد شهادة الشاهد لا يمنع القضاء بها لان أداء شهادته قبل صيرورته عدوا لا يوجب تهمة. ومنع بعض العلماء القضاء بما

[ 239 ]

نقل عمن صار عدوا للمشهود عليه لانه رأى ظهور عداوته يشعر بمقدمات وسوابق. قلت: ظاهر كلام المازري أن المذهب عدم سقوط شهادة المنقول عنه بحدوث عداوته بعد سماع نقلها منه وقبل أداء نقلها كحدوث ذلك بعد أدائها للحاكم قبل نفوذ حكمه، ولا يخفى أن أداءه أدل على ثبوتها من سماعها للنقل عنه، ولذا قال ابن شاس: إذا طرأ على الاصل فسق أو عداوة أو ردة امتنعت شهادة الفرع. قال المازري: وحدوث فسق الاصل بعد سماع النقل عنه وقبل أدائه يبطل شهادته. وأشار بعض أصحابنا إلى أن الفسق إن كان مما يخفى ويكتم كالزنا أشعر بسابق متقدمات تمنع العدالة، وإن كان مما تجاهر به كالقتل لم يشعر بأنه كان قبل طرو ذلك كذلك. قال: ولو انتقل من طرأ فسقه لعدالة ففي صحة النقل عنه بالسماع منه أولا أو بسماع منه بعد انتقاله خلاف بين الناس. اه‍ كلام ابن عرفة. ص: (وإن

[ 240 ]

قالا وهمنا بل هو هذا سقطتا) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجوع عن الشهادة. قال ابن عرفة: الرجوع عن الشهادة هو انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقيضه. فيدخل انتقاله إلى شك على القول بأن الشاك حاكم أو غير حاكم. والاول قول الفاكهاني شارح المحصول، والثاني للقرافي وقيد بعد أداء شهادته وهو ظاهر الروايات. وظاهر لفظ المازري صدقه على ما قبل الاداء فعليه يحذف لفظ بعد أداء الشهادة الخ. وقال في الطراز في أثناء الجزء التاسع في ترجمة وثيقة تجريح بعداوة، لو شهد الشاهد ثم قال بالله الذي لا إله إلا هو ما شهدت إلا بالحق لكني أرجع عن شهادتي فلا يقضى بها، فأفتى بها ابن خزيمة وأصبغ بن سعيد أنه يقضى بها وليس هذا برجوع، والرجوع أن يكذب نفسه ويدخله الشك. وأفتى ابن زرب أنه لا يقضى بها لانه إن كان رجع عن حق علمه فقد فعل ما لا يجوز له وأسقط شهادته الخ. وينبغي أن يفصل في ذلك بين العامي الذي يجهل حرمة ذلك فلا ترد شهادته وبين غيره ممن يعلم ذلك والله أعلم. ص: (لا رجوعهم) ش: انظر

[ 241 ]

قوله في كتاب القذف من المدونة: وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد ما شهدنا إلا بالزور درأت الحد الخ. والله أعلم ص: (ولا يشاركهم شاهد الاحصان) ش: ظاهره سواء رجعا وحدهما أو مع شهود الزنا أو مع رجوع الكل وهو المشهور. وقيل: يجب على كل واحد منهما سدس الدية وباقيها على بينة الزنا. وقيل: على كل واحد من شاهدي الاحصان ربعها وباقيها على بينة الزنا. قال المازري: ولو رجع أحد شهيدي الاحصان فعلى الاول لا غرم عليه، وعلى الثاني يغرم سدس الدية، وعلى الثاني يغرم ربعها. نقله ابن عرفة انتهى. وعلى هذا فلو

[ 242 ]

رجعا وحدهما فلا شئ عليهما على الاول المشهور والله أعلم. ص: (كرجوع المزكي) ش: يعني أن رجوع المزكيين عن تزكية من زكوه لا توجب عليهم غرما، وظاهره سواء رجعا وحدهما أو مع شهود الاصل وهو كذلك. قال في النوادر: من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإن شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما فزكاهما رجلان فقبلهما القاضي وحكم بالحق ثم رجع المزكيان بالبينة وقالا زكينا غير عدلين وما لا يزكى مثله، فلا ضمان عليهما لان الحق أخذ لغيرهما ومن لو شاء لم يشهد، ولو رجع الشاهدان ومن زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان إذ لو شاءا لم يشهدا فيهما قام الحق. قاله ابن الماجشون في كتابه. اه‍ من ترجمة الرجوع عن الشهادة في التعديل والله أعلم. ص: (وإن رجع اثنان من ستة فلا غرم الخ) ش: قال في التوضيح: نحوه في كتاب محمد. وفي المدونة: إن علم بعد الرجم أو الجلد أن أحدهم عبد حد الشهود أجمع وإن كان مسخوطا لم يحدوا واحد منهم، لان الشهادة قد تمت باجتهاد الامام في عدالتهم ولم تتم في العبد وتصير من خطأ الامام، فإن لم يعلم الشهود كانت الدية في الرجم على عاقلة الامام، وإن علموا فذلك على الشهود في أحوالهم ولا شئ

[ 243 ]

على العبد في الوجهين. فإن قيل: هل ما في الكتابين مخالف فيتخرج في المسألتين خلاف أم

[ 244 ]

لا ؟ قيل: يحتمل أن يقال: مسألة المدونة انتقض الحكم فيها لظهور كون الراجع من الشهود عبدا، وإذا انتقض وجب حد الثلاثة الباقين. وأما مسألة الموازية فإن الحكم لم ينتقض لان قصارى الامر أنه شهد خمسة وأقيم الحد فرجع اثنان وذلك غير موجب لنقض الحكم، فلهذا لم تحد الثلاثة الباقون. فإن قلت: كان ينبغي على ما في الموازية أن يسقط الحد عن العبد. قلت: قذف العبد للمشهود عليه سابق على حد الزنا فلعله إنما كان مطالبا به وقد ظهرت الشبهة في زنا المشهود عليه برجوع بعض الشهود استصحب القذف ووجب حد العبد والمسألة مع ذلك مشكلة. انتهى. ص: (وإلا فنصف) ش: يعني وإن رجع الشاهدان بالطلاق عن شهادتهما وكانت المرأة غير مدخول بها فعليها نص الصداق. قال ابن عبد السلام: والمصنف نص في المدونة على أنهما يغرمان نصف الصداق وسكت عمن يستحقه. قال ابن عرفة: وفيها

[ 245 ]

إن رجعا بعد قضاء قاض عن شهادتهما بالطلاق قبل البناء فعليهما نصف الصداق. عياض: كذا قيدنا في الاصل. قال بعض الشيوخ: لم يبين لمن هذا النصف وحمله أكثر الشيوخ على أن غرمه للزوج، وكذا جاء مفسرا في كتاب العشور من الاسمعة، وحمله غير واحد على أن غرمه للمرأة ليكمل لها صداقها الذي أبطلاه عليها بالفراق قبل الدخول، وعليه اختصر المسألة القرويون قالوا: وهو مقتضى النظر والقياس لان غرمه للزوج لا وجه له إذ النصف عليه متى حصل الفراق قبل الدخول، وأشهب وسحنون لا يريان عليهما من المهر شيئا انتهى. ونحوه في التوضيح وابن عبد السلام إلا أن هذا أتم. قال في التوضيح بعد ذكر خلاف الشيخ المتقدم. وانظر كلامه في المدونة على كل من التأويلين فإنه مبني على خلاف ظاهر المذهب أن المرأة تملك بالعقد نصف الصداق. وأيضا فإنه لا يلتئم مع ما في المسألة الآتية بعد هذه وهي قوله: ولو رجعا في شهادة الدخول في مطلقة لغرما نصف الصداق. وأيضا فإنه مخالف انتهى. واعلم أن قوله: على كل من التأويلين ليس بظاهر لانه على التأويل الثاني لا مخالفة فيه لقولهم إنها تستحق بالعقد النصف ويلتئم مع المسألة الثانية بلا كلام فتأمله. وعلى التأويل الاول فهو جار على القول بأنها لا تملك بالعقد شيئا وهذا القول أحد المشهورين في كلامه في المختصر. وذكر في التوضيح أن صاحب الجواهر وابن راشد القفصي صرحا بأنه المشهور فاعلم ذلك والله أعلم. ص: (بما فوتاها من إرث وصداق) ش: يعني نصف الصداق ص: (وإن كان عن تجريح أو تغليظ شاهدي طلاق أمة) ش: يجوز في تجريح التنوين بل الغالب في

[ 246 ]

مثله الذي لا يحتاج إلى شرط، ويجوز حذف التنوين للاضافة لان شروط ذلك موجودة والله أعلم. تنبيه: قال ابن عبد السلام: وهذا الصحيح إذا كان السيد مدعيا للطلاق أو غير مكذب للشهود، وإن كان مكذبا للشهود فلا يرجع على شاهدي التجريح بشئ لانه موافق لها فيما شهدا به والله أعلم. ص: (فالقيمة حينئذ كالاتلاف) ش: يعني بقيمة الثمرة على الرجاء والخوف وقيمة الآبق والبعير الشارد على أقرب صفتهما، فإن ظهر أنه كان ميتا قبل الخلع لم يكن عليهما شئ، ولو ظهر أنه أصابه عيب قبل الخلع لم يلزمهما إلا قيمته كذلك، ويستردان ما يقابل العيب. قاله ابن عبد السلام وابن عرفة وبعضه في التوضيح ص: (بلا تأخير للحصول فيغرم القيمة حينئذ) ش: يشير بهذا إلى القول الثاني الذي يقول تؤخر الغرامة حتى تجد الثمرة ويوجد الآبق والشارد فتؤخذ القيمة حينئذ. ابن عرفة: قال محمد: بل قيمتها يوم جذها الزوج انتهى. وقال ابن الحاجب: وقال محمد: يؤخر الجمع للحصول فيغرمان ما يحصل. انتهى ص: (على الاحسن) ش: راجع إلى القول الاول ويشير إلى قول ابن راشد القفصي وقول عبد الملك أقيس. انتهى من التوضيح والله تعالى أعلم. ص: (وإن كان بعتق غرما قيمته) ش: وإن كان الرجوع عن شهادة بعتق بعد الحكم به نفذ ذلك، سواء كان المعتوق عبدا أو أمة. ابن عرفة عن كتاب ابن سحنون: إلا أن الامة إن علمت أن البينة شهدت بزور فلا يحل لها أن تبيح فرجها،

[ 248 ]

وإن لم تعلم فذلك لها انتهى. وإن استمر السيد مقيما على الجحد وطلب من الشاهدين الراجعين قيمة المشهود بعتقه غرما قيمته انتهى ص: (وإن كان ببنوة فلا غرم إلا بعد أخذ المال بإرث) ش: تصوره من شارحه ظاهر. تنبيهان: الاول: انظر لو كان الابن صغيرا يلزم الاب نفقته، فهل يرجع الاب على الشاهدين بالنفقة ؟ لم أر فيه نصا، والظاهر الرجوع وهو الذي يظهر من كلام البساطي والله أعلم. الثاني قوله: بإرث احترز به مما لو أخذه بدين له أو غصب أو غير ذلك فلا غرم على الشاهدين. قاله البساطي. ص: (وترك آخر) ش: تصوره واضح، ولم يفرع المؤلف على ما إذا تركه فقط ولم يترك ولدا آخر، وذكره ابن الحاجب فقال: ولو لم يترك غير المستلحق والمال مائتان وكانت القيمة المأخوذة مائة، أخذ المستحق مائة وبيت المال مائة ثم غرم الشاهدان مائة أخرى التي فوتاها. فلو طرأ دين مائة أخذت من المستحق ورجع الشاهدان بمائة على من غرماها له انتهى. وانظر لو طرأ دين أكثر من مائة. هل يؤخذ الفاضل على المائة التي بيد الولد من مائة القيمة التي بيد الورثة أو بيد نائب بيت المال ؟ لم أر الآن التصريح به والظاهر الاخذ أخذا من المسألة التي بعد هذه في كلام المؤلف بالاحروية، وإنما تركوا التصريح به لوضوحه

[ 249 ]

والله أعلم. ص: (أخ) من كل نصفه وكمل بالقيمة) ش: ويؤخذ منه لغز وهو أن ذكرين يأخذ أحدهما ثلث تركة والده والآخر الثلثين، وإن طرأ دين على أبيهما غرماه بالسوية هي هذه المسألة إذا فرض مخلف الاب ثلثمائة، فمائة للقيمة وللدين الطارئ مائتان فأقل والله أعلم. قال البساطي: وإنما قدم الوفاء من المال على القيمة لانه محقق للميت بخلاف القيمة والله أعلم. ص: (ورجعا على الاول بما غرمه العبد للثاني) ش: بما غرمه العبد للغريم كقول ابن الحاجب بما غرمه المستلحق للغريم، ولو عبر المؤلف بالملحق كما فعل ابن الحاجب لكان أوضح، لكن الشارح عبر عن هذا المعنى كما عبر ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح بقولهما ثم يرجع الشاهدان على الثابت النسب بما غرماه له لانهما إنما غرماه له بسبب إتلافهما له بشهادتهما. فلما وجب الدين وجبت التركة له فلم يتلفا شيئا انتهى. وهو غير واف بشرح كلام المؤلف كما ترى. وحاول البساطي شرح هذا المعنى فقال بعد أن شرح كلام المؤلف بما شرحوه به. فإن قلت: عبارته ليس معناها ما حللتما به وهو ظاهر. قلت: إنما عدل عن ذلك إلى قوله: بما غرمه العبد للغريم، لان الدين قد لا يستغرق التركة فلا يخرج من يد الابن الثاني جميع ما أخذ، بل يبقى شئ فلا يرجعان على الاول بما يلزم الثاني للغريم انتهى. وهو ظاهر إلا أن فرض مسألة المؤلف وابن الحاجب إنما هو طرو دين مستغرق فلا يلائم حينئذ ما قاله البساطي. ويظهر لي شئ وإن ساعده النقل كان حسنا وهو أن الابن المستلحق لما أخذ نصف المال غير القيمة قد يستهلك بعضه قبل ظهور الدين، فإذا ظهر الدين فلا يوجد في يده

[ 250 ]

إلا بعض المال وهو معسر فيأخذ الغريم منه ما وجده في يده، فالظاهر هنا أن الشهود لا يرجعان على الاول إلا بما دفعه المستلحق للغريم لانه قد أتلف بشهادتهما بعض المال فتأمله وحرر النقل فيه والله أعلم. ص: (وإن كان برق لحر فلا غرم) ش: قال في التوضيح في الرجوع عن الشهادة فيما إذا رجعا عن الشهادة بعبودية شخص: ويتخرج على ما أنفق عليه فقهاء قرطبة في أيام القاضي ابن بشير فيمن باع حرا وتعذر رجوعه وفسخ البيع أن عليه الدية أن يكون هنا عليه الدية انتهى. وقال ابن عرفة: قلت: هذا يناقض ما ذكره اللخمي وابن رشد. قال في سماع عبد الملك من جامع البيان: من باع حرا وغاب فعليه طلبه حتى يرده، فإن عجز عن رده فقيل يغرم دية للورثة. وكتب بها إلى القاضي بقرطبة فجمع أهل العلم وكتب لقاضيه الذي سأله إن أغرمه دية كاملة. قلت: وحكاه اللخمي رواية لابن حبيب في ترجمة غصب ما لا يجوز بيعه، وكان يجري الجواب عن المناقضة بأن تسبب الشاهدين في رقه أهون من تسبب البائع في رقه لاستقلال بائعه برقه وعدم استقلال الشاهدين برقه لمشاركة مدعي رقه لهما في ذلك انتهى. ونحوه لابن عبد السلام ولم ينقل في التوضيح الجواب واقتصر على ما تقدم، ويأتي من هذه المسألة وفروعها ألغاز كثيرة ظاهرة من لفظها والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: الشيخ من كتاب ابن سحنون: إن شهدا على رجل أنه عبد لمن ادعاه والمدعى عليه يجحد فحكم برقه ثم قاطعه المحكوم عليه بمال أخذه منه وأعتقه أو كاتبه عليه فأدى وعتق ثم أقر بالزور غرما للمشهود عليه ما أدى للسيد والحكم ماض والولاء قائم انتهى. ص: (وله عطيته) ش: يحتمل أن يكون المصدر مضافا للمفعول فيكون المعنى أن ما

[ 251 ]

أعطى له يكون له لا للسيد، وأن يكون مضافا للفاعل وهو الظاهر يعني به وله عطيته أي المال يعني أن له أن يعطى من ذلك المال الذي تحت يده والله أعلم. قال ابن عرفة: وإن أعتق من هذا المال عبدا جاز عتقه وكان ولاؤه بعده لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا، ولا يرثه العبد إن مات ومعتقه حي. قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة من النوادر وأنه لا يرثه العبد إن مات ومعتقه حي وهو مشكل إن أريد بالعبد المرجوع عن الشهادة برقه وقد عتق إلا أن يريد بقوله: ومعتقه حي أن المعتق هو من أعتقه العبد المرجوع عن شهادته فتأمل ذلك انتهى. ونقله صاحب الذخيرة على خلاف ذلك ونصه: ولو أعتق العبد قبل موته من هذا المال عبدا فإن ولاءه بعد ذلك لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا ويرثه تنبيه: وصاياه في هذا العبد إن مات ومعتقه حي انتهى. وهو كذلك في الجواهر المال نافذة من الثلث. قاله في الذخيرة والله أعلم. ص: (وإن رجع أحدهما غرم نصف الحق) ش: فلو ثبت الحق بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد، فهل يلزمه نصف الحق أو الحق كله ؟ اختلاف في ذلك وهو على الخلاف في القضاء بالحق هل هو مستند للشاهد فقط واليمين استظهارا أو مستندا للشاهد واليمين معا واليمين كالشاهد الثاني. قاله في التوضيح في تعارض البينتين في ترجيح الشاهدين على الشاهد واليمين، وذكر الخلاف في اليمين مع الشاهد ابن فرحون في تبصرته انتهى. ص: (وهو معهن في الرضاع كاثنتين) ش: فإن قيل: كيف يتصور الغرم في الرضاع والحال أنهما إن شهدا بالرضاع قبل الدخول انفسخ النكاح بلا مهر، وإن شهدا به بعد الدخول فالمهر للوطئ، وإنما فوتا بشهادتهما العصمة وهي لا قيمة لها كما تقدم في الطلاق. فالجواب أنه يتصور ذلك بعد موت الزوج أو الزوجة،

[ 252 ]

فيغرم الشاهدان للباقي من الزوجين ما فوتاه من الارث ويغرمان للمرأة بعد موت الزوج ما فوتاها من الصداق، وإن شهدا بالرضاع قبل الدخول فيتصور ذلك قبل الدخول من جهة المرأة على القول بأنهما يغرمان نصف الصداق إذا شهدا بطلاق غير المدخول بها ثم رجعا، ويتلمح

[ 253 ]

ذلك من كلام ابن عبد السلام فتأمله والله أعلم. ص: (وإن أمكن جمع بين البينتين جمع) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على تعارض البينتين. قال ابن عرفة: وهو اشتمال كل منهما على ما ينافي الآخر، فمهما أمكن الجمع بينهما جمع كالدليلين وتتقرر صورة الجمع بمثل قولها. ومن قال لرجل أسلمت إليك هذا الثوب في مائة أردب حنطة، وقال الآخر بل هذين الثوبين بثوبين سواه في مائة أردب، وأقاما جميعا البينة، لزمه أخذ الثلاثة في مائتي أردب. ولو قال المسلم إليه أسلمت إلي هذا الثوب الذي ذكرت مع العبد فيما سميت وأقاما البينة قضى

[ 254 ]

بالبينة الزائدة فيأخذ الثوب والعبد وتلزمه المائة أردب انتهى. ومسألة المدونة التي ذكرها في كتاب السلم الثاني في أواخر ترجمة دفع السلم قبل محل الاجل. وقال ابن يونس إثر قوله في المدونة: لزمه أخذ الثلاثة إلى آخره. يريد سواء كانا في مجلس واحد أو في مجلسين انتهى. وقال في التوضيح: مثل عدم التعارض لو شهد واحد أنه أقر بمائة وآخر أنه أقر بخمسين في مجلسين انتهى. والذي رأيته في نسختين: لو شهد واحد، وصواب العبارة أن يقول بينة أو واحدة لان ما ذكره ليس من باب تعارض البينتين في شئ. ثم قال ابن عرفة: ولابن رشد في سماع يحيى من الشهادات: إن شهدت إحدى البينتين بخلاف ما شهدت به الاخرى مثل أن تشهد إحداهما بعتق والثانية بطلاق، أو إحداهما بطلاق امرأة والثانية بطلاق امرأة أخرى وشبه هذا، فلم يختلف قول ابن القاسم بهما معا، ورواية المصريين فإنه تهاتر من البينتين وتكاذب يحكم فيه بأعدل البينتين، فإن تكافأتا سقطتا، وروى المدنيون: يقضى بهما معا استويتا في العدالة أو إحداهما أعدل انتهى. ثم قال: وقول ابن الحاجب: ومهما أمكن الجمع جمع يدل على أهه إن شهدت إحداهما بأنه طلق الكبرى والاخرى بأنه إنما طلق الصغرى أنه يجمع بينهما، وتقدم من نقل ابن رشد أنه خلاف قول ابن القاسم ورواية المصريين انتهى. وفي كلامه نظر من وجهين: الاول: ما لزم ابن الحاجب لزمه لانه صدر في أول كلامه بمثل ما قال ابن الحاجب كما تقدم عنه. الثاني: فرضه هو، وما نقله ابن رشد لا يمكن الجمع فه لان فرض المسألتين أن البينتين في مجلس واحد وكل واحدة تنفي أن يكون تكلم لغير ما شهدت به يتبين ذلك بنقل المسألة

[ 255 ]

بلفظها. قال في أثناء المسألة الخامسة من رسم الصبرة من سماع يحيى: قال ابن القاسم: لو أن أربعة نفر شهد منهم رجلان على رجل أنه طلق امرأته وشهد الآخران أنه لم يتفوه في مجلسه ذلك بشئ من الطلاق ولكنه حلف بعتق غلام له سمياه، لم أر لهم شهادة أجمعين في طلاق ولا عتاق لان بعضهم أكذب بعضا وهو الذي سمعناه قال: وإن اختلفوا فقال بعضهم نشهد أنه طلق امرأته فلانة أو أعتق غلامه فلانا، وقال الآخر نشهد أنه ما ذكر امرأته فلانة حتى تفرقنا وما حلف بطلاقها ولكنه حلف بطلاق امرأته فلانة يريد امرأة أخرى، أو قال نشهد ما أعتق الذي شهدتم له بالعتاقة ولكنه أعتق فلانا غلاما آخر، فإن الشهادة تبطل وتسقط من قول الاولين والآخرين في العتاق والطلاق على هذا النحو، لان بعضهم أكذب بعضا انتهى. وذكر ابن رشد في شرحها ما نقله ابن عرفة عنه فتأمله منصفا والله أعلم بالصواب. فرع: قال ابن عرفة في كتاب الشهادات في تعارض البينتين: قال في نوازل سحنون في كتاب الشهادات: إن شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل قضى ببينة القتل. قال ابن رشد: هذا مشهور المذهب وقاله أصبغ. وقال إسماعيل القاضي: يقضى ببينة البراءة إن كانت أعدل، وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا. وقاله ابن عبد الحكم انتهى. قلت: قال ابن رشد في شرح هذه المسألة: قال ابن عبد الحكم في أدب القضاء الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر عليه مع أصحابنا أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بعرفات يوم عرفة من العام الفلاني لرجل بمائة دينار، وشهد آخر أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى قالوا: لان هذين شهدوا بحق ولم يشهد الآخران بحق، ولست أعرف هذا المعنى، والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان بمصر في ذلك الوقت أعدل أن لا يكون له شئ. ألا ترى أنه لو شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين وشهد شاهدان أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر أنه جرحة ولو كانتا في العدالة سواء لطرحتهما، وكذلك لو شهدوا أنه ولد بعد المائتين. قال ابن رشد: لكلا القولين وجه وحظ من النظر وستأتي هذه الكلمة في نوازل أصبغ فنتكلم عليها انتهى. قلت: زاد في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن سحنون ما نصه: قال سحنون: إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام لهم الحج ذلك اليوم أو أهل مصر أنه صلى بهم العيد ذلك اليوم فيبطل القتل، لان أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشتبه عليهم وقد يشتبه على الشاهدين وأكثر من ذلك. قلت: ذكره لاهل الموسم وأهل مصر يقتضي أنه لا ترد شهادة الشاهدين إلا بمثل ذلك العدد، والظاهر أنه ليس مقصودا لذاته. فإن شهد جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب،

[ 256 ]

فالظاهر بطلان شهادة الشاهدين ولا ينضبط ذلك بعدد، ويشهد لذلك ما ذكره ابن عرفة في الكلام على الترجيح بالعدد ونصه: وفي لغو الترجيح بالكثرة واعتباره قوله ورواية ابن حبيب وفيها لابن القاسم: لو شهد لهذا شاهدان ولهذا مائة وتكافؤا في العدالة لم ترجح بالكثرة. اللخمي والمازري: محمله على المغاياة ولو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقضى بهم انتهى. قال: ونص ما أشار إليه ابن رشد في نوازل أصبغ على اختصار ابن عرفة إن شهدت بينة بزنى رجل بمصر في المحرم يوم عاشوراء. وأخرى أنه كان ذلك اليوم بالعراق حد. وكذا لو شهدت بينة أنه قتل فلانا بمصر، وشهدت أخرى أنه قتل فلانا بالعراق قتل بهما. ابن رشد: تفرقة أصبغ هذه على قياس مشهور قول ابن القاسم أن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة أعملت ذات الزيادة، وإن اختلفت في الانواع سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها وقال أيضا: إن اختلفتا بالزيادة سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كاختلاف الانواع. فلزم على قياس هذا إن شهدت الاخرى أنه زنى ذلك اليوم بالعراق أن تسقط إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها، كما لو شهدت أنه سرق ذلك اليوم بالعراق وهو الذي يوجبه القياس لتكذيب كل بينة الاخرى، وتعليل أصبغ لاقامة الحد والقتل فإنه يعلم صدق إحدى البينتين غير صحيح، لانه إذا علم أن إحداهما كاذبة واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة احتمل كذبهما معا، وإذا احتمل كذبهما معا أو كذب إحداهما لم يصح الحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل، وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم على ما ذكرنا عنه في نوازل سحنون. ويأتي على قياس الاخوين عن مالك في البينتين إذا شهدت إحداهما بخلاف ما شهدت به الاخرى واستويا في العدالة، أنه يقضى بشهادتهما معا أنه يحد للزنا والسرقة إذا شهدتا به معا وهو بعيد جدا انتهى. تنبيه: قال القرافي: ولا يقضى بأعدل البينتين إلا في الاموال. قاله في كتاب الاحكام في تمييز الفتاوى عن الاحكام، ونقله ابن فرحون وهو مخالف لما ذكرناه من سماع يحيى، ونقله ابن عرفة فتأمله والله أعلم. ص: (وبيد) ش: قال القرافي في كتاب الدعاوى: تنبيه: اليد عبارة عن القرب والاتصال فأعظمها ثياب الانسان التي عليه ونعله ومنطقته، ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها، وتليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها والدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم الاستيلاء على جميعها. قال بعض العلماء:

[ 257 ]

فيقدم أقوى اليدين على أضعفهما. فلو تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد أيمانهما، والراكب مع الراكب والسايق، قيل: يقدم الراكب مع يمينه. انتهى فتأمله والله أعلم ص: (وبالملك على الحوز) ش: مسألة: إذا شهد شاهدان بملك لرجل وشهدا لمن هو بيده بالحيازة، فنقل ابن سهل في مسائل الاقضية عن ابن عتاب أن شهادتهم جائزة ولا يضرها اجتماعهما فيها لانهم شهدوا في الامرين بعلمهم ورأوا حيازة يحتمل أن تكون بإرفاق أو توكيل أو ابتياع وليس يلزمهم الكشف عن ذلك. انتهى ص: (وبنقل على مستصحبة) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. قال في كتاب الشهادات من المدونة: ومن أقام بينة في دار أنه ابتاعها من فلان وأنه باعه ما ملك وأقام من هي في يده بينة أنه يملكها قضى بأعدلهما، وإن تكافأتا سقطتا وبقيت الدار بيد حائزها. أبو الحسن: لا بد من فصلين أنه ابتاعهما منه وأنه باعه ما ملك، وإذا لم يذكر في العقد إلا الشراء دون هذه اللفظة لم تعارض الحوز والبينة بل لا تعارض إلا الحوز وحده. قال ابن أبي زمنين: قف على هذه اللفظة فإنه أصل جيد وعليه تدور أحكامهم. وفائدته إذا كان في عقد الشراء عند ذكر التاريخ ثم استحقت الدار لم يحتج المشتري إلى إثبات الملك ثانية إذ قد يطول الزمان وتموت البينتان. ولو قال المشتري للبائع أعطني عقد الشراء فذلك له. وفائدته إذا طرأ الاستحقاق رجع المشتري بالثمن على من وجد منهما. وفائدته أيضا خوف أن يدعي البائع الاول أنه لم يبع قط وله في الاستحقاق الرجوع على غريم الغريم وكذلك الرد بالعيب. الشيخ: والعمل اليوم على أخذ النسخة وهو الحزم. وفي النوادر: وإذا شهدت البينة بالشراء لا ينتفع إلا أن يشهدوا له بطول الملك والحوز والتصرف وأن لا منازع، سواء أثبت ذلك بشهود الشراء أو بغيرهم، سواء ذكروا الشراء أم لا. انتهى ص: (وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز)

[ 258 ]

ش: أي وشرط صحة الشهادة بالملك أن يكون ذلك لكونه رأى المشهود له يتصرف في الشئ المشهود به تصرف الملاك في أملاكهم من غير منازع. ص: (وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم وتؤولت أيضا على الكمال) ش: قال ابن الحاجب: ويشترط في بينة الملك بالامس

[ 259 ]

مثلا أنه لم يخرج عن ملكه في علمهم. قال في التوضيح: قوله: بالامس تنبيه بالاخف على الاشد، لانه إذا اشترط هذا في أقرب الايام الماضية مع بعد خروج الملك من يد مالكه في هذا

[ 260 ]

الزمان القريب، فلا يشترط في أبعد من ذلك من باب أولى، وهذا الشرط الذي ذكره هو ظاهر ما في الشهادات في المدونة وفيها: من تمام شهادتهم أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه. قال مالك: وليس عليه أن يأتي ببينة تشهد على ألبت أنه ما باع ولا وهب، ولو شهدت البينة بذلك كانت زورا وبهذا الظاهر. قال ابن القاسم: لانه قال فإن أبوا أن يقولوا ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق فشهادتهم باطلة. وظاهر ما في العارية من المدونة أنه ليس بشرط قال: وإن شهدوا أن الدار له لم يقولوا لا نعلم أنه ما باع ولا وهب فإنه يحلف ما باع ولا وهب ولا تصدق ويقضى له. ابن عبد السلام: وقد أكثر الشيوخ هل كلامه في المدونة متناقض أم لا ؟ وهل تقبل شهادة هؤلاء الذين شهدوا بألبت مع إطلاقها عليها بالزور أو يفصل فيهم بين أن يكونوا من العلماء فلا تقبل، أو يكونوا من عوام الناس فتقبل، وإلى هذا ذهب الشيخ أبو محمد وأبو عمران. والذي قاله أبو إبراهيم وأبو الحسن أن ما في الشهادة شرط كمال. أبو الحسن: إلا أن تكون الشهادة على ميت فذلك شرط صحة. ومراده بقوله: كانت زورا أنها غير مقبولة ولا يختلف أنهم لا يلزمهم ما يلزم شهود الزور.

[ 261 ]

فرع: من أقام بينة على شئ فقصي له به ثم أقام المدعى عليه بينة بخلاف ما شهدت به البينة الاولى فإنه من تعارض البينتين وينظر في أعدلهما، وكذلك إن أقام شخص بينة على شئ فقضي له به، ثم أتى آخر فأقام بينة مثل بينة الاول فإنه ينظر فيهما. قال في النوادر: في الذي يدعي الشئ فيقيم بينة فيحكم له به ثم يدعيه آخر فيقم بينة على مثل ذلك: ليس على الاول إعادة بينة ولا يرد الشئ إلى المقضى عليه أولا، ولكن يقضى به لاعدل البينتين. انتهى بالمعنى من كتاب الدعوى والبينات في الترجمة المذكورة وما قبلها. وفي نوازل ابن رشد في المسألة الثالثة والثلاثين من مسائل الدعوى والخصومات نحو ذلك فانظره. ونقل البرزلي عنه في مسائل الضرر نحو ذلك ونصه: إذا ثبت حكم القاضي بقطع جري الماء في الطريق ببينة عادلة لا مدفع فيها، بطل حق أصحاب الجنات إلا أن يقدروا على قطع ضرر الطريق أو يثبتوا أنه ليس بضرر على الطريق ببينة أعدل من الاولى، أو تجريح شهود العقد الذي حكم بهم الحاكم فهم حينئذ أحق بالماء انتهى. وهي المسألة التي أشرنا إليها في نوازل ابن رشد. وفي المسألة الثامنة من مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد ما يدل على ذلك في بينة شهدت برشد شخص وحكم القاضي بترشيده، ثم بعد مدة شهدت بينة أعدل منها بأنه لم يزل متصل السفه أنه يحكم بسفهه. وذكر فيها فائدة أخرى وهي أن أفعاله من يوم حكم القاضي بترشيده إلى يوم الحكم بتسفيهه جائزة ماضية والله أعلم. ص: (وإن قال أبرأني موكلك الغائب انتظر) ش: هكذا في أكثر النسخ. ويعني به إذا قال المدعى عليه لوكيل المدعي قد أبرأني موكلك الغائب من الحق الذي تدعي به، فإن المدعى عليه ينظر حتى يحلف الموكل الغائب أنه ما أبرأه، وظاهره

[ 262 ]

سواء كانت غيبته قريبة أو بعيدة، وهذا القول ذكره ابن الحاجب وعزاه لابن القاسم وحكاه اللخمي في آخر كتاب الشهادات بلفظ: قيل ولم يعزه لابن القاسم ولا لغيره لكنه قال بعده: إنه الاصل. وذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الشهادات هذا القول عن اللخمي وقال: إنه ذكره بقيل وذكره ابن رشد في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الاقضية، وفق رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات فيمن وكل على طلب عبد بمصر وأقام البينة أنه لموكله فإنه لا يقضى له به حتى يحلف الموكل أنق ما باع ولا وهب. سواء كان الموكل قريبا أو بعيدا. والمنصوص لابن القاسم في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات في مسألة دعوى المطلوب القضاء أنه يقضى على المطلوب بالحق ولا يؤخر إلى لقي صاحب الحق. ومثله دعوى الابراء كما سيأتي بيانه. ولم يفرق بين الغيبة القريبة والبعيدة لكن نقل في النوادر في ترجمة المقضى له بالسلعة هل يحلف. وقال محمد بن عبد الحكم في وكيل الغائب يطلب دينا ببينة له فقال: المطلوب بقي من حقي أن يحلف لي المحكوم له أنه ما قبضه فإنه ينظر، فإن كانت غيبته قريبة انتظر حتى يقدم وكتب إليه، وإن كانت بعيدة فإنه يدفع الحق الساعة ويقال للمقضى عليه إذا اجتمعت مع الطالب فحلفه وكتب له القاضي بذلك كتابا يكون بيده، فإن مات المقضى له حلف أكابر ورثته على مثل ذلك ولا يحلف الصغار وإن كبروا بعد موته انتهى. وكذلك نقل ابن رشد عن ابن عبد الحكم أنه فرق بين الغيبة القريبة والبعيدة فقال: إنه يؤخر في القريبة حتى يكتب للموكل فيحلف ولا يؤخر في البعيدة ويقضى عليه بالحق. قال ابن رشد: وقوله: عندي تفسير لقول ابن القاسم زاد في كتاب الاقضية في الرسم

[ 263 ]

المذكور فقال: لا خلاف أنه لا يقضى له في الغيبة القريبة إلا بعد يمين الموكل. وقال ابن كنانة: إن كانت الغيبة قريبة كاليومين انتظر الموكل حتى يحلف، وإن كانت الغيبة بعيدة حلف الوكيل على أنه يعلم موكله قبض من الحق شيئا ويقضى له. وذكر ابن فرحون في تبصرته في الباب العاشر من القسم الثاني أن صاحب معين الحكام حكى عن ابن القاسم مثل قول ابن كنانة. وذكر في التوضيح عن ابن المواز أنه يقضى على المطلوب وترجى له اليمين على الموكل. فإذا لقيه حلفه، فإن نكل حلف المطلوب واسترجع ما دفع. وذكر هذا القول أيضا ابن عبد السلام لكنه لم يعزه لابن المواز قال: فعلى القول الذي نقلناه عن ابن القاسم في سماع عيسى. ابن رشد قيده بالغيبة البعيدة كما تقدم. وأما ما ذكره في آخره من تحليفه للموكل إذا لقيه، فلا يخالف فيه ابن القاسم ولابن كنانة أيضا، فتحصل من هذا أنه في الغيبة القريبة ينظر المطلوب حتى يحلف الموكل بلا خلاف على ما نقله ابن رشد. وأما الغيبة البعيدة فالمنصوص فيها لابن القاسم وابن عبد الحكم وابن المواز وابن كنانة أنه يقضى على المطلوب بالحق ولا يؤخر، لكن ابن كنانة يقول: لا يقضى عليه حتى يحلف الوكيل على نفي العلم، ومقابل المنصوص القول الذي حكاه اللخمي بقيل وخرجه ابن رشد من يمين الاستحقاق. تنبيهات: الاول: إذا علم ذلك فقول المصنف: انتظر كما هو الموجود في غالب النسخ مشكل، لانه يقتضي أنه ينظر في الغيبة البعيدة وقد علمت أنه خلاف المنصوص لابن القاسم. وقد اعترض ابن عرفة على ابن الحاجب في عزوه لابن القاسم وعلى ابن عبد السلام في قبوله ذلك فإنه خلاف ما قال ابن القاسم في سماع عيسى. وأن كلام ابن رشد يقتضي أنه غير

[ 264 ]

المنصوص وإنما هو مخرج على ما في نوازل عيسى، لكن قد علمت أن اللخمي حكاه بقيل فكان ينبغي للمصنف أن يقول: وإن قال أبرأني موكلك الغائب أو قضيته لم ينتظر في البعيدة بخلاف القريبة، فيؤخر كيمين القضاء. ويوجد في بعض النسخ وعليها تكلم ابن غازي ما صورته: وإن قال أبرأني موكلك الغائب انظر في القريبة وفي البعيدة يحلف الوكيل ما علم بقبض موكله ويقضى له، فإن حلف واستمر القبض وإلا حلف المطلوب واسترجع ما أخذ منه. فقال الشيخ ابن غازي: أما حلف الوكيل فهو قول ابن كنانة. وقال ابن عبد السلام: إنه بعيد جدا لانه يحلف لينتفع غيره. وأما ما بعده من الكلام فإنما ساقه ابن عبد السلام قولا آخر ولم يزد في توضيحه على نسبته لابن المواز، وأنت تراه هنا ركب " هذه الفتوى من القولين فتأمله انتهى. قلت: أما ما ذكره من حلف الوكيل فهو قول ابن كنانة كما ذكر وهو ضعيف، وأما ما ذكره بعد فقد تقدم أن ابن كنانة وابن القاسم وابن المواز القائلين بأنه يقضى عليه ضعيف، وأما ما ذكره بعد فقد تقدم أن ابن كنانة وابن القاسم وابن المواز القائلين بأنه يقضى عليه ولا يؤخر لا يخالفون في أنه إذا لقي الموكل له أن يحلفه على ما ادعاه وكيله، فإن حلف مضى، وإن نكل حلف المطلوب واسترجع ما كان غرمه، وهذا بين فتأمله فهذه النسخة حسنة موافقة للراجح من الاقوال إلا ما ذكره في حلف الوكيل فإنه قول ابن كنانة. الثاني: لا فرق بين أن يقول المطلوب أبرأني موكلك كما فرض المصنف المسألة وابن الحاجب وغيرهما، أو يقول قضيته الحق الذي تدعي به أو بعضه كما فرض المسألة في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات. الثالث: إذا قضى على المطلوب بالحق ثم لقي الموكل فاعترف بما ادعاه المطلوب من الابراء أو القضاء أو نكل عن اليمين وحلف المطلوب على ذلك، فله أن يرجع بالحق الذي قضى به عليه على الوكيل أو على الموكل. قاله ابن رشد في كتاب البضائع والوكالات. قال: فإن رجع على صاحب الحق رجع صاحب الحق على الوكيل إلا أن يدعي أنه دفع ذلك إلى الموكل ويقيم على ذلك البينة. قلت: وإن رجع على الوكيل فلا كلام إلا أن يدعي أنه دفع ذلك لموكله فله مطالبته به والله أعلم. الرابع: أما يمين الاستحقاق فقال ابن رشد في كتاب الاقضية في الرسم المذكور من سماع عيسى: إنه إن كانت الغيبة قريبة فها اختلاف أنه لا يقضى للوكيل. إلا بعد حلف موكله، وإن كانت بعيدة فالذي في نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات أنه لا يقضى للوكيل إلا بعد حلف موكله. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أنه يقضى للوكيل إذا

[ 265 ]

كانت الغيبة بعيدة كما في مسألة دعوى القضاء والابراء. وقال ابن كنانة: يحلف الوكيل على العلم ويقضى له كما في المسألة السابقة. فتحصل أنه لا يقضى للوكيل في الغيبة القريبة إلا بعد يمين موكله في المسألتين بلا خلاف. وأما في الغيبة البعيدة فقيل: يقضى للوكيل في المسألتين حملا لمسألة الاستحقاق على مسألة دعوى القضاء والابراء وهو قول أصبغ وإليه ذهب ابن أبي زيد، قاله ابن رشد في كتاب الاقضية. وقيل: لا يقضى له في المسألتين حتى يكتب إلى موكله فيحلف حملا لمسألة دعوى القضاء والابراء على مسألة يمين الاستحقاق وقيل: يقضى للوكيل بعد حلفه على العلم في المسألتين فهذه ثلاثة أقوال. والقول الرابع لا فرق بين يمين الاستحقاق ويمين دعوى القضاء والابراء. قال ابن رشد في كتاب الاقضية: وإليه ذهب بعض المتأخرين. وقال في نوازل سحنون من كتاب البضائع: وهو الاظهر الذي يعزى إلى ابن القاسم لان اليمين في الاستحقاق من تمام الشهادة لا يتم الحكم إلا بها، ويمين صاحب الدين أنه ما اقتضى من دينه شيئا إنما تجب بدعوى الغريم أنه قد قضى فيقال له أد الدين إلى الوكيل واستحلف صاحبك إذا لقيته على دعواك. الخامس: هذا الذي ذكرناه في هذه المسألة يقتضي أنه ليس على القاضي أن يستحلف الموكل على قبض حقه الغائب أنه ما قبض منه شيئا وأنه يكتب له بها دون يمين سواء خرج أو وكل. قال ابن رشد: وهو ظاهر ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وما في نوازل أصبغ منه، وهو خلاف ما في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الاقضية أنه لا يكتب له حتى يستحلفه في الوجهين خرج أو وكل أنه ما اقتضى ولا أحال ولا قيل. قال: وعلى الرواية الاولى جرى العمل لانه يقول للقاضي لا تحلفني فلعله لا يدعي أنه قضاني شيئا. وقيل: إنه يستحلفه إذا وكل ولا يستحلفه إذا خرج. قال ابن رشد: هذا أولى الاقوال وأعدلها. هذا ملخص كلام ابن رشد في سماع عيسى في الموضعين المذكورين في نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات. السادس: قال في التوضيح: كلام ابن الحاجب يقتضي أن قول ابن كنانة خلاف لقول ابن القاسم، وحمل غير واحد قوليهما على الوفاق وأن ابن القاسم يوافق على الانتظار في المدة القريبة انتهى. قلت: هذا سهو منه رحمه الله، فإن القول الذي نقله ابن الحاجب عن ابن القاسم في الغيبة القريبة والبعيدة، فهل يشك أحد أن ابن القاسم يقول بالانتظار في الغيبة على هذا القول فتأمله. السابع: لو كان الدين على غائب أو ميت فقال في النوادر في ترجمة المقضى له بالسلعة هل يحلف: ولو كان الحكم بالدين على غائب أو ميت لم يقض للطالب حتى يحلف

[ 266 ]

أنه ما قبض منه شيئا ولا من أحد بسببه لامكان أن يدعي الغائب أو الميت ذلك، ولو كان الدين لميت قام به ورثته على غائب أو ميت فلا بد أن يحلف أكابرهم أنهم ما يعلمون وليهم قبض من المقضى عليه ولا من أحد بسببه، ولو كان المطلوب حيا لم يحلفوا حتى يدعي ذلك على الميت أو عليهم. وقاله محمد بن عبد الحكم في وكيل الغائب يطلب دينا فيثبت له، فقال المطلوب بقي من حقي أن يحلف لي المحكوم له أنه ما قبضه إلى آخر كلامه المتقدم. فرع: إذا كان الحق على الغائب أو الميت مؤجلا وقام الطالب عند حلول الاجل، فلا بد من يمين القضاء كما نص عليه ابن فرحون في تبصرته. وسمعت أن بعض القضاة أسقط اليمين في ذلك محتجا بكونه لم يتوجه طلبه إلى الآن وهذا باطل، لان يمين القضاء للتهمة وهي موجودة والله أعلم. ويشهد لذلك ما ذكره البرزلي في مسائل الاقضية عن المازري ونصه: وسئل المازري عمن أوصى في مرضه الذي توفي بأثره أن في ذمته من كراء دار كذا كذا، ثم وصل وكيل من رب الدار في المركب يطلب تلك الدنانير، فهل يلزم الموكل يمين مع أنه ببلاد المشرق ولم يمض من المدة ما يقتضي أنه قبض فيها شيئا من وقت اعترف له الميت وطلب وصي الايتام الحكم في ذلك ما تراه ؟ فأجاب: إذا لم تطل حياة المقر من حين إقراره بل مات في زمن لا يمكن القضاء فيه وليس بينهما من الوصلة ما يقتضي أن الموكل وهبه ذلك وهو غائب غيبة بعيدة، لم يوقف الحق لاجل يمينه لانها يمين استظهار وبعد غيبته والقرائن المذكورة تدل على عدم قضاء الحق أو إسقاطه بالهبة انتهى. فلم يسقط عنه اليمين مع القرائن الدالة على عدم القضاء، بل جعل القرائن مقتضية لعدم إيقاف الحق لاجل اليمين إذا كانت الغيبة بعيدة والله أعلم. ص: (ويجيب عن القصاص العبد وعن الارش السيد) ش: قال ابن فرحون في التبصرة في الفصل الثالث في تقسيم المدعى عليهم: مسألة: ومن أنواع المدعى عليهم العبد، فإذا ادعى عليه بما يوجب القصاص فيلزمه الجواب، وإن ادعى عليه بما يوجب الارش فيطلب الجواب من السيد، وإن ادعى عليه بما يوجب بالمال فيطلب الجواب من العبد، فإن أقر وكان مأذونا فهو كالحر، وإن لم يكن مأذونا وقف إقراره على سيده فيرده أو يلزمه إياه، فإن أعتق قبل أن يعلم ما عند السيد لزمه الدين ولا يحكم القاضي بإلزام الدين ذمته حتى يثبت عنده ما عند السيد فيه من إلزام أو إسقاط وذلك

[ 267 ]

بعد أن يثبت عنده حال العبد من إذن أو حجر، فإن لم يثبت عنده شئ فهو على الحجر حتى يثبت عنده خلافه. فرع: قال مطرف: إذا شهد للمأذون شاهد بحق ونكل لا يحلف السيد سيده ونكوله كإقراره جائز، فإن مات حلف السيد لانه ورثه. فرع: قال مالك: الرسول لقبض الثمن ينكر القبض من المبتاع يحلف الرسول مع الشاهد، فإن تعذر لصغر ونحوه حلفت أنك ما تعلم وصوله لرسولك وتستحق. فرع: قال في الموازية: إن بعت لابنك الصغير حلفت مع الشاهد، فإن رددت اليمين على المشهود عليه حلف وبرئ وغرمته، وكذلك يغرم الوصي إذا ادعى غريم الميت الدفع للوصي فرد الوصي اليمين على الغريم لجنايته برد اليمين. فرع: قال مالك: إذا استحق من يدك ما اشتراه شريكك الغائب المفاوض وشهد شاهد أن شريكك اشتراه حلفت أنت معه. فرع: قال ابن كنانة: إن وكلته وثبتت الوكالة وجحد البائع وشهد شاهد حلفت معه وإن لم تثبت الوكالة حلف الوكيل. انتهى جميع الفروع من الذخيرة من كتاب الايمان عند الاقضية ص: (واليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو) ش: قد يتبادر أنه لا بد أن يكون في اليمين حرف القسم فيه بالباء، لان غالب من وقفت على كلامه من أهل المذهب يقول لما يتكلم على صفة اليمين واليمين بالله الذي لا إله إلا هو، أو يقول وصفة اليمين أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو ونحو ذلك، إلا أن الظاهر أنه لا فرق بين الباء وغيرها من حروف القسم، لكنني لم أقف على نص في التاء الفوقية، وأما الواو فغالب من رأيت كلامه من أهل المذهب كاللخمي وابن فرحون وابن عرفة والجزيري والشيخ زروق في شرح الارشاد

[ 268 ]

وغيرهم يقولون بعد كلامه المتقدم: واختلف إذا قال: والله ولم يزد أو قال: والله الذي لا إله إلا هو. وقال الشيخ أبو الحسن: قال أشهب: وإن حلف فقال: والله الذي لا إله إلا هو. لم يقبل منه. وكذا إذا قال: والله فقط فلا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو. اللخمي: والذي يقتضيه قول مالك إنها أيمان انتهى. ورأيت في الخزولي الكبير في قول الرسالة: واليمين بالله الذي لا إله إلا هو انظر إذا قال: والله بالواو فهل يجزئه ؟ قاله أشهب. أو لا يجزئه قاله ابن القاسم. وانظر أيضا إذا ا قتصر على قوله: والله أو بالله ولم يقل: الذي لا إله إلا هو هل يجزئه أو لا ؟ قولان. وانظر إذا قال: بالذي لا إله إلا هو ولم يقل: بالله فهل يجزئه أم لا ؟ فعلى قول ابن القاسم لا يجزئه، وعلى قول أشهب يجزئه انتهى. وهذا الذي ذكره غريب مخالف لجميع ما رأيته لان المنقول عن أشهب أنه لا يجزئه كما نقله اللخمي وغيره ممن تقدم ذكرهم وغيرهم. ومما يدل على أن الذي ذكره الجزولي أعني الخلاف في الواو لا يعرف ما ذكره في الجواهر فإنه صدر الكلام بالواو فقال: أما الحلف فهو: والله الذي لا إله إلا هو، ولا يزاد على ذلك في شئ من الحقوق، ثم نقله بالباء بعد ذلك. وذكر القرافي في ذخيرته لفظ الجواهر المتقدم ثم قال بعده: وقاله في الكتاب يعني المدونة: والذي فيها إنما هو بالباء فدل أنه لا فرق بين الباء والواو. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: والصحيح من المذهب إلا جزاء بقول: والله الذي لا إله إلا هو انتهى. وفي المنتقى للباجي: واتفق أصحابنا على أن الذي يجزئ من التغليظ باليمين بالله الذي لا إله إلا هو فإن قال: والله الذي لا إله إلا هو أو قال: والله فقط فقال أشهب: لا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو، والظاهر أن التاء كذلك والله أعلم. تنبيه: قال ابن العربي في العارضة في حديث ضمام: فيه دليل على تغليظه اليمين بالالفاظ وذلك جائز للحاكم، وكرهه علماؤنا ورواه الشافعي وما أحسنه وقال: فيه دليل على تحليف الشاهد ويمينه لا تبطل شهادته وهذا نص. انتهى. مسألة: من وجب عليه يمين فحلف بالطلاق أو باللازمة. انظر الكلام على ذلك في أول الظهار من المشذالي ص: (وغلظت في ربع دينار بجامع) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في المسائل الملقوطة: ومن التبصرة: وأما التغليظ بالتحليف على المصحف

[ 269 ]

فقال ابن العربي: هو بدعة لم يرد عن أحد من الصحابة. وقد أجازه الشافعية. انظر الاحكام في سورة المائدة انتهى. فرع: قال القرافي في كتاب الدعاوى عن بعض القرويين: إذا ادعى أحد المتفاوضين على شخص بثلاثة دراهم، فليس عليه أن يحلفه في الجامع لان كل واحد إنما يجب له درهم ونصف. ولو ادعى عليهما بثلاثة دراهم حلفهما في الجامع لان كل واحد عليه درهم ونصفه وهو كفيل بالثاني، فالثلاثة على كل واحد منهما. انتهى بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. فرع: لا يحلف العليل في بيته إلا أن تشهد بينة أن به علة لا يستطيع الخروج معها، لا راجلا ولا راكبا. والمسألة مطولة في البرزلي نقلها المتيطي قبل الكلام على حريم البئر. وقال في المسائل الملقوطة ومن التبصرة: كان ابن لبابة يفتي في المريضة تجب عليها اليمين في مقطع الحق أنها تحلف في بيتها على الحق. انتهى. فرع: وأما التغليظ بالزمان فانظر كلامه في التوضيح فإنه يدل على أنه يتفق على تغليظ اليمين بالزمان في اللعان والقسامة، وجعل التغليظ بالزمان في مختصره في باب اللعان مستحبا فتأمله. وانظر ابن فرحون في تبصرته. وقال ابن عرفة الباجي: وهل تغلظ بالزمان ؟ روى ابن كنانة في كتاب ابن سحنون يتحرى بأيمانهم في المال العظيم والدماء واللعان وقتا يحضر الناس فيه المساجد ويجتمعون للصلاة وما سوى ذلك من مال وحق ففي كل حين. ولابن حبيب عن الاخوين: لا يحلف حين الصلاة إلا في الدماء واللعان، وأما في الحقوق ففي أي وقت حضر الامام استحلفه. وقاله ابن القاسم وأصبغ انتهى ص: (وبالقيام) ش: قال في الرسالة في باب الاقضية: يحلف قائما. وقال في القسامة: ويحلفون في القسامة قياما. قال شارحها: فإن لم يحلفوا قياما فهل يكون ذلك نكولا أو لا ؟ اختلف في ذلك انتهى. ولم يذكروا خلافا في شرح قول الرسالة في باب الاقضية ويحلف قائما ص: (وخرجت المخدرة) ش: ذكر البرزلي

[ 270 ]

في مسائل اليمين لما تكلم على القول بأن المخدرة لا تخرج: ويؤخذ من هذا أن الطالب لليمين لا يحضر معها وبعث القاضي يكفي ونزلت، وحكم فيها بأنه يقف حيث يسمع يمينها ولا يرى شخصها لانه قابض لليمين، وعلى ما ذكر هنا يكون على وجه النيابة عنه انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره المشذالي في آخر باب الولاء فإنه نقل عن ابن عرفة أنه قال: ذكر لنا شيخنا ابن عبد السلام أنه حكم لرجل بيمين على امرأة وطلب حضوره معها لحلفها فأبت هي وزوجها خوف إطلاعه عليها قال: فحكمنا بحضوره إياها متباعدا عنها أقصى ما يسمع منها لفظ اليمين انتهى. وذكر ابن عرفة المسألة في مختصره لما تكلم على اليمين. وقال بعد ما تقدم: وفيها يعني المدونة: في الحالفة في بيتها ويبعث القاضي إليها من يحلفها لصاحب الحق يجزئه رجل واحد. قلت: ظاهره أنه لا يقضى له بحضور يمينها في بيتها. انتهى ص: (واعتمد ألبات على ظن قوي) ش:

[ 271 ]

فرع: قال في النوادر في ترجمة جامع الايمان من الجزء الاول من الاقضية فيمن ادعى على آخر ورث أباه لا وارث له غيره أنه أودع أباه عبدا بعينه فقال الابن: لا ندري أصدقت أم لا ؟ فله أن يحلف الابن على علمه ويبرأ وهذا صواب. انتهى ص: (ونفى سببا إن عين) ش: تصوره من كلام شارحه ظاهر. وسئلت عن شخص بيده أمتعة فادعى عليه شخص قريب له أنها مخلفة عن مورث مورثه وأنها مشتركة بين مورثه وبين المدعى عليه، فأجاب المدعى عليه بأنها ملكه وليست مخلفة عن مورثه، فهل تلزمه اليمين كذلك أو يحلف أنها ملكه فقط ؟ فأجبت: إذا ادعى المدعي أن الامتعة مخلفة عن مورث مورثه يلزم المدعى عليه اليمين على نفي ذلك، فيحلف أنها ملكه وليست مخلفة عن مورثه والله أعلم. ص: (وإن قامت لفلان فإن حضر ادعي عليه فإن حلف فلمدع تحليف المقر وإن نكل حلف وغرم ما

[ 272 ]

فوته أو غاب لزمه يمين أو بينة وانتقلت الحكومة له فإن نكل أخذه بلا يمين وإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه) ش: أي وإن قال المدعى عليه ليس هذا الشئ المدعى فيه ملكا لي بل هو لفلان، فلا يخلو إما أن يكون فلان حاضرا أو غائبا. فإن حضر فلان وصدقه المقر فيما أقر له به ادعى عليه، فإن رجع وسلم أنه للمدعي فواضح، وإن صمم على أنه له فإما أن يقيم المدعي البينة أو يحلف المقر له. فإن أقام البينة فواضح، وإن حلفه فلا يخلو إما أن يحلف أو ينكل. فإن نكل قال ابن عرفة عن المازري: حلف المدعي وثبت حقه، فإن نكل المدعي فلا شئ له عليه. وهل له تحليف المقر أنه ما أقر إلا بالحق كما في الصورة الآتية أم لا ؟ قال ابن عبد السلام: ليس له ذلك لانها لو وجبت لكان للمقر النكول عنها، وإذا نكل عنها لم يكن للمدعي أن يحلف لانه قد توجه عليه هذا الحلف ونكل عنه. قلت: ونحوه قول عياض في الوكالات إذا اطلع بائع السلعة من وكل على شرائها على زائف في الثمن فأحلف الآمر فنكل فوجبت اليمين للبائع قال: وليس له أن يحلف المأمور. عياض: لان نكوله عن يمين الآمر نكول عن يمين المأمور انتهى. ولم يتكلم المؤلف على هذا القسم وهو نكول المقر له وإنما تكلم على قسمييه فقال: فإن حلف صح له ما ادعى، ثم يكون الخصام بين المدعي والمقر كما قال المؤلف فللمدعي تحليف المقر أنه ما أقر إلا بالحق. ابن عرفة عن المازري: وأنه ما أقر إلا لاتلاف حق المدعي إذ لو اعترف أنه أقر بالباطل وأن المقر به إنما هو

[ 273 ]

لمدعيه لزمه الغرم، فإن حلف أنه لم يقر إلا بالصدق ولا حق فيه للمدعي سقط مقال المدعي انتهى. وإن نكل المقر عن اليمين حلف المدعي وغرم له المقر ما فوته أي ما أتلف عليه بإقراره إن كان مقوما فقيمته، وإن كان مثليا فمثله. قاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: قال المازري بعد أن ذكر ما ذكره المؤلف يعني ابن الحاجب: إن للمدعي بعد تحليف المقر له أن يحلف المقر أيضا قال: وعلى قول من ذهب من الناس إلى أن متلف الشئ بإقراره لغير مستحقه لا يطلب بالغرامة لا يمين هنا على المقر لانه لم يباشر الاتلاف، وإنما قال قولا حكم الشرع فيه بإخراج ما أقر به من يده وكان سببا في إتلافه، فلهذا لا يمكن من تحليفه. وأشار المازري أيضا إلى أن من الناس من رأى أنه لا غرامة على المقر إذا نكل عن اليمين بعد القول بتوجهها عليه. ابن عبد السلام: وفيه نظر. انتهى كلام التوضيح. وعلى ما ذكر ابن الحاجب والمؤلف. لو نكل المدعي عن اليمين بعد نكول المقر عن الحلف فلا شئ له كما تقدم في كلام ابن عبد السلام الذي نقله عنه ابن عرفة فراجعه. وهذا الكلام فيما إذا كان المقر له حاضرا، وأما إذا كان غائبا فهو المشار إليه بقوله: أو غاب وكان الاحسن أن يقول: وإن غاب أي المقر له. قال في التوضيح: فإن غاب غيبة بعيدة فلا خلاف أنه لا يسلم لمدعيه بمجرد دعواه، ولا خلاف أيضا أنه لا يقبل قول المدعى عليه مجردا عن يمين أو بينة انتهى. فلذل‍ ك قال المؤلف: لزمه أي المقر يمين أنه لفلان الغائب أو بينة على ذلك، فإن أقام البينة فلا كلام في أن الخصومة تنتقل بين المدعي والغائب كما قال المؤلف: وانتقلت الحكومة له أي للغائب. وإن لم يقم البينة وأراد المدعي تحليف المقر فقال أشهب: إن اليمين تلزمه كما قال المؤلف. وللمازري كلام خلاف هذا نقله في التوضيح. فإن نكل المقر عن اليمين أخذه المدعي بلا يمين، وإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه. وهو نحو قول ابن الحاجب. فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه فإن كان مرادهم إذا أقام المقر بينة أو حلف فواضح وإن كان مرادهم إذا نكل المقر عن اليمين وأخذها لمدعي بلا يمين فالظاهر أنه لا يأخذه المقر له إلا بعد يمينه فتأمله والله أعلم. ص: (وإن نكل في مال وحقه

[ 274 ]

استحق به بيمين إن حقق) ش: أي استحق المدعى فيه به أي بالنكول المفهوم من السياق. وقوله: بيمين أي مع يمين إن حقق الدعوى وإن كانت يمين تهمة فإن الحق يثبت فيها بمجرد النكول على المشهور. صرح به ابن رشد. انتهى من التوضيح. قال ابن عرفة: ابن زرقون: اختلف في توجيه يمين التهمة، فمذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه وقاله غير ابن القاسم في غير المدونة. وقال أشهب: لا تتوجه. وعلى الاول فالمشهور لا تنقلب. وفي سماع عيسى من كتاب الشركة أنها تنقلب. قلت: هو كلام ابن رشد، الباجي: إن ادعى المودع تلف الوديعة وادعى المودع تعديه عليها، صدق المودع إلا أن يتهم فيحلف. قاله أصحاب مالك. قال ابن عبد الحكم: فإن نكل ضمن ولا ترد اليمين هنا. ابن زرقون: وفي توجيه يمين الاستحقاق على المستحق أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه على ألبت كان المستحق ربعا أو غيره، ثالثها إن كان المستحق غير ربع للمشهور وابن كنانة وبعض شيوخ ابن أبي زمنين انتهى. ص: (ولا يمكن منها إن نكل) ش: وسواء كان نكوله عند حاكم أو غيره إذ شهد عليه بذلك. قال في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان: وسئل عن الذي يدعي قبل الرجل حقا فيقول احلف لي على أن ما ادعيت عليك ليس بحق وتبرأ، فيقول المدعى عليه بل احلف أنت وخذ، فإذا هم المدعي أن يحلف للمدعى عليه قال لا أرضى بيمينك ولا أظنك تجترئ على اليمين وما أشبه ذلك، وهل ذلك عند السلطان وغيره سواء ؟ قال ابن القاسم: ليس للمدعى عليه أن يرجع ولكن يحلف المدعي ويستحق حقه على

[ 275 ]

ما أحب الآخر أو كره لانه قد رد اليمين عليه فليس له الرجوع فيها، وسواء كان ذلك عند السلطان أو غيره إذا شهد عليه بذلك وأقره. قال ابن رشد: هذه المسألة متكررة في هذا السماع من كتاب الدعوى، ومثله في الديات من المدونة. ولا اختلاف أعلمه في أنه ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي، واختلف هل له أن يرجع إليها بعد أن نكل عنها ما لم يردها على المدعي، فقيل: ليس له ذلك وهو ظاهر ما في الديات عن المدونة ورواية عيسى عن ابن نافع في المدونة. وقيل: له ذلك وهو ظاهر قول ابن نافع في المدونة اه‍. وانظر رسم الغيلة من سماع ابن القاسم في الديات. ولا يعارض هذا ما وقع في كتاب ابن سحنون. وقد فرق ابن عرفة بينهما في باب الاقرار ص: (وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينته إلا بإسكان ونحوه) ش: ختم رحمه الله كتاب الشهادات بالكلام على الحيازة لانها كالشاهد على الملك. قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز عنه إلى الحائز باتفاق، ولكنها تدل على الملك كإرخاء الستور ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه

[ 276 ]

ذلك فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه لقول النبي (ص): من حاز شيئا عشر سنين فهو له لان المعنى عند أهل العلم في قوله (ص): هو له أي أن الحكم يوجبه له بدعواه. فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وهي عشرة أعوام دون هدم ولا بنيان أو مع الهدم والبنيان على ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة، وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه انتهى. وسواء ادعى صيرورة ذلك من غير المدعي أو ادعى أنه صار إليه من المدعي. أما في البيع فلا أعلم فيه خلافا، وأما إن أقر أنه ملك المدعي وصار إليه بصدقة أو هبة ففيه خلاف. ذكره في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. وقول ابن رشد: فيكون القول قول الحائز مع يمينه هو أحد القولين. قال في الشامل: وفي يمين الحائز حينئذ قولان، والقول بنفي اليمين عزاه في التوضيح لظاهر نقل ابن يونس وغيره، والقول باليمين عزاه لصريح كلام ابن رشد فهو أقوى وهو الظاهر والله أعلم. ثم قال ابن رشد: والحيازة تنقسم إلى ستة أقسام: أضعفها حيازة الاب عن ابنه، ويليها حيازة الاقارب الشركاء بالميراث أو بغيره، ويليها حيازآ القرابة فيما لا شرك بينهم فيه. والموالي والاختان الشركاء بمنزلتهم، ويليها حيازة الموالي والاختان فيما لا شرك بينهم فيه، ويليها حيازة الاجنبيين الشركاء، وتليها حيازة الاجانب فيما لا شرك بينهم فيه وهي أقواها. والحيازة تكون بثلاثة أشياء: أضعفها والسكنى والازدراع، ويليها الهدم والبنيان والغرس والاستغلال. ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة والنحلة والعتق والكتابة والتدبير والوطئ وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله. والاستخدام في الرقيق. والركوب في الدابة كالسكنى فيما يسكن، والازدراع فيما يزرع، والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور والغرس في الارضين انتهى. فبدأ المصنف بالكلام على القسم السادس وهي حيازة الاجنبي غير الشريك فقال: وإن حاز أجنبي غير شريك. واحترز بقوله: أجنبي من القريب فإنه سيأتي

[ 277 ]

حكمه. وبقوله: غير شريك من الاجنبي الشريك فإنه سيأتي أيضا حكمه. ومفعول قوله: حاز محذوف أي حاز عقارا من دار أو أرض. وأما غير العقار فلا يفتقر في الحيازة إلى عشرة أعوام كما سيأتي بيانه. وقوله: وتصرف بمعنى أنه يشترط في الحيازة أن يكون الحائز يتصرف في العقار المحوز. وأطلق التصرف لينبه على أن حيازة الاجنبي غير الشريك يكفي فيها مطلق التصرف ولو كان ذلك السكنى والازدراع الذي هو أضعف أنواع الحيازة وهذا هو المشهور. وقال في الرسم المذكور: المشهور في المذهب أن الحيازة بينهم يعني بين الاجانب غير الشركاء تكون في العشرة الاعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان. وعن ابن القاسم أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان، ولا خلاف أنها تكون حيازة مع الهدم والبنيان انتهى. وقوله: ثم ادعى حاضر يعني أنه يشترط في كون الحيازة مانعة من سماع دعوى المدعي أن يكون المدعي حاضرا. واحترز بذلك مما لو كان المدعي غائبا فإن له القيام وإن طالت المدة إذا كانت غيبته بعيدة كالسبعة الايام. قال في التوضيح: وإن كانت الغيبة قريبة كأربعة أيام وثبت عذره عن القدوم والتوكيل من عجز ونحوه فلا حجة عليه، وإن أشكل أمره فظاهر المذهب أنه على قولين. قال ابن القاسم: لا يسقط حقه لانه قد يضعف عن القدوم. قيل له: فإن لم يتبين عجزه عن ذلك ؟ قال: قد يكون معذورا من لا يتبين عذره. وذكر ابن حبيب أنه يسقط حقه. إلا أن يتبين عذره انتهى. وانظر رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. وقوله: ساكت يعني أنه يشترط أيضا في الحيازة أن يكون المدعي ساكتا في مدة الحيازة. واحترز بذلك مما لو تكلم قبل مضي مدة الحيازة فإن حقه لا يبطل. وقوله: بلا مانع يعني أن سكوت المدعي في المدة المذكورة إنما يبطل حقه إذا لم يكن له مانع يمنعه من الكلام. فلو كان هناك مانع يمنعه من الكلام فإن حقه لا يبطل. وفسر ابن الحاجب المانع بالخوف والقرابة والصهر. وقد احترز المصنف من القرابة والصهر بقوله أولا: أجنبي فيكون المراد بالمانع في كلامه الخوف أي خوف المدعي من الذي في يده العقار لكونه ذا سلطان أو مستندا لذي سلطان، فإن كان سكوته لذلك لم يبطل حقه. قال الجزولي: وكذلك إذا كان للحائز على المدعي دين ويخاف إن نازعه أن يطلبه ولا يجد من أين يعطيه. انتهى فتأمله. ويدخل في المانع ما إذا كان المدعي صغيرا أو سفيها فإن سكوته لا يقطع دعواه. قال ابن فرحون في تبصرته في الباب السادس والستين قال: قال ابن العطار: ولا يقطع قيام البكر غير المعنسة ولا قيام الصغير

[ 278 ]

ولا قيام المولى عليه الاعتمار المذكور بحضرته إلا أن يبلغ الصغير ويملك نفسه المولى عليه وتعنس الجارية وتحاز عنهم عشرة أعوام من بعد ذلك وهم عالمون بحقوقهم لا يتعرضون من غير عذر انتهى. ويدخل في المانع أيضا ما إذا لم يعلم المدعي بالحيازة أو لم يعلم بأن العقار المحوز ملكه. قال في الرسالة: ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم. قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب الشهادات لما تكلم على الحيازة وفي الرسالة وصاحبها حاضر عالم. الشيخ: أي عالم بالمعلومين بتصرف الحائز وبأنها ملكه. قال في الوثائق المجموعة: حاضر عالم بأنها ملكه وإذا كان وارثا ويدعي أنه لم يعلم فيحلف ويقضى له انتهى ونقله ابن فرحون في تبصرته عن الطخيخي عن أبي الحسن الصغير بلفظ: لا بد هنا من العلم بشيئين وهما العلم بأنه ملكه والعلم بأنه يتصرف فيه، ولا يفيد العلم بأحدهما دون الآخر لانه إذا علم بالتصرف قد يقال ما علمت أنه ملكي كما يقول الرجل الآن وجدت الوثيقة عند فلان فيقبل قوله ويحلف. والعلم بهذين الوصفين قاله في الوثائق المجموعة وابن أبي زيد انتهى. فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: قال ابن العربي: وانظر إذا قال علمت الملك ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا ؟ قلت: اختار شيخنا أبو مهدي أنه يقبل وذلك عذر، سواء كانت البينة التي وجد بينة استرعاء أم لا ؟ والصواب عندي أنه لا يقبل منه لانه كالمقر والمعترف بأنه لا حق له فيه مدع رفعه انتهى. زاد في شرح المدونة: ثم وقعت بالقيروان بعد عشرة أعوام فكتب فيها لشيخنا أبي مهدي فأفتى بما صوبت انتهى. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: لا يدعي شيئا هذا إذا لم يمنعه مانع من القيام، وأما إن خاف سطوة الحائز وأثبت ذلك فهو على قيامه، وإن ادعى مغيب البينة وقال ما سكت إلا لانتظار بينتي فلا يقبل قوله، والدعوى التي تنفعه إذا كان يخاصمه عند القاضي، وأما غير ذلك فلا ينفعه اه‍ ونحوه للجزولي ونصه: وأما إذا قال علمت أنها ملكي ولكن منعني من القيام عدم البينة والآن وجدت البينة فإنه لا ينفعه ذلك ويقضى بها للحائز بعد يمينه إذ لا بد من يمين القضاء. ثم قال بعد ذلك: وأما إن قال علمت بأنها ملكي ولم أعلم بالحيازة فإنه لا يقبل قوله لان العرف يكذبه. وكذلك إن قال منعني من القيام عدم البينة والآن وجدتها فإنه لا ينفعه ولا قيام له انتهى. وفي أول مسألة من سماع أشهب من كتاب الاستحقاق ما يدل على أنه إذا ادعى عدم العلم بالحيازة ينفعه ذلك ويحلف، وأنه محمول على عدم العلم. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: وصاحبها حاضر عالم ظاهر كلام الشيخ أن الحاضر محمول على عدم العلم بالملكية حتى يثبت، وعزاه بعض من لقيناه لابن سهل وهو ظاهر التهذيب. وقيل: إنه محمول على العلم حتى يتبين خلافه وهو قول ابن رشد. وقيل بالاول إن كان وراثا، وبالثاني إن لم يكن. قاله في الوثائق المجموعة وبه القضاء عندنا. هكذا كان يتقدم لنا أنها ثلاثة أقوال. والحق أن الذي في الوثائق المجموعة

[ 279 ]

إنما هو التنبيه على فرع متفق عليه وهو إذا ادعى الوارث الجهل بملكية مورثه فإنه يقبل قوله مع يمينه. ثم قال بعده: قال ابن العربي: وانظر إذا قال علمت المالك إلى آخر الفرع المتقدم ويشير بالفرع المتفق عليه إلى ما نقله أبو الحسن وابن فرحون عن الوثائق المجموعة في كلامها المتقدم. وقوله: عشر سنين يعني أن مدة الحيازة الذي تبطل دعوى المدعي عشر سنين، وهذا التحديد ذكره في المدونة عن ربيعة ونصه: ولم يحد مالك في الحيازة في الربع عشر سنين ولا غير ذلك. وقال ربيعة: حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر إلا أن يقيم بينة أنه إنما أكرى أو أسكن أو أخدم أو أعار ونحوه ولا حيازة على غائب. وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي (ص) قال: من حاز شيئا عشر سنين فهو له. انتهى. قال في التوضيح: وبهذا أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ، ودليله ما رواه أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم وذكر الحديث. ثم قال: ولابن القاسم في الموازية أن السبع والثمان وما قارب العشرة مثل العشرة انتهى. فتحصل في مدة الحيازة ثلاثة أقوال: الاول قول مالك في المدونة أنها لا تحدد بسنين مقدرة بل باجتهاد الامام، وهكذا نقل ابن يونس فقال: ولم يحد مالك في الرباع عشر سنين ولا غير ذلك، ولكن على قدر ما يرى أن هذا قد حازها دون الآخر فيما يهدم ويبنى ويسكن ويكرى اه‍. وهكذا نقله ابن عرفة وسيأتي لفظه. والقول الثاني أن مدة الحيازة عشر سنين وهو القول الذي مشى عليه المصنف في كتاب الشهادات، وعليه اقتصر في الرسالة. قال في النوادر: وبه أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ، وهكذا عزاه ابن يونس وابن شاس، وتقدم نحوه عن التوضيح ونقله ابن عرفة عن النوادر. وقال ابن يونس: قال ابن سحنون: لما أمر الله نبيه بالقتال بعد عشر سنين كانت أبلغ شئ في الاعذار. واعتمد أهل المذهب على الحديث المتقدم وعلى أن كل دعوى يكذبها العرف فإنها غير مقبولة، ولا شك أن بقاء ملك الانسان بيد الغير يتصرف فيه عشر سنين دليل على انتقاله عنه والله أعلم. والقول الثالث أن مدة الحيازة سبع سنين فأكثر وهو قول ابن القاسم الثاني. وقد ذكر ابن عرفة هذه الثلاثة الاقوال فقال: وفي تحديد مدة الحيازة بعشر أو سبع ثالثها لا تحديد بعدة بل باجتهاد الامام. وقال في المسائل الملقوطة: مسألة في قناة تجري منذ سنة في أرض رجل والذي تجري عليه ساكت لا تكون السنة حيازة للتغافل عن مثلها وسكوت أربع سنين طول وحوز. من كتاب الشهادات لابن يونس انتهى. فتأمله مع ما تقدم. وهل يكون قولا رابعا أو لا والله أعلم. وقوله: لم تسمع ولا بينة هو جواب الشرط يعني أن الحيازة إذا وقعت على الوجه المذكور فهي مانعة من سماع دعوى المدعي. والظاهر أن المراد بعدم سماعها عدم العمل بها وبمقتضاها من أنه لا يتوجه على المدعي عليه يمين إذا أنكر أنه لا تسمع ابتداء ولا يسأل المدعى عليه عن جوابها فإن ذلك غير ظاهر لاحتمال أن يقر المدعي ويعتقد أن مجرد حوزه يوجب له الملك. وقد تقدم أن الحوز وحده لا

[ 280 ]

ينقل الملك وإنما هو دليل على انتقال الملك. وقال (ص): لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم قال ابن رشد في آخر الكلام على المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق: وإن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل في الحكم بالحيازة انتهى. وسيأتي كلامه برمته في التنبيه الخامس في قول المصنف: وإنما تفترق الدار من غيرها. وقوله: ولا بينته يعني أن الحيازة المذكورة مانعة من سماع دعوى المدعي ومن سماع بينته أيضا. فإن قيل: قوله: لم تسمع دعواه يغني عن قوله: ولا بينته لانه إذا لم تسمع الدعوى لم تسمع البينة. فالجواب والله أعلم: إنما قال ولا بينته خشية أن يتوهم أن الدعوى المجردة عن البينة هي التي لا تسمع، وأما إذا قامت بها البينة فتسمع كما تقول في دعوى العبد على سيده العتق والمرأة على زوجها الطلاق، فإن دعواها لا تسمع إذا كانت مجردة عن البينة أعني أنه لا يتوجه على السيد ولا على الزوج بسببهما يمين، فإن أقاما البينة على دعواهما سمعت. وأيضا فإنما قال: ولا بينة ليفرع عليه قوله: إلا بإسكان ونحوه. والمعنى أنه لا تسمع بينة المدعي إلا أن تشهد البينة للمدعي بأنه أسكن الحائز أو أعمره أو ساقاه أو زارعه أو شبه ذلك، فإنه إذا أقام البينة على ذلك حلف المدعي على رد دعوى الحائز وقضى له. وهذا إن ادعى الحائز أن المالك باعه أو نحو ذلك، وأما إن لم يدع نقل الملك وإنما تمسك بمجرد الحيازة فلا يحتاج إلى يمين. قاله في التوضيح وغيره. تنبيهات: الاول: الهدم والبناء مقيدان بما إذا لم يهدم ما يخشى سقوطه فإن ذلك لا ينقل الملك وكذا الاصلاح اليسير. قاله في التوضيح. الثاني: الحيازة على النساء عاملة إن كن في البلد. ذكره ابن بطال في المقنع. الثالث: تقدم أنه لا حيازة على الغائب. قال ابن بطال: إلا أنه يستحب له إذا علم أن يشهد أنه على حقه. وقاله الرجراجي. الرابع: قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: وأما المدة فينبغي أن يستوي فيها الوارث والموروث لعموم قول النبي (ص): من حاز شيئا عشر سنين فهو له وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة الموروث مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام ما كان مورثه قد حازه خمسة أعوام فيكون ذلك حيازة عن الحاضر انتهى. الخامس: اختلف هل يطلب الحائز ببيان سبب ملكه ؟ قال في التوضيح: قال ابن أبي زمنين لا يطالب. وقال غيره: يطالب. وقيل: إن لم يثبت أصل الملك المدعي فلا يسأل الحائز عن بيان أصل ملكه، وإن ثبت الاصل للمدعي ببينة أو بإقرار الحائز سئل عن سبب ذلك. وقال ابن عتاب وابن القطان: لا يطالب إلا أن يكون معروفا بالغصب والاستطالة والقدرة على ذلك. انتهى باختصار. وظاهر كلام ابن رشد في رسم سلف أن الحائز يطالب ببيان سبب ملكه لانه

[ 281 ]

حينئذ قال: إذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه. واختلف إذا كان هذا الحائز وارثا فقيل: إنه بمنزلة الذي ورث ذلك عنه في أنه لا ينتفع بها دون أن يدعي الوجه الذي يصير به ذلك إلى مورثه، وهو قول مطرف وأصبغ. وقيل: ليس عليه أن يسأل عن شئ لانه يقول ورثنا ذلك ولا أدري بماذا صار ذلك إليه. وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب وقول ابن الماجشون. وقوله: عندي بين فإنه ليس عليه أن يسأل عن شئ انتهى. وأفتى في نوازله بأن الحائز لا يطالب بشئ حتى يثبت القائم عليه الملك وسيأتي كلامه في التنبيه السادس. وجزم في شرح آخر مسألة من نوازل عيسى من كتاب السداد والانهار بأنه إذا ثبت أصل الملك لغيره فلا بد من بيان سبب ملكه. قال: بأن يقول اشتريته منه أو وهب لي أو تصدق به علي أو يقول ورثته عن أبي أو عن فلان ولا أدري بأي وجه يصير إلى الذي ورثته منه. قال: وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئا من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره انتهى. فرع: قال ابن سهل في مسائل الاقضية: من ادعى عليه بأملاك فقال عندي وثائق غائبة ثم طولب عند حاكم آخر فأنكر تلك المقالة فقال ابن العطار: ليس عليه إحضار الوثائق انتهى. انظر تمامها فيه. الثالث: لا تسقط الحيازة ولو طالت الدعوى في الحبس، بذلك أفتى ابن رشد في نوازله في جواب المسألة الخامسة من مسائل الوقف، وهي مسألة تتضمن السؤال عن جماعة واضعين أيديهم على أملاكهم وموروثهم وموروث موروثهم نحوا من سبعين عاما يتصرفون فيه بالبناء والغرس والتعويض والقسمة وكثيرا من وجوه التفويت، فادعى عليهم بوقفيتها شخص حاضر عالم بالتفويت المذكور والتصرف هو ومورثه من قبله ونصه: ولا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس وملك المحبس لما حبسه يوم التحبيس وبعد أن تتعين الاملاك المحبسة بالحيازة لها على ما تصح فيه الحيازة، فإذا ثبت ذلك كله على وجهه وأعذر إلى المقوم عليهم فلم يكن لهم حجة إلا من ترك القائم وأبيه قبله عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقهما مع علمهما بتفويت الاملاك، فالقضاء بالحبس واجب والحكم به لازم انتهى. وأفتى بذلك أيضا في المسألة السادسة من مسائل الدعوى والخصومات في مسألة ابن زهر وهي مسألة تتضمن أن رجلا في ملكه ضيعة ورثها عن سلفه منذ سبعين عاما هو وأبوه وهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، فقام عليه رجل وادعى أن الضيعة رهن بيده وبذلك ملكها سلفه قبله منهم، واستدعى عقد السماع بالرهن فأثبت الذي بيده الضيعة أن جده ابتاعها من جد ئلقائم عليه فيها. فأفتى أن شهادة الشراء اعمل ثم قام ذلك الرجل المشتري المدعي الرهنية بعينه وادعى أنها حبس عليه وأثبت عقد التحبيس بالشهادة على خطوط شهدائه، فهل ترى قيامه أولا بالرهن يبطل قيامه

[ 282 ]

بالحبس أم لا ؟ فأجاب: كان من وجه الحكم أن لا يكلف الذي بيده الضيعة من أين صارت إليه حتى يثبت القائم ملك الراهن لها ورهنه إياها وموته وأنه وإرثه أو وإرث وإرثه، وكذلك الحكم في قيامه بالحبس سواء في مذهب مالك وجميع أصحابه غير أن قول المقوم عليه أن جده ابتاعها من جد القائم عليه إقرار منه له بملكها، فإن كان هو المحبس وأثبت حفيده عقد التحبيس وأنه من عقبه لا عقب له غيره بالسماع إن عجز عن البينة القاطعة وأعذر إلى المقوم عليه فيما ثبت من ذلك فلم يكن عنده فيه مدفع، فالواجب أن يسأل المقوم عليه. فإن أقر أنها هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس لم يجب على القائم فيها حيازة لاتفاقهما عليه. وانظر إلى تاريخ كتاب صاحب التحبيس وتاريخ السماع بشراء جد المقوم عليه من جد القائم، فإن وجد تاريخ الحبس أقدم قضى به وبطل الشراء ووجب الرجوع بالثمن، وإن وجد تاريخ السماع بالشراء أقدم أو لم يعلم أيهما أقدم قبل صاحبه قضى بالشراء وبطل التحبيس، وهكذا الرواية في ذلك. ثم قال في جواب ثان على المسألة بعينها إثر الجواب الاول: وسائر ما تضمنه عقد التحبيس الثابت لا يوجب أن يسأل من بيده شئ من ذلك من أين صار له ولا يعتقل عليه ولا يكلف إثباتا ولا عقلا إلا من بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس لما حبسه ويحوز ما أثبت تحبيسه حيازة صحيحة على الوجه الذي ذكرناه. وهذا أصل لااختلاف فيه أعني أن من بيده ملك لا يدعيه يكلف إثبات من أين صار له حتى يثبت المدعي ما ادعاه ويحوزه، ولا يلزم المقوم عليه إذا قضى ببقاء الملك بيده وحكم بقطع الاعتراض عنه بشئ من ثمن ما ادعى شراءه إذا مضى من طول المدة ما صدق فيه المبتاع على أداء ثمن ما ابتاعه في قول مالك وجميع أصحابه. ولو لم يمض لم يحكم للمدعي أيضا بالثمن حتى يرجع عما ادعاه من التحبيس إلى تصديق دعوى المشتري على اختلاف أصحابنا المتقدمين، أي واستفيد من هذه المسألة فوائد منها أنه مشى على أنه لا يسأل واضع اليد عن شئ حتى يثبت القائم الملك، ومنها حكم شهادة السماع في الرهن، ومنها القضاء بالتاريخ السابق، ومنها إذا جهل السابق من تاريخ الشراء أو الحبس قضى بتاريخ الشراء وبطل الحبس، وأفتى غيره أنه إذا جهل التاريخ قدم الحبس والله أعلم. ص: (وفي الشريك القريب معهما قولان) ش: يعني أنه اختلف في الشريك القريب إذا حاز العقار بالبناء والهدم هل تكون مدة الحيازة في حقه عشر سنين

[ 283 ]

كالاجنبي أو لا يكفي في ذلك عشر سنين ولم يبين المصنف قدر مدة الحيازة على القول الثاني والقولان لابن القاسم ذكرهما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق فكان أولا يقول: إن العشر سنين حيازة ثم رجع إلى أن ذلك لا يكون حيازة إلا أن يطول الامر أزيد من أربعين سنة. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف وغيره أن القولين متساويان، وقد علمت أن القول الذي رجع إليه ابن القاسم أن ذلك لا يكون حيازة، ولا شك أن العمل على القول المرجوع إليه فتأمله. الثاني: علم من قول المصنف معهما أنه لا تحصل الحيازة بين القرابة الشركاء إذا لم يكن هدم ولا بنيان وهو كذلك كما سيأتي في كلام ابن رشد في شرح قول المصنف: وإنما تفترق الدار من غيرها ويأتي أيضا هناك بيان حكم الحيازة بين القرابة الشركاء في غير العقار والله أعلم. الثالث: لم يذكر المصنف حكم القريب الذي ليس بشريك. وذكر ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم أن قول ابن القاسم اختلف في ذلك، فجعله مرة كالقريب الشريك قال: فيكون قد رجع عن قوله أن الحيازة لا تكون بينهم في العشرة الاعوام مع الهدم والبنيان إلى أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير وهو نص قوله في سماع يحيى المذكور. ومرة رآهم بخلاف ذلك فلم يرجع عن قوله أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الاعوام مع الهدم والبنيان وهو دليل قوله في السماع المذكور انتهى. قلت: فعلم من كلام ابن رشد هذا أن القول بأن حكم القريب الذي ليس بشريك كحكم القريب الشريك هو الراجح لقوله إنه نص قول ابن القاسم، وأن الثاني إنما هو مفهوم

[ 284 ]

من كلام ابن القاسم فتأمله. وتحصل من هذا أن الحيازة بين القرابة، سواء كانوا شركاء أو غير شركاء، لا تكون بالسكنى والازدراع وإنما تكون بالهدم والبناء في الامد الطويل الذي يزيد على أربعين سنة على الارجح من القولين والله أعلم. الرابع: محصل كلام ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وأن الحيازة لا تكون بين أب وابنه بالسكنى والازدراع والاستخدام والركوب اتفاقا، وكذلك الاقارب الشركاء بميراث وغيره على الاظهر، وكذا الشركاء الاجانب الذين الشركة بينهم فتكفي الحيازة عشرة أعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان على المشهور، وإن حصل هدم وبناء وغرس فتكفي العشرة الاعوام في الشريك الاجنبي وفي الشريك القريب مع ذلك قولان. وفي كون ذلك القريب غير الشريك والمولى والصهر الشريكان ثالثها في الصهر والمولى دون

[ 285 ]

القريب. وفي كون السكنى والازدراع في العشرة حيازة لمولى وصهر غير شريكين أو إن هدم وبنى أو إن طال جدا أقوال والله أعلم. ص: (لا بين أب وابنه إلا بكهبة) ش: قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: وتحصل الحيازة في كل شئ بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والولاء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع في حصته وكان له الثمن، وإن سكت بعد العام ونحوه حتى استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ منه، وإن سكت العام ونحوه لم يكن إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شئ واستحقه الحائز، وإن حضر مجلس الهبة والصدقة والتدبير والعتق فسكت حتى انقضى المجلس لم يكن له شئ، وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له حقه، وإن سكت العام ونحوه فلا شئ له، ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق قولان. انتهى مختصرا. ص: (وإنما تفترق الدار من غيرها في الاجنبي ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض) ش: يعني أنه إنما يفترق بين الدور وغيرها في مدة الحيازة إذا كانت الحيازة بين الاجانب، وأما في حيازة القرابة بعضهم على بعض فلا

[ 286 ]

يفرق بين الدور وغيرها. قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: أن الاقارب والشركاء بالميراث أو بغير الميراث لا خلاف أن الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع، ولا خلاف أنها تكون بالتفويت بالبيع والصدقة والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطئ وإن لم تطل المدة، والاستخدام في الرقيق والركوب في الدواب كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع. قال: والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور وكالغرس في الارضين. ثم قال: ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والاصول والثياب والحيوان والعروض، وإنما يفترق ذلك في حيازة الاجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الاصول والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب. فقد قال أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن، وإن السنتين والثلاثة حيازة في الدواب إذا كانت تركب، وفي الاماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ في شئ من ذلك كله بين الاجنبيين إلى العشرة الاعوام كما يصنع في الاصول. انتهى. تنبيهات: الاول: علم من كلام ابن رشد أن اللباس في الثياب كالسكنى في الدور، وأنه لا تحصل حيازة بين الاقارب ولو طالت المدة، وأن الاستقلال في الرقيق والدواب والثياب بمعنى قبض أجرة العبيد والدواب والثياب كالهدم والبنيان في العقار فلا تحصل الحيازة بين الاقارب في الرقيق والثياب والعروض إلا بالاستغلال، ويختلف في مدتها على القولين السابقين اللذين أشار إليهما المصنف بقوله: وفي الشريك القريب معهما قولان أو بالامور المفوتة كالبيع والهبة والصدقة والعتق والوطئ. ويعلم هذا من كلام المصنف لانه لما جعل مفوتا بين الاب وابنه علم أنه مفوت هي حق غيرهما من باب أحرى والله أعلم. الثاني: فهم من قول المصنف في الاجنبي أن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه، سواء كان شريكا أو غير شريك، ففيه إشارة إلى ترجيح القول بتساويهما كما تقدم ذلك. الثالث: تقدم في كلام ابن رشد الثياب يكفي في حيازتها السنة والسنتان ولم يتعرض لها المصنف، بل قد يفهم من كلامه دخولها في العروض فتنبه لذلك. الرابع: التفصيل الذي ذكرناه عن ابن رشد لا يؤخذ من كلام المصنف ولم ينقله في التوضيح وهو أتم فائدة فتأمله والله أعلم.

[ 287 ]

الخامس: في المدة التي يسقط بها طلب الدين قال في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لولد ابن فرحون: الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق الغريم في دعوى الدفع، ولا يكلف الغريم ببينة لامكان موتهم أو نسيانهم للشهادة. انتهى من منتخب الحكام لابن أبي زمنين. وفي كتاب محمد بن ياسين في مدعي دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق في القضاء إذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات. انتهى كلام المسائل الملقوطة. وقال والده ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين في القضاء في شهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق: فرع: وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازة قال عبد الملك: وقال لي مطرف وأصبغ: إذا ادعى رجل على رجل حقا قديما وقام عليه بذكر حقه وذلك القيام بعد العشرين سنة ونحوها، أخذه به وعلى الآخر البراءة منه. وفي مفيد الحكام: إن ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل إلا بطول الزمان كالثلاثين سنة والاربعين، وكذلك الدين، وإن كانت معروفة في الاصل إذا طال زمانها هكذا ومن هي له وعليه حضور فلا يقوم عليه بدينه إلا بعد هذا بطول الزمان فيقول قد قضيتك وباد شهودي بذلك، فلا شئ على المديان غير اليمين. قال: وكذلك الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي، فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شئ عليه وإلا فعليه البينة بالدفع انتهى. وقال البرزلي في أثناء مسائل البيوع: رأيت جوابا وأظنه للمازري في الديون فقال: إذا طال الزمان على الطالب وبيده وثائق وأحكام وهو حاضر مع المطلوب ولا عذر له يمنعه من الطلب من ظلم ونحوه وسكت عن الطلب، فاختلف المذهب في حد السكوت القاطع لطلب الديون الثابتة في الوثائق والاحكام، هل حد ذلك عشرون سنة وهو قول مطرف، أو ثلاثون سنة وهو قول مالك ؟ واتفقا جميعا على أن ذلك دلالة قاطعة لطلب الطالب. وقوله عليه السلام: لا يبطل حي امرئ مسلم وإن قدم معلل بوجود الاسباب المانعة من الطلب بالغيبة البعيدة وعدم القدرة على الطلب مع الحضور حتى إذا ارتفعت هذه الاسباب من الطلب كان طول المدة مع السكوت والحضور دلالة يقوى بها سبب المطلوب بدليل قوله (ص): من حاز شيئا على خصمه عشر سنين فهو أحق به فأطلق عليه السلام ذكر الحيازة فهو عام في كل ما يحاز من ربع ومال معين وغيره. ومن اجتهد فحد في الرباع العشر سنين وحد في الدين العشرين والثلاثين رأى أن ذلك راجع إلى حال الطالب مع المطلوب، فمن غلب على حاله كثرة المشاحة وأنه لا يمكن أن يسكت عن خصمه عشر سنين جعلها حدا قاطعا، ومن جعلها عشرين سنة أو ثلاثين أي أنها أقضى ما يمكن السكوت في بيع المتحمل فجعلها حدا قاطعا لاعذار الطالبين، لان الغالب من الحال أنه قضاء. وقد قضى بتغليب الاحوال عمر بن الخطاب. وقاله مالك فيمن له شئ ترك غيره يتصرف فيه ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب

[ 288 ]

من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ، وإذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعا له من الطلب. فالطلب ممنوع في سائر المطالب دون وثائق وأحكام ورباع بدليل أن السكوت في ذلك يعد كالاقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب. قلت: هذا الجواب يقتضي أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه وإذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريبه والمواصل له، فيجري عليها وفي بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر مع أني أحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم الحديث المتقدم. واختاره التونسي إذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب والطلب بسببها لان بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه. إذ العادة إذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف إذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب وإلا ففيها قولان، حكاهما ابن رشد وخرجهما على القولين في الرهن إذا وجد بيد الراهن، هل هو إبراء له أم لا ؟ لجواز وقوعه وسقوطه أو التسور عليه ونحو ذلك، وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله، وأما إذا ثبت أصله بكراء أو إعارة أو إعمار أو غير ذلك فلا يزال الحكم كذلك وإن طال الزمان والدين إن ثبت أصله أيضا وإن كان في هذا الاصل خلاف في كتاب الولاء من المدونة لكن مذهب ابن القاسم ما ذكره خلافا لقول الغير، وعليه جرى عمل القضاة في هذا الزمان بتونس ما لم تقترن قرائن تدل على دفع الدين مع طول الزمان فيعمل عليها في البراءة والله أعلم انتهى. ويشير والله أعلم بقوله: وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله إلى ما قاله في شرح المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق. ولنذكر المسألة وكلامه عليها ونصها مسألة: قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أصدق امرأة عن ابنه منزلا، فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل إلا حقولا يسيرة تركتها في يد حموها فلم تزل في يده حتى مات بعد طول زمان، ثم أرادت المرأة أخذها فمنعها ورثة الحمو وقالوا قد عاينتيها زمانا من دهرك وهي في يده ولا تشهدي عليه بعارية ولا كراء، ولا ندري لعلك أرضاك من حقك، أترى للمرأة في ذلك حقا ؟ قال: نعم لها أن تأخذ تلك الحقول التي هي مما كان أصدقها الحمو عن ابنه، ولا يضرها طول ما تركت ذلك في الحمو لانها ليست بالصدقة فتلزم حيازتها، وإنما الصداق ثمن من الاثمان، وكذلك لو تركت كل ما أصدقها في يد الحمو لم يضرها ذلك. قال ابن رشد. هذه المسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف لان حقها تركته في يد حموها فلا يضرها ذلك طال الزمان أو قصر لقول رسول الله (ص): لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق بين القرابة والاجنبيين والاصهار فيها إذا قد عرف وجه كون الاحقال بيد الحمو فهي على ذلك محمولة حتى يعرف مصيرها إليه بوجه

[ 289 ]

صحيح، لان الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل في الحكم بالحيازة وبالله التوفيق. باب في بيان الدماء والقصاص وما يتعلق بذلك ص: (إن أتلف مكلف الخ) ش: هذا باب يذكر فيه المصنف أحكام الدماء وأحكام القصاص، قال البساطي: وهو باب متسع متروك ينبغي الالتفات إليه، ولا شك أن حفظ النفوس مجمع عليه بل هو من الخمس المجمع عليها في كل ملة. قال ابن عرفة ونقل الاصوليون إجماع الملل على حفظ الاديان والنفوس والعقول والاعراض والاموال. وذكر بعضهم الانساب عوض الاموال، ونقله في التوضيح ولا شك أن قتل المسلم عمدا عدوانا كبيرة ليس بعد الشرك أعظم منها، وفي قبول توبته وإنفاذ الوعيد فيه خلاف بين الصحابة ومن بعدهم. وأخذ لمالك القولان، فأخذ من قوله لا تجوز إمامته عدم القبول، وأخذ من قوله ليكثر من العمل الصالح والصدقة والجهاد والحج القبول. واختلف في تخليده، الصحيح عدم تخليده. ورد ابن عرفة الاخذ الاول بأن التوبة أمر باطني، وموجب نصب الامامة أمر ظاهري، فلا يلزم

[ 290 ]

من منع الامامة عدم قبول التوبة. ونص كلامه: قال ابن رشد: قتل المسلم عمدا عدوانا كبيرة ليس بعد الشرك أعظم منه، وفي قبول التوبة منه وإنفاذ وعيده مذهبا الصحابة وإلى إنفاذ وعيده ذهب مالك لقوله لا تجوز إمامته. قلت: لا يلزم منه عدم قبول توبته لعدم رفع سابق حرمته، وقبول التوبة أمر باطني وموجب نصب الامامة أمر ظاهر. وقال في سماع عيسى: قول مالك ليكثر العمل الصالح والصدقة والحج والجهاد ويلزم الثغور من تعذر منه القود دليل على الرجاء عنده في قبول توبته خلاف قوله لا تجوز إمامته قال: والقول بتخليده خلاف السنة، ومن توبته عرض نفسه على ولي المقتول قودا ودية اه‍. وقال في الذخيرة عن ابن رشد أيضا في التعليل لعدم قبول توبته: لان من شروط التوبة رد التبعات ورد الحياة على المقتول متعذر إلا أن يحلله المقتول قبل موته بطيب نفسه. وقال فيها أيضا: وقال ابن شهاب: إذا سئل عن توبته سأل هل قتل أم لا ويطاوله في ذلك، " فإن تبين له أنه لم يقتل قال لا توبة وإلا قال له التوبة وهو حسن في الفتوى انتهى. وانظر الكلام على حديث أسامة والمقداد في أوائل كتاب الايمان من شرح مسلم للابي وعياض والقرطبي.

[ 291 ]

فرع: قال في الذخيرة: فإن قتل القاتل قصاصا قيل ذلك كفارة له لقوله عليه الصلاة والسلام الحدود كفارات لاهلها. وقيل: ليس بكفارات لان المقتول لا منفعة له في القصاص بل منفعته للاحياء زجرا أو تشفيا، والمراد بالحديث حقوق الله تعالى المحضة. فائدتان: الاولى: قوله تعالى * (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس) * الآية. فيها سؤال وهو وجه تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل جميع الناس وإحيائها بإحياء جميع الناس. والتشبيه في لسان العرب إنما يكون بين المتقاربين جدا، وقتل جميع الناس بعيد من قتل النفس الواحدة بعدا شديدا وكذلك إحياؤها. قال القرافي في الجواب: قال بعض العلماء: إن المراد بالنفس إمام مقسط أو حاكم عدل أو ولي ترتجى بركته العامة، فلعموم منفعته كأنه قتل من كان ينتفع به وهم المراد بالناس وإلا فالتشبيه مشكل. وقال مجاهد: لما كان قتل جميع الناس لا يزيد في العقوبة على عقوبة قاتل النفس الواحدة شبهه به. قال: وهو مشكل لان قاعدة الشرع تفاوت العقوبات بتفاوت الجنايات، ولذا توعد الله قاتل الواحد بعذاب عظيم وعيده اعتقدنا مضاعفته في حق الاثنين فكيف بجميع الناس. انتهى بالمعنى. الثانية: قوله تعالى * (ولكم في القصاص حياة) * قيل: الخطاب للورثة لانهم إذا اقتصوا فقد سلموا وحيوا بدفع شر هذا القاتل عنهم الذي صار عدوهم. وقال بعضهم: الخطاب للقاتلين لانه إذا اقتص منهم فقد محى إثمه فحيي حياة معنوية، وعلى القولين

[ 292 ]

فلا إضمار. وقيل الخطاب للناس والتقدير: ولكم في مشروعية القصاص حياة لان الشخص إذا علم أنه يقتص منه يكف عن القتل، ويحتمل أن لا يكون في الآية تقدير أيضا، ويكون القصاص نفسه فيه الحياة، أما لغير الجاني فلا نكفافه، وأما للجاني فلسلامته من الاثم. قاله في التوضيح وابن عبد السلام. والقصاص تارة يتعلق بالنفس وتارة يتعلق بالاطراف، وبدأ المصنف بالكلام على القصاص في النفس وله ثلاثة أركان: القاتل والمقتول والقتل، فبدأ المصنف بالكلام على القاتل فقال: إن أتلف مكلف الخ. وإنما قال أتلف ولم يقل قتل لان الاتلاف يشمل المباشرة والتسبب، والقتل إنما يتبادر للمباشرة، وذكر أنه يشترط في وجوب القصاص على القاتل ثلاثة شروط. الاول أن يكون مكلفا وهو العاقل البالغ فلا قصاص على صبي ولا مجنون وعمدهما كالخطأ لقوله (ص) رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق رواه أبو داود وغيره بروايات متعددة ذكرتها في حاشية الاحاديث المشتهرة. تنبيه: المرفوع في الحديث إنما هو الاثم وهو من باب خطاب التكليف، وأما الضمان فهو من باب خطاب الوضع. وخطاب التكليف هي الاحكام الخمسة الوجوب وشرط فيه علم المكلف وقدرته، وخطاب الوضع هو الخطاب بكثير الاسباب والشروط والموانع ولا يشترط فيها علم المكلف ولا قدرته ولا كونه من كسبه، فيضمن النائم ما أتلفه في حال نومه من الاموال في ماله، وكذلك ما أتلفه من الدماء غير أنه إن كان دون ثلث الدية فعليه الدية، وإن بلغ ثلث الدية فأكثر فهو على عاقلته، وليس هذا بمعارض للحديث المذكور لما قدمناه من كونه من باب خطاب الوضع الذي معناه أن الله تبارك وتعالى قال: إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني حكمت بكذا والله أعلم. فرع: فإن قتل المجنون في حال إفاقته اقتص منه. قاله في المدونة وغيرها. قال في التوضيح: ويقتص منه في حال إفاقته ابن المواز: فإن أيس من إفاقته كانت الدية عليه في ماله، وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه إن شاؤا. قال: ولو ارتد ثم جن لم أقتله حتى يصح لاني أدرأ الحدود بالشبهات ولا أقول هذا في حقوق الناس. ورد اللخمي أن يكون الخيار لاولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا هذا المجنون وإن شاؤا أخذوا الدية إن كان له مال وإلا اتبعوه بها انتهى. وقال في الشامل: فإن أيس من إفاقته، فهل يسلم للقتل أو تؤخذ الدية من ماله ؟ قولان: وقال اللخمي: يخير الولي في أيهما شاء انتهى. فساووا بين القولين مع أن الثاني لابن المواز.

[ 293 ]

فرع: فلو أشكل على البينة أقتل في حال عقله أو جنونه قال ابن ناجي في شرح الرسالة: فقال بعض من لقيناه من القرويين: لا يلزمه شئ وهو الصواب. وقاله شيخنا أبو مهدي معللا بأنه شك في المقضى عليه لان القاضي لا يحكم عليه إلا بعد أن تشهد عنده البينة أنه قتل في حال كونه في عقله انتهى. ودخل في كلامه السكران وهو كذلك والرقيق ولهذا بالغ به فقال وإن رق. ثم أشار إلى الشرط الثاني بقوله غير حربي يعني أن الحربي لا يقتص منه إذا قتل في حال حرابته. ثم أشار إلى الشرط الثالث بقوله ولا زائد حرية أو إسلام يعني فلا يقتل الحر بالعبد إلا أن يكون الحر كافرا والعبد مسلما، فيقتل الحر الكافر بالعبد المسلم على المشهور خلافا لسحنون وهو أحد قولي ابن القاسم. وقوله أو إسلام أي فلا يقتل المسلم بالكافر ولو كان المسلم عبدا والكافر حرا. قال في البيان: اتفاقا. وقوله حين القتل يعني أن المعتبر في التكافؤ حين القتل، فلو أسلم الكافر بعد أن قتل كافرا قتل به، وكذلك لو عتق العبد بعد قتله عبدا فإنه يقتل به. فرع: قال في المجموعة في نصراني قتل نصرانيا عمدا ولا ولي له إلا المسلمون ثم أسلم قال: العفو عنه أحب إلي إذا صار الامر للامام لان حرمته الآن أعظم من المقتول، ولو كان للمقتول ولد كان القود لهم. وقوله إلا لغيلة قال في التوضيح في باب الحرابة: الغيلة أن يخدع غيره ليدخله موضعا ويأخذ ماله انتهى. وقال ابن عرفة: الباجي عن ابن القاسم: قتل الغيلة حرابة وهو قتل الرجل خفية لاخذ ماله انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: قال أهل اللغة: قتل الغيلة هو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع خفية فإذا صار فيه قتله، فهذا يقتل به ولا عفو فيه. قال: ونقل عن أصحابنا وأظنه البوني أنه اشترط في ذلك أن يكون القتل على مال. قال: وأما النائرة بينهما وهي العداوة فيجوز العفو عنه. قال ابن ناجي: ما ظنه عن البوني مثله نقل الباجي عن العتبية والموازية وذكر لفظه المتقدم. قال ابن ناجي: قال الباجي: ومن أصحابنا من يقول: هو القتل على وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ. وقبله ابن زرقون انتهى. وقال عياض: يعني اغتاله لاخذ ماله ولو كان لنائرة ففيه القصاص والعفو فيه جائز. قاله ابن أبي زمنين وهو صحيح جار على الاصول لان هذا غير محارب، وإنما يكون له حكم المحارب إذا أخذ المال أو فعل ذلك لاجل المال اه‍. ونقله أبو الحسن الصغير. وكذلك قال ابن رشد في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين أن قتل الغيلة هو القتل على مال انتهى. فرع: والغيلة في الاطراف كالغيلة في النفس. قال في أثناء كتاب الديات من المدونة: ومن قطع يد رجل أو فقأ عينه على وجه الغيلة فلا قصاص له والحكم للامام إلا أن يتوب قبل أن يقدر عليه فيكون فيه القصاص انتهى.

[ 294 ]

فرع: والمرأة كالرجل في الغيلة. ال أبو الحسن هنا فرع: اختلف إذا أقام بقتل الغيلة شاهدوا هل فيه قسامة أم لا ؟ انظر أبا الحسن. فرع: قال في المدونة: ومن قتل وليه غيلة فصالح فيه على الدية فذلك مردود والحكم فيه للامام. قال أبو الحسن: إلا أن يحكم به حاكم. ثم أشار إلى الركن الثاني بقوله معصوما يعني أنه يشترط في وجوب القصاص أن يكون المقتول معصوما، وظاهره وسواء أنفذت مقاتله أم لا. وانظر المسألة في سماع يحيى وعيسى وابن أبي زيد من الديات فإن ابن رشد ذكر فيمن أجهز على من أنفذ مقاتله شخص آخر هل يقتل به الاول أو الثاني قولين. وقال في الشامل: ولو أنفذ واحد مقاتله وأجهز عليه ثان قتل وعوقب الاول، وقيل بالعكس. ص: (وأدب كمرتد وزان أحصن) ش: وكذا المحارب والزنديق. قال ابن عرفة: قال محمد: لا شئ على من قتل زنديقا: اللخمي: وكذا الزاني المحصن والمحارب، ولا دية لهم إن قتلوا خطأ. وفي الموازية: من قطع يد سارق خطأ فلا دية له. وقال في موضع آخر: له ديتها. فعليه تجب الدية في هذين إن قتلا خطأ وإن قطع لهما عضو فلهما القصاص في العمد والدية في الخطأ، لان الحد إنما وجب في النفس لا في العضو. قال عيسى: من اغتاظ من ذمي يشتم النبي (ص) فقتله، فإن كان شتما يوجب قتله وثبت ذلك ببينة فلا شئ عليه، وإن لم يثبت ذلك فعليه ديته وضرب مائة وسجن عاما انتهى. وقال في التوضيح: ونص على نفي القصاص عن قاتل المرتد ولو كان القاتل نصرانيا اه‍. ولا معارضة بين هذا وبين قوله في الديات إن دية المرتد كدية المجوسي، لانه إنما نفى هنا القصاص والكلام هناك في الديات ونفى أحدهما لا يستلزم نفي الآخر. وأما الزاني المحصن فليس فيه دية، والفرق بينهما أن المرتد تجب استتابته على المذهب فكان قاتله قتل كافرا محرم القتل بخلاف الزاني المحصن فتأمله. تنبيه: قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يختلف في مقدار أدبهم، فمن طلب الستر عليه كالزاني المحصن تكون الجرأة على القاضي بقتله أكثر، وكفر الزندقة أشد من كفر الارتداد الظاهر انتهى. يعني فيكون الادب في كفر الارتداد أشد والله أعلم. تنبيه: قال أبو الحسن في كتاب الديات: قالوا: وهذا إذا كان هناك من ينصفه ويمكنه من حقه. قال أبوعمران: الذي يقتل وليه رجل فلا يمكن من أخذ حقه عند السلطان فيقتل الولي قاتل وليه غيلة أو باحتيال أنه

[ 295 ]

لا أدب عليه ولا شئ، لانه إذا لم يكن السلطان ينصفه فهو يأخذ حقه بنفسه انتهى. فائدة: من هذا المعنى ما قاله البرزلي في كتاب الاقضية في أثناء مسألة وهي تجري عندي على قاعدة من فعل فعلا لو رفع إلى القاضي لم يفعل غيره هل يكون بمنزلة ما لو رفع أم لا ؟ انتهى. ص: (فالقود عينا) ش: يعني إذا وقعت الجناية بالشروط المذكورة على النفس أو المال فالواجب في ذلك عند ابن القاسم إنما هو القود أي القصاص، وليس لورثة المقتول أن يعفوا على الدية. وكذلك ليس للمجني عليه في الجراح أن يعفو على الدية وهو مذهب ابن القاسم خلافا فالاشهب فإنه قال: الواجب التخيير بين القصاص وبين الدية، وهو اختيار جماعة من المتأخرين لما في الصحيحين عنه (ص) أنه قال من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يؤدي الدية وإما أن يقاد. وعلى قول أشهب بتخيير الاولياء بين القصاص وبين الدية فإن طلب الاولياء منه الدية فإنه يجبر على ذلك إن كان مليا. قال ابن يونس: قال مالك: وقاتل العمد يطلب منه الاولياء الدية فيأبى إلا أن يقتلوه فليس لهم إلا القتل. قال الله تعالى * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * وقال أشهب: ليس له أن يأبى ويجبر على ذلك إن كان مليا لانه في قتل نفسه ليترك ماله لغيره مضار. وروي عن النبي (ص) أنه جعل للاولياء إن أحبوا أن يقتلوا فليقتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية، وقاله ابن المسيب انتهى. قال في التوضيح: قال جماعة: والخلاف إنما هو في النفس، وأما جراح العمد فيوافق أشهب المشهور. ونقل عن ابن عبد الحكم التخيير في جراح العمد كالنفس، وفرق الباجي بين الجرح والنفس على رواية أشهب بأن الجارح يريد استيفاء المال لنفسه، والقاتل إنما يترك المال لغيره فهو مضار بامتناعه من الدية انتهى. وقد يكون بعض الناس وارثه أعز عنده من نفسه والله أعلم انتهى. تنبيه: يستثنى من هذا إذا جرح العبد عبدا مثله أو قتله فإن لسيد المجروح أو المقتول أن يقتص له، وله أن يختار أخذ العبد الجاني. فإن اختار القصاص فلا إشكال، وإن استحيا العبد الجاني خير سيده في فدائه بدية الحر أو بقيمة العبد، وفي إسلامه وفي الجراح يخير بين أن يسلمه أو يفديه بأرش ذلك الجرح إن كان له أرش مسمى، وإن لم يكن له أرش مسمى، فإن حصل عنه عيب خير بين إسلامه وفدائه بما يوجبه ذلك العيب، وإن لم يحصل عيب فليس فيه إلا القصاص إن كا المجني عليه عبدا، وإن كان حرا فلا شئ فيه إلا الادب كما سيأتي عند قول المصنف إلا ناقصا جرح كاملا.

[ 296 ]

تنبيه: فإذا جرح عبد عبدا وبرئ قبل أن يعلم سيده فإنه يدعى الجارح فيقال صف الجرح واحلف على ما ذكرت، فإن امتنع فانظر هل يقال للسيد صف الجرح واحلف عليه سواء أراد القصاص أو أراد أخذ الارش أو يفصل في ذلك، فإن أراد القصاص قيل للعبد صف الجرح واقتص، وإن أراد الارش قيل للسيد صف الجرح واحلف عليه لم أر فيه نصا، والظاهر أنه يجري الخلاف فيما إذا قام للعبد شاهد واحد بالجرح، فهل يحلف السيد معه مطلقا سواء أراد القصاص أو الارش ؟ قال في المقدمات في كتاب جنايات العبد: وهذا قول مالك، أو يفصل في ذلك وهو قول أصبغ والمغيرة انتهى. وسئلت عن ذلك في عبدين ضرب أحدهما صاحبه بعضا على حاجب عينه فشجه وأسال دمه بجرح العصا، فضربه الآخر بجنبية تحت ثديه، فهل لكل واحد منهما القصاص من جارحه أم لا يجب في ذلك إلا الارش، أم يجب الارش في جرح العصا والقصاص في جرح الآخر ؟ وإذا اندمل الجرحان قبل القصاص ولم يجد كل واحد من سيد العبدين بينة تشهد بمقدار عرض جرح عبده، فما يكون الحكم في ذلك ؟ وهل يجب بالدعوى في الجراحة أن يعين عرضها وقدرها أم لا ؟ فأجبت: لسيد كل واحد من العبدين أن يقتص من جارح عبده، وله أن يأخذ العبد الجارح لعبده إلا أن يفديه سيده بأرش ذلك الجرح إن كان له أرش مسمى، فإن لم يكن له أرش مسمى، فإن برئ الجرح على شين فما نقصه ذلك الشين، وإن لم يكن فيه شين فليس فيه إلا القصاص، وسواء كان الجرح بعصا أو بغيرها. وقول أصحابنا لا قصاص في ضربة العصا إنما يريدون إذا لم يكن عنها جرح. وإذا اندمل الجرحان قبل القصاص ولم يوجد من يشهد عليها فإنه يقال للجارح صف قدر الجرح الذي جرحته وغوره واحلف عليه ولا يلزمك غيره، فإن أبى لم أر فيه نصا، والظاهر أنه ينظر، فإن أراد سيد العبد المجروح الارش قيل له صف الجرح واحلف عليه ولا يلزمك غيره، وإن أراد القصاص فيختلف فيه هل يحلف هو أو يحلف العبد على الخلاف فيما إذا قام للعبد شاهد واحد بالجرح، فإن امتنعا من الحلف لم يجب من الجراح إلا ما لا يشك فيه والله أعلم. فرع: فإن شهدت البينة على الجرح ولم تعرف قدره أو اسمه أو كتبته في ورقة وضاعت فقال في النوادر في ترجمة من يستقيد للمجروح وكيف يقاد من الجراح ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا جرحه موضحة وعليه بينة لا يدري كم طولها فقد ثبت له موضحة وليس في العمد إلا القود فليوقف الشهود على أقل موضحة، فإن وقفوا عنده ولم يجاوزوه وحلف المشهود عليه على ما فوق ذلك وقيد منه بذلك، وإن لم يحلف حلف الآخر واستقاد ما ادعى. قال سحنون فيمن جرح رجلا عمدا ولم يؤخذ قياس الجرح حتى برئ، فليدع الجارح فيوصف قد ضربته وأين بلغت ويحلف على ذلك ويقتص منه على ما أقر به، وإن لم يصف وأبى قيل للمجروح صف ذلك واحلف فيحلف ويقتص له منه، وإن أبى نظر إلا ما لا يشك فاقتص بقدر ذلك. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم في المجروح عمدا يكتب قياس جرحه حتى

[ 297 ]

يبرأ فيذهب الكتاب ولا تثبت البينة طوله وغوره وقد أصابه من ذلك عيب أو شلل فليستنزل البينة من معرفة الجرح إلى ما لا يشكون فيه، فإن ثبتوا على أمر اقتص منه على قدر ذلك، فإن عابه أو أشله كالاول وإلا عقل له العيب والشلل. قيل: أتقبل شهادة الذي عقل جرحه وعرف طول غوره وإن لم يعرف غوره ؟ قال: نعم مع يمينه انتهى. وانظر كتاب الشهادات ففيه بعض شئ يتعلق بهذا. ص: (ولو قال إن قتلتني أبرأتك) ش: قال ابن الحاجب: ولو قال للقاتل إن قتلتني أبرأتك أو قد وهبت لك دمي فقولان. قال ابن القاسم: وأحسنهما أن يقتل بخلاف عفوه بعد علمه أنه قتله، فلو أذن في قطع يده عوقب ولا قصاص. قال في التوضيح: هذا الذي نسبه المؤلف لابن القاسم. وذكر في الجواهر أن أبا زيد رواه عن ابن القاسم هو في العتبية لسحنون وذكر لفظ العتبية ثم قال: وزاد في البيان ثالثا فنفى القصاص لشبهة عفو القصاص من المقتول وتكون الدية عليه في ماله. قال: وهو أظهر الاقوال انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذكره لفظ العتبية: وفي النوادر عن ابن أبي زيد عن ابن القاسم مثل لفظ سحنون، ثم ذكر عن الصقلي أنه نقل عن سحنون نفي القصاص خلاف اختياره في العتبية ونصه: قال الصقلي في كتاب الجعل والاجارة وروى ابن سحنون عنه: من قال لرجل اقتلني ولك ألف درهم فقتله فلا قود عليه ويضرب مائة ويحبس عاما ولا جعل له. وقال يحيى بن عمر: للاولياء قتله. قال: ولو قال اقتل عبدي ولك كذا أو بغير شئ فقتله ضرب مائة وحبس، وكذا السيد يضرب ويحبس. واختلف هل تكون على القاتل قيمة العبد أم لا ؟ فالصواب لا قيمة له كما لو قال له احرق ثوبي ففعل فلا غرم. الشيخ: روى ابن عبدوس: من قال لرجل اقطع يدي أو يد عبدي عوقب المأمور ولا غرم عليه في الحر والعبد. ابن حبيب عن أصبغ: يغرم قيمة العبد لحرمة القتل كما تلزمه دية الحر إذا قتله بإذن وليه انتهى. وفي سماع سحنون من كتاب الجنايات قيل لسحنون: أصبغ يقول يغرم قاتل العمد بأمر سيده قيمته فقال: ليس هذا بشئ لا قيمة على القاتل لان صاحبه عرضه للتلف والعبد مال من الاموال، وليس على من أتلفها بإذن ربها شئ، ويضرب القاتل مائة ويسجن ويؤدب الآمر أدبا موجعا. ابن رشد: لاصبغ في الواضحة مثل قوله هنا إلا أنه قال: إنما أغرمته لحرمته على قوله وقال: يضرب السيد والقاتل مائة سوط ويسجنان عاما. وقول أصبغ في الواضحة إنما أغرمه القيمة لحرمته ليس بجيد لان إغرامه القيمة لحرمته ليس على قوله إنما هو من باب العقوبة بالاموال، وإذا عوقب القاتل بغرم ما لا يجب عليه غرمه

[ 298 ]

فالسيد أحق أن لا يعطى القيمة لحرمته بالامر بقتل عبده. ولو قال أصبغ إنما أغرمه القيمة لاسقاط سيد العبد إياها عنه قبل وجوبها له عليه إذ لا تجب عليه إلا بعد قتل العبد لكان له وجه، لان لزوم إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه. انتهى. ص: (وقتل الادنى بالاعلى كحر كتابي بعبد مسلم) ش: لما تقرر أن الاسلام أعلا حرمة وأعظم من الحرية كان من انفرد به من القاتل والمقتول هو الاعلا. ولما قدم المؤلف رحمه الله أن كون القاتل زائدا على المقتول بالحرية أو الاسلام مانعا، نبه على أن كون القاتل أدنى من المقتول لا يمنع القصاص. والمعنى أن الادنى إذا قتل الاعلا فإنه يقتل به. ثم مثل ذلك بفرع يتردد فيه النظر وهو إذا قتل الحر الكتابي عبدا مسلما فاختلف هل يقتل الحر الكتابي بالعبد المسلم وهو قول ابن القاسم، أو لا يقتل به وعليه قيمته لانه كسلعة وهو قول سحنون ؟ قال ابن رشد في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الديات في شرح قوله في نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا: قال: أرى أن يقتل به. وقال سحنون: عليه قيمته وهو كسلعة من السلع. ابن رشد: قوله وأرى أن يقتل به. معناه إن

[ 299 ]

أراد سيد العبد أن يستقيد من الكتابي، وأما إن أراد أن يضمنه قيمة عبده ولا يقتله به فلا اختلاف في أن له ذلك، وإنما الاختلاف إذا أراد أن يقتله به فقيل ليس له ذلك وهو الاظهر من جهة اتباع ما في القرآن، وقيل إن ذلك له وهو أظهر من جهة المعنى، ثم استظهر القول الثاني ونقله ابن عرفة وقبله وهو خلاف ما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب ويقتل الحر الذمي بالعبد المسلم والقيمة هنا كالدية ونصه: أشار بقوله والقيمة هنا كالدية إلى أن سيد العبد لو أراد أن يلزم الذمي قيمة العبد لجرى على الخلاف بين ابن القاسم وأشهب في الدية. فعلى قول ابن القاسم ليس للسيد إلا قتل الذمي أو يعفو، وليس له أن يلزمه قيمة العبد. وعلى قول أشهب يكون للسيد هنا أن يلزم الحر القيمة انتهى. وأصله لابن عبد السلام. والظاهر ما قاله ابن رشد لانه قد صرح في المدونة بأنه إذا جرح عبد عبدا أو قتله أن سيد المجروح أو المقتول مخير بين أن يستقيد أو يأخذ الارش كما سيأتي والله أعلم. ولو قال المؤلف الذمي بدل الكتابي كما قال ابن الحاجب كان أحسن. وفهم من كلام المؤلف حيث جعل الحر الكتابي أدنى من العبد المسلم أن العبد المسلم لا يقتل إذا قتل الحر الكتابي وهو كذلك. قال في التوضيح: وحكى صاحب البيان الاتفاق على ذلك انتهى. قال ابن الحاجب: وسيد العبد مخير في افتكاكه بالدية أو إسلامه فيباع لاوليائه. قال في التوضيح: وحكى صاحب البيان أنه يباع بدية الحر الذمي ويباع لاولياء الذمي لعدم جواز ملك الكافر للمسلم، وظاهر كلامه أنه إذا بيع يدفع جميع الثمن لاولياء الذمي وإن كان أكثر من ديته وهو قول ابن القاسم في المدونة وقاله مالك. وقال مطرف وابن الماجشون: إن فضل فضل فلسيده أصبغ والاول أصوب. انتهى من التوضيح ص: (والكفار بعضهم ببعض) ش: ابن عرفة: روى علي: قتل اليهودي بالمجوسي ونقص الدية لغو كالرجل بالمرأة. انتهى. ص: (كذوي الرق) ش: قال في كتاب جنايات العبيد: والقصاص بين الملاك بينهم كهيئته في الاحرار نفس الامة بنفس العبد وجرحها كجرحه يخير السيد المجروح إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل إلا أن يسلم إليه الجاني سيده. وإن جرح عبد عبدا عمدا فقال سيد المجروح لا أقتص ولكن أخذ العبد الجارح إلا

[ 300 ]

أن يفديه سيده بالارش، وقال سيد الجارح إما أن تقتص أو تدع، فالقول قول سيد المجروح، وكذلك في القتل. أبو الحسن عن ابن يونس: لان نفس القاتل قد وجبت لسيد المقتول، فإن شاء قتله أو أحياه، فإن أحياه صار عمده كالخطأ فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يسلمه أو يفديه. والفرق بين العبد وبين الحر يقتل حرا فيعفى عنه على الدية فيأبى أن ذلك لا يلزمه على قول ابن القاسم أن العبد سلعة تملك، فلما جاز قتله وإتلافه على سيده جاز استرقاقه وخروجه عن ملكه، والحر لا يملك فلا يجوز أخذ ماله إلا بطوعه. وأيضا فإنه يقول أؤدي قصاصي وأبقي مالي لورثتي، والعبد لا حكم له في نفسه ولا حجة لسيده لان قتله عليه وأخذه سواء إلا أن يدفع الارش فلا حجة لورثة المقتول لانهم رفعوا عنه القود فصار فعله كالخطأ، ولا يستقيم ذلك في الحر لانه تكون الدية على عاقلته وهي لا تحمل شيئا من عنده فأمرهما مفترق انتهى. فرع: إذا كان السيد عبدا وقتل عبده ففي القصاص قولان، نقلهما ابن سلمون ثم قال: وفي الزاهي لابن شعبان: ومن قتل عبده لم يقتل به وإن كان عبدا. انتهى. ص: (وإن قتل عبد عمدا ببينة أو قسامة) ش: احترز بقوله ببينة أو قسامة من إقرار العبد بذلك فإن الحكم حينئذ مخالف لما ذكر نص عليه في المدونة ونصه: وإن أقر العبد أنه قتل حرا عمدا فلوليه القصاص، فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك، وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له انتهى. أبو الحسن: قال أبوعمران: وأما إن كان عالما أنه عفا إن قتل العبد يبطل فلا قتل له انتهى. وقبله بيسير في المدونة قال ابن القاسم: وما أقر العبد به مما يلزمه في جسده من قتل أو قطع أو غيره فإنه يقبل إقراره. قال ابن زياد: إذا أقر طائعا غير مسترهب وما آل إلى غرم على سيده فلا يقبل إقراره إلا ببينة على فعله مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها ولم تكن متعلقة به بجرح أو بقتل أو خطأ أو باختلاس مال أو استهلاكه أو سرقة لاقطع فيها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله فلا يصدق ولا يتبع بشئ من ذلك إذا عتق انتهى. ونبه على ذلك ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح في قول ابن الحاجب في كتاب الاقضية في جواب دعوى القصاص على العبد ودعوى الارش على السيد. ونقله ابن عرفة في أول كتاب الاقرار من مختصره، وحاصله كما قال في الرسالة: وإقرار العبد فيما يلزمه في بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له، يريد إلا المأذون فإن إقراره في ماله جائز. انظر ابن عرفة أول الاقرار والشيخ أبا الحسن الصغير هنا والله أعلم.

[ 301 ]

فرع: قال في المدونة قال ابن القاسم وإذا جنى العبد على سيده فلا شئ عليه. أبو الحسن: لانه مملوك لسيده بالاصالة فلا يقال يكون له رهنا بالجناية لانه تحصيل حاصل، وهذا يقتضي أنه إن جنى على سيده وعلى أجنبي فيخير سيده في أن يفتكه كله بدية جناية الاجنبي وبين إسلامه كله في جناية الاجنبي ولا يقاصه بجنايته. قاله ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الديات، وقاس عليه أشهب عبد المرأة ذات الزوج يضرب بطنها وهي جامل فألقت جنينا ميتا أن المرأة مخيرة بين أن تدفع إلى زوجها ما يصيبه من دية الجنين وتحبس العبد، وبين أن تدفع جميع العبد. قال: ولا شئ لها من العبد لان جنايته على سيدته كجنايته على سيده وعلى أجنبي معه انتهى. ص: (خير الولي) ش: يعني يخير الولي بين أن يقتل العبد أو يستحييه، فإن اختار العبد القتل فله ذلك، وإن استحياه خير سيده في إسلامه أو فدائه، فإن اختار سيده فداءه فإنه يفديه بدية الحر. قاله في المدونة في كتاب جنايات العبيد منها. وفي موضع آخر قال ابن عبد السلام بعد أن قرر المسألة: وهذا الكلام لا إشكال فيه على أصل أشهب في الحر يقتل الحر أن لولاة الدم أن يقتلوه أو يلزموه الدية. وأما ابن القاسم الذي يقول ليس لهم على القاتل إلا القتل وليس لهم أن يلزمون الدية، فقد يفرق له بأن المطلوب في مسألة الحر هو القاتل لنفسه وله في التمسك بماله غرض إرادة غنى ورثته بعده، والمطلوب هنا غير القاتل وهو السيد، ولا ضرر عليه في واحد من الامرين اللذين يختارهما ولي الدم بل له إن اختار الولي الاستحياء بما ذكرناه مما هو أخف إن شاء سلم العبد وإن شاء دفع ديته انتهى. وذكره في التوضيح. وقال ابن عرفة: وجعل ابن عبد السلام تخيير ولي قتيل العبد في قتله واستحيائه جاريا على أصل أشهب في جبر الحر على الدية غير جار على أصل ابن القاسم فيه. وأجاب بأن جبر الحر على الدية يضر به لان له وارثا قد يرجح مصلحته على نفسه، والمطلوب في مسألة العبد غير القاتل وهو السيد ولا ضرر عليه في واحد من الامرين اللذين يختارهما الولي انتهى. قلت: قوله المطلوب في مسألة العبد غير صحيح ضرورة إذ لا طلب عليه بحال فقد يفرق بأن الحر يجبر على أمر يتكلفه وهو الدية والعبد لا يكلف بشئ، وبأن للولي حجة في العبد وهو أنفته أن يأخذ في دم وليه دم عبد وهو لا يكافئه انتهى. أما تفرقة ابن عرفة الاولى فهو معنى كلام ابن عبد السلام بعد حذفه منه أن المطلوب في المسألة الاولى القاتل، وفي الثانية غير القاتل وهو السيد. ورد على ابن عبد السلام في كلامه هذا إنما يصح إذا فهم أن المراد بقوله المطلوب المطلوب بالدم، والظاهر أن ابن عبد السلام لم يرد هذا لوضوحه إذ من المعلوم أنه لو فات العبد سقط القود، وإنما عنى بالمطلوب المأخوذ منه المال فهو في مسألة الحر القاتل، وفي مسألة العبد السيد، لانه مطلوب بإسلام العبد أو فدائه وهو لا ضرر عليه في واحد من الامرين، لان إسلامه لولي الدم ملكا مساو لقتله وهو معنى ما تقدم نقله عن ابن يونس عند

[ 302 ]

قوله كذي الرق فراجعه. وتفرقة ابن عرفة " الثانية غير ظاهرة لانها إنما تصح لو كان هذا الحكم أي تخيير الولي خاصا بما إذا كان المقتول حرا، وقد علمت أن الحكم عام سواء كان المقتول حرا أو عبدا كما تقدم عن المدونة فتأمله والله أعلم. فرع: قال ابن عبد السلام هنا في قتل العبد عمدا: واختلف هل تكون الدية حالة أو مؤجلة ؟ وقد تقدم أن مسألة اصطدام العبد مع الحر تدل على الحلول انتهى. قال ابن الحاجب: ولو اصطدم حر وعبد فثمن العبد في مال الحر ودية الحر في رقبة العبد. قال في التوضيح: المراد بالثمن القيمة لكن تبع المؤلف لفظ المدونة يعني إن ماتا، فإن كانت القيمة أكثر من دية الحر كان الزائد لسيد العبد في مال الحر، وإن كانت دية الحر أكثر لم يكن على السيد من ذلك شئ. عمد: إلا أن يكون للعبد مال فيكون بقيمة العقل في ماله، وأخذ ابن رشد من هنا أن مذهب المدونة في جناية العبد أنها على الحلول لان قيمة العبد في مال الحر حالة، فلما قال يتقاصان ولم يقل يأخذها ويؤدي السيد الدية التي جناها عبده منجمة، دل على أنها حالة، وقال أصبغ بخلاف هذا وهو أن سيد العبد يخير في جنايته على الحر خطأ بين أن يسلمه أو يفديه بها منجمة انتهى. ونقله ابن عرفة والرجراجي والله أعلم. مسألة: قال في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الجنايات: وسئل ابن القاسم عن عبد جرح رجلا ثم أبق. فقال المجروح لسيد العبد إما أن تدفع إلي قيمة جرحي، وإما أن تخلي بيني وبين العبد أطلبه، فإن وجدته فهو لي قال: لا خير فيه، هذه مخاطرة إن وجده غير صاحبه، وإن دفع إليه قيمة الجرح لم يدر لعل العبد قد مات فلا خير فيه وقد بلغني أن مالكا قاله. ابن رشد: هذا بين على ما قال، لان العذر فيه بين والواجب في ذلك على قوله أن يرجأ الامر إلى أن يوجد العبد فيخير سيده، واتفاقهم على هذه المسألة يقتضي صحة قول أصبغ في مسألة التفليس اه‍. ومسألة التفليس تقدمت والله أعلم. مسألة: قال في رسم العشور من سماع عيسى من الجنايات: وسأل: العبد يقتل الحر عمدا فيسلم إلى وليه فيستحييه، أيباع عليه ؟ قال: لا إلا أن يخاف أن يمثل به إن عفا عنه. ابن رشد: هذا بين لا إشكال فيه. مسألة: فإن قتل ولي الدم العبد فلا إشكال أن ماله لسيده إن استحياه، فإن فداه سيده فماله لسيده، وإن أسلمه فهل يتبعه ماله قال الرجراجي: فيه قولان في العتبية والله أعلم. وأما إن جنى على العبد بعد أن جنى فأرش جنايته للمجني عليه إن أسلمه السيد. انظر ما في كتاب الجنايات من البيان وأظنها في سماع يحيى وأصبغ والله أعلم. مسألة: وإذا جنى العبد على شئ من الاموال ولزم رقبته فالمخير سيد العبد الجاني بين أن يسلمه بما استهلك أو يفتكه. قال في المقدمات في كتاب الجنايات فصل في جناية العبيد على

[ 303 ]

الاموال: لا يخلو إما أن يؤتمنوا عليها أم لا. فإن ائتمنوا عليها بعارية أو كراء أو وديعة أو استعمال أو ما أشبه ذلك فإن ذلك على وجهين: أحدهما أن يستهلكه بالفساد والهلاك، والثاني أن يستهلكه بالانتفاع به، فإن استهلكه بالفساد والهلاك ففيه قولان: أحدهما أن ذلك في رقبته وهو قول ابن الماجشون، والثاني أن ذلك في ذمته وهو قول ابن القاسم. وأما إن استهلكه بالانتفاع مثل أن يكون ثوبا فيتعدى عليه فيبيعه ويأكل ثمنه أو طعاما فيأكله وما أشبه ذلك، فهذا لا خلاف أنه في ذمته لا في رقبته. وأما جنايتهم على ما لم يؤتمنوا عليه فذلك في رقابهم كانت لحر أو لعبد، يخير سيد العبد الجاني بين أن يسلمه بما استهلكه من الاموال أو يفتكه بذلك، كان ما استهلكه من الاموال أقل من قيمته أو أكثر، إلا أن يرضى المجني عليه بأقل من ذلك إن كان حراما مالكا لنفسه أو مأذونا له في التجارة. وأما إن كان عبد محجورا عليه أو صبيا مولى عليه فلا يجوز إلا بإذن سيد العبد أو ولي اليتيم انتهى وقاله الرجراجي وغيره وزاد: قال ابن حارث في باب أحكام العبد من كتاب أصول الفتيا له: ومن حكم العبد في جنايته كانت جنايته على نفسه أو على مال عمدا أو خطأ أن يخير السيد بين أن يفتكه من الجناية ويبقى كما كان قبل الجناية. وقال في المنتقى في كتاب الاقضية في قضية المزني لما سرق عبيد حاطب ناقته ونحروها وأغرم عمر رضي الله عنه حاطبا قيمتها وأضعفها ما نصه: مسألة: ولو كان للعبيد أموال فقد قال أصبغ: إنما يكون غرمها في أموال العبيد لو كانت لهم أموال، وإلا فلا شئ، وإنما يكون في رقابهم ما كان من سرقة لا قطع فيها فيخير السيد بين إسلامهم أو افتكاكهم بقيمتها. وقال ابن المواز: لا يتبع في السرقة التي يقطع فيها في رقه ولا عتفه ولا فيما بيده من ماله. ولو ثبت ذلك بالبينة إذا لم توجد بعينها لان ماله إنما صار له بعد العتق انتهى. ص: (إن قصد ضربا) ش: يعني قصد ضرب من لا يجوز له ضربه، وسواء قصد الشخص المضروب نفسه أو قصد أن يضرب شخصا عدوانا فأصاب غيره. أما لو قصد ضرب من يحل له ضربه فأصاب غيره وهو خطأ قال في النوادر في ترجمة صفة العمد والخطأ: قال ابن المواز: ومن قتل رجلا عمدا يظنه غيره ممن لو قتله لم يكن فيه قصاص، فهو

[ 304 ]

من الخطأ لا قصاص فيه، وقد مضى ذلك في مسلم قتله مسلمون بعهد النبي (ص) يظنونه من المشركين فوداه عليه السلام ولم يهدره. انتهى ونقله الرجراجي في شرح المدونة. قال في المقدمات: القتل على ثلاثة أوجه: الاول إذا لم يعهد للقتل ولا للضرب مثل أن يرمي الشئ فيصيب به إنسانا فيقتله، أو يقتل المسلم في حرب العدو وهو يرى أنه كافر وما أشبه ذلك، فهذا هو قتل الخطأ بإجماع لا يجب فيه القصاص وإنما فيه الدية على العاقلة والكفارة في ماله انتهى. تنبيه: قوله: إن قصد ضربا يريد على وجه الغضب لا على وجه اللعب والادب. قال في المقدمات: فإن قصد الضرب ولم يقصد القتل وكان الضرب على وجه الغضب، فالمشهور عن مالك المعروف من قوله إن ذلك عمد وفيه القصاص، وقال في التوضيح: وأما اللعب ففي المقدمات فيه ثلاثة أقوال. أولها أنه خطأ. قال: وهو مذهب ابن القاسم ورواية عن مالك في

[ 305 ]

المدونة. انتهى. وقال في الشامل: فإن كان في لعب فخطأ على الاصح، وثالثها إن تلاعبا معا فكذلك، وإن ضربه ولم يلاعبه الآخر فالقود، انتهى ص: (قصد الضرر وهلك المقصود وإلا فالدية) ش: يعني أن من فعل شيئا ممن تقدم لقصد الضرر لمعين أو لغير معين أو لاهلاك سارق أو الدواب التي تأكل زرعه فإنه ينظر، إن فعله لمعين وهلك المقصود ففيه القصاص. وقوله: وإلا فالدية شامل للصورتين: الاولى أن يقصد ضرر شخص معين فيهلك غيره. الثانية لا يقصد شخصا معينا. والحكم في الصورتين سواء كما صرح به في المدونة وغيرها وفي التوضيح. ومفهوم قوله: قصد الضرر أنه لو لم يقصد ضرارا فلا شي عليه وهو كذلك. قال في أول سماع أصبغ من كتاب الاقضية: قال أصبغ بن الفرج: سألت ابن القاسم عن الرجل يكون له الزرع فتغير فيه دواب الناس فتفسده، فيريد صاحب الزرع أن يحفر حول زرعه حفير المكان الدواب وقد تقدم إلى أصحابها وأنذرهم فيحفر فيقع بعض تلك الدواب في ذلك الحفير فتموت، أترى عليه ضمانا ؟ قال: ليس عليه شئ ولو لم ينذرهم ولم يتقدم إليهم. وقاله أصبغ وهو قول مالك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لانه إنما فعل ما يجوز له أن يفعله من الحفير في أرضه وضعه تحصينا على زرعه لا لاتلاف دواب الناس، ولو فعل ذلك لاتلاف دواب الناس لزمه الضمان على ما قاله في المدونة في الذي يصنع في داره شيئا ليتلف فيه السارق فتلف فيه السارق أو غير السارق أنه ضامن انتهى. وقال ابن يونس في آخر كتاب الديات: قال مالك: وإن جعل في حائطه حفير السباع أو حباله لم يضمن ما عطب بذلك في سارق أو غيره، فإن جعل في باب جنانه قصبا يدخل في رجل من يدخله أو اتخذ تحت عتبته مسامير لمن يدخل أو رش فناءه، يريد زلق من يدخله من دابة أو إنسان أو اتخذ فيه كلبا

[ 306 ]

عقورا، فهو ضامن لما أصيب من ذلك، ولو رش لغير ذلك لم يضمن من عطب فيه كحافر البئر في داره لحاجة أو لارصاد سارق فهو مفترق، يعني والله أعلم أنه يفرق بين أن يحفرها لحاجته فلا يضمن، أو يرصد بها السارق فيضمن فتأمله والله أعلم. ص: (ويقتل الجميع بواحد) ش: ولو كان المباشر للقتل واحدا منهم أو كان عينا لهم، وهذا مذهب ابن القاسم

[ 307 ]

خلافا لاشهب. هكذا نقل اللخمي عنه في التبصرة. وانظر كتاب المحاربين من المدونة وشرحها لابي الحسن وانظر كلام الباجي. ص: (كمكره ومكره) ش: يريد إلا الاب فإنه لو أكرهه شخص على قتل ابنه فقتله فلا قصاص على الاب للشبهة. والقصاص على المكره بكسر الراء كما نص عليه ابن الحاجب وغيره وقبله في التوضيح. وعلم منه إن عكس المسألة أولى بعدم

[ 309 ]

القصاص والله أعلم. ص: (عكس السفينتين) ش: أي فإنهما يحملان على عدم القصد إذا جهل أمرهم، فإذا تحقق أنهم متعمدون لاتلافهم فهم ضامنون. قال في المدونة: ولو أن سفينة صدمت أخرى فكسرتها فغرق أهلها، فإن كان ذلك من ريح غلبتهم أو من شئ لا يستطيعون حبسها فلا شئ عليهم، وإن كانوا قادرين على أن يصرفوها ولم يفعلوا ضمنوا. ابن يونس: يريد في أموالهم. وقيل: الدية على عواقلهم. نقله عنه ابن عرفة. وقال اللخمي: الدية في ذلك على العواقل إلا أن يتعمد ذلك ويعلم أن ذلك مهلك فتكون الدية في أموالهما انتهى ونقله أبو الحسن عنه وهو مشكل فإنه يقتضي إذا تعمد أهل السفينة إغراق الاخرى فليس عليهم إلا الدية. والظاهر أنه يجب في ذلك القصاص لان ذلك بمنزلة من طرح من لا يحسن العوم وبمنزلة المثقل فتأمله. وقال أبو الحسن: مسألة السفينة والفرس على ثلاثة أوجه: إن علم أن ذلك من الريح في السفينة وفي الفرس من غير راكبه فهذا لا ضمان عليهم، أو يعلم أن ذلك من سبب النواتية في السفينة ومن سبب الراكب في الفرس إشكال أنهم ضامنون، وإن أشكل الامر حمل في السفينة على أن ذلك من الريح وفي الفرس أنه من سبب راكبه. انتهى ص: (إلا لعجز حقيقي) ش: قال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام إذا جمع فرسهما بهما ولم يقدرا

[ 310 ]

على صرفهما لم يضمنا. يريد لقولها في الديات إن جمحت دابة براكبها فوطئت إنسانا فإنه يضمن، وبقولها في الرواحل إن كان في رأس الفرس اعتزام فحمل بصاحبه فصدم فراكبه ضامن لان سبب فعله جمحه من راكبه وفعله به إلا أن يكون إنما نفر من شئ مربه في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه، وإن فعل به غيره ما جمح به فذلك على الفاعل والسفينة في الريح هي الغالبة فهذا هو الفرق بينهما. قلت: فهذا كالنص على أن ما تلف بسبب الجموح فهو من راكبه مطلقا إلا أن يعلم أنه من غير، خلاف قول ابن عبد السلام ما تلف بالجموح ولم يقدر على صرفه لا ضمان فيه فتأمله. انتهى وهو ظاهر ص:

[ 311 ]

(وضمن وقت الاصابة والموت) ش: يعني أنه إذا زال التكافؤ بين حصول الموجب الذي هو السبب ووصول الاثر أي السبب فقال ابن القاسم: المعتبر في الضمان أي ضمان دية الحر وقيمة العبد حال الاصابة وحال الموت أي حصول السبب. هذا لفظ التوضيح ويشير بقوله: حال الاصابة والموت إلى قول ابن الحاجب. فلو زال بين حصول الموجب ووصول الاثر كعتق أحدهما أو إسلامه بعد الرمي وقبل الاصابة وبعد الجرح وقبل الموت. فقال ابن القاسم: المعتبر حال الاصابة وحال الموت كمن رمى صيدا ثم أحرم ثم أصابه فعليه الجزاء. وقال أشهب وسحنون: حال الرمي. ثم رجع سحنون انتهى. ففي الكلام لف ونشر لشئ مقدر. فقوله: حال الاصابة أي في مسألة ما إذا زال التكافؤ بين الرمي والاصابة، وقوله: والموت أي في مسألة ما إذا زال بين الجرح والموت. تنبيه: وهذا بالنسبة إلى ضمان الدية والقيمة، أما بالنسبة إلى القصاص فيشترط دوام التكافؤ من حصول السبب إلى حصول المسبب اتفاقا، قال ابن الحاجب إثر كلامه المتقدم: فأما القصاص فبالحالين معا. قال المصنف في التوضيح: أي فيشترط دوام التكافؤ من حصول السبب إلى حصول المسبب اتفاقا انتهى. قلت: ويفهم من كلام ابن الحاجب مسألة أخرى وهي أن

[ 312 ]

القصاص يشترط فيه حصول التكافؤ في حال السبب والمسبب، فيشترط في القصاص في الرمي أن يكون حرا من حين الرمي إلى حين الاصابة، فلو كان عبدا حين الرمي أو كان كافرا ثم عتق أو أسلم قبل الاصابة فلا قصاص عليه، وبذلك صرح ابن الحاجب وهو في سماع عيسى من كتاب الديات، وليس في كلام المصنف ما يشير إلى هذا فتأمله. ص: (إلا ناقص جرح كاملا) ش: يعني أن الناقص إذا جرح الكامل فإنه لا يقتص من الناقص للكامل كما إذا جرح العبد الحر والكافر المسلم. هذا هو المشهور في المذهب الذي اقتصر عليه صاحب الرسالة. وروى ابن القصار عن مالك وجوب القصاص. قال ابن الحاجب: وقيل إنه الصحيح. وروي

[ 313 ]

أنه يجتهد السلطان، وروي أنه يوقف، وروي أن المسلم مخير في القصاص والدية وخرجوها في العبد، وعلى المشهور فإن برئ المجروح على غير شين فلا شئ فيه غير الادب إلا الجراح المقدرة، وإن برئ على شين فهو في رقبة العبد وذمة النصراني. قال في النوادر في ترجمة القود بين الرجال والنساء والعبيد والاماء: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ليس له أي للمسلم إلا الدية في الجراح بينه وبين الكافر والعبد. قال مالك: وإذا جرح الذمي أو العبد مسلما عمدا فبرئ بغير شين فليس عليه غير الادب. وإن برئ على شين من جرح العبد فهو في رقبته انتهى. يريد في غير الجراح المقدرة فإن ديتها المقدرة تكون في رقبته. وقال في أول كتاب جنايات العبيد من النوادر عن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن جنى حر على عبد فينظر إلى ما نقص يوم البرء أن لو كان هذا يوم الجناية لا يوم البرء مع الادب، يريد في العمد ولو برئ على غير شين فلا شئ فيه غير الادب في الحر والعبد إذ لا قصاص بين حر وعبد، وإن جنى عبد على حر نظر إلى دية ذلك بعد البرء في العمد والخطأ، فيكون في رقبة العبد إلا أن يفدي بذلك وفي العمد الادب، وإن برئ الحر على غير شين فلا شئ فيه إلا الادب، وإن برئ على شين فذلك في رقبة العبد. انتهى ص: (أوضحت عظم الرأس والجبهة) ش: انظر أوائل

[ 314 ]

كتاب الجراح من المدونة ص: (بالمساحة) ش: بكسر الميم قاله في القاموس ص: (كلطمة) ش: يعني أنه لا قصاص في اللطمة باليد وإنما فيها الادب كما يفهم من قوله: وعمده كالخطأ إلا في الادب فإنه يعود إلى جميع ما تقدم. قال في كتاب الديات من المدونة قبل ترجمة الغيلة: وإن قطع بضعة من لحمه ففيها القصاص. مالك: ولا قود في اللطمة. قال الشيخ أبو

[ 315 ]

الحسن: لانها عنده لا تنضبط وفيها عنده تفاوت كثير وفيها الادب انتهى. وكذلك الضربة بالعصا على المشهور. وهذا إذا لم يكن عن ذلك جرح وإلا فإنه يقتص منه كما صرح بذلك في النوادر في ترجمة ذكر ما لا قود فيه من اللطمة والضربة. وذكره أيضا في آخر الترجمة التي قبلها. وقال في المدونة قال ابن القاسم: وفي ضربة السوط القود قال سحنون: وروي عن مالك أنه لا قود فيه كاللطمة وفيه الادب انتهى. قال ابن عرفة عن الشيخ عن أشهب أنه لا قود في اللطمة ولا في الضربة بالسوط والعصا أو بشئ من الاشياء إلا أن يكون جرح. انتهى ص: (وشفر عين وحاجب ولحية) ش: قال في المدونة في كتاب الجراح: وليس في جفون العين وأشفارها إلا الاجتهاد، وفي حلق الرأس إذا لم ينبت إلا الاجتهاد، وكذلك اللحية. وليس في عمد ذلك القصاص، وكذلك الحاجبان إذا لم ينبتا إلا الاجتهاد ص: (وعمده كالخطأ إلا في الادب) ش: قال في كتاب الجراح من المدونة: وفي كل عمد القصاص مع الادب. قال أبو الحسن الصغير: قال أبوعمران: إن اقتص منه فأدبه دون أدب من لم يقتص منه. وقال في العتبية في سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يقتص منه هل عليه عقوبة. قال: نعم. قال ابن رشد: قد قيل إنه لا عقوبة عليه مع القصاص لقوله تعالى: * (والجروح قصاص) *

[ 316 ]

وهو الاظهر، ووجه قول مالك في إيجاب الادب مع القصاص وهو الردع والزجر ليتناهى الناس انتهى. فعلم من هذا أن وجوب الادب مع القصاص هو قول مالك. وأما القول الذي حكاه ابن رشد بقيل وقال إنه الاظهر، فلم أقف عليه في المذهب، وكلامه في المقدمات يدل على أنه ليس في المذهب. قال في المقدمات: ويجب على الجارح مع القصاص الادب على مذهب مالك لجرءته. وقال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص ليس للامام أن يضربه ولا أن يسجنه وإنما هو القصاص، فعلم أن القول الثاني الذي حكاه بقيل إنما هو قول عطاء بن أبي رباح واختاره ابن رشد والله أعلم ص: (إلا أن يعظم الخطر في غيرها كعظم الصدر) ش: لما أن أخرج الجراح التي لا قصاص فيها لانها متالف وفهم من ذلك أن ما عداها من الجراح فيه القصاص، ذكر أن شرط القصاص فيها أن لا يعظم الخطر في ذلك الجرح والكسر كعظم الصدر. وجزم هنا تبعا لمن تقدمه كابن الحاجب. ورد في المدونة الامر في ذلك لاهل المعرفة. وكذلك في الضلع قال في كتاب الجراح من المدونة والصلب إذا كسر خطأ وبرئ وعاء لهيئته فلا شئ فيه، وكذلك كل كسر يعود لهيئته لا شئ فيه إلا أن يكون عمدا يستطاع فيه القصاص فإنه يقتص منه وإن كان عظما إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة، وما لا يستطاع أن يقتص منه فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الادب. قال مالك: وفي عظام الجسد القود من الهاشمة وغيرها إلا ما كان مخوفا مثل الفخذ وشبهه فلا قود فيه. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرأس فلا قود فيه لاني لا أجد هاشمة في الرأس إلا كانت منقلة. ولا قصاص في الصلب والفخذ وعظام العنق، وفي كسر أحد الزندين وهما قصبتا اليد القصاص، وإن كانت خطأ فلا شي فيه إلا أن يبرأ على عثم فيكون فيها الاجتهاد. وفي كسر الذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والاصابع القصاص، وفي كسر الضلع الاجتهاد، إذا برئ على عثم، وإن برئ على غير عثم فلا شئ فيه، وإن كسرت عمدا فهي كعظام الصدر إن كان مخوفا كالفخذ فلا شئ فيه، وإن كان مثل اليد والساق ففيه القصاص. وفي الترقوة إذا كسرت عمدا القصاص، لان أمرها يسير لا يخاف منه، وإن كسرت خطأ ففيه الاجتهاد. وإن برئ على عثم وإلا فلا شئ فيه. وكذلك اليد والرجل وجميع عظام الجسد إذا كسرت خطأ فبرئت على غير عثم فلا شئ فيه انتهى. لكن بقي على المصنف أن يعد في الجراح التي

[ 317 ]

لا قصاص فيها الجائفة كما نص على ذلك في المدونة وغيرها والله أعلم. قال أبو الحسن: شك في عظام الصدر والضلع فرد ذلك إلى أهل المعرفة انتهى. يعني به كونه رد ذلك إلى الاجتهاد. وقال في النوادر في ترجمة ما يكون فيه القصاص وما لا يكون فيه عن كتاب ابن المواز قال: ففي الترقوة والضلع القصاص. قيل: فيسقط القود في شئ من كسر العظام. قال: أما في مثل عظام الصدر فلا أرى فيه قصاص. وقد قال أشهب: لا قصاص فيه لانه متلف. وقال أشهب: يسأل عنه أهل المعرفة وعن الضلع فإن كانا غير مخوفين اقتص فيهما. قال أشهب: قال مالك: وفي إحدى قصبتي اليد القصاص إن استطيع ذلك. وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: فيه القصاص. قال أشهب في الكتابين: وكذلك إذا كسرتا جميعا. قال ابن المواز: واجتمعا أنه لا قصاص في عظام العنق والفخذ والصلب وشبه ذلك من المتالف في العظام وفيه العقل بقدر الشين إلا الصلب ففيه الدية، ولا شئ في شينه إلا أن يكون انحنى وهو مع ذلك يقوم ففيه من الدية بحساب ذلك. وفي كسر الفخذ حكومة بقدر الشين، وقد يبلغ ذلك أكثر من الدية إلا أن يون أشل رجله فلا يقدر أن يمشي بها على الارض ففيه دية الرجل كاملة أو يشبه بما ينقص مشيه فله من الدية بقدر ما نقص منها. وقال ابن القاسم عن مالك: وفي الظفر القصاص إن استطيع منه القود. ابن المواز: اختلف فيه قول مالك وهذا أحب إلينا. قال ابن عبدوس: ينبغي أن يكون الظفر كسن الصبي لانه ينبت انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو برئ العظم الخطر على غير عثم فكالخطأ فلا شئ فيه سوى الادب في العمد بخلاف العمد في غيره فإنه يقاد منه، وإن برئ على غير عثم انتهى. قال في التوضيح: يعني أن ما لا قصاص فيه لخطره لو برئ على غير عيب فلا شئ فيه، أما القصاص فلانها مخوفة، وأما العوض فلان الشرع لم يسم، نعم يؤدب القاضي المتعمد انتهى. فائدة: قال عياض: العثم والعثل بالميم واللام معا والعين المهملة المفتوحة والثاء المثلثة مفتوحة مع اللام وساكنة مع الميم وكلاهما بمعنى وهو الاثر والشين. انتهى من التنبيهات. وقال أبو الحسن: الضلع بالضاد المعجمة مكسورة وفتح اللام، والترقوة بفتح التاء وضم القاف غير مهموز أعلى الصدر المتصل بالعنق، والزند بفتح الزاي وبالنون. انتهى. ص: (وإن ذهب كبصر بجرج اقتص منه فإن حصل أو زادو إلا فدية ما لم يذهب) ش: أي وإن جرح شخص شخصا جرح فيه القصاص وذهب بسبب ذلك الجرح شئ آخر كبصر أو سمع أو شم أو ذوق أو عقل، اقتص من الجاني لذلك الجرح. فإن حصل فيه مثل ما حصل في المجني عليه من ذهاب العقل أو السمع أو البصر أو غير ذلك أو زاد فقد حصل المطلوب، فإن لم يحصل فيه

[ 318 ]

مثل ما حصل في المجني عليه فإنه يكون على الجاني دية ذلك، ولم يبن المصنف هل الدية في ماله أو على عاقلته. وفي ذلك قولان ذكرهما ابن الحاجب وغيره. فمذهب ابن القاسم أن الدية في ماله. وقال أشهب: على عاقلته. ص: (وإن ذهب والعين قائمة فإن استطيع كذلك وإلا فالعقل كأن شلت يده بضربة) ش: يعني فإن استطيع أن يقتص منه وعينه قائمة فعل.

[ 319 ]

قال في مختصر الوقار: فإذا ضربت العين فأقيمت وذهب بصرها وبقي جمالها ففيها عقلها خمسمائة ولا قود فيها وإن أتى ذلك منهما عمدا لانه لا يصل إلى القود إلا بذلك. وكذلك

[ 320 ]

اليد إذا شلت ولم تبن، وكذلك اللسان إذا خرس ولم يقطع. هذه سبيل كل ما ذهبت منفعته ولم يبن عن جسمان المجني عليه وبقي جماله، وإن كان معينا ففيه عقله كاملا ولا قود فيه، أو إن كان عمدا ويؤدب الجاني مع أخذ العقل منه. وإذا ضرب رجل عين رجل فأدمعها أو ضرب سنه فحركها أو ضرب يده فأوهنها، استؤنى بجميع ذلك سنة، فما آل إليه أمر العين والسن واليد بعد السنة حكم بذلك للمجني عليه بعد السنة. انتهى ص: (والاستيفاء للعاصب) ش: قال اللخمي: إذا اجتمع في القيام بالدم نسب وولاء كان النسب المبدأ في لقيام والعفو، وإن لم يكن ذو نسب فالمولى الاعلى، فإن لم يكن مولى أعلا فالسلطان، ولا شئ للمولى الاسفل انتهى. وقال قبله: وإن لم يكن إلا رجل من الفخذ أو القبيل ولا يعرف قعدده من الميت ولا من يكون له ميراثه لم يكن له قيام بالدم. انتهى. وقال ابن سلمون: فإن لم يكن أولياء فهل للسلطان ما للاولياء من العفو أو القصاص ؟ قال ابن الحاج في مسائله: الذي يقتضيه الواجب أنه لا نظر للسلطان في العفو عنه، وكذلك ظهر لابن رشد. انظرها في سماع يحيى من الديات انتهى. والذي في سماع يحيى في المسلم يقتل المسلم عمدا ولا ولي له إلا المسلمون: إنه لا ينبغي للامام أن يهدر دم المسلم ولكن يستقيد منه، فإن قتل نصراني نصرانيا ثم أسلم القاتل والولي للمقتول المسلمون فإن العفو في مثل هذا أحب إلي، وانظرها في أول سماع يحيى من الديات، وانظر بقية كلام ابن رشد عليها وتقدم شئ من هذا عن المجموعة عند قول المصنف حين القتل.

[ 321 ]

فرع: قال في مختصر الوقار: وإذا أقر رجل أنه قتل عمدا ولم يعرف المقتول ولم يوجد له أولياء يقومون بدمه، سجنه الحاكم ولم يقتله فلعل له وليا يعفو عن دمه. انتهى وانظر ابن سلمون ص: (وانتظر غائب لم تبعد غيبته) ش: يعني أنه إذا كان للمقتول وليان أحدهما غائب والآخر حاضر، فليس للحاضر أن يستبد بالقتل قبل أن يعلم رأي الغائب إلا أن يكون الغائب بعيد الغيبة فإنه لا ينتظر. وظاهر المدونة أن الغائب ينتظر وإن بعدت غيبته قال في كتاب الديات من المدونة: وإذا كان القتل بغير قسامة وللمقتول وليان أحدهما حاضر والآخر غائب، فإنما للحاضر أن يعفو فيجوز العفو على الغائب وتكون له حصته من الدية فليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، فحملها ابن رشد على ظاهرها كما ذكره في سماع يحيى من كتاب الديات، وكذلك ذكر ابن عرفة عن تعليقه أبي عمران عن ابن أبي زيد أن ظاهر المدونة ينتظر وإن بعدت غيبته. وقيد ابن يونس المدونة بما إذا لم تبعد غيبته. قال: قال سحنون فيمن بعد جدا أو أيس منه كالاسير ونحوه. قال ابن عرفة في النوادر عن المجموعة: قال ابن القاسم: ينتظر الغائب إلا أن يكون بعيد الغيبة فلمن حضر القتل. ثم ذكر كلام سحنون قال ابن عرفة: فحذف الصقلي قول ابن القاسم قصور انتهى. فعلم من كلام ابن عرفة أن ابن القاسم لم يقيد الغيبة بالبعد جدا، ويفهم منه أن كلام سحنون خلاف قول ابن القاسم فذلك لم يقيد المصنف الغيبة بالبعد جدا كقول سحنون وكما هو ظاهر كلام ابن الحاجب. وعلم من كلام المصنف أنه لم ترتض حمل المدونة على ظاهرها كما قال ابن رشد. وقال في الشامل: وفيها انتظار الغائب إن قربت غيبته وهو الاصح أو مطلقا تأويلان وكتب إليه إن أمكن فإن أيس منه لم ينتظر كأسير وشبهه انتهى.

[ 322 ]

تنبيهات: الاول: إذا قلنا ينتظر فإن القاتل يحبس، قال في المدونة إثر الكلام السابق: ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ولا يكفل إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دون النفس من القصاص انتهى. الثاني: ظاهر كلام ابن عرفة والبرزلي أن مثل هذا يحبس ويقيد بالحديد. انظر كلامهما. الثالث: هذا ظاهر إذا كان للقاتل مال يأكل منه أو أجرى له من بيت المال ما يأكل منه أو التزم ذلك أحد، إذا لم يكن له شئ من ذلك فانظر كيف يعمل فيه، هل يطلق من السجن وهو الظاهر إذ يبعد أن يقول أحد أنه يخلد في السجن حتى يموت جوعا فتأمله. الرابع: هذا الخلاف الذي ذكرناه في انتظار الغائب البعيد الغيبة إنما هو حيث تتعدد أولياء الدم وكان بعضهم حاضرا، وأما إن لم يكن إلا ولي واحد وهو غائب أو غاب جميع الاولياء، فالظاهر أنهم ينتظرون مطلقا ولو بعدت غيبتهم، ويشهد لذلك الفرع المنقول عن مختصر الوقار في القولة التي قبل هذه لكن مع وجود النفقة على القاتل هذا الذي ظهر لي، ولم أر في المسألة المذكورة نصا بعد البحث عليها في المدونة وأبي الحسن والرجراجي والنوادر والبيان والتوضيح وابن عبد السلام والشامل وبهرام الكبير والمقدمات والذخيرة وغيرها والله أعلم ص: (لا مطبق وصغير) ش: قال ابن عرفة: وفيها إن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر. وإن كان في الاولياء مغمى عليه أو

[ 323 ]

مبرسم انتظر إفاقته لان هذا مرض. ابن رشد: القياس قول من قال ينتظر. وأفتى فيمن له بنون صغار أو عصبة كبار بانتظار الصغار قائلا: إذ هم أحق بالقيام بالدم فسأل عن فتياه بخلاف الرواية المأثورة في ذلك فقال: خفي عن السائل معنى ذلك فظن أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية وليس كذلك. بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية إلا بعد علمه بصحتها لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم وهذه الرواية مخالفة للاصول. واستدل على مخالفتها بما حاصله وجوب اعتبار حق الصغير وتأخيره لبلوغه كحق له بشاهد واحد وبأن له جبر القاتل على الدية على قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم ورواية الاخوين. ابن عرفة: ولا يخفى ضعف هذا ولا يعتبر هذا في زماننا إنما ساغ ذلك لابن رشد لعلو طبقته. وقال بعض من عاصره: ليس العمل على هذا إذ هو خلاف قول ابن القاسم. وفي طرة بعض نوازله ما نصه: ليس العمل على هذا إذ هو خلاف ابن القاسم. وقال ابن الحاجب: إنه أفتى بذلك من غير رواية ولا حجة. فإن قلت ما هي الرواية المأثورة في ذلك ؟

[ 324 ]

قلت: في الموازية والمجموعة روى ابن وهب وأشهب في قتيل له بنون صغار وعصبة فللعصبة القتل ولا ينتظر بلوغ الصغار. قال عنه ابن وهب: ولهم العفو على الدية وتكون بينهم. قال عنه أشهب: وينظر للصغار وليهم في القود والعفو على مال، وله أن يقسم إن وجد معه من العصبة من يقسم معه، وإن لم يكن في قرية، ثم يكون لهذا الذي هو أولى بالصبي القتل أو العفو على الدية انتهى. وانظر عزوه الرواية للموازية والمجموعة وقد قال في كتاب الديات من المدونة: وإذا كان للمقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفوا ويجوز ذلك على الصغير. وقال قبل هذا في ترجمة من تجوز شهادته في قتل الخطأ: وإذا كان للمقتول أولاد صغار والقتل بقسامة فلاولياء المقتول تعجيل القتل، ولا ينتظر أن يكبر ولده الصغار فيبطل الدم، وإن عفوا لم يجز عفوهم إلا على الدية لا على أقل منها. وإن كان أولاد المقتول كبارا وصغارا، فإن كان الكبار اثنين فصاعدا فلهم أن يقسموا ويقتلوا ولا ينتظر بلوغ الصغار، وإن عفا بعضهم فللباقين الاصاغر حظهم من الدية، وإن لم يكن له إلا ولد كبير وصغير فإن وجد الكبير رجلا من ولاة الدم حلف معه، وإن لم يكن ممن له العفو حلفا خمسين يمينا. ثم للكبير أن يقتل وإن لم يجد من يحلف معه حلف خمسا وعشرين يمينا واستؤني الصغير، فإذا بلغ حلف أيضا خمسا وعشرين يمينا ثم استحق الدم، وإن كان القتل بغير قسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب، فإنما للحاضر أن يعفو أو يجوز على الغائب ويكون له حصة من الدية، وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ولا يكفل إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دون النفس من القصاص، وإن كان للمقتول أولياء كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا ولا ينتظر الصغار، وليس الصغير كالغائب يكتب

[ 325 ]

إليه فيصنع في نصيبه ما أحب والصغير يطول انتظاره فيبطل الدم. وإن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر قال: وإن كان بعض الاولياء مغمى عليه أو مبرسما فإنه ينتظر إفاقته لان هذا مرض من الامراض اه‍. ثم قال بعد ذلك ما هو أصرح في المسألة: وإذا كان المقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفوا، ويجوز ذلك على الصغير وليس لهم أن يعفوا على غير مال انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: فيبطل الدم إما بأن يموت القاتل حتف أنفه أو يهرب من السجن اه‍. ص: (ويقتص من يعرف بأجرة من المستحق) ش: يعني أن المجروح إذا وجب له القصاص فإنه لا يترك أن يقتص لنفسه ولكن يدعي له أهل المعرفة بالقصاص فيقتصون له، وتكون أجرة الذي يقتص على

[ 326 ]

المستحق للقصاص. قاله مالك وابن القاسم وأشهب. قاله في النوادر قال: ويدعي له أرفق من يقدر عليه من أهل البصر فيقتص بأرفق ما يقدر عليه. قال مالك: وأحب إلي أن يولي الامام على الجراح رجلين عدلين ينظران ذلك ويقيسانه. قال: وإن لم يجد إلا واحدا فأرى ذلك مجزئا إن كان عدلا. فإن كانت موضحة شرط في رأسه مثلها، وإن كانت سنا مقلوعة من أصلها نزعت من الجانب بالكلبتين أو بأرفق ما يقدر عليه، وإن كسر أشرافها أو بعضها شحل بمقدار ذلك منها. قيل لمالك: أتجعل الموسى بيد المجروح ثم يشد الطبيب على يده حتى يبلغ ذلك ؟ قال: لا أعرف هذا اه‍.

[ 327 ]

تنبيه: فعلم من هذا أن القصاص في الجراح لا يطلب فيه أن يكون بمثل ما جرح، فإذا شجه موضحة مثلا بحجر أو عصا يقتص منه بالموسى ولا يقتص منه بحجر أو عصا. ص: (ومهما أسقط البعض فلمن بقي نصيبهم من دية عمد) ش: يعني أنه إذا أسقط بعض من له العفو حقه وعفا عن القاتل فإن القود يسقط ويتعين للباقين نصيبهم من دية عمد ويدخل في ذلك بقية الورثة، فإذا عفا جميع الاولياء فلا شئ للبنات. قال في المدونة في آخر كتاب

[ 328 ]

الديات: وإذا قامت بينة بالقتل عمدا فللمقتول بنون وبنات فعفو البنين جائز على البنات ولا أثر لهن مع البنين في عفو ولا قيام، وإن عفوا على الدية دخل فيها النساء وكانت على فرائض الله تعالى وقضى منها دينه، وإن عفا واحد من البنين سقطت حصته من الدية وكانت بقيتها بين حق من بقي على الفرائض وتدخل في ذلك الزوجة وغيرها، وكذلك إذا وجب الدم بقسامة. ولو أنه عفا على الدية كانت له ولسائر الورثة على المواريث، وإذا عفا جميع البنين فلا شئ للنساء من الدية وإنما لهن إذا عفا بعض البنين والاخوة والاخوات إذا استووا فهم كالبنين والبنات فيما ذكرنا اه‍. وما ذكره في المدونة من أنه إذا عفا جميع البنين فلا شئ للنساء من الدية قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولا لمن لا يعتبر عفوه معه كالبنات والابن وهو ظاهر المذهب وبه قال ابن القاسم وأشهب. وروى أشهب عن مالك أيضا: إن عفا الذكور كلهم فحق أخواتهم في الدية باق. ابن المواز: وبالقول الاول قال من أدركنا من أصحاب مالك، ثم إن الاول مقيد بأن يعفو كل من له العفو في فور واحد، وأما لو عفا بعض من له ذلك ثم بلغ من بقي وعفا فلا يضر ذلك من معهما من أخت وزوج وزوجة لانه مال ثبت

[ 329 ]

بعفو الاول. قاله محمد اه‍. ص: (بخلاف العمد) ش: أي فلا تدخل الوصايا فيما أخذه الورثة عنه. قال في الشامل: ولا مدخل لوصية في عمد وإن ورثت كماله أو غرم الدين منه. ولو قال إن قبل أولادي الدية فوصيتي فيها أو أوصي بثلثها ولا يدخل منها في ثلثه شئ إلا إذا أنفذ مقتله وقبل أولاده الدية وعلم بها اه‍. فرع: ولو أوصى أن تقبل الدية من القاتل وأوصى فيها بوصايا لم تدخل الوصايا فيه على المشهور لاحتمال أن لا يرضى القاتل. قاله في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب الديات، فإن رضي القاتل بذلك أيضا كانت الوصايا في الدية. تنبيه: قال ابن الحاجب: بخلاف العمد فإنه لا مدخل للوصية فيه وإن كان يورث كماله ويغرم الدين منه، قال ابن عبد السلام: معناه أنه لا يضر في سلب المالية عن عدم العمد وعدم نفوذ الوصية من ثلث ديته كون الدية فيه تورث كماله وتأخذ منها الزوجة سهمها ويؤدى منها الدين لانها دائرة بين ما قلناه من عدم المالية وبين كونها ما لم يعلم به الوصي انتهى. وقال في التوضيح: ولا يضر في سلب المالية كونه يورث عنه ويغرم منه الدين لانها مال لم يعلم به ربه أو ليست بمال حقيقة فتأمله اه‍. ولا أعلم خلافا في كونه يؤدى منها دين الميت إذا قبلت. قال ابن رشد في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا: ولو أوصى المقتول بمال فقال يخرج ثلثي مما علمت من مالي ومما لم أعلم لم تدخل في ذلك الدية التي أخذها الورثة لانها مال لم يكن له، وإنما قال ما لم أعلم وديته لم تكن من ماله ولكن يؤدى منها ديته ويرثها عنه ورثته على كتاب الله عزوجل، لان السنة أحكمت ذلك في الدية وإن كانت

[ 330 ]

ليست بمال للمقتول الموروث. قال ابن دحون: وهو صحيح. اه‍. كلام ابن رشد ص: (وإن عفا عن جرحه أو صالح فمات) ش: نحوه في المدونة فيمن قطعت يده فعفا ثم مات، قال الشيخ أبو الحسن: إن قال عفوت عن اليد لا غير لا إشكال، وإن قال عن اليد وما ترامي إليه من نفس أو غيره فلا إشكال. وإن قال عفوت فقط فهو محمول على أنه عفا عما وجب له في الحال وهو قطع اليد اه‍. وقد ذكر المصنف هذه المسألة في كتاب الصلح أيضا وتقدم الكلام عليها بما فيه الكفاية والله أعلم. ص: (واندرج طرف) ش: يعني أن الاطراف تندرج في

[ 331 ]

النفس كما إذا قطع يد واحد ورجل آخر وفقأ عين آخر وقتل آخر وهو ظاهر. فرع: قال في المدونة في أثناء كتاب الديات: ومن فقأ أعين جماعة اليمنى وقتا بعد وقت ثم قاموا فلتفقأ عينه لجميعهم، وكذلك اليد والرجل. ولو أقام أحدهم وهو أولهم أو آخرهم فله القصاص ولا شئ لمن بقي، وكذلك لو قتل رجلا عمدا ثم قتل بعد ذلك رجالا فقتل ولا شئ فيه لهم عليه، انتهى ص: (ودية الخطأ على البادئ مخمسة) ش: شرع يتكلم

[ 332 ]

رحمه الله على الدية وهي بتخفيف الياء المثناة التحتية. قال ابن عرفة: الدية مال يجب بقتل آدمي حر عن دمه أو بجرحه مقدرا شرعا لا باجتهاد، فيخرج ما يجب بقتل غير الآدمي من

[ 333 ]

قيمة فرس ونحوه، وما يجب بقتل ذي رق من قيمته والحكومة انتهى. ص: (وفي الجنين ولو علقة عشر دية أمه) ش: شمل كلامه جنين الحيوان البهيمي، قال في المسائل الملقوطة: لما ذكر المسائل التي انفرد بها مالك ولم يتبعه عليها أحد من فقهاء الامصار: من ضرب بطن بهيمة

[ 334 ]

فألقت جنينا ميتا فعليه عشر قيمة أمه اه‍. وهذا خلاف ما يقوله المصنف إنما فيه ما نقصها وهو الذي يقوله أهل المذهب. ص: (وأورثت على الفرائض) ش: تصوره ظاهر. تنبيه: إذا كان الجاني هو الاب فتجب عليه الغرة ولا يرث منها. قاله في الديات من المدونة ونصه: ولو ضرب الاب بطن امرأته فألقت جنينا ميتا فلا يرث الاب من دية الجنين شيئا ولا يحجب ويرثها من سواه اه. وقال الجزولي في شرح الرسالة: وكذلك الام إذا كانت هي التي أسقطت مثل أن تشرب ما يعلم أنه يسقط به الجنين فإن الغرة تجب عليها ولا ترثها، وأما إن شربت دواء مما لا يعلم أنه لا يسقط به الجنين فكان ذلك سبب سقوطه فلا غرة عليها. وكذلك الطبيب إذا سقاها وكانت الادوية مما يعلم أنه يسقط به الجنين فعليه الغرة، وإن كان مما يعلم أنه لا يسقط به فلا غرة عليه. انتهى بلفظه وقال في رسم العقود من سماع أشهب من كتاب الديات: وسئل مالك عن المرأة تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها، أترى عليها شيئا ؟ قال: ما أرى به بأسا إذا كان دواء يشبه السلامة فليس به بأس إن شاء الله قد يركب الانسان الدابة فتصرعه، وقد كوى رسول الله (ص) سعدا فمات فقال رسول الله (ص): بئس الميت يهود تقول يفتنون به ويقولون لم يغن عنه صاحبه، قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله وهو على قياس ما تقدم في رسم البز من سماع ابن القاسم في الصبي الذي تسقيه أمه الدواء فيشربه فيموت اه‍. وقال في المسائل الملقوطة في الحامل تشرب داء فتلقي جنينها: ذكر ابن حبيب عن قتادة أن عليها عتق رقبة. وقال فضل بن مسلمة: قد قيل لا شئ عليها إذا كان دواء مأمونا وهو مذهب أصحابنا اه‍. وذكرها ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من تبصرته. وقال في مفيد الحكام: وإذا شربت المرأة دواء فألقت جنينا ميتا لم تكون للغرة ضامنة اه‍. يريد إذا كان دواء مأمونا كما تقدم في كلام غيره والله أعلم. وسيأتي عند قول المصنف: وعلى القاتل الخ. وانظر كتاب الديات من المدونة في باب ما أصاب النائم والنائمة ص: (وفي الجراح حكومة) ش: قال في الرسالة: وما برئ على غير شين مما دون

[ 335 ]

الموضحة فلا شئ فيه. قال الجزولي: انظر أجرة الطبيب وثمن الزراريع قيل على الجاني، وقيل لا شئ عليه وهو ظاهر الكتاب. وقال الفاكهاني: ظاهر الرسالة أنه لا يعطى أجرة الادوية ولم يقل به مالك. وقيل يعطى ما أنفقه من الادوية. قاله الفقهاء السبعة. قال ابن ناجي: أراد الفاكهاني بقوله: ولم يقل به مالك أي لم يقل بأن الاجرة له بل قال مثل ظاهر كلام الرسالة إذا قيل له من انكسر فخذه ثم جبرت مستوية، أله ما أنفق في علاجه ؟ قال: ما علمته من أمر الناس أرأيت إن برئ على شين أيكون له قيمة الشين وما أنفق في علاجه ؟ اه‍. وقال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال مالك: وليس أجر الطبيب بأمر معلوم معمول به، ثم ذكر ما تقدم. وقال بعده ابن رشد: وقال الفقهاء السبعة: فيما دون الموضحة من جراح الخطأ أجر المداوي صح من المقدمات هنا. قال ابن الحاجب هذا. قال مالك: ما علمت أجر الطبيب من أمر الناس. ذكره قبل الكلام على الاعضاء المقررة، وذكر المصنف في آخر باب الغصب في ذلك قولين. ص: (كجنين البهيمة) ش: قال في المسائل الملقوطة: لما ذكر المسائل التي انفرد بها مالك ولم يتابعه عليها أحد من فقهاء الامصار: من ضرب بطن بهيمة فألقت جنينا ميتا فعليه

[ 336 ]

عشر قيمة أمه اه‍. وما قاله خلاف ما قاله المصنف من أنه إنما فيه قيمة ما نقصها، وما قاله المصنف هو الذي يقوله أهل المذهب. ص: (وإن بشين فيهن) ش: الضمير للجائفة والآمة والمنقلة والهاشمة والموضحة. ومعناه أنه إذا حصل بسبب واحد من هذه الجراحات شين فإنه لا يزاد على المقدر فيها شئ لاجل الشين، ولم يذكروا خلافا في اندراج شين غير الموضحة، واختلف في اندارج شين الموضحة على ثلاثة أقوال: الاول يندرج وهو ظاهر كلامه هنا وعزوه في التوضيح لاشهب وهو ظاهر إلحاقا لها ببقية أخواتها، والثاني أنه يزاد لاجل الشين، سواء كان قليلا أو كثيرا، وعزوه في التوضيح لابن زرقون وهو مذهب المدونة قال فيها: وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين زيد في عقله بقدر الشين اه‍. والثالث روى ابن نافع عن مالك إن كان أمرا منكرد زيد له وإلا فلا. اه‍ من التوضيح. وقال الشيخ زروق في الموضحة: إذا برئت على شين ثلاثة مشهورها قول مالك وابن القاسم أنه يزاد على ديتها بقدر الشين. انتهى ص: (وفي اليدين) ش: قال ابن ناجي: والدية كاملة في مجموع اليدين، سواء قطعت الاصابع خاصة أو قطعت مع الكف أو مع الذراع أو قطعت اليدان من المنكبين، وهو الذي قلناه هو قول مالك من رواية أشهب. ولو قطع كف وليس فيها إلا أصبع واحدة فله دية الاصبع. واستحسن ابن القاسم في الكف حكومة. قال أشهب: لا شئ له في الكف إذا ما بقي شئ له دية. واتفقوا إذا بقي الكف خاصة ففيها حكومة، وأنه إن لم يذهب له إلا أصبع واحد فلا شئ له فيما بقي من الكف، واختلفوا فيما بين ذلك فجعل ابن القاسم الاصبع قليلا كما لو لم يبق فيها شئ وجعل أشهب وجودها مانعا من أخذ الحكومة. ووافقه على ذلك سحنون، وقاله ابن القاسم في الاصبعين، وجعل عبد الملك الثلاثة من حيز القليل فله في الكف

[ 337 ]

عنده بحساب ما ذهب من الاصابع. وقال المغيرة: إذا ذهب منها أصبعان ثم قطع الكف بعد ذلك فإن أخذ في الاصبعين عقلا أو قودا فله عقل ثلاثة أصابع ولا حكومة له اه‍. وقال في المدونة في أواخر كتاب الجراح: إذا ذهبت أصبع من الكف بأمر من الله سبحانه وبجناية وقع فيها قصاص أو عقل ثم أصيبت الكف خطأ ففيها أربعة أخماس الدية، ولو ذهبت منها أنملة اقتص منها لقوصص بها في دية الكف، ومن قطع كفا خطأ وقد ذهب بعض أصابعها فإنما عليه بحساب ما بقي من الاصابع في الكف، وإن لم يبق في الكف إلا أصبع واحدة فعليه في الاصبع ديتها، واستحسن في الكف حكومة. ومن قطع كف رجل عمدا وقد ذهب منها أصبعان أو ثلاثة بأمر من الله عزوجل أو بجناية وقطع فيها قصاص أو عقل لم يقتص منه ولكن عليه العقل في ماله، ولو ذهب منها أصبع واحدة قطعت يده قصاصا سواء كانت الابهام المقطوعة أو غيرها. انتهى. ص: (والقيمة للعبد كالدية) ش: قال في أوائل كتاب الديات من المدونة: وفي مأمومة العبد وجائفته في كل واحدة ثلث قيمته، وفي منقلته عشر قيمته ونصف عشر قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته، وفيما سوى ذلك من جراحاته ما نقصه بعد برئه اه‍. فإن برئت

[ 338 ]

الجراحات المذكورة على شين فاختلف هل يزاد لاجل الشين أو لا يزاد ويكون الواجب فيها

[ 339 ]

حينئذ ما نقصه ؟ في ذلك ثلاثة أقوال ذكرها في المقدمات، وانظر الشيخ أبا الحسن والله أعلم. ص: (وسن الصغير لم يثغر للاياس كالقود وإلا انتظر سنة) ش: يعني أن سن الصغير إذا قلعت قبل الاثغار خطأ أو عمدا لم يعجل فيها القود ولا الدية حتى يؤيس من نباتها. فقوله كالقود تشبيه لافادة الحكم. وقيد اللخمي وقف العقل بغير المأمون، وأما الجاني المأمون فلا

[ 340 ]

يوقف، وظاهر قوله أنه يوقف جميع عقلها وهو كذلك خلافا لسحنون. وقوله وإلا انتظر سنة قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وإلا انتظر بها سنة يعني أنه إذا جاوز السن الذي لا ينبت فيه ولم تنقض سنة انتظرت بقية السنة ووجبت الدية في الخطأ والقصاص في العمد انتهى. وانظر ضبط يثغر والاثغار في التوضيح. ص: (وسقط إن عادت) ش: يعني أنه إذا عادت سن الصغير سقط القود والعقل، وأما الكبير إذا قضى له بعقل سنة ثم عادت أو إذنه ثم عادت بعد الحكم فلا يرد شيئا اتفاقا، وإن ردتا منه قبل الحكم وعادتا ففي ذلك ثلاثة أقوال، ومذهب المدونة أنه يقضى بالعقل فيها. وأما القود في العمد فلا خلاف في أنه يقاد منه ولو عادت السن أو الاذن. قال في البيان: ونقله ابن عرفة قبل الكلام على الاحق بالدم ونقله في التوضيح والله أعلم.

[ 341 ]

فرع: فإن قلعت سن الصغير بعد الاثغار ونباتها أخذ الدية معجلة. نقله ابن عرفة وغيره.

[ 342 ]

ص: (بخلاف البكارة) ش: أي فإنها تندرج تحت المهر فإذا وطئ بكرا أو افتضها غصبا فعليه صداقها كما صرح به في النوادر في كتاب الزنا، وهو معنى قول ابن الحاجب هنا، والزوج وغيره سواء وأظنه في المدونة. ص: (إلا بأصبعه) ش: يعني إلا إذا أزال البكارة بأصبعه فإنها لا تندرج في المهر. قال ابن رشد في سماع سحنون من كتاب النكاح: إذا فعل ذلك بغير زوجته

[ 343 ]

فلا خلاف أن عليه ما شأنها عند الازواج مع الادب، فأما إذا فعل ذلك بزوجته فقال ها هنا لا شئ عليه معناه أنه ليس عليه أدب إلا ما شأنها به إن أمسكها ولم يطلقها، ولا يجب عليه بذلك جميع صداقها إن طلقها قبل أن يمسها، يريد ويكون عليه إن فعل ذلك ما شأنها فعله عند غيره من الازواج. وفي سماع أصبغ من ابن القاسم أن ذلك من الزوج كالوطئ يجب به جميع الصداق. وقال أصبغ: القياس أنه في الاصبع وغيره سواء، يريد أنه يجب عليه بذلك إن طلقها قبل أن يمسها ما شأنها به عند غيره من الازواج لا في وجوب الادب، فقول أصبغ في سماعه مثل قول ابن القاسم هنا اه‍. وقال ابن شاس: لو أزال بكارة زوجته بأصبعه ثم طلقها فعليه قدر ما شأنها مع نصف الصداق، وينظر ما شأنها عند الازواج في مالها وجمالها اه‍. وقال ابن الحاجب: ولو أزال البكارة بأصبعه فحكومة. قال في التوضيح: فعلى الزوج حكومة وعليه نصف الصداق إن طلق وهو القياس عند أصبغ ولابن القاسم لها الصداق كاملا. اه‍. وظاهره أن الحكومة تجب على الزوج ولم لم يطلق وهو خلاف ما تقدم عن ابن رشد، فيقيد كلام التوضيح بأن ذلك بعد الطلاق وكلام ابن الحاجب بعده يقوي الابهام لانه قال بعده: والزوج وغيره فيهما سواء. قال في التوضيح: أي في الافضاء والبكارة سواء أي في لزوم الدية والحكومة على القولين في الافضاء ولزوم الحكومة في البكارة انتهى. فيقيد كلامه بكلام ابن رشد. وانظر المسألة أيضا في رسم الرطب باليابس من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات. ص: (وفي كل سن خمس من الابل) ش: قال في المتيطية: في كل سن خمس من الابل وهي خمسون دينارا على أهل الذهب، وستمائة درهم على أهل الورق.

[ 344 ]

فرع: إذا أخذت دية السن أو الاصابع والجراح من الابل فتؤخذ مخمسة من الاصناف الخمسة بنات المخاض وبنات اللبون وبنو اللبون والحقات والجذعات. قاله في النوادر. ص: (واسوداد) ش: فإن انقلعت ففيها دية أخرى. قاله في التوضيح فانظره ص: (فإن ثبتت لكبير) ش: أي فإن ثبتت سن الكبير بعد قلعها وقبل أن يأخذ عقلها فإنه يأخذ العقل. وهذا إذا قلعت السن، وأما لو اضطربت جدا ثم ثبتت فإنه لا شئ فيها كما يفهم ذلك من كلام التوضيح

[ 345 ]

في شرح قول ابن الحاجب. واشتداد اضطرابها فيمن لا يرجى كقلعها فإنه قال: قال ابن

[ 346 ]

القاسم: ويستأنى بها سنة اه‍. ص: (على العاقلة والجاني) ش: ما ذكره من دخول الجاني هو المشهور، وقيل لا يدخل ابن عرفة: وعليه إن لم تكن عاقلة تسقط الجناية وعلى الاول إن لم يجد من يعينه فيها عادت عليه. وقيل: على بيت المال. فإن لم يكن أو عسر تناولها كانت عليه اه‍. والقول الثاني من هذين القولين المفرعين على الاول وهو الجاري على كلام المؤلف والله أعلم. فرع: لا تحمل العاقلة جناية العبد. قال في التوضيح، لانه إن جنى عمدا اقتص منه وإن جنى خطأ ففي رقبته اه‍. وكذا لا تعقل العاقلة من قتل نفسه وكذلك الصلح. قال في التوضيح: لانه إن كان عما يلزم العاقلة من دية الخطأ فمن حق العاقلة أن ترده إن شاءت، وإن كان عن عمد فلا يلزمها الاصل ولا الفرع اه‍. ص: (إن بلغ ثلث دية المجني عليه أو الجاني) ش: هذا هو المشهور. قال في التوضيح: وحكى اللخمي عن أشهب أن العاقلة لا تحمل إلا

[ 347 ]

ما زاد على الثلث انتهى. وفهم من هذا الشرط أن الغرة لا تحملها العاقلة وهو المشهور. قال ابن الحاجب: في مال الجاني. قال في التوضيح: هذا مذهب المدونة: وروى أبو الفرج أن العاقلة تحملها لانها دية شخص قائم بنفسه والاول يقيد بأن لا يكون ثلث دية الجاني ففي المدونة: وإن ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ فألقت جنينا ميتا حمله عاقله الضارب اه‍. فرع: لو جنى عليه مالا تحمله العاقلة فسرى إلى ما تحمله حملت الجميع. قال ابن الحاجب: ولو شجه موضحة خطأ فذهب سمعه وعقله فديتان ونصف عشر على العاقلة، وكذلك لو شجه موضحة ومأمومة بضربة واحدة. قال في التوضيح: نحوه في المدونة هو ظاهر على مذهب مالك الذي يرى العقل في اقلب. وأما على قول عبد الملك فإذا كانت الموضحة في اللحم الاعلى من الوجه سقطت دية الموضحة اه‍. لانه يرى أن محل العقل الرأس تسقط دية الموضحة لاندراجها في دية العقل لاتحاد المحل. وكلام المؤلف مخالف لكلام ابن عبد السلام إذا قال ما نصه: هذا ظاهر على قول من يرى أن محل العقل القلب، أما من يراه الدماغ فينظر في الموضحة فإن كانت في الفك الاعلى من الوجه فكذلك وإن كانت في الدماغ فيستغنى بدية العقل عن دية الموضحة. وليس مراد المؤلف هنا تحقيق هذا المعنى وإنما مراده أن الضربة الواحدة إذا كان عنها جرحان أو جراحات يقصر بعضها عن ثلث الجية وكان في المجموع ما يبلغ ثلث الدية فأكثر أن العاقلة تحمله ولهذا عقب هذا الكلام بقوله وكذا لو شجه موضحة انتهى. قال في آخر كتاب الجراح من المدونة: ومن شج رجلا ثلاث مأمومات في ضربة واحدة ففيها الدية كاملة، وإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملته العاقلة لان هذا يبلغ أكثر من الثلث، وإن كان ذلك في ثلاث ضربات كان ضربا متتابعا لم يقلع عنه فهو كضربة واحدة تحمله العاقلة، وإن كان مفرقا في غير فور واحد لم تحمله العاقلة انتهى. ثم قال في التوضيح: واحترز بقوله خطأ مما لو كانت عمدا فإنه يقتص له من الموضحة، فإن ذهب عقل المقتص منه وسمعه فواضح، وإن لم يذهب ذلك فدية ذلك في مال الجاني. وقوله بضربة واحدة احتراز من ضربتين فإن العاقلة لا تحمل الموضحة حينئذ لانها دون الثلث انتهى. ص: (ودية غلظت) ش: قال في المسائل الملقوطة: الدية المغلظة تكون في شبه العمد وهو

[ 348 ]

ضرب الزوج والمؤدب والاب في ولده والام والاجداد وفعل الطبيب والخاتن وهو كل من جاز فعله شرعا. وقيل: اللطمة والوكزة والرمية بالحجر والضرب بعصاة متعمدا فهذا شبه العمد لا يقتص منه وتكون فيه دية مغلظة انتهى. ص: (ثم بها الاقرب فالاقرب) ش: قال ابن الحاجب: ويبدأ بالفخذ ثم البطن ثم العمارة ثم الفصيلة ثم القبيلة ثم أقرب القبائل. فائدة: أسماء طبقات قبائل العرب ستة: الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم الفخذ ثم البطن ثم الفصيلة. وزاد بعضهم العشيرة. فالشعب بالفتح كما قاله في القاموس والقرطبي في تفسيره مأخوذ من شعب الرأس بالفتح أيضا. وهو شأنه الذي يضم قبائله كما قاله في الصحاح. والشأن واحد الشؤون وهو تواصل قبائل الرأس وملتقاها ومنها تجئ الدموع. قاله في الصحاح. والقبيلة مأخوذة من قبائل الرأس. قال في الصحاح: وهو العظام المتشعب بعضها إلى بعض يصل بها الشؤون وبها سميت قبائل العرب، والواحدة قبيلة وهم بنو أب واحد، والقبيل الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى مثل الروم والزنج والعرب والجمع قبيل. وقوله سبحانه * (وحشرنا عليهم كل شئ قبلا) * وقال الاخفش: قبيلا قبيلا. وقال الحسن: عيانا انتهى. وقبائل الرأس أربع قطع الشعب بالفتح من الاضداد. قاله القرطبي. وقال في الصحاح: والشعب الصدع في الشئ وإصلاحه أيضا الشعب ومصلحه الشعاب والآلة

[ 349 ]

مشعب انتهى. وقيل: سميت قبائل لتقابل الانساب فيها. والعمارة بالفتح وقد تكسر قاله في

[ 350 ]

القاموس. مأخوذة من عمارة الانسان وهو صدره لانه موضع القلب وهو عمارة الجسد والبطن لان بطون الانسان تحت صدره والفخذ كذلك. والفصيلة قال في الذخيرة: وهو ما تحت الفخذ لان به يفصل خلقه من غيره وينقطع آخره انتهى. فهذا هو الترتيب المعروف. وقال في الصحاح: الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ فقدم الفصيلة. قال في الذخيرة: فخالف غيره مع أنه قدم في باب أن فصيلة الرجل رهطه الاقربون والرهط قبيلة الرجل وقومه التي تنصره. قال الله تعالى * (ولولا رهطك لرجمناك) * انتهى. وعلى ما ذكره الجوهري تكون الفصيلة كالعنق من الانسان لانه يفصل بين الرأس والجسد. قاله في الذخيرة. فخزيمة شعب، كنانة قبيلة، وقريش عمارة، قصي بطن، هاشم فخذ، العباس فصيلة، العشيرة الاخوة والله أعلم. وقد نظم ذلك بعضهم فقال: اقصد الشعب فهو أكبر حي عدا في العدا ثم القبيلة ثم يتلوهما العمارة ثم البطن والفخذ بعدها والفصيلة ثم من بعدها العشيرة لكن هي في جنب من ذكرنا قليله وقال آخر: قبيلة قبلها شعب وبعدهما عمارة ثم بطن والفخذ تليهما وليس يأوي الفتى إلا فصيلته ولا شداد له إلا عشيرته والشعب رؤوس القبائل مثل عدنان وقحطان والاوس والخزرج، والقبائل ما انقسمت فيها

[ 351 ]

أنساب الشعب مثل ربيعة ومضر، والعمارة ما انقسمت فيها أنساب القبيلة مثل كنانة وقريش، والبطن ما انقسمت فيها أنساب العمارة مثل عبد مناف وبني مخزوم، والفخذ ما انقسمت فيه أنساب البطن مثل بني هاشم وبني أمية، والفصيلة ما انقسمت فيها أنساب الفخذ مثل بني العباس وبني أبي طالب. قال النووي في التهذيب عن الماوردي: فإذا تباعدت الانساب صارت القبائل شعوبا والعمائر قبائل انتهى. والعشيرة مثل أولاد العباس وأولاد أبي طالب بالنسبة إلى أنفسهم. وقيل: الشعوب عرب اليمن مثل قحطان، والقبائل مثل ربيعة ومضر. وقيل: الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. قال القشيري: وعلى هذا فالشعوب من لا يعرف لهم نسب كالسند والترك والقبائل من العرب. وعن ابن عباس الشعوب الموالي والقبائل العرب والله أعلم. ص: (ثم بيت المال) ش: ابن عرفة: روى محمد بن أسلم: من لا قوم له فالمسلمون يعقلون عنه. اللخمي: إن كانت له عاقلة قليله لم يكن فيها ما يحمل أقلتهم حمل عليهم ما يحملون والباقي على بيت المال انتهى. قلت: عزوه للشيخ ابن أبي زيد يقتضي أنه لم يقف عليه في المدونة، والمسألة: في كتاب الولاء والمواريث من المدونة ونصها: ومن أسلم من الذميين فعقلهم وحرائر أموالهم على بيت المال ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفون، وكذلك من أسلم من الاعاجم والبر بر والسودان والقبط ولا موالي لهم فعقلهم على المسلمين وميراثهم لهم انتهى. وفيها أيضا: وإذا كان عبد مسلم لقرشي وذمي فأعتقاه معا فولاء حصة الذمي للمسلمين. ولو كان العبد نصرانيا فأعتقاه معا ثم جنى جناية كان نصفها على بيت المال لا على المسلم لانه لا يرثه، ونصفها على أهل خراج الذمي الذين يؤدون معه الجزية. ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى كانت حصة الذمي من جنايته على المسلمين دونهم لانهم ورثوا حصته، والنصف على قوم القرشي. انظر بقية كلامه في المدونة وكلام أبي الحسن عليها وغيره. ص: (وعلى القاتل الحر) ش: قال ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من التبصرة.

[ 352 ]

فرع: لو سقت ولدها دواء فشرق فمات فلا شئ عليها، وكذا لو انقلبت على ولدها وهي نائمة فلا شئ عليها غير الكفارة انتهى. مسألة: سقي الدواء ذكرها في العتبية في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الديات، ومسألة النائمة تنقلب على ولدها وهي نائمة فيموت ذكرها في المدونة في كتاب الديات في باب ما أصاب النائم والنائمة، وزاد: وديته على عاقلتها ونصه: وإذا نامت امرأة على ولدها فقتلته فديته على عاقلتها وتعتق رقبة انتهى. وقال المشذالي في حاشيته عند قوله في كتاب الديات من المدونة: وإذا وجد قتيل في محلة قوم أو دارهم ولا يدري من قتله لم يؤخذ به أحد ويبطل دمه ولا يكون من بيت المال ولا غيره ما نصه. سئل: ابن عبد السلام من نام مع زوجته في فراش واحد فأصبح الولد بينهما ميتا لا يدري أيهما رقد عليه ؟ فقال: لم أر فيها نصا وعندي أنه هدر. قلت: لشيخنا: فما رأيكم فيها ؟ قال: كرأي ابن عبد السلام ويؤخذ من قولها هنا انتهى. ص: (أو نكول المدعي على ذي اللوث وحلفه) ش:. فرع: قال ابن رشد في نوازله: إذا كان للوث شهود غير عدول أو تعرف جرحتهم أو تتوهم فيهم الجرحة فلا اختلاف في أنه لا يجب على المشهود عليهم بشهادتهم ضرب مائة سوط وسجن عام، وإنما يجب عليه بشهادتهم السجن الطويل رجاء أن يوجد عليه بينة عادلة. وأما إن كانوا مجهولين لا يعرفون بجرحة ولا عدالة فيجب عليه الضرب والسجن إن عفا عنه

[ 353 ]

قبل القسامة أو بعدها على القول بوجوب القسامة في ذلك، ولا يجب عليه ضرب مائة وسجن عام على القول بسقوط القسامة مع ذلك، وقد اختلف في ذلك قول مالك. وأما إذا شهد شاهد عدل فلا اختلاف في المذهب في وجوب القسامة بذلك ولا في وجوب ضرب مائة وسجنه عاما إن عفا عنه الاولياء قبل القسامة أو بعدها، ولا يجوز أن يضرب المدعى عليه الدم بالتهمة وإنما يحبس بها إذا كان ممن يليق به التهمة الشهر ونحوه رجاء أن تقوم عليه بينة، وإن قويت عليه التهمة بما يشبه عليه مما لم يتحقق تحقيقا يوجب القسامة حبس الحبس الطويل. قال ابن الحاجب: حتى يتبين براءته أو يأتي عليه السنون الكثيرة. قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والتهمة حتى إن أهله ليتمنون له الموت من طول السجن، فإن لم يتهم وكان مجهول الحال حبس اليوم واليومين والثلاثة، وإن لم يتهم وكان معروفا بالصلاح لم يحبس ولو يوما واحدا انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وفي تقديم الضرب على السجن والتخيير في ذلك قولان لسماع عيسى عن ابن القاسم، ونقله الباجي عن أشهب ولم يحك ابن رشد غير ما في السماع انتهى. ص: (والقسامة) ش: قال ابن عرفة: القسامة حلف خمسين يمينا أو جزأها على إثبات الدم. وقال في التوضيح: قال في المشارق: القسامة ترديد الايمان بين الحالفين. أشهب: القسامة سنة لا رأي لاحد فيها، وكانت في الجاهلية فأقرها عليه الصلاة والسلام. ص: (قتلني فلان ولو خطأ) ش: قال الفاكهاني في شرح الرسالة وأظنه ناقلا عن ابن يونس: لو قيل للمجروح من ضربك فقال لا أعرفه ولا أدري من ضربني ثم قال بعد ذلك فلان فالتدمية باطلة انتهى. فرع: قال ابن رشد في نوازله في رجل دمي على رجل ثم شهد شهود أنه قال دمي

[ 354 ]

على رجل آخر قبله، وقال لما سئل عن ذلك إني خشيت أن يرجع إلي فيتم على أن ذلك يبطل

[ 355 ]

التدمية لان في تدميته على غيره أولا إبراء له، ولا يصدق في قوله أخاف أنه يتم علي لانه كمن أبرأ رجلا من حق ثم قام يطلبه وقال إنما أبرأته لوجه كذا، ولانه لا عذر له في التدمية على برئ لم يحق عليه لخوفه على نفسه، فلما أقر على نفسه أنه دمي أولا على برئ اتهمناه في أنه دمي ثانيا على برء، وإذا بطلت التدمية صار المدعى عليه في حكم من قويت عليه التهمة بالدم ولم يوجد عليه بينة فوجب أن يطال سجنه. وقد حكى عن مالك أن الرجل كان يحبس في اللطخ والشبهة حتى إن أهله ليتمنون له الموت من طول سجنه، وإن طال سجنه

[ 356 ]

الدهر الطويل ولم يظهر براءة استحلف خمسين يمينا وخلي سبيله والله سائله وحسيبه انتهى. فرع: قال ابن رشد أيضا في نوازله: دمي رجل على رجل بجرح ودمي أخو المدمى عليه على المدمى الاول وقريب له بأن القريب أمسكه وصار يقول الآخر اضرب اقتل فمات المدمى الثاني، فأراد أخو المدمى عليه أولا أن يقوم بدم أخيه، فهل يقتل المدمى عليه مع قريبه بالقسامة قبل أن تبرأ جراحه التي دمي بها، أو يؤخر جراحه ويسجن ؟ فأجاب: لا يقتل المدمى عليه حتى تبرأ جراحه التي دمى بها لان في قتله إبطال ما وجب لاوليائه من القسامة على قاتله، والواجب في ذلك أن يسجن الثلاثة المدمى عليهم، فإن صح المدمى الاول من جراحه أقسم أخو الميت عليه مع أحد من بني عمه على قريب المدمى الاول وقتلوه بقسامتهم انتهى. وما ذكره من قتل اثنين بالقسامة غريب، ونقله عنه البرزلي، ونقل ابن الحاج في ذلك ثلاثة أقوال، ونصه ابن الحاج فيمن دمى على رجلين فذكر أن أحدهما أمسكه، والآخر قتله فيكون بمثابة ما لو أدمى على رجلين فتكون القسامة وتدخل الثلاثة الاقوال أن تقسم الولاة على واحد والقولان

[ 357 ]

مشهوران. ومنه الحديث في رجل أمسك رجلا وقتله آخر، فقال اقتلوا القاتل وأحيوا الضاري بمعنى احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت. قلت: تقدم لابن رشد أن هذه المسألة مما يقتل فيها اثنان بالقسامة الواحدة، ويشير بذلك للمسألة المتقدمة ثم قال: وفي الوثائق المجموعة: ولو قال المجروح جرحني فلان جرح كذا أو خنقني فلان أو ركضني أو ضربني بالعصا ومن فعلهم أموت ولم يسم أيهم أبلغ مقاتله، فإنه ينظر في ذلك إلى من أثخنه جرحه فيقسم عليه الاولياء، فإن كانوا اثنين أو أكثر وقد بلغت جراحهم مقاتله تخير واحد يقسمون عليه منهم ولم يكن لهم أن يقسموا إلا على واحد ويقتلوه، ثم يضرب الآخرون مائة مائة ويسجنون عاما. قلت: يحتمل أن يكون هذا خلافا لما تقدم لابن رشد في الماسك والقاتل، ويحتمل الوفاق لان هنا اجتمعوا على قتله مباشرة بخلاف الماسك فإنه سبب لقتله لا أنه ضربه. انتهى كلام البرزلي. فرع: إذا ثبتت التدمية بشهادة رجلين لكن لم يعاينا الجرح الذي في المدمى وثبت بشهادة غيرهم أنه كان مجروحا جاز ذلك. قاله ابن رشد في نوازله في أثناء المسألة المذكورة فوقه. فرع: يفهم من المسألة المذكورة أن المدمى عليه يحبس وإن كان مجروحا فتأمله والله

[ 358 ]

أعلم. ص: (أو يراه يتشحط في دمه) ش: فاعل يرى ضمير يعود على العدل، والمعنى أن من اللوث أن يشهد العدل على أنه رأى المجروح يتشحط في دمه. قال في التوضيح: واشتراط المصنف يعني ابن الحاجب العدل. هذا ظاهر ولم أر من صرح بذلك انتهى. قلت: صرح به القاضي عبد الوهاب في المعونة والله أعلم ص: (وليس منه وجود بقرية قوم أو دارهم) ش:

[ 359 ]

نحوه في كتاب الديات من المدونة. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وكالعدل يرى المقتول يتشحط في دمه وليس موت الرجل عندنا في المزاحمة لوثا يوجب القسامة بل هو هدر خلافا للشافعي في قوله: تجب فيه القسامة وتجب الدية انتهى ص: (وهي خمسون يمينا متوالية) ش: قال ابن رشد في نوازله في كيفية قسامة قام بها المقتول وأخوه بأن يقسما خمسين يمينا ترد عليهما يمينا يمينا أنه هو الذي قتله، يقول الاب في يمينه بمنقطع الحق قائما مستقبل القبلة إثر صلاة العصر من يوم الجمعة على ما مضى عليه عمل القضاة: بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة لقد قتل هذا ويشير إلى القاتل ابنه فلانا بالجرح الذي أصابه به ومات منه على سبيل العمد بغير حق. وكذلك يقسم الاخ إلا أنه يقول: لقد قتل أخي. فإذا استكمل خمسين يمينا على هذه الصفة أسلم برمته إليهما فاستقادا منه بالسيف قتلا مجهزا على ما أحكمه الشرع في القصاص في القتل انتهى. قال البرزلي: وسئل أصبغ بن محمد: هل يزيد ولي الدم في يمينه وأن ما شهد به الشهود من قول المدمى حق أم لا ؟ فأجاب: لا يلزم ولي الدم أن يزيد في يمينه إحقاق ما شهد به الشهود من قول المدمى ولا علمت أحدا من أهل المذهب قاله ص: (بتا) ش: ويعتمدون على ظن قوي كما تقدم في باب الشهادات والله أعلم. ص: (وإن أعمى أو غائبا) ش: يريد أو صغيرا ويحلف إذا بلغ ويأخذ حصته كما ذكره ابن عرفة عن الموازية. ص: (أو امرأة) ش: كما لو خلف بنتا واحدة. قال في المدونة: فإن لم يدع إلا بنتا بغير عصبة حلفت خمسين يمينا فأخذت نصف الدية. أبو الحسن: وسكت عن النصف

[ 360 ]

الباقي. قال الباجي: ويسقط الباقي. وتقدم مثله لابن رشد عند قوله: وإذا قال المقتول دمي عند فلان انتهى. ونص الذي تقدم. قال ابن رشد: ولو كان للمقتول وارث معلوم مع جماعة المسلمين مثل الزوجة والزوج يحلف الوارث المعلوم خمسين يمينا واستحق حقه من الدية وبطل الباقي منهما. انتهى من سماع يحيى من كتاب الديات الثاني. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن. وفي الذخيرة: المقسم في الخطأ جميع المكلفين من الورثة رجالا أو نساء يحلفون بقدر مواريثهم، ومن لا وارث له فلا قسامة له لتعذر قسم بيت المال، ولا يقسم الاول لسبب أو ولاء، ولا يقسم من القبيلة إلا من التقى معه إلى نسب ثابت، ولا يقسم المولى الاسفل بل ترد الايمان على المدعى عليهم. انتهى ص: (وإن نكلوا أو بعض حلفت العاقلة) ش: أي فيحلف كل واحد منهم يمينا واحدة، وقد تقدم أن حد العاقلة سبعمائة أو الزيادة على الالف. وظاهر كلامه أنه إذا نكل بعض الورثة سقطت الدية جميعها وحلفت العاقلة وليس كذلك، بل المراد أنه إذا نكل بعض الورثة فإن العاقلة تحلف ويسقط حصة الناكل فقط كما صرح بذلك ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الديات، وصرح به ابن الحاجب، وصرح به الشارح في شرح قول المصنف: ولا يأخذ أحد إلا بعدها والله أعلم. ص: (ولا يحلف في العمد أقل من رجلين) ش: أي فلا يحلف النساء. وحكى ابن الفاكهاني قولا: بأن النساء يحلفن. قال القلشاني: ولم أقف عليه. وأصل المذهب أنه لا مدخل للنساء في القسامة في العمد. انتهى بالمعنى من الشيخ زروق. ص: (عصبة وإلا فموال) ش: عصبة من النسب فإن لم يكن عصبة

[ 361 ]

نسب فيحلف الموالي الاعلون لانهم عصبة، ولا يحلف الموالي الاسفلون. نقله ابن عرفة عن سماع يحيى. ص: (وللولي الاستعانة بعاصبه) ش: أي وللولي إذا كان واحدا أن يستعين بعاصبه، وكذلك لو تعدد الولي كما ذكره في التوضيح عن ابن رشد. لكن كلام المصنف إنما هو في الواحد بدليل قوله: إن لم يزد على نصفها فتأمله. والمراد عاصبه الذي يجتمع معه في أب معروف. ولا يكتفي في ذلك بأن يكون معروفا أنه من القبيلة الفلانية كما نقله ابن عرفة عن سماع يحيى. ص: (بخلاف غيره ولو بعدوا) ش: أي بخلاف نكول غير المعين فإن نكوله معتبر. والمعنى أنه إذا كان ولاة الدم في التعدد سواء كالاولاد أو الاخوة أو الاعمام ولم يكن بينهم أقرب بحيث يكون غيره أقرب معينا. فإن نكول أحدهم مسقط للقود. أما إذا كانوا أولادا وإخوة فباتفاق، واختلف في غيرهم كالاعمام وبنيهم ومن هو أبعد، والمشهور سقوط

[ 362 ]

القود أيضا، والشاذ أنه لا يسقط إلا باجتماعهم. كذا قرر المسألة في التوضيح وكلام الشارح مشكل فتأمله. ص: (ولا استعانة) ش: قال ابن غازي: إنما عزاه في المقدمات لمطرف فقال ابن عرفة: ذكره ابن حارث رواية لمطرف وأبو محمد قولا له ورواية. وإنما اقتصر عليه المصنف لان ابن عبد السلام عزاه للمدونة واستظهره وإلا فقول ابن القاسم في المجموعة أن الايمان ترد عليهم ويحلف معهم المتهم، وهو الذي حمل أبو الحسن الصغير المدونة عليه، وهو ظاهر الرسالة وعليه درج ابن الحاجب وهذا كله في التوضيح. قلت: كأنه لم يقف على كلام ابن رشد في أول رسم من سماع عيسى ونصه: الثالث أن المدعى عليه يحلف وحده ولا يكون له أن يستعين بأحد من ولاته، وهو قول مطرف في الواضحة وهو ظاهر ما في رسم أول عبد من سماع يحيى وما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك. وهذا القول أظهر الاقوال

[ 363 ]

من جهة القياس لان المدعى عليه حقيقة هو الذي يدعي عليه القتل ويطلب منه القصاص ويتعلق به حكم النكول، فوجب أن يكون هو الذي يحلف، وللقولين الآخرين حظ وافر من النظر وهو أنه لما كانت الدية تقع فيها الحمية والعصبية صارت عصبة المقتول هم الطالبون بدم المقتول بحق التعصيب لا بحق الوراثة انتهى، فقد استظهره ابن رشد وقال: إنه ظاهر ما في المدونة والله أعلم. ص: (ومن أقام شاهدا على جرح أو قتل كافر أو عبد أو جنين حلف واحدة وأخذ الدية) ش: أجمل المصنف رحمه الله في قوله: وأخذ الدية. وأما مسألة الجرح فقال في المدونة: لا قسامة في الجراح لكن من أقام شاهدا عدلا على جرح عمد أو خطأ فليحلف معه يمينا واحدة ويقتص في العمد ويأخذ العقل في الخطأ. قيل لابن القاسم: لم قال مالك ذلك في جراح العمد وليست بمال ؟ فقال: كلمت مالكا في ذلك فقال: إنه لشئ

[ 364 ]

استحسناه ما سمعت فيه شيئا. هذا لفظها على اختصار ابن عرفة ونحوه لابن الحاجب ثم قال: فإن نكل من قام بالشاهد حلف الجارح. فإن نكل قال ابن القاسم: حبس حتى يحلف. وأما مسألة الكافر فقال في المدونة في نصراني قام على قتله شاهد واحد عدل مسلم يحلف ولاته يمينا واحدة ويستحقون الدية على قاتله مسلما كان أو نصرانيا. هذا لفظها أيضا باختصار ابن عرفة. وانظر هل يحلف كل واحد من ولاته يمينا أو تجزئهم يمين واحدة ؟ والظاهر من كلام المدونة المذكور أنه يحلف كل واحد من ولاته يمينا واحدة. وأما مسألة العبد فكذلك يحلف سيده يمينا واحدة ويأخذ قيمة عبده سواء كان قاتله حرا أو عبدا. فرع: فإن أقام شاهدا أن عبد فلان قتل عبده حلف معه وخير سيد القاتل بين أن يغرم قيمة المقتول أو يسلم عبده، فإن أسلمه لم يقتل لانه لا يقتل القاتل بشاهد واحد قاله في المدونة ونقله ابن عرفة. وانظر هل يضرب القاتل مائة ويحبس عاما. وأما مسألة الجنين فإنه يحلف كل واحد من ورثته يمينا واحدة. قاله في المدونة ونقله ابن عرفة ونصه: وفيها إن ضربت امرأة فألقت جنينا ميتا وقالت دمي عند فلان ففي المرأة القسامة ولا شئ في الجنين إلا ببينة ثبتت كأنه جرح من جراحها، ولا قسامة في الجرح ولا يثبت إلا ببينة أو شاهد عدل فتحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته. الصقلي: يريد يحلف كل واحد ممن يرث الغرة يمينا أنه قتله. وفيها: إن قالت دمي عند فلان فخرج جنينها حيا فاستهل صارخا ثم مات ففي الام القسامة ولا قسامة في الولد لانها لو قالت قتلني وقتل فلانا معي لم يكن في فلان قسامة. انتهى. بخلاف ما إذا ثبت موتها وخروج الولد بشاهد واحد فإن ورثته يحلفون معه يمينا ويستحقون الغرة. وإن استهل صارخا ففيه القسامة لان الشاهد لوث وقول المرأة ليس لوثا في

[ 365 ]

حق ولدها والله أعلم ص: (فلو قالت دمي وجنيني) ش: ليس في هذه الصورة إلا قول المرأة فقط فليست بمعارضة لما تقدم فتأمله والله أعلم. باب في البغي وما يتعلق به ص: (الباغية فرقة خالفت الامام لمنع حق أو لخلعه) ش: لما فرغ رحمه الله من الكلام على القتل والجرح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين، اتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب سفك الدماء أو ما دونه من العقوبات والجناية هو ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالا أو مآلا. والجنايات الموجبة للعقوبات سبع: البغي والردة والزنا والقذف والسرقة والحرابة والشرب. وبدأ المصنف بالبغي لانه

[ 366 ]

أعظمها مفسدة إذ فيه إذهاب الانفس والاموال غالبا فقال باب أي هذا باب اذكر فيه أحكام البغي. والبغي في اللغة قال الجوهري: هو التعدي. وقال ابن العربي في أحكام القرآن: إن مادة ب غ ى للطلب إلا أنه في العرف مقصور على طلب خاص وهو ابتغاء ما لا ينبغي ابتغاؤه انتهى. وفي الاصطلاح قال ابن عرفة: البغي هو الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأولا انتهى. وعرفها المؤلف بقوله: الباغية أي الفئة الباغية هي فرقة من المسلمين خالفت الامام لشيئين: إما لمنع حق وجب عليها من زكاة أو حكم من أحكام الشريعة أو لدخول في طاعته فإنه حق أو خالفته لخلعه. قال ابن عبد السلام: والمراد بالامام هنا الامام

[ 367 ]

الاعظم أو نائبه انتهى. وقال في التوضيح: فخرج الخروج عن طاعة غير الامام فإنه لا يسمى بغيا اه‍. يريد أو نائبه. وعلم أنه لو خرجت لا لمنع حق بل لمنع ظلم كأمره بمعصية ليست بباغية كما يفهم من كلام ابن عرفة. وزاد ابن عرفة وابن الحاجب قيدا آخر وهو كون الخروج مغالبة ولا بد منه. قال ابن عبد السلام: ولفظة مغالبة كالفصل أو كالخاصة لان من عصى الامام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة انتهى. ونحوه في التوضيح ونصه: وإخراج الخروج عن طاعة الامام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغيا اه‍. وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة، فمن خرج عن طاعة الامام من غير مغالبة لا يكون باغيا. ومثال ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم أنه مكث أشهرا لم يبايع الخليفة ثم بايعه رضي الله عنهم أجمعين. ولابن عرفة في آخر الجهاد كلام حسن في قتال أهل العصبية وقتل الخوارج، وكذا للشيخ أبي الحسن الصغير كلام حسن في الجهاد والله أعلم. فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم: البيعة مأخوذة من البيع وذلك أن المبايع للامام يلزمه أن يقيه بنفسه وماله فكأنه بذل نفسه وماله لله تعالى وقد وعد الله تعالى على ذلك بالجنة، فكأنه حصلت معاوضة. ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله (ص): من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرا، وبالقول والاشهاد عليه إن كان غائبا. ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الامام ويسمع ويطيع له في السر والجهر ولا يعتقد خلافا لذلك، فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية لانه لم يجعل في عنقه بيعة انتهى. وقال قبله بنحو الورقة في شرح قوله (ص): إنما الطاعة في المعروف إنما للحصر ويعني به ما ليس بمنكر ولا معصية فيدخل فيه الطاعة الواجبة والمندوب إليها والامور الجائزة شرعا. فلو أمر بجائز صارت طاعته فيه

[ 368 ]

واجبة ولما حلت مخالفته، فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه لا تحريم فهذا مشكل والاظهر

[ 369 ]

جواز المخالفة تمسكا بقوله: إنما الطاعة في المعروف وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه فله أن يقتتل انتهى. وتقدم في الاستسقاء شئ من هذا المعنى. ص: (وكره لرجل قتل أبيه) ش: هذا هو المشهور وروى جوازه ابن عبد السلام. وهذا الخلاف مقصور على الاب ولا يتعداه إلى الجد، وقد تقدم في غير هذا الموضع اختلاف الطرطوشي وعياض في الجد هل يتنزل منزلة الاب في وجوب البر انتهى.

[ 370 ]

باب في الردة ص: (الردة كفر المسلم) ش: نسأل الله تعالى العصمة منها ومن سائر الكبار وأن يتوفنا مسلمين. واحترز بقوله: كفر المسلم مما إذا انتقل الكافر من دينه إلى دين آخر فإن المشهور أنه لا يتعرض له كما سيصرح بذلك المصنف وهو قول مالك. وقيل: إنه يقتل إلا أن يسلم قاله الشارح وأظنه لابن الماجشون اه‍. قلت: وقال في الشفاء: اختلف العلماء في الذي يتزندق فقال مالك ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: لا يقتل لانه خرج من كفر إلى كفر.

[ 371 ]

وقال ابن الماجشون: يقتل لانه دين لا يقرأ عليه أحد ولا تؤخذ عليه جزية. ص: (وسحر) ش: ظاهر كلامه أن السحر ردة وأنه يستتاب الساحر إذا أظهر ذلك، فإن تاب وإلا قتل. والقول الراجح فيه أن حكمه حكم الزنديق يقتل ولا تقبل توبته إلا أن يجئ تائبا بنفسه. انظر ابن الحاجب والتوضيح. ص: (وقول بقدم العالم أو ببقائه) ش: قال في الشفاء: وكذلك يقطع بكفر من قال بقدم العالم أو ببقائه أو شك في ذلك انتهى. فقول الشارح هذا على القول بتكفير هؤلاء. ولمالك وغيره فيهم قولان يوهم أن في كفر من قال بقدم العالم أو ببقائه خلافا وليس كذلك والله أعلم. ص: (أو شك في ذلك) ش: تقدم النص عليه في كلام الشفاء. وقول الشارح إن هذا ليس من الامور الثلاثة يعني قول المصنف بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه. وعليه فالحد الذي ذكره ليس بجامع لخروج هذا النوع منه غير ظاهر، لان التلفظ بالشك في ذلك داخل في اللفظ الذي يقتضي الكفر، وأما الشك من غير أن يتلفظ بذلك فهو وإن كان كفرا لا شك فيه لكنه لا يوجب الحكم بكفره ظاهرا إلا بعد التلفظ بذلك كما أن اعتقاد الكفر من غير تلفظ به كفر ولكن لا يحكم على صاحبه بالكفر إلا بعد التلفظ بما يقتضيه فتأمله والله أعلم. ص: (أو بتناسخ الارواح) ش: أي انتقالها في الاشخاص الآدمية

[ 372 ]

وغيرها وأن تعذيبها وتنعيمها بحسب زكاتها وخبثها، فإذا كانت النفس شريرة أخرجت من قالبها التي هي فيه وألبست قالبا يناسب شرها من كلب أو خنزير أو سبع ونحو ذلك فإن أخذت جزاء شرها بقيت في ذلك القالب تنتقل من فرد إلى فرد، وإن لم تأخذ انقلبت إلى قالب أشر منه، وكذلك حتى تستوفي جزاء الشر. وفي الخير تنتقل إلى أعلى، ولذلك يعتقدون أن لا خير ولا شر ولا جنة ولا نار نسأل الله السلامة، فأدى اعتقاد التناسخ إلى إنكار ما أجمع المسلمون عليه والله أعلم. ص: (أو ادعى أنه يصعد إلى السماء أو يعانق الحور) ش:. فرع: قال الابي في شرح مسلم في كتاب الحج في شرح قول عمران بن حصين ما نصه: كلام الملائكة مع غير الانبياء يصح. وكان الشيخ ابن عبد السلام يحكي عن بعض الطلاب من شيوخ زمانه أن من قام اليوم كلمتني الملائكة يستتاب والحديث يرد عليه. والصواب أن ذلك يختلف بحسب حال من زعمه، فإن كان متصفا بالصلاح تجوز عنه وإلا زجر عن قول ذلك بحسب ما يراه الحاكم. ومن هذا المعنى ما يتفق لبعضهم أن يقول قيل لي وخوطبت. وكان الشيخ أبو عبد الله يعني ابن عرفة يشدد القول فيه وفي إنكاره على من زعمه اه‍. وفي الشفاء: وكذلك من ادعى مجالسة الله والعروج إليه ومكالمته يعني أنه كافر بإجماع المسلمين انتهى. وقال ابن عبد السلام الشافعي في أماليه: إذا قال ولي من أولياء الله تعالى أنا

[ 373 ]

الله عزر التعزير الشرعي وهذا لا ينافي في الولاية إذ الاولياء غير معصومين انتهى. قلت: وانظر ما مراده بالتعزير الشرعي هل هو الاستتابة أو غيرها ؟ والظاهر أنه الاستتابة لان هذا القول فيه دعوى الالوهية أو حلول الباري سبحانه وتعالى فيه فتأمله. ص: (واستتيب ثلاثة أيام) ش: ظاهر كلامه أن تأخيره ثلاثة أيام واجب. هكذا قال في التوضيح أنه ظاهر المذهب. وقال ابن العربي في أول كتاب التوسط في أصول الدين: ألا ترى أن المرتد استحب العلماء له الامهال لعله إنما ارتد لريب فيتربص به مدة لعله أن يراجع الشك باليقين والجهل بالعلم، ولا يجب ذلك لحصول العلم بالنظر الصحيح أولا اه‍. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: وعرض التوبة واجب على الظاهر من المذهب إلا أنه إن قتله قاتل قبل استتابته فبئس ما صنع ولا يكون فيه قود ولا دية انتهى. وانظر نوازل سحنون من كتاب الديات. ص: (فإن تاب وإلا قتل) ش: فإن تاب فلا عقوبة عليه. نص عليه في التوضيح وابن عرفة وصاحب اللباب والذخيرة وأصله في البيان في رسم الاقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب المحاربين والمرتدين، وفي أواخر القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون. مسألة: وفي عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب: إذا ارتد ثم تاب ثم ارتد ثم تاب لم يعزر في المرة الاولى، ويجوز أن يعزر في المرة الثانية والثالثة والرابعة إذا رجع إلى الاسلام ولست أعرفه منصوصا ولكن يجوز عندي. والفرق بين الاولى وغيرها أنه في الاولى يجوز أن يكون حصلت له شبهة فارتد ثم رجع بسبب زوالها، فإذا عاود الردة بعد زوال الشبهة ثم تاب ضرب لانه لم يبق له شبهة ولا يزاد على التعزير ولا يحبس ولا يقتل انتهى. تنبيه: صرح في الشفاء بأن من سب النبي (ص) إذا قلنا إن ذلك ردة وأنه يستتاب فإنه

[ 374 ]

إن تاب نكل، وكذلك من كانت ردته بسبب كلام ساقط في حق الباري أو سب له فإنه

[ 375 ]

يؤدب. وقاله في الشفاء أيضا والله أعلم. ص: (وماله لوارثه) ش: يعني أن مال المرتد لوارثه وهذا إذا تاب، وأما إذا لم يتب فلا. قاله ابن

[ 376 ]

بكير في أحكام القرآن، وانظر أواخر الشفاء وابن عرفة. ص: (وأسقطت صلاة وصياما إلى قوله وإحصانا) ش: أي وأسقطت الردة عن المرتد صلاة وصياما وزكاة أي أبطلت الصلاة والصيام والزكاة التي تعلقت بالمرتد من حين تعلق ذلك به إلى حين رجوعه إلى الاسلام، سواء كان فعل ذلك أو لم يفعله. فإن كان فعل ذلك فالاسقاط بمعنى إبطال ثوابه المرتب عليه، وإن كان لم يفعل ذلك فالاسقاط بمعنى إبطال تعلقه بذمته، وسواء وجب ذلك قبل الردة أو أدركه وقت وجوبه وهو في حال الردة. فرع: فلو صلى صلاة ثم ارتد في وقتها ثم رجع إلى الاسلام ووقتها باق بحيث يدرك منها ركعة لزمته. نقله أبو الحسن في كتاب النكاح الثالث. وأسقطت الردة حجا تقدم من المرتد في حال إسلامه. والاسقاط هنا بمعنى إبطال ثوابه، ويجب عليه استئناف الحج على المشهور لان وقته متسع إلى آخر العمر فيجب عليه بخطاب مبتدأ كما يجب عليه الصلاة والصيام والزكاة للاوقات المستقبلة. قاله أبو الحسن الصغير. وقيل: لا يجب عليه استئناف الحج. فرع: فلو ارتد وهو محرم بطل إحرامه. قاله في النوادر. فإن كان تطوعا لم يلزمه قضاؤه، وإن كان فرضا أو قد كان حج الفرض قبل ذلك فإنه لا بد له من استئناف حج الفريضة انتهى. تنبيه: يفهم من كلامه أنه لا يلزمه قضاء ما أفسده من الحج والعمرة قبل ردته لان ذلك قد بطل وسقط من ذمته فتأمله والله أعلم. وأسقطت الردة عن المرتد نذرا نذره في حال إسلامه أوفي حال ردته، وأسقطت الردة على المرتد بالله حلفها في حال إسلامه أو في حال ردته أو يمينا بعتق. وظاهر كلام المصنف سواء كانت اليمين بعتق معين أو بعتق غير معين، وهذا ظاهر المدونة. وقال ابن الكاتب: وهذا في غير المعين، وأما المعين فيلزمه لانه تعلق به حق إنسان معين قبل ردته فلا يسقط عنه كما يلزمه تدبيره. قال ابن يونس: يظهر لي أن تدبيره كعتقه وطلاقه وذلك بخلاف أيمانه، ألا ترى أن النصراني يلزمه تدبيره إذا أسلم ولا يلزمه يمينه وكذلك المرتد.

[ 377 ]

قال أبو الحسن: فكان ابن يونس يقول. سواء كانت يمينه بعتق عبد بعينه أو بغير عينه أنها تسقط وقد تقدم الخلاف في ذلك انتهى. يشير إلى ما نقله عياض ونصه: اختلفوا في يمينه بالعتق التي أسقطها هل ذلك في غير المعين، وأما المعين فيلزم كالمدبر، وقيل المعين وغيره سواء اه‍. أو يمينا بظهار وكذا الظهار المجرد عن اليمين. قال أبو الحسن: يتحصل في الظهار المجرد واليمين بالظهار ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك لا يسقط فيهما وهو عند محمد في اليمين بالظهار فأحرى في المجرد. والثاني أن ذلك يسقط فيهما وهو الذي حكى عياض عن بعض الشيوخ. والثالث يلزم في المجرد ولا يلزم في اليمين وهو الذي اقتصر عليه أبو محمد في المدونة. فإذا حنث في الظهار المجرد بالوطئ وتخلدت الكفارة في ذمته حكمه حكم المعلق بصفة أي فيسقط، وسبب الخلاف في الظهار هل النظر إلى ما فيه من التحريم فيشبه الطلاق، أو إلى ما فيه من الكفارة فلا يلحق بالطلاق اه‍. وقال اللخمي: وليس الظهار كالطلاق لان الخطاب في الطلاق موجه إلى الزوجين وفي الظهار يتوجه إلى الزوج خاصة اه‍ فتأمله. وظاهر الام أن الظهار المجرد يسقط بالردة ونصها: قال ابن القاسم: والمرتد إذا ارتد وعليه أيمان بالعتق وعليه ظهار وعليه أيمان بالله قد حلف بها أن الردة تسقط ذلك عنه اه‍. فرع: وأما أيمانه بالطلاق فلم ينص ابن القاسم عليها في المدونة لكن كلامه يقتضي أن مذهب ابن القاسم فيها السقوط لانه قال فيها: وإذا ارتد وعليه أيمان بالله أو بعتق أو ظهار فالردة تسقط ذلك عنه. وقال غيره: لا تطرح ردته إحصانه في الاسلام ولا أيمانه بالطلاق انتهى. وأسقطت الردة إحصانا تقدم من الزوجين في حال إسلامهما، فمن ارتد منهما زال إحصانه ولا يزول إحصان الآخر الذي لم يرتد كما يظهر من لفظ المدونة. قال في كتاب النكاح الثالث: والردة تزيل إحصان المرتد من الرجل أو المرأة وبانتفاء الاحصان إذا أحصنا، ومن زنى منهما بعد رجوعه إلى الاسلام وقبل تزوجه لم يرجم اه‍. فرع: قال المشذالي في حاشيته: قال ابن عرفة: لو ارتد قاصدا لازالة الاحصان ثم أسلم فزنى فإنه يرجم معاملة له بنقيض مقصوده انتهى. وانظر هل يحكم له بالاحصان الآن أو لا يكون محصنا ولكن يعامل بنقيض مقصوده والله أعلم. وقد ذكر في التوضيح أن من ارتد ليسقط عنه حد الزنا أنه لا يسقط. قاله ابن يونس ونصه سحنون. ولا تسقط الردة حد الزنا لانه لا يشاء من وجب عليه حد أن يسقط بالردة إلا أسقطه بالردة. ابن يونس: وظاهر هذا خلاف المدونة قال: وإنما استحب إن علم منه أنه إنما ارتد ليسقط الحد قاصدا لذلك فإنه لا يسقط ذلك عنه، وإن ارتد بغير ذلك سقط عنه انتهى. ص: (ووصية) ش: أي وأسقطت الردة وصية صدرت من المرتد في حال ردته أو قبل ذلك بخلاف تدبيره فإنه لا يبطله، سواء رجع إلى الاسلام أم قتل على ردته، بل يخرج من ثلثه. وإن كان له أم ولد فتخرج من رأس ماله وما أعتقه أو أعطاه لغيره قبل ردته فإنه لا يبطل. وانظر ما حكم وقفه، والظاهر أنه لا يبطل

[ 378 ]

قياسا على العتق والله أعلم. ص: (لاطلاقا) ش: هو معطوف على قوله صلاة ويريد إذا أوقع ذلك قبل الردة، والمعنى أن الردة لا تسقط ما تقدم من الطلاق. قاله في النوادر. وقال مالك: وما طلق في ارتداده أو أعتق فلا يلزمه، وما طلق أو أعتق قبل الردة فإنه يلزمه انتهى. فلو طلق ثلاثا ثم أسلم لم تحل له إلا بعد زوج. نعم لو طلقها ثلاثا ثم ارتدا جميعا عن الاسلام ثم أسلما فإنه يسقط عنهما الطلاق الثلاث. قاله ابن القاسم ونقله عنه اللخمي ونقله المصنف في

[ 379 ]

التوضيح ونص عليه في الشامل. ص: (إلا المراهق والمتروك لها) ش: انظر النكاح الثالث من المدونة. ص: (وإن سب نبيا إلى قوله ولم يستتب حد) ش: قال في الشفاء: ولا تقبل توبته سواء ظهر عليه أو جاء تائبا. وقول المصنف حرا يعني به أن السب ليس بردة. قال في الشفا:

[ 380 ]

وهذا إنما هو مع إنكاره لما شهد عليه به أو مع إظهاره التوبة والاقلاع عنه. قال: وأما من علم أنه سبه مستحلا له فلا شك في كفره، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفرا كتكذيبه أو تكفيره، وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به عليه وصمم فهذا كافر بقوله وباستحلاله هتك حرمة الله وحرمة نبيه قتل كفرا بلا خلاف انتهى. ثم قال: لما قرر أن ميراث الساب لورثته أن ذلك فيمن أنكر ما شهد عليه به أو اعترف به وأظهر التوبة قال: وأما لو أقر به وتمادى على السب كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار انتهى. فرع: قال المشذالي في آخر النكاح الثالث عند قوله وإذا ارتد ثم راجع الاسلام وضع عنه كل حق. سئل ابن عرفة عمن وقع في الجناب العلي بما يوجب قتله فلم يقتل حتى ارتد ثم راجع الاسلام، هل يسقط قتله ؟ فقال: الذي عندي أنه يسقط وهو ظاهر الكتاب لانه لم يستثن إلا القذف، ولو كان ثم غيره لذكره. قال المشذالي: قلت: قال عياض عن ابن القاسم ومحمد عن مالك: إن من سب النبي (ص) قتل إلا أن يسلم الكافر. فظاهر تخصيصه بالكافر يدل على أن المسلم لا يسقط وذكر بعده هل الحق لله أو للآدمي فهذا مناط الحكم انتهى. مسألة: قال القرطبي في شرح مسلم: لا خلاف في وجوب احترام الصحابة وتحريم سبهم، ولا يختلف في أن من قال كانوا على كفر وضلال كافر يقتل لانه أنكر معلوما من الشرع فقد كذب الله ورسوله، وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الاربعة أو ضللهم. وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب، أو الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال ؟ هذا مما يختلف فيه. فأما من سبهم بغير ذلك فإن كان سبا يوجب حدا كالقذف حد حده ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه والاهانة ما خلا عائشة فإن قاذفها يقتل لانه مكذب للكتاب

[ 381 ]

والسنة من براءتها. قاله مالك وغيره. واختلف في غيرها من أزواجه (ص) فقيل يقتل قاذفها لان ذلك أذى للنبي (ص)، وقيل يحد وينكل على قولين. وأما من سبهم بغير القذف فإنه يجلد الجلد الموجع وينكل التنكيل الشديد. قال ابن حبيب: ويخلد في السجن إلى أن يموت. وقد روي عن مالك فيمن سب عائشة أنه يقتل مطلقا، ويمكن حمله على السب بالقذف انتهى. وقال في الاكمال في حديث الافك: وأما اليوم فمن قال ذلك في عائشة قتل لتكذيب القرآن وكفره بذلك، وأما غيرها من أزواجه فالمشهور أنه يحد لما فيه من ذلك ويعاقب لغيره. وحكى ابن شعبان قولا آخر أنه يقتل على كل حال، وكأن هذا التفت إلى أذى النبي (ص) حيا وميتا انتهى. وقال في الاكمال أيضا. وسب أصحاب النبي (ص) وتنقصهم أو واحد منهم من الكبائر المحرمات، وقد لعن النبي (ص) فاعل ذلك وذكر أن من آذاه وآذى الله تعالى فإنه لا يقبل منه صرف ولا عدل. واختلف العلماء فيما يجب عليه، فعبد الملك ومشهور مذهبه إنما فيه الاجتهاد بقدر قوله والمقول فيه وليس له في الفئ حق. وأما من قال فيهم إنهم كانوا على ضلالة وكفر فيقتل. وحكى عن سحنون مثل هذا فيمن قاله في الائمة الاربعة: قال: وينكل في غيرهم. وحكى عنه يقتل في الجميع كقول مالك انتهى. فيفهم منه أن قول مالك إن من قال في أحد من الصحابة ولو كان غير الائمة الاربعة أنه على ضلالة وكفر إنه يقتل. وانظر الشفا وقد حكى فيه الخلاف حتى فيمن كفر عليا وعثمان. والذي جزم به ابن عبد السلام الشافعي في أماليه أنه لا يكفر بذلك. مسألة: قال الشيخ جلال الدين السيوطي في مسالك الحنفا في والدي المصطفى، قال: نقلت من مجموع بخط الشيخ كمال الدين الشمبني والد شيخنا الشيخ تقي الدين ما نصه: سئل القاضي أبو بكر بن العربي عن رجل قال إن أبا النبي (ص) في النار فأجاب بأنه ملعون،

[ 382 ]

لان الله تعالى قال * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدلهم عذابا مهينا) * قال: ولا أذى أعظم من أن يقال في أبيه أنه في النار انتهى بلفظه والله أعلم. غريبة: ذكرها صاحب كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة ولم أقف على اسم المصنف قال: ذكر صاحبنا الشيخ شمس الدين الملقب بالرائق خطيب مدينة بيروت وإمامها عن السيد عمر الحضرمي من أهل بيروت أنه اجتمع برافض من أهل جبل عاملة، فقال له الرافضي: نحن نبغض أبا بكر لتقدمه في الخلافة على علي، ونبغض جبريل لانه نزل بالرسالة على محمد ولم ينزل على علي، ونبغض محمدا (ص) لانه قدم أبا بكر في النيابة عنه في الصلاة ولم يقدم عليا، ونبغض عليا لسكوته عن طلب حقه من أبي بكر وهو قادر عليه، ونبغض الله لانه أرسل محمدا ولم يرسل عليا، وهذا أقبح ما يكون من الكفر الذي ما سمع بمثله والعياذ بالله. قال: وذكر ابن بشكوال بسنده إلى محمد بن عمر بن يونس قال: كنت بصنعاء فرأيت رجلا والناس حوله مجتمعون عليه فقلت: ما هذا ؟ قالوا: هذا رجل كان يؤم بنا في شهر رمضان وكان حسن الصوت بالقرآن، فلما بلغ * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * قال: إن الله وملائكته يصلون على علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، فحرص وجذم وبرص وعمي وأقعد مكانه انتهى. ص: (إلا أن يسلم الكافر) ش: انظر ما نقله الابي عن ابن عرفة وأظنه في كتاب الايمان في حديث

[ 383 ]

أسامة. ص: (واستتيب في هزم) ش: وقال القرطبي في شرح مسلم: ومن قال إنه فر أو هزم قتل ولم يستتب لانه صار بمنزلة من قال: إنه كان أسود أو ضخما فأنكر ما علم من وصفه وذلك كفر لانه قد أضاف إليه نقصا وعيبا. وقيل: يستتاب فإن تاب وإلا قتل انتهى. ص: (وأدب اجتهاد في أد واشك للنبي) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح. مسائل: من فتاوى الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي تتعلق بشئ من معنى هذا الباب: سئل البلقيني عن رجل أمسك غريما له وقال لو وقف عزرائيل قابض الارواح ما سيبته، إلا بحكم الشرع. فأجاب: إذا كان مراده لو وقف لقبض روحي ما سيبته فلا يجب عليه شئ لانه إنما صدر ذلك بالنسبة إلى ما يتعلق بذلك. ومعنى لا أسيبه ولو في ذلك ذهاب الروح وهذا لا يتعلق بالملك (ص). قلت: وأما لو قصد الاستخفاف بذلك فالظاهر أنه يؤدب كما ذكره في الشفا وأشار إليه الشيخ بقوله لو سبني ملك لسبيته. وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي: ما تقول في رجل قال في ملا من الناس وقد تكلم في حقيقة الفقير فقال: الفقير الذي لا حاجة له إلى الله، فهل في إطلاق هذا القول شئ أم لا ؟ وهل إذا ذكر لذلك تأويلا محتملا ولو على بعد أيقبل ذلك منه أو لا ؟ فأجاب: يعزر على ذلك تعزيرا بليغا رادعا ويجدد إسلامه ولا يقبل تأويله في هذا القول لما فيه من سوء الادب والرد على قوله تعالى * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * وهذا القول إن لم يكن كفرا فهو قريب من الكفر فلا أكثر الله من هذه الشياطين المضلين، ويجب على ولي

[ 384 ]

الامر أن يبالغ في ردع هذا الخبيث المجترئ على رب العالمين اه‍. قلت: لعله تردد في كون هذا اللفظ كفرا لكون قائله ذكر له تأويلا، وأما من اعتقد معنى هذا اللفظ فلا شك أنه كافر مرتد مكذب للقرآن والله أعلم. وسئل البلقيني عن رجل ظلمه مكاس ظلما كثيرا فقال الرجل الذي يكتبه فلان المكاس ما يمحيه ربنا ما يلزمه ؟ فأجاب: إذا لم يقصد بذلك عدم تعلق قدرة الرب به فإنه لا يكفر، سواء قصد أن المكاس شديد البأس يصمم على ما يكتب أو لم يقصد ذلك. فإن قصد أن ربنا لا يقدر على محوه فإنه يكفر ويستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وسئل عن مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم عيد مبارك عليك هل يكفر أم لا ؟ فأجاب: إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى ذلك على لسانه

[ 385 ]

فلا يكفر لما قاله من غير قصد. وسئل عن رجل يدعي أنه إذا غضب على أحد أصيب في بدنه أو منصبه لاجل غضبه، فقال له رجل: لو سمع الله منك لاخرب السموات والارض يعني لو

[ 386 ]

قبل دعاءك، فهل يجب على قائل هذا الكلام شئ وماذا يجب على من قال له كفرت بهذا الكلام ؟ فأجاب: لا يجب على قائل ذلك شئ ومن رماه بكفر أو غيره بالتأويل زجر عن ذلك ويعرف أن معنى ذلك موجود في كتاب الله في قوله * (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والارض) * ويجب عليه أن يتوب عما صدر منه. وسئل عن رجل يصبح كل يوم يشتغل بالناس ويجعلهم في غير الاسلام ويقول بعد ذلك إذا أكلت العلماء الرشا أكلت الناس الحرام، وإذا أكلت العلماء الحرام كفرت الناس، ويذكر أنه وقتنا هذا فعوتب في ذلك فقال: ما قلته من عندي، قاله الفقيه حسين المغربي. فأجاب: قد ارتكب المذكور كبائر بجعل المسلمين في غير الاسلام وبما ذكره عن العلماء وعن كفر الناس وبذكره أنه وقتنا، وقد كذب في ذلك كله وافترى، فدين الاسلام بحمد الله قائم والامة المحمدية لا تزال طائفة منهم قائمة على الحق حتى يأتي أمر الله، وأن الله تعالى يبعث للامة المحمدية على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها، ويجب على هذا الرجل التعزير البليغ الزاجر له ولامثاله عن هذه الامور الباطلة ويبادر إلى التوبة، فإذا ظهر من حسين المغربي شئ من ذلك فإنه يعزر انتهى. قلت: وما ذكره كلام لا معنى له فإنه يقتضي أن الرشا أخف من الحرام وقد قال العلماء: إن الرشا أخبث من الحردم وإنها السحت.

[ 387 ]

وسئل عن الرجل قال في ميعاده إن الله تعالى يقول إن من عبادي من لا يوافقه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد الحديث. وفي آخره ومراد الحق من الخلق ما هم عليه فأنكر عليه رجل صحة هذا الحديث، فهل الحديث مروي ؟ وما معنى قوله ومراد الحق من الخلق ما هم عليه ؟ فأجاب: هذا أثر مروي ومعناه صحيح ولا يترتب على قائله شئ، ومعناه أن كل ما يفعله الخلق وما اشتملوا عليه من هدي وغي من خلق الله وإرادته وهذا اعتقاد أهل السنة. وسئل الشيخ عز الدين عن الرجل يذكر فيقول الله الله ويقتصر على ذلك، هل هو مثل قوله سبحان الله والحمد الله والله أكبر وما أشبه ذلك أم لا ؟ وإذا لم يكن بمثابته فهل هو بدعة لم تنقل عن السلف أم لا ؟ فأجاب هذه بدعة لم تنقل عن الرسول ولاعن أحد من السلف وإنما يفعله الجهلة، والذكر المشروع كله لا بد أن يكون جملة فعلية أو اسمية وهو مأخوذ من الكتاب والسنة وأذكار الانبياء والخير كله في اتباع الرسول واتباع السلف الصالحين دون الاغبياء من الجاهلين انتهى. وسأل البلقيني عن جماعة يذكرون في أثناء ذكرهم يقولون محمد محمد ويكررون الاسم الشريف ويقولون آخر ذلك محمد مكرم معظم، هل يكون ذلك ذكرا يؤجرون عليه ؟ وهل فيه إساءة ؟ وهل ورد في ذلك شئ من كتاب أو سنة ؟ فأجاب: لم يرد بذلك آية ولا خبر عن النبي (ص) ولا أثر على الصحابة ولا عن التابعين ولاعن الفقهاء بعدهم ولا ذلك من الاذكار المشروعة ولا يؤجرون على ذلك، هو مبتدعون شيئا قد يقعون به في إساءة الادب. وأما قوله محمد محمد مكرم معظم فهذا ليس كالذي قبله وهو إخبار بالواقع ولم يرد فيه ما يقتضي أن يكون مطلوبا والقياس على ما نهى الله عنه في قوله تعالى * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * وقوله تعالى: * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) * وما طلب من الادب منهم في حق النبي (ص) يقتضي النهي عن ذلك انتهى. قلت: قوله وأما قولهم محمد محمد مكرم معظم يعني من غير تكرير للاسم الشريف، وما قاله ظاهر ومثل هذا قول كثير من العامة صلوا على محمد. باب في بيان حد الزنا وما يتعلق به ص: (الزنا وطئ مسلم مكلف الخ) ش: قال أبو الحسن: قال القاضي عياض: الزنا يمد

[ 388 ]

ويقصر. فمن مده ذهب إلى أنه فعل من اثنين كالمقاتلة والمضاربة فمصده قتالا، ومن قصره جعله اسم الشئ بنفسه. وأصل اشتقاق الكلمة من الضيق والشئ الضيق اه‍. وانظر هذا الكلام فإني لم أجده في التنبيهات لاني لم أجده في نسختي من كتاب الحدود وفي الزنا المترجم له في بعض النسخ باب الرجم كما قاله أبو الحسن، فما أدري سقط هذا الكلام من نسختي أو من جميع النسخ، ولعل هذا الكلام من الاكمال أو من المشارق. قال النووي: وإذا مد كتب بالالف، وإذا قصر كتب بالياء. قاله في كتاب بيان لغات المهذب: والقصر لغة الحجاز وبها جاء القرآن، والمدلغة تميم قاله في المحكم وغيره. قال الجزولي في شرح الرسالة بعد ذكر الكلام السابق عن عياض: وهل ضيق المحل أو ضيق الحكم فيه يحتمل. قال الجزولي: وحضرت خصمين تحاكما قال أحدهما قال لي: يا ابن المقصور والممدود، فجلده القاضي لان هذا تعريض انتهى. وقال الزناتي: وأصل اشتقاق الكلمة من الضيق والشئ الضيق لان الزاني ضيق على نفسه من حيث أخرج نطفته إخراجا لا ينسب إليه ولانه ضيق على نفسه في الفعل إذ لا يتصور في كل موضع فلا بد من التماس خلوة وتحفظ وضيق على نفسه فيما اكتسبه من إثم تلك الفعلة. قال ابن القوطية: زنى الرجل على غيره زنو أو زناء ضيق عليه، وزنا الشئ ضاق أو قصر، وزنى الجبل ضعف، وزنى إلى الشئ نحا، وزنى الرجل بوله زنو أحقنه، وزنى البول احتقن، وفي الحديث نهى رسول الله (ص) عن الصلاة والمصلي زناء انتهى. تنبيهات: الاول: لا يرد على المصنف أنه لا يصدق ما ذكره من الحد إلا على الرجل فقط فلا يشمل الزانية، بل هو شامل لها لانه قال وطئ، والوطئ مصدر لا يمكن وقوعه إلا بين اثنين فيدل على أن كل واحد منهما يشتق له من الوصف فيقال زان وزانية والله أعلم. الثاني: الذي يظهر أن مراد المؤلف أن يحد للزنا الموجب للحد في الشرع لا كل ما يصدق عليه زنا في اللغة، وإن كان كذلك فيرد عليه أنه ليس بجامع لخروج تمكين المرأة من نفسها مجنونا فإنها زانية كما سيأتي، ولا يصدق عليها التعريف المذكور، وكذا تمكينها كافرا من نفسها. وانظر البساطي فإنه قد أشار إلى ذلك. يرد عليه أنه غير مانع أيضا لدخول وطئ الرجل الصغيرة التي لا يمكن وطؤها فتأمله والله أعلم. الثالث: قال مطرف: كان مالك يرى فيمن اشترى جارية وغلاما من دار والناس ينظرون حتى تغيب عليها أو عليه فلا يدري ما فعل. أن يضرب الثلاثمائة والاربعمائة بكرا كان أو ثيبا، وكان الحكام يحكمون بذلك عندنا بمشورة مالك. ص: (لا ملك له فيه) ش: هو نحو عبارة ابن الحاجب فقال في التوضيح: المراد بالملك التملك الشرعي أو شبهه اه‍. فيدخل فرج مملوكه

[ 389 ]

الذكر لانه لا تسلط له على فرجه في الشرع، ويخرج منه وطئ الرجل جارية ابنه لان له شبهة الملك. ونحوه قول ابن عرفة: الزنا الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة حلية عمدا. فتخرج المحللة ووطئ الاب أمة ابنه لا زوجته اه‍. ص: (تعمدا) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. فرع: قال ابن الفرس في سورة النور: واختلفوا في المرأة إذا استدخلت ذكر نائم فقال مالك: عليها الحد. وقال أبو حنيفة: لا حد عليها. وحجة مالك أن هذا زنى فهو داخل تحت العموم. انتهى ص: (باتفاق) ش: مخرج للانكحة الفاسدة ولوطئه زوجته أو أمته في دبرها فإنه ليس بزنى ولا حد عليه في ذلك لانه قد قيل بإباحته وإن كان القول بذلك شاذا أو ضعيفا ويجب عليه الادب على المعروف. ص: (أو محرمة بصهر) ش: ظاهر كلامه أنه إذا وطئ مملوكته المحرمة عليه بالصهر يحد وليس كذلك، فيحمل كلامه على ما إذا تزوج المحرمة عليه بالصهر. قال ابن الحاجب: لا ملك له فيه يخرج الحلال والحائض والمحرمة والصائمة والمملوكة المحرمة بنسب لا بعتق أو صهر أو رضاع أو شركة أو عدة أو تزويج ولمتزوجها هو في عدتها على الاصح. ثم قال: أما لو وطئ بالملك من يعتق عليه أو نكح محرمة بنسب أو رضاع أو صهر مؤبد وطئها فإنه يحد. قال في التوضيح: وهذه المسائل كلها مقيدة بما إذا كان عالما بالتحريم اه‍. وقال في التوضيح: فيما إذا وطئ مملوكته المحرمة بنسب لا بعتق أو بصهر أو

[ 390 ]

رضاع: إنه لا يحد ولو كان عالما بالتحريم. نعم يؤدب وإذا حملت منه من هي محرمة عليه عتقت عليه. وفي سماع عيسى: لا تعتق. وأما إن لم تحمل فروي عن ابن القاسم أنها تباع خوفا من أن يعاود. زاد في المدونة في كتاب القذف: ويلحق به الولد. ص: (أو مرهونة) ش: أطلق هنا في وجوب الحد، ومراده إن وطئ بغير إذن الراهن اعتمادا على ما قدمه في الرهن وعلى ما ذكره هنا في الامة المحللة، لانه إذا أذن الراهن في ذلك صارت محللة والله أعلم ص: (أو مبتوتة وإن بعدة وهل وإن بت في مرة تأويلان) ش: يعني أن الانسان إذا طلق زوجته ألبتة أو طلقها ثلاثا ثم وطئها دون عقد أو عقد عليها قبل أن تتزوج زوجا غيره ووطئها فإنه يحد، سواء وقع ذلك وهي في عدة أو بعد فراغ العدة، يريد إذا كان عالما بالتحريم. وأما إن كان يجهل التحريم فإنه لا حد عليه إذا كان مثله يجهل ذلك كما سيقوله المصنف بعد في قوله أو الحكم إن جهل مثله فإنه راجع إلى جميع ما ذكر أنه يحد فيه كما صرح به المصنف في التوضيح أو الحكم إن جهل مثله فإن راجع إلى جميع ما ذكر أنه يحد فيه كما صرح به المصنف في التوضيح وغيره أعني رجوعه لجميع ما تقدم. وأما قول المصنف بعد هذا: بلا عقد فإنما هو راجح إلى قوله: أو مطلقة قبل البناء أو معتقة كما صرح به الشارح، ولا يرجع لمسألة المبتوتة. قال ابن الحاجب: أما لو وطئ بالملك من يعتق عليه أو نكح المحرمة بنسب أو رضاع أو صهر مؤبد ووطئها أو طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة أو تزوجها قبل زوج

[ 391 ]

ووطئها أو طلقها قبل البناء واحدة ثم وطئها بغير تزويج أو أعتق أمة ثم وطئها فإنه يحد. قال في التوضيح: قوله: أو طلق امرأته ثلاثا ظاهره سواء كان بلفظ الثلاث أو ألبتة، وسواء كان الثلاث مجتمعات أو متفرقات وهو ظاهر المدونة. وقال أصبغ في ألبتة: لا يحد عالما كان أو جاهلا لقوة الخلاف في ألبتة هل هي واحدة أم لا. وقال في المطلقة ثلاثا مثل ما في المدونة إلا أنه قال في الجاهل لا يحد استحسانا. وتأول صاحب تهذيب الطالب وقوله في الثلاث على أنها مفترقات قال: وأما إن كانت في لفظ واحد فلا حد عالما كان أو جاهلا للاختلاف فيها. وقال غيره: إن هذا التأويل على أصبغ ظاهر المدونة خلافه، وأنه لا فرق في الثلاث بين أن تكون مفترقات أو مجتمعات لضعف قول من قال بإلزامه الواحدة في الثلاث. وهذه المسائل كلها مقيدة بما إذا كان عالما بالتحريم، وأما الجاهل بالحكم فلا كما سيأتي من كلام المصنف. اه‍ كلام التوضيح. وتحصل منه أنه إذا طلقها ثلاثا مفترقات ثم وطئها دون عقد وعقد عليها قبل زوج ووطئها فإنه يحد، وأما إن كانت التطليقات مجتمعات في كلمة واحدة فتأويل عبد الحق على قول أصبغ أنه لا يحد، وأن قوله مثل ما في المدونة مراعاة لقول من يقول إنها واحدة إذا كانت في كلمة فتكون كالمطلقة الواحدة الرجعية فلا يحد كما لو طلق الرجل طلقة رجعية ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد، وهو أحد التأويلين اللذين أشار إليهما المؤلف. وتأويل غيره أنه يحد وهو ظاهر المدونة كما سيأتي، فكان ينبغي للمؤلف أن يقتصر عليه. هذا إذا تلفظ بالثلاث، وأما إن تلفظ بألبتة فظاهر المدونة لزوم الحد كما تقدم. وقال أصبغ: لا يحد ووجهه ما تقدم في توجيه الثلاث في كلمة واحدة. قال في أوائل كتاب القذف من المدونة: ومن تزوج خامسة أو امرأة طلقها ثلاثا أو ألبتة قبل أن تنكح زوجا غيره أو أخته من الرضاع أو النسب أو من ذوات محارمه عامدا عارفا بالتحريم. أقيم عليه الحد ولم يلحق به الولد إذ لا يجتمع الحد وثبوت النسب انتهى. ثم قال بعده: ومن طلق امرأته قبل البناء طلقة واحدة ثم وطئها بعد الطلقة وقال ظننت أنه يبتها منه إلا الثلاث، فلها صداق واحد ولا حد عليه إذا عذر بجهل، ولو طلقها بعد البناء ثلاثا ثم وطئها في العدة وقال ظننت ذلك يحل لي، فإن عذر بالجهالة لم يحد، وكذلك من تزوج خامسة أو أخته من الرضاعة وعذر بالجهالة في التحريم لم يحد انتهى. تنبيهات: الاول: علم من هذا أن قول المصنف في النكاح: أو مبتوتة قبل زوج إنما تكلم فيه على تأبيد التحريم وعدمه فذكر أنه لا يتأبد تحريمها، وأما الحد وعدمه فلم يتعرض له فيفصل فيه بين العالم والجاهل. الثاني: قوله في المدونة: ألبتة بعد الثلاث زائد قاله أبو الحسن. الثالث: تقدم في باب الاستلحاق المسائل التي يجتمع فيها الحد ولحوق الولد والله أعلم

[ 392 ]

ص: (أو مطلقة قبل البناء أو معتقة بلا عقد) ش: يعني أن من طلق زوجته قبل البناء ثم وطئها دون تجديد عقد فإنه يحد إلا أن يعذر بجهل ويكون مثله يجهل ذلك، وكذلك من أعتق أمة ثم وطئها دون عقد عليها فإنه يحد إلا أن يعذر بجهل. وقد تقدم نص المدونة في ذلك. ونصها أيضا في اختصار ابن أبي زيد: ومن تزوج خامسة أو أخته من الرضاعة - قال ابن حبيب عن أصبغ - أو أخته من النسب - قال ابن القاسم أو غير الاخت من ذوات المحارم - أو طلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج أو طلقها قبل البناء واحدة ثم وطئها في العدة أو أعتق أم

[ 393 ]

ولده ثم وطئها في العدة منه، فإن ادعى في جميع هؤلاء الجهالة بالتحريم ومثله يجهل ذلك - قال أشهب: مثل الاعجمي وشبهه. فلا حد عليه، وإن كان عالما ولم يعذر بجهل حد ولم يلحق به الولد. قال ابن القاسم: وما درأت فيه الحد ألحقت فيه الولد وليس عليه للتي وطئ بعد الطلاق البائن أو العتق المبتل صداق مؤتنف، وذلك داخل في الملك الاول كمن وطئ بعد حنثه منها ناسيا ليمينه أو لم يعلم بحنثه. انتهى من كلام الرجم وانظر النوادر في ترجمة من تخالع على أنها إن طلبت ما أعطته عادت زوجة والله أعلم. ص: (أو معتدة) ش: سواء وطئها بالملك أو بالنكاح على المشهور. ص: (أو مكرهة) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في الطراز في أواخر الجزء الثالث في ترجمة تفسير الطلاق وما يلزم من ألفاظه: قال ابن عبد الغفور: ويقال إن عبد الله بن عيسى سئل عن جارية بكر زوجها فابتنى بها زوجها فأتت بولد لاربعة أشهر، فذكر ذلك لها فقالت إني كنت نائمة فانتبهت لبلل بين فخذي وذكر الزوج أنه وجدها عذراء. فأجاب فيها: إنه لا حد عليها إذا كانت معروفة بالعفاف وحسن الحال ويفسخ النكاح ولها المهر كاملا إلا أن تكون علمت بالحمل وغرت فلها

[ 394 ]

قدر ما استحل منها. انتهى من الاستغناء. اه‍ كلام الطراز. ص: (وثبت بإقراره مرة إلا أن يرجع مطلقا) ش: أي سواء رجع إلى ما يعذر به أو أكذب نفسه من غير أن يبدي عذرا. قال

[ 395 ]

الشارح: وإليه أشار بالاطلاق. فإن أنكر الاقرار فإن إنكاره كتكذيب نفسه على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المؤلف أنه يقبل رجوعه ولو كان لغير شبهة. قاله في التوضيح في باب الزنى وفي باب الشهادات والله أعلم. ص: (ويرجم المكلف الحر المسلم إن أصاب بعدهن بنكاح لازم صحيح) ش: هذه شروط الرجم، ويعني أن الرجم إنما يكون بشرط كون الزاني مكلفا أي عاقلا بالغا حرا مسلما أصاب أي وطئ بعدهن أي بعد حصول هذه الصفات له بنكاح أي في نكاح لازم صحيح، يريد إصابة صحيحة. فلا رجم على مجنون. ولا على غير بالغ، ولا على عبد، ولا على كافر، ولا على من يتزوج أو تزوج ووطئ في نكاح غير لازم كالنكاح الذي فيه خيار كنكاح العبد ذي العيب، أو تزوج ووطئ في نكاح فاسد يفسخ قبل البناء وبعده، أو تزوج ووطئ وطئا غير صحيح وهو الوطئ الممنوع كالوطئ في الحيض والنفاس والاحرام والاعتكاف والله أعلم. تنبيه: قال في النوادر: قال محمد: وإن تأيمت المرأة بعد إحصانها أو الرجل أو كانا على نكاحهما فقد وجب عليهما الاحصان، وصرح بذلك أيضا في مختصر الوقار. ص: (ولم يعرف بداءة البينة ثم الامام) ش: انظر لم لم يتعرض المصنف إلى حضور جماعة للحد وقد

[ 396 ]

قال الله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * وقال ابن عرفة في باب اللعان: وفيها بمحضر من الناس. ابن محرز: لانه حكم إمام بما فيه حقوق كثيرة فوجب أن يحضر من يشهد عليه لقوله تعالى في الزانيين: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * وأقلها عند مالك أربعة انتهى. وقال ابن العربي في آية النور: المراد بالآية توبيخ الزناة والتغليظ عليهم ليرتدعوا لانه كلما كثرت الطائفة في خصومهم كان أغلظ. واختلف في أقل ما يجزى فقال الحسن: عشرة. وقال ربيعة: ما زاد على الاربعة. وقيل: أربعة. ذكره جماعة عن المذهب وهو قول أبي زيد، ورأى أن هذا كشهادة الزنا. وقال عطاء والزهري: ثلاثة. وقيل: اثنين وحكى بعضهم ذلك عن عطاء وهذا قول مالك المشهور. وقيل: يجزئ الواحد اه‍. وقال ابن بكير في أحكامه التي رواها عن مالك: قال مالك: الطائفة هاهنا أربعة يحضرون جلد الزاني البكر ليعلم أنه محدود في الزنى، فإن قذفه قاذف لم يحد لانه ثبت أنه محدود في زنى ولا يجزي في ذلك دون أربعة شهداء. وقال في الجواهر في باب اللعان: يحضر أربعة فأكثر لقوله تعالى في الزنى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * فيحضرون هنا بجامع التغليظ، ولان قطع الانساب وفساد الاعراض أمر عظيم فيغلظ في سببه انتهى. ونقله في الذخيرة. وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة: وينبغي للامام أن يحضر الحد طائفة من المؤمنين الاحرار العدول لقوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * وكذلك السيد في إقامة الحد على عبده وأمته. والطائفة أربعة فصاعدا. والفائدة في ذلك أنه إن قذفه قاذفه وطالبه بحد قاذفه أمكن قاذفه التخلص من ذلك وبإحضار من شهد حده انتهى. وقال في التلقين: وينبغي للامام إحضار طائفة من المؤمنين للحد وأقلهم أربعة ممن تقبل شهادتهم اه‍. ونحوه في الجلاب. وقال في مختصر عيون المجالس: يستحب للامام أن يحضر في إقامة الحد في الزنى طائفة من المؤمنين كما قال تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * والطائفة عندنا وعند أبي حنيفة والشافعي أربعة فصاعدا. وروي عن ابن عباس واحد فما فوقه. وذهب عطاء وأحمد بن حنبل إلى أن الطائفتين هنا اثنان فصاعدا وذهب الزهري إلى أنها ثلاثة: وذهب الحسن إلى أنها عشرة انتهى. وقال القرطبي في قوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * قيل: لا يشهد التعذيب إلا من لا يستحق التأديب. قال مجاهد: رجل فما فوقه إلى الالف. وقال ابن أبي زيد: لا بد من حضور أربعة قياسا على الشهادة على الزنا وأن هذا باب منه وهو قول مالك والليث والشافعي. وقال عكرمة وعطاء: لا بد من اثنين وهذا مشهور قول مالك فرآها موضع شهادة. وقال الزهري: ثلاثة لانه أقل الجمع ثم قال: واختلف في المراد بحضور الجماعة هل المقصود بها الاغلاظ على الزناة والتوبيخ والردع، أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة ؟ قولان للعلماء انتهى. ويفهم من كلام القرطبي هذا ومن كلام ابن بكير أن الجماعة إنما يطلب حضورها في الجلد لا في الرجم والله

[ 397 ]

أعلم. ص: (كلائط مطلقا) ش: يعني أن اللائط حكمه الرجم مطلقا، سواء كان محصنا أو غير محصن فإن كانا بالغين رجما معا، وإن كانا غير بالغين فلا رجم عليهما. وإن كان الفاعل بالغا والمفعول به غير بالغ فليرجم الفاعل، وإن كان الفاعل غير بالغ والمفعول به بالغا فلا يرجم الفاعل وانظر حكم المفعول به فلم أر فيه نصا صريحا. وقال الجزولي: انظر ذلك، والظاهر أنه لا يرجم لان وطئ غير البالغ كلا وطئ. ألا ترى أن الكبيرة إذا وطئها صغير لا تحد كما صرح به المصنف في باب الزنا في التوضيح فكذلك هنا والله أعلم. فرع: يحد اللائط مطلقا، سواء فعل ذلك بملكه أو بغير ملكه، قاله الجزولي وهو ظاهر. فرع: قال ابن الفرس في سورة الاعراف: وأما إن لاط الرجل بنفسه فأولج في دبره فعندنا أنه لا حد فيه وأنه يعزر. وقيل: يقتل كما لو لاط بغيره وهو أحد أقوال الشافعي. وقيل: هو كالزاني في الاحصان وهو أيضا أحد أقوال الشافعي. والحجة لمالك أن الآية نزلت في قوم يفعل بعضهم ببعض فينبغي أن يقتصر في العقوبة والنازلة في ذلك على موصعها ولا يتعدى إلى غيرها إلا أن يدل دليل انتهى. ص: (وتؤخر المتزوجة لحيضة) ش: قال ابن الحاجب:

[ 398 ]

وينتظر وضع حملها والاستبراء في ذات الزوج. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وانظر هل هو حيضة وهو الاقرب، أو ثلاث حيض ؟ خليل: بل القاعدة أن الحرة لا تستبرأ إلا بثلاث حيض انتهى. قلت: قد تقدم في باب الردة أن مالكا نص في الموازية على أنها تستبرأ بحيضة، وحكم البابين واحد، ولعل المصنف إنما جزم بذلك لما ذكرناه والله أعلم. ص: (وأقامه الحاكم والسيد) ش: قال ابن الحاجب: والسيد في رقيقه في حد الزنا والخمر والقذف. قال في التوضيح: احترز من السرقة وغيرها فلا يقيمها إلا الوالي. قال في المدونة: لان ذلك ذريعة إلى أن يمثل بعبده ويدعي أنه سرق انتهى. وقال في المدونة: ولا بأس أن يقيم السيد على مملوكه حد الزنا والقذف وحد الخمر. أبو الحسن في الحديث: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم. وهو محمول على الوجوب. وقال أبو محمد: ويقيم الرجل على عبده وأمته حد الزنا. وهذه العبارة

[ 399 ]

أصرح لانه وإن كان لفظها لفظ الخبر فمعناها الامر وقوله في الكتاب لا بأس لما يتوهم أن به البأس وأن الحدود ألا يقيمها إلا الامام، وقد قال فيمن اشترى جارية وقد زنت عند البائع ليس بواجب على المبتاع أن يحدها، مفهومه لو زنت عنده عليه كان عليه واجبا أن يحدها انتهى. وقوله: السيد سواء كان رجلا أو امرأة. قاله الجزولي في شرح الرسالة وغيره. وذكر البرزلي عن التونسي فيمن زنت أمته أن عليه أن يقيم عليها الحد. قال البرزلي: وظاهر المدونة والرسالة جواز إقامة السيد الحد على عبده لا وجوبه والله أعلم. فرع: وإذا أقام الحد فيحضر في الزنا أربعة نفر، وفي الخمر والقذف رجلين. قال مالك: لانه عسى أن يعتق ويشهد بين الناس فيحد من يشهد عليه بما ترد به شهادته. نقله أبو الحسن وغيره. فرع: قال أبو الحسن: قوله: والقذف ظاهره ولا مقال للمقذوف إن قال السيد لا أرضى إلا بإقامة الامام الحد ورجم فيه الشيخ انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: ولا يقيم الحد على الاحرار إلا السلطان وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين انتهى. ص: (وإن قالت

[ 400 ]

زنيت معه وادعى الوطئ والزوجية أو وجدا ببيت وأقرا به وادعيا النكاح أو ادعاه فصدقته ووليها وقالا لم نشهد حدا) ش: جواب الشرط قوله: حدا وهذا راجع إلى المسائل الثلاث. والمسألتان الاوليان في كتاب الحدود من المدونة ونصه: وإذا قالت المرأة زنيت مع هذا الرجل وقال الرجل هي زوجتي قد وطئتها أو وجدا ببيت فأقرا بالوطئ وادعيا النكاح فإن لم يأتيا ببينة حد انتهى. أبو الحسن: معنى المسألة الثانية إذا لم يكونا طارئين، وأما الاولى فسواء كانا طارئين أم لا ؟ انتهى وقال أشهب: في الاولى لا حد عليه لانه لم يعترف بوطئ إلا في نكاح وتحد هي بخلاف المسألة الثانية إذا وجد مع امرأة وادعى نكاحها لانه أقر فهو يدفع عن نفسه وسوى بينهما ابن القاسم. قاله في الذخيرة، وقاله أيضا أبو الحسن. وأما الثانية فهي كتاب القذف ونصها: ومن وطئ امرأة وادعى نكاحها وصدقته هي ووليها وقالوا عقدنا النكاح ولم نشهد ونحن نريد أن نشهد الآن، فعلى الرجل والمرأة الحد إلا أن يقيما بينة غير الولي. وإن حددتهما وهما بكران فأراد أن يحدثا إشهادا على ذلك النكاح ويقيما عليه لم يجز حتى تستبرأ من ذلك الماء انتهى. ويريد المؤلف ويجددا نكاحا فإن النكاح يفسخ بطلاق كما تقدم في النكاح. ويريد المؤلف إذا لم يحصل فشو، أما إذا حصل فإنه يسقط الحد كما قال في باب النكاح. وقال

[ 401 ]

الشارح هنا في المسألة الثالثة بعد قوله: إلا أن يقيما بينة غير الولي للتهمة وإن جلدا انتفى النكاح بلا استبراء انتهى. ولا أدري ما معنى هذا الكلام مع قوله بعده. ابن القاسم: ويأتنفا نكاحا جديدا بعد الاستبراء والله أعلم. باب في بيان القذف ص: (قذف المكلف حرا مسلما بنفي نسب عن أب أو جد) ش: قال ابن عرفة: القذف الاعم: نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب مسلم. والاخص بإيجاب الحد: نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفا مسلما بالغا أو صغيرة تطيق الوطئ لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قذف الرجل نفسه انتهى. قلت: حده الاخص غير مانع لدخول قذف المجنون فيه. وقال في التوضيح: لا حد على قذف مجنونا إذا كان جنونه من حين بلوغه إلى حين قذفه ولا يتخلله إفاقة. اللخمي: لانه لا معرة عليه لو صح فعل ذلك منه، وأما إن بلغ صحيحا ثم جن أو كان يجن ويفيق فإنه قاذفه يحد. وكذلك المجبوب إذا كان جبه قبل بلوغه لا يعلم كذب قاذفه فلم تلحقه معرة، وإن كان جبه بعد بلوغه حد. وكذلك الحصور الذي ليس معه آلة النساء انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها في أوائل الرجم: ويحد قاذ ف المجنون وكان يجري لنا مناقضتها بقولها في القذف كل ما لا يقام فيه الحد ليس على من رمى ربه رجلا حد الفرية، ويجاب بحمل قولها في الرجم على المجنون الذي يفيق أحيانا انتهى. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة: ويحد قاذف المجنون معناه أنه بلغ صحيحا ثم جن. انظر بقية كلامه. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله يقتضي أن من نفى عبدا عن نفسه لا حد عليه ولو كان أبواه حرين وليس كذلك. قال فيها: ومن قال لعبده وأبواه حران مسلمان لست لابيك ضرب سيده الحد، فإن كان أبوا العبد ماتا ولا وارث لهما أو لهما فللعبد أن يحد سيده، وفي الاكتفاء بإسلام أبيه دون أمه خلاق فيها

[ 402 ]

أن من قال لعبده لست لابيك وأبوه مسلم وأمه كافرة أو أمة فتوقف فيها مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يحد لانه حمل أبوه على غير أمه. فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا قذف حران عبدا أو نصرانيا فطلب العبد تعزير قاذفه فليس للعبد في مثل هذا تعزير وينهى قاذفه أن لا يؤذيه. فإن كان رجلا فاحشا معروفا بالاذى عزر وأدب عن أذى العبد وغيره انتهى. وقال في النوادر: يؤدب قاذف العبد والكافر لاذايته له. مسألة: إذا قال الشخص لولده لست بولدي فإن أراد أنه في قلة طاعته له ليس كالاولاد حلف على ذلك وأنه لم يرد النفي عن النسب ولا شئ عليه، وإن نكل وأراد نفي نسبه كان في كلامه قطع نسب الولد وقذفه لامه. فأما قطع نسب الولد فالراجح أنه لا يحد لولده، ويظهر ذلك من مسألة كتاب القذف من المدونة فيمن قال لبنيه ليسوا بولد له، ويدل له أيضا أنه لم يجعل على الاب حدا فيما إذا انتفى من حمل أمته ثم استلحقه. وسيأتي في الكلام على قول المصنف في آخر الباب وله حد أبيه وفسق أنه مشى على القول الضعيف، وعلى القول بأنه يحد لقذف ولده ويفسق بأنه يجوز عفوه عنه وإن بلغ الامام. قال اللخمي: ولا خلاف في ذلك كما سيأتي بيانه. وأما قذف الام فإن كانت حية كان لها القيام بذلك، وإن كانت ميتة كان لولدها القيام به، فإذا قام به الولد لم يجز عفوه بعد بلوغ الامام وتأمل كلام اللخمي وغيره فيمن نفى عبدا عن نسبه وأبواه حران أو أحدهما أو أبواه عبدان أو أحدهما. فرع: فإذا كانت الام حية لم يكن للولد القيام إلا بطلب من الام، وكذلك كل من وجب له حد من قذف، وهذا بخلاف الاب. انظر كلام ابن ناجي في شرح قول المدونة: ومن أذى مسلما أدب ص: (ولا إن نبذ) ش: قال في أواخر كتاب العتق الثاني من التنبيهات: اللقيط هو الملتقط حيث وجد وعلى أي صفة وجد في صغره، والمنبوذ الذي وجد منبوذا لاول ما يولد. وقيل: اللقيط هو ما التقط من الصغار في الشدائد والغلاء ولا يعلم له أب. وعلى هذا القول ابن القاسم فيمن قذف اللقيط بأبيه حد، ومن قذف بذلك المنبوذ لم يحد. وقال مالك: ما نعلم منبوذا إلا ولد الزنى وعلى قائلها لغيره الحد. وأراد بعض المشايخ أن يخرج من المدونة خلاف هذا من قوله في الذي استحلق لقيطا أنه لا يلحق به إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد وسمع الناس يقولون إذا طرح عاش، وهذا لا حجة فيه لان هذا في النادر. وإنما تكلم على ما جرت به العادة أولا في هذه على نازلة وقعت شهدت لها دلائل، وإلا فالغالب ما قاله أولا انتهى. وقوله: وعلى قائلها لغيره الحد يعني أن من قال لغيره يا منبوذ فعليه الحد. ولعل بعض المشايخ الذي أشار إليه هو اللخمي فإنه قال في كتاب العتق الثاني لما

[ 403 ]

تكلم على اللقيط: وأما نسبه فإن محمله على أنه ذو نسب وأنه لرشدة إلا أنه غير معروف. فإن قال له رجل لا أب لك أو يا ولد الزنى حد له. واختلف إذا استلحقه رجل فقال في كتاب أمهات الاولاد: لا يقبل قوله ولا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه. ثم ذكر الخلاف في ذلك ثم قال: حكم المنبوذ حكم الملقوط اللقيط في الحرية والدين. واختلف في النسب فجعله ابن حبيب للزنية لا نسب له وقال: من قذف المنبوذ بأبيه وأمه لم يحد. وقد قيل: المنبوذ من نبذ عندما ولد. والشأن إنما يفعل ذلك بمن ولد عن زنى. واللقيط ما طرح عند الشدائد والجدب وليس عندما يولد. ولمالك في المبسوط مثل ذلك فيمن قال لرجل يا منبوذ قال: ما نعلم منبوذا إلا ولد الزنى، وأرى على ما قال ذلك الحد. وكل هذا خلاف لقول ابن القاسم لانه قال فيمن استلحق لقيطا: لا يقبل قوله إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد وسمع الناس يقولون إنه إذا طرح عاش، وهذا إنما يفعل عند الولادة انتهى. وقال ابن عرفة في آخر باب اللقطة لما تكلم على اللقيط: وأطلق عليه ابن شعبان لفظ منبوذ وترجم على أحكامه في الموطأ بالقضاء في المنبوذ. وفي صحاح الجوهري: المنبوذ اللقيط، ثم ذكر كلام اللخمي. فتحصل من هذا أن المنبوذ هو من طرح عند ولادته، وأن اللقيط من طرح بعد ذلك، أنه قد يطلق على اللقيط أنه منبوذ إذا علم ذلك. فقول المصنف: ولا إن نبذ الذي يظهر من معناه أن من بقي منبوذا عن أب أو جد لا حد عليه. ولا إشكال في ذلك لانه لا أب له ولا جد إذ لا نسب له. هذا إن كان معناه أنه قال لست ابن فلان، وأما إن كان معناه أنه قال لا أب لك أو يا ولد زنى فهذا يأتي على ما ذكره اللخمي عن مالك في المبسوط وعن ابن حبيب، وما حكاه عياض عن ابن القاسم وإن كان خلاف ما ذكره ابن رشد في البيان وحكاه عنه ابن غازي. وأما ما ذكره الشارح والمحشي في تفسير كلام المصنف وأن معناه إذا قال للمنبوذ يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية فبعيد، لان كلام المصنف في النفي عن النسب لا في قذف أبي المنبوذ أو أمه فتأمله. ولا شك لانه إذا قلنا لا حد على من قال للمنبوذ ليس لك أب أو يا ولد الزنى، فلا حد على ما قال يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية. والعلة في ذلك كونه ولد زانية لان أباه وأمه غير معروفين لان هذه العلة موجودة في اللقيط. وقد نص ابن رشد على أن من قال له يا ابن الزاني ويا ابن الزانية أن عليه الحد فتأمله. تنبيه: ما نقله ابن غازي عن ابن عرفة في المحمولين لم أقف عليه في كلام ابن عرفة في كتاب القذف ولا في اللقيط ولا غيره فانظره. ص: (أو زنى) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح. فرع: لو قذفه بالزنى ثم أثبت أنه زنى في حال الصبا أو في حال الكفر لم ينفعه ذلك، لان هذا ثبت عليه اسم زنى بخلاف ما إذا ثبت عليه أنه زنى في حال رقه فإن اسم الزنى لازم له، نقله ابن عرفة وهذا مستفاد من قول المصنف: وعف عن وطئ يوجب الحد ويخرج به ما إذا ثبت عليه أنه وطئ بهيمة.

[ 404 ]

فرع: فلو قذف رجلا فارتد المقذوف لم يحد قاذفه ولو رجع إلى الاسلام كمن قذف رجلا بالزنى فلم يحد له حتى زنى المقذوف فلا يحد قاذفه. نقله ابن عرفة عن المدونة. ومنه يعلم أنه إذا ثبت على المقذوف زنى فلا حد على قاذفه ولو قذفه بزنى غير الزنى الذي ثبت عليه. ص: (وعف) ش: أي يشترط في وجوب حد القذف أن يكون المقذوف عفيفا ولم يفسر الشارح العفاف. وقال ابن الحاجب: العفاف أن لا يكون معروفا بالقيان ومواضع الفساد والزنى بخلاف السارق والشارب. قال في التوضيح: هكذا نقل في الجواهر عن الاستاذ فقال: ومعنى العفاف أن لا يكون معروفا بالقيان ومواضع الفساد والزنى. فلو قذف معروفا بالظلم والغصب والسرقة وشرب الخمر وأكل الربا والقذف يحد له إذا كان غير معروف بما ذكرنا. ولم يثبت عليه ما رمى به، فإن ثبت أو كان معروفا بذلك لم يحد قاذفه. قال ابن عبد السلام وغيره: ومقتضى مسائل المذهب خلافه وأنه لا يخرجه من الحد إلا أن يكون ممن حد في الزنى أو ثبت عليه وإن لم يحد له. واختلف إذا أقام شاهدين على إقراره بالزنى بناء على أنه هل يثبت الاقرار بشاهدين أم لا. انتهى كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: وعفاف المقذوف الموجب حد قاذفه في مسائل المدونة وغيرها واضحة بأن السلامة من فعل الزنى قبل قذفه وبعده ومن ثبوت حده لاستلزامه إياه. ثم قال: قال ابن شاس: قال الاستاذ أبو بكر: ثم ذكر كلامه المتقدم ثم قال: قلت: وظاهر نصوص المذهب خلافه انتهى. وما قاله ابن عرفة والشيخ خليل وابن عبد السلام هو الظاهر، وقد قال ابن الحاجب: ويسقط الاحصان بثبوت كل وطئ يوجب الحد قبل القذف وبعده ولو كان عدلا. قال في التوضيح: قوله: ويسقط الاحصان المشترط هنا لا في الرجم بثبوت كل وطئ يوجب الحد فيخرج وطئ البهيمة ووطئ الشبهة قبل القذف وبعده أي قبل الحد أو بعده ولا يعود إليه الاحصان. ثم قال: ولا يعود العفاف أبدا ولو تاب وحسنت

[ 405 ]

حاله. وقوله: بثبوت يقتضي أنه لا يسقط إلا بذلك وهو خلاف ما فسر به العفاف فانظره انتهى. وعليه فلا شك أن الشخص محمول على العفاف حتى يثبت عليه القاذف أنه غير عفيف والله أعلم. تنبيه: يفهم من الكلام السابق في تعريف العفاف ما تقدم التنبيه عليه من أن المقذوف إذا حد في زنى أو ثبت عليه زنى لا حد على قاذفه ولو قذفه بغير الزنى الذي ثبت عليه والله أعلم. قال في النوادر في جاب المقذوف يرد الجواب على القاذف: وقال مالك: ومن قذف من جلد في زنى لم يحد. قاله ابن القاسم، ويؤدب بإذاية المسلمين انتهى. وقال أيضا: من قذف إنسانا ثم أثبت أنه حد فسقط الحد عن القاذف فلا بد من أدبه لاذايته للمقذوف. انتهى. ص: (وإن ملاعنة) ش: قال في مختصر الوقار: ومن قال لابن ملاعنة لست لابيك الذي لاعن

[ 406 ]

أمك فعليه الحد، وإن قال يا منفي يا ابن ملاعنة يا ابن من لوعنت فلا حد عليه في جميع ذلك انتهى. وقاله في كتاب اللعان من النوادر. وقال: إنه يعزر والله أعلم. ص: (أو كيا قحبة) ش: قال في القاموس: القحب المسن والعجوز قحبة والذي يأخذه السعال. وقد قحب يقحب كنصر قحبا أو قحابا وقحب تقحيبا. وسعال قاحب شديد، والقحبة الفاسدة الجوف من داء والفاجرة لانها تسعل وتنحنح أي ترمز به. وبه قحبة أي سعال انتهى. وفي الصحاح: القحاب سعال الخيل والابل وربما جعل للناس والقحبة كلمة مولدة انتهى. وفي كتاب الافعال لابي

[ 407 ]

مروان عبد الملك عن طريف القرطبي: المشهور قحب الشئ قحابا سعل ومنه سعال قاحب، وقحب الكلب والبعير سعلا. وأصل القحاب فساد الجوف فقد يكون اشتقاق القحبة من القحاب الذي هو فساد الجوف، وقد يكون أيضا من القحاب الذي هو السعال كأنها تستعمل السعال علامة بينها وبين الذي يسافحها، وأهل اليمن يسمون المرأة المسنة قحبة انتهى. ص: (أو مالك أصل ولا فصل) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في سماع أبي زيد من كتاب القذف: وقال يعني ابن القاسم: من قال لرجل في مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه ضرب الحد ثمانين. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله لانه قد يكون أبوه هو الذي يعرفه فقد قطع نسبه ونفاه عنه انتهى. وذكره في النوادر وقال بعده: ومن كتاب ابن المواز قال مالك، فيمن قال لرجل ما أعرف أباك: فما أنكر ما قال فليرفعه إلى السلطان. قال محمد: ولو قال ما يعرف أبوك الحد انتهى. وانظر ما معنى قوله فما أنكر ما قال ولعله يعني أنه قال ما أردت بذلك قذفا ولكني لا أعرف أباه حقيقة. سئلت عن رجل قال لشريف ما أنت شريف وأنا سمعت جدك يقول ما أنا شريف، فأظهر المدعي مثبوتا بالشرف. فأجبت بأني لا أعرف فيها نصا، والذي يظهر أنه إذا لم يكن الرجل معروفا بالشرف ولم يكن علم بثبوت شرفه وقال ما قال متعمدا على ما سمع من جده، فإنه لا حد عليه ويحلف بالله أنه لم يعلم بذلك. وكان الجواب في مجلس القاضي باللسان ووافق على ذلك من حضر وأسقط المدعي حقه من اليمين واصطلحوا والله الموفق. وهذا يشبه ما ذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف في رجل تزوج شريفة مشهورة بالشرف فوقع بينهما منازعة، فقيل له على وجه النصح تفعل هذا بشريفة من أهل رسول الله (ص) ؟ فقال الزوج: هي شريفة بالنسب وأنا شريف بالحسب وأنا أحسن منها، وأبي أحسن من أبيها، وجدي أحسن من جدها، وبلدي أحسن من بلدها، وقامت البينة عليه بمقالته واعترف في مجلس الحكم بذلك. فسئل عما أراد بقوله فقال: إن أبي كان خطيبا وجدي كان خطيبا وأبوها وجدها ليسا كذلك، إنه لا يقتل ويؤدب. وموجب القياس أن قوله جدي أحسن من جدك يوجب ظاهره قتل قائله لاشتماله على التنقيص الموجب لذلك، لكن يوجب إلغاء إيجابه لذلك لاحتمال صدق لفظه على جد لا يوجب صدقه عليه مثله، والاحتمال في النازلة المذكورة فيما بينه من

[ 408 ]

خطابة جده دون جدها إن كان في قوله ذلك صادقا فدليل أدبه واضح فلا يحتاج إلى بيان انتهى. فائدة: أول ما حدث تمييز الاشراف بالشطبة الخضراء في سنة ثلاث وسبعين وستمائة، أمر بذلك السلطان الاشرف شعبان. ذكر ذلك ابن حجر في الانباء، ونقله عنه السخاوي في مسألة الاشراف له قال: وأنشد في ذلك أبو عبد الله بن جابر: جعلوا لابناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الاخضر وقال غيره: أطراف تيجان أتت من سندس خضر بإعلام على الاشراف والاشرف السلطان خصهم بها شرفا لتعرفهم من الاطراف وذكر ابن حجر أنها كانت علامة بني العباس شطبة سوداء ثم تركت والله أعلم. ص: (وفي يا ابن النصراني أو الازرق إن لم يكن في آبائه كذلك) ش: يعني أن من قال لرجل مسلم يا ابن النصراني أو يا ابن اليهودي أو يا ابن المجوسي فإنه يحد إلا أن يكون في آبائه أحد كذلك فإنه لا حد عليه ولكن ينكل. قاله في المدونة في آخر كتاب القذف ولم يذكر الشارح ولا المصنف في التوضيح أنه ينكل إذا كان في آبائه أحد كذلك وذلك لوضوحه، ولكن يتعين ذكره لئلا يتوهم أنه لا أدب عليه. وقد قال في المدونة: ومن قذف عبدا أو أم ولد أدب، ومن قذف ذميا زجر عن أذى الناس كلهم، ومن قذف نصرانية ولها بنون مسلمون أو زوج مسلم نكل بإذاية المسلمين. قال أبو الحسن: انظر هل راعى حق النصرانية أو إنما راعى إذاية المسلمين فيزاد في النكال لحق المسلمين انتهى. وانظر كلامه في باب اللعان فإنه جزم بأنه إذا كان لها ولد مسلم ينكل نكالا أشد من نكال من لا ولد لها ولا زوجة. ثم قال في المدونة: والنكال قدر ما يرى الامام وحالات الناس في ذلك مختلفة. وتقدم عن النوادر في باب المقذوف يرد الجواب على قاذفه قول مالك فيمن قذف من جلد في زنى لم يحد. قال ابن القاسم: ويؤدب بإذاية المسلمين انتهى. وقال في المدونة: ومن آذى مسلما أدب. قاله بعد قوله ومن قال لرجل يا ابن الاقطع. ص: (وأدب في يا ابن الفاسقة

[ 409 ]

إلى آخره) ش: ومثل ذلك يا خائن يا ثور يا آكل الربا يا شارب الخمر يا يهودي يا نصراني يا مجوسي أو يا سارق يا مرائي. قاله في المسائل الملقوطة. وقال في النوادر: إذا قال له يا آكل الربا أو يا شارب الخمر ونحوه فإنه يؤدب وإن كان صادقا ولا حد عليه في ذلك وإن كان كاذبا انتهى. فائدة: تتضمن بيان مقدار الادب في ألفاظ وأفعال موجبة للادب. قال في المسائل الملقوطة: قال في المفيد: ومن قال لرجل يا مجرم ضرب خمسة وعشرين، ومن تكلم في عالم بما لا يجب فيه حد ضرب أربعين سوطا، ومن تكلم في أحد بما لا يمكن فيه ولم يأت ببينة وكل من آذى مسلما بلفظ يضره ويقصد به أذاه فعليه في ذلك الادب البالغ الرادع له، ولمثله يقنع رأسه بالسوط أو يضرب بالدرة ظهره وذلك على قدر القائل أو سفاهته وقدر المقول فيه، ومن لم ينصف الناس في أعراضهم لم ينصفهم في أموالهم انتهى. ثم قال: وإذا قال الرجل لصاحبه الله أكبر عليك فإنه يعزر إلا أن يعفو عنه خصمه. قاله في الدرر الملتقطة للدميري. وهذا من الشافعية. ثم قال: وإذا شتم الاخ أخاه فإن كان الاخ كبيرا وكان شتمه لاخيه على وجه الادب لم يحد من الطرر. قال: ورأيت في بعض الكتب: سئل بعضهم عن شاتم عمه أو

[ 410 ]

خاله فقال: لا أرى عليه في ذلك شيئا وذلك إذا كان على وجه الادب انتهى. والمسألة في سماع ابن القاسم ونقلها ابن عرفة فراجعها في كتاب القذف. وقال في المسائل الملقوطة عن المفيد أيضا: ومن تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويسجن شهرا، ومن خالف ما حكم به القاضي ولم يرض بالحكم عوقب إلا أن يتبين الجور، ومن خالف أميرا أو كسر دعوته لزمته العقوبة بقدر اجتهاد الامام، ومن استهان بدعوة القاضي أو الحاكم ولم يجب ضرب أربعين، وإذا ارتفع الكلام بين الخصمين في مجلس القاضي ضرب كل واحد عشرة أسواط، ومن سرق من الغنيمة دون النصاب ضرب خمسين، ومن تغامز مع أجنبية أو تضاحك معها ضربا عشرين عشرين إذا كانت طائعة، فإن قبلها طائعة ضربا خمسين، وإن لم تطعه ضرب وحده خمسين. ومن حبس امرأة ضرب أربعين، فإن طاوعته ضربت مثله. ومن أتى بهيمة ضرب مائة، ومن سل سيفا على وجه القتال ضرب أربعين وكان السيف فيئا. وقيل: يقتل إن سله على وجه الحرابة. ومن سل سكينا في جماعة على وجه المزاح ضرب عشرة أسواط. ثم قال: ومن سل سيفا على وجه المزاح في جماعة يهددهم به فقد أحفى ويضرب عشرين سوطا انتهى. وانظر هل هو مخالف لما قاله في السكين أم لا وهذا الظاهر. وانظر البيان فيمن قال لرجل يا كلب في رسم الاشربة من سماع أشهب من كتاب القذف وفيه بيان ذي الهيئة، وفي الرسم الذي بعده مسألة قوله كذبت وأثمت. وذكر ذلك في النوادر في كتاب القذف وابن فرحون في الفصل الحادي والعشرين من القسم الثالث والله أعلم. وانظر شتم المؤدب والقاضي والشيخ في كتاب الاجارة لابن عرفة والبرزلي في الكلام على تقسيم الاولاد. ص: (وإن قالت بك جوابا لزنيت حدت للزنا والقذف) ش: قال في المدونة: ومن قال لا مرأة يا زانية فقالت بك حدت للزنا والقذف إلا أن ترجع عن الزنا فتحد للقذف فقط ولا يحد الرجل لانها صدقته انتهى. قال أبو الحسن: معناه أن المرأة أجنبية. وقد ذكر ابن رشد المسألة في سماع عيسى في رسم حلف من كتاب القذف وحرر القول فيها، وإن قول ابن القاسم أنه من الاجنبية إقرار بالزنا فتحد له إلا أن ترجع، وقذف للرجل فتحد له ولا يقبل قولها أنها لم تقصد القذف وإنما قصدت المجاوبة خلافا لاشهب، وأما الزوجة فلا يكون إقرارا منها بالزنا ولا قذفا للزوج لاحتمال أن تريد بذلك إصابة النكاح وذكر في كل منهما خلافا. قال: وقول ابن القاسم أظهر والله أعلم. ونسب الشارح في الكبير مسألة الزوجة للمدونة وليست فيها، ولعل في نسخته " لامرأته بزيادة الهاء وليس كذلك في النسخ الصحيحة وهو الذي يفهم من كلام أبي الحسن. وعلى ما في نسخته مشى في شامله فجعل الاصح أن الزوجة كغيرها وليس كذلك.

[ 411 ]

فرع: قال في المدونة: ومن قال عند الامام أو عند غيره زنيت بفلانة، فإن أقام على قوله حد للزنا والقذف، وإن رجع عن ذلك حد للقذف وسقط عنه حد الزنا. وسيأتي عند قول المصنف والعفو قبل الامام في حد الامام له للقذف هل هو إذا طلبه المقذوف أو ولو لم يطلبه. مسألة: قال القرطبي في سورة النور: قال ابن القصار: إذا قالت امرأة لزوجها أو لاجنبي يا زانية بالهاء وكذلك الاجنبي للاجنبي فلست أعرف فيه نصا لاصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفا وعلى قائله الحد وقد زاد حرفا وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة أبو يوسف: لا يكون قذفا. واتفقوا على أنه إذا قال لامرأة يا زان أنه قذف، والدليل على أنه يكون في الرجل هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي. ألا ترى أنه لو قال لامرأة زنيت - بفتح التاء - كان قذفا لان معناه يفهم منه. ولابي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر كقوله تعالى * (وقال نسوة) * صلح أن يكون قوله يا زان للمؤنث قذفا، ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم والله أعلم انتهى. وهي المسألة الثامنة عشر من تفسير * (والذين يرمون المحصنات) *. ص: (وله حد أبيه وفسق) ش: هذا القول عزاه ابن رشد في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من الاقضية لرواية أصبغ عن ابن القاسم في الشهادات ونصه: وقد روى أصبغ عن ابن القاسم في الشهادات أنه يقضي له أن يحلفه وأن يحده ويكون عاقا بذلك ولا يعذر بجهل وهو بعيد لان العقوق من الكبائر، ولا ينبغي أن يمكن أحد من ذلك. وقال قبل هذا الكلام: قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون: إنه لا يقضى له بتحليفه أيضا ولا يمكن من ذلك ولا من أن يحده في حد يقع له عليه لانه من العقوق. وهو مذهب مالك في المدونة في اليمين في كتاب الديات وفي الحد في كتاب القذف وهو أظهر الاقوال. وقال في هذا الرسم: إن مالكا كره لمن بينه وبين أبيه خصومة أن يحلفه. فقال ابن رشد: هذا يدل على قوله على أن له أن يكون له عاقا بتحليفه إذ لا مأثم في فعل المكروه وإنما يستحب تركه، وهو قول ابن الماجشون في اليمانية، وظاهره قول أصبغ في المبسوط انتهى. فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال. وقد ذكر الشيخ في باب التفليس أنه ليس له أن يحلف إياه إلا المنقلبة والمتعلقة بها حق لغيره فمشى هناك على مذهب المدونة، ومشى هنا على القول الضعيف. وقد استثنى ابن رشد أيضا المنقلبة والمتعلقة بها حق للغير وإخراجها من الخلاف والله أعلم. ص: (والقيام به وإن علمه من نفسه)

[ 412 ]

ش: يعني أن الانسان يجوز له أن يقوم بالقذف على من قذفه وإن علم من نفسه أن ما قذفه به صحيح وأنه فعله صونا لعرضه وسترا على نفسه. قال في المدونة في كتاب القذف: وإن علم المقذوف من نفسه أنه قد زنى فحلال له أن يحده انتهى. فرع: قال في المدونة قبل الكلام السابق: ومن قذف رجلا بالزنا فعليه الحد، وليس له أن يحلف المقذوف أنه ليس بزان انتهى. وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: له أن يحلفه، فإن نكل سقط الحد عن القاذف ولم يلزم المقذوف شئ. ووافقونا على أنه لا تلزمه اليمين إذا ادعى عليه بالزنا والله أعلم. ص: (كوارثه) ش:. فرع: لو لم يعلم المقذوف بقاذفه حتى مات قام بذلك وارثه إلا أن يمضي من الزمان ما يرى أنه تارك فلا قيام للوارث فيه. قاله في كتاب الرجم من المدونة. ص: (والعفو قبل الامام) ش: وهذا بخلاف التعازير فإنه يجوز فيها الشفاعة والعفو وإن بلغ الامام كما تقدم في كلام صاحب الاكمال والله أعلم.

[ 413 ]

فروع: الاول: لا خلاف في جواز عفو الابن عن أبيه بعد بلوغ الامام وكذلك عن جده لابيه. انظر اللخمي والتوضيح. الثاني: قال في كتاب الرجم من المدونة: ومن عفا عن قاذفه لم يكن لغيره أن يقوم بحده، وإن رفع القاذف إلى الامام أجنبي غير المقذوف لم يمكن من ذلك ولا يحد به لان هذا لا يقوم به عند الامام إلا صاحبه انتهى. وقال في كتاب القذف: ولا يقوم بالحد إلا المقذوف. وإن شهد قوم على رجل أنه قذف فلانا وفلان يكذبهم ويقول ما قذفني لم تجز شهادتهم إلا أن يكون المقذوف هو الذي أتى بهم وادعى ذلك ثم أكذبهم بعد أن شهدوا عند السلطان وقال ما قذفني، فإنه حد وجب لا يزيله هذا بمنزلة عفوه عنه ويضرب القاذف الحد انتهى. ثم قال في المدونة: وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد ما شهدنا إلا بزور درأ الحد انتهى. الثالث: إن قذف رجل رجلا غائبا بحضرة الامام ومعه شهود قال في كتاب القطع من المدونة: أقام الامام عليه الحد. فتأوله ابن المواز على أنه يقيمه بعد طلب المقذوف، وتأوله ابن حبيب على أنه يقيمه في غيبته. انظر المقدمات وابن عرفة وأبا الحسن الصغير في كتاب القذف في مسألة سماع الامام القذف قال: وتأويل ابن المواز أحسن والله أعلم. الرابع: قال في المدونة: ومن صالح من قذف على شقص أو مال لم يجز ورد ولا شفعة فيه، بلغ الامام أم لا ؟ انظر أبا الحسن وجعله من باب الاخذ على العرض مالا. باب في بيان أحكام السرقة وما يتعلق بها ص: (تقطع اليمنى وتحسم بالنار) ش: هذا يسمى باب السرقة. قال في التوضيح: والسرقة أخذ المال خفية من غير أن يؤتمن عليه ولا خفاء في أنه غير جامع لخروج سرقة غير المال. وقال ابن عرفة: السرقة أخذ مكلف حر لا يعقل لصغره أو مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرز بقصد وأخذ خفية لا شبهة له فيه، فيخرج أخذ غير الاسير مال حربي، وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد، والاب مال ولده، والمضطر في المجاعة انتهى. وقوله وتحسم

[ 414 ]

بالنار انظر هل الحسم بالنار واجب على الامام أو المقطوعة يده ؟ والظاهر أنه يجب عليهما. وقد صرح الابي عن ابن عرفة أنه يجب على المقطوعة يده بحق المداواة ونصه في شرح مسلم في شرح حديث من قتل نفسه من كتاب الايمان. قال ابن عرفة: من قطعت يده بحق لا يجوز له ترك المداواة، وإن تركها حتى مات فهو من معنى قتل النفس بخلاف من قطعت يده ظلما فله ترك المداواة حتى يموت وإثمه على قاطعه انتهى. وانظر لو ترك الامام الحسم حيث يجب عليه والظاهر أنه آثم إن تعمد والله أعلم. ص: (إلا لشلل) ش: ظاهره ولو كان ينتفع بها وهو كذلك لابن وهب كما نقله في التوضيح لكن ينبغي أن يقيد ذلك بأن يكون شللا بينا، وأما لو كان شللا خفيفا فإنه لا يمنع القطع. قال ابن عرفة: الباجي: إن كانت يمناه شلاء ففي الموازية إن كان الشلل بينا لا يقتص منه لم يقطع اللخمي. قال ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر: تقطع إن كان ينتفع بها انتهى.

[ 415 ]

تنبيه: انظر قول اللخمي ولو كان أعسر قطعت يده اليسرى مع وجود اليمنى لانها التي سرقت فإنه غريب ولم أقف عليه لغيره، ونقله ابن غازي ولم يتعقبه ابن عرفة ولا المصنف في التوضيح. ص: (أو جارحا لتعليمه) ش: يريد غير الكلب لان الكلب لا يقطع سارقه ولو كان

[ 416 ]

مأذونا في اتخاذه كما سيصرح بذلك المصنف ص: (لا إن تكمل بمرار في ليلة) ش: هذا قول ابن القاسم في سماع أبي زيد في السارق يدخل البيت في ليلة عشر مرات يخرج في كل مرة بقيمة درهم أو درهمين أنه لا قطع عليه حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم خلافا لسحنون فإنه قال: يقطع إذا اجتمع مما خرج به ما يجب فيه القطع إذا كان ذلك في فور واحد. قال ابن رشد: فلم يصدقه سحنون في أنها سرقات مفترقات إذا كانت في فور واحد وصدقه ابن القاسم. وقوله أولى لان الحدود تدرأ بالشبهات قال: وهذا فيما يحتمل أن يكون عاد فيه لسرقة أخرى، وأما مثل القمح وشبهه من المتاع الذي يجده مجتمعا ولا يقدر أن يخرجه في مرة واحدة فينقله شيئا فشيئا، فهذه سرقة واحدة لانه إنما خرج بنية العود فلا

[ 417 ]

يصدق أنها سرقة أخرى بنية كما قاله في سماع أشهب، فلا ينبغي أن يختلف فيه. انتهى. بالمعنى.

[ 418 ]

فرع: من سرق نصابا من مال مشترك بين جماعة وحصة كل واحد منهم دون النصاب فإنه يقطع. قال في المقدمات: يجب القطع في النصاب بإخراجه من الحرز، سرقه واحد من واحد، أو جماعة من جماعة، أو جماعة من واحد، أو وواحد من جماعة إذا تعاونوا في إخراجه لحاجتهم إلى التعاون في ذلك، وأطال في ذلك إلى أن قال: ولا اختلاف أحفظه في سرقة الواحد ما يجب فيه القطع من الجماعة المشتركين أنه يقطع انتهى. قلت: وهذا فيما يكون مشتركا، وأما إذا سرق من حرزين قدر نصاب فلا قطع عليه. قال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز ومن سرق من حرزين قدر ربع دينار قال عبد الملك: لا يقطع حتى يسرق من حرز واحد وإن كان ذلك لرجلين انتهى. ثم قال: وروي عن مالك في غرائر بالسوق مجتمعة للبيع فسرق رجل من كل غرارة شيئا حتى اجتمع له ما يقطع فيه في مثله أنه لا يقطع

[ 419 ]

حتى يسرق من كل غرارة ما يجب فيه القطع، لان كل غرارة حرز لما فيها، وشاور الامير فيها من حضر من العلماء فأفتوا أن عليه القطع، وأفتى مالك بما ذكرنا فرجعوا إليه، وكان أول من رجع إليه ربيعة انتهى. وذكر القصة في المدارك وقال: هذه المسألة مما يعرف بها فضل مالك.

[ 420 ]

ص: (أو أزال باب المسجد أو سقفه وأخرج قناديله أو حصره أو بسطه إن تركت فيه) ش: يعني أن من أزال باب المسجد عن موضعه خفية على وجه السرقة فإنه يقطع، وسواء خرج بها من المسجد أم لا ؟ وكذلك إذا أزال خشبة من سقفه عن موضعها خفية على وجه السرقة فإنه يقطع، سواء خرج بها من المسجد أم لا. وكذلك كل شئ ثابت في المسجد ومثبت به ومسمر فيه كحصره المستترة فيه المخيط بعضها إلى بعض، وكذلك بلاطه المبنية وسلاسل قناديله المسمرة فيه فإنه يقطع إذا أزال شيئا من ذلك عن موضعه، ولا خلاف في ذلك. وأما ما ليس بمتشبث به ولا مسمر فيه كقناديله المعلقة فيه وحصره التي لم تسمر فيه ولم يخيط بعضها إلى

[ 421 ]

بعض، فاختلف فيمن سرق شيئا من ذلك هل يقطع أم لا. فالذي مشى عليه المصنف وهو قول مالك أنه يقطع وإن أخذ قبل أن يخرج به من المسجد، وأما بسط المسجد فإنها إن كانت

[ 422 ]

متروكة فيه ليلا ونهارا فهي كالحصر، وأما إن كانت تحمل وترد فلا قطع فيها. قال في أول كتاب السرقة من البيان: من سرق من المسجد الحرام أو غيره من المساجد شيئا مما هو متشبث به كجائزة من جوائزه أو باب من أبوابه أو ترية من تريانه المعلقة به المتشبثة به أو حصير قد سمر في حائط من حيطانه أو خيط إلى ما سواه من الحصر على ما روي عن سحنون، فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق شيئا من ذلك من موضعه وهو متشبث به. وأما ما سرقه من ذلك وهو غير متشبث به كقناديل موضوعة في ترياتها أو حصر موضوعة في مواضعها فقيل: إن موضعها حرز لها يقطع وإن أخذ قبل أن يخرج بها من المسجد. وقيل: إنه لا قطع في شئ من ذلك كله وإن خرج به من المسجد. اختلف في ذلك قول ابن القاسم على ما يأتي في رسم نقدها من سماع عيسى انتهى. ثم قال في رسم نقدها من سماع عيسى: قال ابن القاسم: من سرق حصر المسجد قطع وإن كان من المسجد الحرام الذي لا أبواب له وليست الابواب بالتي تحرز. ومن سرق الابواب أيضا قطع، ومن سرق القناديل فإني أرى أن يقطع سرق ذلك ليلا أو نهارا. وقد قال ابن القاسم في كتاب السلم: وله بنون صغار في الذي يسرق من حصر المسجد إن كانت سرقته نهارا لم أر عليه قطعا، وإن كان تسور عليها ليلا بعد أن أغلق فأخرج منها ما يكون فيه القطع قطع. وقال فيه أيضا في الذي يسرق من المسجد الحرام أو مسجد لا يغلق عليه إنه لا يقطع انتهى. وقال في التوضيح: القول بأنه

[ 423 ]

يقطع في القناديل وفي الحصر كان على المسجد غلق أم لا لمالك وسوى بين الليل والنهار. قال: وقاله ابن الماجشون وأصبغ ولذلك اقتصر عليه المصنف. تنبيهات: الاول: إذا قلنا بقطع إذا سرق قناديل المسجد أو حصره أو بسطه ولو لم تكن مسمرة ولا مخيطة فلا يشترط أن يخرج بذلك من المسجد كما يتبادر ذلك من لفظ المصنف أعني قوله أو أخرج قناديله أو حصره وقد تقدم التصريح بذلك في كلام ابن رشد. وقال في التوضيح لما اعترض على ابن الحاجب في أن عبارته توهم أنه لا يقطع في سقف المسجد وبابه حتى يخرج به من المسجد قال: وليس كذلك والصواب لو قال وموضع الباب والسقف حرز لانه يجب القطع وإن لم يخرج به هن المسجد، نص عليه صاحب البيان وغيره، ونص عليه مالك في الواضحة في البلاط والحصر والقناديل انتهى. وقال في الجواهر بعد أن ذكر الخلاف في القطع في قناديله وحصره: ويقطع في القناديل والحصر والبلاط وإن أخذ في المسجد كان في ليل أو نهار وحرزها مواضعها. وكذلك الطنفسة يبسطها الرجل في المسجد لجلوسه إذا كانت تترك فيه ليلا ونهارا كالحصير، وقاله مالك. وأما الطنافس تحمل وترد فربما نسيها صاحبها وتركها فلا يقطع فيها وإن كان على المسجد غلق لان الغلق لم يجعل من أجلها، وقال ابن القاسم في العتبية فيمن سرق من بسط المسجد التي تطرح فيه في رمضان: فإن كان عنده صاحبه قطع وإلا فلا انتهى. وقوله أنه لا يقطع إذا سرق البسط التي لا تترك في المسجد ولو كان عليه غلق يريد إذا لم يسرقها بعد أن أغلق عليها، وأما إذا سرقها بعد أن أغلق عليها فإنه يقطع إذا أخرجها من المسجد إلا على قول أشهب السابق، فيحمل قول المصنف أو أخرج قناديله أو حصره على أن المراد إذا أخرجها من موضعها لا على أن المراد إذا أخرجها من المسجد. وحمل البساطي كلام المصنف على ظاهره وأنه لا يقطع حتى يخرج القناديل والحصر والبسط من المسجد، وهذا مخالف لما تقدم من نصوص المذهب. وليس ثم قول يفرق بين سقف المسجد وحصره وقناديله إذا قلنا بوجوب القطع في ذلك فتأمله. الثاني: ما ذكره المصنف عن صاحب البيان في سقف المسجد وبابه وأنه لا يشترط أن يخرج به من المسجد هو ظاهر من كلامه السابق، لانه لما صرح بذلك فيما ليس متشبثا بالمسجد ولا مسمرا فيه فالمتشبث به والمسمر فيه أحرى بذلك، وكلامه في المتشبث لا يقتضي أنه لا يقطع حتى يخرجه بل فيه أيضا ما يفهم منه أنه يقطع بمجرد سرقته من موضعه فتأمله. وإنما نبهت على هذا لان بعض الناس توقف فيما ذكره المصنف في التوضيح عن صاحب البيان وذلك مما لا ينبغي أن يتوقف فيه والله أعلم. الثالث: هذا الكلام كله إنما هو فيما سرق من المسجد، وأما ما سرق من بيت مغلق في المسجد كبيت للقناديل ونحوه فإنه لا يقطع حتى يخرج بالشئ المسروق من البيت المغلق فيقطع حينئذ، ولو أخذ في المسجد. وهذا إذا لم يؤذن له في دخول ذلك البيت، وأما إن أذن

[ 424 ]

له في دخوله فلا قطع عليه. وكذلك من سرق من على الكعبة الداخل فيها المغلق عليه بابها فإنه إن كان سرق في الوقت الذي أذن له في دخولها فلا قطع عليه، وإن سرق في غير الوقت الذي أذن له في دخولها فإنه لا قطع عليه حتى يخرج به من الكعبة إلى محل الطواف قطع وإن لم يخرج به من المسجد. قاله في أول كتاب السرقة من البيان قال: لان حكم البيت الحرام الذي لا يدخل إلا بإذن فيما سرق منه حكم البيت يكون في المسجد يختزن فيه ما يحتاج إليه في المسجد من زيته وقناديله وحصره لا قطع على من دخله بإذن فسرق منه ما يجب فيه القطع. الرابع: أما حلي الكعبة الذي في بابها وفي جدارها من خارج كالحلي الذي على الحجر الاسود، فحكمها حكم ما كان مسمرا في المسجد. قال في التوضيح: نقل ابن الماجشون عن مالك القطع في حلي باب الكعبة انتهى. وكذلك حكم الرصاص الذي في أرض المطاف، والذي في أساطين المسجد. وكذلك حكم كسوة الكعبة الظاهرة حكم ما هو مسمر في المسجد ومتشبث به، وأما الكسوة الداخلة فحكمها حكم حليها المغلق عليه بابها، وكذلك حكم كسوة المقام والقناديل المعلقة فيه في الموضع الذي يعلق عليه، وهذا كله ظاهر ولم أره منصوصا والله أعلم. الخامس: علم من كلام الجواهر المتقدم أنه لا يشترط في البسط أن تكون للمسجد موقوفة عليه، وأنها لو كانت ملكا لشخص ولكنها متروكة في المسجد ليلا ونهارا كان ذلك حكمها. والظاهر أن الحصر كذلك، وكذلك القناديل بالاضافة للمسجد في ذلك كله إنما هي لكون المسجد ظرفا لها، والاضافة يكتفي فيها بأدنى ملابسة فتأمله والله أعلم. ص: (ولا إن نقب) ش: ما ذكره ابن غازي ظاهر وقد أشار في التوضيح إلى بعضه، ومسائل المذهب تدل على أن المساعدة في الحرز لا توجب القطع. نعم قد يؤخذ ذلك من مسألة ما إذا التقيا وسط النقب، ومسألة ما إذا ربطه الداخل وجذبه الخارج لكنه في الحقيقة عند التأمل لا يدل على

[ 425 ]

ذلك فأشبه ما إذا حملا شيئا لا يقدر كل واحد على حمله فإنهما يقطعان. ص: (إلا الرقيق لسيده) ش: فإنه لا يقطع لانه لا يجتمع عليه غرامتان، ذهاب ملكه وإتلاف عبده. ولو رضي السيد بذلك لم يقطع لانه لا يوافق على إتلاف المال إلا حيث أمر الشرع به. ص: (وإن رد اليمين) ش: حيث تتوجه اليمين على المدعى عليه بالسرقة بأن يكون متهما وفي المتوسط على

[ 426 ]

القول بتوجهها عليه. ص: (وسقط الحدان سقط العضو بسماوي) ش: قال الشارح في الوسط: ابن شاس: ولو سرق ولا يمين له سقط الحد انتهى. وما ذكره عن ابن شاس ليس هو كذلك. والذي في الجواهر: ولو سرق فسقطت يمناه بآفة سقط الحد انتهى. وأما مسألة من لا يمين له فقال فيها: ولو كان لا يمين له فسرق وقطعت يده اليسرى في الرواية الاخيرة، وفي الاولى تقطع رجله اليسرى انتهى. وإلى ذلك أشار المؤلف في أول الباب بقوله فرجله اليسرى ومحى ليده اليسرى. وفي الشرح الصغير نحو ما في الوسط. وأما في الشرح الكبير فذكر عبارة عن ابن شاس التي ذكرناها والله أعلم. ص: (وتداخلت إن اتحد الموجب كقذف وشرب وإلا تكررت) ش: قال في المدونة: ومن قذف وشرب خمرا سكر منها أو لم يسكر جلد حدا واحدا. قال أبو الحسن: انظر لو جلد في أحدهما ثم علم أن الآخر قبله، فذكر ابن يونس عن ابن المواز إن شرب الخمر وضرب الحد له ثم ثبت بعد ذلك أنه افترى على رجل

[ 427 ]

قبل شربه، فإن ضربه للخمر يجزئ. وكذلك لو افترى على رجل فضر ب له الحد ثم ثبت أنه قد شرب الخمر قبل ذلك فإنه لا يضرب له ثانية. وقاله أصبغ. وقال: هو الصواب والسنة والمجمع عليه. انتهى كلام المدونة من كتاب الشرب وكلام ابن يونس الذي نقله أبو الحسن من القذف. فرع: قال في كتاب القذف من المدونة: وكل حر لله أو قصاص اجتمع مع القتل فالقتل يأتي على ذلك كله إلا حد القذف، قال أبو الحسن: ظاهره وإن كان المقذوف هو المقتول وأنه يحد ثم يقتل كغيره. وقال أبوعمران قال: وللورثة أن يقوموا بحد المقذوف فيحد ثم يقتل لا قصاص اه‍. فعلم منه أن القتل يدخل فيه حد غير القذف ولو كان قصاصا وهذا هو الظاهر من نصوصهم. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: من لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن يقتل ما نصه: ظاهره ولو كان القتل قودا ولم أقف عليه. انتهى فتأمل مع ما تقدم والله أعلم. ص: (وإلا تكررت) ش: كالزنى والشرب وكالزنى والقذف. وقيل: يكتفي بالاكثر والله أعلم. باب في بيان حقيقة المحارب وأحكامه ص: (المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك أو أخذ مال مسلم أو غيره على وجه يتعذر معه الغوث) ش: قال ابن عرفة: الحرابة الخروج لاخافة سبيل بأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه أو ذهاب عقل أو قتل خفية أو لمجرد قطع الطريق لآ لامرة ولا لنائرة ولا عداوة فيدخل

[ 428 ]

قولها والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون انتهى. ومعنى كلام المصنف أن المحارب هو من قطع الطريق على الناس ومنعهم من السلوك فيها وإن لم يقصد أخذ المال على وجه يتعذر معه الغوث، فينبغي أن يقرأ قوله أو آخذ المال بمد الهمزة وكسر الخاء على أنه اسم فاعل، وأما إذا قرئ بسكون من غير مد بصيغة المصدر فلا يكون جامعا لانه يكون معطوفا على قوله لمنع سلوك فيقتضي أن المحارب هو من قطع الطريق لمنع السلوك أو من قطعها لاخذ المال، ويخرج منه من قاتل لاخذ المال من غير قطع الطريق، ويخرج من ذلك من دخل دارا أو زقاقا أو قاتل ليأخذ المال ومسقي السيكران ومخادع الصبي أو غيره ليأخذ ما معه، ولهذا قال ابن الحاجب: الحرابة كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه يتعذر معه الاستغاثة عادة من رجل أو امرأة أو حر أو عبد أو مسلم أو ذمي أو مستأمن إلا أن قوله على وجه يتعذر معه الغوث أحسن من قول ابن الحاجب تتعذر معه الاستغاثة فإن المسلوب يستغيث وجد مغيثا أم لا، فهو لا تتعذر عليه الاستغاثة. تنبيهان: الاول: ينبغي أن يؤتى في حد الحرابة بما يشعر بخروج قطع الطريق على الحربي وأخذ ماله فيقال مثلا: المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك غير حربي أو أخذ مال محترم أو معصوم كما أشار إلى ذلك ابن عرفة وصاحب الشامل، وكأنهم سكتوا عن ذلك لوضوحه والله أعلم. الثاني: انظر هل يشترط في المحارب التكليف ؟ لم يتعرض له المصنف. وقال ابن عرفة: الصبي إن حارب ولم يحتلم وأنبت عوقب ولم يقم عليه حد الحرابة. قال: والمجنون يعاقب لينزجر إلا أن يكون الذي به الامر الخفيف فيقام عليه الحد انتهى. وذكر مسألة الصبيان في المدونة ونصها: وأما الصبيان فلا يكونون محاربين حتى يحتلموا. وقال أبو الحسن: حتى يبلغوا. ثم قال في المدونة عقب كلامه السابق: وإن قطعوا الطريق إلى مدينتهم التي خرجوا منها فهم محاربون. وقال أبو الحسن: هذا راجع إلى أهل الذمة لا إلى الصبيان انتهى. ص: (فيقاتل بعد

[ 429 ]

المناشدة) ش: أي على وجه الاستحباب. قال ابن رشد في رسم نذر من سماع عيسى من كتاب المحاربين: واستحب مالك أن يدعوا إلى التقوى والكف، فإن أبوا قوتلوا، وإن عاجلوا قوتلوا، وأن يطعوا الشئ اليسير إن طلبوه كالثوب والطعام وما خف ولم يقاتلوا. ولم ير سحنون أن يعطوا شيئا ولو قل ولا أن يدعوا وقال: هذا وهن يدخل عليهم. وليظهر لهم الصبر والجلد والقتال بالسيف فهو أكسر لهم وأقطع لطمعهم. ذهب في ذلك مذهب ابن الماجشون وقول مالك أحسن والله أعلم. ص: (ثم يصلب) ش: هذا خاص بالرجل قال اللخمي: وأما المرأة فحدها صنفان: القطع من خلاف والقتل، ويسقط عنها ثالثا وهو الصلب، ويختلف في رابع وهو النفي. انظر بقية كلامه ونقله في الشامل وغيره. ص: (أو ينفى الحر) ش: لم يذكر هنا مع النفي ضربا وذكره بعد ذلك ذكر المصنف في التوضيح تبعا لابن عبد السلام أن مذهب المدونة أنه لا بد مع النفي من الضرب ونصه في شرح قول ابن الحاجب ولغيرهما: ولمن وقعت منه فلتة ويضربهما إن شاء. قوله إن شاء ظاهر المدونة أنه لا بد من ضربه لقوله: والذي يؤخذ بحضرة الخروج ولم يخف السبيل ولم يأخذ المال فهذا يؤاخذ فيه بأسير الحكم لم أر به بأسا وذلك الضرب والنفي ما ذكره أنسب بمذهب أشهب فإنه قال: إن جلده مع النفي لضعيف وإنما استحسن لما خفف عنه من غيره، ولو قاله قائل لم أعبه. وقوله وإنما استحسن أي لانه زيادة على النص انتهى. وذكر ابن عرفة كلام ابن الحاجب ثم قال بعده: تقدم الخلاف في لزوم الضرب والنفي ثم قال اللخمي: ضربه قبل النفي استحسان كما قال أشهب. ثم ذكر كلام ابن عبد السلام ثم قال في الرجم منها: ولا ينفى الرجل ومنها لا ينفى الرجل الحر إلا في الزنى وفي حرابة فيسجنان جميعا في الموضع الذي ينفى إليه يسجن الزاني سنة والمحارب حتى تعرف توبته. قال ابن عرفة: فظاهره عدم الضرب. وفي كتاب المحاربين:

[ 430 ]

وليس للامام أن يعفو عن أحد من المحاربين ولكن يجتهد في نفيه وضربه فظاهره أو نصه ثبوت الضرب انتهى. تنبيهات: الاول: قدر الضرب موكول إلى اجتهاد الامام كما في نص المدونة الذي ذكره ابن عرفة. وقال أبو الحسن في شرح قوله: ولكن يجتهد الامام في ضربه ونفيه. أما في ضربه فعلى قدر جرمه وكثرة مقامه في فساده، وأما في نفيه فإن كان كثير الفساد نفاه إلى بلد بعيد، وإن كان قليل الفساد فإلى بلد قريب، وأقله ما تقصر فيه الصلاة وهو يوم وليلة انتهى. وقال في التوضيح: قال ابن القاسم في الموازية: وليس لجلده حد إلا الاجتهاد من الامام انتهى. الثاني: نصوص المذهب صريحة في أن المحارب إذا نفي سجن في البلد الذي ينتفى إليه، سواء كان يخشى هروبه أم لا. وما حكاه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في تفسيره لما تكلم على آية المائدة من التفصيل بين من يخاف هروبه أو لا يخاف هروبه خلاف المعروف من المذهب والله أعلم. الثالث: وهل يجعل في عنقه الحديد ؟ انظر تبصرة ابن فرحون. ص: (وبالقتل يجب قتله) ش: يريد أو الصلب. قال في المقدمات: وأما إن قتل فلا بد من قتله ولا تخيير للامام في قطعه ولا في نفيه وإنما له التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف اه‍. انظر آخر كلامه فإنه يناقض أوله. ونقله أبو الحسن ولم ينبه عليه، وله نحو ذلك في سماع عيسى من كتاب المحاربين. وقد قال في كتاب المحاربين من المدونة: وإذا أخذه الامام وقد قتل وأخذ المال وأخاف السبيل فليقتله ولا يقطع يده ورجله والقتل يأتي على ذلك كله، فأما الصلب مع القتل فذلك إلى الامام بأشنع ما يراه انتهى. قال أبو الحسن: قوله ولا يقطع يده ورجله خلافا لابي مصعب والقتل يأتي على ذلك كله كما إذا كان حدان، أحدهما القتل فيكون الآخر داخلا في القتل، فلعله أشار إلى أبي حنيفة في قوله إن قتل وأخذ المال فالامام مخير إن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله، وإن شاء قطع يده ورجله سن خلاف ثم صلبه، وإن شاء قتله من غير صلب ولا قطع انتهى. وقع في عبارة الرجراجي نحو ما وقع في عبارة ابن رشد فقال: إن قتل فلا بد من قتله وليس للامام في ذلك تخيير، لا في قطعه ولا في نفيه. وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو نفيه انتهى. فأول كلامه يناقض آخره فتأمله، ولا شك أنه سهو وتصحيف. وأما كلام ابن رشد فإن حمل على أنه أراد أن الامام مخير في قتله وفي قطع يده ورجله من خلاف من غير قتل، فلا شك أنه سهو لانه قد نفى ذلك. وإن حمل على أنه أراد أن الامام مخير بين قتله من غير صلب ولا قطع وبين صلبه مع قتله وبين قطع يده ورجله ثم قتله، فهو

[ 431 ]

خلاف ما تقدم عن المدونة. ولا يقال قوله في المدونة ولا يقطع يده ورجله يعني به من غير قتل، لان قوله بعد والقتل يأتي على ذلك يرد به. وكذلك قوله فأما الصلب مع القتل الخ وكلام الشيخ أبي الحسن الصغير يدل على أن مراده في المدونة وأنه لا يقطع يده ورجله مع قتله. ونقله ابن يونس كلام المدونة بما هو كالصريح في ذلك فإنه قال: ولا تقطع يده ولا رجله. فهذا صريح في أن مراده أنه لا يجمع مع القتل قطع يد ولا رجل إذا لم يقل أحد أن قطع اليد الواحدة أو الرجل الواحدة حد للمحارب فتأمله. فرع: من اعترف أنه قتل غيلة ثم رجع فإنه يقبل رجوعه. انظر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب السرقة. وكذلك إذا اعترف بالحرابة قاله في المدونة. ص: (ولو جاء تائبا وليس للولي العفو) ش: ظاهره أنه إذا جاء تائبا يتعين قتله وليس لوليه العفو وليس كذلك. قال في المدونة: وإذا أتى المحارب تائبا قبل أن يقدر سقط عنه ما يجب عليه من حدود الحرابة وثبت للناس ما عليه من نفس أو جرح أو مال، ثم للاولياء العفو فيمن قتل، وكذلك المجروح في القصاص. وإن كانوا جماعة قتلوا رجلا ولي أحدهم قتله وباقيهم عون له فيؤخذون على تلك الحال قتلوا كلهم، وإن تابوا قبل أن يؤخذوا دفعوا إلى أولياء المقتول فيقتلون من شاؤوا منهم ويعفون عمن شاؤوا وأخذوا الدية ممن شاؤوا انتهى. ونقله ابن عرفة وابن الحاجب وغيرهما.

[ 432 ]

ص: (وغرم كل عن الجميع مطلقا) ش: قال ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الغصب: إذا اجتمع القوم في الغصب أو السرقة أو الحرابة، فكل واحد منهم ضامن لجميع ما أخذوه لان بعضهم قوي ببعض كالقوم يجتمعون على قتل رجل فيقتل جميعهم به وإن ولي القتل أحدهم، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا انتهى. قال الدماميني في حاشية البخاري في قوله لتجشمت لقاءه. وحكم الرد في جميع أحوال الاسلام حكم المقاتل، وكذلك رد المحاربين عند مالك والكوفيين. ص: (وسقط حدها بإتيان الامام طائعا) ش: تصوره واضح. وإذا سقط حد الحرابة بالتوبة لم يسقط حد الآدميين من قتل أو جرح أو مال على المعروف كما تقدم والله أعلم.

[ 433 ]

باب في بيان حد شارب الخمر ص: (بشرب المسلم المكلف إلى قوله ثمانون بعد صحوه) ش: تصوره واضح. فرع: قال في المسائل الملقوطة: قال مطرف. وكان مالك يرى إذا أخذ السكران في الاسواق والجماعات قد سكر وتسلط بسكره وآذى الناس أو روعهم بسيف شهره أو حجارة رماها وإن لم يضرب أحدا، أن تعظم عقوبته بضرب حد السكر ثم يضرب الخمسين وأكثر منها على قدر جرمه. وقد حكى عن مطرف عن مالك في الواضحة أنه يضرب الخمسين ومائة والمائتين ونحو ذلك ويكون الحد منهما وفيهما انتهى. ص: (أو شم) ش: انظر قول من قال لا

[ 434 ]

بد أن يكون الشاهد بالشم ممن شربها في حال كفره أو حال عصيانه وقد قالوا: إن من حد في حد لا تجوز فيه شهادت. ص: (أو إساغة) ش: يعني أنه يجوز شربها لاساغة غصة، وقد تقدم للمصنف نحو هذا في فصل المباح طعام طاهر، وهذا هو الظاهر. وجزم ابن عرفة بحرمتها للاساغة غير ظاهر. ونصه أشهب: الموجب للحد شرب مسلم مكلف ما يسكر كثيره مختار إلا لضرورة ولا عذر، فلا حد على مكره ولا ذي غصة وإن حرمت ولا غالط. ثم قال: والمكروه لا يحد لوضوح الشبهة أو عدم تكليفه وهو الاظهر لعموم اعتباره في الطلاق ونحوه، ولا المضطر للاساغة لوضوح الشبهة. الشيخ قال مالك في المختصر: لا يشرب المضطر الخمر. الباجي في النوادر عن ابن حبيب: من غص بطعام وخاف على نفسه أن له أن يحوزه بالخمر. قاله أبو الفرج. ص: (والحدود بسوط وضرب معتدلين) ش: قال ابن عرفة: ولا يجوز الضرب في الحدود بقضيب ولا شراك ولا درة ولكن السوط، وإنما كانت درة عمر للادب، فإذا وقعت الحدود قرب السوط. ثم قال بعد كلام لا يتعلق بالسوط ولابي زيد عن ابن القاسم: أو ضرب

[ 435 ]

على ظهره بالدرة أجزأه وما هو بالبين انتهى، ونص سماع أبي زيد المذكور. وقال ابن القاسم في رجل ضرب عبده الحد في الزنى بالدرة أجزأه قال: إن كان ضربه في الظهر أجزأه وما هو بالبين. قال ابن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم العتق من سماع عيسى انتهى، ونص ما في سماع عيسى المشار إليه. وسألت ابن القاسم عن رجل زنى عبده فضربه خمسين ضربة بغير سوط، هل يجزئه ذلك من الحد ؟ قال: قال مالك: لا يضرب الحد إلا بالسوط. قال ابن رشد: سأله في هذه الرواية هل يجزئه ذلك من الحد فلم يجب على ذلك، وحكى له ما قال مالك من أن الحدود لا تضرب إلا بالسوط. وقال في سماع أبي زيد بعد هذا: إنه ضربه في الزنى بالدرة في ظهره أجزأه قال: وما هو بالبين. فيحمل قوله في سماع أبي زيد على التفسير لقوله في هذه الرواية لانه وإن كان الواجب أن يضرب الحدود بالسياط كما قاله مالك فلا يجب أن يعاد عليه الضرب بالسياط إذا ضرب بالدرة إذ قد يكون من الدرر ما هو أوجع من كثير من السياط فلا يجمع عليه حدين إلا أن تكون الدرة التي ضرب بها لطيفة لا تؤلم ولا توجع، فلا بد من إعادة الحد بالسوط. انتهى من كتاب الحدود في القذف. وقوله معتدلين قال في الموطأ: إنه عليه السلام أوتي بسوط مكسور فقال فوق هذا، فأتى بسوط حديد فقال دون هذا، فأتى بسوط قد ركب به ولان فأمر به أي بالشخص المحدود فحد. قال الباجي في شرحه: قال عيسى بن دينار: التمرة الطرف يريد أن طرفه محدود لم تنكسر حدته. فقال دون هذا فأتى بسوط قد ركب به ولا يريد أنه قد انكسرت حدته ولم يخلق ولم يبلغ مبلغا لا يألم من ضرب به فاقتضى ذلك أنه يحد بسوط بين سوطين، والضرب في الحدود كلها سواء انتهى. وقال الجزولي: وإنما يضرب بالسوط وصفته أن يكون من جلد واحد ولا يكون له رأسان، وأن يكون رأسه لينا، ويقبض عليه بالخنصر والبنصر والوسطى، ولا يقبض عليه بالسبابة والابهام، ويعقد عليه عقدة التسعين ويقدم رجله اليمنى ويؤخر اليسرى انتهى. ص: (بظهره وكتفيه) ش: قال في رسم الاقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب المحاربين والمرتدين: وسئل مالك عن عذاب اللصوص بالرهن وبهذه الخنافس التي تحمل على بطونهم فقال: لا يحل هذا إنما هو السوط أو السجن إن لم يجد في ظهره مضربا فالسجن. قيل له: أرأيت إن لم يجد في ظهره مضربا، أترى أن يسطح فيضرب في أليتيه ؟ قال: لا والله،

[ 436 ]

لا أرى ذلك إنما عليك ما عليك إنما هو الضرب بالسوط والسجن. قال: فقيل: أرأيت إن مات أيضا بالسوط ؟ قال: إنما عليك ما عليك. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله لانه لا يصح أن يعاقب أحد فيما تلزمه فيه العقوبة إلا بالجلد أو السجن الذي جاء به القرآن. وأما تعذيب أحد بما سوى ذلك من العذاب فلا يحل ولا يجوز، وقد قال رسول الله (ص) إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا انتهى بلفظه. والحديث رواه مسلم. وفي مختصر الوقار: والادب أن يقنع بالسوط على رأسه أو يضرب بالدرة على ظهره أو على قدميه ولا يسطح أحد على بطنه في أدب ولا غيره. انتهى من باب القذف. ص: (وجرد الرجل والمرأة مما يقي الضرب) ش: ينبغي أن يكون قوله مما يقي الضرب راجعا إلى المرأة فقط وهو ظاهر فتأمله والله أعلم. قال ابن عرفة: وسمع أبو زيد ابن القاسم في المرأة يكون عليها ثوبان في الحد قال: لا بأس بهما وينزع ما سوى ذلك. انتهى. ص: (وعزر الامام لمعصية الله) ش: قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف: الادب يتغلظ بالزمان والمكان. فمن عصى الله في الكعبة أخص ممن عصاه في الحرم، ومن عصاه في الحرم أخص ممن عصاه في مكة، ومن عصاه في مكة أخص ممن عصاه خارجها انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: يلزم التعزير لمن سرق ما لا قطع فيه والخلوة بالاجنبية ووطئ المكاتبة ونحو ذلك من الاستمناء وإتيان البهيمة ولليمين الغموس والغش في الاسواق والعمل بالربا وشهادة الزور والتحليل والشهادة على نكاح السر، وكذلك الزوجان والولي إلا أن يعذروا بجهل فيجب على هؤلاء التعزير فقط، وتلزم العقوبة

[ 437 ]

على من حمى الظلمة وذب عنهم ومن دفع على شخص وجب عليه حق، ومن يحمي قاطع الطريق أو سارقا ونحو ذلك، فإن من يحميه ويمنعه عاص لله وتجب عقوبته حتى يحضره إن كان عنده وينزجر عن ذلك إلا أن يكون إحضاره إلى من يظلمه ويأخذ ماله أو يتجاوز فيه ما أمر به شرعا، فهذا لا يحضره ولكن يتخلى عنه ويرتدع عن حمايته والدفع عنه انتهى. ومنه: ويؤدب من حلق شاربه، ومن طلق ثلاثا في كلمة واحدة، ومن نكح بين الفخذين، ومن قام

[ 438 ]

بشكية باطل فينبغي أن يؤدب وأقل ذلك الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد. من أحكام ابن سهل قاله في شهادة السماع والاحباس والله أعلم. تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن المكروه لا أدب فيه وصرح بذلك في باب الايمان من التوضيح. قال في الحلف بغير أسماء الله تعالى: ويدخل في كلام ابن الحاجب الحلف بالطلاق والعتاق، وقد نصوا على تأديب الحالف بهما ولا يكون الادب في المكروه انتهى. وقال في المدخل في فصل اللباس: وقد قال علماؤنا في تارك شئ من السنن: والادب أن الواجب أن يقبح له فعله وأن يذم على ذلك، فإن أبى أن يرجع وإلا هجر من أجل ما أتى به من خلاف السنة انتهى. وقد نقل في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب من كتاب الذبائح عن سيدنا عمر التأديب في المكروه اه‍. وذلك أنه مر بشخص أضجع شاة يذبحها وجعل يحد الشفرة، فعلاه بالدرة وقال: هلا حددتها أولا أو كما قال. وقد قال أصبغ: من ترك الوتر يؤدب. وقال سحنون: يجرح. والظاهر أنه لا يعارضه وأن من واظب على ترك المسنون أو على فعلى المكروه فهو الذي يؤدب ويجرح ومن كان منه ذلك مرة لم يؤدب والله أعلم. مسألة: قال في المسائل الملقوطة: قال القرافي: الحدود واجبة الاقامة على الائمة، واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: إن كان الحق لله وجب كالحدود إلا أن يغلب على ظن الامام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام. وقال الشافعي: غير واجب على الامام انتهى. ثم قال مسألة: ويجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيها إذا كان الحق لآدمي، فإن تجرد عن حق الآدمي وانفرد به حق السلطنة كان لولي الامر مراعاة حكام الاصلح في العفو والتعزير وله التشفيع فيه انتهى. وقال القاضي عياض في الاكمال في شرح قوله لتشفعوا ولتؤجروا. والشفاعة لاصحاب الحوائج والرغبات عند السلطان وغيره مشروعة محمودة مأجور عليها صاحبها بشهادة هذا الحديث وشهادة كتاب الله بقوله * (من يشفع شفاعة حسنة) * الآية. على أحد التأويلين. وفيه أن معونة المسلم في كل حال لفعل أو قول فيها أجر وفي عمومه الشفاعة للمذنبين وهي جائزة فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه والعفو إذا رأى ذلك كما له العفو عنه ابتداء. وهذا فيمن كانت منه الفلتة والزلة وفي أهل الستر والعفاف أو من طمع بوقوعه عند السلطان. والعفو عنه من العقوبة أن تكون له توبة، وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا تجوز الشفاعة

[ 439 ]

لامثالهم ولا ترك السلطان عقوبتهم لينزجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم، وقد جاء الوعيد في الشفاعة في الحدود انتهى. ص: (وضمن ما سري) ش: قال في الجواهر: والتعزير جائز بشرط سلامة العاقبة فإن سرى ضمنت عاقلة المعزر بخلاف الحد. انتهى. ص: (وكسقوط جدار مال وأنذر صاحبه وأمكن تداركه) ش: قال في كتاب الديات من المدونة: والحائط المخوف إذا أشهد على ربه ثم عطب به أحد فربه ضامن، وإن لم يشهد به عليه لم يضمن وإن كان مخوفا اه‍. ولم يبين عند

[ 440 ]

من يكون الاشهاد، قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: ومعناه عند القاضي أو من له النظر في ذلك ولا ينفع الاصهاد إذا لم يكن كذلك إذا كان رب الحائط منكرا لميلانه بحيث يخشى عليه السقوط، وأما إن كان مقرا فإنه يكتفي بالاشهاد وإن لم يكن عند حاكم. قاله بعض القرويين. وقال ابن الماجشون: لا يضمن إلا إذا قضى عليه السلطان بالهدم فلم يفعل. وقال أشهب: إذا بلغ الحائط ما لا يجوز لصاحبه تركه لشدة ميلانه فهو متعد ضامن، أشهد عليه أم لا انتهى. وقال في العتبية في أول مسألة من سماع يحيى من كتاب السلطان: قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن جدار رجل بين داره ودار جاره مال ميلا شديدا حتى خيف انهدامه، أترى السلطان إذا شكى ذلك جاره ومن يخاف من إذاتيه وضرره أن يأمر صاحبه بهدمه ؟ فقال: نعم، ذلك واجب عليه أن يأمر بهدمه. قلت له: فإن شكى إليه ما يخاف انهدام الجدار فلم يهدمه حتى انهدم على إنسان أو دابة أو بيت لصق به فقتل أو هدم ما سقط عليه: أيضمن ذلك صاحب الجدار ؟ قال: نعم يضمن كل ما أصاب الجدار بعد الشكية إليه والبيان له. قال يحيى: وإن لم يكن ذلك بسلطان فإنه ضامن إذا انهدم وأشهد عليه. قال ابن رشد: قول يحيى إنه ضامن لما أفسد الحائط إذا انهدم بعد التقدم إليه والاشهاد عليه وإن لم يكن ذلك بسلطان، مفسر لقول ابن القاسم ومثل ما في المدونة اه‍. وقد قيل: إنه لا ضمان عليه إلا فيما أفسد بانهدامه بعد أن قضى عليه السلطان بهدمه ففرط في ذلك وهو قول عبد الملك وقول ابن وهب في سماع زونان. وقد قيل: إنه ضامن لما أصاب إذا تركه بعد أن بلغ حدا كان يجب عليه هدمه وإن لم يتقدم إليه ولا أشهد عليه وهو قول أشهب وسحنون انتهى. فرع: قال في المدونة: وإذا كانت الدار مرهونة أو مكتراة لم ينفعهم الاشهاد إلا على ربها. فإن غاب وقع أمره إلى الامام ولا ينفعهم الاشهاد على الساكن إذ ليس لهم هدم الدار انتهى. وقال في النوادر في ترجمة الكلب العقور والجمل الصؤل من كتاب الديات الثاني عن سماع أشهب: إنه لا ضمان على ربها ولا على ما هي بأيديهم ولو أمرهم السلطان بالهدم والبناء فلا شئ عليهم. قال محمد ابن عبد الحكم: وينبغي للقاضي إذا كان الحائط مخوفا لا يمهل أصحابه أن يحضروا حتى يهدم أعلا المكان، فإن لم يحضروا أمر بهدمه وأنفق على ذلك من نقضه إن لم يجد لهم مالا، فإن كان الصبي في ولاية أب أو وصي فإليهما يتقدم السلطان، فإن لم يفعل من قدم ذلك إليه حتى سقط فما أفسد أو قتل كان ذلك في ماله من أب أو وصي دون مال الصبي إذا أمكن الهدم وتركاه انتهى. تنبيه: إذا كان رب الحائط غائبا وكان له وكيل وتقدم إليه فلم يفعل حتى سقط الحائط، فهل يضمن ذلك في ماله ؟ لم أر فيه نصا صريحا، والظاهر أنه يضمن قياسا على الاب والوصي فتأمله والله أعلم.

[ 441 ]

تنبيه: قال ابن رشد في أول سماع يحيى من كتاب السلطان إثر كلامه المتقدم: والضمان في ذلك لا يتعدى المال إلى العاقلة عند ابن القاسم. كذا روى عيسى عنه في رسم لم يدرك من كتاب الديات. وهو ظاهر قوله في هذه الرواية. وروى رونان في سماعه عن ابن وهب أن العاقلة تحمل من ذلك الثلث فصاعدا، وهو قول مالك رواه عنه أشهب وابن عبد الحكم. انتهى ص: (أو عضه فسل يده فقلع أسنانه) ش: هذا معطوف على ما فيه الضمان ولم يعين ما الذي يضمنه، هل دية الاسنان أو القود ؟ وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولو عضه فسل يده ضمن أسنانه على الاصح يعني دية الانسان والاصح عبر عنه المازري وغيره بالمشهور ونقل مقابله عن بعض الاصحاب وهو أظهر لما في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه، فاختصما إلى رسول الله (ص) فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لا دية لك. زاد أبو داود: إن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثم تنزعها من فيه. وقال ابن المواز: الحديث لم يروه مالك ولو ثبت عنده لم يخالفه. وتأوله بعض شيوخ المازري على أن المعضوض لا يمكنه النزع إلا بذلك، وحمل تضمين بعض الاصحاب على أنه يمكنه النزع برفق بحيث لا تنقلع أسنان العاض فصار متعديا بالزيادة فلذلك ضمنوه اه‍. وقال القرطبي في شرح مسلم: قوله (ص): لا دية لك وفي رواية فأبطله وقوله فأبطله هذا نص صريح في إسقاط القصاص والدية في ذلك ولم يقل أحد بالقصاص فيما علمت انتهى. وإنما الخلاف في الضمان فأسقطه أبو حنيفة وبعض أصحابنا. وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك. ونزل بعض أصحابنا القول بالضمان على ما إذا أمكنه النزع برفق فنزعها بعنف، وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه كان متحرك الثنايا وهذا يحتاج إلى حطم وأزمة. ولا ينبغي أن يعدل عن صريح الحديث انتهى. وما ذكره عن مذهب الشافعي خلاف ما ذكره النووي من موافقة أبي حنيفة وهو أعرف بمذهبه. وفي مسلم: ادفع يدك حتى يعضها ثم انتزعها. قال القرطبي: هو أمر على جهة الانكار كما قال (ص) في الرواية الاخرى: بم تأمرني تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك كما يقضم الفحل فمعناه أنك لا تدع يدك في فيه يقضمها ولا يمكن أن يؤمر بذلك انتهى. زاد النووي: فكيف تنكر عليه أن ينزع يده من فيك وتطلبه بما جنى في جذبه كذلك قاله القاضي انتهى. ويقضمها بفتح الضاد مضارع قضم بكسرها. يقال قضمت الدابة شعيرها إذا أكلته بأطراف أسنانها. وخضمت بالخاء المعجمة إذا أكلت بفيها كله. ويقال الخضم أكل الرطب، والقضم أكل

[ 442 ]

اليابس. ومنه قول الحسن: تخضمون ويقضم والموعد القيامة. انتهى من القرطبي. والفحل ذكر الابل. ر: (أو نظر له من كوة فقصد عينه وإلا فلا) ش: هذا أيضا معطوف على ما فيه الضمان ولم يبين المضمون أيضا هل هو القود أو الدية ؟ واعلم أن الذي يقتضيه كلام المازري وغيره من الاشياخ أن هذه المسألة كالتي قبلها. قال المازري في المعلم في شرح الحديث الاول: ومن هذا المعنى لو رمى إنسان أحدا ينظر إليه في بيته فأصاب عينه، فاختلف أصحابنا أيضا في ذلك: فالاكثر منهم على إثبات الضمان، والاقل منهم على نفي الضمان، وبالاول قال أبو حنيفة. وبالثاني قال الشافعي. فأما في الضمان فلقوله (ص): لو أن أحد اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح وأما إثبات الضمان فلانه لو نظر إنسان إلى عورة إنسان بغير إذنه لم يستبح فق ء عينه، فالنظر إلى الانسان في بيته أولى أن لا يستباح به. ومحمل الحديث عندهم على أنه رماه لينبهه على أنه فطن به أو ليدافعه عن ذلك غير قاصد فق ء عينه فانفقأت عينه خطأ فالجناح منتف وهو الذي نفي في الحديث، وأما الدية فلا ذكر لها انتهى. وذكر القرطبي في شرح مسلم نحوه فدل هذا الكلام على أن القائلين بالضمان يقولون به. سواء قصد فق ء عينه أو لا. إلا أنه إن لم يقصد فق ء عينه ففعله جائز، وإنما يضمن الدية، وإن قصد فق ء عينه فلا يجوز فعله ويضمن. والظاهر أن المراد حينئذ بالضمان القود وصرح به ابن شاس والقرافي وابن الحاجب. قال في الجواهر: ولو نظر إلى حريم إنسان من كوة أو صر باب لم يجز أن يقصد عينه بإبرة أو غيرها وفيه القود إن فعل، ويجب تقدم الانذار في كل دفع وإن كان الباب مفتوحا فأولى أن لا يجوز قصد عينه. انتهى ونحوه في الذخيرة. وعلى هذا فيكون الضمان عليه أثبته المصنف بقوله: أو نظر من كوة فقصد عينه هو القود والذي نفاه بقوله: وإلا فلا هو القود أيضا دون الدية والله أعلم. قال في التوضيح: والصر بكسر الصاد شق الباب. قاله الجوهري انتهى. ص: (وجاز دفع صائل) ش: انظر هل

[ 443 ]

مراده بالجواز المستوي الطرفين كما هو اصطلاحه هو وغيره من المتأخرين، أو مراده بالجواز جواز الاقدام حتى يشمل الوجوب ؟ وظاهر كلام ابن العربي فيما نقل عنه في الذخيرة في هذا المحل وفي الفروق في الفرق السابع والاربعين بعد المائتين. أن الحكم في دفع الصائل الجواز المستوي الطرفين. وذكر القرطبي وابن الفرس في الوجوب قولين قالا: والاصح الوجوب فانظر

[ 444 ]

ذلك، وانظر الابي في شرح قوله عليه السلام: من مات دون ماله فهو شهيد. وفي منع فضل الماء حتى مات الممنوع في كتاب الايمان من مسلم. وانظر مسألة من وجد مع امرأته رجلا فقتله في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب القذف. وفي الجزء الرابع من كتاب الدياآ من جلنوادر، وفي كتاب الحدود في الزنا منها، وفي الفصل السابع من القسم الثالث من التبصرة.

[ 445 ]

كتاب الاعتقاق والتدبير باب في بيان أحكام الاعتقاق وما يتعلق به قال في الصحاح: العتق الكرم. يقال ما أبين العتق في وجه فلان يعني الكرم. والعتق الجمال. والعتق الحرية، وكذلك العتاق بالفتح والعتاقة. يقال منه عتق العبد يعتق بالكسر عتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق وأعتقته أنا انتهى. ثم قال: وعتق الشئ بالضم عتاقة أي قدم وصار عتيقا، وكذلك عتق يعتق مثل دخل يدخل فهو عاتق انتهى. ثم قال: وعتاق الطير الجوارح منها والارحبيات العتاق النجائب منها انتهى. يعني أنه بكسر العين والارحبيات الابل. قال في الصحاح: وأرحب قبيلة من همذان ينسب إليها الارحبيات من الابل انتهى. وقال القاضي عياض في المشارق: يقال عتق المملوك يعتق عتقا وعتاقة بالفتح فيهما. قال الخليل: وعتاقا بالفتح أيضا. قال غيره: والاسم منه العتق بالكسر والعتاق بالفتح، ولا يقال عتق إنما هو أعتق إذا أعتقه سيده انتهى. وقال في التنبيهات: العتق والعتاق بالفتح فيهما، وعتق الغلام وأعتقه سيده فهو عتيق، وعبيد عتقاء وأمة عتيقة ولا يقال عاتق ولا عواتق إلا أن يراد مستقبل أمره فهو عاتق غدا. ولا يقال عتق الغلام بضم العين ولكن أعتق ومعنى العتق ارتفاع الملك انتهى. وقوله في التنبيهات: ولا يقال عاتق مخالف لما تقدم في الصحاح. وقال في القاموس: العتق بالكسر الكرم والجمال والنجابة والشرف والحرية، وبالضم جمع عتيق وعاتق المنكب والحرية. عتق العبد يعتق عتقا ويفتح، وبالفتح المصدر، وبالكسر الاسم. وعتاقا وعتاقة بفتحها خرج عن الرق فهو عتيق وعاتق الجمع عتائق. ثم قال: والعتق بالكسر ويضم للموات كالحمر والتمر وككتاب من الطير الجوارح ومن الخيل النجائب انتهى. وقال ابن حجر في فتح الباري في باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف من كتاب العتق: العتاقة بفتح العين ووهم من كسرها. يقال عتق يعتق عتاقا وعتاقة والمراد الاعتاق وهو ملزوم العتاقة. ثم قال بعد ذلك: وإلا فقد عتق ما عتق. قال الداودي: هو بفتح العين من الاول

[ 446 ]

ويجوز الفتح، والضم في الثاني. وتعقبه ابن التين بأنه لا يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة لان الفعل لازم غير متعد. وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: قال صاحب المحكم: العتق خلاف الرق. عتق يعتق عتقا وعتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وحلف بالعتاق أي بالاعتاق انتهى. فتحصل من هذا أنه يقال العتق بكسر العين وفتحها، والعتاق والعتاقة بفتحها فقط، وأنه يقال عتق يعتق كضرب يضرب، ولا يقال عتق بضم العين والله أعلم. وقال في الذخيرة: والعتق في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير أي خالصوها، والبيت الحرام عتيق لخلوصه من أيدي الجبابرة، وفي الشرع خلوص الرقبة من الرق انتهى. وقيل: سمي البيت عتيقا لانه أول بيت وضع للناس، وقيل لخلوصه من الطوفان، وقيل لخلوصه من أيدي الجبابرة والله أعلم. وأما في الشرع فقال ابن عبد السلام: استغنى ابن الحاجب عن تعريف حقيقته لشهرتها عند العامة والخاصة فقال ابن عرفة: يريد قوله بأن ذلك من حيث وجودها لا من حيث إدراك حقيقتها، بل كثير من المدرسين لو قيل له ما حقيقة العتق لم يجب بشئ، ومن تأمل وأنصف أدرك ما قلناه والله أعلم بمن اهتدى انتهى، وعرفه في التنبيهات وابن رشد كالقرافي بأنه ارتفاع الملك عن الرقيق وليس بمانع كما سيأتي في الكلام ابن عرفة فإنه قال: العتق رفع ملك حقيقي لا بسباء محرم عن آدمي حي. فخرج بحقيقي استحقاق عبد بحرية، وخرج بسباء محرم فداء المسلم من حربي سباه أو ممن صار له منه، وخرج بقوله: عن آدمي حي رفعه عنه بموته انتهى. وقوله: ملك يصدق برفع ملك وانتقاله إلى ملك آخر فتأمله، فيكون غير مانع. وكذلك يصدق على عبد الحربي إذا أسلم وبقي عند سيده حتى غنمه المسلمون فإنه حر على المشهور وليس هذا عتقا اصطلاحا. وكذلك يصدق حده على وقف الرقيق على مقابل المشهور القائل بأن ملك الواقف ارتفع عن الموقوف فتأمل ذلك. ولو قال رفع الملك الحقيقي الكائن لمسلم عن آدمي حي من غير تحجير منفعته، لسلم فيما يظهر من جميع ما يريد عليه ويكون اللام في الملك للحقيقة والله أعلم. وقوله: عن آدمي حي يؤخذ منه صحة عتق من في السياق. قال في المسائل الملقوطة: لو أعتق من في سياق الموت الظاهر صحة العتق لانه لو عاش لم يعد رقيقا فترتب عليه أحكام الحرية ويصلى عليه في صف الرجال الاحرار ويحاز ولاؤه لمعتقه، ولو قذفه أحد في تلك الحال بعد العتق حد له على أنه حر. وكذلك لو أجهز عليه أحد فقتله وهو في السياق فحكمه حكم الحر لا حكم العبد، ففي النظر هل يحصل له من الثواب في عتق ثواب من أعتق صحيحا ولا شك أنه خلصه من الرق ولانه قابل لان يهبه لرجل بغير ثواب، فكذلك تنجيز عتقه لله تعالى من تسهيل المهمات في قوله: ولا يباع من في السياق انتهى. وحكمه الندب وهو من أفضل الاعمال وأعظم القربات، ويدل على عظيم قدره ما في الصحيح من حديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله (ص): لن يجزي ولد والده إلا أن

[ 447 ]

يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه. قال في التوضيح: وكان الوالد لما كان سببا لوجود الولد وذلك من أعظم النعم فالذي يشبه ذلك إخراج الولد لوالده من عدم الرق إلى وجود الحرية لان الرقيق كالمعدوم، وربما كان العدم خيرا منه انتهى. ونحوه للقاضي أبي بكر بن العربي في قوله تعالى: * (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * وقال في الذخيرة: وفي الصحيحين قال رسول الله (ص): من أعتق رقبة مؤمنة أعتق بكل أرب منها أربا منه من النار حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج بالفرج. ثم قال: قال اللخمي: ظاهر الحديث يقتضي أنه إذا أعتق ناقص عضو لا تحجب النار عن الذي يقابله وهو ممكن لان الالم يخلقه الله في أي عضو شاء كما في الصحيح: إن الله حرم على النار أن تأكل موضع السجود انتهى. والارب العضو. قال في التوضيح: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه حتى فرجه بفرجه وفي الترمذي وصححه أنه عليه الصلاة والسلام قال: أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانت فكاكه من النار يجزئ كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانتا فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضوا منها. قيل: ولعل هذا لان دية المرأة على النصف من دية الرجل انتهى. والعتق وإن كان مندوبا فقد يجب. قال في اللباب: ولوجوبه عشرة أسباب: إصدار الصيغة والكتابة والتدبير والايلاد والمثلة والسراية والقرابة. ويضاف إلى ذلك اليمين بالعتق والنذر به وقتل الخطأ والظهار وكفارة اليمين إن اختار العتق فتكون اثني عشر انتهى. وذكر في التنبيهات أن أسبابه عشرة وعد ثلاثة عشر ثم ألحق بهم وجهين آخرين. قال: والعتق مندوب إليه في الجملة ويجب أحيانا بعشرة أسباب:

[ 448 ]

بإلزام الرجل ذلك نفسه، وتبتيله عتق مملوكه ابتداء، وبنذره ذلك لامر كان أو يكون، وبالحنث في يمين بذلك أو بحمل مملوكته منه أو بعتقه بعضه فيبتل عليه باقيه، أو بالتمثيل به أو بشرائه من يعتق عليه، أو بقتل النفس خطأ، أو بوطئ المظاهر، أو بكتابة العبد، أو مقاطعته على مال، أو خدمته بذلك. ويلحق بذلك وجهان آخران وهما كفارة اليمين بالله، وكفارة الفطر في رمضان عمدا إلا أن الفرض في هذين موضوع للتخيير بينه وبين غيره وإنما يتعين بتعيين المكفر انتهى. إلا أن يكون قوله بإلزام الرجل ذلك نفسه وتبتيله عتق مملوكه سببا واحدا وهو ظاهر. وكذلك قوله: أو بمكاتبة العبد الخ فيكون حينئذ عشرة أسباب فقط وهو الظاهر. وقال في اللباب عقب ذكره الاسباب المتقدمة: ويجب أن يعلم أن ما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب. ألا ترى أنه قد وعد بالمغفرة على أسباب كثيرة تكاد تخرج عن الحصر فقال رسول الله (ص): صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والآتية وصوم يوم عاشوراء يكفر الماضية ورمضان إلى رمضان يكفر ما بينهما والصلوات الخمس يكفرن ما بينهن وإذا توضأ خرجت الخطايا من بين أشفار عينيه. وقد قلت لشيخنا شهاب الدين رحمه الله. إذا كان يوم عرفة يكفر الماضية والآتية فأي شئ يكفر يوم عاشوراء وكذلك ما ذكرناه ؟ فقال لي: ذلك دليل على أنه تعالى مريد للمغفرة لعباده فإن العبد إذا أخطأه سبب لا يخطئه غيره، وما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب فتنبه لذلك انتهى. وحكمة مشروعيته قال في اللباب: هي التنبيه على شرف الآدمي وتكرمته فإن الرق إذلال له والترغيب في مكارم الاخلاق وتعاطي أسباب النجاة من النار انتهى. فرع: قال ابن سلمون في وثائقه: سئل ابن رشد في عتق الاماء والعبيد أيهما أفضل ؟ فقال: اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال إن عتق الاكثر ثمنا منهم أعلا في الاجر ذكرا كان أو أنثى. لان رسول الله (ص) سئل أي الرقاب أفضل ؟ فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ولم يخص ذكرا من أنثى. وأما إذا استوى الذكر والانثى فعتق الذكر أفضل كما أن عتق الافضل في الدين من العبدين والامتين أفضل وهذا لا اختلاف فيه، وإنما اختلف في الافضل من عتق الكافر أو المسلم إذا كان الكافر أكثر ثمنا فقيل: إن عتق الاكثر ثمنا أفضل وإن كان كافرا لعموم الحديث. وقيل: إن عتق المسلم أفضل وأن الحديث إنما معناه مع استواء الرقاب، وكذلك الافضل من عتق الكافر من كان منهم أكثر ثمنا. قال: وإن استوى في الاثمان فالذي أقول به أن عتق الانثى منهم أفضل لان عتقها يحل للمسلمين نكاحها ولا منفعة في عتق الكافر الذكر اه‍.

[ 449 ]

باب ص: (إنما يصح إعتاق مكلف) ش: أخرج به الصبي فلا يصح عتق الصبي، ولو علقه بيمين فحنث فيها بعد البلوغ كان بإذن وليه أو بغير إذنه. قاله في المقدمات وغيرها. وقال في العتق الثاني من المدونة: ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقا ولا الصبي. وإن قال صبي كل مملوك حر إذا احتلمت فاحتلم فلا شئ عليه، وكذا المجنون. قال في عتقها الثاني: ومن حلف بعتق عبده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شئ عليه. قال أبو الحسن: قال أصبغ: ومن حلف ليفعلن فعلا إلى أجل كذا ثم جن فمضى الاجل وهو مجنون فإنه حانث. وقال غيره: لا يحنث لان مضى الاجل وهو في حال لا تنعقد اليمين فيه انتهى. ويدخل السكران. قال في عتقها الثاني: وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه. قال أبو الحسن: أما الطافح فكالبهيمة لا خلاف أنه لا يلزمه شئ. اه‍ كلامه بالمعنى. ص: (بلا حجر) ش: هذا قيد ثان وهو عدم التحجير فيخرج السفيه المولى عليه. قال في كتاب المديان منها: ولا يجوز للمولى عليه عتق ولا صدقة ولا هبة ولا بيع. ولا يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيزه الآن. واستحب له إمضاءه ولا أجبره عليه انتهى. قال في المقدمات: كان الولي رده أم لم يرده. واختلف إذا كان بيمين فحنث فيها بعد ولاية نفسه، واختلف أيضا إن لم يعلم بذلك حتى مات. هل للورثة رد ذلك ؟ على قولين حكاهما ابن حبيب في الواضحة انتهى. والقول بلزوم الحنث لاشهب، والقول بعدمه لابن القاسم. كذا عزاه أبو الحسن في العتق الثاني في شرح قولها: وإن قال صبي كل مملوك لي حر المتقدم والله أعلم. فرع: قال في رسم قطع الشجرة وهو أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب العتق الثاني لو قال لمملوك من مماليك أبيه إن ملكتك فأنت حر، فمات أبوه وملكه، فإن كان يوم قاله سفيها فلا يلزمه العتق وإن كان رشيدا عتق عليه. قال ابن رشد: واختلف هل هو محمول في حياة أبيه على الرشد أو على السفه ؟ والمشهور أنه محمول على السفه انتهى. ونقله أبو الحسن.

[ 450 ]

تنبيهات: الاول: قوله في المدونة: استحب إلى آخره قال أبو الحسن: وفي الامهات: لا يجوز له في ماله بيع ولا عتق ولا شراء ولا هبة ولا صدقة والهبة والصدقة لغير ثواب كالعتق، واستحب له أن يمضيها. فظاهره أنه راجع إلى العتق وما أشبهه من الهبة والصدقة لغير الثواب انتهى. وقال أبو الحسن: قال عياض: ظاهر التهذيب أنه راجع إلى الجميع وعليه اختصرها المختصرون، وأنه يستحب له إمضاء جميع ما فعله وفيه نظر، والصحيح سواه وأنه لا يستحب له أن يمضي إلا ما كان لله قربة. وأما ما بينه وبين العباد فأي استحباب في هذا ؟ وكذا جاء منصوصا في سماع أشهب على ما تأولناه. قال الشيخ أبو الحسن: وقد يكون أيضا فيه قربة بإسعاف أخيه المسلم بإمضاء صفقته لغبطته بها كأن يكون قربة في الاقالة والتولية انتهى، وهو ظاهر فتأمله والله أعلم. الثاني: ظاهر كلام المؤلف أن السفيه لا يصح عتقه في جميع ما يصح فيه العتق وليس على عمومه، فقد قدم في باب الحجر أنه يجوز - عتقه لمستولدته. وقال في المدونة إثر الكلام السابق: وما ليس له فيه إلا المنفعة ففعله فيه جائز، ويجوز طلاقه لزوجته وعتقه لام ولده انتهى. وهل يتبعها مالها ؟ نقل في التوضيح في باب الحجر في ذلك ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث بين اليسير والكثير. ونقلها غيره وعزا اللخمي الثالث لابن القاسم وقال: إنه الاشبه ذكره في الحجر. والقول الثاني أنه لا يتبعها مالها وإن لم يستثنه. قال ابن رشد في رسم العتق من سماع أشهب: هو أظهر الاقوال وأولاها بالصواب. انتهى. من العتق، وتقدم في باب الحجر الكلام على جميع ما تقدم بأبسط من هذا. الثالث يؤخذ من كلام المؤلف أن السفيه المهمل عتقه جائز لانه إلى الآن لم يحجر عليه، وأنه إذا حجر عليه ثم ظهر رشده ولم يطلقه الحاكم فعتقه غير جائز لانه محجور عليه. وهذا يأتي في قول ابن القاسم، وقول مالك على العكس. قال في اللباب هنا: ولو كان السفيه غير مولى عليه فعتقه جائز. قال ابن القاسم: إلا البين السفه انتهى. وكلام اللباب يفهم منه أن قول ابن القاسم تقييد وليس كذلك والله أعلم. ويخرج بقول المؤلف: بلا حجر أيضا العبد. قال في الولاء منها: ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو تصدق بغير إذن سيده فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل. ولا يلزم العبد والمكاتب ذلك إن عتقا وإن لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا مضى ذلك، وما أعتقا بإذن السيد جاز. وعتق أم الولد لعبدها كما وصفنا في عتق العبد عبده انتهى. وقد علم أن أم الولد والمكاتب بمنزلة القن، وكذا من بعضه حر صرح به في أول رسم من سماع عيسى من كتاب العتق. والظاهر أن المدبر والمعتق إلى أجل كذلك، وأظن أن اللخمي صرح بذلك والله أعلم. وفي المقدمات في كتاب المأذون: وأما العبد فما أعتق أو وهب فإذا لم يعلم السيد بذلك أو علم ولم يقض برد ولا إجازة حتى عتق العبد والمال بيده فإن ذلك لازم له، ولا أعلم في ذلك نص خلاف وهو دليل على أن فعله على الاجازة، فإن فوت العبد المال من يده قبل أن يعتق

[ 451 ]

ببيع أو هبة بطلت الصدقة والعتق. قاله في الصدقة في كتاب الاعتكاف. والعتق مقيس عليها إلا أن يفرق بينهما مفرق لحرمة العتق وهو بعيد، فإن رد السيد ذلك وبقي بيده حتى عتق ولم يفوته لم يلزمه شئ. قاله في المدونة في الصدقة والهبة. والعتق مقيس على ذلك انتهى. ويخرج أيضا بقول المؤلف: بلا حجر الزوجة فيما زاد على الثلث، فإذا أعتقت عبدا فإن حمل الثلث جاز، وإن حمل بعضه فالمشهور أن للزوج رد الجميع، فإن أعتقت ثلث عبد لا تملك غيره، فهل له رده أو يمضي ؟ فيه قولان ذكرهما في التوضيح في باب الحجر. وانظرها في رسم سن من سماع ابن القاسم من العتق. ويخرج أيضا المريض فيما زاد على الثلث. فإذا أعتق عبدا لا يملك غيره مضى منه الثلث والله أعلم. وخرج أيضا المرتد. قال في الشامل في باب الحجر: وحجر لردة فلا يعد تصرف مرتد حجرا عليه، وظاهره ولو أسلم بعد ذلك والله أعلم. وتقدم في باب الججر الكلام على الحجر بالردة. ويخرج أيضا المدين إذا فلسه الامام، وأما من أحاط الدين بماله فيخرج بقوله: وإحاطة دين. قال ابن عبد السلام: فإن قلت: لا شك أن أحد أسباب الحجر إحاطة الدين بماله، فإذا انتفى الحجر عموما انتفى كون الدين محيطا. قلت: السبب الحقيقي هو الفلس وهو متأخر عن إحاطة الدين، وقد علم أن من الافعال ما يصح فعله من الذي أحاط الدين بماله ولا يصح من المفلس المحجور عليه. وعلى هذا فالحجر لاجل الفلس أخص من إحاطة الدين، ونفى الاخص الذي هو الحجر للفلس نفي للاعم الذي هو إحاطة الدين. انتهى وفيه نظر، لانه قد سلم أن إحاطة الدين مما يقع به الحجر ولو في بعض الاشياء، والمقصود في قول المؤلف وابن الحاجب بلا حجر نفي مطلق الحجر لا نفي الحجر من الوجود، وإلا لخرج حجر الزوجة والمريض تنبيهات: الاول: قول المؤلف: إنما يصح هل مراده إنما يصح ويلزم، أو مراده مطلق الصحة وإن لم يلزم ؟ فإن أراد الاول فليس في كلامه ما يدل عليه ومع ذلك فيرد عليه الكافر فإنه إذا أعتق عبده الكافر لا يلزمه عتق مع أنه يصدق عليه أنه مكلف لا حجر عليه، لان الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. قال في العتق الثاني منها في ترجمة من أعتق من الغنيمة قبل قسمها: وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه قضى عليه بعتقه لانه حكم بين مسلم وذمي، ولو دخل إلينا حربي بأمان وكاتب عبدا له أو أعتقه أو دبره ثم أراد بيعه فذلك له، وكذلك النصراني إذا أعتق عبدا له نصرانيا ثم أراد أن يرده في الرق أو يبيعه فذلك له إلا أن يرضى أن يحكم عليه بحكم الاسلام. قوله: فذلك له قال ابن يونس: ولا يحال بينه وبين ذلك إلا أن يكون أبانه عنه. ونحوه في الجنايات انتهى. وكذلك ورد في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى مطلقا فقال ابن رشد: ظاهر الرواية أن للنصراني أن يرجع في عتق عبده

[ 452 ]

النصراني ما دام على النصرانية لا يمنع من ذلك وإن كان لما أعتقه قد خلى سبيله وخرج عن خدمته مثل قول ابن القاسم في المكاتب منها خلاف ما في جنايتها أن ذلك له ما لم يخرجه من يده، لان قوله: إذا لم يخرجه من يده يدل على أن له أن يرجع في عتقه بعد إسلامه إذا لم يخرجه من يده خلاف ما في كتاب المكاتب. فتحصيل المسألة أنه إذا أعتقه وخلى سبيله وأخرجه من خدمته ثم أراد أن يرجع في عتقه قبل إسلامه، كان له على ظاهر هذه الرواية ولم يكن له على ما في جنايتها، وإن أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم ولم يكن خرج عن خدمته كان ذلك له على ما في هذه الرواية خلاف ما في كتاب المكاتب منها انتهى. ثم قال في المدونة: وكذلك لو كاتبه أو دبره ثم أراد بيعه لم يمنع إلا أن يسلم العبد وهو في يده فيؤاجر المدبر وتباع كتابة المكاتب. قيل له: فإن بتل النصراني عتق عبده النصراني أو دبره أو حلف بذلك ثم أسلم فحنث ؟ قال: إن حنث بيمينه في نصرانيته أو بعد إسلامه لا شئ عليه. وكذلك جميع أيمانه انتهى. فيخرج من قوله: وكذلك لو كاتبه إلى آخره أنه لو أعتقه ثم أسلم العبد وهو في يد سيده وأراد الرجوع له ليس له ذلك. وقال الشيخ أبو الحسن. قال ابن يونس: وظاهر كلام ابن القاسم أنه خلاف بين إسلام العبد وإسلام السيد، وهذا إذا لم يبن العبد عن نفسه انتهى. وقد حصل اللخمي جميع ذلك فقال: وإذا أعتق النصراني عبده المسلم لزمه ذلك لانه حكم بين مسلم ونصراني فيجري على حكم الاسلام. وإن أعتق عبده النصراني ثم أسلم العبد، فإن أسلم بعد أن رجع عن عتقه واسترقه لم يلزمه ذلك العتق، وإن أسلم بعد أن حاز نفسه لم يكن ذلك للسيد، وإن أسلم قبل أن يحوز نفسه وقبل أن يرجع عن العتق فقولان، والقياس أنه لا شئ عليه لانه لو رجع قبل إسلام العبد كان ذلك له ولم يؤخذ بما عقد، وإسلام العبد لا يوجب عليه ذلك العقد انتهى. وقد علمت من قول المدونة المتقدم. وكذلك لو كاتب عبده أو دبره أن الجاري عليه أنه لا يرجع. ثم قال اللخمي: وكذلك إن أسلم السيد وحده أو أسلم السيد ثم العبد، فإن كان الاسلام قبل أن يرجع في العتق لم يلزمه، وإن كان بعد أن حاز نفسه لزمه، وإن كان بقرب العتق قبل أن يرجع وقبل أن يحوز نفسه كان على الخلاف، وإن حلف بعتق عبده ثم حنث لم يلزمه وسواء حنث قبل الاسلام أو بعده، لان عقد الكفر غير لازم، وإذا أعتق النصراني عبده النصراني ثم امتنع من إنفاذ العتق لم يجبر عليه، ولو حوزه نفسه لم يكن له أن يرجع فيه انتهى. إلا أن يقال إن المؤلف مشى على القول بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة. فقد صح فيخرج الكافر بقوله: مكلف ويكون مراده إنما يصح ويلزم. وإن أراد المؤلف بقوله: إنما يصح مطلق الصحة وإن لم يلزم فيرد عليه أن غالب ما احترز عنه صحيح ويتوقف لزومه على إجازة الغير كعتق المريض والمرأة والعبد والمدبر فتأمله والله أعلم.

[ 453 ]

الثاني: قوله: بلا حجر يغني عن قوله: مكلف والله أعلم. وكلام الجواهر نحو كلام المصنف فإنه قال: المعتق كل مكلف بلا حجر انتهى. الثالث: قال ابن عرفة: وقول ابن شاس وابن الحاجب وقبله شارحاه وله أركان: الاول المعتق يقتضي أن المعتق جزء من العتق وليس كذلك إلا أن يريد وأركانه الحسية لمتوقف وجوده حسا عليها كاللحم والعظم والدم للانسان لا أركانه المحمولة عليها كالحيوان والناطق للانسان انتهى. ومن المعلوم أنهم لم يريدوا إلا الاركان الحسية المتوقف وجوده عليها حسا. وانظر لم أخر الاعتراض إلى هنا ؟ وهلا أورده من أول الذكاة والصيد فتأمله والله أعلم. ص: (ولغريمه رده أو بعضه) ش: أي ولغريم المدين رد عتقه إن أحاط الدين بماله، وإن لم يحط الدين بماله فللغريم رد بعض العبد حتى يستوفي حقه. تنبيهات: الاول: تقدم في باب التفليس أنه محمول على الجواز حتى يتحقق أنه وقت العتق عليه دين يستغرق ما بيده فانظره.

[ 454 ]

الثاني: ظاهر قول المصنف: ولغريمه رده أن ذلك للغريم دون أمر الامام. والذي في المدونة ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة أن العتق لا يرده إلا الامام. قال ابن عبد السلام: واختلف في عتق المديان. هل هو موقوف على إجازة الغرماء وهو مذهب مالك وأكثر أهل المدينة، أو هو جائز ما لم يفلس ويحجر عليه الحاكم وهو مذهب جماعة خارج المذهب ؟ وعلى الاول لا يرد الغرماء إن أرادوا ذلك حتى يرفعوا إلى الحاكم فهو الذي يحكم بالرد بعد إثبات موجب ذلك عنده، فإن ردوه وباعوه فإن الامام يرد بيعهم وينظر في أمرهم، فإن ثبت عنده موجب بيعه باعه وإلا تم عتقه انتهى. وقال في المدونة في أواخر العتق الاول: ومن رد غرماؤه عتقه فليس له ولا لغرمائه بيعهم دون الامام، فإن فعل أو فعلوه ثم رفع إلى الامام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق انتهى. ونقله ابن عرفة في أول العتق. الثالث: ظاهر كلامه أن للغريم رد العتق ولو طال. قال ابن رشد في الاجوبة: وأما عتق من أحاط الدين بماله فلا اختلاف أنه لا يجوز إلا أن يجيزه الغرماء. واختلف إن لم يعلموا حتى طال الامر وجازت شهادته وورث الاحرار فقيل لهم أن يردوه، وقيل ليس لهم أن يردوه لاحتمال أن يكون قد أفاد في خلال المدة ما لا يعلم به ثم ذهب مع حرمة العتق، فإن كانت الديون التي عليه قد استغرقت من تبعات لا تعلم أربابها نفذ عتقه على كل حال ولم يرده وكان الاجر لارباب التباعات والولاء للمسلمين. انتهى من مسائل الشركة

[ 455 ]

الرابع: قال في المدونة: وإذا باعهم الامام عليه في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كانوا أرقاء ولا يعتقون انتهى. الخامس: قوله: أو بعضه قال في التوضيح: فإن لم يوجد من يشتريه إلا كاملا بيع جميعه. واختلف فيما يبقى قال ابن حبيب: يصنع ما شاء. وقيل: يستحب أن يجعله في عتق وإليه ذهب اللخمي. أما لو أعتق عبدين لا مال له غيرهما وقيمتهما أكثر من الدين ونحن إن بعنا منهما بالحصص لم يفيا بالدين فقال ابن عبد الحكم: يقرع بينهما على أيهما يباع للدين وهو ظاهر. السادس: إذا بعض العتق وأراد مالك بعضه سفرا وامتنع هو ففي ذلك ثلاثة أقوال. فقال مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الاقضية: إنه يسافر ويكتب له القاضي كتابا إن لم يكن مأمونا، واستدل بأن الحرية تبع للرق بدليل إجماعهم أن أحكامه أحكام الرق ما بقيت فيه شائبة. وقال أيضا في سماع أشهب من الشركة: إن السيد إن كان مأمونا سافر به وإلا فلا. والثالث رواه البرقي عن أشهب أنه ليس له السفر به مطلقا. وإن كان مأمونا والعبد مستعربا لانه ملك من نفسه ما يملك الشريك فصار شريكا في نفسه. ابن رشد: وهو محض القياس وحكاه أيضا عن أشهب. ابن المواز وابن حبيب. قال ابن حبيب: ولو أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها من الحواضر كان له ذلك ولو كره العبد. فرع: قال ابن رشد: وإذا قضى له بالخروج كانت نفقته وكراؤه عليه في سفره حتى يقر قراره في موضع يكون له فيه عمل ومكتسب فيكون له أيام وللسيد أيام. انتهى من الرسم المذكور. تنبيه: قال فيه أيضا: معنى قوله يكتب له كتابا أي إلى قاضي البلد الذي يسافر لها ويشهد له شاهدين ممن يسافر معه فيشهدهما على الكتاب وعلى عين العبد وليس على ظاهره، لان العبد لا ينتفع به في المكان الذي يذهب إليه بكتاب يكون بيده إلا ببينة عليه إذ لا يحكم بكتاب القاضي دون بينة تنقله وتشهد عليه انتهى. وانظر منتخب الاحكام قبل أبواب النكاح

[ 456 ]

وفي آخره أيضا. وانظر اللخمي في كتاب العتق الثاني، وانظر رسم العتق من سماع أشهب ورسم شك ورسم البز ورسم نذر سنة الجميع في سماع ابن القاسم من كتاب العتق. قال: في هذه المواضع مسائل تتعلق بالمعتق بعضه والله أعلم. ص: (كأن اشترى نفسه فاسدا) ش: قال في كتاب العتق الثاني من المدونة: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا فقد تم بيعه ولا يرد ولا يتبعه السيد بقيمة ولا غيرها. ابن يونس: يريد ويكون للسيد ما باعه به غررا كان أو غيره، وكأنه انتزعه منه وأعتقه. ثم قال في المدونة بخلاف شراء غيره إياه إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: هو حر ولا شئ عليه. قال ابن يونس: وقال أحمد ابن ميسر: إن أعتقه على خمر في يديه فهو حر ويكسر عليه، وإن كان يتبعه به فهو بيع فاسد وعليه قيمة رقبته. ابن يونس: وقول ابن ميسر وفاق للمدونة، ومسألة المدونة إنما هي على أنه اشتراه بخمر مضمون. انتهى. ص: (والشقص إلى آخره) ش: نزلت مسألة وهي رجل

[ 457 ]

له مماليك بمكة مثلا وله مماليك بغيرها فشكا إليه إنسان مماليكه الذين بمكة فقال عبيدي أحرار وقال إنه أراد من بمكة، فهل يقبل قوله ؟ انظر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب العتق. ص: (وهو في خصوصه وعمومه إلى قوله إلا الاجل) ش: يعني أن العتق مثل

[ 458 ]

الطلاق فيما ذكر إلا في الاجل فإنه إذا أعتق لاجل فإنه يلزمه. مسألة: من أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم يعتقن قال مالك: هو غير جائز وينظر السلطان، فإن رأى بيعهن بعن، وإن رأى عتقهن عتقن. قال ابن رشد: وجه نظر الامام في ذلك أن من كانت تعلم أنها لا تعيش سبعين سنة مثل بنت الاربعين فأكثر فإنها تباع لان العتق لا يدركها فهو كمن أوصى بعتقها بعد موتها، ومن كانت يمكن أن تعيش ذلك كبنت العشرين فأقل عجل عتقها إذ لا يجوز أن تباع ولعل العتق يدركها، ولا أن تحبس سبعين سنة لما في ذلك من الضرر عليها لقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره، فهذا معنى قول مالك لا أن السلطان يعمل بهواه. انتهى من رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب العتق.

[ 459 ]

فرع: قال في كتاب الوصايا الاول من المدونة: ومن أوصى بعتق أمته إلى أجل والثلث يحملها فعجل الوارث عتقها قبل الاجل، جاز ولا رجوع له عليها وهو وضع خدمة والولاء للميت. وإن كانا وارثين فأعتقها أحدهما فعتقها ها هنا وضع خدمة، فيوضع حق هذا من الخدمة ويكون نصيبه منها حرا، ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها وتخدم هي الآخر نصف

[ 460 ]

خدمتها إلى تمام الاجل ثم تخرج حرة انتهى. قال أبو الحسن: هذه مثل مسألة الشريكين في العبد يكاتبانه ثم يعتق أحدهما حصته إنما هو وضع مال، وأما العتق فبعقد الكتابة، وكذلك هذه إنما المعتق الموصي لا الورثة. انتهى. ص: (وعتق بنفس الملك الابوان) ش: تصوره واضح. فرع: قال في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق: قال وسمعته يسأل أيملك الرجل أمه أو أخته من الرضاعة ؟ فقال: نعم في رأي وغير ذلك في خير. قيل له: ولا يعتقان عليه ؟ قال: نعم. قال ابن رشد: هذا صحيح بين لا اختلاف فيه انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: أما الاب والاخ من الرضاعة فالمشهور عندنا أنه لا يعتق انتهى. ويفهم منه أنه يعتق على القول الشاذ، فانظره مع ما حكى ابن رشد من الاتفاق. فرع: منه أيضا: الخنثى المشكل إذا كان عبدا وولد له من ظهره وبطنه فملك أحد الاخوين أخاه، فهل يعتق عليه ؟ لم أر فيه نقلا فلينظر انتهى. ص: (وإن سفل) ش: قال ابن

[ 461 ]

فرحون في شرح ابن الحاجب في النكاح في تقديم الاولياء سفل بفتح الفاء. وقال الجزولي في شرح الرسالة في الفرائض: زعم بعضهم أنه لا يقال سفل بالضم. وقال في القاموس: وقد سفل ككرم وعلم ونصر. انتهى فجعله مثلثا والله أعلم. ص: (وإن بهبة أو صدقة أو وصية إن علم المعطي ولو لم يقبل) ش: يعني أن من ملك أحدا من قرابته المذكورين يعتق عليه وإن كان ملكه بهبة بأن وهب له سواء كانت هبة ثواب أو غيرها أو بصدقة، وإن تصدق به عليه، أو بوصية بأن أوصى له به وحمله الثلث فإنه يعتق عليه، قبله أم لا. ولا يشترط أن يعلم المعطي - بكسر الطاء - أنه ممن يعتق على المعطى - بفتح الطاء - هذا معنى كلامه وكلام ابن الحاجب وابن عبد السلام والتوضيح وابن عرفة والشامل. وليس في المدونة تعرض لهذا القيد وإنما ذكره في التوضيح وغيره فيما إذا وهب له أبوه وعليه دين ولم يعلم الواهب أنه أبوه، فهل يباع ؟ تردد في ذلك ابن رشد، وجزم ابن يونس والمازري أنه يباع في الدين لانه لم يقصد به العتق. قاله في باب التفليس. قال في باب الولاء منها: ومن أوصى له بمن يعتق عليه والثلث يحمله عتق عليه، قبله أم لا ؟ وله ولاؤه ويبدأ على الوصايا. ثم إني وقفت على كلام ابن رشد في البيان فرأيته صرح بهذا القيد في رسم القطعان من سماع عيسى من العتق وفي رسم المكاتب من

[ 462 ]

سماع عيسى من الصدقات. وأما مفهوم هذا القيد فلم أر من صرح به، لا ابن رشد ولا غيره. ونص ما في سماع عيسى: قوله إنه إذا وهب له من يعتق عليه أو تصدق به عليه أو أوصى له به فحمله الثلث أن الولاء له، قبله أم لم يقبله، وأنه إذا وهب له شقص منه أو أوصى له به فلم يحمله الثلث أنه إن قبل قوم عليه الباقي، وإن لم يقبل عتق منه ما وهب له أو ما حمله الثلث وكان الولاء له على كل حال هو قوله في المدونة. ووجهه أنه لما وهبه له أو تصدق به عليه أو أوصى له به وقد علم أنه يعتق عليه إذا ملكه ولم يكن على يقين من قبوله إياه، حمل على أنه أراد عتقه عنه فكان الولاء له، قبله أم لا انتهى. ونحوه في الموضع الثاني من الصدقات، فمن وقف على غير هذا فليفده والله الموفق. ص: (وبالحكم إن عمد لشين برقيقه) ش: هذا هو المشهور. وقيل: يعتق بنفس المثلة. قال الشيخ يوسف بن عمر: وعلى الاول فله أن ينتزع ماله قبل الحكم، وعلى الثاني يتبعه ماله انتهى. وقوله برقيقه دخل فيه القن ومن فيه شائبة حرية وهو كذلك. قال في المدونة: ومن مثل بعبده أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لام ولده عتقوا عليه. ثم قال: وإن مثل بمكاتبه عتق عليه وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه فيكون عليه من ذلك ما على الاجنبي ويقاص بالارش في الكتابة. فإن ساواها عتق عليه، وإن نافت عليه الكتابة عتق ولا يتبع ببقيتها، وإن ناف الارش عليها اتبع المكاتب لسيده بالفضل وعتق عليه انتهى. فرع: قال ابن أبي زيد في مختصره محمد بن المواز قال أشهب: إذا مثل بعبده وعليه دين يحيط بماله أنه يعتق بماله وإن أحاط الدين به لانه عتق جناية حدها العتق، وكذلك في العبد يمثل بعبده، وكذلك قال في المولى عليه يمثل بعبده. وقيل: لا يعتق بالمثلة على العبد والمديان والسفيه وهو الذي رجع إليه ابن القاسم في السفيه، وكان يقول: يعتق ولا يتبعه ماله. وقال ابن وهب: يعتق ويتبعه ماله انتهى. فرع: قال في المدونة: قال يحيى بن سعيد: ويعاقب من مثل بعبده ويعتق عليه انتهى. ص: (أو برقيق رقيقه) ش: شمل الرقيق المكاتب وليس كذلك. قال في المدونة: وإن مثل بعبد

[ 463 ]

مكاتبه لم يعتق عليه وكان عليه إلا أن يكون ما نقصه مثلة مفسدة فإنه يضمنه ويعتق عليه. وكذا في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده انتهى. ص: (أو لولد صغير) ش: يعني وكذا يعتق عليه رقيق ولده الصغير إذا مثل به ومثل الصغير المولى عليه الكبير. قال في العتق الثاني من المدونة إثر كلامه المتقدم: وكذلك إن مثل بعبد لابنه الصغير فإنه يعتق عليه إن كان مليا ويغرم قيمته انتهى. قال اللخمي في كتاب العتق الثاني: فصل: ومثلته بعبد ولده الصغير كمثلته بعبد نفسه إن كان موسرا بقيمته، وإن كان معسرا لم يقوم عليه. قال: وهو بمنزلة ما لو أعتقه وليس بالبين لانه إنما ألزم القيمة إذا أعتقه لانه ألزم ذلك رضي أن يأخذه لنفسه بقيمته، وليس تعديه بالمثلة رضا بعتقه، وتمثيله بعبد ولده الكبير بمنزلة مثلته بعبد غيره من الاجنبيين إلا أن يكون الولد سفيها في ولاية أبيه فيعتق على قول ابن القاسم انتهى. ونقله ابن عرفة ونقله في التوضيح وزاد بعد قوله من الاجنبين ما نصه: لا يعتق عليه إلا أن تبطل منافعه انتهى. وفي الفصل الرابع من القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون مسألة: لو جنى رجل على عبد رجل جناية مفسدة غرم قيمته وعتق عليه وإن كره سيده على الاصح. وقيل: إن اختار أخذه فله ذلك انتهى. وقد تقدم للمصنف في فصل التعدي حيث قال: وعتق عليه إن قوم ولا منع لصاحبه في الفاحش على الارجح. انتهى والله أعلم. تنبيه: قال في المقرب: ومن مثل بعبيد امرأته عوقب وضمن ما نقص إلا أن تكون مثلة فاسدة فيضمن قيمتهم ويعتقون عليه انتهى. وتقدم لفظ المدونة في ذلك في القولة التي قبلها. ص: (كقطع ظفر إلى آخره) ش: هذه أمثلة المثلة. وكذلك إذا خصاه قال في عتقها الثاني: وإن قطع أنملة من أصبع عبده عمدا أو أحرق شيئا من عبيده بالنار على وجه العذاب أو خصاه

[ 464 ]

قال ربيعة: أو قطع حاجبيه قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالمبرد أو قلعها على وجه العذاب، فهي مثلة يعتق عليه بها انتهى. ونقله ابن أبي زمنين في المقرب والمنتخب. ولفظة: قال مالك: ومن خصى عبده عتق عليه انتهى. وقال ابن أبي زيد في مختصر المدونة: والمثلة التي يعتق بها العبد على سيده قطع، وكذلك إن قطع أنملة العبد أو خصاه. قال ربيعة: أو قطع حاجبيه. قال ابن القاسم: أو قلع أسنانه على وجه العذاب، وكذلك أفتى مالك وغيره في التي سحلت أسنان جاريتها. ولو أحرقه بالنار على وجه العذاب عتق وإن كواه تداويا لم يعتق انتهى. وانظر اللخمي والزناتي وكلام التوضيح في أواخر الجهاد عند قول ابن الحاجب ولو سرقوا في معاهدتهم نص ما في التوضيح مالك وغيره: وإن خصاء المستأمن أو المعاهد عبده لا يعتق عليه وكأنه خصاه ببلده انتهى. وكلام اللخمي والزناتي هو أنهما جعلا العتق بالمثلة على أربعة أوجه، يعتق في واحد ولا يعتق في ثلاثة. فالذي يعتق فيه أن يكون عمدا على وجه العذاب، والتي لا يعتق فيها أن يكون خطأ أو عمدا على وجه المداواة والعلاج أو شبيهة بالعمد وليست بصريحة مثل أن يحذفه بسيف أو سكين فيبين منه عند ذلك عضو. قال ابن دينار في شرح ابن مزين: لا يكون مثلة بضربة أو رمية وإن كان عامدا لذلك إلا أن يكون عامدا للمثلة بضجعة فيمثل به وفي مثل ما يستقاد للابن من أبيه وهذا صحيح، لان الغالب شفقة الانسان على ماله

[ 465 ]

وقد يريد تهديده ولا يريد خروجه عن ملكه بالعتق عن المثلة، وقد يريد المثلة حقيقة فإذا احتمل فعله الوجهين حلف أنه لم يقصد ذلك وترك. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا ضرب رأسه فنزل الماء في عينيه لم يعتق عليه لانه يحتمل أن يكون قصد ضرب الرأس دون ما أحدث. انتهى من اللخمي ونقله الزناتي وغيره. فانظر على هذا إذا خصى الانسان عبده فإن كان قاصدا لتعذيبه فإنه يعتق عليه كما لو غار السيد منه، فإن رآه يتعرض لحريمه أو ما أشبه ذلك فقصد بخصائه تنكيله بذلك كما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: كان لزنباع عبد يسمى سندر بن سندر فوجده يقبل جارية له فجبه وجذع أنفه، فعتقه رسول الله (ص) وقال: من مثل بعبده وأحرقه بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله. ذكره اللخمي وغيره. وإن حصل للعبد في ذلك الموضع مرض فأدى علاجه ومداواته إلى خصائه لم يعتق عليه، وأما إذا خصاه لا لتعذيبه ولا لقصد المداواة بل ليزيد ثمنه فمفهوم أول كلام اللخمي أنه لا يعتق عليه وإن كان ذلك لا يجوز بالاجماع كما نقله الجزولي وغيره. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى في سورة النساء * (ولاضلنهم) * ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله، وكذلك قطع سائر أعضائه من غير حد ولا قود. قاله أبوعمران انتهى. وقال في تفسير قوله تعالى: * (فليغيرن خلق الله) *. واعلم أن الوسم والاشعار مستثنى من نهيه (ص) عن شريطة الشيطان ومن نهيه عن تعذيب الحيوان بالنار. والوسم الكي بالنار وأصله العلامة. وثبت في صحيح مسلم عن أنس أنه قال: رأيت في يد رسول الله (ص) الميسم وهو يسم إبل الصدقة والفئ وغير ذلك حتى يعرف كل مال فيؤدي حقه ولا يتجاوز به إلى غيره انتهى. وفي المسائل الملقوطة مسألة: ولا يجوز بيع الخصي والمجبوب لانه بمجرد الفعل عتق على مالكه. وقيل: يجوز بيعه إذا كان سيده كافرا انتهى. ص: (وبالحكم جميعه إن أعتق جزءا) ش: قال ابن رشد: سألني سائل أن أوضح له معنى قول القاضي أبي محمد في التلقين ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء ومن بعض العتق باختيار له أو بسببه لزمه تكميله كان البعض له أو لغيره بشرطين: أحدهما وجود ثمنه، والآخر بقاء ملكه. وقيل: في هذا يلزم في ثلثه وسواء كان أحد الثلاثة مسلما أو ذميا. فقلت: أما قوله ولا يجوز تبعيض العتق فهو كلام ليس على حقيقته ظاهره لان تبعيض العتق هو أن

[ 466 ]

يعتق الرجل بعض عبده أو شقصا له في عبد، ومن فعل ذلك لزمه العتق ومضى بلا خلاف ولزمه فيه حكم وهو التتميم، لان النبي (ص) إنما قال من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل ولم يقل من أعتق شركا له في عبد لم يجز. ولو قال ذلك لوجب أن يرد عتق من أعتق بعض عبده أو شقصا له، ولا يصح أن يطلق في العتق أنه غير جائز إلا فيما يجب رده كعتق عبد غيره فمراده رضي الله عنه بقوله ولا يجوز أي لا يجوز إقرار العتق مبعضا إلا أن يمنع من تتميمه مانع وهذا مفهوم لا إشكال فيه وإنما ذكرنا وجه مراده لنبين أنه ليس على حقيقة مقتضى كلامه وأن فيه تجاوزا وللمخاطب أن يجاوز في اللقطة إذا أمن إشكال المعنى. انتهى. فرع: إذا أعتق أحد الورثة نصيبه من عبد من عبيد الميت فإنه يقوم عليه ويعتق جميعه. ويفهم ذلك من كلامهم في مسألة من أقر أن أباه أعتق عبده. ذكرها في العتق الثاني في المدونة. ص: (إن دفع القيمة يومه) ش: أي يوم الحكم. قال ابن الحاجب: وعلى الاظهر يقوم

[ 467 ]

يوم الحكم لا يوم العتق. قال في التوضيح: هذا إذا أعتق نصيبه خاصة، وأما إن عم العتق فيوم العتق كما ذكرناه من كلامه في الجواهر. ص: (وعجل في ثلث مريط أمن) ش: هكذا قال في كتاب العتق الثاني من المدونة. فرع: قال ابن عرفة: قال ابن رشد في ثاني مسألة من رسم العتق من سماع أشهب: من أعتق شقصا من عبده أو عبد بينه وبين شريكه في المدونة لا خلاف أن ذلك من الثلث ما أعتق منه وما بقي إن مات من ذلك المرض ولم يصح منه. واختلف في تعجيل التقويم في المرض على قولين: أحدهما أنه لا يعجل ولا ينظر فيه إلا بعد الموت وهو نص المدونة، والثاني أنه يعجل التقويم في المرض وهو قائم من المدونة. وعليه فلا ينفذ العتق حتى يصح فيكون من رأس المال، أو يموت فتكون القيمة من الثلث ينفذ فيه ما حمل منها ورق الباقي للورثة أو الشريك، وسواء كان له مال مأمون أو لم يكن. وقيل: إن هذا إنما يكون إن لم يكن له مال مأمون، وأما إن كان له مال مأمون عتق في المرض جميعه إن كان له مال وقوم عليه فيه حظ شريكه إن كان له شريك وهو أحد قولي مالك في المدونة انتهى. ص:

[ 468 ]

(وتأجيل الثاني أو تدبيره) ش: يريد إذا كان الاول موسرا، وأما إن كان معسرا لا اعتراض على الثاني فيما فعل. نقله في التوضيح ص: (وإذا حكم ببيعه لعسر مضى) ش: قد تقدم أن من أعتق حصته في عبد وكان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وأنه لا يجوز لشريكه بيعه ويفسخ بيعه إن فعل، فإن كان معتق الحصة معسرا بقي سهم شريكه رقيقا يجوز له بيعه. فقال المؤلف رحمه الله هنا: وإذا حكم ببيعه لعسر أي إذا حكم بجواز بيع البعض الباقي من العبد المعتق بعضه لعسر المعتق، مضى الحكم بذلك ولا ينقض ليسره ثانية. قال في أواخر العتق الاول منها: وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر فرفع إلى الامام فلم يقوم عليه لعسره، ثم أيسر بعد ذلك فاشترى حصة شريكه لم يعتق. ولو رفع ذلك إلى الامام فلم يقوم عليه ولا نظر في أمره حتى أيسر لقوم عليه انتهى. وفرض المسألة في المدونة فيما إذا أعتق وهو معسر، وكلام المؤلف وابن الحاجب شامل لذلك. وأما إذا أعتق في حال يسره ولم يرفع أمره إلا بعد عسره فحكم القاضي بعدم التقويم عليه، فالظاهر أنهما سواء. وقد قال في المدونة قبله بيسير: وإن أعتق في يسره ثم قيم عليه في عسره فلا شك أنه لا يقوم عليه انتهى. ويريد في المدونة بقوله المتقدم: ولو رفع ذلك إلى الامام إلى آخره ما لم يكن بين العسر كما سيأتي في المسألة الآتية فإنه ذكرها في المدونة قبلها. ص: (كقبله ثم أيسر إن كان بين العسر) ش: يشير إلى قوله في المدونة: وإن أعتق معسر شقصا له في عبد فلم يقوم عليه شريكه حتى أيسر فقال مالك قديما: إنه يقوم عليه ثم قال: إن كان يوم أعتق يعلم الناس والعبد والمتمسك بالرق أنه إنما ترك القيام لانه إن خوصم لم يقوم عليه لعدمه فلا يعتق عليه،

[ 469 ]

وإن أيسر بعد ذلك، وأما لو كان العبد غائبا فلم يقوم حتى أيسر المعتق لنصيبه لقوم عليه بخلاف الحاضر، وإن أعتق في يسره فلم يطالب حتى أعسر ثم أيسر فقام شريكه حينئذ قوم عليه انتهى. ص: (إلا أن يبت الثاني فنصيب الاول على حاله) ش: ظاهر كلامه أنه لا يمنع التقويم إلا إذا بت الثاني وأنه لو أعتق الثاني نصيبه إلى ذلك الاجل لم يمنع وليس

[ 470 ]

كذلك، بل الحكم كذلك إذا أعتق الثاني حصته إلى الاجل الذي أعتق الاول إليه. قاله ابن رشد في رسم أوصى وفي رسم جاع من سماع عيسى من كتاب العتق، ونقله ابن عرفة، ونقله المصنف في التوضيح عن ابن القاسم في العتبية. ص: (وإن أعتق عبيدا في مرضه إلى

[ 471 ]

قوله أقرع) ش: انظر هذا مع قوله في التوضيح. قال في الوصايا إن المدبرين في الصحة إذا تعاقبوا قدم الاول فالاول وإلا فالمشهور أنه يعتق منهم بالحصص. وقيل: يقرع بينهم انتهى. إلا أن يقال ما في الصحة لا قرعة فيه وقد صرح هنا في التوضيح بأن العتق في الصحة لا قرعة فيه فتأمله والله أعلم. ص: (أو أثلاثهم) ش: يعني فيعتق من كل واحد ثلثه. قال أبو الحسن في أول كتاب الوصايا: قال عبد الحق: لو قال أثلاث رقيقي لفلان فإن لفلان ثلثهم بالقرعة بخلاف ما لو قال أثلاث رقيقي أحرار لانه في الوصية يكون شريكا في كل واحد،

[ 472 ]

ومن له شرك في رقيق جمع نصيبه في شئ‌بعينه عند ابن القاسم فليس كالعتق الذي لا بد

[ 473 ]

أن يكون في جميعهم إذ لا يستبد به بعضهم دون بعض والوصية لهم واحدة انتهى. وقال في المدونة: ومن قال عند موته أثلاث رقيقي أو أنصافهم أحرار، أو ثلث كل رأس، أو نصف كل رأس أعتق من كل واحد منهم ها ذكر إن حمل ذلك ثلثه ولا يبدأ بعضهم على بعض انتهى. فرع: وإذا قال عبيدي أحرار فلان وفلان وسكت عن باقيهم، فهل يعتق جميعهم أو من سمى ؟ انظر أحكام ابن سهل في الوصايا والمشذالي في الوصايا الاول. باب التدبير ص: (التدبير تعليق مكلف رشيد وإن زوجة في زائد الثلث العتق بموته لا على وصية) ش: هذا نحو قول ابن الحاجب عتق معلق على الموت على غير وصية. قال ابن عرفة: رده ابن عبد السلام بأنه تعريف بالاضافيات، وذكروا أنه يجتنب في التعريفات لاجماله. ابن عرفة: ما ذكره عنهم من اجتناب الاضافيات لا أعرفه حسبما تقرر في موضعه وليست الاضافة ملزومة للاجمال، ولذا وقعت في تعريفاتهم كثيرا كقول القاضي: القياس حمل معلوم بإضافة حمل إلى معلوم. وقولهم في التناقض هو اختلاف قضيتين. ولو اعترضه بالتركيب وهو وقف معرفة المعرف على معرفة حقيقة أجنبية عنه ليست أعم ولا أخ‍ ص كان صوابا. انتهى.

[ 475 ]

يعني بالحقيقة الاخرى الوصية. ص: (وقدم الاب على غيره في الضيق) ش: هذا الذي مشى عليه المؤلف هو الذي استظهره ابن عبد السلام من عند نفسه بعد أن قال: إن المنقول خلافه. واختصر المصنف كلامه في التوضيح ونصه: وإذا كان الابن بمنزلة أبيه، فهل يحاص أباه عند ضيق الثلث على المشهور في المدبرين في كلمة واحدة خلافا لابن ناجي الذي يقول: يعتق منهم محمل الثلث بالقرعة، أو يكون الاب مقدما في الثلث لانه تقديم تدبيره على تدبير ولده كالمدبرين أحدهما بعد الآخر. ابن عبد السلام: والثاني هو الظاهر والاول هو المنقول في المدونة وغيرها انتهى. فكلامه صريح في أن الذي استظهره خلاف المنقول. ونص المدونة: ما ولدت المدبرة أو ولد للمدبر من أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعده بمنزلتهما، والمحاصة بين الآباء والابناء في الثلث ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير قرعة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قوله والمحاصة إلى آخره الشيخ: لئلا يتوهم أنه يؤثر الآباء على الابناء كما في الحبس، وفي مسألة الحبس خلاف انتهى. ص: (وفسخ بيعه إن لم يعتق) ش: أي فإن أعتقه المشتري فإن عتقه ينفذ ولا يفسخ البيع ويكون الولاء للمشتري

[ 476 ]

ويكون جميع الثمن سائغا للبائع ولا يرجع عليه المبتاع بشئ وقاله جميعه في المدونة. فرع: قال أبو الحسن في كتاب التدبير من شرح المدونة: لو غاب المدبر يعني المبيع فعمي خبره قال أصبغ: القياس عندي إذا استعفى أمره فأيس منه أن ينزل منزلة الموت كما تعتد امرأة المفقود عدة الميت دون الحي. قال ابن المواز: هذا غلط وقد طلب عمر رضي الله عنه رد المدبرة التي باعت عائشة رضي الله عنها فلم يجدها فأخذ الثمن فجعله في جارية يدبرها. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: بجعل ثمنه كله في مدبر. قال أصبغ: هذا استحسان انتهى. انظر البيان في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب المدبر. ص: (وقوم بماله في الثلث) ش: هذا هو المشهور في المذهب. فرع: فإن دبره السيد في صحته واستثنى ماله بعد موته يعني بعد موت السيد جاز ذلك، فإذا مات السيد قوم المدبر ببدنه بغير ماله ويصير ماله من أموال السيد، وكذلك إذا دبره في مرضه واستثنى ماله، ومنع من ذلك ابن كنانة وقال: ليس مما جاءت به السنة ويتبعه ماله. قاله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المدبر. ص: (فإن لم يحمل إلا بعضه عتق وأقر ماله

[ 477 ]

بيده) ش: أي أقر ماله كله بيده. وقاله في المدونة ونقله ابن عرفة وغيره. وقوله في التوضيح أقر بيده نصف ماله سهو والله أعلم. ص: (وأنت حر قبل موتي بسنة إلى آخره) ش: هذه المسألة في رسم يوصي من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب العتق. قال ابن رشد فيها بعد ذكره قول ابن القاسم: قال الموثقون: وعلى قياس هذه الرواية أن من أراد أن يستخدم عبدا طول حياته ويكون حرا من رأس ماله بعد وفاته فيعتقه الآن قبل السبب الذي يكون منه وفاته بأجل يسميه، وذلك لا يصح إذ ليس للرجل بعد وفاته أكثر من ثلث ماله. والواجب إذا فعل ذلك أن يعجل عتقه باتفاق لان العتق قد حصل له بيقين، إما بقوله وإما بموته، فلا يصح أن

[ 478 ]

يمكن من اختدامه بشك إذ لا يدري لعله حر من الآن انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله. فرع: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: وإذا قال لعبده أنت حر قبل موته بكذا وكذا فيعجل عتقه على مذهب ابن القاسم، ولا عتق له على مذهب أشهب انتهى. ص: (وبطل التدبير بقتل سيده عمدا) ش: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم: إن قتل المدبر سيده خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته وكانت الدية عليه دينا ليس على العاقلة منها شئ، لانه إنما صنعه وهو مملوك. وإن قتله عمدا قتل به، فإن استحياه الورثة بطل تدبيره وكان رقا لهم. ابن رشد: قوله وتكون الدية عليه دينا صحيح على ما في المدونة وغيرها. قال أصبغ في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الديات: وهذا إذا حمله الثلث فإن لم يحمله عتق منه محمله وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه يؤخذ من ماله إن كان له مال ويتبع به دينا إن لم يكن له، ولا يدخل فيما يؤخذ منه من الدية ولا يعتق فيها منه شئ وقوله صحيح. وقوله

[ 479 ]

إنه يبطل إن كان قتله عمدا هو على قياس ما اجتمعوا عليه من أن القتل عمدا لا إرث له ممن قتله. قال ابن عرفة: قلت: وقتل أم الولد سيدها عمدا. قال الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: تعتق لانه عتق لازم من رأس المال وتقتل به إلا أن يعفو عنها ولا تتبع بعقل في الخطأ بخلاف المدبر. وقال عبد الملك: تتبع بمثله وعتقها من رأس المال انتهى. فرع: نقل الشيخ أبو الحسن الصغير في كتاب العتق الثاني في مسألة من أعتق عبده إن قدم أبوه: إن من قال لعبده اعمل على هذه الدابة فإذا ماتت فأنت حر، فإن إن قتلها عمدا فإنه يعتق. قاله سحنون. قال: كأم الولد تقتل سيدها عمدا فإنه لا يبطل ما جنت ما عقد عليها من العتق انتهى. كتاب الكتابة وأم الولد باب في بيان أحكام الكتابة والمكاتب ص: (ندب مكاتبة أهل التبرع) ش: يقال كتابة ومكاتبة وكتاب. قال الله تعالى:

[ 480 ]

* (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * وهي مشتقة من الاجل المضروب لنجومها فإن الكتابة هي الاجل. قال عز من قائل * (ولها كتاب معلوم) * أي أجل مقدر. ومنه قيل كاتب عبده أي وأجله على ذلك. وحدها في الشرع قال في التوضيح: عتق الرجل عبده على مال يؤديه منجما انتهى. كذا قال ابن عرفة هي عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه، فيخرج ما على مال معجل ولذا قال فيها: لا تجوز كتابة أم الولد ويجوز عتقها على مال، ويخرج عتق العبد على مال منجم على أجنبي انتهى. وقول المؤلف ندب يشير به إلى أن حكم الكتابة الندب قال في التوضيح: وهو مذهب المدونة. قال ابن عرفة: وهو المعروف، ومقابله قول بالاباحة في المذهب، وهذا الذي رواه ابن القصار وقاله مطرف وحكاه ابن الجلاب عن مالك. قال ابن عرفة: قال اللخمي: قال مالك في الموطأ: سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك يتلو * (وإذا حللتم فاصطاد) * و * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض) * فجعلها على الاباحة انتهى. وقال أهل الظاهر بوجوبها للامر بها في قوله تعالى * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * قال في التوضيح: واختلف في الخير المذكور في الآية، هل هو المال أو القدرة على الكسب أو الصلاح أو الدين أو الامانة إلى غير ذلك من الاقوال، والمنقول عن مالك في الموازية أنه القوة على الاداء انتهى. وفصل اللخمي في حكمها فقال على ما نقل عنه ابن عرفة: إن كان العبد لا يعرف بسوء وسعايته من المباح وقدر الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير فهي مندوب إليها، وإن كان قدر الكتابة أكثر منه بكثير فمباحة، وإن عرف بالسوء والاذاية فمكروهة إن كانت سعايته من حرام فهي محرمة انتهى. وقوله أهل تبرع هو فاعل المصدر وهذا هو الركن الاول من أركانها فإن لها أربعة أركان: المكاتب والمكاتب والصيغة والعوض. فالاول قال المؤلف هم أهل التبرع، فخرج الصبي والمجنون والسفيه المحجور عليه، ويرد عليه العبد المكاتب فإنه ليس من أهل التبرع وتصح كتابته على وجه النظر كما سيأتي. والمريض والمرأة فيما زاد على الثلث إذا لم يحابيا والله أعلم. ص: (بكاتبتك ونحوه بكذا) ش: هذا هو الركن الثاني وهو الصيغة. قال في اللباب: هو لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على العتق على مال منجم انتهى. وقال ابن الحاجب: الصيغة مثل كاتبتك على كذا في نجم أو نجمين

[ 481 ]

فصاعدا. قال في التوضيح: قوله مثل كتبتك يعني وأنت مكاتب أو معتق على نجمين. ثم قال: وظاهر قول المصنف في نجم أو نجمين أنه لا فرق بين ما قل من النجوم أو كثر، وهكذا ذكر ابن شعبان قال: ومن أصحابنا من يختار جعلها في نجمين انتهى. ونحوه في الذخيرة. وابن شاس وابن جزي. ونقل الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة قولا باشتراط كونها في نجمين انتهى. تنبيه: قال في المقدمات: مذهب الشافعي أن المكاتب لا يعتق وإن أدى جميع الكتابة إلا أن يشترط ذلك لنفسه في عقد الكتابة، وعند مالك وأبي حنيفة وأصحابهما وجمهور أهل العلم أن المكاتب يعتق إذا أدى جميع الكتابة وإن لم يشترط ذلك ولا يضره أن لا يقول له مولاه إذا أديت إلي جميع كتابتك فأنت حر، لان ذلك مفهوم من فعلهما وقصدهما وإن لم يذكراه انتهى. وقال ابن جزي: لان لفظ الكتابة يتضمن الحرية انتهى. وقال في الذخيرة: قال الشافعي: لفظ كاتبتك ليس صريحا فلا يعتق بالاداء إلا أن يقول: نويت إن أدى فهو حر لدوران الكتابة بين المخارجة والكتابة بالقلم فلا ينصرف لاحدهما إلا بالنية، ووافقنا أبو حنيفة. والجواب أنه مشتهر في الفرق في الكتابة المخصوصة فينصرف إليه من غير نية انتهى. فالحاصل من هذه النصوص المتقدمة أن الكتابة تكون باللفظ أو ما يقوم مقامه وأنه لا يشترط أن يقول له مولاه إذا أديت فأنت حر، وإن التنجيم المشترط عند من يقول به يكفي فيه أن يكون في نجم واحد والله أعلم. ص: (وظاهرها اشتراط التنجيم وصحح خلافه) ش: ظاهر كلام المؤلف

[ 482 ]

وابن الحاجب وغيرهما إن الكتابة الحالة لا تصح على ظاهر المدونة. وقال ابن عرفة: قول

[ 483 ]

الشيخ يعني في الرسالة وغيره لا يدل على منعها حالة بل على عدم صدق لفظ الكتابة عليها فقط فتأمله انتهى. وقال في المقدمات: والكتابة جائزة على ما تراضى عليه العبد والسيد من قليل وكثير، وتجوز على مذهب مالك حالة ومؤجلة، فإن وقعت مسكونا عليها نجمت لان

[ 484 ]

العرف التنجيم. هذا قول متأخري أصحابنا. وقال ابن أبي زيد في رسالته: والكتابة جائزة على ما رضيه العبد وسيده لن المال منجما. فظاهر قوله أن الكتابة لا تكون إلا منجمة وليس ذلك بصحيح على مذهب مالك انتهى. والكتابة الحالة تسمى بالقطاعة. قاله ابن راشد في اللباب ونصه: قال الاستاذ أبو بكر: وظاهر قول مالك أن التأجيل شرط في الكتابة. قال: وعلماؤنا

[ 485 ]

النظارة يجيزون الكتابة الحالة ويسمونها القطاعة انتهى. وتطلق القطاعة أيضا على ما يفسخ السيد فيه كتابة العبد. قال في التنبيهات: والقطاعة بفتح القاف وكسرها أيضا هي مقاطعة السيد عبده المكاتب على مال يتعجله من ذلك وأخذ العوض منه معجلا أو مؤجلا، وكأنه ما انقطع طلبه عنه بما أعطاه وانقطع له بتمام حريته بذلك، أو قطع بعض ما كان له عنده من جملته، وهذا جائز عند مالك وابن القاسم بكل ما كان وبما لا يجوز بين رب المال وغريمه عجل العتق لقبض جميعه أو أخره لتأخير بعضه عجل قبض ما قاطع عليه أو أخره، وسحنون لا يجيزها إلا بما يجوز بين الاجنبي وغريمه انتهى. وقال في الذخيرة: الفعالة بالفتح للسجايا الخلقية كالشجاعة، وبكسرها للصنائع كالتجارة والخياطة، وبضمها لما يطرح كالنخالة والزبالة وهذه الاستعمالات أكثرية غير مطردة. والقطاعة هي بيع الكتابة بشئ آخر فهي نوع من التجارة والصناعة فالكسر فيها أنسب انتهى. تنبيه: وعلى القول باشتراط التنجيم وهو التأجيل فيكفي أن يجعل الكتابة كلها في نجم واحد كما تقدم. وقوله وصحح خلافه قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: وهو المشهور انتهى والله أعلم. ص: (وتزويج) ش: يعني أنه ليس للمكاتب أن يتزوج. قال في كتاب المكاتب منها: وليس للمكاتب أن يتزوج وإن رآه من وجه النظر أو يسافر إلا بإذن سيده، اشترط ذلك السيد عليه أم لا، إلا ما قرب من السفر مما لا ضرر فيه لحلول نجم أو غيره فذلك له انتهى. قاله ابن الحاجب. ويتزوج بإذنه. قال في التوضيح: ظاهره أنه لا يفتقر لاذن غيره وهو مقيد بما إذا لم يكن معه غيره. أشهب: وإن كان معه في الكتابة غيره فليس لسيده إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه إلا أن يكونوا صغارا فيفسخ على كل حال ويترك لها إن دخل ثلاثة دراهم ولا تتبعه إن عتق بما بقي انتهى.

[ 486 ]

فرع: قال ابن عرفة: إن تزوج بغير إذن سيده فأجازه جاز وإن رده فسخ ولها ثلاثة دراهم انتهى. وهذا في الذكر، وأما الانثى فيخرج ذلك على أنه هل له الجبر أم لا ؟ فرع: قال في المدونة: ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده، لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئا من ذلك وليرفع ذلك إلى السلطان. قال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الامام وإن نكح فرق بينهما وانتزع ما اعطى انتهى. ص: (وسفر بعد إلا بإذن) ش: قال اللخمي: اختلف في سفر المكاتب بغير إذن سيده، فمنعه مالك وقال: قد تحل نجومه وهو غائب. وأجازه ابن القاسم إذا كان قريبا قال: ولم يكن فيه كبير مؤنة فيما يغيب على سيده إذا حلت نجومه واختار هو المنع منه إن كان صانعا أو تاجرا قبل الكتابة لان القصد سعايته في الحاضرة إلا أن تبور صناعته الجارية فله السفر بحميل بالاقل مما بقي عليه من الكتابة أو من قيمته. وإن كان شأنه السفر ومنه سعايته لم يكن له منعه ولا عليه أن يأتي بحميل، وإن كان النجم يحل قبل رجوعه منع منه، وإن كان يعود قبل ذلك وكانت هناك تهمة أنه يبعد أو يتأخر منع إلا أن يأتي بحميل انتهى. ونقله ابن عرفة وقال بعده: قلت: الحمالة خلاف المذهب انتهى. ص: (فإن عجز عن شئ أو غاب عند المحل ولا مال له فسخ الحاكم) ش: أي فسخ الحاكم الكتابة وعاد العبد لما كان عليه قبل الكتابة من رق أو تدبير أو غير ذلك، فهو أحسن من قول ابن الحاجب رق والله أعلم. ص:

[ 487 ]

(وفسخت إن مات وإن عن ولد) ش: قال في المدونة: وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله، فإن مات دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات وأوصى بوصايا فلا وصية له انتهى. قال ابن يونس: قيل لابي عمران: فلو بعث كتابته في مرضه إلى سيده فلم يقبلها السيد حين وصولها إليه، هل يكون حرا ويرثه ورثته ؟ فقال: لا حتى يقضى عليه بذلك إلا أن تكون بموضع لا حاكم فيه فليشهد عليه فيكون

[ 488 ]

ذلك كالحكم انتهى. ص: (وإن وجد العوض معيبا أو استحق موصوف كمعين وإن بشبهة له إن لم يكن له مال) ش: هكذا في كثير من النسخ وهي مشكلة لانه لا وجه لها إلا أن تكون معطوفة على إن في قوله وفسخت إن مات وذلك يقتضي أن الكتابة تنفسخ إذا وجد العوض معيبا أو استحق، ونصوص المذهب صريحة بخلاف ذلك كما بينه ابن مرزوق فيما نقله عنه ابن غازي. وأما قول ابن غازي أنه يتمشى على أن المعنى وفسخت العتاقة ولا يكون حينئذ مخالفا للمذهب لولا ما عارضه من كلام ابن رشد في استحقاق العبد الموصوف فلي بظاهر، لانه يقتضي أنه إذا وجد العوض معيبا تفسخ العتاقة وهو مخالف لنص المدونة وغيرها كما سيأتي: ويوجد في بعض النسخ وإن وجد العوض معيبا فمثله أو استحق موصوفا

[ 489 ]

فقيمته كمعين بشبهة وإن لم يكن له مال اتبع به دينا. قال ابن مرزوق: وهذا الكلام أقرب إلى الاستقامة وموافقة النقل إلا أن قوله في المستحق إذا كان موصوفا يرجع فيه بالقيمة ليس كذلك إنما يرجع فيه بالمثل انتهى. وقبله ابن غازي. وليس بظاهر كما سيأتي من كلام ابن رشد الذي نقل ابن غازي بعضه، ولا شك أن هذه النسخة أقرب إلى الاستقامة وموافقة النقل فلنشرحها ونبين موافقتها للنقل. فقوله وإن وجد العوض معيبا فمثله يعني أنه إذا قبض السيد من المكاتب العوض يعني الكتابة يريد أو بعضها فوجد ما قبضه أو بعضه معيبا فله رده والرجوع بمثله. قال في التوضيح: وأصله لابن عبد السلام لان الكتابة إنما تكون بغير معين والاعواض غير المعينة إذا اطلع فيها على عيب قضى بمثلها انتهى. يريد ولا يرد العتق ولو كان عديما. قال في أول كتاب المكاتب من المدونة: وإن كاتبه على عبد موصوف فعتق بأدائه ثم ألفاه السيد معيبا فله رده ويتبعه بمثله إن قدر وإلا كان عليه دينا ولا يرد العتق. قال أبو الحسن: معنى المسألة أنه كاتبه على عبد مضمون ولو كان معينا لرجع بقيمته كالنكاح على عبد بعينه والخلع على عبد بعينه انتهى. وقوله أو استحق موصوف فقيمته كمعين يعنى به إذا استحق ما قبضه السيد من كتابة عبده أو قطاعته إذ لا فرق بينهما كما قاله في التوضيح وصرح به اللخمي كما سيأتي وكان موصوفا فإنه يرجع عليه بقيمة ذلك الشئ الموصوف كما يرجع عليه إذا استحق وكان معينا بقيمتها. أما المعين فلا إشكال أنه يرجع عليه بقيمته، وأما الموصوف فتبع في ذلك ما قاله ابن رشد في أول سماع أشهب ونصه: ولا اختلا ف إذا قاطع سيده على عبد موصوف واستحق من يده أنه يرجع عليه بقيمته ولا يرده في الكتابة انتهى. وقوله: وإن بشبهة شرط في مضي العقد والرجوع بالقيمة في استحقاق الموصوف المعين، ويعني به ما ذكره من أن المكاتب إذا دفع لسيده شيئا ثم استحق أنه يرجع عليه بقيمته إنما هو إذا كان له فيه شبهة. ومفهوم الشرط أنه إذا لم يكن له في العوض المستحق شبهة فإن

[ 490 ]

عتقه لا يمضي ويعود العبد مكاتبا. قال في البيان إثر كلامه السابق: وأما إذا قاطع سيده على شئ بعينه ولا شبهة له في ملكه غر به مولاه كالحلي يستودعه والثياب يستودعها وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز ويرجع في الكتابة على ما كان عليه حتى يؤدي قيمة ما قاطع به انتهى. وقوله وإن لم يكن له مال اتبع به دينا فيعني به أنه إذا لم يكن للمكاتب الذي دفع إلا المعيب والمستحق الذي له فيه شبهة مال، فإنه يتبع بالمثل والقيمة دينا في ذمته ولا تعود مكاتبته. قال في المدونة: قال ابن القاسم وغيره: إن غره سيده بما لم يتقدم له فيه شبهة ملك رد عتقه وإن تقدمت له فيه شبهة ملك مضى عتقه واتبع بقيمة ذلك دينا انتهى. قوله رد عتقه قال ابن يونس: يريد ويرجع مكاتبا انتهى. وقال في البيان في السماع المذكور: يتحصل في المكاتب يقاطع سيده من كتابته على شئ يعينه له فيه شبهة ثلاثة أقوال: أحدها أنه يرجع في الكتابة حتى يؤدي إلى سيده قيمة ذلك، مليئا كان أو معدما، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في الذي يؤدي كتابته من أموال غرمائه. والثاني أنه لا يرجع في الكتابة إلا أن يكون معدما وهو قول ابن نافع في المدونة. والثالث أنه لا يرجع في الكتابة. مليئا كان أو معدما، ويتبع بذلك إن كان معدما في ذمته وهو حر بالقطاعة، وهو قول أشهب في المدونة انتهى. قلت: وهو الذي يفهم من كلام ابن القاسم الذي نقلناه عن المدونة، وأما مسألة الغرماء فسيأتي أنها بمنزلة ما لا شبهة له فيه. وقال في المدونة: قال أشهب ابن نافع عن مالك في مكاتب قاطع سيده فيما بقي له عليه على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقا فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: هذا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال عاد مكاتبا. وقال أشهب: لا يرد عتقه إذا تمت حريته ويتبع ذلك. قالا عن مالك: وإن قاطعه على وديعة أودعت عنده فاعترفت رد عتقه انتهى. تنبيه: قال في المدونة: وإن أدى كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع من أموالهم فلهم أخذه ويرجع رقا، وإن لم يعلم ذلك مضى عتقه. قال ابن يونس: قوله: ويرجع رقا يريد مكاتبا وهذا من قوله يدل على أنه دفع إلى سيده شيئا تقدمت له فيه شبهة ملك أنه يرد عتقه ويرجع مكاتبا خلاف ماله بعد هذا انتهى. يشير إلى كلام المدونة السابق. قال الشيخ أبو الحسن الصغير: فجعل ابن يونس ما تقدم لهذا العبد من ملكه لهذا الذي دفع إلى السيد شبهة وإن كان أموال غرمائه، وجعله اللخمي ليس بشبهة لتسلط الغرماء على ذلك، فحمله ابن يونس على الخلاف. وحمله اللخمي على الوفاق انتهى. ونص ما في التبصرة اللخمي: قال الشيخ: إذا استحق من يد السيد ما أخذه من المكاتب أو عن المقاطعة، فإن كان المكاتب موسرا غرم مثل ما أخذ من السيد ومضى عتقه، وسواء كان له فيه شبهة أم لا. وإن كان معسرا افترق الجواب، فإن لم يكن له في ذلك شبهة

[ 491 ]

وإنما قضى من أموال الغرماء أو من وديعة ولا شئ له في الكتابة إن كان يرجى له مال، وإن كان لا يرجى رد في انرق وسقطت الكتابة، وإن كان له في ذلك شبهة اتبع بذلك في ذمته ولم يرده. وقاله ابن القاسم: ويحمل ذلك على أن السيد أعتقه عندما دفع ذلك إليه فلا يرد عتقه وإن لم يعتقه وإنما أخذ منه المال وتشاهدا أنه لا ملك له عليه لدفع المال. وأنه قد استحق الحرية بالخروج عن ملك سيده بذلك كان له أن يرده إلى الكتابة أو في الرق إذا كان لا يرجى له مال إلا أن يكون الاستحقاق بعد أن طال أمره، وجازت شهادته وورث الاحرار فيستحسن أن لا يرد انتهى. وقال الرجراجي: إذا قاطعه سيده على مال ثم استحق فتحصيله إن كان المكاتب موسرا غرم للسيد مثل ما أخذ منه أو قيمته إن كان مما يرجع إلى القيمة ومضى عتقه، وسواء تقدمت فيه شبهة ملك أم لا، ولا خلاف في ذلك. وإن كان معسرا ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها أن عتقه مردود جملة وهو قول مالك في أول الباب إذا علم أن ذلك من أموالهم. والثاني أن عتقه مدض ولا يرد ويتبعه وهو قول مالك وأشهب في الكتاب. والثالث التفصيل بين ما تقدمت فيه شبهة ملك فيمضي عتقه ويتبع بقيمة ذلك، وما لم يتقدم له فيه شبهة فيرد السيد عتقه فيه وهو قول الرواة في المدونة، وهو ظاهر قول أشهب في المكاتب يقاطع على وديعة. والقول الرابع بالتفصيل بين أن يطول الزمان أو يقصر. فيمضي عتقه مع الطول ويرد مع القرب. وعلى القول برد عتقه هل يرد إلى الرق أو إلى الحرية ؟ المذهب على ثلاثة أقوال، كلها مستقرأة من المدونة: أحدها أنه يرد إلى الرق لا إلى الكتابة وهو ظاهر قول ابن القاسم في الكتابة. والثاني أنه يرد إلى كتابته وهو قول الرواة. والثالث التفصيل بين أن يرجى له مال فيرد إلى الكتابة، أو لا يرجى له مال فيرد إلى الرق وهو اختيار اللخمي انتهى. تنبيه: قال ابن يونس: اختلف في معنى قوله في المدونة: فإن علم أن ما دفعه من أموالهم هل يريد أموالهم بعينها أو دفع وقد استغرق الدين ما كان بيده ؟ والذي أرى أنه إن دفع وهو مستغرق الذمة فلهم رده وإن لم تكن أعيان أموالهم لانها أموالهم أو ما تولد عنها، وكما لهم منع الحر من العتق والصدقة إذا كان مستغرق الذمة فكذلك لهم منع هذا من أن يعتق نفسه بهذا. وقد قال مالك بعد هذا: إذا كان المكاتب مديانا فليس له أن يقاطع سيده ويبقى لا شئ له لان غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز، وكذلك أداؤه جميع كتابته. ولا فرق بين أعيان أموالهم وأثمان ذلك وما اعتاض المكاتب منها أن ذلك كأعيان أموالهم والغرماء أحق به انتهى. وقوله: وإن لم يعلم أن ما دفعه إلى السيد من أموالهم هو ما دفع مما أفاده من عمل يده أو أرش خراجه أو دفعها بيده وليس بمستغرق الذمة وفيما بقي بيده وفاء لدينه. وإن أشكل ذلك قال بعض علمائنا: لا سبيل إلى نقض العتق، فإن اعترف السيد بذلك فالقياس أن ينفذ العتق ويرد على الغرماء ما قبض لاقراره أنهم أولى به منه انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا استحق من يد السيد ما أخذه من المكاتب عن كتابته أو عن قطاعته

[ 492 ]

فإنه إن كان موسرا أخذ منه مثل الذي استحق إن كان من ذوات الاموال وقيمته إن كان من ذوات القيم، سواء كان موصوفا أو معينا كما صرح به ابن رشد، وهو الذي يؤخذ من كلام الرجراجي وغيره خلافا لما قال ابن مرزوق: الموصوف يرجع فيه للمثل والله أعلم. ولا يرد العتق سواء كان له فيما دفعه شبهة أو لم يكن كما صرح به اللخمي والرجراجي خلاف ما قال ابن رشد في السماع المتقدم عن ابن القاسم فيما إذا كاتبه بما له فيه شبهة ثم استحق أنه يرجع إلى الكتابة، مليئا كان أو معدما وهو غير ظاهر، بل ظاهر المدونة أنه إذا كانت له فيه شبهة أنه لا يرد إلى الكتابة. وأما إذا لم يكن له فيه شبهة فظاهر كلام ابن رشد أو صريحه أنه يرجع إلى الكتابة بلا خلاف ولو كان موسرا وهو ظاهر المدونة خلاف ما يفهم من كلام الرجراجي واللخمي. وأما إن كان معسرا فلا يخلو إما أن يكون له شبهة فيه أم لا. فإن لم تكن شبهة فالذي عليه أكثر الرواة أنه يرجع إلى الكتابة. وقد قال ابن رشد في السماع المذكور: لا خلاف في ذلك، لكن نقل الرجراجي في ذلك خلافا وهو بعيد ولا يرجع إلى الرق إلا على القول الذي ذكره الرجراجي آخرا وهو بعيد أيضا. وأما تفصيل اللخمي بين من يرجى له مال أو لا فلا ينبغي أن يعد خلافا لان من لا يرجى له مال إذا رددناه للكتابة وعجز عنها رجع رقيقا والله أعلم. وأما إن كانت له فيه شبهة فاختلف في ذلك، فالذي عليه أكثر الرواة أنه يتبع بذلك في ذمته ولا يعود إلى الكتابة. وقال ابن نافع: يعود إلى الكتابة. وذكر الرجراجي قولا بأنه يعود رقيقا وهو بعيد، وما دفعه من أموال الغرماء فجعله في المدونة مما لا شبهة له فيه وهو ظاهر والله أعلم. تنبيه: إن قيل: لم قلتم إذا استحق ما قاطع به المكاتب يرجع بقيمته، ولم تقولوا يرجع ببقية الكتابة التي قاطع عليها كمن أخذ من دينه عرضا ثم استحق أنه يرجع بدينه ؟ قيل: الكتابة ليست بدين ثابت لانها تارة تصح وتارة لا تصح فأشبهت ما لا عوض له معلوم من نكاح أو خلع بعوض يستحق فإنه يرجع بقيمته ص: (وقليل كخدمة لغو) ش: تصوره واضح. فرع: لو شرط على مكاتبه أنه إذا شرب خمرا عاد رقيقا ففعل فليس له رده. قاله في النكت، ونقل هذا الفرع في التوضيح وسقط من بعض نسخه لفظة: ليس ففسد الكلام، وكأنه وقع في نسخة الشارح كذلك قال في الكبير إنه إذا فعل العبد ذلك رجع رقيقا، وكذا

[ 493 ]

في الشامل وتبعه البساطي، وقد نقلت لفظ النكت في حاشية الشامل فتأمله والله أعلم. ص: (رق كالقن) ش: أي فيخير سيده حينئذ في فدائه بأرش الجناية أو إسلامه. ص: (رجفوا بالعضلة) ش: قال الجزولي: فإن دفع إليه اثنان مالا ليؤديه في الكتاجة فدفع له مال أحدهما

[ 494 ]

وخرج حرا فإنه يرد مال الآخر إليه، وإن لم يعلم مال من بقي فإنهما يتحاصان فيه على قدر ما دفعا إليه. فرع: قال الجزولي: وكذلك كل من دفع إليه مال لامر ما إما لكونه عالما أو صالحا أو فقيرا ولم تكن فيه تلك الخصلة فإنه يرده ولا يأكله، فإن فعل فقد أكل حراما انتهى. وانظر حاشية المشذالي على المدونة في هذا المحل وتقدم الكلام على شئ من ذلك. ص: (وأنت حر على أن عليك ألفا أو وعليك لزم العتق والمال) ش: ذكر أهل المذهب هنا خمس صيغ وفي

[ 495 ]

بعضها خلاف مخرج، وما ذكره المصنف في هاتين المسألتين هو قول مالك. قال في التنبيهات: الاولى قوله: أنت حر وعليك ألف والعبد غير راض فيها ثلاثة أقوال: الاول قول مالك وأشهب إلزام السيد العتق المعجل والعبد المال بكل حال معجلا إن كان موسرا، أو دينا إن كان معسرا انتهى. وهو الذي اقتصر عليه المؤلف ثم ذكر القولين ثم قال: الثانية قوله: أنت حر على أن عليك ألفا فيها أربعة أقوال: قول مالك بإلزامه العتق والمال كما في الاولى انتهى. ثم ذكر بقية الاقوال والله أعلم. تنبيه: قال ابن الحاجب: وأنت حر على ألف عتق في المال والحال في ذمته. قال ابن عبد السلام: قوله: أنت حر على ألف من غير أن يقول تؤدي أو تدفع أو غير ذلك لا يفيد شيئا انتهى. وقال في التوضيح: قوله: عتق يريد إذا قبل العبد وهذا الكلام راجع إلى قوله: أنت حر على أن عليك كذا. وعلى هذه الصورة حمل ابن راشد كلام المؤلف يعني ابن الحاجب وقد ذكروا هاهنا صيغا إلى آخره ثم قال: واختلف في الاولى وهي: أنت حر على أن عليك ألفا على أربعة أقوال: الاول لمالك بإلزامه العتق وإلزام العبد المال، وسواء قال أنت حر الساعة مثلا أو لم يقل. وهو الذي اقتصر عليه المصنف انتهى. فانظر أول كلامه وآخره كيف قال أولا يريد إذا قبل العبد، وقال آخرا: مراد المصنف قول مالك بإلزام السيد العتق والعبد المال، ففي كلامه تدافع. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام ابن عبد السلام المتقدم: قلت: ظاهر كلام ابن عبد السلام أن هذا اللفظ الذي ذكره ابن الحاجب لغو. وقال عياض: المسألة الاولى أنت حر وعليك كذا أو على أن عليك كذا، هما سواء يعتق العبد وإن لم يرض. قلت: فهذه المسألة والتي ذكرها ابن عبد السلام سواء فتأمله انتهى. وهو الذي حمله ابن رشد عليه. فتحصل من كلام ابن الحاجب وفهم ابن راشد وابن عرفة أنه لا فرق بين أن يقول: أنت حر على ألف أو على أن عليك ألفا والله أعلم. تنبيه: ومثل قوله: أنت حر وعليك ألف قوله: أنت حر الساعة على أن تدفع إلي ألفا. قال أبو الحسن الصغير في كتاب العتق الثاني: قال ابن يونس: المحصول من قول مالك أنه إن قال أنت حر الساعة مثلا وعليك مائة دينار أو على أن عليك مائة دينارا وعلى أن تدفع إلي مائة دينار أنه حر ويتبع بالمائة أحب أم كره. وإن قال أنت حر ولم يقل الساعة مثلا ففي قوله أنت حر وعليك أو على أن عليك، ويعتق أيضا ويتبع مثل الاول، وإن قال على أن تدفع لا يعتق حتى يدفع لانه لم يبتل عتقه إلا بعد دفع المال انتهى. ومثله على أن تؤدي إذ لا فرق بينهما كما صرح به ابن رشد في المقدمات وعياض عن التنبيهات وغيرهما، وكذلك لو ل يقل الساعة ولكنه أراده فإنه بمنزلة ما لو تلفظ به. قاله في العتق الثاني من المدونة في الموضع الذي هذا شرحه وسيأتي لفظه والله أعلم. ص:

[ 496 ]

(وخير العبد في الالتزام والرد في حر على أن تدفع أو تؤدي أو إن أعطيت ونحوه) ش: هذه هي المسائل الثلاثة الباقية. وقوله: ونحوه معطوف على المجرور بفي ونحوه على أن تدفع إلي أو تؤدي إلي أو تعطيني أو تجيئني بكذا. قاله في التنبيهات. ونحوه إن أعطيت أو أديت أو جئتني أو إذا أو متى. وقاله في العتق الثاني من المدونة وإذا خير العبد في الرد والقبول فإن رد فلا كلام. وإن قبل فلا يعتق إلا بأداء. صرح به في العتق الثاني منها تنبيهات: الاول: لا ينجم عليه في هذه الصورة. قاله في المدونة أيضا. الثاني: قال فيها: ليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن (يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان بقدر ما يرى، وسيأتي الخلاف فيه في كلام عياض. الثالث: قال فيها أيضا: وإن دفع الالف عن العبد أجنبي أجبر السيد على أخذها وعتق العبد، ولو دفع العبد ذلك من مال كان بيد العبد فقال السيد ذلك المال لي فليس له ذلك لان العبد ها هنا كالمكاتب يتبعه ماله ويمتنع السيد من كسبه أيضا انتهى. الرابع: قال في المدونة: لو قال أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار إلى سنة فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل حر الساعة أو يرد ذلك لم يعتق العبد إلا بالاداء عند مالك ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رق. وقوله: إن جئتني بكذا أو إلى أجل كذا فأنت حر من القطاعة ومن ناحية الكتابة ويتلوم له كالمكاتب وليس له بيعه. قال أبو الحسن: قال اللخمي: ويحال بين السيد ومال العبد وخراجه. وله أن يسعى فيما لزم من المال ويضرب له من الاجل بقدر ما يرى أنه يحضره فيه، وإن لم يأت به تلوم له ولا يمكن العبد أن يطول على السيد فإن لم يحضره كان رقيقا انتهى. الخامس: قال عياض في التنبيهات بعد ذكره الخلاف في المسألة الخامسة وهي قوله إن أعطيتني ولكن يختلف هل تفويض في إن وإذا ومتى وللعبد ذاك وإن طال الزمان وهو قول مالك في المبسوط قال: له ذلك ما دام في ملكه وإن طال زمانه ويلزم ذلك ورثته من بعده. قال ابن القاسم: ولا سبيل إلى بيعه في هذه الوجوه ولا هبته حتى يوقف عند الامام

[ 497 ]

ويتلوم له أو يعجزه، ومثله في المدونة على قياس قول مالك. وفي العتبية: إن طال الزمان لم يلزم السيد ما جاء به ونحوه للمخزومي في المدونة والمبسوط. ومذهب سحنون أنه متى قاما من المجلس فلا حرية للعبد وإن جاءه بالمال انتهى. وقوله في هذه الوجوه يعني به المسائل الثلاث وهي على أن تدفع أو على أن تؤدي أو إن أعطيت. وهذا كلام عياض الموعود به، واشتمل أوله على مسألة وآخره على مسألة أخرى. السادس: إن قيل: ما الفرق بين قوله: أنت حر على أن عليك ألفا وبين قوله: على أن تدفع ؟ قيل: الفرق أنه إذا قال إن عليك ألفا فقد ألزمه ذلك ولم يجعله إليه وللسيد أن يلزم عبده ويجبره على العتق على المال وعلى التزويج. قاله أبو الحسن: وليس في هذه مصادرة لان الكلام مع من يسلم أن للسيد أن يجبر عبده ويلزمه ولكنه يسأل لم جعل هذا اللفظ يدل على الالزام وهذا لا يدل عليه. وإذا قال: على أن يدفع فقد جعل الدفع إليه فكأنه جعل للعبد في ذلك اختيارا. ونظرا لصرفه العمل إليه، وفي قوله: على أن عليك كأنه ألزمه ولم يجعل له في ذلك رأيا ولا اختيارا، بل ظاهره الجبر على الدفع فتأمله. وهذا مأخوذ من المقدمات ومن الرجراجي، وتقدم في كلام أبي الحسن شئ من هذا في الكلام على القولة الاولى والله أعلم. السابع: إذا كانت المقول لها أمة فكل ما ولدت بعد ذلك فإنه يعتق إذا أدت الالف وخرجت حرة. قال مالك: كل شرط كان في أمة فما ولدت بعد الشرط من ولد أو كانت حاملا به يوم شرط لها ذلك فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها. انتهى من عتقها الثاني. الثامن: قال فيه: وإذا قال لعبده إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر فمضى اليوم ولم يؤد شيئا، فلا بد له من التلوم انتهى والله أعلم. باب في بيان أحكام أم الولد ص: (إن أقر السيد بوطئ ولا يمين إن أنكر كان ادعى استبراء بحيضة) ش: هذا

[ 498 ]

الباب يسمى باب أمهات الاولاد. والام في اللغة أصل الشئ والجمع أمات. وأصل الام أمهة ولذلك يجمع على أمهات. وقيل: الامهات للناس وأمات للنعم. وأم الولد في اللغة عبارة عن كل من ولد لها ولد، وهو خاص في استعمال الفقهاء بالامة التي ولدت من سيدها. وجرت عادة الفقهاء بترجمة هذا الباب بالجمع، ولعل سبب ذلك تنوع الولد الذي تحصل به الحرية فقد يكون تام الخلقة وقد لا يكون كذلك من مضغة وغيرها، عياض: ولام الولد حكم الحرائر في ستة أوجه وهي: أنه لا خلاف أنهن لا يبعن في دين ولا غيره. ولا يرهن، ولا يوهبن، ولا يؤاجرن، ولا يسلمن في جناية، ولا يستسعين. وحكم العبيد في أربعة أوجه: انتزاع مالهن ما لم يمرض السيد، وإجبارهن على النكاح على القول به، واستخدامهن في الخفيف الذي لا يلزم الحرة، وكونهن لسيدهن له فيهن الاستمتاع. انتهى من التوضيح. تنبيه: قال في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الجامع: قال ابن القاسم: بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كانوا بني أمهات أولاد. قال ابن رشد: إنما ذكر هذا ليتبين أن هذا ليس مما يعاب به أحد وهو بين. قال الله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * انتهى. وقوله: ولا يمين إن أنكر كأن ادعى استبراء قال في تهذيب الطالب: وسألت الشيخ أبا بكر بن عبد الرحمن عن الامة تأتي بود فينكره السيد ويدعي الاستبراء فلا يلحق به، هل تحد فوقف عن الحدود ؟ وذكر أن الشيخ أبا الحسن وقف في ذلك. قال الشيخ أبو بكر: وهي شبهة تدفع الحد والمرأة قد تهرق الدم على الحمل والحد يسقط عنها

[ 499 ]

عندي، وكذلك قال غيره من شيوخنا القرويين أنها شبهة تدفع الحد، قال: ألا ترى أن عبد الملك يحلفه على ما ادعى من الاستبراء ؟ قال: وأما لو أنكر أن يكون وطئها أصلا فهاهنا تحد إذ لا أحد علمناه يقول إن عليه اليمين إذا كان يقول ما وطئها أصلا انتهى. مسألة: قال في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب العتق في أمة أقرت بعد موت سيدها أنها أتت بهذا الولد من فاحشة، وقامت بينة أن السيد كان أقر بوطئها، فإن الولد يلحق به وإقرارها بالزنى لا ينفيه عن والده ولا يوجب إقرارها ملكها بل هي حرة من رأس المال والله أعلم. ص: (عتقت من رأس ماله) ش: قال الجزولي: انظر إذا تركها حاملا هل تعتق في الحال أو تنتظر حتى تضع إذ قد ينفش الحمل قولان، المشهور تعتق في الحال وعليه اختلف في نفقتها فقيل في التركة، وقيل على نفسها وعلى القول الآخر نفقتها في التركة انتهى. وانظر المسألة في أول سماع أشهب من كتاب الاستبراء وأمهات الاولاد. وفي رسم سعد من سماع ابن القاسم من طلاق السنة، فإنه صرح فيه بأن المشهور أنها حرة بتبين الحمل وأنه لا نفقة لها ولا سكنى، وكذلك أم الولد إذا مات سيدها وهي حامل فلا نفقة لها ولا سكنى على المشهور فانظره. ص: (كاشتراء زوجته حاملا) ش: هذا هو المشهور، يريد إذا لم تكن ملكا لم يعتق عليه ولدها كأبيه ونحوه، فإن كانت لم تكن بذلك أم ولد بلا خلاف. قاله في التوضيح: أما إن أعتق

[ 500 ]

البائع ولدها ففي ذلك قولان، وانظر المسألة في ابن يونس. واقتصر في التوضيح على أنها تكون به أم ولد. قال: ومن تزوج أمة والده فمات فورثها وهي حامل، فإن كان حملا ظاهرا أو لم يكن ظاهرا ووضعته لاقل من ستة أشهر لم تكن به أم ولد، لانه عتق على حدة، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر فهي به أم ولد. ص: (ولا يدفعه عزل أو وطئ بدبر أو فخذين إن أنزل) ش: يعني أن الولد لا يندفع عنه بقوله: كنت أعزل إذا أقر أنه كان ينزل، ولا يندفع عنه بأنه كان يأتيها في دبرها إذا أقر بالانزال، ولا يندفع بالوطئ بين الفخذين إذ الاقرب الانزال أيضا. فقوله: إن أنزل قيد في المسائل الثلاث. قال في سماع عيسى بن معاوية من ابن القاسم من كتاب الاستبراء وأمهات الاولاد: قال ابن القاسم: ومن زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزل فأتت بولد فإنها أم ولده إلا أن يدعي الاستبراء. قال ابن القاسم: ومن زعم أنه لا يطأ جاريته ولا ينزل فأتت بولد فلا يلحقه ولا تكون أم ولد إلا إن زعم أنه كان يفضي وينزل ويعزل، فالعزل قد يخطئ ويصيب ولذلك ألزمه الولد. وإذا قال كنت أطأ ولا أنزل فإنه ليس هاهنا موضع خوف في أن يكون قد أفضى فيها بالعزل فلذلك لم يلزمه الولد. ابن رشد: هذا بين لان الولد إنما يكون من الماء الدافق قال الله عزوجل: * (فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق) * فإذا لم ينزل أصلا علم أنه لم يكن ما يكون عنه الولد فوجب أن لا يلزمه. وإذا وطئ وانزل فعزل الماء عن الموطوءة وأنزل خارجا منها احتمل أن يكون لم يعزله بجملته وسبقه شئ كان عنه الولد، فوجب أن يلزمه لانها صارت فراشا له بوطئه إياها، فوجب أن يلحق به حتى يوقن أنه ليس منه، وقوله (ص) في حديث العزل: ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة إخبار أن الولد قد يكون مع العزل إذا شاء الله أن يكون وقال في آخر كتاب الاستبراء من المدونة: ومن قال كنت أطأ أمتي ولا أنزل فيها. فإن الولد

[ 501 ]

يلحقه ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل. فذه‍ ب بعض الناس إلى أن ذلك خلاف رواية موسى هذه في قوله فيها: إنه من قال كنت أطأ ولا أنزل أن الولد لا يلحقه، ومنهم من قال كنت أعزل وليس شئ من ذلك كله بصحيح لان في قوله: ولا أنزل فيها دليل على أنه ينزل خارجا عنها وهذا هو العزل بعينه، فعنه سأله وعليه أجابه، فلا خلاف في رواية موسى لما في المدونة وهي مفسرة لها انتهى. قال الشيخ أبو الحسن في شرح قوله في المدونة في أول كتاب أمهات الاولاد: ومن أقر بوطئ أمته ولم يدع الاستبراء لزمه ما أتت به من ولد لاقصى ما تلد النساء له إلا أن يدعي الاستبراء بحيضة. قال: قوله: ومن أقر بوطئ أمته يريد الوطئ التام. وأما إن قال: كنت لا أنزل كان القول قوله ويحلف، وإن قال: كنت أعزل لحق به انتهى. وقال في التوضيح بعد أن نقل الكلام على العزل: قال ابن القاسم: ولو قال كنت أطأ ولا أنزل لم ألزمه الولد انتهى. وأما مسألة الوطئ في الدبر فلا بد من اشتراط الانزال فيها لانه إذا اشترط في القبل فأحرى هو. وأما مسألة الوطئ بين الفخذين فنص عليهما في آخر كتاب الاستبراء من المدونة ونصه: إن قال البائع كنت أفخذ ولا أنزل وولدها ليس مني لم يلزمه. قال أبو الحسن: قال عياض: لانه لو قدرنا هنا إنزالا بين الفخذين فهو يسير ولا يصل ليسارته للفرج بخلاف لو أنزل هناك ماءه كله أو كثيرا منه فهذا يخشى أن يسري إلى الفرج. قال ابن المواز: كل وطئ في موضع إن أنزل عنه وصل إلى الفرج لحق به الولد. قال الشيخ أبو الحسن: جعلها عياض على ثلاثة أوجه: إن كان وطؤه وإنزاله في الاعكان وغير ذلك من جسدها مما يتحقق أنه لا يصل إلى الفرج منه، فهذا لا يلحق به عندهم ولد انتهى. الثاني أن يكون بين الفخذين

[ 502 ]

وقد تقدم. الثالث أن يكون بين الشفرين فهذا لم يختلف فيه في لحوق الولد منه، وكذلك اختلف في إلحاقه من الوطئ في الدبر انتهى. ثم قال في مسألة العزل: وقد نزل هذا على عهد رسول الله (ص) فقال الرجل: كنت أعزل. فقال له رسول الله (ص): إن الوكاء ينفلت وألحق به الولد. قال عياض: الوكاء بكسر الواو ممدود استعارة وتشبيه بخروج الماء في الفرج قبل العزل. والوكاء الخيط الذي يشد به فم القربة انتهى. ص: (ومصيبتها إن عتقت من مائها ورد عتقها) ش: قال في التوضيح: وإذا صح رد العتق فأحرى الكتابة والتدبير، وكذلك لا يفيتها إيلاد المشتري، وإن كان عالما أنها أم ولد للبائع غرم قيمة الولد، واختلف إذا غره وكتمه أنها أم ولد فقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد. وقال مطرف: لا شئ عليه لانه أباحه إياها. اللخمي: وهو أحسن انتهى. وفي الشامل: فإن ولدها المبتاع لحقه الولد ولا قيمة فيه بخلاف ما لو بيعت بغير رضا البائع. وهل يقوم عبدا أو على الترقب ؟ قولان. ولو زوجها المبتاع لعبده ردت مع ولدها على الاصح انتهى. فرع: قال في التوضيح: إذا فسخ البيع فظاهر المذهب لا شئ على البائع بما أنفقه المشتري ولا من قيمة خدمته. وقال سحنون: يرجع عليه بالنفقة يريد ورجع هو بالخدمة. قاله اللخمي. وإذا نقض البيع تحفظ من البائع لئلا يعود ولا يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها ولم يمكن من التحفظ منه أعتقت عليه انتهى. فرع: وإن غاب المشتري ولم يعلم مكانه تصدق بالثمن. قاله في التوضيح. فرع: قال في التوضيح: وهذا إذا باعها لا يشترط الحرية والعتق، فإن باعها على أنها حرة فقال أصبغ: لا ترد وولاؤها لسيدها ويسوغ له الثمن كما لو أخذ مالا على أن يعتقها، ولو باعها على أن يعتقها المبتاع على أنها حرة ساعتئذ فهذه ترد ما لم تفت بالعتق فيمضي عتقها، والولاء للبائع ويسوغ له الثمن لان المبتاع علم أنها أم ولد وشرط فيها العتق فكأنه فكاكه، ولو لم يعلم أنها أم ولد لرجع بالثمن. ص: (بأقل القيمة يوم الحكم والارش) ش: أي

[ 503 ]

قيمتها على أنها أمة. قاله في المدونة في كتاب الجنايات ونصه: قال مالك: أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الاقل من أرش جنايتها أو من قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت، وذلك عوض من إسلامها لما لم يكن سبيل إلى رقها. وكذلك ما استهلكت وأفسدت بيدها أو دابتها أو بحفر حفره حيث لا ينبغي لها أو اغتصبت أو اختلست، لان هذه كلها جنايات وعلى السيد فيها الاقل كما ذكرنا انتهى. وقاله في التوضيح. ص: (وإن وطئها بطهر فالقافة) ش: هذا إذا وطئ الامة بملك اليمين، فإن كان بملك اليمين وبالنكاح فلا يخلو إما أن يكون النكاح سابقا أو ملك اليمين سابقا وإن كان ملك اليمين سابقا كما إذا وطئ أمته ثم زوجها قبل أن يدعي الاستبراء، فإن أتت به لاقل من ستة أشهر من وطئ الزوج فإن الولد لا يلحق به ويلحق بالسيد إلا أن يدعي الاستبراء أي وينفي الولد، وإن أتت به لستة أشهر فأكثر فاختلف في ذلك، فقيل تدعي له القافة. قال اللخمي: وهو قول مالك وروي عن ابن القاسم. وقال مالك: هو للزوج. وقال محمد بن مسلمة: هو للاول، لان وطأه صحيح

[ 504 ]

والثاني فاسد. وقال الرجراجي: إن الاول هو المشهور. وأما إن تقدم الوطئ بالنكاح على الوطئ بالملك فالولد للزوج ولا ينفيه إلا بلعان. قال في كتاب أمهات الاولاد من المدونة. قال اللخمي: وكذلك لو تقدم الوطئ بالملك وكان النكاح بعد الاستبراء فالولد للزوج. انظره. فرع: قال في كتاب أمهات الاولاد من المدونة: قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبيا ثم وطئها السيد فأتت بولد، فالولد للزوج إلا أن يكون الزوج معزولا عنها مدة في مثلها براءة للرحم فإنه يلحق بالسيد لانها أمته ولا يحد. وكذلك الجواب إن أتت بولد لستة أشهر من يوم زوجها فأكثر فأدعاه السيد أو أتت به لاقل من ستة أشهر وقد دخل بها زوجها، فسد نكاحه ولحق الولد بالسيد إن أقر بالوطئ إلا أن يدعي الاستبراء. قال ابن يونس: قوله معزولا عنها في مدة في مثلها براءة للرحم. قال أصبغ: وذلك حيضة أو قدرها. قال ابن المواز: ولقد نزلت فأفتى فيها وأنا حاضر: إن كان زوجها معزولا عنها قدر الشهر ونحوه فإنه يلحق بالسيد ولا يحد، ويؤدب إن لم يعذر بجهل وترد المرأة إلى زوجها إذا وضعت فإذا مات سيدها عتقت انتهى. ص: (فإن اشركتهما فمسلم ووالي إذا بلغ أحدهما كأن لم توجد وورثاه إن مات أولا) ش: قوله: فمسلم أي يحكم للولد بحكم الاسلام حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء فأي من والاه. لحق به ولكنه لا يكون إلا مسلما. انظر اللخمي والمدونة وأبا الحسن الصغير. وتقدم في باب الاستلحاق عن البرزلي في مسائل النكاح أنه إذا فرض عدم القافة فإنه إذا كبر الولد وإلى أيهما شاء، فمن والاه لحق به ولا يكون إلا مسلما بمنزلة ما إذا أشكل الامر، فإن مات قبل ذلك ورثاه، وإن ماتا ورثهما معا اه‍. وهو معنى قول المصنف كأن لم توجد وورثاه إن مات أولا والله أعلم. وقال ابن عرفة الصقلي: إن لم توجد القافة بعد الاجتهاد في طلبها ترك الولد إلى بلوغه يوالي من شاء كما لو قالت القافة اشتركا فيه أو ليس هو لاحد منهما. وقال بعض علمائنا: وهو أولى من قول من قال يبقى موقوفا حتى توجد القافة. سحنون: إن قالت القافة

[ 505 ]

ليس لواحد منهما دعي له آخرون ثم آخرون، وكذا أبدا لان القافة إنما دعيت لتلحق لا لتنفي. انتهى. ص: (ولا تجوز كتابتها وعتقت إن أدت) ش: يعني أنه لا يجوز لسيد أم الولد أن يكاتبها. قال في كتاب أمهات الاولاد من المدونة: وليس للرجل أن يكاتب أم ولده وإنما يجوز له أن يعتقها على مال يتعجله منها، فإن كاتبها فسخت الكتابة إلا أن تفوت بالاداء فيعتق ولا ترجع فيما أدت إذا كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض انتهى. فظاهر المدونة أنه لا تجوز كتابتها مطلقا. برضاها أو بغير رضاها. قال أبو الحسن الصغير: وعليه حملها عبد الحق فقال: إن قيل لم لا تجوز كتابة أم الولد برضاها وهي طائعة بمال إن أدت في حياة سيدها عتقت، وإن لم تؤد كانت على حالها أم ولد تعتق بالموت ؟ قال: لانها معاوضة بينها وبين سيدها فيها غرر انتهى. وحملها اللخمي على أن المنع إذا لم يكن برضاها، وأما برضاها فيجوز وعلى ذلك مشى صاحب اللباب وجعله كأنه المذهب. وانظر كلام اللخمي في تبصرته وقال في التوضيح: ومنع في المدونة كتابتها لكن ذلك محمول عند الاشياخ على ما إذا لم ترض، أما لو رضيت فيجوز كالاجارة انتهى. فصل في بيان أحكام الولاء ص: (الولاء لمعتق) ش: الولاء بفتح الواو وممدود من الولاية بالفتح بمعنى القرب. وأصله من الولى. وأما من الولاية والتقديم فبكسر الواو، وقيل بالوجهين فيهما ص: (إن لم يعلم السيد بعتقه حتى عتق) ش: يعني أن العبد إذا أعتق في حال رقه ولم يعلم بذلك سيده حتى

[ 506 ]

عتق العبد فإن الولاء للعبد، يريد إذا لم يستثن السيد ماله حين العتق لان عتق العبد حين رقه موقوف والعبد المعتوق من جملة ماله فإذا لم يستثن السيد ماله تبعه ولزم العتق الذي فعله في حال رقه، فإن استثنى السيد ماله فالعبد من جملة المال وهو رق للسيد. وكذلك لو علم السيد بعتقه قبل أن يعتقه فرده بطل عتقه وصار العبد رقيقا، فإن استثنى السيد ماله فهو له، وإن لم يستثن ماله كان رقيقا للعبد ولا يلزمه عتقه في حال الرق إذا أبطله السيد، وإن علم السيد بالعتق وأجازه مضى وكان الولاء للسيد: فإن علم فلم يرد ولم يمض حتى عتق العبد فقال ابن المواز: مضى ذلك وكان الولاء للعبد. ابن المواز: لان العبد عند مالك أفعاله على الجواز حتى يردها السيد فلا يبطلها إلا رده إفصاحا، وليس سكوته في ذلك إذنا ولا ردا فحين أعتقه تبعه ماله فجاز عتقه وكان الولاء له انتهى. وقال في الشامل: ولو علم به فلم يرد حتى أعتقه فالولاء له وقيل للسيد انتهى. ونقل القولين في التوضيح. وعزا الاول لابن المواز، والثاني لابن الماجشون انتهى. فرع: قال في أول كتاب الولاء من المدونة: فإن أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل ولا يجره عبده إن أعتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك أنه لا يجر الولاء. وقال أشهب: يرجع إليه الولاء لانه يوم عقد عتقه لا إذن للسيد فيه ولا يرد. ابن يونس: وهو أحسن انتهى. ص: (إلا كافرا أعتق مسلما) ش: أي فإنه لا ولاء عليه ولو أسلم السيد بعد ذلك. واحترز بقوله: أعتق مسلما مما لو أعتق كافرا فإن الولاء له عليه، فإن أسلم العبد المعتق لم يرثه سيده وكان الولاء لعصبة سيده من المسلمين إن كان له عصبة وإلا فلبيت المال، فإن أسلم سيده بعد ذلك عاد الولاء له. وقال في المدونة وغيرها وهو معنى قول المصنف: وإن أسلم العبد عاد الولاء بإسلام السيد أي وإن أسلم العبد الكافر الذي أعتقه الكافر في حال كفره فإن سيده لا يرثه لان الكافر لا يرث المسلم فإن أسلم السيد عاد إليه الولاء. ص: (ورقيقا إن كان ينتزع ماله) ش: يعني أن الرقيق إذا أعتق لا يكون عتقه سببا للولاء إذا كان الرقيق ممن ينتزع ماله كالقن والمدبر وأم الولد إذا لم يمرض السيد والمعتق إلى أجل إذا لم يقرب الاجل، ويريد إذا كان العتق بإذن السيد أو علم به وأجازه، وأما إذا لم يعلم بذلك حتى عتق العبد المعتق أو علم ولم يرد لم يمض حتى عتق العبد المعتق فإن الولاء له كما تقدم، واحترز بذلك من المكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر إذا أعتقوا في مرض السيد والمعتق إلى أجل إذا أعتق قرب الاجل، فإن هؤلاء إذا أعتقوا بإذن السيد وعلم السيد بذلك وأجازه ثم أعتقوا فإن الولاء لهم، فإن لم يعلم بذلك حتى أعتقوا أو علم ولم يرد ولم يمض

[ 507 ]

فالولاء لهم من باب أولى. ابن يونس: قال ابن المواز: أصل مالك وابن القاسم أن كل من للرجل انتزاع ماله فولاء من أعتق بإذنه له، وأما من ليس له انتزاع ماله فولاء من أعتق بإذن السيد راجع إليه إن عتق انتهى. وحكى في أم الولد والمدبرة يعتقان في مرض السيد ثلاثة أقوال: الاول لاصبغ الولاء لهما وإن صح السيد لانهما أعتقا في وقت ليس للسيد انتزاع مالهما فيه. والثاني الولاء للسيد وإن مات من مرضه ذلك واختاره ابن عبد الحكم قال: وكذلك المعتق بعضه. ابن المواز: وقاله أشهب في المعتق بعضه. فقيل له: ألا تراه كالمكاتب لانه ممن لا ينتزع ماله ؟ فقال له: للمكاتب سنة وللعبد سنة. قال ابن المواز: فلم تبق له حجة أكثر من هذا. قال ابن القاسم: ولاء من أعتقه المعتق بعضه للعبد وهو الصواب، وما روي عن ابن القاسم غير هذا فغلط وإنما هو عن أشهب انتهى. والقول الثالث في المدبر وأم الولد إذا عتقا في مرض السيد لابن المواز أنه يوقف، فإن مات السيد كان الولاء لهما وإن صح فله انتهى. ص: (وعن المسلمين الولاء لهم) ش: مسألة: قال الفاكهاني في شرح العمدة في كتاب الشروط في البيوع: لو قال أنت حر ولا ولاء لي عليك فقال ابن القصار: الولاء للمسلمين ونزل منزلة قوله أنت حر عن المسلمين. قال الامام: وكان بعض شيوخنا يخالفه في هذا ويرى أن بقوله: أنت حر استقر الولاء له واستئنافه بعد ذلك جملة ثانية في قوله: لا ولاء لي عليك لا يغير حكم الجملة الاولى لانه إخبار عن حكم الجملة الاولى المستقرة بالشرع على خلاف ما حكم الله به فيكون إخباره كذبا وفتواه باطلة، والكذب والباطل لا يلتفت إليه ولا يعول في مثل هذه الاحكام عليه انتهى. ص: (وجر ولد المعتق) ش: يعني أن من أعتق عبدا فإن ذلك العتق يجر ولاء ولد ذلك العبد المعتوق وللمعتق - بكسر التاء - وسواء كانت أمهم حرة أو معتقة. قال في كتاب الولاء من المدونة: وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر

[ 508 ]

عليه ولاء فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث ولده من كان يرث الاب إن كان الاب قد مات. انتهى من ترجمة العبد يشتري من مال الزكاة. وذكر ابن يونس عن الموازية أنه لا يرثه وأن ميراثه لبيت المال إن كانت الام عربية، ولمواليها إن كانت معتقة. ثم قال في الموازية: وإذا تزوجت الحرة عبدا فولدت منه أولادا كان الاولاد لموالي الام ما دام الاب عبدا، فإن عتق جر ولاءهم لمعتقه وهو كولد الملاعنة ينسب إلى موالي أمه فهم يرثونه ويعقلون عنه، ثم إن اعترف به أبوه حد ولحق به وصار ولاؤه إلى موالي أبيه وعقله عليهم. وكذلك لو كان لولد العبد من الحرة جد أو جد جد حر قد عتق قبل الاب لجر ولاءهم إلى معتقه انتهى. قال أبو الحسن: فإذا أعتق العبد رجع الولاء إلى مواليه من موالي معتق الجد انتهى. وهذا معنى قول المصنف فيما سيأتي. وإن عتق الاب أو استلحق رجع الولاء إلى معتقه من معتق الجد والام. وقوله في المدونة وكان الولاء لموالي الام هذا إذا كانت الام معتوقة، فإن كانت حرة كان ميراثه لبيت المال حتى يعتق الاب، فإن مات مملوكا كان ميراث الولد لبيت المال كما يفهم من المدونة إذ لا ولاء عليه. وانظر شرح الحوفي للقعباني. تنبيه: ظاهر كلام المدونة أن أولياء معتق الاب والجد يجرون الولاء من أولياء الام ولو كان أولياؤهما نسوة، وهو كذلك كما نص عليه في النوادر في ترجمة جر الولاء. ص: (ولم يكن لهم نسب من حر) ش: بأن يكون أبوهم عبدا أو يكونوا من زنا أو من أب لا عن أو

[ 509 ]

يكون الاب حربيا بدار الحرب. ص: (وإن أعتق العبد أو استلحق رجع الولاء إلى معتقه من معتق الجد والام) ش: قال ابن الحاجب: ومعتق الاب أولى من معتق الام والجد. قال في التوضيح: الاولوية بمعنى التقديم وفي الموطأ أن الزبير اشترى عبدا فأعتقه ولذلك العبد بنون من امرأة حرة، فلما أعتقه الزبير قال هم موالي وقال موالي أمهم هم موالينا، فاختصموا إلى عثمان فقضى للزبير بولايتهم. وكان ينبغي للمصنف أن يبين أن معتق الجد أولى من معتق الام إلا أن يقال: إنه اكتفى عن ذلك بقوله أولا وليس لهم نسب من حر، وعلى هذه القاعدة تتفرع هذه المسألة التي ذكرها المصنف، وكذلك فعل ابن الحاجب. فإذا كانت الام معتقة وكان الاب والجد رقيقين فالولاء لمعتق الام لانه يصدق عليه أنه ليس له نسب من حر، فإن عتق الجد رجع الولاء لمعخقه، فإن عتق الاب رجع الولاء إلى مواليه، وكذلك إذا كان الاب معتوقا ولا عن الام وهي معتوقة فإن نسبه قد انقطع باللعان فيكون الولاء لمعتق الام، فإن استلحق الولد عاد الولاء لمعتق الاب والله أعلم. ص: (لم يثبت) ش: أي لم يثبت النسب ولا الولاء بشهادة الواحد ولا شهادة السماع. أما عدم ثبوت ذلك بشهادة الواحد فهو المذهب، وأما عدم ثبوت ذلك بشهادة السماع فقال في التوضيح: هو مذهب المدونة وبه أخذ أصبغ. ابن المواز: ولا يعجبني، وأكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يقضى له بالسماع والولاء والنسب. ثم قال في التوضيح: فإن قيل: ما ذكره المصنف معارض لما قاله في الشهادة والمشهور جريها في النكاح والولاء والنسب لان قوله جريها يقتضي أن الولاء يثبت به وتشبيهه هنا بالشاهدين يدل

[ 510 ]

على أنه لا يثبت بها. ألا ترى أنه قد نص على أنه لا يثبت بالشاهد إلا أن يقال لا يلزم من الجري الثبوت بل يصدق بأخذ المال، أو يكون ما قدمه يعني هنا ليس هو المشهور لقول ابن المواز: أكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يقضى بالسماع والولاء والنسب أو يقيد قوله: جريها في النكاح والولاء والنسب بما إذا مات في غير بلده كما أشار إليه بعض القرويين، أو يقال معنى ما في الشهادات إذا كان السماع فاشيا وليس هنا كذلك انتهى، وقال ابن رشد في نوازله في مسائل الدعوى: وأما شهادة السماع الفاشي بالنسب إذا لم يكن مشتهرا عند الشاهد اشتهارا يوجب له العلم فلا يثبت به النسب مع حياة الاب وإنكاره على حال، وإنما يختلف في ذلك بعد الموت على ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون له المال ولم يثبت له النسب وهو مذهب ابن القاسم، والثاني يثبت له النسب والمال، والثالث لا يثبتان انتهى. ص: (وقدم عاصب النسب) ش: فرع: قال في المدونة: وللمرأة الحرة ولاء من أعتقت وعقل ما جره مواليها على قومها ومواريثهم لها، فإن مات فهو لولدها الذكور، فإن لم يكن لها ولد ذكور فذاك لذكور ولد ولدها الذكور دون الاناث وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي، فإذا انقرض ولد ولدها رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين هم أعقل بها يوم يموت الموالي دون عصبة الولد، وقاله عدة من الصحابة والتابعين انتهى. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصح الروايتين عن أحمد، وقد أطال الماورديني في شرح كشف الغوامض في ذلك، وذكر أبو داود في سننه في آخر باب الفرائض عن الصحابة. وقال ابن بكير: لا شئ لولدها من مواليها. نقله العقباني في شرح الحوفي ونقله ابن عرفة في مختصره للحوفي. ص: (ثم عصبة) ش: فرع: قال في المدونة: ولا يرث الاخ للام من الولاء شيئا، فإن لم يترك الميت غيره فالعصبة أولى إلا أن يكون من العصبة فيرث معهم. قال ابن يونس: مثل أن يترك الهالك ابني عم وموالي وأحدهما أخ لام، فيكون الولاء بينهما نصفين ببنوة العم وتسقط الولادة للام. ابن المواز قال أشهب: بل يكون الاخ للام أولى بالولاء لانه أقعد بالرحم كما لو ترك الهالك أخا شقيقا وأخا لاب فإن الميراث للاخ الشقيق، وكما لو ترك ابن عم شقيق وابن عم لاب لكان الشقيق أولى بالولاء والميراث. ابن يونس: وهذا أقيس انتهى. قال ابن عرفة: ودرجات التعصيب

[ 511 ]

في القرب فيه كالتعصيب في الارث إلا أن الاخ وابن الاخ يقدمان على الجد. زاد الحوفي: وابن العم على ابن الجد. قلت: وهو مندرج في الاولى بالمعنى. اللخمي: اختلف إن كانا ابني عم أحدهما أخ لام فقال مالك وابن القاسم في المدونة: لا فضل للاخ للام. وقال أشهب: عند محمد: الاخ للام أحق لانه أقعد للرحم كما لو ترك المعتق أخوين أحدهما شقيق والآخر للاب. قلت: في جريان هذا الخلاف في إرث المال نظر، ويرد قياس أشهب بأن زيادة الشرط في الام في المقيس عليه هي فيما به التعصب فيه ببنوة العمومة انتهى. وقد حكى في التوضيح في باب الفرائض الخلاف في ميراث النسب أيضا. فرع: منه: قال: والمذهب انتقاله بموت مستحقه إلى أقرب عصبة المستحق المعتق حينئذ لا إلى أقرب عصبة المستحق انتهى. وعلى هذا يتفرع قول المصنف: وإن اشترى ابن وابنة أباهما. ص: (كالصلاة) ش: يعني كالصلاة على الجنازة فيقدم الابن ثم ابنه ثم الاب ثم الاخ ثم ابنه ثم الجد ثم العم ثم ابنه. ولو قال المصنف: كالنكاح لكان أحسن وإن كان الحكم سواء لانه لم يبين هذا الترتيب في الجنائز وبينه في النكاح، والحاصل أن الولاء والصلاة على الميت وولاية النكاح سواء. ص: (أو جره ولاء بولادة أو عتق) ش: نحوه لابن الحاجب. فقال في التوضيح: حكى سحنون على هذا الاجماع أنه لا ولاء للمرأة إلا من باشرت عتقه أو أعتقت من أعتقه أو يكون ولجا لمن أعتقته وإن سفل من ولد الذكور خاصة. ولم يبين المصنف يعني ابن الحاجب هنا أنه لا يجر إلا أولاد الذكور إلا أنه قال: وعلى من جره ولاؤها. وقد بين أولا أن المرأة إنما تجر ولاء أولادها إذا لم يكن لهم نسب من حر انتهى. ومثله يقال عليه. والتقييد بالذكور ووقع في المدونة لكنه لا كبير فائدة فيه لان من المعلوم أنه لا ينجر إليها بالولادة إلا ما ينجر للذكر، وقد تقدم أن المعتق إذا أعتق أمة فإنما يكون له الولاء على أولادها الذكور إذا لم يكن لهم نسب من حر، بل التقييد به مشوش لانه يوهم أن أولاد المعتقة لا ولاء عليهم لمعتقها مطلقا، سواء كان لهم نسب من حر أم لا وليس كذلك. ونص كلامه في المدونة: ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو ولد من أعتقن من ولد

[ 512 ]

الذكور ذكرا كان ولد هذا الذكر أو أنثى انتهى. إلا أنه قال بعده: وإذا أعتقت المرأة امرأة فولدت المعتقة من الزنى أو من الزوج ثم نفاه ولاعن فيه، كان ميراث هذا الولد للمرأة التي أعتقت أمه انتهى. وبهذا فسر الشيخ أبو الحسن المدونة. وقال اللخمي: ما أعتقت المرأة يجري مجرى ما لو كان المعتق رجلا فكل موضع يكون الولاء فيه للمعتق إذا كان رجلا يكون لها. انتهى. ص: (وورثه الابن) ش: ولا ترث البنت منه شيئا لان الابن عاصب المعتق من النسب والبنت معتقة المعتق، وعاصب المعتق مقدم على معتق المعتق، وهذه تسمى فريضة القضاة لغلط أربعمائة قاض فيها بتوريثهم البنت بالولاء. ص: (فإن مات الابن أولا فللبنت النصف) ش: إن مات الاب ثم مات الابن قبل موت العبد المعتق ثم مات العبد فللبنت النصف، لانه لما فقد المعتق وعصبته من النسب انتقل الولاء لمعتق المعتق ومعتق المعتق البنت والابن الميت فلها النصف والنصف الثاني الذي كان لاخيها لموالي أبيه وموالي أبيه هو وإخوته، فلها نصف نصفه وهو الربع فيصير لها ثلاثة أرباع المال والربع الباقي يكون لموالي أم الاخ إن كانت أمة معتقة، وإن كانت حرة فلبيت المال والله أعلم، وبهذا توجه المسألة الاخرى والله أعلم.

[ 513 ]

كتاب الوصية والفرائض باب في بيان أحكام الوصية ص: (صح إيصاء حر) ش: الوصايا جمع وصية. ورسمها عند الفقهاء قال في الشامل: والوصية تمليك مضاف لما بعد الموت بطريق التبرع انتهى. ونقله في التوضيح وابن عبد السلام عن بعض الحنفية. قال ابن عبد السلام: على أنه لا يخلو عن مناقشات لا تخفى عليك انتهى. وقال في اللباب: الوصايا حقيقتها تصرف المالك في جزء من حقوقه موقوف على موته على وجه يكون له الرجوع فيه انتهى. ثم قال: الوصية حقيقتها إسناد النظر في أمر المحجور أو تنفيذ وصية لثقة مأمون انتهى. ورسمها ابن عرفة برسم شمل الايصاء لشخص وإسناد الوصية إليه فقال: الوصية في عرف الفقهاء لا الفراض عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزمه بموته أو نيابته عنه بعده انتهى. ولا يخفى صدق هذا الرسم على التدبير والله أعلم. وحكم الوصية قال ابن رشد في كتاب الوصايا: حكمها الندب على الجملة. وقال منذر بن سعيد: هو فرض وحكمة مشروعيتها تقوية الزاد إلى المعاد انتهى. وقال في كتاب الوصايا: حكمها الوجوب وحكمة مشروعيتها الرفق بالمحجور وحفظ ماله عليه انتهى. وقال في الشامل: هي مستحقة إلا لمن عليه تعلق له بال فتجب. انتهى. ص: (وإن سفيها) ش: مولى عليه أو غير

[ 514 ]

مولى. قال في التوضيح: وإذا أدان المولى عليه ثم مات لم يلزمه ذلك إلا أن يوصي به فيجوز في ثلثه. وقال ابن كنانة: إن سمى ذلك يقضى من رأس ماله ولم يجعله في ثلثه لم يجز على ورثته، وإن أوصى به على وجه الوصايا فهو مبدأ على وصاياه. ولابن القاسم: إذا باع المولى فلم يرد بيعه حتى فات أنه ينفذ بيعه. ابن زرقون: فعلى هذا يلزمه الدين بعد موته فتأمله انتهى وعلى الاول اقتصر في الشامل فقال أو مولى عليه وإن فيما أدان بغير إذن وليه انتهى. ص: (وصغيرا) ش: اختلف في السن الذي تجوز وصية الوصي فيه فقال في المدونة: وتجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها. وروي ابن وهب أن أبان بن عثمان أجاز وصية جارية بنت ثمان سنين أو تسع انتهى. وهذا القول هو الذي صدر به في التوضيح والشامل وعليه اقتصر صاحب اللباب ونصه: وتصح من ابن عشر سنين فما فوقها لانه مميز انتهى. فرع: قال ابن عبد السلام قال أشهب: إذا أوصى الصبي بوصية وجعل إنفاذها إلى غير الوصي فذلك إلى وصيه. قلت: هذا مما ينظر فيه، فإن نظر الوصي ينقضي بموت الصبي. ألا ترى أن جرح الصبي ينظر فيه وليه وديته إذا قتل ليس للوصي فيها نظر، وإنما هو للورثة إلا أن يقال ملك الصبي للدية بعد موته متعذر وتنفيذ الوصية بعد موته إنما يكون على تقدير ملكه والوصي هو الناظر في أملاك الصبي وهذا منها انتهى. ونقله في التوضيح فقال: قال أشهب: ومن أوصى بوصية وجعل إنفاذها إلى غير الوصي فذلك إلى وصيه. ثم ذكر كلام ابن عبد السلام المتقدم. وانظر قوله: من أوصى هل يريد من الصبيان أو من المولى عليهم مطلقا فتأمله والله أعلم. وانظر الرجراجي في المسألة السادسة من كتاب الوصايا الاول فإنه تكلم على حكم ما إذا أوصى المحجور عليه لعارض الطفولية أو لعارض السفه بوصية وجعل تنفيذها لغير وصية وأطال في ذلك. وفي البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن أسند وصيته إلى رجل وفي الوصية بنات، فماتت واحدة بعد دخول بيتها بشهر وتركت زوجا وعصبة وأوصت بصدقة للفقراء، فهل ينفذها الوصي أو الورثة ؟ فأجاب: إن لم توص بذلك لاحد فذلك لوصي أبيها إن كان مأمونا، وإن أوصت بذلك لاحد فهو أولى. قال البرزلي: قلت: هذا جار على بقاء النظر بعد موت المحجور على من له عليه ولاية ومن يقول لا نظر له في أولاده يرجع الامر في ذلك إلى من يقدمه القاضي انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال أشهب: من أوصى لبكر بمائة ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك

[ 515 ]

إليها بغير إذن الامام فقد برئوا. واختار اللخمي إن كان لها وصي أن لا تدفع إلا إليه إلا أن يعلم أن الميت أراد دفع ذلك إليها لتتسع في مطعم وملبس فيدفع إليها انتهى. ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة. وظاهره " أن المولى عليه إذا أوصى له بشئ فدفع الوصي ذلك إليه ولم يدفعه إلى وليه فلا ضمان عليه فتأمله والله أعلم. ص: (وهل إن لم يتناقض أو أوصى بقربة تأويلان) ش: قال في المدونة: وتجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية وذلك إذا لم يخلط انتهى. قال في التوضيح: فسر اللخمي عدم الاختلاط بأن يوصي بما فيه قربة الله تعالى أو صلة رحم، فأما إن جعلها فيما لا يحل من شرب خمر أو غيره فلا تمضي انتهى. وعبارة اللخمي في تبصرته: والصبيان يختلف تمييزهم وإدراكهم، فمن علم أن عنده تمييزا جازت وصيته إذا أصاب وجه الوصية فيوصي بما هو قربة لله سبحانه وتعالى أو صلة رحم، وأما أن يجعلها لمن يستعين بها فيما لا يحل من شرب خمر أو غيره فلا تمضي انتهى. فعلم أن مفهوم قوله: قربة أعم من أن تجعل فيما لا يحل أو يوصي بها لمن يستعين بها على ما لا يحل والله أعلم. وهذا هو التأويل الثاني في كلام المصنف والاول لابي عمران. تنبيه: قال المشذالي في حاشيته على المدونة في هذا المحل: سئل ابن عبد السلام عن صبي يزيد على عشر سنين أوصى بثلثه لقوم، فبعد وفاته قام عصبته على الموصى لهم وقالوا: الصبي لم يعقل القربة ولم يميز بين الحسنات والسيئات فوصيته باطلة، وقال الموصى لهم: بل يعقل ويميز. فعلى من الاثبات ؟ فقال: يسأل شهود الوثيقة، فإن قالوا نعلم أنه مميز أو ثبت ذلك بغيرهم صحت الوصية، فإن عجز الموصى لهم عن إثبات ذلك لم تنفذ الوصية. قلت: فحاصل الجواب الظريف أن الموصى له مدع لان الاصل عدم التمييز ثم شبهها بنظائر فراجعه والله أعلم. ص: (وكافر إلا بكخمر لمسلم) ش: يعني أن وصية الحر المميز المالك تصح وإن كان كافرا، وظاهره أن وصيته جائزة للمسلم بكل شئ يملكه الكافر إلا بكخمر أو خنزير وصيته للكافر تصح مطلقا أي بكل شئ حتى بالخمر والخنزير. أما الاول فهو صريح كلامه وكلام ابن الحاجب، وأما الثاني فهو مفهوم كلامه. وقال في التوضيح: إنه مفهوم كلام ابن الحاجب وابن شاس. ونص ابن الحاجب: وتصح من الكافر إلا بمثل خمر لمسلم. قال في التوضيح: وتصح الوصية من الكافر لانه حر مالك مميز إلا أن يوصي لمسلم بما لا يصح ملكه من خمر ونحوه ومفهوم قوله: لمسلم - وهو كلام ابن شاس - أنه لو أوصى بذلك لكافر لصحت

[ 516 ]

وصيته وهو ظاهر لانه أوصى بها لمن يصح ملكه لها، ولم أر في ذلك نصا. وقد يؤخذ ذلك مما لابن القاسم في العتبية في نصراني أوصى بجميع ماله للكنيسة ولا وارث له قال: يدفع إلى أساقفتهم ثلث ماله وثلثاه للمسلمين انتهى. ومسألة العتبية في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، وظاهر كلامهم أن وصية الكافر تصح للكافر مطلقا، ذميا أو حربيا، ولم أر من صرح به وسيأتي ما في وصية المسلم للحربي والله أعلم. ص: (كمن سيكون إن استهل) ش: قال في الوصايا الاول: ومن أوصى لحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصي فلا شئ له إلا أن يستهل صارخا انتهى. قال في أواخر الوصايا الثاني: ثلثي لولد فلان وقد علم أنه لا ولد له جاز، وينظر أيولد له أم لا ؟ وسيأتي ما فيه من التفصيل بين الذكر والانثى إن لم يعلم أنه لا ولد له فذلك باطل انتهى. وقال اللخمي في آخر الوصايا الثاني: وإن أوصى لولد فلان ولا " ولد له وله حمل، حملت الوصية على أنها لذلك الحمل، فإن ولده كانت الوصية له، وإن أسقطته أو ولدته ميتا سقطت الوصية ولا شئ لمن يولد بعد، وإن لم يكن حمل والموصى يظن أن له ولدا سقطت الوصية، وإن كان عالما حملت الوصية على من يولد بعد وإن كثروا. فإن ولد ولد تجر له بذلك المال ثم كذلك كلما ولد له تجر له مع الاول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه، فإن خسر فيه أو ضاع له منه شئ في حين تجره للصغير لم يضمن لان الصغير لا تعمر ذمته بذلك وقد رضي الموصي بالوصية له على ما توجبه الاحكام في الضمان، وإن بلغ وتجر لنفسه ضمن الخسارة والتلف. انتهى ونقله أبو الحسن ونقل نحوه عن التونسي ونصه: لو قال لولد فلان ولا ولد له يوم أوصى وهو يعلم بذلك ثم ولد له، لانبغى أن يحبس ذلك حتى يكبر فينتفع به ويوقف لغيره حتى ينتفعوا به لانه لما لم يكن ولد يوم أوصى فكان الموصي أراد الايصاء إلى جملة من يولد لفلان فلا يختص بالانتفاع به بعضهم دون بعض حتى ينقرضوا فيكون لورثتهم كلهم. وقد حكى عن بعض الناس أن أول ولد يولد لفلان يأخذ ذلك بتا والاول أبين. انتهى من أبي الحسن. تنبيهان: الاول: ظاهر كلامهم أن الموصى به يوقف إلى أن يؤيس من وجود الموصى لهم ولم أر الآن من صرح بذلك والله أعلم.

[ 517 ]

الثاني: إذا أوصى لولد فلان ولا ولد له فادعى فلان أن الوصي يعلم ذلك وادعى الورثة أن الموصي يظن أن له ولدا، فهل القول قول الوار ث أو قول فلان ؟ لم أر فيه نصا أيضا. والظاهر أن القول قول الورثة فانظر ذلك. وانظر أيضا إذا لم يعلم الورثة وفلان أن الموصي كان يعلم ذلك أو لا يعلمه، هل يحمل على العلم أو عدمه ؟ والله أعلم. ص: (بلفظ أو إشارة مفهمة) ش: قال ابن عرفة: الصيغة ما دل على معنى الوصية فيدخل اللفظ والكتب والاشارة. وقال مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال: ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه. ابن شاس: كل لفظ فهم منه قصد الوصية بالوضع أو بالقرينة حصل إلى اكتفائه. ابن الحاجب: كل لفظ وإشارة يفهم منها قصد الوصية. قلت: فيخرج عنها الكتب الشيخ عن أشهب في الموازية: لو قرؤوها وقالوا: نشهد بأنها وصيتك فقال: نعم أو قال برأسه نعم ولم يتكلم فذلك جائز. قال ابن عبد السلام: وتعقب على ابن الحاجب تفسير الصيغة بالاشارة فإن الاشارة من الافعال والصيغة من العوارض الاقوال وهو صحيح لو كان المراد بها ما يريده النحويون، أما إذا كان مراده بالصيغة ما يدل على مراد الشخص وجعل ذلك حقيقة عرفية في هذا الفن ولا يسمى على رأي المالكية في كثير من أبواب الفقه فلا مشاحة انتهى. ص: (وقبول المعين شرط بعد الموت فالملك له بالموت) ش: هذه نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح في شرحها: أي وقبول الموصى له المعين للوصية شرط في وجوبها له لانها أحد أنواع العطايا فاشترط فيها القبول كالهبة وغيرها انتهى. وظاهره أنه إذا مات الموصى له قبل قبول الوصية لم يكن لورثته قبولها وهو خلاف مذهب المدونة. وقال في الجواهر: إن مات الموصى له بعد الموصي لا ينتقل حق القبول للوارث. قاله الشيخ أبو بكر يعني الابهري. وقال القاضي أبو محمد: ينتقل انتهى. وما قاله هو مذهب المدونة. قال في

[ 518 ]

الوصايا الاول: وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي فالوصية لورثة الموصى له، علم بها أم لا، ولهم أن يقبلوها كشفعة له أو خيار في بيع ورثوه انتهى. ونحوه في الوصايا الثاني. قال ابن عرفة: قال عياض: هذا بين لان مذهبه في الكتاب أنها لا تحتاج لقبول الموصى له قبل موته ولا علمه، لان قبولها حق يورث عنه. وذكر الابهري أنها تحتاج لقبول الموصى له وإنما تكون لورثته إذا قبلها، ومتى لم يقبل سقط حقهم فيها ورجعت لورثة الموصي. وقيل: إنها حق يثبت للميت يورث عتقه على كل حال وليس لورثته رده ولا يحتاج إلى قبول. قال ابن عرفة قلت: فهي ثلاثة أقوال. انظر بقية كلامه ومناقشة ابن عبد السلام. فرع: ولو تراخى القبول عن الايجاب لم يضر. قال في الذخيرة: ولا يشترط فيه أي القبول الفور بعده قياسا على الهبة. فرع: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وإجازة الورثة في الصحة من غير سبب ما نصه. قال ابن الحاج: انظر على ما في الموطأ: لو أوصى رجل لرجل بمال فلم يقبل ذلك الموصى له في صحة الموصي ورده ثم مات الموصي ورجع الموصى له إلى قبول المال فذلك له لانه لم تجب له الوصية إلا بعد موت الموصي انتهى. فرع: فإن مات الموصى له قبل موت الموصي قال في الوصايا الثاني: بطلت الوصية علم الموصي بموته أم لا. ثم قال مالك: يحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا في ضيق الثلث ثم يرث تلك الحصة، وأكثر الرواة أنهم يحاصون بها إن لم يعلم بموته ولا يحاصون بها إن علم، وقاله مالك أيضا انتهى. ص: (ولم يحتج رق لاذن في قبول) ش: قال ابن الحاجب: وللمأذون له أن يتصرف في الوصية والهبة ونحوهما ويقبلهما بغير إذن السيد، وكذلك غير المأذون وله نحو ذلك في الوصايا. قال في التوضيح: قوله ونحوهما كالصدقة وله أن يقبل

[ 519 ]

ذلك بغير إذن السيد. وأقيم من المدونة أنه ليس للسيد أن يمنعه من قبول الهبة. وقوله وكذلك غير المأذون التشبيه راجع إلى القبول فقط لان التصرف إنما يكون للمأذون إلا أن يكون الواهب أو الموصي شرط في هبته أو وصيته أن لا حجر عليه فيها فينبغي أن يمضي ذلك على شرطه كما قاله بعضهم في السفيه والصغير. قاله ابن عبد السلام. انتهى بالمعنى. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: خليل: لو قيل للسيد أن يمنعه من قبول الهبة ونحوها كان حسنا للمنة التي تحصل على السيد انتهى. وهو ظاهر والله أعلم. الثاني: قال في النوادر: قال علي عن مالك في عبد أوصى له بشئ فأبى قبوله فلسيده الذي تصدق أن يكرهه على قبوله انتهى. وقال في سماع سحنون: قال مالك في العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل، أن للسيد أن يأخذ ذلك وأن يأبى الذي تصدق بها إذا قال إنما أردت العبد، وأما إذا لم يقبل فلا. قال ابن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه لان العبد لو قبض الصدقة كان لسيده أن ينزعها منه فهو أحق بقبول ما تصدق به عليه وبالله التوفيق انتهى. ص: (وصحت لعبد وارثه إن اتحد أو بتافه أريد به العبد) ش: قال في كتاب الوصايا الاول من المدونة: ولا تجوز وصية رجل لعبد وارثه إلا بالتافه كالثوب ونحوه مما يريد به ناحية العبد لا نفع سيده كعبد كان قد خدمه ونحوه، وإن أوصى لعبد ابنه ولا وارث له غيره جاز، ولا ينتزع ذلك الابن منه. وإن أوصى لعبد نفسه بمال كان للعبد إن حمله الثلث وليس لوارثه انتزاعه منه ويباع بماله ولمن اشتراه انتزاعه، وإن أوصى لعبد أجنبي بمال فلسيده انتزاعه انتهى. ص: (ولميت علم بموته إلى آخره) ش: نحوه في النوادر قال: وهذا إذا جهل أمر

[ 520 ]

الوصي، فأما إن علم أمرها إلا أنها زكاة فرط فيها فلا شئ لورثة الميت فيها ولا للمدين عليه، وليتصدق بها في وجه الزكاة كمن أوصى بزكاته لمن ظنهم فقراء وهم أغنياء انتهى. وقال في باب قبله: فإن كان ورثة الموصى له فقراء فهم أحق بها انتهى. ص: (وبطلت بردة) ش: قال في المسائل الملقوطة: وبطلت الوصية بموت الموصى له قبل موت الموصي وبالرجوع فيها بالقول والفعل وبالردة من أحدهما أو بقتل الموصى له الموصي انتهى. وانظر الشيخ أبا الحسن الصغير. ص: (ولوارث) ش: يعني أن الوصية تبطل إذا كانت للوارث، يريد إلا أن يجيز ذلك الوارث. وإنما خالف قول ابن الحاجب وتجوز للوارث وتوقف على إجازة الورثة لانه مشى على أن إجازة الوارث عطية. وقد قال في توضيحه: إنه لا يحسن على هذا القول أن يقال الوصية تصح للوارث. تنبيه: إذا قال الموصي أعطوا لفلان من الورثة سهمه كاملا وثلث ما عدا ذلك لفلان، فهذا من الوصية للوارث. قاله في البيان في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الوصايا. وفرضها فيمن قال أعطوا لامي سهمها في كتاب الله وثلث ما عدا ذلك ما ينتقص الثلث بتوفر سهم أمي صدقة على فلان، يريد أن يخرج الثلث من جميع ماله ما عدا ما لامه قال: يخرج الثلث للموصى له على حال ما أوصى ثم تزاد الام سهما يضاف إلى بقية المال ويقسم على

[ 521 ]

الورثة على كتاب الله تعالى وذلك أن رسول الله (ص) قال: لا وصية لوارث. ص: (كغيره بزائد الثلث ش: تصوره ظاهر. مسألة: قال في معين الحكام في كتاب الوصايا: وإذا قال الموصي يخرج ثلث ما خلفه فيفعل به كذا وكذا الاشياء عدها، فإذا أخرج منه ما ذكر وفضلت من الثلث فضلة فقيل ينفذ ذلك في الفقراء والمساكين لقوله يخرج جميع ثلثي، وقيل: إن البقية ترجع ميراثا. قال بعض الموثقين: وبالاول جرى العمل انتهى. وقال بعده بنحو الورقة مسألة: فإن أغفل الموثق أن يقول في الوصية وما فضل عن الثلث جعله الناظر حيث يراه إذا ذكر أولا أنه أوصى بجميع ثلثه ففي ذلك قولان: أحدهما أنه ينفق في الفقراء والمساكين. قال بعض الموثقين: وبه جرى العمل والقول الثاني: أن البقية ترجع ميراثا. ص: (وإن أجيز فعطية) ش: أي فإن كان الوارث المجيز عليه دين محيط فلغرمائه رد ذلك، وإن قلنا إن فعله ينفذ فليس لغرمائه الرد. واختلف إذا أجاز الوارث ولا دين عليه فلم يقبض ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات فقال في كتاب محمد: غرماء الوارث ورثته أحق بها لانها هبة لم تحز، وقال أشهب: يبدأ بوصية الاب قبل دين الابن. قال ابن عرفة: والاول أحسن وأظنه أنه ناقل له عن ابن القصار. ص: (وبرجوعه فيها وإن بمرض) ش: قال في التوضيح: قال في الوثائق المجموعة: إذا قال اشهدوا أني قد

[ 522 ]

أبطلت كل وصية تقدمت فإنها تبطل إلا وصية قال لا رجوع لي فيها فإنها لا تبطل حتى ينص عليها انتهى. ونقله في الشامل. وذكر المشذالي في حاشيته على المدونة في كتاب الوصايا الاول خلافا عن الشيوخ فيما إذا التزم عدم الرجوع عن الوصية، ونقل عن ابن عرفة أنه قال في مختصر الحوفية، فلو التزم عدم الرجوع لزمه على الاصح. وفي بعض النسخ على المشهور وفي مختصره الفقهي: فلو التزم عدم الرجوع ففي لزومه خلاف بين متأخري فقهاء تونس ابن علوان ثالثها إن كانت بعتق. ص: (بقول) ش: يعني أن الدال على الرجوع إما قول أو فعل. والفعل يكون بأحد وجهين: أحدهما ما ينقل الملك ويمنع من نقله كالبيع والعتق والاستيلاد، والثاني أن يفعل فعلا يبطل رسم الموصى به انتهى. ص: (أو بيع) ش: قال في الشامل: إلا أن يشتريه ثانيا على المعروف بخلاف مثله وهو معنى قول المصنف بعد هذا: أو بثوب فباعه أو اشتراه بخلاف مثله ص: (وكتابة) ش: قال في الشامل: ولا تعود لعجز على المنصوص. وقال في التوضيح: ينبغي إذا عجز المكاتب في حياة السيد أن تعود الوصية فيه كما يعود في البيع الموصى به على أحد القولين، وها هنا أولى لان الكتابة لا تنقل الملك انتهى. وقال ابن عرفة: قال ابن شاس: الكتابة رجوع ولم أجدها لغير الغزالي، وأصول المذهب توافقه لان الكتابة إما بيع أو عتق وكلاهما رجوع وهي في البيع الفاسد فوت. هذا إن لم يعجز. وإن عجز فليس بفوت. انتهى من ابن غازي. فجزم ابن عرفة بأنها ليست بفوت مع العجز كما بحثه الشيخ خليل فتأمله والله أعلم. ص: (وحصد زرع) ش: ظاهره أن الحصد وحده كاف في الرجوع. وقال ابن الحاجب: وإن درس الحب وكاله وأدخله بيته فرجوع بخلاف الحصاد وجز الصوف وجذاذ الثمرة. قال في التوضيح: يعني أن من أوصى برزع فحصده وزرعه وكاله وأدخله بيته

[ 523 ]

فذلك رجوع لانه أبطل اسم الزرع ونقله إلى اسم القمح بخلاف جز الصوف وجذاذ الثمرة فإنه لم ينقل الملك ولا أبطل اسمه فلا يعد رجوعا، ولو أدخلها بيته. ومسألة درس القمح هو نص قول ابن القاسم في المجموعة. وقال الباجي: ينقل بالحصاد والدراس قال: وقوله أدخله بيته تأكيدا لقصده، وكذلك قوله اكتاله إنما يريد بلغ حد الاكتيال انتهى. وقال في الشامل: وحصد زرع مع درسه انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ: لابن القاسم في المجموعة: إن أوصى بزرع فحصده أو بصوف فجزه فليس برجوع إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته ثم ذكر بقية كلام الباجي. ص: (وحشو قطن) ش: قال في التوضيح: وينبغي أن يقيد حشو القطن بما إذا حشي في الثياب، وأما إذا حشي في المخدة ونحوها فلا. انتهى. قال في الشامل: وحشو قطن في ثوب ونحوه انتهى. ص: (وتفصيل شقة) ش: احترز بقوله: شقة مما إذا أوصى له بثوب ثم قطعه قميصا إذ القميص يسمى ثوبا. قال في الشامل: وتفصيل شقة لا إن قال ثوبي هذا ثم قطعه قميصا أو لبسه في مرضه إذ القميص يسمى ثوبا انتهى. ص: (وإيصاء بمرض أو سفر انتفيا قال إن مت فيهما وإن بكتاب ولم يخرجه أو أخرجه ثم استرده بعدهما) ش: أي وكذلك تبطل الوصية إذا كانت في المرض أو عند سفر أراده ثم زال المرض والسفر، وهذا معنى قوله: انتفيا والحال أنه قال في وصيته إن مت من مرضي أو في سفري، وسواء أشهد على ذلك ولم يكتب في كتاب أو كتبه في كتاب ولم يخرجه من يده أو أخرجه ثم استرده. أما إذا أشهد على ذلك ولم يكتبه في كتاب فلا خلاف أن الوصية تبطل إذا زال المرض أو السفر، ولا خلاف أنها تصح إذا حصل الموت فيهما. وأما إذا كتبها في كتاب ولم يخرجه من

[ 524 ]

يده فقال المصنف إنها تبطل بزوال المرض والسفر، وظاهره سواء كان أشهد في الكتاب أو لم يشهد. أما إذا أشهد عليها فحكى في اتوضيح عن الباجي في ذلك روايتين. وكذلك ذكر ابن رشد في البيان لكن قال في التوضيح عن الباجي: وإن القول بعدم إنفاذها هو مشهور قول مالك من رواية ابن القاسم وغيره، وهو خلاف ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب فإنهما حكما إذا لم يخرج الكتاب بالبطلان وظاهر كلامهما ولو كان أشهد عليهما، وأما إذا لم يشهد فقال في التوضيح عن العتبية والمجموعة: إنه لا يجوز ذلك ولو شهد عدلان أن ذلك خطه حتى يشهدهما عليه. قال: وقد يكتب ولا يعزم. وتأولها عياض وقال: معناه إذا كتبها ليشهد فيها، وأما إذا كتبها بخطه وقال إذا مت فلينفذ ما كتبته بخطي فلينفذ ذلك إذا عرف أن خطه كما لو أشهد. انتهى كلام العتبية الذي ذكره في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا. ويريد أن تلك الوصية لا تجوز ولو مات في مرضه ذلك أو سفره إذا لم يخرجها ولم يشهد إلا أن يكتبها ويقول إذا مت فلينفذ ما كتبته بخطي، فلينفذ على ما تأول عليه القاضي عياض مسألة العتبية لكنها إذا قيدها بمرضه أو سفره فإنما تنفذ إذا مات فيهما، وأما إذا لم يمت فيهما فيأتي فيها الخلاف لانه جعلها بمنزلة ما لو أشهد فيها، وتقدم الخلاف في ذلك فتأمله. وأما إذا كتب وصيته في كتاب وأخرج الكتاب من يده ثم استرده بعد زوال المرض والسفر فلا خلاف في بطلان الوصية.

[ 525 ]

ص: (ولو أطلقها لا إن لم يسترده) ش: لما ذكر أنه إذا كانت الوصية مقيدة بمرض أو سفر وكتبها في كتاب وأخرجه من يده ثم استرده أنها تبطل، ذكر هاهنا أنها تبطل أيضا إذا كانت مطلقة أي غير مقيدة بمرض أو سفر وكتبها في كتاب وأخرجها ثم استرده من يد من جعلها عنده. وقال في التوضيح: وحكى صاحب المقدمات الاتفاق على بطلانها، وذكر عياض أن ابن شبلون وغيره تأولوا الكتاب على ذلك. وأن ظاهر تأويل أبي محمد إنما يضر استرجاع المقيدة لا المبهمة، وأن أبا عمران تردد في ذلك انتهى. واقتصر في البيان على حكاية البطلان ولم يصرح بنفي الخلاف، وظاهر كلام المصنف أنه مشى على ذلك ولكن في قول المصنف: ولو أطلقها بعض قلق لانه فرض أولا في القيدة ثم بالغ في الاطلاق، لو شبه المطلقة بالمقيدة فقال: كأن أطلقها لكان أبين وأحسن انتهى. وقوله: لا إن لم يسترده أي لا إن لم يسترد الكتاب بعد أن أخرجه فلا تبطل الوصية، وسواء كانت مطلقة أو مقيدة. ونقله في التوضيح وقاله في البيان. ص: (أو قال متى حدث الموت) ش: يعني أن الوصية تمضي ولا تبطل إذا قال متى حدث الموت، وسواء قال ذلك في مرض أو سفر أو في صحة، وسواء مات في ذلك المرض أو السفر أو بعدهما، وسواء أشهد على ذلك بغير كتاب أو بكتاب أقره عند نفسه أو وضعه عند غيره فإنها تنفذ على كل حال متى مات إلا أن يكون كتبها في كتاب وأخرجه من يده ثم استرده فإنها تبطل كما تقدم. تنبيه: قال الشارح: ومثل قوله: متى حدث الموت قوله: إن مت أو إذا مت ونحوه في التوضيح قال: وسواء قالها في الصحة أو في المرض ونصه: وإن أطلق الوصية فقال متى حدث الموت أو إن مت أو إذا مت فإنها ماضية. وظاهره يعني كلام ابن الحاجب سواء كتبها في كتاب أم لا، استرجعها أم لا. أما إن لم يكتبها فقال غير واحد إنها نافذة أبدا لا ينقضها إلا تغيرها، قالها في صحته أو في مرضه. وإن كانت بكتاب وأشهد فيه فهي ماضية بالاتفاق، سواء أقرها عنده إلى الموت أو جعلها على يد غيره حتى مات. وأما إن قبضها من يد من جعلها على يديه. سواء قبضها في الصحة أو في المرض، فحكى صاحب المقدمات الاتفاق على بطلانها انتهى. ثم ذكر كلام عياض المتقدم عن ابن شبلون وتأويل أبي محمد، فظاهره أنه

[ 526 ]

إذا قال إن مت أو إذا مت وكان مريضا أنها تنفذ ولو صح من ذلك المرض، وهكذا قال في التنبيهات ونصه: إذا كان إشهاده في غير كتاب في المبهمة فهي ماضية أبدا لا ينقضها إلا تغيرها ونسخها أشد في مرضه أو صحته انتهى. وهو خلاف ما قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم ونصه: إن أوصى في صحته دون سفر ولا مرض، فسواء قال فيها متى مت أو إذا مت. وسواء أشهد على ذلك بغير كتاب أو بكتاب أقره عند نفسه أو وضعه عند غيره تنفذ على كل حال متى مات إلا أن يسترجع الكتاب بعد أن وضعه عند غيره فتبطل بذلك وصيته، وكذلك إن أوصى في مرض أصابه وعند سفر أراده فقال في وصيته متى مات، وأما إن أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أراد لغزو فقال إن مت ولم يزد، أو قال من مرضي هذا. وكذلك إن أوصى في مريض أصابه أو عند سفر أراده لغزو فقال في وصيته إن مت في سفري هذا ولم يزد، أو قال من مرضي هذا، أو قال يخرج عني كذا وكذا ولم يذكر الموت بحال، فإن كان أشهد بذلك بغير كتاب لم تنفذ الوصية إلا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر. واختلف قول مالك إن أقر الكتاب وإن كتب بذلك كتابا وضعه عند غيره بكل حال نفذت وإن مات من غير ذلك المرض وفي غير ذلك السفر. واختلف قول مالك إن أقر الكتابة عنده، فمرة قال تنفذ على كل حال متى مات، ومرة قال لا تنفذ إلا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر. وجه الاول إن إبقاءه الكتاب بعد برئه وقدومه دليل على إلغائه والتنفيذ لها، ووجه الثاني اعتبار زائد ظاهر لفظه، والاول أظهر من جهة المعنى، والثاني من جهة اللفظ. وكذا إذا قال وهو صحيح دون مرض أصابه ولا سفر أراده إن مت في هذا العام فيخرج عني كذا وكذا، وهو بمنزلة ما إذا قال إن مت في مرضي هذا أو سفري هذا. انتهى والله أعلم. ص: (كإيصائه بشئ لزيد ثم به لعمرو) ش: يعني أن من أوصى بشئ لانسان ثم أوصى به لآخر فإنهما يشتركان فيه، وكذلك لو أوصى لواحد بثلثه ثم أوصى لآخر اشتركا

[ 527 ]

فيه، وكذلك لو أوصى لواحد بالثلث ثم لآخر بالنصف أو بالجميع لاشتركا في الثلث على نسبة الاجزاء. والله أعلم. ص: (وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان) ش: يعني أن من أوصى لشخص بوصية ثم أوصى له بوصية أخرى. فالوصيتان له يعني والوصيتان من نوع واحد وهما متساويان يدل على ذلك قوله: وإلا فأكثرهما. وقوله: كنوعين فعلم أن فرض المسألة أولا في كلامه فيما إذا كانتا من نوع واحد وهما متساويتان لان تشبيهه بالنوعين دل على أن الكلام الاول فيما كان من نوع واحد. وقوله: فأكثرهما دل على أن الكلام الاول فيما كان من نوع واحد مع التساوي. وقد قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو أوصى لواحد بوصية بعد أخرى من صنف واحد وإحداهما أكثر فأكثر الوصيتين. وقول المصنف:

[ 528 ]

وإحداهما أكثر يخرج ما إذا كانتا متساويتين. وذكر الباجي في المتساويتين قولين مثل أن يوصي له بعشرة ثم بعشرة الاول، لمالك وأصحابه له العددان جميعا، وحكى في المعونة أن له أحدهما لجواز التأكيد، ابن زرقون: وانظر قوله هذا مع قول مالك وأصحابه وفي الموازية عن مالك من رواية ابن القاسم أن له أحدهما مثل قول عبد الوهاب. انتهى. ص: (وإلا فأكثرهما إن تقدم) ش: تصوره ظاهر. مسألة: إذا قال أعطوا فلانا مائة ولم يقل مائة دينار ولا درهم، فإن دل سياق كلامه على الدنانير أو الدراهم حمل عليه كأن يقول: أعطوا فلانا مائة دينار ذهبا وفلانا مائة. فتحمل على الذهب، وأعطوا فلانا مائة درهم وفلانا عشرة فتحمل على الدراهم، وإن لم يدل سياق كلامه على شئ فإنه يحمل على الغالب في البلد من الدنانير أو الدراهم، فإن لم يغلب أحدهما حمل على الاقل وهو الدراهم. قاله في رسم الصلاة من سماع يحيى. وفي أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا. قال: وفي معين الحكام: وإن أوصى له بعين ولم يبين سكنها دفع له الاكثر جريانا فإن استوى جريهما دفع له الاقل إلا أن يتبين أنه أراد الاكثر. وكذلك لو أوصى له بعدد أمداد من الطعام ولم يبين قمحا ولا شعيرا أجرى الامر على ما ذكر. وقال قبله بنحو الورقة. مسألة: إذا ذكر الموصي في وصيته أن تنفذ وصيته من سكة كانت تجري من تاريخ الوصية ثم توفي الموصي وقد انقطعت تلك السكة، فإنها تنفذ وصيته من تلك السكة التي كانت تجري يوم الوصية إلا أن يقول في وصيته إنها تكون من النقد الجاري يوم تنفيذ الوصية فيكون كما عهد، فإن وقعت الوصية مسجلة يعني مطلقة ولم يشترط صفة فإنها تكون مما يجري يوم التنفيذ، وذلك بخلاف الكوالئ والدين انتهى. مسألة: قال في باب الوصايا من معين الحكام: إذا أوصى أن يعطي إناء فألفى مملوءا

[ 529 ]

دنانير أو دراهم، فإن علم الناس أنه مما يدفع فيه ذلك أعطي بما فيه وإلا أعطي الاناء وحده، وكذلك لو أوصى بزق فألفى مملوءا عسلا أو سمنا دفع له بما فيه. انتهى. ص: (ودخل الفقير في المسكين كعكسه) ش: تصوره واضح. مسألة: قال القرطبي في تفسير: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * المسألة الرابعة وهي فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين، هل هما صنف واحد أو أكثر ؟ فيظهر فيمن أوصى بثلث ماله للفقراء وللمساكين ممن قال هما صنف واحد قال: يكون لفلان نصف الثلث وللفقراء والمساكين النصف الثاني، ومن قال هما صنفان قال: يقسم الثلث بينهم أثلاثا

[ 530 ]

انتهى. وقال ابن عرفة: قول ابن شاس يدخل الفقراء في لفظ المسكين والعكس ظاهره ولو على

[ 531 ]

عدم الترادف وهو صواب إن كان الموصي عاميا وإلا ففيه نظر. انتهى. ص: (ولم يلزم تعميم كغزاة) ش: اعلم أن الموصى له إذا كان معينا كفلان أو أولاد فلان ويسميهم، فلا خلاف أنه

[ 532 ]

يقسم بين الجميع بالسوية، ومن مات فلوارثه حصته، ومن ولد لم يدخل. وإن كان الموصى

[ 533 ]

لهم مجهولين غير محصورين كالفقراء والمساكين والغزاة وبني تميم وبني زهرة ونحوهم مما لا يمكن الاحاطة بهم، فلا خلاف أنه لا يلزم تعميمهم ولا التسوية بينهم، بل تقسم بالاجتهاد ويكون لمن حضر القسم، ولا شئ لمن مات قبله، ومن ولد أو قدم قبله استحق. وإن كان الموصى لهم يمكن حصرهم ولكن الميت لم يعينهم كقوله لاولادي ولاخوتي وأولادهم أو لاخوالي وأولادهم ونحو ذلك. فاختلف فيه على قولين: فقيل: إنهم كالمعينين يقسم بينهم بالسوية ومن مات قبل القسم فنصيبه لوارثه، ومن ولد بعد موت الموصي لم يدخل. وقيل: كالمجهولين من مات قبل القسم لم يستحق. ومن ولد استحق ويقسم بينهم بالاجتهاد. وذكر ابن القاسم في المدونة أنه لمن حضر القسم ولا شئ لمن مات قبله ومن ولد قبله دخل، ثم ذكر أنه يقسم بينهم بالسوية. ففهم سحنون أن لابن القاسم قولين وجعله خلافا. وقال ابن يونس: ليس بخلاف بل مذهبه أنه لمن حضر القسم وأنه يقسم بالسوية قال: وهو قول مالك وهذا هو الظاهر. انظر ابن يونس وأبا الحسن. وانظر الرجراجي فإن كلامه يقتضي أن المشهور أنه لمن حضر القسم إن كان أولاد فلان فلا يمكن زيادتهم. وانظر الشامل فيمن أوصى لقرابته. فرع: فقراء الرباط والمدرسة الظاهر أنهم من هذا القسم والله أعلم. ص: (ولزم إجازة الوارث بمرض) ش: يعني إذا أوصى الميت بأكثر من الثلث أو لوارث كما فرض المسألة في

[ 534 ]

التوضيح. ص: (والوارث يصير غير وارث وعكسه المعتبر مآله): مثال الصورة الاولى: إذا أوصى لاخيه لا ولد له ثم ولد له، أو أوصت المرأة لزوجها ثم أبتها. ومثال العكس: أن يوصي لامرأة ثم يتزوجها أو يوصي لاخيه وله ولد فيموت الولد ويصير الاخ هو الوارث. وجعل الشارح في الكبير مثال الثانية ما إذا أوصت لزوجها ثم أبتها وهو سهو فإنه مثال للاولى، وغره في ذلك ما يتبادر من كلام التوضيح فإن المتبادر للفهم منه كما قال الشارح لكن يمكن رده إلى الصواب بالتأمل بخلاف كلام الشارح. ص: (ولو لم يعلم) ش: هذا الخلاف في الصورة الاولى وهي ما إذا أوصى لوارث ثم صار غير وارث، وأما الثانية فلا يتصور فيها وجود الخلاف ص: (فإن سمي في تطوع يسير أو أقل الثلث) ش: احترز بالتطوع من الظهار. قال في التوضيح: قال اللخمي: ويطعم به في الظهار، فإن فضل منه عن الاطعام فضلة كان الفاضل لهم انتهى. وعبارة التبصرة أو في مما نقله في التوضيح ونصه: وإن لم يبلغ ذلك وكان العتق عن ظهار أطعم عنه وإن وافى بالاطعام أو ما بلغ منه. وإن كان فوق الاطعام ودون العتق

[ 535 ]

أطعموا وكان الفاضل لهم، وهذا هو القياس. والاستحسان يتصدق بالفاضل، وإن كان العتق عن قتل اشترى بما ينوب القتل في رقبته كالتطوع انتهى. ص: (وإلا فما آخر نجم مكاتب) ش: هكذا في المدونة. والظاهر أنه لا فرق بين الاول والآخر. ولفظ اللخمي قال مالك: ويعان به مكاتب ولا يقال إنما اشترط الاخير لانه إذا أدى أو لا فقد يعجز فلا يحصل العتق المقصود لانا نقول: إن عجز يؤخذ ذلك من سيده، لانه إنما يدفع للمكاتب لقصد العتق لا لقصد الصدقة. نعم آخر نجم أولى لانه لا يشبه أنه ما عتق إلا بسببه والامر من المخاصم بعد عجزه والله أعلم. ص: (وإن مات بعد اشترائه ولم يعتق اشترى غيره لمبلغ الثلث) ش: قال في الوصايا الاول من المدونة: ومن أوصى بنسمة تشترى للعتق لم تكن بالشراء حرة حتى تعتق، لانه لو قتله رجل أدى قيمته عبدا وأحكامه في جميع أحواله أحكام العبد حتى يعتق انتهى. قال اللخمي في تبصرته: وإن قال فإذا اشتريتموها فهي حرة، كانت حرة بنفس الشراء انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير وقبله، ثم قال في المدونة: فإن مات بعد الشراء وقبل العتق كان عليهم أن يشتروا رقبة أخرى ما بينهم وبين مبلغ الثلث انتهى. وظاهره فرطوا في تأخير العتق أو لم يفرطوا. ولم أر من نص على ذلك بالاطلاق أو التقييد، وفي سماع عيسى في رسم لم يدرك من كتاب الوصايا الثاني ما نصه: وسألته عن الرجل يوصي أن يشتري من ماله رقبة وذكر أنها واجبة عليه فابتاعوا رقبة قبل أن يقسم ماله فمات العبد أو جنى جناية تحيط برقبته قبل أن ينفذ عتقه. قال ابن القاسم: إذا مات فإنه يرجع أيضا في المال فيخرج مما بقي ثمن رقبة فيشتري فيعتق إن حمل الثلث ما بقي بعد موت الغلام ما يكون فيه رقبة أو ما كان من ثلثه، وكذلك لو أخرج ثمنه فسقط. وأما إذا جنى خير الورثة في أن يسلموه ويبتاعوا من ثلث ما بقي عبدا وأن يفتكوه فيعتقوه، وكذا يرجع أبدا في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه أو يقسم المال، فإن

[ 536 ]

قسم وقد اشترى وأخرج ثمنه فذهب فلا شئ على الورثة إلا أن يكون معه في الثلث أهل وصايا قد أخذوا وصاياهم فيؤخذ مما أخذوا مما يبتاع به رقبة لانه لا تجوز وصيته ولم ينفذ إلا أن يكون معه في الوصية من الواجب ما هو مثله فيكون في الثلث سواء. وإن بقي في أيدي الورثة من الثلث ما يبتاع به رقبة ثم أخذ ذلك من أيديهم بعد القسم وابتيع به رقبة وأنفذ لاهل الوصايا وصاياهم ولا يكون لهم من الثلث شئ وثم وصايا لم تنفذ. قال ابن رشد: قوله: إذا مات العبد قبل أن يعتق أنه يرجع في ثلث ما بقي بعد العبد فيشتري به عبدا آخر فيعتق إن كان المال لم يقسم، وإن كان قد قسم لم يرجع على الورثة إلا أن بقي في أيديهم من الثلث بعد العبد الذي كان اشترى للعتق فمات استحسان لا يحمله القياس لان الحقوق الطارئة على التركة لا يسقطها قسمة المال، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم أنه يرجع إلى ما بقي من المال فيخرج ثلثه ويكون ذلك كشئ لم يكن لا يحتسب في ثلث. ولم يفرق بين أن يكون المال قد قسم أو لم يقسم، وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الاول من المدونة. ومن الناس من ذهب إلى أنه يفسر ما في المدونة بما وقع في هذه الرواية من الفرق بين أن يقسم المال أو لا يقسم وهو قول أصبغ وليس ذلك بصحيح، لان الاولى وأن يحمل الكلام على الظاهر مما هو القياس ولا يعدل به عن ظاهره بالتأويل إلى ما ليس بقياس وإنما هو استحسان، وكذلك قوله: إنه يرجع في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه يريد أنه إذا نفذ عتقه فاستحق بعد العتق لا يرجع في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته وإن لم يقسم المال، وإنما يرجع فيما بقي من الثلث بعد قيمته هو استحسان أيضا على غير قياس. والذي يوجبه النظر بالقياس على الاصول أن يرجع أيضا إذا استحق العبد بعد أن عتق في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته، قسم المال أو لم يقسم. انتهى. ص: (وبشاة أو عدد من ماله يشارك بالجزء) ش: يعني أن من أوصى لشخص بشاة أو بعدد من ماله فإنه يشارك بالجزء. ومعنى يشارك بالجزء أنه يكون شريكا بنسبة تلك الشاة من الغنم، أو بنسبة ذلك العدد من الغنم. فإن أوصى له بشاة ومات عن خمس فله الخمس، وإن أوصى له بثلاثة فله ثلاثة أخماس من الغنم فتقوم ويأخذ الموصى له بذلك الجزء من الغنم، سواء

[ 537 ]

كان عدده قدر الذي أوصى به الميت أو أكثر أو أقل بالقرعة. هذا قول ابن القاسم، لكنه لم يراع الجزء يوم الموت مطلقا بل راعاه بشرط أن تبقى الغنم إلى يوم التنفيذ، فإن لم تبق الغنم على عددها بل نقصت فله نسبة ذلك العدد إلى الموجود يوم التنفيذ، فإن لم يبق إلا ذلك العدد أخذه الموصى له إن حمله الثلث. قال في أول الوصايا الاول: قال غير ابن القاسم: ما مات أو تلف قبل النظر في الثلث كان الميت لم يتركه انتهى. قال أبو الحسن: ظاهره فرطوا أم لا، وقول الغير تفسير وتتميم انتهى. فلو أوصى له بعشرة من غنمه وهي خمسون ثم تلف منها عشرون فله ثلث الثلاثين الباقية، وإن بقي عشرون فله نصفها، وإن بقي خمسة عشر فله ثلثاها، فإن بقي عشرة أخذها وإن حمل ذلك الثلث، فإن لم يبق من الغنم شئ أو استحقت كلها فلا شئ له. نص عليه ابن عرفة ونحوه في التوضيح. وفي المدونة أول الوصايا ما يدل كالصريح لمن تأمل. ص: (لا ثلث غنمي فتموت) ش: يريد فيموت غالبها وتبقى بقية فليس للموصى له إلا ثلث الباقي والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: الشيخ: من أوصى لرجل بعشرة شياه من غنمه ومات وهي ثلاثون فولدت بعده فصارت خمسين. له خمسها. قاله أشهب مرة، ومرة قال: له من الاولاد بقدر ماله من الامهات، إن كانت الامهات عشرين أخذ عشرا من الامهات ونصف الاولاد إن حمله الثلث أو ما حمل منها انتهى. ص: (وقدم لضيق الثلث) ش: قال ابن عرفة: والمخرج من

[ 538 ]

ثلثه الوصايا وتبرعات مرض موته فإن ضاق ونص على تقدم شئ على شئ له رده قدم عليه، وتقدم القول فيه، وما ذكره الباجي فيه وإلا قدم الآكد انتهى. وكلام الباجي قبل هذا الكلام بنحو الاربع ورقات وهو يحتاج إلى تأمل وهو كلام ابن رشد في المقدمات ونصه: وإذا ضاق الثلث عن الوصايا يبدأ بالآكد فالآكد والاقدم فالاقدم، وما كان بمنزلة واحدة في التأكيد تحاصوا في الثلث وإن كان بعضها أقدم من بعض إلا أن ينص الموصي على تقدم بعضها على بعض فيبدأ بالذي نص على تبدئته اتباعا لوصيته وإن كان غيرها من الوصايا آكد ما لم يكن مما يجوز الرجوع عنه كالمبتل في المرض والمدبر فيه أو في الصحة انتهى. ص: (وثم مدبر صحة) ش: قال في كتاب المدبر منها: ومن مات وترك مدبرين، فإن كان دبر واحد بعد واحد في صحة أو في مرض أو دبر في مرض ثم صح فدبر في صحته ثم مرض فدبر في مرضه فذلك سواء، ويبدأ الاول فالاول إلى مبلغ الثلث. فإن بقي أحد منهم رق ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يحملهم لم يبدأ أحدهم على صاحبه ولكن يفض الثلث على جميعهم بالقيمة فيعتق من كل واحد حصته منه، وإن لم يدع إلا هم عتق ثلث كل واحد ولا سهم بينهم بخلاف المبتلين في المرض انتهى. قال في هذا المحل من التوضيح: هو المشهور. وقيل: يقرع بينهم انتهى. ص: (ثم زكاة أوصى بها) ش: يعني ثم زكاة فرط فيها وأوصى بها في مرضه، أما لو لم يفرط فيها فهي المسألة الآتية في قوله: إلا أن يعترف إلى آخره. وأما لو أقر في صحته وأشهد بها فإنها من رأس ماله كما سيأتي في أول باب الفرائض. ولو فرط فيها ولم يوص بها في مرضه فلا تخرج من ثلثه ولا غيره. قال

[ 539 ]

في التوضيح: ولو قال في مرضه سأخرجها انتهى. ومراد المؤلف زكاة الاموال، سواء كانت عينا أو حرثا أو ماشية. قال في المنتقى: قال في كتاب ابن المواز: زكاة المال والحب والماشية سواء يحاص فيها عند ضيق الثلث انتهى. ص: (إلا أن يعترف بحلولها ويوصى فمن رأس المال) ش: هذه هي الزكاة التي لم يفرط فيها. وفرق المؤلف بين العين وغيرها، فشرط في العين أن يعترف بحلولها ويوصي بالمال، أما اشتراط الاعتراف فتبع فيه ابن الحاجب وقد اعترضه في توضيحه، وكذلك ابن عبد السلام وابن عرفة. ونص ابن عرفة: قول ابن الحاجب: إن اعترف بحلولها حينئذ أنه لا يخرجها فمن رأس ماله خلاف اقتضاء ظاهر الروايات شرط علم حلولها حينئذ من غيره ولصحة تعليل الصقلي ما أخر منها في الثلث لكونه لم يعلم إلا من قبله انتهى. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: ظاهر كلامه أنه يكتفي في هذا اعتراف الموصي، سواء عرف ذلك من غيره أم لا. وفي موافقته للرواية نظر أي لان في المدونة فما عرف من هذا انتهى. وأشار إلى قوله في الوصايا الاول. فأما المريض يحل حول زكاته أو مقوم عليه مال حال حلوله، فما عرف من هذا فأخرجه من مرضه أو أمر بذلك ثم مات فإنها فارغة من رأس ماله، فإن لم يأمر بها لم يقض بها على الورثة وأمروا بغير قضاء انتهى. وأما اشتراط الايصاء فهو مذهب المدونة كما علمت الآن والله أعلم. وقوله في المدونة: فارعة هو بالعين المهملة أي خارجة ولها حكاية. قال المشذالي في حاشية: قوله: فارعة من رأس المال كتب بعض الموثقين الاندلسيين وثيقة في المدبر وذكر فيها: فارغا من رأس المال يعني بالمعجمة. فدخل بها على بعض القضاة فقال له القاضي: هل عندك من غريب فأخرج الوثيقة فطفق يقرؤها حتى بلغ فارغا فاستعاده القاضي فأعاد فقال له: صحفت يا فقيه فتأمل. فقال: كذا رويتها وضبطتها عن أشياخي وكذا هي في الامهات. فقال له القاضي: كل كتاب وقعت فيه كذلك أو شيخ رواها كذلك فقد أخطأ. فخرج من عنده ولم يفهمه جوابها فتحير الطالب الموثق فبعث أسئلة إلى قرطبة وضواحيها فاضطربت أجوبتهم فيها فقال بعضهم: يصح فيها الوجهان. وقال بعضهم: بالغين المعجمة. وقال بعضهم: بالمهملة. ثم رجعوا إلى القاضي فقال القاضي: كلهم أخطؤا اللفظ بالمهملة وأول من صدرت عنه مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[ 540 ]

قلت: هذا الموثق إن كان بعد عياض فهو قاصر وقد نص عليها عياض في العتق الاول والعارية، وإن كان قبله فقد نص عليها صاحب الغريبين في باب الفاء. ص: (كالحرث والماشية وإن لم يوص) ش: سيأتي الكلام عليها محررا في أول الفرائض إن شاء الله والله أعلم. ص: (ثم عتق ظهار وقتل) ش: يعني قتل الخطأ كما قيده في المقدمات والباجي وغيرهما قال الباجي: وأما العمد فقد روى ابن المواز عن ابن القاسم أن كفارة الظهار مقدمة إذ ليست بواجبة في العمد. انتهى ونقله ابن عرفة والله أعلم. ص: (وأقرع بينهما) ش: هذا أحد أربعة أقوال في المسألة نقلها في المقدمات وغيرها. قال في المقدمات: وذلك يعني الخلاف إذا لم يكن في الثلث إلا رقبة واحدة، وأما إذا كان في الثلث رقبة وإطعام فيعتق الرقبة في القتل ويطعم عن الظهار باتفاق. انتهى والله أعلم. ص: (ثم لفطر رمضان) ش: قال البساطي: بالاكل والشرب فإن قلت قيدت ذلك بالاكل والشرب لماذا قلت الكفارة بالجماع مجمع عليها وكان ذلك مقصود أهل المذهب حيث لا يقولون إلا كفارة الفطر انتهى. وهذا الذي قاله غير ظاهر لان المفطر يعم كذلك ولم أر أحدا قيده بما قال. فالصواب حمله على الاطلاق والله أعلم. ص: (ثم المبتل ومدبر المرض) ش: يعني أنهما في مرتبة واحدة، فإن لم يحملها الثلث

[ 541 ]

تحاصا. قال في التوضيح: وهذا إذا كان في فور واحد، ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالاول لانه ثبت له ما لا رجوع فيه. أشهب: والكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظة الواحدة. وقال ابن القاسم: ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا، وما كان في فور بعد فور فالاول مبدأ انتهى. وقال ابن عرفة: الباجي: هذا إذا كان في لفظ واحد أو في حكم اللفظ الواحد. قال في الموازية والعتبية والمجموعة: إن كانا في كلام واحد في مرضه فقال هذا مدبر وهذا حر بتلا تحاصا. وقاله ابن القاسم: ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالاول لانه ثبت له ما لا يرجع فيه. ولاشهب في المجموعة: الكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظ الواحد. ولابن القاسم في الواضحة: ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا، وما كان في فور بعد فور فالاول مبدأ. قال أشهب: إن قال فلان حر بتلا ثم سكت سكوتا يعرف أنه لم يرد غيره ثم يبدأ له ببتل غيره بدئ الاول فالاول اه‍. وكلام أشهب هذا الاخير هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله آخر العتق إلا أن يرتب فيتبع والله أعلم. وكذلك إذا دبر واحدا بعد واحد في كلمة واحدة الحكم واحد، وقد تقدم في لفظ المدونة. قال في المقدمات: والنذر الذي يوجبه على نفسه في المرض ينبغي أن يكون بمنزلة المبتل في المرض والمدبر فيه انتهى. ص: (ثم الموصى بعتقه معينا) ش: لم يتكلم المؤلف رحمه الله تعالى على صدقة المريض المبتلة، قال ابن عرفة: وقال ابن دينار: صدقة المبتل مقدمة على الوصية بعتق معين إذ له أن يرجع عنه. وقاله المغيرة وعبد الوهاب. قال سحنون: كانت العطية قبل وصيته أو بعدها. وروى ابن القاسم أن مالكا توقف في تبدئة صدقة المبتل على الوصايا، وكذلك في العتبية. وتبدأ أحب إلي، وأما على العتق بعينه فيبدأ العتق. ابن زرقون: الذي في سماع ابن القاسم من الوصايا أن الوصية يحاص بها مع صدقة المريض. وفي كتاب المرابحة من العتبية: الصدقة مبدأة انتهى. وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا بعد أن ذكر الرواية قال ابن رشد: ظاهر هذه الرواية أن السؤال فيها إنما هو عن الوصية بالصدقة والوصية على سبيل العطية فقال: إنهما يتحاصان. ولا خلاف أحفظه في ذلك، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: قد قيل إن الصدقة تقدم على الوصية

[ 542 ]

لانها للفقراء والوصية للاغنياء ولا أعرف هذا القول ولا وجه له إذ قد يتصدق على الغني ويعطى للفقير، ويلزم أن تبدأ الوصية للفقير على الوصية للغني وذلك خلاف الاجماع، وإنما الاختلاف المعلوم في الصدقة المبتلة في المرض والوصية هل يتحاصان، أو تبدأ الصدقة المبتلة من أجل أنه إن صح لزمته، فروى الحارث عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يتصدق بالصدقة في مرضه ويوصي لناس بوصايا ثم يموت فيريد أهل الوصايا أن يدخلوا على المتصدق عليه قال: لا أرى ذلك لهم لانه لو عاش ثم أراد أن يرجع في صدقته لم يكن له ذلك. ومثل هذا في المختصر الكبير لابن عبد الحكم عن مالك، ومثل هذا في كتاب ابن حبيب، وقد اختلف قول مالك في هذا الاصل انتهى. فحاصله أن الصدقة المبتلة ومثلها العطية المبتلة يقدمان على الوصايا على القول المروي عن مالك وعن أكثر أصحابه. وهل يقدمان على الموصى بعتقه ؟ اختار ابن القاسم تبدئة الموصى بعتقه والله أعلم. وهل تحتاج العطية في المرض إلى حوز ؟ ففي المنتقى عدم احتياجها انظره فيه بعد. يشير والله أعلم إلى قول الباجي في المنتقى في الوصايا في ترجمة الوصية في الثلث في شرح قوله في الحديث: إياهم وثلث مالي قال: لا فضل إن حملنا قوله: أنا أتصدق بثلث مالي على بتل الصدقة في المرض، والنبي عليه السلام منع من ذلك، وعلى هذا فقهاء الامصار أنه لا يجوز للمريض أن يبتل من ماله إلا ثلثه بصدقة أو هبة أو عتق أو محاباة في بيع، فإن زاد على ذلك فالزيادة موقوفة، فإن أفاق من مرضه ذلك لزمه جميعه، وإن مات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية إن أجازه، الورثة وإلا رد إلى الثلث، ولا يعتبر في ذلك قبض الهبة لان حكمه حكم الوصية. وشذ أهل الظاهر وقالوا: يلزمه الجميع إذا قبض الهبة أو الصدقة انتهى. والمراد منه قوله ولا يعتبر في ذلك قبض

[ 543 ]

الهبة لان حكمه حكم الوصية والوصية لا يشترط فيها الحوز فتأمل ذلك والله أعلم. وألحق صاحب المقدمات بهذه الاربعة التي ذكرها المؤلف الموصى له بكتابته إذا عجل الكتابة والله أعلم. فرع: جعل ابن رشد في نوازله الموصي بتحبيسه مع الموصي بالثلث في مرتبة واحدة، ونقله البرزلي. وانظر الحبس المبتل في المرض، هل يبدأ على الوصايا بمال ؟ فإن في كلام ابن رشد في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس إشارة إلى ذلك ونصه في شرح مسألة من حبس في مرضه دارا له وجعلها بعد حبسه في سبيل الله فأراد أن يغير ذلك في مرضه. أذلك له ؟ قال: نعم ذلك له. ونصه: قوله: إن له أن يغير في مرضه يريد فينفذ تغييره ويبطل الحبس إن مات من مرضه، وأما إن صح فيلزمه الحبس ويحكم به عليه، وإن كان قد رجع عنه وغيره في مرضه. ووجه كونه له أن يغير ذلك في مرضه أنه لما كان الحبس لا ينفذ من مات من مرضه إلا من الثلث حكم له بحكم الوصية في أن له أن يرجع فيه، فعلى قياس هذا إن مات من مرضه قبل أن يغير حبسه وقد أوصى بوصايا مال فلم يحمل ذلك ثلثه تحاصا في الثلث ولم يبدأ الحبس المبتل في المرض على الوصية بالمال. وهذا أصل اختلف فيه قول مالك فيمن بتل عتق عبد له في مرضه وأوصى بعتق عبد له آخر، فروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك: المبتل في المرض يبدأ على الموصي بعتقه. أخذ بذلك ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وابن دينار وإياه اختار ابن المواز، فعلى هذا لا يجوز للمريض تغيير ما حبسه في مرضه ولا بتل عتقه فيه. وروى أشهب عن مالك أنهما يتحاصان، المبتل في المرض والموصي بعتقه فيه. قال ابن المواز: وقد نقل لي بعض أصحاب مالك أن مالكا رحمه الله رجع إلى هذا القول وعليه لقى الله عزوجل. فقوله في هذه الرواية: إن له أن يغير حبسه الذي حبسه في مرضه يأتي على قول مالك هذا الذي رجع إليه من أنهما يتحاصان ولا يبدأ المبتل في المرض على الموصي بعتقه انتهى. فالمقصود من كلامه قوله: فعلى قياس هذا أن من مات من مرضه قبل أن يغير حبسه إلى قوله: على الوصية بالمال. ص: (ثم الموصى بكتابته والمعتق لاجل بعيد والمعتق بمال) ش: يعني أن العبد الموصى بكتابته ولم يعجلها، والموصي بعتقه على مال ولم يعجله، والمعتق إلى أجل بعيد كعشر سنين، وقوله: ثم لسنة على الاكثر يعني، وأما العتق لسنة فيقدم على المعتق لاكثر منها وما معه، وكانت الواو هنا أولى من ثم، ويشير إلى ما نقل في التوضيح عن عبد الحق وقدم عبد الحق المعتق إلى سنة على المكاتب وجعل

[ 544 ]

المكاتب يتحاص مع المعتق إلى أجل بعيد كعشر سنين ومع المعتق على مال فلم يعجله انتهى. وبهذا يستقيم كلام المؤلف والله أعلم. ص: (ثم عتق لم يعين ثم حج) ش: يعني أن العتق غير المعين يلي ما تقدم ويقدم على الحج ثم الحج بعد ذلك. ص: (إلا لصرورة فيتحاصان) ش: أي إلا أن يكون الحج عن صرورة فإنه يكون بمنزلة العتق غير المعين. ص: (كعتق لم يعين ومعين غيره وجزئه) ش: كما أن العتق غير المعين يكون مع الحج الصرورة في رتبة واحدة ويتحاصان، كذلك يكون العتق غير المعين مع معين غير العتق. قال في التوضيح: والمراد به العدد المسمى كعشرة دنانير ونحوها انتهى. وكذلك العبد والدابة والثوب والكتاب ونحوها مع جزء أي جزء غير المعين كربع المال وسدسه ونحو ذلك في رتبة واحدة، فيتحاصان ولا يتقدم أحدهما على الآخر. فيتحصل من كلامه أن العتق غير المعين وحج ومعين غير العتق كعشرة دنانير ونحوها، وجزء غير العتق كربع المال وثلثه في رتبة واحدة وإن حج غير الصرورة بعد ذلك والله أعلم. تنبيه: ما ذكره من أن معين غير العتق كالدابة والثوب ونحوهما والعدد المسمى كالعشرة ونحوها هو والجزء كسدس المال وربعه وثلثه في رتبة واحدة وهو مذهب المدونة. وقال ابن

[ 545 ]

رشد في رسم الوصايا من سماع أشهب: هو المشهور. وقيل: إن التسمية مبدأة على الجزء. وقيل: الجزء مبدأ. قال: وذلك إذا أبهم التسمية ولم يقل إنها من الثلث، فإن قال ذلك فلا خلاف أنها مبدأة. انتهى بالمعنى. وما ذكره من نفي الخلاف فمشكل فقد ذكر في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن المواز فيمن قال لفلان ثلثي ولفلان من ثلثي عشرة أو لم يقل وبه قال ابن القاسم عن مالك: يبدأ بالتسمية إذا قال من ثلثي، وإن لم يقل من ثلثي فيتحاصان. ثم رجع مالك فقال: يتحاصان، قال: من ثلثي أو لم يقل به. قال ابن القاسم: انتهى من الثالث من الوصايا والله أعلم. تنبيه: قد تقدم أنه إذا نص الميت على تبدئة شئ مما ذكر إلد أن غيره مبدأ عليه وهو وإياه في رتبة واحدة، فإنه يبدأ ما أوصى به الميت إذا علم ذلك، فقد ذكر في نوازل أصبغ أنه إذا أوصى لفلان بثلثه ولفلان بعدد مسمى ثم قال في صاحب الثلث أو في صاحب العدد المسمى أنه لا ينقص أنه يبدأ دون الآخر. وقبله ابن رشد ولم يذكر فيه خلافا فانظره. وأما لفظ جميع فالظاهر أنها لا تفيد التبدئة. فقد قال في المدونة فيمن أوصى لانسان بثلثه ثم أوصى لآخر بجميع ماله، أن الثلث يقسم بينهما على أربعة: للموصى له بالثلث ربع وثلاثة أرباعه للموصى له بجميع المال والله أعلم فرع: لو أعتق أحد عبيده في صحته ولم يعينه حتى مرض فقال عينت هذا، صدق وعتق في جميع المال إلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر فيكون الفضل في الثلث. قاله في العتق الاول من المدونة أبو الحسن. قال بعض فقهائنا. وتكون هذه الزيادة مبدأة على الوصايا وعلى العتق والزكاة التي فرط فيها، ويحتمل أن تكون مبدأة على مدبر الصحة لانه أمر عقده في الصحة وإنما جعلت الفضلة في الثلث للتهمة وغيره يراه من رأس المال، ويحتمل أن يبدأ مدبر الصحة عليها إن كان التدبير قبل أن يقول أحد عبيدي حر. انتهى والله أعلم. ص: (بثلثه) ش: احترز بقوله: بثلثه مما إذا اشترى بأكثر من الثلث. ابن عرفة: وفيها: من اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله الثلث. الصقلي: قال محمد: إن اشترى بأكثر من ثلثه وعتق

[ 546 ]

وورث باقي المال إن انفرد وحصته مع غيره، وإن عتق مع ذلك عبده بدأ بالابن وورثه إن حمله الثلث. الصقلي: قال محمد: إن اشتراه بأكثر من ثلثه عتق منه محمل الثلث ولم يرثه. وفي سماع ابن القاسم مثله وفيه إن لم يحمله الثلث عتق منه محمله ورق ما بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم عتق ما بقي عليهم. قلت: فإن اشترى أباه بماله كله وورثه من يعتق عليهم جاز شراؤه وعتق عليهم. انتهى في التوضيح في أول كلامه وأثنائه وآخره وكأنه هو المعتمد من الخلاف لتصدير ابن عرفة به، ويلزم عليه جواز شراء المريض من يعتق على وارثه بماله كله وهو ظاهر، لان له التصرف في ماله بالمعاوضة فتأمله والله أعلم. وقال في الجواهر: إذا ملك قريبه في مرضه الموت بالارث عتق عليه من رأس ماله، وإن ملكه بالشراء عتق من ثلثه، وحكم الابن في ذلك حكم غيره. وإن ملكه بقبول وصية أو هبة فهو كملكه بالبيع، ثم إذا عتق من رأس المال أو من ثلثه ورث. وقال أصبغ: لا يعتق بحال انتهى. ص: (وقدم الابن على غيره) ش: هو كقول ابن الحاجب فإن كان معه غيره قدم الابن. قال في التوضيح: يحتمل أن يريد فإن اشترى مع الابن غيره ممن يعتق عليه بدئ الابن، على هذا مشاه ابن عبد السلام. ويحتمل أن يريد فإن كان مع الابن معتق غيره كما لو أعتق عبدا له في مرضه واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث. قال في المدونة: فالابن مبدأ ويرثه كما لو اشتراه صحيحا، وهذا الحمل الثاني أرجح لان المسألة كذلك في المدونة والجواهر، وتمشية ابن عبد السلام أظهر من جهة اللفظ لكن النقل لا يساعدها على إطلاقها لانه إن كان واحدا بعد واحد فإنه يبدأ بالاول، وإن كان صفقة فقال أشهب على قياس قول مالك: لا يتحاصون، وفي قوله: بدئ الابن فأعتقه إن كان أكثر من الثلث وورثه. ابن يونس: يريد على مذهب الذي يرى أن يشتري بجميع المال إن لم يكن معه وارث انتهى. فتعين أن يحمل كلام المؤلف هنا على التمشية الموافقة للمدونة والله أعلم. ص: (وإن أوصى بمنفعة معين إلى قوله ثلث الجميع) ش: أخذ المؤلف رحمه الله يتكلم على بعض مسائل من خلع الثلث، فذكر ثلاثة مسائل: الاولى إذا أوصى

[ 547 ]

بمنفعة معين كما لو أوصى بخدمة عبد أو سكنى دار فإن الحكم في ذلك أن ينظر إلى ذلك المعين الموصي بمنفعته، فإن حمله الثلث نفذت الوصية، وإن كان الثلث لا يحمل قيمة ذلك المعين الموصي بمنفعته فإنه يخير الورثة بين أن يجيز وإما أوصى به الميت أو يخلع ثلث جميع ما ترك الميت من ذلك المعين وغيره. قال في المدونة في كتاب الوصايا الاول: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده أو سكنى داره سنة جعل في الثلث قيمة الرقاب. زاد في الامهات أنه إذا قومت الخدمة فإن حملها الثلث نفذت الوصايا، وإن لم يحمل خير الورثة في إجازة ذلك أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل ما ترك بتلا، والوصية في العبد بالخدمة أو بالغلة سواء. قال أبو الحسن: جعل في الثلث قيمة الرقاب. زاد في الامهات: لاني إذا قدمت الخدمة والسكنى حبست الدار والعبد على أربابهما وهم قد يحتاجون إلى البيع. ابن يونس: احتجاجه بالبيع لا يصح في الدار الجائز بيعها واستثناء سكناها عنة والمعروف من قول مالك وابن القاسم أن يجعل الثلث في الرقاب وإن كانوا قادرين على البيع للاستثناء وأن لهم حقا في تعجيل الانتفاع بالرقاب. ابن يونس: وإنما جعلت الرقاب في الثلث مع إمكان رجوع ذلك للورثة لانه قد يموت وتنهدم الدار انتهى. واحترز بقوله منفعة مما إذا أوصى له بمعين كعبد أو دابة أو دار إن لم يحمله الثلث، قال في المدونة: فإن قول مالك اختلف في هذه المسألة فقال مرة مثل ما تقدم، وقال مرة يخيرون بين الاجازة وبين أن يقطعوا له بمبلغ ثلث جميع التركة في ذلك الشئ بعينه قال: وهذا أحب إلي. انتهى. قال ابن عبد السلام: وهذا هو المشهور أعني التفرقة بين الوصية بالمنافع وبالمعين والله أعلم. ص: (أو بما ليس فيها) ش: أشار به إلى المسألة الثانية ويعني بما ليس في التركة، يريد سواء كان يحمله الثلث أم لا. قاله ابن عبد السلام. وسواء كان عينا أو عرضا على خلاف في هذا إلا أن هذا قول مالك وابن القاسم واقتصر عليه ابن الحاجب قاله ابن عبد السلام. والحكم في ذلك أن الورثة يخيرون بين الاجازة فيشترون للموصى له ذلك الشئ الموصى به، أو يدفعوا له ثلث جميع التركة والله أعلم. ثم أشار إلى المسألة الثالثة بقوله. ص: (أو يعتق عبده بعد موته بشهر) ش: وتصورها ظاهر من كلام الشارح. ص: (ولا يحمل الثلث) ش: هذا شرط في المسألة الاولى والثالثة دون الثانية فاعلمه والله أعلم. ص: (خير الوارث بين أن يجيز أو يخلع ثلث الجميع) ش: هذا ظاهر في المسألة الاولى والثانية، وأما في المسألة الثالثة فإنما يخيرا لو الوارث في إجازة الوصية أو القطع بمبلغ الثلث في العبد نفسه على المشهور كما تقدم في مسألة الوصية بمعين والله أعلم. ومسائل هذا

[ 548 ]

الباب كثيرة. وفي الوصايا من المدونة منها. جملة والله الموفق. ص: (وبنصيب ابنه إلى قوله فزائد) ش: تصوره ظاهر. فروع: الاول: قال ابن عبد السلام: المعتبر فيما ذكرنا من عدد الولد من كان موجودا يوم موت الموصي ولا ينظر إلى من زاد فيهم بعد الوصية ولا من مات. رواه أشهب عن مالك انتهى. ونقله في التوضيح. الثاني: منها أيضا أن من أوصى بمثل نصيب ولده ولا ولد له وجعل يطلب الولد فمات ولم يولد فلا شئ للموصى له انتهى. الثالث: قال في التوضيح: واختلف إذا أوصى بمثل أحد نصيب بنيه وترك نساء ورجالا على أربعة أقوال: الاول قول مالك يقسم المال على عدد رؤوسهم الذكر والانثى فيه سواء، ويعطى حظ واحد منهم ثم يقسم ما بقي على فرائض الله تعالى، لكن إنما فرض المسألة في المدونة فيما إذا قال له نصيب أحد ورثتي. الثاني أنه رجل من ولده الثالث أنه يزاد سهمه على السهام ويكون له. وقال ابن زياد: يكون له نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى. هكذا حصل ابن زرقون انتهى. ويكون الاول هو المعتمد لكونه مذهب المدونة. الرابع إذا كان أولاده إناثا كلهم كان لهم الثلثان، ثم نظر إلى عددهن فإن كن أربعا أعطين ربع الثلثين، وإن كان ثلاثا أعطين ثلث الثلثين، وإن كن اثنتين أعطين نصف الثلثين، وإن كانت واحدة أعطيت نصف المال إن أجازه الورثة وإلا فله ثلث المال. نقله ابن عرفة عن ابن يونس عن كتاب محمد والله أعلم. ص: (أو بنصيب أحد ورثته فبجزء من عدد رؤوسهم) ش: قال ابن عبد السلام:

[ 549 ]

ولا يلتفت إلى قسمة هؤلاء الورثة كيف كانت بالسوية أو مختلفة فيعطى الموصى له جزءا بنسبته إلى التركة نسبة الواحد إلى عدد رؤوسهم انتهى. وفيها خلاف والله أعلم. ص: (وبجزء أو سهم فبسهم من فريضته) ش: أي إذا كانت من ستة فلهم سهم من ستة، وإن كانت من ثمانية فلهم سهم منها أو من أربعة وعشرين فبسهم منها. وإن كان ورثته أولادا رجالا وابنة أعطى سهما من ثلاثة، وإن كان رجل وامرأتان فسهم من أربعة، وعلى هذا كذا ضربه عيسى في سماعه. نقله ابن عرفة. وما ذكره المؤلف هو المشهور. وعليه فلو كان أصلها من ستة وتعول إلى عشرة فله سهم من عشرة انتهى من التوضيح. وفي المسألة خلاف، فقيل له الثمن لانه أقل سهم ذكره الله، وقيل له السدس لانه أقل سهم والثمن إنما يستحق بالحجب. فرع: فإن لم يكن له وارث فقال أشهب: سهم من ثمانية. وقال ابن القاسم: سهم من ستة. قال ابن عرفة: قال ابن رشد: الاظهر قول أشهب. وقال ابن عبد السلام: الاقرب بعد تسليم أهل المذهب قول أشهب وقول الشافعي عندي قوي انتهى. والشافعي يقول يدفع له الورثة ما شاؤوا. كذا نقل هو عنهم. ص: (وفي كون ضعفه مثله أو مثلية تردد) ش: يعني لو أوصى له بضعف نصيب ولده، فهل للموصى له مثل نصيب ولده مرة واحدة أو مثلاه ؟ لا نص عن مالك وأصحابه المتقدمين. وتردد في ذلك المتأخرون فقال بعض شيوخ ابن القصار: ومثله مرة واحدة وإن قال ضعفيه فمثل نصيبه مرتين. وقال ابن القصار: حكي عن أبي حنيفة والشافعي أنهما يقولان: ضعف النصف مثله مرتين وهو أقوى من جهة اللغة انتهى. قال في التوضيح: وفيه نظر. وفي الجوهري: وضعف الشئ مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله. نعم هو

[ 550 ]

أقرب من جهة العرف، وانظر كيف عده المصنف قولا وإنما أشار ابن القصار إلى قوته من حيث اللغة. انتهى كلام التوضيح. قلت: ويقال مثله في كلامه بل يقال قد تبين بما نقله المصنف عن الجوهري: إنه ليس أقوى من جهة اللغة وإن الموافق للغة هو الاول وإنما يوافق العرف فتأمله والله أعلم. ص: (وهي ومدبر إن كان بمرض في المعلوم) ش: تصوره واضح. فرع: فإن ادعى أهل الوصايا أن الميت علم به وأنكره في المرض حلف الورثة ما يعلمون أن الميت علم به ولم تدخل الوصايا فيه، وإن نكلوا حلف الموصى لهم ودخلت الوصايا فيه. انتهى من شرح ابن الحاجب لابن فرحون. ص: (ودخلت فيه) ش: يعني أن الوصايا تدخل في المدبر في المرض إذا " بطل بعضه. هكذا قال المصنف رحمه الله في توضيحه، وحمل عليه كلام ابن الحاجب وغره في ذلك كلام صاحب الجواهر. والذي يظهر أن هذا لا يتصور لان المدبر

[ 551 ]

في المرض يتقدم عليه أشياء مما يخرج من الثلث كفك الاسير ومدبر الصحة وصداق المريض والزكاة التي فرط فيها وأوصى بها ومتى ذكر مع ذلك ويتقدم على أشياء كالعبد الموصى بعتقه والوصية بالمال وما مع ذلك ويشاركه في رتبته المبتل في المرض، فإذا فرض ضيق الثلث فإن كان ما يتقدم عليه قدم، فإن استغرق ذلك الثلث بطل التدبير الذي في المرض وبطلت الوصايا كلها ولا إشكال في ذلك. وإن كان مع المدبر في المرض ما يتقدم هو عليه كالوصايا بالمال، وإن وسع الثلث المدبر في المرض جميعه واستغرق ذلك الثلث نفذ عتق المدبر في المرض وبطلت الوصايا، وإن لم يسع الثلث إلا بعض المدبر نفذ منه ما وسعه الثلث ورجع الباقي رقيقا للورثة ولا يتصور دخول الوصايا فيه. وكذلك إن كان معه ما هو في رتبته وهو المبتل في المرض فإنهما يتحاصان في الثلث فيعتق من كل واحد منهما قدر ما حمله الثلث، ولا يتصور دخول الوصايا في ذلك. وما ذكره المصنف عن صاحب الجواهر هو كذلك في الجواهر، ونقله عن كتاب ابن المواز والمجموعة. لكن الذي ذكره في الجواهر عن الكتابين المذكورين ذكره الشيخ ابن أبي زيد في النوادر عنهما وليس فيه ذكر في المرض ولم أقف عليه إلا في كلام صاحب الجواهر وهو مشكل فالصواب تركه والله أعلم. ص: (وفي العمرى) ش: انظر مسائل

[ 552 ]

الحبس من ابن سهل فإن فيه مسائل يتصور فيها دخول الوصايا في الحبس. ص: (وأوصيته بثلثي فصدقوه يصدق إن لم يقل لابني) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح.

[ 553 ]

مسألة: قال في معين الحكام في باب الوصايا: إذا شهد شاهدان على وصية أحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها، فإن استعفى هذا الشاهد منها وامتنع من قبولها جازت شهادته. ثم إن رأى القاضي بعد ذلك إعادته إلى النظر أعاده انتهى. وقوله أحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها يعني واحد الشاهدين على الوصية هو من أسند إليه النظر فيها. ص: (ووصي فقط يعم) ش: قال في المدونة: ومن قال: اشهدوا أن فلانا وصيي ولم يزد على هذا فهو وصيه في جميع الاشياء وأبكار صغار بنيه ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن والثيب بإذنها انتهى. قال المشذالي: ظاهره دخول الايصاء. وفي الطراز: إذا قال وصيي مسجلا يعني مطلقا وكان إلى نظره محجور أجنبي أنه لا يدخل تحت هذا اللفظ. المشذالي: ذكر ابن الهندي قولين: أحدهما ما ذكره صاحب الطراز أنه لا يكون داخلا تحت لفظه إلا إذا صرح بذلك. والثاني أنه يتناول الجميع إلا إذا خصص ذلك بمال نفسه وولده، وهذا الخلاف إنما هو إذا أتى بلفظ عام كما تقدم. وأما إن صرح بالوصيتين معا فلا إشكال ولا خلاف، ثم يترتب على ذلك فرع وهو إذا قال الوصي الثاني أنا أقبل وصيتك ولا أقبل وصية الاول لان فيها ديونا وتخليطا، فقال ابن وهب في سماع أصبغ: له ذلك. وقال أصبغ: ليس له ذلك لان وصية الاول من وصية الثاني فإن قبل بعضها لزمته كلها. قال ابن رشد: قول ابن وهب أظهر. قال ابن يونس: الذي أرى أن يقول له الامام إما أن تقبل الجميع أو تدع الجميع إلا أن يرى أن يقره على ما قبل ويقيم من يلي وصية الاول انتهى. وذكر أبو الحسن القولين أيضا عن ابن الهندي. وقال في النوادر: وفي ترجمة الوصي يقبل بعض الوصية ومن العتبية روى أصبغ عن ابن وهب فيمن أوصى إلى رجل بوصية وبما كان وصيا عليه فقبل وصيته في نفسه ولم يقبل ما كان وصيا عليه، فإن ذلك له ويوكل القاضي من يلي الامر الاول. وقال أصبغ: إما قبل الجميع أو

[ 554 ]

ترك الجميع، وإن قبل البعض فهو قبول للجميع. وقال فيها أيضا عن كتاب ابن المواز: ولو أوصى إلى ميت ولم يعلم لم يكن وصيه له وصيا انتهى. وقال في مفيد الحكام: وللوصي أن يوصي إلى غيره إذا لم يمنعه الوصي من ذلك، ولا مقال للورثة في ذلك ويقوم وصيه مقامه في كل ما كان إليه من وصية غيره إذا أوصى بذلك. وإن مات ولم يوص بذلك تولى الحاكم النظر في كل ما كان إليه وبيده ولم يجز له أن يهمله. وفي وثائق الجزيري: وإذا أوصى الوصي بماله وولده لم يكن وصيه وصيا على أمتاعه وقدم القاضي عليهم إلا أن ينص على ذلك في عهده انتهى. فروع: الاول: إذا قال إن مت ففلان وكيلي، فهذه وصية. صرح بذلك في نوازل سحنون في كتاب الوصايا. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان الوصي وكيل الميت، فسواء قال في وصيته فلان وصيي أو إن مت ففلان وكيلي وكل وصي وكيل وليس كل وكيل وصيا انتهى. الثاني: إذا قال فلان وصيي على أولادي فلان وفلان وله أولاد صغار غيرهم، فهل الايصاء قاصر على من سمى أو يعم الجميع ؟ فيه تنازع بين الشيوخ. قال ابن سهل في أحكامه الكبرى في أول كتاب الوصايا في ترجمة الوصايا بالايتام: وفي مسائل القاضي أبي بكر بن زرب قال في رجل قال في وصيته وله أولاد صغار قد جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان ابن فلان وله أولاد غير الذي سمى، أنهم يدخلون في الايصاء وإن لم يسمهم لانه لما قال ولدي دخل جميعهم فيه. فقيل له: كيف وقد سمى من أراد أن يولي عليهم ؟ قال لو أراد هذا لم يقل جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان ابن فلان، وإنما كان يقول من ولدي. قال: وهذا كمن قال عبيدي أحرار فلان وفلان وفلان وسكت عن باقيهم فإنهم يعتقون أجمعون من سمى منهم ومن لم يسم. قال موسى: نزلت هذه المسألة فأفتى فيها بعض الشيوخ أنه لا يعتق إلا من سمى وغلط فيها وأخذ بفتياه شيخه وحكم به. قال القاضي: أعرف وقت نزولها. قال ابن سهل: وفي سماع أصبغ في رسم القضاء المحضر من كتاب الصدقات مسألة تشبه مسألة القاضي هذه وهي: من تصدق على رجل بميراثه فقال: أشهدكم أني تصدقت على

[ 555 ]

فلان بجميع ميراثي وهو كذا وكذا في العين والبقر والرموك والرقيق والثياب والدور والبور إلا الارض البيضاء فإنها لي، وفي تركة الميت جنان لم ينصها وغير ذلك. قيل له: هل يكون ما نص وما لم ينص للمتصدق عليه إلا ما استثنى، أم ليس له إلا ما نص ؟ قال أصبغ: له كل شئ إلا ما استثنى إذا كان يعرفه والجنان داخلة في الصدقة إن كان يعرفها لانه إنما استثنى الارض البيضاء ولم يستثن الجنان فتدبر هذه الجملة، فلولا استثناء المتصدق الارض البيضاء لكانت كمسألة القاضي سواء انتهى. وقال المشذالي في كتاب الوصايا الاول: وأما مسألة الشيوخ المشهورة فأشار إليها ابن سهل في أول الوصايا وذكر كلام ابن سهل المتقدم برمته بلفظه والله أعلم. الثالث: إذا أوصى بوصية وذكر فيها أن الوصي على أولاده فلان ثم أوصى بوصية أخرى وغير ما كان أوصى به أولا إلا أنه لم يتعرض للموصي ولم يجعل وصيا على أولاده في الوصية الثانية إلا أنه قال: إن هذه ناسخة لك وصية قبلها، قال ابن رشد: لا يكون ذلك ناسخا لايصائه على أولاده. ذكره في نوازله. ص: (إلا أن تتزوج زوجتي) ش: قال ابن غازي: أي فهي وصيتي ما دامت انتهى. وما قاله أظهر مما حل به الشارح كلام المؤلف. مسألة: فلو أوصى بشئ على شرط فلم يوف به الموصي فإنه يرده. قاله في معين الحكام في كتاب الوصايا. لو أوصى لام ولده على أن لا تتزوج بوصية فتوفي ونفذت الوصية لها ثم تزوجت فإنها ترد ما أخذت انتهى. ص: (وإنما يوصى على المحجور عليه أب أو وصيه كأم إن قل ولا ولي ورث عنها) ش: قال ابن عرفة: الموصي إن كان بالنظر لمحجور اختص بالاب

[ 556 ]

الرشيد والوصي والحاكم فيها مع غيرها صحة وصية الاب إلى غيره بصغار بنيه وأبكار بناته، وأما إن مات الوصي فأوصى إلى غيره جاز ذلك، وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح وغيره بخلاف مقدم القاضي، وقيل مثله، وأخذ من قولها في إرخاء الستور. وإن لم يكن لليتيم الطفل وصي فأقام له القاضي خليفة كان كالموصي في جميع أموره. وفيها لا تجوز وصية الجد بولد ولده ولا أخ بأخ له صغير وإن لم يكن لهم أب ولا وصي وإن قل المال بخلاف الام. اللخمي: قال ابن القاسم في كتاب القسم: من أوصى لاخيه بمال وهو في حجره لم يقاسم له ولم يبع، وأجاز ذلك أشهب في مدونته. فعلى قوله تجوز وصيته بما يرث إن لم يكن له وصي، وكل هذا فيما صار له من مال بميراث وما تطوع به الميت فالوصية به تجوز وأن يكون القابض مما رضيه الميت وإن كان للمولى عليه أب أو وصي. فإذا قال يكون ذلك موقوفا على يدي فلان حتى يرشد أو قال يدفع إلى المولى عليه يتسع به في ملبس أو مطعم لم يكن لابيه ولا

[ 557 ]

لوصيه قبض ذلك ولا يحجر عليه فيه لانها هبة من الموصي على صفة. وأجاز ابن القاسم لملتقط اللقيط أن يقاسم له ويقبض ما أوصى له به، ومنعه في الاخ وإن كان في حجره والاخ أولى لانه جمع القيام والنسب. وفيها لا يجوز إيصاء الام بمال ولدها الصغير إلا أن تكون وصية من قبل أبيه وإلا لم يجز إذا كان المال كثيرا وينظر فيه الامام، وإن كان يسيرا نحو الستين دينارا أجاز إسنادها فيه إلى العدل فيمن لا أب له ولا وصي فيما تركته له. وقال غيره: لا يجوز لها أن توصي بمال ولدها. قال ابن القاسم في كتاب القسم: وإجازة مالك ذلك استحسان ليس بقياس وإن كان الايصاء بغير ذلك من قضاء دين أو تفرقة ثلث جاز ذلك من كلام مالك. انتهى كلام ابن عرفة بلفظه. وقال في كتاب القسم من المدونة إثر الكلام الذي نقله ابن عرفة عنها: ولا يكون وصي العم والجد والاخ وصيا في يسير مال ولا كثيره، والام بخلافهم إذ لها اعتصار ما وهبت لولدها كالاب وليس للاخ والجد أن يعتصرا. قيل: فما يصنع بهذا المال الذي أوصوا به ؟ قال: ينظر فيه السلطان ويحوزه على الصغير والغائب. انتهى ونقله ابن يونس تنبيهات: الاول: ليس للاب أن ينصب وصيا على كبار أولاده إلا أن يكونوا محجورا عليهم. قال في النوادر في الوصايا الاول في ترجمة الوصي يبيع تركة الميت لدين ناقلا له عن أشهب في المجموعة: وليس له أن يولي على كبار ولده أحدا انتهى. يريد إذا لم يكونوا محجورا عليهم. قال ابن شاس: ولا يصح نصب الوصي على ذكور أولاده البالغين إلا أن يكونوا محجورا عليهم. نعم ينصب وصيا عليهم في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا ونص على ذلك غير واحد.

[ 558 ]

الثاني: قول المصنف وإنما يوصى على المحجور عليه أب هذا إذا كان الاب رشيدا كما تقدم في كلام ابن عرفة حيث قال: إن كان بالنظر لمحجور اختص بالاب الرشيد، فأما إن كان الاب سفيها وهو في ولاية أبيه فللجد الولاية على ولد ولده ويوصى عليهم ويكون وصيه وصيا عليهم. وقيل: لا يكون وصيه وصيا عليهم. قال في العتبية في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور: وسئل عن رجل حلف في رقيق لابنه أن يبيعهم بثمن سماه وللحالف أب فقال له: أنا أبيعهم ليس هم لك، فقال له أسفيه هو ؟ يريد الحالف فقال: لا. فقال: لا أرى أن يبيعهم. قال ابن رشد في قوله لا أرى أن يبيعهم إذا لم يكن سفيها دليل على أن له أن يبيعهم إذا كان سفيها فجعله في حكم الوصي على ولد ابنه ما دام ابنه سفيها، فيلزم على هذا أن يكون وصي الاب وصيا على ولد الولد الذين إلى نظره بإيصاء الاب، وهو نحو ما في مختصر ابن شعبان عن مالك أن للموصي أن يزوج بنات يتيمه بعد بلوغهن وإن رضي الاب بذلك قبل أن يبلغن لم يلتفت إلى رضاه لسقوط ولايتهن كاليتامى. قال ابن وهب في سماع أصبغ والرفع إلى السلطان أحسن وأبين من ذلك أي مما في مختصر ابن شعبان ما في كتاب ابن المواز أن المولى عليه إذا قتل وله ولد ولد صغير أن وصي الاب أولى من عمومة الصبي بالدم، وقد كان بعض شيوخنا لا يرى وصي الاب وصيا على صغار الولد الموصى بهم وبالله التوفيق. انتهى. وحكى القولين ابن رشد أيضا في سماع أصبغ من كتاب النكاح في شرح مسألة تزويج السفيه أخته أو وليته، ونقله ابن سلمون في وثائقه في ترجمة السفيه والمحجور ولا وصي من قبل الاب ونصه: وأما نكاح الوصي بنات محجوره فالرواية بذلك منصوصة عن مالك، ومعناه في الابكار والثيبات اللائي لم يملكن أمور أنفسهن وقد كان بعض الشيوخ يقول: إنه لا يكون وصيا على ولد محجوره إلا بتقديم السلطان، فعلى هذا لا يزوج واحدة من بناته. وفي مسائل ابن الحاج قال: اختلف الشيوخ في الرجل إذا كان وصيا على سفيه فولد للسفيه ولد، فهل للوصي أن ينظر على ابن السفيه كما ينظر على أبيه أم لا ؟ فذهب ابن زرب إلى أنه لا ينظر عليه إلا بتقديم. وخالف ابن عتاب وابن القصار في ذلك فقالا: إنه ينظر عليه كما ينظر على أبيه قال: والقضاء عندنا بذلك انتهى. وأما مقدم القاضي فقال ابن سهل في باب الحجر في ترجمة مقدم القاضي هل له التكلم على أولاد محجوره دون تقديم أم لا ؟ الذي تقتضيه الروايات أن له ذلك والذي جرى به عمل القضاة أنه لا يكون له ذلك إلا بتقديم. وانظر كتاب الاقضية منه في الكلام على الاستخلاف والله أعلم. الثالث: إذا قدم القاضي ناظرا على اليتيم ثم ظهر وصي من قبل الاب فله رد أفعاله. نقله البرزلي في الوصايا. وفيه أيضا: إذا أوصى لشخص ثم ظهر شخص آخر بوصية فانظره.

[ 559 ]

ص: (ولا التركة إلا بحضرة الكبير) ش: وسواء أراد الوصي بيع التركة لقضاء الدين أو لتنفيذ الوصايا أو لغير ذلك، فإن لم يكن الاكابر حضورا رفع الامر للحاكم فيأمره بالبيع ويأمر من يلي معه البيع للغائب أو يقسم ما ينقسم. قال في المدونة في كتاب الوصايا: ولا يبيع الوصي على الاصاغر التركة إلا بحضرة الاكابر، فإن كانوا بأرض نائية وذلك حيوان أو عروض رفع ذلك إلى الامام فأمر من يلي معه البيع للغائب انتهى. قال في العتبية في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الوصايا. مسألة: وسئل عن الوصي يبيع المتاع بغير إذن الورثة قال: فإن كانوا كبارا قد رضي حالهم ونساء ثيبات أو متزوجات قد برزن ورضي حالهن فلا ييبع إلا بإذنهن، فإن باع رد المتاع لانه إنما أوصى بالآخرين الذين يولى عليهم ولم يوص إليه بهؤلاء إنما هؤلاء شركاء في هذا المتاع. قيل له: فإن فات وأصاب وجه البيع فكأنه يقول مضى ؟ قال أصبغ: لا أرى ذلك، وأرى للورثة رده إلا أن يكون له ثلث موصى به مع ذلك يحتاج إلى تحصيل المال وبيعه وجمعه فيكون ذلك له إلا العقار والرباع فلا أرى ذلك له دونهم لانه مأمون. وأنه مما يقسم وقسمته غير ضرر، وإن لم يكن له ثلث على ما وصفت فهو مردود على الورثة البالغين المالكين حصصهم أو يأخذون مما بلغ كالشركاء في السلع المفترقة التي لا تجمع في القسم فهم كالشركاء الاجنبيين للميت. قال ابن رشد: قول ابن القاسم فيما باع الوصي على الصغار من المال والمتاع المشترك بينهم وبين الكبار أن البيع يرد ما لم يفت، فإن فات من يد المشتري ببيع أو هبة أو بتحويله عن حاله مثل أن يكون ثوبا فيصبغه أو غزلا فينسجه أو طعاما فيأكله وما أشبه ذلك وقد أصاب الوصي وجه البيع مضى، وهذا استحسان، والقياس أن لا ينفذ البيع على الكبار بحال، فات أو لم يفت. وكذلك قال سحنون: لا يجوز بيع الوصي على الكبار بقليل ولا كثير، أصاب البيع أو لم يصب، لانه مالهم وهم أحق وأولى بالنظر لانفسهم. قال: وهم أيضا أولى بكل ما باع من مال الميت إذا كان لهم رأي في شراء شئ مما يباع من التركة في ثلثه فكيف يجوز أن يباع عليهم مالهم أنفسهم بلا مرادهم هذا خطأ. وكذلك قول أصبغ أيضا أن البيع يمضي إذا فات إن كان له ثلث موصى به إليه فيحتاج إلى تحصيل المال وجمعه وبيعه إلا في العقار استحسان أيضا. والقياس لا ينفذ على الكبار البيع في حظوظهم من ذلك كله إلا بإذنهم كالشركاء الاجنبيين للميت. ولاشهب في كتاب ابن المواز: وللموصى أن يبيع الحيوان والرقيق والعقار لتأدية الدين

[ 560 ]

وتنفيذ الوصية وإن كان في الورثة كبار لا يولى عليهم أو كانوا كبارا، وقد قيل: إنه ليس له بيع شئ من العقار إلا الثلث وهو أحب إلي، وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم طرف من هذا المعنى وبالله التوفيق انتهى. ونص ما أشار إليه في رسم الشجرة: وسئل عن الوصي يريد متاع الرجل مساومة ويرى أن ذلك خير له مثل ما يسومه الرجل في الدار وما أشبه فينهيه ويرى أن بيعه غبطة قال: لا بأس بذلك باع مساومة أو ممن يزيد إذا كان ذلك منه على وجه النظر. قال ابن رشد: معناه في الوصي على الثلث إذا باع بإذن الورثة على الصغار إذا باع بإذن الكبار أو في الوصي على الصغار إذا لم يكن لاحد معهم في ذلك مشترك، وأما إذا كان وصيا على الصغار وهم شركاء مع الكبار فيباع الجميع بغير إذنهم فلا يجوز ذلك عليهم، وكذلك إذا كان وصيا على الثلث فباع بغير إذن الورثة وبالله التوفيق. وقال في النوادر في كتاب الوصايا: قال أشهب في المجموعة في كتاب ابن المواز في الوصي ببيع الرقيق والحيوان وغيره يريد لانفاذ وصاياه وفي الورثة غائب كبير لا يولى عليه فذلك له، وكذلك لو كان عليه دين. ولو أوصى بوصية أو بالثلث صدقة أو غيرها والورثة كبار كلهم فله بيع العقار وغيره، وفيها قول إنه ليس له بيع شئ من العقار إلا الثلث وهو أحب إلي، وكل ماله فيه بيع العقار فله بيع ما سواه من الحيوان وغيره، وإذا لم يكن عليه دين ولا أوصى بوصية ولم يترك عقارا والورثة كلهم كبار غيب أو بعضهم غيب فله بيع ما كان من العروض والحيوان بخلاف الرباع وإن كانوا حضورا. محمد: أو قربت غيبتهم فليس له بيع شئ ولا للسلطان وله بيع ذلك في الغبية البعيدة. قال ابن القاسم: إذا رفع ذلك إلى السلطان حتى يأمره أو يأمر من يبيع معه. ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم وأشهب: إذا كانوا أصاغر وأكابر فلا بيع حتى يحضر الاكابر. قال ابن القاسم: وإن غابوا بأرض نائية وترك حيوانا ورقيقا وعروضا فله بيع ذلك، ويرفع ذلك إلى الامام حتى يأمر من يبيع على الغائب. قال أشهب: إن قربت غيبتهم فليبع ما يخاف عليه ويرى أن بيعه أفضل للجميع ويقسم الثمن إذا قدموا، وإن شاء قسمة في غيبتهم. ثم من تلف حقه كان منه صغيرا كان أو كبيرا، وكذلك إن كان الورثة عصبة. قال سحنون: كيف يبيع على الورثة الكبار الغيب بغير أمر السلطان وكيف يقسم بينهم، ثم ذكر كلام العتبية المتقدم في سماع عيسى. وقال اللخمي في كتاب القسمة بعد أن ذكر الخلاف المتقدم: وأصل المذهب والمعروف منه أنه لا يقسم الموصى على الغيب الكبار ولا يبيع للدين ولا لغيره، ولو جاز أن يقسم الثلث من الثلثين لجاز أن يقسم بين الصغار والكبار انتهى. ونقله ابن عرفة في كتاب القسمة وقبله. فيتحصل من هذا أنه اختلف هل يجوز بيع الوصي التركة لقضاء الدين وتنفيذ الوصايا إذا كان الورثة غيبا كبارا أو فيهم غائب كبير أم لا ؟ فأجاز ذلك أشهب حتى في العقار، ومنع ذلك غيره وهو المعروف من المذهب حتى يرفع إلى

[ 561 ]

السلطان فيأمره بالبيع أو يأمر من يبيع معه للغائب، أو يقسم ما ينقسم. وإذا كان هذا القول هو المعروف في المذهب فأحر أن يمنع بيعه لغير ذلك حتى يرجع إلى السلطان ويرد إن وقع، وما تقدم من الاقوال فكلها استحسان على غير قياس كما تقدم بيان ذلك والله أعلم. فرع: فإن مات في سفر فلاوصيائه بيع متاعه وعروضه لانه يثقل حمله. قاله في النوادر: بل ذكر البرزلي في كتاب السلم عن أبي عمران أن من مات في سفر بموضع لا قضاة فيه ولا عدول ولم يوصى فاجتمع المسافرون وقدموا رجلا باع هناك تركته، ثم قدموا بلد الميت فأراد الورثة نقض البيع إذا لم يبع بإذن حاكم وبلده بعيد من موضع الموت أن ما فعلته جماعة الرفقة من بيع وغيره فجائز. قال: وقد وقع هذا لعيسى بن مسكين وصوب فعله وأمضاه. وذكر الداودي أنه مر بتركة رجل غريب يذكر أنه من أحواز فاس وورثته مجهولون ودفع الثمن إلى ثقاة من أهل المغرب وأمرهم بالبحث عن ورثته، فإن يئس منهم تصدق به على الفقراء. وذكر رجل أنه تسلف من الميت دينارا فأمره بدفعه لاولئك الثقات ويبرئه ذلك إذا أشهد على الدفع انتهى. تنبيه: علم مما تقدم أن تنفيذ الوصايا من قضاء دين أو وصية أو بالثلث أو صدقة أو غيرها لوصي الميت، ويفهم ذلك أيضا من كلام المدونة في الوصايا في القسمة. وقال في اللباب: وتنفيذ الوصية لوصي الميت انتهى. وسيأتي في كلام المصنف أن للوصي اقتضاء ما للوصي من الديون والتأخير بالنظر، ويأتي هناك حكم قضاء الوصي ما على الميت من الدين إذا لم يشهد به غيره، وكذلك حكم ما عليه من الوصايا والحقوق دون غيره. ومسألة اختلاف أهل الوصايا والديون مع الوارث في البيع نقلها في اللباب، وحصل ابن رشد في البيان في رسم الوصايا الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا الاول خمسة أقوال، وأطال الكلام في ذلك فليراجعه من أراده. ومسألة إرسال الوصي مال الورثة ذكرها في المدونة في كتاب الوديعة، ومسألة إرسال القاضي مال الورثة ذكرها في أوائل المنتخب وفي أواخر باب الاقضية من ابن عرفة وفي آخر القسم الخامس من الركن السادس من تبصرة ابن فرحون وفي باب الجهاد من حاشية المشذالي. فرع: ذكر البرزلي عن ابن رشد مسألة وهي ما إذا باع الوصي عقارا أكثر من حصة الميت وفرقة، أنه لا رجوع على الوصي. والمسألة في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد ونصها: وكتب إليه القاضي عياض يسأله عن رجل أسندت إليه وصية بثلث فنظر مع الورثة في بيع التركة حتى خلصت وفرق الثلث على معينين وغير معينين حسبما في الوصية، وكان في التركة شخص يشارك فيه بعض الورثة وغيره فبيع فيما بيع واشتراه الشريك الوارث وتوزع ثمنه على قدر المواريث والوصية، فلما كان بعد مدة تأملت القصة فإذا قد وقع فيها غلط ووهم وقد

[ 562 ]

بيع من الربع من المواريث أكثر من نصيب الميت، وتبين ذلك وثبت ووجب له الرجوع بالثمن في التركة إذا لم يحز سائر الاشراك بيع الزائد، فأخذ من كل وارث مصابه وبقي ما للثلث وقد فرق كما ذكر. فأجاب: لا ضمان على الوصي فيما نفذه مما يجب من الثمن للحصة الزائدة على حق الميت، ويرجع المبتاع بما ناب الموصي من ذلك ويرجع هو على من وجد من الموصى لهم المعينين، وتكون المصيبة منه فيمن لم يجد منهم وفيما فرق على المساكين غير المعينين على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك الذي نعتقد صحته وبالله تعالى التوفيق انتهى. مسألة: قال ابن رشد في نوازله في باب الوصايا: إذا أوصى بوصية أفك أسير أو غير ذلك وجوه البر وجعل تنفيذ الوصية إلى رجل أجنبي أو وارث وشرط في تنفيذ الوصية دون مشورة قاض ولا تعقب حاكم، فلا يجوز لاحد من القضاة والحكام أن يتعقب شيئا من ذلك ولا ينظر فيه، والامر في ذلك للورثة، فإن كانت الوصية مما يبقى لهم فيه منفعة كالعتق وشبهه كان لهم أن يقوموا حتى يعلموا أنها قد نفذت، كان المتقدم لها وارثا أو أجنبيا. وإن كانت الوصية مما لا يبقى لهم فيه منفعة كالصدقة فلا قيام لهم في ذلك إلا أن يكون المنفذ وارثا انتهى. قال في النوادر أيضا قبل ذلك بنحو الورقة في باب الوصايا: سؤال سأله عنه القاضي عياض ونصه المقدم على تنفيذ ثلث الميت إذا أراد مقاربة الورثة ومسامحتهم وقد جعل له في التقديم أنه لا اعتراض عليه من حاكم وغيره بوجه من الوجوه، هل للحاكم النظر في تحصيل الثلث والحوطة عليه ثم بعد ذلك يفوض نظره إليه إذ التفويض إنما هو في التفريق وحده أم لا سبيل للحاكم إليه ؟ فأجاب: لا يجوز للمقدم على تنفيذ الثلث مقاربة الورثة ولا مسامحتهم في ذلك، وإن اتهمه القاضي بذلك شرك معه من يثق به في تحصيل الثلث، ثم يكل تنفيذ ذلك إليه في الوجوه التي جعل تنفيذها فيه أو بما يراه باجتهاده إن كان فوض إليه النظر في ذلك لقول الموصي، ولا اعتراض عليه من حاكم ولا غيره. وهذا في الوصي المأمون، وأما في غير المأمون الذي يخشى عليه على الوصية ولا ينفذها فيكلفه إقامة البينة على تنفيذها على معنى ما وقع في سماع أشهب من كتاب الوصايا، فإن لم يأت بالبينة على ذلك ضمن إن كان سارقا معلنا، وإن كان متهما ولم يكن بهذه الصفة استخلف ولم يضمن إلا أن ينكل عن اليمين. وإن كان مأمونا لم تكن عليه يمين وهو محمول على أنه مأمون حتى يثبت أنه غير مأمون انتهى. وما ذكره عن سماع أشهب هو في رسم الوصايا من كتاب الوصايا الثاني ونصه: وسمعته يسأل عمن أوصى إلى رجل بوصايا من عتق وصدقه وغير ذلك فأراد الورثة أن يكشفوه عنها وأن يطلعهم عليه فقال: أما الصدقة فليس لهم أن يكشفوه عنها إذا كان غير وارث إلا أن يكون سفيها معلنا مارقا فيكشف عن ذلك، ولهم أن يكشفوه وإن كان غير وارث ولا سفيه عن العتق لان ذلك يعقد لهم الولاء. فأما إذا كان الموصى إليه سفيها معلنا فأرى أن يكشف عن ذلك كله، فإن من الاوصياء من يقبض عن الوصية فلا ينفذ منها شيئا.

[ 563 ]

قال ابن رشد: هذا كما قال إن الوصي يكشف عما جعل إليه من تنفيذ الوصية بالصدقة وغير ذلك مما لا يبقى فيه منفعة للورثة إذا كان سفيها معلنا مارقا يبين ما تقدم من قوله في سماع ابن القاسم في أنه ليس للورثة أن يقوموا معه في تنفيذ الوصية إلا أن يكون مما يبقى له فيه منفعة كالعتق وشبهه. وقوله: أنه يكشف عن ذلك إذا كان سفيها معلنا مارقا معناه أنه يكلف إقامة البينة على تنفيذ الوصية، فأما إن لم يأت ببينة على ذلك وتبين نقيضه عليها أو استهضامه لها ضمه إياها وإن لم يكن بهذه الصفة من الاشتهار بالسفه والمروق واتهم استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمن، وإن كان من أهل العدل والثقة لم تلحقه يمين وهو محمول على الثقة والعدالة حتى يعرف خلاف ذلك من حاله اه‍. وبالله التوفيق. ونص ما أشار إليه في أول سماع ابن القاسم. قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا قال في الرجل يوصي بأن يعتق عنه وأن يحمل عنه في سبيل الله ويستخلف على ذلك وارثا، فيريد بعض الورثة أن ينفذ ذلك وينظر فيه معه قال: إن كان وارثا رأيت ذلك عليه، وإن لم يكن المستخلف وارثا فليس ذلك عليه إلا فيما تبقى منفعته للورثة كالعتق وما أشبهه. قال ابن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن الرجل إذا استخلف على تنفيذ وصيته وإرثا من ورثته فليس له أن يغيب على تنفيذ ذلك دون سائرهم ولمن قام مع ذلك أن ينفذ ذلك وينظر معه مخافة أن يكون أوصى إليه والوصية للوارث لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة، سواء سمى الميت ما ينفذها فيه من عتق أو صدقه. قال في البيان: أو بما سوى ذلك من وجوه البر، أو كان قد فوض إليه حيث أراه الله وأنه استخلف على ذلك غير وارث فليس عليه أن ينفذ عليه شيئا من ذلك بحضرتهم، ولا لهم أن يكشفوه عن ذلك. قال في الرواية: إلا فيما تبقى منفعته للورثة كالعتق وشبهه، والمنفعة التي تبقى في العتق هو الولاء الذي ينجر عن المتوفى إلى من يرثه عنه فلا يختص بذلك الورثة دون غيرهم إذ قد يرثه من لا يتجر إليه من الولاء شئ وهم البنات والاخوات والزوجات والامهات والجدات، وقد ينجر إلى من لم يرثه ممن حجب عن ميراثه من الاخوة والعصبة فألحق في كشف الوصي الاجنبي عن العتق إنما هو ممن يتجر إليه الولاء عن الميت وإن لم يكن وارثا، ولا كلام لمن ينجر إليه الولاء عنه، وإن كان وإرثا له. والذي يشبه العتق في بقاء المنفعة للورثة هو الاخدام والتعمير والتحبيس. فأما الاخدام والتعمير فالحق فيه لجميع الورثة لان المرجع في ذلك إليهم، وأما التحبيس فمنه ما يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس، ومنه ما يختلف هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس به، فالحق في بالمحبس الذي يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس لمن رجع إليه منهم، والحق في الحبس الذي يختلف هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس إليه لجميع ورثته وأقاربه من الرجال والنساء من قام منهم كان له كشفه عنه حتى يعلم أنه قد أنفذه لما قد يكون له فيه من المنفعة باتفاق أو على الخلاف. وهذا في الوصي المأمون، وأما غير المأمون فيكشف عن الوصايا من العتق والصدقة بالعين وغير ذلك على ما قاله

[ 564 ]

في الرسم الوصايا من سماع ابن القاسم أن السفيه المعلن المارق يكشف عن كل شئ من الصدقة وغيرها، وهو محمول على أنه مأمون حتى يتبين أنه غير مأمون. وعلم من لفظ السماعين المذكورين أنه لا فرق في الحكم المتقدم بين أن يشترط الوصي للموصي تنفيذ الوصية دون مشورة قاض ولا تعقب حاكم، وأنه لا اعتراض عليه من حاكم وغيره بوجه من الوجوه كما ذكر ذلك في السؤالين في النوادر ولا يشترط ذلك كما في لفظ السماعين المذكورين والله أعلم. ومن هذا المعنى مسألة كتاب الوديعة والشهادة من المدونة ونصها على ما في كتاب الوديعة: ولو أمرته بصدقة على قوم معينين فإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقة على غير معينين صدق مع يمينه إن لم يأت ببينة انتهى. قال أبو الحسن: هذه المسألة تبين مسألة كتاب الشهادة قال فيه: فإن كانوا غير معينين صدق ولم يذكر هناك يمينا. ابن يونس: يحلف إذا كان متهما انتهى. ومن هذا المعنى كشف وارث المحجور الوصي عما بيده فقال ابن رشد في نوازله في كتاب الصدقات: وليس للوارث المحجور ولا لوليه أن يكشف الوصي عما بيده لمحجوره ولا أن يأخذ منه نسخ عقوده، ولكن للقاضي أن يجبر الوصي على أن يشهد لليتيم بماله بيده انتهى. ونقله ابن سلمون في الوصايا ونصه: وسئل ابن رشد في رجل له ولي محجور وله مال وتصدق عليه بصدقات ونحل نحلا فطلب هذا الرجل من وصية أو من الحاكم نسخ تلك العقود وقام في الكشف لوصيه عما في يده من مال المحجور إذا زعم أنه وارثه وأن المال لما توفي هذا المحجور صار إليه، هل له في ذلك حجة أم لا ؟ فقال: ليس لوارث اليتيم أن يستكشف وصيه عما له بيده من المال أو يخاصمه في ذلك ولا أن يأخذ منه نسخ عقوده، وعلى الوصي أن يشهد ليتيمه بما له بيده، فإن أبى من ذلك أخذه الحاكم ببيانه أن يوقف فيعين مال اليتيم عنده انتهى. وقال في العتبية في رسم الاقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وسئل يعني مالكا فقيل له: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي فسألني بعض موالي وهو ولد سيدي عما في يدي وعما ربحت فيه وأنا عند الناس كما أحب، أفذلك علي ؟ قال: لا أرى ذلك علي‍ ك، أليس ما في يدك مال معروف ؟ قال: بلى ولكنه يريد أن يعلمه ويعلم ما ربحت فيه. قال ابن رشد: وقوله: وأوصى إلي يريد أنه أو أوصى إليه بالنظر على بنيه فلم ير عليه أن يخبره بما ربح في مال اليتيم الذي هو ناظر فيه لولده لان الوصي لا يلزمه أن يكشف عما بيده إلا إذا خيف عليه أن يكون قد أتلفه، وهو محمول على الامن من ذلك حتى يثبت خلاف ذلك من حاله، فإذا كان ما في يده من المال معروفا فلا يلزمه أن يكشف عنه ولا يخبر بما ربح فيه لان ذلك غضاضة عليه إذ لا يفعل ذلك إلا بمن لا يوثق به وسيده قد استأمنه ووثق به فهو محمول على ذلك انتهى. ومن هذا المعنى كشف المرأة الموصى إليها بولدها إذا تزوجت حسبما ذكره في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الاول ونصه: وسئل مالك عن امرأة هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من

[ 565 ]

مال، فتزوجت المرأة وخيف على المال، أترى أن يكشف ؟ قال مالك: إن كانت المرأة لا بأس بحالها فلا أرى ذلك، وإن كانت بخلاف ذلك كشف ما قبلها، قال ابن رشد: إنما قال إنه يكشف ما قبلها إن كان يخاف على المال عندها ولا يكشف إن كان لا بأس بحالها ولم يبين ما تحمل عليه من جهل حالها، والظاهر من قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا أن المرأة إذا تزوجت غلبت على حال أمرها حتى تعمل ما ليس بصواب أنها عنده محمولة على الخوف عليها إذا تزوجت فيكشف ما قبلها إلا أن يعلم أنه لا بأس بحالها. وقال ابن المواز: قال ابن القاسم: ووجه ما سمعت هذا في المال أن ينظر إلى حالها، فإن رضي حالها وسيرتها والمال يسير لم يؤخذ منها. محمد: ولم يكشف إن كان المال كثيرا ولا هي مقلة وخيف من ناحيتها، وأرى أن ينزع المال منها. وقاله أصبغ. وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مبرزة إلا من إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحزم والدين واليسر والحرز فيقر بيدها. قلت: وإذا خيف على المال عندها فنزع منها ولم تعزل هي عن الوصية فليقدم معها من يكون المال عندها ويشاورها في النظر. انتهى وبالله التوفيق. ص: (ولا يقسم على حاكم غائب بلا حكم) ش: هذا نحو قوله في قسمة المدونة: إذا كان في الورثة كبير غائب لم تجز قسمة الوصي عليه ولا يقسم لغائب إلا الامام ويوكل بذلك، ويجعل ما صار له بيد أمين، وليس للوصي أن يقول أبقوا حق الغائب بيدي. انتهى أوله بالمعنى. وقال البرزلي في مسائل القسمة: سئل أبو محمد عمن هلك وترك ورثة أحدهم غائب وترك حائطا اقتسموه بمحضر جمع لا بأمر السلطان وعزلوا للغائب حظه ووقع البيع في بعض تلك الحظوظ والاستغلال في بعضها والعمارة ثم قدم الغائب، هل يمضي القسم عليه أم لا ؟ وهل تكون الغلة لمن اغتل أم لا ؟ وهل يمضي البيع والتفويت أم لا ؟ فأجاب بأن القسمة فاسدة وترد البياعات، وما اغتله المتقاسمون فعليهم رده أو مثله إن كان له مثل، أو قيمته إن لم يكن له مثل ويكون بينهم. وما اغتله المشترون فإن كانوا عالمين بالغائب فعليهم رد حظه إليه من الغلة، وإن كانوا غير عالمين فلا شئ عليهم من الغلة ويكون لهم أجر قيامهم وتعبهم. البرزلي: هذا نحو قوله في المدونة وذكر ما تقدم. ص: (والاثنين حمل على التعاون) ش: قال في الوصايا الاول من المدونة: وإن أوصى إلى وصيين فليس لاحدهما بيع ولا شراء ولا نكاح ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله. قال غيره: لان لكل واحد منهما ما لصاحبه. قال ابن القاسم: فإن اختلف نظر السلطان ثم ولا

[ 566 ]

يخاصم أحد الوصيين خصما للميت إلا مع صاحبه. ومن ادعى على الميت دعوى وأحدهم حاضر خاصمه ويقضى له ويكون الغائب إذا قدم على حجة الميت انتهى. زاد اللخمي إثر قول المدونة: ولا يخاصم أحد الوصيين خصما للميت إلا مع صاحبه إلا أن يوكله أو يكون غائبا انتهى. وقال ابن حارث في أصول الفتوى: ولا يخاصم أحد الوصيين دون صاحبه فيما يطلبونه من مال الميت، وجائز أن يخاصم أحدهم فيما يطلب به الميت لان القضاء على الغائب جائز ويكون الغائب على حجته انتهى. فإن أنكح أحدهم بغير إذن الآخر فقد تقدم في النكاح أنه نكاح فاسد، فإن باع أو اشترى دون صاحبه وأراد صاحبه رده رفعه للسلطان. قال اللخمي: فإن فعل وأراد الآخر رد فعله، فإن رآه صوابا أمضاه وإلا رده، فإن فات المشتري بالبيع كان على الذي نفرد بالبيع الاكثر من الثمن أو القيمة، وإن اشترى وفات البائع بالثمن كانت السلعة المشتراة له وغرم الثمن. وقال أشهب: إلا في الشئ التافه الذي لا بد لليتيم منه مثل أن يغيب أحدهما فيشتري الباقي الطعام والكسوة وما يضر باليتيم استئجاره انتهى. ونقله في التوضيح: وقال في آخر كتاب الرهون من مختصر المدونة لابن أبي زيد: وللوصي أن يرهن من مال اليتيم

[ 567 ]

رهنا فيما يبتاع له من مصالحه كما يتداين عليه، ولا يدفع أحد الوصيين رهنا من التركة إلا بإذن صاحبه وإن اختلف نظر الامام وكذلك البيع والنكاح انتهى. والله أعلم. تنبيه: قول المصنف حملا على التعاون هذا إن أطلق الميت، وأما إن نص على اجتماع أو انفراد فلا إشكال أنه يتبع. قاله في التوضيح وغيره. وقال ابن سلمون: فإن قدم على الميت وصيان فلا يجوز لاحدهما أن ينفرد بالنظر عن صاحبه إلا أن يشترط المقدم أن من عاقه منهما عائق انفرد صاحبه به فيكون له ذلك عند العائق اه‍. مسألة: قال ابن سهل في أحكامه في أوائل مسائل السفيه: وقالوا في رجل أوصى على ابنه إلى فلان وفلان فمن مات منهما أو غاب فالباقي في منفرد فثبت سخطة أحدهما فإن للقاضي أن يوكل مع الباقي ناظرا مأمونا ولا ينفرد، لان المعزول لسخطة لم يمت ولا غاب انتهى. فرع: قال المشذالي في حاشيته في كتاب الوصايا الاول: قال ابن عبد السلام: انظر هل يتنزل المشرف على الوصي منزلة أحد الوصيين ؟ قال المشذالي: وقال ابن سهل عن ابن عتاب في بعض أجوبته ما نصه: وسبب المشاورة كسبب الوصي أو أقوى. وانظر نوازل ابن رشد في النكاح فإنه قال: إن المشرف ليس بولي ولا وصي وإنما له المشورة انتهى. ونحوه في اللباب في باب الوصايا. فإن كان أحدهما مشرفا فله أن يشرف على أفعال الوصي كلها ولا يفعل شيئا إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى وإن كان سددا وإلا رده، وشهادة المشرف للمحجور جائزة بخلاف الوصي انتهى. وفي ابن سلمون في آخر ترجمة الكلام على المحجور بعد أن ذكر الكلام على الوصيين: وأما إذا كان على وصي فإنما يكون المال عند الوصي. قال أحمد بن نصر: وله أجر النفقة والكسوة على محجوره، ولا يكون ذلك من المشرف وإنما للمشرف النظر في البيع والشراء إلا أن يكون برأيه، وإن فعل بغير رأيه رده إن لم يكن نظرا. وقال غيره: للمشرف أن يشرف على أفعال الوصي كلها من إجراء النفقة وغيرها ولا ينقلب إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى إن كان سدادا وإلا رده المشرف، وإن أراد رد السداد لم يكن له ذلك ونظر السلطان فيه انتهى. وتقدم في النكاح عند قول المصنف: وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر كلام. ابن رشد في النوازل: على المشرف وأنه ليس بولي وإنما له المشورة والاجازة والرد إن عقد الوصي بغير إذنه والله أعلم. ومن مختصر النوازل أفتى القاضي ابن رشد أن المحجور إذا جرى بينه وبين المشرف على وصيه في أمر عداوة أو مخاصمة فإنه بعزل عن الاشراف انتهى. وهي في مسائل الدعوى والخصومات من النوازل مبسوطة والله أعلم. ص: (ولا لهما قسم المال وإلا ضمنا) ش: قال في المدونة: ولا يقسم المال بينهما ولكن عند أعدلهما، فإن استويا في العدالة جعلا الامام عند أكفئهما، ولو اقتسماه الصبية فلا يأخذ كل واحد حصة من عنده

[ 568 ]

من الصبيان انتهى. قال اللخمي: ولو جعلاه عند أدناهما عدالة لم يضمنا لان كليهما عدل. ثم قال: قال مالك في كتاب محمد: فإن اختلفوا طبع عليه وجعل عند غيرهم انتهى. وقول المصنف: وإلا ضمنا أي وإن اقتسماه ضمنا وهو الذي نقله اللخمي عن ابن الماجشون. وظاهره ما حكاه ابن يونس وابن الحاجب أن كل واحد إنما يضمن ما بيد صاحبه. وقال أشهب وسحنون: لا ضمان عليهما. فرع: قال ابن عات من المشاور: إن قسم الوصيان المال فباع أحدهما دون إذن صاحبه لم يجز بيعه ويرده الآخر ويضمنه إن فات إلا أن يكون شرط الموصي أن من عاقه عائق فالباقي منهما منفرد بالوصية ففعل أحدهما جائز وقت مغيب الآخر أو شغله من غير وكالة ولا ضمان عليه فيما فعل حينئذ. قلت: هذا على مذهب ابن الماجشون لا سحنون. انتهى من مسائل الوصايا من البرزلي. ص: (وللوصي اقتضاء الدين) ش: تصوره ظاهر. وأما قضاء الوصي ما على الميت من الدين فقال في النوادر في أوائل كتاب الوصايا. قال أصبغ في الميت يشهد وصيه أن ثلثه صدقة ولا يشهد غيره قال: إن خفي له وأمن إذا أخرجه فليفعل ولا إثم عليه بل ذلك عليه واجب. وقد قال أشهب: إذا علم أن على الميت دينا وهو لا يخاف عاقبته فعليه أن يؤديه من تركته، وكذلك ما سئلت عنه من الوصايا والحقوق والديون. ولو علم أن في تركته عبدا حرا يعتق من رأس ماله أو في ثلثه أن عليه أن يهمله ولا يعرض له ببيع ولا خدمة ولا بغيرها، وكذلك الوارث فيما علم من هذا كله وأشهد عليه الميت، وهذا الباب كثير معناه في كتاب الشهادات انتهى. وفي الكتاب المذكور منها أيضا عن ابن المواز: قال أشهب عن مالك في صغير يوصي له بدينار: فإن لم يشهد بذلك إلا الوصي، فإن خفي للوصي دفع ذلك فليفعل، وكذلك لو رفع إلى الامام فلم يقبل شهادته فله دفعه إن خفي له. قال محمد: ولو كان كبيرا لحلف وأخذ، ولو كان كذلك يوقف للصبي حتى يكبر فيحلف لكان بينهم في بقاء ذلك بيده إلى

[ 569 ]

بلوغه انتهى. ثم قال في آخر الوصايا الاول في ترجمة الوصي يقتضي عن الموصي الدين بغير بينة: ومن المجموعة قال أشهب: وللوصي أن يقضي الدين عن الميت بغير أمر. قال: إن من كان فيه بينة عدول والثقة له أن لا يدفع إلا بأمر قاض لانه لو بلغ بعض الورثة فجرح شهود الدين لضمن أخذت ممن قبضها، ولو كان بأمر قاض لم يرد ولم يقبل تجريحهم لانه حكم نفذ. وإن دفع الوصي إلى الغريم ثم قام آخرون فأثبتوا دينهم وجرحوا بينة الاول فالوصي ضامن ويرجع على الاول بما أخذ أو يغرمه القائمون أو يدعوا الوصي ثم لا يرجع الاول على الوصي بشئ، ولو دفع إليه بقضية لم يضمن للقائمين بعده ورجعوا على الاول بحصتهم، وكذلك قال ابن القاسم: إن كان الوصي عالما بغرماء الميت أو كان موصوفا بالدين فيضمن لمن أتى ويرجع على من أخذ، وأما إن لم يعلم ولم يكن الميت موصوفا بالدين لم يرجعوا إلا على من أخذ، وقال في قضاء الورثة بعض الغرماء كما قال في الوصي. وقال في الصبي وقال مثله عبد الملك إذا تأنوا ولم يعجلوا وبعد الصياح في الدين وفعلوا ما كان يفعله السلطان فلا يضمنوا. وأما إن عجلوا ضمنوا، فإن لم يكن عندهم شئ رجع الطارئ على الاول. قال أشهب في الوصيين يدفعان دينا بشهادتهما أو الوارثين ثم يطرأ دين آخر أو وارث ثم يقدم، فإن دفعا بأمر قاض لم يضمنوا ويرجع على الاول، وإنما تقبل شهادتهما قبل أن يدفعا، وأما بعد الدفع فإن كان بغير أمر قاض فيضمنان انتهى. ص: (والنفقة على الطفل بالمعروف) ش: تصوره واضح. مسألة: قال ابن رشد في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: أجمع أهل العلم أن أكل مال اليتيم ظلما من الكبائر لا يحل ولا يجوز، وذهب مالك وأصحابه إلى أنه يجوز للفقير المحتاج أن يأكل من مال اليتيم بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه وإلا فلا يسوغ له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، ومثل الفاكهة من حائطه. ومن أهل العلم من أجاز له أن يأكل منه على وجه السلف، ومنهم من أجاز له أن يأكل منه ويكتسي بقدر حاجته وما تدعوا إليه الضرورة وليس عليه رد ذلك. وأما الغني فإن لم يكن فيه خدمة ولا عمل سوى أن يتفقده ويشرف عليه فليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر له ولا بال مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه والثمر يأكله من حائطه إذا دخله. واختلف إن كان فيه خدمة وعمل، فقيل إن له أن يأكل بقدر عمله فيه وخدمته له، وقيل ليس له ذلك لقوله عزوجل: * (ومن كان غنيا فليستعفف) * انتهى بالمعنى. ونقله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا والله أعلم. ص:

[ 570 ]

(وفي ختنه وعرسه وعيده) ش: قال في النوادر: قال مالك: وليوسع عليهم ولا يضيق وربما قال: إن يشتري لهم بعض ما يلهيهم به وذلك مما يطيب نفوسهم به انتهى. ص: (وإخراج فطرته وزكاته) ش: يعني أن الوصي له أن يخرج عن الصبي فطرته وله أن يخرج زكاة ماله. قال في النوادر: قال ابن حبيب: ويشهد، فإن لم يشهد وكان مأمونا صدق انتهى. وانظر إذا لم يكن مأمونا هل يلزمه غرم المال أو يحلف ؟ لم أر فيه نصا. ص: (ورفع للحاكم إن كان حاكم حنفي) ش: تقدم الكلام عليه في الزكاة والله أعلم ص: (ودفع ماله قراضا أو بضاعة) ش: قال في المدونة في كتاب الرهون: وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه إلا أن يتجر لليتيم أو يقارض له به غيره انتهى. وسواء كان ذلك في بر أو بحر كما ذكره في النوادر والجواهر وابن عرفة وقيده ابن عرفة بالامن ونصه الشيخ عن المجموعة والموازية. روى ابن القاسم له أن يتجر بأموال اليتامى ولا يضمن. وروى ابن وهب في البر والبحر. قلت: مع الامن. قاله غير واحد انتهى. ولفظ النوادر: ومن المجموعة وفي كتاب ابن المواز نحوه. قال ابن القاسم عن مالك: وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه. قاله عنه ابن وهب في البر والبحر ويشتري لهم الرقيق للغلة والحيوان من الماشية وشبه ذلك، وذلك كله حسن، وقد فعله السلف. وقد أعطت عائشة مال يتيم لمن يتجر به في البحر وأنكر ما يفعل أهل العراق أن يقرضوا أموالهم لمن يضمنها وأعظم كراهيته. قال أشهب: وله أن يتجر بمال يتيمه ببدته أو يؤاجر له من يتجر فيه أو يدفعه قراضا أو بضاعة على اجتهاده ولا يضمن، وله أن يودع ماله على النظر ولامر يراه، فأما أن يفعله على المعروف بمن يأخذه فلا يصلح ذلك

[ 571 ]

وذكر كله ابن المواز لابن القاسم ولم يذكر أشهب. ومن هذه الدواوين قال مالك: وله أن يدفع ماله قراضا إذا دفع إلى أمين ولا يضمن. قال في كتاب ابن المواز: وله أن يبضع لهم ويبعث في البر والبحر، وله أن يودع مالهم ويسلفه. قال ابن المواز: يسلفه في التجارة فأما على المعروف فلا. انتهى. تنبيهات: الاول: فهم من قول المصنف: وللوصي دفع ماله قراضا وبضاعة ومن قول المدونة: للوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ومن قول النوادر: وله أن يتجر بأموال اليتامى أنه لا يجب على الوصي التجارة بمال اليتيم وهو كذلك، وإنما يستحسن له ذلك. قال ابن عرفة: روى محمد: إنما للوصي في مال اليتيم فعل ما ينميه أو ينفعه. اللخمي: وحسن أن يتجر له به وليس ذلك عليه انتهى. وكلام اللخمي المذكور هو في باب الوصايا، وصرح أيضا في كتاب الزكاة بأنه لا يجب عليه ذلك وتقدم في كلام النوادر أن ذلك حسن وقد فعله السلف. الثاني: قال في العتبية في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الاقضية: قال ابن القاسم: إن الضمان الذي يفعله أهل العراق في أموال اليتامى حرام يضمنونها أقواما يكون لهم ربحها وعليهم ضمانها، والسنة فيها إن كان لهم وصي ثقة لم تحرك من يده، وإن كان غير ثقة أو لم يكن لهم وصي استودعها القاضي عند ثقة. قال ابن رشد: الوجه في أموال اليتامى دفعها إلى من يتجر فيها تطوعا للثواب، فإن لم يوجد فعلى سبيل القراض، فإن لم يكن أودعت عند من يوثق به، فإن تعدى عليها المودع فتسلفها ضمنها وسقط عن اليتامى زكاتها ولم يحل أن يضمن لاحد على أن يكون له ربحها لانه سلف لغير وجه الله لم يبتغ به المقرض إلا منفعة نفسه لا منفعة المقترض اه‍. مختصرا. وتقدم في كلام النوادر فيما نقله ابن القاسم عن مالك أنه إذا أنكر ما يفعل أهل العراق أن يقرضوا أموال اليتامى لمن يضمنها وأعظم كراهية، فالكراهة محمولة على التحريم كما تقدم في كلامه في العتبية. وقال في النوادر أيضا: قال ابن الماجشون: وليس للوصي أن يسلف أموال اليتامى على وجه المعروف ولو أخذ رهنا، وأما العمل به مما يحصل لهم فيه ربح على الوجه الجائز الذي لا حيلة فيه ظاهرا وباطنا فله ذلك. انتهى بالمعنى والله أعلم. الثالث: تقدم في كلام النوادر عن ابن المواز وابن الماجشون أنه ليس للوصي أن يسلف مالهم على وجه المعروف، ونص على ذلك اللخمي بزيادة فيه ولفظه: ولا يسلف ماله لان ذلك معروف إلا أن يكون كثير التجر له، ويسلف الشئ اليسير مما يصلح وجهه مع الناس فلا بأس انتهى. ونقله ابن عرفة عنه بلفظه وأما إسلاف الموصي ماله فقال في النوادر في كتاب الوصايا: قال في المجموعة وغيرها: ولا أحب أن يركب له دابة ولا يتسلف ماله. وقاله عنه ابن وهب في المجموعة: ومن مات في سفر وأوصى رجلا فلا يتسلف الوصي من تركته ولا أحب

[ 572 ]

أن يشتري من متاعه. وقاله أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز. قال عنه ابن نافع في المجموعة: ولا أحب أن يتسلف من مال بيده لغيره، وأجازه بعض الناس فروجع فقال: إن كان له مال فيه وفاء فأرجو إذا أشهد أن لا بأس به انتهى. وقال في كتاب الزكاة منها في ترجمة زكاة مال المفقود والصبي: وقال ابن حبيب: وإن استنفق مال يتيمه وله به ملاء وخاف أن يعذر له به فلا بأس بذلك. وقاله القاسم بن محمد. وكان ابن عمر يسلفه ويستسلفه وإذا لم يكن له ملاء فلا يستسلفه انتهى. وقال في مختصر الواضحة: قال عبد الملك: وإن ترك والي اليتيم أن يتجر بماله أو يبضع لما خشي من التغرير به وتجر لنفسه أو يضمنه أو استنفقه، فلا بأس بذلك إذا كان عنده به وفاء إن عطب، وكذلك قال مالك وأصحابه. وإذا لم يكن به وفاء فلا يحل له أن يستسلفه ولا أن يتجر فيه لنفسه لانه يعرضه للتلف ولا مال له، فإن فعل فالربح له بتعديه، وقد ذكر ابن حبيب وهو ضامن له بعد قال: فضل هذا قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون فإنه روى عن مالك أن الربح لليتيم والضمان على الوصي بتعديه وقد ذكره ابن حبيب في سماعه هذا إذا تجر به لنفسه ولا وفاء له. انتهى. ص: (ولا يعمل هو به) ش: قال الشارح: أي ليس للوصي أن يعمل هو بنفسه في مال الصغير لانه يصير كمؤاجر نفسه منه وهو لا يجوز له ذلك انتهى. زاد في الوسط: وقيل: إن عمل به على وجه يشبه قراض مثله مضى كشراء شئ لليتيم انتهى. وظاهره أن القول الاول يقول لا يمضي مطلقا، وكذا ساق القولين في الشامل وصدر بالاول وعطف الثاني بقيل ونصه: ولو دفع ماله قراضا ووديعة ولا يعمل هو بنفسه. وقيل: إن وقع على جزء يشبه قراض مثله كشراء سلعة ليتيمه لا لنفسه من التركة ونظر فيه الحاكم، وهل يوم الشراء أو يوم الدفع أو الآن أقوال. وقيل: تعاد للسوق فإن زاد فلليتيم وإلا مضى. وفيها: سئل عن حمارين ثمنهما ثلاثة دنانير وتسوق بهما بدوا وحضرا فأراد الوصي أخذها بما أعطى فأجازه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أنه موافق له ونصه لاشهب في الكتابين لا يعمل الوصي بمال اليتيم قراضا كما لا يبيع منهم من نفسه ولا يشتري لهم. وقال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إن أخذه على جزء من الربح يشبه قراض مثله مضى ذلك انتهى. والمراد بالكتابين المجموعة والموازية. وظاهر كلام التوضيح أن القول الثاني من كمال القول الاول ومفرع عليه ونصه: قال ابن الحاجب:

[ 573 ]

ولا يعمل هو به قراضا عند أشهب. قال في التوضيح: لانه كمؤاجر نفسه وهو لا يجوز له ذلك كما لا يبيع له سلعة لنفسه. بعض أصحابنا: فإن أخذه على الجزء من الربح يشبه قراض مثله أمضى كشرائه لليتيم اه‍. وانظر عز وابن الحاجب وابن عرفة هذه المسألة لاشهب وقبول المصنف لذلك وإقراره مع أنها في المدونة في كتاب الرهون وهو نصها المتقدم في أول القولة التي قبل هذه وهو قوله: وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه إلا أن يتجر لليتيم أو يقارض له به غيره. قال أبو الحسن: مخافة أن يحابي نفسه لانه معزول عن نفسه خوف أن يحابي نفسه، فإن عمل به بنفسه فإن كان عمله مثل الجزء الذي سمى كان الربح بينهما على ما شرط، وإن خسر لم يضمن، وإن كان الجزء أكثر من العمل كان له قراض مثله فإن خسر اختلف هل يضمن أم لا، والتضمين ضعيف انتهى. وقال ابن رشد في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا في شرح مسألة وهي: وسئل عن الوصي أيقارض بمال اليتيم الذي أوصى إليه به ؟ قال: نعم لا بأس ولا ضمان عليه فيه وإن هلك إن كان دفعه إلى أمين. ابن رشد: هذا كما قال إن للوصي أن يدفع مال يتيمه مضاربة لانه ينظر له بما ينظر لنفسه، ومثل هذا في الرهون من المدونة أن للوصي أن يتجر بمال اليتيم أو يقارض به، ويكره أن يعمل هو به مضاربة. قال في الزكاة من كتاب ابن مزين: فإن عمل به بقراض مثله جاز ولم يكن عليه ضمان إن تلف، وإن عمل فيه بأكثر من قراض مثله فغبن اليتيم في ذلك رد إلى قراض مثله وضمن المال إن تلف. قال يحيى بن إبراهيم: قوله في الضمان ضعيف انتهى. فتحصل من هذا أن المسألة في المدونة أن النهي فيها على الكراهة كما صرح به ابن رشد وكما هو ظاهر لفظ المدونة، وأن ما في ابن مزين من تتمة المسألة وتفسير لها كما نقله أبو الحسن وكما يظهر من كلام ابن رشد المتقدم والله أعلم. فروع: الاول: قال المشذالي في حاشيته في الرهون: أخذ من قوله في المدونة: وللوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة جواز الصلح على المحجور فيما ادعى عليه وخاف أن يثبت على المحجور أو طلب المحجور دعوى على الغير فخاف الوصي أن لا يثبت أنه يصالح على البعض بعطية أو يأخذه. ونص عليه صاحب الطراز. والجامع بينهما أنه جوز دفع المال مضاربة مع احتمال ذهابه فضلا عن حصول رأس المال فضلا عن الربح. قلت: قال في نوازل أصبغ: سألت ابن القاسم عن الوصي، أيصالح عن الايتام ؟ قال: نعم إن رآه نظرا. قال ابن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وظاهرها أن الوصي يجوز صلحه عن الايتام فيما يراه نظرا فيما طلب له وطلب به بأن يأخذ البعض ويترك البعض إذا خشي أنه لا يصلح له ما ادعاه أو يعطي من ماله بعض ما يطلب إذا خشي أن يثبت عليه جميعه، وهو له في النوادر مكشوف خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون أنه يجوز فيما يطلب له فيما يطلب به، والصواب أنه لا فرق بينهما. المشذالي: انظر الطرر في ترجمة

[ 574 ]

بيع الوصي على اليتيم داره إذا وهت أو خشي تهدمها انتهى. تنبيه: وأما إبراء الوصي عنه الابراء العام فقال البرزلي في آخر مسائل الوكالات: إنه لا يبرأ الوصي عنه مبارأة عامة وإنما يبرأ في المعينات. وفيه أيضا: إنه لا يجوز إقرار الوصي والاب على الصغير. وتقدم في باب الاقرار عند قول المصنف وإن أبرأ فلانا مما له قبله كلام البرزلي في الابراء العام عن اليتيم. الثاني: قال الوانوغي: لو عمل الوصي أو الاب في أرض الصغير مغارسة لانفسهما كان لهما قيمة عملهما مقلوعا انتهى. الثالث: إذا تجر الوصي بمال اليتيم لنفسه، فهل يكون الربح له أو لليتيم أو يفرق بين الملئ فيكون له والمعدم فيكون لليتيم ؟ ثلاثة أقوال حكاها المتيطي ونقلها عنه الوانوغي في الحاشية والذي اقتصر عليه أكثر أهل المذهب أن الربح للموصي، وهو الذي عزاه عبد الملك لاكثر أصحاب مالك كما تقدم في كلام مختصر الواضحة في التنبيه الثالث من القولة التي قبل هذه، ونقله ابن فرحون في التبصرة والله أعلم. الرابع: قال المشذالي: قال الوانوغي: لو تجر الوصي في مال المحجور فربح، فلما رشد اليتيم قال للوصي، إنما تجرت على أن الربح لي وأنكر الوصي، فقال ابن عبد السلام: القول قول الوصي مع يمينه انتهى. وعلى هذا القول فإن الربح للوصي. الخامس: قال المشذالي: قال الوانوغي: لو تسلف الوصي على الايتام حتى يباع لهم فتلف مالهم فلا ضمان عليه. المشذالي: يريد لا يلزمه أن يغرم ذلك من ماله لمن استسلفه منه. وهذا إذا قال للمسلف إنما استسلفه للايتام، وأما إن لم يقل فالضمان لازم له. قاله في الطرر. وكان من حق الوانوغي أن لا يترك هذه الزيادة لاعطاء كلامه سقوط الضمان مطلقا. انتهى. السادس: منه أيضا: لو كان للايتام إخوة فأنفق الوصي على بعضهم من مال بعض، ضمن الوصي لمن أنفق من ماله ورجع بذلك على المنفق عليه انتهى. السابع: قال في الطرر في باب زكاة: الفطر: من بيده مال الصغير من غير إيصاء فليرفع للامام، فإن أنفقه عليه من غير إذن سلطان قال ابن القاسم: يصدق في مثل نفقة ذلك الصبي وزكاة الفطر قال سند: من غير إسراف إذا ثبت أنهم في نفقته وحجره، فإن تصرف في المال ببيع فخسر أو ببضاعة فذهب كان ضامنا كمن تجر في مال غيره بغير إذنه فإن تلف من غير أن يحركه فلا ضمان عليه. انتهى. الثامن: قال في النوادر في كتاب البيوع في ترجمة شراء ما وكل على بيعه أو أسنده إليه أو تسلفه منه: ومن الواضحة قال مالك: ولا أحب أن يتسلف مما أودع أو كان فيه وصيا

[ 575 ]

انتهى. ص: (والاشتراء من التركة وتعقب بالنظر) ش: قال في الوصايا: الاول: ولا يشتري الوصي من التركة ولا يوكل ولا يؤمن فإن فعل تعقب ذلك انتهى. قال القرطبي في تفسير سورة البقرة في قوله تعالى: * (ويسألونك عن اليتامى) *. اختلف هل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه، فقال مالك يشتري في مشهور الاقوال، والقول الثاني أنه لا ينبغي أن يشتري مما تحت يده شيئا لما يلحقه من التهمة إلا أن يكون البيع في ذلك بيع سلطان في ملا من الناس. وقال ابن عبد الحكم: لا يشتري من التركة ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله انتهى. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن في هذه الآية: واختلف في الوصي يشتري من مال يتيمه أو يبيع منه ماله، فعندنا أنه جائز ما لم يحاب، ويكره أولا في ابتداء. وانظر بقية كلامه. وقال ابن عرفة: وما في وصاياها خلاف ما في استبرائها. انتهى والله أعلم. ص: (لا بعدهما) ش: يعني أنه ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي وقبوله هو للوصية، وظاهره سواء أقام أحدا عوضه أم لا ؟ وهذا هو الظاهر وبه أفتى جماعة. ومعنى ذلك إذا تبرأ عن الايصاء جملة بحيث إنه لم يبق له نظر أصلا ويجوز له أن يوكل على الايتام من يتولى أمورهم بأمره. قال الجزيري في وثقائه: وللوصي أن يوصي بما إلى نظره إذا لم يكن معه شريك في الايصاء وليس له أن يفوض الايصاء إلى غيره في حياته، وله أن يوكل من ينظر بأمره انتهى. وقال في المسألة الثالثة من نوازل عيسى بن دينار من كتاب البضائع والوكالات: وسئل عيسى عن الرجل يوكل وكيلا على خصومه وقيام لبنيه أو تقاض ديون أو على وجه من الوجوه كلها، فيريد الوكيل أن يوكل غيره على ما وكل عليه من ذلك في حياة الموكل أو عند موته، أيجوز هذا ؟ قال: لا يوكل وكيلا على ما وكل عليه أحدا غيره، وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته أو عند موته. فتكلم ابن رشد على مسألة توكيل الوكيل ثم قال: وقوله: وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته هو نص قول مالك وجميع أصحابه

[ 576 ]

لا اختلاف بينهم فيه، وإنما اختلفوا في الوصيين أو الاوصياء هل لاحدهم أن يوصي بما إليه لشريكه ولغيره أم ليس له ذلك، أوله أن يوصي به لشريكه لا إلى غيره ؟ ثلاثة أقوال. قال: والاول هو أصح الاقوال وأولاها بالصواب انتهى. فقوله إنما يجوز للوصي إلى آخره معناه يجوز له أن يوكل على ما فوض إليه في حياته وعند موته. وقال ابن رشد في شرح المسألة العاشرة من رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا: للوصي أن يوصي بما أوصى به إليه في حياته وبعد وفاته لا خلاف احفظه في ذلك انتهى. وفي ابن سلمون ناقلا عن مسائل ابن الحاج قال: إذا أراد الوصي أن يتبرأ من الايصاء إلى رجل آخر بعد أن ألزمه، فليس له ذلك إلا لعذر بين وله فعل ذلك عند حضور موته لانه من أبين العذر. وحكى الباجي في وثائقه أن له أن يوكل غيره في حياته وبعد مماته، ولا يجوز لوكيل القاضي على النظر لليتيم أن يوكل بما جعل إليه أحدا غيره حيي أو مات، ولا أن يوصي به إلى أحد انتهى. ونقل البرزلي كلام الباجي ونصه: ولا يجوز لمقدم القاضي توكيل أحد بما جعل إليه والوصية به لا في حياته ولا عند موته انتهى. قال في مختصر المتيطية: وللوصي أن يوصي عند الموت بما جعل إليه إلى من شاء إن كان منفردا بالنظر، ويكون وصي الوصي كالوصي. وإن أراد الوصي في حياته أن يجعل ما بيده إلى غيره لم يكن له ذلك، وإنما له أن يوكل من ينظر بأمره. قال ابن العطار وغيره. وقال ابن زرب: له ذلك. قيل: فإن أراد أن يعود في نظره ؟ قال: ليس له ذلك لانه قد تخلى عنه اه‍. وفي مسائل الوصايا من البرزلي: وسأل ابن دحون ابن زرب عن الوصي يتخلى عن النظر إلى رجل آخر قال: ذلك جائز ويتنزل منزلته. قيل له: فلو أراد العود في نظره ؟ قال: ليس له ذلك وقد تخلى منه إلى الذي وكل انتهى. وفي المتيطية: وإذا قبلها في مرض الموت الذي توفي منه أو بعد موته وتولى النظر، ثم أراد أن يتخلى، فليس ذلك له إلا أن يخليه شريكه في النظر إن كان معه شريك وكان في الوصية أن من عاقه عائق فالباقي منفرد، فإن لم يكن في الوصية هذا الشرط فإن القاضي يخليه ويقدم غيره إن كان منفردا وكان معه غيره ولم يكن في الوصية هذا الشرط إذا ظهر له عذر ووجد من يقوم مقامه، وإن لم ينعقد عليه التزام في مرض الموصي ولا نظر بعد موته وأبى النظر فلا يجبر على النظر. قال في أحكام ابن بطال: وإن أنكر القبول حلف على ذلك وبرئ انتهى. وظاهر كلام المصنف أيضا أنه ليس له أن يعزل نفسه ولا للقاضي أن يخليه بعد الموت والقبول، سواء في حياة الموصي أو بعد موته، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب قال: وليس له رجوع بعد الموت والقبول على الاصح. قال في التوضيح: ظاهره سواء قبل في حياة الموصي أو بعد موته. ونص في المدونة على الاول، وأشهب على الثاني. قال: وسواء قبل لفظا أو جاء منه ما يدل على ذلك من البيع والشراء لهم ما يصلحهم والاقتضاء والقضاء أو غير ذلك. قال ابن عبد السلام: وقال بعضهم: لا فرق بين قبوله بعد الموت وقبله لان له الرجوع. وأخذ من تعليل أشهب

[ 577 ]

رجوعه في الحياة فإنه لم يغيره فألزمه اللخمي أن يكون له الرجوع إن قبل بعد الموت لكونه لم يغيره انتهى. وذكر البرزلي عن ابن عات عن أبي ورد قال: إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا يخليه القاضي إلا بعد ثبوت عذر يوجب ذلك، وإن كان قبوله بعد موته فللقاضي أن يخليه بغير عذر، وللفرق بينهما شرح يطول وهذا حقيقة الفقه في هذا الفصل. قلت: هو ظاهر قولها إذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي فلا رجوع له بعد وفاته. وعليه وسئل إذا خلى القاضي الوصي لعذر ثبت له وكان معه في النظر شريك هل يعذر إلى شريكه فيما ثبت له من العذر ؟ فقال: إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا بد من الاعذار إلى شريكه ثم يعمل بحسب ذلك، وإن كان قبوله بعد موته حيث يكون للقاضي أن يعقبه دون عذر كما تقدم فإنه لا متكلم لشريكه في ذلك فكيف يعذر إليه. وله أيضا إذا كان في الوصية من عاقه منها عائق فالباقي منفرد، فليس له أن يخليه من غير عذر، ولو كان له أن يخليه من غير عذر لكان قوله: إلا أن يخليه شريكه " معترضا أيضا، لان شريكه لا يخليه إنما يخليه الموصي بشرطه في وصية من عاقه عائق فالباقي منفرد انتهى. ثم ذكر عن ابن ورد أن العذر لا بد أن يثبت أنه مانع له من القيام ألبتة، وأما إن لم يكن إلا أنه يشق عليه فلا يخل بمثل ذلك ويكون العذر أيضا طارئا بعد القبول. وأما إن كان حال القبول فلا إلا أن يثبت أنه لا يقدر على القيام فيما أدخل نفسه فيه انتهى. ومن هذا المعنى ما وقع في المسألة الثانية من سماع أشهب من كتاب الوصايا وهي تتضمن فرعا آخر وهو أن للوصي أن يرسل اليتيم إلى غير البلد الذي هو فيه إذا كان له فيه مصلحة ونصه: قال: وسئل يعني مالكا عمن توفي بالمدينة وأوصى إلى رجل أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح، فأرادت امرأته الخروج إلى العراق بولدها منه وهناك أهلها فقال: ليس لها ذلك. فقيل: إن لولده ثم ديون. قال: ما أرى ذلك لها. قيل: إذا يهلك ديوانهم وهم صغار. قال: هذا إن كان هكذا فلينظر في ذلك لليتامى، فإن رأى ولي اليتيم أن لهم المقام أقاموا، وإن رأى أن السير أرفق بهم ساروا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه ليس للام أن ترحل بولدها الذي في حضانتها عن بلد الموصى عليهم وإن كان الاب أوصى أنها أولى بولدها ما لم تنكح لان ذلك من حقها وإن لم يوص لها به مع أنها لا تغيب به إلى بلد آخر عن الوصي إلا أن يرى ذلك الوصي أو السلطان نظرا للايتام لئلا يزول بمغيبهم اسمهم عن الديوان الذي كان يرتزق عليه أبوهم فتدركهم الضيعة انتهى. ويؤخذ من هذه المسألة جواز تسفير الوصي من في حجره لمصلحة، وقد قال في كتاب الوصايا الثاني: وإن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي بمال فذلك نافذ ويدفع ذلك إليه ليحج به إذا أذن السيد

[ 578 ]

والوالد، وإن لم يكن للصبي أب فأذن له الولي في ذلك، فإن كان على الصبي فيه مشقة وضرر وخيف عليه في ذلك ضيعة فلا يجوز إذنه فيه، وإن كان الصبي قويا على الذهاب وكان ذلك نظرا له جاز إذنه لان الوصي له أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز، ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن به بأس، فكذلك يجوز إذنه في الحج على ما وصفنا. وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن له في هذا. قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه وقف المال إلى بلوغه، فإن حج به وإلا رجع ميراثا انتهى. وظاهر كلامهم ولو كان في طريق بحر. وقد تقدم في باب الحضانة أن الاصح أن للولي أن يسافر بمن في حجره إذا كانت الطريق مأمونة ولو كان فيها بحر، وتقدم هنا أن التجر بمال اليتيم في البحر والبر جائز مع الامن والله أعلم. تنبيه: تقدم في باب الحج عن ابن فرحون أنه نقل أن للوصي والولي غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم وكانوا مأمونين، ويختلف فيه إن كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل انتهى. ص: (والقول له في قدر النفقة) ش: قال في الشامل: وصدق في قدر النفقة دون سرف مع يمينه إن بقي تحت حجره على الاكثر. وهل يجاب إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن ولا يحلف، أو لا بد من يمينه قولان انتهى. وأصله في التوضيح وعزا الاول لابي عمران، والثاني لعياض قائلا: إذ قد يمكن أقل مما ذكر. قال الشارح في الكبير: وهو الظاهر عندي قال ابن غازي: قال ابن عبد السلام: والقول للوصي في أصل الانفاق انتهى. فرع: قال في مختصر النوازل: وإقرار الرجل في مرضه ليتيمه بمال يمنع من طلبه بما كان ينفق عليه في حياته إذ حكم ذلك حكم الاسقاط انتهى. يعني أن الورثة إذا أقر مو (ثهم بمال ليتيمه فطلبوا اليتيم بما كان مورثهم ينفقه عليه فليس لهم ذلك. انظر نوازل ابن رشد، وتقدم لفظ النوازل في النفقات عند قول المصنف: وعلى الصغير إن كان له مال. والمسألة في مسائل الوصايا من النوازل. ص: (وضمن المال قبل بلوغه) ش: هذا هو المشهور ومقابله لابن عبد الحكم القول للوصي. ومنشأ الخلاف قوله تعالى: * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا) *

[ 579 ]

هل لئلا تغرموا أو لئلا تحلفوا ؟ وعلى المشهور إذا قلنا لا يقبل قول الوصي فقال مالك في الموازية: إلا أن يطول زمن ذلك كالثلاثين والعشرين سنة يقيمون معه ولا يطلبونه ولا يسألونه عن شئ ثم يطلبونه فإنما عليه اليمين. ابن رشد: وهو ظاهر قسمة العتبية ووجهه ظاهر، لان العرف بكذبهم. وقال ابن زرب: إذا قام بعد عشر سنين أو ثمدن لم يكن له قبله إلا اليمين. ابن عبد السلام: ومال ابن رشد إلى القول الاول. خليل: وينبغي أن ينظر إلى قرائن الاحوال وذلك يختلف والله أعلم. باب في بيان الفرائض ص: (يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون وعبد جنى ثم مؤن تجهيزه

[ 580 ]

بالمعروف ثم تقضي ديونه ثم وصاياه من ثلث الباقي ثم الباقي لوارثه) ش: هذا الباب يسمى باب الفرائض. فقوله باب أي هذا باب يذكر فيه الفرائض وهو الفقه المتعلق بالارث، وعلم ما يوصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق في التركة، فحقيقته مركبة من الفقه المتعلق بالارث، ومن الحساب الذي يتوصل به إلى معرفته قدر ما يجب لكل وارث. وبدأ أولا ببيان الحقوق المتعلقة بالتركة ونهايتها خمسة كما ذكره. وطريق حصرها إما بالاستقراء وهو الظاهر، أو بغيره وفي ذلك طريقان: أحدهما أن يقال: الحق المتعلق بالتركة إما ثابت قبل الموت أو بالموت. والثابت قبله إما أن يتعلق بالعين أولا. الاول هو الحقوق المعينة وإليه دشار بقوله: حق تعلق بعين، والثاني الدين المطلق وإليه أشار بقوله: ثم تقضى ديونه. والثابت بالموت إما للميت وهو مؤن تجهيزه، أو لغيره وهو الوصية وإليه أشار بقوله: وصاياه أو هو الميراث وإليه أشار بقوله ثم الباقي لوارثه. والطريق الثاني أن يقال: الحق إما للميت أو عليه أو لا له ولا عليه. الاول مؤن التجهيز، والثاني إما أن يتعلق بالذمة فقط وهو الدين المطلق، أو لا وهو المتعلق بعين التركة. والثالث إما اختياري وهو الوصية، أو اضطراري وهو الميراث. وذكر المصنف هذه الحقوق مرتبة فكل واحد مقدم على ما بعده. وقوله: يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين أي بعين من التركة أو بهما جميعا. والتركة بفتح التاء وكسر الراء ويجوز تسكين الراء مع فتح التاء وكسرها وهو بمعنى المتروك كالطلبة بمعنى المطلوب. وتركة الميت تراثه وهو الميراث. وضبطه بعضهم بأنه حق قابل للتجزي ثبت لمستحق بعد موت من كان له لوجود قرابة بينهما أو ما في معناها. والمراد بالعين الذات، ثم مثل للحق المتعلق بالعين بقوله: كالمرهون يعني إذا حيز قبل موت الراهن الحوز الشرعي المتقدم في باب الرهن، وبقوله: وعبد جنى جناية أي جناية توجب مالا كالخطأ والعمد إذا عفى الولي على مال واستهلك، مالا لشخص لم يأتمنه عليه، فلو اجتمع في الجاني رهن وجناية قدم المجني عليه لانحصار حقه في عين الجاني فيخير الورثة بين أن يفدوه أو يسلموه، فإن فدوه بقي رهنا، وإن أسلموه خير المرتهن بين أن يسلمه للمجني عليه ويبقى دينه بلا رهن، أو يفديه بأرش الجناية. ثم إذا حل الدين بيع ويبدأ بما فداه به المرتهن، فإن لم تف قيمته بما فداه لم يتبع الورثة بشئ، وإن فضل منها شئ أخذ من دينه وما فضل بعد ذلك فللورثة. واعلم أن الذي يخرج من التركة قبل وقوع المواريث فيها ينقسم على قسمين: أحدهما ما يجب إخراجه من رأس المال. والثاني ما يجب إخراجه من الثلث، وما يجب إخراجه من

[ 581 ]

رأس المال مقدم على ما يجب إخراجه من الثلث، وما يجب إخراجه من رأس المال على وجهين، أحدهما حقوق معينة، والثاني حقوق ليست بمعينة. فأشار المؤلف إلى الوجه الاول بقوله يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون وعبد جنى. قال في المقدمات بعد أن ذكر التقسيم المتقدم: فأما الحقوق المعينة فتخرج كلها وإن أتت على جميع التركة وذلك مثل أم الولد والمرتهن والزكاة، ثم الحائط الذي يموت عنه صاحبه وقد أزهت ثمرته وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها عليه وفيها السن الذي تجب فيها وما أقر به المتوفى من الاصول والعروض بأعيانها لرجل أو قامت على ذلك بينة انتهى. فهذا ونحوه هو الذي أشار إليه المؤلف بالكاف في قوله كالمرهون والعبد الجاني مرهون في جنايته. وزاد أبو الحسن: والصبرة المبيعة على الكيل انتهى. وزاد ابن عرفة: وسكنى الزوجة مدة عدتها مسكنها حين موته بملكه أو بنقد كرائه انتهى. وزاد الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة المعتق إلى أجل انتهى. وهو ظاهر والله أعلم. وكذلك الهدي إذا قلده سواء كان تطوعا أو واجبا كما صرح به في كتاب الحج من المدونة، وذكر أنه لا يرجع ميراثا. قال سند: ولا يباع في دين استحدثه بعد التقليد. وقال في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الاضحية: إنه يباع في الدين المتقدم. وتقدم في الحج أن السوق في الغنم يتنزل منزلة التقليد في غيرها، وكذلك الاضحية إذا تعينت إما بالنذر أو بالذبح. قاله ابن الحاجب. وما ذكره ابن رشد في زكاة الحرث ذكره أيضا ابن عرفة وأبو الحسن الصغير واللخمي والمؤلف في التوضيح في كتاب الوصايا، وتقدم في هذا الكتاب في باب الوصايا أنها تنفذ من رأس المال ولو لم يوص بها ولكن قيده في التوضيح فقال: إلا أن تيبس الثمرة أو تطيب أو يجذها ويجعلها في الجريب ببلد لا ساعي فيها، فالظاهر على قول ابن القاسم أنه لا يلزم الورثة إخراجها لانه لو أخرجها أجزأته، لان ذلك كالعين المفرط فيها، وأما إن لم تيبس فيجب على الورثة إخراجها لانه لو أخرج الزكاة قبل الجذاذ لم تجزه. وذكره عبد الحق عن ابن مسلمة في المبسوط قال: وما رأيت خلافه انتهى. وقد تقدم في الزكاة خلافه، وما ذكره ابن رشد في المقدمات في زكاة الماشية جعله ابن عرفة أحد الطريقين ونصه: أول ما يخرج من كل التركة معينا أم الولد والمحوز والمرهون وزكاة حب وتمر حين وجوبها، وفي كون وجوب زكاة ماشية في مرضه كذلك طريقان: اللخمي كذلك إن لم يكن ساع ابن رشد: كذلك إن كان فيها سنها انتهى. وفي جعله كلام ابن رشد واللخمي خلافا نظر. اللخمي: إنما أطلق لانه إنما ذكر ما يخرج من رأس المال ولم يفصل فيه معينا من غيره. وابن رشد لما أن ذكر المعينات ذكر منها الماشية التي حل حولها وليس فيها السن الواجب كما سيأتي إن شاء الله. وأما تقييد اللخمي ذلك بعد الساعي فلا يخالف فيه ابن رشد أيضا، لان الساعي إذا كان موجودا وحل حول الماشية ومات ربها قبل مجئ الساعي سقطت زكاتها ويستقبل بها الوارث حولا كما تقدم في باب الزكاة، ففي عده كلام اللخمي

[ 582 ]

وابن رشد طريقين نظر لا يخفى والله أعلم. ثم أشار المؤلف إلى الوجه الثاني وهو الحقوق التي تخرج من رأس المال وليست بمعينة بقوله ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف ثم تقضي ديونه. قال ابن رشد في المقدمات: وأما الحقوق التي ليست بمعينات، فإن كان في التركة وفاء بها أخرجت كلها، وإن لم يكن فيها وفاء بدئ بالاوكد فالاوكد منها، وما كان بمنزلة واحدة تحاصوا في ذلك فآكد الحقوق وأولاها بالتبدئة من رأس المال عند ضيقه الكفن وتجيز الميت إلى قبره انتهى. قال أبو الحسن الصغير: لان الغرماء على ذلك عاملوه في حياته يأكل ويكتسي والكفن وتجهيزه إلى قبره من توابع الحياة انتهى. وقال في الرسالة: ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. قال الشيخ يوسف بن عمر: يريد آلة الدفن من أجرة الغسال والحمال والحفار والحنوط وغير ذلك. والكفن ثلاثة أثواب. ولا كلام للورثة في ذلك ولا للغرماء لان الدفن في ثوب واحد مكروه انتهى. وهذا خلاف المشهور. وقد قدم المؤلف أنه لا يقضى بالزائد على الواحد إن شح الوارث إلا أن يوصي في ثلثه. وقال ابن ناجي: أراد الشيخ أن مؤنة الدفن كالكفن وخشونة الكفن ورقته على قدر حاله انتهى. وهذا الذي قاله المؤلف في باب الجنائز وكفن بملبوسه لجمعته، وهذا معنى قول المصنف هنا: ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف. ثم قال ابن رشد: ثم حقوق الآدميين من الديون الثابتة على المتوفى بالبينة العادلة أو بإقراره بها في صحته أو في مرضه لمن لا يته عليه انتهى. وقوله لمن لا يتهم عليه مفهومه أنها إذا كانت لمن يتهم عليه لا تنفذ من رأس المال وهو كذلك بمعنى أنها لا تدفع للمقر له وإلا فهي تحسب من رأس المال ولا يكون ما يخرج من الثلث إلا بعدها ثم ترجع ميراثا. قاله في أول الوصايا من المدونة. ونصه: وإذا أقر المريض بدين وأوصى بزكاة مال فرط فيها وبتل. في المرض ودبر فيه وأوصى بعتق عبد له بعينه وشراء عبد بعينه ليعتق وأوصى بكتابة عبد له وأوصى بحجة الاسلام وبعتق نسمة بغير عينها، فالديون تخرج من رأس ماله. وإن كانت لمن يتهم فيه، وهذا الذي ذكرناه في ثلث ما بقي، فإن كان الدين لمن يجوز إقراره أخذه، وإن كان لمن لا يجوز إقراره له رجع ميراثا انتهى. وانظر فك الاسير ومدبر الصحة ونكاح المريضة، هل يدخلون فيما ذكر من الدين المقر به لمن يتهم وهو الذي يظهر من التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في الوصايا ولا مدخل للوصية فيما لم يعلم به، أو لا يدخلون وهو الظاهر من هذا المحل من المدونة. ثم رأينا في ابن يونس في كتاب المدبر أن المدبر في الصحة يدخل في ذلك فيكون فك الاسير المقدم عليه من باب أولى فتأمله والله أعلم. قال ابن رشد: ثم حقوق الله المفروضات من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوب ذلك عليه في ذمته، ويبدأ من ذلك في رأس ماله الاوكد فالاوكد كما يبدأ الآكد فالآكد في ذلك إذا فرط فيه في حياته وأوصى به أن يؤدي عنه بعد وفاته، وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها عليه ولي‍ س فيه السن الواجبة فيها تجري في التبدئة مجرى ما لم يخرجه عند حلوله وأشهد به على نفسه في صحته انتهى.

[ 583 ]

قلت: قوله ثم حقوق الله المفروضات من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوب ذلك عليه في ذمته مشكل لانه يقتضي أن من فرط في زكاة ماله مدة من الزمان ثم أشهد أنها في ذمته ثم مات أنها تؤخذ من رأس المال، وكذلك من أشهد أن في ذمته كفارات وأنه قدر نذر أن يعطي فلانا كذا وكذا الشئ سماه وعينه ثم مات وهو في يده أنه يؤخذ من رأس ماله، بل لو أشهد أنه نذر أن يتصدق على المساكين بكذا وكذا وأنه باق في ذمته أنه يؤخذ من رأس ماله. وقج نص في المدونة وغيرها على أنه إذا نذر أن يتصدق على المساكين بجميع ماله يؤمر بإخراج ثلث ماله ولا يجبر على ذلك، فإن كان لا يجبر عليه في حياته فكيف يؤمر الورثة بإخراجه من رأس المال ؟ وقال البرزلي في أوائل مسائل الهبة: من قال لله علي صدقة مالي وثلثه لفلان فيلزمه ما دام حيا، فإذا مات بطل لان صدقته وجبت باقتراب فمن شرطها الحوز قبل الوفاة انتهى. وقال في باب الزكاة من النوادر: وإن مات بعد الحوز فما حل ولم يفرط أو قدم عليه فأمر بإخراجه في مرضه أو أوصى بذلك فهو من رأس ماله. قاله مالك. وإن لم يوص لم يجبر ورثته وأمروا بذلك. وقال أشهب: هي من رأس ماله وإن لم يوص أو لم يفرط. وقال أشهب في زكاة الفطر: إن من مات يوم الفطر وليلته ولم يوص فهي من رأس ماله. وقال ابن القاسم: لا تجبر ورثته إلا أن يوصي فتكون من رأس ماله انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد وزاد فيه ونصه إثر كلامه المتقدم في الموضعين: وأوله كليا مؤنة إقباره ثم دين لآدمي ثم ما أشهد به في صحته فواجب عليه في صحته لله تعالى من زكاة أو كفارات. ابن رشد: أو نذر. قلت: للباجي عن عبد الحق عن بعض شيوخه: نذر الصحة في الثلث فلعل الاول في الملتزم، والثاني في الموصى به وإلا تناقضا، ويقدم منها في ضيق التركة المقدم منها في ضيق الثلث وفي كون زكاة عين حلت في مرضه من رأس ماله مطلقا أو إن أوصى بها وإلا أمر الوارث بها ولم يجبر قولا اللخمي مع أشهب وابن القاسم انتهى. والثاني مذهب المدونة وهو المشهور كما تقدم، ومفهوم قول ابن رشد إذا أشهد في صحته أنه لو لم يشهد لم يخرج من رأس المال بل ولا من الثلث وهو كذلك إلا المتمتع إذا مات بعد رمي جمرة العقبة فالهدي عند ابن القاسم وهو المشهور من رأس ماله وإن لم يوص بها فينبغي أن يجعل رتبته بين حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي أوصى بها. قال في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: وسئل عن المتمتع يموت بعرفة وما أشبه ذلك، أترى عليه هديا ؟ قال: من مات قبل رمي الجمرة فلا شئ عليه، ومن رمى فأرى أن قد وجب عليه الهدي. قال عيسى: سألت ابن القاسم عن هديه هل من رأس المال أو في ثلثه ؟ قال: بل في رأس المال وذلك أنه لم يفرط. وقال سحنون: لا يعجبني ما قال ولا يخرج من رأس ماله ولا من ثلثه إلا أن يشاء الورثة. ألا ترى أن من تجب عليه الزكاة قد عرف ذلك ثم يموت ولم

[ 584 ]

يفرط في إخراجها أنه إن أوصى بها كانت من رأس المال، وإن لم يوص لم تكن في ثلث ولا من رأس مال إلا أن يشاء الورثة ؟ ابن رشد: إنما قال ابن القاسم إنه يكون في رأس المال إن لم يوص به إذا لم يفرط بخلاف الزكاة التي لم يفرط فيها، لان الهدي لا يخفى وليس مما يفعل سرا كالزكاة التي يمكن أن يكون لم يوص بها من أجل أنه أداها سرا، فتفرقة ابن القاسم بين المسألتين أظهر من مساوات سحنون بينهما، ألا ترى أنه لا يختلفون في وجوب إخراج الزكاة من الزرع الذي يموت عنه صاحبه وقد بدا صلاحه وإن لم يوص بإخراجها منه للعلم بأنه لم يؤد زكاتها. وأشهب يرى إخراج زكاة المال الناض واجبا وإن لم يوص بإخراجها إذا مات عند وجوبها ولم يفرط انتهى. وعزا اللخمي قول ابن القاسم لمحمد قال: وعلى هذا من وجب عليه عتق رقبة من ظهار، فإن لم يفرط أعتق عنه من رأس ماله، وإن فرط لم يعتق عنها انتهى. وهو كلام ظاهر ومثله عتق كفارة القتل وكل ما كان ظاهرا لا يخفى ولم يفرط فيه والله أعلم. وإلى جميع ما تقدم أشار المؤلف بقوله: ثم تقضى ديونه لان حقوق الآدميين وحقوق الله يصدق عليها كلها ديون. وكذلك عبارة الرسالة: ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. ولهذا قال شارحه الشيخ يوسف ابن عمر: ثم الدين الذي بعوض والذي يثبت بالبينة أو بإقرار الميت في صحته أو بإقراره في مرضه لمن لا يتهم عليه، ثم الدين الذي بغير عوض مثل الزكاة التي فرط فيها وأقربها في صحته والكفارات ثم بعد هذا الوصية انتهى. ولكنه ليس في كلام المؤلف ولا في كلام صاحب الرسالة ما يدل على أن حقوق الآدميين مقدمة على حقوق الله تعالى. وقوله: ثم وصاياه من ثلث الباقي يريد وما يخرج مع الوصايا مما هو مقدم عليها كما تقدم، ثم الباقي لورثته، وإنما قدمت الوصية على الميراث لاحتمال أن يبقى من الثلث شئ لهم. تنبيه: قال البرزلي: وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول: من أراد أن يتحيل بإخراج ماله بعد موته فليفعل مثل ما ذكر في هذا القسم انتهى. يعني أنه يشهد في صحته بشئ من حقوق الله تعالى والله أعلم. ص: (من ذي النصف) ش: من الفرضيين من لم يتعرض لعد الوارث وإنما يقول الفروض ستة، ثم يقول أصحاب النصف كذا وأصحا ب كذا كذا إلى آخره، ومنهم المصنف لكنه لشدة الاختصار لم يعد أولا الفروض بل كلما ذكر فرضا اتبعه بأصحابه، ومن الفرضيين من يعد الورثة أولا ثم يذكر الفروض كابن الحاجب والله أعلم. ص: (وعصب كلا أخ يساويها) ش: أي عصب كل واحدة من البنت وبنت الابن والاخت الشقيقة

[ 585 ]

والاخت للاب أخ يساويها أي في الوصف الذي ترث به، فيعصب الشقيقة أخ يساويها أي شقيق فتأخذ الثلث ويأخذ الثلث، ولا يعصبها الاخ للاب بل تأخذ من فرضها النصف، ثم يكون له ما بقي بعد الفروض. ويعصب الاخت للاب أخ يساويها أي للاب فتأخذ هي وهو المال للذكر مثل حظ الانثيين كما تقدم في الشقيقة، ولو كان شقيقا لم يعصب التي للاب بل يسقطها. ويعصب البنت أخ لها يساويها في الوصف الذي ترث به وهو البنوة ولا يلتفت لكونه شقيقا لها أو لاب. ويعصب بنت الابن أخ يساويها في كونه ابن ابن، سواء كان شقيقا لها أو لاب ويعصبها غيره كما سيأتي فصح قول المؤلف: أخ يساويها. وكون بنت الابن يعصبها غيره أيضا لا يرد عليه لان المصنف لم يحصر، فسقط قول من قال أما الشقيقة والاخت للاب فيعصب كل واحدة منهما أخوها المساوي لها في كونهما شقيقين أو لاب، وأما بنت الصلب فيعصبها أخوها كيف كان. وأما بنت الابن فيعصبها أخوها وابن عمها وقد يعصبها ابن أخيها أو حفيد عمها كما يشير إليه بعد فلا يخفاك ما في كلامه هذا انتهى. وقد ظهر لك بيانه والله أعلم. تنبيه: الفرضيون يقولون: العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه فهم كل ذكر إلا الزوج والاخ للام والمعتقة من الاناث فقط. وعصبة بغيره وهي أربع البنت فأكثر وبنت الابن فأكثر والاخت الشقيقة فأكثر والاخت للاب فأكثر، يعصب كلا من تقدم ذكره ومن يأتي في بنت الابن. وعصبة مع غيره وهي الاخت فأكثر شقيقة أو لاب مع البنت وبنت الابن. فأشار المؤلف إلى العصبة بنفسه بقوله فيما يأتي: ولعاصب ورث المال إلى آخره. وأشار إلى العصبة بغيره بقوله: وعصب كل أخ يساويها وأشار إلى العصبة مع غيره بقوله: والاخريين الاوليان. ومعنى عصبة بغيره أن سبب تعصيبه كونه مع عصبة غيره، ومعنى عصبة مع غيره أي مع كون غيره ليس بعصبة فظهر الفرق بينهما والله أعلم. ص: (والجد والاوليان الاخريين) ش: كذا هو في بعض النسخ. قال ابن غازي: وهو الصواب والمعنى أن الجد والاوليين وهما البنت وبنت الابن يعصب كل واحد منهم الآخريين وهما الاخت الشقيقة والاخت للاب فقط، ولا

[ 586 ]

يعصب الجد البنت ولا بنت الابن والله أعلم. ص: (ولتعددهن الثلثان) ش: يرد على ظاهر هذه العبارة وعلى قوله بعد والثلثان لذي النصف إن تعدد أن البنت والاخت يرثان الثلثين وهذه البارة سبقه إليها الحوفي والقاضي والله أعلم. ص: (إلا أنه إنما يعصب الاخ أخته لا من فوقه) ش: بهذا الاستثناء خلص من الاعتراض الوارد على عبارة الحوفي حيث أطلق وترك هذا الاستثناء فقال ابن عرفة: قوله وكذلك الاخوات للاب يؤذن بأنهن مع الشقيقات في كل ما تقدم كبنات الابن مع البنات وليس كذلك فإن الاخوات للاب لا يعصبهن ابن أخيهن كما يعصب بنات الابن ابن أخيهن. انتهى. ص: (والربع الزوج بفرع) ش: لا بد من تقييده بكونه وإرثا، فلو كان الفرع غير وإرث إما لمانع به كالرق والقتل أو لكونه من ولد البنات، لم يحجب الزوج إلى الربع، ولا يقال بأن هذا مستغنى عنه بما هو مقرر بأن كل من لا يرث

[ 587 ]

بحال فلا يحجب وإرثا لانا نقول: لم يذكر المصنف أن الولد يحجب الزوج إلى الربع حتى يكتفي بما ذكر، بل كلامه في الحال التي يرث الزوج فيها الربع فذكر أن ذلك إذا لم يكن هناك فرع فلا بد من تقييده بما ذكر والله أعلم. ص: (والثمن لها أو لهن بفرع لاحق) ش: لو قال وارث لكان أحسن وأشمل لما تقدم فرقه والله أعلم. ص: (والثلثين لذي النصف إن تعدد) ش: هذا تكرار مع ما تقدم والله أعلم. ص: (والثلث للام وولديها فأكثر) ش:. فرع: قال الباجي في المنتقى في كتاب الفرائض: وفي كتاب ابن عجلان الفرضي في الصبي يموت وله أم متزوجة فإنه لا ينبغي لزوجها أن يطأها حتى يتبين أنها حامل أو حائل لمكان الميراث، لانها إن كانت حاملا ورث ذلك الحمل أخاه لامه. وقال أشهب: لا يعزل عنها وله وطؤها، فإن وضعت بعد موته لاقل من ستة أشهر ورث أخاه، وإن وضعته لتمام ستة أشهر لم يرثه لانه وإن عزل عنها لم يؤمن أن يطرقها ويتسور عليها. وهذا إذا لم يكن حملها ظاهرا يوم مات الميت، ولو كان حملها ظاهرا لورثه أخاه وإن وضعته لاكثر من ستة أشهر أو تسع أو أكثر من ذلك. وكذلك إن كان زوجها غائبا غيبة بعيدة لا يتهيأ له الوصول إليها فإنه يرث أخاه إن ولد لاكثر من تسعة أشهر انتهى. ونقله القرافي في الذخيرة مختصرا فأجحف فيه.

[ 588 ]

وقال ابن يونس: روي عن علي وعمر بن عبد العزيز إن مات ولامه زوج غير أبيه أن زوجها يعتزل عنها حتى يستبرئها بحيضة ليعلم أنها حامل أم لا احتياطا للميراث. فإن لم يعتزلها أو قال اعتزلتها فلم تصدقه الورثة فاتفق العلماء أنها إن ولدت لاقل من ستة أشهر ورثه أخوه للام إلا أن يكون للميت من يحجبه، فإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يرثه إلا أن تصدقها الورثة أنها كانت حاملا يوم مات ابنها أو يشهد بذلك امرأتان فصاعدا. انتهى ص: (والاب أو الام مع ولد وإن سفل) ش: يعني أن السدس فرض كل واحد من الاب والام مع الولد أو ولد

[ 589 ]

الابن وإن سفل، سواء كان ذكرا أو أنثى. أما الام فحالها معلوم مما تقدم، وأما الاب فله ثلاث حالات: حالة يرث فيها بالفرض فقط، وحالة بالتعصيب فقط، وحالة يجمع بينهما. فالاولى إذا كان معه ابن أو ابن ابن أو بن‍ ت أو بنات ومع البنت والبنات أصحاب فروض يستغرقون التركة أو يفضل منها قدر السدس أو أقل من السدس. والحالة الثانية إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن لا ذكرا ولا أنثى، فيرث المال جميعه بالتعصيب إن انفرد، أو الباقي بعد أصحاب الفروض. والحالة الثالثة إذا كان معه بنت ابن أو بنتان فأكثر أو بنتا ابن فأكثر. وضابطها أن يكون معه من البنات أو بنات الابن أو منهما ما يأخذ الثلثين أو النصف، فيأخذ السدس فرضا عملا بقوله تعالى: * (ولابويه لكل واحد منهما السدس) * والباقي عصوبة لحديث: فما بقي فلاولى رجل ذكر. انظر شرح الشيخ زكرياء الكبير على الفصول والجزولي الكبير. والضابط المذكور مأخوذ من كلام ابن الهائم في الفصول. وينبغي أن يزاد فيه فيقال: وضابطه أن يكون معه من البنات أو بنات الابن أو منهما أو من أحدهما وصاحب فرض ما يفضل عنهم أكثر من السدس ليشمل نحو بنت وأبوين فتأمله والله أعلم. ص: (وإن كان محلها أخ لاب ومعه أخوة لام سقط) ش: أي لو كان موضع الاخت الشقيقة أو الاب أخ لاب ومعه إخوة لام فليست بأكدرية، وذلك أن الام قد حجبت للسدس بتعدد الاخوة فللزوج النصف وللام السدس وللجد السدس. واختلف في السدس الباقي فقيل يأخذه الاخ للاب، والمشهور أن الجد يأخذ الجميع ويسقط الاخ للاب لان الجد يقول للاخ للاب أرأيت لو

[ 590 ]

لم أكن معكم أكان يكون لك شئ فيقول لا. وذلك لان الاخوة للام إنما يسقطون بوجوده ولو لم يوجد لكانوا أصحاب فروض يعال لهم إن تعددوا، ويأخذون السدس إن لم يتعددوا، ويسقط معهم الاخوة للاب فيقول الجد للاخوة للاب ليس وجودي بالذي يوجب لكم شيئا

[ 591 ]

لم يكن لكم وتسمى هذه بالمالكية. ص: (والمشتركة) ش: يقال فيها مشتركة بتاء فوقية بعد الشين كما ذكره القرافي فتكون من الاشتراك، ويقال لها المشركة بلا تاء بفتح الراء المشددة أي المشرك فيها بحذف الجار والمجرور. ويقال أيضا بكسر الراء. انتهى بالمعنى من شرح الفصول

[ 592 ]

لشيخنا زكرياء وقريب منه في القاموس فليحرر والله أعلم ص: (ثم بيت المال ولا يرد ولا يدفع لذوي الارحام) ش: يعني أنه إذا لم يكن للميت من يرثه من النسب ولا من يرثه بالولاء فماله لبيت مال المسلمين، وقد أطلق رحمه الله في بيت المال ولم يقيده بما إذا كان الوالي يصرفه في مصارفه، وكأنه رحمه الله تبع ظاهر كلام ابن الحاجب حيث قال: وإن لم يكن وارث فبيت المال على المشهور. وقيل: لذوي الارحام. وعن ابن القاسم: يتصدق به إلا أن يكون الوالي كعمر بن عبد العزيز فأطلق في القول الاول الذي جعله المشهور أن بيت المال وارث، ولم يقيده بما إذا كان الوالي يصرفه في مصارفه، بل ظاهر كلامه أن التقييد بذلك خلاف المشهور. وقبل ابن عبد السلام كلامه، وكذلك الشيخ خليل في التوضيح وتبعه على ذلك في مختصره. فأطلق أن بيت المال وارث. والذي ذكره غير واحد من أهل المذهب أن

[ 593 ]

بيت المال وارث إذا كان يصرفه في وجوهه. قال الباجي في المنتقى في الكلام على الوصايا مسألة: من مات ولا وارث له فقد روى محمد عن أبي زيد عن ابن القاسم: يتصدق بما ترك إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه، وكذلك من أعتق نصرانيا فمات النصراني ولا وارث له فليتصدق بماله ولا يجعل في بيت المال. ووجه ذلك أن الوالي ليس له أن يستبد به ولا يصرفه في غير وجوه البر، فإذا كان ممن لا يصرفه في وجوه البرساغ لمن كان بيده أن يصرفه في وجوه البر انتهى. ولم يحك في ذلك خلافا ثم قال مسألة: ومن أوصى له من لا وارث له بجميع ماله فقد قال مالك: يجزئه أن يتصدق بثلثه. فقال ابن المواز: يتصدق بجميع ذلك على المسلمين لا عن الميت. ووجه ذلك أن ملك الموصي قد زال عن ثلثي ماله بالموت إلى وارث معين، فإن كان معينا دفع إليه، وإن كان غير معين تصدق به عمن صار إليه اه‍. وذكر ابن يونس في أواخر كتاب الوصايا الاول كلام ابن القاسم المتقدم واقتصر عليه، وكذلك ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ولم يذكر في ذلك خلافا. وقال ابن عرفة بعد ذكر كلام ابن الحاجب: قال أبو عمر في كافيه: من لم يكن له عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين إذا كان موضوعا في وجهه ولا يرد إلى ذوي الارحام ولا إلى ذوي السهام. قال ابن عرفة: قلت: وقال الطرطوشي في تعليقته: إنما يكون لبيت المال في وقت يكون الامام فيه عادلا وإلا فليرد إلى ذوي الارحام. الباجي في كتاب الوصايا لمحمد عن أبي زيد عن ابن القاسم: من مات ولا وارث له يتصدق بما ترك إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه، وكذا من أعتق نصرانيا ومات النصراني ولا وارث له تصدق بماله ولا يجعل في بيت المال، وحكاه الصقلي، وقاله ابن رشد في سماع أبي زيد. وقال اللخمي: من أوصى بكل ماله ولا وارث له، قيل: ليس له ذلك، وقيل: وصيته ماضية. هذا إن أوصى به للاغنياء أو فيما لا يصرفه فيه الامام أو وليه، ولو جعله في الفقراء وفيما لو رفعه إلى الامام لقضي فيه بمثل ذلك لم تغير وصيته لانه فعل صوابا، ولا اختلاف في ذلك. واختلف إن مات عن غير وصية، هل هو كالفئ يحل للاغنياء أو يقصر على الفقراء انتهى.

[ 594 ]

وقال ابن عسكر في عمدته المذهب أن ما أبقت الفروض يكون عند عدم العصبة لبيت المال وأنه وارث من لا وارث له، فإن لم يكن فللمسلمين ولا يرد على ذوي السهام ولا يرثه ذو الارحام. وقيل: بل يرث بالرد والرحم انتهى. وقال في الارشاد: والمذهب أن ما أبقت الفروض فلاولى عصبة، فإن لم يكن فللموالي، فإن لم يكن فلبيت المال، فإن عدم فللفقراء والمساكين لا بالرد ولا بالرحم وورثهما المتأخرون انتهى. وذكر الشيخ سليمان البحيري في شرح الارشاد عن المعتمد نحو عبارة العمدة ثم قال: وحكى صاحب عيون المسائل: اتفق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوي الارحام والرد على ذوي السهام انتهى. وقوله في الارشاد: فإن عدم أشار التتائي في شرحه أن المراد بذلك أن لا يصرف في وجوهه فتأمله. وقال ابن يونس في كتاب الفرائض في باب الرد: أجمع المسلمون أنه لا يرد على الزوج والزوجة وأن الباقي بعد فرضهما على مذهب من لا يورث ذوي الارحام لبيت مال المسلمين أو للفقراء والمساكين، وعلى مذهب من يورث ذوي الارحام يكون الباقي بعد فرض الزوجين لذوي الارحام انتهى. وقال في باب الاقرار بوارث: وأنه لا يرد بذلك الاقرار بل إن كان له وارث معروف فالمال له، وإن لم يكن فالمال لبيت المال. وإنما استحب في زماننا هذا إذا لم يكن له وارث معروف فإن المقر له أولى من بيت المال إذ ليس ثم بيت المال للمسلمين يصرف ماله في مواضعه انتهى. وقال في باب توريث ذوي الارحام، قال إسماعيل القاضي: متى كان للميت عصبة من ذوي الارحام فهم أولى، فإن لم يكونوا فالولاء، فإن لم يكن ولاء فبيت مال المسلمين. قال ابن يونس: فإن لم يكن بيت مال فأولو الارحام لما في ذلك من الآثار المتقدمة لا سيما إذا كانوا ذوي حاجة فيجب اليوم أن يتفق على توريثهم، وإنما تكلم مالك وأصحابه إذا كان للمسلمين بيت مال لان بيت المال يقوم مقام العصبة إذا لم يكن عصبة. ألا ترى أن الرجل لو قتل قتيلا خطأ ولم يكن له عصبة ولا موالي وجب أن يعقل عنه من بيت المال، فكذلك يكون ميراثه لبيت المال. وإذا لم يكن بيت مال أو كان بيت مال لا يوصل إليه شئ منه وإنما يصرف في غير وجهه، فيجب أن يكون ميراثه لذوي رحمه الذين ليسوا بعصبة إذا لم يكن له عصبة ولا موالي، وإلى هذا رأيت كثيرا من فقهائنا ومشايخنا يذهبون في زماننا هذا، ولو أدرك مالك وأصحابه مثل زماننا هذا لجعل الميراث لذوي الارحام إذا انفردوا والرد على من يجب له الرد من أهل السهام انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: من لم يكن له عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين إذا كان موضوعا في وجهه ولا يرثه ذوو الارحام ولا يرد على ذوي السهام انتهى. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن في سورة النساء في قوله تعالى: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * إن ما فضل عن الورثة يكون لبيت المال، فإن لم يكن بيت مال المسلمين فإلى الفقراء انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة في آخر باب زكاة العين والحرث في شرح قوله: وفي الركاز

[ 595 ]

الخمس وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه ما نصه: فإن كان الامام عدلا دفع الواحد الخمس له يصرفه في محله، وإن كان غير عدل فقال مالك: يتصدق به الواجد ولا يرفعه إلى من يغيب به، وكذلك العشر وما فضل من المال على الورثة، ولا أعرف اليوم بيت مال وإنما هو بيت ظلم انتهى. فكلامهم في هذه المواضع كلها يبين أن بيت المال في زماننا هذا معدوم والله أعلم. فرع: إذا كان الوارث هو بيت مال المسلمين فمات شحص في بلد وخلف فيه مالا وخلف في بلد آخر مالا وليس له وارث إلا جماعة المسلمين، فقال في الفصل السادس من مفيد الحكام في الوصايا ومن الخمسة لاصبغ وهي أيضا في السليمانية: وإذا مات الرجل في بلد وخلف فيه مالا وخلف أيضا في بلد أخرى وفي بلد سواه مالا غيره ولم يكن له وارث إلا جماعة المسلمين، فإن عامل البلد الذي مات فيه وكان مستوطنا به أحق بميراثه، مات فيه أو في غيره، كان ماله فيه أو فيما سواه من البلاد انتهى. والظاهر أن قوله: وفي بلد سواه تكرار، وأن قوله: مات فيه زائد والله أعلم. وفي أجوبة ابن رشد: وسئل عمن مات في بلد وخلف فيه مالا وفي بلد آخر مالا وليس له وارث إلا جماعة المسلمين وليس أحد البلدين له وطنا، وأراد صاحب البلد الذي مات فيه أخذ المال الذي خلفه في البلد الثاني ومنعه صاحبه، هل له ذلك أم لا ؟ وكيف إن كان البلد الذي مات فيه وطنا أو الذي لم يمت فيه ؟ فأجاب: عامل البلد الذي فيه استيطان المتوفى أحق بقبض ميراثه، مات فيه أو في غيره كان ماله فيه أو فيما سواه من البلاد، ذكره في مسائل المواريث. ص: (كابن عم أخ لام) ش: يعني إذا اجتمع في شخص سهمان: أحدهما بالفرض والآخر بالتعصيب، فإنه يرث بهما كابن العم يكون لام أخا

[ 596 ]

فيأخذ السدس بالاخوة للام والباقي بالعصوبة. وكذلك إذا كان ابن العم زوجا، وكذلك إذا

[ 597 ]

كان المولى زوجا، ولا خلاف في هذا أعني أنه يأخذ فرضه والباقي بالتعصيب إذا لم يكن معه من يشاركه في التعصيب. فأما إن كان معه من يشاركه في التعصيب وفي منزلته كابني عم أحدهما أخ لام فقال ابن القاسم: للاخ السدس للام ويقسم مع ابن عمه ما بقي بالسواء. وقال أشهب: يترجح الاخ للام لانه زاد، فولادة الام كالاخ الشقيق مع الاخ للاب. وأجيب للاول بأن زيادة ولادة الام ليست في محل التعارض فلا توجب الترجيح بخلاف مسألة الاخ الشقيق والاخ للاب ونحوهما انتهى من التوضيح. وكذلك لو ترك المعتق ابني عم وأحدهما أخ لام فالولاء بينهما نصفين عند ابن القاسم. وقال أشهب: الولاء للاخ للام. قاله في كتاب الولاء من المدونة وابن يونس. ص: (والاثنا عشر لثلاثة عشر) ش: مثل الشارح في الشرح الصغير لقوله: ثلاثة عشر بزوجة وأبوين وأخت شقيقة أو لاب. وهذا سهو منه رحمه الله فإن الاخوات لا يرثن مع الاب ومثل لذلك في الوسط والكبير بزوجة وأخوين لام وأخت شقيقة أو

[ 598 ]

لاب وهو الظاهر، لان للشقيقة أو التي للاب النصف ستة وللزوجة الربع ثلاثة وللاخوين للام الثلث أربعة الجملة ثلاثة عشر. ومن أمثلة عولها لثلاثة عشر زوجة وأم وأختان شقيقتان أو

[ 601 ]

لاب أو إحداهما شقيقة والاخرى لاب والله أعلم ص: (وترك زوجا) ش: أي زوجة ويعين

[ 602 ]

ذلك أن الكلام فيما إذا وافق سهام الميت الثاني مسألته. وإنما يتصور حيث يكون الميت أحد

[ 603 ]

الابنين، وأما البنتان فسهام كل واحدة واحد والواحد بيان كل عدد، وإن كان الميت أحد

[ 606 ]

الابنين تعين أن يكون المراد زوجة والله أعلم ص: (وتوأماها شقيقان) ش: هذا هو المشهور وقال المغيرة: إنهما يتوارثان لام كالمشهور في توأمي الزانية والمغصوبة. وقال ابن نافع: إنهما شقيقان أيضا. وأما توأما المستأمنة والمسبية فقال في أول كتاب اللعان من البيان: إنهما شقيقان ولم يحك في ذلك خلافا، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في اللعان. ص: (ولا رقيق) ش: وفي المدونة: إذا عتق المديان ولم يعلم الغرماء حتى مات بعض قرابة المعتق، لم يرثه لانه عبد حتى يجيز الغرماء العتق، فهو متردد بين الحرية والرق وقريبه حر صرف. وإذا بتل عتق عبده في مرضه وله أموال متفرقة إذا جمعت خرج العبد من ثلثها فلا يرث قبل جمعها لان المال قد يهلك فلم تتحقق الحرية. قاله في العتق الاول. وقال ابن يونس: إذا اشتريت عبدا فأعتقته وورث وشهد ثم استحق، فإن أجاز المستحق البيع نفذ العتق والميراث وإلا بطل الجميع.

[ 607 ]

والفرق أن المديان متعد على الغرماء بخلاف المشتري، فلو علم المشتري بملك المستحق استوت المسألتان عند العتق. قال ابن يونس: وإن لم يعلم الغرماء حتى ورث ثم أجازوا نفذت الاحكام. انتهى ص: (ولا قاتل عمدا عدوانا) ش: ولو عفا عنه. قال في كتاب الوصايا من النوادر في ترجمة المدبر وأم الولد يقتلان السيد عن كتاب ابن المواز: وإذا قامت بينة على وارث أنه قتل مورثه عمدا فأبرأه المقتول فإنه يتهم في إبرائه لان ولده يرى أنه يوجب له ميراثا زال عنه بالقتل وهو عفو جائز لا يقتل به. ولكن لا يرثه بذلك ولا يكون مصابه وصية له من ثلثه لانه يتهم ولكن لو لم يبرئه وقال نصيبه من الميراث هو له وصية فذلك له جائز، لانه وصية لغير وارث. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: قال أشهب: إذا قامت بينة على وارث بالقتل عمدا فكذبهم بعض الورثة وصدقهم البعض، فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم يريد من الدية فهو للقاتل، وكذلك الموصى له بالوصية كما لو أقر الميت بدين لوارثه وصدقه بعض ورثته. انتهى. تنبيه: احترز المؤلف بقوله: عمدا عدوانا مما لو كان عمدا غير عدوان. قال الفاكهاني: نحو أن يقتل الحاكم ولده قصاصا ونحوه فهذا يورث عندنا بلا خلاف أعلمه، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أقوال انتهى. ص: (وإن بشبهة) ش: يشير إلى ما قاله في النوادر: إذا قتل الابوان ابناهما على وجه الشبهة وسقط عنهما القتل فالدية عليهما ولا يرثان منها ولا من المال لانه عدوان من الاجنبي. نقله في الذخيرة. فرع: قال الفاكهاني: إذا جرح إنسان وريثه فمات الجارح قبل المجروح، هل يرثه ؟ لم أقف عليه على نص وفي الروضة أنه يرث انتهى. قلت: ولا ينبغي أن يختلف في أنه يرث وهو

[ 608 ]

ظاهر والله أعلم. ص: (ولا من جهل تأخر موته) ش: فرع من أنفذت مقاتله ومات له قريب، حكى ابن رشد في رسم سماع ابن القاسم من كتاب الديات الخلاف في ذلك. وذكر ابن

[ 609 ]

ناجي في شرح الرسالة عن ابن يونس أنه صوب قول من قال: إنه لا يرث انتهى. ص:

[ 610 ]

(وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى) ش: تقدم أن من موانع الارث الشك وهو أقسام: الاول في تأخر موت أحدهما عن الآخر. الثاني في الوجود. والكلام على الخنثى من وجوه: الاول في ضبطه وهو بضم الخاء المعجمة وسكون النون وبالثاء المثلثة وبعدها ألف تأنيث مقصورة، والضمائر الراجعة إلى الخنثى مذكرة وإن بانت أنوثته لان مدلوله شخص صفته كذا وكذا. وجمعه خناثى وخناث. الثاني في اشتقاقه وهو مأخوذ من قولهم خنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود الثالث في بيان معناه. قال في الصحاح: الخنثى الذي له ما للرجال والنساء جميعا انتهى. وقال الفقهاء: هو من له ذكر الرجال وفرج النساء وهذا هو الاشهر فيه. وقيل: إنه يوجد منه نوع آخر ليس له واحد منهما وإنما له ثقب بين فخذيه يبول منه لا يشبه واحدا من الفرجين. الرابع في أقسامه. والخنثى على قسمين: مشكل وواضح. فأما من ليس له واحد من فرجي الرجال والنساء فقال الشافعية: هو مشكل أبدا. وأما على مذهبنا فيمكن أن يكون واضحا بأن تنبت له لحية أو ثدي، وأما من له الآلتان فإن ظهرت فيه علامات الرجال حكم بذكوريته، وإن ظهرت فيه علامات النساء حكم بأنوثته، ويسمى من ظهرت فيه إحدى العلامتين واضحا وإن وجدت فيه العلامات واستوت فيه فهو مشكل. فتحصل من هذا أن المشكل نوعان: نوع له الآلتان واستوت فيه العلامات، ونوع ليس له واحدة من الآلتين وإنما

[ 611 ]

له ثقب كما تقدم. الخامس في وجود الخنثى. أما الواضح فموجود بلا خلاف. واختلف في وجود الخنثى المشكل فالجمهور على إمكان وجوده ووقوعه، وعلى ذلك بنى أهل الفرائض والفقهاء مسائل هذا الباب، وذهب الحسن البصري من التابعين والقاضي إسماعيل من المالكية إلى أنه لا يوجد خنثى مشكل. قال الحسن: لم يكن الله عزوجل يضيق على عبد من عبيده حتى لا يدري أذكر هو أم أنثى. وقال القاضي إسماعيل: لا بد له من علامة تزيل إشكاله. السادس في أن الخنثى المشكل خلق ثالث مغاير للذكر والانثى أو هو أحدهما لكن أشكل علينا، واستدل على ذلك بقوله: * (وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى) * فلو كان هناك خلق ثالث لذكره لان الآية سيقت للآمتنان. قال العقباني: ولقائل أن يقول: إن الآية إنما سيقت للرد على الزاعمين أن لله تعالى ولدا، فمنهم من زعم أن له ولدا ذكرا، ومنهم من زعم أن له بنات، فرد الله عليهم بأنه خلق النوعين فكيف يكون له منهما ولد وهو الخالق لهما ؟ ولم يزعم أحد أن له ولدا خنثى فلم يحتج في الرد عليهم إلى ذكر الخنثى. واستدل أيضا بقوله: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) * وبقوله: * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * قالوا: فلو كان هناك خلق ثالث لذكره انتهى. والجواب الواضح هو ما يأتي في السابع من أن الجمهور على أن الخنثى من أحد الصنفين ولكن خفيت علينا علامته فتأمله. وخرج العقباني في شرح الحوفي من القول بأنه لا ميراث له إنه صنف ثالث قال: إذ لو كان لا يخلو عن أن يكون ذكرا أو أنثى لما حرمه الميراث، ولو لم يكن إلا أقل الميراثين لانه مقطوع باستحقاقه غير أن هذا القول نقل ابن حزم الاجماع على خلافه وظاهر كلام الائمة أنه ليس خلقا ثالثا انتهى. السابع: في ذكر أول من حكم فيه في الجاهلية والاسلام. قال عبد الحق في تهذيب الطالب عن بعض شيوخه في النكاح الثاني منه ونقله ابن عرفة: إن أول من حكم فيه عامر بن الظرب في الجاهلية نزلت به قضيته فسهر ليلته فقالت له خادمه سخيلة راعية غنمه: ما أسهرك يا سيدي ؟ قال: لا تسألي عما لا علم لك به، ليس هذا من رعى الغنم. فذهبت ثم عادت أو عادت السؤال فأعاد جوابه فراجعته وقالت: لعل عندي مخرجا فأخبرها بما نزل به من أمر الخنثى فقالت: أتبع الحكم المال ففرح وزال غمه. زاد المتيطي: وكان الحكم إليه في الجاهلية فاحتكموا إليه في ميراث خنثى فلما أخبرته بذلك حكم به. الجوهري: والظرب بالظاء المعجمة وكسر الراء واحد الظراب وهي الروابض الصغار منه عامر بن الظرب العدواني أحد فرسان العرب وعبد الحق وغيره، ثم حكم به في الاسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انتهى باختصار. ابن عرفة: ويريد بما ذكر عن الجوهري أن الظرب بالظاء لا بالضاد كما يقوله ويكتبه كثير من الناس. وقوله: أحد فرسان العرب كذا في بعض نسخ الصحاح، وفي بعض النسخ الصحيحة المقروءة على أئمة اللغة أحد حكام العرب ولفظ عبد الحق في التهذيب بعد ذكر

[ 612 ]

قصة عامر ثم حكم فيه علي بن أبي طالب في الاسلام بهذا الحكم بأن جعل الحكم للمبال وهو أول من حكم بها في الاسلام انتهى. وقال في التنبيهات: كان عامر حاكم العرب فأتوه في ميراث خنثى فأقاموا عنده أربعين يوما وهو يذبح لهم كل يوم، وكانت له أمة يقال لها سخيلة فقالت: إن مقام هؤلاء أسرع في غنمك فقال: ويحك لم تشكل علي حكومة قط غير هذه فقالت له: اتبع الحكم المبال. قال: فرجتها يا سخيلة فصارت مثلا. قال الاذرعي: وفي ذلك عبرة ومزدجر لجهلة قضاة الزمان ومفتييه فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوما ولا قوة إلا بالله. انتهى من شرح شيخنا زكرياء للفصول. قلت: وفيه عبرة من جهة أخرى وهي أن الحكمة قد يخلقها العلي ويجريها على لسان من لا يظن به معرفتها، وأنه وإن عجز عن إدراكها أصحاب الفطنة والعقول المستعدة لذلك فقد يجريها الله على لسان من لم يستعد لها والله الموفق. وذكر ابن إسحاق القصة في السيرة قبل الكلام على استيلاء قصي على أمر مكة فقال: أمر عامر بن الظرب بن عمر بن شكير بن عدوان العدواني كانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه، ثم رضوا بما قضى فيه فاختصموا إليه في خنثى له ما للرجل وما للمرأة فقال: حتى أنظر في أمركم، فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب. فبات ليلته ساهرا يقلب في أمره وينظر في شأنه لا يتوجه له فيه وجه، وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه فكان يعاتبها إذا سرحت فيقول: أصبحت والله يا سخيل، وإذا أراحت عليه قال أمسيت والله يا سخيل، وذلك أنها كانت تؤخر حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الاراحة حتى يسبقها بعض الناس، فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت له: ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه ؟ فقال: ويلك دعيني أمر ليس من شأنك. ثم عادت له بمثل قولها فقال في نفسه: عسى أن تأتي بفرج. فقال: ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى فوالله ما أدري ما أصنع. فقالت: سبحان الله لا أبالك اتبع القضاء المبال. أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فرجل، وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة. فقال: أمسي سخيل بعدها أو صبحي فرجتها والله. ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه انتهى. قال أبو القاسم السهيلي المالكي في الروض الآنف: وذكر يعني ابن إسحاق عامر بن الظرب وحكمه في الخنثى وما أفتت به جاريته سخيلة وهو حكم معمول به في الشرع وهو من باب الاستدلال بالامارات والعلامات وله أصل في الشريعة قال الله تعالى: * (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) * وجه الدلالة أن القميص المدمى لم يكن فيه خرق ولا أثر أنياب ذئب وكذا قوله: * (إن كان قميصه قد من قبل) * والله أعلم. الثامن: في ميراثه اختلف العلماء في ذلك على أحد عشر قولا.

[ 613 ]

الاول: وهو المشهور أنه يجب له نصف الميراثين على طريقة ذكر الاحوال أو ما يساويها من الاعمال على أن يضعف لكل مشكل بعدد أحوال من معه من المشكلين. الثاني: لابن حبيب إن كان وارث من الخنثى وغيره يضرب في المال بأكثر مما يستحق فيقتسمونه على طريقة عول الفرائض، فإذا كان ولدان ذكر وخنثى ضرب الذكر بالثلثين لانه أكثر ما يدعي، وضرب الخنثى بالنصف لانه أكثر ما يدعي. الثالث: لابن حبيب أيضا أنه يأخذ ثلاثة أرباع المال فأقل، فإن كان معه غيره ممن ليس بمشكل فإنه يضرب بثلاثة أرباع ما يضرب به الذكر، فإن كان وحده ليس معه إلا من يحجبه لو كان ذكرا أخذ ثلاثة أرباع المال وأخذ العاصب الربع، وإن كان معه ابن ضرب الخنثى بثلاثة أرباع النصف إذ النصف أكثر ميراثه، فإنه كان معه اثنان ضرب بثلاثة أرباع الثلث، وإن كان معه بنت ضرب بثلاثة أرباع الثلثين. الرابع: ما حكي عن مالك أنه قال: هو ذكر زاده الله فرجا تغليبا لجانب الذكورية قال: وقد غلب جانب الذكورية مع الانفصال يعني في الخطاب لو كان المخاطب رجلا واحدا وألف امرأة لخوطب الجميع خطاب الذكور، فكيف وهو هنا متصل والصحيح أنه لم يصح عن مالك فيه شئ، قال الحوفي: قال ابن القاسم: لم يكن أحد يجتري أن يسأل مالكا عن الخنثى المشكل. قال العقباني: انظر ما الذي هابوه من سؤال مالك عن الخنثى انتهى. ولفظ المدونة: ما اجترأت على سؤال مالك عنه انتهى. الخامس: كالمشهور في غير مسائل العول، وأما مسائل العول فينظركم التقادير في المسألة، وكم تقادير العول فيها، ويؤخذ بتلك النسبة من العول فيجعل عول المسألة مثال ذلك عول الغراء ثلاثة. فلو فرضنا الاخت فيها خنثى فإنما يحصل العول في حالة التأنيث فقط، فللعول تعديل واحد ونسبته إلى حال الخنثى النصف، فيؤخذ نصف العول ويجعل ذلك عول المسألة فتكون مسألة التأنيث فيها عائلة إلى سبعة ونصف. وسيأتي كيفية حسابه مثاله الغراء المتقدمة زوج وأم وجد وأخت خنثى، مشكل فتقدير الذكورة المسألة من ستة بلا عول ويسقط الاخ، وبتقدير الانوثة المسألة من ستة وتعول لتسعة، وتصح من سبعة وعشرين والستة والسبعة والعشرون متوافقان بالثالث فتضرب اثنين في سبعة وعشرين فتصح المسألتان من أربعة وخمسين، فتضربها في حالي الخنثى تبلغ مائة وثمانية. فعلى تقدير التذكير للزوج النصف أربعة وخمسون، وللام الثلث ستة وثلاثون، وللجد السدس ثمانية عشر. وعلى التأنيث للزوج ستة وثلاثون، وللام أربعة وعشرون، وللجد اثنان وثلاثون، وللخنثى ستة عشر، فيجتمع للزوج تسعون له نصفها، وللام ستون لها نصفها، وللجد خمسون له

[ 614 ]

نصفها، وللخنثى ستة عشر له نصفها، وعلى هذا القول تعول مسألة التذكير من ستة. ومسألة التأنيث من سبعة ونصف لان العول ثلاثة يؤخذ نصفها وذلك نسبة حالة العول إلى حالتي المسألة. السادس: مثل الخامس إلا أنه يقول في الغراء إنما يضم الجد إلى سهام الاخت نصف سهامه لانه يقول: إنما أضم جملة سهامي إلى جملة سهامك وأنت لم تستوف جملة سهامك. السابع: إن المال يقسم على أقل ما يدعيه كل واحد إلا أنه مختص بما إذا لم يؤد إلى سقوط أحد من الطالبين. الثامن: مذهب الشافعي أنه يعطى كل واحد من الورثة الخنثى وغيره أقل ما يستحقه، ومن سقط في بعض التقادير لم يعط شيئا ويوقف في المشكوك فيه كما في المفقود حتى يتبين أمره أو يصطلحوا على شئ. التاسع: مذهب أبي حنيفة أنه يعطي الخنثى أقل ما يجب له ويعطى غيره أكثر ما يجب له ولا إيقاف. العاشر: مثل الاول إلا أن الاحوال لا تتعدد بتعدد المشكلين بل يقتصر على حالين فقط وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة وعن محمد مثل القول الاول. الحادي عشر: أنه لا شئ له وأنه لا يرث شيئا. وهذا القول نقله الغزالي وحكى ابن حزم الاجماع على خلافه والله أعلم. التاسع: من أوجه الكلام على الخنثى هل هذا الميراث المجعول له ميراثا ثالثا مشروع مغاير لميراث الذكر والانثى أم لا ميراث في الشرع سوى أحد الميراثين، لكن لما تعذر علينا معرفة حاله توسطنا في ذلك. قال العقباني: هذا ينبني أنه خلق ثالث وليس هو أحد النوعين، وقد تقدم أن جماهيرهم على أنه ليس خلقا ثالثا فليس له ميراث ثالث، وبهذا يعلم الجواب عما اعترض به بعضهم على الفرضيين بأنهم بينوا في أول كتبهم مقادير المواريث من فرض أو تعصيب للذكور والاناث ولم يبينوا مقدار ميراث الخنثى إلا في آخر كتبهم. والجواب: أنه ليس له ميراث ثالث فيبين. العاشر: في السبب الذي يتصور أن يرث به الخثنى، فإن أسباب الارث ثلاثة: نسب ونكاح وولاء. فأما ميراثه بالنسب فسيأتي في الاولاد وأولاد الولد والاخوة والعصبات ولا يتأتى في الآباء والامهات لمنع نكاحه. قال في المقدمات: ولا يكون الخنثى المشكل زوجا لا زوجة ولا أبا ولا أما. وقد قيل: إنه قد وجد من ولد له من بطنه وظهره، فإن صح ذلك ورث من

[ 615 ]

ابنه لصلبه ميراث الاب كاملا، ومن ابنه لبطنه ميراث الام كاملا وهو بعيد انتهى. غير أن الاخوة إن كانت من الام فلا يتأتى فيها اختلاف في التقدير لان ميراث الاخوة لام لا يختلف بالذكورية والانوثة، وكذلك الاخوات مع البنات فإنهن عصبات، وسيأتي في أثناء شرح قول المصنف: فإن بال من واحد أو كان أكثر أو أسبق مزيد بيان فيما إذا ولد للخنثى من ظهره وبطنه. وأما ميراثه بالنكاح فلا يتأتى إلا عند من يجيز نكاحه، وسيأتي الكلام على حكم نكاحه في الوجه الرابع عشر. وإذا ورث به فلا يتغير ميراثه. وأما ميراثه بالولاء فيرث من الولاء ما يرثه النساء، ولا يختلف ميراثه في ذلك بالذكورة والانوثة. قال العقباني: قالوا: ولا يرث غير ذلك لان الولاء إنما يورث بالتعصيب المستكمل ولا يستكمل الخنثى تعصيبا. قال: قلت: ويلزم أن لا يرث بالبنوة لان الولد إذا كان وحده لا يرث إلا استكمالا أو نصفا وهكذا نقول في كل مسألة، وفي هذا البحث نشأ القول الذي ذكره الغزالي وهو أن الخنثى لا يرث. فرع: قال العقباني: وانظر لو كان لانسان عم خنثى فولد من ظهره ذكرا ثم مات الخنثى ثم ابن أخيه، فهل يرث منه ابن الخنثى جميع المال لانه ابن عم أم لا يرث أكثر مما كان يرث أبوه الذي يدلي به، أو يقال إن أباه لما ولد من ظهره تعين للذكورة فزال عنه الاشكال اللهم إلا أن يكون له ولد أيضا من بطنه انتهى. وذكر ابن عرفة واللخمي والمتيطي الكلام على الخنثى في كتاب النكاح فاعلمه والله أعلم. الحادي عشر: في كيفية العمل في مسائل الخنثى ولنذكر هنا كلام المصنف. قال رحمه الله: وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى يعني أن الخنثى إذا كان واضحا فميراثه كميراث الصنف الذي التحق به، وإن كان مشكلا فله نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى. ثم ذكر كيفية العمل في ذلك فقال: تصحح المسألة على التقديرات يعني أنه إن كان في المسألة خنثى واحد فتصحح المسألة على تقدير أنه ذكر، ثم تصححها على تقدير أنه أنثى، وليس في هذا إلا تقديران. وإن كان فيها خنثيان فتصحيحها على تقدير كونهما ذكرين، وعلى تقدير كونهما انثيين، وعلى تقدير كون أحدهما ذكر والآخر أنثى، وعلى عكسه فتجئ أربع تقديرات، ولا يلزم أن الثالث والرابع سواء بل قد يكون كذلك. وقد يختلف كما لو كان أحدهما أخا والآخر ابنا. وإن كان في المسألة ثلاثة خناثى فيأتي فيها ثمان تقديرات، وإن كانوا أربعة فستة عشر تقديرا، وهكذا فتصحح على كل تقدير مسألته. قال المصنف: ثم تضرب الوفق أو الكل يعني ثم تضرب وفق أحدهما في الآخر إن توافقا، أو تضرب أحدهما في الآخر إن تباينا، وسكت عن التماثل والتداخل لوضوح ذلك. والمعنى أنك تحصل أقل عدد ينقسم على كل من المسائل المذكورة، وقد علمت أن في ذلك طريقين، أسهلهما أن تنظر بين اثنين منهما فتكتفي بأحدهما إن تماثلا وبأكثرهما إن تداخلا،

[ 616 ]

وبالحاصل من ضرب وفق أحدهما في الآخر إن توافقا، أو ضرب كله في كل الآخر إن تباينا، ثم تنظر بين الحاصل والثالث وهكذا ثم قال: ثم في حالي الخنثى يعني إذا حصلت أقل عدد ينقسم على مسألة الخنثى أو على مسائله فاضرب ذلك العدد في حالتي الخنثى، يريد إذا كان واحدا، وإن كان اثنين ففي أحوالهما وذلك أربعة، وإن كانوا ثلاثة ففي أحوالهم وذلك ثمانية، ثم تقسم العدد الحاصل على كل مسألة من مسائل الخنثى والخناثى ويجمع لكل وارث ما يخرج له في كل قسمة، فما اجتمع بيد كل وارث من المسائل كلها أخذت منه جزءا بنسبة الواحد إلى حالة الخنثى أو الخناثى، فإن كان الخنثى واحدا فليس إلا حالان ونسبة الواحد إليهما النصف فيأخذ نصف ما اجتمع لكل واحد من الورثة، وإن كان الخنثى اثنين فالاحوال أربعة ونسبة الواحد إليها ربع فيأخذ لكل وارث ربع ما اجتمع له، وإن كان الخنثى ثلاثة فالاحوال ثمانية ونسبة الواحد إليها الثمن فيعطى لكل واحد ثمن ما اجتمع له، وهذا معنى قول. ص: (وتأخذ من كل نصيب من الاثنين النصف) ش: فقوله: من الاثنين بدل من قوله: من كل نصيب ونصيب مجرور بإضافة كل إليه، وفي الكلام حذف يبينه ما بعده تقديره: كل من كل نصيب بنسبة الواحد إلى عدد أحوال الخنثى فمن الاثنين النصف وهكذا والله أعلم. فيحتمل أن يريد المصنف بقوله: فيأخذ من كل نصيب إلى آخره ما ذكرنا، ويحتمل أن يريد أنه إذا قسمت العدد الحاصل من ضرب الجامعة في

[ 617 ]

أحوال الخنثى على كل مسألة فما خرج لكل وارث في تلك المسألة تأخذ منه بنسبة الواحد إلى أحوال الخنثى، ثم مثل رحمه الله لذلك بمثالين: أحدهما فيه خنثى واحد، والآخر فيه خنثيان، ففي المثال الاول إذا كان في المسألة ابن ذكر سوي وخنثى فتقدير كون الخنثى ذكرا تكون المسألة من اثنين، وبتقديره أنثى تكون من ثلاثة، وأقل عدد ينقسم عليها ستة لتباينهما فتضرب الاثنين فيها أي في الثلاثة لتباينهما تحصل ستة والخنثى متحد فله حالتان فقط فتضرب الستة في اثنين يحصل اثنا عشر، تقسمها على مسألة التذكير يحصل لكل واحد ستة، وعلى مسألة التأنيث يحصل للذكر السوي ثمانية وللخنثى أربعة فتجمع ما حصل لكل واحد منهما في المسألتين فيجتمع لابن البنت أربعة عشر وللخنثى عشرة ونسبة الواحد إلى أحوال الخنثى النصف لانه ليس له في مسألتنا إلا حالتان، فيعطى لكل واحد نصف ما اجتمع له فيكون لابن البنت سبعة وللخنثى خمسة ومجموعهما اثنا عشر، وإن شئت فخذ من النسبة الخارجة من قسمة الاثني عشر على مسألة التذكير نصفها وهو ثلاثة لكل واحد من الاثنين البنت والخنثى، ومن الثمانية الحاصلة للابن السوي الخارجة من قسمة الاثني عشر على مسألة التأنيث نصفها وهو أربعة وضمه للثلاثة التي حصلت له في مسألة التذكير، يكون المجموع سبعة، وخذ نصف الاربعة الحاصلة للخنثى في مسألة التأنيث وهو اثنان وضمه للثلاثة الحاصلة له في مسألة التذكير يكون المجموع خمسة كما تقدم. والمثال الثاني: إذا ترك الميت ولدين خنثيين وعاصبا، فلا بد من أربعة مسائل: مسألة تذكيرهما من اثنين ولا شئ للعاصب، ومسألة تأنيثهما من ثلاثة، وكذلك مسألة تذكير أحدهما وتأنيث الآخر، وعكسه. فالثلاث المسائل الاخيرة متفقة فتكتفي بأحدهما وتضربه في

[ 618 ]

مسألة التذكير لتباينهما، يحصل ستة تضربها في أحوال الخناثى وهي أربعة يحصل أربعة وعشرون، تقسمها على مسألة التذكير يحصل لكان خنثى اثنا عشر ولا شئ للعاصب. وعلى مسألة التأنيث يحصل لكل من الخنثيين والعاصب ثمانية، وعلى تقدير تذكير أحدهما وتأنيث الآخر يحصل للذكر ستة عشر وللانثى ثمانية ولا شئ للعاصب، وكذا على تقدير عكسه فيحصل لكل واحد من الخنثيين في المسائل الاربع أربعة وأربعون وللعاصب ثمانية فقط ونسبة الواحد إلى أحوال الخناثى أربعة، فيؤخذ لكل وارث ربع ما حصل له، ولكل من الخنثيين ربع ما بيده وهو أحد عشر ربع الاربعة والاربعين وللعاصب اثنان ربع الثمانية، وإن شئت فخذ لكل واحد ربع ما يخرج له في كل مسألة واجمع ذلك يحصل أيضا أحد عشر، لكل واحد من الخنثيين واثنان للعاصب والله أعلم. هذا أحد طرق العمل على القول المشهور. وذكر ابن عرفة في شرح الحوفي للعمل على المشهور أربع طرق، وللعمل على القول الآخر طرقا أخرى. وقد ذكر الشارح هنا عن ابن خروف أنه اعتر ض على هذه الطريق وأنها خطأ، وذكر طريقا أخرى مخالفة لما تقدم وناقشه في ذلك العقباني وقال: إنما ذكره يتفرع على القول بأن التركة تقسم على الدعاوى وهو مخالف لهذا القول وأطال في ذلك فتأمله والله أعلم. الثاني عشر: من أوجه الكلام على الخنثى في العلامات التي يستدل بها على ذكوريته وأنوثيته وكان ينبغي تقديم هذا الوجه كما فعل غالب الفرضيين لكن تبعنا المصنف في تأخير الكلام عليه. فأول العلامات التي يستدل بها على ذلك البول. قال العقباني ففي النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: يورث من حيث يبول لكنه ضعيف السند. قال العقباني: نعم وضعيف المتن لان الكلام في الاستدلال على توريثه لا في الارث عنه إلا أن يكون لفظ يورث بفتح الواو وتشديد الراء لا بسكون الواو وتخفيف الراء فيستقيم حينئذ المتن انتهى. قلت: والظاهر أن لفظ الحديث كذلك والله أعلم. قال في المدونة: ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه وشهادته وغير ذلك وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى. وقال ابن يونس: ومن المدونة قال ابن القاسم: الحكم في الخنثى بمخرج البول، فإن كان يبول من ذكره فهو رجل، وإن كان يبول من فرجه فهو جارية لان النسل من المبال وفيه الوطئ فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك، وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى. ونقل اللخمي عن ابن القاسم نحوه ثم قال: قوله: المراعى ما يكون منه الولد صحيح. وقوله: أنه يخرج من مخرج البول غير صحيح لان مخرجه غير مخرج الحيض الذي هو مخرج الولد ومحل الوطئ انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله. وقال العقباني: عندي أنه لا تلزمه هذه المضايقة وإنما

[ 619 ]

قصد أن البول إذا خرج من الذكر دل على أن المني يخرج من الذكر، وأن الفرج الآخر لا يخرج منه مني ولا ولد، وأن البول إذا خرج من الفرج دل على أن ذلك هو محل الوطئ وأنه لا يكون بالذكر، فعلى هذا يحمل كلامه انتهى. فإن بال من أحد الفرجين فقط حكم بأنه من أهل ذلك الفرج. قال العقباني: ويستدل بالبول قبل غيره لعموم الاستدلال به في الصغير والكبير ولدوام وجوده، فإن كان صغيرا لا يحرم النظر إلى عورته نظر إليه، وإن كان كبيرا فقيل ينظر في المرآة، وقيل يبول على حائط أو متوجها إلى حائط قريب فيستدل باندفاع البول على الحائط أو إلى الحائط على الذكورة، وبخلاف ذلك على الانوثة. فلو بال من المحلين اعتبر الاكثر والاسبق. وأنكر الشافعي اعتبار الاكثر ورآه متعذرا وقال: أيكال البول أو يوزن ؟ واختلف إذا كان أحدهما الاكثر والآخر الاسبق انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ص: (فإن بال من واحد وكان أكثر أو أسبق) ش: أي فلا إشكال. وظاهر كلام المصنف وكلام العقباني تقديم اعتبار الكثرة على السبق وهو صريح كلام الجواهر الآتي، وهو خلاف ما قاله اللخمي وابن يونس وقبله أبو الحسن. قال اللخمي: قال ابن حبيب: فإن بال منهما فمن حيث سبق، فإن لم يسبق أحدهما فمن حيث يخرج الاكثر، فإن لم يكن أحدهما أسبق ولا أكثر وكانت له لحية كان على حكم الغلام، وإن لم تكن له لحية وكان له ثدي فعلى حكم المرأة، فإن لم يكونا أو كانا كان له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ولا يجوز له نكاح انتهى. وقال ابن يونس: فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق. قال أيوب: فإن خرج منهما معا فقال أبو يوسف وبعض أصحاب أبي حنيفة: ينظر من أيهما خرج أكثر فيكون الحكم. قال شيخنا عتيق: وأنكر ذلك الشعبي وقال: أيكال البول أو يوزن

[ 620 ]

والاولى ما قالته الجماعة لان الاقل تبع للاكثر في أكثر الاحكام. ونقل شيخنا زكرياء في شرح الفصول عن القاضي أظنه الماوردي أنه قال: أسكت أبو حنيفة أبا يوسف في الخنثى فإنه سأل أبا حنيفة بم تحكم في الخنثى ؟ فقال: بالبول. فقال: أرأيت لو كان يبول بهما ؟ فقال: لا أدري. فقال أبو يوسف: لكني أدري، أحكم بأسبقهما. فقال: أرأيت لو استويا في الخروج ؟ فقال: أحكم بالكثرة. فقال أبو حنيفة: أيكال أم يوزن ؟ فسكت أبو يوسف انتهى. وقد صرح الشافعية بأنه يحكم بالمتأخر إذا استويا في الخروج، وأما إذا سبق أحدهما فالحكم له ولو تأخر الآخر، ولو بال من أحدهما مرة ومن الآخر أخرى أو سبق أحدهما تارة والآخر أخرى، فالعبرة بالاكثر، فإن استويا فمشكل والله أعلم. فإن لم يتبين في البول أمر أمهل إلى البلوغ فإن أمنى من أحد الفرجين فواضح، أو حصل حيض أو حمل أو نبتت له لحية أو ثدي حكم له بما يقتضيه. قال العقباني: ولا شك أن أقوى ذلك الولادة، فإن حصل ولادة من البطن قطع بالانوثة، أو من الظهر قطع بالذكورة إلا أنها لا يكاد يقطع بها. وقيل: إنها نزلت بعلي رضي الله عنه وهي أن رجلا تزوج بابنة عمه وكانت خنثى فوقعت على جارية لها فأحبلتها فقال له علي: هل أصبتها بعد إحبال الجارية ؟ قال: نعم. قال علي: إنك لاجرأ من خاصي الاسد فأمر علي بعد أضلاع الخنثى فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال. وانظر لو وقع مثل هذا فإن وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عندي أن الحكم لولادة البطن لانها قطعية. وقد روي عن قاسم بن أصبغ أنه رأى بالعراق خنثى ولد له من صلبه وبطنه. قال العقباني: وانظر أي نسب بين المولودين وهل بينهما توارث ؟ والظاهر لا نسب بينهما ولا ميراث. وفي جواز النكاح بينهما إن كان ذكرا أو أنثى نظر انتهى. قلت: ما ذكره من أنه إذا وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عنده أن الحكم لولادة البطن، فكأنه لم يطلع على كلام المقدمات المتقدم ذكره في الوجه العاشر من أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الاب كاملا ومن ابنه لبطنه ميراث الام كاملا، وأما ما ذكره من الحكم بين المولودين فقال في التوضيح: قال أبو عبد الله بن قاسم: ورأيت لمالك في بعض التعاليق أن مثل هذين لا يتوارثان لانهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أخوين لاب ولا أم انتهى.

[ 621 ]

قلت: وأطلق الفاكهاني عليهما لفظ الاخوة ونظر فيما إذا ملك أحدهما الآخر هل يعتق عليه أم لا ؟ ونصه في شرح قول الرسالة ومن مالك: أبويه الخنثى المشكل إذا ولد له من ظهره وبطنه فملك أحد الاخوين أخاه، فهل يعتق عليه ؟ لم أر فيه نقلا فلينظر انتهى. فعلى ما تقدم من أنه لا نسب بينهما ولا توارث ولا إخوة لاب ولا لام فلا يعتق أحدهما على الآخر والله أعلم. وفي الجواهر: إذا كان ذا فرجين فيعطى الحكم لما بال منه، فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما، فإن استويا اعتبر السبق، فإن كان ذلك منهما معا اعتبرنا اللحية وكبر الثديين ومشابهتهما لثدي النساء، فإن اجتمع الامران اعتبر الحال عند البلوغ، فإن وجد الحيض حكم به، وإن وجد الاحتلام حكم به، وإن اجتمعا فمشكل، وإن لم يكن له فرج النساء ولا الرجال وإنما له مكان يبول منه انتظر بلوغه، فإن ظهرت علامة تمييز وإلا فمشكل انتهى. ونقله في الذخيرة ثم قال بعد: وإذا انتهى الاشكال عدت الاضلاع فللرجال ثمانية عشر ضلعا من الجانب الايمن ومن الايسر سبعة عشر، وللمرأة ثمانية عشر من كل جانب لان حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم الايسر فبقي الذكر ناقصا ضلعا من الجانب الايسر قضى به علي رضي الله عنه انتهى. وقال ابن يونس إثر كلامه المتقدم في الاسبق والاكثر: فإن بال منهما جميعا متكافئا فمشكل في حد الصغر، ثم ينظر في كبره وبلوغه، فإن نبتت له لحية ولم ينبت له ثدي فهو رجل لان اللحية علامة التذكير، وإن لم تنبت لحية وخرج ثدي فهو امرأة لان الثدي يدل على الرحم وتربية الولد، فإن لم ينبتا أو نبتا جميعا نظر، فإن حاضت فهي امرأة، وإن احتلم فهو ذكر، فإن حاض واحتلم أو لم يكن شئ من ذلك فمشكل عند من تكلم على الخنثى إلا على قولة شاذة ذهب إليها بعض الناس أنه ينظر إلى عدد أضلاعه. ثم ذكر ما ذكره القرافي وزاد: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم فاستل من جانبه الايسر ضلعا خلق منه حواء ثم قال: وعند هذا القائل لا يكون مشكلا في صغر أو كبر. قال أيوب: وإليه ذهب الحسن البصري وتبعه عمرو بن عبيد قال: والجماعة على خلافهما انتهى. وذكر العقباني قول من يعد الاضلاع وقال: إن منهم من يقول أضلاع الرجل ستة عشر وأضلاع المرأة سبعة عشر. ومنهم من يقول: أضلاع الرجل سبعة عشر وأضلاع المرأة ثمانية عشر واتفقوا على أن أضلاع الرجل تساوي أضلاع المرأة من أحد الجانبين، واختلفوا من أي جانب الزيادة. والذين قالوا إن المرأة تزيد بضلع اعتمدوا في ذلك ما رواه الطبراني عن بعض التابعين ورواه ابن عباس أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم وهي القصرى استلت منه وهو نائم، وأيد هذا بما في الصحيحين من قوله عليه السلام: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج الحديث. وفي إثبات الاحكام بمثل هذا ضعف

[ 622 ]

والعيان يدل على خلافه. فقد أطبق خلق كثير من أهل التشريح على أنهم عاينوا أضلاع الصنفين متساوية العدد انتهى. والضلع بكسر الضا المعجمة وفتح اللام وتسكين اللام جائز. قاله في الصحاح. وقول علي رضي الله عنه أجرأ من خاصي الاسد فأجرأ بالهمز من الجرأة وهي الشجاعة. وخاصي الاسد بلا همز من خصى يخصي والله أعلم. ولم يعتبر الشافعية الاضلاع ولا اللحية ولا الثدي ولا نزول اللبن على الاصح عندهم وذكروا له علامة أخرى وهي ميله إلى أحد الصنفين وقالوا: إنه يصدق في ذلك. الثالث عشر: إذا حكم له بأحد الامرين بعلامة ثم حدثت علامة أخرى قال العقباني: لم أقف فيه على شئ إلا ما رأيته لبعض أشياخي ونصه: إن حكم له بأنه ذكر بعلامات ثم جاءت علامات أخرى تدل على أنه أنثى أو بالعكس لم ينتقل عما حكم به أولا، كأن يكون يبول من الذكر ثم جاء الحيض، أو كان يبول من الفرج ثم جاءت اللحية. قال الشيخ: كذا كان الشيخ يقول انتهى. وللشافعية قريب من ذلك وهو أنه إذا ظهرت علامة ميله إلى جهة الرجال وقبل قوله في ذلك. ثم ظهرت علامة أخرى غير الولادة لم يبطل قوله، وتقييدهم بغير الولادة ظاهر والله أعلم. الرابع عشر: في حكم نكاحه، يمتنع النكاح في حقه من الجهتين، قال ابن عرفة في باب النكاح عبد الحق: لا يطأ ولا يوطأ، وقيل: يطأ أمته انتهى. وفي التوضيح هنا ابن القاسم: يمتنع النكاح من الجهتين انتهى. وفي كلام اللخمي إثر ما تقدم له عن ابن حبيب: ولا يجوز له نكاح يريد لا ينكح ولا ينكح انتهى. وقال الشافعية: إنه يخير في أن ينكح بأحد الجهتين. وقال ابن عرفة في أول كلامه: لا ينكح ولا ينكح. ابن المنذر عن الشافعي: ينكح بأيهما شاء ثم لا ينتقل عما اختاره انتهى. قال العقباني بعد نقله قول الشافعي: ولعله يريد إذا اختار واحدا وفعله أما مجرد الاختيار دون فعل فلا ينبغي أن يمنعه من اختيار العرف الآخر. ثم إنه بحث في إباحة النكاح فانظره ونحوه في ابن يونس. الخامس عشر: في حكم شهادته. قال ابن عرفة اللخمي عن ابن حبيب: ويحكم فيه بالاحوط في صلاته واستتاره وشهادته. قال العقباني: سلوك الاحوط في شهادته أن لا تقبل إلا في الامودل ويعد في شهادته امرأة. السادس عشر: في سهمه في الجهاد إذا غزا. قال ابن عرفة في مختصر الحوفي: وسهمه في الجهاد ربع سهم واستشكل وقال نصف. وقال في مختصره الفقهي: وفي كون الواجب له إن غزا ربع سهم أو نصف سهم. نقل الصقلي عن المذهب مع قول عبد الحق وابن عبد الحكم مع نقل الشعبي عن بعض أهل العلم.

[ 623 ]

السابع عشر: في حده إذا زنى بذكره أو فرجه أو زنى به. قال ابن عرفة: قال يعني أبا عمران: قيل: إن زنى بذكره لم يحد لانه كأصبع وبفرجه يحد. المتيطي: في حده إن ولد من فرجه قولا بعضهم وأكثرهم لحديث: ادرؤا الحدود بالشبهات. واختاره بعض الموثقين ونزلت بجيان فاختلف فيها فقهاؤنا فأفتى ابن أيمن وغيره بنفي الحد وضع الخنثى ابنا ومات من نفاسه. قال ابن عرفة: فيتحصل في حده ثالثها إن ولد وينبغي أن يتفق عليه لان ولادته من فرجه دليل على أنوثته. ومفهوم أقوالهم أنه إن زنى بذكره لم يحد، ورأيت في بعض التعاليق مثله لابن عبد الحكم قال: ويؤدب، ومثله في نوازل الشعبي عن بعض أهل العلم. وفي بعض التعاليق عن عبد الحكم: من وطئ خنثى غصبا حد. زاد الشعبي عن بعض أهل العلم: وعليه نصف المهر. قلت: هذا على قول الاقل، وعلى قول الاكثر وابن أيمن لا يحد إلا أن يقال إشكاله كصغر الانثى يحد واطئها ولا تحد وفيه نظر. قلت: الاظهر أنه إن زنى بفرجه ذكره حدا اتفاقا انتهى. واقتصر ابن يونس وعبد الحق أنه إن زنى بذكره لا يحد، وإن وطئ في فرجه كان عليه الحد، ونقله أبو الحسن ولم يحك غيره. الثامن عشر: في الكلام على قذفه. قال ابن عرفة: حد قاذفه يجري على حده. التاسع عشر: في سجنه إذا سجن. ويسجن وحده لا مع الرجال ولا مع النساء. نقله ابن عرفة بعض التعاليق. العشرون: في إمامته. تقدم في فصل الجماعة أن إمامته لا تجوز وتبطل صلاة من اقتدى به. الحادي والعشرون: في محله في صلاة الجماعة. قال ابن عرفة عن اللخمي: ويتأخر عن صفوف الرجال ويتقدم على صفوف النساء وسيأتي في الثاني والعشرين كلام ابن عبد الحق وابن يونس. الثاني والعشرون: في استتاره في الصلاة. تقدم في كلام ابن عرفة عن اللخمي أنه يحتاط. قال العقباني: فليستتر ستر النساء. وقال في تهذيب عبد الحق: ولا يصلي إلا مستترا في آخر صفوف الرجال وأول صفوف النساء انتهى. وقال ابن يونس: قال بعض فقهائنا: ولا يصلي إلا مستترا في آخر الرجال وأول صفوف النساء. الثالث والعشرون: قال العقباني: انظر هل يقرأ في الصلاة الجهرية سرا ويسجد أو يقال إنما السجود للسهو. ألا ترى أن من عجز عن الجهر وقدر على السر لا يسجد انتهى.

[ 624 ]

الرابع والعشرون: في مس فرجه هل ينقض وضوءه. تقدم للمصنف في فصل نواقض الوضوء أنه ينقض وقال الشارح: إنه مخرج على من أيقن بالوضوء وشك في الحدث والمذهب ذلك وجوب الوضوء. الخامس والعشرون: في حكمه في اللبس في الحج. قال ابن عرفة عن بعض التعاليق: إنه يلبس ما تلبس المرأة ويفتدي. ابن عرفة ظاهره يلبس ما تلبسه المرأة ابتداء والاظهر أن ذلك فيما يجب على المرأة ستره وفي غيره لا يفعله ابتداء فلا يلبس إلا لحاجة انتهى. وهذا هو الظاهر. وقال سند: وإذا لم يجد يوم عرفة مركوبا يفق عليه للدعاء دعا جالسا كالمرأة ولا يقف كالرجل انتهى. قال في باب الحج. السادس والعشرون: يحتاط في الحج فلا يحج إلا مع ذي محرم لا مع جماعة رجال فقط ولا مع نساء فقط. ابن عرفة: إلا أن يكون جواريه أو ذوات محارمه انتهى. السابع والعشرون: فيمن يغسله إذا مات. قال ابن عرفة في النكاح في بعض تعاليق أبي عمران عن ابن أخي هشام: إن مات اشترى له خادم تغسله انتهى. ووجهه واضح لانه إن كان ذكرا فهي أمته، وإن كان أنثى فهو امرأة إلا أنها تؤمر بستره، وهذا مما يدل على أنه أحد الصنفين في نفس الامر، ولكنا لم نطلع عليه. وهذا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال وأمكن أن تشتري من بيت المال فالظاهر أنه يشتري له منه جارية، فإن لم يمكن ذلك فالظاهر أنه يمم انتهى. وقد صرح بذلك الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عند قوله: وإن كان مع الميتة ذو محرم منها ونصه: وإن مات المشكل فإنه يشتري له جارية من ماله تغسله إن كان له مال، فإن لم يكن له اشتريت له من بيت المال إن كان هناك، وإن لم يكن يمم ودفن. الثامن والعشرون: في موضع نعشه في صلاة الجنائز. وقد تقدم ذلك في صلاة الجنائز في كلام المصنف. التاسع والعشرون: في محل وقوف الامام في الصلاة عليه. لم أر فيه نصا والظاهر أنه يقف عند منكبيه احتياطا، وهذا على جهة الاولى والله أعلم. الثلاثون: في ديته. قال السهيلي: ديته كإرثه أي نصف دية ذكر ونصف دية أنثى. وكذا قال المقلشاني في جوابه المنظوم في مسائل الخنثى. وقال ابن عرفة: وفي نوازل الشعبي عن بعض أهل العلم في قطع ذكره نصف ديته ونصف حكومته. الحادي والثلاثون: إذا ادعى مشتري واحد من الرقيق أنه خنثى غطى فرجه ونظر الرجال ذكره وغطى ذكره ونظر النساء فرجه.

[ 625 ]

الثاني والثلاثون: إذا ادعى أحد الزوجين بعد النكاح أنه خنثى قال ابن عرفة: إنه مثل مسألة الرقيق. قال: ونزلت بتونس وفسخ نكاحها. وفي نظر الرجال لذكره والنساء لفرجه على القول بالنظر للفرج في عيب الزوجين احتمال للفرق بتحقق ذكورة الرجل. الثالث والثلاثون: هل يوجد لخنثى في غير الآدميين ؟ قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: قال صاحب التنبيه في أول كتاب الزكاة: يقال ليس في شئ من الحيوانات خنثى إلا في الآدميين والابل. قال النووي: قلت: وقد يكون في البقر. وقد جاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة قال: إن عندهم بقرة خنثى ليس لها فرج الانثى ولا ذكر الثور وإنما لها خرق عند ضرعها يجري منه البول. وسألوا عن جواز التضحية بها فقلت لهم: تجزئ لانها ذكر أو أنثى وكلاهما يجزئ ليس فيه ما ينقص اللحم وأفتيتهم فيه انتهى. قلت: ومما يدل على ما تقدم أن الخنثى ليس خلقا ثالثا وفي إجراء التضحية به بحث ثالث من جهة أخرى وهو أنه ناقص الخلقة إلا أن يقال: إن هذا النقص لا يضر بمنزلة الخصاء وهذا هو الظاهر والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. يقول الراجي عفو ربه الكريم، ابن الشيخ حسن الفيومي إبراهيم نحمدك اللهم على نعم أسديتها، ومنن أوليتها وواليتها، فما سالت كمائم المحابر لافضل من حمد مولى النعم، فلقد اصطفيت وأيدت بتوفيقك لتأييد شريعتك الغراء ودينك القويم، أناسا ثابروا العمل في مرضاتك وأنت مولى الاحسان العميم. ونصلي ونسلم على المفرد العلم، المخصوص بجوامع الكلم، سيدنا محمد القائل: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وعلى آله الكملة المطهرين، وأصحابه المرشدين إلى أوضح مسالك الفقه والدين آمين (وبعد). فقد تم بمعونة منزل التنزيل، طبع شرح العلامة الحطاب لمصنف الامام خليل، شرح من بين الشراح تنثلج بفوائده الصدور، وتزدري فرائده بقلائد النحور، وتخضع لتدقيقاته رقاب ذوي الآداب، ويسحر بتحقيقاته عقول أولي الالباب، مذيلة هاتيك القلائد، بذرر من الفرائد، ألا وهو شرح مفتي الانام على الوفاق، سيدي محمد بن يوسف الشهير بالمواق، على المتن المذكور، ضاعف الله للجميع الاجور، فلله دره لقد أبرز من مخدرات مسائله العرائس، وأحرز من محجباتها النفائس، وقد أبرز هذين الكتابين للوجود، بعد أن كانا في زوايا النسيان

[ 626 ]

والجحود، المولى الاعلم، والسلطان الافخم، سلالة سيد العرب والعجم، سيد المتكلمين، ورئيس المحققين، أمير المؤمنين، وحامي حوزة الدين، جلالة سلطان المغرب الاقصى مولانا (عبد الحفيظ) ابن مولانا الحسن حرسه الله، وأعلى في الخافقين ذكر علاه، ومتع بوجوده الانام، وكلاه وذويه بعين رعايته التي لا تنام. آمين، وقد انتقى حفظه الله لهذا العمل الميمون، الابر الحاج عبد السلام نجل الامين الاجل الحاج محمد بن العباس ابن شقرون، فدأب حفظه الله وراء مرضاته حرصا على رضا رب الانام، وقام بذلك أحسن قيام، وصرف أوقاته السعيدة في إنجاز ما إلى همته السامية وكل، وفقنا الله وإياه إلى ما به لرضا المولى الكريم نصل، وذلك بمطبعة السعادة، الثابت محل إدارتها درب سعادة، بجواز محافظة مصر المعزيه، إدارة مديرها المتوكل علي العزيز الجليل (حضرة محمد أفندي إسماعيل) وقد فاح مسك الختام، وشذا عرف التمام، أوائل شهر شوال، من عام 9231 من هجرة منبع الكمال، عليه الصلاة والسلام، وآله الكرام وصحابته الاعلام ما جاءت الليالي تتلوها الايام آمين.

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...