65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج2.مواهب الجليل الحطاب الرعيني

ج2.مواهب الجليل

الحطاب الرعيني ج 2


[ 1 ]

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفي سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الثاني دار الكتب العلمية بيروت - لبنان


[ 2 ]

جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1416 ه‍ - 1995 م


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصلاة كتاب الصلاة فصل الوقت لما انقضى الكلام على الطهارة التي هي أوكد شروط الصلاة، أتبع ذلك بالكلام على " بقية شروط الصلاة وأركانها وسننها ومستحباتها ومبطلاتها والكلام على بقية أحكام الصلاة وأنواعها، وجرت عادة الفقهاء بتسمية هذه الجملة بكتاب الصلاة وقسم الكلام عليها في المدونة وغيرها في كتابين. واختلف الشيوخ في تقسيمه في المدونة وغيرها مثل هذا إلى كتابين وإلى ثلاثة. فمنهم من قال للصعوبة وعدمها، ومنهم من قال: لكثرة المسائل وقلتها، ومنهم من قال: لهما معا نقله ابن ناجي في شرحها، وتقدم الكلام على الكتاب والباب والفصل وأن المصنف يجعل الابواب مكان الكتب ويحذف التراجم المضاف إليها الابواب. والصلاة في اللغة الدعاء. قاله الجوهري وغيره ومنه قوله تعالى: * (وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم) * أي دعواتك طمأنينة لهم. وقوله تعالى: * (ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول) * أي أدعيته، وكان (ص) إذا جاءه الناس بصدقاتهم يدعو لهم. قال عبد الله بن أبي أوفى: جئت مع أبي بصدقة إلى النبي (ص) فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى، قال النووي وهذا قول جماهير العلماء من أهل اللغة والفقه وغيرهم. قلت: وبهذا فسرها ابن رشد والقاضي عياض وغيرهما من المالكية وغيرهم. قال بعضهم: هي الدعاء بخير. ثم قال في الصحاح: والصلاة من الله الرحمة. وقال النووي: قال العلماء: والصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الآدمي تضرع ودعاء. وممن ذكر هذا التقسيم الامام الازهري وآخرون. وقال في الشفاء قال أبو بكر القشيري: الصلاة من الله لمن دون النبي رحمة، وللنبي تشريف وتكرمة. وقال أبو العالية: صلاة الله عليه ثناؤه عليه عند ملائكته. وقال بعضهم: وتستعمل الصلاة بمعنى الاستغفار ومنه قوله (ص): بعثت إلى أهل البقيع لاصلي عليهم فإنه فسره في الرواية الاخرى قال: أمرت لاستغفر لهم. وتستعمل بمعنى البركة ومنه قوله (ص): اللهم صل على آل أبي أوفى وتستعمل بمعنى القراءة ومنه قوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) *.


[ 4 ]

قلت: وهذا الثاني يرجع إلى معنى الدعاء والله أعلم - ولتضمن الصلاة معنى التعطف عديت بعلى. وأما في الشرع فقال في المقدمات: هي واقعة على دعاء مخصوص في أوقات محدودة تقترن بها أفعال مشروعة. وقال بعضهم: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة. قال: ولا ترد صلاة الاخرس لان الكلام في الغالب. وقال ابن عرفة: قيل تصورها عرفا ضروري، وقيل: نظري لان في قول الصقلي وغيره ورواية المازري: سجود التلاوة وصلاة نظر، وعلى القول بأنه نظري فهي قربة فعلية ذات إحرام وتسليم أو سجود فقط فيدخل هو - يعني سجود التلاوة - وصلاة الجنازة انتهى. والذي جزم به صاحب الطراز أن سجود التلاوة ليس بصلاة وإنما هو شبيه بالصلاة كما أن الطواف شبيه بالصلاة وليس بصلاة، وإن أطلق على ذلك صلاة فمن طريق المجاز لا الحقيقة. ثم قال: ألا ترى أن من حلف لاصلي في وقت مخصوص فسجد للتلاوة لا يحنث انتهى. وظاهر كلامه في المقدمات أنها صلاة لانه عدها في الصلوات الفضائل. واعترض الابي حد ابن عرفة بأنه غير مانع قال: لصدقه على من أحرم بالحج، وسلم منه على الحج لانه يشتمل على ركعتي الطواف. وأجاب بأن إحرام الحج غير إحرام الصلاة، وبأن التعريف إنما هو بالخواص اللازمة والسلام في الصلاة لازم وليس بلازم في الحج، وبأن الركعتين ليستا من حقيقة الحج لصحته بدونهما ولا يقال: إنهما لازمتان للحج الكامل لان الحد للحقيقة من حيث هي هي لا للكاملة. واعلم أنه لا نزاع بين العلماء في أن إطلاق الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من الالفاظ المشتركة في الشرع على معانيها الشرعية على سبيل الحقيقة الشرعية، بمعنى أن حملة الشرع غلب استعمالهم لتلك الالفاظ في تلك المعاني حتى إن اللفظ لا يفهم منه عند الاطلاق إلا المعاني المذكورة، وإنما اختلفوا في أن الشرع هل وضع هذه الالفاظ لهذه المعاني، أو هي مستعملة فيها على سبيل المجاز، أو هي مستعملة في معانيها اللغوية ؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها حقائق شرعية مبتكرة نقلها الشرع عن معانيها اللغوية إلى المعاني الشرعية من غير ملاحظة للمعنى اللغوي أصلا، وإن صادف ذلك الوضع علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فذلك أمر اتفاقي، وهذا مذهب المعتزلة، وقال به جماعة من الفقهاء. قاله في الذخيرة، واستبعد لانه يؤدي أن تكون العرب خوطبت بغير لغتها. والثاني: أنها مستعملة في المعاني المذكورة على سبيل المجاز اللغوي لمناسبة بين المعاني اللغوية والمعاني التي استعملت فيها، وهو مذهب الامام فخر الدين والمازري وجماعة من الفقهاء. وقال ابن ناجي: هو مذهب المحققين من المتأخرين فهي مجازات لغوية حقائق شرعية. والثالث: أنه ليس في اللفظ نقل ولا مجاز بل الالفاظ المذكورة مستعملة في معانيها اللغوية، لكن دلت الادلة على أن تلك المسميات اللغوية لا بد معها من قيود زائدة حتى تصير شرعية، وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني في سائر


[ 5 ]

الالفاظ الشرعية، فلفظ الصلاة عنده مستعمل في حقيقته اللغوية وهي الدعاء. فإذا قيل له: الدعاء ليس مجزيا وحده ويصح بغير طهارة يقول: عدم الاجزاء لدلالة الادلة على ضم أمور أخر لا من لفظ الصلاة. والفرق بين القول الاول والثاني أن النقل لا يشترط فيه مناسبة المعنى المنقول إليه للمعنى المنقول منه بخلاف المجاز، وعلى الثاني فقيل: إنما سميت هذه العبادة صلاة لاشتمالها على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء. قال ابن رشد: وهذا هو المشهور المعروف. قال القرافي: وعليه أكثر الفقهاء. وقيل: للدعاء معنيان: دعاء مسألة ودعاء عبادة وخضوع وبه فسر قوله تعالى: * (ادعوني أستجب لكم) * فقيل: المعنى أطيعوني أثبكم. وقيل: سلوني أعطكم. وحال المصلي كحال السائل الخاضع فسميت أفعاله صلاة. وقيل: هي مأخوذة من الصلوين وهما عرقان في الردف وأصلهما الصلاة وهو عرف في الظهر يفترق عند عجم الذنب. وقيل: هما عظمان ينحنيان في الركوع والسجود. كذا قال في التنبيهات: قال القرافي: ولما كان يظهران من الراكع سمي مصليا وفعليه صلاة ومنه المصلي وهو التالي من حلبية السباق لانه رأس فرسه يكون عند صلوي الاول. قالوا: ولهذا كتبت الصلاة في المصحف بالواو. واختار هذا القول النووي فقال في تهذيب الاسماء: اختلف في اشتقاق الصلاة فالاظهر الاشهر أنها من الصلوين وهما عرقان من جانبي الذنب وعظمان ينحنيان في الركوع والسجود انتهى. فجمع بين القولين اللذين ذكرهما القاضي عياض في تفسير الصلوين. قال في التنبيهات: وقيل: لانها ثانية الايمان وتاليته كالمصلي من الخيل في حلبة السباق. وقيل: لان فاعلها متبع للنبي (ص) كما يتبع الفرس الثاني الاول. وقيل: مأخوذة من تصلية العود على النار ليقوم، ولما كانت الصلاة تقيم العبد على طاعة الله تعالى وخدمته وتنهاه عن خلافه كانت مقومة لفاعلها، كما قال الله تعالى: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * وقيل: مأخوذة من الصلة لانها صلة بين العبد وربه بمعنى أنها تدنيه من رحمته وتوصله إلى كرامته وجنته. وقيل: إن أصل الصلاة الاقبال على الشئ تقربا إليه وفي الصلاة هذا المعنى. وقيل: معناها اللزوم فكان المصلي لزم هذه العبادة. وقيل: من الرحمة والصلاة رحمة. وقيل: لانها تفضي إلى المغفرة تسمى صلاة قال تعالى: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) *. تنبيهان: الاول: قولنا: وضع الشرع ونقل الشرع على حذف مضاف أي صاحب الشرع. قال القرافي: لان الشرع هو الرسالة والرسالة لا تضع لفظا إنما يتصور الوضع من صاحب الشرع هو الذي هو الله تعالى انتهى. والصلوين بفتح الصاد واللام تثنية صلى بالقصر، وحلبة السباق بفتح الحاء المهملة وسكون اللام قال في الصحاح: خيل تجمع للسباق من كل أوب أي ناحية لا تخرج من إصطبل واحد انتهى. والسباق بكسر السين المسابقة. وقولهم: صليت العود على النار بالتشديد. نقله الدميري في شرح سنن ابن ماجه قال: واعترض النووي


[ 6 ]

ذلك بأن صليت لامه ياء ولام الصلاة واو. ورد عليه بأن المشدد تقلب فيه الواو ياء نحو: زكيت المال وصليت الظهر. قال الدميري: والظاهر أنه توهم أنه مأخوذ من صليت اللحم بالتخفيف صليا كرميت رميا إذا شويته. الثاني قال الدميري: وإذا فرغنا على القول الاول يعني القول بالنقل فهو لما نقل الشرع هذا اللفظ جعله متواطئا للقدر المشترك بين سائر الصلوات، أو جعله مشتركا كلفظ العين وهو اختيار الامام فخر الدين محتجا بأن يطلق على ما فيه الركوع والسجود وعلى ما لا ركوع فيه ولا سجود كصلاة الجنازة، وعلى ما لا تكبير فيه ولا تسليم كالطواف، وعلى ما لا حركة فيه للجسم كصلاة المريض المغلوب، وليس بين هذه الصور قدر مشترك فيكون اللفظ مشتركا. ووجوبها معلوم من الكتاب والسنة والاجماع ودين الامة ضرورة فلا نطول بذلك. وفرض الله سبحانه الصلوات الخمس ليلة المعراج على نبيه في السماء بخلاف سائر الشرائع. قال في المقدمات: وذلك يدل على حرمتها وتأكيد وجوبها انتهى. واختلف في وقت المعراج والصحيح أنه في ربيع الاول. قال النووي: في ليلة سبع وعشرين منه. ووقع في بعض نسخ فتاوى النووي أنه كان في ربيع الآخر. وقيل: إنه كان في رجب وجزم به النووي في الروضة تبعا للرافعي: وقيل: في رمضان. وقيل: في شوال. واختلف أيضا في السنة التي وقع فيها فقيل: قبل المبعث وهو شاذ، والاكثر على أنه بعده، ثم اختلفوا فقيل: قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وعليه اقتصر في النوادر وابن رشد في المقدمات وجزم به النووي. وبالغ ابن حزم فنقل الاجماع فيه وهو مردود فقد قيل: إنه قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بأحد عشر شهرا، وقيل: بخسمة عشر شهرا، وقيل: بستة عشر شهرا، وقيل: بسبعة عشر شهرا، وقيل: بثمانية عشر شهرا، وقيل: بثلاث سنين وقيل: بخمس سنين. قال في المقدمات: واختلف كيف فرضت فروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: فرضت ركعتين، ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. وقيل: فرضت أربع ركعات ثم قصر منها ركعتان في السفر ويؤيد ذلك قوله (ص): إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة انتهى. قلت: وحديث عائشة رواه البخاري. قال ابن حجر: وزاد ابن إسحاق إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا. أخرجه أحمد. وسيأتي الكلام على ذلك. والجمع بين حديث عائشة وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم: فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين أخرجه


[ 7 ]

مسلم. قال ابن حجر: واختلف فيما قبل ذلك فذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الاسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الامر به من الصلاة الليل من غير تحديد. وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وعليه اقتصر في المقدمات فقال: وكان بدء الصلاة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتين غدوا وركعتين عشيا. وروي عن الحسن في قوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار) * أنها صلاته بمكة حين كانت الصلاة ركعتين غدوا وركعتين عشيا، فلم يزل فرض الصلاة على ذلك ما كان رسول الله (ص) والمسلمون بمكة تسع سنين، فلما كان قبل الهجرة بسنة أسرى الله بعبده ورسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى، ثم عرج به جبريل إلى السماء، ثم ذكر حديث الاسراء. ونحوه في النوادر في أول كتاب الصلاة قال: ومن كتاب ابن حبيب وغيره قال: فرضت الصلوات الخمس ليلة الاسراء بالنبي (ص) وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، وكان الفرض قبل ذلك ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي، فأول ما صلى جبريل بالنبي (ص) الظهر فسميت الاولى. قال غير ابن حبيب: إن فرض الوضوء إنما نزل بالمدينة في سورة المائدة وكان الطهر بمكة سنة. قاله ابن مسعود انتهى. وقد اختلف السلف في الاسراء والمعراج هل وقعا في ليلة واحدة وإليه ذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواترت عليه ظواهر الاخبار الصحيحة. وقال بعضهم: كان الاسراء في ليلة والمعراج في ليلة متمسكا بظاهر بعض الروايات وهي قابلة للتأويل. والمراد بالاسراء الذهاب إلى بيت المقدس وبالمعراج العروج إلى السماء. فائدة: قال ابن حجر: والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم وملئ بالايمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور، ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة، وليظهر شرفه (ص) في الملا الاعلى ممن ائتم به من الانبياء والملائكة وليناجي ربه، ومن ثم كان المصلي يناجي ربه. قال ابن العربي في شرح الترمذي: قوله (ص) في حديث الاوقات حكاية عن جبريل: هذا وقت الانبياء قبلك يوهم أن هذه الصلوات في هذه الاوقات كانت مشروعة لمن تقدم من الانبياء، ولم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الامة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها، ولكن معنى الحديث أن هذا الوقت الموسع المحدود بطرفين مثل وقت الانبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت ذات طرفين انتهى. فائدة: قال في المقدمات: واختلف في قول الله عزوجل * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * وما أشبه من ألفاظ الصلاة الواردة في القرآن فقيل: إنها مجملة لا يفهم المراد بها من لفظها وتفتقر في البيان إلى غيرها، فلا يصح الاستدلال بها على صفة ما أوجبته وهو ظاهر قول مالك في سماع ابن القاسم من كتاب الحج. وقوله: والحج كله في كتاب الله والصلاة والزكاة ليس لهما في كتاب الله بيان والنبي (ص) بين


[ 8 ]

ذلك. وقيل: إنها عامة يصح الاستدلال بها على ذلك ويجب حملها على عمومها في كل ما تناوله الاسم من أنواع الدعاء إلا أن الشرع قد خصصه في نوع من الدعاء على وجه مخصوص تقترن به أفعال مشروعة من قيام وجلوس وركوع وسجود وقراءة وما أشبه ذلك. والصلاة أفضل العبادات بعد الايمان بالله تعالى وقد ورد في فضلها والحث على إقامتها والمحافظة عليها ومراعاة حدودها الباطنة، آيات وأحاديث كتيرة مشهورة، وحكمة مشروعيتها التذلل والخضوع بين يدي الله عزوجل المستحق للتعظيم، ومناجاته تعالى بالقراءة والذكر والدعاء، وتعمير القلب بذكره واستعمال الجوارح في خدمته. والصلاة على ستة أقسام: فرض على الاعيان وهي الصلوات الخمس والجمعة بشروطها. وفرض على الكفاية وهي صلاة الجنازة على القول الراجح من القولين المشهورين اللذين ذكرهما المصنف. وسنة وهي الوتر والعيدان وكسوف الشمس وخسوف القمر والاستسقاء والركوع عند الاحرام وسجدتا السهو، وكذلك ركعتا الطواف على أحد الاقوال، وسجود التلاوة على أحد القولين المشهورين فيه، وعلى القول بأنها صلاة. وفضيلة وهو ركعتا الفجر وركعتا الشفع وتحية المسجد وقيام الليل وقيام رمضان وهو أوكد، والتنفل قبل الظهر وبعدها وقبل العصر وبعد المغرب والضحى بلا حد في الجميع على المشهور كما سيأتي، وإحياء ما بين العشاءين، وركعتان بعد الوضوء وركعتا الاستخارة وركعتان عند الخروج للسفر وعند القدوم منه وعند دخول المنزل وعند الخروج منه، وركعتان لمن قرب للقتل ولو كان عند طلوع الشمس أو غروبها على أحد القولين كما سيأتي، وركعتان عند التوبة، وركعتان عند الحاجة، وركعتان عند الدعاء وبين الاذان والاقامة إلا في المغرب، وصلاة التسبيح على ما ذكر القاضي عياض في قواعده، وسمى ابن رشد ما بعد قيام رمضان نافلة وجعله أحط رتبة من الفضيلة ولم يذكر جميع ما ذكرنا. ومكروهة وهي الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس قيد رمح، وبعد صلاة العصر حتى تصلي المغرب، وبعد صلاة الجمعة في المسجد وقبل العيدين وبعدهما إذا صليتا في الصحراء بين الصلاتين المجموعتين لسفر أو مطر أو بعرفة أو مزدلفة. وممنوعة وهي الصلاة عند طلوع الشمس وعند الغروب ومن حين يخرج الامام لخطبة الجمعة إلى أن يفرغ من الصلاة، وتنفل من عليه فوائت وابتداء أصلاة فريضة أو نافلة إذا كان الامام الراتب يصلي، وسيأتي الكلام على جميع ذلك مفصلا في محاله. وللصلاة شروط وسيأتي الكلام عليها منها: الطهارة وتقدمت في كتاب مستقل لطول الكلام عليها. ثم افتتح كتاب الصلاة بالكلام على الاوقات لان دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة كما قال القرافي، وجعله بعضهم شرطا في وجوب الصلاة وصحتها، والتحقيق ما قاله القرافي لصدق حد السبب عليه فإنه يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، نعم قال القرافي في العلم: بدخول الوقت شرط أي في صحة الصلاة فيتعين الاهتمام بمعرفة وقت الصلاة إذ بدخول الوقت تجب وبخروجه تصير قضاء فقال:


[ 9 ]

باب ص: (الوقت المختار للظهر من زوال الشمس) ش: الاوقات جمع وقت مأخوذ من التوقيت وهو التحديد. قال في التوضيح: والوقت أخص من الزمان لان الزمان مدة حركة الفلك، والوقت هو ما قال المازري: إذا اقترن خفي بجلي سمي الجلي وقتا نحو: جاء زيد طلوع الشمس. فطلوع الشمس وقت المجئ إذا كان الطلوع معلوما والمجئ خفيا، ولو خفي طلوع الشمس بالنسبة إلى أعمى أو مسجون مثلا لقلت له: طلعت الشمس عند مجئ زيد فيكون المجئ وقت الطلوع انتهى. وقوله: إن الزمان هو حركة الفلك هو أحد أقوال الحكماء في تعريفه، وما ذكره عن المازري هو تعريف الزمان عند المتكلمين فإنهم عرفوه بأنه مقارنة متجدد موهوم لمتجدد معلوم إزالة للابهام من الاول لمقارنة الثاني. وقال في الذخيرة: سمي الزمام وقتا لما حدد بفعل معين، فكل وقت زمان وليس كل زمان وقتا. والزمان عند أهل السنة: اقتران حادث بحادث. قال المازري: إذا اقترن خفي بجلي سمي الجلي زمانا. ثم ذكر بقية ما ذكره في التوضيح. وانظر ما حكاه في الذخيرة عن المازري فإنه مخالف لما نقله عنه في التوضيح فإن كلامه في الذخيرة يقتضي أنه تعريف للزمان، وكلامه في التوضيح يقتضي أنه تعريف للوقت، وكلام المازري في شرح التلقين موافق لما نقله عنه في التوضيح. وأما ما ذكره صاحب الذخيرة فلعله رآه للمازري في غير شرح التلقين فانظره. وقال ابن عرفة، والوقت كون الشمس أو نظيرها بدائرة أفق معين أو بدرجة علم قدر بعدها منه. وقول المازري: حركات الافلاك صالح لغة لا عرفا لعدم صلاحيته جوابا عنه عرفا انتهى، وانظر ما مراده بقوله أو نظيرها ولعله أراد غيرها من الكواكب فإنه يصح أن يؤقت بكل كوكب منها، وكلام المازري في شرح التلقين يقتضي أن كون الوقت حركات الافلاك إنما هو في أصل التخاطب فهو قريب من قول ابن عرفة: صالح لغة فتأمله والله أعلم. والوقت ينفسم إلى قسمين: أداء وقضاء، وباعتبار أن لكل صلاة وقتين جمع ابن الحاجب وغيره الاوقات. وقيل: إنما جمعها لان وقت الاداء ينقسم إلى أقسام كما سيأتي، لا يقال: إن زمن القضاء ليس بوقت للصلاة فلا ينبغي أن يجعل قسما منه، ولذلك حد بعضهم القضاء بأنه إيقاع العبادة خارج وقتها لانا نقول، المراد


[ 10 ]

بالوقت ما يمكن أن تفعل فيه الصلاة، ولا شك أن المكلف قد يوقعها خارج وقتها المقدر لها شرعا إما عمدا أو سهوا. وعرف ابن الحاجب وغيره وقت الاداء بأنه ما قيد الفعل بة أولا. فقوله: ما أي وقت قيد الفعل به بخطاب أو لا فخرج بقوله: قيد ما لم يقدر له وقت من النوافل المطلقة فإن الشارع لم يقدر لها وقتا فلا توصف بالاداء ولا بالقضاء، وقوله: " أولا " احتراز من القضاء فإنه بخطاب ثان بناء على رأي الاصوليين أن القضاء بأمر جديد كوقت الذكر للناسي. والظاهر أنه احترز به من ذكر وقت الصلاة لمن نسيها فإنه قيد به الفعل ثانيا بخطاب، لكن قوله (ص): من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها هكذا في الصحيحين، زاد البيهقي فإن ذلك وقتها والله أعلم. قال في التوضيح: ويحتمل أن يريد فعلا أولا ليخرج الاعادة كما قال الاصبهاني في شرح المختصر. وقد حكى عن المصنف يعني ابن الحاجب أنه قال: احترزت بقولي: أولا من الاعادة وفيه نظر، لانه على هذا تكون الاعادة خارجة عن الاداء وليس كذلك. ولا بد من زيادة شرعا كما فعل المصنف في الاصول ليخرج بذلك ما قيد الفعل به ولا شرعا كما إذا قيد السيد لعبده خياطة ثوب بوقت، وكتعيين الامام لاخذ الزكاة شهرا. لكن المصنف إنما حد هنا وقت الصلاة فلا يرد عليه ما ذكر، بخلاف المختصر فإنه إنما تكلم على الاداء من حيث هو انتهى. وقال ابن عرفة: وقت الاداء ابتداء تعلق وجوبها باعتبار المكلف والقضاء انقطاعه انتهى. وقال ابن الحاجب: والقضاء ما بعد الاداء، وينقسم وقت الاداء إلى اختياري وضروري. فالاختياري هو الوقت الذي لم ينه عن تأخير الصلاة إليه، والضروري هو الذي نهى عن تأخير الصلاة إليه، فلا تنافي بين العصيان والاداء كما سيأتي. وفسر المازري الاختياري بأنه وقت مطابقة امتثال الامر فيتنافى الاداء والعصيان، وقد يكون وقت الضروري لغير ذي عذر قضاء. واعترض عليه ابن عرفة بذلك مع أنه قد رضي قول ابن القصار: إن الضروري وقت أداء. قال ابن عرفة: وعزا التونسي التنافي بين الاداء والعصيان للمخالف ونفيه لنا، وزاد صاحب الطراز قسمين آخرين: وقت الرخصة والعذر، ووقت سنة يشبه الرخصة. فوقت العذر والرخصة هو ما قبل القامة للعصر في حق المسافر والمريض، وتأخير الظهر إلى بعد القامة، وكذلك في العشاءين، ووقت السنة المشابه للرخصة تقديم العصر بعرفة وتأخير المغرب للمزدلفة، وينقسم وقت الاختيار إلى وقت فضيلة ووقت توسعة، فوقت الفضيلة ما ترجح فعل الصلاة فيه على فعلها في غيره من وقت الاختيار، ووقت التوسعة ما ترجح فعلها في غيره على فعلها فيه.


[ 11 ]

فرع: واختلف العلماء في كون الوجوب يتعلق بكل وقت الاداء أو بما يسع الفعل منه مجهولا ووقع الفعل فيه بعينه، فعزا المازري القول الاول للجمهور، وعزاه الباجي لاكثر المالكية، وجعل الثاني تخريجا وهو قول بعض الحنفية. فرع: واختلف هل يشترط في جواز التأخير عن أول الوقت العزم على الاداء أو لا ؟ فاشترط القاضي عبد الوهاب ذلك. قال صاحب الطراز: وأنكر ذلك غيره. وقال: العزم ثابت باعتبار الوجوب على وجه البدل وهو اختيار الباجي، وغيره لم يشترط العزم بوجه انتهى. وعزا ابن عرفة القول الاول للقاضي والمازري. ص: (للظهر من زوال الشمس لآخر القامة بغير ظل الزوال) ش: شرع - رحمة الله - يتكلم على بيان الوقت المختار للصلوات الخمس، وبدأ بالظهر لانها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي (ص) كما تقدم، وكذلك فعل جماعة من المصنفين، ومنهم من بدأ بالصبح لانها الوسطى، ولانها في أول النهار. وسميت الظهر لأن وقتها أظهر الاوقات لانه يعرف بزيادة الظل. وقيل: لانها أول صلاة ظهرت في الاسلام ولذلك تسمى الاولى. وقيل: لانها تصلى في وقت الظهيرة أي شدة الحر ولذلك تسمى صلاة الهجيرة لانها تصلى في وقت الهاجرة وهي شدة الحر. وذكر المصنف رحمه الله تعالى أن أول وقتها زوال الشمس أي ميلها عن وسط السماء، ويعرف ذلك بزيادة الظل لان الظل في أول النهار يكون ممتدا، ولا يزال ينقص ما دامت الشمس في جهة المشرق إلى أن تصير الشمس في وسط السماء، فإذا مالت الشمس إلى جهة المغرب أخذ الظل في الزيادة وذلك هو الزوال. ولا بد أن يزيد الظل زيادة بينة فحينئذ يدخل وقت الظهر فإن الزوال عند أهل الميقات يحصل بميل مركز الشمس عن خط وسط السماء. والزوال الشرعي إنما يحصل بميل قرص الشمس عن خط وسط السماء وكذلك للغروب ميقاتي وشرعي. فالميقاتي غروب مركز الشمس، والشرعي غروب جميع قرص الشمس، وكذلك الشروق الميقاتي هو شروق مركز الشمس، والشرعي شروق أول حاجب الشمس. ويحصل الشرعي من ذلك كله بعد الاصطلاحي بنحو نصف درجة وذلك قدر قراءة قل هو الله أحد ثلاثين مرة قراءة معتدلة مع البسملة في كل مرة. وإذا تبينت زيادة الظل فقد مضى هذا المقدار يقينا، ونقل الابي عن صاحب القوت أنه قال: الزوال ثلاثة: زوال لا يعلمه إلا الله تعالى، وزوال تعلمه الملائكة المقربون عليهم السلام، زوال تعرفه الناس. قال: وجاء في الحديث أنه (ص) سأل جبريل عليه السلام: هل زالت الشمس ؟ فقال: لا، نعم فقال: ما معنى لا نعم ؟ قال: يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي: لا نعم مسيرة خمسمائة عام انتهى. وقوله: لآخر القامة يعني أن وقت الظهر المختار ممتد من


[ 12 ]

الزوال إلى آخر القامة الاولى، والمراد بذلك أن يصير ظل كل شئ مثله بعد ظل الزوال. وإنما قال: لآخر القامة لانه جرت عادة الفقهاء بالتعبير بالقامة لانها لا تتعذر وإلا فكل قائم يشاركها في ذلك. والاصل في تحديد أوقات الاختيار ما رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله (ص) أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الاولى منهما حين كان الظل مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين بزغ الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالامس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الاول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الشمس، ثم التفت جبريل ثم قال: يا محمد هذا وقت الانبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين قال الترمذي: حديث حسن وهذا لفظه. وبزق بالزاي أي بزغ ورواه الترمذي والنسائي من حديث جابر بمعناه وفيه: فصلى الظهر حين زالت الشمس قدر الشراك. قال الترمذي: هو حديث حسن. قال، وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت. وقوله في الرواية الاولى: مثل الشراك هو السير الذي يكون على وجه النعل وهو كناية عن أول ظهور الظل. وقوله حين وجبت الشمس أي سقطت بالغروب. فائدة: ذكر الغزالي هذا الحديث بلفظ أمني عند باب البيت فاعترضه النووي بأنه ليس في الكتب المشهورة. قال شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: وليس اعتراضه جيدا لان هذا اللفظ رواه الشافعي وهكذا رواه البيهقي والطحاوي في مشكل الآثار وفيه من أنه كان صلاته إلى البيت مع أنه (ص) كان مستقبل بيت المقدس انتهى. قلت: لفظ الام أمني جبريل عند باب الكعبة وقوله: وصلاته إلى البيت ليس في قوله: أمني عند باب البيت وباب الكعبة ما يقتضي أنه صلى إليها فتأمله. فائدة أخرى: قال ابن عبد البر: هذا وقتك ووقت الانبياء قبلك لا توجد هذه اللفظة إلا في هذا الحديث. وقوله: بغير ظل الزوال يعني به أن القامة إنما تعتبر بعد ظل الزوال وهو الظل الموجود عند الزوال، وهو يزيد في الشتاء وينقص في الصيف، ويختلف باختلاف البلاد وقد يعدم في بعض البلاد، وذلك إذا كان عرض البلد قدر الميل الاعظم فأقل، والميل الاعظم أربع وعشرون درجة تقريبا، وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء أي وسط الارض، فإن كان عرض البلد أربعا وعشرين درجة كالمدينة الشريفة فيعدم الظل فيها مرة واحدة في السنة وذلك في آخر فصل الربيع أعني إذا كانت الشمس في آخر الجوزاء فتكون الشمس حينئذ مسامتة لرؤوسهم عند الزوال، وإذا كان عرض البلد أقل من أربع وعشرين درجة فيعدم الظل فيها في السنة مرتين: مرة في فصل الربيع، ومرة في فصل الصيف، وذلك إذا كان ميل


[ 13 ]

الشمس قدر عرض البلد كمكة المشرفة فإن عرضها إحدى وعشرون درجة، فإذا كان ميل الشمس إحدى وعشرين درجة كانت الشمس مسامتة لرؤوسهم فيعدم الظل حينئذ عند الزوال ويعرف الزوال في يوم المسامتة يوجود الظل بعد انعدامه، ويعرف آخر وقت الظهر بأن يصير ظل كل شئ مثله من غير زيادة. واعلم أن المسامتة الحقيقة إنما تكون في يوم واحد في السنة أو في يومين كما ذكرناه، ولكن ما قارب يوم المسامتة قبله أو بعده مما لا يظهر فيه للظل وجود محسوس فحكمه حكم يوم المسامتة، وأما البلاد التي كون عرضها أكثر من أربع " وعشرين درجة فلا يعدم فيها ظل الزوال دائما كمصر والشام والمغرب، ولكنه يزيد وينقص فيكثر في أيام الشتاء ويقل في أيام الصيف ويختلف بحسب البلاد، فلا يصح الاعتماد على الاقدام التي ذكرها أبو مقرع للزوال إلا في بلاد مراكش وما كان مثلها في العرض أو قريبا منها على مسافة يومين أو قريبا من ذلك، وطريق معرفة الزوال وظل الزوال أن تنصب شاخصا في أرض مستوية قرب الزوال وتعلم على الرأس ذلك علامة أو تدير عليه قوسا ثم تنظر إلى الظل، فإن نظرته نقص علمت علامة أخرى، ولا تزال تفعل ذلك مرة بعد أخرى حتى تجده قد زال، فإن زال فذلك هو الزوال وهو أول وقت الظهر، والظل الموجود حينئذ وهو ظل الزوال وآخر وقت الظهر أن يزيد ظل كل شئ مثله بعد الظل الموجود حينئذ. قال الفاكهاني في شرح الرسالة: لان الاعتبار بالمثل والمثلين هو من الزيادة التي تزول عنها الشمس وما قبله لا حكم له انتهى. فإذا أردت أن تعلم كم ظل الزوال بالاقدام فقس ذلك حينئذ بقدميك، وذلك بأن تقف قائما معتدلا غير منكس رأسك في أرض مستوية، وتخلع نعليك وتستدبر الشمس أو تستقبلها، وتعلم على طرف ظلك علامة أو تأمر من يعلم لك إن كنت مستقبلا للشمس ثم تكيل ظلك بقدميك، فذلك هو ظل الزوال، وهذا الطريق عام في كل زمان ومكان، وإذا أردت آخر وقت الظهر فلتزد على ما كلته سبعة أقدام وهو قدر القامة بالاقدام على ما اختاره ابن البناء وابن الشاط وغيرهما من علماء الميقات وهو الاحوط. وقال بعضهم: طول القامة ستة أقدام وثلثان، وقيل: ست ونصف. وإنما أطلت الكلام في هذا لانه وقع. وفي عبارة جماعة من المالكية والشافعية هنا عبارات غير محررة، ولم أر من تعرض من الشيوخ لما ذكرته والله تعالى أعلم. تنبيهات: الاول: تقدم أن الزوال يعرف بزيادة الظل وهذا هو الطريق المعروف الذي يذكره الفقهاء في كتبهم لسهولته واشتراك الناس في معرفته، ولو عرف الوقت بغير ذلك من الآلات كالربع والاسطرلاب وغيرهما لجاز كما ذكره المازري وغيره، فإن الزوال هو ميل الشمس عن خط وسط السماء. قال المازري في شرح التلقين: ومن الطريق إلى معرفة هذا يعني الزوال الاسطرلاب. ثم قال: ومنهم من يضع خطوطا خاصة ويقسمها أقساما ويقيم فيها قائما، فإذا انتهى ظل القائم إلى حد الاقسام عرف قدر ما مضى من النهار، وهذه الطرائق كلها مذكورة في كتب المتقدمين. ثم قال: لكن الفقهاء كلهم إنما يسلكون المسلك الذي ذكره


[ 14 ]

القاضي يعني ما تقدم من نصب العود، فهذا المتعارف عند أهل الشرع وما عداه أضربوا عنه، لان علم الاسطرلاب يدق وقد يؤدي النظر فيه إلى النظر في علم النجوم الذي يكرهه المشرعون، وما سواه مما ذكرناه عن المتقدمين عسير مطلبه صعب مرامه، والتعليم الحسن ما اشترك في إدراكه والاحاطة جه البليد والفطن انتهى. وقال في الذخيرة: قد يعلم الزوال من غير زيادة الظل بأن يخرج خطا على وجه الارض مسامتا لخط الزوال في السماء بالطرق المعلومة عند أرباب المواقيت، فتضع فيه قائما فعند الزوال يخرج ظل القائم من الخط من غير زيادة الظل خصوصا في الصيف فهو أول الوقت الاختياري انتهى، قلت: قوله: من غير زيادة ظل الزوال يعني من غير أن يراقب زيادة الظل وإلا فلا يمكن أن يخرج الظل عن الخط إلا بعد شروعه في الزيادة. وقال بعده في فصل وقت صلاة العصر: ويعرف الظهر بأن تضرب وتدا في حائط تكون الشمس عند الزوال، فإذا زالت الشمس انظر طرف ظل الوتد واجعل في يدك خيطا فيه حجر مدلي من أعلى الظل، فإذا جاء الخيط على طرق الظل فخط مع الخيط خطا طويلا فإنه يكون خط الزوال أبدا، فمتى وصل ظل ذلك الوتد إليه فقد زالت الشمس، لكن في الشتاء يصل إليه أسفل وفي الصيف فوق. قلت: وهذا الذي ذكره إذا كان الوتد معوجا ولم يضرب في الحائط على استقامة بحيث إن ظله خارج عنه يمينا أو شمالا، وأما وإذا كان مستقيما وظله تحته فتخط الخط على ظله، ولا بد أن تعرف الزوال في اليوم الذي تضرب فيه الوتد بغير هذه الطريق. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة بعد أن ذكر أنه يعرف الزوال بعود كما تقدم قال الغزالي: ولا بأس بالميزان وكرهه ابن العربي لانه ليس من فعل السلف وقال: إنما كانوا يعرفون ذلك بظل الجدار وظل الانسان أو غيره. وقال المازري: يكره الاسطرلاب واختلف في علة الكراهة انتهى. قلت: تقدم كلام المازري وليس فيه تصريح بالكراهة بل ذكر أن ذلك طريق لمعرفته، ولكن لم يذكره الفقهاء إما لصعوبته أو لانه يؤدي إلى النظر في النجوم فتأمله. وأما ابن العربي فلم أقف على كلامه في ذلك. نعم قال في العارضة لما تكلم على وقت صلاة الصبح: اتفق العلماء على التغليس بها أفضل لكن إنما التغليس المستحب عند إسفار الفجر وبيانه للابصار، ومن صلى بالمنازل قبل تبيينه فهو مبتدع فإن أوقات الصلوات إنما علقت بالاوقات المبينة للعامة والخاصة والعلماء والجهال، وإنما شرعت المنازل ليعلم بها قرب الصباح فيكف الصائم ويتأهب المصلي حتى إذا تبين الفجر الذي علق به الوقت صلى انتهى. وقال ابن المنير في كتابه المسمى بتيسير المقاصد لأئمة المساجد: ووقت الصبح بطلوع الفجر المعترض الذي يسد الافق ولا يعتمد على المنازل إلا تقريبا، فإذا ظهر له توسط المنزلة تربص حتى يرى البياض، فإن كان غيم انتظر قدر ما يعلم أنه لو كان صحو الظهر الفجر ويحتاط ولا يعجل وميزان الشمس قطعي انتهى. وقال القرافي في الفرق الثاني والمائة: جرت عادة المؤذنين وأرباب المواقيت أنهم إذا


[ 15 ]

شاهدوا المتوسط في درج الفلك الذي يقتضي أن درج الشمس قريب من الافق قربا يقتضي أن الفجر طلع أمروا الناس باللاة والصوم مع أن الافق قد يكون صاحيا لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك فلا يجد الانسان للفجر أثرا ألبتة وهذا لا يجوز، إنما نصب الشارع سبب وجوب الصلاة طلوع الفجر فوق الافق ولم يظهر فلا تجوز الصلاة حينئذ، وكذلك القول في بقية إثبات أوقات الصلوات. ثم قال: فإن قلت: هذا جنوح منك إلى أنه لا بد من الرؤية في أوقات الصلاة، وأنت قد فرقت بينها وبين رؤية الاهلة بالرؤية وعدمها، وقلت: السبب في الاهلة الرؤية وفي أوقات الصلاة تحقق الوقت دون رؤيته فحيث اشترطت الرؤية فقد أبطلت ما ذكرت. قلت: هذا سؤال حسن، والجواب عنه أني لم أشترط الرؤية في الاوقات لكن جعلت عدم اطلاع الحس على الفجر دليلا على عدمه، وأنه في نفسه لم يتحقق لان الرؤية هي السبب، ففرق بين كون الحس سببا وبين كونه دالا على عدم السبب، ففي الفجر جعلته دليلا على عدم السبب لاني اشترطت الرؤية، فلو كان حسابهم يظهر معه الفجر في الصحو ويخفى في الغيم لم استشكله لكني لما رأيت حسابهم في الصحو لا يظهر معه الفجر، علمت أن حسابهم يعارض عدم السبب انتهى. وهو كلام حسن يشير فيه إلى أن الذي علق به الوجوب في الزوال هو ما يظهر للناس لا الزوال الذي لا يدرك بالحس وإنما يدرك بالحساب غير أنه لا يشترط في الزوال الذي يظهر للناس رؤيته، فإذا تحقق بطريق من الطرق أنه قد حصل الزوال المذكور بحيث إنه لو تأمل الحس لاذكره كفى ذلك ولو كان هنا غيم يمنع من رؤيته، وكذا القول: في غروب الشمس والشفق وطلوع الفجر، بل ذكر القرافي في كتاب اليواقيت في علم المواقيت، وهو كتاب يشتمل على مسائل تتعلق بأوقات الصلاة وبالاهلة: والمشهور أن بعض الاولياء ادعى أنه سمع حركة الشمس للزوال فصلى هو وجماعة الظهر، ولم تزل الشمس في رأي العين إلا بعد ذلك فأنكر عليه الصلاة في تلك وقال: إن الحق أنه يجب قضاؤها لان الله سبحانه وتعالى كلف بالصلاة بالرؤية الظاهرية، ولا يكون الزوال الذي لا تطلع عليه إلا الملائكة وخواص الاولياء بطريق الكشف سببا للتكليف ألبتة. قال: ولو طار ولي الله تعالى إلى جهة السماء قبل طلوع الفجر بساعة فإنه يرى الفجر في مكانه، بل ربما رأى الشمس ومع ذلك يحرم عليه صلاة الصبح حينئذ لان الفجر الذي نصبه الله تعالى سببا لوجوب الصبح إنما هو الفجر الذي نراه على سطح الارض، فتحصل من هذد أنه إذا علم دخول الوقت بشئ من الآلات القطعية مثل الاسطرلاب والربع والخيط المنصوب على خط وسط السماء فإن ذلك كاف في معرفة الوقت، وإذا أراد أن يعتمد على مجرد رؤية المنازل طالعة أو متوسطة فلا بد أن يتربص حتى يتيقن دخول الوقت، لان مجرد رؤية المنزل طالعة أو متوسطة لا تفيد بمعرفة الوقت تحقيقا إنما هو تقريب، بخلاف ما إذا علم توسط كوكب معلوم بالخيط المذكور وعلم مطالعة


[ 16 ]

وأنه يتوسط عند طلوع الفجر أو العشاء، فهذا يفيد معرفة دخول الوقت تحقيقا فيعتمد ذلك، وسيأتي في كلام البرزلي ما يدل على ذلك. الثاني: يجوز تقليد المؤذن العدل العارف وقبول قوله: مطلقا أي في الصحو والغيم. قاله صاحب الطراز وصاحب الذخيرة والبرزلي وابن يونس وغيرهم. قال في الطراز لما تكلم على وقت الظهر: ويجوز أن يقلد في الوقت من هو مأمون على الاوقات كما تقلد فيه أئمة المساجد، ولم يزل المسلمون من جميع الاعصار في سائر الامصار يهرعون إلى الصلاة عند الاقامة من غير أن يعتبر كل من يصلي قياس الظل انتهى. وقال في الذخيرة قال في الطراز: ويجوز تقليد المأمون كأئمة المساجد لانه لم يزل المسلمون يهرعون للصلاة عند الاقامة من غير اعتبار مقياس، وكذلك المؤذن لقوله عليه الصلاة والسلام: المؤذنون أمناء انتهى. وقال البرزلي في أوائله، ظاهر المذهب عندنا قبول قول المؤذن: العدل العارف مطلقا أي في الغيم والصحو في الصلاة والصوم إذا كان عارفا بالاوقات بالآلات مثل الرمليات والمنقالات وغيرها. نص على هذا العموم في كتاب الصوم من ابن يونس وغيره انتهى. وقال القرافي في الفرق الحادي والسبعين بعد المائتين: مقتضى القواعد أن يكون ما يعرف به أوقات الصلوات فرضا على الكفاية لجواز التقليد في الاوقات. قال في الطراز: يجوز التقليد في الاوقات إلا الزوال لانه ضروري يستغني فيه عن التقليد انتهى. قلت: وليس في كلام صاحب الطراز المتقدم استثناء الظهر، ولم يستثنها في الذخيرة، وذكر ابن عرفة استثناء الظهر من القرافي عن ابن القصار، ولعله سقط من نسختي من الفروق وذكر ابن القصار. قال ابن عرفة القرافي: منع ابن القصار التقليد في دخوله وقتها ولو لعامي لوضوحه فأورد وقت المغرب. فيجاب بأن وضوح وقت الظهر لتأخيرها عن الزوال والمغرب المطلوب إيقاعها إثره، ويجب كون الجمعة كالمغرب لانه يطلب إيقاعها عقب الزوال كما سيأتي انتهى. ونص ما في الكتاب ابن يونس في كتاب الصوم قال ابن حبيب: ويجوز تصديق المؤذن العدل العارف أن الفجر لم يطلع. قال: وإن سمع الاذان وهو يأكل ولا علم له بالفجر فليكف وليسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله، فإن لم يكن عنده عدلا ولا عارفا فليقض انتهى. ثم ذكر البرزلي في مسائل الصلاة عن السيوري ما نصه: يلزم كل من يقدر على إقامة الحق إقامته، ومن إقامة الحق أن يوكل بالاوقات من يفهم ويعرف الاوقات كلها ممن يوثق به وينهون عن سبقه، فإن انتهوا وإلا توعدوا فإن عادوا سجنوا، وقال أبو الطيب: ومن تعدى بعد النهي عوقب. ثم ذكر عن التونسي: إن لم يكن عارفا أو كان غير مأمون لا يقتدى به وينهى أن يبتدئ بالاذان أشد النهي، فإن عاد أدب أدبا وجيعا. وقال ابن محرز: لا يجوز تقليده ومن صلى بتقليده لم تجزه صلاته انتهى، فتحرر من هذا أنه يجوز التقليد في الاوقات لمن كان عدلا عارفا والله أعلم.


[ 17 ]

تنبيه: قال في المدخل: ومذهب مالك أن معرفة الاوقات فرض في حق كل مكلف انتهى. ومقتضاه أنه لا يجوز التقليد فيها ولكنه يمكن أن يحمل على أن المراد أنه لا يجوز لاحد أن يصلي حتى يعرف أن الوقت دخل إما بالطرق الموصلة لذلك، أو بتقليد من هو عدل عارف والله أعلم. الثالث: قال في الطراز: إذا كانت السماء مغيمة ولم تظهر الشمس فينبغي أن يؤخر الصلاة حتى يتيقن الوقت انتهى. وقال المازري: إذا امتنع الاستدلال بتزايد الظل تكون الشمس محجوبة بالغيب رجع ذلك إلى أهل الصناعات فإنهم يعلمون قدر ما مضى لهم من أعمالهم من أول نهارهم إلى زوال الشمس في يوم الصحو، فيقيسون يومهم بأمسهم فيعرفون بذلك الوقت انتهى. وقال في الجواهر: من اشتبه عليه الوقت فليجتهد ويستدل بما يغلب على ظنه دخوله، وإن خفي عليه ضوء الشمس فليستدل بالاوراد وأعمال أرباب الصناعات وشبه ذلك ويحتاط. قال ابن حبيب: وأخبرني مطرف عن مالك أن من سنة الصلاة في الغيم تأخير الظهر وتعجيل العصر وتأخير المغرب حتى لا يشك في الليل، وتعجيل العشاء إلا أنه يتحرى ذهاب الحمرة، وتأخير الصبح حتى لا يشك في الفجر. ثم إن وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء، وإن وقعت قبله قضاء كالاجتهاد في طلب شهر رمضان انتهى. وقال في الذخيرة: قال صاحب الطراز: إذا حصل الغيم أخر حتى يتيقن ولا يكتفي بالظن بخلاف القبلة، والفرق من وجهين: الاول: أن الاصول إلى اليقين ممكن في الوقت بخلاف القبلة، والثاني: أن القبلة يجوز تركها في الخوف والغافلة بخلاف الوقت انتهى. وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قول المصنف " وإن شك في دخول الوقت لم تجز ولو وقعت فيه ". الرابع: لا خلاف أن أول وقت الظهر زوال الشمس وأنها لا تجب قبل ذلك ولا تجزئ في حضر ولا سفر. وذكر القاضي عياض في أشرافه أن ابن عباس أو غيره كان يقول: تجزئ قبل الزوال. قال في الطراز: وذلك باطل لحديث جبريل والاجماع بخلافه قاله الله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * قال ابن عباس: دلوك الشمس إذا فاء الفئ ولا يصح عنه غير ذلك انتهى. قال المازري: اختلف الناس في قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * فذهب بعضهم إلى أن المراد به غروبها، ومذهبنا أن المراد به زوال الشمس وميلها عن وسط السماء مغربة. الخامس: ورد في صحيح مسلم أن مدة الدجال أربعون يوما وأن فيها يوما كسنة ويوما كشهر ويوما كجمعة وسائر أيامه كأيامنا. فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، أقدروا له قدره. قال القاضي عياض: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع قال: ولو وكلنا إلى اجتهادنا لاقتصر


[ 18 ]

نافيه على الصلوات عند الاوقات المعروفة في غير من الايام. ونقله عنه النووي وقبله. وقال بعده: ومعنى أقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح، وهكذا إلى أن ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها. وأما اليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الاول أن يقدر لهما كاليوم الاول على ما ذكرنا والله تعالى أعلم انتهى. ومثل ذلك الايام الذي تحجب الشمس فيها عن الطلوع عند إرادة الله سبحانه وتعالى طلوعها من مغربها، ذكره ابن فرحون في الالغاز. وقال: هذا الحكم نص عليه الشارع. قلت: ومثله ما ذكره القرافي في كتاب اليواقيت عن الشافعية في قطر يطلع فيه الفجر قبل غروب الشفق قال: فكيف يصنع بالعشاء، وهل تصلي الصبح قبل مغيب الشفق، وهل يحكم على العشاء بالقضاء ؟ فذكر عن إمام الحرمين أنه قال: لا تصلى العشاء حتى يغيب الشفق، ولا تكون قضاء لبقاء وقتها، ويتحرى بصلاة الصبح فجر من يليهم من البلاد ولا يعتبر الفجر الذي لهم انتهى باختصار وكأنه ارتضاه. السادس: قال القرافي في كتاب اليواقيت (مسألة) من نوادر أحكام الاوقات إذا زالت الشمس ببلد من بلاد المشرق وفيها ولي فطار إلى بلد من بلاد المغرب فوجد الشمس كما طلعت فقال بعض العلماء: إنه مخاطب بزوال البلد الذي يوقع فيها الصلاة لانه صار من أهلها انتهى. قلت: وانظر على هذا لو صلى الظهر في البلد الذي زالت عليه فيه الشمس ثم جاء إلى البلد الآخر، والظاهر أنه لا يطلب بإعادة الصلاة لانه كان مخاطبا بزوال البلد الذي أوقع فيها الصلاة وسقط عنه الوجوب بإيقاعها فيه ولم يكلف الله بصلاة في يوم واحد مرتين فانظره. السابع: يفهم من قول المصنف: بغير ظل الزوال أن ما بعد الزوال سمي ظلا وهو الذي ارتضاه النووي وغيره. فالظل يطلق على ما قبل الزوال وعلى ما بعده، والفئ لا يطلق إلا على ما بعد الزوال لانه مأ خوذ من فاء أي رجع من جانب إلى جانب. وقال بعضهم: إن الظل لا يستعمل إلا فيما قبل الزوال وعلى هذا اقتصر الجزولي في شرح الرسالة، واعترض الشيخ أبو محمد وكلام الصحاح يقتضي أن في ذلك خلافا. الثامن: إذا علم ظل الزوال علم وقت العصر بزيادة قامة عليه، وأما من لم يعلم ظل الزوال فنقل القرافي في الذخيرة وابن راشد في شرح ابن الحاجب عن الشيخ أبي زيد أن الرجل إذا قام منتصبا وأغلق أصابع يديه وجعلها على ترقوته وخنصره عليها وذقنه على إبهامه


[ 19 ]

واستقبل الشمس قائما لا يرفع حاجبه فإنه إذا رأى قرص الشمس فقد دخل وقت العصر، وإن رآها على حاجبه فهو بعد في وقت الظهر انتهى. قلت: وهو الذي أشار إليه في الرسالة بقوله: وقيل: إذا استقبلت الشمس بوجهك الخ. ص: (وهو أول وقت العصر للاصفرار) ش: لما فرغ من بيان وقت الظهر شرع يتكلم على وقت العصر. قال الجزولي: ولها اسمان: تسمى صلاة العصر وصلاة العشي. أما صلاة العصر فلانها تصلى عند معصر النهار أي آخره، وتسمى العشي لانها تصلى عشية انتهى. وقال في الذخيرة: صلاة العصر مأخوذة من العشي فإنها تسمى عصرا. وقيل: من طرف النهار والعرب تسمى كل طرف من النهار عصرا. وفي الحديث حافظوا على العصرين صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها يريد الصبح والعصر انتهى. وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: من صلى البردين دخل الجنة. والمراد بالبردين الصبح والعصر. والبردين بفتح الموحدة وسكون الراء. وذكر المصنف أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر المختار وآخر وقتها المختار اصفرار الشمس لقوله عليه الصلاة والسلام وقت العصر ما لم تصفر الشمس رواه مسلم، وهذا مذهب المدونة. وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شئ مثليه لحديث أبي داود والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله، وفي اليوم الثاني حين كان ظل كل شئ مثله. وقال في المنتقى: وصفرتها إنما تعتبر في الارض والجدر لا في عين الشمس، حكاه ابن نافع في المبسوط عن مالك انتهى. ونقل ابن ناجي عن ابن محرز نحوه وزاد بعد قوله: في عين الشمس فإنها لا تزول نقية حتى تغرب. وقال في الجواهر: وقت الاختيار ما دامت الشمس بيضاء نقية لم تصفر على الجدارات والاراضي. وروى ابن عبد الحكم إلى أن تصير زيادة ظل الشخص مثليه. قال القاضي أبو بكر: والقولان مرويان عن النبي (ص) قال:


[ 20 ]

وهما متساويان في المعنى لان الشمس لا يزال بياضها ناصعا حتى ينتهي ثني الظل، فإذا أخذ في التثليث نقص البياض حتى تأخذ الشمس في التطفيل فتتمكن الصفرة انتهى. ونحوه لابن بشير. والتطفيل ميل الشمس للغروب. وقيل: طفل الليل بالتشديد إذا أقبل ظلامه. والطفل بفتح الفاء بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب. قاله في الصحاح وبالقول الثاني. قال ابن المواز وابن حبيب قاله ابن ناجي في شرح المدونة وصدر به صاحب الرسالة وسيأتي الخلاف في أول وقت العصر. فائدة: قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات، وقولهم: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله، هذا مما رأيت بعض الجاهلين يتكلم فيه بأباطيل في الفرق بين الفئ والظل، والصواب ما ذكره ابن قتيبة قال: يذهب العوام إلى أنهما بمعنى وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره، ومعنى الظل الستر ومنه قولهم: إنا في ظلك ومنه ظل الجنة وظل شجرها إنما هو سترها، فظل الليل سواده لان يستر كل شئ، وظل الشمس ما سترته الشخوص من مسقطها. وأما الفئ فلا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما قبله فئ وإنما يسمى بعد الزوال فيأ لانه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع والفئ الرجوع. هذا كلام ابن قتيبة وهو نفيس وقد ذكره غيره مما ليس بصحيح فلم أعذج عليه انتهى. قلت: كلامه في الصحاح يقتضي أن في ذلك خلافا فإنه قال: قال ابن السكيت: الظل ما نسخته الشمس والفئ ما نسخ الشمس. وحكى أبو عبيدة عن رؤية كلما كانت عليه الشمس فهو فئ وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل انتهى، فكلام ابن السكيت يقتضي أنهما متغايران فما كان قبل الزوال فهو ظل وما بعده فهو فئ، وعلى هذا اقتصر الجزولي في شرح الرسالة واعترض على الشيخ أبو محمد في قوله: وأخذ الظل في الزيادة وما حكاه الجوهري عن أبي عبيدة موافق لما اختاره النووي وذكره عن ابن قتيبة وهو الظاهر فلا اعتراض على الشيخ أبي محمد والله أعلم. ص: (واشتركنا بقدر إحداهما وهل في آخر القامة الاولى أو أول الثانية خلاف) ش: لما ذكر أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر لزم قطعا حصول الاشتراك بينهما وقد اختلف في ذلك. قال في المقدمات: فذهب ابن حبيب إلى أنه لا اشتراك بينهما وأن آخر وقت الظهر عند تمام القامة الاولى، وأول وقت العصر عند ابتداء القامة الثانية بقدر ما يسلم من الظهر ويبدأ بالعصر دون فاصل بين الوقتين. قال: وقيل: إن مذهبه أن بين الوقتين فاصلة، فإن قلت: لا يصلح للظهر ولا للعصر في الاختيار وليس ذلك بصحيح عنه. قال: والمشهور في المذهب أن العصر مشاركة للظهر في وقت الاختيار


[ 21 ]

وذلك بين في حديث إمامة جبريل أنه صلى بالنبي (ص) الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الاول. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا المذهب، هل العصر هي المشاركة للظهر في آخر القامة أو الظهر هي المشاركة للعصر في أول ابتداء القامة الثانية ؟ والاظهر أن العصر هي المشاركة للظهر في آخر القامة الاولى انتهى كلامه في المقدمات. وإذا قلنا: بالاشتراك بينهما على المشهور فذلك بمقدار ما يسع أحدهما، فلو أن مصليين صلى أحدهما الظهر والآخر العصر كانا مصليين في وقت الاختيار. وشهر ابن عطاء وابن راشد القول الذي استظهره ابن رشد وقدم المصنف أن الاشتراك في آخر القامة الاولى، وشهر سند وابن الحاجب القول بأن الاشتراك في أول القامة الثانية إلى هذين التشهيرين أشار بقوله: خلاف قال في التوضيح: ومنشأ الخلاف قوله في حديث جبريل: فصلى الظهر من الغد حين صار ظل كل شئ مثله هل معناه شرع أو فرغ وهو أقرب إلى حقيقة اللفظ انتهى. تنبيهات: الاول: عكس الشارح رحمه الله تعالى في شروحه الثلاثة النقل عن سند وابن راشد وابن عطاء الله فنسب لسند تشهير القول: بأن الاشتراك في آخر القامة الاولى، ونسب لابن راشد وابن عطاء تشهير القول: بأن ذلك في أول الثانية، والصواب ما ذكرته وهو الذي نقله المصنف في التوضيح. الثاني: حكى ابن الحاجب عن أشهب أن الاشتراك في آخر الاولى. قال في التوضيح: قال ابن راشد: لم أقف عليه في الامهات يعني لاشهب، والمنقول عن أشهب أنه قال في مدونته: إذ الظهر تشارك العصر في القامة الثانية في مقدار أربع ركعات، نعم يؤخذ من قوله في المجموعة إذا صلى العصر قبل القامة أجزأه انتهى. قال ابن فرحون: وصرح بذلك التونسي قال: الاشتراك إنما هو في آخر القامة الاولى، وفي النوادر قال أشهب في المجموعة: إن القامة وقت لهما وهذا يدل على صحة ما نقله المصنف. وقال أشهب في المجموعة: أرجو لمن صلى العصر قبل القامة والعشاء قبل مغيب الشفق أن يكون قد صلى وإن كان بغير عرفة انتهى. قلت: لعل هذا على القول بأن العصر تشارك الظهر في جميع وقتها بعد مضي أربع ركعات من الزوال كما حكاه في التوضيح ونصه: وفي المسألة قول آخر ذكره ابن يونس وغيره عن ابن القصار: إن وقت العصر بعد مضي قدر أربع ركعات من الزوال فيشترك في ذلك الظهر والعصر إلى أن يبقى قدر أربع ركعات قبل الغروب فيختص بالعصر. قال: وكذلك العشاء تشارك المغرب بعد مضي قدر ثلاث ركعات ثم لا تزال إلى أن يبقى أربع ركعات قبل الفجر فيختص ذلك بالعشاء انتهى. وقد ذكر ابن رشد في المقدمات في فصل الجمع عن أشهب نحوه. وقال: اتفق مالك وجميع أصحابه على إباحة الجمعه بين المشتركتي الوقت لعذر السفر والمرض والمطر في الجملة على اختلاف بينهم في ذلك على التفصيل، واختلفوا في إباحة الجمع بينهما لغير عذر فالمشهور أن ذلك لا يجوز. وقال أشهب: ذلك جائز على ظاهر حديث ابن


[ 22 ]

عباس وغيره انتهى. ونقله ابن فرحون. وقال في الطراز: من صلى العصر قبل القامة لا يجزئه على المشهور، وهو المعروف من قول جماعة الناس. وقال أشهب في المجموعة: أرجو لمن صلى العصر قبل القامة والعشاء قبل الشفق أن يكون قد صلى وإن كان لغير عذر، وقد يصليها المسافر عند رحلته والحاج بعرفة. وقال أشهب في الموازية: فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق: إنه يعيد أبدا. وهذا اختلاف قول، فوجه المذهب حديث جبريل وذكر توجيهات كثيرة ثم قال: ووجه الثاني ما تعلق به أشهب من أن صلاتها حينئذ حال العذر مكروهة وتقع مجزئة، ولولا أن فرضها قد توجه لما أجزأت بحال كالظهر قبل الزوال المغرب قبل الغروب انتهى. الثالث: هذا الاشتراك المذكور في هذا القول يجزئ على المشهور عند حصول العذر من سفر أو مرض أو مطر. قال في التوضيح في باب الجمع: الاشتراك عندنا على ضربين: اشتراك اختياري وهو ما تقدم في باب الاوقات أعني هل المشاركة بين الظهر والعصر في آخر وقت الظهر، واشتراك ضرورة وهو المذكور هنا في باب جمع المسافر وهو يدخل بعد مضي أربع ركعات بعد الزوال انتهى. قلت: ينبغي أن يقول بعد مضي ركعتين بعد الزوال لان المسافر يقصر الصلاة. قال في التلقين: لما ذكر أوقات الضرورة ما نصه: وبيان هذه الاوقات وهي أن ابتداء الزوال وقت للظهر مختص لا يشركها فيه العصر بوجه، ومنتهى هذا الاختصاص قدر أربع ركعات للحاضر وركعتين للمسافر، ثم يصير الوقت مشتركا بينهما إلى قدر أربع ركعات للحاضر وركعتين للمسافر فيزول الاشتراك ويختص الوقت بالعصر وتفوت الظهر حينئذ على كل وجه انتهى. هذا في الظهر والعصر، وأما العشاء فيدخل وقتها بعد مضي ثلاث ركعات بعد الغروب وسيأتي في باب الجمع أن ما قبل القامة الثانية وقت ضروري للعصر، وكذلك ما قبل الشفق وقت ضروري للعشاء. الرابع: يفهم من كلام ابن بشير المتقدم أنه لم يقل: بعدم الاشتراك إلا ابن حبيب وكذلك قال ابن الحاجب. وقال ابن حبيب: لا اشتراك. وأنكره ابن أبي زيد وليس كذلك وقد عزا اللخمي وصاحب الطراز القول: بعدم الاشتراك لابن المواز وابن الماجشون، ونقله ابن فرحون وابن ناجي عن اللخمي، وقال ابن ناجي: واختاره ابن العربي قائلا: تالله ما بينهما اشتراك ولقد زلت فيه أقدام العلماء. الخامس: قال ابن فرحون: واعلم أن ابن حبيب لم يصرح بنفي الاشتراك والذي نقل عنه في النوادر في وقت الظهر وآخره أن يصير ظلك مثلك فتتم الصلاة قبل تمام القامة. قال: وقول ابن حبيب هذا خلاف قول مالك الذي ذكرناه من المختصر أنه إذا صار الظل قامة كان وقت الظهر آخر وقته ووقت العصر أول وقته. واعلم أن هذا الذي ذكره ابن أبي زيد عن المختصر ذكر ابن حبيب في بيان تفسير الشفق والفجر والزوال. قال: وإذا كان الزائد قامة كان آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فتأمل ذلك. فظاهره القول: بالاشتراك، والذي ذكره في


[ 23 ]

باب أوقات الصلاة قال: في وقت الظهر وآخره إذا كان ظلك بعد فراغك منها تمام القامة، وأول وقت العصر تمام القامة. وما ذكره ابن أبي زيد عنه في قوله: فتتم الصلاة قبل تمام القامة لعله نقله من غير الواضحة والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن فرحون. ص: (وللمغرب غروب الشمس تقدر بفعلها بعد شروطها) ش: لما فرغ من بيان وقت العصر شرع يتكلم على بيان وقت صلاة المغرب، وسميت بذلك لكونها تقع عند الغروب، وتسمى صلاة الشاهد. واختلف في وجه تسميتها بذلك فقيل: لان المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الشاهد وهو الحاضر. قاله مالك في العتبية، نقله عنه في النوادر وعليه اقتصر في الرسالة، ونقضه الفاكهاني بالصبح. قلت: ولا يلزم ذلك لان وجه التسمية لا يلزم إطراد. وقيل: سميت بذلك لان نجما يطلع عند الغروب يسمى الشاهد. وذكر الجزولي في ذلك حديثا أنه (ص) ذكر العصر ثم قال: لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد. وذكر ابن ناجي عن التونسي أنه قال: الذي جاء في الحديث أن الشاهد النجم أولى بالصواب مما قاله مالك. وقيل: سميت بذلك لان من حضرها يصليها ولا ينتظر من غاب. وأما تسميتها عشاء فقد ورد النهي عنه في صحيح البخاري ونصه لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم المغرب قال: وتقول الاعراب هي العشاء. وقال في التنبيهات: ولا يقال لها عشاء لا لغة ولا شرعا. وقد جاء النهي في الصحيح عن تسميتها عشاء انتهى. لكن نقل ابن حجر في شرح البخاري عن ابن المنير المالكي أنه إنما كره ذلك للالتباس بالصلاة الاخرى فلا يكره أن تسمى بالعشاء الاولى قال: ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب العشاء الاولى ويحتاج إلى دليل خاص انتهى. قلت: وفهم من كلام ابن المنير أن النهي عن ذلك على سبيل الكراهة، وذكر الجزولي


[ 24 ]

عن ابن حاتم نحو ما تقدم عن التنبيهات أنها لا تسمى عشاء لا لغة ولا شرعا قال: لكن يرد عليه بالحديث إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤا بالعشاء قال: وهذا إنما هو في المغرب انتهى. قلت: هذا الحديث قال السخاوي في المقاصد الحسنة. قال العراقي في شرح الترمذي: لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ وأصل الحديث في المتفق عليه بلفظ إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء انتهى. قلت: هذا لفظ البخاري في كتاب الصلاة ولفظ مسلم في كتاب الصلاة أيضا إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء لكن ذكره ابن الاثير في النهاية باللفظ الذي ذكره الجزولي. وقال: العشاء بالفتح الطعام وأراد بالعشاء صلاة المغرب لانها وقت الافطار ولضيق وقتها انتهى. قلت: ولا يحتج لتسميتها عشاء بقوله في المدونة: ونومه راكبا قدر ما بين العشاءين طول، ووقع ذلك في عبارة المصنف وغيره من الفقهاء لان ذلك من باب التغليب. وقال ابن حجر في شرح البخاري: ولا يتناول النهي تسميتها عشاء على التغليب كما إذا قال: صليت العشاءين انتهى. ولا خلاف أن أول وقتها غروب الشمس وأجمعت الامة على أنه لا يجوز فعلها قبل الغروب بحال. والمراد بالغروب غروب قرص الشمس جميعه بحيث لا يرى منه شئ لا من سهل ولا من جبل، فإنها قد تغيب عمن في الارض وترى من رؤوس الجبال. قال سند: الغروب أن تغرب آخر دور الشمس في العين الحمئة ويقبل سواد الليل من المشرق انتهى. وهذا يشير إلى ما تقدم أن الغروب الشرعي هو غروب جميع قرص الشمس، والغروب عند أهل الميقات غروب مركز الشمس، وتقدم أن الشرعي يحصل بعد الفلكي بنحو نصف درجة، ولا بد من تمكين بعد ذلك حتى يتحقق الوقت بإقباله ظلمة الليل من المشرق كما تقدم. وقال ابن بشير: ووقت المغرب إذا غاب قرص الشمس بموضع لا جبال فيه، فأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق فإذا طلعت الظلمة كان دليلا على مغيب الشمس انتهى. وقال في الجواهر: والمراعى غيبوبة جرمها وقرصها دون أثرها وشعاعها. وقاله ابن الحاجب. قال ابن فرحون: ولا عبرة بمغيب قرصها عمن في الارض حتى تغيب عمن في رؤوس الجبال. والمعتمد في ذلك إنما هو إقبال ظلمة الليل من جهة المشرق لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا أقبل الليل من


[ 25 ]

هاهنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم ولا عبرة بأثرها وهي الحمرة فإن ذلك يتأخر انتهى. فلا يضر بقاء شعاعها في الجدارات خلافا للماوردي من الشافعية فإنه اشتراط سقوطه وهو الضوء المستعلي كالمتصل بها. قال الدميري: والاجماع منعقد على خلاف دعواه. ص: (تقدر بفعلها بعد شروطها) ش: يعني أو وقت المغرب غير ممتد بل يقدر بما يسع فعلها بعد شروطها. واختلف هل وقتها متحدا أو ممتد إلى غروب الشفق الاحمر ؟ روايتان: قال ابن الحاجب: رواية الاتحاد أشهر. قال في التوضيح قال في الاستذكار: الاتحاد هو المشهور انتهى. وقال صاحب الطراز: إنه ظاهر المدونة ورواه البغداديون عن مالك. وقال في الجواهر: إنه رواية ابن عبد الحكم، وقول ابن المواز وعزاه ابن عرفة للمشهور، ودليله ما في حديث إمامة جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي (ص) به المغرب في اليومين في وقت واحد. والرواية الاخرى أن وقتها ممتد وهي مذهبه في الموطأ قال فيها: إذا ذهبت الحمرة فقد وجبت العشاء وخرجت من وقت المغرب. قال في الطراز: وكذلك قال أشهب في مدونته: يجوز لمن كان في الحضر أن يؤخر المغرب إلى أن يغيب الشفق ثم يصليها، وآخر يصلي العشاء إذا غاب الشفق فيكون وقتا مشتركا بينهما كما يشترك الظهر والعصر في أول القامة الثانية. وهذا اختيار الباجي، وقد وقع في المدونة ما يتضمن ذلك في الذي يخرج من قرية يريد قرية أخرى وهو غير مسافر وعلى غير وضوء فتغيب الشمس ولا ماء معه قال: إن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق لم يتيمم وأخر الصلاة، وإن لم يطمع به تيمم، وعلى هذا المذهب أكثر الناس. وفي صحيح مسلم وقت المغرب إلى أن تغيب حمرة الشفق وفي البخاري إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب فهذا يقتضي أن وقتها متسع ولانها يجمع بينها وبين العشاء وهذه أمارة اتصال وقتيهما كالظهر والعصر، وما لا يتصل وقتاهما لا يجمع بينهما كالعصر والمغرب والصبح والظهر انتهى باختصار. ودليل هذا القول ما وقع في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي في حديث السائل عن وقت الصلاة إنه صلاها في الاول حين غاب الشمس، وفي الثاني عند سقوط الشفق.


[ 26 ]

وفي رواية قبل أن يغيب الشفق وفي رواية للنسائي حين غاب الشفق. وفي صحيح مسلم إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، وفي رواية ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق. وقوله ثور الشفق بالثاء المثلثة أي ثورانه وانتشاره. وفي رواية أبي داود فور بالفاء وهو بمعناه. ولفظ المدونة: والمغرب إذا غابت الشمس للمقيمين، وأما المسافرون فلا بأس أن يمدوا الميل ونحوه ثم ينزلون ويصلون. فأخذ بعض الشيوخ من هذا أن وقتها ممتد، وأخذ أيضا من مسألة المتيمم التي ذكرناها وأخذ أيضا من تأخيرها للجمع ليلة المطر. ومن قوله في المدونة في الجمع بين جلمغرب والعشاء للمسافر: ويجمع بين العشاءين بمقدار ما تكون المغرب في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، والعشاء في أول وقتها بعد مغيب الشفق، فهذه أربع مواضع من المدونة أخذ منها أن وقتها ممتد. ورد الاخذ من المسألة الاولى بأن التأخير للمسافر من باب الاعذار والرخص كالقصر والفطر وهو خارج من هذا الباب قاله في التلقين. قلت: ونحوه للشيخ أبي الحسن الصغير قال: وكذلك التأخير ليلة الجمع إنما هو للعذر، ونقله عنه ابن ناجي وقال: الصواب أن الاقامة من هنا واضحة يعني مسألة المسافر انتهى. قلت: وأما مسألة التيمم فالاخذ منها قولي: لانه يجوز تأخير الصلاة عن وقتها المختار لاجل إدراك الماء ويصلي بالتيمم إذا خيف خروج الوقت المختار، اللهم إلا أن يقال: إنما أجاز تأخيرها للشفق مراعاة للخلاف لقوة القول: بالامتداد فتأمله والله أعلم. وقال ابن العربي في عارضته: إن القول بالامتداد هو الصحيح. وقال في أحكامه: إنه هو المشهور من مذهب مالك. وقوله: الذي في موطئه الذي قرأه طول عمره وأملاه حياته انتهى. وقال الرجراجي: إنه المشهور. وهو ظاهر قول مالك في الموطأ أو المدونة، وذكر لفظ الموطأ السابق وذكر مسألة التيمم المتقدمة، وذكر من المدونة أيضا في كتاب الجنائز: إنه لا يصلي على الجنائز إذا اصفرت الشمس فإذا غربت فإن شاء بدأ بالجنازة أو بالمغرب. وقوله في كتاب الحج: إنه إذا طاف بعد العصر لا يركع حتى تغرب الشمس فإذا غربت الشمس فهو مخير إن شاء بدأ بالمغرب أو بركعتي الطواف. قال في التوضيح: وعلى الاتحاد قال صاحب التلقين وابن شاس: يقدر آخره بالفراغ منها. وكذلك قال ابن راشد: ظاهر المذهب أنه قدر ما توقع فيه بعد الاذان والاقامة. ولبعض الشافعية يراعى مقدار الطهارة والستر، واقتصر مصنف الارشاد على هذا الذي نسبه ابن راشد لبعض الشافعية فقال: مقدر بفعلها بعد تحصيل شروطها، وقال ابن عطاء الله: معنى الاتحاد - والله أعلم - قدر ما يتوضأ ويؤذن ويقيم. خليل: وقول من قال باعتبار الطهارة هو الظاهر لقولهم: إن المغرب تقديمها أفضل مع أنهم يقولون: إن وقت المغرب واحد ولا يمكن فهمه على معنى أن تقديم الشروط قبل دخول الوقت أفضل من تأخيرها بعده والله أعلم انتهى.


[ 27 ]

قلت: وما ذكر عن ابن راشد أنه نسبه لبعض الشافعية وأن صاحب الارشاد اقتصر عليه صرح به القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة ونسبه لمالك ونصه: واختلف في آخر وقتها على أربعة أقوال: الاول: وقتها مقدر بفعل الطهارة ولبس الثياب والاذان والاقامة وثلاث ركعات، قاله مالك والشافعي في أحد قوليهما. الثاني: آخر وقتها بمقدار الوقت الاول من سائر الصلوات، قاله بعض أصحاب الشافعي وأشار إليه في المدونة حين قال: لا بأس للمسافر أن يمد الميل ونحوه. الثالث: آخر: وقتها إذا غاب الشفق، قاله في الموطأ وهو الصحيح. الرابع: آخر وقتها بمقدار ثلاث ركعات بعد الشفق قاله أشهب انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون آخر وقتها آخر ما يسعها بغسلها أو بما لم يغب الشفق، ثالثها ما يسعها بعد مغيبه وهو أول وقت العشاء فيشتركان، الاول المشهور، والثاني لابن مسلمة، وأخذه أبو عمرو اللخمي والمازري وابن رشد من قول الموطأ: إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء. وأخذه الباجي وابن العربي من المدونة، والثالث حكاه اللخمي وابن العربي عن أشهب ولم يحك الباجي في الامتداد غيره، واعتبار ما يسعها بغسلها لازم لوجوبه وعدمه قبل وقتها، وإجماعهم على امتناع التكليف بوقت ما لا يسعه وبه يفهم قول المازري: فاعلها، إثر الغروب والمتواني قليلا كلاهما أداها في وقتها. ورواه ابن العربي مصرحا باعتبار قدر الاذان والاقامة ولبس الثياب معه انتهى بلفظه الاغر. والاقوال للبيان. وقوله: وعدمه قبل وقتها يعني عدم وجوب الغسل لها قبل وقتها، فتحصل من هذا أنه على القول: بالاتحاد لا بد من اعتبار قدر ما يسع الغسل والوضوء ولبس الثياب والاذان والاقامة وثلاث ركعات في حق كل مصل، فمن كان محصلا لهذه الامور فالافضل له تقديمها إثر الغروب، ولو توانى بها قليلا مع تحصيله لشروطها إلى مقدار ما يسع هذه الامور لم يأثم وكان مؤديا لها في وقتها المختار، ومن لم يكن محصلا للشروط فأمره ظاهر. قلت: ينبغي أن يزاد مع اعتبار ما تقدم قدر ما لا يسع الاستبراء المعتاد فإنه واجب أيضا، والقول الثاني الذي ذكره ابن العربي في العارضة عن بعض الشافعية ذكره صاحب الطراز فإنه قال: إذا قلنا بالاتحاد فما حده ؟ اختلف فيه أصحاب الشافعي على وجهين، فذكر القول باعتبار الطهارة واللبس والاذان والاقامة وثلاث ركعات ثم قال: وقال بعضهم: جميع وقتها بمنزلة أول الوقت مع كل صلاة من غير حد انتهى. وقال في الذخيرة. إذا قلنا: بعدم الامتداد فيما حده ؟ فعندنا ما تقدم وللشافعية قولان: أحدهما: اعتبار ما تقدم وثانيهما: أنه غير محدود والله أعلم. والذي قدمه أن وقتها من غروب قرص الشمس إلى حين الفراغ منها للمقيمين ويمد المسافر الميل ونحوه، وكلامه يوهم عدم اعتبار الطهارة وليس كذلك.


[ 28 ]

تنبيهات: الاول: تقدم عن صاحب الطراز أن رواية الاتحاد هي ظاهر المدونة وهو ظاهر بالنسبة إلى المقيم دون المسافر قال فيها: والمغرب إذا غابت الشمس، وأما المسافر فلا بأس أن يمد الميل ونحوه انتهى. الثاني: قال في الطراز بعد أن ذكر القولين المتقدمين للشافعية: وهو الذي قلنا في وقت الافتتاح، أمج وقت استمدادها فاتفقوا على جواز استدامتها إلى مغيب الشفق، في الموطأ أن النبي (ص) قرأ في المغرب والطور وأنه قرأ فيها والمرسلات وهذا مما يقوي القول بأن وقتها في الاختيار إلى مغيب الشفق فإنه لا يجوز تطويل القراءة إلى ما بعد الشفق إجماعا، ويجوز ما دام الشفق فلو لم يكن ذلك وقتا لها في الاختيار لما جاز كما بعد الشفق انتهى. ومقتضى كلامه أن هذا الكلام للشافعية وأنه موافق للمذهب أعني أن الوقت المذكور إنما هو في الدخول فيها، وأما امتدادها فيجوز إلى مغيب الشفق ونقله عنه في الذخيرة كما ذكرنا، ونقله التلمساني في شرح الجلاب على وجه يقتضي أنه من كلام أهل المذهب فإنه قال: فرع: إذا قلنا: إن المغرب ليس لها إلا وقت واحد فما حده ؟ اختلف أصحاب الشافعي على وجهين، وذكر ما تقدم عنهم ثم قال: وقال عبد الوهاب: هو وقت مضيق غير مقدر بالفراع منها في حق كل مكلف. قال سند: أما وقت الافتتاح فإنه مضيق، وأما استدامتها فاتفقوا على جواز استدامتها إلى مغيب الشفق، ثم ذكر بقية كلامه. وكذلك نقله ابن راشد في شرح ابن الحاجب فتأمله. ويفهم من كلام صاحب الطراز أنه لا يجوز التطويل في قراءة غيرها من الصلوات حتى يخرج وقتها المختار، غير أن في كلامه أن ذلك لا يجوز إجماعا وحكى الشافعية في ذلك خلافا. الثالث: الظاهر أن المراد بقولهم: ما يسع الغسل والوضوء أي المعتادين في حق غالب الناس فلا يعتبر تطويل الموسوس ولا تخفيف النادر من الناس، ولا يقال: إن ما يسع الوضوء والغسل والاستبراء يختلف باختلاف الناس، فمن كانت عادته التطويل في ذلك وأخرها عن القدر الذي يسع ذلك في غالب الناس حكمنا بأنه صلاها بعد خروج الوقت، لكن يبقى النظر فيمن عادته التطويل في الاستبراء ولا ينقطع عنه البول بسرعة وبال بعد الغروب وعلم أنه لا ينقطع استبراؤه حتى يخرج الوقت المختار، فكيف يفعل ؟ وكذلك من عادته التطويل في الغسل في الوضوء فهل يؤخرها، ولو أدى ذلك إلى خروج الوقت المقدر المذكور ؟ وهل يقال: إنهم أوقعوها بعد وقتها المختار أو أن وقتها مقدر بفعلها بعد تحصيل شروطها، وذلك يختلف بحسب كل مكلف ؟ وقد يؤخذ هذا من قوله في الجواهر على الرواية الاخرى: وقتها واحد مضيق غير ممتد مقدر آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف انتهى. وهذا ينبني على مسألة أخرى وهو من بال وكانت عادته أن استبراءه لا ينقطع إلا بعد طول بحيث يخرج الوقت المختار أو الضروري كيف يفعل ؟ فهل يؤمر بالوضوء والصلاة مع وجوده ويصير ذلك كالسلس، أو يؤخر الصلاة حتى ينقطع البول ؟ وهل الاولى له إذا كان محصورا وخاف أن يقع فيما ذكرناه أن يصلي


[ 29 ]

على تلك الحال من مدافعة الاخبثين، أو يزيل عنه الضرورة ؟ فإن وقع فيما ذكرناه فإنهم قالوا: في الرعاف والنجاسة إذا خاف خروج الوقت يصلي بالنجاسة، وقالوا: إذا خاف خروج الوقت باشتغاله بالوضوء أو الغسل تيمم، ولم أقف على حكم في هذه المسألة لان الفرض أنه على غير وجه السلس، أما لو كان ذلك على وجه السلس فإنه يتوضأ ويصلي إن كان ذلك ملازما له في أكثر الاوقات، أو تساوت ملازمته وانقطاعه، وإن كان انقطاعه أكثر فهو ناقض على المشهور خلافا للعراقيين والله تعالى أعلم. وسئل عنها شيخ المالكية بالديار المصرية الشيخ ناصر الدين اللقاني أدام الله النفع بعلومه فأجاب بأنه يؤخر الصلاة حتى ينقطع بوله ولو أدى لخروج الصلاة عن وقتها الاختياري والضروري ولا يصليها مع وجود البول لانه ناقض للوضوء مناف له، وكذلك الشغل بالاخبثين عن فرض في وجوب التأخير، ولو خرج الوقت المذكور ولا يصلي معها في الوقت لانها مبطلة للصلاة موجبة لاعادتها أبدا. نعم إذا كانت غير مشغلة عن فرض وجب فعلها في الوقت لا يجوز التأخير عنه لان الفعل في الوقت الاختياري واجب فلا يترك لتحصيل مندوب، هذا ما ظهر من أصول المذهب انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر عندي والله أعلم. الرابع: قال في الطراز: إذا قلنا: إن لها وقتين فهل تشترك مع العشاء أو لا ؟ وإذا قلنا: بالاشتراك فهل قبل مغيب الشفق بقدر العشاء أو بعده بقدر المغرب ؟ وهل يجزئ تقديم العشاء من غير عذر ؟ وهل يأثم بتأخير المغرب إلى ما بعد مغيب الشفق من غير عذر ؟ كل هذا يختلف فيه على قضية، واختلف فيه من الظهر والعصر انتهى، ونقله في الذخيرة وقبله. فأما ما ذكره من الخلاف في الاشتراك وعدمه فيظهر من كلام ابن العربي المتقدم ومن كلام ابن عرفة المتقدم، ونحوه اللخمي، لكن ليس القائل: بعدم الاشتراك في الظهر والعصر هو القول هنا لان القائل: بعدم الاشتراك في الظهر والعصر لابن حبيب وعبد الملك وابن المواز وابن حبيب، ويقولان: إن وقت المغرب متحد فلا يصح أن ينسب إليهما القول: بعدم الاشتراك لانا إنما فرعنا على القول بامتداد الوقت، وأما ما ذكره من كون الخلاف إذا قلنا: بالاشتراك هل هو قبل العشاء أو بعده ؟ فالظاهر أنه موجود، فقد تقدم عن أشهب أن المغرب تشارك العشاء بعد مغيب الشفق. ونقل ابن الحاجب عنه أن الاشتراك قبل مغيب الشفق. قال في التوضيح: لعل له قولين قال: ولم يبين المصنف يغني ابن الحاجب بماذا يقع الاشتراك، والظاهر أنه بأربع ركعات قبل الشفق انتهى. قلت: تقدم في كلام سند التصريح بذلك، وأما تقديم العشاء قبل مغيب الشفق فقد تقدم أنها لا تجزئ على المشهور، وأما هل يأثم بالتأخير فسيأتي في كلام المصنف أنه يأثم والله تعالى أعلم. ص: (وللعشاء من غروب حمرة الشفق للثلث الاول) ش: لما فرغ من بيان


[ 30 ]

وقت صلاة المغرب شرع يبين وقت صلاة العشاء، ورد تسميتها بذلك في القرآن. قال في التنبيهات: سميت بذلك من الظلام. والعشاء بكسر العين ممدودا أول الظلام. وقال ابن العربي في العارضة: العشاء بكسر العين هو أول الظلام وذلك من المغرب إلى العتمة، والعشاء بفتحها طعام ذلك الوقت، والعشاءان المغرب والعتمة انتهى. وقال الجزولي: كان يمر بنا في المجالس أنها مشتقة من العشي وهو ضعف البصر لان البصر يضعف حينئذ. قال في التنبيهات: وجاء اسمها في الحديث العتمة بقوله: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا وجاء النهي عن تسميتها عتمة وسميت بذلك عن عتمة الليل وهي ثلثه وأصله تأخيرها يقال: أعتم القوم إذا ساروا حينئذ والعتمة الابطاء انتهى. قال في الصحاح: العتمة وقت صلاة العشاء. قال الخليل: العتمة هو الثلث الاول من الليل بعد غيبوبة الشفق، وقد عتم الليل يعتم كضرب يضرب وعتمته ظلامه انتهى. وقال ابن حجر: العتمة ظلمة الليل وتنتهي إلى الثلث الاول، وأطلقت على صلاة العشاء لانها توقع فيها انتهى. والنهي عن تسميتها عتمة هو ما رواه مسلم لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم إلا أنها في كتاب الله العشاء وهم يعتمون بالابل بفتح أوله وضمه وفي رواية بحلاب الابل ومعناه أنهم يسمونها العتمة لكونها يعتمون بحلاب الابل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: واختلف في تسميتها بالعتمة على ثلاثة أقوال: فقيل إن ذلك جائز والعشاء أحسن وهو قول الرسالة. وقيل: يكره تسميتها بالعتمة قاله في سماع ابن القاسم قال: أكره تسميتها بالعتمة واستحب تعليم الاهل والولد تسميتها العشاء وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها العشاء بالعتمة. وقيل: يحرم تسميتها بها وهو نقل ابن رشد عن كتاب ابن مزين: من قال فيها عتمة كتبت عليه سيئة انتهى. وهذه الاقوال أخذها من كلام ابن عرفة فإنه قال: وسمع ابن القاسم أكره تسميتها العتمة وأستحب تعليم الاهل والولد تسميتها العشاء، وأرجو سعة تكليم من لا يفهم العشاء بالعتمة. ابن رشد: من قال فيهما عتمة كتبت عليه سيئة. قال ابن عرفة: قلت: فتكون حراما. وقول الشيخ وتسميتها العشاء أولى خلافهما انتهى. قلت: وهذه المسألة في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، لكن لم يصرح فيها بلفظ الكراهة كما ذكر ابن عرفة لفظه: سئل مالك عن قول الرجل في صلاة العشاء العتمة. قال م ما قال الله * (من بعد صلاة العشاء) *


[ 31 ]

ثم ذكر بقية الرواية، لكن عبر ابن رشد عن هذا بالكراهة وقال في شرح هذه المسألة: وجه كراهية مالك أن تسمى العشاء عتمة إلا عند الضرورة ما روي عن النبي (ص) لا تغلبنكم الاعراب بقية الحديث والله أعلم. فرع: وأم وصفها بالآخرة في قولهم: صلاة العشاء الآخرة فجائز وقع ذلك في كلام مالك في إلمدونة وغيرها وفي كلام غيره، وورد ذلك في الصحيحين ففي البخاري في باب ذكر العشاء والعتمة عن أنس قال: أخر النبي (ص) العشاء الآخرة، وفي صحيج مسلم في باب خروج النساء قال رسول الله (ص) أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة وقال النووي: فيه دليل على جواز قول: الانسان العشاء الآخرة، وأما ما نقل عن الاصمعي أنه قال: من المحال قول: العامة العشاء الآخرة لانه ليس لنا إلا عشاء واحدة، فلا توصف بالآخرة، فهذا القول غلط لهذا الحديث، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جماعات من الصحابة وصفها وألفاظهم بهذا مشهورة انتهى. وكرر ذلك في باب القراءة في العشاء وفي باب وقت العشاء وقال: فيه دليل على وصفها بالآخرة وأنه لا كراهية فيه خلافا لما حكي عن الاصمعي من كراهيته والله أعلم. واختلف في أول وقتها، فالمعروف من المذهب أن أول وقتها مغيب الشفق الاحمر كما قال المصنف: من غروب حمرة الشفق وعليه أكثر العلماء، وأخذ اللخمي وابن العربي قولا لمالك: إنه البياض من قول ابن شعبان أكثر أجوبته في الشفق أنه الحمرة، ورد المازري الاخذ باحتمال أن ابن شعبان أراد ما وقع في سماع ابن القاسم عن مالك أرجو أن تكون الحمرة والبياض أبين، فيمكن أن يكون ابن شعبان لما رأى هذا فيه تردد وما سواه لا تردد فيه إشارة إلى أن أكثر أقواله: إنه الحمرة دون تردد فلا يقطع بصحة ما فهمه اللخمي وابن العربي، وما قاله المازري ظاهر. قال ابن ناجي: ونقل ابن هارون في شرحه على التهذيب عن ابن القاسم اعتبار البياض كأبي حنيفة ولا أعرفه. قال عياض: والقول بالبياض عندي أبين للخروج من خلاف أهل اللسان والفقه، واحتج بعض الشيوخ للمشهور بوجهين: الاول: أن الغوارب ثلاثة: الشمس والشفقان، والطوالع ثلاثة: الفجران والشمس. والحكم يتعلق بالوسط مع الطوالع فكذلك يتعلق بالوسط من الغوارب. الثاني: روي عن الخليل بن أحمد دنه قال: راقبت البياض فوجدته يبقى إلى ثلث الليل. وفي مختصر ما ليس في المختصر إلى نصف الليل، فلو رتب الحكم لزم تأخير العشاء إلى نصف الليل أو آخره انتهى. وقال سند: وجه المذهب ما في حديث جبريل وغيره أنه صلى العشاء حين غاب الشفق. وهذا الاسم مختص في الاستعمال بالحمرة. قال صاحب


[ 32 ]

العين: قال الفراء: نظر أعرابي إلى ثوب أحمر فقال: كأنه شفق ومنه صبغت ثوبي شفقا. وكذلك قال المفسرون في قوله تعالى: * (فلا أقسم بالشفق) * أنه الحمرة. وفي الموطأ عن ابن عمر: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق فقد وجبت الصلاة انتهى. تنبيه: قال في الطراز: لا يختلف أن مبتدأ وقت العشاء الاختياري لا يكون قبل مغيب الشفق الذي هو الحمرة انتهى. فاعترضه بعض الناس بأنه قد نقل عن أشهب أن من صلى العشاء قبل مغيب الشفق أنها تجزئه. قلت: ليس في هذا ما يخالف كلامه لان أشهب لا يقول ذلك وقت مختار يجوز إيقاعها فيه ابتداء وإنما قال: أرجو أنه يجزئه فتأمله والله أعلم. وقال في الطراز: ولا تختلف الامة أن وقتها الاختياري ممتد، واختلف في منتهاه، فمشهور المذهب أنه إلى ثلث الليل كما جاء في حديث عمر، وهذا قول مالك وابن القاسم وأشهب. وقال ابن حبيب وابن المواز: إلى نصف الليل وقد وردت الاحاديث بما يدل لكل واحد من القولين. ص: (وللصبح من الفجر الصادق للاسفار الاعلى وهي الوسطى) ش: لما فرغ من بيان وقت العشاء شرع يبين وقت صلاة الصبح، ولها أسماء منها: صلاة الصبح لوجوبها حينئذ، والصبح والصباح أول النهار. وقيل: هو مأخوذ من الحمرة التي فيه كصباحة الوجه مأخوذ من الحمرة التي فيه، وتسمى صلاة الفجر لوجوبها عند ظهوره. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وتسمى صلاة الغداة والغداة أول النهار. وقال ابن العربي في العارضة: وذكر الدميري عن الشافعي أنه قال: لا أحب أن تسمى الغداة، وقاله المحققون. وقال الطبري والشيخ أبو إسحاق: يكره أن تسمى الغداة. قال النووي: وما قاله غريب والصواب أنه لا يكره. وتسمى صلاة التنوير وقرآن الفجر انتهى. وقد يسقط لفظ الصلاة فتسمى الصبح والفجر والغداة. وتسمى الصلاة الوسطى لان الظهر والعصر مشتركتان يقصران ويجمعان، والمغرب والعشاء كذلك والصبح مستقلة بنفسها. وقيل: لان الظهر والعصر نهاريتان، والمغرب والعشاء ليليتان، ووقت الصبح مستقل لا من الليل ولا من النهار. وقاله ابن ناجي: وقال الجزولي: اختلف في وقتها وقيل: من الليل لانه يجهر فيها، وقيل: من النهار لانه يحرم الاكل فيه على


[ 33 ]

الصائم، وقيل: لا من الليل ولا من النهار. وقال في الطراز: مما يتكلم أهل العلم فيه هل صلاة الصبح من صلاة النهار أم لا ؟ فمن قائل إنها من صلاة النهار. ويحكى عن الاعمش أنها من صلاة الليل وأن ما قبل طلوع الشمس يحل فيه الطعام والشراب للصائم. نقل ذلك ابن الصباغ في شامله وهو بعيد عن قول الله تعالى: * (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر) * وقد ظهر تحريم الاكل بطلوع الفجر عند الخاص والعام وفي كل عصر ومصر، فإن احتج لهذا المذهب المنكر بقوله تعالى: * (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * وآية النهار الشمس، وبقوله (ص) صلاة النهار عجماء فنقول: لا حجة في الآية لانها تقتضي أن الشمس آية النهار وهل له آية أخرى ما تعرضت الآية لذلك بنفي ولا إثبات. ويقال: الفجر حاجب الشمس، فقال الدارقطني: فيه لم يرو هذا عن رسول الله (ص). وإنما هو من قول الفقهاء على أن مقصوده معظم النهار، ألا ترى أن صلاة الجمع والعيدين غير عجماء ؟ وذكر استدلالا آخر من كلام العرب وأطال في ذلك، ثم ذكر لما تكلم على الاحتجاج أن الصلاة الوسطى هي الصبح فقال: أما إن راعينا الوسط من حيث الوقت فالصبح أولى بذلك لانها مقتطعة عما قبلها وعما بعدها لا يشارك وقتها وقت صلاة بخلاف سائر الصلوات حتى قال قوم: إن وقتها ليس من الليل ولا من النهار انتهى. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: قد ذكرنا أن صلاة الفجر تجب بطلوع الفجر الثاني وهو ابتداء النهار وأن ذلك الوقت يحرم الطعام والشراب على الصائم، وهذا قولنا وقول كافة الفقهاء. وحكي عن قوم أن أول النهار من طلوع الشمس وأن صلاة الصبح من صلاة الليل وعن آخرين أنها من صلاة اليوم وليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار، وكل ذلك باطل غير صحيح. والذي يدل على صحة قولنا وفساد ما خالفه أن الله ذكر الليل والنهار ولم يذكر وقتا ثالثا، فوجب أن لا ينفك العالم منهما فإذا بطل أن تكون من صلاة الليل ثبت أن تكون من صلاة النهار، ويدل عليه قوله: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * ولا خلاف أن المراد بأحد الطرفين الصبح فثبت أنها من صلاة النهار، ويدل عليه قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض) * قال ابن عباس: الخيط الابيض هو الصبح المنفلق، والخيط الاسود هو سواد الليل. فدل على أنه لا واسطة بينهما انتهى. وكلام اللخمي في أوقات النوافل يقتضي أن النهار من طلوع الشمس فتأمله. ولا خلاف أن أول وقتها طلوع الفجر الصادق وهو الضياء المعترض في الافق، ويقال له الفجر المستطير بالراء - أي المنتشر الشائع. قال الله تعالى: * (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * وقال في الطراز: الفجر المستطير شبه بالطائر يفتح جناحيه وهو الفجر الثاني، وأما الفجر الاول فيقال له: المستطيل - باللام - لانه يصعد في كبد السماء. قال في الطراز: كهيئة الطيلسان ويشبه ذنب السرحان. بكسر السين المهملة. وهو الذئب والاسد


[ 34 ]

فإن لونه مظلم وباطن ذنبه أبيض. وشبهه الشعراء مع الليل بالثوب الاسود الذي جيبه في صدره إذا شق جيبه وبرز الصدر. ويقال الكاذب والكذاب لانه يغر من لا يعرفه، وتسميه العرب المحلف كأن حالفا يحلف لطلع الفجر وآخر يحلف أنه لم يطلع. قال في الذخيرة: وكثير من الفقهاء لا يعرف حقيقة هذا الفجر ويعتقد أنه عام الوجود في سائر الازمنة، وهو خاص ببعض الشتاء. وسبب ذلك أنه المجرة فمتى كان الفجر بالبلدة ونحوها طلعت المجرة قبل الفجر وهي بيضاء فيعتقد أنها الفجر، فإذا باينت الافق ظهر من تحتها الظلام ثم يطلع الفجر بعد ذلك، وأما في غير الشتاء فتطلع المجرة أول الليل أو نصفه فلا يطلع آخر الليل إلا الفجر الحقيقي انتهى. ونازعه غيره في ذلك وقال: إنه مستمر في جميع الازمنة وهو الظاهر، ولا شك أن ذلك الوقت من الليل فلا يحرم فيه الاكل ومن صلى الصبح فيه لم تجزه بلا خلاف. واختلف في آخر وقتها فذكر ابن عرفة في ذلك طريقين: الاولى: للقاضي عبد الوهاب والمازري أنه طلوع الشمس. قال ابن العربي: ولا يصح غيره. الثانية: للاكثر وأبي عمر بن عبد البر أنه اختلف فيه على قولين: فقيل: للاسفار الاعلى، وقيل: طلوع الشمس، والاول رواية ابن القاسم، والثاني رواية ابن وهب مع قول: الاكثر. ومقتضى كلام ابن الحاجب أن الثاني هو المشهور لتصديره به وعطفه الاول عليه بقيل قال في التوضيح: وليس كذلك بل ما صدر به قول ابن حبيب ومذهب المدونة الاسفار. قال ابن عطاء الله: أي الاعلى وهو قوله في المختصر. قال ابن عبد السلام: وهو المشهور. نعم يوافق كلام ابن الحاجب ما قاله ابن العربي: الصحيح عن مالك أن وقتها الاختياري إلى طلوع الشمس. قال: وما روي عنه خلافه لا يصح. قال ابن عطاء الله بعد كلامه: إن كان ثم وجه يلجأ إلى تأويل كلام المدونة والمختصر وإلا فلا يمكن أن يقال في نقل المدونة: لا يصح انتهى. تنبيهات: الاول: اختلف في تفسير الاسفار ففسره ابن العربي بما تتبين به الاشياء وتتراءى به الوجوه، ونقله عبد الحق عن بعض المتأخرين وفسره الشيخ أبو محمد بما إذا تمت الصلاة بدأ حاجب الشمس، وقاله عبد الحق. وقال في التنبيهات: الاسفار البيان والكشف وهو يقع أولا على انصداع الفجر وبيانه، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: أسفروا بالفجر فأنه أعظم للاجر أي صلوها عند استبانة الصبح والاول ظهوره لكم. والاسفار الثاني هو قوة الحمرة والضياء قبل طلوع الشمس وذلك آخر وقتها الذي ليس بعده إلا ظهور قرص الشمس، وقد اختلف هل هو وقت أدائها أو وقت ضرورة ؟ انتهى.


[ 35 ]

الثاني: قال الشيخ في الرسالة: وآخر وقتها الاسفار البين الذي إذا سلم منها بدأ حاجب الشمس. قال ابن الحاجب بعد ذكره القولين: في آخر وقتها المختار. وتفسير ابن أبي زيد يرجع بهما إلى وفاق. قال في التوضيح: فيه نظر لان الذي جعله ابن أبي زيد آخر الوقت إسفار مقيد وهو الاسفار البين، والاسفار في القول الثاني مقيد بالاعلى. قال عبد الحق قال بعض المتأخرين: قوله في المدونة: آخر وقتها إذا أسفر يريد بذلك ترائي الوجوه لا على ما قال ابن حبيب: إنه الذي إذا سلم منها بدأ حاجب الشمس انتهى. وقال ابن عرفة: وفي قول ابن الحاجب تفسير أبي محمد إياه ابن الحاجب أنه الذي إذا سلم منها بدأ حاجب الشمس، يرجع بهما إلى وفاق نظر لاحتمال تفسيذه بتقديره الصلاة لا يجوز فعلها وكون الآخر ما بعد التمام به التمام كتحديدهم إياه بطلوع الشمس، بل الراجح بهما إليه. نص الشيخ عن ابن حبيب: آخره الاسفار الذي إذا تمت الصلاة بدأ حاجب الشمس وسقط الوقت، لان قوله: سقط الوقت ينفي احتمال الامرين. انتهى فتأمل كلامه فإني لم أفهمه. وقال المشذالي في تفسير كلامه الاول أعني قوله لاحتمال تفسيره بتقدير الصلاة لا بجواز فعلها يعني أن ما قاله أبو محمد يحتمل أن يكون معناه أن آخر الوقت الاسفار البين، وما بعده إلى طلوع الشمس بيان الاسفار البين الذي ذكر بالتقدير المذكور لا أنه يجوز أن يفعل في ذلك المقدار اختيار، ولم يتعرض لبيان باقي كلامه ولعل ذلك لوضوحه عنده. ونقل ابن ناجي في شرح المدونة كلام ابن عرفة الاول بالمعنى فقال: قال بعض شيوخنا: فيما قاله نظر لاحتمال أن يكون قصده بقوله آخر وقتها الضروري الذي لا يجوز فعلها فيه، ولاحتمال كون الآخر ما بعد التمام لا ما به التمام الخ. فتأمله. وأما قوله: وهي الوسطى فأشار به إلى أن صلاة اصبح هي الصلاة الوسطى، وهذا قول مالك وهو المشهور، وهو قول علماء المدينة وقول علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وحكاه ابن المنذر عن عمر، وهو قول الشافعي الذي نص عليه ولكن قال أصحابه: قد قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي وقد صح الحديث أنها العصر فصار مذهبه أنها العصر. وقال ابن حبيب: هي العصر. وهو قول جماعة من الصحابة. وقيل: هي الظهر حكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت. وقيل: إنها المغرب قاله ابن قتيبة وقتادة. وقيل: هي العشاء ذكره أحمد بن علي النيسابوري. وقيل: هي الصلوات الخمس ذكره النقاش في تفسيره. وقيل: هي مبهمة في الصلوات الخمس ليجتهد في الجميع كما في ليلة القدر والساعة التي في يوم الجمعة قاله الربيع بن خيثم، وحكي عن ابن المسيب. وقيل: هما صلاتا الصبح والعصر. وعزاه الدمياطي للابهري من المالكية واختاره ابن أبي جمرة لقوله (ص): من صلى البردين وجبت له


[ 36 ]

الجنة وقوله (ص): فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها رواه البخاري. وقيل: إنها الجمعة حكاه الماوردي في تفسيره. وقيل: إنها العشاء والصبح. قال الدمياطي: ذكره ابن مقسم في تفسيره. وقيل: إنها صلاة الجماعة في جميع الصلوات حكاه الماوردي. وقيل: إنها صلاة الخوف حكاه الدمياطي وقال: حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم. وقيل: الاضحى. قال الدمياطي: حكاه لنا من وقف عليه في بعض الشروح المطولة: وقيل: صلاة عيد الفطر حكاه لنا أيضا من حكى صلاة الاضحى. وقيل: إنها الوتر واختاره أبو الحسن السخاوي. وقيل: إنها صلاة الضحى قال الدمياطي: ذاكرت فيها أحد شيوخي فقال: أظن أني وقفت على قول: إنها صلاة الضحى، فإن ثبت هذا فهذه سبعة عشر قولا ذكرها شرف الدين الدمياطي في كتابه المسمى كشف الغطافي تبيين الصلاة الوسطى، وذكر السبعة الاول منها صاحب الطراز وغيره، وذكر غيره شيئا من الاقوال الاخر، وذكر الجزولي قولا: إنها الصبح والظهر، وذكر الشيخ زروق أنها الصلاة على النبي (ص) ذكره عن شيخه أبي عبد الله القوري وقال: إنه خارج المذهب. وذكر الشيخ زروق قولا آخر: إنها العصر والعشاء فتصير الاقوال عشرين قولا. والوسطى تأنيث الوسط وهو يحتمل معنيين: أحدهما: المختار كما قوله تعالى: * (أمة وسطا) * وقوله: * (قال أوسطهم) * [ القلم: 28 ]. والثاني: التوسط بين شيئين وكلا الامرين موجود في الصبح، أما فضلها فعلوم، وأما كونها متوسطة بين شيئين فقد تقدم بيانه قريبا. تنبيه: قول الشيخ في الرسالة: فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة. قال ابن ناجي: يحتمل أن يكون أتى به مرتضيا له ومحتجا به على المخالف، ويحتمل أن يكون متبرئا منه. قال: وذكرت هذا في درس شيخنا أبي مهدي فخالفني جميع أصحابه وقالوا: إنما أتى بذلك ارتضاء واستدلالا. وقال الشيخ: الصواب عندي ما ذكره من أن ذلك محتمل والله تعالى أعلم. ص: (وإن مات وسط الوقت بلا أداء لم يعص إلا أن يظن الموت) ش: قد تقدم أن


[ 37 ]

جميع وقت الاختيار يجوز إيقاع الصلاة فيه، وأنه يجوز تأخير الصلاة إلى آخره، وأنه لا يشترط العزم على الاداء على الراجح. وذكر المصنف رحمه الله تعالى أن المكلف إذا أخر الصلاة عن أول وقتها ثم مات في أثنائه قبل خروجه وقبل أن يصليها فإنه ليس بعاص إذا لم يظن الموت أي لم يغلب على ظنه أن الموت يأتيه قبل خروج الوقت، لان التأخير جائز ولا إثم مع جواز الترك. لا يقال: شرط جواز الترك سلامة العاقبة إذ لا يمكن العلم بها فيؤدي إلى التكليف بالمحال وهذا بخلاف ما وقته العمر فإنه لو أخره ومات عصى وإلا لم يتحقق الوجوب، لان البقاء إلى سنة أخرى ليس بغالب على الظن، ولهذا قال الحنفية: لا يجوز تأخير الحج إلى سنة أخرى وهو أحد قولي المالكية. قلت: وفي هذا الاستثناء نظر، لان من عصاه ما أخر عنده مع ظن السلامة. والشافعي: الذي لم يعص الشاب لكونه أخر مع ظن السلامة انتهى. وعلم مما ذكرنا أن المراد بوسط الوقت هو ما بين أوله وآخره لا الوسط الحقيقي، ومفهوم الاستثناء أنه إذا ظن الموت وأخره فإنه يعصي وهو كذلك لانه إذا ظن الموت في جزء من الوقت تعين عليه الوقت ووجبت عليه المبادرة بالفعل، فإن أخر الفعل عصى، وسواء مات قبل الفعل أو عاش وفعله بعد ذلك. نعم اختلف العلماء فيما إذا لم يمت بعد أن يضيق عليه الوقت لظنه فأوقع الصلاة بعد الوقت المضيق ولكن وقتها باق فقال جمهور العلماء: إنها أداء. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنها قضاء. نقل القولين في ذلك ابن الحاجب في مختصره الاصلي وغيره، ووجه قول الجمهور ظاهر وهو أنها عبادة وقعت في وقتها المقدر لها شرعا وإن عصى هو بالتأخير كما لو اعتقد خروج الوقت فإنه يعصي بالتأخير، فإذا تبين أن الوقت باق فالصلاة أداء اتفاقا، ولا أثر للاعتقاد الذي تبين خطؤه حتى يقال: صار وقتا بحسب ظنه ما قبل ذلك فيكون قضاء لئلا يلزم من جعل ظن المكلف موجبا للعصيان بالتأخير أن يخرج ما هو وقت في نفس إلامر عن كونه وقتا. وللقاضي أن يفرق بأنه لا يلزم من إطلاق اسم القضاء على ما ذكره إطلاقه على ما ذكره، ثم لان الاول أخره عن الوقت المظنون في الوقت المشروع، والآخر أخره عن الوقت المظنون قبل الوقت المشروع. قلت: ويلزم القاضي أنه لو اعتقد استمرار الوقت فأخر ثم فعل في آخر الوقت في ظنه فإذا هو بعد الوقت أن يكون إداء بناء على ظنه. قاله الرهوني في شرح ابن الحاجب الاصلي. ووجه قول القاضي: إن وقت العبادة قد تضيق عليه بحسب ظنه فكأنه أخره عن وقتها المقدر لها. قال الرهوني: ولا خلاف في المعنى إلا أن يريد وجوب نية القضاء وهو بعيد إذا لم يقل به أحد والنزاع في التسمية. وقال القرافي في الفرق السادس والستين. فائدة: اتضح بما تحرر أن المكلف إذا غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم


[ 38 ]

عاش، أن الفعل يكون منه أداء لان تعيين الوقت لم يكن لمصلحة فيه بل تبع للظن الكاذب. وقيل: هو قضاء قولان للقاضي والغزالي انتهى. وقال في الفرق التاسع والستين. فرع: إذا قلنا: بالتوسع فهل ذلك مشروط بسلامة العاقبة ؟ فإن مات قبل الفعل وقد أخر مختارا يأثم - وهو قول الشافعي - أو لا يأثم لاذن الشرع في التأخير وهو مذهب المالكية وهو الصحيح من جهة النظر اه‍. ويريد بهذا مع ظن السلامة. وانظر كلام الشح حلولو فإنه نقل عن الفهري والانباري كلاما فيه طول والفهري الطرطوشي. فرع: قال في الطراز: لما تكلم على تارك الصلاة في آخر باب الاوقات من حلف على صلاة أنه لا يفعلها فلما دخل وقتها مات قبل خروجه فلا يختلف أنه غير معاقب الذي ما صلاها ولا يكفر بتصميمه على أنه لا يصلي انتهى. قلت: هو وإن كان غير معاقب على ترك الصلاة فإنه معاقب على تصميمه على ترك الصلاة فإن العزم على المعصية والتصميم عليها معصية فيؤاخذ بذلك، وهذا إذا مات فجأة مع ظن السلامة والله تعالى أعلم. ص: (والافضل لفذ تقديمها مطلقا) ش: لما فرغ من رحمة الله تعالى من بيان الوقت المختار وتقدم أنه ينقسم إلى وقت فضيلة ووقت توسعة، شرع يبين وقت الفضيلة منه ويعلم بذلك أن بقيته وقت توسعة، فذكر أن الافضل للفذ وهو المنفرد تقديم الصلاة مطلقا في أول وقتها لقوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات) * ومن المحافظة عليها الاتيان بها أول وقتها، ولقوله (ص): أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها رواه الترمذي. وقال: ليس بالقوى، ورواه الحاكم. ولقوله (ص): الصلاة أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله رواه الترمذي والدارقطني. وقال النووي في خلاصة الاحكام: إن هذين الحديثين ضعيفان. وذكر في الاحاديث الصحيحة الدالة على فضيلة أول الوقت حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: سألت النبي (ص) أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة على وقتها. الحديث ذكره البخاري في كتاب الصلاة وفي مواضع أخر وذكره مسلم في كتاب الايمان.


[ 39 ]

تنبيه: قوله: الصلاة على وقتها كذا وقع في بعض روايات الصحيحين وفي بعضها: لوقتها وإيراد النووي له في باب فضيلة أول الوقت يدل على أنه فهم منه الدلالة على ذلك، وهكذا قال فيه ابن بطال أن فيه البدار إلى الصلاة في أول وقتها أفضل من التراخي لانه إنما شرط فيها أن تكون أحب الاعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب. قال ابن حجر: في أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر. قال ابن دقيق العيد: ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخر انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث الحث على المحافظة على الصلاة وفي وقتها، ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت لكونه احتياطا ومبادرة إلى تحصليها انتهى. فائدة: زاد إبراهيم بن عبد الملك في حديث الثاني: وفي وسطه رحمه الله قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشافعي: وقال التميمي في الترغيب والترهيب: ذكر وسط الوقت لا أعرفه إلا في هذه الرواية. قال: ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال: لما سمع هذا الحديث: رضوان الله أحب إلينا من عفوه انتهى. قلت: ما ذكره عن الصديق رضي الله تعالى عنه ذكره القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة وجزم به وقال: وقوله: وآخره عفو الله يريد به التوسعة لا على معنى العفو عن الذنب لاجماعنا على أن مؤخرها إلى آخر الوقت لا يلحقه إثم ولا ينسب إلى التقصير في واجب انتهى. وقال الدميري: قال الشافعي رضوان الله: إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه أن يكون للمقصرين. فائدة: قال أبو حنيفة: الاسفار بالصبح أفضل لحديث رافع بن خديج: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للاجر رواه أصحاب السنن. ورواه الطبراني وابن حبان بلفظ: فكلما أسفر تم بالصبح فإنه أعظم للاجر. قال القاضي عبد الوهاب: والجواب أن الاسفار إسفاران والمراد الاول منهما انتهى. وفي ايتنبيهات نحوه، والمعنى صلوها حين يتضح طلوع الفجر ولا يشك فيه. قال المازري في شرح التلقين: وقد يعترض هذا بأن الشك في الفجر لا تصح الصلاة معه فلا أجر فيها حتى يقال: إن غيرها أعظم منها أجرا. والجواب عن هذا أنا ام نرد حالة التباسه على جميع الناس وإنما أردنا أن وضوح الفجر يتفاوت، فأمر المصلي بإيقاع الصلاة في الوضوح التام والبيان الجلي الذي لا يتصور فيه وقوع التباس ولا يشك فيه والله أعلم. وليس هذا خاصا بالصبح. قال في رسم شك من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن المسافر إذا زالت الشمس، أترى أن يصلي الظهر ؟ قال: أحب إلي أن يؤخر ذلك قليلا. قال ابن رشد: استحب مالك أن تؤخر قليلا لوجهين: أحدهما: أن المبادرة بالصلاة في أول الوقت من فعل الخوارج الذين يعتقدون أن تأخير الصلاة عن أول وقتها لا يجوز. الثاني: أن يستيقن دخول الوقت ويتمكن


[ 40 ]

لان الزوال خفي لا يتبين إلا بظهور زيادة الظل انتهى. وقول المصنف: مطلقا يعني ظهرا كانت أو غيرها إذ لم يعرض في الفذ عارض ينقله إلى استحباب التأخير كما في الجماعة وهذا هو المشهور. قال ابن الحاجب: وقيل: المنفرد كالجماعة. قال في التوضيح: هو قول عبد الوهاب. قلت: هكذا حكى الباجي عن القاضي. والذي له في التلقين والمعونة استحباب ذلك للجماعة. قال في التلقين: ويستحب تأخيرها في مساجد الجماعات إلا أن يكون الفئ ذراعا. قال المازري في شرحه: واختلف أصحابنا في الفذ، فذهب بعضهم إلى أن المستحب له التعجيل أول الوقت للحديث السابق، وذهب بعضهم إلى أن المستحب له التأخير إلى الذراع لعموم قول عمر رضي الله عنه: صلى الظهر والفئ ذراع انتهى. ولم يعز المصنف هذا القول في شرح هذا المحل إلا للقاضي فقط مع أنه ذكر في شرح القولة التي بعدها عن ابن عبد البر أنه حكى عن ابن القاسم عن مالك أن الفذ والجماعة سواء في استحباب التأخير، وعزا مقابله لابن عبد الحكم وغيره من أصحابنا قال: وإليه مال الفقهاء المالكية من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية ابن القاسم، لكن قال في التوضيح في آخر كلامه: قال صاحب البيان: إنما ذكره ابن عبد البر حمله على المدونة وليس حمله بصحيح. خصص صاحب البيان الخلاف الذي في إبراد المنفرد بالصيف قال: ولا يبرد المنفرد في الشتاء اتفاقا انتهى. واقتصر ابن عرفة على عز وهذا القول للباجي عن ابن القاسم ولابن عبد البر عن ابن القاسم والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: ألحق اللخمي بالمنفرد الجماعة التي لا تنتظر غيرها أي كاهل الزوايا انتهى. وقال ابن عرفة: إلحاق اللخمي الجماعة الخاصة كالفذ أول الوقت انتهى. قلت: ظاهر كلامهم أنه اختاره من عنده وكلامه في التبصرة يقتضي أنه المذهب فإنه قال: وأما الفذ فيستحب له أول الوقت وكذلك الجماعة إذا اجتمعت أول الوقت ولم يكونوا ينتظرون غيرهم فإنهم يصلون حينئذ ولا يؤخرون انتهى. قال في الشامل: والافضل لفذ تقديم الصلاة مطلقا. وقيل: كالجماعة وألحق به أهل الربط والزوايا ونحوهم ممن لا ينتظرون غيرهم انتهى. وجعل البساطي في المغني كلام اللخمي خلافا وليس بظاهر ونصه: واختلف هل الجماعة التي لا تطلب غيرهم كأهل الربط والمدائن كغيرها - وهو ظاهر كلام المتقدمين أو هي كالمنفرد وهو اختيار اللخمي ؟ على قولين انتهى. قلت: تعليل كلام المتقدمين بإدراك الناس الصلاة يدل على أن ما قاله اللخمي هو المذهب والله أعلم. الثاني: قد يكون التأخير أفضل أو واجبا كمن عدم الماء ورجا وجوده في آخر الوقت كما تقدم في باب التيمم، وكالحائض إذا طهرت من الحيض وتأخر مجئ القصة. وعندي أن من كان في ثوبه أو بدنه نجاسة ورجا وجود الماء في الوقت ممن يجب عليه التأخير. وكذا من كان به عذر منعه القيام ورجا إزالته في الوقت فتأمله والله أعلم.


[ 41 ]

الثالث: قال في التوضيح: قال ابن العربي في القبس: والافضل للمنفرد تقديم الفرض على النفل ثم يتنفل بعد الصلاة قال: وقد غلط في ذلك بعض المتأخرين انتهى. وينبغي أن يقيد هذا بما إذا كانت الصلاة يجوز التنفل بعدها، وأما ما لا يجوز كالعصر والصبح فلا وهو ويأخذ من قوله: ويتنفل بعدها انتهى كلام التوضيح. قلت: أما الصبح فهي خارجة عن هذا لانه دخل وقتها فلا يتنفل قبلها إلا بركعتي الفجر ولا أظن أن أحدا يقول: إنه يؤخرها، وأما المغرب فيكون التنفل قبلها، وأما العشاء فلم يرد شئ في خصوصية النفل قبلها فينبغي للمنفرد المبادرة بها، وأما العصر فقد وافق الشيخ على أنه ينبغي أن يقيد بها كلام ابن العربي على ما قال: إن ذلك يؤخذ من كلامه. قلت: والظاهر أن الظهر كذلك يعني أنه ينبغي أنه يتنفل قبلها لقول أهل المذهب: إنه يتأكد استحباب النافلة قبلها ولم يخصوا ذلك بمن صلى في جماعة وقد قال ابن الحاج الشهيد في مناسكه لما تكلم على فورية الحج وتراخيه الصلاة: تجب بأول الوقت وجوبا موسعا فإن عجلها فيه فقد أدى فرضه، وتعجيلها والتنفل قبلها وأداؤها بعد ذلك في الوقت أفضل. فإن قال قائل: فقد روى ابن مسعود أن النبي (ص) سئل أي الاعمال أفضل ؟ فقال: الصلاة لاول وقتها. فليس في هذا حجة لانه يمكن أن يريد بذلك الصلاة في أول وقتها بعد التنفل قبلها بدليل ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين انتهى. قال في المدونة: ومن دخل مسجدا قد صلى أهله فجائز أنه يتطوع قبل المكتوبة إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة. قال ابن ناجي: قال المغربي: قوله: وكان ابن عمر يحتمل أن يكون جاء به على معنى الدليل وكأنه يقول جائز أن يتطوع قبل المكتوبة، والاولى أن يبدأ بالمكتوبة وقد كان ابن عمر يبدأ بها انتهى. قال صاحب الطراز: أما جواز ذلك فمتفق عليه مع سعة الوقت، وعلى منعه إذا لم يبق إلا قدر المكتوبة ومع الاتساع فما الاحسن ؟ فليس في الكلام دليل على شئ من ذلك، ثم ذكر فعل ابن عمر ثم قال: وعن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وغير واحد من أهل العلم مثله قال: ولانه أتى بقصد الفريضة فإذا لم يشتغل بغيرها كان حريصا عليها وطالبا لها فيرجى حصول الثواب، ولان ذلك أقرب لوقت الفضيلة وهو أول الوقت انتهى. وقال الباجي: من دخل المسجد وقد ضاق الوقت بدأ بالفريضة ولا يجوز له أن يصلي قبلها نافلة، وإن كان في سعة فهو بالخيار إن شاء بدأ بالنافلة وإن شاء بالفريضة والاظهر من فعل ابن عمر. ففي كلامهم ميل إلى ترجيح الابتداء بالفريضة. وقد يقال: إن هذا كله إنما هو فيمن كان في آخر الوقت أو فيما إذا مضى منه جانب كما يظهر ذلك من كلامهم، وأما المنفرد الذي يريد أن يوقع الصلاة في أول وقتها فالاولى له الابتداء بالنافلة التي ورد الشرع بتأكيد طلبها قبل الصلاة، وقد علمت أن التردد في ذلك إنما يحصل في الظهر والعصر، وأن الظاهر بالبداءة بالنافلة فيهما


[ 42 ]

فتأمله والله أعلم. ص: (وعلى جماعة آخره) ش: يعني أن الصلاة في أول الوقت فذا أفضل منها " في آخر الوقت في جماعة. قال في المقدمات: روى زياد عن مالك أن الصلاة في أول وقت الصبح منفردا أفضل من الصلاة في آخره في جماعة. ونقله ابن عرفة: واختار سند أن فعلها في الجماعة في آخر الوقت أفضل من فعلها فذا في أول الوقت وجزم به الباجي في المنتقى والله أعلم. وابن العربي فانظره. وقوله: وعلى جماعة آخره كذا في بعض النسخ جماعة وفي بعض النسخ جمعه آخره بلفظ جمع مضافا إلى الضمير وفي بعضها جماعة بالتاء بلفظ الجمع ولا معنى له والله أعلم. ص: (وللجماعة تقديم غير الظهر وتأخيرها لربع القامة) ش: هذا في غير الجمعة قال ابن الحاجب: والافضل للجماعة تأخير الظهر إلى ذراع وبعده في الحر بخلاف الجمعة ابن عبد السلام: قوله: بخلاف الجمعة راجع إلى الظهر لا إلى البغدية أي الافضل تأخير الظهر لا الجمعة، ويفهم منه أنها توقع أول الوقت كما قال ابن حبيب انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ عن ابن حبيب: استحب تعجيلها يوم الجمعة أكثر من تعجيلها في غيرها لرفق الناس لانهم يهجرون. ابن القاسم: ذكرته لمالك فقال: لم أسمعه من عالم وهو يفعلونه وهو واسع انتهى. فائدة: قال ابن العربي في عارضته في باب تعجيل الظهر: لو اتفق أهل حصن على الصلاة في آخر الوقت لم يقاتلوا، ولو اتفقوا على ترك الجماعة قوتلوا. ص: (ويزاد لشدة الحر) ش: قال في العارضة قال أشهب: لا ينتهي بالابراد إلى آخر الوقت. وقال ابن عبد الحكم: ينتهي إليه والاول أولى لان النبي (ص) أخر إلى أن كان للتلول والجدارات فئ يستظل به وذلك في وسط الوقت. ص: (وإن شك في دخول الوقت لم تجز ولو وقعت فيه) ش: قال


[ 43 ]

في الارشاد: ومن شك في دخول الوقت لم يصل وليجتهد ويؤخر حتى يتحقق أو يغلب على ظنه دخوله، وإن تبين الوقوع قبله أعاد. قال الشيخ زروق في شرحه يعني أن الدخول الوقت شرط في جواز إيقاع الصلاة كوجوبها، فلا يصح إيقاعها إلا بعد تحققه بحيث لا يتردد فيه بعلم أو ظن يتنزل منزلة العلم. وقد قال مالك: سنة صلاة في دلغيم أن تؤخر الظهر وتقدم العصر وتؤخر المغرب حتى لا يشك في الليل ويقدم العشاء ويؤخر الصبح حتى لا يشك في الفجر. وما ذكره من العمل على غلبة الظن لم نقف عليه لغيره لكن مسائلهم تدل على اعتبار الظن الذي في معنى القطع، وفي الجوهر ما يدل عليه. ثم مع التحقيق أو ما في معناه فإن كشف الغيب عن خلافه بطلت كما إذا صلى شاكا ولو صادف انتهى. وما ذكره في سنة الصلاة في الغيم ذكره غير واحد من أهل المذهب، ومرادهم بقولهم: وتعجيل العصر أي بعد أن يغلب على ظنه دخول وقتها، وكذلك العشاء يصليها إذا غلب على ظنه مغيب الشفق كما قال في الرواية: ويتحرى ذهاب الحمرة. وذكره صاحب الشامل وغيره. والمقصود أن الصلاة التي تشارك ما قبلها لا يؤخرها كثيرا بل إذا غلب على ظنه دخول الوقت صلاها، بخلاف الصلوات التي لا تشارك ما قبلها كالظهر والمغرب والصبح فلا يصليها حتى يتحقق دخول الوقت. فرع قال النووي في شرح مسلم في حديث إيقاظ النبي (ص) السيدة عائشة لتوتر


[ 44 ]

في آخر الليل: وفيه استحباب إيقاظ النائم للصلاة في وقتها وقد جاءت فيه أحاديث غير هذا والله أعلم. ص: (والضروري بعد المختار للطلوع في الصبح وللغروب في الظهرين وللفجر في العشاءين) ش: تقدم أن الوقت ينقسم إلى اختياري وضروري، ولما فرغ من بيان الوقت الاختياري شرع في بيان الوقت الضروري، ومعنى كونه ضروريا أنه لا يجوز لغير أصحاب الضرورات تأخير الصلاة إليه، ومن أخر إليه من غير عذر من الاعذار الآتية فهو آثم. ثم هذا هو الذي يأتي على ما مشى عليه المصنف. وقيل: إن معنى كونه ضروريا أن الاداء فيه يختص بأصحاب الضرورات، فمن صلى فيه من غير أهل الضرورات لا يكون مؤديا. وهذا القول نقله ابن الحاجب وسيأتي في بيان ذلك. وذكر المصنف: أن الضروري يدخل بعد خروج الوقت المختار المتقدم بيانه في جميع الصلوات، فعلم من هذا أول الوقت الضروري. وذكر أن آخره يختلف بحسب الصلوات ففي الصبح بطلوع الشمس، وفي الظهرين لغروب الشمس، وفي العشاءين لطلوع الفجر. فعلى هذا يكون الوقت الضروري للصبح من الاسفار إلا على طلوع الشمس، وللظهر من أول القامة الثانية أو بعد مضي أربع ركعات منها إلى الغروب، وللعصر من الاصفرار إلى الغروب فما بعد الاصفرار ضروري للظهر والعصر، وللمغرب من بعد مضي ما يسعها بعد تحصيل شروطها إلى طلوع الفجر، وللعشاء من بعد ثلث الليل الاول إلى طلوع الفجر، فما بعد الثلث الاول ضروري للمغرب والعشاء. تنبيهات: الاول: ما ذكره المصنف من الوقت الضروري يدخل بعد خروج الوقت المختار أحسن من قول ابن الحاجب: وهو من حين تضييق وقت الاختيار عن صلاته لان كلام ابن الحاجب يقتضي أنه إذا ضاق وقت الاختيار صار ضروريا فيقتضي كلامه أنه اختياري ضروري. نعم يبقى الكلام فيما يدرك به المكلف الوقت المختار بحيث يكون مؤديا للصلاة في وقتها المختار فلا يلحقه إثم، فالذي اختاره المصنف في التوضيح ونقله ابن هارون أنه يدركه بركعة كما سيأتي في الوقت الضروري. وذكر عن صاحب تهذيب الطالب أنه ذكر عن غير واحد من شيوخه أن وقت الاختيار يدرك الاحرام فقط. وذكر عن ابن راشد وابن عبد السلام أن وقت الاختيار لا يدرك إلا بمقدار الصلاة كلها حتى لو صلى من الظهر ثلاث ركعات في القامة الاول وأتى بالرابعة في القامة الثانية لم يكن مدركا لوقت الاختيار، يريد عند من يقول إن الاشتراك في القامة الاولى وأن الثانية مختصة بالعصر. الثاني: قوله: للطلوع في الصبح، وللغروب في الظهرين، وللفجر ففي العشاءين أحسن من قول ابن الحاحب: إلى مقدار تمام


[ 45 ]

ركعة لان مقتضى كلام ابن الحاجب أنه إذا ضاق وقت الضرورة عن ركعة خرج حينئذ وقت الضرورة. قال في التوضيح: وليس بظاهر وقت الضرورة ممتد إلى الغروب، ولو كان كما قال المصنف يعني ابن الحاجب للزم أن لا يدرك وقت الضرورة إلا بمقدار ركعة زائدة على ذلك وليس كذلك، بل لو أدرك ركعة ليس إلا فهو مدرك لوقت الضرورة، ولا يلزم من كون الصلاة لا تدرك فيه أن يكون وقت الضرورة قد خرج لان الصلاة لا تدرك إلا بركعة، وقد صرح غير واحد بأن وقت العصر الضروري إلى الغروب والله أعلم انتهى كلام التوضيح. الثالث: قوله: وللغروب في الظهرين وللفجر في العشاءين يقتضي أن العصر لا تختص بأربع قبل الغروب بل تشاركها الظهر في ذلك، وهذه رواية عيسى عن ابن القاسم ذكر ابن رشد الخلاف في ذلك سماع يحيى. ص: (وتدرك فيه الصبح بركعة لا أقل) ش: يعني أن الصبح تدرك في الوقت الضروري بمقدار ركعة تامة، فإذا أدرك منها ركعة بسجدتيها قبل طلوع الشمس فقد أردك الوقت، ولا تدرك بأقل من ركعة وهذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم. وقال أشهب: لا يشترط إدراك السجود بل يكفي إدراك الركوع. قال في التوضيح: والخلاف مبني على فهم قوله (ص): من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة انتهى. قلت: يعني هل المراد بالركعة بتمامها أو المراد بالركعة الركوع ؟ قال في التوضيح: وقول ابن القاسم أول لحمل اللفظ على الحقيقة وصرح ابن بشير بمشهوريته انتهى. تنبيهات: الاول: قال في الاكمال: وهذه الركعة التي يكون بها مدركا للاداء أو الوجوب في الوقت هي قدر ما يكبر للاحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويرفع ويسجد سجدتين ويفصل بينهما ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب أم القرآن في كل ركعة يكفيه تكبيرة الاحرام والقيام لها انتهى. وقال في التوضيح: قال اللخمي: ويعتبر قدر الاحرام وقراءة الفاتحة قراءة معتدلة والركوع والسجود. ويختلف هل تقدر الطمأنينة أم لا على الخلاف في وجوبها، وتردد على القول بأن القراءة إنما تجب في الجل هل يراعى قدرها في الادراك لان له تقديمها في الركعة الاولى، أو هل يراعى إذ لا تعتبر فيها ؟


[ 46 ]

خليل: وينبغي على هذا أن تؤخر القراءة لان ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب. قلت: الذي في كلام اللخمي أنه تردد القول بأنها فرض في ركعة واحدة لكن يلزم منه التردد على القول بوجوبها في الجل، ولعل المصنف إنما فرع عليه لقوته وضعف القول: بوجوبها في ركعة واحدة، ولكن لا يلزم من التردد على القول: بوجوبها في الجل التردد على القول: بوجوبها في ركعة فقط فتأمله. وسيأتي لفظ اللخمي. وقول ابن عرفة: وفي كونها أي الركعة بقراءتها وطمأنينتها قول القاضي مع ظاهر الروايات وتخريج اللخمي على عدم فرضيتها يقتضي جزم اللخمي بذلك، والذي في كلامه إنما هو التردد. نعم تقدم في كلام صاحب الاكمال الجزم بذلك ونص كلام اللخمي: وأرى أن يراعى قدر الاحرام وقراءة الحمد على القراءة المعتدلة والركوع والسجود، ويختلف هل تقدر الطمأنينة، فمن قال الطمأنينة فرض في جميع ذلك. قدر الطمأنينة في الركوع والرفع منه وفي السجود والجلوس ما بين السجدتين، وعلى القول: الآخر يراعى أقل ما يقع عليه اسم ركوع أو سجود وكذلك قراءة الحمد على القول بأنها فرض في ركعة يصح أن يقال: إذا كان يدرك الركعة بسجودها دون القراءة أن الصلاة تجب عليه ويقال له: اقرأ بها في باقي الصلاة، ويصح أن يقال: لا شئ عليه لانه يقول لي أن أعجلها وأقدم القراءة في الركعة الاولى وإذا أعجلتها لم أدرك الركوع والسجود في الوقت فيسقط عني الخطاب بها انتهى. الثاني: علم مما تقدم أن المنصوص في المذهب أنه لا بد من اعتبار قدر قراءة الفاتحة في الركعة التي يدرك بها وقت الوجوب أو وقت الاداء، وكذلك لا بد من اعتبار قدر الطمأنينة، وأما ما سوى ذلك فإنما هو تخريج لا يعلم به. الثالث: علم من هذا أيضا أنه يجب على من تحقق أنه إذا قرأ السورة في ركعة خرج الوقت أنه يترك قراءة السورة، وكذلك إن غلب ذلك على ظنه، ويبقى النظر في مسألة أجرى وهي أن من تحقق أو غلب على ظنه أنه إذا قرأ السورة في الركعة وقع بعض الصلاة خارج الوقت، فهل يقرأ بها لانه يدرك الصلاة بركعة أو يقال يجب عليه أن يترك السورة ويقتصر على قراءة الفاتحة لان إيقاع بعض الصلاة خارج الوقت لا يجوز ؟ وسيأتي في باب الوتر أنه إذا لم يبق لطلوع الشمس إلا ما يسع ركعتين ولم يكن صلى الوتر أنه يصلي فيهما الصبح ويترك الوتر على المشهور مع أنه أوكد السنن على الاطلاق، فهذا يقتضي أنه يترك السورة لان إيقاع الصلاة كلها في الوقت. نعم إذا أدرك الركعة من الوقت ثم خرج الوقت فإنه يقرأ السورة في الركعة الثانية، وسواء كان قرأ السورة في الاولى أم لم يقرأها، وهذا هو الظاهر عندي ولم أقف عليه منصوصا والله تعالى أعلم. الرابع: هذا حد الركعة التي يدرك بها الاداء أو الوجوب. قال في الاكمال: وأما الركعة التي يدرك بها فضيلة الجماعة فهي أن يكبر لاحرامه قائما ثم يركع ويمكن يديه من ركبتيه قبل


[ 47 ]

رفع الامام رأسه. هذا مذهب مالك وأصحابه وجمهور الفقهاء من أهل الحديث والرأي وجماعة من الصحابة والسلف. وروي عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الامام قائما قبل أن يركعها. وروى معناه عن أشهب من أصحابنا انتهى. وسيأتي بقية الكلام على ذلك عند قول المصنف: وإنما يحصل فضلها بركعة والله تعالى أعلم. الخامس: قال الجزولي والشيخ يوسف ابن عمر: قال بعض الشيوخ: يتعلق بإدراك الركعة أحكام: الاول: من زال عنه العذر وقد بقي من الوقت ركعة وجبت عليه الصلاة. الثاني: إذا حصل العذر وقد بقي من الوقت قدر ركعة سقطت الصلاة. الثالث: إذا سافر وقد بقي من الوقت ركعة فإنه يقصر الصلاة. الرابع: إذا دخل المسافر محل الاقامة وقد بقي من الوقت ركعة فإنه يتم الصلاة. الخامس: إذا أدرك ركعة في الوقت فالصلاة كلها أداء، وهذه الخمسة الاحكام تكلم عليها المصنف في هذا الفصل. السادس: إذا أدرك ركعة من صلاة الجماعة فقد أدرك فضل الجماعة. السابع: إذا أدرك ركعة من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة إماما ولا مأموما، وسيذكر المصنف هذه الحكمين في فصل صلاة الجماعة. الثامن: إذا أدرك ركعة من صلاة الامام لزمه سجود السهو المترتب على الامام سواء أدرك موجبه أم لا، وسيذكره المصنف في فصل السهو. التاسع: إذا أدرك ركعة مع الامام صح استخلافه في تلك الركعة كما سيذكره المصنف في فصل الاستخلاف العاشر أن من أدرك ركعة فسلامه كسلام المأموم. قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والشيخ زروق وغيرهم عند قول الشيخ في الرسالة: ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة. وهذا لفظه ومفهومه أن من لم يدرك ركعة فسلامه كسلام المنفرد، ولا يدخله الخلاف الذي في المسبوق، وقد صرح بذلك صاحب الطراز وسيأتي كلامه وكلام النوادر عند قول المصنف: ورد مقتد على إمامه. الحادي عشر: إذا أدرك المسافر ركعة من صلاة الامام المقيم لزمه الاتمام، وإن أدرك دون ذلك لم يلزمه ذلك وكان عليه أن يقصر الصلاة. قاله في سماع أصبغ من كتاب الصلاة، ونقله الباجي في المنتقى، ونقله غير واحد من شراح الرسالة، وسيأتي ذكره في فصل صلاة السفر. الثاني عشر: من أدرك ركعة من الجمعة أتمها جمعة، ومن أدرك دونها صلى ظهرا أربعا كما سيأتي في باب الجمعة إن شاء الله تعالى. وهذه الاحكام الثلاثة لم يذكرها المصنف.


[ 48 ]

الثالث عشر: الراعف إذا أكمل ركعة مع الإمام فإنه يبني عليها وأما الركعة التي لم يكملها فإنه لا يبني عليها بل يبتدئها من أولها كما سيذكره المصنف في فصل الرعاف. الرابع عشر: إذا أدرك ركعة من الوقت المختار فقد أدرك الوقت المختار وسقط عنه الاثم على القول الذي اختاره المصنف كما تقدم، وإذا نوعت مسائل إدراك وقت الوجوب بسبب زوال العذر ومسائل سقوط الصلاة بسبب حصول العذر بحسب الاعذار الآتي ذكرها زاد عدد الاحكام على ما ذكرنا، وقد نوع الشيخ يوسف بن عمر بعض مسائل الاعذار فعد الاحكام خمسة عشر وهي تزيد على ذلك والله أعلم. ص: (والكل أداء) ش: تصوره واضح وينبني عليه جواز الاقتداء به في بقية الصلاة بعد خروج الوقت. قال الشيخ أحمد حلولو التونسي في شرح جمع الجوامع في قوله: والاداء فعل بعض. وقيل: كلما دخل وقته قبل خروجه والقول الاول من كلامه هو المشهور عندنا، ومقابله عندنا ما صلى في الوقت أداء وما صلى منها بعده قضاء. قال الشيخ ابن عبد السلام: وأما القول بأن الاداء فعل كل العبادة في الوقت فليس في المذهب، ومما ينبني عندي على هذا الخلاف من المسائل صحة الاقتداء به فيما يصلي منها بعد الوقت فإنا نشترط في المشهور الموافقة في الاداء والقضاء، فإذا دخل المأموم خلف الامام فيما يصلي بعد طلوع الشمس، وقد كان الامام صلى الاولى في الوقت، فلا يقتدى به على المشهور لان صلاة الامام كلها أداء، وصلاة المأموم كلها قضاء. وعلى القول بأنها كلها قضاء يصح ويتردد النظر على القول بأن هذه قضاء والاولى أداء بناء على أن الصلاة من باب الكل أو من باب الكلية فتأمله. ومنها إذا نوى الامامة في أثناء الصلاة بعد الغروب وقد صلى ركعة قبله، هل هو كما لو نوى في الوقت أم لا ؟ انتهى. وقال ابن فرحون في الالغاز.


[ 49 ]

فإن قلت: إمام دخل في الصلاة بنية الاداء، فهل يجوز أن يأتم به رجل ويدخل معه بنية القضاء ؟ نعم إذا أدرك الامام من الوقت ركعة فصلى الاولى قبل طلوع الشمس وصلى الثانية بعد طلوعها فدخل معه رجل في الركعة الثانية فإنه يدخل معه بنية القضاء. انظر مسائل أبي علي بن قداح انتهى. وما أشار إليه لابن قداح هو في مسائل الصلاة منه ونصه: (مسألة) إذا صلى الامام ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس والاخرى بعد طلوعها ودخل معه رجل في الركعة الثانية، فهل يدخل بنية الاداء أم بنية القضاء ؟ المذهب أن إحداهما تنوب عن الاخرى انتهى. قال البرزلي إثره. قلت: يتخرج عندي على القولين هل الصلاة كلها أداء أو قضاء ؟ وهذان مخرجان في المذهب، والثالث ما أدركه أداء وما لم يدركه قضاء للشافعية فينوي المأموم ما نواه إمامه انتهى. فتأمله مع كلام الشيخ حلولو. فرع: قال في أوائل المنتقى: إذا ثبت إن أدراك وقت العصر يكون بإدراك ركعة منها قبل غروب الشمس، فإذا أحرمت المرأة بالعصر قبل الغروب بركعة فلما كانت في آخر ركعة منها وقد غربت الشمس حاضت فإنها تقضي العصر لانها حاضت بعد خروج وقتها. رواه ابن سحنون عن أبيه. وقد رأيت لاصبغ لا قضاء عليها والاول أظهر انتهى. وذكر القولين في مسائل ابن قداح وقال: الظاهر أنها تقضي والله تعالى أعلم. ص: (وأثم إلا لعذر) ش: تصوره واضح ويعني أن من


[ 50 ]

أوقع الصلاة في وقتها الضروي فإنه يأثم إذا أخرها إليه من غير عذر، وإن كان مؤديا، وهذا الذي جزم به في المقدمات قال فيها: اتفق أصحاب مالك على أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن الوقت المختار المستحب إلى ما بعده من وقت الضرورة إلا من ضرورة، وهو في القامة الظهر، والقامتان أو الاصفرار في العصر، ومغيب الشفق في المغرب على مذهب من رأى أن لها وقتين، وانقضاء نصف الليل في العشاء الآخرة، الاسفار في الصبح على مذهب من رأى لها وقت ضرورة. ثم قال: فمن فعل ذلك فهو مضيع لصلاته مفرط فيما أمره الله به من حفظها ورعايتها آثم لتضييعه وتفريطه وإن كان مؤديا لها غير قاض، وأما تركها حتى يخرج وقتها فهو من الغي قال الله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) * الآية. وإضاعتها على ما قال أكثر أهل العلم بالتأويل: تأخيرها عن مواقيتها. والغي بئر في قعر جهنم يسيل فيه صديد أهل النار. وقيل: الخسران. وقيل: الشر. انتهى. فرع: سئل ابن رشد: هل يقال في صلاة رسول الله (ص) يوم الوادي ويوم الخندق أداء أو قضاء ؟ فأجاب بعد أن بين معنى الاداء والقضاء وأطال في ذلك: إنه لا يمتنع أن يقال: إن ذلك قضاء لا أداء والله تعالى أعلم. قال الرجراجي في أول الكلام على الحيض ما نصه: لا يستوي فعل العبادة في وقتها وفعلها بعد وقتها وإن كان المكلف معذورا بالتأخير فالعذر إنما يسقط الاثم مع وجوده خاصة، لان فعل العبادة في وقتها وفعلها بعد وقتها متساو في الثواب، ولا إشكال أن من نام واسترسل عليه النوم أو غلبه السهو حتى مضى وقت الصلاة بالكلية أنه يقضي ولا يكون أجره كأجر من صلاها في وقتها، وهذا لا نزاع فيه انتهى. وذكر في هذا أن الحيض عقوبة على النساء في منعهن بسببه من الصلاة بالكلية ومن الصيام في وقته والله أعلم. ص: (وصبا) ش: الصبا بفتح الصاد والمد وبكسرها والقصر قاله في الصحاح. ولو صلى ثم بلغ في الوقت لما يدرك فيه ركعة بعد الطهارة لزمه إعادة الصلاة كما صرح به في الارشاد وغيره والله أعلم. وقال أبو الحسن الصغير في الصبي إذا صلى الصلاة في أول الوقت ثم احتلم في آخر الوقت أنه اختلف هل عليه أن يعيد الصلاة أم لا ؟ على قولين انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم: من احتلم بعد العصر صلى الظهر


[ 51 ]

والعصر وإن كان قد صلاهما. ابن رشد: لانهما قبل بلوغه نفل. قال ابن عرفة. قلت: نقل ابن بشير عدم إعادتهما عن المذهب لا أعرفه انتهى. قلت: نقله ابن شاس عن السليمانية فلينظر والله تعالى أعلم. ص: (ونوم) ش: قال الباجي في شرح قوله (ص): إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد الحديث. هذا اللفظ عام في كل صلاة وقد أدخله مالك في صلاة الليل وقد حمله على ذلك جماعة، لان النوم الغالب لا يكون في الاغلب إلا في صلاة الليل وإن جرى ذلك في صلاة الفرض وكان في الوقت من السعة ما يعلم أنه يذهب فيه النعاس ويدرك صلاته، أو يعلم أن معه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لاقامة صلاته في وقتها، وإن كان في ضيق الوقت وعلم أنه إن رقد فاتته فليصل على ما يمكنه وليجهد نفسه في تصحيح صلاته ثم يرقد، فإن تيقن أنه قد أتى منها بالفرض وإلا قضاها بعد نومه انتهى. والظاهر أنه إن صلى في الوجه أي فيما إذا كان في سعة من الوقت أو كان من يوقظه، فحكمه حكم الثاني والله تعالى أعلم ومنه. وقد اختلف قول مالك فيمن يحيي الليل كله فكرهه مرة وقال: لعله يصبح مغلوبا وفي رسول الله أسوة حسنة كان يصلي أدنى من ثلث الليل ونصفه وثلثه، وإذا أصابه النوم فليرقد ثم رجع فقال: لا بأس به ما لم يضر ذلك بصلاة الصبح. قال مالك: إن كان يأتيه الصبح وهو ناعس فلا يفعل، وإن كان إنما يدركه فتور وكسل فلا بأس به انتهى. وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة قال ابن رشد: أما قيام جل الليل إذا لم يوجب ذلك على الشخص أن يغلبه النوم في صلاة الصبح فذلك من المستحب المندوب إليه ثم قال: واختلف قول مالك في قيام جميعه ثم قال: وأما إن كان لا يصلي الصبح إلا وهو مغلوب عليه فذلك مكروه، قام الليل كله أو جله. قولا واحدا لقول رسول الله (ص): إذا


[ 52 ]

نعس أحدكم الحديث. فيحصل بين أمرين: إما أن يصلي على هذه الحالة التي قد نهى عنها، أو يرقد فتفوته صلاة الصبح في الجماعة. وقد قال عثمان: لان أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. وذلك لا يصدر إلا عن توقيف انتهى. وقال الشيخ زروق في قيام الليل كله: قال المشايخ: واتخاذ ذلك عادة من غير حالة غالبة ليس شأن السلف. هذا وإذا أدى لفوات الجماعة يكره، وأما إن أدى لفوات الوقت فالظاهر أنه يحرم أو تشتد الكراهة والله أعلم. وقال البرزلي في مسائل الطهارة: سئل عز الدين عمن لا يمكنه قرب أهله إلا بليل وإذا فعل أخر أهله الصلاة عن وقتها لتكاسلها، فهل يجوز له فعل ذلك وإن أدى إلى إخلالها بالصلاة أم لا ؟ فأجاب بأنه يجوز له أن يجامع أهله ليلا ويأمرها بالصلاة في وقت الصبح، فإذا أطاعت فقد سعد وسعدت، وإذا خالفت فقد أدى ما عليه. قلت: قوله: لئلا يحتمل أن يكون لفظا مقصودا إذ لا يجب عليها حينئذ غسل ولا صلاة فلا يترك ما وجب له لما لم يجب عليها، وهذا نحو مما ذكره الباجي عن بعض أصحاب مالك وأظنه في حديث الوادي أنه يجوز للانسان أن ينام بالليل، وأن جوز أن نومه يبقى حتى يخرج وقت الصبح إذ لا يترك أمرا جائزا لشئ لم يجب عليه. وعلى هذا فلو كان بعد الفجر فلا يمكن من ذلك حتى يخرج وقتها أو يصليها ويكون كقوله في المدونة: ولا يطأ المسافر زوجته حتى يكون معها من الماء ما يكفيهما، ويحمل على الوجوب أو الندب خلافا لابن وهب في هذه المسألة، ويحتمل أن يتخرج ذلك في المسألة المذكورة، وقوله: أدى ما عليه ظاهره أنه لا يجب طلاقها إذا كانت تترك الصلاة مطلقا أو حتى يخرج وقتها الضروري، وقد اختلف المذهب عندنا على قولين حكاهما ابن رشد في طلاق السنة وخرجهما على الخلاف في تارك الصلاة، هل هو مرتد أو لا ؟ والصحيح أنه مسلم عاص فعليه لا يجب طلاقها لكن يستحب كهجران أهل المعاصي. وقال الابي في شرح حديث الوادي: قال عياض: فيه النوم قبل وقت الصلاة وإن خشي الاستغراق حتى يخرج الوقت، وهذا لانها لم تجب بعد انتهى. ص: (أو ذكر ما يرتب) ش: قال


[ 53 ]

في المنتقى: (مسألة) ولو أن مغمى عليه أفاق قبل الغروب فذكر صلاة نسيها قبل الاغماء فإنه يبدأ بالصلاة التي نسي قبل الاغماء، فإن بقي بعد فراغها وقت للصلاتين أو إحداهما صلى ما أدركه الوقت، وإن لم يدرك شيئا من الوقت فقد اختلف فيه قول ابن القاسم فقال في كتاب محمد: لا يصلي ظهرا ولا عصرا. واختاره أصبغ ورواه عن مالك وقال مرة أخرى: يصلي ما أفاق في وقته رواه القاضي إسحاق عن محمد بن مسلمة. فوجه الرواية الاولى ما روي عنه (ص) أنه قال: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فإذا اجتمع في هذا الوقت ثلاث صلوات واستوعب الصلاة الاولى الوقت، سقط فرض ما بعدها لما كانت أحق بالوقت. ووجه الرواية الثانية أنه مغمي عليه أدرك وقت الظهر والعصر فلزمه الاتيان بهما. وإنما قدمت عليها الفائتة للترتيب لا لان الوقت مختص بها وذلك لا يسقط فرض الظهر والعصر انتهى. وقوله: أو إحداهما صلى ما أدركه الوقت يريد - والله أعلم - ويختلف في الصلاة الاولى كما يختلف إذا فاتا جميعا، ويشبه أن يكون القول الثاني هو الجاري على المشهور والله تعالى أعلم. ص: (وأسقط عذر حصل غير نوم ونسيان المدرك) ش: ذكر بعض طلبة العلم عن الرهوني شارح الرسالة في شرح قولها: وإن حاضت الاربع ركعات من النهار أنها لو أخرت ذلك عامدة عالمة بأنه يوم حيضتها لزمها القضاء وقال: كذلك من سافر في رمضان وجل الافطار يعامل بنقيض مقصوده، وكذلك من كان معه مال يحج به فتصدق بجله ليسقط عنه الحج والله أعلم. وانظر الشيخ يوسف بن عمر والجزولي كلامهما في الصوم. وذكر اللخمي في تبصرته جميع ذلك في زكاة الخلطاء وأن الحائض لا تقضي الصلاة فتأمله والله تعالى أعلم. وانظر كلام ابن الحاجب في الاوقات وكلام التوضيح عليه في قوله: وأما غيرهم فقيل قاض الخ فإنه بدأ بأنها لا تقضي ولو أخرت الصلاة عامدة من غير خلاف في المذهب، وأن المسافر يقصر ولو أخر الصلاة عامدا، ونقل ابن عرفة نحوه عن ابن بشير. ص: (وأمر صبي بها لسبع وضرب لعشر) ش: يعني أن الصبي يؤمر بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنين، والاصل في ذلك


[ 54 ]

قوله (ص): مروا أولادكم بالصلاة وهما أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود. وفي رواية للترمذي علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر وعن شبرمة بن معبد الجهني قال: قال رسول الله (ص): مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها رواه أبو داود وشبرمة بفتح الشين المعجمة وسكون الموحدة، والجهني بضم الجيم نسبة إلى جهينة. وفي رواية لابي داود إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة. وقال في المدونة في كتاب الصلاة الاول: ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا. وروى ابن وهب أن النبي (ص) قال: مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع انتهى. وهكذا قال في الرسالة. قال في التنبيهات: يقال: أثغر الصبي - بسكون المثلثة - إذا سقطت أسنانه وإذا نبتت. وقيل: أثغر وثغر إذا سقطت واثغر بالتشديد إذا نبتت انتهى. وقال ابن يونس قال مالك: ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا وهو حين تنزع أسنانهم انتهى. وقال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: إذا أثغر الصبي أمر بالصلاة وأدب عليها ولا يضرب بعض الضرب. قال ابن رشد: معناه ولا يضرب بعض الضرب الذي يضربه كتير من الناس فيتعدى في الضرب يريد أنه لا يضرب إلا ضربا خفيفا. وقوله: أنه يؤدب إذا أثغر خلاف ظاهر الحديث. وقال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى: إنه يفرق بينهم في المضاجع إذا أثغروا. وهو خلاف ظاهر الحديث أيضا. وقال عيسى: حدثني ابن وهب وذكر الحديث السابق. قال عيسى وبه أخذ قال ابن رشد: لا رأي لاحد مع الحديث، واتباع ظاهره في المعنيين هو الصواب على ما ذهب إليه عيسى انتهى مختصرا. وقال ابن عرفة: ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا وفي تفرقتهم في المضاجع وأدبهم على تركها حينئذ أو إذا بلغوا العشر قولان: الاول لسماع ابن القاسم مع سماع عيسى، والثاني لابن رشد مع عيسى مع ابن وهب، واختار اللخمي الاول في الاول، والثاني في الثاني انتهى. قلت: وقوله: لسماع ابن القاسم كذا رأيته في ابن عرفة والصواب لسماع أشهب لان المسألة في سماع أشهب لا في سماع ابن القاسم. وظاهره أيضا أن في كل السماعين ذكر الضرب والتفرقة وليس كذلك كما تقدم، وهذا كله من ضيق الاختصار والله أعلم. وقال ابن ناجي في شرح المدونة وشرح الرسالة بعد أن ذكر الحديث: والعجب أنهم اختلفوا مع هذا في الوقت الذي يؤمر فيه بالصلاة فقال يحيى بن عمر: إذا عرف يمينه من شماله فقيل: بظاهره، وقيل إذا ميز الحسنات من السيئات لان كاتب الحسنات عن يمينه وكاتب السيئات عن شماله. ذكر التأويلين التادلي انتهى. ونحوه للفاكهاني. وسبب الاختلاف اختلاف الاحاديث


[ 55 ]

فقد روى أبو داود ويؤمر بالصلاة إذا عرف يمينه من شماله والله أعلم. وذكر الفاكهاني وابن ناجي في شرح الرسالة عن ابن وهب أنه روي عن مالك أنهم يضربون لسبع. وهذا إنما هو في سماع أشهب وعزاها صاحب الطراز لسماع أشهب وتأول ذلك فقال: فيكون معنى الحديث عنده أنهم يؤدبون بغير ضرب قبل العشرة وعند العشرة يضربون انتهى. وهكذا نقله ابن يونس عن أشهب وسماع عيسى. قال اللخمي في آخر كتاب الصلاة الاول: قال مالك: يؤمر الصبي بالصلاة إذا أثغر. واختلف في الوقت الذي يؤدب فيه على تركها ومتى يفرق بينهم في المضاجع، هل ذلك إذا أمروا بالصلاة أو حين يبلغوا عشرين سنين ؟ فقال مالك في العتبية: إذا أثغر أمر بالصلاة وأدب عليها. قال ابن القاسم: وحينئذ يفرق بينهم في المضاجع. وروى ابن وهب في ذلك حديثا أن النبي (ص) قال: مروا الصبيان بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع. وقال ابن حبيب: إذا بلغ عشر سنين لم يتجرد أحد منهم مع أبويه ولا مع إخوته ولا مع غيرهم إلا أن يكون مع كل واحد منهم ثوب، وليس هذا بحسن وأرى أن يفرق بينهما جملة، وسواء كانوا ذكورا أو إناثا، فإن عمل بذلك لسبع حسن، وإن أخر لعشر فواسع، وأما العقوبة فبعد العشر. وكره فضيل وسفيان أن يضرب عليها وقالا: أرشه عليها وهذا أحسن لمن يقدر على ذلك، فإن كان ممن لا يقدر أو لم يفعل بعد أن أرشى ضرب عليها انتهى. تنبيهات: الاول: جعل ابن ناجي في شرح المدونة القول بأنه يؤمر بها إذا أثغر مغايرا للقول بأنه يؤمر بها السبع قال: لانهم ذكروا مغايرتهما في باب التفرقة بين الام وولدها. قلت: والظاهر من كلامهم هنا أنهما قول واحد فتأمله. الثاني: ذكر ابن ناجي عن شيخه يعني البرزلي أنه كان جعل ابن القاسم قوله (ص): وفرقوا بينهم في المضاجع راجعا لاول الحديث وابن وهب لاقرب مذكور. الثالث: الذي يفهم من هذه النصوص كلها أن المراد ببلوغه السبع دخوله فيها، وكذلك المراد ببلوغ العشر دخوله فيها لا إكمال السبع وإكمال العشر، ونصوصهم المتقدمة كالصريحة في ذلك. وأما قول اللخمي المتقدم: وأما العقوبة فبعد العشر فالذي يفهم من كلامه أن مراده فبعد بلوغ العشر لا بعد إكمالها كما يظهر من كلامه بالتأمل والله تعالى أعلم. الرابع، هل المأمور بذلك الصبيان أو الاولياء ؟ فقيل: إن المأمور بذلك الاولياء وإن الصبي لا يخاطب بندب ولا بغيره. وقيل: إن المأمور بذلك الصبيان وأن البلوغ إنما هو شرط في التكليف بالوجوب والحرمة لا في الخطاب بالندب والكراهة. قال القرافي في كتاب اليواقيت في المواقيت: والحق أن البلوغ ليس شرطا في ذلك وأن الصبي يندب ويحصل له أجر المندوبات إذا فعلها لحديث الخثعمية. وقيل: إنه لا ثواب له ولا هو مخاطب بندب ولا بغيره


[ 56 ]

بل المخاطب الولي، وأمر الصبي بالعبادات على سبيل الاصلاح كرياضة الدابة لحديث رفع القلم عن ثلاث. والجواب: أن حديث الخثعمية أخص من هذا فيقدم الخاص على العام قال: وأما التمييز فهو شرط في جميع الاحكام إجماعا، فالصبي قبل التمييز كالبهيمة لا يخاطب بإباحة فضلا عن غيرها انتهى بالمعنى. قلت: وهذا جار أيضا على القول بأن المندوب والمكروه غير المكلف بهما، لان التكليف هو إلزام ما فيه كلفة كما هو مذكور في أصول الفقه. وقال ابن رشد في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النذور: إن الصغير لا تكتب عليه السيئات وتكتب له الحسنات على الصحيح من الاقوال. وقال في رسم الخيار من سماع أشهب من كتاب الجنائز: إن المراهق لا يؤاخذ بذنب ولا يثاب على طاعة. وقد قيل: إنه يثاب على طاعاته انتهى. فظاهره تضعيف القول بأنه يثاب على طاعته والصحيح ما قاله في كتاب النذور. وقد قال ابن عبد البر في التمهيد في شرح أول حديث منه وهو حديث الخثعمية: حدثنا عبد الواحد بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد البزار قال: حدثنا علي بن المديني قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا يحيى البكاء عن أبي العالية الرياحي قال: قال عمر بن الخطاب: يكتب للصغير حسناته ولا تكتب عليه سيئاته. وقال المقري في قواعده في النكاح: قال عمر: يكتب للصبي حسناته ولا تكتب عليه سيئاته. وحكى عن بعض المبتدعة خلاف هذا ولا يلتفت إليه انتهى كلام المقري. وقال في أول المقدمات لما تلك على شروط التكليف: للصبي حالان: حال لا يعقل فيها معنى القربة فهو فيها كالبهيمة والمجنون ليس بمخاطب بعبادة ولا مندوب إلى فعل طاعة، وحال يعقل فيها معنى القربة، فاختف هل هو فيها مندوب إلى فعل الطاعات كالصلاة والصيام والوصية عند الممات وما أشبه ذلك ؟ فقيل: إنه ليس مندوب إليه. وقيل: إنه لي بمندوب إلى شئ من ذلك وإن وليه هو المخاطب بتعليمه وتدريبه والمأجور على ذلك. والصواب عندي أنهما جميعا مندوبان إلى ذلك مأجوران عليه. قال رسول الله (ص) للمرأة التي أخذت بضبعي الصبي وقالت: ألهذا حج ؟ قال: نعم ولك أجر. وهذا واضح انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: والصبي غير مكلف إلا أنه يندب إلى القرب، واختلف هل الولي يندب لذلك أو الصبي أو هما جميعا مخاطبان مأجوران ؟ انتهى. الخامس، إذا قلنا: إن الاولياء هم المأمورون أو الامر لهم وللصبيان، فهل الولي مأمور على سبيل الوجوب أو الندب ؟ قولان، المشهور الندب وأنه لا يأثم بترك الامر كما قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والاقفهسي وغيرهم. السادس: على القول بأنه لا ثواب للصبي فاختلف في ثواب الصلاة فقيل: للصبي. وقيل: لوالديه وله. قاله الشيخ يوسف ابن عمر. وقال الجزولي: واختلف لمن أجر الصلاة فقال لوالديه ويكون بينهما نصفين، وقيل: الثلث للاب والثلثان للام. وضعف بعضهم هذا كله. وقيل: إنما يكون للصبي والحديث يرد على من يقول: إنه لوالديه لانه قال في الحديث: إن


[ 57 ]

الصبيان يتفاوتون في الدرجات في الجنة على قدر أعمالهم في الدنيا كما يتفاوت الكبار ويؤيده قوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * انتهى. السابع: معنى التفرقة في المضاجع قال المواق: قال اللخمي: أن يجعل لكل واحد منهم فراش على حدته. وقيل: أن يجعل بينهم ثوب حائل ولو كان على فراش واحد انتهى. ونص كلام اللخمي في تبصرته قال ابن حبيب: إذا بلغ عشر سنين لم يتجرد واحد منهم مع أحد أبويه ولا مع إخوته ولا مع غيرهم إلا أن يكون مع كل واحد منهم ثوب وليس هذا بحسن، وأرى أن يفرق بينهما جملة، وسواء كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا، فإن عمل بذلك لسبع فحسن، وإن أخر لعشر فواسع، وأما العقوبة فبعد العشر انتهى. الثامن: قال المواق: نقل ابن عرفة في التأديب أنه يكون بالوعيد والتقريع لا بالشتم فإن لم يفد القول انتقل إلى الضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام فقط انتهى. قلت: وكلام ابن عرفة هذا في كتاب الاجارة لما تكلم على تعليم الصبيان وليس هو في كتاب الصلاة ونصه: وعليه أن يزجر المتخاذل في حفظه بالوعيد والتقريع لا بالشتم كول بعض المعلمين للصبي: يا قرد يا عفريت، فإن لم يفد القول انتقل للضرب والضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام فقط دون تأثر في العضو، فإن لم يفد زاد إلى عشر. قال: ومن ناهز الحلم وغلظ حلقه ولم تردعه العشرة فلا بأس بالزيادة عليها. قلت: الصواب اعتبار حال الصبيان، شاهدت بعض معلمينا الصالحين يضرب الصبي فوق العشرين وأ زيد، وكان معلمنا يضرب من عظم جرمه بالعصا في سطح أسفل رجليه العشرين وأكثر انتهى. وقال الجزولي: يضربون ثلاثة أسواط على الظهر من فوق الثوب ويضرب تحت القدم عريانا ولا يزيد على الثلاثة، فإن زاد عليها كان قصاصا فإن نشأ عن ذلك شئ فإن كان بوجه جائز فلا شئ عليه وإلا لزمه. وقال بعضهم: يضربوا على الصلاة ثلاثة أسواط، وعلى الالواح خمسة، وعلى السب سبعة، وعلى الهرب عشرة، ويكون ذلك بسوط لين انتهى. زاد الشيخ يوسف بن عمر: فإن زاد


[ 58 ]

اقتص منه. ص: (ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة) ش: لما فرغ رحمه الله تعالى من الكلام على أوقات الصلوات المفروضة شرع الآن يتكلم على أوقات النافلة يريد النافلة المطلقة، فأما أوقات السنن المذكورة فسيذكرها المصنف عند الكلام على كل واحد في بابها، وكذلك وقت الرغيبة التي هي أعلى من النافلة المطلقة وهي ركعتا الفجر فسيذكره المصنف عند الكلام عليها. والكلام هنا في أوقات النفل المطلق. ومن النفل ما يقيد بالاضافة لوقته كقيام الليل وقيام رمضان وصلاة الضحى، أو بالاضافة لسببه كالركوع عند الاحرام وركعتي الاستخارة، وسنذكر ذلك في فصل النفل. وجعل المصنف أوقات النافلة ثلاثة أقسام: وقت تحريم ووقت كراهة ووقت جواز، وبين القسمين الاولين فعلم أن الثالث ما عداهما، وذكر أن النافلة تحرم في ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند خطبة الجمعة. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والاوقات المنهي عن الصلاة فيها ثلاثة ممنوعة، وثلاثة مكروهة. والممنوعة عند طلوع الشمس حمراء إلى بياضها، وعند غروبها صفراء إلى ذهابها، وعند خروج الامام إلى خطبة الجمعة على الاصح. وقيل: إلا التحية إلى انقضاء الصلاة انتهى. والظاهر أن المراد عند ظهور حاجب الشمس من الافق حتى يرتفع جميعها قبل الافق، وبالغروب إلى مغيب قرص الشمس الذي يلي الافق إلى أن يذهب جميع قرصها، وذلك قريب مما قاله الشيخ زروق فإنه تقدم في الكلام على وقت العصر أنها لا تزال نقية حتى تغرب. تنبيهات: الاول: قال الشارح في شروحه الثلاثة: غالب عبارة الاصحاب هنا الكراهة وظاهر كلام المصنف التحريم لانه ظاهر النهي انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على كلام ابن بشير ونصه: وأما أوقات النوافل فإنه يحرم أداؤها عند الطلوع وعند الغروب، واختلف الناس فيما عدا ذلك انتهى. وقال المصنف: حكى ابن بشير الاجماع على تحريم إيقاعها عند الطلوع وعند الغروب.


[ 59 ]

الثاني: إن قيل: قوله: وخطبة جمعة يقتضي أن النفل إنما يحرم في وقت الخطبة وهو مخالف لما سيقوله المصنف في فصل الجمعة من أن النفل يحرم لخروج الامام أي بدخول المسجد للخطبة كما سيأتي بيانه. فالجواب أنه اقتصر هنا على ذكر المتفق عليه جريا على عادته في جمع النظائر مجملة معتمدا على ما يذكره في ال في بابها. الثالث: علم من كلام المصنف أن الفرض لا يمنع في هذه الاوقات وهو كذلك، فمن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها ولو كان ذلك عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وكذلك إذا ذكر منسية والامام يخطب فإنه يصليها كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في فصل الجمعة. الرابع: قال الشارح في الوسط: واحترز بقوله: خطبة جمعة من غيرها من الخطب فإن ظاهر كلام مالك في المجموعة أن الركوع لا يمنع لقوله في خطبة العيدين: وليس من تكلم فيهما كمن تكلم في خطبة الجمعة. ونحوه في الكبير وجزم بذلك في الصغير فقال: واحترز بخطبة الجمعة من خطبة غيرها فإنها لا تمنع انتهى. قلت: وهو ظاهر إلا أنه إذا انتفى المنع فالظاهر أن ذلك مكروه وسيأتي في فصل العيدين أن من فاتته صلاة العيد يستحب له أن يصليها. قال سند: فإن جاء والامام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي، وسواء كان في المصلى أو في المسجد وهو ظاهر، وأيضا فإن الكلام وإن لم يحرم في خطبة غير الجمعة فالانصات مستحب كما سيأتي والله أعلم. الخامس: فإن قيل: لم لم يذكر المصنف في الاوقات التي يحرم فيها النافلة إذا أقيمت الصلاة المفروضة ؟ فالجواب والله أعلم أنه لم يذكره لان المنع من النافلة حينئذ ليس لخصوصية الوقت وإنما هو لامر آخر وهو الاشتغال بالصلاة المفروضة التي أقيمت، ولئلا يؤدي إلى الطعن على الامام. ألا ترى أن المنع ليس خاصا بالنافلة بل يحرم حينئذ الاشتغال بغير الصلاة التي أحرم بها الامام، ومثل هذا تنفل من أخر الصلاة حتى خاف خروج وقتها، وتنفل من عليه فوائت، فالمنع من النفل ليس راجعا إلى الوقت وإنما هو لامر آخر. فإن قيل: وكذلك المنع في خطبة الجمعة ليس لخصوصية الوقت وإنما هو لاجل الاشتغال عن سماع الخطبة. فالجواب والله أعلم أنه لما كان وقت خطبة الجمعة منضبطا متكررا في كل جمعة وكان المنع فيه من النفل فقط، أشبه الوقت الذي يمنع فيه النفل فتأمله والله تعالى أعلم. السادس: يستثنى من المنع في الاوقات المذكورة من قرب للقتل على أحد القولين كما سيأتي. فرع: قال المشذالي في حاشيته في آخر كتاب الصلاة الاول: قلت لشيخنا: ما ترى في قضاء التطوع المفسد هل يلحق بالفرائض فيوقع في الاوقات المكروهة، أو حكمه حكم التطوعات الاصلية فلا يوقع فيها ؟ قال: الذي عندي أنها كالتطوعات الاصلية. قلت له: يؤخذ


[ 60 ]

هذا من تقييد عبد الحق وغيره تلافي المغرب بحسب ما يترتب فإذا منعه من نفل رعيا لاصله فأحرى على أصله بكماله فصوبه انتهى. ص: (وكره بعد فجر وفرض عصر إلى أن ترتفع قيد رمح وتصلي المغرب إلا ركعتي الفجر والورد قبل الفرض لنائم عنه وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار) ش: لما ذكر الاوقات التي تحرم فيها النافلة شرع يذكر الاوقات التي تكره فيها النافلة، فذكر أن النفل يكره في وقتين: الاول منهما بعد طلوع الفجر ويريد الفجر الصادق إلى أن تطلع الشمس وترتفع عن الافق قيد رمح أي قدر رمح، والقيد بكسر القاف وسكون المثناة التحتية بمعنى القدر. والوقت الثاني بعد إيقاع صلاة العصر، إلى أن تغرب الشمس وتصلى المغرب. فقوله: إلى أن ترتفع قيد رمح راجع إلى قوله: بعد فجر وقوله: وتصلى المغرب راجع إلى قوله: فرض عصر ففي كلامه لف ونشر مرتب. فعلم منه أن النافلة تكره بعد طلوع الفجر الصادق إلى وقت طلوع الشمس فتحرم حينئذ، فإذا طلعت الشمس زال التحريم وعادت الكراهة إلى أن ترتفع قيد رمح. وقوله: قيد رمح قال الاقفهسي: من رماح العرب انتهى. وقاله اللخمي: وما ذكره المصنف من كراهة النافلة بعد الفجر إلا ما استثناه هو المشهور. قال الشارح: ونقل ابن يونس جواز ركعتين قبل ركعتي الفجر. وقيل: تجوز


[ 61 ]

النافلة ما لم تطل انتهى. أما القول الاول الذي ذكره عن ابن يونس فيشير به إلى ما نقله عن الشيخ أبي الحسن أنه كان إذا دخل المسجد بعد الفجر يركع أربع ركعات ركعتي الفجر وركعتي تحية المسجد. ونقل عن أبي عمران أنه كان يضعف رأي أبي الحسن. وقال ابن يونس قبل ذلك. قال مالك في كتاب ابن المواز: إن الناس لينكرون التنهل بعد الفجر وما هو بالضيق جدا. وقال ابن حبيب: من السنة كراهية الصلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر. انتهى من كتاب الصلاة. الثاني: في باب ركعتي الفجر وفي الاكمال وقد جاء عنه - يعني مالكا وعن غيره من أصحابه - أنه لا بأس أن يصلي بعد الفجر قدر ست ركعات. قالوا: وما خفف وإنما يكره ما كثر من ذلك خيفة أن يؤخر الصبح بسبب تطويل النفل وتكثيره حينئذ، وأجاز غيره التنفل ما لم تصل الصبح انتهى. ونقله ابن عرفة عن اللخمي ونص كلام اللخمي: ولا بأس بالتنفل بعد غروب الشمس إلى أن تقام الصلاة، وكذلك بعد طلوع الفجر إلى أن تقام الصلاة أيضا انتهى. فرع: ونقل بعضهم عن القلشاني شارح الرسالة في شرح قوله فيها: ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر. يريد والاوترة وحزبه الذي غلبته عيناه عنه أو خسوف قمر أو سجود التلاوة. قال ابن عبد السلام: وروي جواز ما قل من النافلة كأربع وست. وقال اللخمي: لا بأس بالنفل بعد الفجر إلى إقامة الصلاة، ولعله لم يثبت عنده الحديث بالنهي انتهى. ونقل الجزولي في صلاة خسوف القمر بعد الفجر قولين، واقتصر صاحب الذخيرة لى أنها لا تصلى بعد الفجر والله تعالى أعلم. وقال في الارشاد: والنائم عن ورده إن أصبح لانتظار الجماعة صلاة وإلا بادر إلى فرضه. قال الشيخ زروق في شرحه: أما النائم عن ورده فلنص الحديث فيه، وظاهر الرسالة خلاف ما هنا من اعتبار الجماعة إذ قال: فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الاسفار، وما ذكره هنا أوجه لان صلاة الجماعة أهم من ألف ألف نافلة لكنني لم أقف عليه في غير هذا الوضع. قالوا: ولا ينبغي لاحد أن يتعمد حزبه بعد طلوع الفجر إنما سومح في ذلك لمن غلبته عيناه عنه انتهى. وقد صرح في التوضيح بأن المؤخر لذلك عمدا لا يصليه على المشهور. وصرح الجزولي في شرح الرسالة بأنه يصليه ما لم يخف فوات الجماعة. وقال في قول الرسالة: ومن غلبته عيناه الغلبة شرط فلا يجوز التأخير اختيارا وشرط ذلك أن يكون من عادته الانتباه آخر الليل وله ورد. وهذا أيضا إذا كان وحده والافضل الجماعة مقدم على ورده كما أن ورده مقدم على أول الوقت. ونص على اعتبار الجماعة صاحب الارشاد وغيره، وظاهر كلام البراذعي أن العامد كالمغلوب، وقد اعترض عليه في ذلك لان مالكا لم يقل ذلك إلا فيمن غلبته عيناه. ونقل ابن عرفة لفظ البراذعي ولم يتعقبه. تنبيه: قال الابي في شرح مسلم: قال النووي: أجمعت الامة على كراهة التنفل في


[ 62 ]

هذين الوقتين لغير سبب. قلت: عبر بالكراهة وعبر غيره من متأخري الشيوخ بالمنع ابن حارث، والاتفاق على المنع إنما هو في غير أسير قرب للقتل بعد العصر فإنه اختلف في ركعتيه حينئذ، فروي الوليد بن مسلم عن مالك الجواز، وروى عنه ابن نافع المنع، وسمع ابن القاسم من ذكر بعد ركعة من العصر أنه صلاها شفعها لانه لم يتعمد نفلا. ابن رشد: لان المنع من النفل في الوقتين للذريعة خوف أن يوقع النفل بعد الغروب أو الطلوع، ولذا جاز أن يتنفل من لم يصل العصر بعد صلاة غيرها، ولو كان المنع لذات الوقت ما جاز. وكان الشيخ يصلي بعد العصر فقيل له في ذلك فقال: إنما أفعله يوم يفوتني معتادي من الصلاة بالنهار انتهى. والمراد بالشيخ ابن عرفة رحمه الله تعالى. وقال في باب من ذكر صلاة نسيها من المدونة: ويكره صلاة التطوع متى ترتفع الشمس، ابن ناجي: ظؤهره أن الكراهة على بابها وتقدم بحثنا مع ابن عبد السلام في ذلك، وكذلك تكره الصلاة بعد العصر إلى الغروب، واختلف فيما بين الغروب وصلاة المغرب على ثلاثة أقوال، المشهور وقت نهي وقيل: لا واختاره ابن رشد لمن دخل المسجد إلا لمن كان فيه. وإذا فرعنا على المشهور فكان شيخنا رحمه الله يفتي بجواز الجلوس ولا يرجع الوقوف، وكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يرجح وقوفه حتى تقام الصلاة للخروج من الخلاف انتهى. وبحثه مع ابن عبد السلام ذكره في باب صلاة الفجر ونصه: قال ابن عبد السلام: وظاهر قول ابن الحاجب: ومن أحرم في وقت نهي قطع يقتضي التحريم. قلت: ليس فيه دليل لان من تلبس بمكروه ثم ذكر فإنه يؤمر بقطعه استحبابا لان حقيقة المكروه ما في تركه الثواب. وقد ذكر ابن رشد في النافلة بعد صلاة الجمعة ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك مكروه يثاب بتركه ولا يأثم بفعله. فقول ابن الحاجب: يحتمل أن يكون على استحباب، ثم ورد علينا خليل فذكر مثل ما ذكرته انتهى والله تعالى أعلم. قال ابن رشد في كتاب الجامع من البيان: لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة قد حلت بغروب الشمس إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بغروب الشمس فلا ينبغي لاحد أن يصلي نافلة قبل صلاة المغرب، لان تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها أفضل عند من رأى وقت الاختيار لها يتسع إلى مغيب الشفق، وهو ظاهر قول مالك في موطئه. وقد قيل: إنه ليس لها إلا وقت واحد فلا يجوز أن تؤخر عنه إلا لعذر. واختلف فيمن كان في المسجد منتظرا للصلاة، هل له أن يتنفل فيما بين الاذان والاقامة ؟ فقيل له ذلك على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك. وقيل: ليس له ذلك وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية، وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر، وما ذكره المصنف من كراهة النافلة بعد العصر صرح به غير واحد وقوله: وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار استدل بعضهم من قوله في المدونة: ويسجدها قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنازة. على أن الجنازة غير واجبة لقياسة سجود التلاوة عليها، وذلك أنه إنما يقاس على ما ليس


[ 63 ]

بواجب، ولو كانت صلاة الجنازة فرضا لبطل حكم القياس انتهى من ابن ناجي على المدونة، بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى والله أعلم. وأما عند الاسفار والاصفرار فمنع الصلاة عليها. قال في الشامل: ومنعت صلاة جنازة وسجدة تلاوة عند إسفار واصفرار إلا لخوف تغير ميت، وفيما بين إسفار وفجر أو اصفرار وصلاة عصر ثلاثة للمدونة والموطأ وابن حبيب، ثالثها الجواز في الصبح فقط انتهى الاول مذهب المودنة بالجواز فيهما. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الجنائز: ولو صليت في الوقت الذي لا يجوز كعند الغروب فقيل: لا إعادة، وقيل مثله: إن وقت قاله ابن القاسم وكلاهما حكاه ابن يونس انتهى. فرع: قال البرزلي: والصواب أنه يسجد إذا قرأ سورة فيها سجدة في فريضة صلاها في وقت نهى البرزلي لانها تابعة لقراءة الفريضة فأشبهت سجود السهو. ص: (وقطع محرم بوقت نهي) ش: سواء كان وقت كراهة أو وقت تحريم. قال في التوضيح: زاد ابن شاس: ولا قضاء عليه. ونقل ابن عرفة ذلك عن النوادر لكن القطع في وقت الكراهة على الاستحباب كما يفهم من كلام ابن ناجي المتقدم فتأمله. ص: (وجازت بمربض بقر أو غنم) ش: نحوه لابن الحاجب فقال المصنف: فيه استعمال المرابض للغنم، وقال بعضهم: هي للبقر. وأما الغنم فالمستعمل لها المراح انتهى. ورده ابن الفرات بحديث البخاري كان (ص) يصلي في مرابض الغنم انتهى. واعلم أنه إذا تيقنت النجاسة في موضع لم تجز الصلاة فيه وأنه إن صلى فيه ذاكرا قادرا أعاد الصلاة أبدا، وأما ما عدا ذلك فهو إما جائز أو مكروه، فأخذ يبين الجائز منها والمكروه والله تعالى أعلم. (كمقبرة ولو لمشرك) قال في المدونة: وجائز أن يصلي في المقبرة


[ 64 ]

وعلى الثلج وفي الحمام إذا كان مكانه طاهرا، وجائز أن يصلي في مرابض البقر والغنم. قال ابن ناجي: ظاهره وإن كانت مقابر الكفار وهو كذلك، ويريد ما لم تظهر أجزاء الموتى لان مذهبه نجاسة الميت. واختلف في ال على ثلاثة أقوال: فقيل: تجوز الصلاة فيها مطلقا إذا أمن من أجزاء الموتى وهو المشهور. تكره مطلقا رواه أبو مصعب، وقال عبد الوهاب: تكره بالجديدة ولا تجوز بالقديمة إن نبشت إلا إن بسط طاهرا عليها، وتكره في مقابر المشركين من غير تفصيل. وقيل: لا بأس بالجديدة وتكره بالقديمة قاله ابن الجلاب، وكلاهما نقله اللخمي. وقيل: تجوز بمقابر المسلمين وتكره بمقابر المشركين. وما ذكره من جواز الصلاة في الحمام إذا كان مكانه طاهرا هو المشهور. وقيل: إنها مكروهة انتهى. والمقبرة مثلثة الباء ثلاث لغات والكسر قليل. قاله الطيبي في شرح المشكاة. ص: (وكرهت بكنيسة ولم تعد) ش: الاحسن أن يحمل على نفي الاعادة الابدية كما صرح به الشارح والمحشي لانه صرح به في التوضيح، ولتكون الاعادة في هذا الباب على نمط واحد. ويمكن أن يحمل كلامه في هذه فقط على ما حكاه صاحب الذخيرة عن صاحب الطراز قال فيها: قال صاحب الطراز: إن عللنا بالصور لم يؤمر بالاعادة وهو ظاهر المذهب، وإن عللنا بالنجاسة قال سحنون: يعيد في الوقت. وعلى قول ابن حبيب يعيد أبدا في العمد والجهل انتهى، والتعليل بالنجاسة أظهر والله أعلم. فائدة: تكره الصلاة في أربعة عشر موضعا: أحدها: قال في الكتاب: لا بأس بالصلاة وأمامه جدار مرحاض. قال صاحب الطراز: إن كان ظاهره طاهرا لا يرشح فلا يختلف في


[ 65 ]

صحة الصلاة وإن كانت مكروهة ابتدأ لان المصلي ينبغي أن يكون على أحسن الهيئات مستقبلا أحسن الجهات لانه يناجي الله تعالى. وقد قال ابن القاسم في العتبية: إذا كان أمامه مجنون أو صبي فليتنح عنه، وكذلك الكافر فإن كان ظاهره يرشح فيختلف فيه، والمذهب أن صلاته صحيحة بغير إعادة. وقال ابن حبيب: من تعمد الصلاة إلى نجاسة أمامه أعاد إلا أن تبعد جدا ويواريها عنه شئ، فقاس المصلي إليه على المصلى عليه ونحن نقيسها على ما على يمينه أو شماله أو خلفه. قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: والمريض إذا كان على فراش نجس ما نصه: والمشهور في استقباله محل النجس الكراهة إن بعد عن مسها وهي في قبلته انتهى. وثانيها: الثلج. قال في الكتاب: لا بأس بالصلاة على الثلج. قال في الطراز: يكره لفرط برودته المانعة من التمكن من السجود كالمكان الحرج. وثالثها: المقبرة. ورابعها: الحمام. قال في الكتاب: إذا كان موضعه طاهرا فلا بأس به، وكرهه الشافعي والقاضي عبد الوهاب ومنعه ابن حنبل مع سطحه. وخامسها: معاطن الابل. وسادسها: الكنائس. وسابعها: قارعة الطريق. قال صاحب الطراز: والطريق القليلة الخاطر في الصحارى تخالف ذلك، وكذلك لو كان في الطريق مكان مرتفع لا تصل إليه الدواب. وقد قال مالك في النوادر في مساجد الافنية يمشي عليها الدجاج والكلاب وغيرها: لا بأس بالصلاة فيها. وفي البخاري عن عمر: كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله (ص) وكنت شابا عزبا وكانت الكلاب تدبر وتقبل في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: ومحجة الطريق وهذا إذا صلى في الطريق اختيارا، وأما لضيق المسجد فيجوز انتهى. وتقدم الكلام على الحمام في مسائل الطهارة وقال: ولا خلاف في طهارة الدارسة العافية من آثار أهلها، مزبلة كانت أو مجزرة أو كنيسة، وإنما الكلام في غيرها. انتهى من شرح الرسالة للشيخ زروق. وثامنها: المجزرة. وتاسعها: المزبلة. وعاشرها في الجواهر: بطن الوادي لان الاودية مأوى الشياطين. قال ابن عبد البر في التمهيد في شرح الحديث الثالث والاربعين لزيد بن أسلم: القول المختار عندنا في هذا الباب أن ذلك الوادي وغيره من بقاع الارض جائز أن يصلى فيها كلها ما لم يكن فيها نجاسة متيقنة تمنع من ذلك، ولا معنى لاعتلال من اعتل بأن موضع النوم عن الصلاة موضع شيطان وموضع ملعون لا يجب أن يقام فيه الصلاة فلانا لا نعرف الموضع الذي ينفك من الشياطين ولا الموضع الذي لا تحضره الشياطين انتهى. وقال ابن عرفة: ورد النهي عنها بالوادي ونقله ابن الحاجب عن المذهب لا أعرفه فيه انتهى. وفي التوضيح قيل: إن المصنف انفرد به انتهى. قلت: ذكره ابن شاس لما تكلم على المواضع التي تكره الصلاة فيها، وذكره في كلامه على شروط الصلاة. ونقله عن صاحب الذخيرة وقبله كما تقدم. وحادي عشرها: القبلة تكون فيها التماثيل قال صاحب الطراز: لا يختلف المذهب في كراهتها اعتبارا بالاصنام فإن كانت في ستر على جدار الكعبة فأصل المذهب الكراهة. وقال أشهب: لا أكرهه. وكره في الكتاب الصلاة بالخاتم فيه تمثال لانه من


[ 66 ]

زي الاعاجم. وثاني عشرها: كره في الكتاب الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق أو غيرها بخلاف الحجارة الكثيرة لشبهه بالاصنام. وثالث عشرها: قال في الكتاب: لا يستند المريض لحائض ولا لجنب. ورابع عشرها: من صلى في بيت نصراني أو مسلم لا يتنزه عن النجاسة أعاد أبدا. انتهى من الذخيرة وبعضه فيه اختصار، ويأتي للمصنف عد بعض هذه الاماكن. وقال في توضيحه عند عدا بن الحاجب بطن الوادي من الاماكن المكروهة: لم أره لغيره. وأنت ترى نقل صاحب الذخيرة عن الجواهر، وينبغي أن يزاد خامس عشر: وهو المكان الشديد الحر لعدم تمكنه من السجود عليه قياسا على الثلج. قال في النوادر في باب ما يكره أن يصلى فيه من الاماكن: قال ابن حبيب: ولا أحب الصلاة في بيت من لا ينتزه عن الخمر والبول فإن فعل أعاد أبدا، وأكره الصلاة على حصير أو بساط مبتذل يمشي عليه الصبي والخادم ومن لا يتحفظ، وليتخذ الرجل في بيته موضعا يصونه لصلاته أو حصيرا نقيا، فإن لم يفعل صلى حيث شاء من بيته ولا يوقن فيه بنجاسة لم يعد انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: لما تكلم على الحمام ولابن رشد المقعد الذي يوضع فيه الثياب منه بخارجه محمول على الطهارة، وخفف أبوعمران ما يقطر من عرق الحمام وإن أوقد تحته بالنجاسة انتهى والله أعلم. ص: (وبمعطن إبل) ش: قال ابن الحاجب: وهو مجتمع صدرها من المنهل. قال في التوضيح: أي موضع اجتماعها عند صدرها من الماء، والمعطن هو الصدر. يقال: فلان واسع المعطن أي الصدر، فمعاطن الابل مباركها عند الماء قاله المازري انتهى. فيفهم منه أن موضع مبيتها ليس بمعطن ولا تكره الصلاة فيه. ثم قال في التوضيح: ولابن الكاتب إنما نهى عن المعاطن التي اعتادت الابل أن تغدو منها وتروح إليها، فأما إن باتت في بعض المناهل لجازت الصلاة فيه لانه عليه الصلاة والسلام صلى إلى بعيره انتهى. وقال الجزولي: المعطن صدر البعير سمي الموضع الذي يرقد فيه به. ص: (ومن ترك فرضا أخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري وقتل بالسيف حدا ولو قال أنا أفعل وصلى عليه غير فاضل ولا


[ 67 ]

يطمس قبره لا فائتة على الاصح والجاحد كافر) ش: تصوره واضح. قال في الجلاب: ومن تعمد ترك صلوات حتى خرج أوقاتهن فعليه القضاء والاستغفار إذا كان مستفتيا، ومن ظهر عليه بترك صلوات مستخفا بها ومتوانيا أمر بفعلها، وإن امتنع من ذلك هدد وضرب، فإذا قام على امتناعه قتل حدا لا كفرا إذا كان مقربا بها وغير جاحد لها انتهى. وقال ابن التلمساني في شرحه نافلا عن ابن العربي: وأما الصيام فإنه كالصلاة يقتل تاركه انتهى. وقال في الذخيرة: ويقتل عند مالك بترك الصلاة والصوم. وقال الشافعي والعراقيون: منا: لا يقتل بترك الزكاة لدخول النيابة فيها فيمكن أخذها منه كرها. وقال في التوضيح في حكم من قال: لا أصلي، من قال: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم رمضان وما ذكرناه إنما هو في التارك الابي خاصة، فإن انضم إلى ذلك بعض الاستهزاء كما يقول بعض الاشقياء إذا أمر بها: إذا دخلت الجنة فأغلق الباب خلفك، فإن أراد أن الصلاة لا أثر لها في الدين فلا يختلف في كفره، وإن أراد صلاة المنكر عليه خاصة وأنها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر فهو مما اختلف فيه، قاله ابن عبد السلام انتهى والله أعلم. واختلف إذا صلى في حال تهديده فقال ابن التلمساني: ينبغي له أن يعيد الصلاة التي صلاها مكرها. وقد قال ابن شعبان: لو أكره الجنب على الغسل لم يجزه الغسل. وقال ابن أبي زيد في نوادره: ومن قول أصحابنا أن من توضأ مكرها لم يجزه انتهى. ونقل عن ابن العربي عن أصحابنا أن من ترك الطهارة يقتل بها كالصلاة. وعندي أنه يتوضأ مكرها ويقال له: صل، فإن من العلماء من قال: إن الوضوء يجزئ بغير نية انتهى. وكان هذا الخلاف ضعيف فلم تراعه الاصحاب والله أعلم. وقوله: لبقاء ركعة بسجدتيها وإن


[ 68 ]

بقي للظهر والعصر خمس ركعات في حق الحاضر وثلاث ركعات في حق المسافر قبل غروب الشمس قاله ابن بشير في التنبيه. فرع: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عن الرجل يكون معروفا بترك الصلاة فيوبخ ويخوف بالله فيصلي اليوم واليومين ثم يرجع إلى تركها، فيعاد عليه الكلام فيقول: إن الله غفور رحيم وإني مذنب ويموت على ذلك، هل يكون إماما ويجوز شهادته أم لا ؟ وهل يصلى عليه إذا مات ؟ وهل يسلم عليه إذا لقيه وتؤكل هديته، ولا يفرق بينه وبين امرأته ؟ وكيف لو كان هذا حال امرأته هل يسع لزوجها المقام معها ؟ فأجاب بأنه يصلى عليه وتؤكل هديته ولا يفرق بينه وبين امرأته ولا يصلى خلفه ولا يجوز شهادته، وإن كان هذا حال زوجته فيستحب له فراقها. قيل له: فالرجل ينقر صلاته وهو أكثر شأنه ولا يتم ركوعها ولا سجودها فيعاتب على ذلك فينتهي. ثم يعود فقال: لا تجوز شهادته ولا إمامته ويسلم عليه انتهى. مسألة: وفي التقريب على التهذيب قال ابن عبد الحكم: يجوز أن يستأجر عن الميت من يصلي عنه ما فاته من الصلوات. ذكره في كتاب الحج والمشهور أنه يقبل النيابة وقال أبو الفرج في الحاوي: لو صلى إنسان من غيره بمعنى أن يشركه في ثواب صلاته لجاز ذلك انتهى. فصل الاذان والاقامة (سن الاذان لجماعة طلبت غيرها) الاذان الاعلام بأي شئ كان، قال الله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله) * واشتقاقه من الاذن بفتحتين وهو الاستماع. وقال ابن قتيبة: أصله من الاذن بالضم كأنه أودع ما علمه أذن صاحبه، ثم اشتهر في عرف الشرع بالاعلام بأوقات الصلاة فاختص ببعض أنواعه كما اختص لفظ الدابة والقارورة والخابية ببعض أنواعها. وأذن بفتح الذال وتشديدها إذا أعلم، وأذن له في الشئ بكسر الذال مخففة أي أباحه. ويقال: بمعنى علم ومنه * (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * وبمعنى


[ 69 ]

استمع ومنه أذن الله لشئ كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن والاصل فيه من القرآن قوله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * ومن السنة حديث عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله (ص) بالناقوس ليعمل حتى يضرب له ليجتمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال: ما تصنع به ؟ قلت: ندعوا به للصلاة فقال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ قلت: بلى. قال: تقول الله أكبر الله أكبر فذكر الاذان والاقامة، فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنه لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن. ففعلت، فلما سمع عمر الاذان خرج مسرعا يسأل عن الخبر فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى. فقال رسول الله (ص): الحمد لله. وعن أبي داود قال: اهتم النبي (ص) كيف يجمع الناس للصلاة فقيل له: ننصب راية فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القبع يعني الشبور فلم يعجبه وقال: وهو من فعل اليهود، فذكروا له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى وساق الحديث. فائدة: قال في الذخيرة: يروى القبع بالباء الموحدة مفتوحة وبالنون ساكنة. قال: وسمعت أبا عمر يقول: القثع بالثاء المثلثة والجميع أسماء للبوق. فبالنون من إقناع الصوت والرأس وهو رفعه، وبالباء من الستر يقال: قبع رأسه إذا أدخله فيه انتهى. وقال في الصحاح: الشبور على وزن التنور البوق ويقال: هو معرب. فائدة أخرى: ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: المؤذنون أصول الناس أعناقا يوم القيامة بفتح الهمزة جمع عنق. واختلف في تأويله فقيل: معناه أطول الناس تشوقا إلى رحمة الله تعالى لان المتشوف يطيل عنقه. وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم. وقال يوسف بن عبيد: معناه الدنو من الله تعالى. وقيل: معناه أنهم رؤوس. وقيل: أكثر اتباعا. وقيل: أكثر الناس أعمالا. قال القاضي عياض. ورواه بعضهم بكسر الهمزة أي إسراعا إلى الجنة من سير العنق ومنه الحديث كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص


[ 70 ]

ومنه الحديث لا يزال الرجل معنقا ما لم يصب دما يعني متبسطا في سيره يوم القيامة انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: اختلف العلماء هل الاذان أفضل أم الاقامة أفضل ؟ والمشهور أن الامامة أفضل ونحوه للبرزلي وزاد. فقال: للاحتجاج للقول بأن الاذان أفضل وإنما تكره النبي (ص) عليه لانه لو قال: حي على الصلاة ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة لقوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * وأما الخلفاء فمنعهم عنه الاشتغال بأمور المسلمين قال عمر: لولا الخلافة لاذنت انتهى. وقال الشبيبي في شرح الرسالة: واختلف العلماء أيما أفضل الاذان أو الامامة فقيل: الاذان أفضل واختاره عبد الحق. وقيل: الامامة أفضل. وقيل: هما سواء. وقيل: إن كان الامام توفرت فيه شروط الامامة فهو أفضل وإلا فلا انتهى. وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن الاذان سنة مطلقا وأنه لا يجب في المصر وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وغيره وظاهر كلامه في التوضيح وهو خلاف ما جزم به ابن عرفة وجعله المذهب ونصه: الاذان يجب على أهل المصر كافة يقاتلون لتركن. أبو عمر: روى الطبري إن تركه أهل مصر عمدا بطلت صلاتهم. وروى أشهب إن تركه مسافرا عمدا أعاد صلاته. قلت: هذا الذي عزاه عياض لرواية الطبري قال: وهو نحو قول المخالف بوجوبه وفي كونه بمساجد الجماعة سنة أو واجبا طريقا البغداديين والشيخ وفي الموطأ: إنما يجب في مساجد الجماعات. المازري: فسر القاضي الوجوب بالسنة وغيره السنة بعدم الشرطية انتهى. وقال الابي في شرح مسلم: والمشهور أن الاذان فرض كفاية على أهل المصر لانه شعار الاسلام، فقد كان (ص) إن لم يسمع الاذان أغار وإلا أمسك. واختلف في وجوبه بعد ذلك في مساجد الجماعات للاعلام وبدخول الوقت وبحضور الجماعة فأوجبه في الموطأ، وقال بعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافعي وجمهور الفقهاء وعامة أصحابه: إنه سنة مؤكدة. والاول الصحيح لان إقامة السنن الظاهرة واجبة على الجملة لو تركه أهل بلد قوتلوا، لان معرفة الوقت فرض كفاية انتهى. وقال في الاكمال قال أبو عمر بن عبد البر: لم يختلفوا أن الاذان واجب في الجملة على أهل المصر لانه شعار الاسلام. قال بعض شيوخنا: أما لهذا الوجه ففرض على الكفاية وهو أكثر مقصود الاذان إذا كان عليه الصلاة والسلام إذا غزا فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار. فإذا قام به على هذا واحد في المصر وظهر الشعار سقط الوجوب. وبقي المعنى الثاني بتعريف الاوقات وهو المحكي الخلاف فيه عن الائمة، والذي اختلف لفظ مالك وبعض أصحابه في إطلاق الوجوب عليه، فقيل: معناه وجوب السنن المؤكدة، كما في غسل الجمعة والوتر وغيرهما. وقيل: هو على ظاهره من الوجوب على الكفاية إذ معرفة الاوقات


[ 71 ]

فرض وليس كل أحد يقدر على مراعاتها فقام به بعض الناس عن بعض، وتأول هذا قول الآخرين سنة أي ليس من شرط صحة الصلاة كقولهم: في ستر العورة وإزالة النجاسة انتهى. وما ذكره عن بعض شيوخه ذكره المازري في شرح التلقين وجزم به فانظره، ولعله هو المراد ببعض شيوخه. ولم يحك ابن عرفة في وجوبه في المصر خلافا وجعل محل الخلاف وجوبه في مساجد الجماعات وهذا هو الظاهر والله أعلم. وقوله: لجماعة طلبت غيرها يريد المواضع التي جرت العادة أن يجمع الناس إليها كالجوامع والمساجد وكعرفة ومنى والعدد الكثير يكون في السفر. قال في المدونة: وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضره الصلاة فيصلي بأذان وإقامة. قال اللخمي: والاذان في هذه المواضع سنة لا تترك وهو في المساجد والجوامع آكد لانه حفظ للاوقات ولاقامة الجماعات انتهى. فرع: قال ابن عرفة: أذان مسجدين متلاصقين أو متقاربين أو أحدهما فوق الآخر لا يكفي عنه في الآخر انتهى. وفي سماع موسى من كتاب الصلاة سئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم فضربوا وسطه حائطا، أيجوز أن يكون مؤذنهم واحدا وإمامهم واحدا ؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أن يقتسموه لانه شئ سبلوه لله تعالى وإن كانوا بنوه جميعا. وقال أشهب. مثله، ولا يجزيهم مؤذن واحد ولا إمام واحد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: ليس لهم أن يقتسموه لان ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه، فإن فعلوا فله حكم المسجدين في الاذان والامام حين فصلوا بينهما بحائز يبين كل واحد منهما عن صاحبه وإن كان ذلك لا يجوز لهم انتهى. ومفهوم قوله طلبت غيرها سيصرح به المصنف. ص: (في فرض) ش: احترز به من السنن والنوافل فإن الاذان لها مكروه. قال اللخمي: والظاهر أنه لا يجوز لانه غير مشروع. قال ابن ناجي: وأما غير الفرائض فلا يؤذن لها. قال ابن عبد السلام: اتفاقا. وحكى زياد النداء للعيدين. قال ابن ناجي: إن أراد حقيقية الاذان فهو ينقض الاتفاق الذي ذكره، وإن عنى به الصلاة جامعة مثلا فهما مسألتان فلا تناقض انتهى. ص: (وقتي) ش: فلا يؤذن للفائتة، فإن ذلك يزيدها تفويتا ولم يحك اللخمي في ذلك خلافا وقال: إن الاذان لها مكروه وسيأتي كلامه في قول المصنف: وذكورة وقال في التوضيح: لا أذان للفائتة إلا على قول شاذ. قلت: قال ابن ناجي في شرح المدونة: اختلف هل يؤذن للفوائت على ثلاثة أقوال: فقيل: لا يؤذن لها قاله أشهب وهو نقل الاكثر وبه الفتوى عندنا بإفريقية. قال في شرح الرسالة: وقيل: يؤذن لاولى الفوائت. حكاه الابهري رواية عن المذهب واختار إن رجا اجتماع الناس لها أذن وإلا فلا. وكلاهما حكاه عياض في الاكمال. وقول ابن عبد السلام المذهب أنه لا يؤذن للفوائت والنظر يقتضي أنه مندوب لحديث الوادي قصور انتهى. وفهم من قول المصنف وقتي أن الاذان مطلوب ولو صليت الصلاة في آخر الوقت. وانظر


[ 72 ]

هل يشمل الوقت الضروري أو يختص بالمختار ؟ صرح صاحب الطراز بأنه إنما يتعلق بالوقت المختار فإنه لما ذكر أنه لا يؤذن للمغرب بمزدلفة على أحد الاقوال فقال موجها لذلك القول ما نصه: لانه قد خرج وقتها المختار، ووقت الاذان للصلاة إنما يتعلق بوقتها المختار انتهى. وقال: لما تكلم على أذان الصبح وذكر قول ابن حبيب: إنه يؤذن لها من حين خروج وقت العشاء وهو عندي شطر الليل ما نصه: لما كان النصف الاول مما يجوز فيه الاذان لغيرها امتنع الاذان فيه لها. والشطر الثاني لا يؤذن فيه لغيرها فكان وقتا لاذانها انتهى. ونقل ابن عرفة عن الشيخ عن أشهب أنه لا أذان لوقتية يفيتها الاذان انتهى. وفي مسائل الشيخ إبراهيم بن هلال من المتأخرين: لا بأس بالاذان ما لم يخرج الوقت المستحب وأول الوقت أولى انتهى والله تعالى أعلم. ص: (ولو جمعة) ش: حكى اللخمي في وجوب الاذان للجمعة قولين، واختار هو وابن عبد السلام الوجوب وعزاه ابن عرفة في باب الجمعة لابن عبد الحكم، وصرح الجزولي في شرح الرسالة بأن المشهور أنه سنة كسائر الصلوات، وعزا صاحب الطراز الوجوب لبعض الشافعية قال: واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا وليس كذلك، فإنا لم نشترط في الجمعة الاقامة هي أخص بالصلاة من الاذان فكيف نشترط الاذان ؟ فإن قيل: فلم تعلق به وجوب السعي وتحريم البيع ؟ قلنا: ليس في ذلك ما يدل على اشتراطه ووجوبه وإنما هي مراعاة وجوبه انتهى. ص: (وهو مثنى) ش: قال الشارح: أي مثنى التكبير لا مربع التكبير كما يقوله المخالف انتهى. قلت: وظاهر كلام المصنف أنه راجع لجميع جمل الاذان كما قال في الاقامة مفردة بدليل قوله: ولو الصلاة خير من ولنوم. وعلى هذا فكان حقه أن يستثني الجملة الاخيرة أعني قوله في آخر الاذان: لا إله إلا الله كما قال ابن عرفة: مثنى الجمل إلا الجملة الاخيرة انتهى. وقول المصنف مثنى بضم الميم وفتح الثاء المثلثة والنون المشددة من التثنية وليس مفتوح الميم ساكن الثاء، لان ذلك معدول من اثنين اثنين فيقتضي أن جمله مربعة وهو خلاف المراد، وتعبيرنا بالجمل أولى من تعبير بعضهم بالكلمات. قال في الذخيرة: الاذان سبع عشرة جملة، وقول الاصحاب سبع عشرة كلمة مجاز عبروا بالكلمة عن الكلام وإلا فكلماته ثمان وستون كلمة انتهى. قلت: هذا في غير أذان الصبح ويريد أذان الصبح ثمان كلمات والله تعالى أعلم. فرع: قال ابن عرفة المازري: لو أوتر الاذان لم يجزه انتهى. قلت: وهو مأخوذ من المدونة قال فيها: وإن أذن فأخطأ فأقام ساهيا ابتدأ الاذان انتهى. ثم قال ابن عرفة: ولو أراد الاذان فأقام لم يجزه، وفي العكس قولا مالك وأصبغ انتهى. ونقل قبله عن المازري أنه قال: لو


[ 73 ]

شفع الاقامة غلطا فقال بعض أصحابنا: يجزئ، والمشهور لا يجزئ وعن ابن يونس الاول لاصبغ انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: ولو أراد أن يؤذن فأقام فإنه لا يجزئه باتفاق انتهى. ولفظ المازري قال بعض أصحابنا: لو شفع الاقامة غلطا لاجزأه مراعاة للخلاف والمشهور أنه لا يجزئه كما لو أوتر الاذان وإن كان الاذان لم يختلفوا في أنه لا يوتر. تنبيه: قال صاحب الطراز في شرح مسألة المدونة السابقة: النية معتبرة في الاذان فإن أراد أن يؤذن فغلط فأقام لم يكن ذلك أذانا من حيث الصفة، ولا ينبغي أن يعتد به إقامة لانه لم يقصد به الاقامة، وإن أراد أن يقيم فأذن لم يكن ذلك إقامة من حيث الصفة ولا ينبغي أن يصلي بغير إقامة. وقال قبله: من أخذ في ذكر الله بالتكبير ثم بداله عقب ما كبر أن يؤذن فإنه يبتدئ الاذان، ولم يقل أحد: إنه يبني على تكبيره الذي من غير قصد أذان فبان بذلك أن النية معتبرة فيه انتهى. وقال في الذخيرة: قال في الجلاب: إن أراد الاذان فأقام أو الاقامة فأذن أعاد حتى يكون على نية لفعله، فيحتمل أن يريد نية التقرب لانه قربة من القربات، وقد صرح بذلك الابهري في شرح مختصر ابن عبد الحكم واحتج بأنه قربة فتجب فيه النية لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما الاعمال بالنيات، وكذلك صاحب تهذيب الطالب. ويحتمل أن يريد نية الفعل وهي أعم من نية التقرب لوجودها في المحرمات والمباحات بدون نية التقرب. وكذلك يقول بعض الشراح: يعيد حتى يكون على صواب من فعله. والاول هو الاظهر من قول الاصحاب. وقال أبو الطاهر: وقيل: إن أراد الاذان فأقام لا يعيد مراعاة للقول بأنها مثنى. وهذا مما يؤيد عدم اشتراط نية التقرب فإنه صحح الاقامة مع أنه لم يقصد التقرب بها انتهى. فرع: فإن نسي شيئا من أذانه قال في الطراز: إن ذكر ذلك بالقرب أعاد من موضع نسي إن كان ترك جل أذانه وإن كان مثل حي على الصلاة مرة فلا يعيد شيئا وإن تباعد لم يعد قل أو كثر، قاله ابن القاسم وأصبغ. ثم قال: لكن ينبغي إن كان ما ترك كثيرا أعاد الاذان، وإن كان يسيرا أجزأه انتهى. ونقله المازري في شرح التلقين ونقله في الذخيرة عنه، ونقل ابن ناجي في شرح المدونة كلام ابن القاسم وأصبغ عن المجموعة ونقل ابن عرفة بعضه، ولعل الباقي سقط من نسخة من ابن عرفة. فرع: قال في الذخيرة: قال في الجواهر: إن نكس ابتدأ انتهى. وقال أشهب في المجموعة: إن بدأ ب‍ " أن محمدا رسول الله " قبل أشهد أن لا إله إلا الله فليقل بعد ذلك: أشهد أن محمدا رسول الله ويجزئه انتهى من ابن ناجي على المدونة. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: من صفات الاذان أن لا ينكسه، فإن فعل ابتدأ إذ لا يحصل المقصود منه إلا بترتيبه، ولانه عبادة شرعت على وجه فلا تغير انتهى. وقال المازري في شرح التقلين: قال بعض أصحابنا: لو قدم الشهادة بالرسالة على الشهادة بالتوحيد أعاد الشهادة بالرسالة فكأنه قيل: إن


[ 74 ]

ما قدم في غير موضعه كالعدم فلا يمنع الاتصال ويعاد لتحصيل الترتب. ص: (ولو الصلاة خير من النوم) ش: يعني أنه يثنيها وهذا مذهب المدونة وهو المشهور ومقابله لابن وهب يفردها. قال في التوضيح: والمشهور قولها: لمن يؤذن في نفسه انتهى. ويشير إلى قول مالك في مختصر ابن شعبان: فيمن كان في ضيعة متحيزا عن الناس فترك ذلك أرجو أن يكون في سعة. وحمله اللخمي على الخلاف قال: وهذا القول أحسن لانه إنما يزيد ذلك في الاذان لامكان أن يسمعه من كان في مضجعه فينشط للصلاة، وأما من كان وحده أو معه من ليس بنائم فلا معنى لذلك انتهى. ورده صاحب الطراز. وقال: هذا فاسد فإن الاذان يتبع على ما شرع ألا تراه يقول: حي على الصلاة وإن كان وحده، وكان ينبغي له أن يستحسن ترك ذلك أيضا ولا قائل به ؟ ثم قال: ومحمل ما في المختصر على أنه لا يبطل الاذان بترك ذلك لا أنه ينبغي له تركه. انتهى وهو ظاهر. تنبيه: واختلف في حين مشروعية هذا اللفظ في الموطأ أن المؤذن جاء يؤذن عمر بن الخطاب للصلاة فوجده نائما فقال: الصلاة خير من النوم. فقال له: اجعلها في نداء الصبح. وقيل: أمر بها رسول الله (ص). رواها ابو داود والنسائي في حديث أبي محذورة. قاله في الطراز واقتصر في التوضيح عى الثاني فقال: واعلق أن قول المؤذن: الصلاة خير من النوم صادر عنه عليه الصلاة والسلام ذكره صاحب الاستذكار وغيره. وقول عمر: اجعلها في نداء الصبح إنكار على المؤذن أن يجعل شيئا من ألفاظ الاذان في غير محله كما ذكر مالك التلبية في غير الحج انتهى والله أعلم. ص: (مرجع الشهادتين) ش: يعني أن من صفة الاذان أن يكون مرجع الشهادتين. قال في الذخيرة: وخالف في ذلك أبو حنيفة محتجا بأن سببه إغاظة المشركين بالشهادتين أو أمره عليه الصلاة والسلام أبا محذورة بالاعادة للتعليم، أو أنه كان شديد البغض له عليه الصلاة والسلام، فلما أسلم وأخذ في الاذان ووصل الشهادتين أخفى صوته حياء من قومه فدعاه عليه الصلاة والسلام وعرك أذنه وأمره بالترجيع، وقد انتفى السبب. وجوابه: أن الحكم قد ينتفي سببه ويبقى كالرمل في الحج انتهى. وظاهر كلام المصنف أنه مطلوب ولو تعدد المؤذنون وهذا هو المعروف. وحكى اللخمي عن مالك قولا: إنهم إذا كثروا يرجع الاول خاصة، وأخذه من قول مالك في سماع أشهب: ما أرى كان الاذان إلا على صفة واحدة يثني كلهم فلما كثر المؤذنون خففوا عن أنفسهم فصار لا يثني منهم إلا الاول. قال صاحب الطراز: وهذا غلط لانه قد نص على أن ذلك مما ابتدع لقوله: فلما كثروا خففوا على أنفسهم أي


[ 75 ]

ليس هذا من الامر القديم. ومالك رحمه الله تعالى حكى ما رأى وليس في ذلك أنه ارتضاه حتى يجعل قولا له فضلا أن يجعل تركا لقول قد عرف منه. انتهى بالمعنى مختصرا. وقال ابن عرفة وابن رشد: مذهب مالك الترجيع، وذكر عياض التخيير فيه لاحمد لاختلاف الاحاديث المجهول آخرها. قال: وذكر نحوه في هذا الاصل عن مالك، وما ذكره عن عياض هو في الاكمال فإن ترك الترجيع فيجري على ما تقدم إن ذكر ذلك بالقرب أعاده وما بعده، وإن طال صح أذانه ولم يعد شيئا والله أعلم. تنبيه: الذي يظهر من كلام أصحابنا أن الترجيع اسم للعود إلى الشهادتين وكلام ابن الحاجب صريح في ذلك وكذلك قال الابي وغيره، وللشافعية في ذلك خلاف فقيل: إنه اسم للعود، وقيل: لما يأتي به أولا، وفسره بعضهم بأنه اسم للمجموع وهو ظاهر والله أعلم. ص: (بأرفع من صوته أولا) ش: يحتمل أن يريد بأرفع من صوته في الترجيع فقط فيكون التكبير في أول الاذان مرفوعا، ويحتمل أن يكون يريد بأرفع من صوته في أول الاذان فيكون التكبير في أول الاذان بغير رفع، وكلا الوجهين روي عن مالك وتؤولت عليه المدونة، والاول هو المشهور كما صرح بذلك القاضي عياض وابن الحاجب والابي وغيرهم. وقال ابن بشير: إنه الصحيح. وقال في التوضيح: إن الثاني هو ظاهر المدونة والرسالة والجلاب والتلقين انتهى. ولم يرتض صاحب الطراز أن ذلك ظاهر المدونة واقتصر في الشامل على الاول. تنبيه: اتفق على رفع الصوت بالتكبير في آخر الاذان قاله في التوضيح. تنبيه: قال في الطراز: قال في المدونة: ويكون صوته في ترجيع الشهادتين أرفع من الاول يقتضي أنه كان له أول مرة صوت يسمع وأنه لا يخفيهما وهو صحيح فإنه إنما شرع على وجه الاذان وهو الاعلام فلا بد أن يكون على وجه يحصل به الاعلام انتهى. وقال في التنبيهات: والكل متفقون على أنه ليس بخفض لا يقع به إعلام وإنما هو رفع دون رفع انتهى. وقال المازري: ربما غلط بعض العوام من المؤذنين فيخفي صوته حتى لا يسمع وهذا غلط. ص: (مجزوم) ش: كلام المصنف رحمه الله يقتضي أن هذا من الاوصاف الواجبة في الاذان وأنه لا يصح بدونه وليس كذلك. قال ابن عرفة عن المازري: اختار شيوخ صقلية جزم الاذان


[ 76 ]

وشيوخ القرويين إعرابه والجميع جائز انتهى. ونقله غيره وقال في الذخيرة: قال في الجواهر: ويجزم آخر كل جملة من الاذان ولا يصلها بما بعدها، ويدمج الاقامة للعمل في ذلك انتهى. وقال في التوضيح: الاقامة معربة. وقاله غيره، وقال ابن فرحون: الاقامة معربة إذا وصل كلمة بكلمة، فإن وقف وقف على السكون. وأما الاذان فإنه على الوقف. وقال ابن يونس: قال اللخمي: الاذان والتكبير كله جزم. وقال غيره: وعوام الناس يضمون الراء من الله أكبر الاول والصواب جزمها لان الاذان سمع موقوفا، ومن أعرب الله كبر لزمه أن يعرب الصلاة والفلاح بالخفض انتهى. ونقله ابن عطاء الله بلفظ: لان الاذان موقوفا سمع الخ. ثم قال ابن أبي زمنين: الاذان موقوف ومن حركه فإنه يحرك الراء بالفتح. قال عياض في المشارق: يجوز في الراء من أكبر الاول السكون والتحريك بالفتح، وفي الثاني السكون لا غير. قال ابن الانباري: وبعض العوام يضمون الراء الاولى وإنما هي ساكنة ويجوز تحريكها بالفتح، وأما الثانية فيجوز فيها الجزم والتحريك بالضم انتهى. قلت: التحريك بالفتح غير ظاهر لانه يحتاج إلى تكلف وهو أن يقال: إنه وصل بنية الوقف ثم اختلف فقيل: هي حركة التقاء الساكنين وإنما لم يكسروا حفظا لتفخيم اللام. وقيل: حركة همزة الوصل نقلت إلى الراء، قال ابن هشام في المغني: وهذا خروج عن الظاهر من غير داع وليس لهمزة الوصل ثبوت في الدرج فتثبت حركتها والله تعالى أعلم. تنبيه: ظاهر ما تقدم أن الخلاف في جمل الاذان كلها، ونقل ابن فرحون عن ابن راشد أن الخلاف إنما هو في التكبيرتين الاوليين وأما غيرهما من ألفاظ الاذان فلم ينقل عن أحد من السلف والخلف أنه نطق به إلا موقوفا. ص: (بلا فصل ولو بإشارة لكسلام) ش: يعني أن


[ 77 ]

الفصل بين كلماته يخرجه عن نظامه فلا يفصل بينهما بكلام ولا سلام ولا رده ولو بإشارة لرد سلام أو غيره ولا بغير ذلك. قال في المدونة: ولا يتكلم في أذانه ولا في تلبيته ولا يرده على من سلم عليهما. قال سند: أما كلامه فمكروه لا يختلف فيه انتهى. وقال في العمدة: ويمنع الاكل والشرب والكلام ورد السلام انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وأما اشتغاله بأمر عادي من أكل أو كلام فلا يجوز ابتداء. فرع: فإن اضطر للكلام مثل أن يخاف على صبي أو دابة أو أعمى أن يقع في بئر فإنه يتكلم ويبني قاله في المجموعة. قال ابن ناجي في شرح المدونة: ما لم يطل فإن طال ابتدأ ولو كان لحفظ آدمي نص عليه اللخمي انتهى. فرع: قال في الطراز: إذا قلنا لا يرد بإشارة ولا غيرها فإنه يرد بعد فراغه، ونظير ذلك المسبوق وإذا أتم صلاته يرد على الامام وإن لم يكن حاضرا انتهى. قلت: يفهم من كلامه أن المؤذن يرد أيضا ولو لم يكن الذي سلم عليه حاضرا والله تعالى أعلم. وقال ابن عرفة: ولا يتكلم فيه ولا يرد سلاما ويرد بعده انتهى. ونحوه في الشامل. فرع: قال ابن عرفة: وسمع موسى ابن القاسم إن رعف مقيم أو أحدث قطع وأقام غيره، وإن رعف مؤذن تمادى فإن قطع وغسل الدم ابتدأ. اللخمي: إن قرب يبني انتهى. وكلام اللخمي تقييد لما قبله كما صرح به ابن ناجي. وإن أراد غيره أن يبني على أذانه فلا يفعل وليبتدئ انتهى. فرع: قال في الطراز: فإن أغمي عليه في بعض الاذان أو جن ثم أفاق بنى فيما قرب. وقاله أشهب في الاقامة انتهى. وكلام أشهب في الاقامة نقله ابن عرفة باختصار ونصه أشهب: إن عرف مقيم أو أحدث أو مات أو أغمي عليه ابتدأ، فإن بنى هو أو غيره أجزأ. الشيخ: يريد توضأ بعد إفاقته وصحح إقامة المحدث. وتعقبه التونسي بأن وضوءه طول وإقامة المحدث لا تجوز انتهى. ونقله ابن ناجي وقال قبله: وإن رعف أو أحدث في الاقامة فليقطع ويقيم غيره انتهى والله تعالى أعلم. فرع: وحكم الاقامة كحكم الاذان كما قاله في التوضيح وغيره. وقال ابن فرحون: ولا يفصل المؤذن والمقيم ما شرعا فيه بسلام ابتداء ولا برد سلام ولا بتشميت عاطس ولا كلام ألبتة، فإن فرق واحد منهما الاذان والاقامة بما ذكر أو بغيره من سكوت أو جلوس أو شرب أو غير ذلك، فإن كان التفريق يسيرا بنى، وإن كان متفاحشا استأنف. ص: (وبنى إن لم يطل) ش: يعني فإن فصل بين كلمات الاذان بكلام أو سلام أو بشئ غير ذلك، فإن كان الفصل يسيرا كرد سلام أو كلام يسير فإنه يبني، وإن كان كثيرا فإنه يستأنف الاذان من أوله. قال في النوادر: قال في المجموعة: ولا يتكلم في أذانه فإن فعل بنى إلا أن يخاف على صبي أو أعمى


[ 78 ]

أو دابة أن يقع في بئر وشبهه فليتكلم ويبني. قال ابن حبيب: وإن عرضت له حاجة مهمة فليتكلم ويبني انتهى. زاد في مختصر الواضحة: وكذلك في التلبية ولا يفعله لغير حاجة انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: ولا يتكلم في أذانه فإن فعل وعاد بالقرب بنى على ما مضى، وإن بعدما بين ذلك استأنفه من أوله. ومثله إن عرض له رعاف أو غير ذلك مما يقطع أذانه أو خاف تلف شئ من ماله أو خاف تلف أحد أعمى أو صبي أن يقع فإنه يقطع ثم يعود إلى أذانه فيبنى إن قرب ويبتدئ إن بعد انتهى. قلت: ولا مفهوم لقوله: إن خشي تلف ماله بل وكذلك إن خشي تلف مال غيره لوجوب حفظه والله تعالى أعلم. ص: (غير مقدم على الوقت) ش: يعني أنه يشترط في الاذان أن يكون بعد تحقق دخول وقت الصلاة لانه شرع للاعلام بذلك، وإذا قدم على الوقت لم يكن له فائدة. فإن أذن المؤذن قبل الوقت أعاد الاذان بعد دخول الوقت لان الاذان الاول لم يجز، وليعلم أهل الدور أن الاذان الاول كان قبل الوقت فيعيد من كان قد صلى منهم. قال ابن رشد في سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة: وقد روي أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره (ص) أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام فرجع فنادى ألا إن العبد قد نام. تنبيه: وهذا إذا علموا قبل أن يصلوا، وأما لو صلوا في الوقت ثم علموا أن الاذان قبل الوقت فلا يعيدون الاذان. قاله ابن القاسم في السماع المذكور. قال ابن رشد: مخافة أن يقبل الناس إلى الصلاة وقد صليت فيتعبوا لغير فائدة انتهى. قلت: ولان الاذان إنما هو للاجتماع للصلاة وهذا إذا وقعت الصلاة في الوقت، فإن تبين أن الصلاة وقعت في غير الوقت فيعيدون الاذان والصلاة. وقال في النوادر: قال مالك في المختصر. ومن أذن في غير الوقت في غير الصبح أعاد الاذان. قال عنه ابن نافع في المجموعة: ومن أذن قبل الوقت وصلى في الوقت فلا


[ 79 ]

يعيد. أشهب: وكذلك في الاقامة. ص: (إلا الصبح فبسدس الليل) ش: يعني أن صلاة الصبح يستحب أن يقدم أذانها قبل وقتها بمقدار سدس الليل كما صرح باستحبابه الجزولي في شرح الرسالة، وهو المفهوم من كلام غير واحد من أهل المذهب، وإن كان كلام ابن الحاجب يقتضي الجواز فيحمل على الاستحباب لان الجواز أعم من الاستحباب كما حمل الجزولي عليه قول الرسالة: ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فلا بأس أن يؤذن لها في السدس الاخير من الليل. فإن لفظ: لا بأس لا يستعمل في المستحب فعله وإنما يقال في الامر المباح الذي يستوي فعله وتركه كما قاله في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام. والمعتبر الليل الشرعي وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر كما صرح بذلك الجوز لي وهو ظاهر. تنبيه: إذا أذن لها في السدس الآخر من الليل فلا يسن لها أذان آخر عند طلوع الفحر كما يفهم ذلك من كلام صاحب الطراز فإنه قال: ذهب الناس إلى أنه إنما يؤذن للصبح قبل الفجر إذا كان ثم مؤذن آخر بعد الفجر. حكاه الخطابي عن بعض المتأخرين وهو ضعيف، فإن الاذان الواقع قبل الفجر إن كان يحسب لصلاة الفجر فقد أذن لها فلا حاجة لاذان ثان، وإن كان لا يحسب لصلاة الفجر فلا معنى له لان الاذان إنما يكون للصلاة انتهى. قلت: يفهم من هذا أن السنة تحصل بأذان قبل الفجر وهو ظاهر، لكنه لا يمتنع تعدد المؤذنين كما سيأتي. وقد قال ابن حبيب: يؤذن في الصبح والظهر والعشاء عشرة، وفي العصر خمسة، وفي المغرب واحد. التونسي: أو جماعة معا. وفي كلام صاحب المدخل ما يؤذن بأن الاذان لها عند الفجر مشروع فإنه قال: وقد رتب الشارع صلوات الله وسلامه عليه للصبح أذانا قبل طلوع الفجر وأذانا عند طلوعه وقال قبل ذلك: والسنة المتقدمة في الاذان أن يؤذن واحد بعد واحد في الصلوات التي أوقاتها ممتدة، فيؤذنون في الظهر من العشرة إلى خمسة عشر، وفي العصر من الثلاثة إلى الخمسة، وفي العشاء كذلك. والصبح يؤذن لها على المشهور من سدس الليل الاخير إلى طلوع الفجر، وفي كل ذلك يؤذن واحد بعد واحد انتهى. ثم ذكر بعد ذلك أن المؤذن الاخير لها يؤذن عند طلوع الفجر والله أعلم. فرع: قال الجزولي: إنما شرع لها الاذان فقط وأما غيره من الدعاء والتسبيح وغيره مما يقوله المؤذنون فغير مشروع ابن شعبان بدعة انتهى. وقال في المدخل: وينهي الامام المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل وإن كان ذكر الله حسنا سرا وعلنا لكن في المواضع التي ذكرها الشارع ولم يعين فيه شيئا معلوما. وقد رتب الشارع للصبح أذانا قبل طلوع الفجر وأذانا عند طلوعه. ثم ذكر أنه يترتب على ذلك مفاسد منها التشويش على من في المسجد يتهجد أو


[ 80 ]

يقرأ، ومنها اجتماع العوام لسماع تلك الالحان فيقع منهم زعقات وصياح عند سماعها، ومنها خوف الفتنة بصوت الشباب الذين يصعدون على المنائر للتذكار ثم قال بعد ذلك: وينهى المؤذنون عما أحدثوه في شهر رمضان من التسحير لانه لم يكن في عهد النبي (ص) ولا أمر به ولم يكن من فعل من مضى، وذكر اختلاف عوائد الناس في التسحير فمنهم من يسحر بالآيات والاذكار على الموادن، ومنهم من يسحر بالطبلة، ومنهم من يسحر بدق الابواب ويقولون: قوموا كلوا، ومنهم من يسحر بالطار والشبابة والغناء، ومنهم من يسحر بالبوق والنفير وكلها بدع، وبعضها أشنع من بعض. ورد على من يقول: إنها بدعة مستحسنة، وأنكر أيضا تعليق الفوانيس في المنائر علما على جواز الاكل والشرب في رمضان، وعلى تحريمهما إذا أنزلوها قال: وكذلك يمنع لوجوه: منها أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أرادوا أن يعلموا وقت الصلاة بأن ينوروا نارا فأمر رسول الله (ص) بالاذان بدلا من ذلك، ومنها أن في ذلك تغريرا للصائم لانه قد ينطفئ في أثناء الليل فيظن من لا يراه أن الفجر قد طلع فيترك الاكل والشرب، وقد ينساه من هو موكل به فيظن من يراه أن الفجر لم يطلع فيأكل أو يشرب فيفسد صومه. ثم قال: وينهى المؤذنين عما أحدثوه من التذكار يوم الجمعة لما تقدم من أن النبي (ص) لم يفعله ولا أمر به ولا فعله أحد بعده من السلف الماضيين بل هو قريب العهد بالحدوث أحدثه بعض الامراء وهو الذي أحد التغني بالاذان انتهي. قلت: وهذا الذي قاله خلاف ما ذكره ابن سهل عن ابن عتاب والمسيلي أنهما أجازا قيام المؤذنين بعد نصف الليل بالذكر والدعاء. وذكر ابن دحون وابن جرج خالفا في ذلك وقالا في مؤذن: يقوم في جوف الليل ويؤذن ويتهلل بالدعاء ويتردد في ذلك إلى أن يصبح وقام عليه قائم. وقال: إن في ذلك ضررا على الجيران أنه يؤمر أن يقطع الضرر ويجري على ما كان عليه الناس من الاذان المعهود في الليل على ما كان عليه من أفعال الصالحين. وذكره ابن عرفة في باب إحياء الموات من مختصره وجزم بأن قيام المؤذن في آخر الليل بالذكر والدعاء مع حسن النية قربة، وجعل الخلاف في قيامه قبل ذلك ونصه: ورفع الصوت بالدعاء والذكر بالمسجد آخر الليل مع حسن النية قربة، وجوازه بعسعسة الليل مع مضي نصفه.. ومنعه نقلا ابن سهل عن ابن عتاب محتجا بقول مالك: بعدم منع صوت ضرب الحديد مع المسيلي وابن دحون مع ابن جرج محتجين بوجوب الاقتصار على فعل السلف الصالح انتهى بلفظه. وفي النوادر قال علي بن زياد عن مالك: وتنحنح المؤذن في السحر محدث وكرهه انتهى. وقال في البرهان البقاعي الشافعي إن التسبيح مشروع لانطلاق علة الاذان عليه وهو قوله (ص): لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم رواه الستة إلا


[ 81 ]

الترمذي. وأيضا فقد كان رسول الله (ص) إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم وصححه انتهى. ورد عليه الحافظ السخاوي بأن شيخ الاسلام أعلم المتأخرين بالسنة الحافظ ابن حجر لما نقل عن بعض الحنفية أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الاذان وإنما كان تكبيرا أو تسبيحا كما يقع للناس اليوم قال: هذا مردود لان الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تظافرت الطرق على التعبير بلفظ الاذان فحمله على معناه الشرعي مقدم ولو كان الاذان الاول بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين، ومساق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس. وذكر أيضا عن المنير أن حقيقة الاذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول أو فعل وهيئة. وقال: إنه غريب. قال: ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي (ص) من جملة الاذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعا انتهى. والحاصل أن التسبيح والتذكير محدث قطعا وإنما الخلاف هل هو بدعة حسنة أو مكروهة ؟ فقال كثير من العلماء: إنه بدعة حسنة في آخر الليل. واختلفوا في فعله في نصف الليل كما تقدم والله تعالى أعلم. ورد السخاوي على البقاعي في قوله: إن حديث الترمذي صحيح وقال: إنه ليس في نسخته من الترمذي أنه صحيح قال: وليس ذلك في نسخة ابن حجر ولا العراقي، وفي صحيح الحاكم له منازع. فرع: قال في المدخل: وكذلك ينبغي أن ينهاهم الامام عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي (ص) عند طلوع الفجر، ثم ذكر أنهم أحدثوا الصلاة على النبي (ص) في أربع مواضع لم يكن يفعل فيها في عهد من مضى مع أنها قريبة العهد بالحدوث وهي عند طلوع الفجر من كل ليلة، وبعد أذان العشاء ليلة الجمعة، وبعد خروج الامام في المسجد يوم الجمعة ليرقى المنبر، وعند صعود الامام عليه، والكل في الاحداث قريب من قريب أعني في زماننا هذا انتهى. وقال السخاوي في القول البديع: أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله (ص) عقب الاذان للفرائض الخمس جلا الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك قبل الاذان، وإلا المغرب فلا يفعلونه لضيق وقتها، وكان ابتداء حدوثه في أيام الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وبأمره. وذكر بعضهم أن أمر الصلاح بن أيوب بذلك كان في أذان العشاء ليلة الجمعة، ثم إن بعض الفقراء زعم أنه رأى رسول الله (ص) وأمره أن يقول للمحتسب أن يأمر المؤذنين أن يصلوا عليه عقب كل أذان فسر المحتسب بهذه الرؤيا فأمر بذلك واستمر إلى يومنا هذا. وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع ؟ واستدل


[ 82 ]

للاول بقوله: * (وافعلوا الخير) * ومعلوم أن الصلاة والسلام من أجل القرب لا سيما وقد تواترت الاخبار على الحث على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقبه والثلث الاخير وقرب الفجر. والصواب أنه بدعة حسنة وفاعله بحسب نيته انتهى. قلت: وقد أحدث بعض المؤذنين بمكة بعد الاذان الاول للصبح أن يقول: يا دائم المعروف، يا كثير الخير، يا من هو بالمعروف معروف، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا. وذكر البرهان البقاعي أنه حصل بين فقهاء مكة اختلاف في إنكار ذلك وفتنة عظيمة بحيث كادوا يقتتلون. ثم إنه أحدث في مصر في سنة إحدى وسبعين وأنكر ذلك وبالغ في ذلك فألف فيه جزأ سماه القول المعروف في مسألة يا دايم المعروف وخالفه الحافظ السخاوي وألف جزأ في الرد عليه سماه القول المألوف في الرد على منكر المعروف وقال فيه بعد كلام كثير: فعلم أن المؤذن قد أتى بسنة شريفة وهي الدعاء في هذا الوقت المرجو الاجابة، وكونه جهر به ملتحق بالمواطن التي جاءت السنة بالجهر فيها فهو إن شاء الله سنة. وما ذكره يعني البقاعي من المفسدة فهو فاسد كما تقرر وليس بمخطط الرتبة عن التسبيح الذي كاد يسميه سنة انتهى. يعني ما تقدم في قوله إنه مشروع، وأما المفسدة التي أشار إليها البقاعي فهو أنه يأتي به متصلا بالاذان وبصوت الاذان علق المنار فيظن من لا علم عنده أن ذلك من الاذان. ثم ذكر السخاوي عن جماعة من الشافعية وغيرهم أفتوا بجواز ذلك والله سبحانه أعلم. فرع: قال ابن وهب عن مالك في المجموعة: التثويب بين الاذان والاقامة في الفجر في رمضان وغيره محدث وكرهه انتهى. وقال في الطراز: التثويب بين الاذان والاقامة ليس بمشروع ولا يعرف إلا الاذان والاقامة فقط، فأما دعاء في آخر الاذان غيرهما فلا. واستحب أبو حنيفة أن يثوب في الصبح بين الاذان والاقامة، وروى عنه أبو شجاع أنه قال: التثويب الاول في نفس الاذان يريد به: الصلاة خير من النوم قال: والثاني: بين الاذان والاقامة. وروى من احتج له في ذلك أن بلالا كان إذا أذن أتى النبي (ص) فقال: حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله. وأنكر ذلك أصحاب الشافعي ورووا أن عمر لما قدم مكة جاء أبو محذورة وقد أذن فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاج حي على الفلاح، فقال له عمر: ويحك أمجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى تأتينا، ولو كان سنة لم ينكره أما مالك فقد أنكر ذلك، وقال في العتبية: ليس التثويب بصواب، وروى عنه ابن وهب وابن حبيب أن التثويب بعد الاذان في الفجر في رمضان وفي غيره مكروه، حتى روي عنه على ما في العتبية أنه قال: وتنحنح المؤذن في السحر في رمضان محدث وكرهه، يريد أنهم كانوا يتنحنحون ليعلموا الناس بالفجر فيركعون فكره ذلك ورآه مما ابتدع قال: ولم يبلغني أن السلام على الامام كان في الزمن الاول. وذكر ابن


[ 83 ]

المنذر عن الاوزاعي أنه حدث في عهد معاوية فكان المؤذن إذا أذن عل الصومعة دار إلى الامير واختصه بأذن ثان من حي على الصلاة إلى حي على الفلاح ثم يقول: الصلاة الصلاة يرحمك الله، وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز. ولابن الماجشون في المبسوط جوازه وذكر في صفة التسليم أن يقول: السلام عليك أيها الامير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله. قال: وأما في الجمعة فيقول: السلام عليك أيها الامير ورحمة الله وبركاته، قد حانت الصلاة. وعادة أهل المدينة * تمنع من ارتكاب شئ من هذه المحدثات. قال بعض المتأخرين من أصحابنا في قول مالك: التثويب ضلال: إنه أراد حي على خير العمل وليس كما قال، وإنما التثويب عند أهل العلم من أهل المذهب اسم لما ذكرناه وهو مأخوذ من ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض. ومنه: * (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) * أي مرجعا يرجعون إليه في كل سنة، وأصله من الاعلام يقال: ثوب إذا لوح بثوبه. قاله الخطابي انتهى أكثره باللفظ. وقال في الزاهي: ويدعو المؤذن سلطانه بأن يقول: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله، ويدور في الاذان والتثويب من الضلال انتهى. وهو نحو ما حكاه صاحب الطراز عن المبسوط ونقله القرافي بلفظ التثويب بين الاذان والاقامة. قال صاحب الطراز: هو عندنا غير مشروع وكلامه في العتبية هو في رسم صلاة الاستسقاء من سماع أشهب من كتاب الصلاة ولفظه: وسئل عن التثويب في رمضان وغيره فقال: ليس ذلك بصواب. وقد كان بعض أمراء المدينة أراد أن يصنع ذلك حتى نهى عنه فتركه. وفسره ابن رشد أن المراد به ما يقوله المؤذن بين الاذان والاقامة، وروى مجاهد أنه دخل مع ابن عمر مسجدا وقد أذن ونحن نريد أن نصلي فثوب المؤذن فخرج عبد الله من المسجد وقال: اخرج بنا عن هذا المبتدع ولم يصل فيه، ثم ذكر أنه قيل: إن التثويب هو قول المؤذن: حي على خير العمل لانها كلمة زادها من خالف السنة من الشيعة، ورجح التفسير الاول بأن التثويب في اللغة الرجوع إلى الشئ. يقال: ثاب إلى عقله أي رجع، وثوب الراعي أي كرر النداء، ومنه قيل: للاقامة تثويب لانها بعد الاذان قال رسول الله (ص): إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وقد يقع التثويب على قول المؤذن في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم وقد روي عن بلال قال: قال لي رسول الله (ص): لا تثويب في شئ من الصلاة إلا صلاة الفجر. وليس هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم لانه من سنة الاذان وبالله التوفيق انتهى. وقال في التنبيهات: التثويب الرجوع فمن جعله قوله: الصلاة خير من النوم فكأنه لما حث


[ 84 ]

على الصلاة بقوله: حي على الصلاة ثم قال: حي على الفلاح عاد إلى الحث على الصلاة بقوله: الصلاة خير من النوم. وقال بعضهم: التثويب هو المشعر بحضور الصلاة بعد الاذان انتهى بالمعنى. وقيل: إنما قيل لقول المؤذن: الصلاة خير من النوم تثويب لانه تكرير لمعنى الحيعلتين. وقيل: لتكريرها مرتين. وقد ذكر البرزلي في أواخر مسائل الصلاة مسألة التثويب وأن التحضير المستعمل عندهم منه أعني قولهم: الصلاة حضرت وكذلك التأهيب للجمعة أعني قولهم: تأهبوا للصلاة وأنكر على من قال: إن ذلك حرام وقال: لم يقل: بالتحريم أحد من علماء الامة بل الناس فيه على مذهبين: فمنهم من كرهه ومنهم من استحسنه، وفي كلامه ميل إلى استحسان ذلك. وكذلك التصبيح يعني قولهم: أصبح والله الحمد. وذكر كلام ابن سهل في قيام المؤذن بالدعاء والذكر في آخر الليل وأنه حسن، وذكر أيضا ما يفعل عندهم من البوق والنفير في المنار في التسحير في رمضان ومال إلى جواز ذلك، وذكر أن بعض القرويين أنكر ذلك وقال: إنه معصية في أفضل الشهور وأفضل الاماكن وأن قاضي القيروان كتب بذلك إلى ابن عبد السلام فأجابه: إن عاد إلى مثل هذا فأدبه. وقال: إنه تكلم مع شيخه ابن عرفة في ذلك وقال له: الصواب ما قاله الرجل إذ لم يجز البوق في الاعراس إلا ابن كنانة فأجابه بأن قال: تلك البوقات المنكرة إلا في الاعراس. لها لذة في النغمات وسماع الاصوات كما يقال في الاندلس، وأما هذه فأصوات مفزعة تفزع حتى الحمار، وحاصل كلامه أن جميع ذلك أمور محدثة منها ما هو حسن كالذكر والدعاء في آخر الليل في المنار والتثويب والتأهيب والتصبيح، ومنها ما هو جائز كالابواق والنفير وأنه ليس شئ منها حراما، وأن غاية ما يقول المخالف فيها بالكراهة وقد تقدم في كلام الشيخ أبي عبد الله بن الحاج إنكار ذلك وإنكار الابواق، والظاهر من كلام مالك كراهة ذلك كله. قلت: ومن هذا الباب ما يفعلونه بمكة قبل الاذان الثاني للصبح على سطح زمزم من قول المؤذن: الصلاة رحمكم الله ويصلي على النبي (ص) إعلاما بطلوع الفجر، ثم يقول المؤذن قبل الاذان الثاني على حزوره: * (إن الله فالق الحب والنوى) * الآيات الثلاث. ثم يقول: * (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) * إلى آخر السورة، فمن أجاز ما تقدم يجيز هذا، وممن كرهه يكرهه. وقد قال في المدخل: إن الامام ينهى المؤذنين عما أحدثوه من قراءة: * (إن الله فالق الحب والنوى) * وقوله تعالى: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * عند إرادتهم الاذان للفجر وإن كانت قراءة القرآن كلها بركة وخير لكن ليس لنا أن نضع العبادة إلا حيث وضعها صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه انتهى. وعن أبي الضياء: من المنكرات التي بالمسجد الحرام الاذان الثاني على حزورة لسائر الصلوات، وذكر أن من مفاسده أن بعض الناس لا يتهيأ للصلاة إلا إذا سمعه، وقد يدخل الامام للصلاة قبله أو يدخل عقيبه بسرعة فجفوت الشخص الصلاة.


[ 85 ]

قلت: وفي جعله منكرا نظر، لان تعدد المؤذنين وترتيبهم مطلوب في غير المغرب كما سيأتي، وأما ما ذكره من المفسدة فذلك لعدم ضبط المؤذن والامام والله أعلم. نعم من المنكرات أذانهم على حزورة يوم الجمعة عند دخول الامام إلى المجسد الحرام فإنه بدعة لا أصل لها كما يأتي بيانه في باب الجمعة، والحزروة بالحاء المهملة على وزن قسورة هذا هو الصواب، وبعض الناس يشدد الواو وبفتح الزاء، والعامة يقولون: عزورة وهو غلط كان سوق مكة في الجاهلية وقد أدخل في المسجد الحرام. تنبيه: حيث استطرد الكلام إلى ذكر ما أحدثه المؤذنون فلنختم ذلك بفروع ثلاثة لا بأس بالتنبيه عليها. أحدها: الاذان خلف المسافر. قال في المدخل في الفصل الذي تكلم فيه على تسمين النساء: ومما أحدثوه من البدع ما يفعله بعضهم من أنهم يتركون تنظيف البيت وكنسه عقب سفر من سافر من أهله ويتشاءمون بفعل ذلك بعد خروجه ويقولون: إن ذلك فعل لا يرجع المسافر. وكذلك ما يفعلونه حين خروجهم معه إلى توديعه فيؤذنون مرتين أو ثلاثا، ويزعمون أن ذلك يرده إليهم وهذا كله مخالف للسنة المطهرة. ومن العوائد التي أحدثت بعدها فإن قيل: قد توجد هذه الاشياء كما يذكر الناس. فالجواب أن ذلك إنما وقع لاجل شؤم مخالفة السنة والتدين بالبدعة فعوملوا بالضرر الذي يتوقعونه. وقد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أن المكروهات لا تندفع إلا بالامتثال انتهى. وقال الناشري من الشافعية في الايضاح: يستحب الاذان لمزدحم الجن وفي أذن الحزين والصبي عندما يولد في اليمين ويقيم في اليسرى، والاذان خلف المسافر والاقامة. وفي فتاوى الاصبحي هل ورد في الاذان والاقامة عند إدخال الميت القبر خبر ؟ فالجواب لا أعلم فيه ورود خبر ولا أثر إلا ما يحكى عن بعض المتأخرين ولعله مقيس على استحباب الاذان والاقامة في أذن المولود، فإن الولادة أول الخروج إلى الدنيا وهذا أول الخروج منها، وهذا فيه ضعف فإن مثل هذا لا يثبت إلا توفيقا انتهى، وانظر قوله: لمزدحم الجن ولعله يشير إلى حديث: إذا تغولت الغيلان فنادوا بالاذان كما سيأتي. وأما قوله: في أذن الحزين فيشير إلى ما أخرجه الديلمي عن علي كرم الله وجهه قال: رآني النبي (ص) حزينا فقال: يا ابن أبي طالب أراك حزينا، فمر بعض أهلك يؤذن في أذنك فإنه دواء للهم، فجربته فوجدته كذلك. وقال: كل من روى من رواية الديلمي إنه جربه فوجده كذلك. وروى الديلمي أيضا عنه قال: قال رسول الله (ص): عمن ساء خلفه من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه انتهى. وذكر الشيخ أبو الليث السمرقندي صاحبي تنبيه الغافلين أن الاذان عند ركوب البحر من البدع. الثاني: قال النووي في كتاب الاذكار في باب ما يقول إذا عرض له شيطان: ينبغي أن


[ 86 ]

يتعوذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسر ثم قال: وينبغي أن يؤذن أذان الصلاة فقد روينا في صحيح مسلم عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا فناداه مناد من حائط باسمه وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لابي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكنك إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله (ص) قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر وقال في شرح المهذب: يستحب إذا تفولت الغيلان أن يقول ما رواه جابر أن النبي (ص) قال: إذاتغولت الغيلان فنادوا بالاذان والغيلان طائفة من الجن والشياطين وهم سحرتهم. ومعنى تغولت تلونت في صور انتهى. وزاد في الاذكار فقال: والمراد دفعوا شرهم بالاذان فإن الشيطان إذا سمع الاذان أدبر انتهى. ولم أقف على استحباب ذلك في كلام أهل المذهب مع أن القصة التي ذكرها عن صحيح مسلم فهي في كتاب الاذان منه ولم يتكلم عليها القاضي عياض ولا القرطبي ولا الابي والله تعالى أعلم. الثالث: قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في كتاب الجامع من مختصر المدونة: وكره مالك أن يؤذن في أذن الصبي المولود انتهى. وقال في النوادر بإثر العقيقة في ترجمة الختان والخفاض: وأنكر مالك أن يؤذن في أذنه حين يولد انتهى. وقال الجزولي في شرح الرسالة: وقد استحب بيعض أهل العلم أن يؤذن في أذن الصبي ويقيم حين يولد انتهى. وقال النووي في الاذكار: قال جماعة هن أصحابنا: يستحب أن يؤذن في أذن الصبي اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه الاخرى، وقد روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله (ص) أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وروينا في كتاب ابن السني عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله (ص): من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان انتهى. قلت: وقد جرى عمل الناس بذلك فلا بأس بالعمل به والله أعلم. ص: (وصحته بإسلام) ش: قال ابن الحاجب وغيره: فلا يعتد بأذان الكافر. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة:


[ 87 ]

فلا يصح أذان الكافر فإن أذن كان أذانه إسلاما انتهى، ونحوه للبساطي. قال في التوضيح في باب الردة: قال ابن عطاء الله: وإذا أذن الكافر كان أذانه إسلاما انتهى. قلت: فإن ارتد بعد أذانه حكم فيه بحكم المرتد إلا أن يدعي أنه إنما فعل ذلك لعذر ويظهر العذر الذي ادعاه كما سيأتي في باب الردة فيمن أسلم ثم ارتد عن قرب. وقال: أسلمت عن ضيق أو توضأ وصلى وقال: إنما فعلت ذلك خوفا فإنه يقبل عذره على أظهر الاقوال. تنبيه: قال البساطي: ولهم خلاف في وقوع الشرط مع المشروط في زمن واحد، وانظر هل يتخرج على القول بأنه يكون مسلما، أن أذانه يجزئ انتهى. وقال ابن ناجي بعد أن ذكر كلام الفاكهاني: وإذا كان كذلك فلم لا يجزئ بكونه مسلما وقد قال في المدونة: إذا أجمع على الاسلام بقلبه واغتسل أجزأه الغسل ؟ قلت: قول البساطي على القول: بأنه يكون مسلما يوهم أن فيه خلافا ولا أعلم فيه خلافا، وأما بحثهما في الاجزاء فليس بظاهر أما من جهة النقل فلتصريح غير واحد من أهل المذهب بأن أذان الكافر لا يعتد به، وأما من جهة النظر فلان أول الاذان أوقعه قبل حصول الشرط فلا يصح إسلامه إلا بعد النطق بالشهادتين، وأيضا فسيأتي أن الردة يبطل بها الاذان وهذا ظاهر والله أعلم. فرع: قال في باب الردة من التوضيح: قال ابن عطاء الله: وإن أذن مسلم ثم ارتد بعد فراغه جرى على الخلاف المتقدم في الردة هل تبطل العمل بمجردها أو حتى يموت عليها انتهى. قلت: والمشهور من المذهب أن الردة بمجردها تبطل العمل، ولهذا جزم ابن عرفة ببطلان أذانه فقال: ولو ارتد بعده بطل. وقال في النوادر: ومن أذن لقوم ثم ارتد فإن أعادوا فحسن وإن اجتزوا بذلك أجزأهم انتهى. ص: (وعقل) ش: قال الفاكهاني: فلا يصح أذان المجنون ولا السكران ولا الصبي الذي لم يميز، ولا خلاف في ذلك. وفي النوادر: إذا أذن لقوم سكران أو مجنون لم يجزهم فإن صلوا لم يعيدوا. ص: (وذكورة) ش: فلا يصح أذان امرأة، وهل أذان المرأة مكروه أو ممنوع ؟ قال اللخمي: الاذان على خمسة أقسام: سنة، ومختلف فيه هل هو سنة أو واجب، ومستحب، ومختلف فيه هل هو مستحب أو ممنوع، ثم قال: الخامس الاذان للفوائت والسنن كالعيدين وللخسوف والاستسقاء والوتر وركعتي الفجر وأذان النساء للفرائض فذلك مكروه، فاعتمد في الشامل آخر كلامه فقال: ويكره لامرأة، وكذا قال صاحب الطراز: ظاهر المذهب كراهة التأذين للمرأة. ثم قال: ووجه المذهب أن رفع الصوت في حق النساء


[ 88 ]

مكروه مع الاستغناء عنه لما فيه من الفتنة وترك الحياء، وإنما تسمع المرأة نفسها ومن يدنو منها في موضع الجهر كصلاتها وتلبيتها انتهى. ونقله القرافي وقبله ونقل في القوانين أن أذان المرأة حرام والاذان للفوائت مكروه، وكذلك قال الشبيبي في شرح الرسالة: وليس ما ذكروه من الكراهة بظاهر بل ينبغي أن تحمل الكراهة في آخر كلام اللخمي على المنع، وكذلك ما ذكره في الطراز قال في التوضيح: وأما الاذان فلا يطلب من النساء اتفاقا، ونص اللخمي على أنه ممنوع انتهى. وقال ابن فرحون: وأما الاذان فممنوع في حقهن قاله اللخمي، لان صوتها عورة ثم قال لما تكلم على شروط المؤذن: وأما المرأة فكان ينبغي قبول قولها: إن اتصفت بالعدالة لكنها لما كانت ممنوعة من الاذان وأقدمت على ما هو محرم عليها لم يقبل قولها عقوبة لها انتهى. قلت: وقوله: لان صوتها عورة نحوه لابن يونس. قال ابن ناجي في شرح المدونة: واعترضه شيخنا أبو مهدي بأن الصواب أن يقول: لان رفع صوتها عورة لرواية الصحابة عن غير أمهات المؤمينن قال: وقاله ابن هارون. قال ابن ناجي: لضرورة التعليم وكذلك يجوز بيعها وشراؤها انتهى. ص: (وبلوغ) ش: ظاهره أن أذان الصبي المميز لا يصح ولو لم يوجد غيره وهذا مذهب المدونة. وقال: يصح مطلقا رواه أبو الفرج في الحاوي. وقيل: يصح إن كان مع النساء وفي موضع لا يوجد غيره. وذكر هذه الاقوال الثلاثة صاحب الطراز وابن عرفة وغيرهم، وزاد ابن عرفة رابعا وعزاه اللخمي وهو أنه يصح أذانه إذا كان ضابطا وأذن تبعا لبالغ ونصه: وفي صحته من الصبي المميز ثالثها إن لم يوجد غيره، ورابعها: إن كان ضابطا تابعا لبالغ لرواية أبي الفرج ولها ولرواية أشهب واللخمي انتهى. قلت: ما عزاه اللخمي لا ينبغي أن يختلف فيه، وقد نقل ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن راشد في شرح قول ابن الحاجب: وفي الصبي قولان ما نصه، إن كان محل الخلاف في كونه واحدا من المؤذنين فلا ينبغي أن يختلف في الجواز لانه ممن يخاطب بالسنة، وإن كان محل الخلاف كونه موقتا يعتمد على أخباره بدخول الوقت فلا ينبغي أن يختلف في المنع، لان الخبر وإن صح من واحد فلا بد من عدالته والصبي غير محكوم له بالعدالة انتهى. فأما ما ذكره ابن راشد فيما إذا كان تبعا فلا ينبغي أن يختلف فيه كما قال، وقد صرح صاحب الطراز بأنه يجوز للصبي أن يؤذن لنفسه ذكره في التفريق بين المرأة والصبي على القول بأن المرأة لا تقيم. وذكر في أثناء احتجاجه أن ما يخاطب به بعد البلوغ يؤمر به قبله تمرينا له فيفهم من هذا أن الصبي المميز إذا سافر يؤمر بالاذان، وكذا لو كان جماعة من الصبيان والاذان


[ 89 ]

يجمعهم لامروا بالاذان، لان الجماعة مشروعة في حقهم. وجعل ابن بشير الخلاف في أذان الصبي إنما هو بالجواز والكراهة فقال: وهل يجوز الاذان للجنب والصبي ؟ في المذهب قولان: الكراهة والجواز. فأما الكراهة فلان المؤذن داع إلى الصلاة وهذان ليسا ممن يستحق الدعاء إليها، والجواز لانه ذكر وهذان من أهله انتهى. فلم يحك فيه إلا الكراهة وذلك صرح في مختصر الوقار فقال: ويكره أذان من لم يبلغ الحلم انتهى. وأما ما ذكره ابن راشد في القسم الثاني أعني أنه لا يختلف في المنع من كونه موقتا يعتمد على أذانه فهو ظاهر أيضا ولا إشكال في المنع منه ابتداء، وإنما ينبغي أن يكون محل الخلاف إذا وقع ذلك وأذن أو كان هناك من يضبط الاوقات ويأمر الصبي بالاذان، فهل يصح أذانه وتحصل به السنة ويسقط به الوجوب على القول: بأن الاذان واجب أم لا ؟ هذا محل الخلاف المتقدم وبهذا يتحرر الكلام في هذه المسألة، وعد الفاكهاني في شرح الرسالة البلوغ من صفات الكمال ولم يحك في ذلك خلافا. تنبيهات: الاول: وبهذا يجمع بين ما وقع في كلام أهل المذهب في اشتراط العدالة فقال ابن عرفة: ويجب كونه عدلا عالما بالوقت إن اقتدى به، ونقله ابن ناجي في شرح المدونة، وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: وأما صفات الكمال فهي أن يكون عدلا عارفا بالاوقات إلى آخرها. فيحمل كلام ابن عرفة على أن المراد أن ذلك واجب ابتداء، وكلام الفاكهاني على أنه لو أذن غير العدل وغير العارف بالاوقات صح أذانه. لانه ابن عرفة لما عد شروط المؤذن لم يذكر ذلك فيها، وأما ما ذكره في الذخيرة عن الجواهر من عده ذلك في شروط المؤذن، وكذلك صاحب العمدة يشترط في المؤذن معرفة الاوقات، وكذلك ذكر صاحب المدخل أنه يشترط أن يكون عدلا عارفا بالاوقات سالما من اللحن فيه، فيحمل ذلك على أنه يجب فيه ابتداء. قال في الذخيرة: قال في الجواهر: ويشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا بالغا عدلا عارفا بالاوقات صيتا حسن الصوت انتهى. ولفظ الجواهر الفصل الثالث في صفة المؤذن يشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا، ثم تكلم على هذه الشروط ثم قال: ويستحب الطهارة في الاذان ثم قال: وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت. ثم قال: وليكن عدلا عارفا بالاوقات لتقلده عهدتها انتهى. ولا إشكال في وجوب ذلك ابتداء. قال البرزلي في مسائل الصلاة عن السيوري: يلزم كل من قدر على إقامة الحق إقامته، ومن إقامة الحق أن يوكل بالاوقات من يفهم ويعرف كلها ممن يوثق به وينهون عن سبقه، فإن انتهوا وإلا توعدوا فإن عادوا سجنوا. وقال أبو الطيب: ومن تعدى بعد النهي عوقب. ثم ذكر عن التونسي أن من لم يكن عارفا أو كان غير مأمون لا يقتدى به وينهى أن يبتدئ بالاذان أشد النهي، فإن عاد أدب أدبا وجيعا. وقال ابن محرز: لا يجوز تقليده ومن صلى بتقليده لم تجزه صلاته انتهى. الثاني: عد الشيخ يوسف بن عمر الحرية في شروط الصحة وكذلك العدالة ومعرفة الاوقات، ولم يشترط أحد في المؤذن الحرية فيصح أذان العبد، وصرح بذلك صاحب الطراز


[ 90 ]

لما تكلم على أذان الصبي وذكره في النوادر وفضله على أذان الاعرابي وولد الزنا، وسيأتي لفظه، وذكره في الطراز أيضا والقرافي في الذخيرة والله أعلم. الثالث: قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وشرط المؤذن أن يكون مسلما عاقلا ذكرا وفي الصبي قولان، فلا يعتد بأذان كافر ولا مجنون ولا سكران ولا امرأة، هذه الشروط المذكورة في الاذان ما عدا الذكورية شرط في الاقامة قال في المدونة: ولا يؤذن ولا يقيم إلا من احتلم انتهى. قلت: هذا الذي ذكره عن المدونة ونقله ابن عرفة عن المدونة أيضا ولم أر ما ذكراه عن المدونة فيها. ولفظ التهذيب: ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم. وهكذا في الام ولفظها: ولا يؤذن إلا من احتلم لان المؤذن إمام ولا يكون من لم يحتلم إماها انتهى. وعلى ذلك اختصرها ابن يونس وصاحب الطراز وغيرهم. نعم قال ابن يونس: قال في العتبية: لا يجذن الصبي ولا يقيم إلا أن يكون مع نساء أو بموضع لا يوجد غيره فليؤذن ويقيم. قال في المجموعة: فإن صلى لنفسه فليقم انتهى. فعلم من هذا أنه يشترط في المقيم للجماعة البالغين أن يكون ذكرا بالغا، وأما إذا صلى الصبي لنفسه فإنه يقيم والله تعالى أعلم. ص: (وندب متطهر) ش: يعني أنه يستحب للمؤذن أن يكون متطهرا من الحدث الاكبر والاصغر لانه داع إلى الصلاة، فإذا كان متطهرا بادر إلى ما دعا إليه فيكون كالعالم العامل إذا تكلم انتفع الناس بعلمه بخلاف ما إذا لم يكن متطهرا. قاله في التوضيح: قال في الجواهر: وتستحب الطهارة في الاذان ويصح بدونها، والكراهة في الجنب شديدة، وفي الاقامة أشد. وقال سحنون: لا بأس بأذان الجنب في غير المسجد انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: قال ابن القاسم في المجموعة: ولا يؤذن الجنب. وقال سحنون: لا بأس بذلك في غير المسجد. قال ابن ناجي: حمل اللخمي قول ابن القاسم على الكراهة. ولابن نافع مثل قول سحنون وبه كان شيخنا الشبيبي يفتي إلى أن مات وهو الاقرب لانه ذكر، فكما لا يمنع من الاذكار اتفاقا غير القرآن فكذا إلا يمنع من الاذان. وعلى قول ابن مسلمة: إن الجنب يجوز له أن يدخل المسجد ولو كان غير عابر سبيل، يجوز له أن يؤذن فيه انتهى. وقال ابن عبد السلام: تستحب الطهارة للمؤذن والمقيم والاستحباب للمقيم آكد لانه لا يقيم إلا من يشارك الجماعة في الصلاة التي يصلون أو من صلى وحده، فإذا لم يكن على طهارة احتاج إلى أن يتوضأ أو يغتسل قبل أن يدخل في الصلاة. وهذه تفرقة كثيرة وهذا المعنى في الاعتبار يختص به المقيم، وقد يفترق حال الكراهة بالقوة والضعف في حق من يخفف الوضوء أو كان متيمما، وتقدم حكم أذان الجنب انتهى. يشير إلى قوله وروى


[ 91 ]

أبو الفرج جوازه للقاعد، وكذلك روي في الجنب كمذهب سحنون إذا كان في غير المسجد والمشهور خلافه انتهى. أي فلا يجوز لكن المراد بذلك الكراهة كما تقدم، وفهم من كلام ابن عبد السلام أن التيمم للصلاة قبل الاقامة وهو ظاهر والله أعلم. فرع: قال في الطراز: ويستحب للمؤذن أن يكون على هيئة مستحسنة حتى قال أشهب في المجموعة: من أذن وأقام في تبان من شعر أو سراويل فليعدها إن لم يصلوا. وخالفه ابن القاسم انتهى. ونقله في الذخيرة ولفظه: يستحب حسن الهيئة الخ. ص: (صيت) ش: المراد بالصيت المرتفع الصوت لان المقصود من الاذان الاعلام وإذا كان صيتا كان أبلغ في الاسماع. ويستحب فيه أن يكون حسن الصوت كما تقدم في كلام الجواهر وصرح به صاحب المدخل وابن ناجي في حديث عبد الله بن زيد: قم يا بلال فناد بالصلاة فأنت أندى منه صوتا. قال في الاكمال: قيل: أرفع ويحتمل أن يكون معناه أحسن. وفي بعض الروايات فإنك فظيع الصوت ففيه أنه يختار للاذان أصحاب الاصوات الندية المرتفعة المستحسنة، ويكره في ذلك ما فيه غلظة أو فظاعة أو تكلف زيادة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: أذن أذانا سمحا وإلا فاعتزلنا انتهى. وفي التوضيح: وروى الدارقطني أنه عليه الصلاة والسلام كان له مؤذن يطرب في أذانه فقال له عليه الصلاة والسلام: الاذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا. انتهى. وقال في النوادر: والسنة أن يكون مرسلا معلنا يرفع به الصوت. وعد الشيخ يوسف بن عمر في الصفات المستحبة أن يكون غير لحان، وأن يكون جهير الصوت، وأن يكون يقوم بأمور المسجد. وأن يؤانس الغريب، وأن لا يغضب على من أذان في موضعه أو جلس في موضعه، وأن يكون صادق القول ويحفظ حلقه عن ابتلاع الحرام، وأن يؤذن لله خالصا. وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة في صفات الاذان: الاولى: أن يبالغ في رفع الصوت به ما لم يشق عليه إذ المقصود منه الاعلام، فكلما رفع صوته كان أبلغ في المقصود. الثانية: أن يكون مترسلا أي متمهلا من غير تمطيط ولا مد مفرط انتهى. وقال في مختصر الوقار: ويجتهد مؤذنو مساجد الجماعات في مد أذانهم ورفع أصواتهم لانتفاع أهل البيوت ولاقتداء مؤذني العشائر بهم انتهى. فرع: قال في المدونة: ويكره التطريب في الاذان. قال في الطراز: والتطريب تقطيع الصوت وترعيده، وأصله خفة تصيب المرء من شدة الفرح أو من شدة التحزين وهو من الاضطراب أو الطربة. قال في العتبية: التطريب في الاذان منكر. قال ابن حبيب: وكذلك التحزين من غير تطريب. ولا ينبغي إمالة حروفه والتغني فيه، والسنة فيه أن يكون محدرا معلنا


[ 92 ]

يرفع به الصوت انتهى. وقال ابن فرحون: والتطريب مد المقصور وقصر الممدود. وسمع عبد الله بن عمر رجلا يطرب في أذانه فقال: لو كان عمر حيا فك لحييك انتهى. وقال ابن ناجي: يكره التطريب لانه ينافي الخشوع والوقار وينحو إلى الغناء. والكراهة في التطريب على بابها إن لم تتفاحش وإلا فالتحريم. وألحق ابن حبيب التحزين بالتطريب، نقله أبو محمد. وأما الحسن الصوت فحسن كالقراءة والذكر. قال ابن رشد: ورأيت المؤذنين بالقاهرة يستعملون التطريب، وأظن الشافعي وأبا حنيفة يريان ذلك لان النفوس تخشع عند سماع ذلك وتميل إليه. قال بعض العلماء: النفوس تخشع للصوت الحسن كما تخشع للوجه الحسن. ابن ناجي: فرق بين الصوت الحسن والتطريب انتهى. وقال في المدخل: يكره التطريب في الاذان وكذلك التحزين، ويكره إمالة حروفه وإفراط المد فيه وغير ذلك مما ذكره الفقهاء. ثم قال: وليحذر أن يؤذن بالالحان مما يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقوله من ألفاظ الاذان، وهي بدعة مستهجنة قريبة الحدوث أحدثها بعض الامراء بمدرسة بناها، ثم سرى ذلك منها إلى غيرها. قال الامام أبو طالب المكي: ومما أحدثوه التلحين في الاذان وهو من البغي والاعتداء. قال رجل من المؤذنين لابن عمر: إني لاحبك في الله فقال له ابن عمر: إني لابغضك في " الله لانك تغني في أذانك وتأخذ عليه أجرا انتهى. وقال شيخ زروق: والتطريب والتحزين مكروه، والمغير للمعنى أو القادح فيه ممنوع انتهى. فتحصل من هذا أنه يستحب في المؤذن أن يكون حسن الصوت ومرتفع الصوت وأن يرجع صوته، ويكره الصوت الغليظ الفظيع والتطريب والتحزين إن لم يتفاحش وإلا حرم. فوائد: الاولى: في بيان أمور يغلط فيها المؤذنون منها مد الباء من أكبر فيصير جمع كبر بفتح الباء وهو الطبل فيخرج إلى معنى الكفر. ومنها المدفى أول أشهد فيخرج إلى حيز الاستفهام والمراد أن يكون خبرا إنشائيا، وكذلك يصنعون في أول الجلالة. ومنها الوقف على لا إله وهو كفر وتعطيل. قال القرافي: وقد شاهدت مؤذن الاسكندرية يمد إلى أن يفرغ نفسه هناك ثم يبتدئ إلا الله ومنها أن بعضهم لا يدغم تنوين محمد في الراء بعدها وهو لحن خفي عند القراء. ومنها أن بعضهم لا ينطق بالهاء من الصلاة في قوله: حي على الصلاة ولا بالحاء من حي على الفلاح فيخرج إلى الدعاء إلى صلاة النار في الاول، وإلى الفلا في الثاني، والفلا جمع فلاة وهي المفازة، نبه على هذه المواضع القرافي والمصنف في التوضيح وابن فرحون، وزاد الشيخ زروق في شرح الرسالة مد همزة أكبر وتسكينها وفتح النون من أن لا إله إلا الله والمد على هاء إله وتسكينها أو تنوينها وهو أفحش. والاتيان بهاء زائدة بعد الهاء من إله وضم محمد ومد حي أو تخفيفها وإبدال همزة أكبر واوا وقد استخفوه في الاحرام فيكون هناك أحرى انتهى مختصرا. قلت: ويبقى شئ لم أر من نبه عليه وهو إشباع مد ألف الجلالة التي بين اللام والهاء


[ 93 ]

فإنه ليس ثم سبب لفظي يقتضي إشباع مدها في الوصل، أما إذا وقف عليها كما في آخر الاذان والاقامة فالمد حينئذ جائز لالتقاء الساكنين. نعم ذكر ابن الجزري في النشر في باب المد والقصر، أن العرب تمد عند الدعاء والاستغاثة وعند المبالغة في نفي الشئ، ويمدون ما لا أصل له بذلك العلة انتهى. ثم رأيت في كتاب المواقيت ما نصه: وقصر الالف الثاني من اسم الله غير جائز إلا في الشعر، والاسراف في مده مكروه لخروجه عن حد المد انتهى. الثانية: قال في الذخيرة: اختلف العلماء في أكبر هل معناه كبير لاستحالة الشركة بين الله تعالى وغيره في الكبرياء، وصيغة أفعل إنما تكون مع الشركة أو معناه أكبر من كل شئ لان المملوك وغيرهم في العادة يوصفون بالكبرياء فحسنت صيغة افعل بناء على العادة انتهى. ومعنى أشهد أتيقن وأعلم والاله المعبود. قال في الذخيرة: وليس المراد نفي المعبود كيف كان لوجود المعبودين في الوجود كالكوكب والاصنام، بل ثم صفة مضمرة تقديرها: لا معبود مستحق للعبادة إلا الله، ومن لم يضمر هذه الصفة لزمه أن يكون يشهده كذبا: وحي اسم فعل بمعنى أقبل. يقال بلفظ واحد للواحد والجمع، تقول العرب: حي على الثريد أي أقبل. ويقال: هلا على الثريد بمعناه. ويجمع بينهما فيقال: حي هلا بالتنوين وبغير تنوين بتسكين اللام وبتحريكها بالفتح مع الالف، ويعدى ب‍ على كما في الاذان ب‍ إلى وبالباء. قاله في الذخيرة قال: ومنه الحديث: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر. والفلاح في اللغة الخبر الكثير. أفلح الرجل إذا أصاب خيرا انتهى. وقال الجزولي: الفلاح البقاء في الجنة. الزناتي: الفلاح بالفوز بالمنى بعد النجاة مما يتقى انتهى. ولا بد من مضاف أي على سبب الفوز أو سبب البقاء في الجنة أو سبب الخير الكثير، وظاهر كلام القرافي أن الاثر المذكور حديث وإنما وقفت عليه من قول ابن مسعود كما ذكره القاضي عياض في شرح مسلم في الاذان والقرطبي وابن الاثير في النهاية والحريري في المقامة التاسعة والله أعلم. الثالثة: قال القرطبي في شرح مسلم وغيره: الاذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لانه بدأ بالاكبرية وهي وجود الله تعالى ووجوبه وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي التشريك، ثم ثلث بإثبات الرسالة، ثم دعا من أراد لطاعته، ثم ضمن ذلك بالفلاح وهو البقاء الدائم، فأشعر بأن ثم جزاء ففيه إشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا. ونقله ابن حجر في فتح الباري وأصله للقاضي عياض في الاكمال والله أعلم. الرابعة: قال في المدونة: وإن شاء جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك. قال ابن ناجي: ما ذكر من أن له جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه لمالك والامهات، وألحق به ابن القاسم في الاقامة. وقيل: إنه مستحب للمؤذن. قاله أبو محمد عن ابن حبيب انتهى. وإذا


[ 94 ]

استحب في الاذان استحب في الاقامة كما قاس ابن القاسم جوازه فيها على جوازه في الاذان. قال في الطراز: وهو صحيح فإن الاقامة أحد الاذانين، فإذا جاز ذلك في الاذان جاز في الاقامة، لانه لا يخل بموضعها كما لا يخل بموضعه انتهى. ولانه أبلغ في الاسماع. وما حكاه ابن ناجي عن ابن حبيب حكاه في النوادر ولم يحك صاحب الطراز استحبابه إلا عن الشافعي ثم قال: وما قاله مالك أرجح فإن ذلك لو كان من المستحسن لاستمر العمل به في مسجد الرسول انتهى. ونقل قبل ذلك عن ابن القاسم أنه قال: ورأيت المؤذنين بالمدينة لا يجعلون أصابعهم في آذانهم. وقال في التوضيح عن ابن القاسم، أنه قال: ورأيت المؤذنين بالمدينة يفعلونه، وتبعه ابن فرحون وكأنه سقط منه لا والله أعلم. ص: (مرتفع) ش: الاصل في ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه في باب ما جاء في الاذان فوق المنارة عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن. قالت: والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة أي هذه الكلمات، سكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج به ولم يتعقبه ابن حجر ولا غيره. قال الحافظ السخاوي في القول المألوف: وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن النواز أم زيد بن ثابت قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى بنى رسول الله (ص) مسجده، فكان يؤذن بعده على ظهر المسجد وقد رفع له شئ فوق ظهره انتهى. وقال في المدخل: ومن السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار، فإن تعذر ذلك فعلى سطح المسجد، فإن تعذر فعلى بابه وكان المنار عند السلف بناء يبنونه على سطح المسجد كهيئته اليوم، لكن هؤلاء أحدثوا فيه أنهم عملوه مربعا على أركان أربعة، وكان في عهد السلف مدورا وكان قريبا من البيوت خلافا لما أحدثوه من بعلية المنار وذلك يمنع لوجوه: أحدها: مخالفة السلف. الثاني: أن يكشف حريم المسلمين. الثالث: أن صوته يبعد عن أهل الارض ونداؤه إنما هو لهم، وقد بنى بعض ملوك العرب منارا زاد في علوه فبقي المؤذن إذا أذن لا يسمع أحد من تحته صوته، وهذا إذا تقدم وجود المنار على بناء لدور، وأما إذا كانت الدور مبنية ثم جاء بعض الناس يريد أن يعمل المنار فإنه يمنع من ذلك لانه يكشف عليهم، اللهم إلا أن يكون بين المنار والدور سكك وبعد بحيث إنه إذا طلع المؤذن على المنار ويرى الناس في أسطحة بيوتهم لا يميز بين الذكر والانثى منهم، فهذا جائز على ما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم. فإذا كان المنار أعلى من البيوت قليلا أسمع الناس بخلاف ما إذا كان مرتفعا كثيرا انتهى. والمنار في اللغة علم


[ 95 ]

الطريق. قال في الصحاح: والمنارة التي يؤذن عليها، والمنارة أيضا يوضع فوقها السراج وهي مفعلة بفتح الميم والجمع المناور بالواو لانه من النور، ومن قال منائر وهمز فقد شبه الاصل بالزائد انتهى. وهو شاذ ويقال لها أيضا: المئذنة بكسر الميم ثم همزة ساكنة، قاله في الصحاح. ويجوز إبدال الهمزة ياء وذكر بعضهم عن كراع أنه يقال: مأذنة بفتح الميم. تنبيهات: الاول: ظاهر آخر كلام صاحب المدخل أنه إذا كان المنار سابقا على بناء الدور أنه لا يمنع من الصعود وهو خلاف ما يقتضيه أول كلامه، وظاهر كلامه في البيان أنه يمنع من الصعود ولو كان المنار قديما. قاله في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الصلاة. قيل لسحنون: فالمسجد يجعل فيه المنار فإذا صعد المؤذن فيه عاين ما في الدور التي يجاورها المسجد فيريد أهل الدور منعه من الصعود، وربما كانت بعض الدور على البعد من المسجد يكون بينهم الفناء الواسع أو السكة الواسعة ؟ قال: يمنع من الصعود فيها لان هذا من الضرر. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهب مالك في الاذان في أن الاطلاع من الامر الذي يجب القضاء بقطعه، وكذا يجب عندي على مذهب من يرى من أصحاب مالك أن من أحدث في ملكه اطلاعا على جاره لا يقضى عليه بسده، ويقال لجاره: استر على نفسك. والفرق بين الموضعين على مذهبهم أن المنار ليس بملك للمؤذن وإنما يصعد عليه ابتغاء الثواب والاطلاع على حرم الناس محظور ولا يحل الدخول في نافلة بمعصية، وسواء كانت الدور على القرب أو على البعد إلا أن يكون البعد الكثير الذي لا يتبين معه الاشخاص والهيآت، ولا الذكران من الاناث، فلا يعتبر الاطلاع معه انتهى. الثاني: قال في المدخل: وينهى الامام المؤذنين عما أحدثوه من أذان الشباب على المنار لانه لم يكن من فعل من مضى، وقد تقدم في أوصاف المؤذن أن يكون من أتقاهم ولا يعرف ذلك في الشباب. وينبغي للمؤذن الذي يصعد على المنار أن يكون متزوجا لانه أغض لطرفه والغالب في الشباب عدم ذلك، والمنار لا يصعده إلا مأمون الغائلة، وقد كان بعض الصالحين بمدينة فاس يصحب إمام المسجد الاعظم الذي هناك وكان للرجل الصالح ولد حسن الصوت فطلب من الامام أن يأذن لولده في الصعود على المنار ليؤذن فأبى عليه فقال له: ولم تمنعه ؟ قال: إن المنار لا يصعده عندنا إلا من شاب ذراعاه، لان ذلك دليل على الطعن في السن. وقال: أتريد أن تحدث الفتنة في قلوب المؤمنين والمؤمنات فيمنع من ذلك جهده إذا كان على المنار. وأما على باب المسجد فيجوز ذلك وكذلك على سطحه إذا كان لا يكشف أحدا والله الموفق انتهى. وقال في مختصر الوقار: ويحق على إمام المسلمين أن يجتهد في الاختيار للمسلمين في مؤذنيهم يقصد بذلك أهل الفضل والسن والرضا لانهم مأمونون على أوقات المسلمين وعماد دينهم، ولعله يحتاج إلى إمامة بعضهم فيكون للامامة أهلا. الثالث: تلخص مما تقدم أن أذان المؤذن إما على المنار قريبا من البيوت، أو على سطح


[ 96 ]

المسجد، أو على بابه، وفهم من ذلك أنه لا يكون داخل المسجد. قال في التوضيح في باب الجمع ليلة المطر لما ذكر مقابل المشهور من أنه إنما يؤذن للعشاء خارج المسجد قال: لان المشروع في الاذان أن يكون داخل المسجد انتهى، ويستثنى منه ليلة الجمع على المشهور والله أعلم. ص: (قائم) ش: يعني أنه يستحب أن يكون المؤذن قائما اتباعا لما مضى عليه السلف، ولانه أقرب إلى التواضع وأبلغ في الاسماع، قال في الام: قال مالك: لم يبلغني أن أحدا أذن قاعدا وأنكر ذلك إنكارا شديدا. وقال: إلا من عذر يؤذن لنفسه إذا كان مريضا انتهى. ولفظ البراذعي: ولا يؤذن قاعدا إلا من عذر لنفسه إذا كان مريضا قال ابن ناجي: يريد على سبيل التحريم كما سيأتي الآن. وإنما نهى عنه لان المقصود من الاذان الاسماع وهو من القائم أبلغ. وفي كتاب أبي الفرج عن مالك جوازه وعزاه عياض لابي الفرج كالرواية قال: ومثله لابي ثور. وكل العلماء كافة على أنه لا يجوز الاذان قاعدا إلا لمريض لنفسه، قال النووي: وهذا ليس كما قال لان مذهبنا المشهور أن القيام سنة، فلو أذن قاعدا لغير عذر صح أذانه فكان فاتته الفضيلة، وكذلك لو أذن مضطجعا مع قدرته على القيام صح أذانه على الاصح، لان المراد الاعلام وقد حصل. قال ابن ناجي: ويرد بأن ما ذكره إنما هو بعد الوقوع وكلام عياض إنما هو ابتداء فلعله يقول: يجزئ بعد الوقوع والله أعلم انتهى. وما ذكره عن عياض ذكره في الاكمال والمفهوم من كلام أهل المذهب أنه ليس بحرام. قال في التوضيح: وكره أذان القاعد لكونه مخالفا لما عليه السلف انتهى. وعد ابن الفاكهاني في شرح الرسالة في صفات الكمال أن يكون قائما. وقال في مختصر الواضحة. وكان مالك ينكر أن يؤذن المؤذن قاعدا ويقول: لن يبلغني عن أحد ممن يقتدى به فعله فإن عرضت له علة تمنعه من القيام فليدع الاذان، ومن جهل فأذن قاعدا مضى ولم يعد الاذان انتهى. تنبيه: يوجد في بعض النسخ قائم إلا لعذر وهو إشارة إلى قوله في المدونة: إلا من عذر يؤذن لنفسه إذا كان مريضا. فرع: وأما أذان الراكب فجائز - قاله في المدونة - لانه في معنى القائم. قال ابن فرحون: بل هو أتم ارتفاعا وأكثر إسماعا لا كما قال ابن عبد السلام: إنه كالقاعد انتهى. وقد اعترضه ابن ناجي أيضا. وقال: قال ابن عبد السلام: لا فرق في التحقيق بين القاعد والراكب. قلت: بل التحقيق الفرق بينهما أن الراكب أندى صوتا من القاعد. وقال قبله: اختصر ابن يونس المسألة بلفظ ويؤذن راكبا في السفر قال: وهو وصف طردي ولذلك حذفه البراذعي يعني قوله في السفر والله أعلم. ص: (مستقبل إلا لاسماع) ش: قال في المدونة: ولا


[ 97 ]

يدور في أذانه ولا يلتفت وليس هذا من حد الاذان إلا أن يريد أن يسمع الناس ويؤذن كيف تيسر عليه، ورأيت المؤذنين في المدينة يتوجهون إلى القبلة في أذانهم ويقيمون عرضا وذلك واسع يصنع كيف شاء. قال ابن ناجي: ظاهره أنه يجوز الالتفات والدوران لقصد الاسماع وهو كذلك. وبه قال أبو حنيفة، وروي عن مالك إنكاره كالشافعي. قال ابن حبيب: وروي أن النبي (ص) أمر بلالا أن يلتفت بوجهه يمينا وشمالا وبدنه إلى القبلة، ونهاه أن يدور كما يدور الحمار، وظاهر الكتاب أن الدوران يجوز في حالة الاذان وهو كذلك. وقال بعض فضلاء أصحابنا: اختلف الاشياخ هل الامر كذلك أو إنما يدور بعد فراغ الكلمة أو إن لم ينقص من صوته فالاول وإلا فالثاني. وقال ابن الحارث: إنه لا يدور إلا عند الحيعلة انتهى. قال في التوضيح: أجاز مالك الدوران والالتفات عن القبلة لقصد الاسماع. وفي الواضحة: عليه أن يستقبل أي استحبابا. وقال في المجموعة: ليس ذلك عليه أي وجوبا وعلى هذا فما في الكتابين متفق. ومنهم من حمله على الخلاف انتهى. وقال ابن بشير: الدوران والالتفات للاسماع مشروع وظاهره أنه مطلوب ونصه: ويستحب للمؤذن أن يستقبل القبلة عند التكبير والتشهد، فأما دورانه ووضع أصبعيه في أذنيه فإن قصد بذلك المبالغة في الابلاع فهو مشروع انتهى. وقد يقال: إن لفظ المشروعية لا يقتضي أنه مطلوب لان لفظ المشروعية قد يستعمل فيما هو أعم من المطلوب كالبيع والاجارة. قاله ابن عبد السلام في أول باب الاذان، وقاله ابن فرحون وقال: إنه يطلق على المباح، وظاهر كلام ابن بشير أنه لا يدور ولا يلتفت في التكبير والتشهد. وقال أبو إسحاق التونسي: وجائز أن يبتدئ الاذان لغير القبلة انتهى. وذكر في النوادر عن ابن حبيب أنه قال: وأحب إلي أن يجعل أصبعيه في أذنيه. ص: (وحكايته لسامعه لمنتهى الشهادتين مثنى ولو متنفلا لا مفترضا) ش: يعني أنه يستحب حكاية المؤذن لقوله عليه الصلاة


[ 98 ]

والسلام: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وما ذكره المصنف من أن حكمها الاستحباب هو المشهور، وأطلق ابن زرقون عليها الوجوب. قال ابن عرفة: ولا أعرفه. قال ابن ناجي في شرح المدونة: هو قصور بل هو معروف لنقل ابن شاس في التهذيب. قال الظاهر من المذهب أنه مندوب إليه، وسمعنا في المذاكات قولين: الوجوب ونفيه، وهما على الخلاف في أوامره عليه الصلاة والسلام هل هي محمولة على الوجوب أو الندب ؟ وكذلك ذكر الخلاف ابن رشد فقال: وقيل واجب، وقال ابن عبد السلام: ظاهر الحديث الوجوب لكن قد تكون القرينة الصارفة عنه هي تبعية قول الحاكي للقول المحكي الذي هو الاذان انتهى. وقوله: لمنتهى الشهادتين يعني أن الحكاية تنتهي إلى قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله وهذا هو المشهور. قال في المدونة: ومعنى ما روي أنه إذا أذن المؤذن فقل مثل ما يقول إنما ذلك فيما يقع في قلبي إلى قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله قال في الطراز: وما قاله صحيح لان التكبير والتهليل والتشهد لفظ هو في عينه قربة لانه تمجيد وتوحيد، والحيعلة إنما هي دعاء إلى الصلاة والسامع ليس بداع إليها، وقد وقع تصديق ما وقع بقلب مالك رضي الله تعالى عنه من إيماء الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ذلك، ففي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي (ص) قال: من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه فلم يذكر عليه الصلاة والسلام إلا لفظ التمجيد والتوحيد والتشهد. وفي صحيح البخاري عن معاوية أنه لما قال المؤذن وهو جالس على المنبر: الله أكبر الله أكبر. قال معاوية: الله أكبر الله أكبر. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية: وأنا. فقال: أشهد أن محمدا رسول الله. فقال معاوية: وأنا. فلما انقضى التأذين قال معاوية: أيها الناس إني سمعت رسول الله (ص) على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول مثل ما سمعتم من مقالتي. فظاهره أن ما زاد على التشهد وقول مالك يقع في قلبي يريد الذي غلب على ظنه من حيث النظر على ما بينا وجهه انتهى. ومقابل المشهور أن المطلوب أن يحاكيه في جميع الاذان. قاله ابن حبيب ورواه ابن شعبان عن مالك واختاره المازري. قال في التوضيح: وهو أظهر لانه كذلك ورد في صحيح البخاري وغيره. وعليه فيبذل الحيعلتين بالحوقلة أي يعوض عن قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يحكي ما بعدهما. هكذا قال في الذخيرة أو غيرها. وظاهر كلامه في التوضيح أنه إنما يعوض في قوله: حي على الصلاة فقط وليس كذلك، وذكر أنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


[ 99 ]

قلت: ولم أر زيادة قوله: العلي العظيم في كلام أحد، وظاهر كلامهم أنه يحوقل أربع مرات وهو ظاهر وصرح بذلك النووي. والحكمة في إبدال الحوقلة في الحيعلة ما أشار إليه المازري وغيره أن الحيعلة دعاء إلى الصلاة، وإنما يحصل الاجر فيه بالاسماع فأمر الحاكي بالحوقلة لان الاجر يحصل لقائلها، سواء أعلنها أو أخفاها والله أعلم. وكذلك قال ابن بشير: إنما كان كذلك لان ألفاظ الاذان ذكر وهي تفيد الحاكي بخلاف الحيعلة فإن معناها هلموا إلى الصلاة هلموا إلى الفلاح ولا يفيد الحاكي قولهما فيما بينه وبين نفسه، فعوض من ذلك بأن يقول كلاما يناسب قول المؤذون ويكون جوابا له بأن تبرأ من الحول والقوة على إتيان الصلاة والفلاح إلا بحول الله وقوته. تنبيهات: الاول: قال في الذخيرة: الحول معناه المحاولة والتحيل، والقوة معناها القدرة. ومعنى الكلام لا حيلة لنا ولا قدرة على شئ إلا بقدرة الله تعالى ومشيئته انتهى. قال الدميري: وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة أي أجرها مدخر لقائلها كما يدخر الكنز. وروى البيهقي عن الشعب عن ابن مسعود قال: كنت عند النبي (ص) فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال (ص): تدري ما تفسيرها ؟ قلت: لا. قال: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، ثم ضرب بيديه على منكبي وقال: هكذا أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام انتهى. وفي قوله (ص): كنز من كنوز الجنة إشارة إلى عظيم الثواب الذي يحصل فيها ونفاسته، وإلا فجميع الثواب مدخر في الآخرة. وقال النووي في شرح مسلم قال أبو الهيثم: الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وكذا قال ثعلبة وآخرون، وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله. ثم حكى تفسير ابن مسعود ثم قال: وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة يقال: لا حيل ولا قوة إلا بالله بالياء. قال: والحيل والحول بمعنى واحد انتهى. ولم يضعف الجوهري اللغة المذكورة بل قال: هي لغة، وحكاها ابن فرحون. وفي حديث رواه النسائي في اليوم والليلة وذكر في الاحياء في كتاب الاذكاء أن العبد إذا قالها قال الله تعالى: أسلم عبدي واستسلم. الثاني: قال الدميري: الحاء والعين لا يجتمعان في كلمة واحدة إلا أن تؤلف من كلمتين كالحيعلة انتهى. وقال المازري في المعلم: قال في المطرز في كتاب اليواقيت وغيره: إن الافعال التي أخذت من أسمائها سبعة وهي بسمل إذا قال: بسم الله، وسبحل إذا قال: سبحان الله، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل إذا قال حي على الفلاح، ويجئ على هذا القياس الحيصلة إذا قال: حي على الصلاة ولم يذكره، وحمدل إذا قال: الحمد لله، وهيلل إذا


[ 100 ]

قال: لا إله إلا الله، وجعفل إذا قال: جعلت فداك، زاد الثعلبي الطبقلة إذا قال: أطال الله بقاءك، والدمعزة إذا قال: أدام الله عزك. قال القاضي عياض في الاكمال: قوله: الحيصلة على قياس الحيعلة غير صحيح بل الحيعلة تنطلق على حي على الفلاح وعلى حي على الصلاة كله حيعلة ولو كان على قياسه في الحيصلة لقيل في حي على الفلاح الحيفلة وهذا لم يقل وإنما الحيعلة من حي على كذا فكيف وهذا باب مسموع لا يقاس عليه وانظر قوله: جعفل في جعلت فداتك لو كان على قياس الحيعلة لكان جعلف إذا اللام مقدمة على الفاء، وكذلك الطبقلة تكون اللام على القياس قبل الباء والقاف انتهى. قال النووي: ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله الحوقلة. هكذا قاله الازهري والاكثرون، وقال الجوهري: الحوقلة فعلى الاول وهو المشهور الحاء والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة، والاول أولى لئلا يفصل بين الحروف. ومثل الحوقلة الحيعلة في حي على الصلاة حي على الفلاح حي على كذا والبسملة في بسم الله، والحمدلة في الحمد لله، والهيللة في لا إله إلا الله، والسبحلة في سبحان الله. قلت: ولم يذكر الحسبلة وقد ذكرها الشاطبي في قصيدته وقبلها شراحه وظاهر كلامم أنها مسموعة. الثالث: لم أقف على كلام أحد من أهل المذهب على ما يقول الحاكي في قول المؤذن إذا أذن الصبح الصلاة خير من النوم على مقابل المشهور، وحكى النووي في الاذكار في ذلك خلافا فقال: ويقول في قوله: الصلاة خير من النوم صدقت وبررت. وقيل: يقول: صدق رسول الله (ص) خير من النوم. واقتصر في منهاجه على الاول. قال الدميري: وادعى ابن الرفعة أن خبرا ورد فيه ولا يعرف ما قاله. وبررت بكسر الراء الاولى وسكون الثانية انتهى. قلت: سمعت بعض الناس يقول: صدقت وبررت أرشدك الله ولم أر هذه الزيادة في كلام أحد العلماء من أهل المذهب ولا غيرهم. الرابع: إذا قلنا بالمشهور: إن منتهى الحكاية إلى منتهى الشهادتين، فهل ترك الحكاية في بقية الاذان أولى وجائزة ؟ قال في المدونة بعد قوله الذي يقع في نفسي أنه يحكيه إلى قوله: أشهد أن محمدا رسول الله وإن فعل ذلك أحد لم أر به بأسا. قال في التوضيح: ظاهر كلامه أن تركه أولى وهذا على ما تأوله سحنون والشيخ أبو محمد، لانهما تأولا ذلك على أن معناه وإن أتم الاذان لم أر به بأسا، وعلى ذلك اقتصر البراذعي، وقال ابن يونس والباجي: والظافر أن مراده ولو فعل ما يقع في قلبي. وصوبه بعض شيوخ عبد الحق أي لانه المذكور، وأما إتمام الاذان فليس مذكورا انتهى. وهو الذي ارتضاه صاحب الطراز قال: لان قوله: لم أر به بأسا لا يليق أن يعلق بفعل ما يتناول عموم اللفظ فإن ذلك معقول من نفس العموم، فإنما اللائق إذا اقتصر على بعض ما يتناوله العموم فلا يكون عليه بأس فيما ترك، ولعمري أيضا لو


[ 101 ]

حكى معه جميع الاذان لم يكن به بأس إذا كان في غير صلاة لكن المناقشة فيما هو قصد مالك انتهى. الخامس: قال في التوضيح: إذا قلنا: لا يحكيه في الحيعلتين، فهل يحكيه فيما بعد ذلك من التهليل والتكبير ؟ خيره ابن القاسم في المدونة انتهى. يشير إلى قوله في المدونة: إذا قال المؤذن: حي على الفلاح ثم قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، أيقول مثله ؟ قال: هو من ذلك في سعة إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، قال صاحب الطراز: أسقط البراذعي هذه المسألة ولعله اكتفى بقوله: وإن أتم معه الاذان فلا بأس به. وفي هذه المسألة فوائد منها: أنه ما يلزمه تكرار اللفظة وإنما المطلوب منه الذكر لا غير، فيكتفي بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله عن تكرير الشهادتين، كما يكتفي بذكر أوله عن ذكر آخره. منها أنه إذا سمع مؤذنا آخر تأول بعضهم من هذا الفرع أنه لا يلزمه القول معه كآخر الاذان. وقال بعضهم: بل يلزمه بخلاف آخر الاذان. والذي يوضح هذا الاصل حصول الوفاق على أن المصلي وحده يندب إلى الاقامة، وأن الجماعة يقيم لها واحد، فلو كان تكرار الاذان يوجب تكرار الحكاية لاستحب لكل من في المسجد أن يقيم الصلاة إذا أقامها المؤذن بعدما أذن انتهى. فائدة: قال في المسائل الملقوطة: حدثنا الفقيه الصديق الصدوق الصالح الا زكى العالم الاوفى المجتهد المجاور بالمسجد الحرام المتجرد الارضى صدر الدين ابن سيدنا الصالح بهاء الدين عثمان بن علي الفاسي حفظه الله تعالى قال: لقيت الشيخ العالم المتفنن المفسر المحدث المشهور الفضائل نور الدين الخراساني بمدينة شيراز، وكنت عنده في وقت الاذان، فلما سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، قبل الشيخ نور الدين إبهامي يديه اليمنى واليسرى ومسح بالظفرين أجفان عينيه عند كل تشهد مرة، بدأ بالموق من ناحية الانف وختم باللحاظ من ناحية الصدع. قال: فسألته عن ذلك ؟ فقال: إني كنت أفعله من غير رواية حديث ثم تركته فمرضت عيناي فرأيت رسول الله (ص) في المنام فقال لي: لم تركت مسح عينيك عند ذكري في الاذان ؟ إن أردت أن تبرأ عيناك فعد إلى المسح أو كما قال: فاستيقظت ومسحت فبرئت عيناي ولم يعاودني مرضهما إلى الآن. وروي عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يعم ولم يرمد أبدا. قال في الصحاح: واللحاظ بالفتح مؤخر العين انتهى. زاد في مختصر العين من جانب الاذن، ويظهر من هذا أن الموق هو جانب العين من جانب الانف والله تعالى أعلم. وقوله: مثنى يعني به أن الحاكي يكرر الشهاديتن مرتين ولا يرجع كما يرجع المؤذن، قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفي تكرير التشهد قولان، أي في الترجيع، وأما تثنيته فلا بد منها كالتكبير. وحاصله


[ 102 ]

هل يقول الشهاديتن مثل المؤذن أربع مرات أو مرتين ؟ والقول بعدم التكرار رواه ابن القاسم عن مالك، والتكرار للداودي وعبد الوهاب انتهى. ونحوه لابن فرحون. وقال ابن عبد السلام: والاولى بعد تسليم المشهور الانتهاء إلى الثاني لان الصوت معه أرفع فعنده تكون الحكاية أظهر انتهى. والقولان حكاهما القرافي عن المازري وعلل الاول بحصول المثلية التي في قوله مثل ما يقول بالتشهد الاول، وبأن الترجيع إنما هو للاسماع والسامع ليس بمسمع، وعلل الثاني بأنه نظر لعموم الحديث. تنبيهات: الاول: فهم من كلام المصنف هذا أنه لا بد من تثنية الشهادتين كما صرح بذلك في كلامه في التوضيح الذي ذكرته وهذا هو المفهوم من كلام غيره، قال في الاكمال: واختلف في الحد الذي يكفي فيه المؤذن هل إلى التشهدين الاولين أم الآخرين، أم لآخر الاذان ؟ انتهى. وقال ابن عرفة: وتستحب الحكاية وفي كونها لآخر التشهدين أو آخره معوضا الحيعلة بالحوقلة قولان: لها ولابن حبيب مع رواية ابن شعبان: وعلى الاول في قول التشهد مرة واحدة ومعاودته إذا عاوده المؤذن معه أو قبله نقلا الباجي عن ابن القاسم والقاضي انتهى، فقوله: مرة واحدة قد يتبادر منه أنه لا يكرر التشهد وليس كذلك، وإنما مراده هل يحكيه في الترجيع أم لا كما يفهم من كلام الباجي الذي نقل عن القولين. نعم كلام صاحب الطراز المتقدم يوهم أن لا يكرر الشهادة فتأمله. الثاني: من لم يسمع التشهد الاول فالظاهر أنه يحكيه في الترجيع ولم أر فيه نصا، ولكنه ظاهر. وفي كلام اللخمي في أول باب الاذان ما يدل على ذلك فتأمله. الثالث: إذا كان المؤذن يكبر أربعا فهل يحكيه في الاربع أو إنما يحكيه في التكبيرتين الاوليين لم أر فيه نصا. والظاهز من كلام أصحابنا أنه إنما يحكيه في التكبيرتين الاوليين لانه إذا لم يحكه في الترجيع مع أنه مشروع فأحرى في التكبير الذي يرى أنه غير مطلوب انتهى. الرابع: تقدم الخلاف في تكرير الحكاية إذا تكرر المؤذنون، وقد ذكر القولين المازري ونقلهما عنه ابن عرفة وابن ناجي، واختار اللخمي تكرار الحكاية، وتقدم كلام صاحب الطراز أن بعضهم أخذ من المدونة عدم التكرار، وفي كلام صاحب الطراز ميل إليه، وصرح الوانشريسي في قواعده بأن المشهور نفي التعدد. الخامس: قال ابن ناجي في شرح المدونة قال التادلي: واختلف هل يحاكي المؤذن مؤذنا غيره أم لا ؟ على قولين ذكرهما صاحب الحلل. قال ابن ناجي: ولا أعرفه لغيره. نعم يجري الخلاف من الصلاة والله أعلم. السادس: يستحب أن يصلى على النبي (ص) بعد الاذان وأن يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة واللاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته،


[ 103 ]

ثم يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أنه سمع النبي (ص) يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة وقوله: مقاما محمودا كذا ثبت في الصحيح منكرا وهو موافق للفظ لانه أعني قوله تعالى: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * وروي معرفا وهو صحيح، رواه ابن خزيمة والنسائي وابن حبان والبيهقي بإسناد صحيح وزاد في رواية البخاري بعد قوله: الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد ورواها البيهقي في سننه وصرح صاحب الطراز باستحباب ذلك. وإنه إنما يستحب ذلك إذا كان في غير صلاة فإنه لما تكلم على الحكاية في الصلاة وذكر قول ابن حبيب: إنه يحكيه في الفرض والنفل وقول سحنون: إنه لا يحكيه فيهما، قال في توجيه القولين: فتعلق ابن حبيب بعموم الحديث، وتعلق سحنون بمساقه فإن فيه ثم صلوا علي وساق الحديث إلى آخره. ثم قال: وإنما يستحب ذلك خارج الصلاة فدل على أن الحديث إنما يعني في غير تلك الحال انتهى. وقال ابن عسكر في عمدته: ويستحب لسامعي الاذان حكايته لمنتهى الشهادتين، ويعوض الحوقلة عن الحوعلة ويقول إذا فرغ المؤذن: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته انتهى. وقال في القوانين: وينبغي لسامع الاذان أن يصلي على النبي (ص) ويسأل من الله له الوسيلة ثم يدعو بما شاء انتهى. وصرح الشافعية باستحباب ذلك للمؤذن أيضا، ولم أر من صرح به من المالكية، وقال في مختصر الواضحة: قال عبد الملك: ويستحب له الدعاء عند الاذان وعند الاقامة فيما يستحب للرجل أن يقول إذا سمع المؤذن يقول: الله أكبر لبيك داعي الله، سمع السامعون بحمد الله ونعمته، اللهم أفضل علينا وقنا عذاب النار ثم يقول مثل ما يقول. وعن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رسول الله (ص) يقول: من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول ثم قال: رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد (ص) رسولا غفر الله له وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) قال: من قال حين يسمع الاذان: اللهم رب هذه الدعوة النافعة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والفضيلة والشفاعة حلت له شفاعتي يوم القيامة وعن عائشة أنها كانت إذا سمعت المؤذن قالت: شهدت وآمنت وأيقنت وصدقت وأجبت داعي الله وكفرت من أبى أن يجيبه انتهى.


[ 104 ]

فائدة: قال في الاكمال في قوله: حلت عليه الشفاعة يحتمل أن يكون هذا مخصوصا لمن فعل ما حض عليه الصلاة والسلام عليه وأتى بذلك على وجهه وفي وقته بإخلاص وصدق نية. وكان بعض من رأيناه من المحققين يقول هذا، ومثله في قوله (ص): من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا هو والله أعلم لمن صلى عليه محتسبا مخلصا قاضيا حقه بذلك إجلالا لمكانه وحبا فيه، لا لمن قصد بذلك ودعا به مجرد الثواب ورجاء أو مجرد الاجابة لدعائه بصلاته عليه والحظ لنفسه، وهذا عندي فيه نظر انتهى. وقال في النوادر عن ابن حبيب: والدعاء حينئذ ترجى بركته وعند الزحف ونزول الغيث وتلاوة القرآن انتهى. السابع: ما ذكره عن سعد بن أبي وقاص رواه مسلم في صحيحه بلفظ من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد (ص) ورسولا بالاسلام دينا غفر له ذنبه. وفي رواية من قال حين سمع المؤذن وأنا أشهد ورواه ابن أبي عوانة في صحيحه وزاد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قلت: وهذه الزيادة ضعيفة كما بينت ذلك بالجزء الذي سميته تفريح القلوب بالخصال المكفرة لما " تقدم وما تأخر من الذنوب. وبين النووي رحمه الله في شرح مسلم وفي الاذكار أنه يقول: رضيت بالله ربا الخ. بعد قوله: وأنا أشهد أن محمدا رسول الله وقوله: وبمحمد رسولا كذا في رواية مسلم وفيها أيضا تقديم قوله: وبمحمد رسولا على قوله: وبالاسلام دينا وفي رواية ابن ماجة تقديم قوله: وبالاسلام دينا وقال فيها: وبمحمد نبيا. قال بعض شيوخ شيوخنا: فينبغي أن يجمع بينهما فيقول: وبمحمد (ص) نبيا رسولا. قلت: وقد ذكر النووي نحو ذلك في الاذكار لما ذكر أذكار الصباح والمساء فقال: وقع في رواية أبي داود وغيره وبمحمد رسولا وفي رواية الترمذي نبيا فيستحب أن يجمع الانسان بينهما فيقول: نبيا ورسولا ولو اقتصر على أحدهما لكان عاملا بالحديث انتهى. قلت: وينبغي أن يقول في مرة: أشهد وفي مرة: وأنا أشهد ليعمل بجميع الروايات. الثامن: زاد بعضهم في الحديث المذكور بعد قوله: والفضيلة والدرجة الرفيعة قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة في الاحاديث المشتهرة على الالسنة: لم أره في شئ من الروايات. قال: وكان من زادها اغتر بما وقع في بعض نسخ الشفاء في الحديث المشار إليه لكن مع زيادتها في هذه النسخة علم عليها كاتبها بما يشير إلى الشك فيها، ولم أرها في سائر نسخ الشفاء بل عقد لها في الشفاء فصلا في معان أخر ولم يذكر فيه حديثا صريحا وهو دليل لغلطها انتهى. قلت: يشير إلى قوله: فصل في تفضيله في الجنة بالوسيلة والدرجة الرفيعة


[ 105 ]

والكوثر والفضيلة انتهى. وقال الدميري من الشافعية في شرح المنهاج: وقع في الشرح والروضة والمحرر بعد الفضيلة زيادة. والدرجة الرفيعة ولا وجود لها في كتب الحديث. التاسع: المراد بالدعوة التامة الاذان، وصفت الدعوة بالتمام لانها ذكر الله ويدعى بها إلى عبادته. وقوله: والصلاة القائمة أي الصلاة التي ستقام وتفعل، والوسيلة أصلها ما يتوسل به إلى الشئ وقد فسرها في الحديث بأنها منزلة في الجنة. وذكر الدميري عن بعضهم أنه فسرها بأنها قبتان في أعلى عليين: إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها محمد (ص) وآله، والاخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم وآله عليه الصلاة والسلام. والمقام المحمود هو مقام الشفاعة. وقوله: الذي وعدته بدل من قوله: مقاما محمودا لا نعت على رواية التنكير، ونعت على رواية التعريف. وقوله في الحديث: وأرجو أن أكون أنا قال القرطبي: قاله قبل أن يعلم أنه صاحبه ولكن مع ذلك لا بد من الدعاء فإن الله تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم، ثم إنه يرجع ذلك إليهم بنيل الاجور ووجوب شفاعته. وقوله في الحديث: حلت عليه الشفاعة قال في الاكمال. قال المهلب: يعني حلت عليه غشيته والصواب أن يكون حلت بمعنى وجبت. قال أهل اللغة: حل يحل وجب وحل يحل نزل انتهى. وقال في الصحاح: وحل العذاب يحل بالكسر أي وجب ويحل بالضم نزل وقرئ بهما * (فيحل عليكم غضبي) * انتهى. وقال القرطبي: فكأن الشفاعة لازمة له لا تنفك عنه ولذلك عداه ب‍ على انتهى. وفي بعض الروايات حلت له الشفاعة كما تقدم والله أعلم. العاشر: قال في مختصر الواضحة: قال عبد الملك: ويستحب للمؤذن أن يركع ركعتين على أثر أذانه وليس بلازم. وقد حدثني أصبغ عن ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب أنه قال: الركعتان من سنة الاذان إلا على إثر أذان المغرب. قال فضل: قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: أدركت بعض الشيوخ إذا سمع مؤذن المغرب قام يركع ركعتين قبل الصلاة. قال مالك: ولا يعجبني هذا من العمل. وقال في النوادر عن المختصر: والركوع بإثر الاذان واسع. قال ابن حبيب: يستحب أن يركع إثر الاذان إلا في المغرب. وقاله ابن شهاب انتهى. وهذا في حق المؤذن، وأما من كان جالسا في المسجد فيكره له الركوع عند الاذان إن فعل ذلك سنة، فأما إن صادف ذلك دخوله المسجد أو تنفله فلا قال في مختصر الوقار في باب صلاة الجمعة: ويكره قيام الناس للركوع بعد فراغ المؤذن من الاذان يوم الجمعة وغيرها انتهى. وهو معنى قول المصنف في باب الجمعة: وتنفل إمام قبلها أو جالس عند الاذان. وقال الشارح في الكبير: قال الاصحاب: وإنما قال: والمراد الاذان الاول كما قاله الشارح في الصغير والبساطي والاقفهسي. وقال الشارح في الكبير: وإنما كره خشية أن يعتقد فرضيته، فلو فعله إنسان في خاصة نفسه فلا بأس به إذا لم يجعله استنانا انتهى. وقال في المدخل: وينهى الامام الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الاذان الاول للجمعة لانه مخالف لما كان عليه السلف لانهم كانوا


[ 106 ]

على قسمين: منهم من كان يركع حين دخوله ولا يزال كذلك حتى يصعد الامام على المنبر، ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي. ثم قال: ولا يمنع الرفوع في ذلك الوقت لمن أراده وإنما المنع في اتخاذ ذلك عادة بعد الاذان وأطال في ذلك والله أعلم. الحادي عشر: قال في الطراز: ويجوز الكلام والمؤذن يؤذن وقد كانت الصحابة تفعله، ففي الموطأ أنهم كانوا يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر بن الخطاب فإذا جلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذن وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم أحد منا. وقوله: ولو متنفلا لا مفترضا يعني أن الحكاية مستحجة ولو كان الحاكي متنفلا، وأما المفترض فلا يستحب له الحكاية، وهذا مذهب المدونة وهو المشهور عن مالك يحاكيه فيهما، وقاله ابن وهب وابن حبيب. قال في مختصر الواضحة: لانه تهليل وتكبير وذكر الله وهذا جائز للمصلي أن يقوله وإن لم يسمع أذانا، وقال سحنون: ولا يحكيه فيهما. تنبيهات: الاول: إذا قلنا: يحكيه في النافلة أو فيهما فإنما يحكيه إلى التشهدين، ولو قلنا: إن الحكاية في غير الصلاة إلى آخر الاذان قال في الطراز: إذا قلنا: يتم معه الاذان ويحكيه في لفظ الحيعلة فذلك في غير صلاة، فإن حكاه في الصلاة فهل تبطل ؟ يختلف فيه، فقيل: تفسد حكاه عبد الحق في نكته. وقال الاصيلي: لا تبطل لانه متأول. ومقتضى أصل المذهب بطلان صلاته لانه تكلم فيها فيما لم يشرع جنسه فيها وما لا يعود إلى إصلاحها ولا ينفعه جهله، والجاهل والعامد في أمر الصلاة سيان انتهى. فإن قيل: كلام صاحب الطراز إنما يدل على أن الذي يمنع منه حكاية الحيعلة بلفظها بدليل أنه حكى البطلان في صلاته، ولا يمكن أن يقال: ببطلان صلاة من هال: صلاته لا حول ولا قوة إلا بالله لانها ذكر. فالجواب أن أول كلامه يدل على ما قلنا، لان المطلوب في حكاية لفظ الحيعلة عند من قال بذلك أن يأتي بدلها بالحوقلة، ولم أر من قال: يحكيها بلفظها. وأيضا فكلام ابن بشير وصاحب الجواهر والقرافي يدل على ما قلناه. قال ابن بشير بعد أن حكى الاقوال الثلاثة: وإذا قلنا: يحكيه في الصلاة فإنما يبلغ إلى آخر الشهادتين، ولو قال في الصلاة: حي على الصلاة فإنه يبطلها، وهذا إذا كان عمدا، وأما الناسي فلا يبطلها، والجاهل يجري على القولين في الجهل هل حكمه حكم العمد أو النسيان ؟ وقال في الجواهر: ثم حيث قلنا: يحكي فلا يجاوز التشهدين، ولو قال في الصلاة: حي على الصلاة فقال الاصيلي: لا تبطل. وحكى عبد الحق عن بعض القرويين أنها تبطل وأنه كالمتكلم، وحكى ذلك عن القاضي أبي الحسن انتهى. وقال القرافي: إذا قلنا: يحكيه في الفرض أو في النفل فقط ولا يتجاوز التشهدين، فلو قال: حي على الصلاة ثم ذكر القولين، وعلم من كلام ابن بشير أن العامد تبطل صلاته بلا خلاف، وأن الناسي لا تبطل صلاته بلا خلاف، وأن الخلاف في الجاهل والمشهور أنه كالعامد كما تقدم في كلام صاحب الطراز.


[ 107 ]

الثاني: إذا قلنا: لا يحكيه في الفريضة فالظاهر أن ذلك مكروه. قال في الطراز: وهل يحكيه بعد فراغه من الصلاة ؟ الظاهر أنه يحكيه كما يرد المؤذن السلام بعد فراغه انتهى. وجزم به في الذخيرة فقال: قال صاحب الطراز: إذا قلنا: لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها انتهى والله أعلم. الثالث: عورضت هذه المسألة بما في كتاب الاعتكاف أن المعتكف لا يصلي على جنازة وإن انتهى إليه زحام المصلين. وفرق عبد الحق في تهذيب الطالب بأن صلاة الجنازة فرض كفاية فلم يسغ له أن يدخل نفسه في عمل لا يتوجه عليه بعينه، وحكاية المؤذن تلزم كل أحد في خاصته، وبأن الحكاية ذكر وهي من جنس ما يفعله في صلاته، وصلاة الجنائز ليست من جنس ما المعتكف فيه، وبأن الحكاية أمر قريب يسير، وأمر الجنازة يطول الاشتغال فيه. انتهى بالمعنى من الشيخ أبي الحسن. وعارض الشيخ أبو الحسن أيضا هذه المسألة بقوله في المدونة: إن المصلي إذا عطس لا يحمد الله فإن فعل ففي نفسه. وقال: انظر ما الفرق بينهما، ونقله ابن ناجي ولم يذكروا له فرقا فتأمله. الرابع: قال المشذالي في حاشية المدونة: قال ابن المنبر في شرح البخاري: إذا قلنا: يحكي في الفرض فلو كان الاذان للصلاة التي هو فيها وقد أذن لها فهل يشرع له أن يقول مثله أو لا ؟ والظاهر لا، لان من أذن لتلك الصلاة فقد أتى بالاكمل فلا معنى لطلب العوض ممن أتى بالمعوض. قال المشذالي. قلت: لا خفاء في ضعف هذا التعلل لان المزايا الشرعية لا غاية لها انتهى. قلت: هذا يري على الخلاف الذي ذكر ابن ناجي عن التادلي في المؤذن هل يحكي مؤذنا غيره أم لا والله أعلم. ص: (وأذان فذان سافر) ش: الفذ المنفرد والاصل في ذلك ما رواه مالك في الموطأ من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد الخدري أنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله (ص). ورواه البخاري في صحيحه بهذا اللفظ. وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال.


[ 108 ]

تنبيهات: الاول: ذكر المصنف في التوضيح في الحديث الاول أنه من قول أبي سعيد لعبد الله بن زيد وليس كذلك، إنما هو من قول سعيد لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة كما تقدم عن الموطأ، وهو كذلك في صحيح البخاري وغيره، وعزا الحديث الثاني للبخاري وليس فيه، وقد رواه مالك في الموطأ مرسلا وأسنده النسائي وغيره. الثاني: ذكر جماعة من الشافعية منهم إمام الحرمين والغزالي والرافعي حديث أبي سعيد بلفظ أن النبي (ص) قال لابي سعيد: إنك رجل تحب الغنم الخ. وتعقبهم ابن الصلاح وقال: هذا وهم وتحريف وإنما قال ذلك أبو سعيد للراوي عنه وهو عبد الله بن عبد الرحمن وتبعه أيضا النووي فقال: هذا الحديث مما غيره القاضي حسين والمازري والرافعي وغيرهم من الفقهاء فجعلوا النبي (ص) هو القائل هذا الكلام لابي سعيد وغيروا لفظه، والصواب ما ثبت في صحيح البخاري والموطأ وسائر كتب الحديث وذكر اللفظ السابق. قال ابن حجر في فتح الباري: وأجاب ابن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله (ص) عائد إلى كل ما ذكر. قال ابن حجر: ولا يخفى بعده وذكر نحو ذلك في البدر المنير. قلت: وقع في كلام اللخمي وابن بشير وغيرهما من المالكية في حديث أبي سعيد نحو ما تقدم عن الغزالي وغيره من الشافعية. الثالث: قوله: مدى صوت المؤذن بفتح الميم مقصور يكتب بالياء وهو غاية الشئ، والمعنى لا يسمع غاية شوته الخ. قال ابن حجر: قال البيضاوي: غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلان يشهد له من دنا منه وسمع منادي صوته أولى انتهى. وقول: شهد له ظاهر كلام ابن حجر وغيره أن الشهادة هنا على بابها، ورأيت في حاشيته نسخة من الموطأ عن ابن القطان أن الشهادة هنا بمعنى الشفاعة. قال ابن حجر: والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع في عالم الغيب والشهادة، أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة. قاله ابن المنير: وقال غيره: المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله تعالى يفضح بالشهادة أقواما فكذلك يكرم بالشهادة أقواما آخرين انتهى. وفي حديث آخر المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس رواه أبو داود والنسائي. المؤذن يغفر له مد صوته فعلى رواية مدى صوته يكون منصوبا على الظرفية، وعلى رواية مد صوته يكون مرفوعا على النيابة، والمعنى أن ذنوبه لو كانت أجساما غفر له منها قدر ما يملا المسافة التي بينه وبين منتهى صوته. وقيل: تمد له الرحمة بقدر مد الاذان. وقال الخطابي:


[ 109 ]

المعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية في المغفرة إذا بلغ الغاية في رفع الصوت. الرابع: قوله: إن سافر المراد كونه في فلاة من الارض، ولا يشترط السفر حقيقة كما يفهم ذلك من كلام ابن عرفة الآتي في التنبيه الخامس. وقوله قد يقتضي أن الجماعة لا يستحب لها الاذان وليس كذلك، فإن كانت الجماعة ترتجي حضور من يصلي معها فالاذان في حقها سنة، وأما إن كانت لا ترتجي فالاذان في حقها مستحب، ولا تكون الجماعة أحط رتبة من الفذ فإن أصل مشروعية الاذان للجماعة وهذا هو المفهوم من كلام المازري وابن بشير وابن شاس. قال المازري في شرح التلقين: وأما المنفرد والجماعة فلا يفتقرون لاعلام غيرهم وهم بالحضر، فاختلف هل يستحسن لهم الاذان لانه ذكر فيه إظهار شعار الاسلام أو لا يستحسن ذلك لهم لان الغرض الاكثر في الاذان الدعاء إلى صلاة الجماعة وهؤلاء لا يدعون أحدا ؟ ثم قال: وأما السفر فيستحسن فيه وإن كان فذا انتهى. وقال ابن بشير: واستحب متأخرو أهل المذهب الاذان للمسافر وإن كان فذا، وذكر حديثي الموطأ وقال ابن شاس: واستحب المتأخرون للمسافر الاذان وإن كان منفردا لحديث أبي سعيد. فإن قيل: لعل هذا على طريقة ابن بشير وابن شاس الآتية في أن الفذ والجماعة التي لا تطلب غيرها في الحضر يستحب لها الاذان. قلت: أما على طريقتهم فلا إشكال في استحبابه، وإنما الكلام على الطريقة التي مشى عليها المصنف فإنه لا يستحب للجماعة التي لا تطلب غيرها، فالذي يظهر أن ذلك في الحضر، وأما في السفر فالظاهر أنه مستحب. أما أولا فلان ذلك يفهم من كلام المازري كما تقدم في كلامه ميل إلى عدم الاذان إذا لم تطلب الجماعة غيرها في الحضر، وأما ثانيا فلاحتمال أن يكون أحد قريبا منهم يواريه عنهم جبل أو تل أو طريق فإذا سمع الاذان أتى إليهم وصلى معهم، وأما ثالثا فإن حديث أبي سعيد شامل للجماعة أيضا، فلان العلة التي ذكرها في الفذ موجودة في الجماعة، فإن القرافي ذكر أن الفز في السفر في موضع ليس فيه إظهار شرائع الاسلام فشرع له إظهارها وسرايا المسلمين تقصده فيحتاج للذب عن نفسه بخلاف الحاضر فإنه مندرج في شعائر غيره وصيانته انتهى. قلت: هذا موجود في حق الجماعة بل إظهار شعائر الاسلام في حق الجماعة أوكد ولانه ربما مر بهم شخص منفرد فيخاف كونهم من العدو فإذا سمع الاذان أمن على نفسه ومفهوم قوله: إن مسافر أنه لا يستحب له الاذان في الحضر وسيأتي بيان ذلك في قوله: لا جماعة لم تطلب. الخامس: عزا ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب استحباب ذلك للمتأخرين كما تقدم، وتعقبهم ابن عرفة بأن منصوص لمالك وابن حبيب ونصه: واستحب ابن حبيب ومالك للفذ المسافر ومن بفلاة لما ورد فيه، فعزو ابن بشير وابن الجلاب استحبابه لهما للمتأخرين قصور


[ 110 ]

انتهى. ص: (لا جماعة لم تطلب غيرها على المختار) ش: قال ابن بشير: وأما الفذ والجماعات المجتمعون بموضع ولا يريدون دعاء غيرهم إلى الصلاة فوقع في المذهب لفظان: أحدهما أنهم إن أذنوا فحسن، والثاني أنهم لا يؤذنون. وأراد أبو الحسن اللخمي أن يجعل المذهب على قولين، وليس كذلك بل لا يؤمرون بالاذان كما يؤمر به الائمة وفي مساجد الجماعات، فإن أذنوا فهو ذكر والذكر لا ينهى عنه من أراد لا سيما إذا كان من جنس المشروع انتهى. ونص كلام اللخمي: الرابع المختلف فيه هل هو مستحب أم لا، فإن الفذ في غير السفر والجماعة لا يحتاجون إلى إعلام غيرهم. فقال مرة: الاذان مستحب وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: لم يكن مالك يستحب الاذان لمن يصلي وحده إلا أن يكون مسافرا، وقاله ابن حبيب فيمن صلى في منزله، أو أم جماعة في غير مسجد قال: فلا أذان لهم إلا المسافر. وقاله ابن المسيب. وقال مالك: فإن أقام فحسن وهذا هو الصواب لان الاذان إنما جعل ليدعى به الغائب، وإذ كان كذلك لم يكن لاذان الفد وجه، وحسن في المسافر لما جاء فيه أنه يصلي خلفه فصار في معنى الجماعة انتهى. فهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: على المختار وآخر كلام اللخمي يدل على اختياره عدم الاذان إنما هو في حق الفذ، لكن أول كلامه يدل على مساواة الجماعة التي لا تطلب غيرها للفذ وعلى ذلك فهمه الشيوخ والله تعالى أعلم. قال ابن عرفة ابن حبيب: الفذ الحاضر والجماعة المنفردة لا أذان عليهم. مالك: إذا أذنوا فحسن ومرة لا أحبه. فقال اللخمي والمازري: خلاف. ورده ابن بشير بحمل نفيه على نفي تأكده كالجماعة لا على نفي حسنه لانه ذكر. وروى أبو عمر لا أحب لفذ تركه انتهى. قاله في مختصر الواضحة، وكذلك الرجل تحضره الصلاة في منزله في حضر كان أو في قرية، فالاقامة تجزئه ولا يستحب الاذان إلا المسافر أو الرجل الواحد في الفلاة من الارض فلا بأس أن يؤذن لنفسه إذا حضرته الصلاة في ليل كان أو نهار، وقد استحب ذلك مالك وأهل العلم انتهى. تنبيه: فهم من كلام المصنف أن الاذان لا يستحب للفذ في غير السفر ولا للجماعة التي لم تطلب غيرها، وإذا قلنا لا يستحب فهل هو مكروه أو مباح ؟ ظاهر كلامهم أن الاولى


[ 111 ]

تركه. قال في الطراز في شرح: ليس الاذان إلا في مسجد الجماعة ومساجد القبائل. وقال ابن حبيب فيمن صلى في منزله أو أم جماعة في غير مسجد: لا أذان لهم إلا المسافر. وقاله ابن المسيب ومالك. فإن أقام فحسن. وقال صاحب القوانين: الاذان سنة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية، وقيل: خمسة أنواع: واجب وهو أذان الجمعة، ومندوب وهو لسائر الفرائض في المساجد، وحرام وهو أذان المرأة وأجاز الشافعي أن يؤذن النساء، ومكروه وهو الاذان للنوافل وأجازه للفوائت ابن حنبل وأبو حنيفة، ومباح وهو أذان المنفرد وقيل مندوب انتهى. ص: (وجاز أعمى) ش: قال في المدونة: وجائز أذان الاعمى وإمامته ولفظ الام: كان مالك لا يكره أن يكون الاعمى مؤذنا وإماما. قال صاحب الطراز. قال مالك: وكان مؤذن النبي (ص) أعمى يريد ابن أم مكتوم، ولا يختلف في حل أذانه إذا كان من أهل الثقة والامانة إلا أنه لا يرجع في الوقت إلى ما يقع في نفسه دون أن يستخبر من يثق به ويتثبت في أمره. قال أشهب في المجموعة، الاعمى جوز أذانا عندي وإمامة من العبد إذا سدد الوقت والقبلة، ثم العبد إذا كان رضا، ثم الاعرابي إذا كان رضا، ثم ولد الزنا، وكل جائز انتهى. ونقله في الذخيرة ولفظه وفضل أشهب على العبد إذا سدد الوقت والقبلة، وفضل العبد إذا كان رضا على الاعرابي، والاعرابي إذا كان رضا على ولد الزنا. ونقل صاحب النوادر كلام أشهب وزاد في آخره: وكل جائز ولا بأس به مؤذنا وإماما انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: والمراد بأذان الاعمى إذا كان تبعا لاذان غيره أو معرفة من يثق به أن الوقت حضر. وكان شيخنا يحكي أنه كان بجامع القيروان صاحب الوقت أعمى وكان لا يخطئ، ويذكر أنه يشم لطلوع الفجر رائحة انتهى. وسمعت سيدي الوالد يذكر عن بعض أئمة الشافعية بمكة أنه كان يقول: إنه يشم رائحة الفجر ولم يكن أعمى. وقال في مختصر الواضحة: ولا بأس أن يؤذن ويؤم الاعمى والاقطع والاعرج وذو العيب في جسده إذا لم يكن العيب في دينه والله أعلم. ص: (وتعددهم) ش: يعني أن تعدد المؤذنين جائز. قال في المدونة: ولا بأس باتخاذ المؤذنين أو ثلاثة أو أكثر لمسجد واحد في حضر أو سفر في بر أو بحر أو في الحرس. قال ابن ناجي: قال المغربي في الكلام: تجوز ومسامحة إذا ظاهره أن المسجد يكون في الحضر والسفر والبر والبحر وليس كذلك. قال ابن ناجي: ليس فيه تجوز لان المسجد هو المعد لصلاة الجماعة وذلك متأت في كل ما ذكر. نعم قوله: وفي الحرس يوهم أنه خارج عن البر والبحر وليس كذلك انتهى. واعلم أن غالب عبارة أهل المذهب كعبارة المصنف: أن تعدد المؤذنين جائز، ولكن استدلالهم لذلك بتعدد المؤذنين في زمانه (ص) وفي زمان الخلفاء بعده، يشعر بأن ذلك مطلوب خصوصا


[ 112 ]

كلام صاحب المدخل فإنه قال في صلاة الصبح: وقد رتب الشارع صلوات الله وسلامه عليه للصبح أذانا قبل طلوع الفجر وأذانا عند طلوعه، وسيأتي أيضا من كلامه ما يدل على أن ذلك مطلوب والله أعلم. فرع: وهل لتعددهم حد ؟ ظاهر لفظ التهذيب المتقدم أنه لا حد في ذلك، واعترضه صاحب الطراز بأن لفظ الام: قلت لابن القاسم: أرأيت مسجدا من مساجد القبائل اتخذوا له مؤذنين أو ثلاثة أو أربعة، هل يجوز ذلك ؟ قال: لا بأس بذلك عندي. قلت: هل تحفظه عن مالك ؟ قال: نعم. قال: لا بأس به. قال: وسئل مالك عن القوم يكونون في السفر أو مساجد الحرس أو في الركب فيؤذن لهم مؤذنان أو ثلاثة. قال: لا بأس بذلك. قال: فهذا الذي جرى ذكره في الكتاب. وذكر عبد الوهاب في أشرافه عن الشافعي أنه لا يجوز إلا أربعة. وهذا الذي قاله حكاه صاحب الايضاح وأنكره ابن الصباغ من الشافعية وقال: لم يذكره غيره من أصحابنا. قال: وظاهر كلام الشافعي جواز الزيادة بأي عدد كان إلا أنه لا يستحب أن ينقص من اثنين. قال ابن حبيب: رأيت بالمدينة ثلاثة عشر مؤذنا وكذلك بمكة يؤذنون معا في أركان المسجد كل واحد لا يقتدي بأذان صاحبه، وكذلك يبين أنهم كانوا لا يراعون العدد اليسير كما نقل عن الشافعي انتهى. ولفظه في مختصر الواضحة: ولا بأس أن يؤذن النفر في المسجد الواحد، وقد أذن لرسول الله (ص) بلال وأبو محذورة وسعد القرظ وعبد الله ابن أم مكتوم. قال عبد الملك: وقد رأيت مؤذني المدينة ومكة ثلاثة عشر، ورأيتهم يؤذنون في أركان المسجد في كل ركن مؤذن، يندفعون في الاذان معا إلا أن كل واحد منهم في أذان نفسه، وأما أذانهم واحدا بعد واحد مثل ما عندنا ببلدنا فلا بأس أن يؤذن الخمسة إلى العشرة ونحو ذلك في الظهر والعشاء والصبح لان وقتها واسع، وفي العصر نحو الثلاثة إلى الخمسة لان وقتها ليس بواسع، وأما المغرب فلا يؤذن لها إلا واحد لضيق وقتها انتهى. وذكره أبو إسحاق التونسي كأنه المذهب فقال: وما وقته واسع كالظهر والصبح والعشاء فجائز أن يؤذن فيه واحد بعد واحد مثل الخمسة والعشرة، وفي العصر مثل الثلاثة إلى الخمسة، ولا يؤذن في المغرب إلا واحد يريد أو جماعة في مرة واحدة انتهى. وسيأتي في كلام المدخل مخالفة ذلك والله أعلم. ص: (وترتبهم إلا المغرب وجمعهم كل على أذانه) ش: يعني أنه إذا تعدد المؤذنون فيجوز أن يترتجوا واحدا بعد واحد إلا في المغرب كما تقدم ويجوز أن يجتمعوا في الاذان دفعة واحدة في المغرب وغيرها. وظاهر كلام المصنف أن ترتبهم وجمعهم سواء. وقال صاحب المدخل:


[ 113 ]

السنة الترتيب ونصه: والسنة المتقدمة في الاذان أن يؤذنوا واحدا بعد واحد، فإن كان المؤذنون جماعة فيؤذنون واحدا بعد واحد في الصلوات التي أوقاتها ممتدة، فيؤذنون في الظهر من العشرة إلى خمسة عشر، وفي العصر من الثلاثة إلى الخمسة، وفي العشاء كذلك، وفي الصبح يؤذن لها على المشهور من سدس الليل الآخر إلى طلوع الفجر، وفي كل ذلك يؤذن واحد بعد واحد، والمغرب لا يؤذن لها إلا واحد ليس إلا، فإن كثر المؤذنون فزادوا على عدد ما ذكر وكانوا يبتغون بذلك الثواب وخافوا أن يفوتهم الوقت ولم يسعهم الجميع إن ذنوا واحدا بعد واحد، فمن سبق منهم كان أولى فإن استووا فيه فإنهم يؤذنون الجميع. قال علماؤنا: ومن شرط ذلك أن يؤذن كل واحد منهم لنفسه من غير أن يمشي على صوت غيره، وكذلك الحكم في مذهب الشافعي وذكر كلام الروضة ثم قال: وأذانهم جماعة على صوت واحد من البدع المكروهة المخالفة لسنة الماضين، والاتباع في الاذان وغيره متعين، وفي الاذان أكثر لانه من أكبر أعلام الدين، وفي الاذان الجماعة مفاسد مخالفة السنة. ومن كان منهم صيتا حسن الصوت وهو المطلوب في الاذان خفي أمره فلا يسمع ولا يفهم السامع ما يقولون، والغالب على بعضهم أنه يأتي بالاذان كله لانه لا بد أن يتنفس فيجد غيره قد سبقه فيحتاج أن يمشي على صوت من تقدمه فيترك ما فاته. وأول من أحدث الاذان جماعة هشام بن عبد الملك ثم قال بعد ذلك: وانظر إلى حكمة الشرع في الاذان واحدا بعد واحد كيف عمت بركته للامة، لانه ورد في الحديث أن من حكاه فله مثل أجره، فلو كان المؤذن واحدا فاتت هذه الفضيلة كثيرا من الامة لان المكلف قد يكون قاعدا لقضاء حاجته أو مشغولا أو في أكله أو في شربه أو في نومه إلى غير ذلك من الاعذار، ولو كانوا جماعة يؤذنون في فور واحد لفاتتهم حكايته، فإذا أذنوا على الترتيب السابق فمن كان له عذر في ترك حكاية الاول أدرك الثاني ويكون الناس على علم من الوقت إذا علموا المؤذن الاول والثاني والثالث إلى خخر الذي يصلي عند آخر أذانه انتهى. وظاهر ما نقل في النوادر عن ابن حبيب التخيير كما في كلام المصنف في قوله: إنهم إذا تعددوا وتنازعوا قدم من سبق هذا عند تساويهم وإلا فيقدم الافضل. قال ابن ناجي في شرح المدونة: فإن تشاح المؤذنون قدم الاولى، فإن تساووا أقرع بينهم انتهى مجمعا من مواضع وبعضها باختصار. فيؤخذ منه أن تعدد المؤذنين وترتبهم أولى من الاقتصار على واحد من جمعهم في أذان واحد، وهذا ما وعدنا به انتهى. تنبيهات: الاول: تقدم أنهم لا يترتبون في المغرب وكذلك إذا خافوا خروج الوقت المستحب. قاله في التوضيح والشامل، وتقدم في كلام صاحب المدخل إشارة إلى ذلك. الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة: واعلم أن الامر في المغرب كما تقدم ولو قلنا: إن وقتها يمتد احتياطا.


[ 114 ]

الثالث: قال في الطراز: وهل يفصل بين الاذان والاقامة: أما ما عدا المغرب فالاذان مقدم على الاقامة وهي متأخرة عنه، ويختلف في المغرب ولم يشترط مالك أن يكون بينهما فاصل وهو قول أبي حنيفة، وقال صاحباه: يفصل بينهما بجلسة ونظروه بالجلسة بين الخطبتين، وقال الشافعي: يفصل بينهما بركعتين خفيفتين انتهى. وقال في مختصر الواضحة: ولا بأس أن يلبث المؤذن بعد أذانه للمغرب شيئا يسيرا، وإن تمهل في نزوله ومشيه إلى الاقامة توسعة على الناس انتهى. قال في النوادر: من المجموعة: قال أشهب: وأحب إلي في المغرب أن يصلي الاقامة بالاذان لان وقتها واحد، ولا يفعل ذلك في غيرها، فإن فعل أجزأهم، وليؤخر الاقامة في غيرها لانتظار الناس. ص: (وإقامة غير من أذن) ش: نحوه في المدونة ولا خلاف فيه عندنا الحديث أبي داود أنه (ص) أمر بلالا أن يؤذن ويقيم عبد الله بن زيد، وكرهه الشافعي لحديث أبي داود أيضا أن زياد بن الحارث الصدائي - بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد. قال: أمرني عليه الصلاة والسلام أن أؤذن في صلاة الصبح فأذنت فأراد بلال أن يقيم فقال عليه الصلاة والسلام إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم. وصداء حي باليمن، وجوابه أن حديث الحرث قال الترمذي فيه: إنه ضعيف. وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: وأما الحديث الاول فحسن، وأيضا فأجاب أصحابنا بأن حديث الصدائي محمول على جواز تقديم الامام من يراه لان الصدائي كان قريب عهد بالاسلام فأراد عليه الصلاة والسلام تأليفه. ص: (وحكايته قبله) ش: هكذا قال في المدونة وهو أنه إن عجل قبله بالحكاية فلا بأس، وظاهره سواء كان في صلاة أو تلاوة أو شغل أو لم يكن. قال ابن ناجي في شرح المدونة: ما ذكره في المدونة وهو أحد الاقوال الثلاثة روى علي: أحب إلي بعده. وقال الباجي: إن كان في ذكر أو صلاة وكان المؤذن بطيأ فله أن يعجل قبله ليرجع إلى ما كان فيه، وإن كان في غير ذلك فالاحسن بعده لان ذلك حقيقة الحكاية انتهى. ونقل ابن عرفة الاقوال الثلاثة باختصار قال: وفيها إن عجل قبله فلا بأس روى علي: أحب إلى بعده. الباجي: إن كان في ذكر أو صلاة فالاول وإلا فالثاني انتهى. وذكر صاحب الطراز رواية علي ثم قال: والاول أفقه ووجهه بين، فإن المقصود معقول وهو الذكر والتمجيد وهذا المعنى حاصل والعمل يقويه انتهى. فرع: فإن لم يحكه حتى فرغ من أذانه قال الاقفهسي في شرح المختصر: فله حكايته إن


[ 115 ]

شاء قاله في الذخيرة انتهى. قلت: وهو يفهم من كلام صاحب الطراز المتقدم حيث قال: إذا قلنا: لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها انتهى. هو أقوى من كلام الاقفهسي لانه جزم بطلب الحكاية. وكلام الاقفهسي يقتضي التخيير. وأيضا فتعليل صاحب الطراز جواز التعليل بأن المقصود الذكر يقتضي ذلك. ولا يقال: يلزم على هذا أن يحكي الاذان إذا فات ولو طال، لانا نقول: لا شك أن ما قرب من الشئ يعطي خكمه في كثير من المسائل والله أعلم. ص: (وأجرة عليه أو مع صلاة وكره عليها) ش: قال في المدونة في باب الاذان: وتجوز الاجارة على الاذان وعلى الاذان والصلاة جميعا. وقال في كتاب الاجاة: وكره مالك الاجارة في


[ 116 ]

الحج وعلى الامامة في الفرض والنافلة في قيام رمضان، ومن استأجر رجلا على أن يؤذن لهم ويقيم ويصلي بهم جاز وكان الاجر إنما وقع على الاذان والاقامة والقيام بالمسجد لا على الصلاة انتهى. وهذا أحد الاقوال الثلاثة انتهى. وقال ابن حبيب: لا تجوز الاجارة على الاذان وعلى الامامة في الصلاة، وأجاز ذلك ابن عبد الحكم فيهما فيتحصل في الاجارة على الاذان قولان: بالمنع والجواز. وفي الاجارة على الامامة في الصلاة ثلاثة أقوال: بالجواز والمنع، والثالث يجوز إن كانت تبعا ويكره على الامامة بانفرادها. وظاهر كلام ابن حبيب أن المنع على التحريم، وذكر ابن عرفة الاقوال الثلاثة، وذكر بعدها عن ابن رشد أنه قال بكر القاضي: روي عن علي لا بأس بها على الفرض لا النفل. ابن رشد: لعدم لزومه ولزوم الفرض. زاد ابن ناجي فقال: فكان العوض ليس عنه ثم قال: ونقل شيخنا عن المازري أنه حكى قولا بجواز الاجارة لمن بعدت داره لا لمن قربت. وما ذكره نحو قول ابن بشير هو عند المحققين خلاف في حال، فإن كان يتكلف في ملازمة الصلاة في موضع معين والقصد إليه يشق صحت الاجارة، وإن كان لا مشقة في ذلك لم يصح. ويأتي لعبد الحق أنها مكروهة لا أنها لا تجوز كما تقدم لابن حبيب فيتحصل في حكمها في الفرض ستة أقوال: الجواز والكراهة والتحريم، وقول التهذيب يعني تجوز تبعا، ورواية علي ونقله المازري، وفي النفل الجواز والكراهة.


[ 117 ]

تنبيهات: الاول: مذهب المدونة كراهة الاجارة على الامامة في الفرض والنفل كما تقدم، فيحمل قول المصنف: وكره عليها على عمومه في الفرض والنفل لكن قال ابن يونس في كتاب الاجارة: قال ابن القاسم: وهو عندي في المكتوبة أشد كراهة انتهى. وعزاه ابن رشد في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب للمدونة، ووجهه بأن الفريضة وإن كانت لا تلزمه في مسجد بعينه لا يلزمه من مراعاة أوقاتها وحدودها ما يخشى أن يكون لولا الاجرة لقصر في بعضها، والنافلة لا تلزمه أصلا فكانت الاجارة عليها أخف لان الاجارة على فعل ما لا يلزم الاجير جائزة وإن كان في ذلك قربة أصل ذلك الاذان وبناء المسجد انتهى. وقال ابن عرفة ابن فتوح: روى أشهب الاستئجار لقيام رمضان مباح، وإن كان بأس فعلى الامام، وروى ابن القاسم مكروه. قال ابن عرفة. قلت: ومقتضاه الحكم بالاجارة إن فات العمل وأخبرت أنها نزلت بأبي إسحاق بن عبد الرفيع فلم يحكم للامام بشئ انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة بلفظ ومقتضاه الحكم بالاجارة، وزاد في آخره: واعتل بأن المكروه لا يحكم به القاضي انتهى. قلت: وهذا غير ظاهر فإن الاجارة على الحج مكروهة فإذا وقعت صحت وحكم بها كما صرح بذلك غير واحد، وسيأتي في كلام عبد الحق أنه إذا عقدت الاجارة على الامامة كره ذلك P وصح. الثاني: فهم من كلام المدونة المتقدم جواز الاجارة على الامامة. وقال ابن يونس في كتاب الاجارة بعدما ذكر كلام المدونة السابق: فجواز الاجارة على الامامة يضعف منع ذلك على الصلوات انتهى.


[ 118 ]

الثالث: إذا جوزنا الاجارة على الاذان والامامة معا في قول مالك فتخلف المؤذن عن الصلاة خاصة من سلس بول ونحوه قال ابن يونس في كتاب الصلاة: اختلف فقهاؤنا المتأخرون، فقيل: لا يسقط من الاجارة حصة الصلاة لانها تبع، كمال العبد وثمرة النخل الذي لم يبد صلاحه لا يجوز على الانفراد ويجوز إذا جمع. وقيل: بل تسقط حصة الصلاة لان الاجارة على الصلاة إنما هي مكروهة، فإذا نزلت مضت. ألا ترى أن ابن عبد الحكم يجيز الاجارة عليها، ومال العبد وثمرة النخل لا يجوز إذا انفرد بإجماع ؟ انتهى. وذكر ابن عرفة القولين وعزا الاول لبعض المتأخرين واحتجوا له بأن من اشترى عبدا له مال أو شجرا مثمرا فاستحق مال العبد من يده وأجيحت الثمرة، فإن ذلك لا يوجب حطا من الثمن. وعزا القول الثاني لعبد الحق وابن محرز، واحتجوا بأن حلية السيف إذا كانت تبعا له وخلفة الزرع القصيل المشترطة تبعا له فاستحقت الحلية أو نقص بعض الخلفة أو تخلف، فإنه يحط لهما من الثمن. وأجابوا عن الاولين بأن اشتراط مال العبد له لا للمبتاع فالمعاوضة وقعت على أن يقر مال العبد بيده وهذا قد فعله البائع ولم يبطل، وأما الثمرة فلانها مضمونة بالقبض لما لم يكن على البائع سقي فصار ذلك كبيعها يابسة فلذلك سقطت به الجائحة لا للتبعية. واحتج عبد الحق بأنه لو عقد على الامامة مفردة صح وذكره بخلاف الثمرة التي لم يبد صلاحها انتهى بالمعنى مبسوطا. ونقل القرافي في الذخيرة جميع ذلك، وزاد في مسألة مال العبد وقد قال بعض المتأخرين: الاحسن الحطيطة بقدر ما يعلم أن المشتري زاده لاجل المال قياسا على ما إذا تعذر على المرأة شوارها، فإنه يسقط من الصداق قدر ما يعلم أن الزوج زاده لاجله مع أن الزوج لا يملك انتزاعه. قال المازري: واعلم أن كون الاتباع مقصودة بالاعراض أمر مقطوع، بل نقول: التبع قد يرتفع عنه التحريم الثابت له منفردا كحلية السيف التابعة له فإنه يحرم بيعها مفردة بجنسها ويجوز تبعا انتهى. الرابع: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: للامام أن يستأجر على الاذان من بيت المال، واختلفوا في إجارة غيره. وقال سند: اتفقوا على جواز الرزق وفعله عمر. وقال ابن رشد: أرزاق القضاة والولاة والمؤذنين من الطعام لا يجوز بيعه قبل قبضه لانها أجرة لهم على عملهم. قال ابن عرفة: ظاهر كلام ابن رشد خلاف قول ابن حبيب تمنع الاجارة على الاذان إنما كان إعطاء


[ 119 ]

عمر رضي الله عنه عليه من بيت مال الله كإجرائه للقضاة والولاة رزقا ولا يجوز لهم من مال من حكموا له بالحق انتهى. قلت: الذي يظهر أنه لا معارضة بين كلام ابن رشد وابن حبيب، لان مراد ابن رشد أنه أشبه الاجارة لكونه أخذ في مقابلة عمل، وقد قال ابن حبيب في الواضحة: وما يأخذه القضاة والمؤذنون وصاحب السوق من الطعام من باب المعاوضة فيمنع من بيعه قبل قبضه انتهى. فتأمله منصفا والله تعالى أعلم. الخامس: إذا لم يجد أهل المصر من يؤذن إلا بأجرة فإنهم يستأجرون من يؤذن لهم. قال الشيخ يوسف بن عمرو: تكون أجرته على أهل الموضع كلهم، وكذلك من كان خارجا منه وله رباع أو عقار بذلك الموضع، وهذا بخلاف إجارة التعليم فإنها لا تجب إلا على من له صبي انتهى. السادس: اختلفوا في الاحباس الموقوفة على من يؤذن أو يصلي فقيل: إنها إجارة. وهذا هو الذي فهمه بعضهم من أقوال الموثقين. وقيل: إنها إعانة ولا يدخلها الخلاف في الاجارة على الاذان والامامة. قال ابن عرفة: وهو قول بعض شيوخ شيوخنا. ثم رد على الاول بقوله قلت: إنما أقوال الموثقين في استئجار الناصر في أحباس المساجد من يؤذن ويؤم ويقوم بمؤنة المسجد، فلعله فيما حبس ليستأجر من غلته لذلك وأحباس زماننا ليست كذلك، إنما هي عطية لمن قام بتلك المؤنة، وهذا كاختلافهم في امرأة إمام مسجد له دار حبست عليه مات إمامة فقال ابن العطار وغيره من الموثقين: لجيران المسجد إخراجها قبل تمام العدة. المتيطي: أنكره بعض القرويين وقال: لا فرق بينها وبين زوجة الامير. وقال بعض شيوخنا: لو كانت أحباس المساجد على وجه الاجارة لافتقرت لضرب الاجل. قال ابن عرفة: للمخالف نفي منع اللزوم وانتهى. كلام ابن عرفة. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة وقال بعده: واستمرت الفتوى من كل أشياخي القرويين وغيرهم بجواز أخذ من يصلي أو يؤذن من الاحباس الموقوفة على ذلك من غير اختلاف بينهم لما ذكر من أنها إعانة أو لضرورة الاخذ، ولولا ذلك لتعطلت المساجد. وقد ورد الشيخ أبو عبد الله الدكالي على تونس فلم يصل خلف بعض شيوخنا ولا الجمعة. يعني ابن عرفة قال: وكان إماما بجامع الزيتون - ولا خلف غيره لاخذهم على الصلاة، ورأى وجود الخلاف شبهة، وكان كل بلد يرد عليه في سفره للمشرق لا يصلي إلا خلف من لا يأخذ شيئا إن وجد نفعنا الله ببركته آمين. وذكر البرزلي أنه لما تخلف عن الصلاة خلف ابن عرفة أنكر ذلك ابن عرفة وعرض به في أبيات قال: وقلت له: نجتمع به ونناظره فمنعني من ذلك. وقال البرزلي: ثم ابتمعت به لما حججت بالاسكندرية فقلت له: أنا أخذت مرتب الامامة ومرتب التدريس وأعتقد أنه حل لي من أخذه من بيت المال إذا كان على وضعه من دخول الحلال فيه لاني لا استحق ذلك منه إلا لكوني مسلما فيدركني الاخذ بظهر العموم لكوني


[ 120 ]

واحدا من المسلمين، ومتى كثرت أفراد العام ضعف الظاهر وأخذ مرتب الامامة والتدريس مباح بما يعرف من النص على الاختصاص به من واضعه، وهو إعانة على الصحيح لا على معنى الاجر. وقد أجرى السلف أرزاقهم من بيت المال من المؤذنين والعمال وغيرهم ولن يأتي آخر هذه الامة بأهدى مما كان عليه أولها، فلم يكن له جواب إلا أن هذا حسن لكن لا يزيد لك هذه الشخشخة انتهى. والابيات التي أشار إليها البرزلي ذكرها في أول كتابه، فإنه لما تكلم على أخذه الاجرة على الفتوى استطرد إلى ذكر هذه المسألة، ثم ذكر عن شيخه ابن عرفة أنه شنع على الدكالي حين ورد على الديار المصرية وجرى على هذه الطريقة حتى ذكر فيها أبياتا أنشدنيها حين اجتمعنا به بسفاقص وخرجنا للغاية، ثم ذكر الابيات، ورأيت بخط بعضهم أن الشيخ الامام ابن عرفة بعث بالابيات إلى الديار المصرية في حدود التسعين وسبعمائة وهي هذه: يا أهل مصر ومن في الدين شاركهم تنبهوا لسؤال معضل نزلا لزوم فسقكم أو فسق من زعمت أقواله أنه بالحق قد عدلا في تركه الجمع والجمعات خلفكم وشرط إيجاب حكم الكل قد حصلا إن كان شأنكم التقوى فغيركم قد باء بالفسق حقا عنه ما عدلا وإن يكن عكسه فالامر منعكس فاحكم بحق وكن بالحق معتدلا وفي نسخة من البرزلي: وكن بالهدى معتدلا فأجاب بعض المصريين: ما كان من شيم الابرار أن يسموا بالفسق شيخا على الخيرات قد جبلا لا لا ولكن إذا ما أبصروا خللاكسوه من حسن تأويلاتهم خللا أليس قد قال في المنهاج صاحبه يسوغ ذاك لمن قد يختشي حللا كذا الفقيه أبوعمران سوغه لمن تخيل خوفا واقتنى عملا وقال فيه أبو بكر إذا ثبتت عدالة المرء فليترك وما عملا وقد رويت عن ابن القاسم العتقي فيما اختصرت كلاما أوضح السبلا ما إن ترد شهادات لتاركهاإن كان بالعلم والتقوى قد احتفلا نعم وقد كان في الاعلين منزلة من جانب الجمع والجمعات معتزلا كمالك غير مبد فيه معذرة إلى الممات ولم يثلم وما عملا هذا وإن الذي أبداه متضح أخذ الائمة أجرا منعه نقلا وهبك أنك راء حله نظرافما اجتهادك أولى بالصواب ولا


[ 121 ]

انتهى. ثم قال البرزلي في أول كتابه: وعندي أن كلا منهما حكم بما يقتضيه حاله، فإن الدكالي كان بعيدا من الدنيا وزاهدا فيها فالمتلبس بها عنده في غاية البعد عن الآخرة، وكان شيخنا يرى أن الدنيا مطية الآخرة وأنها نعم العون على ذلك كما في مسلم، فاكتسب منها جملة كثيرة وأخرج جلها للآخرة، نفعه الله بذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. السابع: الصلاة خلف من يأخذ الاجرة على الامامة جائزة. قال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب: وسئل عن الصلاة خلف من يستأجر لقيام رمضان يؤم الناس فقال: لا يكون بذلك بأس إن كان بأس فعليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال لانه لا بأس بالصلاة خلف من استؤجر لقيام رمضان لان الاجارة ليست عليه حراما فتكون جرحه فيه تقدح في إمامته، وإنما هي له مكروهة فتركها أفضل ولا تكره إمامة من فعل ما تركه أفضل كما لا يكره إمامة من ترك ما فعله أفضل من النوافل. ص: (وسلام عليه كملب) ش: قال في المدونة: ويكره السلام على الملبي. قال ابن يونس: وكذلك المؤذن قاله في غير المدونة. ونقله أبو الحسن وابن ناجي. وقال صاحب الطراز: وأما السلام على المؤذن فالمذهب منعه. وقال التونسي: على القول بأنه يرد إشارة يجوز السلام عليه كالمصلي انتهى. وينبغق أن يحمل المنع في كلامه على الكراهة. والفرق بين الصلاة والاذان في جواز السلام على المصلي وكراهته على المؤذن، أنه لما جاز للمصلي أن يرد إشارة جاز السلام عليه، والمؤذن والملبي لا يردان إشارة فكره له السلام عليهما. وإنما أجيز للمصلي أن يرد إشارة ولم يجز ذلك للمؤذن والملبي لان الاذان عبادة وليس له في النفوس وقع كالصلاة، فلو أجيز فيها إشارة لتطرق إلى الكلام بخلاف الصلاة فإنها لعظمها في النفوس ولا يتطرق فيها من جواز الاشارة إلى الكلام، والملبي كذلك. قاله في التوضيح. وقال أبو الحسن عن ابن يونس: لما كان الاذان لا يبطله الكلام وإنما هو مكروه وكان رد السلام واجبا لم يجز له أن يرد إلا كلاما، فصار المسلم عليه أدخله بسلامه في الكراهة فنهي أن يسلم عليه حتى يفرغ مما هو فيه، فإذا عصى وسلم عليه عوقب بأن لا يرد عليه كمنع القاتل الميراث لاستعجاله ذلك قبل وقته. ونقل عبد الحق أن بعض الناس فرق بين ذلك بأن الصلاة لما كان شأنها يطول جعلت الاشارة للمصلي عوضا من الكلام، والاذان والتلبية لا


[ 122 ]

يطولان فيرد بعد الفراغ من ذلك، وإن كان هذا يعترض عليه بمن كان في آخر صلاته انتهى. وقال ابن يونس في أول كلامه الاذان والصلاة: إن الاصل في جميعهم أن لا يسلم عليهم ولا يردون على من يسلم عليهم للعمل الذي هم فيه، فخصت السنة جواز الرد بالاشارة في الصلاة وبقي الاذان على أصله انتهى. فائدة: قال أبو الحسن الصغير: والذي يكره السلام عليهم خمسة: الملبي، والمؤذن، وقاضي الحاجة، والآكل، والشارب، انتهى، وقال في المدخل: قال علمائنا رحمة الله عليهم: أربعة لا يسلم عليهم فإن سلم عليهم أحد لا يستحق جوابا: الآكل، والجالس لقضاء حاجة الانسان، والمؤذن، والملبي. وزاد بعضهم قارئ القرآن. ذكره في فصل آداب الاكل. وقال القرطبي في صورة النساء: ولا يسلم على من دخل الحمام وهو كاشف العورة أو كان مشغولا بما دخل له الحمام انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: لم نقف على أنه لا يسلم على الآكل انتهى. ونقل في باب السلام: والاستئذان عن التادلي ما نصه: قال: ولا يسلم على الشابة، والآكل، وقاضي الحاجة، والملبي، والمؤذن، وأهل البدع، والكافر، وأهل المعاصي. ثم قال: قلت: وما ذكره من عدم السلام على الآكل لا أعرفه في المذهب، وكذلك أنكره شيخنا أبو مهدي لما سألته هل تعرفه أم لا انتهى. قلت: تقدم النص عليه في كلام أبي الحسن وصاحب المدخل. ولم يذكروا المقيم صرح به الشبيبي في شرح الرسالة فقال: ولا يسلم على المؤذن والمقيم ولا يردان على من سلم عليهما. وقيل: يردان إشارة. وقيل: يردان بعد الفراغ. وقيل: يردان كلاما. قاله ابن أبي حازم وابن مسلمة. وقال اللخمي: يرد بعد فراغه انتهى. ولا ينبغي أن يعد الثالث خلافا لما تقدم عند قول المصنف ولو بإشارة كالسلام. وقال في المسائل الملقوطة: يكره السلام على الآكل، وعلى الملبي، وعلى المؤذن، وعلى قاضي الحاجة، وعلى المصلي، وعلى البدعي، وعلى الشابة، وعلى اليهود، وعلى النصارى، وعلى القارئ، وعلى أهل الباطل، وعلى أهل اللهو حال تلبسهم به، وعلى لاعب الشطرنج. انتهى. قلت: وما ذكره من كراهة السلام على المصلي خلاف ما شهره المصنف في السهو، وما ذكره من كراهة السلام على اليهود والنصارى وأهل البدع صرح به الجزولي في شرح قوله في الرسالة: ولا يبتدأ اليهود والنصارى بالسلام. قال الجزولي: وهذا على جهة الكراهة. وكذلك أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، وكذلك الظلمة وأهل المعاصي. اختلف في السلام عليهم ومذهب مالك أنه لا ينبغي السلام عليهم زجرا لهم. ثم اعترض على الشيخ أبي محمد في قوله فيمن يلعب الشطرنج: لا بأس أن يسلم عليهم ثم قال: أيريد في غير حال لعبهم بها. وقيل: يكره السلام عليهم مطلقا. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: يريد بعد انصرافهم وفراغهم من اللعب، وأما في حالة اللعب فلا يجوز لانهم متلبسون بمعصية، ونقله عن ابن رشد في البيان. قلت: وهذا إذا لم يقامروا عليها ولم يلتهوا بها عن الصلاة في أوقاتها، وأما إذا قامروا


[ 123 ]

عليها أو تركوا الصلاة لاجلها حتى يخرج وقتها فهم من أهل المعاصي فيكره السلام عليهم. وأما قول الشيخ في الرسالة: فيكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهم فقال ابن ناجي: الكراهة محمولة على التحريم. وتردد في ذلك الجزولي وفي كلامه ميل إلى حمل الكراهة على بابها. وأما السلام على الشابة فقال الفاكهاني في شرح العمدة في باب اللباس: ولا " يسلم على الشابة بخلاف المتجالة انتهى. وصرح الجزولي بأنه يكره السلام على الشابة وأنه يجوز للشاب أن يسلم على المتجالة، وللمتجالة أن تسلم على الشاب، وتقدم في كلام ابن ناجي عن التادلي. فائدة: قال القرطبي في تفسير سورة النساء: مذهب مالك أن رد السلام على أهل الذمة غير واجب فيما روى عنه أشهب وابن وهب انتهى. وقال الجزولي في شرح الرسالة: وفي الرد عليهم قولان، المشهور أنه يرد عليهم، وقيل: لا يرد عليهم انتهى. قلت: ويجمع بين ما قاله القرطبي والجزولي بأن الرد غير واجب ولكنه جائز. فائدة: قال في الاكمال في كتاب الحج في إرسال ابن عباس إلى أبي أيوب رضي الله عنهم يسأله عن الغسل قال الرسول: فجئت فسلمت عليه وهو يغتسل. قال عياض: فيه دليل على جواز السلام على المتطهر المتوضئ بخلاف من هو على الحدث وسلامه عليه وحديثه معه وهو بتلك الحال لانه كان مستورا بثوبه انتهى. تنبيه: علم من كلام ابن يونس المتقدم أنه لو رد المؤذن السلام لم يبطل أذانه ولكنه فعل مكروها والله أعلم. ص: (وإقامة راكب) ش: قال في المدونة: ويؤذن راكبا ولا يقيم إلا نازلا، وتقدم الكلام على الاذان راكبا. قال ابن ناجي: وما ذكره أنه لا يقيم إلا نازلا هو المشهور، وروى ابن وهب الجواز قائلا: لان النزول عمل يسير فلم يكن فاصلا كأخذ الثوب وبسط الحصير انتهى. وذكر صاحب الطراز الروايتين وصوب الاولى ثم قال: فينزل عن دابته ويعقلها ويتحفظ في قماشه ثم قال: فإن أقام راكبا ثم نزل وأحرم من غير كبير شغل أجزأه ذلك. ص: (أو معيد لصلاته كأذانه) ش: يعني أنه يكره إقامة المعيد لصلاته، وكذلك يكره أذان المعيد لصلاته. والمراد من صلى تلك الصلاة سواء كان أذن لها أو لم يؤذن، وسواء أراد إعادتها أو لم يرد ذلك. قال ابن الحاجب: ولا يؤذن ولا يقيم من صلى تلك الصلاة، وهو نحو


[ 124 ]

ما نقله ابن عرفة عن اللخمي عن أشهب ونصه اللخمي عن أشهب: لا يؤذن لصلاة من صلاها ويعيدون الاذان والاقامة ما لم يصلوا، ونقله أبو محمد التونسي وابن يونس: لا يؤذن لصلاة من صلاها وأذن لها. روى ابن وهب جواز من أذن بموضع ولم يصل في آخر. فنقل ابن عبد السلام منعه عن أشهب وجوازه لبعض الاندلسيين وهم وقصور لمفهوم نقل من ذكرنا ورواية ابن وهب قال ابن غازي: يعني أن الوهم في نسبة المنع لاشهب، وإنما مفهوم نقل الاشياخ الثلاثة الجواز، والقصور على عدم الوقف على رواية ابن وهب حتى أخذ الجواز من يد بعض الاندلسيين، مع أن رواية ابن وهب عند اللخمي وغيره فالاقسام ثلاثة: الاول: أذن لها وصلاها. الثاني: صلاها ولم يؤذن لها وقد تناولهما كلام المصنف لاطلاق اللخمي. الثالث: أذن لها ولم يصلها. وحمل كلام المصنف عليه غير سديد لاتفاق رواية ابن وهب، ومفهوم نقل الثلاثة عن أشهب، وقول بعض الاندلسيين على جواز أذانه لها ثانيا ولم يعلم لها مخالف فتدبره انتهى. ونص كلام اللخمي: أجاز مالك في سماع أشهب لمن أذن في مسجده أن يؤذن في غيره ثم يرجع إلى مسجده فيصلي فيه. قلت: وكلام صاحب الطراز موافق لاطلاق اللخمي فإنه جعل المنع مرتبا على كونه صلى تلك الصلاة، وأما من أذن للصلاة ولم يصلها فتبع المصنف في التوضيح ابن عبد السلام، وأما صاحب الطراز فذكر رواية ابن وهب بالجواز ولم يذكر غيرها لكنه قيد ذلك بأن يؤذن في غير المسجد الذي أذن فيه أولا فهذا يجوز، إنما الممتنع أن يؤذن في مسجد للصلاة ثم يؤذن فيه لتلك الصلاة لانه قد أعلم أهله وحصل له فضل ذلك، والاذان ما يراد لنفسه وإنما يراد لغيره فلم يشرع تجديده للصلاة الواحدة والجماعة الواحدة، ونظيره الوضوء لما كان لا يراد لعينه لم يشرع تجديده لتلك الصلاة انتهى. قلت: وانظر إذا كان المسجد واسعا وأذن في بعض جهاته، ثم أراد أن يؤذن في جهة أخرى لاعلام أهل الجهة، هل يجوز ذلك أم يكره ؟ والظاهر الجواز والله أعلم. وقال في النوادر: قال أشهب فيمن أذن لقوم وصلى معهم فلا يؤذن لآخرين ولا يقيم، فإن فعل ولم يعيدوا حتى صلوا أجزأهم انتهى. ص: (وتسن إقامة مفردة وثني تكبيرها لفرض وإن قضاء) ش: يعني إن الاقامة سنة ولا خلاف أعلمه في عدم وجوبها. وقال ابن عبد السلام: ولم يذكروا فيه خلافا في المذهب وإن وقع الاستغفار لتاركها وقع فيها وفي الاذان الاعادة في الوقت. وقال ابن ناجي


[ 125 ]

في شرح المدونة: قال في الاكمال: روي عندنا إعادة الصلاة لمن تركها عمدا. فحمله بعضهم على القول: بوجوبها وليس بشئ إذ لو كانت واجبة لاستوى فيه العمد والنسيان. وكافة شيوخنا قالوا: إنما ذلك لان الاستخفاف بالسنن وتركها عمدا مؤثر في الصلاة انتهى. تنبيهات: الاول: هذا الذي ذكره المصنف حكم الرجل، وسيأتي حكم إقامة المرأة. وحكى صاحب الطراز عن ابن حبيب ما يقتضي أن الاقامة في حق المنفرد مستحبة فإنه قال في توجيه عدم إعادة صلاة من تركها عمدا، وقد ذكرنا قوله في الواضحة في المنفرد: إن أقام فحسن انتهى. وقال ابن بشير في أول كلامه: لا خلاف في المذهب أن الاقامة سنة في حق الرجال ثم قال بعد ذلك: وأما الاقامة فإنها مشروعة لكل مصل صلاة فرض وقتية أو فائتة، لكن حكمها في الجماعات آكد منه في الانفراد، وحكمها على الرجال آكد منه على النساء. انتهى. وسيأتي في التنبيه الخامس عشر في آخر الباب ذكر الخلاف في إقامة المنفرد. وصرح المازري في شرح التلقين بالخلاف في إقامة المنفرد وسيأتي لفظه إن شاء الله تعالى. الثاني: قال المازري في شرح التلقين: والاقامة آكد من الاذان لانها أهبة للصلاة، وقد خوطب بها المنفرد والجماعة، والاذان لم يخاطب به إلا الجماعة وما عم الخطاب ههنا أوكد مما خص انتهى بلفظه. قلت: ولا إشكال أنها من هذه الحيثية أوكد، وأيضا فقد اختلف في بطلان صلاة تدركها عمدا كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا أعلم في صحة صلاة من ترك الاذان خلافا. وأما من حيث إن الاذان شعار الاسلام ويجب في المصر على ما اختاره المازري وغيره فهو أوكد والله تعالى أعلم. وقوله: مفردة وثنى تكبيرها يعني أن ألفاظ الاقامة كلها مفردة حتى قو له: قد قامت الصلاة إلا التكبير في أولها وآخرها فإنه مثنى وهذا هو المشهور، وروى المصريون عن مالك أنه يشفع قد قامت الصلاة. فرع: ولو شفع الاقامة غلطا فالمشهور أنها لا تجزئ. ونقل المازري عن بعض أصحابنا الاجزاء، ونقله عنه ابن عرفة وابن ناجي وغيرهما وقد تقدم ذلك. فرع: من صفات الاقامة أن تكون معربة. قال الشبيبي في شرح الرسالة: وقيل: مبنية انتهى. وقوله: لفرض وإن قضاء يعني به أن الاقامة سنة لكل فرض، أداء كان أو قضاء، يريد ما لم يخف فوات الوقت بالاقامة. قال في النوادر عن أشهب: لو ذكروا الظهر مفاوتين لوقتها فخافوا إن أذنوا فوتوها فليقيموا ويجمعوا. وقيل: فإن خافوا فواتها بالاقامة قال: الاقامة أخف وإن كان هكذا فصلاتهم إياها في الوقت بغير إقامة أحب إلي من فوتها ويقيموا انتهى. ونقله في الطراز قال: ووجهه بين فإن مراعاة الوقت فرض والاقامة فضل انتهى مختصرا. ص: (وصحت ولو تركت عمدا) ش: قال في المدونة: من صلى بغير إقامة عامدا أجزأه وليستغفر الله العامد انتهى. وأشار بلو إلى مقابل المشهور. واختلف الشيوخ في نقله، فقال ابن يونس:


[ 126 ]

قال مالك: ومن صلى بغير إقامة عامدا أو ساهيا أجزأه ويستغفر الله العامد. وقال ابن كنانه وابن الماجشون وابن زيادة وابن نافع: من ترك الاقامة فليعد صلاته، فوجه قول مالك: إنها سنة منفصلة لا تفسد بفسادها الصلاة. فوجب أن لا تفسد بتركها، ووجه الآخر أنها من سنن الصلاة كالتي من صلب الصلاة فتركها عمدا لعب بالصلاة فوجب أن لا تجزئه انتهى. ولم يعزه اللخمي، إلا لابن كنانة ونصه: ومن ترك الاقامة عمدا أو سهوا أجزأته صلاته. وقال ابن كنانة: يعيد الصلاة إذا تركها عمدا. والاول أحسن انتهى. وقال ابن ناجي: وعزاه ابن هارون لرواية جميع من ذكر ابن يونس، ولرواية يحيى بن يحيى وابن عبد الحاكم انتهى. قلت: ولم يعزه في النوادر إلا لابن سحنون عن ابن كنانة. وقال ابن بشير: ولا شك أن من أمر بالاذان فتركه لا تبطل صلاته، وأما من أمر بالاقامة فتركها سهوا لم تبطل صلاته، وأما العامد ففيه قولان: المشهور أنها لا تبطل والشاذ أنها تبطل، وهو على الخلاف في تارك السنن متعمدا هل يعد عابثا فتبطل صلاته، أم لا يعد كذلك لانه غير مأثوم في الترك فلا تبطل ؟ انتهى. فظاهر كلامهم أن يعيد الصلاة أبدا، وكلام ابن يونس كالصريح في ذلك، وكلام ابن بشير صريح في ذلك، وعزا صاحب الطراز هذا القول لابن سحنون عن ابن كنانة وقال: إنه يعيد في الوقت ونصه: قال ابن القاسم: سألت مالكا عمن يصلي بغير إقامة ناسيا فقال: لا شئ عليه. قلت: فلو تعمد ؟ قال: فليستغفر الله ولا شئ عليه. وذكر ابن سحنون عن ابن كنانة في العامد أنه يعيد الصلاة إن كان في وقته، والاول أصح ولا يعرف فيه خلاف، وقد ذكرنا قوله في الواضحة في المنفرد: إن أقام فحسن. وجوز جماعة من السلف للفذ ترك الاقامة. النخعي والشعبي وابن حنبل: ولان ما لا يوجب سجود السهو ولا إعادة لا يوجب عمده الاعادة كالتسبيح واعتبارا بالاذان واعتبارا بالمرأة، ونقله في الذخيرة وقبله ولم يحكه غيره وعليه اقتصر الشارح في الكبير والوسط، ولم يذكر في الصغير مقابل المشهور وعزاه في الشامل لابن كنانة وغيره، ولم يبين الاعادة هل هي في الوقت أو أبدا، ولم يذكر ابن عرفة غير كلام المدونة وهو غريب لانه لا يترك نقل الخلاف خصوصا الذي في مثل هذه الكتب المذكورة، ولم يتكلم المصنف في التوضيح على ترك الاقامة. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: والاقامة سنة لم يذكر فيها خلاف المذهب وإن وقع إطلاق الاستغفار لتاركها ووقع فيها وفي الاذان الاعادة في الوقت انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة بعد أن ذكر كلام ابن عبد السلام: ولا أعرفه إلا لنقل ابن راشد عن ابن كنانة في الاقامة فقط انتهى. قلت: قد تقدم نقله عن صاحب الطراز والقرافي في ذخيرته.


[ 127 ]

تنبيهات: الاول: تحصل مما تقدم أن في مقابل المشهور طريقتين: إحداهما لابن يونس واللخمي وابن بشير وابن هارون وغيرهم أن الاعادة أبدا. الثانية لصاحب الطراز والقرافي وابن راشد أن الاعادة في الوقت. وقال الشبيبي في شرح الرسالة ولا إعادة عليه على المشهور وقيل: يعيد في الوقت وقيل: أبدا. الثاني: علم مما تقدم أنه لا خلاف في عدم الاعادة التارك لها سهوا لا في الوقت ولا غيره. الثالث: تقدم في كلام صاحب الطراز وابن بشير ما يقتضي أن من ترك الاذان عامدا لا إعادة عليه في الوقت ولا بعده وهو كذلك، إلا ما وقع في كلام ابن عبد السلام من حكاية القول الشاذ بالاعادة في الوقت وهو غيره معروف كما قال ابن ناجي. نعم تقدم في أول الفصل في كلام ابن عرفة أن الطبري روى عن مالك أنه إن تركه أهل مصر عمدا بطلت صلاتهم وأن أشهب روى عن مالك أنه إن تركه مسافر عمدا أعاد صلاته، وهذا خلاف المعروف من المذهب والله تعالى أعلم. الرابع: قوله في المدونة وليستغفر الله تعالى قال في الذخيرة: كيف يطلق لفظ الاستغفار المختص بالذنوب في ترك السنن وتركها ليس بذنب ؟ وأجاب بأن الله سبحانه وتعالى يحرم العبد من التقرب إليه بالنوافل والفرائض عقوبة له على ذنوبه، ويعينه على التقرب بسبب طاعته لقوله تعالى: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * وقوله: * (فأما من أعطى واتقى) * الآية. فإذا استغفر من ذنوبه غفرت له بفضل الله وأمن حينئذ من الابتلاء بالمؤاخذة بالحرمان. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن راشد وقال: هكذا سمعت من شيخي القرافي. قال ابن ناجي: وكان شيخنا يعني البرزلي يذهب إلى هذا دون استدلال ونسبه لنفسه، ولا يبعد أن يكون الاستغفار أيضا لتهاونه بالسنة كقول خويزمنداد: إن ترك السنن فسق وإن تمالا عليه أهل بلد عوقبوا انتهى. والله أعلم. وقال الوانوغي في حاشيته على المدونة: جواب القرافي هنا ضعيف. قال المشذالي: ليس هو بضعيف كما زعم وقد ذكره غير القرافي. الخامس: تقدم في كلام صاحب الطراز أن من تركها سهوا لا يسجد وهو كذلك. قال في الطراز: فلو ظن أن ذلك لنقص يؤثر فسجد له فإن كان بعد السلام فصلاته تامة وسجوده لغو، وإن سجد قبل السلام ففي مختصر الطليطلي أنه يعيد الصلاة لانه أدخل في صلب صلاته سجودا ليس منها ورآه بمنزلة من زاد في صلاته على وجه الجهل انتهى. وذكره القرافي في الذخيرة وأسقط بعضه فصار مشكلا فإنه قال: إذا سجد له بعد السلام فلا شئ عليه. وقال في مختصر الطليطلي: يعيد. فكلامه أوهم أن كلام الطليطلي فيما إذا سجد بعد السلام وليس كذلك، وقد نص الهواري في مسائل السهو على أنه إذا سجد بعد السلام فلا شئ عليه. مالك وإن سجد قبل السلام فقال في مختصر الطليطلي: يعيد الصلاة انتهى بالمعنى. وقال


[ 128 ]

ابن ناجي في شرح المدونة: ومن سجد لترك الاقامة قبل السلام بطلت صلاته، قال الطليطلي: وقبله ابن راشد وهو واضح انتهى. السادس: إذا تذكر في أثناء الصلاة أنه ترك الاقامة لم يقطع وكذلك لو تركها عمدا. قال في النوادر ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: ومن ترك الاقامة جهلا حتى أحرم فلا يقطع، ولو أنه بعدما أحرم أقام وصلى فقد أساء وليستغفر الله. قال صاحب الطراز: يريد أنه إذا أقام ثم أحرم بعد ذلك فيكون قد خرج من الاحرام الاول بنيته وبكلامه المنافي للصلاة وهو حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة فإن هذا الكلام ينافي الصلاة حتى إن المصلي لا يحكي فيه المؤذن، ولو أن هذا لما أحرم أقام بعد إحرامه وتمادى على حكم إحرامه الاول لاعاد الصلاة انتهى. ونقله في الذخيرة وهو ظاهر. ص: (وإن أقامت المرأة سرا فحسن) ش: يعني أن المرأة إن صلت وحدها فإن الاقامة في حقها حسنة يعني مستحبة وليست سنة كما في حق الرجل، وأما إذا صلت مع الجماعة فتكتفي بإقامتهم كما سيأتي ذلك في حق الرجال أيضا، ولا يجوز أن تكون هي المقيمة للجماعة لان صوتها عورة، ولا تحصل السنة بإقامتها كما لا تحصل سنة الاذان بأذانها. قال في الطراز في شرح كلام المدونة الآتي: يريد أنها أقامت لنفسها لا أنها تقيم في المساجد للجماعة، وإذا أقامت لنفسها فإنها تقيم سرا لانه سيأتي أن المنفرد من الرجال يسر الاقامة. وما ذكره المصنف من كون الاقامة في حق المرأة حسنة أي مستحبة هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها: وليس على المرأة أذان ولا إقامة وإن أقامت فحسن. قال ابن ناجي في شرح المدونة: المعروف من المذهب أن إقامتها حسنة كما قال. وروى الطراز عدم استحبابها إذ لم ير وعن أزواج النبي (ص) أنهن كن يقمن. وقال ابن الحاجب: والمرأة كالرجل على المشهور. قال ابن هارون: هو مشكل لانها للرجل سنة مؤكدة وللنساء مستحبة فلا يستويان. وفي بعض النسخ وفي المرأة حسن على المشهور. وقال: هذا أشبه مما في الاصل ووفاق لمذهب الكتاب انتهى. قلت: وعلى ما في بعض النسخ شرح ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح لكن جعل في المسألة ثلاثة أقوال، فإنه قال قوله حسن على المشهور هو قول ابن القاسم. قال في الجلاب: وليس على النساء أذان ولا إقامة. قاله ابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم: إن أقمن فحسن ولاشهب ثالث بالكراهة انتهى. قلت: لم يحك صاحب الطراز عن أشهب الكراهة، وإنما فهم كلامه على عدم الاستحباب، قال في الطراز: اختلف قول مالك في الاقامة فمرة استحسنها ومرة لم يستحسنها. قال في سماع أشهب: ما سمعت ذلك. قال: أفأحب إليك أن تقيم ؟ قال: ما آمرها بذلك انتهى. ورأيت الشبيبي في شرح الرسالة حكى ثلاثة أقوال كما فعل المصنف في


[ 129 ]

التوضيح، وعزا القول بالكراهة لسماع أشهب وبحث الشارح في الكبير في جعل قول ابن عبد الحكم ثالثا. وقال: هو راجع لقول ابن القاسم فيما يظهر لانه إنما نفى اللزوم ولا يلزم منه نفي الاستحباب فلا يكون ثالثا انتهى. وما قاله ظاهر وعلى ذلك فهمه ابن عرفة لكنه لم يجعل مقابل المشهور الكراهة، وإنما جعل مقابله عدم الاستحباب ونصه وفيها: لا أذان على امرأة ولا إقامة وإن أقامت فحسن. وهو في الجلاب عن ابن عبد الحكم وروي في الطراز عدم استحسانها إذ لم تر وعن أزواجه (ص) انتهى. قلت: كلام الشارح وابن عرفة يقتضي أن قول ابن القاسم وابن عبد الحكم متحدان، وكلام ابن الحاجب يدل على أنهما متغايران كما نقل في التوضيح، لكن يمكن حمل كلام ابن عبد الحكم على أنه موافق لكلام أشهب وليس ثالثا انتهى. تنبيهات: الاول: الفرق بين الاذان والاقامة حيث لم يطلب الاذان من المرأة لانه شرع للاعلام بدخول الوقت والحضور للصلاة، والاقامة شرعت لاعلام النفس بالتأهب للصلاة، فلذلك اختص الاذان بمن ذكر وشرعت الاقامة للجميع. الثاني: إذا صلى الصبح لنفسه فإنه يؤمر بالاقامة. قال في النوادر: قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة: وإن صلى الصبح لنفسه فليقم. ونقله صاحب الطراز وابن عرفة. الثالث: قوله: سرا لم أر من صرح بتخصيص المرأة بالسر، بل ظاهر كلامهم أن المطلوب في إقامة المنفرد أن يكون سرا في المدونة. قال ابن المسيب وابن المنكدر: ومن صلى وحده فليسر الاقامة في نفسه. قال ابن ناجي: قال: قال بعضهم: لم يوجد لمالك خلاف وقبله ابن هارون. قال المغربي: وظاهر الكتاب أن الاسرار مطلوب وإليه ذهب أبوعمران قائلا: مخافة أن يشوش على من عسى أن يكون قد يصلي هناك. واختصره ابن يونس فلا بأس أن يسر الاقامة في نفسه. وينبغي أن تكون هناك لا بأس لما هو خير من غيره فيكون وفاقا لاختصار البراذعي، قال ابن الحاجب: وإسرار المنفرد حسن. قال ابن هارون: هكذا وقع في المدونة وفيه نظر، لاحتمال أن يريد وغير الاسرار وهو الجهر أحسن لقول أبي محمد عن أشهب: أحب إلي رفع الصوت بالاقامة. ولم يحفظه ابن عبد السلام بل قال: لو اختير فيها رفع الصوت لكان أحسن لان الشيطان. إذا سمع التثويب أدبر، ومباعدة الشيطان مطلوبة لا سيما في هذه الحال انتهى. قلت: ظاهرة أن أشهب يخالف في إقامة المنفرد ويرى الجهر بها أولى، ولم أر من صرح بذلك إلا ما يفهم من كلام ابن عرفة فإنه قال ابن المسيب وابن المنكدر: يسرها المنفرد في نفسه، الشيخ عن أشهب: أحب إلي رفع الصوت بالاقامة انتهى. وليس في كلام ابن أبي زيد في النوادر التصريح بذلك بل ظاهر كلامه الذي حكاه عن أشهب إنما هو في الجماعة. قيل لاشهب: أيؤذن على المنار أو في سطح المسجد ؟ قال: أحب إلي من الاذان أسمعه للقوم، وأحب إلي في الاقامة أن تكون في صحن المسجد وقرب الامام وكل واسع، وأحب إلي أن


[ 130 ]

يرفع صوته بالاذان والاقامة انتهى. ولهذا لم يذكر صاحب الطراز لما تكلم على مسألة المدونة فيه ذلك خلافا بل قال: إن الاقامة شرعت أهبة للصلاة بين يديها تفخيما لها كغسل الاحرام وغسل الجمعة فحسن أن يقال فيها: من أقام في المسجد بعدما صلى أهله لا يجهر بذلك لما فيه من اللبسة والدلسة، ولانه إذا سمع منه ذلك مرارا يظن به الخروج عن رأي الامام وعما عليه الجماعة، وأنه يتعمد أن يصلي وحده انتهى فتأمله. وقال الشبيبي في شرح الرسالة: وفي صفة الاقامة أن تكون جهرا للجماعة سرا للفذ والله تعالى أعلم. الرابع: قال اللخمي: من شرط الاقامة أن تعقبها الصلاة، فإن تراخى ما بينهما أعاد الاقامة، وقد روي عن النبي (ص) التوسعة في ذلك انتهى. وقال صاحب الطراز لما تكلم على الخلاف في إقامة الراكب وصوب مذهب المدونة وأنه لا يقيم راكبا قال: لان ذلك أقرب لاتصال الاقامة بالصلاة، فإن أقام راكبا ثم نزل وأحرم من غير كبير شغل أجزأه ذلك ثم قال: فرع: إذا كان المستحب إيصال الاقامة بالصلاة فهل يبعد المؤذن في الاقامة عن الامام مثل الجامع الواسع يخرج المؤذن إلى بابه، أو يصعد على سطحه فيقيم ؟ قال أشهب: أحب إلي أن تكون الاقامة في صحن المسجد وقرب الامام. وقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس أن يخرج خارج المسجد إن كان ليسمع من حوله أو قربه، وإن لم يكن ذلك فهو خطأ. قال مالك في المجموعة في الاقامة على المنار , أو على ظهره أو خارجه: لا بأس بذلك وإن كان ليخص رجلا ليسمعه فداخل المسجد أحب إلي. وفي الموطأ أن ابن عمر سمع الاقامة وهو بالبقيع فأسرع. وهذا يقتضي أن الاقامة لم تكن داخل المسجد ولو كانت لما سمعت من البقيع انتهى. وما ذكره عن العتبية نحوه في نوازل سحنون من كتاب الطهارة. وقال في الذخيرة: لما تكلم على مسألة إقامة الراكب لان السنة اتصال الاقامة بالصلاة والنزول عن الدابة وعقلها وإصلاح المتاع طول انتهى. وقوله في الطراز: إذا كان المستحب اتصال الاقامة بالصلاة يقتضي أن اتصال الاقامة بالصلاة مستحب لا شرط، وهو خلاف ما تقدم في كلام اللخمي، لكن يمكن أن يحمل كلامه على الفصل اليسير فهو الذي يستحب تركه، وأما إن طال الفصل فإنه يعيد الاقامة كما يدل عليه قوله فإن أقام راكبا ثم نزل وأحرم من غير تكبير شغل فيكون موافقا لكلام اللخمي. وكذا يحمل كلام القرافي وقد قال ابن عرفة: روى ابن القاسم أن بعد تأخير الصلاة عن الاقامة أعيدت وفي إعادتها البطلان صلاتها وإن طال. نقل عياض عن ظاهرها وبعضها، وعز المازري الاول لبعضهم أخذا من قولها: من رأى نجاسة في ثوبه قطع وابتدأ بإقامة، ولم يحك الثاني انتهى. وقد تقدم في فصل إزالة النجاسة عن ابن ناجي أنه قال: ظاهر المدونة أنه يبتدئ بإقامة طال أم لا. وعليه حملها بعضهم قائلا: إن الاقامة الاولى كانت صلاة فاسدة فبطلت بطلانها. وقال آخرون: إنما ذلك في الطول، وأما القرب فلا يفتقر لاقامة انتهى. وقال في النوادر. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: ومؤذن أقام الصلاة فأخره الامام


[ 131 ]

لامر يريده فإن كان قريبا كفتهم تلك الاقامة، وإن بعد أعاد الاقامة. وقال في المختصر: وإذا أقام فتأخر الامام قليلا أجزأه، فإن تباعد أعاد الاقامة انتهى. فتحصل من هذا أن اتصال الاقامة بالصلاة سنة، وأن الفصل اليسير لا يضر والكثير يبطل الاقامة. وسيأتي في التنبيه الثامن عشر أنه يستحب للامام أن ينتظر بالاحرام بعد الاقامة قدر ما تسوى الصفوف. فهذا الفصل مستحب فلا بد أن يكون التأخير اليسير المغتفر فوقه، وسيأتي في التنبيه الثاني عشر أنه كان (ص) يناجي الرجل طويلا بعد الاقامة والله أعلم. الخامس: قال في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم: وسئل مالك عن الذي يكون في المسجد فتقام الصلاة، أيقيم الصلاة في نفسه ؟ قال: لا قيل له: فإن فعل ؟ قال: هذا مخالف. قال ابن رشد: بقوله هذا مخالف أي للسنة أي لان السنة أن يقيم المؤذن للصلاة دون الامام والناس بدليل ما روي أن رسول الله (ص) لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف للصلح بينهم وحانت الصلاة جاء المؤذن وإلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أتصلي للناس فأقيم ؟ قال: نعم وإنما الذي يجب للناس في حال الاقامة أن يدعو لانها ساعة الدعاء. قال رسول الله (ص) ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد دعوته حضرة النداء والصف في سبيل الله انتهى. ونقله ابن عرفة وذكر أن بعضهم أخذ خلافه من رواية ابن وهب في المدونة كراهة إقامة المعتكف مع المؤذنين، لانه عمل يعني لان تعليله الكراهة بأنه عمل يقتضي أنه لا يكره لغير المعتكف. ورد ابن عرفة هذا الاخذ فقال: ويرد بأن المعتبر في الاقامة الكلية لا الجزئية انتهى. يعني أن إقامة المعتكف مع المؤذنين المذكورين في الرواوة هو أن يكون أحد المؤذنين الذين يقيمون الصلاة خلف الامام وليس مراده أن يقيم الصلاة في نفسه فتأمله. السادس: قال ابن عرفة: ونقل بعضهم كراهة إقامة الامام لنفسه لا أعرفه، وفي أخذه من كلام ابن رشد نظر انتهى. قلت: كلام ابن رشد إنما هو إذا أقام المؤذن فلا يقيم الامام ولا يقيم أحد من الناس معه، ويمكن أن يقال: قوله: السنة أن يقيم المؤذن يقتضي ذلك وهو الواقع في أكثر عباراتهم كما في عبارة المدونة الآتية في التنبيه السابع عشر والله تعالى أعلم. ويؤخذ جواز ذلك مما ذكره ابن عرفة عن ابن مسلمة وسيأتي لفظه في التنبيه الخامس عشر. والذي يظهر أن إقامة المؤذن أحسن وهو الذي عليه العمل من زمنه (ص) إلى زماننا، وإقامة الامام مجزئة والله أعلم. وما ذكره ابن رشد من استحباب الدعاء حينئذ واستدل بالحديث والحديث إنما فيه ذكر النداء، والظاهر أن المراد به الاذان كما تقدم في الكلام على الحكاية، ويحتمل أن تدخل الاقامة فإنها دعاء إلى الصلاة. السابع: قال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة: ورأيت المؤذنين في المدينة يتوجهون إلى


[ 132 ]

القبلة وإلى غيرها في أذانهم ويقيمون عرضا وذلك واسع يصنع كيف شاء. قال بعض فضلاء أصحابنا: أخذ منها أن المقيم يشترط فيه أن يكون قائما يريد فإن ترك القيام في اليسير فلا يضر انتهى. قلت: والاخذ من قوله: يقيمون عرضا كما سيأتي بيانه في التنبيه الثامن، وقوله: يشترط فيه أن يكون قائما يقتضي أنه إن أقام قاعدا لمن يجزه، والظاهر أن ذلك مطلوب ابتداء فإن أقام جالسا أجزاه. وعد الشبيبي في قواعده " من سنن الصلاة الاقامة للرجال والقيام لها. وقال في شرح الرسالة: وصفة المقيم أن يكون متطهرا على المشهور ممن يصلي تلك الصلاة قائما. الثامن: قال ابن ناجي في شرح المسألة السابقة قال ابن عات: ويستحب التوجه إلى القبلة في الاقامة عندنا. قال ابن هارون: وهو خلاف ظاهر الكتاب انتهى. قلت: يعني في قوله: عرضا قال الشيخ أبو الحسن في تفسيره: قال في الامهات: يخرجون مع الامام وهم يقيمون. الشيخ: إما لان دار الامام في شرق المسجد أو غربه انتهى. يعني أن قوله: يخرجون مع الامام وهم يقيمون تفسيرا لقوله: يقيمون عرضا يخرجون مع الامام وهم يقيمون. وقال الوانوغي ابن عات: يستحب الاستقبال في الاقامة، وتأولوا قوله: عرضا على أن الامام يخرج من جهة المغرب أو من جهة المشرق فيخرج المؤذن فيقيم عرضا انتهى. وذلك لان قبلة مسجد المدينة إلى جهة الجنوب والمغرب على يمينه والمشرق عن شماله، وكأنه يعني أن المطلوب هو الاستقبال وأن ما وقع بالمدينة إنما هو لكونهم يخرجون مع الامام فتأمله. التاسع: قال ابن ناجي: ويؤخذ من مسألة المدونة المتقدمة تعدد المقيم كما صرحوا به أخذا من كتاب الاعتكاف انتهى. ونحوه للوانوغي في حاشيته على المدونة وهو ظاهر. العاشر: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والدعاء عندها مستحب انتهى. قلت: وهو مأخوذ من كلام ابن رشد المتقدم في التنبيه الرابع. الحادي عشر: قال الشيخ زروق في شرح الوغليسية: ولا يحكى الاقامة. قلت: قد يفهم هذا أيضا من كلام ابن رشد المذكور، لكن وقع في الطراز ما يقتضي أنه يحكي الاقامة فإنه قال في شرح قول المدونة: إذا فرغ المؤذن من الاقامة انتظر الامام قدر تسوية الصفوف. وذكر قول أبي حنيفة أنه يحرم عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة ثم أخذ يوجه قول مالك فقال: ولان في جواب المؤذن فضيلة وفي حضور تكبيرة الاحرام فضيلة، فيجمع بين الامرين بالانتظار يجاوب الامام المؤذن ويدرك المؤذن التكبير انتهى فتأمله. الثاني عشر: قال في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: وسئل مالك عن الرجلين يدخلان المسجد وهما في مؤخره فتقام الصلاة وهما في مؤخر المسجد مقبلان إلى الامام فيحرم الامام وهما يتحدثان ؟ قال: أرى أن يتركا الكلام إذا أحرم الامام. قال ابن رشد: وهذا كما قال: لان تحدثهما والامام في الصلاة وهما في المسجد


[ 133 ]

مقبلان إلى الصلاة من المكروه البين لانه لهو عما يقصدانه من الصلاة وإعراض عنه انتهى. قلت: وأشد من ذلك تحدثهما وهما واقفان في الصف بعد أن أحرم الامام، بل قد يحرم ذلك إذا كان فيه تشويش على من إلى جانبهما من المصلين ولا إشكال في ذلك والله أعلم. وقال في النوادر: قال في المختصر: إذا أحرم الامام فلا يتكلم أحد انتهى. الثالث عشر: قال في مختصر الواضحة: لا بأس بالكلام بين الاقامة والصلاة. قال عبد الملك: وحدثني ابن الماجشون عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير قال: كانت الصلاة تقام ورسول الله (ص) يناجي الرجل طويلا قبل أن يكبر، وإنما جعل العود الذي في القبلة لكي يتوكأ عليه انتهى. وهذا ما لم يطل كما تقدم. الرابع عشر: قال في مختصر الواضحة: قال مالك: ولا بأس أن يشرب الماء بعد الاقامة وقبل التكبير انتهى. الخامس عشر: قال في البيان في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: قال مالك: بلغني أن رجلا قدم حاجا وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد: لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد المؤذن خروجا لا يرجع إليه أصابه أمر سوء. قال: فقعد الرجل ثم إنه استبطاء الاقامة فقال: ما أراه إلا قد حبسني، فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال: ظننت أنه سيصيبه ما يكره. قال ابن رشد: قول ابن المسيب: بلغني معناه عن النبي (ص): إذ لا يقال مثله بالرأي وهي عقوبة معجلة للخارج بعد الاذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لايثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها، وأما إذا خرج راغبا عنها آيبا من فعلها فهو منافق. وقد قال ابن المسيب: بلغني أنه لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق انتهى. وذكر في التمهيد في بلاغات مالك عن أبي هريرة أنه رأى رجلا يجتاز في المسجد ويخرج بعد الاذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم. قال أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهارة، وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحل له الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع انتهى. قلت: قوله: لا يحل أي " يكره له الخروج لان المكروه ليس بحلال لان الحلال المباح وظاهر اللفظ التحريم، وكذلك قوله: عصى أبا القاسم وليس كذلك إنما يحرم الخروج بالاقامة وأما قبلها فيجوز كما سيأتي في فصل الجماعة. السادس عشر: قال في المدونة: ومن دخل مسجدا قد صلى أهله فليبتدئ الاقامة لنفسه انتهى. ونقلها سند بلفظ: قال مالك: لا تجزئه إقامتهم. قال: وقوله: لاتجزئه إقامتهم يقتضي أنها متأكدة في حقه. وقال في المبسوط: يقيم لنفسه أحب إلي من أن يصلي بغير إقامة فجعله


[ 134 ]

مستحبا وهو موافق لما قاله في الواضحة في الفذ: فإن أقام فحسن. وجه الاول أن الاقامة شرعت أهبة للصلاة المكتوبة حتى شرعت في الفوائت فوجب ملازمتها لها، ووجه الثاني أن الاقامة في حكم الدعاء للصلاة وهو إنما يكون دعاء للغير واعتبارا بالاذان انتهى. ونحوه لابن ناجي. قال المازري في شرح التلقين: اختلف الناس في إقامة المنفرد، ومذهب مالك أنه يخاطب بها. وفي المبسوط أن الاقامة للمنفرد إنما هي لجواز من يؤتم به، وهذه إشارة لمذهج المخالف أن المنفرد لا يفتقر إليها لمعنى يختص به انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها من دخل مسجدا صلى أهله لم تجزه إقامتهم. ولمالك في المبسوط: يقيم أحب إلي. اللخمي: استحبه ولم يره سنة. ولابن مسلمة إنما الاقامة لمن يؤم يقيم لنفسه ولمن يأتي بعده فمن دخل بعده كان أقام له. المازري: هذه إشارة لقول المخالف: إن المنفرد لا يفتقر لها لمعنى يختص به انتهى والله أعلم. وقال في النوادر: ومن دخل بتكبيرة في آخر جلوس الامام فلا يقيم فإن لم يكبر أقام انتهى. وقال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة فيمن أدرك الامام ساجدا في الاخيرة من الجمعة: يقيم لنفسه ولا يجزئه إقامة الناس. قال ابن رشد: ومعنى المسألة أنه لم يحرم مع الامام ولو أحرم معه لبقي على إحرامه وأجزأته إقامة الناس، ولم يصح له أن يقيم إلا أن يقطع الصلاة ثم يستأنفها، ولو فعل ذلك لاخطأ، إذ لا اختلاف أنه يصح له أن يبني على إحرام الامام بخلاف الذي يجد الامام ساجدا في الركعة الثانية فيحرم معه وهو يظن أنه في الركعة الاولى، وقد مضى القول عليها في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم انتهى. قلت: ذكر فيه عن مالك في كتاب ابن المواز أنه يبني على إحرامه أربعا، واستحب أن يجدد إحراما آخر بعد سلام الامام. قال: ويأتي على قول أشهب ورواية ابن وهب فيمن رعف يوم الجمعة قبل عقد ركعة أنه لا يبني على إحرامه في هذه المسألة انتهى. وستأتي هذه المسألة في فصل الجمعة إن شاء الله تعالى. السابع عشر: قال في المدونة: ومن صلى في بيته لم تجزه إقامة أهل المصر. قال سند: هذا مما اختلف فيه قولا الشافعي فقال في الجديد مثله، وقال في القديم: أما الرجل يصلي وحده فأذان المؤذنين وإقامتهم كافية له، ولان المسجد قد أدى فيه حق الاقامة للظهر فلا يتعدد ذلك بتعداد الظهر كما في حق آحاد الجماعة، واعتبارا بالاذان الذي أدى فيه حقه، فإن من أتى بعد صلاة الجماعة صلى بغير أذان. ووجه المذهب ظاهر فإنه إذا كان ليس معهم في صلاة لم تجزه إقامتهم والله أعلم. الثامن عشر: قال في المدونة: وينتظر الامام بعد الاقامة قليلا قدر ما تستوي الصفوف ثم يكبر ويبتدئ القراءة، ولا يكون بين القراءة والتكبير شئ. وكان عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما يوكلان رجلا بتسوية الصفوف فإذا أخبروهما أن قد استوت كبر انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره مستحب ووجهه واضح لان المأمومين إذا اشتغلوا بتسوية الصفوف فاتهم من الصلاة


[ 135 ]

مع الامام خير كثير، ومن فاتته أم القرآن فقد فاته خير كثير، وإن اشتغلوا بالتكبير فاتهم تسوية الصفوف. وخالف فيه أبو حنيفة. وقال: يحرم إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة. وعن ابن عبد السلام: وخير في الوجهين أبو عمر. والآثار في هذا الباب تقتضي التخيير، ووهمه بعض شيوخنا يعني ابن عرفة فإنه لم يعزه لابن عمر إنما عزاه لاحمد بن حنبل فقط انتهى. وما ذكره في الام عن عمر وعثمان نقله ابن ناجي عن ابن يونس، وكأنه لم يقف على الام. التاسع عشر: ذكر ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ولا يرفع أحد رأسه قبل الامام: إن المسائل التي يعرف بها فقه الامام ثلاثة: أحدها: أن يخطف إحرامه وسلامه أي يسرع فيهما لئلا يشاركه المأموم فيها فتبطل صلاته، والثانية: تقصير الجلسة الوسطى، والثالثة دخول المحراب بعد الاقامة والله أعلم. العشرون: لم يذكر المصنف الاذان في الجمع اكتفاء بما سيذكره في فصل القصر والجمع في كتاب الحج. وقال ابن الحاجب: وفي الاذان في الجمع مشهورها يؤذن لكل صلاة منها. قال ابن عبد السلام: يعني سواء كان الجمع سنة كعرفة، أو رخصة كليلة المطر انتهى. وكذلك الجمع في السفر كما صرح به اللخمي وغيره. وقال في التوضيح: أي في الجمع مطلقا ثلاثة أقوال: قيل: لا يؤذن لهما، وقيل: يؤذن للاولى فقط، والمشهور يؤذن لكل منهما. قال المازري: واتفق عندنا أنه يقام لكل صلاة انتهى. قال في المدونة: ويجمع الامام الصلاتين بعرفة ومزدلفة بأذان وإقامة لكل صلاة، وأما غير الامام فتجزئهم إقامة لكل صلاة. الحادي والعشرون: نقل ابن عرفة عن ابن العربي أنه إذا أقيمت الصلاة لامام معين فتعذر فأراد غيره أن يؤم أنها تعاد الاقامة، وأنه جهل من خالفه في ذلك. قال ابن عرفة: وفيه نظر. الثاني والعشرون: لو أقام قبل الوقت وصلى في الوقت لم يعد الصلاة. قال في النوادر: ومن أذن قبل الوقت وصلى في الوقت فلا يعيد. أشهب: وكذلك في الاقامة وقد تقدم. الثالث والعشرون: تقدم عند قول المصنف بلا فصل مسألة ما إذا رعف المقيم في الصلاة أو أحدث أو أغمي عليه ثم أفاق فبني على إقامته أو بنى غيره على إقامته أن يجزئه كما نقله ابن عرفة عن أشهب. ص: (وليقم معها أو بعدها بقدر الطاقة) ش: يعني أنه لا تحديد عندنا في وقت قيام المصلي للصلاة حال الاقامة كما يقوله غيرنا. قال في الام: وكان مالك لا يوقت وقتا إذا أقيمت الصلاة يقومون عند ذلك ولكنه كان يقول: على قدر طاقة الناس فمنهم القوي ومنهم الضعيف. وقال في النوادر: قال في المجموعة قال: ليث: قيل لمالك:


[ 136 ]

فصل شرائط الصلاة إذا أقيمت الصلاة متى يقو الناس ؟ قال: ما سمعت فيه حدا وليقوموا بقدر ما استوت الصفوف وفرغت الاقامة. قال ابن حبيب: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة انتهى. وقال أبو حنيفة: إذا قال: حي على الفلاح كبر الامام. وقال سعيد: إنه يقوم إذا قال المؤذن: الله أكبر فإذا قال: حي على الصلاة اعتدلت الصفوف، فإذا قال: لا إله إلا الله كبر انتهى. فرع: قال في الزاهي: قال الله تعالى: * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * فحق على كل قائم للصلاة أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده. انتهى. فصل في بيان شرطين لصحة الصلاة طهارة الحدث والخبث هذا الفصل يذكر في شروط الصلاة وهي على ثلاثة أقسام: شرط في الوجوب والصحة، وشرط في الوجوب فقط، وشرط في الصحة فقط. فأما شروط الوجوب والصحة فستة: الاول: بلوغ دعوة الرسول (ص) لقوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *. الثاني: دخول وقت الصلاة على ما قال بعضم، وجعل القرافي دخول الوقت سببا للوجوب، وسواء جعلناه سببا أو شرطا فلا تجب الصلاة قبل الوقت إجماعا، ولا تصح أيضا إلا على ما سيأتي في باب الجمع. الثالث: العقل، فلا تجب على مجنون ولا مغمى عليه إلا إن أفاق في بقية من الوقت، وإن خرج الوقت قبل إفاقتهما فلا قضاء عليهما بخلاف السكران فعليه القضاء لانه عاص بإدخاله ذلك على عقله، ولا تصح صلاة المجنون ولا السكران إن كان عقله غائبا، وفي صحة صلاته إذا كان في عقله ولكن الخمر في جوفه خلاف تقدم في أول فصل إزالة النجاسة، وظاهر المدونة عدم الصحة.


[ 137 ]

الرابع: ارتفاع دم الحيض والنفاس ولا تجب الصلاة على حائض ولا على نفساء ولا تصح منهما ولا يقضيان إلا ما طرأ في وقته كما تقدم في الاوقات. الخامس: وجود الماء المطلق أو الصعيد عند عدمه أو عدم القدرة على استعماله، فمن عدمهما سقطت عنه الصلاة وقضاؤها على المشهور من الاقوال الاربعة، وقد تقدمت في باب التيمم. السادس: عدم السهو والنوم، فلا تجب الصلاة في حال الغفلة والنوم لكن يجب القضاء عليهما عند زوال ذلك. وأما شروط الوجوب دون الصحة فاثنان: الاول: البلوغ فلا تجب على من لم يبلغ لكن تصح منه الصلاة ويؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر كما تقدم، وإن صلى الصبي ثم بلغ والوقت باق لزمه إعادة الصلاة لان الاول نافلة، ولا يقضي ما خرج وقته في حال صباه سواء صلاه أو لم يصله. الثاني: عدم الاكراه، فلا تجب على من أكره على تركها لكن تصح منه إن فعلها، وإن لم يصلها وجب عليه قضاؤها عند زوال الاكراه. وأما شروط الصحة دون الوجوب فخمسة: الاول: الاسلام بناء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو المشهور، فتجب الصلاة على الكافر ولا تصح منه بالاجماع لفقد الاسلام. وقيل: إنه شرط في الوجوب والصحة. وإذا أسلم الكافر والمرتد لم يجب عليهما قضاء ما خرج وقته من الصلوات في حال الكفر، ويجب عليهما أن يصليا ما أسلما في وقته. الثاني: طهارة الحدث الاكبر والاصغر ابتداء أي قبل الدخول في الصلاة، ودواما أي بعد الدخول فيها. فلا تصح صلاة المحدث قبل الدخول في الصلاة ولو دخل ناسيا. ولا صلاة من طرأ عليه الحدث في أثنائها ناسيا أو عامدا أو غلبة، ويجب عليه قضاء الصلاة أبدا متى علم أنه صلاها وهو محدث، أو أنه طرأ عليه فيها حدث، أو أنه ترك عضوا من أعضاء وضوئه أو غسله أو لمعة من ذلك ولو علم بعد سنين كثيرة. وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: شرط لصلاة طهارة حدث. ونكر المصنف صلاة ليفيد أنه شرط في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة، فائتة أو وقتية، ذات ركوع أو سجود أو صلاة جنازة أو سجود تلاوة، ناسيا كان أو ذاكرا، ونكر الطهارة ليشمل الطهارة بالماء أو بما هو بدل منه كالتيمم والمسح على الخفين والجبيرة. ونكر الحدث ليعم الاصغر والاكبر. وتقدم أول الطهارة أن الحدث له أربع معان: الخارج المعتاد، والخروج، والوصف الذي يقدر قيامه بالاعضاء، والمنع المترتب عليه. والمراد هنا أحد المعنيين الاخيرين لانهما متلازمان كما تقدم بيان ذلك في قول المصنف باب يرفع الحدث.


[ 138 ]

الثالث: طهارة الخبث وهو النجس من البدن والثوب والمكان ابتداء ودواما لكن مع الذكر للنجاسة والقدرة على إزالتها كما تقدم ذلك في فصل إزالة النجاسة، فأطلق المصنف هنا في وجوب طهارة الخبث اعتمادا على ما قدمه في كتاب الطهارة. فما حكاه البساطي من الاعتراض بأنه مناف لما قاله هنا غير ظاهر فتأمله، والاضافة الطهارة إلى الحدث والخبث من باب إضافة المسبب إلى السبب، أو من إضافة المزيل إلى المزال والله أعلم. الرابع: ستر العورة. الخامس: استقبال القبلة، وسيتكلم المصنف عليهما. وعد ابن الحاجب في ذلك ترك الكلام وترك الافعال الكثيرة. قال في التوضيح: ولا ينبغي عدهما في الشروط، لان ما طلب تركه إنما يعد في الموانع، لكن المصنف يعني ابن الحاجب تابع لاهل المذهب لان جماعة منهم عدوهما من الفرائض ثم قال: فإن قيل في هذا الاعتراض نظر لان عدم المانع شرط إذ الحكم لا يوجد إلا إذا عدم المانع. قيل: الفرق بينهما أن الشك في الشرط أو السبب يمنع من وجود الحكم بخلاف الشك في المانع انتهى. والفرق بين الشرط والفرض أن الشرط خارج عن الماهية، والفرض - ويعبر عنه بالركن - داخل الماهية. ص: (وإن رعف قبلها ودام أخر لآخر الاختياري وصلى) ش: لما ذكر أن من شروط الصلاة طهارة الخبث وكان الرعاف منافيا لذلك وله أحكام تخصه تتعلق بالصلاة، شرع يبينها في هذا الفصل، وتبع المصنف في ذلك صاحب الجواهر والقرافي في ذخيرته وهو حسن. وأما ابن الحاجب وابن عرفة فذكراه في آخر فصل إزالة النجاسة نظرا " إلى أن غسل الدم من مسائل الطهارة. والرعاف مأخوذ من الرعاف الذي هو السبق كقول العرب فرس راعف إذا كان يتقدم الخيل، ورعف فلان الخيل إذا تقدمها. ولما كان الدم يسبق إلى الانف سمي رعافا. قاله في الذخيرة. قال: ويقال رعف يرعف بفتح العين في الماضي وضمها وفتحها في المستقبل، والشاذ ضمها فيهما انتهى. وقال في التنبهيات: يقال: رعف يرعف بفتح الماضي وضم المستقبل وهي اللغة الفصيحة، وقيل: بالضم فيهما. وأصل اشتقاقه من السبق لسبق الدم إلى أنفه ومنه رعف فلان الخيل إذا تقدمها. وقيل من الظهور انتهى. فلم يذكر إلا لغتين رعف يرعف كنصر ينصر، ورعق يرعف ككرم يكرم، وذكر في الصحاح اللغات الثلاث التي ذكرها القرافي وذكرها في القاموس وزاد أيضا: رعف يرعف كسمع يسمع، ورعف بضم الراء وكسر العين. وقال في الصحاح: الرعاف الدم يخرج من الانف. وذكر في القاموس أن الرعاف يطلق على خروج الدم من الانف وعلى الدم نفسه، وأنه بضم الراء ثم إن المصنف


[ 139 ]

قسم الرعاف قسمين لانه إما أن يطرأ قبل الدخول في الصلاة أو بعد الدخول فيها. فإن رعف قبل الدخول في الصلاة فإنه يؤخر الصلاة رجاء أن يقطع، فإن دام وخاف خروج الوقت المختار فإنه يصليها في آخر الوقت المختار ويصليها كيفما أمكنه ولو إيماء. قال في المقدمات: واعلم أن الرعاف ليس بحدث عند مالك وجميع أصحابه فلا ينقض الطهارة، قل أو كثر خلافا لابي حنيفة وأصحابه في قوله: انه ينقض. تنبيهات: الاول: ما ذكره المصنف من التأخير لآخر الوقت مقيد بما إذا كان يرجو انقطاعه، وإما إذا علم أنه لا ينقطع فإنه يصلي به على تلك الحال في أول الوقت. قال الشارح في الوسط والكبير: نص عليه صاحب المقدمات وابن يونس إذ لا فائدة في التأخير مع علم الدوام انتهى. قلت: ما ذكره عن ابن رشد وابن يونس هو المفهوم من كلامهما وإن لم يكن صريحا. قال في المقدمات: الرعاف ينقسم في حكم الصلاة إلى قسمين: أحدهما أن يكون دائما لا ينقطع والحكم فيه أن يصلي صاحبه الصلاة في وقتها على حالته التي هو عليها، فإن لم يقدر على الركوع والسجود لانه يضربه ويزيد في رعافه، أو لانه يخشى أن يلطخه الدم أومأ في صلاته كلها إيماء. ثم قال: والقسم الثاني أن يكون غير دائم ينقطع، فإن أصابه قبل أن يدخل في الصلاة أخر الصلاة حتى ينقطع ما لم يفته وقت الصلاة المفروضة، والقامة للظهر، والقامتان للعصر. وقيل: بل يؤخرهما ما لم يخف فوات الوقت جملة بأن يتمكن اصفرار الشمس للظهر والعصر فيخشى أن لا يدرك تمامها قبل غروب الشمس انتهى. ثم ذكر القسم الثاني وهو ما إذا أصابه الرعاف بعد أن دخل في الصلاة فتفصيله في هذا القسم يدل على أن الحكم في القسم الاول أنه يصلي على حالته من غير تأخير، سواء أصابه قبل الدخول في الصلاة أو بعد الدخول فيها. وقوله: أومأ في صلاته كلها يدل على ذلك أيضا فتأمله. وذكر الرجراجي نحو ما ذكره ابن رشد. وقال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: ينبغي إذا رعف في وقت الصلاة أو قبل وقتها فلم ينقطع عنه الدم أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها المفروض عساه أن ينقطع فإن لم ينقطع عنه صلى حينئذ انتهى. ففهم الشارح من قوله: فإن لم ينقطع صلى حينئذ ما ذكره من التقييد والكلام محتمل له ولكن التقييد ظاهر، وقد جزم به في الشامل الثاني لما ذكر الشارح القولين في اعتبار الوقت المختار أو الضروري قال: وليس فيهما أرجحية عن أحد من الاصحاب فيما علمت، وقد ذكرهما ابن رشد ولم يتعرض لتشهير ولا لغيره. وتردد الشارح في كلام ابن يونس المتقدم، هل المراد به الوقت المختار أو الضروري ؟ واستظهر أن المراد به الضروري. قال: لانه وقت مفروض لارباب الضرورات. قلت: كلام ابن رشد صريح في ترجيح القول الذي مشى عليه المصنف، لانه صدر به وجعله المذهب وعطف الثاني بقيل ولذلك قال المصنف في التوضيح: ظاهر كلام ابن رشد أن الاول هو المذهب لتصديره به وعطف عليه بقيل انتهى. وهذا معلوم من كلام أهل


[ 140 ]

المذهب وغيرهم إذا صدروا بقول وعطفوا عليه بقيل فالاول هو الراجح لا سيما إذا لم يعزوا الاول لاحد بل نقلوه على أنه المذهب. وكلام ابن عرفة صريح في أنه صدر به وجعله المذهب ولم يعزه لاحد، وعزا القول الثاني لنقل ابن رشد فقال: وغير الدائم يؤخر لكنه ما لم يخرج المختار. نقل ابن رشد الضروري. وقال ابن ناجي في شرح المدونة بعد أن نقل كلام ابن يونس المتقدم. قلت: والمعتبر في الوقت الاختياري، وقيل: باعتبار الضروري، نقله ابن رشد ولا يقال: هو بعيد للاتفاق على عدم اعتباره في التيمم إذ ليس ثم اتفاق، بل حكى ابن رشد عن ابن حبيب ما يقتضي الضروري في التيمم وقبله ابن هارون انتهى. وقد صرح في الشامل بما مشى عليه المصنف. الثالث: قال البساطي في شرح قول المصنف: أخر لآخر الاختياري يعني أنه يؤخر الصلاة لآخر الاختياري بحيث يقع آخر جزء منها في آخر جزء منه أو قريب، وإن كان ظاهر عبارته أنه يؤخر الصلاة كلها إلا أنه متروك الظاهر لان المشهور أن الصلاة لا تدرك بأقل من ركعة انتهى. قلت: ليس في كلام المصنف ما يدل على هذا التضييق وإنما المراد أنه يؤخر الصلاة حتى يخاف خروج الوقت الاختياري فيصلي حينئذ والله أعلم. الرابع: إذا قلنا: يصلي إيماء وصلى كذلك ثم انقطع عنه الدم في بقية من الوقت وقدر على الركوع والسجود لم يجب عليه إعادة. قاله في المقدمات، ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل. وقال في الطراز: إذا صلى إيماء ثم انقطع دمه قبل خروج الوقت هل يعيد ؟ يختلف فيه. وقال أشهب عن ابن سحنون: يعيد. ويتخرج فيه قول آخر: إنه لا يعيد. ويأتي بيان ذلك في باب الصلاة المريض انتهى. ولما تكلم في باب صلاة المريض قال: من صلى بالايماء للعذر ثم صح في الوقت، هل يستحب له أن يعيد ؟ اختلف فيه، قال أشهب عن ابن سحنون: يعيد. وكذلك في العتبية في سماع أشهب في الغريق يصلي على لوح أنه لا إعادة عليهم إلا أن يخرجوا في الوقت. قال في النوادر: وقد قيل: لا إعادة عليهم، ثم وجه كلا من القولين فتأمله، فإنه جعل القول بعدم الاعادة هنا تخريجيا ثم حكاه بعد ذلك بقيل وجعله ابن رشد المذهب ولم يحك خلافه، وتبعه ابن عرفة وصاحب الشامل فتأمله. ص: (أو فيها وإن عيدا أو جنازة


[ 141 ]

وظن دوامه له أتمها إن لم يلطخ فرش مسجد) ش: هذا هو القسم الثاني هو قسيم قوله قبلها. ويعني أنه إذا حصل الرعاف في الصلاة فلا يخلو إما أن يظن دوامه إلى آخر الوقت الاختياري أو لا يظن ذلك، فإن ظن دوامه لآخر الوقت الاختياري أتم الصلاة على حالته التي هو عليها، فالضمير في دوامه عائد على الرعاف، وفي له للوقت الاختياري، وفي أتمها للصلاة. عبر ابن الحاجب بالعلم فقال: ولو رعف وعلم دوامه أتم الصلاة. قال في التوضيح: مراده بالعلم الظن وهو أحد التأويلين في قوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) * وقيل: أطلق الايمان على الاسلام لما بينهما من الارتباط غالبا وموجب العلم هنا العادة. وقال ابن عبد السلام: والدوام إلى آخر الوقت الضروري وفي الاختياري نظر. قال في التوضيح: يحتمل أن يكون النظر مبنيا على أن أصحاب الاعذار إذا صلوا في الوقت الضروري، هل يكونون مؤدين أو قاضين ؟ فعلى الاداء من غير عصيان يقطع وعلى القضاء لا يقطع. ثم ذكر القولين اللذين تقدما في كلام ابن رشد ثم قال: وأشار ابن هارون إلى أنه يمكن إجراء القولين هنا انتهى. قلت: وجزم المصنف هنا بأن الدوام يعتبر إلى آخر المختار كما في الفرع الاول. فأما أن يكون رآه منصوصا أو رآه أولى فإنا إذا اعتبرنا في الفرع الاول الوقت المختار وذلك قبل الدخول والتلبس بحرمتها فاعتباره هنا أولى والله أعلم. وقوله: وإن عيدا أو جنازة يعني أنه إذا كان في


[ 142 ]

صلاة العيد أو في صلاة الجنازة ورعف فيها، فإن ظن دوام الرعاف إلى فراغ الامام منهما فإنه يتمادى مع الامام منهما لان بفراغ الامام يتنزل خروج الوقت المختار في الفريضة، وهذا قول أشهب. قال في كتاب الصلاة من النوادر: ومن كتاب ابن المواز: ومن رعف في صلاة الجنازة فليمض فيغسل الدم ثم يرجع إلى موضع صلى عليها فيه فيتم باقي التكبير، وكذلك في صلاة العيدين، ولو أتم باقي صلاة العيدين في بيته أجزأه. وقال أشهب: إن خاف إن خرج يغسل الدم أن تفوته الجنازة وصلاة العيدين وكان لم يكبر على الجنازة شيئا ولا عقد ركعة من صلاة العيد، فليمض على صلاة العيد والجنازة ولا ينصرف انتهى. وحكى القولين ابن يونس وصاحب الطراز والقرافي وغيرهم. هذا إذا خاف أن تفوته صلاة الجنازة والعيد إذا خرج لغسل الدم، وإن كان يرجو أنه يغسل الدم ويدرك الصلاة فإنه يخرج ويغسل الدم، فإن ظن إدراك الامام أو إدراك الجنازة قبل أن يفرغ رجع، وإن كان لا يدرك الامام ولا الجنازة فليتم بموضعه كما سيأتي في كلام صاحب المقدمات. وهذا حكم المأموم، وأما الامام فإنه يستخلف من يتم بهم ويصير حكمه حكم المأموم. تنبيهان: الاول: ظاهر كلامه النوادر أن قول أشهب مخالف لقول ابن المواز، وكذلك ظاهر كلام ابن يونس وصاحب الطراز. قاله ابن يونس ومن كتاب ابن المواز: ومن رعف في صلاة الجنازة فليمض يغسل الدم عنه ثم يرجع إلى موضع صلى عليها فيتم بقية التكبير، وكذلك صلاة العيدين، ولو أتم صلاة العيدين في بيته أجزأه. وقال أشهب: إن خاف إن خرج فغسل أن تفوته الجنازة وصلاة العيدين فليمض كما هو على صلاته ولا ينصرف انتهى. وقال في الطراز: واختلف فيمن رعف في صلاة الجنازة والعيد، فقال ابن المواز: يمضي فيغسل الدم. ثم ذكر بقية كلام ابن المواز. قال: وقال أشهب: إن خاف فواتهما صلاهما ولم ينصرف، وإن كان لم يكبر على الجنازة شيئا ولا عقد ركعة من العيد انتهى. وقال الشارح الكبير: قد يقال إنما أمره أشهب بالتمادي لانه لم يفعل شيئا يبني عليه، فلو أمره أن يخرج لغسل الدم ثم يبني لكان في حكم إعادة الصلاة على الجنازة وهي لا تعاد، وفي حكم من صلى صلاة العيدين وحده أن يفوتهما وصلاتهما على تلك الحال أولى من فواتهما. هكذا نقل في المقدمات عن أشهب. ونقل ابن يونس قوله، ولم يذكر هل فعل شيئا يعتد به أم لا، ولعل الشيخ اعتمد على نقله انتهى. قلت: كلام ابن يونس يقتضي ذلك كما قال الشارح، وكلام الطراز قوي في الدلالة على ذلك لانه أتى بذلك على سبيل المبالغة، فكلامه يقتضي أنه يتمهما إذا فعل شيئا من باب أولى فتأمه. وأما كلام ابن رشد في المقدمات فقريب من كلام الشارح ونصه: إذا رعف الامام في الجنازة أو العيد استخلف كالفريضة سواء، وإن رعف المأموم فيهما فإنه ينصرف ويغسل الدم ثم يرجع فيتم مع الامام ما بقي من تكبير الجنازة وصلاة العيد، فإن علم أنه لا يدرك شيئا


[ 143 ]

مع الامام أتم حيث غسل الدم إلا أن يعلم أنه يدرك الجنازة قبل أن ترفع فإنه يرجع حتى يتم ما بقي من التكبير عليها. وقال أشهب: فإن كان رعف قبل أن يعقد من صلاة العيد ركعة أو قبل أن يكبر من تكبير الجنازة شيئا وخشي إن انصرف لغسل الدم أن تفوته الصلاة، لم ينصرف وصلى على الجنازة وتمادى على صلاته في العيد. وكذا لو رأى في ثوبه نجاسة وخاف إن انصرف لغسلها أن تفوته. هذا كله - أعني ما ذكره في هذا الفصل. هو معنى ما في كتاب ابن المواز الذي ينبغي أن يحمل عليه وإن كان ظاهر لفظه مخالفا لبعضه انتهى، كلامه في المقدمات باختصار يسير. وقال الاقفهسي في شرحه بعد أن ذكر كلام النوادر وحكى في المقدمات قول أشهب على أنه تقييد انتهى. وقال صاحب الجمع: إذا رعف قبل الدخول في فرض الكفاية والسنة، فإن خاف فوات الصلاة قال أشهب: يصليها، وقال ابن المواز: ينصرف، خاف الفوات أم لا. وسبب الخلاف تقابل أمرين: الصلاة بالدم أو فوات الصلاة، وإن كان الرعاف بعد الدخول في فرض الكفاية والسنة فالاولى أن لا ينصرف مع خوف الفوات عند أشهب، ومع عدم الخوف ينصرف، وقال ابن المواز: ينصرف ثم يعود إلى الموضع لانه من سنتها وإن أتم بموضعه أجزأه انتهى. وحاصله أنه يجعل كلام أشهب مخالفا لكلام ابن المواز. تنبيه: قال صاحب الجمع: فلو تلطخ من ثيابه أو جسده ما لا يغتفر فالظاهر القطع لوجود المنافي انتهى. قلت: الذي يظهر أنه إذا خاف الفوات يصلي كما تقدم عن أشهب أنه إذا رأى في ثوبه نجاسة وخاف إن خرج لغسلها أن تفوته الجنازة وصلاة العيد فإنه يصليهما كما تقدم في كلام المقدمات. فرع: قال صاحب الجمع: ولو كان الرعاف في نافلة فالظاهر القطع لخروج البناء عن الاصل في الفرض فيبقى ما عداه على وفق الاصل. وقد يقال بالبناء قياسا على الرخص، وقد يفرق فيما لزم حضوره كخوف ترك مسجد يواليه في رمضان لانه ذلك يؤدي إلى ترك القيام به، وذلك لانه ارتفع عن درجة النفل بعد جوازه انتهى. قلت: الظاهر أنه إذا رعف في النافلة وخاف التمادي إلى وقته يشق عليه أن يكملها على هيئته، فلو رجا انقطاعه خرج لغسل الدم وأتمه في موضعه. الثاني: إذا بنينا على أن قول أشهب خلاف كما يفهم من كلام النوادر وابن يونس وصاحب الطراز وكلام المصنف، فانظر لم اقتصر المصنف على قول أشهب مع تصديرهم بقول ابن المواز. وقوله: إن لم يلطخ فرش مسجد، يعني أن ما ذكره من إتمام الصلاة وعدم قطعها إذا ظن دوام الرعاف لآخر الوقت محله إذا صلى في بيته أو في المسجد وكان المسجد مخصبا أو ترابا لا حصر عليه أو معه ما يفرشه على حصير المسجد بحيث لا يلطخ فرش المسجد، وأما


[ 144 ]

إذا كان المسجد مفروشا بالحصر أو بالبسط وخشي تلطخه لذلك الفرش بالدم فإنه يقطع الصلاة ويخرج من المسجد ثم يصلي كما تقدم. قال ابن غازي: وهذا الشرط لا بد منه، ولا أعرفه في هذا الفرع بعينه إلا للشار مساحي فإنه قال: فإن علم أنه لا ينقطع فلا معنى لقطع صلاته التي شرع فيها، وسواء كان في بيته أو في المسجد إذا كان محصبا أو ترابا لا حصير عليه، لان ذلك ضرورة فيغسل الدم بعد فراغه كما ترك الاعرابي يتم بوله في المسجد انتهى. أي فإن كان في مسجد محصر وخشي تلويثه قطع. انتهى كلام ابن غازي. وكلام الشارح في الوسط غير ظاهر فإنه قال: واحترز بقوله: إن لم يلطخ فرش مسجد مما إذا خشي عليها ذلك فإنه يومئ للركوع والسجود. قاله في المقدمات. والصواب ما قاله في الصغير ونصه: قوله: إن لم يلطخ فرش مسجد أي وأما إن لطخه فإنه يخرج ولا يتمها فيه، وأخرج بذلك ما لو لم يكن فرش أو كان في غير مسجد فإنه يتمادى انتهى. وكلامه في الكبير حسن. ص: (وأومأ لخوف تأذيه أو تلطخ ثوبه لا جسده) ش: يعني أنه إذا قلنا: يتم الصلاة ولا يقطع لاجل الدم إذا ظن دوامه لآخر الوقت المختار فإنه إن قدر على الركوع والسجود ركع وسجد، وإن لم يقدر على ذلك فإن كان لخوف تأذي جسده وحصول ضرر في بدنه كما لو كان رمدا أو خاف نزول الدم في عينه أو خاف أنه متى انحنى راكعا أو ساجدا انصرفت المادة إلى وجهه فيزيد رعافه، فإنه يومئ اتفاقا، وإن كان ذلك لخوف تلطخ ثوبه بالدم ففيه طريقان: الاولى: لابن رشد جواز الايماء إجماعا. الثانية: لغيره حكوا في جواز الايماء قولين: الجواز لابن حبيب، وعدمه لابن مسلمة. ولما قوي القول: بجواز الايماء لحكاية ابن رشد الاجماع عليه، اقتصر المصنف عليه وإن كان ذلك لخوف تلطخ جسده فلا يجوز له الايماء اتفاقا إذ الجسد لا يفسده الغسل. قال ابن غازي: هذا تحصيل المصنف في التوضيح. قلت: وأصله لابن هارون ونقله عنه صاحب الجمع. وقال في توجيه قول ابن حبيب: إنه يومئ لخوف تلطخ ثوبه خوفا من ساد ثيابه بالدم، وقد أباح الشرع التيمم إذا زيد عليه في ثمن الماء ما يضربه حفظا للمال فكذلك هذا، وهذا قد لا يتم لان الخصم يمنع كون الغسل فسادا في الثياب، وينبغي أن يفصل فيه بين ما يفسده الغسل وما لا يفسده فيومئ في الاول دون الثاني انتهى. ونقله ابن فرحون وقبله.


[ 145 ]

قلت: ما ذكره ابن هارون من التفصيل بين ما يفسده الغسل وما لا يفسد هو الظاهر، فينبغي أن يحمل عليه كلام ابن رشد وقول ابن حبيب وكلام المصنف. وعلل عبد الحق في التهذيب وصاحب الطراز قول ابن حبيب: بخوف التلطخ بالنجاسة واعترضوه وقالوا: قول ابن مسلمة أصح لانه لا يؤمر بترك الفرض من الركوع والسجود لاجل التلطخ بالدم، وهذا التعليل غير صحيح بدليل أنه إذا خشي تلطخ جسده لا يومئ اتفاقا، فالعلة في جواز الايماء خوف تلطخ الثوب إنما هي إفساده بالغسل، وإذا كانت العلة إنما هي إفساده بالغسل فيتعين أن يقيد ذلك بما يفسده الغسل فتأمله. تنبيهات: الاول: قال في التهذيب الطالب: مما علق عن الشيخ أبي الحسن يعني القابسي أنه إنما ومئ إذا كان إذا صلى قائما لم يقطر منه الدم ولم يسل وإذا انحط للركوع والسجود سال الدم، وأما لو كان لا ينقطع عنه الدم قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا، فليصل راكعا أو ساجدا من غير إيماء وإن سال عنه الدم انتهى بالمعنى. قلت: هذا يرجع إلى ما تقدم، وينبغي أن يفصل فيه فإنه إن كان إذا صلى قائما لا يسيل منه شئ وإذا ركع وسجد سال ولا يخاف ضررا، فإن خشي بسيلانه تلطخ ثوبه أومأ، فإن خشي تلطخ جسده لم يومئ، وأما إن كان يسيل منه في القيام والركوع أو السجود فإن كان لا يخاف ضررا بالركوع والسجود صلى راكعا وساجدا، وإن خاف الضرر أومأ، ولا ينبغي أن يحمل قوله: صلى راكعا أو ساجدا على إطلاقه ولو أدى إلى ضرورة والله أعلم. الثاني: قال في الطراز: إذا قلنا: يومئ للضرورة، فهل يومئ للسجود فقط أو للركوع والسجود ؟ اختلف فيه، قال ابن حبيب: يصلي إيماء وليس عليه أن يركع ويسجد ولكن يقوم ويقعد. وقال القاضي في معونته: يومئ للسجود ويأتي بالقيام والركوع وهو أظهر إن لم يخيف زيادة العلة لانه في ركوعه لا يلحقه من ضرورة الدم أكثر مما يلحق في إيمائه إذ يمكنه أن يركع وينصب وجهه انتهى. قلت: وهذا لا ينبغي أن يعد خلافا، وإنما ينظر إلى حصول الضرر. فإن كان لا يخاف بركوعه زيادة ضرر فيركع، ولا يخالف في ذلك ابن حبيب وإن خاف حصول ضرر بذلك جاز له الايماء، ولا يخالف في ذلك القاضي، وحكم الايماء لتلطخ الثوب عند من أجاز الايماء بسببه حكم حصول الضرر فتأمله والله أعلم. الثالث: إذا قلنا: يومئ للركوع والسجود فقال في تهذيب الطالب عن الشيخ أبي الحسن: إنه يومئ للركوع من قيام وللسجود من جلوس. ونقله المصنف في التوضيح والشيخ أبو الحسن ولم يحك فيه خلافا وهو ظاهر والله أعلم. الرابع: لو ظن الدوام وصلى آثما ثم زال قبل خروج الوقت لم يعد على ما نقله. قال ابن رشد: ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل، وتقدم في كلام صاحب الطراز ما يخالفه. ص:


[ 146 ]

(وإن لم يظن ورشح بأنامل يسراه فإن زاد عن درهم قطع كأنه لطخه أو خشي تلوث مسجد وإلا فله القطع وندب البناء) ش: هذا قسيم قوله: وظن دوامه يعني وإن حصل الرعاف في الصلاة ولم يظن دوامه لآخر الوقت فله ثلاث حالات: الاولى: أن يكون يسيرا يذهبه القتل بل يكون الدم يرشح ولا يسيل ولا يقطر، فهذا لا يجوز له قطع الصلاة ولا أن يخرج منها، فإن قطع أفسد صلاته، وإن كان إماما أفسد عليه وعلى المأمومين، بل يفتله بأصابعه. وكيفية فتله أن يجعل أنملة الاصبع في أنفه ويحركها مديرا لها. واختلف في الفتل، هل هو باليدين جميعا وهو ظاهر المدونة وصرح به أبو الحسن الصغير ووقع في بعض نسخ الشارمساحي، أو بيد واحدة وهو الذي حكاه الباجي عن مالك وابن نافع، وحكاه ابن يونس عن مالك في المجموعة وجعله ابن عبد السلام المذهب ؟ فقال: قالوا: بأنامله الاربع مع أنه كالمتبري. وعليه فهل باليد اليسرى وهو الذي حكاه الباجي وغيره، أو باليد اليمنى حكاه في التوضيح عن الشارمساحي ؟ وعليهما فالفتل بالانامل العليا الخمس. وتأول في التوضيح وقوله في المجموعة: يفتله بأنامله الاربع فقال: أي يفتله بإبهامه وأنامله الاربع، قال: والمراد بالانامل الانامل العليا فإن زاد إلى الوسطى قطع. هكذا حكى الباجي، وحكى ابن رشد أن الكثير هو الذي يزيد إلى الانامل الوسطى بقدر الدرهم في قول ابن حبيب وأكثر العليا ولهذا قال: فإن زاد عن درهم أي زاد على الانامل الوسطى وزاد عن درهم قطع، وقد علمت أنه مشى على أن الفتل بيد واحدة كما هو المذهب، وأنه باليسرى على ما حكاه الباجي وغيره عن المذهب.


[ 147 ]

تنبيهات: الاول: قوله: وإن لم يظن شامل لما إذا شك في الدوام أو رجا الانقطاع كما صرح به ابن هارون ونقله صاحب الجمع، ومن باب أخرى إذا رجا انقطاعه بالفتل والله أعلم. الثاني: ظاهر كلام المصنف أنه الفتل إنما يؤمر به فيما إذا كان يرشح فقط، أما إذا سال أو قطر فلا، ولو كان الدم الذي يسيل ثخينا يذهبه الفتل وكأنه اعتمد كلام اللخمي فإنه قال: الرعاف أربعة أقسام: يسير يذهبه الفتل، وكثير لا يذهبه الفتل ولا يرجى انقطاعه متى خرج لغسله لعادة علمها من نفسه، فهذان لا يخرجان من الصلاة، يفتل هذا ويكف الآخر ما استطاع ويمضي في صلاته. وكثير يرجو انقطاعه متى غسله فهذا يخرج لغسله ويعود، وكثير يذهبه الفتل لثخانته واختلف فيه، هل يفتله ويمضي أو يخرج بغسله ؟ فقال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون يصيبه الرعاف في الصلاة فيمسحه بأصابعه حتى تختضب فيغمس أصابعه في حصباء المسجد ويردها ثم يمضي في صلاته. وقال مالك في المبسوط: إذا خرج من أنف المصلي دم يفتله فإن كان يسيرا فلا بأس به، وإن كان كثيرا فلا أحب ذلك حتى يغسل أثر الدم انتهى. وفي المدونة: وينصرف من الرعاف في الصلاة إذا سال أو قطر، قل ذلك أو كثر، فليغسله ثم يبني على صلاته. وإن كدن غير سائل ولا قاطر فليفتله بأصابعه انتهى. وحمل صاحب الطراز كلام المدونة وكلام ابن حبيب على الوفاق، وإن معنى قوله في المدونة: ينصرف إذا سال أو قطر وإن قل أنه ليس عليه أن يستبرئ أمره هل يذهبه الفتل أم لا ؟ بل متى سال أو قطر جاز له أن ينصرف لان القدر المؤذن بذلك قد وجد وهو الدم السائل، فإن لم ينصرف وتربص وانقطع بالفتل فلا تفسد صلاته. ثم ذكر كلام ابن حبيب الذي ذكره اللخمي وهذا هو الظاهر، فكل ما يذهبه الفتل فلا يقطع لاجله الصلاة كما نقل صاحب الجمع عن ابن هارون في بيان اليسير. وقال في المقدمات: لا يخلو إما أن يكون يسيرا يذهبه الفتل أو لا، والثاني أن يكون كثيرا قاطرا أو سائلا لا يذهبه الفتل انتهى. الثالث: قال ابن غازي: جعله المصنف هنا الدرهم من حيز اليسير، وجعله في المعفوات من حيز الكثير حيث قال: ودون درهم من دم مطلقا، فجمع بين القولين، قال في التوضيح: فإن زاد إلى الوسطى قطع، هكذا حكى الباجي. وحكى ابن راشد أن الكثير هو الذي يزيد إلى الانامل الوسطى بقدر الدرهم في قول ابن حبيب، وأكثر منه في رواية ابن زياد. وفهم ابن عرفة قول ابن رشد على التفسير للمذهب فقال: وأنامل غيرها كدم غيره، ويؤيده أن ابن يونس فسر به رواية المجموعة السابقة ونحوها لعبد الحق في النكت ولغير واحد انتهى. قلت: فقول الباجي: إن زاد إلى الوسطى قطع يعني إذا بلغ الذي في الوسطى قدر الدرهم في قول ابن حبيب، أو زاد عليه في رواية ابن زياد. ويمكن أن يقال: إنما جعل المصنف هنا الدرهم من حيز اليسير، لان باب الرعاف باب ضرورة فسومح فيه والله تعالى أعلم. وقوله:


[ 148 ]

كان لطخه يتعين أن يكون هكذا بكاف التشبيه الداخلة على إن الشرطية ويكون مشيرا به إلى الحال الثانية وهي أن يسيل الدم أو يقطر ويتلطخ به في ثيابه أو بدنه بأكثر القدر المعفو عنه. قال في المقدمات: من شروط البناء أن لا يسقط على ثوبه أو بدنه من الدم ما لا يغتفر لكثرته، وقد تقدم الاختلاف في حده لانه إن سقط من الدم على ثوبه أو جسده كثير بطلت صلاته باتفاق انتهى. ونحوه لابن بشير وابن شاس وصاحب الذخيرة، ونبه على ذلك ابن هارون وابن راشد كما نقله صاحب الجمع. وعلى هذا فمعنى قول المصنف: قطع أنه بطلت صلاته فلا يجوز له التمادي فيها، ولو بنى عليها لم تصح لا أنه يحتاج إلى أن يقطعها كما في قوله: وإلا فله القطع وندب البناء كما سيأتي ولا بد من هذه الكاف لئلا يفسد الكلام فإنه لو سقطت الكاف يصير شرطا، وحينئذ إما أن يجعل شرطا لقوله: فإن زاد عن درهم قطع ولا قائل باشتراط التلطخ في ذلك، بل نفس الزيادة عن الدرهم موجبة للقطع وهي من التلطخ، وإما أن يجعل شرطا لقوله: فتله بأنامل يسراه وهو واضح الفساد، ويفسد بذلك بقية الكلام أعني قوله: وإلا فله القطع ولهذا قال البساطي لما حمله على الشرط: معناه أنه إذا أزاد الدم الذي يرشح على الدرهم قطع شرط مركب من أمرين على البدل: أحدهما إذا لطخ ثيابه، والثاني إذا خشي تلوث مسجد والله تعالى أعلم بصحة هذا الكلام على هذا المعنى. ولنذكر كلام ابن الحاجب فذكره، وذكر كلام المصنف في التوضيح عليه ثم قال: فأنت ترى القطع في الذي يرشح ويفتله إذا زاد من غير شرط والقطع في الذي يسيل بالشرط من غير تعرض لقدر ثم قال: في قوله: وإلا فله القطع وندب البناء كلام مشكل بناء على إشكال الكلام المتقدم انتهى. وأما الشارح فجعل قوله: فإن زاد على درهم الخ إشارة للحالة الثانية من غير تبيين لمراد المصنف، وكذلك الاقفهسي فيتعين إثباته الكاف ليزول بذلك الاشكال ويصير به الكلام في غاية الحسن والكمال. وأما قوله: أو خشي تلوث مسجد فهو من تمام مسألة الاولى ويشير به إلى ما قاله سند ونقله عند القرافي في ذخيرته، ونص كلام القرافي: والفتل إنما شرع في مسجد مخصب غير مفروض حتى ينزل المفتول في خلاف الحصباء، أما المفروش فيخرج من أول ما يسيل أو يقطر أحسن لانه ينجس الموضع انتهى. ونص كلام سند بعد أن تكلم على الفتل: وهذا الذي قلناه إنما يكون في غير المسجد أو في مسجد محصب غير مفروش، فيكون ما يسقط من تفتيله للدم ينزل لرقته في خلال الحصباء، أما المفروش فخروجه من أول ما يسيل أو يقطر أحسن، لانه إذا قتل ذلك سقط على الفراش فينجس الموضع، فإن فتله فذلك خفيف لان ذلك يستهلك، وقد ينزل بين السمار لانه في حكم التراب يدخل في خلال الاشياء انتهى. وكأنه يعني إذا كان الدم يسيل ويذهبه الفتل. وقوله: ينزل المفتول في خلال الحصباء كأنه والله أعلم يعني ما يحصل من حك الاصابع مما يتجسد عليها من الدم والله أعلم. وقوله: وإلا فله القطع وندب البناء يشير به إلى الحالة الثانية وهي أن يسيل الدم أو


[ 149 ]

يقطر بحيث لا يذهبه الفتل ولكنه لم يتلطخ به ثوبه أو جسده أو تلطخ به من ذلك شئ يسير لا يوجب القطع وهو الدرهم فما دونه على ما مشى عليه المصنف. فيجوز القطع وهو الذي يقتضيه القياس وتوجيه النظر، لان الشأن في الصلاة أن يتصل عملها بها ولا يتخللها شغل كثير ولا انحراف عن القبلة إلا أنه قد جاء عن جمهور والتابعين إجازة البناء في الصلاة بعد غسل الدم. واختلف في المستحب من ذلك، قال في المقدمات: فاختار ابن القاسم القطع بسلام أو كلام على القياس قال: فإن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة. واختار مالك رحمه الله البناء على اتباع السلف وإن خالف ذلك القياس، وهذا على أصله أن العمل أقوى من القياس لان عمل السلف المتصل لا يكون أصله إلا عن توقيف، وذكر ابن حبيب ما يدل على وجوب البناء وهو قوله: إن الامام إذا رعف فاستخلف بكلام جاهلا أو عامدا بطلت صلاته وصلاتهم. فجعل قطع صلاته بالكلام بعد الرعاف يبطل صلاتهم كما لو تكلم جاهلا أو متعمدا بغير رعاف. والصواب ما في المدونة أن صلاتهم لا تبطل لانه إذا رعف فالقطع له جائز في قول، أو مستحب في قول، فكيف تبطل صلاة القوم بفعله ما يجوز له أو يستحب له ؟ انتهى. فهذه ثلاثة أقوال، وحكى ابن عرفة وابن ناجي في شرح الرسالة قولا رابعا بأنهما سواء لا مزية لاحدهما على الآخرة. قالا: نقله غير واحد كصاحب التلقين. وزاد ابن عرفة خامسا بأنه يقطع، ومشى المصنف على استحباب البناء لانه قول مالك على أنه حكى الباجي عن مالك من رواية ابن نافع وعلي بن زياد ترجيح القطع وعليه اقتصر ابن بشير، وعلله الباجي بأنه يخرج من الخلاف ويؤدي الصلاة باتفاق. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وقد رجح قوم القطع وهو أولى بالعامي ومن لا يحكم التصرف في العلم بجهله انتهى. تنبيه: قال في المقدمات: ولا يخرج الراعف عن حكم الصلاة وحرمتها على مذهب من يجيز له بأن يقطع بسلام أو كلام أو فعل ما لا يصح فعله في الصلاة، وهذا وجه قول ابن حبيب: إن من رعف وهو جالس في وسط صلاته أو ساجد أو راكع أن قيامه من الجلوس أو رفعه من السجود والركوع لرعافه يعتد به من صلاته. وقال في الطراز: فإن اختار الراعف أن يبتدئ فليقطع صلاته بما ينافيها من غير فعل الراعف باتفاق، فإن لم يفعل قال ابن القاسم في المجموعة: إن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة وهذا صحيح، لانا إذا حكمنا بأن ما هو فيه من العمل لا يقطع البناء حكمنا بأنه باق على حكم إحرامه الاول، فإذا كان قد صلى ركعة ثم ابتدأ الاولى أربعا صار كمن صلى خمسا جاهلا، ويتخرج فيها قول يأتي على الخلاف في رفض النية على ما يأتي في كتاب الصلاة انتهى. قلت: والمشهور أن الرفض مبطل فيكفي في الخروج من الصلاة رفضها وإبطالها. ص:


[ 150 ]

(فيخرج ممسك أنفه ليغسل إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن قرب ويستدبر قبلة بلا عذر ويطأ نجسا ويتكلم ولو سهوا) ش: لما ذكر أن البناء مستحب بذكر كيفية ما يفعل فيه وشروطه فقال: فيخرج ممسك أنفه فالفاء للسببية يعني فإذا خرج بغسل الدم فيمسك أنفه لئلا يتطاير عليه الدم فيلطخ ثوبه أو جسده فتبطل صلاته. قال ابن عبد السلام: لما تكلم على شروط البناء ولم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب إلى ما يزيده غير واحد هنا من قولهم: يخرج ممسكا لانفه لان ذلك محض إرشاد إلى ما يعينه على تقليل النجاسة لان كثرتها تمنع من خلبناء لا أن ذلك شرط في صحة البناء حتى لو لم يفعله لبطلت صلاته انتهى. وانظر ما قاله ابن عبد السلام مع قوله في الذخيرة: وإذا خرج فله شروط ستة أن يمسك أنفه ثم ذكر بقيتها، فجعل ذلك شرطا. وأكثر أهل المذهب يذكر مسك أنفه في صفة الخروج من غير تعرض لاشتراط ذلك ولا لعدمه. والظاهر ما قاله ابن عبد السلام، ويحمل كلام الذخيرة على أن الشرط التحفظ من النجاسة، فإذا تحفظ منها ولم يمسك أنفه لم يضره ذلك فتأمله. تنبيهان: الاول: انظر قول ابن عبد السلام: لم يتعرض المصنف الخ مع أن ابن الحاجب قال: وكيفيته أن يخرج ممسكا لانفه إلا أن يريد أنه لم يتعرض لبيان أنه شرط فتأمله. الثاني: قال ابن عبد السلام: اشتراط بعض أهل العصر أن يمسك أنفه من أعلاه لان إمساكه كذلك يحتقن الدم بسببه في العروق ولا أثر له في مانعية الصلاة وإذا أمسكه من أسفله بقي الدم في داخل الانف، وحكمه حكم الظاهر على سطح الجسد فيكون فاعله حاملا للنجاسة اختيارا وفيه تكلف والموضع محل ضرورة مناسب للتخفيف انتهى، ونسب


[ 151 ]

المنصف الاشتراط لابن هارون فقال: واشترط ابن هارون أن يمسك أنفه من أعلاه لانه إذا أمسكه من أسفله بقي الدم في داخل الانف، وحكمه حكم الظاهر على سطح الجسد. قال ابن عبد السلام: فيه نظر والمحل محل ضرورة انتهى. وهكذا عزاه ابن ناجي في شرح المدونة لابن هارون فقال: وعبر عنه ابن عبد السلام ببعض المعاصرين ومرضه بقوله: وفيه تكلف. قلت: والذي ذكره ابن فرحون وصاحب الجمع عن ابن هارون أنه ذكر ذلك عن بعضهم ولم يذكرا عنه أنه قاله من عنده، ولا أنه صرح باشتراط ذلك بل قالا: قال ابن هارون عن بعضهم: إنه يمسك أعلاه. والذي قاله ابن عبد السلام من التخفيف ظاهر لا شك فيه، وقد خففوا في الحالة الاولى اختضاب الانامل العليا ومن لازم ذلك اختضاب باطن الانف وقالوا: إنه لا يجوز القطع مع ذلك فكيف باختضاب الانف الذي هو محل خروج الدم ؟ بل لا بد وأن يكون المحل كله قد تلوث بالنجاسة فتأمله، وهذا فيما يتعلق بالرعاف، وأما ما استفيد من هذا الكلام وهو كون داخل الانف، حكمه حكم ظاهر الجسد في إزالة النجاسة، فقد قبله ابن هارون وابن عبد السلام والمصنف وغيرهم وهو ظاهر والله أعلم. وقول المصنف: ليغسل بيان لما يفعله إذا خرج، قوله: إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن هو الشرط الاول من شروطه وهو أن لا يجاوز أقرب مكان يمكنه غسل الدم فيه، فإن تعدى الاقرب إلى غيره بطلت صلاته، قال في المقدمات: باتفاق وذلك لانه أتى في الصلاة بزيادة مستغنى عنها. قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: هكذا قالوا ولم يفصلوا بين الزيادة الكثيرة والقليلة انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن عبد السلام وقال بعده: وتبريه لا معنى له لان خروجه وغسل الدم وبناءه رخصة، فإذا انضاف إلى ذلك أمر مستغنى عنه كثير المنافي فتبطل بخلاف غيره انتهى. وقال ابن فرحون: قال بعض الشراح: وفي شرح الجلاب - وأظنه اللباب - أن في الزيادة اليسيرة قولين انتهى. وكأنه يشير إلى صاحب الجمع فإنه ذكر ذلك، وظاهر كلام غير واحد أنه لا فرق بين اليسيرة والكثيرة ولذلك أطلق المصنف. وقال البساطي: فإن قلت: قد يكون ذلك قريبا جدا بحيث إنه لو فعل مثله في الصلاة لم يضر كالتقدم إلى فرجة. قلت: التقدم إلى فرجة منفرد وهذا منضم إليه هذه الافعال التي الاصل أن لا تصح الصلاة معها انتهى. قلت: وهو نحو ما تقدم عن ابن ناجي وينبغي أنه لا يختلف في أن مجاوزته بنحو الخطوتين والثلاث لا تضر فتأمله. وقوله: ممكن يعني به أن مجاوزة الاقرب إنما تضر إذا كان يمكنه الغسل فيه، وأما إذا كان لم يمكنه الغسل فيه فلا تضر مجاوزته في البناء. والمراد بالممكن ما يمكنه الوصول إليه قاله ابن راشد ونقله ابن فرحون ونحوق للباجي في المنتقى. فرع: فإن وجد الماء في موضع بشراء وطلب منه الثمن المعتاد في ذلك الموضع وكان قادرا عليه وغير محتاج إليه وتجاوزه إلى غيره، فالظاهر أن ذلك يبطل صلاته، ولم أره


[ 152 ]

منصوصا. وأما لو لم يجد الثمن أو كان محتاجا إليه أو طلب منه أكثر من الثمن المعتاد فله المجاوزة إلى غيره فيما يظهر والله أعلم. فرع: ويجوز له أن يشتري الماء في الصلاة بالاشارة والمعاطاة، وقد نص ابن فرحون في الالغاز في مسائل البيوع على أنه يجوز له عقد البيع في الصلاة إذا كان بإشارة حقيقة ومعاطاة. قال: ويفهم ذلك من قول ابن الحاجب في باب السهو: والفعل القليل جدا مغتفر وإن كان بإشارة لسلام أو رده أو لحاجة على المشهور انتهى. قلت: وهذا في عقد البيع لغير ضرورة، فيكفي بهذه الضرورة المتعلقة بتصحيح الصلاة ؟ وقوله: قرب هذا هو الشرط الثاني من شروط البناء وهو أن يكون المكان الذي يغسل الدم فيه قريبا، فإن كان بعيدا بطلت الصلاة. فإن قلت: ما فائدة هذا الشرط مع قوله: إن لم يجاوز أقرب مكان ؟ قلت: لان قوله أقرب مكان يصدق مع بعد المكان إذا لم يمكنه الغسل إلا فيه فهو أقرب بالنسبة إلى غيره، وإن كان في نفسه بعيدا، وهذا ظاهر بالنسبة إلى المتعارف لان البعد والقرب من الامور النسبية، فيقال هذا المكان أقرب من هذا المكان وإن كان بعيدا في نفسه. وقال البساطي: فإن قلت: فما فائدة قوله: قرب بعد قوله: أقرب. قلت: أظن والله أعلم أن أقرب يصدق على ما إذا بعد المكان إلا أن أحدهما أقرب من الآخر. قلت: وكلامه يقتضي أن ذلك لا يصدق مع بعد المكان وهو مبني على أن أقرب صيغة تفضيل وهو مقتضى المشاركة في أصل المعنى، فلا بد أن يشترك المكانان في القرب، وما ذكرناه جار على عرف الاستعمال كما ذكرنا والله أعلم. تنبيه: شرط المصنف أن يكون المكان قريبا، والذي في كلام غيره، إلا أن يكون المكان بعيدا جدا، وبينهما فرق قال اللخمي: ويطلب الماء ما لم يبعد جدا. وقال في الطراز: قال ابن حبيب: ويطلب الماء ما لم يبعد جدا انتهى. ولم يذكر خلافه. وقال في المقدمات: لما تكلم على البناء ومعناه ما لم يتفاحش بعد الموضع الذي يغسل فيه انتهى. وقال في الذخيرة في شروط البناء: وأن لا يبعد المكان جدا. وقال في التوضيح: قوله: إلى أقرب المياه قالوا: ما لم يتفاحش بعد موضع الغسل فيجب القطع، وقد يفهم ذلك من قوله: أقرب زاد ابن فرحون لانه يدل إلى أن ثم قريبا وغيره أقرب انتهى. وكان هذا الذي حمل المصنف على قوله: أقرب والظاهر ما تقدم وأن الصلاة لا تبطل إلا إذا تفاحش بعد المكان كما تقدم النص عليه في كلام أهل المذهب، ويتعين حمل كلام المصنف على ذلك والله أعلم. وقال ابن ناجي في شرح المدونة ابن يونس عن ابن حبيب: وليطلب الراعف الماء إلى أقرب موضع يمكنه إذا لم يتفاحش البعد جدا، فإذا وجده في مكان فجازه إلى غيره فذلك قطع لصلاته. قال ابن ناجي: قلت: تبرأ ابن هارون من المسألة الاولى بقوله: قالوا إن


[ 153 ]

تفاحش وجب القطع وكأنه رأى أن البناء رخصة و ذلك يؤذن بالطلب وإن تفاحش انتهى. قلت: لا ينبغي أن يحمل كلام ابن هارون على البناء ولو تفاحش البعد فإنه مخالف لنصوص المذهب، وأيضا فوجه البطلان ظاهر وهو كثرة المنافي فتأمله والله أعلم. فرع: إذا رعف المتيمم في الصلاة ووجد ما يغسل به الدم فإنه يغسله ويبني ولا يبطل تيممه، لانه دخل في الصلاة بشروطها فلا يبطلها طرو الماء. قاله صاحب الجمع في آخر الكلام على الرعاف والله أعلم. وقال في الطراز: من افتتح الصلاة بالتيمم ثم صب المطر أو جاء الماء بعد ذلك لم يبطل تيممه، فإن رعف غسل الدم ولم تبطل صلاته، فإن كان ممن يرجح قطع الصلاة بالرعاف، فلما قطع كان ما وجده من الماء بقدر ما غسل الدم فقط، فهل يبطل تيممه أم لا وهو مذهب الشافعي وذلك لامرين: أحدهما أنه لما اشتغل بطهارة النجس قطع اتصال تيممه بالصلاة. والثاني أنه لما وجد الماء اليسير وجب عليه أن يبحث عنه وعن سببه، فلعله يقدر على زيادة، ووجوب الطلب يبطل تيممه حتى يتحقق عدم الماء. وقوله: ويستدبر قبلة بلا عذر وهذا هو الشرط الثالث وهو أن لا يستدبر القبلة من غير عذر، فإن استدبرها من غير عذر بطلت صلاته. قال اللخمي: وإذا استدبر الراعف القبلة لطلبه الماء لم تبطل صلاته. وقال في الطرجز: إن أمكنه طلب الماء وهو مستقبل القبلة فلا يستدبرها للضرورة فلا شئ عليه انتهى. وقال في الذخيرة: ولا يشترط استقبال القبلة. قاله اللخمي وصاحب الطراز انتهى. ويريد إذا كان ذلك لضرورة كما قالوا ونحوه قول ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر كلامه المدونة أنه لا يشترط في غسل الدم للبناء أن يكون مسيره لجهة القبلة وهو كذلك انتهى. وقد علم من كلامهم أن الضرورة هو كون الماء في غير جهة القبلة وهو القدر الذي أراده المصنف بقوله: بلا عذر. وقال ابن غازي: قوله: ويستدبر قبلة بلا عذر كذا صرح به ابن العربي وهو المفهوم من كلام اللخمي وسند. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام ابن غازي أن ما قاله ابن العربي موافق لكلام المصنف، والذي نقله ابن فرحون وصاحب الجمع عنه خلاف ذلك. قال ابن فرحون: المعروف من المذهب أنه يخرج كيفما أمكنه سواء استدبر القبلة في خروجه أو لا، إلا أنه يستحب له المحافظة على استقبال القبلة ما أمكنه. قاله القاضي عبد الوهاب. وقال القاضي أبو بكر: لا يخرج إلا بشرط أن لا يستدبر القبلة. وهو قول بعيد لم يعول عليه أحد من الشيوخ لعدم تمكنه من ذلك غالبا، ونحوه لصاحب الجمع وزاد في آخره فلا يلتفت إليه. الثاني: ما ذكره ابن فرحون وصاحب الجمع أوله موافق لكلام المصنف وما تقدم، وقوله: إلا أنه يستحب له مخالف فتأمله. وقال الشبيبي في شرح الرسالة بعد أن ذكر كلام اللخمي وخالفه غيره في ذلك وقال بالبطلان. الثالث: إذا وجد ماء قريبا لكنه يستدبر القبلة إذا خرج إليه وفي جهة القبلة ماء أبعد


[ 154 ]

منه، فهل يذهب إلى الماء القريب وإن استدبر القبلة، أو يذهب إلى الابعد ولا يستدبر القبلة ؟ لم أر فيه نصا، والذي أراه أن يذهب إلى المكان القريب وإن استدبر القبلة، لان ترك الاستقبال أخف من كثرة الافعال المنافية للصلاة فتأمله. وقوله: ويطأ نجاسة هذا هو الشرط الرابع وهو أن لا يطأ في مشيه على نجاسة. وظاهر مطلقا سواء كانت رطبة أو يابسة، وسواء كانت من أرواث الدواب وأبوالها أو من غير ذلك، وسواء وطئها عمدا أو سهوا، وقريب منه قول ابن الحاجب: غير متكلم ولا ماش على نجاسة فإن تكلم أو مشى على نجاسة فثالثها يبطل في المضي لا في العود إليها ورابعها عكسه. ولنذكر نصوص المذهب: قال في المقدمات: إن وطئ على نجاسة رطبة انتقضت صلاته باتفاق. ثم قال: واختلف إن مشى على قشب يابس، فقال ابن سحنون: تنتقض صلاته. وقال ابن عبدوس: لا تنتقض وأما مشيه في الطريق لغسل الدم وفيها أرواث الدواب وأبوالها فلا تنتقض بذلك صلاته لانه مضطر إلى المشي في الطريق لغسل الدم كما يضطر للصلاة فيها، وليس بمضطر إلى المشي على القشب. قاله ابن حارث انتهى. قال وصاحب الجمع. قالوا: إن مشى على نجاسة وكانت رطبة بطلت باتفاق أي عذرة وما في معناها. ثم ذكر الخلاف في القشب اليابس، ثم قال: وهو عندي إذا مشى عليها غير عالم بها، وأما إذا تعمد المشي عليها بطلت صلاته بخلاف انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ان الحاجب: إن كانت العذرة رطبة فظاهر المذهب الاتفاق على البطلان، ولذلك قال ابن غلاب: النجاسة الرطبة متفق على إبطالها. والظاهر أن مراده العذرة الرطبة لانه قال: وأرواث الدواب وأبوالها لا تبطل، وقد علم أن البول رطب قال: وأما عدم البطلان في زبل الدواب وأبوالها فمعلل بضرورة المشي عليها لكثرتها في الطرقات، وللاختلاف أيضا في نجاستها. وأما الدم الزائد على القدر المعفو عنه وزبل الكلاب وما في معنى ذلك من النجاسات فغير مغتفر. ثم قال: تنبيهات: الاول: أطلق المؤلف القول في النجاسة من غير تفصيل ولا بد من رد ذلك الاطلاق على ما ذكرناه. الثاني: كلام المصنف يقتضي أن الخلاف الذي في الكلام يجري في المشي على النجاسة. قال في التوضيح: ولم أر في مسألة النجاسة إلا القولين، يريد في القشب اليابس وكلام المصنف موافق لابن شاس وابن عطاء الله فانظر نصوص المتقدمين انتهى. وقال صاحب الجمع: قال ابن راشد: وأما مشيه على أرواث الدواب وأبوالها في الطريق ومباشرته لغسل الدم فمغتفر. قاله ابن حارث انتهى. تنبيهات: الاول: تحصل من هذا أن مشيه على أرواث الدواب وأبوالها غير مبطل كما تقدم التصريح به في كلام أهل المذهب. وظاهر كلامهم أن ذلك لا يبطل ولو كانت رطبة


[ 155 ]

كما يفهم ذلك من كلام ابن رشد. ومن كلام صاحب الجمع وهو صريح كلام ابن فرحون وقاله الجزولي في شرح الرسالة فإنه قال: لا خلاف فيما إذا مشى على نجاسة رطبة أنه لا يبني. واختلف فيما إذا مشى على نجاسة يابسة وذكر الخلاف ثم قال: والنجاسة المرادة هي العذرة، وأما أرواث الدواب وأبوالها فيبني إذا مشى عليها مطلقا للضرورة، لان الطريق لا تخلوا منها وللخلاف فيها ولذلك راعاه مالك وقال: من وطئ بخفيه أو نعليه على أرواث الدواب الرطبة وأبوالها وصلى بها المسألة، يشير إلى مسألة الخف المتقدمة في باب المعفوات. قلت: وينبغي أن يقيد بما إذا وطئها ناسيا أو مضطرا لذلك لعمومها وانتشارها في الطريق، وأما إن وطئها عامدا من غير عذر لسعة الطريق وعدم عمومها وإمكان عدوله عنها فينبغي أن تبطل صلاته لانتفاء العلة التي هي الضرورة. الثاني: مباشرت لغسل الدم من أنفه مغتفر أيضا كما تقدم في كلام صاحب الجمع، وأما غيرها من النجاسات كالعذرة والبول والدم وزبل الكلاب والدجاج التي تأكل النجاسات وغير ذلك، فإن كانت رطبة بطلت صلاته باتفاق. وكذا إن كانت يابسة ووطئها عامدا كما ذكره صاحب الجمع، وإن كانت يابسة ووطئها سهوا ففيها الخلاف. حكى المتقدمون فيها قولين: بالبطلان وعدمه. فظاهر كلام المصنف أنه مشي على البطلان وهو القياس لان مباشرة النجاسة في الصلاة مبطل، سواء كان عمدا أو سهوا، إذا علم بذلك المصلي في صلاته. وحكى ابن الحاجب في ذلك أربعة أقوال كما تقدم. وقال في التوضيح: ولم أر منصوصا في مسألة النجاسة إلا هذين القولين، وكلام المصنف - يعني ابن الحاجب - يدل على أن الكلام والمشي على النجاسة مستويان وهو مقتضى كلام ابن شاس وابن عطاء الله انتهى. وذكر ابن عرفة القولين ثم قال: قال ابن بشير: مشيه على نجاسة مثل كلامه في أقواله ولم يعترض عليه ولا على ابن الحاجب والله أعلم. الثالث: ينبغي أن يقيد هذا بما إذا علم قبل كمال الصلاة أنه وطئ نجاسة سهوا، وأما إن لم يعلم بذلك إلا بعد الصلاة فإنه يعيد في الوقت وهذا ظاهر. الرابع: القشب بفتح القاف وسكون الشين المعجمة العذرة اليابسة. هكذا قال في التنبيهات. وفسره بعض بأرواث الدواب وأبوالها وليس بصحيح والله أعلم. الخامس: إذا علم هذا فيحمل كلام المصنف على عمومه لكن يستثنى منه أرواث الدواب وأبوالها، وقد استثناها في الشامل. وقوله: ويتكلم ولو سهوا وهذا هو الشرط الخامس وهو أن لا يتكلم، فإن تكلم عامدا أو جاهلا بطلت صلاته باتفاق. قاله في المقدمات. فإن تكلم ساهيا حكى في المقدمات فيه قولين. قال ابن حبيب: لا يبني لان السنة إنما جاءت في بناء الراعف من لم يتكلم ولم يخص ناسيا من متعمد. وحكى ابن سحنون عن أبيه أنه يبني


[ 156 ]

ويسجد لسهوه، إلا أن يكون كلامه والامام لم يفرغ من صلاته فإنه يحمله عنه. قلت: وهذا الحكم جار على حكم الكلام في الصلاة في غير الراعف، والاول قصر الرخصة على محل ورودها. وأيضا إذا حصل الكلام كثرت الافعال المنافية للصلاة. ووجه صاحب الطراز هذا القول بأن حاله لما كانت منافية لحال المصلين ولم يبق معه من صفات المصلين إلا ترك الكلام فقط، فإذا انخرم هذا الوصف انسلبت عنه سائر صفات المصلين وخرج من حكم الصلاة انتهى. وحكى ابن يونس ثالثا عن ابن الماجشون أنه إن تكلم في ذهابه أبطل، وإن تكلم في رجوعه للصلاة لم تبطل. قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: لانه إذا تكلم راجعا فهو في عمل الصلاة فأشبه كلامه سهوا في أضعاف الصلاة، وإذا تكلم في انصرافه فإنما هو مشتغل بغسل الدم وهذا ليس بقوي، لان حكم الصلاة عليه قائم، سواء تكلم في سيره أو في رجوعه انتهى. قال في التوضيح: وحكى ابن بشير وابن شاس رابعا عكس الثالث أنه إن تكلم في مسيره لم تبطل، وإن تكلم في عودته بطلت ولم يعزواه انتهى. قلت: عزوه لابن بشير سهو وإنما ذكره ابن شاس وله عزاه ابن عرفة واعترضه فقال: ونقل ابن شاس الثالث معكوسا خلاف ما تقدم، وقال ابن ناجي في شرح المدونة: قول خليل: حكاه ابن بشير وهم لا شك فيه ولم يذكره ابن شاس على أنه رابع قال: فإن تكلم ساهيا ففي البطلان ثلاثة أقوال، ولذلك قوي الظن بأنه وهم في النقل، وكذلك جزم صاحب الجمع بأنه وهم في ذلك وأنه أراد نقل الاقوال الثلاثة التي حكاها ابن بشير فوهم. تنبيهات: الاول: نسب صاحب الطراز القول: بالبطلان بالكلام سهوا مطلقا لابن الماجشون، ونسب القول: بالتفصيل بين أن يون في الذهاب أو في الرجوع لابن حبيب عكس ما تقدم، فلعل لكل واحد قولين أو وقع ذلك منه سهوا. واقتصر المصنف على القول: بالبطلان ولو كان الكلام سهوا، لانه موافق لظاهر المدونة. قال في كتاب الصلاة الثاني من المدونة في كتاب الاستخلاف: وإن قال: يا فلان تقدم فإن كان راعفا فقد أفسد على نفسه ولا يبني انتهى. فظاهره، سواء قال ذلك عمدا أو سهوا، لكن قوة الكلام تدل على أن المراد أنه قال ذلك عمدا. وقال ابن يونس في باب الرعاف: قال في كتاب الصلاة: وإن رعف الامام فلما خرج تكلم بطلت صلاته، قال ابن الماجشون: تكلم سهوا أو عمدا. ابن يونس: يريد للحديث أنه يبني ما لم يتكلم فهو على عمومه. وقال البساطي: لا يظهر لقوله: ولو سهوا معنى لان هذه شروط عدمية مجموعها ملزوم الصحة وضد أحدها ملزوم لضد الصحة، والمبالغة إنما تكون في هذا فتأمله. قلت: بل الذي يظهر أن لذلك فائدة وهي أنه لما شرط في البناء عدم الكلام بالغ في ذلك فقال: ولو كان الكلام سهوا فإنه يشترط عدمه فتأمله. الثاني: لو تكلم عمدا لاصلاح الصلاة فهل تبطل ذلك صلاته ويمنع البناء أم لا ؟ لم أر فيه نصا، والظاهر أنه لا تبطل الصلاة فتأمله.


[ 157 ]

الثالث: اختلف في المأموم إذا انصرف لغسل الدم، هل يخرج من حكم الامام أم لا ؟ على أربعة أقوال حكاها صاحب المقدمات وغيره. أحدها: أنه يخرج من حكمه حتى يرجع إليه جملة من غير تفصيل. الثاني: أنه لا يخرج من حكمه جملة من غير تفصيل. الثالث: إن رعف قبل أن يعقد معه ركعة خرج من حكمه حتى يرجع إليه، وإن لم يعقد معه ركعة لم يخرج من حكمه. الرابع: النظر إلى ما آل إليه أمره فإن أدرك ركعة من صلاة الامام بعد رجوعه كان في حكمه حال خروجه عنه، وإن لم يدرك معه ركعة حين خروجه لم يكن في حكمه في حال خروجه. قال في المقدمات: فمن رأى أنه يخرج من حكمه حتى يرجع يقول: إن أفسد الامام صلاته متعمدا قبل أن يرجع لم تفسد عليه، وإن تكلم سهوا سجد بعد السلام ولم يحمل عنه ذلك الامام، خلاف أصل ابن حبيب الذي يرى أن ذلك يبطل عليه البناء. وإن ظن الامام قد أتم صلاته فأتم صلاته في موضعه ثم تبين له أنه لو مضى لادرك الامام في الصلاة أجزأته صلاته، وإن سها الامام لم يلزمه سهوه. ومن رأى أنه لا يخرج من حكمه يقول: إن أفسد الامام صلاته متعمدا فسدت عليه هو صلاته، وإن أتم صلاته في موضعه ثم تبين أنه لو مضى لادرك الامام في الصلاة لم تجزه صلاته، وإن سها الامام لزمه سهوه، وإن تكلم ساهيا حمله عنه الامام خلاف أصل ابن حبيب المذكور. وإن قرأ الامام بسجدة فسجدها فرجع هو بعد سلام الامام كان عليه أن يقرأها ويسجدها. قاله ابن المواز على قياس هذا القول انتهى. والثلاثة الاقوال: الاول تؤخذ من كلام ابن يونس كما حصلها ابن ناجي من كلامه في شرح المدونة. قلت: والجاري على المشهور هو القول الاول لانه سيأتي أنه إذا فرغ الامام أتم مكانه وصحت صلاته وإن تبين خطأه، وصوب ابن يونس بطلان صلاته إذا بطلت صلاة الامام فتأمله. ص: (إن كان بجماعة واستخلف الامام وفي بناء الفذ خلاف) ش: هذا هو الشرط السادس من


[ 158 ]

شروط البناء، ولما كان مخالفا لما قبله لانه وجودي وما قبله عدمي، فصله عما قبله، وكرر أداة الشرط للتفصيل الذي فيه. والمعنى أن الراعف يبني إذا كان في جماعة، سواء كان إماما أو مأموما، غير أنه إن كان إماما فإنه يؤمر بالاستخلاف استحبابا كما سيصرح به المصنف في فصل الاستخلاف، فإن لم يستخلف استخلفوا لانفهسم وصلوا وحدانا. وأما إن كان فذا ففي بنائه خلاف أي قولان مشهوران: أحدهما يبني كما يبني الذي في جماعة والآخر أنه لا يبني. قال صاحب الطراز: اتفق أصحابنا على أن المأموم يبني في الرعاف وكذلك الامام، لانه واحد من الجماعة كالمأموم فالذي صح له من صلاة الجماعة به حاجة إلى حفظه بإكمال الصلاة كالمأموم. واختلفوا في الفذ، فأجاز مالك في العتبية أن يبني وقاله محمد بن محمد، ومنعه ابن حبيب، والاول أبين لان ما يمنع البناء وما لا يمنعه لا يختلف فيه الفذ وغيره كالسلام من اثنتين فيما طال وفيما قصر، ولانه قد عمل شيئا من الصلاة فلا يبطله بغير تفريط منه، ولانه قد حاز فضيلة أول الوقت بذلك القدر فلا يفوت ذلك عليه كفضيلة الجماعة انتهى. وقال في المقدمات: قال بالبناء مالك وجميع أصحابه في الامام والمأموم، واختلفوا في الفد فذهب ابن حبيب إلى أنه لا يبني لان البناء إنما هو ليجوز فضل الجماعة. وقال ابن مسلمة: يبني، ومثله لمالك في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ. وظاهر المدونة أن الفذ يبني على ما قاله ابن لبابة انتهى. وكذلك قال ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب: إن ظاهر المدونة أن الفذ يبني. قال في التوضيح: ولذلك قال ابن بزيزة: إن مذهب المدونة بناء الفذ. قال المصنف: ولا شك في أخذ بناء المأموم من المدونة وفي أخذ بناء الفذ والامام منه نظر وفي كل منهما قولان منصوصان. وحكى الباجي أن المشهور في الفذ عدم البناء انتهى. وإلى تشهير الباجي وما قاله الجماعة المتقدمون أنه مذهب المدونة أشار بالخلاف. تنبيه: ما ذكره المصنف في التوضيح أن في بناء الامام قولين ذكرهما ابن فرحون وصاحب الجمع وغيرهما. هو خلاف ما ذكره صاحب المقدمات وصاحب الطراز من اتفاق مالك وجميع أصحابه على بناء الامام، ونحوه للخمي فإنه لم يحك في بناء الامام والمأموم خلاف. ثم قال: واختلف في الفذ وذكر الخلاف ثم قال: والاول أرجح يعني القول بجواز بنائه. قال: وليس البناء لفضل الجماعة فتحصل في بناء الامام طريقان: أحدهما له البناء باتفاق. والاخرى فيه قولان أرجحهما جواز الاستخلاف. ص: (وإذا بنى لم يعتد إلا بركعة كملت)


[ 159 ]

ش: يعني أن الراعف إذا بنى ولم يقطع صلاته وخرج لغسل الدم وغسله كما تقدم، ثم رجع ليكمل صلاته فإنه لا يعتد بما مضى من صلاته إلا بالركعة الكاملة بسجدتيها، فلو رعف بعد القراءة وقبل الركوع أو بعد القراءة والركوع أو بعد أن ركع وسجد سجدة واحدة، فإنه لا يعتد بذلك كله إذا رجع ويبتدئ الركعة التي لم تتم من أولها بقراءة الفاتحة ثم السورة، ولا يبني على شئ مما مضى، سواء كان ذلك في الركعة الاولى أو الثانية. قال في المقدمات: وهو ظاهر المدونة عندي، وقد روى ذلك عن ابن القاسم. وقال في التوضيح: إنه المشهور. وقيل: يبني على ما عمل من صلاته سواء رعف في الركعة الاولى أو غيرها، فإن كان رعف بعد القراءة في الاولى أو غيرها، فإذا رجع ركع ولم يعد القراءة، وإن رعف في أثناء القراءة قرأ من الموضع الذي انتهى إليه، وإن رعف وهو راكع ثم رفع رأسه للرعاف فذلك رفع من الركعة، فإذا رجع للقيام وخر منه للسجود، وإن رعف وهو ساجد فرفع للرعاف فذلك رفع للسجدة، فإذا رجع سجد السجدة الثانية، وإن رعف وهو جالس للتشهد فقيامه للرعاف قيام من الجلسة، فإذا رجع ابتدأ بقراءة الركعة الثالثة إلا أن يكون ذلك في مبتدأ الجلوس قبل تمام التشهد الاول فليرجع إلى الجلوس حتى يتم التشهد. قال في المقدمات: وهذا قول ابن حبيب، وحكاه عن ابن الماجشون، وعزاه المصنف في التوضيح وغيره لابن مسلمة، واستظهره هو وابن عبد السلام وغيرهما، وحكى في المقدمات ثالثا وهو أنه إن كان في الركعة الاولى استأنف الاحرام، وإن كان في الثانية ألغى ما مضى منها واستأنف الركعة من أولها بالقراءة. ورابعا وهو أنه إن كان في الاولى استأنف الاحرام، وإن كان في الثانية بنى على ما مضى منها. روى هذا عن ابن الماجشون، وعزا الثالث لابن القاسم، وروايته عن مالك في رسم سلعة سماها وتؤولت المدونة عليه، وذكر ابن عرفة أن الثالث يفصل بين الاولى فلا يبني على جزئها، وغير الاولى يبني على ما مضى منها، ولم يقل: إنه يستأنف الاول بإحرام. وعزاه لابن حارث عن أشهب وابن الماجشون فيكون في المسألة خمسة أقوال. تنبيهات: الاول: وجه قول ابن القاسم: إن الفصل بين أجزاء الركعة ممنوع منه ولذلك حكموا بفوات الركعة إذا فصل بين ركوعها وسجودها بركوع ركعة أخرى سهوا، ووجه القول الثاني: إن الخروج لغسل الدم لما لم يكن مانعا من إتمام الصلاة ولا فاصلا بين ركعاتها لم يكن فاصلا بين أجزاء الركعة. وأيضا فإنه فصل مباح بين أجزاء الركعة فلا يكون مانعا كالكذب في الصلاة، ولان في عدم البناء زيادة في أفعال الصلاة. وقال في الذخيرة. الموالاة شرط في الصلاة بالاجماع، فلا يجوز التفريق بين ركعاتها ولا بين أجزاء ركعاتها. فمن لاحظ أن الرعاف مخل بها سوى بين الركعات وأجزائها، ومن لاحظ أن الركوع الواحد كالعبادة المستقلة والصلاة المنفردة لان الشارع قد خصها بأحكام إدراك الاوقات وفضيلة الجماعة والجمعات وتحصيل الاداء فصارت أولى بالموالاة في نفسها، فلا يلزم من إهمال الموالاة في جملة الصلاة إهمالها في الركعة وهو المشهور انتهى. وأما الاقوال الآخر فوجهها: إن البناء إنما


[ 160 ]

يكون على أساس، فإذا لم يعقد الركعة الاولى لم يكن أساس يبنى عليه إلا تكبيرة الاحرام. وقد قال بعض العلماء: إنها ليست بركن وإنها خارجة عن الصلاة. الثاني: قال المازري في شرح التقلين: لو فعل الراعف بعد رعافه فعلا من أفعال الصلاة، هل يعتد به ويبنى عليه أم لا ؟ فذهب ابن حبيب إلى أنه لا يعتد بثلاثة أشياء: رفع رأسه من الركوع وهو راعف، ومن السجود أو قيامه إلى الثالثة بعد فراغ تشهد، وكأنه رأى إذا حصل له الركوع والسجود ولا رعاف به ثم عرض له الرعاف فرفع منهما، فإن الرفع منهما يجزئه ولا يعيده إذا أعاد البناء. قال: وقد قدمنا اضطراب القول في الرفع من الركوع، هل هو فرض في نفسه ؟ وذكرنا ما قاله الناس في الرفع من السجود انتهى. وهذا لا يتصور على المشهور أعني أنه لا يعتد إلا بركعة كملت قبل الرعاف. وقال اللخمي في تبصرته: ولا يحتسب الراعف بما فعله بعد رعافه وقبل خروجه لغسل الدم، وأجاز ذلك ابن حبيب في ثلاث وذكرها. الثالث: هذا حكم الفذ إذا قلنا: بجواز بنائه وحكم الامام والمأموم إذا وجد الامام قد فرغ، وأما إذا وجده في الصلاة فيتبعه على أي حال كان ولا يأتي بما فاته حتى يفرغ الامام من صلاته. الرابع: هذا على المشهور، وأما على القول بأنه يبني على ما فعله من أجزاء الركعة فقال المازري في شرح التلقين: إذا عاد فعل الاجزاء الباقية من الركعة ما لم يكن تشاغله بفعلها يفيته مع الامام عقد الركعة التي صادفه فيها، ولا يمنعه من البناء وإكمال ما بقي عليه من الركعة صلاة الامام ركعة في غيبته بخلاف الناعس انتهى. وقاله اللخمي فانظره أيضا. الخامس: فهم من كلام المصنف حكم مسألة أخرى لم يتعرض لها المصنف ولكن يؤخذ حكمها من كلامه، وهو من رعف بعد أن أحرم وقبل أن يركع هل يصح له البناء على إحرامه ؟ حكي في المقدمات في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنه يبني على إحرامه مطلقا، جمعة كانت أو غيرها، إماما أو مأموما أو فذا، وهو قول سحنون. الثاني: لا يبني ويستأنف الاقامة والاحرام جملة أيضا من غير تفصيل، وهو قول ابن عبد الحكم ومثله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. الثالث: أنها إن كانت جمعة ابتدأ الاحرام وإن كانت غير جمعة بنى على إحرامه، وهو قول مالك في رواية ابن وهب وظاهر ما في المدونة عندي. الرابع: أنه إن كان وحده أو إماما ابتدأ أو إن كان مأموما بنى على إحرامه انتهى. ففهم من كلام المصنف هنا أنه يبني ولو لم يعقد ركعة لكن هذا في غير الجمعة فإنه سيقول بعد هذا: وإن لم يتم ركعة في الجمعة ابتدأ ظهر بإحرام. وهذا هو القول الثالث في كلام ابن رشد الذي عزاه لمالك. وقال: إنه ظاهر المدونة عنده. وصرح في التوضيح بأنه المشهور، ذكر ذلك لما تكلم على مسألة الجمعة، وذكر قبل ذلك الاربعة الاقوال كما ذكرها ابن رشد. إلا أنه عزا الثالث لابن وهب ونصه. وقد حكى ابن رشد


[ 161 ]

في البناء قبل عقد ركعة أربعة أقوال: عن سحنون يبني، وعن ابن عبد الحكم لا يبني، وعن ابن وهب يبني إلا في الجمعة. قال: وهو ظاهر المدونة. وقيل: يبني المأموم دون الامام والفذ. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر كلامه في المدونة أنه يبني وإن لم يعقد ركعة وهو كذلك عند سحنون، ثم ذكر بقية كلام ابن رشد، وكذلك قال الشيخ أبو الحسن الصغير: ظاهره رعف قبل أن يركع أو بعدما ركع. ابن رشد: اختلف فيه انظر المقدمات. وقال في التنبيهات: اختلف في تأويل مذهبه في الكتاب، فقيل: مذهبه أنه لا يصح البناء إلا لمن صلى ركعة بسجدتيها ورعف في الاخرى كما في العتبية وإلا ابتدأ الصلاة بإقامة وإحرام. وقيل: مذهبه بناؤه على الاحرام. وإن لم يتم ركعة. وقيل: بل ظاهر قوله لا يبني على إحرام ولا غيره إلا في الجمعة. قال شيخنا أبو الوليد: وهو ظاهر المدونة عندي كما في رواية ابن وهب انتهى. قلت: انظر هذا الذي ذكره فإنه عكس ما ذكره في المقدمات وكأنه سهو منه رحمه الله، وقد نبه على ذلك ابن عفة وقال: إنه وهم. ونبه عليه الشيخ أجو الحسن الصغير وقال: لا شك أن ما ذكره في المقدمات هو ظاهر المدونة لانه قال: وإذا عقد ركعة وسجد ثم رعف ألغاها إذا بنى وإن عقدها بسجدتيها بنى عليها. قال الشيخ أبو الحسن: فقوله: ألغاها إذا بنى أنه يبني على الاحرام. وقال في الجمعة: فإن رعف في الاولى من الجمعة قبل أن يعقدها بسجدتيها فوجد الامام حين رجع قد سلم من الصلاة فليبتدئ ظهرا أربعا. وقال الشيخ أبو الحسن: فظاهره أنه لا يبني على الاحرام انتهى. السادس: قال في التوضيح: يطلق البناء في باب الرعاف على معنيين: بناء في مقابلة قطع كما تقدم يعني في قولهم في حالة الرعاف يجب البناء في حالة الاولى، ويجب القطع في الثانية، ويجوز الامران في الثالثة. وبناء في مقابلة عدم اعتداد، وهذا الثاني إنما يتأتى بعد حصول البناء الاول أي إذا حكمنا بأنه لا يقطع، فهل يعتد بكل ما فعله ويبنى عليه أو لا يعتد. انتهى أكثره باللفظ. قلت: ويطلق البناء في هذا الباب على معنى ثالث في مقابلة القضاء، وهو ما فات المأموم بعد دخوله مع الامام إذا خرج لغسل الدم كما سيأتي في قوله: وإذا اجتمع بناء وقضاء.


[ 162 ]

السابع: قال في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة إذا فرغ من غسل الدم ورجع لصلاته يرجع بغير تكبير. قال ابن رشد: لانه لم يخرج من صلاته وإنما يرجع لصلاته بتكبير من خرج منها بسلام انتهى والله أعلم. ص: (وأتم مكانه إن ظن فراغ إمامه وأمكن وإلا فالاقرب إليه وإلا بطلت ورجع إن ظن بقاءه أو شك ولو بتشهد وفي الجمعة مطلقا الاول الجامع وإلا بطلتا) ش: يعني أن الراعف إذا غسل الدم وأراد إتمام الصلاة، فلا يخلو إما أن يكون جمعة أو غيرها. فإن كانت جمعة فسيأتي حكمها، وإن كانت غير جمعة فلا يخلو، إما أن يغلب على ظنه أن الامام قد فرغ من صلاته، أو يغلب على ظنه أنه يدرك منه شيئا من الصلاة، أو يشك في ذلك. فإن ظن فراغ الامام وأحرى إن علم ذلك فإنه يتم مكانه إن أمكنه إتمام الصلاة فيه بأن يكون موضعه طاهرا تتهيأ فيه الصلاة. وقوله: وإلا فالاقرب أي وإن لم يمكنه إتمام الصلاة في الموضع الذي يغسل فيه الدم لنجاسته أو لضيقه أو لغير ذلك، فإنه يذهب إلى أقرب المواضع إليه مما يصلح للصلاة فيتم فيه صلاته. وقوله: وإلا بطلت راجع إلى قوله أتم مكانه وإلى قوله: وإلا فالاقرب أي فإن لم يتم مكانه مع ظنه مع فراغ الامام بل رجع إلى موضع الذي كان فيه الامام فإن صلاته تبطل برجوعه لمخالفته لما أمر به، وكذا إذا لم يمكنه الاتمام بموضعه وقلنا: يتجاوزه إلى الاقرب فتجاوزه إلى الابعد، فتبطل صلاته كما صرح به صاحب الجمع ونقله عن ابن حبيب. وأما إن ظن بقاء الامام حتى يدرك شيئا من صلاته ولو التشهد أو شك في ذلك، فإن لم يرجع بطلت صلاته. هذا حكم غير الجمعة، وأما إن أصابه الرعاف في الجمعة وخرج لغسله فإنه يرجع مطلقا إلى أول مكان من الجامع أي سواء ظن


[ 163 ]

بقاء الامام وأنه يدرك شيئا من صلاته، أو ظن فراغه وعلم ذلك، فإن لم يرجع إلى الجامع بطلت صلاته، وإلى البطلان في هذه المسألة والمسألة التي قبلها أشار بقوله: بطلتا. تنبيهات: الاول: مستند الظن في فراغ الامام وبقائه يرجع إلى تقديره واجتهاده أو إلى خبر عدل. قاله صاحب الجمع ويفهم ذلك من كلام ابن بشير. الثاني: قوله: إذا ظن فراغ إمامه أتم مكانه يريد سواء ظن فراغه عند إتمام غسله وظن أنه الآن باق ولكنه يفرغ وهو في الطريق قبل أن يصل إليه، ففي الصورتين يتم مكانه. هذا هو الظاهر من كلامهم. قال اللخمي: إذا غسل الراعف الدم أتم في موضعه، إذا كان فذا أو مأموما، وكان إذا رجع لم يدرك شيئا من صلاة إمامه انتهى. الثالث: إذا ظن بقاء الامام فرجع ثم ظن في بعض الطريق فراغ الامام فإنه يتم مكانه إن أمكن وإلا ففي أقرب موضع يمكنه الاتمام فيه، فإن جاوز ذلك بطلت صلاته، وهذا ظاهر، وقد صرح به شراح ابن الحاجب. الرابع: ظاهر كلام المصنف أنه إذا ظن فراغ الامام أتم مكانه ولو كانت الصلاة في مسجد مكة أو المدينة. وهذا هو المشهور. وروي عن مالك أنه يرجع في مسجد مكة ومسجد الرسول (ص) إلى المسجد ولو سلم الامام. قاله في التوضيح. قال الباجي: فجعل الرجوع لفضيلة المكان انتهى. وعزا ابن عرفة هذه الرواية لرواية النسائي. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر الكتاب أن مسجد مكة والمدينة كغيرهما وهو كذلك على المشهور. وروى النسائي أنه يرجع إليهما مطلقا. قال الباجي: فجعل الرجوع لفضيلة المكان، وإن لم يكن من شرط صحة الصلاة انتهى. ونحوه لابن فرحون وغيره من شراح ابن الحاجب فجعلوا هذه الرواية خلاف المشهور. وظاهر كلام صاحب الطراز أنها المذهب فإنه قال: فرع: ولو كانت صلاته في المسجد الحرام ومسجد الرسول قال مالك في المدونة: إنه يرجع إلى إتمام الصلاة، فراعى فضل البقعة، وعلى قول ابن شعبان: لا يرجع لذلك انتهى. وتبعه على ذلك القرافي وصدر بالرجوع ثم قال: وعلى قول ابن شعبان: لا يرجع. ويعني بقول ابن شعبان ما سيأتي له: إن الراعف لا يرجع إلا إذا ظن أنه يدرك مع الامام ركعة، وأما إن ظن أنه لا يدرك معه ركعة فلا يرجع لان ما يدركه في حكم النافلة لانه زائد على الصلاة ولا ضرورة له في ذلك. وجزم البساطي في المغني بهذه الرواية ولم يذكر غيرها وقال في شرحه: في المذهب رواية أنه يرجع ولو ظن فراغ الامام في المسجدين المعظمين. فاختلف هل هي تقييد فيكون المذهب أنه لا يرجع في غيرها ويرجع فيهما، أو هي خلاف فيكون المشهور أنه يرجع مطلقا وتبطل صلاته ومقابله تبطل في غيرهما ؟ انتهى. قلت: والاكثر على الطريقة الاولى ومنهم الباجي في المنتقى والله أعلم. الخامس: إذا ظن فراغ الامام وأتم مكانه صحت صلاته، سواء أصاب ظنه أو أخطأ، هذا هو المشهور. قال اللخمي: فإن تبين أنه أخطأ في التدبر وأنه كان يدركه لو رجع أجزأته


[ 164 ]

صلاته، وهو قول ابن القاسم في المبسوط انتهى. وقاله غير اللخمي: وقال البرزلي: إذا ظن الراعف فراغ الامام وكمل في موضعه فتبين عدم تكميله، فعن ابن القاسم عدم الاعادة وفيه اعتراض، لان المأموم سلم قبل إمامه انتهى. قال في التوضيح: وحكى ابن رشد قولا: إذا أخطأ ظنه بالبطلان فإن خالف ظنه ورجع بطلت صلاته أصاب ظنه أو أخطأ. قال في التوضيح: ويتخرج فيها قول: بالصحة فيما إذا خالف ظنه وتبين خطأ ظنه وأدرك الامام مما حكاه ابن رشد في الفرع الذي قبله انتهى. وقال ابن بشير: إن تأول وجوب الرجوع فيختلف في بطلان صلاته بناء على أن الجاهل كالعامد أو كالناسي انتهى. قلت: والمشهور أنه كالعامد. السادس: إذا ظن بقاء الامام أو شك في ذلك لزمه الرجوع مطلقا، سواء ظن أنه يدرك ركعة أم لا، قال في المنتقى: والمشهور من المذهب أن الراعف يرجع ما دام إمامه في بقية من صلاته تشهد أو غيره. وقال الشيخ أبو إسحاق يعني ابن شعبان: إن رجا أن يدرك مع إمامه ركعة إلا صلى مكانه انتهى. ونقله في التوضيح وقال بعده: قال ابن يونس: وهو خلاف مذهب المدونة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: فظاهر كلام الشيخ أنه إذا طمع أن يدرك شيئا من صلاة الامام ولو السلام فإنه يرجع إليه، وهو كذلك على ظاهر المدونة وغيرها. وقال ابن شعبان: إن لم يطمع بإدراك ركعة لم يرجع انتهى. وهكذا قال عبد الحق في التهذيب: إنه يرجع ولو علم أنه يدرك السلام. وذكر عن بعض شيوخه أنه إذا لم يطمع في إدراك ركعة جاز له البناء في مكانه وتصح أفعاله وإن كانت قبل فارغ الامام، لانه لما علم بأنه لا يدرك معه ركعة خرج من إمامته وسقط حكم مراعاته قال: ورأيت نحوه لابن شعبان انتهى. قلت: ويأتي مثله على المشهور فيما إذا علم أنه إن رجع لا يدرك شيئا من صلاة الامام، ولكنه يعلم الآن أن الامام باق في الصلاة فإنه يبني مكانه وإن كان ذلك قبل فراغ الامام فتأمله والله أعلم. ولا يضره ذلك كما إذا تبين خطأ ظنه فإن صلاته صحيحة إن كانت أفعاله قبل فراغ الامام. السابع: قال ابن فرحون: إذا قلنا: يرجع فإنه يرجع إلى أقرب موضع يصلي فيه من الامام ولا يرجع إلى محل مصلاه أولا، لانه زيادة في المشي في الصلاة انتهى. ونقله صاحب الجمع عن ابن راشد وهو ظاهر. فعلى هذا إذا قرب من المسجد وصار في موضع يصح له فيه الاقتداء بالامام بحيث صار يدرك أفعال الامام وأفعال المأمومين أو أقوالهم، وكان الموضع طاهرا يمكنه الصلاة فيه، فلا يجوز له أن يتعداه وإن تعداه بطلت صلاته وهو ظاهر. الثامن: إذا ظن بقاء الامام أو شك ورجع وأصاب ظنه فلا شك في صحة صلاته، فإن أخطأ ظنه ووجه الامام قد فرغ فصلاته صحيحة ويتم في الموضع الذي علم فيه بفراغ الامام إذا أمكنه. قال اللخمي: وإن رجا أن يدركه رجع فإن وجده قد أتم أتم هو ولم تفسد صلاته انتهى. وانظر هل يتخرج فيها قول بالبطلان من القول الذي حكاه ابن رشد فيمن ظن فراغ


[ 165 ]

الامام وأتم مكانه ثم تبين خطأ ظنه ؟ والظاهر أنه لا يتخرج لان الرجوع إلى متابعة الامام هو الاصل. قال في الذخيرة: لما تكلم على رجوع الراعف بعد غسل الدم. تنبيه: تعارض هنا محذوران: أحدهما مفارقة الامام بعد التزامه الصلاة معه وذلك لا يجوز، والثاني الحركات إلى الامام فعل زائد في الصلاة وذلك لا يجوز، ولا بد للراعف من أحدهما فيحتاج إلى الترجيح. فالمشهور مراعاة الاول ووجوب الرجوع لاوجه: أحدها: أن وجوب الاقتداء راجح بالاستصحاب لثبوته قبل الرعاف بخلاف الآخر. وثانيها: أن الزيادة إنما تمنع وتفسد إذا كانت خالية عن القربة. وهذه وسيلة إلى القربة في الاقتداء فتكون قربة. وثالثها: أن هذه حال ضرورة فتؤثر في عدم اعتبار الحركات ولا تؤثر في ترك الاقتداء انتهى. فعلم من هذا أن الرجوع هو الاصل فالاتيان به أرجح فتأمله. التاسع: إذا ظن بقاء الامام أو شك وقلنا: إنه يرجع فخالف وأتم الصلاة مكانه بطلت صلاته. وهذا ظاهر وهو أحد الصورتين اللتين أشار المصنف إليهم بقوله: وإلا بطلتا وظاهره سواء وافق ظنه حال الامام أم لا. وهو كذلك. لكن قال البساطي في شرحه: إن وافق ظنه حال الامام بطلت صلاته اتفاقا، وإن خالف ظنه حال الامام فإن تبين أن الامام فرغ بطلت على المشهور. قلت: ولم أقف على هذا لغيره بل ذكر الجزولي في شرح الرسالة أن الصلاة لا تبطل. ولو تبين خلاف ظنه من غير خلاف ونصه: ولو علم أنه يدرك بقية صلاة الامام أو شك وبنى في منزله، ثم تبين له أنه لو رجع لم يدرك شيئا فصلاته باطلة. قالوا: من غير خلاف. الشيخ: وإن كان اختلف فيمن فعل ما لا يجوز له، ثم تبين أنه الواجب عليه هل صلاته باطلة أم لا ؟ قولان. كمن صلى خامسة ثم تبين أنها رابعة انتهى. العاشر: قال في التوضيح: هذا التقسيم ظاهر في المأموم والامام لانه إذا استخلف صار حكمه حكم المأموم. وأما الفذ فيتم مكانه من غير رجوع انتهى. وقال ابن فرحون: فيتم صلاته بموضع غسله، إن أمكن وإلا ففي أقرب موضع يصلح للصلاة انتهى والله تعالى أعلم. الحادي عشر: ما ذكر أنه يرجع في الجمعة مطلقا للجامع وهو مذهب المدونة وهو المشهور، فإن لم يرجع وأتم مكانه أو في غير الجامع الذي صلى فيه بطلت جمعته على المشهور، وهي الصورة الثانية في قول المصنف: وإلا بطلت. وقال ابن رشد: قال بعض أصحابنا: يبني في أقرب مسجد وإليه. وهذا ظاهر تعليل ابن القاسم بأن الجمعة لا تصلى في البيوت. ونقله المصنف في التوضيح وابن عرفه وابن ناجي في شرح المدونه وعلى المشهور فهل لا بد أن يرجع إلى نفس الجامع. قال في التوضيح: وهو المشهور - أو إلى أقرب موضع تصلى فيه الجمعة وهو قول ابن شعبان ؟ قال: وإن أتم في موضعه لم أر عليه إعادة قال المازري: فأشار إلى أن الرجوع للجامع فضيلة، وإذا بنينا على المشهور فإنه يكتفي بأول الجامع فإن تعداه بطلت. نص عليه الباجي انتهى كلام التوضيح. ونقل ابن عرفة وغيره قول ابن شعبان بلفظ:


[ 166 ]

قال ابن شعبان: يبني في أدنى موضع تصح فيه الجمعة بصلاة الامام. قال صاحب الطراز: فوجه قول ابن القاسم: إن الجمعة لما كان شرطها المسجد وأن ما يصليها من كان خارج المسجد لضرورة الزحام لو يجد مكانا، وهذا الراعف إنما يتم صلاة الجمعة وهو قادر على المسجد فلا يسعه أن يصلي في غيره. ثم وجه قول ابن شعبان: بأنه لو صلى ثم أحدث لصحت صلاته، وبأن المسجد إنما يجب عند استكمال الشروط وقد فاتت الجماعة والامام فلا يجب الجامع، وبأنه لو أدرك ثمة أحد ركعة وهو مسبوق واتصلت به الصفوف فإنه إذا سلم الامام وانفض الناس فإنما يأتي بالركعة الثانية في ذلك الموضع ولا ينتقل للمسجد فقد صار لذلك الموضع حكم المسجد انتهى باختصار. فعلى قول ابن شعبان: إذا وصل لاول موضع تقام فيه الجمعة من رحاب المسجد أو طرقه المتصلة به يتم هناك. قال البساطي: وظاهره وإن كان ابتدأها في الجامع وأنه لا يجوز له أن يتعدى ذلك. وهذا ظاهر والله تعالى أعلم. وقال اللخمي: في المسألة ثلاثة أقوال، فذكر المشهور وقول ابن شعبان قال: وقال المغيرة: إن حال بينه وبين الرجوع واد فليضف إليها أخرى ثم يصلي أربعا. قال ابن عرفة: وهو مشكل لانه هو الاولى، وعليه حمله المازري وابن يونس أي جعلوا قول المغيرة تفسيرا لمذهب المدونة. ثم قال ابن عرفة: وقول ابن بشير ومن تابعه، ثالثها: إن أمكنه رجع وإلا فمكانه غرور بظاهر قول اللخمي وأخذ ابن يونس. الثالث من قول أشهب: من هرب مأمومه بعد ركعة أتمها جمعة انتهى. ولذا جعل صاحب الطراز والقرافي في ذخيرته قول المغيرة تفسيرا، وكذا صاحب المقدمات قال فيها: حكم الراعف في الجمعة وغيرها سواء إلا في موضعين: أحدهما أنه إذا صلى مع الامام ركعة ثم رعف فلم يفرغ من غسل الدم حتى أتم الامام فلا يصلي الثانية إلا في المسجد الذي ابتدأ فيه الصلاة. فإن حال بينه وبين الرجوع إلى المسجد واد وأمر غالب، أضاف إليها ركعة وصلى أربعا. قاله المغيرة. والثاني إذا رعف قبل أن يتم مع الامام ركعة بسجدتها ثم لم يفرغ حتى أتم الصلاة، لا يبني على صلاة الامام تمام ركعتين ويصلي أربع ركعات في موضعه على قول من رأى أنه يبني على الاحرام في الجمعة انتهى. وأما القول الثالث في كلام ابن بشير وتابعيه فقد ذكره الفاكهاني في شرح الرسالة ولم يعزه لكن ذكر عن صاحب البيان والتقريب أنه المشهور، ورد عليه ذلك فقال: وفي المسألة قول ثالث، وهو إن حال بينه وبين المسجد حائل أجزأته صلاته في موضع غسل الدم وإلا رجع إلى الجامع. قال صاحب البيان والتقريب: وهذا القول هو المشهور. قال الفاكهاني: إن هذا وهم منه بل المعروف من المذهب والمشهور منه اشتراط الرجوع إلى المسجد في الجمعة من غير تفصيل حتى لو حال بينه وبينه حائل قبل تمام صلاته بطلت جمعته. قلت: ونقل ابن يونس في باب الجمعة عن ابن القاسم أنه إذا صلى في أفنية المسجد أنه يجزئه. قال ابن يونس: قال ابن أبي زمنين: قال ابن القاسم: إن صلى في أفنية المسجد يوم الجمعة أو قضى فيه ركعة كانت عليه من رعاف غسله وهو يجد موضعا في المسجد يصلي فيه، إن ذلك يجزئه. وخالفه سحنون وقال: يعيد


[ 167 ]

أبدا لان الصلاة في غير المسجد لا تجوز إلا لضيق المسجد انتهى. وهو خلاف ما تقدم عن ابن القاسم فيما حكاه صاحب الطراز ولعل له قولين والله أعلم. الثاني عشر: حيث قلنا: يرجع للجامع فلا بد أن يرجع للجامع الذي ابتدأ الصلاة فيه. قاله في المقدمات وقد تقدم لفظها. الثالث عشر: قول المصنف: بطلت أي لاي جزء بقي عليه منها حتى لو رعف قبل أن يسلم فإنه يرجع ليوقع السلام في الجامع كما صرح به في التوضيح، وقاله ابن هارون ونقله ابن فرحون وهو ظاهر قوله في المدونة: وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل سلام الامام ذهب فغسل الدم ثم رجع فتشهد وسلم. قال صاحب الطراز: قوله: رجع معناه إذا طمع بإدراك الامام قبل أن يسلم، وفيه الخلاف مع ابن شعبان، أو يكون في جمعة أو في أحد الحرمين. الرابع عشر: قوله: لاول الجامع ظاهره ولو كان ابتداء الصلاة خارج الجامع لزحام أو ضيق. وقيد ابن عبد السلام هذا بما إذا لم يكن ابتدأها خارجه ونصه نقل في الرجوع في الجمعة ثلاثة أقوال: الرجوع مطلقا وهو المشهور رعيا لما ابتدأ عليه لان الاصل فيما طلب ابتداء طلب دوامه، وهذا والله أعلم ما لم يكن ابتدأها في موضع خارج المسجد لضيف المسجد انتهى. ولم ينبه المصنف على ذلك في التوضيح ولا ابن عرفة، ونقله عنه البساطي في المغني وقبله، ونقله صاحب الجمع وبحث. فيه فقال: يمكن أن يقال: كان ذلك لموجب وقد انتفى فينبغي الاتمام ثمة ويرجع إلى الاصل والاول أظهر انتهى. قلت: الذي يظهر من كلامهم أنه حيث أمكنه الرجوع إلى الجامع فلا بد من رجوعه إليه فتأمله. الخامس عشر: هذا كله إنما هو إذا حصل له ركعة من الجمعة بسجدتيها قبل رعافه، وأما إن لم يحصل له ركعة بسجدتيها وظن فراغ الامام فإنه يقطع ويبتدئ ظهرا في محله أو في أي محل شاء على المشهور، أو يبني على إحرامه ويصلي أربعا في محله على قول سحنون كما تقدم في كلام المقدمات، قاله في الشامل، وهذا يفهم من كلام المصنف الآتي عقب هذا والله تعالى أعلم. ص: (وإن لم يتم ركعة في الجمعة ابتدأ ظهرا بإحرام) ش: يعني أن من


[ 168 ]

حصل له الرعاف في الجمعة قبل أن يتم ركعة بسجدتيها ولم يلحق منها بعد ذلك ركعة مع الامام فإنه يصلي ظهرا أربعا اتفاقا. قاله المصنف في التوضيح: قال وهل يبني على إحرامه أو لا ؟ المشهور لا بد من ابتدائه. وقال سحنون: يبني على إحرامه. وقال أشهب: إن شاء قطع وابتدأ كالمذهب، وإن شاء بني على إحرامه كقول سحنون، وإن شاء بني على إحرامه وعلى ما تقدم له من فعلها. وظاهر كلام ابن الحاجب أن أشهب لم يستحب شيئا، والذي حكى عنه ابن يونس وابن رشد وغيرهما استحباب القطع انتهى. وجعل ابن يونس قول سحنون تفسيرا للمدونة فقال: ظاهر المدونة عندي أنه يبني على إحرامه. وحمله اللخمي وابن رشد على الخلاف. وقال اللخمي: واختلف إذا رعف في الاولى من الجمعة قبل أن يكملها ثم رجع بعد فراغ الاهام فقال في المدونة: يبتدئ الظهر أربعا. وقال سحنون: يبني على إحرامه ظهرا. وقال أشهب: استحب له أن يتكلم ويبتدئ الظهر أربعا، وإن بنى على إحرامه أجزاه، وإن كان قد سجد سجدة فسجد أخرى وصلى ثلاثا أجزاه. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن فاتته الاولى من الجمعة وأدرك الثانية ثم ذكر بعد سلام الامام سجدة فإنه يسجدها ويأتي بركعة وتجزئه جمعته. فعلى هذا تجزئ الراعف الجمعة إذا رعف في الاولى وقد بقي منها سجدة فيأتي بسجدة وركعة وتجزئه انتهى. وتقدم كلام المقدمات في شرح قول المصنف: وإذا بنى لم يعتد إلا بركعة كملت. تنبيهات: الاول: قول المصنف في التوضيح: فإنه يصلي ظهرا أربعا اتفاقا يقتضي أنه لا خلاف في عدم إتمامها جمعة، ونحوه في الطراز وهو خلاف ما تقدم في كلام اللخمي فإنه خرج قولا بجواز إتمامها جمعة إلا أن يريد المصنف الخلاف المنصوص. وقد ذكر المازري في شرح التلقين تخريج شيخه اللخمي في هذه المسألة وبحث معه في ذلك وأطال في ذلك جدا فلينظره من أراده. الثاني: لو لم يقطع وبنى على إحرامه فهل تصبح صلاته على القول الذي مشى عليه المصنف مراعاة لقول سحنون وأشهب وهو الظاهر، أو تقول لا تصح صلاته ؟ لم أر فيه نصا صريحا فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وسلم وانصرف إن رعف بعد سلام إمامه لا قبله) ش: يعني أن المأموم إذا رعف بعد سلام الامام فإنه يسلم وينصرف على المشهور خلافا لسحنون في منعه أن يسلم حتى يغسل الدم إن كان الدم كثيرا إلا أن السلام ركن من أركان


[ 169 ]

الصلاة فلا يأتي به في حال تلبسه بالنجاسة كسائر أركان الصلاة. والمشهور مذهب المدونة، ووجهه أنه استحق سلامه بالنجاسة على خروجه لغسل الدم لما في الخروج من كثرة المنافي وخفة لفظ السلام، وأخذ بعضهم منه أن السلام غير فرض. قال ابن ناجي: والاكثرون لم يعرجوا عليه. وقوله: لا قبله يعني أنه إذا رعف المأموم قبل سلام إمامه فإنه ينصرف لغسل الدم ولا ينتظر الامام حتى يسلم، فإذا غسل الدم فإن طمع بإدراك الامام قبل أن يسلم رجع على المشهور خلافا لابن شعبان، وإن لم يطمع بإدراكه فإن كان في الجمعة فلا بد من رجوعه لاول الجامع، وإن كان في غير الجمعة جلس مكانه وتشهد وسلم. تنبيهات: الاول: علم مما قررناه أن هذا الحكم غير خاص بالجمعة بل جار في الجمعة وغيرها كما يفهم من كلام المدونة، وأشار إليه صاحب الطراز في كلامه السابق في التنبيه الثالث عشر في شرح قول المصنف وأتم مكانه كما تقدم، وكما نبه عليه شراح ابن الحاجب وجعل المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب خاصا بمسألة الجمعة. قال ابن فرحون: وكذلك ابن هارون وليس كذلك. الثاني: لم يبين المصنف هنا هل يعيد التشهد إذا غسل الدم وأراد السلام أم لا ؟ وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: فتشهد ثم سلم أي إن لم يتقدم له التشهد، وأما لو تقدم فلا يعيده. ونحوه لابن عبد السلام، ورده ابن عرفة فقال: وقول ابن عبد السلام: إن رعف بعد تشهده لم يعده خلاف نصها المقبول انتهى. يشير إلى قولها السابق: وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل أن يسلم الامام ذهب فغسل الدم ثم رجع فتشهد وسلم. قال ابن ناجي: ما ذكره أنه إذا رجع يتشهد ثانيا وقد كان تشهد أولا هو المشهور، وهو مراد ابن الحاجب بقوله: فلو رعف فسلم الامام ثم رجع فتشهد وسلم. وقال ابن عبد السلام: معناه إن كان لم يتشهد أولا، وأما لو تشهد أولا فإنه يسلم دون تشهد. وقبله خليل وتعقبه بعض شيوخنا بصريح المدونة كما تقدم، وكان شيخنا يعني البرزلي يجيب عنه بأن قوله جار على أحد الروايتين سجد السجود القبلي فإنه لا يتشهد اكتفاء بتشهد الصلاة. وكنت أجيبه بوجهين: أحدهما: أنهما ليسا سواء لقرب السلام من التشهد الاول وبعده من التشهد في الرعاف لان خروجه وغسله ورجوعه مظنة للطول غالبا. الثاني: هب أنهما سواء، قصارى الامر أن يكون في المسألة قول ثان وهو قصد إلى ذكر المذهب مع أن نص المدونة يدل على خلافه، فكيف يمكن أن يجعل المخرج المذهب انتهى. ولفظ ابن عبد السلام قوله: رجع فتشهد هذا إذا لم يتقدم تشهده قبل الرعاف، ولو تقدم أو تقدم منه مقدار السنة لسلم إذا رجع انتهى. وتعقب ابن فرحون أيضا كلام ابن عبد السلام بأن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قال في شرحه لابن الحاجب: إنه يعيد التشهد ولو كان قد تشهد لان من حقه أن يتصل بالسلام ولا يتراخى عنه. ونقل أبو الحسن الطنجي عن أبي الحسن الصغير بأنه يرجع ويتشهد وإن كان قد تشهد،


[ 170 ]

وعلله بما تقدم قال: وهو نص المدونة انتهى. قلت: وكذلك صرح صاحب الطراز بأنه يعيد التشهد وإن كان قد تشهد وعلله بما تقدم، وأن السلام إنما شرع عقيب التشهد ومتصلا به. وتبع صاحب الشامل ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح والصواب خلافه كما علمت والله أعلم. الثالث: ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أن المأموم إذا رعف قبل سلام الامام لا يسلم وينصرف لغسل الدم ولو سلم الامام بالحضرة قبل انصرافه. وعبارة ابن الحاجب في ذلك أقوى فإنه قال: وعلى المشهور لو رعف فسلم الامام ورجع فتشهد وسلم وليس كذلك، بل نص ابن يونس واللخمي على أنه لو رعف قبل سلام الامام ثم سلم الامام في الوقت قبل انصرافه فإنه يسلم ويجزئه. قال ابن يونس: وإنما الذي ينصرف من رعف والامام يتشهد لانه لا ينبغي له أن ينتظره حتى يسلم وهو راعف. قال ابن ناجي: وكل أشياخي يحملون ذلك على التفسير للمدونه انتهى. قلت: ونحوه في الطراز قال: لو أن هذا المأموم رعف فهم بأن ينصرف سلم الامام قبل أن ينصرف فسلم أجزأه. قاله عبد الحق وغيره انتهى. وقد اعترض ابن فرحون على ابن الحاجب بأنه خلاف ما تقدم قال: إلا أن يحمل كلامه على أنه إنما سلم الامام بعد انصرافه فيكون كلامه وفاقا انتهى. وعزا في الشامل التقييد للخمي وكلامه يحتمل أنه عنده وفاق أو خلاف وقد علمت أن الاول المذهب والله أعلم. الرابع: إذا رجع إلى الصلاة رجع بغير تكبير. قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم ابن رشد أنه لا يرجع بغير تكبير لانه لم يخرج من صلاته بالرعاف، وإنما يرجع إلى تمام صلاته بالتكبير من خرج منها بسلام انتهى. الخامس: هذا حكم المأموم وانظر لو رعف الامام قبل سلامه أو الفذ على القول بجواز بنائه ولم أر فيه نصا، والظاهر أنه إن حصل الرعاف بعد أن أتى بمقدار السنة من التشهد فإنه يسلم، والامام والفذ في ذلك سواء، وإن رعف قبل ذلك فإنه يستخلف الامام من يتم بهم التشهد ويخرج لغسل الدم ويصير حكمه حكم المأموم، وأما الفذ فيخرج لغسل الدم ثم يتم مكانه والله أعلم. ص: (ولا يبني بغيره) ش: الباء في قوله: بغيره بمعنى في أي في غير


[ 171 ]

الرعاف، أو للسببية أي لا يبني بسبب غير الرعاف. والمعنى أن من حصل له شئ مما ينافي الصلاة من سبق حدث أو تذكره أو سقوط نجاسة أو تذكرها أو غير ذلك مما يبطل الصلاة، فإنه لا يبني على ما مضى من صلاته بل يقطعها ويستأنف الصلاة، وهذا هو المذهب. قال في المدونة: ولا يبني إلا في الرعاف وحده. وأشار بذلك إلى ما وقع من الخلاف للعلماء في هذه المسائل، فأجاز أبو حنيفة البناء في الحدث الغالب والرعاف عنده حدث غالب، وأجاز أشهب لمن رأى في ثوبه أو جسده نجاسة أن يغسلها ويبني، وكذلك إن أصابه ذلك في صلاته. نقله عنه غيره واحد منهم اللخمي في تبصرته، لكن نقل عنه استحباب القطع فإنه قال بعد أن ذكر أن من تكلم لانقاذ صبي أو أعمى أو خوفا على مال كثير أنه يقطع ويستأنف الصلاة ما نصه: وعلى قول أشهب إن لم يتعمد أحد من هؤلاء يبني على ما صلى أجزأه قياسا على أصله إذا خرج لغسل دم رآه في ثوبه أو لقئ قال: أحب إلي أن يستأنف انتهى. وانظر ما ذكره عن أشهب هنا مع ما نقلوه عنه في كتاب الحج أن من علم بنجاسة في طوافه قطع وابتدأه. وقول المصنف في التوضيح: حكى المازري وابن العربي عن أشهب أن يقول فيمن رأى نجاسة في ثوبه في الصلاة: إنه يغسلها ويبني وهو بعيد عن أصل المذهب، يوهم انفرادهما بذلك، وقد تقدم عن اللخمي ونقله صاحب الطراز عن مدونة أشهب. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ذكر ابن العربي عن أشهب كمذهب أبي حنيفة أنه يبني في الحدث انتهى وهذا غريب. ومراد المصنف البناء بعد حصول المنافي فلا يرد عليه المزحوم والناعس حتى يسلم الامام فإنهما يبنيان على ما مضى من صلاتهما. وقال ابن الحاجب: لا يبني في قرحة ولا جرح ويعني بذلك إذا انفجرت القرحة في الصلاة وسال منها دم كثير ورجا انقطاعه فإنه يقطع الصلاة كما تقدم عند قول المصنف: وإثر دمل لم ينك ء والله أعلم. تنبيه: قال ابن فرحون: لو حصل له رعاف فخرج له وغسل الدم ورجع إلى الصلاة ثم حصل له رعاف آخر لم يبن وبطلت صلاته، وكلام المؤلف يعني ابن الحاجب لا يفهم منه هذا انتهى. قلت: وكذلك كلام المصنف ولم أقف عليه لغيره صريحا إلا ما ذكره صاحب الجمع وكلام ابن عبد السلام في مسائل البناء والقضاء يقتضي عدم البطلان. ص: (كظنه فخرج فظهر نفيه) ش: يعني أن من ظن أنه حصل له رعاف في الصلاة فخرج ليغسله فتبين أنه ليس برعاف وإنما هو ماء فإنه لا يبني على ما مضى من صلاته لانها بطلت بل يبتدئها. وهذا هو


[ 172 ]

المشهور ومذهب المدونة. قال في أواخر كتاب الصلاة الاول من المدونة: ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين له أنه لا شئ به ابتدأ، أو إذا تعمد الامام قطع صلاته أفسد على من خلفه انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: اختلف فيمن ظن أنه رعف أو أحدث فخرج، ثم تبين أنه لم يصبه ذلك، هل يبني، وإن كان إماما هل تفسد صلاتهم ؟ فقال مالك: يبتدئ ولا يبني، وظاهر قول ابن القاسم أنه إذا كان إماما لا تفسد عليهم لانه لم يتعمد. قال ابن سحنون في المجموعة: لانه خرج بما يجوز له، ويبتدئ الصلاة خلف الذي استخلفه. وقال في كتاب ابنه: إن بنى أبطل عليهم لانه لا يستطيع أن يعلم ما خرج منه قبل أن يخرج من المحراب إلا أن يكون في ليل مظلم. وقال ابن عبد الحكم: يبني ولا يبطل على من خلفه بمنزلة من ظن أنه سلم فخرج ثم عاد فسلم وهو أقيس لحديث ذي اليدين أنه خرج (ص) وهو يظن أنه قد أتم وتكلم ثم بنى انتهى. فحكى في القطع والبناء قولين لمالك وابن عبد الحكم، وذكر المصنف مسألة الانصراف للحدث في فصل السهو، وعزا الشارح في الكبير والوسط الفرعين هنا وفي باب السهو لصاحب الطراز، وذكر عنه أنه عزا القول: بالبناء في الفرعين لسحنون، وتبع الشارح رحمه الله تعالى في ذلك صاحب الذخيرة فإنه عز القول بالبناء لسحنون ونقله عنه صاحب الطراز، ووقع ذلك في كتاب الطهارة من الطراز عزوه لسحنون، وأحال على ما في كتاب الصلاة ولم يعزه في كتاب الصلاة إلا لابن عبد الحكم، فلعله نقله عن سحنون أيضا أو وقع منه في الطهارة سهو، وعلى ذلك جرى الشارح في الشامل. و أما في الشرح الصغير فلم يذكر القول: بالبناء ولم يعز الفرع لاحد. وتحصل من كلام اللخمي في بطلان صلاة المأمومين قولان: أحدهما: أنها لا تبطل عليهم ويستخلف أو يستخلفون من يتم بهم. والثاني: أنها تبطل إلا أن يكونوا في ليل مظلم. وفي المسألة قول ثالث أنها تبطل مطلقا. حكاه القاضي في التنبيهات ونصه: وأكثر الشارحين والمختصرين على أنه إن كان إماما فإنه أفسد على من خلفه بدليل قوله بعده - وهو قول مالك " عندنا في الامام - إذا قطع صلاته متعمدا أفسد على من خلفه. وحملها اللخمي على أنها لا تفسد لانه لم يتعمد واحتج بنفس اللفظ والاول أظهر انتهى. وقال ابن عرفة: وفي بطلان صلاة من خرج منها لرعاف أو حدث ظنه فبان كذبه المشهور واللخمي مع ابن عبد الحكم. وعلى الاول لو كان إماما في صحة صلاة مأموميه. ثالثها إن كان بحيث لا يمكنه علم كذي ظلمة الال وهو القول بالصحة مطلقا للباجي مع الشيخ عن سحنون واللخمي عن ابن القاسم، وابن حارث عن ابن عبدوس ويحيى بن عمر مستدلا بقول أشهب: لا يبطلها ضحك عمدا. والثاني وهو القول بالبطلان مطلقا للمجونة مع ابن حارث عن سحنون والباجي عن مقتضى قول ابن القاسم. والثالث وهو التفصيل للصقلي مع اللخمي عن سحنون انتهى بلفظه إلا عز والاقوال ففصلته لاجل البيان، فيكون لسحنون ثلاثة أقوال وعزا الثاني للمدونة


[ 173 ]

بناء على ما نقله ابن يونس فإنه جعله متصلا بالمسألة الاولى ونصه: قال: من انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شئ به ابتدأ الصلاة، ولو كان إماما أفسد على من خلفه ابن القاسم: ومن قول مالك: إن الامام إذا قطع صلاته متعمدا أفسد على من خلفه، ثم ذكر قول سحنون بالتفصيل، ويؤيد كلام ابن يونس ما نقله عياض عن أكثر الشارحين والله أعلم. واقتصر صاحب الطرحز على القولين اللذين حكاهما اللخمي. وذكر ابن ناجي الثلاثة الاقوال وقال: إن قول اللخمي أظهر مما نقله عياض عن أكثر الشارحين لانه لا فرق بين كون الامام ظن وبين كونه تعمد. لكن نقل ابن يونس عن المدونة أنه لو كان إماما أفسد انتهى بالمعنى. قلت: فظهر أن القول ببطلان صلاة المأمومين أرجح لكونه مذهب المدونة. وقال صاحب الجمع: إنه الصحيح. ونقل عبد الحق في التهذيب في كتاب الصلاة الاول عن سحنون عن ابن القاسم أن صلاة اإمام وصلاة من خلفه باطلة ثم قال: ومعناه إن كان يستطيع أن يعلم ما خرج منه الخ. واقتصر على هذا فجعل الثالث تفسيرا والله أعلم. تنبيه: قال ابن بشير: من ظن بطلان صلاته بتماديه برعاف أو حدث فانصرف ثم تبين له بطلان ظنه، فأما في الرعاف إذا لم يتكلم ولم يمش على نجاسة فإنه ينتظر، فإن كان بحيث يمكن صحة ما ظنه قبل انصرافه فانصرف قبل التمييز بطلت صلاته بلا خلاف، وإن كان بحيث لا يمكنه التمييز لانه في ليل مظلم واجتهد فأخطأ ففي بنائه قولان: أحدهما أنه لا يبني وهو المشهور، والشاذ أنه يبني وهما على ما قدمنا في المجتهد يخطئ هل يعذر باجتهاده أم لا. وأما في الحدث فإن لم يطل فعله بعد الظن كان كالرعاف، وإن طال فعله أو تكلم عامدا بطلت صلاته لان هذا انصرف على أن صلاته باطلة، والراعف انصرف على أنه يغسل الدم ثم يبني انتهى. قلت: الظاهر في الحدث البطلان مطلقا، ولا يظهر للقول بالبناء: وجه مطلقا لان المحدث خرج على اعتقاد البطلان ولا يشبه من ظنه أنه سلم لانه خرج على اعتقاد تمام صلاته وصحتها. نعم إنما يتأتى القول: بالبناء على من يجيز البناء في الحدث وهو قول أبي حنيفة كما تقدم والله أعلم. فرع: قال ابن يونس في فصل الرعاف: قال سحنون: ومن خرج من الصلاة لرعاف ثم شك في الوضوء وهو يغسل الدم فرفع الشك باليقين فابتدأ الوضوء، فلمد توضأ ذكر أنه على وضوء فقد بطلت صلاته. انتفى ابن يونس كمن ظن أنه أصابه رعاف وهو في الصلاة فخرج يغسله فإذا هو ماء فقد أبطل صلاته. قال: ولو ذكر أنه متوضئ حين هم بالوضوء قبل أن يعمل شيئا بنى على صلاته انتهى. قلت: إذا عزم على رفض الصلاة وهم بالوضوء فالظاهر بطلان الصلاة، نعم إن تفكر قليلا لما حصل له الشك، ثم ذكر أنه متوضئ فهذا يبني على


[ 174 ]

صلاته والله أعلم. ص: (ومن ذرعه قئ لم تبطل صلاته) ش: ذرعه بالذال المعجمة أي غلبه والمعنى أن من غلبه القئ في الصلاة لم تبطل صلاته ويتمادى فيها، فإن خرج لغسله بطلت صلاته كما تقدم. ومفهوم كلامه أنه لو تعمد القئ بطلت صلاته وهو كذلك. وهذا إذا كان القئ طاهرا ولم يرده بعد انفصاله إلى محل يمكن طرحه، فإن كان القئ نجسا بأن تغير عن هيئة الطعام على المشهور، أو قارب أوصاف العذرة على ما اختاره اللخمي وابن رشد، بطلت الصلاة كما سيأتي بيانه. وإن كان القئ طاهرا ورده بعد انفصاله إلى محل يمكن طرحه ناسيا أو مغلوبا ففي بطلان صلاته قولان، وأما إن رده طائعا غير ناس فلا خلاف في بطلان صلاته. ولنذكر لفظ المدونة وكلام الشيوخ عليها قال في آخر باب الرعاف من المدونة في كتاب الطهارة: ومن تقيأ عامدا أو غير عامد ابتدأ الصلاة ولا يبني إلا في الرعاف وحده. قال في الطراز: القئ في الصلاة يختلف فيه، منه ما يبطل الصلاة في المشهور ولو لم يتعمده، ومنه ما لا يبطلها إلا إن تعمده. فالاول هو ما كان نجسا مما خرج عن صفة الطعام، والثاني ما كان طاهرا فيختلف فيه العامد من غيره كالاكل على ما بينه في الاكل في كتاب الصلاة. ويختلف في القئ النجس إذا طرأ عليه هل يغسله عنه ويبني، فعند أشهب يبني فيه وفي غيره من النجاسات على ما قاله في مدونته، ثم ذكر توجيه المشهور في عدم البناء في غير الرعاف، وقال ابن رشد في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: والمشهور أن من ذرعه القئ لا تفسد صلاته كما لا يفسد صيامه بخلاف الذي يستقئ طائعا، وهو قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى. واختلف قوله: إن رده بعد فصوله في فساد صلاته وصيامه يريد إن رده ناسيا أو مغلوبا، وأما إن رده طائعا غير ناس فلا اختلاف في أن ذلك يفسد صومه وصلاته. وقد قيل: إن المغلوب أعذر من الناسي ولا يوجب ذلك الوضوء وإن كان نجسا لتغيره عن حال الطعام إلى حال الرجيع أو ما يقاربه إذ لا يوجب ذلك الوضوء على مذهب مالك إلا ما خرج من السبيلين من المعتاد على العادة باتفاق، أو على غير العادة باختلاف انتهى. فتحصل من هذا أن من ذرعه القئ غلبة فالمشهور - وهو قول ابن القاسم - أن


[ 175 ]

صلاته صحيحة، وإن من تعمد القئ أو رده بعد انفصاله طائعا فصلاته باطلة، كما ذكره ابن رشد في الرسم المذكور ولم يحك في ذلك خلافا، ونقله عنه ابن عرفة فقال: وعمد قيئه وابتلاعه بعد فصله مبطل انتهى. وإن رده غلبة أو سهوا فاختلف قول ابن القاسم في فساد صلاته وصيامه. وقال ابن رشد: إنه قد قيل: إن المغلوب أعذر من الناسي، ويتحصل أيضا في رجوعه غلبة أو نسيانا ثلاثة أقوال نقلها ابن عرفة في فصل السهو ونصه: وفي بطلانها بابتلاع مفصوله سهوا أو غلبة، ثالثها إن سها لابن القاسم ونقل ابن رشد انتهى. إذا علم هذا فقوله في المدونة: عامدا أو غير عامد مشكل ولهذا قال ابن غازي: وفي بعض المقيدات أن في هذا نص المدونة مشكل إلا أن يريد الكثير أو النجس أو المردود بعد إمكان الطرح. وفي بعضها أنه قيل لابي الحسن الصغير: لعله أراد أنه إذا ذهب للقئ لا يعود للبناء كما في الرعاف ؟ فقال: صواب إلا أن الشيوخ حملوه على خلاف ذلك، ويعضد ما صوبه قوله: بعد وها يبني إلا في الرعاف. وإن أشهب يخالف فيه، وكذا نقول هنا: إن غير المغلوب مندرج في قول المصنف ولا يبني بغيره، وصرح به في السهو إذ قال: ويتعمد كسجدة أو نفخ أو أكل أو شرب أو قئ انتهى. وما ذكره ابن غازي عن بعض المقيدات يقتضي أن القئ الكثير يبطل الصلاة ولو كان طاهرا أو كان غلبة. وقد نص على ذلك ابن بشير في كتاب الطهارة ونصه: والقلس وهو ما يخرج عند الامتلاء أو برد المزاج وقد يكون فيه الطعام غير متغير فهو ليس بنجس، لكنه إن خرج في الصلاة وكثر قطع ليس لنجاسته بل لانه مشغل عن الصلاة وإن قل لم يقطع انتهى. ونقله أبو الحسن في أوائل كتاب الطهارة وقبله. وقال الشبيبي في شرح الرسالة في باب جامع في الصلاة: وظاهره أيضا أن المردود يبطل الصلاة مطلقا، سواء كان نسيانا أو غلبة أو باختياره، وقد تقدم الاختلاف في الغلبة والنسيان. تنبيه: القلس ماء حامض كذا فسره ابن رشد وصرح في الرسم المذكور بأنه طاهر وأنه لا يفسد الصلاة. وقال في التوضيح: القلس ماء حامض تقذفه المعدة انتهى. وحكمه حكم القئ فإن كان متغيرا فهو نجس كما تقدم بيانه في كتاب الطهارة في الكلام على القئ، وإن كان غير متغير فلا يفسد الصلاة لانه لا يكون غالبا إلا غلبة، فإن تعمد القلس فحكمه حكم تعمد القئ فتبطل صلاته، وإن ابتلعه بعد أن وصل إلى محل يمكن طرحه فاختلف في بطلان


[ 176 ]

الصلاة بذلك إذا كان نسيانا أو غلبة كما تقدم عن سماع عيسى. وقال ابن عرفة: وغلبة القلس لغو فإن ابتلعه بعد فصله عمدا ففي بطلانها نقلا الشيخ عن ابن القاسم وابن رشد عن رواية ابن نافع أساء ولا قضاء عليه انتهى. والظاهر من القولين ما نقله الشيخ فإن ابن رشد قال في رسم اتأذن من سماع عيسى من كتاب الصلاة: لما حكى رواية ابن نافع وهو بعيد انتهى. وما ذكره ابن رشد من أنه طاهر هو على مذهب ابن رشد أن القئ المتغير عن هيئة الطعام طاهر ما لم يشابه أحد أوصاف العذرة، وأما على المشهور فيفصل في القلس كما يفصل في القئ كما قدمنا والله أعلم. ص: (قدم البناء وجلس في آخرة الامام ولو لم تكن ثانيته) ش: هذا راجع إلى المسائل الخمس كلها حتى في مسألة الحاضر الذي أدرك ثانية إمام مسافر فإنه يبدأ بالبناء فيأتي بركعة بأم القرآن ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بركعة بأم القرآن. ويختلف هل يجلس أم لا ؟ فعلى المشهور يجلس ثم يأتي بأخرى بأم القرآن وسورة، وكذا الحكم في قوله: وخوف بحضر، ونقله صاحب الجمع عن ابن هارون، وصرح ابن بشير وفي كلامه ما يدل على أنه منصوص للمتقدمين، وصرح بذلك ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. وصور الشيخ بهرام المسألة فيمن أدرك الركعة الثانية من صلاة الخوف في الحضر، وصورها ابن فرحون فيما إذا كان الامام في صلاة الخوف مسافرا وصلى في الحضر فإنه يصلي بالطائفة الاولى ركعة


[ 177 ]

فصل في ستر العوره ويصلي من خلفه من الحضريين ثلاث ركعات، ثم يصلي بالطائفة الثانية الركعة الثانية ثم يسلم فيكون في صلاة الطائفة الثانية القضاء وهي الركعة الاولى والبناء وهو الركعتان الاخيرتان وذكر ذلك عن اللخمي والله أعلم. فصل هل ستر عورته بكثيف وإن بإعارة أو طلب إلى قوله خلاف أي هل هو شرط مع الذكر والقدرة وهو الذي قاله ابن عطاء الله فإنه قال: والمعروف من المذهب أن ستر العورة المغلظة من واجبات الصلاة وشرط فيها مع العلم والقدرة انتهى من التوضيح. ومع عدم العلم أو القدرة يسقط الوجوب والشرطية ولذلك يعيد في الوقت كما سيأتي، أو هو واجب وليس بشرط قال في التوضيح: قال في القبس المشهور: إنه ليس بشرط، وكذلك قال التونسي: الستر فرض في نفسه ليس من فروض الصلاة ؟ انتهى. وقال في الطراز: ولا خلاف في جوب ستر العورة مطلقا في الصلاة وغير الصلاة، وإنما الكلام في افتقار صحة الصلاة إلى ذلك. قال القاضي عبد الوهاب: اختلف أصحابنا، هل ستر العورة من شرائط الصلاة مع الذكر والقدرة، أو هي فرض وليست بشرط في صحة الصلاة حتى إذا صلى


[ 178 ]

مكشوفا مع العلم والقدرة يسقط عنه الفرض وإن كان عاصيا آثما ؟ انتهى. ثم ذكر أن القول الاول اختيار أبي الفرج، والثاني اختيار القاضي إسماعيل والابهري وابن بكير. وقوله: بكثيف قال ابن الحاجب: والساتر الخفيف كالعدم انتهى. قال في التوضيح: كالبندقي الرفيع انتهى. قال الاقفهسي: الكثيف الساتر الثخين. وقوله: وإن بإعارة مبالغة يريد أن الستر مطلوب وإن كان ما يستتر به لغيره فإن أعاره وجب عليه قبوله فإنه واجد للستر كهبة الماء للوضوء لقلة المنة. وقوله: أو طلب مبالغة في الحث على تحصيله والله أعلم. وكلامه في وجوب الطلب إذا علم من حاله أن لا يبخل بذلك، وإن علم من حاله عدم الاجابة سقط وجوب الطلب. انتهى من شرحه على المختصر وقاله التلمساني في شرح الجلاب. ص: (وإن بخلوة للصلاة) ش: قال ابن المنير في تيسير المقاصد: واجبات الصلاة الطهارة والساتر المغطي للعورة بلا خرق ولا شفوف ولا وصف، فإن عجز عن أزيد من قميص اترز تحته وإن بخرقه انتهى. وهذا إذا كان القميص شفافا. فرعان: الاول: إمام سقط ساتر عورته في ركوعه فرده قربه بعد رفع رأسه، قال ابن القاسم في سماع موسى: لا شئ عليه إذا أخذه بالقرب قال: ولو لم يأخذه بالقرب لاعاد الصلاة في الوقت على أصله من أن ستر العورة من سنن الصلاة، وعلى القول: بأنه من فرائضها يخرج ويستخلف من يتم بالقوم صلاتهم، فإن لم يفعل وتمادى بهم فإن استتر بالقرب


[ 179 ]

فصلاته وصلاتهم فاسدة، وهو قول سحنون في كتاب ابنه خلاف قوله هنا انتهى. وقول سحنون هو الجاري على المشهور من أن ستر العورة وشرط وأن من سقطت عليه نجاسة بطلت صلاته. واقتصر في التلقين على قول ابن القاسم وقال فيه: وكذلك إذا سقطت عليه نجاسة فأزالها من غير تراخ وهو خلاف المشهور والله أعلم. وفي مسائل الصلاة من البرزلي في مسائل بعض القرويين مسألة: من سقط ثوبه فرده في الحال في صلاته قولان انتهى. المشهور البطلان كما تقدم. الثاني: قال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عن الرجل يصلي في ليل مظلم فتنكشف فخذه أو بعض عورته وهو وحده، هل تفسد صلاته ؟ فقال: ذليه أن يستر عورته وفخذه فإن انكشفت عورته في الصلاة فسدت عليه وأما الفخذ فليستره. قلت: ما قاله هو مذهب المدونة، ولا فرق في السترة بين الظلام وغيره ولا بد منها، وأعرف في زهر الكمام أو غيره عن رجل حصل في شجرة عريانا فحلف له آخر أنك لا تنزل إلا مستترا ولا يمد لك أحد ما تستتر به فأفتى بعض فقهاء بعض ذلك الزمان أنه ينزل بالليل ولا حنث على الحالف وتلا قوله: * (وجعلنا الليل لباسا) * وهذا على مراعاة الالفاظ في الايمان بين، وعلى مراعاة العرف أو البساط أو النية على أصل مالك فلا بد من حنثه، والاول مذهب الحنفية وألزمه ابن رشد لابن القاسم في مسألة إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقتان، إذا دخلت إحداهما فعلى هذا المذهب يحتمل أن لا إعادة عليها للصلاة لان الليل يستره انتهى والله أعلم. ص: (وهي من رجل وأمة وإن بشائبة وحرة مع امرأة بين سرة وركبة) ش: قال في الطراز: لا خلاف أن ما فوق سرته وركبته ليس بعورة ولا في أن سوأتيه عورة، واختلف فيما عدا ذلك انتهى. والذي


[ 180 ]

يقتضيه نصوص أهل المذهب أنه يجب على الرجل أن يستر من سرته لركبته. وقال الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في فصل القذارة، إن إظهار بعض الفخذ مكروه على المشهور، وقيل: حرام انتهى. والذي يظهر من قول المصنف في التوضيح. وأما حكمها أي المرأة مع النساء فالمشهور أنها كحكم الرجل مع الرجل أن الفخذ كله عورة، وقد صرح به الفاكهاني في شرح الرسالة في باب ما يفعل بالمحتضر عند قوله: والمرأة تموت في السفر قال: فرع: منع الاب والابن من تجريد البنت والام وجعل للنساء تجريد المرأة للغسل، ففي ذلك دليل على أن عورة المرأة في حق المرأة كعورة الرجل في حق الرجل، وهو من السرة إلى الركبة فقط انتهى. وصرح به أيضا صاحب المدخل ونصه في فصل لباس الصلاة: وحكم المرأة مع المرأة على المشهور كحكم الرجل مع الرجل، وحكمهما أن من السرة إلى الركبة لا يكشفه أحدهما للآخر بخلاف سائر البدن انتهى. وقال فيه أيضا: إذا لبست السراويل تحت السرة فتكون قد ارتكبت النهي فيما بين السرة إلى حد السراويل انتهى. والذي اختاره ابن القطان تحريم النظر إلى الفخذ، وأما تمكين من يدلك فذلك حرام نص عليه في المدخل في دخول الحمام فإنه عد من شروط جواز دخوله أنه لا يمكن دلاكا يدلك له فخذيه. وكذلك ابن القطان قال: إنه أشد من النظر إليه وهو ظاهر كلام البساطي في هذا المحل بل صريحه. وأما الضرب على الفخذ فاختار ابن القطان جوازه. وقال ابن عبد البر في التمهيد: قال مالك: السرة ليست بعورة وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته. انتهى من شرح الحديث السادس لابن شهاب فتأمله. فائدة: قال البرزلي قبل مسائل الطهارة: سئل شيخنا الامام عن السوءتين فقال: هما من المقدم الذكر والانثيان، ومن الدبر ما بين الاليتين انتهى. وقوله: وأمة يريد مع المرأة ومع الرجل. وصرح به الشيخ زروق في شرح الارشاد. وقال في الكافي: وعورة الامة كعورة إلى الرجل إلا أنه يكره النظر إلى ما تحت ثيابها لغير سيدها وتأمل ثديها وصدرها وما يدعو الفتنة منها، ويستحب لها كشف رأسها ويكره لها كشف جسدها انتهى. وقوله: وإن بشائبة قال


[ 181 ]

في مختصر أحكام النظر للقباب: مسألة المعتق بعضها حكمها كحكم الحرة لظاهر الآية انتهى من الباب الاول. ص: (ومع أجنبي غير الوجه والكفين) ش: قال الابي عن القاضي عياض: وقيل: ما عدا الوجه والكفين والقدمين انتهى. واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين. قاله القاضي عبد الوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة وهو ظاهر التوضيح. هذا ما يجب عليها وأما الرجل فإنه لا يجوز له النظر إلى وجه المرأة للذة، وأما لغير اللذة فقال القلشاني عند قول الرسالة: ولا بأس أن يراها الخ. وقع في كلام ابن محرز في أحكام الرجعة ما يقتضي أن النظر لوجه الاجنبية لغير لذة جائز بغير ستر قال: والنظر إلى وجهها وكفيها لغير لذة جائز اتفاقا لان الاجنبي ينظر إليه. وكلامه في المطلقة الرجعية، وكلام الشيخ هنا يدل على خلافه وأنه إنما يباح النظر لوجه المتجالة دون الشابة إلا لعذر والله


[ 182 ]

تعالى أعلم. ص: (ككشف أمة فخذا لا رجل) ش: قال الشيخ أبو إسحاق: أصل العورة من سرته إلى ركبتيه ثم قال: وأما الامة فإنها تستر في الصلاة ما يستر الرجل ولو صلت هي والرجل مكشوفي البطن أضرهما، ولو صلت الامة مكشوفة الفخذ لاعادت في الوقت عند أصبغ، بخلاف الرجل إذا صلى مكشوف الفخذ انتهى. تنبيه: قال سحنون في كلامه في هذه المسألة: من نظر إلى إمامه منكشفا أعاد الصلاة. ابن رشد: معناه أنه إذا تعمد النظر لانه مرتكب للمحظور في صلاته، وأما إن لم يتعمد فهو بمنزلة من لم ينظر إذ لا إثم عليه ولا حرج، ويلزم على قوله أن تبطل صلاة من عصى الله في صلاته بوجه من وجوه العصيان خلاف ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي من أنه لا تبطل صلاته بذلك. قال: أرأيت لو سرق دراهم لرجل ؟ انتهى من سماع موسى ونقله ابن عرفة ونصه: وفي بطلان صلاة من تعمد نظر عورته من مموميه قولا سحنون والتونسي. وخرج ابن رشد عليهما بطلانها بغصب فيها، ونقل ابن حارث قول سحنون متفقا عليه، ثم ذكر كلام ابن عيشون والله أعلم. وفي مسائل الصلاة من البرزلي في مسائل بعض القرويين مسألة من سقط ثوبه فرده في الحال في صلاته قولان انتهى. وقبله مسألة من حس في ذكره نداوة وهو في الصلاة فرفعه ونظره فلم ير به شيئا بطلت صلاته، لانه رأى عورة نفسه انتهى. ص: (ومع محرم غير الوجه والاطراف) ش: قال الابي عن عياض: وعورتها على ذي المحرم ما سوى الذراعين وسوى ما فوق المنحر انتهى. وقال البساطي: وعورتها أي المرأة مع محرم من الرجال ما عدا الوجه وأطراف القدمين والكوعين والشعر من الرأس وما أشبه ذلك انتهى. قال القرافي في جامع الذخيرة: ولا بأس من أن ينظر الرجل إلى شعر أم زوجته ولا ينبغي إن قدم من سفر أن


[ 183 ]

تعانقه انتهى. وقال في جامع الموطأ في فصل السنة من الشعر: قال مالك: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس. قال الباجي: قول مالك رحمه الله تعالى: ليس على الرجل الخ. يريد والله أعلم على الوجه المباح من نظره إلى ذوات المحارم كأمه وأخته وابنته ولا خلاف في ذلك كما أنه لا خلاف في منعه على وجه الالتذاذ والاستمتاع والله أعلم انتهى. وقال الابي وأظنه عن النووي: وكل ما أبيح النظر إليه من جميع ما تقدم فإنما هو بغير شهوة، وأما مع الشهوة فممتنع حتى نظر الرجل إلى ابنته وأمه وكل ما منع النظر إليه أيضا من جميع ما تقدم فإنما هو لغير حاجة، فإن كان لحاجة جاز انتهى. وقال في جامع الكافي: ولا بأس أن ينظر إلى وجه أم امرأته وشعرها وكفيها، وكذلك زوجة أبيه وزوجة ابنه، ولا ينظر منهن إلى معصم ولا ساق ولا جسد، ولا يجوز ترداد النظر وإدامته إلى امرأة شابة من ذوي المحارم أو غيرهن، إلا عند الحاجة إليه والضرورة في الشهادة ونحوها. وإنما يباح النظر إلى القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا والسلامة من ذلك أفضل انتهى. وقال ابن عبد البر في التمهيد في شرح الحديث المتقدم: وجائز أن ينظر إلى الوجه والكفين منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها بالشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة ؟ انتهى. ص: (وترى من الاجنبي ما يراه من محرمه) ش: قال ابن رشد في سماع أصبغ من كتاب الجامع في شرح مسألة دخول الحمام: اختلاف في بدن الرجل هل هو عورة على المرأة فلا يجوز لها أن تنظر منه إلا ما يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة ؟ والصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من ذوات المحارم انتهى. ص: (ولا تطلب أمة بتغطية رأس) ش: قال في المدونة:


[ 184 ]

وللامة من لم تلد من السراري والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها الصلاة بغير قناع ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد انتهى. قال ابن ناجي: ظاهره أن لها أن تصلي بالقناع لان اللام للتخيير وليس كذلك، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يضرب من تغطي رأسها من الاماء لئلا يشتبهن بالحرائر. ولفظ المدونة ويقتضيه لان نصها: والامة تصلي بغير قناع وذلك شأنها. وكذلك اختصره ابن يونس. فما اختصره البراذعي خلاف ما فيها. وأجاب المغربي بأن أبا سعيد إنما ذكره لئلا يتوهم أن حكمها كأم الولد، وما ذكره في الكتاب خلاف قول الجلاب: والمكاتبة بمنزلة أم الولد ومثله لابن عبد البر ابن عبد السلام، وينبغي على قول ابن الجلاب أن تكون عنده المعتق بعضها كذلك. وفي الجلاب أن المعتقة لاجل كالامة، وقال ابن عبد البر: ينبغي أن تلحق بأم بالولد. وقوله: ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد هو المطلوب انتهى. وقال سند: اختلف في قوله: وذلك شأنها هل أراد أنه يجوز أو يستحب ؟ ففي التفريع يستحب لها أن تكشف رأسها. والصواب أن ذلك جائز كما نقله أبو سعيد وذلك لان غايتها أن تكون كالرجل فإذا لم يكن ذلك مستحبا للرجل وإنما هو جائز ففي الامة أولى انتهى. وفي رسم الاقضية من سماع أشهب من كتاب النكاح: وسئل مالك أتكره أن تخرج الجارية المملوكة متجردة ؟ قال: نعم وأضربها على ذلك. قال محمد بن رشد: يريد متجردة مكشوفة الظهر أو البطن، وأما خروجها مكشوفة الرأس فهو سنتها لئلا تشتبه بالحرائر اللواتي أمرهن الله بالحجاب. قال في الواضحة: وما رأيت بالمدينة أمة تخرج وإن كانت رائعة إلا وهي مكشوفة الرأس في ضفائرها أو في شعر محمم لا تلقي على رأسها جلبابا لتعرف الامة من الحرة إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت اليوم جارية رائعة مكشوفة الرأس في الاسواق والازقة لوجب على الامام أن يمنع من ذلك ويلزم الاماء من الهيئة في لباسهن ما يعرفن به من الحرائر انتهى. وفي التوضيح: واعلم أنه إذا خشي من الامة الفتنة وجب الستر لخوف الفتنة لانه عورة انتهى. ص: (وأعادت إن راهقت للاصفرار) ش: ابن ناجي قال أشهب: وكذا الصبي يصلي عريانا وإن صليا بغير وضوء أعادا أبدا.


[ 185 ]

وقال سحنون: يعيدان فيما قرب ولا يعيدان بعد ثلاثة أيام. وكلاهما حكاه ابن يونس. وقول أشهب بعيد جدا لانه قلب النفل فرضا على ظاهر قوله: يعيد أبدا فظاهره ولو بعد البلوغ. وقال سحنون: قريب لانه كالاعادة في الوقت تمرينا انتهى. ص: (ككف كم أو شعر لصلاة) ش: قال الشيخ


[ 186 ]

زروق في شرح الارشاد عند قوله: ويكره كفت الكم والشعر وشد الوسط لها: المشهور إن كان ذلك لشغل ونحوه لم يضر، وإن كان لغير ذلك كره، وفي الاكمال كراهيته مطلقا. وقال الداودي: إنما يكره إذا كان لاجل الصلاة. قال: وهو خلاف قول السلف انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب طهارة الماء والثوب والبقعة: وأما صفة الكمال فهو أن يأخذ الانسان أهبته المعتددة من كمال الزي: وكره مالك للائمة الصلاة بغير رداء، والرداء مستحب في حق غير الائمة إذا كان ذلك زيهم المعتاد أو الحالة التي أدركتهم الصلاة عليها فلا يكره ذلك، والاكمل إرسال الشعر والثياب كما تقدم انتهى. وقال في شرح الرسالة في قوله: ويكره أن يصلى بثوب ما نصه: يريد والله أعلم أنه يكره أن يصلي ولحم كتفه بارز مع القدرة على ما يستره به من اللباس لا أنه يكره أن يزيد رداء ونحوه على قميص عليه أو كان ما في معنى القميص مما هو ساتر لكتفيه، نعم ذلك أولى. والفرق بين المكروه وترك الاولى واضح بين وإن كان قد يطلق على ترك الاولى الكراهة، ثم نقل كراهة الصلاة في مئزر أو سراويل عن القرطبي في شرح مسلم. ثم قال: واعلم هذا الموضع فإن بعض فقهاء العصر كان يحمل الكراهة على أنه إذا لم يزد شيئا آخر على كتفيه وإن كان عليه قميص ساتر لهما وهو وهم لا شك فيه على ما تقرر وكأنه لم يفرق بين المكروه وترك الاولى انتهى. فرع: يكره شد الوسط للصلاة، ذكره في الارشاد وغيره. ص: (وتلثم) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد عند قول صاحب الارشاد: ويمنع التلثم في الصلاة أما التلثم فيمنع إذا كان لكبر ونحوه، ويكره لغير ذلك إلا أن يكون ذلك شأنه كأهل المتونة، أو كان في شغل عمله من أجله فيستمر عليه، وتنقب المرأة للصلاة مكروه لانه غلو في الدين، ثم لا شئ عليها


[ 187 ]

لانه زيادة في الستر انتهى. ص: (ككشف مشتر صدرا أو ساقا) ش: قال ابن غازي: يعني أنه يكره لمشتري الامة كشف صدرها أو ساقها للتقليب. وذكر اللخمي عن مالك في الواضحة أنه يكره للرجل أن يكشف من الامة عند استعراضه إياها شيئا لا معصما ولا صدرا ولا ساقا. وفي بعض النسخ مسدل عوض مشتر. والمعروف في اللغة سادل من سدل ثلاثيا انتهى. وقال البرزلي في مسائل الانكحة ابن الحاجب: نظره للامة ليبتاعها مباح. قلت: ما وقع في المدونة في الخيار وقد تجرد للتقليب قال ابن محرز: ظاهر هذا يوهم جواز تجريد الرقيق عند الشراء لينظر إليها وليس كذلك، وإنما معناه يفعلون ذلك وليس بصواب من فعلهم. وظاهر ما حكى هذا الشيخ أن النظر إليها مباح على حد ما يجوز في الحرائر في الخطبة وأشد من ذلك ما يفعلون في هذا الزمان أنه يحبس صدرها وثديها وهو أشد من النظر كما تقدم في الصيام، ولا يجوز باتفاق فيما أعلم لا سيما من بعض من لا يتقي الله تعالى انتهى. فظاهره أن النظر إلى الصدر والثدي لا يجوز، وهو خلاف ما قاله في الواضحة فتأمله والله أعلم. ص: (وصماء بستر) ش: مسألة: قال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ولا بأس أن يصلي محلول الازرار وليس عليه سراويل ولا مئرز، وهو أستر من الذي يصلي متوشحا بثوب. ومن صلى بسراويل أو مئرز وهو قادر على الثياب لم يعد في الوقت ولا غيره انتهى. ونقله ابن عرفة عنها. قال ابن ناجي: الازرار جمع زر وهي الاقفال التي يقفل بها الثوب من ناحية الصدر. أبو محمد صالح: هذا إذا كجن مستور العورة لئلا ترى عورته. والتوشح قال البوني في شرح الموطأ: هو أن يلتحف بالثوب ويخالف بين طرفيه ويعقده في عنقه. ابن يونس: والسدل أن يسدل طرف


[ 188 ]

إزاره ويكشف صدره وفي وسطه مئرز أو سراويل فيتم صلاته لانه مستور انتهى. وقال أبو الحسن: الازرار جمع زر وهي الاقفال التي يقفل بها الثوب الذي يكون مشقوقا من تحت حلقه. قال الشيخ أبو محمد صالح: إنما يجوز إذا كانت لحيته كثيفة لانه لا ينظر إلى عورته، وظاهر الكتاب وسواء كان ملتحياه أو غيره انتهى. وظاهر كلام ابن ناجي أن كلام أبي محمد تقييد للكتاب ولم ينقل ابن عرفة كلام أبي محمد ولا غيره. وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: وسئل مالك عن الصلاة في البرنس قال، هي من لباس المصلين وكانت من لباس الناس القديم وما أرى بها بأسا وأستحسن لباسها. وقال: هي من لباس المسافرين للبرد والمطر. قال: ولقد سمعت عبد الله بن أبي بكر وكان من عباد الناس وأهل الفضل وهو يقول: ما أدركت الناس إلا ولهم ثوبان: برنس يغدو به، وخميصة يروح بها. ولقد رأيت الناس يلبسون البرانس فقيل له: ما كان ألوانها ؟ قال: صفر. قال ابن رشد: البرانس ثياب متان في شكل القفايز عندنا مفتوحة من أمام تلبس على الثياب في البرد والمطر مكان الرداء، فلا تجوز الصلاة فيها وحدها إلا أن يكون تحتها قميص أو إزار أو سراويل لان العورة تبدو من أمامه. وهذا في البرانس العربية، وأما البرانس العجمية فلا خير في لباسها في الصلاة ولا في غيرها لانها من زي العجم وشكلهم. وأما الخمائص فهي أكسية من صوف رقاق معلمة وغير معلمة يلتحف فيها، كانت من لباس الاشراف في أرض العرب. فقوله: برنس يغدو به محمل يريد يلبسه على ما تحته من الثياب وخميصة يروح فيها يعني يلتحفها على ما عليه من الثياب والله أعلم انتهى. ونقل ابن عرفة هذا السماع والكلام ابن رشد عليه باختصار أجحف فيه إلى الغاية والله أعلم. وقال في المسائل الملقوطة: مسألة ابن حبيب يحرم ليس البرانس التي من زي النصارى، ويؤدب لابسه وعليه الاثم والفدية إن لبسه وهو محرم. ذكره تسهيل المهمات في قوله في الحج: ويحرم على الرجل لباس المخيط انتهى. وقال الابي في شرح مسلم في كتاب الايمان في آخر شرح حديث أسامة: البرنس - بضم الباء والنون - كل ثوب رأسه منه من دراعة كان أوجبة أو غيرها انتهى. ص: (وعصى وصحت إن لبس حريرا أو ذهبا) ش: تصوره ظاهر.


[ 189 ]

تنبيه: لباس الحرير الخالص حرام على الرجال بالاجماع. قال ابن رشد: أجمع أهل العلم على أن لباس الحرير المصمت الخالص محرم على الرجال انتهى من أواخر كتاب الجامع. وقال ابن عرفة: ولبس الرجل الحرير الخالص حرام انتهى. وأما الخز فقال: في أول مسألة من كتاب الجامع قال مالك: رأيت ربيعة يلبس قلنسوته وبطانتها وظهارتها خز وهو إمام. قال محمد بن رشد: الخز ما كان سداه من حرير واللحم بالوبر، وقد اختلف فيه وفيما كان من معناه من الثياب المحشوة بالقطن والكتان كالمحررات التي سداها من حرير ولحمتها قطن أو كتان على أربعة أقوال: أحداها: إن لباسها جائز من قبيل المباح من لبسها لم يأثم بلبسها ومن تركها لم يؤجر على تركها، وهو قول ابن عباس وجماعة من السلف منهم ربيعة. الثاني: إن لباسها غير جائز وإن لم يطلق عليه أنه حرام، فمن لبسها أثم ومن تركها نجا وهو مذهب ابن عمر. الثالث: إن لباسه مكروه فمن لبسه لم يأثم ومن تركه أجر، وهذا هو أظهر الاقوال وأولاها بالصواب لانه مما اختلف أهل العلم فيه لتكافئ الادلة في تحليله وتحريمه فهو من المشتبهات التي قال فيها (ص): من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه وعلى هذا القول يأتي ما حكى مطرف من أنه رأى على مالك كساء إبريسم كساه إياه هارون الرشيد إذ لم يكن يلبس ما يعتقد أنه يأثم بلبسه.


[ 190 ]

الرابع: الفرق بين ثياب الخز وسائر الثياب، فيجوز لباس الخز ولا يجوز لباس ما سواه، وإليه ذهب ابن حبيب وهو أضعف الاقوال انتهى باختصار. مسألة: ستر الحيطان به لا بأس به. قال ابن رشد إثر كلامه في البسط بخلاف ستور الحرير المعلقة في البيوت: لا بأس بها لانها إنما هي لباس لما سترته من الحيطان انتهى. فظاهره أنه لا بأس بها على قول ابن الماجشون وعلى قول الجمهور فتأمله، ويأتي نحوه عن النوادر. وذكر صاحب المدخل في فصل خروج النساء للحمل: إن مساند الحرير والبشخانات التي تعلق على السرير لا تحوز للرجال ولا للنساء انتهى. وهو غريب أما النساء فلا وجه لمنعهن منه لان ذلك نوع من اللباس، وأما الرجال فلا شك أن استنادهم إليه لا يجوز. وأما البشخانات المعلقة فالظاهر أنه يجوز وأنها داخلة في الستور كما ذكر اجن رشد، ولو منع ذلك لمنع دخول الكعبة لان سقفها مكسو بالحرير وكسوها بالحرير جائز بل مندوب، وانظر ابن عرفة هنا وفي فصل الوليمة، وانظر البرزلي في الكتابة في الحرير. وقال ابن رشد: واختلف أيضا في إجازة لباس الحرير في الحرب فأجازه جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك لما في ذلك من المباهات والارهاب، ولما بقي عند القتال من النبل وغيره من السلاح وهو قول ابن عبد الحكم وحكاه ابن شعبان عن مالك من رواية عيسى عن ابن القاسم خلاف قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في رسم حلف من سماعه من كتاب الجهاد انتهى. وقال ابن رشد في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد: وأما اتخاذ الراية من الحرير فلا خلاف في جواز ذلك انتهى. وقول ابن عرفة وأجاز منه الراية ابن القاسم وابن حبيب وتعليقه سترا والكل خيط العلم والخياطة به، وجوز بعض أصحاب المازري الطوق واللبنة. ابن حبيب: لا يجوز جيب ولا زر انتهى. يوهم أن غير ابن القاسم وابن حبيب يمنع ذلك فتأمله. مسألة: قال ابن عرفة: أجاز ابن حبيب لبسه لحكة، وابن الماجشون للجهاد، ورواه والمشهور منعهما انتهى. واقتصر في الجلاب على إجازة لبسه للحكة والجهاد والله أعلم. مسألة: قال في أواخر كتاب الجامع: وسألت عبد الملك عن الرجل تكون له القطيفة من الحرير أو الشملة من الحرير فيلتحفها، أو تكون له الوسادة من الحرير يتكئ عليها أو يجلس، فهل الجلوس على الحرير والالتحاف به محرم كتحريم لباسه ؟ فقال: أما بسطه فلا بأس قد فعله الناس، وأما ما يلبس فمنهي عنه. والملحفة من اللباس ابن رشد: اختلف في استعمال الرجال له في غير اللباس كالبسط والارتفاق به وشبهه، فرخص فيه بعض العلماء منهم عبد الملك بن الماجشون في غير هذه الرواية، والذي عليه الاكثر والجمهور أن ذلك بمنزلة اللباس انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ إجازة ابن الماشجون: افتراشه والاتكاء عليه خلاف قول مالك. فقول ابن العربي يجوز للزوج الجلوس عليه تبعا لزوجته لا أعرفه انتهى. وابن العربي حجة حافظ وقال: بجوازه وهو حجة عليه انتهى. وقد نقل صاحب المدخل عن شيخه الامام أبي محمد بن أبي


[ 191 ]

جمرة وناهيك بهما في الورع والتشديد، أنه لا يجوز للرجل افتراشه الحرير إلا على سبيل التبع للزوجة ولا يدخل الفراش إلا بعد دخولها ولا يقيم فيه بعد قيامها، وإذا قامت لضرورة ثم ترجع لا يجوز له أن يبقى على حاله بل ينتقل إلى موضع يباح له حتى ترجع إلى فراشها. وإن قامت وهو نائم فتوقظه أو تزيله عنه ويجب عليه أن يعلمها ذلك انتهى. من فصل خروج النساء للمحمل. ونقل الجزولي في ذلك قولين فانظره. والعجب من ابن ناجي حيث جزم بمنع ذلك فقال في كتاب الطهارة: ولا يجوز للرجل المتعة به بحكم التبع لزوجته خلافا لابن العربي انتهى. مع أن شيخه ابن عرفة لم يجزم بذلك. مسألة: ما رقم بالحرير لا يجوز الجلوس عليه. قال في أوائل كتاب الصلاة من النوادر عن عمر وغيره: ولا يجعل من الحرير لا جيب في فرو، ولا زر، ولا يفرش، ولا يصلي على بسطه، ولا يتكئ عليه، ولا يلتحف بملحفة أو ما بطن بحرير أو بمساند الصوف المرقومة بالحرير ولا بديباج، وهو كاللباس بخلاف الستر من الحرير ولا يركب عليه، ولا بأس أن يعلق سترا، ولا بأس أن يستمتع بجميع أنواع ثياب الحرير ما عدا ما وصفت لك، وفرق بين الستر وما يلبس وما ينتقب به ويتكئ عليه من الحرير، ولا بأس أن يحاط الثوب بحرير انتهى. وفي كتاب الجامع من الذخيرة في النوع الثالث في اللباس قال ابن حبيب: ولا يستعمل ما بطن بالحرير أو حشي به أو رقم به. قال القاضي أبو الوليد: يريد إذا كان كثيرا انتهى. فرع: قال ابن يونس في أوائل الحج الاول من المدونة: وكره لبس الحرير والذهب للصبيان الذكور كما كرهه للرجال. قال ابن القاسم: وأرجو أن يكون الخز للصبيان خفيفا انتهى. وتقدم هذا النقل عند قول المصنف: وحرم استعمال ذكر مجلي والله أعلم. وذكر في المدخل في فصل خروج النساء للمحمل بعد أن ذكر أن الرجل لا يجوز له افتراش الحرير ولا التحاقة به إلا تبعا للزوجة ما نصه: وأما الاولاد الذكور ففيهم خلاف والمنع أولى، ويستخف ذلك في الرضيع للمشقة الداخلة على أمه انتهى. فرع: قال البرزلي في أواخر كتاب الجامع: وأما الالوان من اللباس فخيره البياض. ابن العربي ما لم يكن خلقا فيكره لحديث الانكار على الراعي في لبس ثوبين خلقين حتى لبسهما جديدين، وأما الاحمر ومنه المعصفر والمزعفر فأجازه مالك والشافعي وأبو حنيفة، وكره بعض العراقيين المزعفر للرجال. ثم قال عن الباجي: والممشق بالمغرا مما اتفق على جوازه وأطال في ذلك فانظره، وانظر رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع ورسم نذر سنة منه، وانظر كلام المازري في كتاب اللباس من المعلم. وقال النووي في شرح مسلم: مذهب مالك جواز لبس المعصفر والاولى تركه والله أعلم. فرع: قال في الكافي: ويستحب أن يتجمل بأحسن الثياب في الصلاة ويستحب للامام أفضل ذلك وأحسنه زينة كالرداء وشبهه انتهى. ص: (أو ذهبا) ش: تصوره ظاهر.


[ 192 ]

تنبيه: قال في الاكمال في كتاب الاطعمة: واختلف في التوضؤء من آنية الذهب والفضة فعندنا أنه يصح مع تحريم فعله. وقال داود: إنه لا يصح انتهى. ص: (أو نظر محرما فيها) ش: قال ابن غازي: ظاهره حتى عورة إمامه وعورة نفسه خلافا لابن عيشون الطليطلي إذا نقل عنه ابن عرفة وغيره أن من نظر عورة إمامه أو عورة نفسه بطلت صلاته بخلاف غيرهما ما لم يشغله ذلك أو يتلذذ به انتهى. فقف على جعله النظر إلى عورة نفسه محرما وقادحا إلا أن هذا في الصلاة، وأما في غيرها فغاية ما ذكره أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أن من آداب الاحداث أن لا ينظر إلى عورته ولا إلى الخارج منها إلا لضرورة والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى كلام ابن غازي. وقوله: جعله أي جعل ابن عيشون الطليطلي وفي مسائل الصلاة من البرزلي في مسائل بعض القرويين من حس في ذكره نداوة وهو في الصلاة فرفعه ونظر فلم ير شيئا بطلت صلاته، لانه رأى عورة نفسه انتهى. وفي العتبية قال سحنون في الكلام على ستر العورة: من نظر إلى عورة إمامه متكشفا أعاد الصلاة. قال ابن رشد: معناه إذا تعمد النظر لانه مرتكب للمحظور في صلاته، وأما إن لم يتعمد فهو بمنزلة من لم ينظر إذ لا إثم عليه ولا حرج، ويلزم على قوله أن تبطل صلاة من عصى الله في صلاته بوجه من وجوه العصيان خلاف ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي من أنه لا تبطل صلاته بذلك. قال: أرأيت لو سرق دراهم لرجل ؟ انتهى من سماع عيسى، ونقله ابن عرفة ونصه: وفي بطلان صلاة من تعمد نظر عورة من مأمومه قولا سحنون والتونسي، وخرج ابن رشد عليهما بطلانها بغضب فيها، ونقل ابن حارث قول سحنون متفقا عليه، ثم ذكر كلام ابن عيشون والله أعلم.


[ 193 ]

تنبيه: قال الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة في باب الفطر والختان ما نصه: حكى ابن القطان في نظر الانسان عورته من غير ضرورة قولين بالكراهة والتحريم. قال الترمذي الحكيم: ومن داوم على ذلك ابتلي بالزنا انتهى كلام الشيخ زروق. والذي رأيته في أحكام النظر لابن القطان إنما هو قول عن بعض العلماء بالكراهة ورده، وكذلك اختصره القباب وهذا نص ما اختصره القباب: مسألة: هل يجوز نظر الانسان إلى فرج نفسه من غير حاجة إلى ذلك ؟ كرهه بعض الفقهاء ولا معنى له، ولعله أراد أنه ليس من المروءة وإلا فلا مانع من جهة الشرع انتهى. وإنما ذكرت عبارة المختصر لانها حازت فقه الاصل جميعه وحذفت أدلته وأبحاثه والله أعلم. ص: (وإن لم يجد إلاستراف الاحد فرجيه) ش: قال في التوضيح في باب التيمم في شرح قوله: ما صح عن المازري يجب عليه ستر ما قدر من عورته إذا لم يجد ما يكفيه إلا لبعضها انتهى. ص: (فإن علمت في صلاة بعتق مكشوفة رأس أو وجد عريان ثوبا استترا إن قرب وإلا أعادا بوقت) ش: يعني أن الامة إذا صلت مشكوفة الرأس ثم علمت بالعتق في الصلاة فإنها


[ 194 ]

فصل في استقبال القبلة تستر رأسها إن وجدت عندها شيئا قريبا تستر به رأسها، فإن لم تجد شيئا أو وجدت شيئا بعيدا فإنها تكمل صلاتها وتعيد في الوقت. وكذلك من صلى عريانا لكونه لم يجد ثوبا يستر به ثم وجد ما يستر به فإنه إن كان قريبا منه أخذه واستتر به وكمل صلاته، وإن لم يكن قريبا فإنه يكمل صلاته ثم يعيدها في الوقت، وأما إن لم يجد ثوبا إلا بعد فراغه من الصلاة فلا إعادة عليه كما تقدم في قوله: لا عاجز صلى عريانا. وفي رسم يوصى لمكاتبه من سماع عيسى سألت ابن القاسم عن الغريق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة ؟ قال: لا يعيد الصلاة. ابن رشد: هذا صحيح لانه الفرض في ستر العورة قد سقط عنه بعدم القدرة عليه في الوقت الذي صلاها فيه إذ هو وقت وجوب على الصحيح من الاقوال انتهى. فصل في استقبال القبلة ومع الامن من استقبال عين الكعبة لمن بمكة يعني أن من شروط الصلاة مع الامن يريد والقدرة والذكر استقبال عين الكعبة الخ. وقولنا: والقدرة ليخرج المريض والمربوط ومن تحت الهدم. وقولنا: والذكر ليخرج الناسي وسيأتي الخلاف فيه. قال ابن عرفة: واستقباله الكعبة فرض في الفرض إلا لعجز قتال أو مرض أو ربط أو هدم أو خوف لصوص أو سباع انتهى.


[ 195 ]

فرع: قال ابن عرفة اللخمي: ووقته كالتيمم، ولو قال المصنف: ومع القدرة لشمل جميع ما ذكره ابن عرفة. تنبيه: قال ابن بشير في باب صلاة المريض: فإن عجز عن استقبال القبلة بنفسه حول إليها، فإن عجز عن تحويله سقط حكم الاستقبال في حقه كالمسايف، وفي الكتاب إذا صلى لغير القبلة أعاد في الوقت بمنزلة الصحيح، وأما من صلى وهو قادر على التحول والتحويل فينبغي أن يعيد في صلاته أبدا، وأما من لم يقدر على ذلك لفقد من يحوله فينبغي أن يختلف في إعادته كما اختلف في المريض يعدم من يناوله الماء فيتيمم ثم يجد من يناوله انتهى. وفي الواضحة: إذا لم يجد المريض من يحوله للقبلة صلى على حاله. قاله في التيمم. وقال ابن يونس في ترجمة صلاة المريض والقادم ومن المدونة: وليصل المريض بقدر طاقته ولا يصلي إلا إلى القبلة، فإن عسر تحويله إليها احتيل فيه، فإن صلى إلى غيرها أعاد في الوقت إليها. ابن يونس: ووقته في الظهر والعصر الغروب كمن صلى بثوب نجس لا يجد غيره. قال أصبغ في الواضحة: هذا إذا لم يستطع التحويل إلى القبلة ولم يجد من يحوله فيصلي كما هو، فإذا قدر أو وجد من يحوله أعاد في الوقت. ابن يونس: يريد ولو كان واجدا من يحوله فتركه وصلى إلى غير القبلة أعاد أبدا كالناسي انتهى. وقوله: استقبال عين الكعبة يريد بجميع بدنه فلو خرج عضو منه عن الكعبة بطلت صلاته. ونقله ابن المعلى في مناسكه في الفصل الثاني في كيفية الاحرام وبيان المناسك. ناقلا له عن القرافي ونصه: تنبيه: قال شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى: من قرب من الكعبة ففرضه استقبال السمت قولا واحدا، فإذا صف صف مع حائط الكعبة فصلاة الخارج عنها ببدنه أو ببعضه باطلة، لانه مأمور بأن يستقبل بجملته الكعبة فإن لم يحصل له ذلك استدار قال: وكذلك الصف الطويل بقرب الكعبة يصلون دائرة وقوسا إن قصروا عن الدائرة انتهى. وقال في العارضة: الفرض في الاستقبال لمن عاين البيت عينه ولمن غاب عنه نحوه. وقال بعض علماؤنا: يلزم طلب العين وهذا باطل قطعا فإنه لا سبيل إليه لاحد، وما لا يمكن لا يقع به التكليف، وإنما الممكن طلب الجهة فكل أحد يقصد قصدها وينحو نحوها بحسب ما يغلب على ظنه إن كان من أهل الاجتهاد. فإن لم يكن من أهل الاجتهاد قلد أهل الاجتهاد انتهى. ثم قال: العامي يصلي في كل مسجد أو جنب كل أحد، والمجتهد يجتنب المساجد المخالفة للحق، فإن دعته إلى ذلك ضرورة صلى وانحرف إن أمن من المقالة السيئة والعقوبة، وإن لم يأمن صلى هنالك وأعاد في بيت أو مسجد على الصواب انتهى. ثم قال في البحث مع الشافعي فيمن أخطأ القبلة: قلنا: إذا اجتهد في مكة فأخطأ لزمته الاعادة لوجود النص، وإذا اجتهد في غير مكة لم يعد لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد انتهى. وقال ابن الحاجب: أما لو خرج عن السمت بالمسجد الحرام لم يصح ولو كان في الصف، وكذا من بمكة فإن لم يقدر استدل فإن


[ 196 ]

قدر بمشقة ففي الاجتهاد نظر. قال في التوضيح: قوله: أما لو خرج عن السمت واضح لكونه خالف ما أمر به. وقوله: وكذلك من بمكة أي فتجب عليه المسامتة لقدرته على ذلك بأن يطلع على سطح أو غيره ويعرف سمت الكعبة بالمحل الذي هو فيه. وقوله: فإن لم يقدر استدل كما لو كان بليل مظلم واستدلاله بالمطالع والمغارب وقوله: فإن قدر بمشقة أي على المسامتة كمد لو كان يحتاج إلى صعود السطح وهو شيخ كبير أو مريض والتردد حكاه ابن شاس عن بعض المتأخرين انتهى. قال ابن فرحون: قوله: فإن لم يقدر استدل يعني أن من كان في بيته ولم يقدر على الخروج فإنه يستدل بأعلام البيت مثل جبل أبي قبيس ونحو ذلك، أو يستدل بالمطالع والمغارب إن كان له علم بذلك. ص: (فإن شق ففي الاجتهاد نظر) ش: قال ابن فرحون: قال ابن رشد: الصواب المنع. ص: (وبطلت إن خالفها ولو صادف) ش: يشير إلى ما نقله صاحب الذخيرة عن صاحب الطراز ونصه: قال: إذا أداه الاجتهاد إلى جهة فصلى إلى غيرها ثم تبين أنه صلى إلى الكعبة، فصلاته باطلة عندنا وعند الشافعي وأبي حنيفة لتركه الواجب قال: كما لو صلى ظانا أنه محدث ثم تبين أنه متطهر انتهى. ص: (وصوب سفر قصر لراكب دابة فقط) ش: قوله: قصر هو شرط في صلاته على الدابة، استقبل أم لا. وأما إن لم يكن سفر قصر فلا يتنفل على الدابة. قال في المدونة في كتاب الصلاة الاول في


[ 197 ]

ترجمة الذي يقدح الماء من عينيه والمسافر أن ينتفل على الارض ليلا ونهارا، وأن يصلي في السفر الذي تقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة ويسجد إيماء، وإذا قرأ سجدة تلاوة أومأ، فأما في سفر لا يقصر فيه أو في حضر فلا وإن كان إلى القبلة انتهى. أبو الحسن عن اللخمي: ولا يتنفل المسافر وهو ماش والله أعلم. فرع: إذا انحرف إلى جهة بعد الاحرام من غير عذر ولا سهو، فإن كانت القبلة فلا شئ عليه فإنها الاصل، وإن كان غيرها بطلت صلاته. وقاله الشافعي. وأما إذا ظن أن تلك طريقه أو غلبته دابته فلا شئ عليه. وقال الشافعية: يسجد للسهو، فلو وصل منزلا وهو في الصلاة نزل وأتم بالارض راكعا وساجدا إلج على قول من يجوز الايماء في النافلة للصحيح فإنه يتم صلاته على دابته، وإن لم يكن منزل إقامة خفف قراءته وأتم صلاته على الدابة لانه يسير. انتهى من الذخيرة عن صاحب الطراز. ص: (وإن بمحمل) ش: قال ابن عرفة: ومن تنفل في محمله فقيامه تربع ويركع كذلك ويداه على ركبتيه، فإذا ركع رفعهما ويومئ بالسجود وقد ثنى رجليه فإن لم يقدر أومأ متربعا. وسمع ابن القاسم: المصلي في محمله يعيا فيمد رجليه أرجو خفته ولا يصلي محولا وجهه لدبر البعير. ابن رشد: ولو كان تحوله تلقاء الكعبة وسمع القرينان لا بأس بتنحية وجهه عن الشمس تستقبله. وروى اللخمي: يرفع عمامته عن جبهته إذا أومأ ويقصد الارض. ابن حبيب: ولا يسجد على قربوسه ويضرب دابة ركوبه وغيرها ولا يتكلم. ص: (في نفل) ش: يخرج به صلاة الجنازة على القول: بوجوبها وهو الظاهر، وقد صرح القرافي بأنها لا تصلى على الدابة ناقلا له عن الجواهر. قال في الطراز الثاني: الذي يستقبل فيه ولا يصلي فريضة ولا صلاة جنازة على راحلته انتهى. وذكره في الجواهر في أول باب الاستقبال. ص: (وإن وترا) ش: ولكن الافضل له أن يصلي وتره بالارض ولو كانت نيته أن


[ 198 ]

يتنفل على دابته قاله في المدونة. ص: (وقلد غيره عارفا مكلفا) ش: قال الشارح: الضمير المخفوض ب‍ غير راجع إلى المجتهد أي وقلد غير المجتهد وهو الاعمى العاجز والبصير الجاهل مكلفا عارفا انتهى. قال في الجواهر: وأما البصير الجاهل بالادلة فإن كان بحيث لو اطلع على


[ 199 ]

وجه الاجتهاد لاهتدى لزمه السؤال ولا يقلد، وإن لم يكن بحيث يهتدي يجتهد ففرضه التقليد. ص: (ومنحرف يسيرا) ش: هذا إن لم يكن في مكة، وأما إن كان في مكة فإنه يقطع. ابن عرفة: ومن انحرف يسيرا بغير مكة بنى مستقبلا انتهى. ولم ينقل فيه خلافا والله أعلم. ص: (وبعدها أعاد في الوقت) ش. فائدة: قال الزركشي في إعلام الساجد بأحكام المساجد في الباب الاول في أحكام المسجد الحرام وخصائصه السابع. قال ابن القاضي: من صلى بالاجتهاد فأخطأ إلى الحرم جاز لان النبي (ص) قال: البيت قبلة لاهل المسجد، والمسجد لاهل الحرم، والحرم لاهل مشارق الارض ومغربها هكذا حكاه عنه القاضي أبو سعيد الهروي في أواخر الاشراف عن غوامض الحكومات وهو غريب، وقد نقله شريح الروياني أيضا في أواخر آداب بالقضاء عنه عن أصحابنا فقال ابن أبي أحمد: قال أصحابنا: من توجه إلى البيت وهو بعيد عنه فأخطأ إلى الحرم جاز، وذكر هذا الحديث انتهى، وهذا شئ لا نعرفه لاصحابنا. نعم حكى عن مالك أنه قال: الكعبة قبلة لاهل المسجد، والمسجد قبلة أهل مكة، والحرم قبلة أهل الدنيا وهذا النقل عنه غريب. قلت: وأما الحديث فأخرجه البيهقي في سننه من حديث عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله (ص) قال: البيت قبلة لاهل المسجد، والمسجد قبلة لاهل الحرم، والحرم قبلة لاهل الارض قال الترمذي: تفرد به


[ 200 ]

عمر بن حفص وهو ضعيف لا يحتج به والحمل فيه عليه انتهى. ص: (وجازت سنة فيها وفي الحجر) ش: تصوره واضح وظاهره وترا أو غيره. وقال ابن عرفة فيها: لا يصلى فيها فرض أو وتر وركعتا الفجر أو طواف واجب، ورجح في سماع ابن القاسم عن منع ركعتي الفجر فيه إلى جوازهما فيه انتهى، ونحوه في التوضيح. وقال القاضي تقي الدين الفاسي بعد أن تكلم على صلاة الفريضة: ويلتحق بالفريضة نوافل في كونها لا تصلى في الكعبة. المكي في تاريخه المسمى: شفاء الغرام في الباب العاشر في حكم الصلاة في الكعبة وهي السنن كالعيدين والوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف الواجب، فإن صليت هذه النوافل في الكعبة فلا تجزئ على مشهور المذهب، وتجزئ على رأي أشهب وابن عبد الحكم انتهى، ونحوه في التوضيح. الظاهر أنها تجزئ على القولين. فعلى الاولى بأنه إنما يعيد الفرض في أول الوقت فلا يعيدها، وعلى القول: بأنه يعيد أبدا ليعيدها وقد نص على ذلك ابن بشير في كتاب الصلاة الاول في باب المواضع التي تلزم الصلاة فيها ونصه: ولا يصلى فيه يعني الحجر ولا في الكعبة السنن، فإن صلى فيه أو فيها ركعتي الطواف فهل يكتفي بهما في المذهب ؟ قولان، وهما على ما قدمته في المصلي في الكعبة هل يعيد أبدا أم لا انتهى. وقد علم أن الناسي إنما يعيد في الوقت، فالناسي هنا لا إعادة عليه، وأما العامد فقد اختلف الشيوخ في ذلك وأكثرهم على أن حكمه حكم الناسي وأنه يعيد في الوقت. وعليه فلا يعيد هذه النوافل، ولم أر في ذلك أي من أنها لو صليت لا تجزئ على المشهور إلا ما ذكره القاضي تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام. وقال المازري في شرح التلقين: الصلاة في الحجر كالصلاة في بطن الكعبة. لكن قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: من ركع ركعتي الطواف الواجب في الحجر ورجع إلى بلده فإنه يركعهما ويبعث بهدي، فأجراه مجرى من لم يركعهما. وقد تعقب ذلك عليه أن المصلي في بطن الكعبة تجزئه صلاته عندنا، وإنما يعيد ليأتي بما هو أكمل. فكان الواجب على هذا أن يعيد بهاتين الركعتين إذا وصل إلى بلده ويكون ذلك فوات وقت الصلاة انتهى. وقال ابن ناجي في الشرح الكبير على المدونة قال ابن يونس: قال ابن المواز عن ابن القاسم: ومن صلى المكتوبة في الحجر أعاد في الوقت، وإن ركع فيه الركعتين الواجبتين عن طواف السعي والافاضة أعاد واستأنف ما كان بمكة، فإن رجع إلى بلده ركعهما وبعث بهدي. ابن يونس: حمله في الفريضة يعيد في الوقت وكان


[ 201 ]

يجب على هذا أن لا يعيد الركعتين إذا بلغ بلده لذهاب الوقت. ويجب على قوله: في الركعتين أن يعيد الفريضة أبدا وإلا كانت تناقضا. ابن ناجي: مآ ذكره سبقه به عبد الحق إلا أنه لم يعزما تقدم إلا لاصبغ انتهى. وكلام عبد الحق الذي أشار إليه هذا هو الذي ذكره عنه ابن عرفة ونصه: وفي التهذيب عن أصبغ: يعيد الفرض في الوقت وركعتا طواف السعي والافاضة كتركهما عبد الحق: تناقض فيخرج قول إحداهما في الاخرى انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن: ويحتمل أن ذلك ليس بتناقض وإنما قال: يعيد الركوع بعد الرجوع إلى بلده تأسفا على ما فاته ليكون له بدل مثل ما قيل: فيمن فاته الفجر يصليه بعد طلوع الشمس ليكون له بدلا وتأسفا على ما فاته انتهى. والذي تحصل من هذه النقول أن ظاهرها أن صلاة هذه السنن في الكعبة والحجر ابتداء لا يجوز، وبعد الوقوع والنزول تجزئ على القولين في إعادة الفرض أبدا أو في الوقت، والراجح الاعادة في الوقت. وعلى الراجح إذا صلى هذه السنن في الحجر أو في الكعبة أجزأته، خلاف ما نقله القاضي تقي الدين الفاسي وجعله المشهور، وهو مفهوم من قول المصنف: وجازت سنة أي بعد الوقوع والنزول لا أنها تجوز ابتداء فتأمله والله أعلم. ص: (لاي جهة) ش: ظاهره أن الصلاة في الحجر جائزة أيضا لاي جهة، ولو استدبر البيت أو انحرف عنه إلى الشرق أو الغرب ولم أر في ذلك نصا. والظاهر أن ذلك لا يصح ولا يجوز، أما أولا فلان الكلام في صحة استقبال الحجر من خارج. قال اللخمي: ومنع مالك الصلاة في الحجر ولم يقل: في التوجه إليه في الصلاة من خارج شيئا، وقد قيل: إن الصلاة إليه باطلة لا تجزئ لانه لا يقطع أنه من البيت وقد تواترت أخبار عن النبي (ص) أنه من البيت. ولهذا ترك محجرا عليه من تلك الناحية دون غيرها، ومرت الاعصار عليه على ذلك والاخبار بمثل ذلك. فلو صلى مصل إليها لم أر عليه إعادة. وهذا في مقدار ستة أذرع، وأما ما زيد عليها فإنما زيد لئلا يكن ذلك الموضع مركنا فيؤذي الطائفين انتهى. وقوله: ولهذا ترك محجرا عليه الخ. يعني ولاجل أن الحجر من البيت ترك البيت محجرا عليه من تلك الناحية دون غيرها والله أعلم. وقال ابن عرفة بعد نقله كلام اللخمي المذكور وقول عياض: المقصود استقبال بنائه لا بقعته ولو كانت البقعة لاتفقوا على أن استقبال الحجر يبطلها ولو تيقن كونه منها انتهى. وموضع استدلال عياض المقصود استقبال بنائه لا بقعته لا قوله لاتفقوا، لانه إنما يدل على نفي الاتفاق ولم يدعه اللخمي ولا غيره والله أعلم. ويدل على عدم صحة استقباله ما ذكره القرافي لما حكى الخلاف في الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها قال: ومنشأ الخلاف، هل المقصود في الاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جملة بنائها وهوائها ؟ الاول: مذهب أبي حنيفة،


[ 202 ]

وسوى بين داخل البيت وظهره لوجود الهواء، والثاني: مذهب الشافعي فسوى بين جزء البناء داخل البيت وعلى ظهره، والثالث: مذهبنا وهو مقتضى ظاهر النصوص، فإن جزء البناء لا يسمى بناء ولا كعبة وأبعد منه جزء الهواء انتهى. وأيضا فقد قال اللخمي قبل كلامه المتقدم: ولو تنفل رجل في المسجد الحرام في خارج الكعبة إلى غير الكعبة وولاها ظهره لعوقب انتهى. فظاهر كلامه هذا العموم والله أعلم. وفي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة في آخر شرح المسألة التاسعة والعشرين من الرسم المذكور قال: واختلف فيمن صلى بمكة إلى الحجر فقيل: لا تجزئه صلاته لانه لا يقطع أنه من البيت. وقيل: تجزئه صلاته لتظاهر الاخبار أنه من البيت وذلك في مقدار ستة أذرع، لان ما زاد على ذلك ليس من البيت وإنما زيد فيه لئلا يكون مركنا فيؤذي الطائفين انتهى. وذكر في التوضيح كلام اللخمي مختصرا قال: وحكى في البيان في التوجه إليه قولين انتهى. ولعل القولين هما القول الذي ذكره اللخمي والذي اختاره، ولم يذكر ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم. وفي مناسك ابن جماعة الكبير في أواخر الباب العاشر: ولو استقبل المصلي الحجر ولم يستقبل الكعبة الشريفة لم تصح صلاته على الاصح عند الشافعية وهو قول الحنفية ومذهب المالكية. وقال اللخمي: إنه لو صلى إليه مصل لم أر عليه إعادة في مقدار ستة أذرع، وعند الحنابلة في صحة صلاته وجهان انتهى. فعلم من هذا ترجيح القول بعدم جواز الصلاة إليه لانه يجعله مذهب المالكية. وقال البساطي في قول الشيخ في كتاب الحج بخلاف الطواف والحجر: لا يصلى إلى الحجر فانظره فيه والله أعلم. ويفهم من كلام الشارح في الكبير أن قوله: لاي جهة راجع للكعبة ونصه: قوله: لاي جهة أي ولو جهة بابها. وهكذا روي عن مالك وعنه يستحب أن لا يصلي إلى جهة بابها. قال في البيان: واستحب أيضا أن يصلي إلى الناحية التي جاء أنه عليه الصلاة والسلام صلى إليها انتهى. وقال ابن الفرات في شرحه: وقوله لاي جهة هكذا روي عن مالك وروي عنه استحباب أن لا يصلي إلى الباب، وفي البيان: رأى مالك أولا الصلاة فيها إلى أي نواحيها شاء إذ لا فرق، ثم استحب الصلاة إلى الجهة التي جاء أنه (ص) صلى إليها انتهى. وكلام البيان الذي نقله عنه هو في رسم القرينان على ما نقله ابن عرفة ونصه: وسمع القرينان تخييره الراكع فيه في أي نواحيه ثم رجع إلى استحباب جعل الباب خلفه لفعله (ص) إياه انتهى، ونحوه في التوضيح فانظر رحمك الله بعين المصنف، وتأمل كيف يصح أن يحمل قول المصنف: لاي جهة على أنه عائد للحجر مع أنه لم يقل أحد بجواز الصلاة إليه ابتداء، وإنما الكلام في الصحة عد الوقوع كما يفهم من كلام اللخمي وغيره، والمصنف رحمه الله تعالى يتكلم في الجواز ابتداء ثم إن القول: بصحة استقباله إنما هو للخمي ولم يرجحه أحد، والقول الثاني اقتصر عليه البساطي ولا نعلم في المذهب شيئا يخالف ما نقله، ونقل ابن جماعة أنه مذهب مالك، وابن جماعة رجل ثقة في النقل. وأيضا فلم ينقل ذلك عن أحد من


[ 203 ]

الصحابة ولا غيرهم، ولو وقع مثل ذلك لنقل، بل المنقول أنه (ص) لما كان بمكة وكانت قبلته إلى الشام كان يحب أن لا يستدبر الكعبة، فكان يصلي بين الركنين فإذا كان يجب أن لا يستدبرها وهي غير قبلة، فكيف يمكن استدبارها مع كونها قبله ؟ وأيضا فمن القواعد المقررة في باب القبلة أن القدرة على اليقين تمنع الاجتهاد، فكيف يترك القبلة المقطوع بها ويصلي إلى ما لا يقطع به، وإنما ثبت بخبر الآحاد، واختلفت الآثار في قدره ؟ والذي أعتقده وأدين الله به أنه لا يجوز لاحد أن يستدبر الكعبة ويستقبل الشام أو يجعلها عن يمينه أو شماله، ويستقبل الشرق أو الغرب، ويحرم عليه ذلك وينهي عنه من فعله، فإن عاد أدب والله الموفق للصواب، وقال البساطي في شرح قول المصنف: وجازت سنة فيها وفي الحجر لاي جهة يعني أنه يجوز التنفل في الكعبة المذكورة. قيل: وفي الحجر لانه منها لاي جهة كان لانه يستقبل بعضا منها على كل وجه انتهى. كلامه هذا مشكل يقتضي أن قول المصنف: لاي جهة عائد على الحجر والكعبة ولم أر ذلك في كلام أحد من العلماء، لا من المالكية ولا من غيرهم. ثم ذكر البساطي في آخر فصل الاستقبال كلاما أشد من الاول فانظره. ص: (لا فرض فيعاد في الوقت) ش: يعني لا يصلى فيها ولا في الحجر فرض. وهل النهي على المنع أو الكراهة ؟ قال


[ 204 ]

في التوضيح: لا يجوز الفرض ولا السنن ولا النافلة المؤكدة وقال ابن عرفة اللخمي: كره الفرض فيها مالك وأعاده في الوقت انتهى. وقال القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخه المسمى: شفاء الغرام في الباب العاشر في حكم الصلاة في الكعبة: ومشهور المذهب أن صلاة الفريضة لا تصح في الكعبة وأن من صلاها فيها أعاد الصلاة. واختلف شيوخ المذهب في الاعادة، هل تكون في الوقت أو أبدا ؟ انتهى. وهنا بحث وهو أن الشاذروان عند المصنف من تبعه من البيت كما يقول في الحجر، وإذا كان كذلك فمن صلى ملاصقا للبيت بحيث إنه إذا ركع صار رأسه وصدره على الشاذروان، فهل يعيد أو لا يعيد ؟ والذي يظهر أنه يعيد، ويحتمل أن يقال لا يعيد والله تعالى أعلم. وقوله: فيعاد في الوقت انظر ما المراد بالوقت، هل الوقت المختار أو الوقت الضروري ؟ والظاهر من قوله في المدونة: من صلى في الكعبة فريضة أعاد في الوقت كمن صلى إلى غير القبلة أن المراد المختار لانه شبه هذه بتلك وتلك تقدم للمصنف أن المراد بالوقت الوقت المختار والله أعلم. ص: (وبطل فرض على ظهرها) ش: اتفق المصنف في التوضيح وابن عرفة على نقل المنع فيه. قال المصنف: ومنع ابن حبيب التنفل فوقها. وقال ابن عرفة: والفرض على ظهرها ممنوع. ابن حبيب: والنفل الجلاب: لا بأس بنفله عليه انتهى. وقال القاضي تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام: وأما النافلة على سطح الكعبة فلا تصح على مقتضى مشهور المذهب إذا كانت النافلة متأكدة كالسنن والوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف الواجب لمساواة هذه النوافل للفريضة في حكم الصلاة في جوف الكعبة، وفي صحة النفل غير المؤكد في سطح الكعبة نظر على مقتضى رأي أكثر أهل المذهب انتهى. ص: (وإن لغيرها) ش: يمكن أن يقال: يستغني عن هذا بقوله في صلاة الخوف: وعدم توجه أو بهذا عن ذلك والله تعالى أعلم. ص: (وإلا لخضخاض) ش: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: والمسافر يأخذه الوقت الخ. ظاهر كلامه وإن كان إنما يخشى على ثيابه فقط وهو قول مالك وهو المشهور. قال ابن عبد الحكم: ورواه أشهب وابن نافع يسجد وإن تلطخت ثيابه انتهى. وقال الشيخ زروق: المسافر ليس بشرط وإنما خرج للغالب، والحكم فيه وفي الحاضر سواء. ثم قال: وعلى المشهور فينوي بإيمائه مواضعه من الركوع والسجود والجلوس للتشهد إلى غير ذلك من مواضع الايماء اه‍. ومنه قوله: الذي يأخذه الوقت يعني الذي لا يمكنه


[ 205 ]

فصل في فرائض الصلاة تأخير بحيث يضيق جدا انتهى. ص: (أو لمرض ويؤديها عليها كالارض فلها) ش: يعني أن صلاة الراكب باطلة إلا أن يكون الركوب لما تقدم أو لمرض حالة كون الراكب بسبب المرض يؤديها - أي الصلاة - عليها - أي على الدابة - كالارض يعني أنه لاجل المرض لا يؤديها على الارض إلا إيماء كما قال في الرسالة: إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرض فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة انتهى. قال في المدخل في فصل التاجر من إقليم إلى إقليم وفي فصل الحج. لكن يومئ إلى الارض بالسجود لا إلى كور الراحلة، فإن أومأ إليه فصلاته باطلة. انتهى والله أعلم. فصل في فرائض الصلاة وسنتها ومندوباتها ومكروهاتها فرع في فرائض الصلاة: قال الشيخ زروق في أول باب العمل في صفة الصلوات المفروضة قال ابن العربي:


[ 206 ]

الاحرام نية. وابن عرفة: الاحرام ابتداءها مقارن لنيتها انتهى. والتحقيق أنه مركب من عقد هو النية، وقول هو التكبير، وفعل هو الاستقبال ونحوه. وفي المدونة: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، وهو حديث خرجه الترمذي وقال: حديث حسن. انتهى كلام الشيخ زروق. ص: (إلا لمسبوق فتأويلان) ش: فسرها ابن يونس بما إذا كبر قائما، وبه قال ابن المواز وصرح في التنبيهات بمشهوريته انتهى من شرح الرسالة للشيخ زروق، ونحوه في التوضيح واقتصر في الشامل على تشهيره. ص: (وإنما يجزئ الله أكبر) ش: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: قال صاحب الطراز: لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى تصير أكبار بالالف وإن الاكبار جمع كبر والكبر الطبل ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه انتهى. وقال ابن جزي في القوانين: من قال: الله أكبار بالمد لم يجزه، وإن قال: الله " وكبر بإبدال الهمزة واوا أجزاه انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكره كلام القاضي. سند: قال في الذخيرة: وأما قول العامي: الله وكبر فله مدخل في الجواز لان الهمزة إذا وليت ضمة جاز أن تقلب واوا انتهى. قال ابن ناجي في شرح أول كتاب الصلاة الاول بعد ذكره كلام القرافي وقبله خليل وهو عندي خلاف ظاهر الكتاب انتهى. والكلام كله لصاحب الطراز، انظر كلام القباب فإنه حسن. وقال ابن المنير: وينوي بالتكبير الاحرام ويحذر أن يمد بين الهمزة واللام من بسم الله فيوهم الاستفهام، وأن يمد بين الباء والراء فيتغير المعنى، وأن يشبع ضمة الهاء حتى تتولد الواو، وأن يقف على الراء بتشديد، هذا كله لحن ويخاف منه بطلان الصلاة وينتظر الامام بالتكبير إلى أن تستوي الصفوف خلفه انتهى. ص: (ونية الصلاة المعينة) ش: قال صاحب المقدمات: النية الكاملة هي المتعلقة بأربعة أشياء: تعيين الصلاة والتقرب بها ووجوبها وآدابها، واستشعار الايمان يعتبر


[ 207 ]

في ذلك كله. فهذه هي النية الكاملة فإن سها عن الايمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد إذا عينها لاشتمال التعيين على ذلك. قال صاحب الطراز: والمعيد للصلاة في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا لنفل انتهى من الذخيرة. وقاله ابن عرفة لما أن تكلم على من صلى ثم أم، وانظر بقية كلامه عند قول المصنف: وأعاد مؤتم بمعيد. ومن الذخيرة قال صاحب الطراز: النوافل على قسمين: مقيدة ومطلقة. فالمقيدة السنن الخمس: العيدان والكسوف والاستسقاء والوتر وركعتا الفجر. فهذه مقيدة إما بأسبابها أو بأزمانها فلا بد فيها من نية التعيين. فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة ثم أراد ردها إلى هذه لم يجز. وألحق الشافعية بهذه قيام رمضان وليس كذلك، لانه من قيام الليل والمطلقة ما عدا هذه فتكفي فيها نية الصلاة، فإن كان في ليل فهو قيام الليل أو في قيام رمضان أو كان منه أول النهار فهو الضحى أو عند دخول مسجد فهو تحية، وكذلك سائر إلعبادات من حج أو صوم أو عمرة لا يفتقر إلى التعيين في مطلقة بل يكفي فيه أصل العبادة انتهى. وقال ابن عرفة في صلاة الجمعة: وفيها من أدرك جلوس الجمعة أتمها ظهرا. ابن رشد: اتفاقا لانه بنية الظهر يحرم. قلت: هذا أصح من قول بعض شيوخ شيوخنا: يحرم بنية الجمعة لموافقة نية إمامه. ابن رشد: لو أحرم إثر رفع الامام ظانا أنه في الاولى فبان أنه في الثانية، فروى محمد يبني على إحرامه أربعا واستحب أن يجدد إحرامه بعد سلام الامام من غير قطع. وعلى قول أشهب وابن


[ 208 ]

وهب في عدم بناء الراعف على إحرام الجمعة لا يبني هذا انتهى. وفي أسئلة ابن رشد: ومن هذا المعنى أن يجد الرجل الامام في تشهد الجمعة فيدخل معه على أن يصلي المأموم أربعا فيذكر الامام سجدة من الركعة الاولى فيقوم إلى الركعة فقيل: إنه يصليها معه فيأتي بركعة وتكون له جمعة تامة، وقيل: إنه يعيدها ظهرا أربعا من أجل أنه أحرم بنية أربع وحولها إلى نية الجمعة. وعكسها أن يجد الامام قد رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية فيكبر ويدخل معه وهو يظنه في الركعة الاولى فقيل: إنه يبني على إحرامه أربعا. وقيل: إنه يستأنف الاحرام لانه أحرم بنية الجمعة وهي ركعتان. انتهى ولفظه واسع. ص: (والجهر به بدعة قاله في المدخل) ش: وإن تخالفا فالعقد قال في الارشاد: والاعادة أحوط. قال الشيخ زروق في شرحه للخلاف والشبهة إذ يحتمل سبق اللسان تعلق نيته به لان الكلام في الفؤاد واللسان زائدة انتهى. ص: (كسلام أو ظنه فأتم بنفل إن طالت أو ركع وإلا فلا) ش: يعني وكذلك تبطل الصلاة فيما إذا سلم ظانا إتمام صلاته ثم أحرم بنافلة وهي في الصورة إتمام لصلاته، وكذلك لو لم يسلم ولكنه ظن أنه أتم وسلم فقام إلى نافلة فإن صلاته تبطل في الصورتين إن أطال القراءة أو ركع وإلا أي


[ 209 ]

وإن لم يطل القراءة ولم يركع ولم تبطل صلاته في الصورتين كما صرح بذلك في أول رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الصلاة، وفي المسألة الثانية من سماع سحنون. ص: (كأن لم يظنه) ش: يعني وأما إن قام إلى نافلة ولم يظنه أي السلام بل ظن أنه في نافلة فإن صلاته صحيحة ويجزئه ما صلى بنيته النافلة كما صرح بذلك ابن الحاجب وغيره والله أعلم. وذكر ابن رشد في الرسم المذكور في ذلك قولين ومثل ذلك ما إذا نوى الظهر ثم نسي وظن أنه في العصر فصلى ركعتين والله أعلم. تنبيه: فإن فعل ذلك عمدا، فقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وأما العامد فإن قصد بنيته رفع الفريضة ورفضها بطلت، وإن لم يقصد رفضها لم تكن منافية لان النفل مطلوب للشارع ومطلق الطلب موجود في الواجب فتصير نية النفل مؤكدة لا مخصصة انتهى. ص: (أو لم ينو الركعات أو الاداء أو ضده) ش: ولا ينوي الايام اتفاقا. قال المازري: حضرت شيخنا عبد الحميد رحمه الله تعالى فأتاه بعض الخواص يعيد عنده بعض ما كان يقرأ معنا عليه ممن اشتهر بالوسوسة فقال له: كنت البارحة أصلي المغرب في مسجد فلان فأتى هذا الفتى وأشار إلى الموسوس فصلى إلى جنبي فسمعته عند الاحرام يقول: المغرب ليلة كذا. فأنكرت في نفسي تسمية الليلة ثم خشيت أن يكون ما قاله إنما هو لما سمع منك فجئت أسألك، فأنكر شيخنا على صاحبنا واعتذر للسائل عنه بما اشتهر من وسوسته، فلما انصرف السائل أقبل علينا جملة أهل الميعاد فقال: هل يتخرج من المذهب اعتبار ذكر القلب يوم الصلاة عند النية فلم يظهر لنا شئ فأشار رحمه الله تعالى إلى ما وقع من الاختلاف في


[ 210 ]

مراعاة الايام في هذا الباب يعني باق قضاء الفوائت من اضطراب الاصحاب في مراعاة اختلاف الايام، وذكر ما قيل في إمامة من نسي صلاة من يم نسيها من يوم آخر. وهذا الذي قاله رحمه الله من التخريج يفتقر إلى بسط طويل وإنما ذكرناه عنه لتعلقه بما نحن فيه، ولكونه مبنيا على ما يؤمر به المصلي حين عقد النية وتحقيق القول في ذلك لا يمكن بسطه هاهنا انتهى كلام المازري. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة في أول باب صفة العمل في الصلوات المفروضة: المشهور عدم وجوب نية القضاء والاداء، وكذا ذكر اليوم الذي هو فيه انتهى. فرع: هل تنوب نية القضاء عن الاداء وعكسه ؟ انظر كتاب الصيام في التوضيح وابن عرفة في مسألة صوم الاسير، وفي الطراز في مسألة إمامة الصبي: لا يجوز أداء ظهر يوم بتحريمه ظهر يوم آخر انتهى. مسألة: من صلى الظهر قبل الزوال أياما فيعيد الصلاة لجميع الايام ولا يحتسب بصلاة اليوم الثاني عن الاول. قاله اللخمي في كتاب الصلاة وابن عبد السلام في صوم الاسير. ص: (وجاز له دخول على ما أحرم به الامام) ش: قال في النوادر: قال سحنون: فإن دخل مسافر أو مقيم مع إمام لا يدري أمقيم هو أم مسافر، ونوى صلاته أجزأه ما صلى معه، فإن خالف فإن كان الداخل مقيما أتم بعده، وإن كان مسافرا أتم معه ويجزئه. قال أشهب: وكذلك من دخل الجامع مع الامام في صلاته لا يدري أهي الجمعة أم ظهر يوم الخميس ونوى صلاة إمامه فهذا يجزئه ما صادف، وإن دخل على أنها إحداهما فصادف الاخرى فلا تجزئه عند أشهب في الوجهين، ويجزئه في الذي نوى صلاة إمامه لان نيته غير مخالفة له وقد قصد ما عليه كمن أعتق نسمة عن واجب عليه لا يدري في ظهار أو قتل نفس أنه يجزئه انتهى. وقال ابن الحاجب: وفيمن ظن الظهر جمعة وعكسها مشهور تجزئ في الاولى. قال في التوضيح: وفي المسألتين ثلاثة أقوال. والقولان الاولان بالاجزاء فيهما. وعدمه فيهما مبنيان على ما تقدم أي من اعتبار عدد الركعات أم لا، ووجه المشهور أن شروط الجمعة أخص ونية الاخص تستلزم نية الاعم بخلاف العكس. وحكى في البيان قولا رابعا بعكس المشهور انتهى. وأما إذا ظنهم سفرا فظهر خلاف ظنه أو العكس فذكرها المصنف في السفر والله أعلم. ويتعين أن يحمل قوله: وجاز له دخول على ما أحرم به الامام على مسألة السفر والاقامة وعلى مسألة يوم الخميس والجمعة، ولا يمكن أن يحمل على إطلاقه بحيث إنه من لم يدر هل الامام يصلي في العصر أو في الظهر يحرم على ما أحرم به الامام، فإنه لا بد من مساواة فرض الامام للمأموم، ولا بد في نية الصلاة من تعيينها من ظهر أو عصر كما قال المؤلف وغيره، وإن كان ابن ناجي


[ 211 ]

نقل في آخر كتاب الصلاة الاول بعد ذكره عن اللخمي مسألة السفر والاقامة والجمعة والخميس ما نصه. قلت: ولا خصوصية لفرض ما ذكر وكذلك إن لم يدر هل هو في الظهر أو في العصر، وفي هذه الصورة شاهدت شيخنا حفظه الله يفتي غير ما مرة بما ذكر انتهى. فإنه مخالف لما تقدم أيضا فقد قال القاضي سند في الطراز في باب اختلاف نية الامام والمأموم في شرح قول المدونة: ومن أتى المسجد والقوم في الظهر فظن أنهم في العصر. فرع: فلو أحرم المأموم بما أحرم به الامام من غير أن يعلم صلاة الامام ولا يعينها. قال أشهب في المجموعة: إذا نوى صلاة إمامه أجزأه ما صادف وفيه نظر، فإن المكتوبة تفتقر إلى تعيين النية فإذا لم يدر ما صلى الامام لم يدر بما أحرم وجهله بما أحرم مضاد لتعيين النية وإن أخذ ذلك مما جاء عن علي في الحج فذلك لا حجه فيه إذ يحتمل أن يكون إحرامه نفلا، وإن كان حجه فرضا، فالحج لا يفتقر إلى تعيين النية وتخصيصها بل إذا أطلق نية الحج انصرف إلى الحجة المفروضة إجماعا. والصلاة إذا أحرم بأنه يصلي لم يجزه عن الفرض إجماعا حتى يعين أي صلاة يصلي، فإذا افترقا في تعيين صفة العبادة جاز أن يفترقا في تعيين أصلها، والحج لا يشبه غيره فإذا قوي في الثبوت حتى إنه ينعقد ما ينافيه، فلا يجوز أن يعتبر به ما ليس في معناه انتهى. وما ذكره عن أشهب إنما نقله عنه في النوادر فيمن لم يدر أهو في الجمعة أو الظهر وهو المتقدم عنه والله أعلم. وقال في التوضيح في كتاب الحج لما تكلم على الاحرام بما أحرم به فلان قال ابن عبد السلام: وقال غير واحد من الشيوخ: إنه الامر في الصلاة فيجوز لمن دخل المسجد والناس في الصلاة ولا يدري ما هي أن يحرم بما أحرم به الامام انتهى. ص: (وبطلت بسبقها إن كثر وإلا فخلاف) ش: قال ابن العربي في أوائل العارضة. قال بعضهم: يجوز تقدم النية على التكبير قياسا على أحد القولين في الوضوء. وهذا جهل عظيم فإن النية في الصلاة متفق عليها أصل، والنية في الوضوء مختلف فيها فرع لها، ومن الجهل حمل الاصل على الفرع ولكن القوم يستطيلون على العلوم بغير محصول انتهى. ص: (وفاتحة بحركة لسان) ش: قال في المدخل في تفقد العالم أحوال أهله: ومن أهم الاشياء وآكدها تفقد القراءة إذ القراءة على ثلاثة أقسام: واجبة وسنة وفضيلة. فالواجبة قراءة أم القرآن على كل مصل بجميع


[ 212 ]

حروفها وحركاتها وشداتها لان من لم يحكم ذلك فصلاته باطلة إلا أن يكون مأموما. والسنة سورة معها، والفضيلة ما زاد على ذلك أعني في غير الفرائض. ثم قال: وكذلك يفعل في ولده وعبده وأمته اللهم إلا أن يكون في بعضهم عجمة بحيث لا يقدرون على النطق فلا حرج انتهى. ذكر البرزلي في أثناء مسائل الصلاة في ذكر مسائل وقعت لبعض الافريقيين أن المشهور أن قراءة أم القرآن فيما عدا الفرائض سنة فتأمله. ص: (على إمام وفذ) ش: وأما المأموم فالامام يحملها عنه. قال المازري في شرح التلقين لما تكلم على المواضع التي تجب فيها نية الامامة: وهذا الحمل لا يفتقر إلى نية الامام فلو نوى الامام أن لا يحمل القراءة أو السهو فلا أثر لنيته فانظر. ص: (وقيام لها) ش: أي للفاتحة. قال في التوضيح: و اختلف في القيام للفاتحة هل هو لاجلها أو فرض مستقل ؟ وتظهر فائدة الخلاف إذا عجز عن الفاتحة وقدر عليه وأيضا فلا يجب القيام على المأموم للفاتحة إلا من جهة مخالفة الامام عند من يقول: إنه واجب لها انتهى. ص: (وإلا ائتم) ش: يعني إن وجد. قال ابن عرفة: فإن انفرد ففي صحتها قولا أشهب ومحمد مع سحنون انتهى. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: فإن ترك الائتمام وصلى وحده بطلت صلاته عند أصحاب مالك، وقيل: يجزئه لعجزه انتهى. وقال في الطراز: ظاهر المذهب أن صلاته باطلة ثم قال ابن فرحون: ولا خلاف أنه لا يعوض القراءة بمعناها في لغته انتهى. وقال في التوضيح: فرع: قال أشهب في المجموعة: من قرأ في صلاته شيئا من التوراة والزبور وهو يحسن القراءة أو لا يحسنها فقد أفسد صلاته وهو كالكلام انتهى.


[ 213 ]

فرع: لو طرأ على الامي قارئ لم يلزمه أن يقطع ليأتم به. انتهى من شرح التلقين للمازري عند قوله في كتاب الصلاة والقراءة الخ. فرع: من افتتح الصلاة كما أمر وهو غير عالم بالقراءة وطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة، ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها فعلقت بحفظه من مجرد السماع فلا يستأنف الصلاة لانه أدى ما مضى على حسب ما أمر فلا وجه لابطاله. قاله في كتاب ابن سحنون. انتهى من تفسير القرطبي في سورة الفاتحة والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: ويكفي الاخرس نيته انتهى. وقال ابن ناجي: لا خلاف فيه انتهى. ص: (وإن ترك آية منها سجد) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: فرع مرتب فعلى


[ 214 ]

هذا إذا ابتدأ المصلي بالفاتحة قبل أن يعتدل قائما فينبغي أن يسجد قبل السلام إن كان قرأ في حال قيامه آية ونحوها، وتصح صلاته فرضا كانت أو نفلا. وأما على القول: بأنه لا سجود عليه لترك آية فلا ينبغي أن يسجد في هذه الصورة لانه أتى بالفاتحة كلها لكنه ترك الاعتدال في بعضها، وقد نصوا على أن الجماعة إذا صلوا في سفينة تحت سقفها منخفضة رؤوسهم قال مالك: صلاتهم أفذاذا على ظهرها أحب إلى من صلاتهم جماعة منخفضة رؤوسهم لانهم تركوا الاعتدال وهو سنة. قال الشيخ أبو الحسن الصغير: وكذلك الصلاة في الخباء نحو السفينة - انظر تقييد أبي الحسن - فلم يوجب عليهم بترك تمام الاعتدال شيئا فتأمل ذلك. وعلى كل حال فحالة النافلة في ذلك أخف من حالة الفريضة فينبغي أن لا سجود عليه، وشاركت في ذلك الشيخ الامام العلامة الحافظ أبا عبد الله محمد بن عرفة التونسي فقال: حال النافلة في ذلك خفيف. فسألته عن الفريضة فلم يجب فيها بشئ وضاق الوقت عن البحث فق ذلك لعارض عرض رحمه الله تعالى، وذلك بالمدينة النبوية في سنة اثنين وتسعين وسبعمائة انتهى. وفيها حج الامام ابن عرفة وسكن في المدينة في منزل الشيخ ابن فرحون. كذا قال رحمه الله في الديباج. ص: (وركوع تقرب راحتاه فيه من ركبتيه وندب تمكينهما منهما ونصبهما) ش: يعني من فرائض الصلاة الركوع، وأقله أن ينحني حتى تقرب فيه راحتا كفيه أي بطونهما من ركبتيه. والمستحب أن يمكن الراحتين من الركبتين وينصب الركبتين، وما قاله المصنف: قال ابن ناجي: هو قول ابن شعبان خلاف ظاهر المدونة قال فيها: وإذا مكن يديه من ركبتيه في الركوع وإن لم يسبح أو مكن جبهته وأنفه من الارض في السجود فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئنا. قال ابن ناجي في شرحها: ظاهره أن وضع اليدين على الركبتين شرط لا يسمى ركوعا إلا بذلك. وصرح بذلك الباجي فقال: المجزئ من الركوع أن يمكن يديه من ركبتيه. وعزاه اللخمي لقول مالك فيها. وقال ابن شعبان: أخفه بلوغ يديه آخر فخذيه. وذكر ابن يونس نحوه عن مالك في المجموعة، وعليه يحمل قول ابن الحاحب: ويستحب أن ينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما يعني أن المستحب وضعهما على الركبتين ويجزئ وضعهما على أطراف الفخذين. ويتحصل أنه إذا لم يضع يديه ألبتة فلا خلاف في البطلان، وإن وضعهما - كما قال ابن شبعان - ففيه خلاف. وكان شيخنا رحمه الله يفهم قول ابن شعبان وابن الحاجب على أن أصل وضعهما مستحب، فلو لم يضعهما


[ 215 ]

ألبتة مإن صلاته مجزئة ويفتى بذلك، وكان شيخنا أبو يوسف الزغبي يفتي بأن الصلاة باطلة. واختلفت فتوى شيخنا أبي مهدي والشبيبي فكان يفتي بالبطلان ثم أفتى بالصحة إلى أن مات رحمه الله انتهى. ولعل صوابه فكانا يفتيان وتأمل قول المدونة: فإنه إنما يقتضي أن الصفة المذكورة هي التامة فقط ولا يقتضي بطلان غيرها. ولهذا قال صاحب الطراز: أما تمكين اليدين من الركبتين في الركوع فمستحب عند الكافة وليس بواجب انتهى. ولهذا اقتصر ابن الحاجب على قوله: أقله أن ينحني بحيث تقرب راحتاه من ركبتيه وأقره المصنف في التوضيح ولم يرد عليه والله أعلم. وأما ابن عرفة فذكر هذه النقول التي ذكرها ابن ناجي ثم قال ابن ناجي: فظاهره أن التسبيح ليس بفرض يريد وكذلك في السجود وهو كذلك. وفي المبسوط ليحيى بن إسحاق عن يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار: من لم يذكر الله في ركوعه ولا سجوده أعاد صلاته. قال عياض: فتأوله شيخنا التميمي بترك ذلك لترك الطمأنينة الواجبة، وتأوله ابن رشد بتعمد تركه حتى التكبير كتعمد ترك السنة. قلت: وما قاله خلاف قول ابن رشد في البيان إنما قالاه استحبابا لا وجوبا انتهى. تنبيه: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: ولو كان بيديه ما يمنع وضعهما على ركبتيه أو قصر كثير لم يزد في الانحناء على تسوية ظهره، فإن كانت إحداهما مقطوعة وضع الباقية على ركبتها انتهى. ونقله جميعه صاحب الطراز، ونقل في الفرع الاخير عن بعض الشافعية أنه يضع اليد الباقية على الركبتين جميعا والله أعلم. ص: (وسجود على جبهته) ش: قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: فتمكن جبهتك وأنفك من الارض يعني أو ما يقوم مقامها.


[ 216 ]

والتمكن المذكور إلصاقها بالارض إلصاقا تستقر معه عليها منبسطة إن أمكن وإلا فالواجب أدنى جزء. قاله ابن عبد السلام. وكره مالك شد جبهته في سجود على الارض وأنكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه على من ظهر أثره في جبهته. قال علماؤنا: ولا يفعله إلا جاهل الرجال وضعفة النساء. وقوله تعالى: * (سيماهم في وجوههم) * يعني خضوعهم وخشوعهم انتهى. ولفظ ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب السجود وهو تمكين الجبهة والانف يعني بلفظ التمكين أنه يضع جبهته وأنفه بالارض على أبلغ ما يمكنه وهذا هو المستحب، وأما الواجب فيكفي فيه وضع أيسر ما يمكن من الجبهة انتهى. وقال ابن عرفة في حد السجود: والسجود مس الارض أو ما تصل بها من سطح محل المصلي كالسرير بالجبهة والانف انتهى. قال في التوضيح: وأما الصلاة على السرير فلا خلاف في جوازها، قاله في البيان انتهى من فصل الاستقبال، ونص كلامه في البيان في رسم سن رسول الله (ص) من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة مسألة: ولا بأس بالصلاة على السرير، وهو عندي يكون مثل الفراش يكون على الارض للمريض. قال القاضي: وهذا كما قال: وهو أمر لا اختلاف فيه لان الصلاة على السرير كالصلاة في الغرف وعلى السطوح وبالله أستعين انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم لا بأس بها فوق سرير. ابن رشد: لانه كغرفة انتهى ذكره قبل الاستخلاف بأسطر. و قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: فرع: السجود على الفراش المرتفع عن الارض لا يجوز. وفي مختصر الواضحة: وإذا شق على المريض النزول عن فراشه إلى الارض للصلاة وكان ممن لا يقدر على السجود بالارض لشدة مرضه صلى على فراشه. فإن كان غير طاهر ألقي عليه ثوبا كثيفا طاهرا، وإن كان المريض ممن يقدر على السجود بالارض فلينزل إلى الارض فليصل ساجدا بالارض. فرع: وينزل منزلة الارض السرير الخشب لا المنسوج من الشريط ونحوه انتهى فليتأمل والله أعلم. ص: (و أعاد لترك أنفه بوقت) ش: فهم منه أن السجود على الانف ليس بواجب وهو كذلك. قال في المدونة: والسجود على الجبهة والانف جميعا فإن سجد على الانف دون الجبهة أعاد أبدا. ابن ناجي: يريد وإن سجد على الجبهة فإنه يجزئه قاله ابن القاسم وهو المشهور. ثم قال: ظاهره أن السجود على الجبهة والانف مطلوب على حد السواء وليس كذلك، بل طلب السجود على الانف مندوب إليه بدليل قوله: إن سجد على الانف دون الجبهة أعاد أبدا مفهومه لو سجد على الجبهة دون الانف أجزأه انتهى. وفي الطراز: من سجد على جبهته دون أنفه يجزيه. قال في الاشراف: استحببنا له الاعادة في الوقت. وقال ابن حبيب: لا يجزئ ومشهور المذهب ما اختاره صاحب الاشراف انتهى. ص: (وسن على أطراف قدميه وركبتيه كيديه على الاصح) ش: قال


[ 217 ]

في الرسالة: باسطا يديه مستويتين إلى القبلة، قال الشيخ زروق قال في المدونة: ويتوجه بيديه إلى القبلة ولو خالف وهو متوجه بكل ذاته لم يضره ذلك انتهى. وقال الشارح: لم أر من صرح بسنية شئ مما ذكر غير أن ابن القصار قال في السجود على الركبتين وأطراف القدمين: الذي يقوي في نفسي أنه سنة في المذهب. وكذلك نقل عنه صاحب الجواهر وعليه عول الشيخ هنا انتهى من الكبير. وقد عول ابن الحاجب علق ما عول عليه المصنف حيث قال: وأما الركبتان وأطراف القدمين فسنة فيما يظهر، وقيل: واجب. قال الشيخ: كون السجود عليهما سنة ليس بالصريح في المذهب. قال ابن القصار: الذي يقوي في نفسي أنه سنة في المذهب وإليه أشار بقوله: فيما يظهر أي في المذهب لا أنه اختيار منه مخالف للمنقول انتهى. ثم قال في التوضيح: وقوله: وأطراف القدمين احتراز من أن يسجد على ظهر قدميه انتهى. ثم قال الشارح قبل كلامه المتقدم: وحاصل ما رأيته أن في وجوب السجود على اليدين قولين مخرجين على قولين ذكرهما سحنون في بطلان صلاة من لم يرفع رأسه ويديه من السجدتين. فعلى القول بالبطلان يكون السجود عليهما واجبا وإلا فلا انتهى. ثم قال إثر كلامه المتقدم: وفي تعيينه الاصح في مسألة اليدين نظر كما علمت انتهى. وقد نقل صاحب تصحيح ابن الحاجب عن الذخيرة أن سندا قال: إن الاصح عدم الاعادة. قال: وصحح خليل أن السجود على اليدين سنة واعترضه شارحه بهرام وما تقدم يرده انتهى. ونص كلام سحنون: اختلف أصحابنا إذا لم يرفع يديه عنه رفعه للسجدة الثانية، فمنهم من قال لا تصح صلاته لما جاء أن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، ومنهم من خفف ذلك، انتهى من ابن الفاكهاني وذكره غير واحد. وقال في الذخيرة في الفصل الدول في نقصان الافعال من باب السهو: ولو جلس بين السجدتين ولم يرفع يديه فالمشهور يجزئه، وعلى القول: بوجوبه يرجع له ما لم يعقد ركعة. وهل يرجع فيضع يديه بالارض ثم يرفعهما، أو يضعهما على فخذيه فقط ؟ يتخرج على الخلاف في الرفع من الركوع إذا ترك انتهى. وقال ابن ناجي في قول الرسالة: وترفع يديك عن الارض على ركبتيك، أما وضعهما على الركبتين فلا خلاف أن ذلك مستحب وأما رفعهما عن الارض فقال سحنون: اختلف أصحابنا إذا لم يرفعهما فقال بعضهم بالاجزاء، وقال بعضهم بعدمه. قلت: وبعدم الاجزاء أدركت من لقيته يفتي وقد أخبرت أن بعض متأخري إفريقية كان يفتي بالبطلان إذا لم يرفعهما معا، وبالصحة إذا رفع واحدة انتهى، وقال الشبيبي على الرسالة في باب صفة العمل في الصلوات المفروضة: وإذا لم يرفع يديه أو إحداهما في الفصل بين السجدتين من غير عذر ففي صحة صلاته وبطلانها قولان. فرع: قال في باب صفة أداء الصلاة من كتاب ابن بشير: ويكره ستر اليدين بالكمين إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة حر أو برد انتهى. مسألة: الحركة إلى الاركان هل هي واجبة لنفسها أو لغيرها ؟ المشهور الاول خلافا


[ 218 ]

لابن حبيب. انتهى من البرزلي في أوائل المسائل المنسوبة لفتاوى بعض الافريقيين. ص: (ورفع منه) ش: يعني من السجود. ابن عرفة الباجي: في كون الجلسة بين السجدتين فرضا أو سنة خلاف، وعلى الفرض في فرض الطمأنينة خلاف انتهى. وعد القرطبي في تفسيره من فرائض الصلاة الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين ولم يحك فيه خلافا. وكذلك الشبيبي لما عد فرائض الصلاة في أوائل باب أوقات الصلاة وأسمائها قال: والفصل بين السجدتين بالجلوس بعد أن قال: والسجود والرفع منه انتهى. ثم قال في موضع آخر: وأما الجلوس للفظ بين السجدتين فواجب على المشهور، وقيل: سنة انتهى. وفي فصل السهو من هذا الكتاب: وتارك سجدة يجلس. قال في التوضيح: وقيل: يرجع ساجدا من غير جلوس. وهذا إذا لم يكن جلس، أما لو جلس أولا لخر من غير جلوس اتفاقا. وقال ابن جزي في القوانين في الباب الرابع عشر في الجلوس: أما الجلوس بين السجدتين فواجب إجماعا، وأما الجلوس للتشهد فسنة، وفي المذهب أن الاخير واجب، والاصح أن الواجب منه بقدر السلام انتهى. فانظر ما حكاه من الاجماع وسمعت أن عمدته في كتابه هذا الاستذكار لابن عبد البر، وقد حذروا من إجماعات ابن عبد البر، ومن اتفاقيات ابن رشد، ومن خلافيات الباجي. قاله الشيخ زروق في قول الرسالة. والماء أطهر وأطيب والله أعلم، أو يكون الخلل في الخلاف الذي حكاه الباجي. وعلى كل تقدير فقد قوي القول بوجوب الجلوس بين السجدتين. وقد حكى في الاكمال الخلاف في الجلسة بين السجدتين والله أعلم. ص: (وسلام عرف بأل) ش: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: ولا بد في السلام من التلفظ، ولو سلم بالنية لم يجزه انتهى. وهذا في حق القادر، وأما العاجز بخرس فالظاهر أن النية تكفيه بلا خلاف كما تقدم في التكبير. قال ابن عرفة: وتكفي الاخرس نيته انتهى. وقال ابن ناجي: بلا خلاف فيه انتهى. والعاجز لغير خرس


[ 219 ]

الظاهر أنه كالعاجز لغيره في التكبير والله أعلم. قال الجزولي: ولو قال: السلام علكيم فجمع بين التنوين والالف واللام فقال الفقيه أبوعمران: كنا نحفظ في المجالس عن الجوراني وأبي محمد صالح أن صلاته باطلة، حتى جاء الشارمساحي فقال: يدخل فيه من الخلاف ما يدخل في صلاة اللحان الزناتي في صلاته قولان، والمشهور أنها جائزة عكس ما قال أبوعمران انتهى كلام الجزولي. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: فلو قال: السلام فقط من غير أن يقول: عليكم فقيل: يجزئه، وقيل: لا يجزئه. ولو قال: السلام عليك بإسقاط الميم فعلى القول: بأنه يجزئه إذا قال: السلام فقط فأحرى هنا انتهى. وانظر على القول الثاني، والظاهر أنه لا يجزئه. وقال ابن ناجي في أول شرح كتاب الصلاة الاول: وكذا ظاهرها لو قال: السلام فقط فإنه لا يجزئه وبه أقول. كان شيخنا يرجح في درسه الاجزاء لجواز حذف الخبر إذا دل عليه دليل وهو ضعيف، لان الموضع موضع عبادة بل الجاري على ظاهر المدونة: لو قال: السلام عليك بإسقاط الميم فقط أن الصلاة لا تصح كما صرح به النووي. واختلف إذا قال: سلام عليكم منكرا الفتوى بالبطلان، ولو قال: السلام عليكم معرفا منونا فالمنصوص لمتأخري شيوخنا عدم الاجزاء وخرج الاجزاء من اللحن في القراءة. ولو قال: عليكم السلام ففي البطلان قولان، حكاهما صاحب الحلل وظاهر ما في ذلك كله عدم الاجزاء انتهى. زاد في شرح الرسالة إثر هذا الكلام ولا أعرف القول بالصحة انتهى. وفيه أيضا بعد المسألة الاولى: وكل هذا الخلاف بعد الوقوع، وأما ابتداء فالمطلوب عدمه انتهى. وفي أوائل العارضة لابن العربي: ولفظه السلام عليكم معرفا فإن نكره أو قال: عليكم السلام ففيه قولان، الاصح أن يكون بلفظه لانه تعبد انتهى. ويؤخذ من مسألة من شرع في السلام بعد سلام الامام ثم كبر تكبيرة العيد أن الصلاة باطلة. قال الشيخ زروق في شرح القرطبية: وقوله: ورحمة الله كلمة خارجة عن الصلاة لا تضر فيها لكن ظاهر كلام أهل المذهب أنها ليست بسنة وإن ثبت بها الحديث، إذ ليس مما عمل به أهل المدينة كالتسليم ثانية للفذ والامام انتهى. وقال في شرح الارشاد: وحكى الجزولي في زيادة ورحمة الله الجواز ولم يعزه. وهذا على الشرطية صحيح وعلى الركنية فيه بحث انتهى. يعني على القول: بأن السلام شرط فالشرط خارج عن المشروط، فإذا زاد هذه اللفظة فكأنه زادها بعد خروجه من الصلاة. وعلى القول: بأنه ركن تكون زيادة في الصلاة ففي جواز الزيادة نظر والله أعلم. ص: (وفي اشتراط نية الخروج به خلاف) ش: قال الجزولي: ينوي الامام الخروج


[ 220 ]

من الصلاة بالسلام على المأموم. انتهى بالمعنى. وقال ابن العربي في أوائل العارضة بعد أن تكلم على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير وأن تحليلها لا يكون إلا بالتسليم، ولا يكونان بغير ذلك خلافا لمن أجاز الخروج من الصلاة بكل فعل وقول مضاد كالحدث لانه لا ينحل شرعا ما كان منعقدا إلا بقصد كما لم يرتبط إلا بقصد، ولان السلام جزء من أجزائها. وقد روى عبد الملك أنه لا يكون الخروج عن الصلاة إلا بغير نية كالخروج عن الحج وهذا لا يصح، فإن الخروج عن الحج بفعل يكون مقترنا بالنية وهو الرمي أو الطواف ومن حكم النية أن تكون مقترنة بالسلام كما أن من حكمها أن تكون مقترنة بالاحرام غير متقدمة ولا متأخرة إلا أن تقدم وتستصحب انتهى. وقال في الشفاء: واستحب أهل العلم أن ينوي الانسان حين سلامه كل عبد صالح في السماء والارض من الملائكة وبني آدم والجن، انتهى. يعني إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ذكره في فصل المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على النبي (ص)، وذكر أيضا أنه يستحب أن يعيد السلام على النبي (ص) قبل سلامه. وقال صاحب الطراز في كتاب الصلاة: الثاني المشهور أنه لا يعيد السلام على الرسول (ص). وروى علي في المجموعة عن مالك أنه استحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم. وقال في المبسوط: استحب لمن أراد أن يسلم وساق ذلك. وقال محمد بن مسلمة: أراد ما جاء عن عائشة وابن عمر أنهما كانا يقولان عند سلامهما إذا قضيا التشهد ذلك ثم يسلمان انتهى. ص: (واعتدال على الاصح والاكثر على نفيه) ش: ما


[ 221 ]

عليه الاكثر هو الظاهر من مذهب المدونة ومن كلام ابن بشير وغيره. قال فيها في باب الصلاة في السفينة من كتاب الصلاة الثاني: وصلاتهم على ظهرها أفذاذا أحب إلي في صلاتهم في جماعة منحنية رؤوسهم تحت سقفها انتهى. ابن بشير: وهذا محمول على أن الانحناء كثير، وأما لو كان يسيرا لكان الجمع أولى، انتهى من كتاب الصلاة الثاني في آخر باب أحكام القصر من كتاب التنبيه له. وقال الشيخ أبو الحسن: وكذا انحناء مثل السفينة. انتهى بالمعنى فراجعه. فرع في سنن الصلاة: ص: (وسننها سورة بعد الفاتحة) ش: يريد في الفرض لا في النفل والوتر فإن ترك السورة فيه فلا


[ 222 ]

سجود عليه. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: لان سنن الفرائض فضائل السنن انتهى. وقد صرح في البيان بأن قراءة ما زاد على الفاتحة مستحب لا سنة، قاله في التوضيح، قال: هذه إحدى مسائل خمس مستثناة من قولهم: السهو في النافلة كالسهو في الفريضة. والثانية الجهر فيما يجهر فيه. والثالثة السر فيما يسر فيه. والرابعة إذا عقد ركعة ثالثة في النفل أتم رابعة بخلاف الفريضة الخامسة إذا نسي ركنا من النافلة وطال فلا شئ عليه بخلاف الفريضة فإنه يعيدها انتهى. وذكر صاحب الالغاز عن ابن قداح أن من ترك السورة في الوتر لا شئ عليه إن كان عمدا وإن كان سهوا سجد، وإن ترك الفاتحة سهوا سجد لها ولم يعد. فرع: قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: ولا يقرأ ببعض السورة فإن قرأ ببعض السورة فلا شئ عليه وفعل مكروها. فرع: منه أيضا يكره أن يزيد على السورة سورة أخرى فإن زاد فلا سجود عليه على المشهور انتهى بالمعنى. وهذا في حق الامام والمنفرد قاله ابن فرحون قال: وأما المأموم فيقرأ مع الامام فيما يسر فيه، إذا فرغ من السورة وهو أفضل من سكوته وله أن يدعو انتهى. وانظر التوضيح وانظر رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: وإن ركع الامام وهو في أثناء السورة أو الآية قطعها وركع وابتدأ في الركعة الثانية بسورة غيرها. قاله في النوادر. وقال ابن فرحون في قول ابن الحاجب: والسورة بعدها في الاوليين سنة. تنبيه: وقوله: سنة يقتضي أن تكميل السورة سنة وليس كذلك على ظاهر قولهم، وإنما السنة مطلق الزيادة على أم القرآن. نعم يستحب قراءة سورة كاملة وبعض سورة تجزئ ولا سجود عليه، ولو لم يزد شيئا على أم القرآن لزمه السجود. انتهى وانظر التوضيح. فرع: من نوى أن يقرأ سورة فيستحب له أن لا يركع حتى يقرأ قدرها. قال في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء فيما إذا وقف القارئ في الصلاة واعيا أحب إلي أن يبتدئ سورة أخرى. قال ابن رشد: وجه استحبابه أنه لما افتتح سورة فقد نوى إتمامها فاستحب له أن لا يركع حتى يقرأ قدر ما كان نوى قراءته انتهى. ص: (وجهر أقله أن يسمع نفسه ومن يليه) ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أنت يسمع نفسه فقط، وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حد له انتهى. زاد في شرح المدونة: فمن قرأ في قلبه في الصلاة فكالعدم ولذلك يجوز للجنب


[ 223 ]

أن يقرأ في قلبه. وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم تحريك لسان المسر فقط يجزئه وأحب إسماع نفسه. ابن رشد: وجهره إسماع غيره وأحب فوق ذلك انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه انتهى. قال في الرسالة: فأما الجهر فإن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده. الاقفهسي: مفهومه إذا لم يسمع نفسه ومن يليه لا يكون جهرا بل سرا. عبد الوهاب: هو كما قال وظاهر ما قاله عبد الوهاب: إنه أقل الجهر، وأما أعلاه فلا نهاية له. ومعنى قوله: ومن يليه أن لو كان هناك من يسمع. ثم قال في الرسالة: والمرأة دون الرجل في الجهر. الاقفسي: يريد تسمع نفسها خاصة فيكون أعلى جهرها وأدناه واحدا، وعلى هذا يستوي في حقها السر والجهر إذ إغياء سر الرجل أن يسمع نفسه انتهى. ونقل بعضهم عن الزناتي في قول الرسالة: وأما الجهر فأقله أن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده، والمرأة دون الرجل في الجهر أنه قال: احترز بقوله: وحده ممن يقرب منه مصل آخر فحكمه في جهره حكم المرأة، وأما الامام فإنه يبالغ في رفع صوته بقدر ما يسمعهم انتهى. وقال في المدخل في آخر الفصل الاول من فصول العالم في الكلام على القراءة بالجهر وفي المسجد ما نصه: ألا ترى أن علماءنا رحمة الله عليهم قد قالوا فيمن فاتته الركعة الاول أو الاولى والثانية من صلاة الجهر: إنه إذا قام لقضاء ما فاته أنه يخفض صوته فيما يجهر فيه فيجهر في ذلك بأقل مراتب الجهر، وهو أن يسمع نفسه ومن يليه خيفة أن يشوش على غيره من المسبوقين ؟ هذا وهو في نفس الصلاة التي من أجلها بنيت المساجد، فما بالك برفع صوت من ليس في صلاة، فمن باب أولى أن يمنع منه انتهى. وقال الابي في شرح مسلم: ابن رشد: ولا يجوز لمصل بالمسجد وبجنبه مصل آخر رفع صوته بالقراءة وإن كان حسن الصوت. تنبيه: قال في المدخل قبل الكلام المتقدم المسجد إنما بني للصلاة وقراءة القرآن تبع للصلاة ما لم تضر بالصلاة فإذا أضرت بها منعت انتهى. ص: (وكل تكبيرة) ش: ظاهره أن كل تكبيرة سنة وهذا هو الذي يؤخذ من كلام المصنف في فصل السهو حيث جعله يسجد لتكبيرتين. وصرح البرزلي بأنه المشهور ونصه (مسألة) من نسي التكبير في صلاته شهرا أعادها كلها. قلت: هذا على المشهور أنه سنن ومن يقول: كله سنة لا يعيد انتهى. ص: (وسمع الله لمن حمده) ش: قال المازري وقال بعض أصحابنا: معناه الدعاء. وكان هذا القائل يشير إلى


[ 224 ]

أن المراد به الدعاء لقبول التحميد، وقال بعض الاشياخ: المراد به الحث على التحميد وإليه مال الحذاق من غير أصحابنا. ثم قال: ولما رأينا المنفرد لا مجاوب له أمرناه بأن يجاوب نفسه انتهى. ص: (ورد مقتد على إمامه ثم يساره وبه أحد) ش: يعني أن السنة الحادية عشرة أن يرد المقتدي وهو المأموم السلام على إمامه بأن يسلم تسليمة ثانية بعد التسليمة الاولى التي يخرج بها من الصلاة، ثم يرد على من في جهة يساره إن كان فيها أحد تسليمة ثالثة، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها: ويسلم المأموم عن يمينه على الامام فإن كان على يساره أحد رد عليه انتهى. ومقابل المشهور أقوال: أحدها أنه يسلم تسليمتين: الاولى على يمينه للخروج من الصلاة والثاني على الامام. قال في التوضيح: نقل هذا القول ابن بشير وغيره ويريده هذا القائل أنه يقصد بالثانية الرد إلى الامام انتهى. وقال ابن ناجي: نقله ابن شاس. قلت: وهو روأية عن مالك كما يفهم من كلام ابن رشد في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ومن كلام ابن عرفة ونصه: والمأموم رويت تسليمتان يرد إحداهما على الامام ورويت ثالثة على من على يساره وإليه رجع بعد تقديمها على رد الامام انتهى. وظاهر كلام هؤلاء الجماعة أن الثانية إنما يقصد بها الرد على


[ 225 ]

الامام والذي في كلام الباجي في المنتقى عن القاضي عبد الوهابب ونقله صاحب الطراز عن الباجي أنه على هذا القول يقصد بها الرد على الامام وعلى المأمومين. قال في المنتقى: يسلم المأموم تسليمتين: إحداهما عن يمينه يتحلل بها من الصلاة، وأخرى يرد بها على إمامه. وهل يرد بتلك الثانية على من كان على يساره أو يسلم ليرد عليهم تسليمة ثالثة ؟ قال القاضي: ذلك مختلف فيه انتهى. واختار هذا القول ابن العربي في المسالك إلا أن ظاهر كلام الجماعة المتقدمين أن المأموم يسلم الثانوة تلقاء وجهه. وقال ابن العربي: إنه يسلم الثانية عن يساره ونصه: الذي أقول به أنه يسلم اثنتين وؤحدة عن يمينه يعتقد بها الخروج من الصلاة، والثانية عن يساره يعتقد بها الرد على الامام والمأمومين، والتسليمة الثالثة احذروها فإنها بدعة لم تثبت عن النبي (ص) ولا عن الصحابة، وحديث عائشة معلول انتهى. القول الثاني: إنه يسلم ثلاث تسليمات لكنه يبدأ بالرد على اليسار قبل الرد على الامام، وهذا القول رواية أشهب عن مالك. والقول الآخر: إنه مخير في ذلك حكاه القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة رواية، فيتحصل في سلام المأموم أربع روايات واستدل في المدونة للمشهور بما رواه ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم عن يمينه ثم يرد على الامام، ثم إن كان على يساره أحد رد عليه. وقال في الطراز: الاصل في الرد على الامام ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب أمرنا النبي (ص) أن نرد على الامام وأن يسلم بعضنا على بعض. قلت: وهو حديث ضعيف. وقال في الذخيرة: يسلم المأموم على يمينه ثم على الامام لما في أبي داود: أمرنا عليه الصلاة والسلام ثم ذكر التشهد وقال: ثم سلموا على اليمين ثم على قارئكم ثم على أنفسكم، ووجه تقديم الرد على الامام على الرد على اليسار أن سلامه سبق سلام غيره فيكون الرد عليه سابقا. ووجه القول بتقديم الرد على اليسار عى الرد على الامام هو ما قال صاحب الطراز: إن جواب التحية يجب اتصاله بها لقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * والامام قد انقطع اتصال تحيته بسلام المأموم، فإذا انخرم ذلك في حقه فلا ينخرم في حق المأموم مع إمكانه. ونقله التلمساني وقال: لان رد التحية واجب ويجب اتصاله بها إلى آخره. ونقله القرافي. وقال ابن العربي في المالك: لان من سنة الرد الاتصال. ووجه القاضي عبد الوهاب هذه الرواية بأن من في اليسار خصه بالسلام بخلاف الامام فإنه رد عليه في عموم المأمومين، فمن خصه بالتسليم فهو أولى بالتقديم. ووجه الرواية بالتخير تعارض مقتضيات التقديم مع الاتفاق على أن ذلك على جهة الاولى ووجه الرواية بالاقتصار على التسليمتين. قال القاضي عبد الوهاب: إنه لم يرد في شئ من الروايات أكثر من تسليمتين. وقال الباجي: إنه لو لم يجز أن يرد على الامام والمأمومين تسليمة واحدة، وجب أن يفرد كل واحد منهم بتسليمة قال صاحب الطراز: وفيه نظر لانه لا يرد على جميع المأمومين فالاولى أن يقال: لان المقصود الرد فأجزا فيه سلام واحد كمن سلم عليه


[ 226 ]

جماعة فجمعهم في الرد بتسلمية واحدة. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: قال صاحب الطراز: هل يرد على الامام وغيره تسليمه واحدة ؟ قيل: يرد قياسا على جملة المأمومين فإنه لا يحتاج إلى كل واحد تسليمة، وقيل: لا يجمع تشريفا للامام انتهى. تنبيهات: الاول: ما فسرنا به كلام المصنف من أن الرد على الامام وعلى اليسار إن كان فيه أحد سنة واحدة. هو الذي ذكره القاضي عياض في قواعده، وعدهما الشبيبي في شرح الرسالة وفي قواعده سنتين، وعدهما ابن جماعة في فرض العين فضيلتين، وعد ابن يونس وابن رشد في المقدمات والقرافي الرد عل الامام من السنن ولم يذكروا معه الرد على اليسار ولا نبهوا على حكمه. وقال القباب في شرح قواعد القاضي عياض بعد أن ذكر كلامه: عد ابن يونس وابن رشد الرد على الامام من السنن ولم يعدوا فيها الرد على من على اليسار. الثاني: قال صاحب الطراز: إذا ثبت أنه يرد على من على يساره فهل يشترط تأخير الرد حتى يسلم من في اليسار ؟ ليس فيه نص، والظاهر أنه غير مشترط ولا ينبغي للمأموم أن يؤخر سلامه بل يتحلل عقب سلام إمامه فيوقع الرد موقعه، فمن أخر سلامه لم ينتظر ورد عليه لان سلامه لما كان لا بد منه كان في حكم الواقع وتعلق الرد بمحله وقع فيه أو تأخر عنه انتهى. ونقله التلمساني في شرح الجلاب فأسقط منه لفظ غير وقال: الظاهر أنه مشترط. هكذا رأيته في نسختين منه. واختصره القرافي في شرحه على الجلاب كذلك فقال: يسلم على يساره، فالظاهر أنه يؤخر حتى يسلم من على يساره، ومن أخر سلامه لم ينتظر لانه لا بد منه فصار آخر الكلام يدافع أوله. والعجب أنه ذكره في الذخيرة على الصواب فقال: هل يشترط في الرد على اليسار التأخر حتى يسلم من على اليسار ؟ ليس فيه نص، والظاهر أنه ليس بشرط وهذا هو الصواب والله أعلم. الثالث: قال في الطراز: لو لم يكن على يسار المأموم أحد فظاهر قول مالك يعني كلام المدونة السابق أنه لا يرد وهو المشهور، وعلى قول مالك: إن المنفرد يسلم تسليمتين يسلم المأموم على يساره، وإن لم يكن عليه أحد، ونقله التلمساني والقرافي في شرح الجلاب والذخيرة. قلت: والظاهر أن هذا البحث يقوي القول الذي يقول: بتقديم الرد على اليسار على الرد على الامام، على القول: بالتخيير أيضا فتأمله والله أعلم. الرابع: قال في الطراز: إذا قلنا بالمشهور إنه لا يسلم إذا لم يكن على يساره أحد فلو كان على يسار مسبوق فيحتمل أن يقال: لا يرد عليه لان سلامه متأخر وليس هو محله حتى يقام محله مقامه، ويحتمل أن يقال: يرد عليه لان سلامه لا بد منه، وإن تأخر لعذر فليقم من يليه السلام على سنته. وليس مقصود الرد الجواب، إذ لو كان كذلك لوجب اعتبار التسليم الاول حتى يتعلق به كما يقول المخالف: وإنما التسليم الاول من أركان الصلاة وإنما شرع الرد لهيئة المصلي وتشبيها بالمسلمين فصار في نفسه يتعلق بوجود المصلين يمنة ويسرة حتى يرد على


[ 227 ]

من لم يقصد السلام عليه، بل على من حلف أن لا يسلم عليه ولا يحنث بذلك انتهى. ونقله التلمساني والقرافي في شرح الجلاب والذخيرة باختصار، ونص كلامه في شرح الجلاب: فإن كان على يساره مسبوق قال سند: يحتمل عدم الرد لتأخير سلامه، ويحتمل الرد لانه لا بد منه. انتهى وهو كلام حسن، وفيه ميل إلى ترجيح السلام على اليسار حذا كان فيه مسبوق قام للقضاء. قلت: وهو ظاهر قول المصنف وبه أخذ، وهو الظاهر إن كان المسبوق أدرك من صلاة الامام ركعة فأكثر، وإن لم يدرك ركعة فلا يسلم عليه. ولا يدخل في كلام المصنف لما سيأتي في التنبيه الخامس والسادس ما قلنا: إنه ظاهر كلام المصنف. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وهو ظاهر كلام المدونة وكلام ابن الحاجب لكنه خلاف قول أبي محمد في الرسالة. ويرد أخرى على من كان سلم عليه عن يساره فإن لم يكن عليه أحد لم يرد على يساره شيئا قال: وما ذكرناه من مخالفة قول الرسالة لقول غيرها أول ما سمعته من شيخنا أبي بكر الصفاقسي ذكره في درس شيخنا الشبيبي وسلمه. ويمكن أن يقال: قول الرسالة مفسر لغيرها انتهى. وقال في شرح الرسالة: ظاهر كلام الشيخ أنه لو كان على يساره مسبوق لا يسلم عليه، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه يسلم عليه ولم يزد على هذا انتهى. قلت: والظاهر أن يؤول كلام الرسالة ويوفق بينه وبين غيره فيقال: إنه خرج مخرج الغالب فلا يعمل بمفهومه. ونبه الجزولي والشيخ يوسف بن عمر على أنه يؤخذ من الرسالة أنه لا يسلم على اليسار إذا كان فيه مسبوق ولم يذكرا خلافه، وكذا الشيخ زروق ولكنه أشار إلى الخلاف فقال في قول الرسالة: فإن لم يسلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا فلا يسلم على مدرك هناك، لانه لم يسلم عليه ويسلم على من قد قام من إمام ومأموم إذا سلم عليه، وفي كلها اختلاف انتهى. وقال البساطي في شرح كلام المصنف: إذا كان على اليسار مسبوق فهل يرد عليه ؟ فيه قولان. واحتمال كلامه لهذا فيه بعد انتهى. قلت: ظاهر كلامه وكلام الشيخ زروق أن الخلاف في ذلك منصوص ولم أقف عليه، ولعلهما أشار بالخلاف إلى ظاهر كلام الرسالة وكلام غيرها والله أعلم. وذكر الشارح في الكبير الاحتمالين اللذين ذكرهما في الطراز لكن باختصار كما ذكرهما في الذخيرة. وقوله في الطراز: يمنة ويسرة هو بفتح أولهما. الخامس: اختلف في سلام المسبوق إذا فرغ من صلاته فقيل: كسلام الفذ، وقيل كسلام المأموم، وهما روايتان عن مالك حكاهما اللخمي والمازري وابن الحاجب وغيرهم. قال في التوضيح: واختار ابن القاسم أنه يرد على من سلم عليه انصرف أم لا انتهى. قال المازري في شرح التلقين: علل بعض المتأخرين ثبوت سلام الرد بأن حكم الامام باق عليه في فضائله، وعلل بقية بأن من سنة الرد الاتصال بسلام الابتداء فإذا لم يوجد الاتصال لم يثبت الرد، وهذا التعليل يقتضي وجود الخلاف. وإن كان من يرد عليه حاضرا وأشار بعض أشياخي إلى أن الخلاف لا يتصور مع حضور من يرد عليه، وإنما يتصور مع غيبته، انتهى باختصار ونقله


[ 228 ]

المصنف في التوضيح وابن عرفة. قلت: وبعض أشياخه هو اللخمي فإنه قال: إذا فات المأموم بعض صلاة الامام فقضى ما فاته فإن كان الامام لم ينصرف ولا من على يسار المأموم رد عليهما، واختلف إذا انصرفا فقال: قال مالك مرة لا يرد عليهما، ومرة قال: يرد وهو أحسن لان السلام يتضمن دعاء وهو تحية تقدمت منهم يجب ردها انتهى. وهكذا قال الرجراجي: إنه إذا قضى صلاته قبل أن ينصرفوا فلا إشكال أن حكمه حكم من سلم مع الامام انتهى. وقال الشبيبي: واختلفوا في المسبوق إذا قام الامام والناس، هل يسلم سلام الفذ أو سلام المأموم ؟ على قولين. وإن قضى ما بقي قبل قيامهم يسلم سلام المأموم قولا واحدا انتهى. قلت: وذكر صاحب النوادر وصاحب الطراز أن الرواية التي اختارها ابن القاسم هي التي رجع إليها مالك، فحصل من هذا أن المسبوق يسلم سلام المأموم إن لم ينصرف الامام ومن على يساره باتفاق إلا ما يفهم من تعليل بعض الشيوخ الذي ذكره المازري، وكذا إذا انصرفوا على القول الراجح الذي رجع إليه مالك واختاره ابن القاسم وبه صرح في الشامل فقال: والمسبوق كغيره. وقيل: إن كان الامام ومن على يساره لم يذهبا وإلا فواحدة. فإن قيل: قول المصنف: وبه أحد يقتضي خلاف ذلك. قلت: لا يصح حمله على الرواية الاولى التي رجع عنها مالك لرجوع مالك عنها فلا يعمل بها، ولان المصنف قيد ذلك بمن على اليسار والرواية المذكورة عامة في الامام ومن على اليسار، فيتعين حمل قول المصنف: وبه أحد على أن المراد وبه أحد من المأمومين الذين أدرك معهم المأموم جزأ من صلاة الامام في الجزء الذي أدركه معهم، سواء استمر بعد فراغ الامام من الصلاة وأذهب، لان المعتبر كونه على يساره في الجزء الذي أدركه من صلاة الامام بدليل أنه لو لم يكن على يساره أحد في الجزء الذي أدركه ثم بعد سلام الامام جلس في بعض المأمومين لم يرد عليه والله أعلم. وبهذا يظهر لك كثرة فوائد قول المصنف: وبه أحد مع شدة اختصاره. السادس: قال في النوادر: قال سحنون: ومن لم يدرك إلا التشهد فلا يرد على الامام. وقال سند: لما ذكر الخلاف في رد المسبوق على الامام: وهذا فيمن أدرك ركعة مع الامام فصاعدا فإن لم يدرك غير التشهد قال سحنون في المجموعة: هذا لا يرد عليه وهذا بين فإن السنة إنما تعلقت برد المأموم على إمامه في صلاته وهذا ليس بإمام له في صلاته، لانه صلاها فذا ولهذا لا يسجد معه في سهوه انتهى. قلت: وإذا لم يرد على الامام فأحرى أن لا يرد على من كان على يساره وهذا ظاهر. وتوقف البساطي في المغني في ذلك فقال: قال سحنون: من لم يدرك إلا التشهد فلا يرد على الامام. قلت: وانظر هل يرد على يساره انتهى. وقد تقدم عند قول المصنف: وتدرك فيه الصبح بركعة عن الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والشيخ زروق أن من أدرك ركعة فسلامه كسلام المأموم، وأن مفهوم كلامهم أن من أدرك دون ركعة فسلامه كسلام الفذ وهذا ظاهر والله أعلم.


[ 229 ]

السابع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: قال عبد الحق: والرد على الامام فرض خارج عن فرض الصلاة لقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وقاله اللخمي في صلاة الجنائز انتهى. قلت: لم أقف على ما ذكره عن عبد الحق لا في النكت ولا في التهذيب. والذي في اللخمي في كتاب الجنائز أنه لما ذكر عن مالك في العتبية أن المأموم يرد تسليمة ثانية على الامام قال: وهو أحسن أن يجري السلام في العدد يعني في صلاة الجنازة على ما يجري في غيرها من الصلوات فيرد المأموم على الامام وعلى من على شماله بعد التسليمة التي يخرج بها، لان رد التحية فرض والامام يسلم على من خلفه فيردوا عليه، وكل واحد من المأمومين قد سلم عليه صاحبه بالتي خرج بها من الصلاة انتهى. فليس في كلامه تصريح بأنه يرى تسليمة الرد على الامام وعلى من على يسار المصلي فريضة خارجة عن فرائض الصلاة، وإنما فيه أن يختار أن يسلم من صلاة الجنازة كما يسلم من غيرها من الصلوات، وهو نحو ما تقدم له في التنبيه الخامس في الكلام على المسبوق، ونحوه ما تقدم في كلام صاحب الطراز والتلمساني في توجيه القول: بتقديم السلام على اليسار على السلام على الامام. والظاهر أن مرادهم بذلك كله إنما هو تشبيه رد المصلي برد السلام خارج الصلاة لانه مثله في الحكم كما يفهم ذلك من كلام صاحب الطراز المتقدم في التنبيه الرابع، ويؤيد ذلك ما ذكره المواق عن بعض الشيوخ في هذا المحل ولم يسمه، أن التسليمة الاولى من الامام والمأمومين للخروج من الصلاة وتقع على المأمومين بالتبع فلذلك كان الرد سنة بخلاف الرآ في غير الصلاة فإنه فرض انتهى. قلت: وهو كلام حسن يؤيده ما تقدم، وما يأتي في كلام صاحب الطراز أيضا في التنبيه التاسع وقد ذكر التلمساني والقرافي في شرح الجلاب عن الابهري أنه قال: قال مالك: إن ترك الرد فلا شئ عليه لان غيره من المأمومين قد ردوا لانه ليس بمتفق على أن الرد على الامام سنة ولا في حديث ثابت، وإنما هو عن ابن عمر فكان أمره أخف بخلاف الرد على المسلم. انتهى باختصار. القرافي: فإذا أطلق الوجوب في ذلك فإنما هو على سبيل المسامحة، ومثله قول صاحب الطراز لان جواب التحية يجب اتصاله بها فإن الظاهر أنه لم يرد حقيقة الوجوب، وإنما أراد أن ذلك سنتها كما عبر بذلك ابن العربي في المسالك، وقد تقدم أن الملبي والمؤذن يردان السلام بعد فراغهما فتأمله والله أعلم. وقال في النوادر: ومن جهل ترك الرد على الامام وسلم الاول أو جهل فترك الثانية فلم يسلمها أن صلاته تامة، كذلك قال مالك في ذلك كله. الثامن: قال في الرسالة: ويرد أخرى على الامام قبالته يشير إليه. قال ابن ناجي في شرحها: قال ابن سعدون: لو صلى المأموم بين يدي الامام فإنه يسلم على الامام على حاله وينوي الامام ولا يلتفت إليه انتهى. وقال الشيخ زروق: ويكون سلامه على إمامه تلقاء وجهه وليس عليه أن يشير إلى ناحية الامام كما أن الامام ليس عليه أن يشير إلى المأمومين، ولان


[ 230 ]

المأموم لو كان بين يدي الامام لم يكن عليه أن يرد وجهه والنية تجزئه في ذلك انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: قوله: قبالة وجهه أي قبالة المأموم، وقوله: يشير إليه قيل: بقلبه، وقيل: برأسه إذا كان أمامه وإن كان خلفه أو على يمينه أو على يساره ترك الاشارة برأسه لانه لا يمكنه ذلك انتهى. وقال الجزولي: قوله: يشير إليه يريد إذا كان أمامه أو عن يمينه أو عن يساره، وأما إذا كان خلفه فيشير إليه بالنية. وقيل: الاشارة هنا بالقصد إلى الامام وهو الذي ارتضاه الشيخ انتهى. كأنه يعني بالشيخ نفسه وهذا هو الظاهر أن المراد بالاشارة القصد لا الاشارة بالرأس. وإذا قلنا: إن المراد الاشارة بالرأس فإن كان خلفه لم يشر إليه، وإن كان عن يمينه أو شماله فالظاهر أنه لا يشير إليه كما قال الشيخ يوسف بن عمر خلافا لما قاله الجزولي فتأمله والله أعلم. التاسع: قال ابن بشير: ويقصد الامام بها - أي بالتسليمة - الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة ومن معه من المقتدين، ويقصد الفذ الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة، وأما المأموم فيسلم أولا تسليمة يشير بها إلى يمينه. ثم اختلف هل يبتدئ بعدها بالرد على الامام أو بالسلام على من على يساره من الملائكة والمصلي ؟ وإذا قلنا: إنه يبتدئ بالرد على الامام فلا يسلم عن يساره إلا أن يكون هناك أحد من المصلين يرد عليه، وهذا راجع إلى النقل انتهى. وقال في التلقين: والمأموم يسلم اثنتين: ينوي بالاولى التحليل وبالثانية الرد على الامام، وإن كان على يساره من سلم عليه نوى الرد عليه انتهى. وقال في الذخيرة: قال صاحب الطراز: وعندنا لا يرد على الامام تسليمة التحليل لانه يصير بمنزلة المتكلم في الصلاة انتهى. والذي في الطراز بعد أن حكى عن الشافعي أنه ينوي المأموم بالاولى التحليل والحفظة والامام إن كان على يمينه ومن على يمينه من المأمومين، ووجه المذهب أنه سلام يتحلل به من الصلاة فلا يجوز أن يقصد تحية مخلوق ولا مخاطة كما لا يجوز أن يقصد به الرد على من يسلم عليه من عابري السبيل أو التحية على من حضر من غير المصلين انتهى. العاشر: لم يذكر المصنف حكم الامام والفذ إلا ما يفهم من كلامه أنه لا يسلم كل واحد منهما إلا تسليمة واحدة، وهذا هو المشهور في المذهب. قال في التوضيح: وقد قال مالك: إن على ذلك العمل ولفظه على ما نقل ابن يونس: وقد سلم النبي (ص) واحدة كذلك وأبو بكر وعثمان وغيرهم. قال مالك في غير المدونة: وكما يدخل في الصلاة بتكبيرة واحدة فكذلك يخرج منها بتسليمة واحدة، على ذلك كان الامر في الائمة وغيرهم، وإنما حدث التسليمتان منذ كان بنو هاشم انتهى، كلام التوضيح، وأصله في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وفي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة قال في الطراز: فاحتج مالك بالامر الذي أدرك عليه الناس وهو أقوى عنده، فإن الصلاة مشروعة على الجميع مطلوبة من الكافة فلا يثبت فيها مطلوب إلا بأمر مستفيض، والمرجع في ذلك إلى العمل


[ 231 ]

المتصل سيما عمل أهل المدينة فإنها دار الهجرة وبها استقر الشرع وقبض الرسول وأقامت الخلفاء بعده الصلوات في الجمع على ما كانت تقام يوم وفاته، واتصل بذلك عمل الخلف عن السلف انتهى. ومقابل المشهور ذكره صاحب الطراز وغيره فقال في الطراز قبل كلامه السابق: وروى مطرف في الواضحة عن مالك: أن الفذ يسلم تسليمة واحدة عن يمينه وتسليمة عن يساره قال: وجهذا كان يأخذ مالك في خاصة نفسه. قال الباجي: تخريجا على ذلك أن الامام يسلم تسليمتين انتهى. وظاهر كلام الباجي وصاحب الطراز أن الامام ليس فيه إلا رواية واحدة. ونقل المازري روايتين كالفذ فقال: الامام والفذ يسلمان تسليمة واحدة في المشهور من المذهب. وروي عن مالك أن كلا منهما يسلم تسليمتين، ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الامام منهما انتهى. ونقل اللخمي عنه في ذلك ثلاث روايات: الاولى أنه يسلم واحدة. الثانية من سماع أشهب أنه يسلم تسليمتين قال: ولا يسلم من خلفه حتى يفرغ منهما. الثالثة ذكرها أبو الفرج أنه يسلم تسليمة تلقاء وجهه وإن كان عن يساره أحد رد عليه تسليمة ثانية. قال اللخمي: يريد أنه إذا كان معه واحد يسلم واحدة. وإن كان عن يساره أحد سلم أخرى على من كان على يساره وهو أحسن انتهى. وقال ابن عرفة: فالامام والفذ تسليمة. اللخمي: ورويت ثانية عن اليسار. أبو الفرج: إن كان عن يسار الامام أحد. وروى المازري يخفي سلامه. للرد على من على يساره لئلا يقتدي به فيه. قال ابن عرفة: قلت: ففي الامام ثلاثة. عياض: الاول المشهور. ومن العجب قول ابن زرقون لم يختلف قول الامام يسلم تسليمتين واحدة انتهى. قلت: ليس بعجيب بل هو تابع للباجي في جعله القول: بأن الامام يسلم تسليمتين تخريجا كما تقدم في كلام صاحب الطراز والله تعالى أعلم. وصرح صاحب الطراز وابن بشير وابن شاس بتشهير القول الاول: إن الامام والفذ يسلمان تسليمة واحدة والله أعلم. الحادي عشر: كل من أثبت التسليمة الثانية فإنه يقول: إنها غير واجبة إلا أحمد بن حنبل والحسن بن الصلاح. قال في الطراز: لو أحدث المصلي بعد فراغه من التسليمة الاولى لم تفسد صلاته وفاقا بين أرباب المذاهب، ولا يشترط أحد التسليمتين إلا ابن حنبل والحسن وهو باطل بالاجماع ممن تقدمهما ومن تأخر انتهى. الثاني عشر: قال في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم: سئل مالك عمن تفوته الركعة مع الامام متى يقوم، إذا سلم الامام واحدة أو ينتظره حتى يسلم تسليمتين ؟ قال: إن كان ممن يسلم تسليمتين انتظره حتى يفرغ من سلامه ثم يقوم. وقال في آخر مسألة من سماع عبد الملك: إن قام بعد أن سلم واحدة فلا إعادة عليه وبئس ما صنع. قال ابن رشد: لان السلام الاول هو الفرض الذي يتحلل به من الصلاة، والثاني سنة، فإذا قام بعد سلامه الاول


[ 232 ]

فصلاته تامة انتهى. ولا فرق بين أن يقوم لقضاء ركعة أو ركعتين أو ثلاث ركعات. قال في الطراز: إذا كان الامام يسلم تسليمتين، فروى ابن القاسم عن مالك في العتبية أن المأموم لا يقوم للقضاء حتى يفرغ الامام من تسليمه. قال ابن وهب: فإن قام بعد تسليمة واحدة فقد أساء ولا يعيد. قال صاحب الطراز: فعلى هذا لا يسلم المأموم حتى يفرغ الامام من التسليمتين جميعا، وإن سلم بعد الاولى أجزأه انتهى. ونقله التلمساني في شرح الجلاب والقرافي. وظاهر كلامهم أنه ليس في سلامه قبل فراغه من التسليمتين نص، وقد تقدم في كلام اللخمي والمازري لما ذكرا الرواية عن مالك بأن الامام يسلم تسليمتين أنه لا يسلم المأموم حتى يفرغ الامام من التسليمتين وجعلاه من تمام الرواية. وذكر ابن عرفه أنه قال في سماع عبد الملك وابن وهب: إنه لا يسلم المأموم إذا اقتدى بمن يسلم اثنتين إلا بعد الثانية. ونقله عنه البساطي في المغني ولم اقف على ذلك في سماع عبد الملك ولا ذكره عنه في النوادر فتأمله و الله أعلم. ص: (وجهر بتسليمة التحليل فقط) ش: اعلم أن على الامام أن يجزم تحريمه وتسليمه ولا يمططهما لئلا يسبقه بهما من وراءه. القاضي عياض: ونقله عن النوادر. ومعنى الجزم الاختصار، وأما الجهر فعليه أن يجهر بجميع التكبير وب‍ " سمع الله لمن حمده ". ليقتدي به من وراءه. قاله القاضي عياض. إلا أنه قال في النوادر: وسلام الامام من سجود السهو في الجهر به كسلام الصلاة وإن كان دونه فحسن انتهى. وأما المأموم فالمطلوب في حقه الجهر بتسليمة التحليل فقط لانها تستدعي الرد عليه، وأما غير التسليمة الاولى فالاحب فيه السر. نقله ابن يونس وانظر ما حكم الفذ فإني لم أجده الان منقولا. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: ويستحب الجهر بتكبيرة الاحرام وظاهره سواء كان إماما أو مأموما أو فذا والله أعلم. ص: (وإن سلم على اليسار ثم تكلم لم تبطل) ش: يريد إذا سلم قاصدا بذلك التحليل، فأما إن


[ 233 ]

قصد به الفضيلة فتبطل كما صوبه ابن عرفة وانظر الشبيبي في شرح الرساله والله أعلم. ص: (وستر لامام وفذ) ش: عطفها على ما تقدم أنها من السنن وهو خلاف ما صدر به صاحب الشامل وابن عرفه. قال في الشامل: والسترة مستحبة، وقيل: سنة. وقال ابن عرفه: وسترة المصلي غير مأموم حيث توقع مارا. قال عياض: مستحبة. الباجي: مندوبة. ابن العربي: متأكدة. الكافي: حسنة. وقيل سنة انتهى. ونحوه للابي. وقال ابن ناجي: اختلف في حكم السترة على ثلاثة اقوال: الاول إنها مستحبة قاله عياض ومثله قول الباجي: مندوبة. الثاني: سنة قاله في الكافي. الثالث: واجبة خرجه ابن عبد السلام من تأثيم المار وله مندوحة. ورده ابن عرفه بأن اتفاقهم على تعلق التأثيم بالمرور نص في عدم الوجوب والالزام دون مرور. وفي التوضيح: الامر أمر ندب كذا قال الباجي وغيره التونسي. وسئل مالك عن موعظة الذي يصلي إلى غير سترة قال: لا أدري ولكنه حسن. والعلماء مختلفون فمنهم من يقوى على أن يعظ الناس، ومنهم من لا يقوى على ذلك. ابن مسلمة: ومن ترك السترة فقط أخطأ ولا شئ عليه. وقال ابن حبيب: السنة الصلاة إلى السترة وإن ذلك من هيئة الصلاة. التونسي: انطر قوله: من هيئة الصلاة ومن سننها وافهم ذلك ورتبه على الحكم في تارك السنن انتهى. والاجماع على الامر بالسترة ونقله ابن بشير. انتهى كلام التوضيح. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: الكلام هنا في السترة وهي من فضائل الصلاة وقال انتهى. وقال القاضي عياض في قواعده: من فضائل الصلاة الدنو من السترة للامام والفذ. قال القباب عن ابن راشد: من فضائل الصلاة السترة قال في الاكمال: والسترة عندنا من فضائل الصلاة ومستحباتها انتهى. ص: (إن خشيا مرورا) ش: قال في المدونه: ويصلي في السفر والحضر في موضع يأمن فيه من مرور شئ بين يديه إلى غير سترة، ابن ناجي: ما ذكره هو المشهور. وقال مالك في العتبية: يؤمر بها مطلقا. واختاره اللخمي وبه قال ابن حبيب. ص (بطاهر ثابت غير مشغل في غلظ رمح وطول ذراع)


[ 234 ]

ش: قال ابن عرفة: وأقلها قدر عظم الذراع في جلة الرمح. ابن حبيب: أو في جلة الحربة وفيها بسترة قدر مؤخرة الرحل وهو نحو من عظم الذراع في جلة الرمح، وإنما كره ما دق جدا انتهى. ولفظ المدونه: والخط باطل ولا يصلي في الحضر إلا إلى السترة ويدنو منها، وبسترة قدر مؤخرة الرحل هو نحو من عظم الذراع. قال مالك: وإني لا أحب أن يكون في جلة الرمح والحربة وليس السوط بسترة انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره هو المشهور في الكتاب. وقال ابن حبيب: يجوز دون مؤخرة الرحل ودون جلة الرمح حكاه ابن رشد. قال ابن هارون: وقول اللخمي: " يجوز ارتفاع شبر " ليس بخلاف لانه نحو من عظم الذراع، وما حكاه ابن عات عن مالك قدر الذراع لعله يريد عظم الذراع، الذي نقله غير ذلك. قلت: ما ذكره ابن عات في الجلاب وقد علمت أن ما فيه لمالك حتى يعزوه لغيره ولفظه: وأقل ذلك ما علوه ذراع في غلظ الرمح انتهى. وجله الرمح بكسر الجيم وتشديد اللام غلظه قاله عياض. وقال ابن عرفه إثر كلامه السابق: وما استلزمه من طاهر ثابت غير مشوش مثله. وروى ابن حبيب القلنسوة والوسادة ذواتا ارتفاع سترة ورواه علي بقيد إن لم يجد انتهى. ص (لا دابة وحجر واحد وخط وأجنبية وفي المحرم قولان) ش: قال في الزاهي: ومن صلى إلى نائم لم


[ 235 ]

يعد، ومن استتر بجنب رجل فلا بأس، ولا بأس أن يستتر الرجل بقلنسوة إذا كان بها ارتفاع، وكذلك الوسادة والمرفقة، وليست النار ولا الماء ولا الوادي سترة، ولا يستتر المصلي بردائه ولا يستتر بمخنث ولا مأبون، ولا يصلي أحد إلى من يواجهه ولا يستتر بشئ يخاف زواله عنه في الصلاة، ولا من مر بين يدي مصل وجاوزه فلا يرده ولو لم يجاوزه لرده فإن جذبه فخر ميتا فالدية على عاقلته، ولا يستتر بالمصحف ولا بأس بالسترة بالصبي وإن كان لا يتحفظ من الوضوء، ولا بأس بالسترة بالمتحدثين ما لم يكونوا متحلقين انتهى. فرع: قال ابن ناجي: واختار بعض شيوخنا - يعني ابن عرفة وشيخنا أبو مهدي - أن الرداء الذي جرت به العادة بكونه يعمل سترا للباب يكفي في السترة لان الغرض يحصل به أكثر مما يحصل من قدر عظم الذراع، وكذلك الزرع إن كان متراكما. وما قاله في الزرع ظاهر، وأما الرداء وشبهه فظاهر كلامهم خلافه لرقته، انتهى كلام ابن ناجي. فرع: لا يجوز للرجل أن يصلي إلى وجه الرجل مستقبلا له في صلاته لما يدخل عليه بذلك من الشغل، والدي يصلي إلى جنب الرجل قريبا منه في المعنى لانه لا يأمن أن يلتفت فيستقبله بوجهه، ولهذا المعنى فرع: كرهت الصلاة إلى المتحلقين. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب. قال في مختصر الوقار: من صلى خلف أحد من أهل البدع جاهلا ببدعته أعاد في الوقت، وإن كان عالما أعاد أبدا، وإن علم في الصلاة قطع لانه لا يجوز أن يتخذه سترة


[ 236 ]

في نافلة فكيف بأن يجعله إماما في فريضة ؟ انتهى. ص: (وإثم مار له مندوحة) ش: قال في الكافي: والكراهة شديدة في المار بين يدي المصلي وفاعل ذلك عامدا آثم، ومن أكثر من ذلك واستخف به كانت فيه جرحة انتهى. قال في التوضيح: فإن قلت: كون المصلي يأثم مناف لما قدمت أن السترة مندوب إليها إذ لا يأثم إلا في الواجب. قيل: ما تعلق به الاثم غير ما هو مندوب إذ الندب متعلق بفعل السترة والاثم بالتعرض وهما متغايران انتهى. وقال ابن عرفة: وأخذ ابن عبد السلام من التأثيم وجوب السترة يرد بأن اتفاقنم على تعليقه بالمرور نص في عدم الوجوب والالزام دون مرور انتهى. وتقدم كلامه هذا في نقل ابن ناجي عند قول المصنف: وسترة وهو معنى ما قال في التوضيح والله أعلم. فرع: وأما موقف المصلي فينبغي أن يدنو من سترته، واختلف في قدر الدنو منها فقيل يكون بينه وبينها قدر شبر فإذا ركع تأخر، وقيل: قدر ثلاثة أذرع. قال ابن عرفة: وفي المستحب من قربها ثلث، وروى ابن القاسم ليس من الصواب قدر صفين. اللخمي: قيد شبر. وقيل: ثلاثة أذرع، وكان شيخنا أبو الطيب يدنو قائما فإذا ركع تأخر انتهى. وقال في الزاهي: ويصلي المصلي بينه وبين سترته قدر ممر الشاة انتهى. تنبيه: وأما قدر حريم المصلي، فقال ابن عرفة: وقول ابن العربي من صلى لغير سترة قيل: لا يمر بين يديه بقدر رمية حجر، وقيل: سهم، وقيل: رمح، وقيل: قدر مضاربة السيف، والكل غلط إنما يستحق قدر ركوعه وسجوده خلاف تلقيهم قول أشهب في الاشارة بالقبول انتهى. وما ذكره عن ابن العربي نحوه في الطراز. فرع: وأما حكم مدافعة المار فالمذهب أنه يدفعه دفعا خفيفا لم يشغله عن الصلاة. قال ابن عرفة: ودرأ المار جهده. وروى ابن نافع بالمعروف أشهب: إن بعد أشار إليه فإن مشى أو نازعه لم تبطل. فأطلقه الشيخ أبو عمر إن كثرت بطلت انتهى. قال المشذالي في حاشيته على المدونة في أول كتاب الصلاة الثاني في قول المدونة: ويدرأ ما يمر بين يديه. قال ابن عرفة: لو دفعه فسقط للمار دينار ضمنه الدافع لو دفعه دفعا مأذونا فيه كقوله في مسألة الباب والقلال.


[ 237 ]

قلت: في تعليقه القابسي عن ابن شعبان لو دفعه فخرق ثوبه ضمنه. وقال أبو جعفر: إن لم يعنف في الدفع لم يضمن. قلت: صواب. وقد قال مالك: لا ضمان على من جلس في صلاته على طرف ثوب صاحبه فقام فانحزق انتهى. ولفظ ابن عرفة فلو درأه فمات فابن شعبان خطأ. أبو عمر: ديته في ماله. المازري: خرجه بعضهم من قول مالك في سقوط سن العاض سن المعضوض. أبو عمر: وقيل: دمه هدر انتهى. وفي شرح الرسالة للاقفهسي: ولو دفع المار بين يديه فمات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب. وأجرى عبد الحق هذا الخلاف فيمن عض إنسانا فأخرج المعضوض يده فكسر سن العاض انتهى. فرع: وأما محل وضع السترة فقال ابن عرفة اللخمي: تجعل مثل الحربة إلى جابنه الايمن. أبو عمر: أو الايسر. قالوا: لا يصمد له صمدا انتهى. فرع: فلو مر به كالهر رده برجله أو يلصق بالسترة حتى يمر من خلفه. وفي الحديث أنه عليه السلام لم يزل يدرأ بهيمة أرادت أن تمر بين يديه حتى لصق بطنه بالجدار. وجاء أنه حبس هرا برجله أراد أن يمر بين يديه. انتهى من ابن فرحون. فرع: قال ابن عرفة: وفيها لا يناول من على يمينه من على يساره. وروى ابن القاسم ولا يكلمه انتهى. وفي مسائل ابن قداح: وإذا تشوش المصلي من شئ أمامه يمنعه من السجود أزاله، فإن كان عن يمينه أبعده ولا يرده عن يساره لانه كالمار بين يديه انتهى. فرع: وأما المرور بين الصفوف فجائز. قال مالك: لا أكره المرور بين الصفوف والامام يصلي. قاله ابن فرحون وهو في المدونة قال ابن عرفة: وفيها: ولا بأس بالمرور بين الصفوف. مالك: لان الامام سترة لهم. القاضي: سترته سترة لهم فخرج عليها منع المرور بين يدي الامام وبينهم. وجوزه ابن بشير فقيل: مترادفان. أبو إبراهيم: تعليل مالك فاسد لانه إذا كان سترة لهم امتنع المرور بينه وبينهم. ويجاب بأن مراده سترة لمن يليه حسا وحكما ولغيره حكما فقط، والممنوع فيه المرور الاول فقط وبه يتم التخريج. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وحركة مصل آخر ومروره لا يضر، ولا خلاف أن مرور الطائفين لا يقدح، وقد كان بعض العلماء بمدينة فاس إذا رأى فرجة في موضع يوم الجمعة وبينه وبينها مصل آخر مشى إليه انتهى. فائدة: قال الزركشي من الشافعية في أعلام الساجد في الباب الاول: مذهب أحمد أنه لا يكره المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، وأن الصلاة لا يقطعها بمكة شئ ولو كان المار امرأة بخلاف غيرها. حكاه القاضي أبو يعلى في الاحكام السلطانية، ونقل ذلك عن مالك وعبد الرزاق انتهى. وما ذكره عن مالك فإن عنى به كون الصلاة لا يقطعها شئ فهو مذهبه لكنه ليس خاصا بالمسجد الحرام بل في سائر الاماكن، وإن عنى به جواز المرور فينظر في ذلك كلام ابن رشد في آخر رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب الحج


[ 238 ]

الاول ونصه: وسئل مالك عن مكة والمرور بها بين يدي المصلي في المسجد، أترى أن يمنع منها مثل ما يمنع من غيرها ؟ قال: نعم إني لارى ذلك إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، ولا أدري ما الطواف كأنه يخففه إن صلى إلى الطائفين. قال محمد بن رشد: في قوله: إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة دليل على أنه إذا صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة فالمرور بين يديه جائز وليس عليه أن يدرأ من يمر بين يديه بخلاف المصلي في غير المسجد الحرام إلى غير سترة، والاثم عليه في ذلك دون المارين بخلاف صلاته إلى الطائفين. والفرق بين الطائفين وغيرهم من المارين بين يديه في إجازة الصلاة إليهم، أن الطائفين مصلون لان الطواف بالبيت صلاة وإن جاز فيه الكلام ألا ترى أن يكون إلا على طهارة، والصلاة في المسجد الحرام إلى سترة فلا يجوز لاحد أن يمر بينه وبينها من غير الطائفين، وإن من مر كان أن يدرأه عن ذلك. وأما الطائف فلا ينبغي أن يمر بينه وبين سترته إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام فليمر، ولا يدرؤه المصلي عن المرور. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجوز أن يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة، وإن مر الناس بين يديه في الطواف وغيره، ولا إثم في ذلك عليه ولا عليهم، وإن مكة مخصوصة بجواز المرور فيها بين يدي المصلي بدليل ما روي عن المطلب بن أبي وداعة أنه قال: رأيت النبي (ص) يصلي مما يلي الباب بني سهم والناس يمرون بين يديه ليس بينه وبين القبلة شئ. وقال بعض الرواة: ليس بينه وبين الطواف سترة. قال: فمن طريق المعنى أن الذي يصلي محاذيا إلى الكعبة يستقبل في صلاته وجوه بعض المصلين إليها لا يجوز ذلك في غيرها، فإذا جاز له أن يستقبل وجوههم جاز له أن يمروا بين يديه لانه لا يستقبل بذلك إلا خدودهم فهو أخف والله أعلم وبه التوفيق. انتهى كلام ابن رشد. ص: (وإنصات مقتد ولو سكت إمامه) ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: لانها ساقطة بل مكروهة، وصرح بكراهة قراءة المأموم في الجهرية في التوضيح. وانظر إذا كان المأموم لا يسمع قراءة الامام هل يقرأ أو ينصت ؟ قال ابن فرحون في الالغاز في باب الصلاة ما نصه. فإن قلت: هل للمأموم أن يقرأ مع الامام في الصلاة الجهرية ؟ قلت: نعم إن كان في موضع لا يسمع الامام. فقال ابن العربي في أحكام القرآن: الصحيح وجوبها في السرية، وإذا لم يسمع الامام فحكمه حكم الصلاة السرية. ونقل ابن راشد في شرح ابن الحاجب في صلاة


[ 239 ]

الجمعة أنه يجب الانصات وإن لم يسمع. وفي فتاوى ابن قداح أنه إذا صلى الجمعة في موضع لا يسمع فيه قراءة الامام وخاف على نفسه الوسوسة فإنه يقرأ انتهى. وقال البرزلي عقيب نقله مسألة ابن قداح هذه ما نصه: هذا استحسان وهو جار على مذهب من يجيز الكلام حيث لا يسمع خطبة الامام وعلى المشهور يصمت فيصمت هذا انتهى. وقال ابن ناجي في قول الرسالة: ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه ظاهر كلامه ولو كان لا يسمع صوت الامام وهو كذلك على المنصوص. وأشار ابن عبد البر إلى أنه يتخرج فيه قول: بأنه يقرأ من قول: من قال من أصحاب مالك إنه يجوز التكلم لمن لا يسمع خطبة الامام انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والمشهور لا يقرأ إذا لم يسمع قراءة الامام. وقال أبو مصعب: يقرأ لنفسه إذا لم يسمع القراءة انتهى. وقوله: ولو سكت إمامه قال: المعروف أنه إذا سكت إمامة لا يقرأ. وقيل: يقرأ. فحمل رواية ابن نافع على الخلاف وهو خلاف ما تقتضيه عبارة التوضيح والله أعلم. فرع في مندوبات الصلاة: ص: (كرفع يديه مع إحرامه حين شروعه) ش: هكذا قال في التوضيح وقت الرفع عند الاخذ في التكبير انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: وموضع الرفع عند الاحرام انتهى. قال ابن فرحون: وأما إرسالهما بعد رفعهما فقال سند: لم أر فيه نصا. والاظهر عندي أن يرسلهما حال التكبير ليكون مقارنا للحركة، وينبغي أن يرسلهما برفق ويستحب أن يكشف يديه حين الاحرام، فإن رفعهما من تحت الكساء فهو مذموم وصلاته شحيحة انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: قال سند:


[ 240 ]

يستحب أن يكشف يديه عند الاحرام بالصلاة في تكبيرة الاحرام، فإن رفعهما تحت الثياب من الكسل أجزأه وهو مذموم لقوله تعالى: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * انتهى. ونقله في الذخيرة وقاله في النوادر ونصه: واستحب مالك أن يكشف يديه عند الاحرام انتهى. وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة من صلى في جبة أكمامها طويلة لا يخرج يديه منها الاحرام ولا ركوع ولا سجود صلاته صحيحة مع كراهة لاجل عدم مباشرته بيديه الارض مع ضرب من الكبر انتهى. ص: (وتطويل قراءة صبح) ش: قال ابن المنير: بكالحواميم ونحوها ما لم يخش الاسفار انتهى. وقال التادلي: اختلف إذا افتتح سورة طويلة ثم بداله عنها فقيل: يلزمه إتمامها، وقيل: لا، وقيل: إن نذرها لزمه وإلا فلا. قال ابن ناجي: وما ذكره لا أعرفه نصا، والذي تلقيته من غير واحد من الشيوخ إجراء ذلك على ما افتتح النافلة قائما ثم شاء الجلوس. انتهى من شرح الرسالة له. فرع: قال ابن عرفه في كلامه في فروض الصلاة: روى ابن حبيب إن افتتح في العصر طويل تركها، وإن قرأ نصفها ركع، ولو افتتح قصيرة بدل طويلة تركها، فإن أتمها زاد غيرها، وإن ركع بها فلا سجود عليه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: الباجي: إن كان


[ 241 ]

طول ما يطول يوجب ركوع ركعة بعد وقتها خففت. انتهى من شرح قوله: ثم يقرأ سورة من طوال المفصل. ونقله ابن عرفة إثر كلامه السابق. فرع: قال ابن رشد في رسم حلف بطلاق امرأته: من قرأ في الصبح: ب‍ * (قل هو الله أحد) * تجزئه صلاته بإجماع انتهى. وقال الشيخ زروق في العصر والمغرب: يشتركان في قصر القراءة إلا أن العصر أطول قليلا. وقيل: لا وهو المشهور انتهى. وما شهره غير مشهور وقال: وما ورد في الصحيح من قراءة المغرب بالاعراف والطول والمرسلات إنما ورد لبيان الجواز، وقد قرأ صلى الله عليه وسلم في الصبح بالمعوذتين لبيان الجواز رواه النسائي انتهى. ص: (وثانية عن أولى) ش: قال الجزولي في شرح الرسالة: ولا تكون القراءة الثانية على النصف من الاولى، فإن فعل أجزأه ولكنه فعل مكروها. ولم يحد أحد من الشيوخ الدون هنا إلا الفقيه راشد فقال: أقل مثل الربع ولا يبلغ به الربع انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ويكره أن يقرأ في الثانية بأطول من الاولى، ويكره أيضا أن يقرأ في الثانية أقصر من الاولى جدا حتى يكون نصفها أو دون ذلك انتهى. قال في التوضي عند قول ابن الحاجب: والثانية مثلها. فرع: وهل الافضل في الثانية أن يقرأ بسورة بعد السورة التي قرأها في الاولى، أو لا فرق بين ذلك ؟ والتي قبلها عن مالك في ذلك روايتان، والذي اختاره ابن حبيب وابن عبد الحكم وابن رشد واقتصر عليه في الجلاب أن ذلك أفضل انتهى. وعد في اللباب القراءة على ترتيب المصحف من الفضائل، والقراءة على خلاف الترتيب من المكروهات والله أعلم. وقال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. مسألة: وسئل عن الصلاة يقرأ فيها في الركعة الاولى ب‍ * (الشمس وضحاها) * ويقرأ بعد ذلك في الركعة الثانية ب‍ * (لا أقسم بهذا البلد) * قال: لا بأس بذلك لم يزل هذا من عمل الناس. قيل له: أفلا يقرأ على تأليفه أحب إليك ؟ قال: هذا كله سواء. ابن رشد: ذهب ابن حبيب إلى أن القراءة على تأليفه أفضل، وحكى ذلك عن مالك من رواية مطرف عنه. وقال ابن عبد الحكم: قال ابن حبيب: وأما أن يقرأ في الركعة الثانية بسورة أخرى ليست بأثرها إلا أنها تحتها فلا بأس به وهو أجود من أن يقرأ بسورة فوقها، ولعمري: إن القراءة في الركعة الثانية بما بعد السورة التي قرأها في الركعة الاولى أحسن من أن يقرأ فيها بما قبلها لانه جل عمل الناس الذي مضوا عليه والامر في ذلك واسع لقوله تعالى: * (فاقرأوا ما تيسر منه) انتهى. وقوله: ولعمري


[ 242 ]

إلى آخره من كلام ابن رشد كذا نقله ابن عرفة في مختصره وقال فيه قبل ذلك الباجي: يكره في الثانية سورة قبل سورة الاولى. عياض: لا خلاف في جوازه وإنما يكره في ركعة واحدة. وسمع ابن القاسم فذكر السماع المذكور ثم قال: ويكره تكرير السورة الاولى في الثانية. وروى ابن حبيب يتمها ولو ذكرها في أولها وقراءتها في ثالثة أو رابعة. وحسنها ابن عبد الحكم فيهما واختاره اللخمي لرواية ابن عبد الحكم جواز ثلاث سور في كل من الاوليين انتهى. وقوله: وقراءتها أي ويكره قراءتها فهو معطوف على قوله: تكريره والله أعلم. وقال البرزلي: المشهور عدم الكراهة قراءة سورة فوق السورة التي قرأها في الركعة الاولى وكراهة تكرار السورة في الركعة الثانية، فمن قرأ في الركعة الاولى: * (قل أعوذ برب الناس) * يقرأ في الثانية سورة فوقها ولا يكررها. وقيل: يعيدها. قال: والصواب الاول لان المشهور عدم كراهة فعل ذلك خلافا لابن حبيب، والمشهور كراهة تكرير السورة انتهى. قال في الشامل: وهل الافضل قراءة سورة بعد التي قرأ في الاولى وعليه الاكثر أو لا ؟ روايتان انتهى. فرع: قال الاقفهسي في قول الرسالة: ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا هل يطول السجود الثاني كالاول ؟ قال الجزولي: لم أر فيه نصا انتهى. فرع: وقوله: وثانية عن أولى هذا في الفرض وأما في النفل فقد قال في المدخل: إنه إذا وجد الحلاوة فله أن يطول. انظره في آداب المتعلم. ص: (وجلوس أول) ش: قال ابن ناجي: وهذه إحدى المسائل التي يستدل بها على فقه الامام، والثانية خطر فقه للاحرام والسلام، والثالثة دخول المحراب بعد الاقامة. ذكره عند قوله: ولا يرفع أحد رأسه قبل الامام. ص: (وقول مقتد وفذ ربنا ولك الحمد) ش: ليس في كلامه رحمه الله ما يدل على أن الفذ يقول: ربنا ولك الحمد بعد سمع الله لمن حمده كما صرح به الرسالة وغيره والله أعلم. ص: وتسبيح بركوع وسجود) ش:


[ 243 ]

تصوره واضح. فائدة: قال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم: روي عن يحيي بن يحيي وعيسى بن دينار أنهما قالا: من صلى الفريضة فركع وسجد ولم يذكر الله في ذلك أعاد الصلاة في الوقت وبعده، وهذا على طريق الاستحسان لا على طريق الوجوب انتهى. وقال ابن شعبان: قال الله تعالى: * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * فحق على كل قائم إلى الصلاة أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده انتهى. ص: (وتأمين فذ مطلقا) ش: التأمين أن يقول: آمين. قال ابن الجواهر: بالمد والقصر، وفي معنى هذا اللفظ ثلاثة أقوال: الاول أنه اسم من أسماء الله تعالى. قال ابن العربي في أحكامه: ولم يصح نقله. الثاني: معناه اللهم استجب. الثالث: معناه كذلك يكون. قال ابن العربي: والاوسط أصح وأوسط. فائدة: قال ابن العربي في أحكامه: هذه كلمة لم تكن لمن قبلنا خصنا الله بها. وعن ابن عباس: ما حسدكم أهل الكتاب على شئ ما حسدوكم على قولكم: آمين انتهى. ص: (وقنوت سرا بصبح فقط وقبل الركوع) ش: يعني أن القنوت مستحب في صلاة الصبح وهذا هو المشهور. وقال ابن سحنون: سنة. قال يجيي بن عمر: هو غير مشروع. ومسجده بقرطبة لا يقنت فيه إلى حين أخذها عادها الله للاسلام. ولابن زياد ما يدل على وجوبه لانه قال: من تركه فسدت صلاته. أو يكون على القول ببطلان صلاة من ترك السنة عمدا. وقال أشهب: من سجد له فسدت صلاته. وقال ابن الفاكهاني: القنوت عندنا فضيلة بلا خلاف أعلمه في ذلك في المذهب، ونقل بعضهم عن اللخمي أنه ذكر أنه سنة. وقوله: سرا يعني أن المطلوب في القنوت الاسرار به وهذا هو المشهور. وقيل: إنه يجهر به. ونقل البرزلي عن التونسي أنه سئل عمن جهر بالقنوت أو التشهد في الفرض أو النفل فقال: الجهر بالقنوت والتشهد لا يجوز ويعيد من تعمد ذلك ويسجد الساهي إلا أن يكون خفيفا وكذلك القراءة، وإن كان قد اختلف فيها إذا جهر، فعن ابن نافع لا يعيد فالقنوت عليه أخف ولا شئ عليه على هذا، وأما النافلة فلا شئ عليه. قال البرزلي: قلت: أما الجهر بالتشهد والقنوت فالمعلوم من المذهب أن الجهر بالذكر لا يبطل الصلاة بل ترك مستحبا خاصة على ما حكى ابن يونس وغيره من رواية ابن وهب أو قوله، وتقدم أن عبد البر حكى عن بعض المتأخرين


[ 244 ]

عدم صحة الصلاة ولم يرتضه. وحكى شيخنا الامام أن بعضهم ذكره عن ابن نافع قال: ولا أعرفه إلا في صلاة المسمع خاصة وقياسه على جهر الفريضة ضعيف لانه وردت فيه سنة انتهى. قلت: حكى في مختصر الواضحة بطلان صلاة من جهر في السرية أو أسر في الجهرية قولين والله أعلم. وعد في اللباب من الفضائل إسرار التشهدين وقال في الاستذكار: وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم وإعلانه بدعة وجهل ولا خلاف فيه انتهى. تنبيه: قال ابن فرحون: فإن صلى مالكي خلف شافعي جهر بدعاء القنوت فإنه يؤمن على دعائه ولا يقنته معه، والقنوت معه من فعل الجهال. انظر مختصر الواضحة في القنوت في رمضان، فلو قنت المالكي عند قول الشافعي: فإنك تقضي ولا يقضى عليك كان حسنا، ولم أره منصوصا ووجهه أن الدعاء الذي يؤمن عليه قد انقضى ولا مانع حينئذ من القنوت انتهى. وقوله: بصبح فقط يعني أن القنوت إنما يستحب في صلاة الصبح فقط وهذا هو المشهور. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: في ثانية الصبح تنبيه على خلاف بعض أهل المذهب في إجازته في الوتر وخلاف من أجازه في سائر الصلوات عند الضرورة انتهى. فرع: قال في الطراز: لو قنت في غير الصبح لم تبطل الصلاة به. ذكره في باب السهو فيمن جهر فيما يسر فيه عمدا. وقوله: وقبل الركوع وقال ابن عرفة: روى الباجي قبل الركوع أفضل. وعكس ابن حبيب وفيها هما سواء، وفعل مالك قبل وفيها بعد لا يكبر له. روي عن علي أنه كبر حين قنت. الجلاب: لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت. وسمع ابن القاسم: من أدرك القنوت بعد ركوع الامام قنت إذا قضى، ولو أدرك ركعة معه وقنت لم يقنت في قضائه. ابن رشد: إن أدرك ركوع الثانية لم يقنت في قضائه، أدرك قنوت الامام أم لا. وهذا على أن ما أدرك آخر صلاته، وعلى دنه أولها وقول أشهب أنه بأن في القراءة والفعل يقنت مع الامام أم لا. قلت: مفهوم قوله مالك: وقنت معه أنه إذا أدرك الركعة دون القنوت قنت خلاف قول ابن رشد. فرع: قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: إذا نسي القنوت قبل الركوع فإنه يقنت بعد الركوع ولا رجوع من الركوع إذا تذكره هنالك، فإذا رجع أفسد صلاته لانه لا يرجع من الفرض إلى المستحب انتهى. أما عدم الرجوع فمأخوذ من مسائل المدونة: منها من


[ 245 ]

نسي الجلوس الاول حتى استقل قائما فإنه لا يرجع. ومنها من نسي السورة أو الجهر أو الاسرار أو تكبير العيدين حتى ركع، وأما البطلان فلا يأتي على ما شهره المنصف من عدم البطلان في مسألة الجلوس، ويأتي على ما قاله ابن عرفة والفاكهاني من البطلان والله أعلم. فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: نص ابن الجلاب على أنه لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت. قلت: وظاهر المدونة خلافه قال فيها: ولا يرفع يديه إلا في الافتتاح والمشهور أنه لا يكبر انتهى. وقال الاقفهسي: وهل يكبر أم لا ؟ قولان. وعلى الرفع فهل راغبا أو راهبا ويرهب بإحدى يديه ويرغب بالاخرى خلاف انتهى. تنبيه: قال في الجواهر: لما ذكر القنوت ثم إن كانت في نفسه حاجة دعا بها حينئذ إن شاء انتهى. ص: (وتكبيره في الشروع إلا في قيامه من اثنتين فلا (تقلاله) ش: قال في المدونة في باب التكبير في الركوع: ويكبر في حالة انحطاطه لركوع أو سجود ويقول: سمع الله لمن حمده في رفع رأسه، ويكبر في حال رفع رأسه من السجود إلا في الجلسة الاولى إذا قام منها


[ 246 ]

فلا يكبر حتى يستوي قائما انتهى. وقال الشيخ أحمد زروق في شرح الارشاد: ويستحب أن يعمر الركن من أولى الحركة إلى آخرها بالتكبير، فإن عجل أو أبطأ فلا شئ عليه إلا في القيام من اثنتين فلا يكبر حتى يستوي قائما على المشهور انتهى. وهذا معنى قوله في التوضيح في قول ابن الحاجب: والسنة التكبير حتى الشروع إلا في قيام الجلوس يعني أن التكبير يكون للاركان في حالة الحركة إليها إلا في قيام الجلوس من الثانية. انتهى كلام التوضيح، ونقله الجزولي عن عياض في غير موضع. وقال في قول الرسالة: ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما. هذا خلاف الاصل لان الاصل أن يكبر عند شروعه في كل فعل انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: ويستحب أن يبتدئ التكبيرة في كل ركن مع أوله ولا يختمه إلا مع آخره، ويجوز قصره على أوله وآخره ولكنه خلاف الاولى، وكذلك سمع الله لمن حمده انتهى. وقال في الشرح المذكور: ويستحب أن يعمر بها الركن كالتكبير. ونص على تعمير الحركة ابن المنير أيضا. وقوله: إلا في قيامه من اثنتين فلاستقلاله أي لا يكبر حتى يستقل قائما على المشهور. هذا هو السنة. قال الشبيبي: فإن كبر قبل أن يستوي قائما ففي إعادة التكبير قولان، وروي عن مالك أنه يكبر في حال قيامه وليس بالمشهور انتهى. ص: (والرداء) ش: قال في النهاية في غريب الحديث: الرداء هو الثوب أو البرد الذي يضعه الانسان على عاتقيه وبين كتفيه فوق ثيابه. انتهى. من آخر باب الراء مع الذال. قال ابن رشد: هو مستحب. وقال الابهري: سنة. قال في المدخل بعد كلام الطويل: وأما قناع الرجل فهو أن يغطي رأسه بردائه ويرد طرفه على أحد كتفيه وهو مكروه لانه مختص بالنساء إلا من ضرورة حر أو برد على ما تقدم من قول مالك رحمه الله تعالى، أو غير ذلك من الاعذار، والرداء هو السنة وهو أن يجعله على كتفيه دون أن يغطي رأسه، فأن غطى به رأسه صار قناعا كما تقدم، وأما الطيلسان المعهود في هذا الزمان فيكره لما تقدم ذكره، فإن كان لضرورة كحر أو برد فلا بأس به لكن شرطه أن لا يتكلف هذا التكلف الذي يفعله بعض الناس اليوم فيه وما لم يخرج به إلى حد الكبر الشنيع انتهى من فضل اللباس. وقال فيه أيضا: والرداء أربعة أذرع ونصف ونحوها انتهى. فرع: وأما القناع للمرأة فعده في المدخل من سنن الصلاة وعد الرداء في الفضائل وانظر كلام الفاكهاني. فائدة: وأما حكم إرسال العذبة من العمامة والتحنيك بها فمحصل كلامه في المدخل أن العمامة بغير عذبة ولا تحنيك بدعة مكروهة، فإن فعلا فهو الاكمل، وإن فعل أحدهما فقد


[ 247 ]

خرج به من المكروه. ونقل في المواهب اللدنية ضمن الفصل الثالث من المقصد الثالث في الفرع الثاني عن عبد الحق الاشبيلي أنه قال: وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخي طرفها ويتحنك به فإن كانت بغير طرف ولا تحنيك فيكره عند العلماء. واختلف في وجه الكراهة فقيل: لمخالفة السنة، وقيل: لانها عمائم الشياطين. ونقل عن النواوي أنه لا كراهة في إرسال العذبة ولا عدم إرسالها لكن تعقبه شيخ شيوخنا الكمال ابن أبي شريف بأن ظاهر كلامه أنه من المباح المستوي الطرفين قال: وليس كذلك بل الارسال مستحب وتركه خلاف الاولى ونحوه للشيخ أبي الفضل ابن الامام الشافعي. وقال الكمال ابن أبي شريف: وههنا تنبيه وهو أن العذبة صارت من شعار السادة الصوفية وأكابر العلماء، فإذا تلبس بشعائرهم ظاهرا من ليس منهم حقيقة لقصد التعاظم على غيره أثم باتخاذها بهذا القصد من عالم أو صوفي فإنه يأثم به، سواء أرسلها أو لم يرسلها، طالت أو لم تطل. وصرح الحنفية باستحباب إرسال العذبة، وصرح الشيخ عبد القادر الجيلي من الحنابلة في كتاب الغنية باستحباب إرسالها وكراهة الانتقاظ. وذكر السخاوي من معجم الطبراني الكبير بسند حسن أنه (ص) بعث عليا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه الايسر وتردد راويه فيه وربما جزم بالثاني. ص: (وسدل يديه وهل يجوز القبض في النفل أو إن طول وهل كراهته في الفرض للاعتماد أو خيفة اعتقاد وجوبه أو إظهار خشوع تأويلات) ش: قيل: إنه يجوز في الفرض والنفل. وقيل: يمنع فيهما. قاله العراقيون. وقيل: يكره في الفرض ويجوز في النفل وهو ظاهر المدونة ص: (وتقديم يديه في سجوده) ش: هكذا قال ابن الحاجب ونصه: وتقديم يديه قبل ركبتيه أحسن وقبله في التوضيح قال: وفي أبي داود والنسائي عنه عليه الصلاة والسلام إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير لكن يضع يديه قبل ركبتيه ثم قال: وفي أبي داود والترمذي: كان (ص) إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه. وروى ابن عبد الحكم عن مالك التخيير انتهى. وقال ابن عرفة: وفي استحباب ركبتيه قبل يديه والعكس ثالث الروايات لا تحديد لابن


[ 248 ]

شعبان والمبسوط وابن حبيب انتهى. فذكر ثلاث روايات. والذي مشى عليه المصنف رواية المبسوط. وحكى ابن ناجي الثلاثة وقال: فالثلاثة لمالك ص: (وتأخيرهما عند القيام) ش: هذه نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح: حكى فيه في البيان ثلاث روايات، الاولى إجازة ترك الاعتماد وفعله ورأى ذلك سواء، وهو مذهبه في المدونة، ومرة استحب الاعتماد وخفف تركه. ومرة استحسنه وكره تركه قال: وهو أولى الاقوال بالصواب لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا سجد أحدكم فل يبرك كما يبرك البعير ولكن يضع يديه قبل ركبتيه فإذا أمر بتقديم اليدين حتى لا يشبه البعير وجب أن يضع يديه بالارض إذا قام حتى لا يشبه البعير في قيامه. ص: (وعقده يمناه في تشهديه الثلاث مادا السبابة والابهام) ش: قال ابن عرفة ابن بنود: الواحد ضم الخنصر لاقرب باطن الكف منه، والاثنان ضمه مع البنصر، كذلك والثلاثة ضمها مع الوسطى، كذلك والاربعة ضمها ورفع الخنصر، والخمسة ضم الوسطى فقط، والستة ضم البنصر فقط، والسبعة ضم الخنصر فقط على لحمة أصل الاجهام. والثمانية ضمها والبنصر عليها، والتسعة ضمهما والوسطى عليهما، والعشرة جعل السبابة على نصف الابهام، والعشرون مدهما معا، والثلاثون إلزاق طرف السبابة بطرف إبهامه على جانب سبابته، والخمسون مد السبابة وعطف إبهامه كأنها راكعة، والستون تحليق السبابة على أعلى أنملة إبهامه، والسبعون وضع طرف إبهامه على وسطى أنامل السبابة مع عطف السبابة إليها قليلا، والثمانون وضع طرف السبابة على طرف إبهامه، والتسعون عطف السبابة حتى قلقي الكف وضم الابهام إليها، والمائة فتح اليد بها انتهى. وقال قبله: وكفاه في جلوسهما على فخذيه قابضا اليمنى إلا سبابتها وحرفها إلى وجهه. زاد ابن بشير كعاقد ثلاثة وعشرين. ابن الحاجب: تسعة وعشرين والمروي


[ 249 ]

ثلاثة وخمسين انتهى. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ويعقد في التشهدين باليمنى شبه تسعة وعين وجانب السبابة مما يلي وجهه أي يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويمد السبابة ويضم الابهام إليها تحتها. قاله ابن شاس. ابن عبد السلام: فما فعله في السبابة والابهام هو العشرون، وما فعله في الثلاثة الاخر هو التسعة، وما ذكره مخالف لما ذكره غيره ابن بشير شبه ثلاثة وثلاثين. وقال الباجي: شبه ثلاثة وخمسين وهذا يعرف عند أهله انتهى. ولم يزد ابن عبد السلام على أول كلام التوضيح شيئا. وقوله: ويضم الابهام إليها تحتها يعني إلى جانبها ولا شك أنه منخفض عن السبابة والله أعلم. وما ذكره عن ابن بشير مخالف لما نقله عنه ابن عرفة والصواب كما قاله ابن عرفة ونصه في التنبيه: ويجعل يديه على ركبتيه، أما في جلوسه بين السجدتين فيضعهما مبسوطتين، وأما في جلوسه في التشهدين فيبسط اليسرى ويقبض اليمنى. وصورة ما يفعل أن يقبض ثلاثة أصابع وهي الوسطى والخنصر وما بينهما ويبسط المسبحة ويجعل جانبها مما يلي السماء ويمد الابهام على الوسطى وهو كالعقاد ثلاثة وعشرين انتهى. ولفظ ابن شاس كلفظ ابن بشير إلا أنه لم يذكر العقد والله أعلم. وقال ابن المنير في الجلوس: وكفاه مفتوحتان على فخذيه يعقد في التشهد شبه تسعة وعشرين وجانب السبابة يلي وجهه ويشير بها في التوحيد عند إلا لا عند لا انتهى. فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة قال النواوي: وإن كان مقطوع اليد اليمنى فلا ينتقل إلى اليد اليسرى لان شأنها البسط. قال التادلي: وفيه مجال لان اليسرى قد يقال: إن شأنها البسط مع وجود اليمنى وأما مع فقدها فلا انتهى. ص: (وتحريكها دائما) ش: هذا هو المروي عن مالك في العتبية والذي صدر به ابن الحاجب وابن شاس وجعل ابن رشد التحريك سنة. قال ابن عرفة: وهو ضد قول ابن العربي: إياكم وتحريم أصابعكم في التشهد ولا تلتفتوا الرواية العتبية فإنها بلية انتهى. ووفق ابن بشير بين الاقوال فانظره. ص: (وتيامن بالسلام) ش: قال الجزولي: قال اللخمي وغيره: يتيامن بالقول والفعل ولم يبين بماذا يتيامن من القول وقال غيره: يتيامن بالميم انتهى. تنبيه: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: ويسلم الفذ والامام تلقاء وجهه ويتيامن برأسه قليلا مع شئ من لفظ السلام، فلو سلم عن يمينه ولم يسلم تلقاء وجهه فالمشهور أنه يجزئه. وفي كتاب محمد بن سحنون أنه لا يجزئه ويعيد أي السلام انتهى. وقال الشيخ يوسف بن


[ 250 ]

عمر: وأما صفته - أي السلام - فإنه يبتدئ السلام إلى القبلة ويختمه مع التيامن برأسه في الفذ والامام، فإن لم يقصد بسلامه أولا قبلته وسلم عن يمينه، قال في كتاب ابن سحنون: تبطل صلاته. واختلف في المأموم هل يبتدئها إلى القبلة أو إنما يسلم عن يمينه انتهى. وقال ابن المنير: ثم سلم عن يمينه بالتفات يسير غير مقدم على ذلك شيئا لا كما يفعل العامي ينحني قبالة وجهه ثم ينتقل للسلام فذلك بدعة وزيادة هيئة جهلا والله الموفق انتهى. ص: (ودعاء بتشهد ثان) ش: صرح في سماع أشهب بأن الدعاء بعد التشهد الثاني جائز ولم يحك فيه خلافا. وقال في الكافي: وينبغي لكل مسلم أن لا يترك الصلاة على النبي (ص) مع تشهده في آخر صلاته وقبل سلامه فإن ذلك مرغب فيه ومندوب إليه وأحرى أن يستجاب له دعاؤه، فإن لم يفعل لم تفسد صلاته. وأما التشهد الاول فلا يزيد فيه على التشهد الاول دعاء ولا غيره فإن دعاء تفسد صلاته، وقد كان النبي (ص) إذا جلس في التشهد الاول خفف حتى كأنه على الرضف انتهى. وانظر الشفاء. فرع: قال في النوادر: ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: ومن لم يتشهد ناسيا حتى سلم الامام فليتشهد ولا يدعو بعده وليسلم انتهى. ص: (وهل لفظ التشهد والصلاة على النبي سنة أو فضيلة خلاف) ش: قال في المدونة: واستحب مالك تشهد عمر رضي الله عنه وهو التحيات لله الزاكيات الله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله انتهى. قال المازري في شرح التلقين. وقد اختلفت إشارات أصحابنا إلى حقيقة اختيار مالك تشهد عمر رضي الله عنه، فأشار بعض البغداديين إلى تأكيد هذا حتى كأنه يرى ما سواه ليس بمشروع. وأشار الداودي إلى أنه على جهة الاستحسان وإيثار هذا التشهد إلى غيره. انتهى ومثله للباجي ونصه: والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك أن تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجري مجرى الخبر المتواتر لان عمر علمه الناس على المنبر بحضرة جماعة من الصحابة وأئمة المسلمين ولم ينكره عليه أحد ولا خالفه فيه ولا قال له إن غيره من التشهد يجي مجراه فثبت بذلك إقرارهم وموافقتهم إياه على تعيينه، ولو كان غيره من ألفاظ التشهد يجري مجراه لقال له الصحابة أو أكثرهم: إنك قد ضيقت على الناس


[ 251 ]

واسعا وقصرتهم على ما هم مخيرون بينه وبين غيره وقد أباح النبي (ص) في القرآن القراءة بما تيسر علينا من الحروف السبعة المنزلة، فكيف بالتشهد له درجة القرأن أن يقصر الناس فيه على لفظ واحد ويمنع ما يسر من سواه، ولما لم يعترض عليه أحد بذلك ولا بغيره علم أن التشهد المشروع هذا الذي ذهب إليه شيوخنا العراقيون في التشهد. وقال الداودي: إن ذلك من مالك على جهة الاستحسان فكيفما تشهد المصلي عنده جائز، وليس في تعليم عمر الناس هذا التشهد من غيره. انتهى من المنتقى. فعلى هذا يكون قول الشيخ خليل: وهل لفظ التشهد والصلاة على النبي (ص) سنة أو فضيلة خلاف معناه. اختلف في اختيار مالك للفظ التشهد المعهود في الذهب عند كل طالب علم مالكي وهو تشهد عمر، هل هو على جهة السنة أو الفضيلة ؟ خلاف كما ذكره الباجي والمازري. تنبيه: قال ابن ناجي: أقام الشيخ من قولها: وعلى عباد الله الصالحين أن من قال لرجل فلان يسلم عليك وهو لم يسمع منه ولا نوى سلامة في التشهد أنه غير كاذ لانه جاء في الحديث أن العبد إذا قال ذلك أصابت دعوته كل عبد صالح من الجن والانس انتهى من شرح المدونة. زاد في شرح الرسالة: وهذه إقامة ظاهرة إذا كان قائل ذلك يعلم أن المنقول عنه يعلم ما وقعت الاشارة عليه من كونه يفهم ما تكلم به انتهى والله أعلم. فرع: قال في اللباب: من الفضائل إسرار التشهدين انتهى. وقال في الاستذكار: وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم وإعلانه بدعة وجهل ولا خلاف فيه انتهى. تنبيه: قوله: والصلاة على نبيه ومحلها بعد التشهد وقبل الدعاء قاله في الشفاء. وقال في النوادر قال الحسن وغيره. ويدخل في الصلاة على آل محمد أزواجه وذريته وكل من تبعه. وقيل: إن آل محمد كل تقي. ص: (وجازت كتعوذ بنفل) ش: وهل يسر التعوذ أو يجهر به قولان لسماع أشهب ولها. قال ابن رشد: سماع أشهب يكره الجهر به في رمضان خلافها. ص: (وكرها بفرض) ش: قال الفاكهاني في شرح قول الرسالة: لا تستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم هذه المسألة تتعلق بثلاثة أطراف. الاول: أن البسملة ليست عندنا من الحمد ولا من سائر القرآن إلا من سورة النمل. الثاني: إن قراءتها في الصلاة غير مستحبة والاولى أن يستفتح بالحمد.


[ 252 ]

الطرف الثالث: إنه إن قرأها لم يجهر فإن جهر بها فذلك مكروه انتهى. وقال الشيخ زروق: كان المازري يبسمل فقيل له في ذلك قال: مذهب مالك على قول واحد، من بسمل فلا تبطل صلاته. ومذهب الشافعي على قول واحد من تركها بطلت صلاته انتهى. وقال في ثالث رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: سئل مالك عن القارئ إذا أخطأ في الصلاة وهو يلقن فلا يلقن ولا يفقه. فقال: أرجو أن يكون خفيفا. قال ابن رشد: خفف مالك رحمه الله التعوذ للقارئ في الصلاة إذا أخطأ في قراءته، لان ذلك من الشيطان لما روي أن رسول الله (ص) عرض له شيطان في صلاته فقال: أعوذ بالله منك انتهى. ص: (كدعاء قبل قراءة) ش: قال في الجلاب في باب القنوت: ولا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في القيام بعد القراءة وفي السجود بين السجدتين وفي الجلستين بعد التشهدين، ويكره الدعاء في الركوع انتهى. وقال قبل ذلك في باب التشهد: ولا بأس بالدعاء في أركان الصلاة كلها سوى الركوع فإنه يكره الدعاء فيه انتهى. وانظر التوضيح فإنه نقل الاتفاق على جواز ذلك في السجود وبعد القراءة وقبل الركوع والرفع من الركوع والتشهد الاخير انتهى. ولعله وبعد الرفع من الركوع. فرع: قال سيدي أحمد زروق في شرح الرسالة بعد أن ذكر حكم دعاء التوجه: وأنه مكروه بعد الاحرام. وقال ابن حبيب: لا بأس بدعاء التوجه قبل إحرامه وفيه بحث انتهى. وقال في التوضيح: قال ابن حبيب: يقوله بعد الاقامة وقبل الاحرام. قال في البيان: وذلك حسن انتهى. وقال في الاكمال: ذهب الشافعي والاوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن على الامام ثلاث سكتات: بعد التكبيرة لدعاء الافتتاح، وبعد تمام أم القرآن، وبعد القراءة ليقرأ من خلفه فيهما. وذهب مالك إلى إنكار جميعها، وذهب أبو حنيفة إلى إنكار الاخيرتين انتهى. ص: (وبعد فاتحة) ش: قال في الطراز: ويدعو بعد الفراغ من الفاتحة إن أحب قبل السورة وقد دعا الصالحون انتهى. ونقل كراهته في التوضيح عن بعضهم، والظاهر ما في الطراز فتأمله. وانظر التلمساني في شرح الجلاب فإنه ذكر أن الدعاء بعد الفاتحة وقبل السورة مباح وليس بمكروه، وهو كذلك في أثناء السورة في النافلة، وكذلك بعد السورة وقبل الركوع وكذلك بعد الرفع من الركوع ولعله أخذه من كلام صاحب الطراز. ص: (وأثناءها وأثناء السورة) ش: هذا في


[ 253 ]

الفريضة، وأما في النافلة فجائز كما صرح به في الطراز، ويفهم من كلام التوضيح ونحوه للتلمساني في شرح الجلاب. فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا مر ذكر النبي (ص) في قراءة الامام فلا بأس للمأموم أن يصلي عليه، وكذلك إذا مر ذكر الجنة والنار فلا بأس أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ويكون ذلك المرة بعد المرة، وكذلك قول المأموم عند قول الامام: * (أليس بقادر على أن يحيي الموتى) * بلى إنه على كل شئ قدير، وما أشبه ذلك. وسئل مالك فيمن سمع الامام يقرأ * (قل هو الله أحد) * إلى آخرها فقال المأموم: كذلك الله. هل هذا كلام ينافي الصلاة فقال: هذا ليس كلاما ينافي الصلاة أو ما هذا معناه من مختصر الواضحة انتهى. وما ذكره عن مالك هو في كتاب الصلاة من العتبية في أثناء رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب وفي أواخره وفي سماع موسى بن معاوية ص: (وبعد صلاة إمام) ش: قال التلمساني في شرح الجلاب: إنه لا يجوز الاشتغال بعد سلام الامام بدعاء ولا غيره. ص: (وتشهد أول) ش: يعني أن الدعاء بعد التشهد الاول مكروه وصرح في العتبية في سماع أشهب أنه لا جائز لا كراهة فيه ولم يحك في ذاك خلافا فانظره والله أعلم. وقال في النوادر عن المجموعة: قال علي عن مالك: ليس في التشهد الاول موضع للدعاء. قال عنه ابن نافع: ولا بأس أن يدعو بعده في الجلسة الاولى والثانية انتهى. فحكي فيه قولين حكاهما الباجي. وقال في الكبير: ولم أر من تعرض فيه لتشهير غير أن الشيخ قال: الظاهر الكراهة. ص: (لا بين سجدتيه) ش: أي فلا يكره. قال الجزولي: ويستحب الدعاء بين السجدتين وقد روي أن النبي (ص) كان يقول بينهما: اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني انتهى. ص: (ولو قال يا فلان فعل الله بك كذا لم تبطل) ش: أي خلافا لابن شعبان


[ 254 ]

فيما إذا ناداه، أما لو قال: اللهم افعل بفلان أو فعل الله بفلان، فلا يختلف المذهب في أنه لا تفسد الصلاة انتهى. وفي المدونة قال مالك: ولا بأس أن يدعو الله في الصلاة على الظالم. قال ابن ناجي: أراد بلا بأس صريح الاباحة وظاهره وإن لم يظلمه بل ظلم غيره وهو كذلك باتفاق، وظاهره أنه يدعو عليه بالموت على غير الاسلام وبه قال بعض شيوخنا، وكان شيخنا يعجبه ذلك ويفتي به والصواب عندي تحريمه انتهى. وقال في شرح قول الرسالة: وتقول في سجودك. وأفتى بعض شيوخنا غير ما مرة بأنه يدعي على المسلم العاصي بالموت على غير الاسلام، واحتج بدعاء موسى على فروع بذلك الصواب أنه لا يجوز ولا دليل في الآية لانه فرق بين الكافر المأيوس منه كفرعون، وبين المسلم العاصي المقطوع له بالجنة، إما أولا وإما ثانيا. وقد قال عياض في تكلمه في قوله عليه الصلاة والسلام: لعن الله السارق وهو حجة في لعن من لم يسم، وكذلك ترجم البخاري لانه لعن للجنس لا للمعين، ولعن الجنس جائز لان الله تعالى قد أوعدهم وينفذ الوعيد على كل من شاء منهم، وإنما يكره وينهى عن لعن المعين والدعاء عليه بالابعاد من رحمة الله عز وجل وهو من معنى اللعن. وقد ذهب بعض المتكلمين إلى أن معنى الحديث أن اللعن جائز على أهل المعاصي وإن كان معينا ما لم يحد لان الحدود كفارات لاهلها. وهذا الكلام غير سديد ولا صحيح لنهيه عن اللعن في الجملة فحمله على المعين أولى للجمع بين الاحاديث. واختلف إن قال: يا فلان فعل الله بك كذا وكذا، قال ابن شعبان: صلاته باطلة والمذهب على خلافه انتهى. وقد ذكر القرافي أن الدعاء بسوء الخاتمة اختلف في تكفير الداعي به. وقال المصنف: إن الاصح أنه لا يكفر. انظر الفرق الحادي والاربعين والمائتين. ص: (وكره سجود على ثوب لا حصير وتركه أحسن) ش: جعل الشيخ


[ 255 ]

السجود باعتبار محله ثلاثة أقسام: فسم مستحب وهو مباشرة الارض بالوجه والكفين، وقسم مكروه وهو السجود على الثياب وما أشبهها، أو قسم جائز وهو السجود على ما تنبته الارض. فأما القسم الاول فقال ابن الحاجب: وتستحب المباشرة. وقال ابن فرحون: تنبيه: قيد ابن حبيب الحصير المرخص فيها أن تكون من حصير الحلفاء والبردى والديس بالوجه واليدين وفي غيرهما مخير انتهى. وقال ابن عرفة: ابن حبيب: تستحب مباشرة الارض بوجهه ويديه، ولا بأس بحائل لحر أو برد انتهى. فظاهر هذا أن ما عدا الوجه واليدين لا يستحب مباشرته الارض وهو خلاف ما قال اللخمي ونصه: ويستحب للمصلي أن يقوم على الارض من غير حائل وأن يباشر بجبهته الارض انتهى. ونقله ابن عرفة إثر كلام ابن حبيب المتقدم، ولم يبين هل هو محالف له أم لا ؟ وما قاله ابن حبيب وابن الحاجب موافق لما في المدونة ونصها: ويكره أن يسجد على الطنافس وثياب الصوف والكتان والقطن وبسط الشعر والادم وأحلاس الدواب، ولا يضع كفيه عليها ولكن يقوم عليها ويجلس ويسجد على الارض انتهى. وإلى هذه القسم أشار المؤلف بقوله: وتركه أحسن. وأما القسم الثاني: وهو المكروه فهو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: وكره سجود على ثوب وأطلق في الثوب ليشمل ثوب الكتان والصوف والقطن ويريد وكذلك بسط الشعر والادم وأحلاس الدواب كما تقدم عن المدونة، ولو قال المصنف: كثوب ليدخلها لكان أحسن. وقال: سجود ليحترز عن القيام أو الجلوس فإنه ليس بمكروه كما تقدم والله أعلم. تنبيه: قال ابن بشير: قال المحققون: إذا كان الاصل الرفاهية فكل ما فيه رفاهية ولو كان مما تنبته الارض كحصر السامان فإنه يكره، وكل ما لا ترفه فيه فلا يكره ولو كان مما لا تنبته الارض كالصوف الذي لا يقصد به الترفه. انتهى من التوضيح. وما قاله في الصوف خلاف ظاهر المدونة فإنه جعل أحلاس الدواب مما يكره السجود عليه، ومعلوم أنه لا رفاهية فيها فتأمله. وقال ابن فرحون: تنبيه: فيها. ابن حبيب: الحصير المرخص فيها أن تكون من


[ 256 ]

حصير الحلفاء والبردى و الديس والحصر التي تعمل من هذه الاشياء لا يكون فيها رفاهية لخشونتها والله أعلم انتهى. وأما القسم الثالث: وهو الجائز وهو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: لا حصر أي فلا يكره السجود عليها والمراد به كل ما تنبته الارض. قال في المدونة إثر كلامه المتقدم: ولا بأس أن يسجد على الخمرة والحصير وما تنبت الارض ويضع كفيه عليها انتهى. وقال ابن عرفة: ويجوز على حائل من نبات لا يستنبت كحصير أو خمرة. اللخمي: وشبهه مما لا يقصد لترفهه انتهى. وما ذكره من تقييد النبات بما لا يستنبت لم أره إلا في عبارة ابن رشد وفي شرح مسلم لتلميذه الابي قال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب الصلاة على حائل مكروهة إلا أن يكون الحائل مما يشاكل الارض، ولا يقصد به الترفه والكبر كحصر الحلفاء والبردى والدوم، وشبه ذلك مما تنبته الارض بطبعها. وقد أجاز ابن مسلمة الصلاة على ثياب الكتان والقطن لانها مما تنبته الارض، والاظهر ما ذهب إليه مالك لان الارض لا تنبته بطبعها لان ذلك مما فيه الترفه، فإذا كانت العلة في هذا القصد إلى التواضع وترك ما فيه الترفه فالصلاة مكروهة على حصر السامان وما أشبهها مما يشتري بالاثمان العظام ويقصد به الكبر والترفه والزينة والجمال انتهى. تنبيهات: الاول: قد علمت أن حصر السامان وشبهها مستثناة من قول المصنف: لا حصير. الثاني: إنما يكره السجود على الثوب إذا كان لغير حر أو برد. قال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: وإن كان حرا أو بردا جاز أن يبسط ثوبا بسجد عليه ويجعل عليه كفيه انتهى. وقال البرزلي في كلامه على المسائل التي اعترض بها المرابط عمر: وأما ما يقف عليه ويجلس فلا بأس به في كل شئ، وكذا ما بسط لحر الارض أو بردها أو حزونتها أي خشونتها فهو جائز، والمكروه على مذهب المدونة ما فيه رفاهية مما تنبته وما لا تنبته إذا كان لغير ما ذكرنا انتهى. وقال في العارضة: والافضل للساجد أن يلي الارض بوجهه ويجوز له أن يتخذ خمرة خاصة لحر أو برد وذلك مؤكد واليدان يليان الوجه في التأكيد انتهى. الثالث: قول ابن عرفة: من نبات لا يستنبت، وقول ابن رشد: مما تنبته بطبعها يقتضي أن السجود على الخمرة ليس من الجائز لانها من النخل وهو مما يستنبت، وقد أجاز ذلك في المدونة مثل به ابن عرفة في كلامه. فعلى هذا ينبغي أن يقيد كلامهما بما عدا ما يستعمل من النخل فتأمله والله أعلم. وفي مسائل الصلاة من البرزلي ذكر سؤالا عن عز الدين بن عبد السلام في الصلاة على السجادة ثم قال: قلت: إن كانت السجادة مما تنبت الارض فالمشهور عندنا أنه مكروه خلافا لابن مسلمة، وإن كانت مما لا تنبته فمكروه


[ 257 ]

ليس إلا وهذا فيما بضع عليه يديه ووجهه، وأما ما يقف عليه فجائز ما لم يكن حريرا ففيه خلاف، والمشهور منعه خلافا لابن الماجشون انتهى. فقوله: ليس إلا معناه ليس فيه خلاف، وقوله: إن كانت مما تنبته فمكروه يريد إلا أن يكون كالحصير والخمرة فجائز من غير كراهة وتركه أحسن والله أعلم. فائدة: قال في التنبيهات: والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم حصير من جريد صغيرة، فإن كانت كبيرة لم تسم خمرة. وسميت بذلك لانها تخمر وجه المصلي أي تغطيه انتهى. وفي الصحاح: الخمرة سجادة صغيرة من سعف النخل وترمل بالخيوط انتهى. وفي النهاية لابن الاثير في تفسير الخمرة هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه. ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار. وسميت خمرة لان خيوطها مستورة بسعفها، وقد تكررت في الحديث وهكذا فسرت وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال: جاءت فأرة فأخذت نجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي النبي (ص) على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم. وهذا نص في إطلاق الخمرة على الكبيرة من نوعها. انتهى كلام ابن الاثير. وفي صحيح مسلم في باب الصلاة على الحصير عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) أحسن الناس خلقا فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا قال: فيأمر بالبساط الذي تحته فينكس ثم ينضح ثم يقوم رسول الله (ص) ونقوم خلفه فيصلي بنا. قال: وكان بساطهم من جريد النخل. وقال في التنبيهات: والادم بفتح الهمزة والدال الجلود المدبوغة جمع أديم. وأحلاس الدواب بفتح الهمزة وبالحاء والسين المهملتين وأحدها حلس وهو ما يلي ظهر الدواب وما يجعل تحت اللبود والسروج، وأصله من اللزوم. والطنفسة بكسر الطاء وفتح الفاء وهو أفصحها وبضمهما وبكسرهما وهو بساط صغير كالنمرقة انتهى. فرع: قال في الذخيرة: قال صاحب الطراز: فإن فرش خمرة فوق البساط لم يكره. وسئل عن المروحة فقال: هي صغيرة لا تكفي إلا أن يضطر إليها انتهى. ص: (وسجود على كور عمامة أو طرف كم) ش: كور العمامة بفتح الكاف قاله في التنبيهات، وحكم الثوب جميعه حكم الكم. قال ابن عرفة: وهذا ما لم يكن حر أو برد فإن كان لاحدهما فلا كراهة. وقاله في التوضيح. وقال الشبيبي: لما عد مكروهات الصلاة وإحرامه ويداه في كمه وسجوده أيضا فيهما من غير ضرورة انتهى. وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة: من صلى في جبة أكمامها طويلة لا يخرج يديه منها لاحرام ولا ركوع ولا سجود، صلاته صحيحة مع كراهة لان عدم مباشرته بيديه الارض فيه ضرب من التكبر انتهى. وقال في باب صفة أداء الصلاة من كتاب ابن بشير: ويكره ستر اليدين بالكمين في السجود إلا أن تدعو إلى ذلك


[ 258 ]

ضروة من حر أو برد والله أعلم. ص: (وقراءة بركوع أو سجود) ش: وكذا في التشهد قاله في اللباب والله أعلم. ص: (ودعاء خاص) ش: يحتمل أن يريد بقوله: خاص أن الدعاء خاص بنفسه لم يشرك المسلمين فيه، وهذا خلاف المستحب ويتأكد في حق الامام، وقد ورد في الحديث إنه خانهم ذكره صاحب المدخل وغيره، ويحتمل أن يريد أن المصلي يكره له أن يجعل دعاء مخصوصا لركوعه ودعاء مخصوصا لسجوده وهذا الذي ذكره في التوضيح، ويحتمل أن يريدهما والله الموفق. ص: (أو بعجمية لقادر) ش: نقل صاحب الذخيرة في الكلام على تكبيرة الاحرام عن صاحب الطراز أن من دعا بالعجمية أو سبح أو كبر ولو كان غير قادر بطلت صلاته ولم يحك غيره، ولم يحك المصنف في التوضيح ولا ابن عرفة شيئا من ذلك. تنبيه: نهى مالك عن رطانة الاعاجم وقال في الذخيرة: إنها مكروهة ومخالطتهم مكروهة لانها وسيلة إلى ذلك ذكره في الكلام على استقبال الجهة مع البعد فانظره. وقال الفاكهاني في تاريخ مكة عن مكحول قال:: نهى رسول الله (ص) أن يتكلم بالفارسية في المسجد الحرام وعن ابن جريج قال: سمع عمر بن الخطاب رجلين يتكلمان بالفارسية في الطواف فقال: ابتغيا إلى العربية سبيلا انتهى. ص: (والتفات): ش: يعني أن الالتفات في الصلاة مكروه لحديث عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله (ص) عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري. ولحديث أبي داود: لا


[ 259 ]

يزال الله تعالى مقبلا على العبد وهو في الصلاة ما لم يلتفت أعرض عنه وأطلق المصنف هنا رحمه الله في كراهة الالتفات وقيد ذلك في فصل السهو بكونه لغير حاجة، وإن كان كلامه هناك ليس فيه التصريح بكراهته لكنه لما قرنه مع الاشياء المكروهة دل ذلك على أنه منها، فيحمل كلامه المطلق هنا على ما ذكره في فصل السهو. قال البراذعي في تهذيبه: ولا يلتفت المصلي فإن فعل لم يبطل ذلك صلاته. قال صاحب الطراز: قوله: لا يلتفت لم يقله مالك في الكتاب ولا ابن القاسم وإنما جرى في حديث رواه ابن وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما التفت عبد في صلاته قط إلا قال الله تعالى: أنا خير لك مما التفت إليه والمذهب لا يؤخذ من الحديث لان الحديث له وجه ومعنى والالتفات على ضربين: مباح ومكروه. فما كان للحاجة فمباح لحديث أبي بكر رضي الله عنه حيت التفت في الصلاة فرأى النبي (ص) فتأخر وقال (ص): من نابه شئ في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت إليه وفي حديث أبي داود عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة يعني الصبح فجعل النبي (ص) يصلي وهو يلتفت إلى الشعب وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس. وأما الالتفات لغير ضرورة فمكروه وذكر ما ذكرنا من الاحاديث في النهي عنه ثم قال: فرع: قال في المختصر: ولا بأس أن يتصفح بخذه ما لم يلتفت لما روى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يلحظ في الصلاة ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه الترمذي. وروى النسائي أنه كان يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه. والحديثان ضعيفان إلا أن النظر يصحح ذلك فإنه إنما عليه أن يتوجه إلى القبلة فإن لم يخل ذلك باستقباله لم يكن به بأس انتهى. قلت: ظاهر كلام صاحب الطراز أن التصفح جائز لغير ضرورة، والظاهر أن ذلك إنما هو للضرورة، وأما لغير ضرورة فهو من الالتفات إلا أن الالتفات يتفاوت، فالتصفح بالخد أقرب وأخف من لي العنق، ولي العنق أخف من الالتفات بالصدر. ثم قال في المدونة: قيل لابن القاسم: فإن التفت بجميع جسده ؟ قال: لم أسأل مالكا عن ذلك وذلك كله سواء. واختصر ذلك لبراذعي فقال: ولا يلتفت المصلي فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته وإن كان بجميع جسده. قال الحسن: إلا أن يستدبر القبلة. قال أبو الحسن الصغير: قوله: وإن كان بجيمع جسده زاد في الامهات ورجلاه إلى القبلة. وقوله: قال أبو الحسن: إلا أن يستدبر القبلة يريد أو يشرق أو يغرب وهو تفسير انتهى. ونقله ابن ناجي عنه وعن إبراهيم وقبله وقال


[ 260 ]

صاحب الطراز في شرح هذه المسألة وذلك لانه إذا وقف مستقبل القبلة ولوى عنقه فقط فجميع جسده مستقبل القبلة خلا وجهه وهو صورة فعل أبي بكر رضي الله عنه، فلما كان جسده مستقبل القبلة كان حق الاستقبال قائما. وكذلك إذا التفت بجميع جسده ورجلاه مستقبلتان إلى القبلة فحق الاستقبال في هذه الحالة أيضا قائم لانه من وسطه إلى أسفله مستقبل القبلة وجسده أيضا في حكم المستقبل وإنما هو منحرف يسيرا، وإنما الاخلال بوجهه فوق الاخلال بصدره. أما إذا استقبل برجليه جهة غير جهة القبلة كان تاركا للتوجه منصرفا عن جهة البيت، ولو حول وجهه إلى جهة القبلة لم ينفعه ذلك كما لو جعل ناحية القبلة خلف عقبيه ثم التفت إليها بوجهه وراء ظهره انتهى. وقال في العارضة في حديث البزاق في الصلاة قوله في الحديث: إذا كنت في الصلاة فلا تبزق عن يمينك ولكن خلفك أو تلقاء شمالك وتحت قدمك اليسرى فيه دليل على أن الرأس إذا كان في الصلاة مخالفا للقبلة تيامنا أو تياسرا أو إدبارا لا تبطل الصلاة إلا أن يتبعه البدن في الادبار فتبطل الصلاة حينئذ إلا أن يصلي معاينا للبيت فإنه إن تياسر خرج عنه وبطلت الصلاة انتهى. فقوله: إلا أن يتبعه البدن يريد جميع البدن حتى الرجلين لما تقدم في كلام المدونة أن الصلاة لا تبطل ولو التفت بجيمع بدنه، وإلى هذا أشار ابن العربي بقوله: مع الادبا وقوله: إلا أن يصلي معاينا للبيت الخ. يعني فتبطل صلاته وأيضا، مع التياسر يريد إذ كان ذلك بجيمع البدن حتى الرجلين ومثله التيامن. وإنما خص التياسر بالذكر لانه المأمور به في حديث البزاق، وإنما خص المعاين للبيت ببطلان صلاته مع التياسر والتيامن لان ذلك لا يبطلها في غير المعاينة وإنما يبطل بالتشريق والتغريب والاستدبار كما تقدم في كلام أبي الحسن الصغير. ثم قال في العارضة في باب الالتفات في الصلاة. قد بينا أن ذلك لا يبطل الصلاة ولو رد رأسه كله خلفه ما لم يكن من بدنه ذلك انتهى. يعني ما لم يستدبر بجميع بدنه كما تقدم فتأمله والله أعلم. وقال ابن رشد في شرح أول مسألة من كتاب الصلاة: الذي ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى أن يكون بصر المصلي أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شئ أو ينكس رأسه وهو إذا فعل ذلك خشع ببصره ووقع في موضع سجوده على ما جاء عن النبي (ص)، وليس يضيق عليه أن يلحظ بصره الشئ من غير التفات إليه فقد جاء ذلك عن النبي (ص) انتهى. تنبيه: قال في اللباب: من المكروهات رفع بصره إلى السماء انتهى. وقال في المستحبات: وأن يضع بصره في جميع موضع سجوده انتهى. وفيه سقط ولعله أصله في


[ 261 ]

جميع صلاته في موضع سجوده. وقال في الزاهي: ويجعل بصره أمامه ولا يرفع رأسه إلى السماء. ولا بأس أن يلحظ ببصره من غير أن يلتفت ولا ينظر حيث يسجد انتهى، وقال الدميري في شرح سنن ابن ماجه: قال ابن العربي في أحكامه في تفسير سورة النور: قال العلماء: إن المصلي يجعل بصره إلى موضع سجوده وبه قال الشافعي والصوفية بأسرهم، فإنه أحضر للقلب وأجمع للفكر. وقال مالك: ينظر أمامه فإنه إذا حنى رأسه ذهب بعض القيام المفروض عليه في الرأس وهو أشرف الاعضاء، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببعض بصره إلى الارض فتلك مشقة عظيمة وحرج، وإنما أمرنا أن نستقبل جهة الكعبة وإنما المنهي عنه أن يرفع رأسه إلى السماء لانه إعراض عن الجهة التي أمر بها، تم ذكر حديث النهي عن رفع البصر إلى السماء ثم قال: قال العلماء: حين رأوا عامة الخلق يرفعون أبصارهم إلى السماء وهي سالمة أن المراد بالخطف أخذها عن الاعتبار حتى تعتبر بآيات السماء والارض وهو معرض وهو أشد الخطف قال: ونكتة ذلك أن قول المصلي: الله أكبر تحرم عليه الافعال بالجوارح والكلام باللسان، ونية الصلاة يحرم عليه الخواطر القلبية والاسترسال في الافكار إلا أن الشارع لما علم أن ضبط السر يفوت طوق البشر تسمح فيه انتهى. تنبيه: ويكره رفع البصر إلى السماء ولو كان في وقت الدعاء. انظر الاكمال والابي في حديث النهي عن رفع البصر في الصلاة. ص (وتشبيك أصابع وفرقعتها ش: بالنسبة إلى الصلاة، وأما بالنسبة لغير الصلاة فالتشبيك لا بأس به حتى في المسجد قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم لا بأس بتشبيك الاصابع يعني به المسجد في غير صلاة وأومأ داود بن قيس ليد مالك مشبكا أصابعه به ليطلقه وقال: ما هذا ؟ فقال مالك: إنما يكره في الصلاة. ابن رشد: صح في حديث ذي اليدين تشبيكه (ص) بين أصابعه في المسجد انتهى. وأما فرقعة الاصابع فتكره عند مالك رحمة الله في المسجد وغيره. وخص ابن القاسم الكراهة بالمسجد نقله ابن عرفة وصاحب التوضيح وغيرهما والله أعلم. ص: (وإقعاء) ش: يعني أن


[ 262 ]

الاقعاء مكروه مطلقا في كل جلوس في التشهد والجلوس بين السجدتين ولمن صلى جالسا كما صرح به في الجواهر وسيأتي لفظه. ص: (وتخصر) ش: انظر العارضة والترمذي في كتاب الصلاة. ص: (وتغميص بصره) ش: هذا ما لم يكن فتح عينيه يشوشه وأما لو شوشه فلا. قال البرزلي في أوائل مسائل الصلاة في مسائل ابن قداح: يكره للرجل أن يغلق عينيه في الصلاة إلا أن يكون بين يديه ما يشوشه انتهى. ص: (ورقعة رجلا ووضع قدم على أخرى) ش: قال ابن الحاجب في باب السهو: وترويح رجليه مغتفر. وقال في التوضيح: ترويح الرجلين أن يرفع واحدة ويعتمد على الاخرى. ابن عبد السلام: وهذا إن كان لطول قيام وشبهه وإلا فمكروه انتهى. وظاهر المدونة جوازه مطلقا انتهى كلام التوضيح. وكلامه هذا يقتضي الكراهة مطلقا فهو مخالف لما في المدونة ولابن عبد السلام ولما سيقوله في فصل السهو من أن ترويح رجليه مغتفر إلا أن يحمل كلامه هنا على ما إذا لم يكن ذلك لطول قيام وشبهه. وما في باب السهو من أن ترويح رجليه مغتفر على ما إذا كان لطول قيام وشبهه فيتفق كلامه ويكون تابعا لما قاله ابن عبد السلام مخالفا لظاهر المدونة كما قال فتأمله والله أعلم. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: هذا مكروه إلا لطول القيام وترويح الرجلين أن يعتمد على واحدة ويقدم الاخرى غير معتمد عليها أو يرفعها ويضعها على ساقه انتهى. فجعل من ترويح الرجلين أن يقف على واحدة ويقدم الاخرى فيكون موجب الكراهة في ذلك تقديمه إياها، وأما لو لم يقدمها فيكون هو المطلوب لان الاعتماد عليهما معا بحيث يجعل حظهما من القيام سواء مكروه كما سيأتي عن المدونة: ولا بأس أن يروح رجليه في الصلاة وأكره أن يقرنهما يعتمد عليهما. قال ابن ناجي: قال عياض: يعني لا يقرنهما ويعتمد عليهما معا بل يفرق بينهما ويعتمد أحيانا على هذه وأحيانا على هذه وأحيانا عليهما وهو معنى يروح. ويقال: يراوح ولا يجعل قرانهما سنة الصلاة فهو الصفد المنهي عنه وذكر أنه عيب عندهم على من فعله. وله في المختصر تفريق القدمين من عيب الصلاة وقال أيضا في قرانهما وتفريقهما ذلك واسع، وعده بعض المشايخ خلافا من قوله: وعندي أن كله بمعنى


[ 263 ]

التزام القرآن وجعله من حدود الصلاة منهي عنه، وكذلك أن يجعل التفريق من سنتها وأن الامر موسع يفعل من ذلك ما يسهل عليه في الصلاة ولا يجعل من ذلك سنة ولا يلتزم حالة واحدة انتهى. ص: (وإقرانهما) ش: قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم: كره مالك في المدونة أن يقرن رجليه يعتمد عليهما وهو الصفد المنهي عنه. وفسره أبو محمد بأن يجعل حظهما من القيام سواء راتبا دائما قال: وأما إن فعل ذلك اختيارا وكان متى شاء روح واحد ووقف على الاخرى فهو جائز انتهى. وانظر قوله: وهو الصفد وقاله في الزاهي في إلصاق القدم بالقدم في الصلاة والتفريق بينهما واسع وليس من فعل الناس أن يكون الانسان قائما في الصلاة لا يتحرك منه شئ انتهى. ص: (وتفكر بدنيوي) ش: قال في اللباب: وما كان مشغلا بحيث لا يدري ما صلى فظاهر المذهب أنه يعيد أبدا انتهى. ص: (وحمل شئ بكم أو فم) ش: صرح في سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة بأنه يكره أن يصلي وفي فمه درهم وخفف أن يصلي ويجعل الدرهم في أذنه وقال: لا بأس بذلك. قال ابن رشد: لان ذلك مما لا يشغله، وأما كراهيته لكونه في فيه فلما في ذلك من الاشتغال به عند قراءته عما يلزم من الاقبال على صلاته انتهى. ص: (وتزويق قبلة) ش: قال ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الجامع: وتسحين بناء المساجد وتحصينها مما يستحب وإنما الذي يكره تزويقها بالذهب وشبهه والكتابة في قبلتها وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها ورسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وقال في أول سماع موسى بن معاوية: قال موسى بن معاوية الصمادحي: سئل ابن القاسم عن المساجد، هل يكره الكتابة فيها في القبلة بالصبغ شبه آية الكرسي أو غيرها من بوارع القرآن: * (قل هو الله أحد) * والمعوذتين ونحوها ؟ قال ابن رشد: كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شئ من القرآن أو التزاويق ويقول: إن ذلك يشغل المصلي. قال: ولقد كره مالك أن يكتب القرآن في القراطيس فكيف في الجدر ؟ قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من كراهة تزويق المسجد. والعلة


[ 264 ]

في ذلك ما يخشى على المصلين من أن يلهيهم ذلك في صلاتهم، وقد مضى بيان هذا المعنى من الحديث في رسم سلعة سماها ورسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم ونص ما في رسم الشجرة تطعم بطنين قال مالك: ولقد كره الناس تزويق القبلة لمسجد حتى جعل بالذهب وبالفسيفساء وذلك مما يشغل الناس في صلاتهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في كراهية تزويق المسجد، ومن هذا كره تزيين المصاحف بالخواتم، وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها، وكره في أول سماع موسى أن يكتب في قبلة المسجد بالصبغ آية الكرسي أو غير ذلك من القرآن لهذه العلة. ولابن وهب وابن نافع في المبسوطة إجازة تزويق المساجد وتزويقها بالشئ الخفيف، ومثل الكتابة في قبلتها ما لم يكثر ذلك حتى يكون مما نهى عنه من زخرفة المساجد انتهى، فظاهر كلام ابن رشد الذي في سماع عيسى من كتاب الجامع وظاهر كلامه في سماع موسى أنه تكلم على تزيين المساجد في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم وليس كذلك، بل الذي فيه إنما هو الكلام على تزيين المصاحف كما يفهم من كلامه في رسم الشجرة تطعم بطنين وكذا رأيته فيه والله أعلم. فرع: قال ابن الحاجب: وكره التماثيل في نحو الاسرة بخلاف البسط والثياب التي تمتهن. قال الشيخ: التمثال إن كان لغير حيوان كالشجرة جاز وإن كان لحيوان وما له ظل ويقيم فهو حرام بإجماع، وكذا إن لم يقم كالعجين خلافا لاصبغ لما ثبت إن المصورين يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: احيوا ما خلقتم. وما لا ظل به فإن كان غير ممتهن فهو مكروه، وإن كان ممتهنا فتركه أولى انتهى. ص: (وتعمد مصحف فيه ليصلي له) ش: وأما القراءة في المصحف في المسجد فيأتي الكلام على ذلك في فصل النفل. ص: (وعبث بلحية أو غيرها) ش: من مكروهات الصلاة التروح بكمه أو غيره قاله في اللباب. فرع: قال في العتبية في رسم طلق بن حبيب: وسئل عن الرجل يكون في الصلاة


[ 265 ]

فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع المركوع في سهوه. قال: لا بأس بذلك وليس عليه فيه سهو وإنما ذلك بمنزلة الذي يحسب بأصابعه لركوعه. ابن رشد: هذا نحو ما تقدم له في أول رسم شك في الذي يحصي الآي بيديه في صلاته فأجاز ذلك، وإن كان الشغل اليسير مكروها في الصلاة لانه إنما قصد به إصلاح صلاته. وقوله: إنه ليس عليه فيه سهو يريد أنه لا سجود عليه فيه صحيح لانه لم يفعل ذلك ساهيا وإنما فعله عامدا لاصلاح صلاته ولو فعله ساهيا مثل من نسي أنه في صلاة تخرج إيجاب السجود عليه بذلك على قولين انتهى. فائدة: ومن العتبية أيضا في رسم ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وسئل مالك عن الرجل يجعل خاتمه في يمينه وهو في الصلاة أو يجعل فيه الخيط لحاجة يريدها. قال: لا أرى بذلك بأسا. ابن رشد: وجه إجازة هذا وتخفيفه لائح وذلك أن التختم في اليسار ليس بواجب وإنما كان هو المختار لان الاشياء إنما تتناول باليمين فهو يأخذ الخاتم بيمينه فيجعله في يساره، فإذا جعله بيمينه ليتذكر بذلك الحاجة فلا حرج عليه في ذلك، وأما جعله فيه الخيط فليس فيه أكثر من السماحة عند من يبصره ويراه ولا يعرف مقصده لذلك ومغزاه وبالله تعالى التوفيق.


[ 266 ]

فصل في واجبات الصلاة فصل في القيام وبدله يحتمل أن يريد بقوله بفرض في الصلاة المفروضة ويحتمل أن يريد في الفرض من قراءة الصلاة، والاول هو المتبادر للفهم، وسواء كان إماما أو منفردا أو مأموما. قال ابن عرفة: وقيام الاحرام والقراءة الفرض ومدتها للمأموم وفرض قادر في الفرض. ثم قال اللخمي وابن رشد: العاجز عن قيام السورة يركع إثر الفاتحة. قلت: لان قيام السورة لقراءتها فرض كوضوء النفل لا سنة كما أطلقوه وإلا جلس وقرأها انتهى. وقال في التوضيح لما تكلم على فرائض الصلاة: واختلف في القيام للفاتحة هل هو لاجلها أو فرض مستقل ؟ وتظهر فائدة الخلاف إذا عجز عن الفاتحة وقدر عليه وأيضا فلا يجب القيام على المأموم إلا من جهة مخالفة الامام انتهى. وانظر كلام صاحب الطراز في فصل القيام. وقال البرزلي: من فرائض الصلاة القيام، والمتعين منه على الامام والفذ قدر قراءة أم القرآن، وعلى المأموم قدر ما يوقع فيه تكبيرة الاحرام انتهى. وهذا خلاف ما تقدم. وقال الجزولي في قول الرسالة: وكل سهو قد اعترض ابن الفخار وغيره على أبي محمد وقال: هذا خلاف مذهب مالك لان المأموم إذا كبر وهو راكع لا يحمله عنه الامام إلى أن قال: وكذلك


[ 267 ]

إذا جلس المأموم في التشهد الاول حتى ركع الامام وقام هو وركع معه من غير قيام لا يحمله. وظاهر كلام أبي محمد أنه يحمله وهذا خلاف مذهب مالك انتى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة عن ابن الفخار: وكذلك لو جلس في التشهد الاول حتى اطمأن الامام راكعا فليقم وليركع، فإن لم يقم لم يحمل الامام عنه انتهى. وحمل كلام المؤلف على الاحتمال الثاني أولى لئلا يخرج من كلامه الوتر وركعتا الفجر. قال ابن عرفة إثر كلامه السابق قلت: والوتر وركعتا الفجر. بعض شيوخ شيوخنا: لقولها لا يصليان في الحجر كالفرض. قال في المدونة: وللمسافر أن يتنفل على الارض ليلا ونهارا ويصلي في السفر الذي يقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة انتهى. ابن ناجي: أقام بعض التونسيين من هن أن الوتر يصلي جالسا اختيارا، وأقام بعضهم عكسه من قولها لا يصلي في الكعبة الفريضة ولا الوتر ولا ركعتي الفجر وهو ضعيف، لانه يلزم عليه أن الفجر لا يصلي جالسا لانه قرنه بالفريضة والوتر ولم يختلفوا في ذلك انتهى. وقال في شرح الرسالة: واختلفت فتوى المتأخرين من القرويين في المسألة فأفتى الشيخ أبو عبد الله محمد بن الرماح بجواز ذلك وأفتى غيره بالمنع وهو الاقرب أخذا بالاحتياط لقول أبي حنيفة بوجوبه انتهى. فرع: يسقط عن المريض من أركان الصلاة ما عجز عنه، وكذلك يسقط من أركان الصلاة ما أكره الشخص على تركه. قال القاضي عياض في قواعده: وتتغير أحكام هذه الصلوات المفروضة وصورها بعشرة أسباب: لصلاة الجمعة بالقصر والجهر، ولصلاة الخوف في جماعة بتفريق صلاتها، ولصلاة المسايف كفيما أمكنه. وبالتقصير في السفر، ويعذر المريض المانع من استيفاء أركانها فيفعل ما قدر عليه، وبعذر الاكراه والمنع فيفعل ما قدر عليه وبالجمع للمسافر يجدبه السير فيجمع أول الوقت أو وسطه أو آخره بحسب سيره، والجمع ليلة المطر للعشاءين قبل مغيب الشفق، والجمع للحاج بعرفة بين الظهر والعصر أول الزوال وبمزدلفة بين العشاءين بعد مغيب الشفق، والجمع للمريض يخاف أن يغلب على عقله أول الوقت فإن كان الجمع أرفق به فوسطه انتهى. قال القباب: قوله وبعذر الاكراه هذا كما قال: إن من منعه وقهره على فعل الصلاة من له قدرة وقهر فإنه يكون ذلك عذرا يسقط عنه ما لم يقدر على الاتيان به من قيام أو ركوع أو سجود، ويفعل سائر ما يقدر عليه من أحرام وقراءة إيماء كما يفعل المريض ما يقدر عليه ويسقط عنه ما سواه انتهى. قلت: ويدل لذلك المسايفة والله أعلم. فرع: قال في الجلاب: ويستحب للمصلي جالسا إذا دنا من ركوعه أن يقوم فيقرأ نحو الثلاثين آية يم يركع قائما. التلمساني: والاصل في ذلك ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله (ص) يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته ما يكون ثلاثين آية أو أربعين قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك. قال الابهري: فاستحب له مالك ذلك اقتداء به عليه الصلاة والسلام. قال بعض المتأخرين: ولان


[ 268 ]

فعل الركوع من القيام أولى من فعله من الجلوس انتهى. ص: (ثم استنادا لا لجنب وحائض ولهما أعاد بوقت ثم جلوس) ش: ما ذكره من الترتيب بين الاستناد والجلوس هو الذي ذكره ابن شاس وابن الحاجب، وذكر ابن ناجي في شرح الرسالة والشيخ زروق أن ابن رشد ذكر في سماع أشهب أن ذلك على جهة الاستحباب فانظره والله أعلم. وقوله ولهما أعاد بوقت انظر ما المراد بالوقت هل الضروري أو المختار، والظاهر الضروري لانه قال في التوضيح: قال في التنبيهات: ذهب أكثر شيوخنا إلى أن علة الاعادة كون المصلي باشر نجاسة في أثوابها فكان كالمصلي عليها انتهى والله أعلم. ص: (وتربع كالمتنفل) ش: قال في الجواهر: لو عجز عن القيام وقعد فلا يتعين في القعود هيئة للصحة ولكن الاقعاء مكروه، وهو أن يجلس على وركيه ناصبا فخذيه والمشهور أن يتربع في موضع القيام. ص: (ولو سقط قادر بزوال عماد بطلت) ش: هذا إن فعله متعمدا قال اللخمي: ولو فعله سهوا بطلت ركعته التي فعل فيها ذلك


[ 269 ]

نقله ابن عرفة وابن فرحون في شرحه وقال: قال أبو الحسن الصغير: ولم أر أحدا حكى هذا فانظره انتهى. وظاهر كلام ابن فرحون في الالغاز أن الذي أنكره أبو الحسن التفريق بين العمد والسهو وليس كذلك، وإنما أنكر الشيخ أبو الحسن ما وقع في كلام اللخمي وهو قوله وقد يقال يجزئه للاختلاف في القيام في الصلاة هل هو فرض فقال الشيخ أبو الحسن الصغير: قال أبو محمد صالح: لم أقدر أن أقف على الاختلاف في القيام إلا ما ذكره اللخمي انتهى. وأما ما ذكره اللخمي من التفصيل بين العمد والسهو فظاهر لا ينبغي أن يختلف فيه والله أعلم.


[ 270 ]

وانظر الطراز فإنه قال: الظاهر عندي أنه يجزئه وأساء وظاهره في العمد والسهو. ونص المدونة: ولا يتوكأ في المكتوبة على عصى أو حائط ولا بأس به في النافلة ابن ناجي: لفظ ابن يونس واللخمي لا يعجبني وهو ظاهر في الكراهة، ومحله حيث يكون الاتكاء خفيفا بحيث لو أزيل لما سقط وإلا بطلت كما صرح به اللخمي وغيره وهو واضح إذا كان في قيام الفاتحة، وأما إذا كان في قيام السورة فالجاري على أصل المذهب أنه لا شئ عليه لان القيام لها سنة فمن تركه لا شئ عليه، وما زلت أذكره في درس شيخنا حفظه الله ولم يجب عنه، وقول بعض شيوخنا الاقرب أن القيام للسورة فرض لمن أرادها كالوضوء للنافلة خلاف المذهب انتهى. ص: (وإن خف معذور انتقل للاعلى) ش: لانه لما زال العذر عنه وجب أن يأتي بالاصل وهذا هو المذهب. وخرج قول بأنه يبتدئ ولا قائل بأنه يتمها على ما كان عليه فإن فعل لم تصح صلاته وهذا لا شك فيه. وإنما نبهت عليه لتوقف بعض الناس فيه قائلا من نص على ذلك ومثل هذا لا يحتاج إلى نص والله أعلم. وانظر الجواهر فإنه فرع في هذه المسألة. فرع: قال في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى: وسئل عن الرجل يعرض له المرض فيصلي قاعدا ثم يذهب ذلك عنه وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة ؟ قال: لا يعيد الصلاة. ص: (وإن عجز عن فاتحة قائما جلس) ش: قال ابن الحاجب: ولو عجز عن الفاتحة قائما فالمشهور الجلوس. قال ابن عبد السلام: انظر كيف صورة هذه المسألة والذي ينبغي في ذلك أنه إن قدر على شئ من القيام أتى به، سواء كان مقدار تكبيرة الاحرام خاصة أو فوق ذلك، لان المطلوب إنما هو القيام مع القراءة فإذا عجز عن بعض القيام أو القراءة أتى بقدر ما يطيق


[ 271 ]

وسقط عنه ما بقي انتهى. وقال ابن فرحون: يعني إذا عجز عن إتمام الفاتحة قائما ولم يعجز عنها في حال الجلوس لدوخة أو غيرها فالمشهور أنه يأتي بقدر ما يطيق ويسقط عنه القيام للباقي ويأتي به في حال الجلوس. تنبيه: وظاهر كلام المؤلف أنه يسقط عنه القيام جملة حتى لتكبيرة الاحرام وليس كذلك إلا أن يكون كلامه مقيدا بما إذا قام لم يقدر بعد ذلك على الجلوس. قاله صاحب التوضيح. والقول الشاذ يصلي قائما يريد ولا يقرؤها فإذا كان في الاخيرة جلس ليقرأها، والقول الاولى مبني على أن الفاتحة واجبة في كل ركعة، والثاني يخرج على أنها إنما تجب في ركعة وهو غير منصوص. انتهى كلام ابن فرحون، وانظر التوضيح. قال ابن عرفة: والقادر على قيام الفاتحة دون قراءتها يجلس ابن بشير: على القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة أو جلها يقوم قدر ما يمكنه سواء في ركعة أو في أقلها، وفي غيرها يجلس ليقرأ. ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب فإن عجز عن الفاتح قائما فالمشهور الجلوس في تصوره نظر، وينبغي إن عجز عن بعض القيام أو القراءة سقط. قلت: قد صوره اللخمي وغيره ومن عجز عن بعض قيام الفاتحة جلس لتمامه ولم يسقط انتهى والله أعلم. قلت: ظاهر كلام ابن عرفة أنه فهم أن معنى كلام ابن الحاجب وابن بشير أنه عجز عن قراءة الفاتحة في حال القيام أو قراءة شئ ويقدر على القيام قدر قراءتها وعلى قراءتها في حال الجلوس، فحكمه أن يجلس على القول بأنها فرض في كل ركعة، وأما على القول بأنها فرض في ركعة فينبغي أن يقوم قدر ما يمكنه إلا في ركعة واحدة فيجلس ليأتي بأم القرآن. وأما من قدر أن يقرأ بعض الفاتحة قائما ثم يكمل بقيتها في حال الجلوس فإنه يلزمه أن يأتي بما قدر عليه في حال القيام ثم يأتي بالباقي جالسا، بل قدر على أن ينهض بعد فراغ الفاتحة للقيام فيجب عليه القيام ليأتي بالركوع، وهذا هو المفهوم من كلام ابن عبد السلام المتقدم، وكلام ابن فرحون، ومن كلام المصنف في التوضيح، ومن آخر كلام ابن عرفة، ومن كلامه في الجواهر فإنه قال لما تكلم


[ 272 ]

على مسألة ما إذا خف المريض لحالة أعلى من حالته الاولى: فإذا وجد القاعد خفة في أثناء القراءة فليبادر إلى القيام، وإن خف بعد فراغها لزمه القيام للهوي إلى الركوع ولا يعتبر الطمأنينة انتهى. وأما عبارة ابن بشير فأولها مشكل وآخرها يقتضي ما قاله ابن عرفة فإنه قال: إن قدر على القيام لكن عجز عن تطويل القراءة في الصبح والظهر فيصلي بأم القرآن والقصار من السور أو بأم القرآن خاصة، فإن عجز عن القيام لكمال أم القرآن فهاهنا مقتضى الروايات أنه ينتقل إلى الجلوس، وهذا ظاهر على القول بأن أم القرآن فرض في كل ركعة، وأما على القول بأنها فرض في كل ركعة فينبغي أن يقوم مقدار ما يمكنه إلا في ركعة واحدة فإنه يجلس ليأتي بأم القرآن. لكن اختلف المذهب هل القيام مقصود بنفسه أو مقصود للقراءة ؟ فإذا لم يمكن الاتيان بهد سقط، وكذا يجري الامر إن قلنا إن القراءة فرض في الجل فيختلف في الاقل على ما بيناه انتهى. فأول كلامه يدل على أنه وإنما عجز عن قراءة جميع الفاتحة في حال قيامه ويقدر على قراءة بعضها، وآخره يدل على أنه عاجز عن قراءة شئ منها في حال القيام ويرجح هذا الاخير قول اللخمي: وإن كان يقدر على القيام دون القراءة صلى جالسا انتهى. ص: (وجاز قدح عين أدعى لجلوس لا استلقاء) ش: قال في نوازل ابن الحاجب: مسألة قال القاضي أبو عبد الله: إذا كان به وجع في عينه فأراد أن يقدحه ليزول الوجع ويصلي على تلك الحال فذلك جائز له بلا اختلاف، وإذا لم يكن به وجع وأراد قدح عينيه ليعود إليه بصره لا غير فهذه مسألة الاختلاف انتهى. وقال في القوانين: من به رمد لا يبرأ بالاضطجاع صلى مضطجعا، واختلف في قادح الماء من عينيه انتهى. وقال أشهب: إنه جائز. قال ابن ناجي: والفتوى عندنا بإفريقية بقول أشهب انتهى. ص: (ولمريض ستر نجس بطاهر) ش: وقال ابن ناجي في شرح الرسالة والمدونة ونص ما في شرح المدونة: ويجري عليها


[ 273 ]

إذا فرش ثوبا على حرير ولا أعرف فيه نصا لاهل المذهب ولا إجزاء، وأجراه الغزالي على ما ذكرناه في كتاب الوسيط. قال أبو العباس الا بياني: وإن كان أسفل نعله نجاسة فنزعه ووقف عليه جاز كظهر حصير. نقله في الذخيرة وبه الفتوى ولا أعرف غيره وعليه صلاة الناس على الجنازة انتهى. وقد تقدم هذا الفرع للشيخ أعني قوله أو كانت أسفل نعل فخلعها والله أعلم. ص: (ولمتنفل جلوس ولو في أثنائهت) ش: قال ابن الحاجب بخلاف العكس. قال ابن عبد السلام: يعني أن من ابتدأ الصلاة جالسا جاز له القيام في بقيتها بلا خلاف، ثم إن شاء الجلوس بعد أن قام جرى ذلك على ما تقدم انتهى. يعني في مسألة من ابتدأها قائما. وانظر إذا افتتحها قائما ثم شاء الجلوس وقلنا له ذلك فجلس ثم شاء القيام، والظاهر أن ذلك من باب أحرى فتأمله. وقال ابن فرحون: وأما العكس وهو إذا صلى جالسا ثم شاء القيام فله ذلك بلا خلاف لانه انتقل من الادنى إلى الاعلى انتهى. وانظر إذا التزم الجلوس هل له القيام أولا، والظاهر أن له ذلك. قال في المدونة: ومن افتتح النافلة جالسا ثم شاء القيام أو افتتحها قائما ثم شاء الجلوس فذلك له ابن ناجي: أما المسألة الاولى فالاتفاق على ما ذكره، وأما الثانية فاختلف فيها على ثلاثة أقوال، المشهور ما ذكره. وقال أشهب: لا يجلس لغير عذر، وقيل إن نوى القيام لزمه وإلا فلا. ونص أبو عمران على أن من افتتح سورة طويلة فإنه لا يلزمه أن يتمها انتهى. تنبيه: قال ابن الحاجب: ولا بأس به في النافلة للقادر. قال ابن عبد السلام: لا بأس بالجلوس في النافلة ويستلزم جواز الاستناد من باب الاولى، وهذا والله أعلم في غير السنن المؤكدة كالوتر والخسوف، وانظر إذا أداها الصحيح جالسا اختيارا انتهى. وذكره ابن فرحون وزاد العيدين، وانظر كلام ابن عرفة وابن ناجي في الوتر والفجر. قلت: وقد صرح في كتاب الصلاة الاول من المدونة قبل ترجمة صلاة المريض بجواز الاتكاء في النافلة على عصى أو حائط. وقال ابن عرفة: وللقادر جلوسه في النفل. قال ابن حبيب: ومد إحدى رجليه إن عيي وركوعه إيماء جالسا وقائما واستناده قائما خففه في المختصر. وروى أشهب لا بأس به في الفرض والنفل من ضعف، ولابن رشد عنه كراهته إن قصرت وفي إيمائه بالسجود جالسا.


[ 274 ]

الشيخ: ثالثها يكره لابن جبيب وعيسى وابن القاسم انتهى. فرع قال ابن بشير: أخبر النبي (ص) أن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم، لكن اختلف المذهب هل انحطاط الاجر يختص بالقادر لانه تارك لحظة في القيام، أو يعم العاجز والقادر لعموم الحديث انتهى. واقتصر على الاول ابن عبد البر في كافيه والله أعلم، وذكر في النوادر عن ابن حبيب واقتصر عليه. فرع: قال في الرسم الاول من سماع أشهب: وسئل عن المصلي في المحمل أين يضع يديه ؟ فقال: على ركبتيه أو فخذيه. قيل له: فالمصلي على الدابة ؟ قال: مثل ذلك. قال ابن رشد: يريد أنه يضع يديه على ركبتيه أو فخذيه إذا ركع وإذا تشهد، وأما في سائر الصلاة فلا خير في أن تكون يده على ركبتيه. يدل على ذلك قوله في المدونة: فإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه من ركبتيه انتهى. وفي المدونة في أوائل الصلاة الاول قال ابن القاسم قال لي مالك وعبد العزيز. لم أسمع من عبد العزيز غير هذه: من تنفل في المحمل فقيامه تربع ويركع متربعا ويضع يديه على ركبتيه، فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه ولا أحفظ رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز ثم قال: إذا هوى للسجود ثنى رجليه وأومأ بالسجود فإن لم يقدر أن يثني رجليه أومأ متربعا انتهى. ص: (إن لم يدخل على الاتمام) ش: أما بأن نوى أن يجلس أو نوى القيام ولم يلتزمه، وكان رحمه الله جرى على كلام اللخمي من أنه إذا التزم القيام لا يجلس وإذا نوى الجلوس أولا جلس وإن نوى القيام ولم يلتزمه فقولان. شهر المصنف قول ابن القاسم وهو خلاف ظاهر كلام ابن الحاجب من أن الخلاف أعم، وضعف ابن عرفة كلام اللخمي ونصه: وفي جواز جلوس مبتدئة قائما اختيارا قولان لها. ولاشهب: وفي بقاء خلافهما لو ابتدأها ناويا


[ 275 ]

فصل في قضاء الصلاة الفائتة قيامها قولان لابن رشد مع أبي عمران وبعض شيوخ عبد الحق قائلا: يصير بالنية كنذر كقولها في لغو ما نوى من سورة طويلة ولزومها. اللخمي: إن نوى تمامها جالسا أو التزمه قائما جاز جلوسه ولزم قيامه، وإن نواه ولم يلتزمه فقولاهما والاول أحسن لان الاحرام لا يوجب لزوم القيام إذ له الاحرام على أنه بالخيار في الجلوس والقيام انتهى. قلت: مفهوم قوله إن نواه فقولان هما قصر قول أشهب على ناوي القيام وهو عام فيه وفي غير ناويه وهو مقتضى استدلاله على تصوير الاول وقال: فأول قوله وآخره متنافيان، والخلاف في لزوم ما نوى كالخلاف في لزوم الطلاق بالنية انتهى. فتأمل كلام ابن عرفة فإنه جيد قلق والله أعلم، وانظر كلام ابن رشد في سماع موسى من كتاب الصلاة والله تعالى أعلم. فصل في قضاء الصلاة الفائتة والترتيب قال في المدونة في باب صلاة النافلة: ومن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها وليبدأ بها إلا أن يكون في بقية من وقتها. ابن ناجي: يؤخذ منه أن قضاء المنسيات على الفور كما قال ابن رشد في الاجوبة أنه لا يتنفل ولا قيام رمضان إلا وتر ليله وفجر يومه. قلت: وقال ابن العربي: يجوز له أن يتنفل ولا ينجس نفسه من الفضيلة انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: ونص لفظه من الاجوبة من عليه صلوات أمر أن يصلي متى قدر ووجد السبيل إلى ذلك من ليل أو نهار دون أن يضيع ما لا بدله منه من حوائج دنياه، ولا


[ 276 ]

يجوز له أن يشتغل في أوقات الفراغ بالنافلة، وإنما يجوز أن يصلي قبل تمام ما عليه من المنسيات الصلوات المسنونة وما خف من النوافل المرغب فيها كركعتي الفجر وركعتي الشفع المتصل بوتره لخفة ذلك، ولما روي أن النبي (ص) صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح يوم الوادي. قال: وأما ما كثر من النوافل المرغب فيها كقيام رمضان فلا انتهى والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: واختلف في تنفله، فقيل لا يصح، وقيل هو مأثوم من وجه مأجور من وجه. وكان شيخنا القوري يفتي بأنه كان يترك النفل للفرض فلا يتنفل، وإن كان للباطلة فتنفله أولى ولم أعرف من أين أتى به انتهى. والقول الثاني هو اختيار ابن رشد في نوازله والله أعلم. فرع: من الشرح المذكور: وإذ كثرت عليه الفوائت ولم يحصرها فإنه يتحرى قدرها ويحتاط لدينه فيصلي ما يرفع الشك عنه، وشك بلا علامة وسوسة، فلا يقضي كما يفعله العجائز والجهال. وقال شيخنا السنوسي: نص عليه في الذخيرة أنه لا يقضي إلا بغالب ظن أو شك مؤثر في النفس. هذا معنى ما سمعت منه. ورأيت من يجعل في موضع كل نافلة فريضة لاحتمال الخلل في فرائضه، وهذا خلاف السنة انتهى. انظر كلامه في الكتاب المسمى. وقال الشيخ زروق في الشرح المذكور: قال بعضهم: وليتوق أوقات النهي حيث يكون إتيانه بها للشك فيها وهو واضح انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قوله وكيفما تيسر له يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج الحد التفريط ولا حد في ذلك، بل يجتهد بقدر استطاعته. قال ابن رشد: مع التكسب لعياله ونحوه لا كما قال ابن العربي عن أبي محمد صالح إن قضى في كل يوم يومين لم يكن مفرطا ويذكر خمسا، فأما مع كل صلاة صلاة كما تقول العامة فعل لا يساوي بصلة، ومن لم يقدر إلا على ذلك فلا يدعه لان بعض الشر أهون من بعض. وقد منعوه من التنفل مطلقا، وكان بعض الشيوخ يفتي بأنه إن كان يترك الجميع فلا يترك النافلة، وإن كان يفعل الفرض فلا يتنفل. ابن الحاجب: ويعتبر في الفوائت براءة الذمة فإن شك أوقع أعداد تحيط بجهات الشكوك. خليل: قوله فإن شك أي في الاتيان أو في الاعيان أو في الترتيب وبيان لك واسع فانظره. تنبيه: الشك الذي لا يستند لعلامة لغو لانه وسوسة فلا قضاء إلا لشك عليه دليل، وقد


[ 277 ]

أولع كثير من المنتمين للصلاح بقضاء الفوائت لعدم تحقق الفوات أو ظنه أو شك فيه ويسمونه صلاة العمر ويرونها كمالا. ويريد بعضهم بذلك أنه لا يصلي نافلة أصلا بل يجعل في محل كل نافلة فائتة لما هي أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل، وذلك بعيد عن حال السلف وفيه هجران المندوبات وتعلق بما لا أجر له. وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن يوسف السنوسي ثم التلمساني يذكر أن النهي عن ذلك منصوص فخنقته عليه فقال: نص عليه القرافي في الذخيرة ولم أقف عليه. نعم رأيت لسيدي أبي عبد الله البلالي في اختصار الاحياء عكسه فانظر ذلك فإنه مهم، والعمل بالعلم خير كله وعكسه عكسه انتهى. تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة أيضا في قوله صلاها على نحو ما فاتته: وظاهر كلامه أنه يقنت في الصبح ويعتبر طول القراءة وقصرها كالحواضر، وكل ذلك خفيف بخلاف الاقامة انتهى. وفي الصلاة الثاني من المدونة في باب من ذكر صلاة نسيها: وإن ذكر صلوات كثيرة صلاها على قدر طافته كما وجبت عليه وذهب في حوائجه، فإذا فرغ صلى أيضا حتى يتم ما بقي عليه، ويصلي صلاة الليل في النهار ويجهر، وصلاة النهار في الليل ويسر. ابن ناجي: أراد بقوله وذهب في حوائجه أي الضرورية، وظاهرها أن القضاء على الفور ولا يجوز تأخيرها مع القدرة وهو كذلك على المشهور، وقيل على التراخي، وقيل يلزمه أن يقضي يومين في يوم ولا يكون مفرطا. قاله أبو محمد صالح وحكاه التادلي. وعوام القيروان عندنا بأجمعهم يقولون: من قضى صلاة لا يكون مفرطا. فلعلهم سمعوه من مشيختهم. وأفتى شيخنا رحمه الله تعالى بتيمم من عليه فوائت لعدم الماء، سواء قلنا إن القضاء على الفور أو على التراخي كاليائس من الماء فإنه يتيمم عند الزوال انتهى. وقد نص في التوضيح في كتاب الظهار على من ضيع الصلاة وهو قادر على القيام أو على أدائها بالماء ثم عجز عن القيام أو عن استعمال الماء أنه يصليها على حاله ولا يلزمه قضاؤها بعد ذلك ونصه: من ضيع صلاة وهو قادر على القيام فأراد أن يقضيها حال عجزه عنه فإنه يؤديها جالسا ولا يلزمه قضاؤها إن قدر على القيام أو فرط في الصلاة مع إمكان أدائها بالماء ثم قضاها بالتيمم لعدم الماء، فإنه لا يلزمه قضاؤها ثانية عند وجود الماء انتهى. ذكر هذا في قول ابن الحاجب وشرط صحته بالعجز عن العتق وقت الاداء والله أعلم. وقوله فأراد ليس على ظاهره بل يجب عليه قضاؤها على ذلك الحال ويكون داخلا في قول المؤلف مطلقا - والله أعلم - مع تناوله الكثيرة واليسيرة والقضاء في جميع الاوقات، ومن تركها عامدا أو غير عامد والمستحاضة والحربي. مسألة: لو آجر نفسه ثم أقر أن عليه منسيات يجب تقديم على الحضرية. قال المشذالي في كتاب الصلاة الثاني عن الوانوغي قال شيخنا: لا يقبل قوله لقولها في الغصب والرهن واللقطة. المشذالي: مسألة الرهن من رهن عبدا ثم أقر أنه لغيره، ومسألة الغصب من باع عبدا


[ 278 ]

ثم أقر أنه لغيره، ومسألة اللقطة من باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه، فإنه لا يقبل الجميع والجامع تعلق حق الغير فلا يسقط بمجرد إقراره للتهمة في ذلك انتهى. ص: (والفوائت في أنفسها) ش: أي ووجب مع الذكر ترتيب الفوائت في أنفسها لكنه ليس بشرط. قال ابن غازي: فلا يلزم من عدمته العدم فلا يعيدها أصلا، ذاكرا كان أو ناسيا، على ما مشى عليه المصنف إذ بالفراغ منها خرج وقتها انتهى. وذكر في الشامل فيه خلافا والله أعلم. ص: (قطع فذ) ش: أي على جهة الوجوب لكنه ليس بشرط لانه لو لم يقطع لصحت صلاته على المشهور قاله في التوضيح، وهذا هو الذي اختاره ابن ناجي. وذكر عن المغربي حمل المدونة على أن القطع مستحب فتأمله. قال ابن ناجي: قال أبو إبراهيم: ومعنى قطع أي بغير سلام. وقال بعده: أصل المذهب أن النية كافية في القطع. ص: (وأمام) ش: قال سند: على القول بأنهم يستخلفون يقطع في أي موضع ذكر، وعلى القول بأنهم يقطعون معه فيكون حكمه على ما تقدم في الفذ فانظره. وقال ابن فرحون: يفارع الامام الفذ من جهة أنه يقطع مطلقا والفذ يجلها نافلة على


[ 279 ]

ما قدمناه انتهى. وهو مخالف لكلام صاحب الطراز. ص: (وكمل فذ بعد شفع من المغرب


[ 280 ]

كثلاث من غيرها) ش: أي يكمل بنية الفريضة كما صرح به سند عن صاحب النكت. وقال ابن يونس: يكبلها يريد ولا يجعلها نافلة. قال في التوضيح: ويكون كمن ذكر بعد أن سلم والله أعلم.


[ 281 ]

ص: (وإن جهل عين منسية مطلقا صلى خمسا وإن علمها دون يومها صلاها ناويا له وإن نسي صلاة وثانيتها صلى ستا وندب تقديم ظهر وفي ثالثتها أو رابعتها أو خامستها كذلك يثني بالمنسي وصلى الخمس مرتين في سادستها وحادية عشرتها وفي صلاتين من


[ 282 ]

يومين معينتين لا يدري السابقة صلاهما وأعاد المبدأة ومع الشك في القصر أعاد أثر كل حضرية سفرية وثلاثا كذلك سبعا وأربعا وثلاث عشرة وخمسا إحدى وعشرين وصلى في


[ 283 ]

ثلاثة مرتبة من يوم لا يعلم الاولى سبعا وأربعا ثمانيا وخمسا تسعا) ش: اعلم أن الصلوات المنسية لا تخلو إما أن تكون واحدة أو أكثر. فإن كانت واحدة فلا يخلو إما أن تكون معلومة أو مجهولة. فإن كانت مجهولة، فإما أن تكون مجهولة في صلاة الليل أو في صلاة النهار أو فيهما معا. وعلى كل حال فإما أن يكون يومها معلوما أو مجهولا في الاسبوع أو مشكوكا في بعض الاسبوع. وعلى كل حال فإنه يصلي في المجهولة في صلاة الليل صلاتين، وفي المجهولة من صلاة النهار ثلاث صلوات، وفي المجهولة في الليل والنهار خمس صلوات، ولا يعتبر تعيينها ليومها في الاسبوع وإنما المعتبر في الفوائت تيقن براءة الذمة، فإن شك أوقع عددا يحيط بحالات الشكوك قاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: مقتضى كلامه أنه لا يكتفي بالظن وهو


[ 284 ]

الاصل لان الصلاة في الذمة بيقين فلا تبرأ الذمة منها إلا بيقين. قوله فإن شك أي في الاتيان أو في الاعيان أو في الترتيب انتهى. فقوله عين منسية مطلقا يعني سواء علم يومها أو جهله في يومين أو في ثلاثة أو في الاسبوع كله على المنصوص، ويحتمل أن يريد بقوله مطلقا أي جهل عينها في الخمس، واحترز به مما لو جهل عينها من صلاة الليل أو من صلاة النهار كما تقدم. وقال الشارح: سواء كانت صلاة حضر أو صلاة سفر. وإن كانت الصلاة المنسية معلومة " بعينها فلا يخلو إما أن يكون يومها معلوما أيضا أو مجهولا. فإن كان اليوم معلوما صلاها ناويا بها القضاء عنه، وإن كان مجهولا صلاها ناويا له، وهذا معنى قوله وإن علمها دون يومها صلاها ناويا له وسكت عن الاول لوضوحه. وإن كان المنسي أكثر من صلاة فلا يخلو إما أن يكون صلاتين أو أكثر. فإن كان صلاتين فلا يخلو إما أن تكونا معينتين أولا. فإن لم تكونا معينتين فلا يخلو إما أن يعرف مرتبة إحدى الصلاتين من الاخرى أو لا يعرف ذلك. فإن كان يعرف فلا يخلو إما أن يكون من يوم أو أكثر، فإن كانت من يوم فهي إما ثانيتها أو ثالثتها أو رابعتها أو خامستها، وإن لم يكونا من يوم فالثانية، إما مماثلتها وهي سادستها وحادية عشرتها وسادسة عشرتها وحادية عشرينها وسادسة عشرينها وحادية ثلاثينها وإلا فهي لثانيتها أو ثالثتها أو رابعتها أو خامستها. وضابط ذلك كما قال ابن عرفة: وهو أن تقسم عدد المعطوف على خمس، فإن انقسم فهي إما خامستها أو المماثلة لخامستها، وإن بقي واحد فهي مماثلتها، وإن بقي أكثر من واحد فهي السمية للبقية يعني فهي المماثلة لواحد من البقية. ويعني بالبقية ثانيتها وثالثتها ورابعتها. مثال ذلك: صلاة وسابعتها، فعدد المرطوفة سبعة أقسمه على خمسة يبقى اثنان فهي مماثلة لثانيتها. ولو قيل صلاة وثامنتها لكان عدد المعطوف ثمانية ففاضل القسمة ثلاثة فهي المماثلة لثالثتها ورابعتها. ولو قيل صلاة وعاشرتها فعدد المعطوفة وهي عشرة منقسمة على خمسة فهي المماثلة لخامستها. ولو قيل صلاة وحادية عشرتها فعدد المعطوفة أحد عشر ففاضل قسمته على خمسة واحد فهي مماثلتها فيصلي الخمس مرتين في المماثلتين. وقال ابن عرفة عن المازري: يصلي ظهرين وعصرين ومغربين وعشاءين وصبحين. واختار أنه يصلي الخمس ثم يعيدها. قال: وهذا أولى الانتقال النية فيه من يوم لآخر مرة فقط، وفي الاولى تنتقل خمسا. " هذا هو المفهوم من كلام المصنف: وفي غير المتماثلتين يصلي ست صلوات يبدأ بالظهر استحبابا لانها أول صلاة بدأ بها جبريل عليه الصلاة والسلام. وقال أبو الطاهر: وقيل يبدأ بالصبح لانها أول النهار، وأي صلاة بدأ بها أعادها. وإذا بدأ بصلاة يثني بالمنسي ففي صلاة وثانيتها يثني بثالثة الصلاة التي بدأ بها ويثلث بثالثة التي ثنى بها، وعلى هذا القياس وهو معنى قوله وإن نسي صلاة وثانيتها صلى ستا، وندب تقديم ظهر وفي ثالثتها أو رابعتها أو خامستها كذلك يثني بالمنسي وصلى الخمس مرتين في سادستها وحادية عشرتها


[ 285 ]

فصل في سجود السهو يريد مماثلة ثانيتها وهي سابعتها ومماثلة ثالثتها وهي ثامنتها ومماثلة رابعتها وهي تاسعتها ومماثلة خامستها وهي عاشرتها يصلي في ذلك ستا يثني بالمنسية، وكذا في ثانية عشرتها وثالث عشرتها ورابع عشرتها وخامسة عشرتها، ويصلي الخمس مرتين في سادستها وحادية عشرتها وسادسة عشرتها وحادية عشرينها وسادسة عشرينها وسادسة عشرينها. وقال البساطي في شرح قول المصنف وصلى الخمس مرتين في سادستها وحادية عشرتها: يعني أنه إذا ذكر أنه نسي صلاة وسادستها أو سابعتها أو ثامنتها أو تاسعتها أو عاشرتها أو حادية عشرتها فإنه يصلي في الكل عشر صلوات انتهى. وهذا الذي قاله غير ظاهر والصواب ما قدمناه. وإن كان لا يعرف نسبتها للصلاة الثانية فلا يخلو إما أن يكون يعلم أنهما من يوم واحد أو يومين أو لا يعرف ذلك فإن كان يعلم أنهما من يوم واحد ولكن لا يدري أهي صبح وظهر أو صبح ومغرب أو صبح وعصر أو صبح وعشاء أو ظهر وعصر أو ظهر ومغرب أو ظهر وعشاء أو عصر ومغرب أو عصر وعشاء أو مغرب وعشاء فيصلي خمس صلوات يبدأ بالصبح ويختم بالعشاء، وحن كانت من يومين أو لا يعرف ذلك فيصلي الخمس مرتين، وإن كان يعلم أنهما من يوم وليلة لا يدري صلاة اليوم قبل صلاة الليل أو صلاة الليل قبل صلاة اليوم فإنه يصلي ست صلوات. قال في الجواهر: فيصلي ظهرين وعصرين ومغربين وعشاءين وصبحين، لان السادسة والحادية عشرة والسادسة عشرة هي الاول بعينها فكانتا صلاتين متماثلتين من يومين وهو معنى قوله وفي صلاتين من يومين معينين لا يدري السابقة صلاهما وأعاد المبتدأة. وما ذكره جار على ما صححه ابن الحاجب وفي نوازل سحنون من كتاب الصلاة. وسئل عمن نسي خمس صلوات مختلفات من خمسة أيام لا يدري أي الصلوات هي ؟ قال سحنون: يصلي خمسة أيام. قال محمد بن رشد: هذا على القول المشهور في المذهب من اعتبار التعيين في الايام، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى انتهى فتأمله والله تعالى أعلم. فصل في سجود السهو (سن لسهو وإن تكرر بنقص سنة مؤكدة أو مع زيادة سجدتان قبل سلامه) ولما فرغ من بيان حكم السهو عن الصلاة بالكلية ذكر في هذا الفصل حكم السهو عن بعض الصلاة


[ 286 ]

وما يتعلق به. قال الباجي في أوائل المنتقى: والسهو الذهول عن الشئ تقدمه ذكر أو لم يتقدمه، وأما النسيان فلا بد أن يتقدمه ذكر. واختلف في حكم سجود السهو قبليا كان أو بعديا. فأما القبلي فقيل: إنه سنة قاله ابن عبد الحكم، وقيل: واجب أخذه المازري من بطلانها بتركه، وقيل بوجوبه في ثلاث سنين وبالسنة في سنتين. وأما البعدي فقال عبد الوهاب والمازري: هو سنة. وقيل: واجب حكاه في الطراز هكذا نقل ابن عرفة الخلاف، ونقله عنه ابن ناجي في شرحه على المدونة. وقال ابن الحاجب: وفي السهو سجدتان وفي وجوبهما قولان. قال في التوضيح: أطلق رحمه الله تعالى الخلاف في وجوبهما. والخلاف إنما هو في القبلي، وأما البعدي فلا خلاف في عدم وجوبه، وقد اعترض على ابن الحاجب مثل ذلك ابن راشد وابن هارون وابن عبد السلام، نقله عنهم ابن ناجي قال: وقواه ابن عبد السلام بقولهم إذا ذكر السجود البعدي في صلاته فإنه لا يقطع بل يأتي به بعدها قال: وما ذكره قصور لانه قول صاحب الطراز. ويرد التقوية بأنه لا يلزم من كونه واجبا أن يقطع الصلاة له، إما مراعاة للخلاف أو لكونه متعقبا في ذاته لكونه في الاصل يوقع خارج الصلاة انتهى. وقال في التوضيح: قال في الاشراف: مقتضى مذهبنا وجوب القبلي. قال: وكان الابهري يمتنع من إطلاق الوجوب. وقال المازري: ذكر القاضي أبو محمد أنه يتنوع لواجب وسنة. ومعناه أن البعدي سنة والقبلي واجب على قولنا إنه إن أخر ما قبل السلام بعد السلام تأخيرا طويلا فسدت صلاته. ابن عبد السلام: والتحقيق عدم وجوبه لان سببه غير واجب. قال الشيخ خليل: وقد يعترض عليه بوجوب الهدي في الحج عما ليس بواجب. قلت: وسيأتي في باب الحج أن التحقيق في كل ما يوجب الدم أنه واجب ولكنه ليس بركن. ورجح المصنف رحمه الله تعالى القول بسنية السجود قبليا أو بعديا. أما البعدي فلا كلام في رجحانه بل الكلام في إثبات مقابله، وأما القبلي فاعتمد المصنف على ما قاله ابن عبد السلام، ورجح القول بالسنية وصرح الشارح في شرحه بأنه المشهور وتبعه على ذلك الاقفهسي وجماعة، واقتصر ابن الكروف على القول بالوجوب وقال في الشمال: هل سجود السهو قبل السلام سنة. ورجح، أو واجب وهو مقتضى المذهب ؟ قولان: وقال البساطي: أكثر نصوصهم على الوجوب.


[ 287 ]

فرع قال في الذخيرة: التقرب إلى الله تعالى بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك أولى من الاعراض عن ترقيعها والشروع في غيرها، والاقتصار عليها أيضا بعد الترقيع أولى من إعادتها فإنه منهاجه عليه الصلاة والسلام ومنهاج أصحابه والسلف الصالح بعدهم، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع وقد قال عليه الصلاة والسلام لا صلاتين في يوم فلا ينبغي لاحد الاستطهار على النبي (ص)، فلو كان في ذلك خير لنبه عليه وقرره في الشرع والله سبحانه وتعالى لا يتقرب إليه بمناسبات العقول وإنما يتقرب إليه بالشرع المنقول انتهى بلفظه. ونقله الهواري بلفظه ولكنه قال: إذا عرض له فيها السهو بدل الشك والكل صحيح والله أعلم. وقوله وإن تكرر يعني أن سجود السهو لا يتكرر في الصلاة الواحدة وإن تكرر السهو فيها، أما إن كان من جنس واحد زيادة أو نقصان فحكى البساطي الاجماع على عدم التعدد، وأما إن تكرر بزيادة ونقص فالمذهب أنه لا يتكرر وهو قول جمهور العلماء. وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز بالتعدد وإنه يسجد قبل وبعد، وسيأتي في كلام الرجراجي إنكار ذلك. تنبيه: يتصور تعدد السجود لتكرر السهو في المسبوق إذا سجد للنقص مع الامام قبل السلام ثم سها فيما يأتي به بعد سلام الامام فإنه يسجد لسهوه، فإن كان بنقص سجد قبل سلامه، وإن كان بزيادة سجد بعد سلامه.. قلت: ويتصور تكرار السجود في غير المسبوق في صورة ذكرها في النوادر فيمن سها بنقص وسجد له قبل السلام ثم تكلم ساهيا بعد سجود السهو وقبل السلام فإنه نقل عن ابن حبيب أنه يسجد بعد السلام أيضا وهو ظاهر. وقوله بنقص سنة مؤكدة يعني أن السجود إنما يسن إذا ترك سنة مؤكدة سهوا، وأما إذا ترك فريضة أو مستحبا أو سنة غير مؤكدة أو ترك سنة مؤكدة عمدا فلا سجود في شئ من ذلك كما سيصرح به المصنف. فأما الفرائض فلا بد من الاتيان بها، وأما السنن غير المؤكدة والمستحبات فإن سجد لها بطلت الصلاة كما سيأتي، وأما السنن المؤكدة إذا تركها عمدا فلا سجود أيضا. واختلف هل تبطل الصلاة بتركها أم لا كما سيأتي. وإن تركها سهوا سجد لها والسنن المؤكدة التي يسجد لها ثمان. قال في المقدمات: لما كر سنن الصلاة فمن هذه السنن ثمان سنن مؤكدات يجب سجود السهو للسهو عنها وإعادة الصلاة على اختلاف لتركها عمدا وهي: السورة التي هي مع أم القرآن، والجهر في موضع الجهر والاسرار في موضع الاسرار، والتكبير سوى تكبيرة الاحرام، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الاول، والجلوس له، والتشهد الآخر. وسائرها لا حكم لتركها فلا فرق بينها وبين الاستحباب إلا في تأكيد فضائلها حاشا المرأة تصلي بغير قناع فإن الاعادة في الوقت مستحبة لها انتهى. ونقله في التوضيح في الكلام على سنن الصلاة، وما ذكره من أنه يسجد


[ 288 ]

للتكبير والتحميد فيريد، إذا ترك تكبيرتين أو تحميدتين فأكثر، وأما التكبيرة الواحدة والتحميدة الواحدة فلا يسجد لها وإن سجد لها بطلت الصلاة كما سيأتي والله أعلم. تنبيه: يستثنى من قولهم يسجد لنقص السنة المؤكدة قبل السلام الاسرار فإنهم جعلوه من باب الزيادة وقالوا: يسجد له بعد السلام على المشهور كما سيأتي. تنبيه: ولا بد من تقييد قوله سنة مؤكدة بكونها داخلة في الصلاة فلا يسجد للاذان والاقامة فإن كان كل منهما سنة مؤكدة لانهما من السنن الخارجة عن الصلاة. وقوله أو مع زيادة يعني أنه إذا اجتمع النقصان والزيادة فإنه يغلب حكم النقصان. واعلم أن العلماء اختلفوا في محل سجود السهو، فذهب الشافعي إلى أن السجود كله قبل السلام، وذهب أبو حنيفة إلى أنه كله بعد السلام. واختلف المذهب على القولين، فالمشهور من مذهب مالك أنه يسجد للنقص قبل السلام وللزيادة بعد السلام. قال ابن الحاجب: وروي التخيير. وقال في التوضيح: يعني إن شاء سجد قبل أو بعد، كان السبب زيادة أو نقصان أو هما معا. وهذا القول حكاه اللخمي انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أن القول إنما هو في القبلي، فإنه لما ذكر حكم السجود البعدي والسجود القبلي قال: فالاول بعد السلام والثاني في كونه قبله أو تخييره رواية المشهور والمجموعة. والصواب ما قاله ابن عرفة فإن الذي ذكره اللخمي إنما هو اختيار منه ولم يذكره رواية فتصير الاقوال باختيار اللخمي ثلاثة، فإذا اجتمع الزيادة والنقصان فقال الرجراجي: لا خلاف أن أحد السهوين داخل في الآخر، وإنما الخلاف فيما يغلب فالمشهور تغليب النقصان وأنه يسجد لهما قبل السلام، وروى علي بن زياد تغليب الزيادة وأنه يسجد بعد السلام ونحوه في العتبية. وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز بن أبي مسلمة: يسجد لهما سجودين قبل وبعد. قال الرجراجي: وهو مخالف للنقل موافق لدليل العقل. فرع: قال في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الصلاة: من سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري أقبل السلام أو بعده فليسجد قبله. ابن رشد: تغليبا لحكم النقصان على حكم الزيادة كما غلب عند اجتماعهما لكونه أحق بالمراعاة على المشهور من قوله. وفي الجلاب: وإن تيقن أنه سها ولم يدر زاد أم نقص فليسجد قبل السلام. وقوله سجدتان هذا نائب الفاعل بقوله سن قال البساط: وكونه سجدتين مجمع عليه ودلت عليه الاحاديث الصحيحة انتهى. وقال الشيخ زروق: فلا تجزئ السجدة الواحدة ولا تجوز الثلاث، فلو سجد واحدة ثم تذكر قبل السلام أضاف إليها أخرى، فإن سلم ثم تذكر أنه إنما سجد واحدة سجد سجدة أخرى وتشهد وسلم ولا سجود عليه على مقتضى قول محمد كما سيأتي، فإن سجد ثلاث سجدات سهوا فقال اللخمي: إن كان قبل السلام فقد زاد في صلاته سجدة فليسلم ثم يسجد سجدتي السهو بعد، وإن كان سجوده بعد السلام أجزأه ولا شئ عليه انتهى. وقال ابن ناجي في شرح مسألة المدونة التي سيذكرها المصنف وهي قولها: من شك في سجدتي


[ 289 ]

السهو فلم يدر أواحدة سجد أو اثنتين، سجد سجدة وتشهد وسلم ولا سجود عليه لسهوه. ظاهره سواء كان قبليا أو بعديا وهو كذلك، وجرت عادة شيخنا حفظه الله تعالى - يعني البرزلي - يقول غير ما مرة خلافا للخمي في قوله: إن الحكم ما تقدم في البعدي، وأما القبلي فإنه يسجد وليس كذلك، بل مسألة اللخمي إنما هي صورة أخرى وهي: إذا سجد لسهوه ثلاثة سجدات تحقيقا من غير شك فرأى محمد لا سهو عليه وظاهره الاطلاق. وقال اللخمي: تمثله في البعدي وفي القبلي يسجد بعد سلامه ولم يذكر غيره انتهى. وما قاله البرزلي ظاهر فتأمله، فيكون قول اللخمي مخالفا للمدونة وكلام ابن أبي يزيد في مختصره صريح في ذلك أو كالصريح ونصه: ولو شك في سجدتي السهو أو في إحداهما سجد ولا سجود عليه في كل سهو سها فيهما انتهى. ونحوه في ابن يونس. وقوله قبل سلامه تقدم أنه المشهور من مذهب مالك في التفرقة بين السهو بالزيادة والسهو بالنقصان ودليله في الزيادة حديث ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام سلم من اثنتين في إحدى صلاتي العشي ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، وخرج سرعان الناس يقولون قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر. فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال: لم أنس ولم تقصر. فقال: أحق ما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا: نعم. فتقدم فصلى ما ترك ثم سجد سجدتين بعد السلام. وحديث ابن مسعود وأنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر خمسا وسجد بعد السلام. ودليل النقصان حديث ابن بحينة قال: قام رسول الله (ص) من اثنتين ولم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام، وهذه الاحاديث الثلاثة في الصحيحين وفي المشهور عمل بجميع الاحاديث وهي أولى من العمل ببعضها، ولهذا قال جماعة من العلماء: إن قول مالك أصح الاقوال. ص: (وبالجامع في الجمعة) ش: قال البساطي: معطوف على مقدر أي سن سجود السهو في الجامع وغيره في غير الجمعة وفي الجامع وحده في الجمعة. وقال الشارح: يريد أن السجود إذا كان لنقص سنة في صلاة الجمعة فإنه لا يكون إلا في الجامع لانه شرط فيها، والسجود المذكور جائز للصلاة فهو جزء منها فيشترط فيه ما يشترط فيها. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام المصنف وشراحه أن هذا الحكم خاص بالقبلي وليس


[ 290 ]

كذلك، بل حكم البعدي كذلك. قال أبو الحسن في شرح قول المدونة: وإن نسي سجود السهو بعد السلام سجده متى ما ذكر ولو بعد شهر، وإن كانتا من الجمعة فلا بد من المسجد الجامع وإن لم يكن الذي صلى فيه. وقال ابن ناجي: ظاهرها أن ترتب من صلاة الجمعة فإنه لا يرجع إلى الجامع. ونقل ابن يونس عن ابن الموازنة يرجع كالقبلي. وقال في شرح الرسالة: قال التادري: ظاهر كلامه يعني في الرسالة أنه إن ترتب من صلاة الجمعة فإنه لا يرجع إلى جامع ثم نقل على المذهب أنه يرجع وأما القبلي فإنه يرجع. قلت: ولم يحك ابن يونس في ذلك خلافا. وممن صرح باشتراط الجامع في البعدي الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والشيخ زروق في شرح الرسالة. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وإن سها عن البعديتين سجدهما متى ما ذكر وفي أي محل ذكر إلا أن يكون من نافلة فوقت حلها، أو من جمعة فبالجامع على المشهور. الثاني: علم من كلام أبي الحسن المتقدم أنه لا يشترط الجامع الذي صلى فيه وهو ظاهر، وإنما يطلب أن يوقعهما في جامع يصح فيه الجمعة والله أعلم. الثالث: إن قلت ظاهر كلامه يقتضي أن من ترتب عليه سجود سهو من الجمعة بعد أن خرج من الجامع أنه لا يسجده خارج الجامع وأنه لا بد من رجوعه إلى الجامع، وهذا معارض لما سيأتي من أن السجود القبلي إذا تركه وطال بطلت الصلاة إن كان عن ثلاث سنن، وإن كان عن أقل لم تبطل وفات السجود والخروج من الجامع مظنة الطول. قلت: لا معارضة بينهما لان الطول في المسألة الآتية محدود بالعرف لا بالخروج من الجامع على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف، ولهذا قال الشيخ سليمان البحيري في تصحيح الجلاب: وقد فرعوا على قول ابن القاسم أنه لو سها في الجمعة ولم يتذكر حتى خرج من الجامع ولم يطل أنه يرجع إلى الجامع ويسجد، وفي غيرها يسجد في الموضع الذي ذكر السجود فيه انتهى. والسجود في الجمعة إنما يتصور في حق الامام أو في حق المسبوق إذا سها بعد مفارقة الامام على القول بأن الامام لا يحمله وهو المشهور. ص: (وأعاد تشهده) ش: يعني أنه إذا سجد السجود القبلي فإنه يعيد التشهد ليقع السلام عقب تشهده، وهذا القول هو المشهور وهو اختيار ابن القاسم، ودليله ما رواه الترمذي وحسنه من حديث عمران بن حصين أن النبي (ص) بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم تسلم، والقول بعدم إعادة التشهد لمالك أيضا، واختاره عبد الملك. ووجهه أن سنة السجود الواحد أن لا يكرر فيه التشهد مرتين. تنبيه: فهم من قول المصنف وأعاد تشهده فائدتان: إحداهما أن السجود القبلي محله بعد الفراغ من تشهد الصلاة وهو كذلك، ويريد ومن الدعاء والصلاة على النبي (ص). والثانية أنه إذا سجد إنما يعيد التشهد فقط ولا يدعو بعد التشهد. قال في مختصر الواضحة: وليس بعد


[ 291 ]

التشهد دعاء ولا تطويل. وقال ابن فرحون: إذا تشهد بعد سجدتي السهو فلا يدعو بعد التشهد دعاء فيها ومن أقميت عليه الصلاة وهو في نافلة. قاله في شرح المدونة لابن ناجي: ومن سها على التشهد حتى سلم الامام فإنه يتشهد من غير دعاء ويسلم. قاله في مختصر الواضحة والعتبية. وسيأتي الكلام عليه عند قول المصنف وإن زوحم مؤتم. ومن خرج عليه الخطيب في تشهد نافلة فإنه يتشهد ولا يدعو. قاله في رسم سلف من سماع ابن القاسم وسيأتي في باب الجمعة. فرع: فإن لم يعد التشهد عمدا أو سهوا فالظاهر أنه لا شئ عليه كما يؤخذ من كلام صاحب الطراز المذكور في شرح قول المصنف في السجود البعدي بإحرام، ومن كلام ابن رشد المذكور في شرح قول المصنف وسلام وأنه لو ترك السلام من البعدي لم تبطل الصلاة. ص: (كترك جهر وسورة بفرض) ش: هذا مثال السنة المؤكدة التي يسجد لها. قال ابن عرفة: وفي سجود سهو ترك الجهر ثلاثة: قبل وبعد ولا سجود لها، وللمازري عن رواية أشهب وسماع القرينين: وعلى السجود لو ذكر قبل ركوعه أعاد صوابا وفي سجوده سماع عيسى بن القاسم ومحمد عن أصبغ من سماع القرينين انتهى. ص: (كتم لشك) ش: هذا إذا شك قبل السلام، وأما إذا شك بعد أن سلم على اليقين قال الهواري: اختلف فيه، فقيل يبني على يقينه


[ 292 ]

الاول ولا يؤثر طرو الشك بعد السلام. وقيل: يؤثر انتهى. وقال الباجي في المنتقى: لما أن تكلم على مسألة من رأى من ثوبه احتلاما لا يدري متى وقع منه وأنه يعيد من آخر نومة نامها ففيه قال: وما قبل النومة من الصلوات شاك فيه وهذا الشك إنما طرأ على الصلاة بعد كمالها وبراءة الذمة منها فيه قولان: أحدهما أنه غير مؤثر فيها كما لو سلم من الصلاة ثم شك هل أحدث بعد طهارته أم لا فلا شئ عليه، لانه شك طرأ بعد تمام العبادة وتيقن سلامتها. فهذا القول في هذه المسألة مبني على هذا الاصل. والتمول الثاني أن الشك يؤثر فيها ويوجب إعادتها فعلى هذا القول يجب إعادة الصلاة كلها من أول نومة نامها في هذا الثوب انتهى. قال صاحب الطراز بعد أن تكلم على من شك في غسل بعض أعضاء وضوئه وفرق بين المستنكح وغيره. فرع: وفرق بعض الشافعية فيمن شك في بعض وضوئه وقد كان تيقن غسله فقال: إن طرأ له الشك قبل أن يصلي غسل ما شك فيه ولا تجزيه الصلاة إن لم يغسله، وإن طرآ ذلك بعدما صلى فصلاته صحيحة. هذا قول أبي حامد منهم وأنكره ابن الصباغ وقال: لا يجزيه في الموضعين، وحكى الباجي نحو هذا الاختلاف عن بعض أصحابنا وقال: تأتي لهم أجوبة مختلفة على هذا الاصل. فمن قال لا فرق يقول لم تحصل له الثقة ببراءة ذمته من الصلاة فوجب عليه الاعادة ليحصل له اليقين بالاداء. ومن فرق قال: إذا شك قبل الصلاة لم يجز له أن يدخل الصلاة بالشك في شرط صحتها كما لا يجوز أن يصلي على شك من الوقت، أما إذا صلى ثم شك فالصلاة وقعت على اعتقاد الصحة فلا يزول حكم الاعتقاد بطرو الشك وهذا باطل بما إذا أيقن بالوضوء ثم شك في الحدث قبل أن يصلي في غسل عضو، فإن الاعتقاد الاول تزعزع بالشك الطارئ وما ذاك إلا أن الباب باب احتياط فيغلظ فيه عليه الاحتياط انتهى. ص: (ومقتصر على شفع شك أهو به أو بوتر) ش: يعني من شك وهو في جلوس التشهد هل هو ثانية الشفع أو في الوتر، فإنه يجعلها ثانية الشفع ويسجد بعد السلام ويأتي بالوتر. وكذلك لو شك وهو في أثناء الركعة فإنه يتمها بنية الشفع ويسجد بعد السلام ويأتي بالوتر. قال في المدونة: ومن لم يدر أجلوسه في الشفع أو في الوتر سلم وسجد بعد


[ 293 ]

السلام وأوتر، وإن لم يدر أهو في الاولى جلس أو في الثانية أو في الوتر، أتى بركعة وسجد بعد السلام ثم أوتر بواحدة انتهى. ص: (أو استنكحه الشك ولها عنه) ش: يعني أن من استنكحه الشك في الصلاة أي داخله وكثر منه فإنه يسجد بعد السلام ويلهو عن الشك أي فلا يصلح ما شك فيه ولو شك في الفرائض. قال في النوادر في ترجمة السهو عن القراءة: ومن العتبية من سماع أشهب: ومن شك في قراءة أم القرآن فإن كثر هذا عليه لها عن ذلك وإن كان المرة بعد المرة فليقرأ وكذلك سائر ما شك فيه انتهى. وقال بعد ذلك في ترجمة من يكثر شكه: روى علي بن زياد عن مالك فيمن استنكحه السهو فظن أنه لم يتم صلاته فلا شئ عليه وليله عن ذلك. قال عنه ابن نافع: ولا يسجد له. قال في المختصر: ولو سجد بعد السلام كان أحب إلينا. قاله عنه ابن نافع في المجموعة. فأما من يعرض له المرة بعد المرة - بخلاف ذلك، وكذلك من شك في الاحرام إن كان المرة بعد المرة أعاد له الصلاة. وقال في كتاب الطهارة من المدونة قال (مالك فيمن شك في بعض وضوئه يعرض له هذا كثيرا قال: يمضي ولا شئ عليه وهو بمنزلة الصلاة. وقال بعده: فمن أيقن بالوضوء وشك هل احدث بعده أم لا، إن كان يستنكحه كثيرا كان على وضوئه، وإن كان لا يستنكحه فليعد الوضوء، وكذلك كل مستنكح مبتلي في الوضوء والصلاة انتهى من الام. وقال في التهذيب: ولو أيقن بالوضوء ثم شك هل أحدث بعد الوضوء أم لا فليعد الوضوء، بمنزلة من شك فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلغ الشك إلا أن يستنكحه ذلك كثيرا فلا يلزمه إعادة شئ من وضوئه ولا صلاته انتهى. تنبيهات: الاول: الشك مستنكح وغير مستنكح، والسهو مستنكح وغيره مستنكح.


[ 294 ]

فالشك المستنكح هو أن يعتري المصلي كثيرا بأن يشك هل زاد أو نقص ولا يتيقن شيئا يبني عليه. وحكمه أنه يلهو عنه ولا إصلاح عليه ولكنه يسجد بعد السلام وإليه أشار بقوله أو استنكحه الشك ولها عنه. والشك غير المستنكح كمن شك أصلى ثلاثا أم أربعا وحكمه واضح وإليه أشار بقوله كمتم الشك ومقتصر على شفع. والسهو المستنكح هو الذي يعتري المصلي كثيرا، وهو أنه يسهو ويتيقن أنه سها، وحكمه أن يصلح ولا سجود عليه وإليه أشار بقوله لا أن استنكحه السهو ويصلح. والسهو غير المستنكح هو الذي يعتري المصلي كثيرا، وحكمه أن يصلي وسجد حسبما سها من زيادة أو نقص وإليه أشار بقوله سن لسهو وإن تكرر بنقص سنة مؤكدة أو مع زيادة سجدتان قبل سلامه وبقوله وإلا فبعده. الثاني: قال الجزولي: انظر هل هناك تحديد للاستنكاح حتى يقال من يشك مرتين في اليوم أو مرة في اليومين يسمى مستنكحا أم لا ؟ فقيل: أما إذا شك في اليوم مرة فهو مستنكح، وإن شك مرة في السنة أو في الشهر فليس بمستنكح، وإن كان يشك من يومين أو ثلاثة - الشيخ والله أعلم - أنه غير مستنكح انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: والاستنكاح هو الدخول أي يدخله الشك كثيرا، وكثرته إذا كان يطرأ له في كل وضوء أو في كل صلاة أو يطرأ له ذلك في اليوم مرتين أو مرة، وإن لم يطرأ له ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة فليس بمستنكح، فالاستنكاح محنة وبلية، ودواء ذلك الالهاء عنه وإلهاؤه عنه أنه إذا قال له ثلاثا صليت أم أربعا فيقول له أربعا، وإذا قال له اثنتين صليت أو ثلاثا فإنه يقول له ثلاثا، وإن قال له صليت أو ما صليت فيقول له صليت، وإن قال له توضأت أو ما توضأت فيقول له توضأت، فإذا رد عليه هذه الاشياء فإنه ينتفي عنه انتهى. ونحوه للشيخ زروق في شرح الرسالة في باب جامع في الصلاة. الثالث: سئل أبو محمد على المستنكح يشك أبدا في الصلاة فيزيد ركعة إلغاء للشك، هل زيادته توجب سجودا أو بطلانا أو لا توجب شيئا لاستنكاحه ؟ فأجاب: إذا كان جاهلا يتأول الزيادة جبرا للنقص فصلاته صحيحة. قلت: فلو كان عالما قال: ليس هذا بعالم بل مقصر في العلم وحكمه ما ذكرت لك، والاستنكاح تخفيف فلا ينتهي لزيادة تؤدي إلى فساد الصلاة ويسجد هذا بعد السلام. قلت: وهل لا قبل السلام لانه شك في النقص فقال: لم ينقص لكنه ظن النقص. قلت: إن كان هذا ممن تعرض له الشكوك عموما فهو كما قال الشيخ وتقدم حكمه، وإن كان يعرض له الشك في نقص الركعات ويتكرر منه فالصواب أن الآتي بذلك لا يقال زاد عمدا لانه الواجب عليه لولا كثرة الشكوك، ولعل هذه المسألة تجري على مسألة من يتكرر منه إعادة الصلاة لكثرة العوارض من القبلة وترك الخشوع وغير ذلك، وهي مسألة اختلف فيها القرويون هل ذلك محمود أو من باب التعمق في الدين انتهى. ص:


[ 295 ]

(كطول بمحل لم يشرع به على الاظهر) ش: الذي لم يشرع فيه الطول، الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين ومن استوفز للقيام من الركعة الاولى أو الثانية. والذي شرع فيه الطول كالقيام والركوع والسجود والجلوس. أنظر ابن عرفة والهواري والنوادر. قال في المنتقل في ترجمة إتمام المصلي ما ذكر: إذا شك ويلزم الشاك في الصلاة أن يتذكر ما لم يطل ذلك فإن تذكر وإلا بنى على اليقين وألغى الشك. وهل يلزمه سجود سهو لتذكره أم لا ؟ فما كان في تطويله قربة كالقيام والركوع والسجود والجلوس فليس في تطويله بذلك سجود سهو. قاله ابن القاسم وأشهب، وقاله سحنون في الجلوس إلا أن يخرج عن حده فيسجد لسهوه. وأما ما لا قربة في تطويله كالجلوس بين السجدتين أو المستوفز للقيام على يديه وركبتيه فقال مالك: من أطال التذكر على ذلك فليس عليه سجود سهو لان الشك بانفراده لا يوجب سجود سهو، وتطويل ذلك الفعل على وجه العمد فلا يتعلق به سجود سهو. وقال أشهب: يسجد لسهوه لانه إنما طولها للشك انتهى. ص: (وإن بعد شهر) ش: قال ابن الحاجب: متى ما ذكر ولو بعد شهر. قال في التوضيح: قوله متى ما ذكر نحوه في المدونة، وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه أن السجود إن كان من فرض يسجد في كل وقت، وإن كان من نافلة فلا يسجد في وقت تكره فيه النافلة، واختلف هل هو تفسير أو خلاف انتهى. قال الاقفهسي في شرح الرسالة بعد ذكره كلام عبد الحق قال صاحب الطراز: وظاهر الكتاب التسوية لانه جائز مفارق للنوافل انتهى. وظاهر كلام ابن عبد السلام أنه قيل: لا يسجد في وقت النهي ولو كان مرتبا من فريضة. ونقله ابن ناجي عنه وعن غير واحد فانظره. ونص المسألة في باب السهو من كتاب الصلاة الثاني من المدونة: وأن نسي سجود سهو بعد السلام سجده متى ذكر ولو


[ 296 ]

بعد شهر، وإن انتقض وضوؤه توضأ وقضاهما، وإن أحدث فيهما توضأ وأعادهما، وإن أحدث بعد ما سجدهما توضأ وأعادهما، فإن لم يعدهما أجزأتاه وصلاته في ذلك كله تامة لانهما ليستا من الصلاة. قال المشذالي في حاشيتة: هنا بحثان. أحدهما: اختلف الشيوخ فيمن أدرك من صلاة الامام السجود البعدي فأحرم وجلس معه حتى سلم ثم قام للقضاء، فهل تصح صلاته أم لا ؟ قيل: لا تصح لقولها هنا ليستا من الصلاة فقد أدخل في الصلاة ما ليس منها. وقيل: يصح لقوله قبلها ولو قدمه صحت ولو كان من غيرها بطلت. قلت: ونحو هذا الخلاف ما في سماع عيسى: لو لم يدرك المسبوق شيئا وتبعه في البعدي جهلا ثم قام للقضاء صحت عند ابن القاسم رعيا لقول سفيان، وبطلت عند عيسى بن رشد. هذا " هو القياس على أصل المذهب لانه أدخل في الصلاة ما ليس منها. البحث الثاني: لو لم يدرك المسبوق إلا السجود البعدي ثم لما قام للقضاء اقتدى به آخر، فهل تصح صلاة المقتدي أم لا ؟ قال بعضهم: لا تصح. قلت: والجاري على أصل المذهب الصحة لانه منفرد في أحكام كالاعاد في الجماعة اتفاقا انتهى. والظاهر أن البعدي لفظ زائد فتأمله والله أعلم. ص: (بإحرام وتشهد وسلام جهرا) ش: قال ابن رشد في نوازله: السلام من سجود السهو الذي بعد السلام واجب عند مالك إلا أنه لا يرى على من تركه


[ 297 ]

إعادة السجود ومراعاة لقول من يقول لا يجب السلام من الصلاة، فهو على مذهبه واجب في السجود وليس بشرط في صحته لان من واجبات الصلاة ما هو شرط في صحتها، ومنها ما ليس بشرط في صحتها انتهى. وإذا لم تبطل الصلاة بترك السلام فلا تبطل بترك الاحرام من باب أحرى، لان من رجع لاصلاح صلاته يرجع بتكبير، وسيأتي في كلام المصنف أن الصلاة لا تبطل بتركه فمن باب أحرى الاحرام للسجود البعدي. وأما التشهد فقال في الطراز: لا خلاف أن التشهد لهما ليس بشرط والله أعلم. تنبيهات: الاول: قوله بإحرام ليس المراد أنه يكبر تكبيرة الاحرام غير التكبيرة التي يهوي بها للسجود، وإنما الخلاف هل ينوي بتكبيرة الهوي الاحرام أم لا كما يفهم من التوضيح ومن كلام الجواهر ؟ وقال الهواري: ولا تفتقر اللتان قبل السلام إلى نية الاحرام لانهما في نفس الصلاة ثم قال: ويتشهد للتين بعد السلام، وفي افتقارهما إلى نية الاحرام روايتان انتهى. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفي الاحرام للبعدية ثالثها يحرم إن سها وطال. وقال ابن عطاء الله: المشهور افتقاره إلى الاحرام وأطلق - قال - لاستقلاله بنفسه ونفي الاحرام مطلقا لمالك في الموازية، والثالث لابن القاسم في المجموعة. وما حكاه المصنف من الخلاف موافق للخمي مخالف لابن يونس والمازري فإنهم لم يحكيا الخلاف إلا مع الطول. قال ابن راشد: ويصحح نقل المصنف ما قاله محمد كل من رجع إلى إصلاح صلاته فيما قرب برجع بإحرام قال: فإذا قلنا يحرم فيكتفي بتكبيره عن تكبيرة الهوى لما في الموطأ من حديث ذي اليدين فصلى ركعتين أخريين ثم كبر فسجد وذلك يقتضي أنه كبر تكبيرة واحدة وفيه من طريق هشام بن حسان أنه كبر ثم كبر - قال - الناس وذلك وهم انتهى. وما ذكره عن ابن راشد أنه يكتفي بتكبيرة الاحرام عن تكبيرة الهوي، قاله في الطراز وجزم به ولم يذكر خلافه، ثم قال في الطراز: لا يختلف المذهب أنه يتشهد لهما ويسلم، وإنما الخلاف هل يشترط التسليم والاحرام، كما لا يختلف أن التشهد لهما ليس بشرط وهو مأمور به انتهى. ونقل ابن فرحون في شرح ابن الحاجب عن الواضحة ما يقتضي أنه يكبر تكبيرتين والله أعلم. وانظر ابن بشير في حكم السجود القبلي إذا أخره، وانظر ابن الفاكهاني. وقال الثعالبي عن المازري: ولو كانتا قبل السلام فنسيهما لاحرم لهما إذا لا يرجع لاصلاح ما انتقص من الصلاة إلا بإحرام انتهى. الثاني: انظر هل يرفع يديه لهذا الاحرام ؟ لم أر من صرح به، وانظر كلام ابن ناجي عند قوله وبنى إن قرب. الثالث: قال ابن فرحون: تنبيه إذا تشهد بعد سجدتي السهو فلا يدعو بعد التشهد ولا يطول. قاله ابن حبيب في الواضحة انتهى. وتقدم الكلام على هذا مع نظائره والله أعلم. ص:


[ 298 ]

(وصح إن قدم أو أخر) ش: أما التقديم والتأخير سهوا فواضح، وأما العمد فنقل ابن بشير فيه خلافا والظاهر الاجراء. فرع: من وجب عليه سجود السهو في صلاته قبل السلام فأعرض عنه وأعاد الصلاة من أولها فإنه لا تجزئه، والسجود الذي تخلد في ذمته لا يجزئه إلا الاتيان به. قال ابن بشير في الحلف بالمشي إلى مكة من كتاب النذور، وابن ناجي في شرح الرسالة في باب جامع في الصلاة، والتادلي في أول مناسكه والله أعلم. ص: (أو شك هل سها) ش: يعني من أن من شك هل سها في صلاته أم لا، فلا سجود عليه. هذا معنى كلامه وهو كقوله في الجلاب: ومن شك في صلاته فلم يدر أسها فيها أم لا فلا شئ عليه. وظاهر كلامهما أن من شك هل سها فنقص من صلاته شيئا، أو لم يسه أو شك هل سها فزاد في صلاته شيئا أو لم يسه، أو شك في الزيادة والنقصان جميعا، فلا شئ عليه في ذلك كله وليس كذلك، فإن من المعلوم أن الشك في النقصان كتحققه، وإنما مراد المصنف: من شك هل سها أولا فتذكر قليلا ثم تيقن عدم السهو كما قال في الشارح في شروحه الثلاة عند هذا المحل، يريد ثم تيقن عدم السهو. واستدل بقوله في المدونة: ومن شك فتفكر قليلا ثم تيقن أنه لم يسه فلا سجود عليه. قال الشارح قال أبو الحسن الصغير: وحكي عن أشهب أن عليه السجود انتهى. وما ذكره عن أبي الحسن لم يجت به كما كره ونصه بعد كلام المدونة: وكذذا الحكم لو أطال التفكر لان الشك بانفراده لا يوجب سجود سهو، وتطويل الفكر في ذلك إنما هو على وجه العمد فلا يتعلق به سجود سهو، وعلى ذلك تدل أصول المذهب. وأشهب يوجب سجود السهو في ذلك بخلاف إذا كان ينوي به التفكر في موضع شرع تطويله. انتهى انتهى ونحوه لابن ناجي والله أعلم. ونقل سند مسألة المدونة بابسط مما ذكرها البراذعي ونصه: وقال مالك رحمه الله فيمن شك في الركعة الرابعة فلم يدر ما صلى ثلاثا أم أربعا فتفكر قليلا فتيقن أنه صلى ثلاثا قال: لا سهو عليه. قال سند: إن كان هذا في محل شرع فيه اللبث كالقيام والجلوس والسجود وشبهه،


[ 299 ]

فاتفق أصحابنا أنه لا سجود عليه، وإن كان في غير هذه المواطن فاختلف ابن القاسم وأشهب ثم قال: فلو تفكر فلم يتيقن فهذا يبني على الاقل انتهى. وتقدم نحو هذا للباجي عند قول المصنف كطول بمحل لم يشرع به وهذا موافق لما قاله الرجراجي والجزولي والشبيبي وغيرهم في تقسيم السهو، وأنه يكون بزيادة متيقنة وبنقص متيقن، وجزيادة مشكوك فيها وبنقص مشكوك فيه، وبزيادة ونقص متيقنين وبزيادة ونقص مشكوكين، وبزيادة متيقنة ونقص مشكوك فيه وعكسه وأنها ثمانية أوجه. قال الشبيبي: يسجد في وجهين بعد السلام وهما إذا تيقن الزيادة، وإذا شك فيها وفي الستة الباقية قبل السلام. ويعارض هذا كله قول ابن الجلاب: ومن شك في صلاته فلم يدر رأسها فيها أم لا ؟ فلا شئ عليه انتهى. ولكنه موافق لظاهر كلام المصنف. تنبيه: يحمل قوله في الجلاب ومن شك في صلاته فلم بدرسها فيها أم لا فلا شئ عليه على من حصل عنده شك من غير مستند ولا علامة بحيث إنه بمنزلة الوهم يجوز أن يكون وقع منه سهو بزيادة شئ أو نقصانه ولا يتيقن شيئا وقع الشك فيه، بخلاف الصور المذكورة في كلام الجزولي وغيره فإن المشكوك فيه معين، إما زيادة شئ أو نقص، أو هما معا فتأمله. ويظهر ذلك أيضا من كلام شراحه قال الغساني في شرحه: إنما كان كذلك لان الشك لا يستند إلى سبب ملغي لحديث الصحيحين في الذي يخيل إليه أنه يجد الشئ فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد، ريحا، ولان الاصل براءة الذمة وعدم السهو حتى يثبت، ولذلك قال مالك: لو شك هل طلق أم لا فلا شئ عليه. فإذا لم يلزمه شئ إذا شك في الطلاق فأحرى أن لا يلزمه شئ إذا شك هل سها أم لا انتهى. ونحوه في القرافي ونصه: الشك الذي لا سبب له يلغي وزاد: والمسألة محمولة على ما إذا لم يشك في الفرائض انتهى. قال الشيخ سليمان في تصحيحه عن التلمساني: هذا إذا تحقق أنه لم يسه عن شئ من الفرائض وإنما يشك هل سها عن غيرها قال: وهي مسألة الجلاب انتهى. ص: (أو سلم) ش: يريد


[ 300 ]

وتذكر بالقرب ولم ينحرف عن القبلة، وأما إن طال جدا بطلت صلاته، وإن ذكره بعد طول متوسط سجد كما صرح بذلك ابن ناجي على الرسالة والشيخ زروق. ص: (أو خرج من سورة لغيرها) ش: إذا فعل ذلك سهوا فلا شئ عليه لانه لم يأت بشئ خارج عن جنس الصلاة. قال التلمساني في شرح الجلاب: فإن فعل ذلك عمدا كره له لان فيه قراءة القرآن على غير نظم المصحف وفيه تخليط مع السامع، وإذا كره للانسان أن يخرج من رواية إلى رواية فأولى وأحرى أن يكره له أن يخرج من سورة إلى سورة انتهى. وللغساني ايضا شارح الجلاب نحوه. ص: (ولا لفريضة) ش: يعني ولا يسجد لترك فريضة، وذلك لان الفرائض لا تجبر بالسجود ولا بد من الاتيان بها. مسألة: قال في الكافي: ولو شك في فرض من صلاته ولم يدره بعينه جعله الاحرام والنية وأحرم ينوي الدخول في الصلاة ثم صلى وسجد لسهوه بعد سلامه ولو لم يسجد لم يكن عليه شئ، ولو أيقن أنه أحرم لصلاته ثم أسقط فرضا لا يعرفه يعينه أنزله فاتحة الكتاب فأتى بها، ولو أيقن أنه أحرم بنية الصلاة وقرأ فاتحة الكتاب وشك بعد ذلك في فرض من صلاته لا يدريه أنزله الركوع وبنى عليه وسجد بعد سلامه، وهكذا أبدا إذا جهل الفرض بعينه انتهى. ص: (وغير مؤكدة كتشهد) ش: هكذا قال المصنف في التوضيح، إن المذهب على أن التشهد الواحد لا يسجد له إذا جلس له. ونحوه لابن عبد السلام ونص على ذلك في الجلاب، وجعله صاحب الطراز المذهب وهو خلاف ما صرح به اللخمي وابن رشد في


[ 301 ]

المقدمات من أنه يسجد للتشهد الواحد وإن جلس له. ونقل في التوضيح كلام المقدمات عند ماعد ابن الحاجب السنن وقبله فكلامه في التوضيح مختلف. وصرح ابن جزي في القوانين والهواري بأن المشهور أنه يسجد للتشهد الواحد. ونقل صاحب النوادر أيضا أنه يسجد له ولم يذكر خلافه. وكذا ابن عرفة وهذه نصوصهم. قال ابن جزي في القوانين والهواري: من نسي التشهدين أو أحدهما وكان قد جلس له سجد قبل السلام على المشهور. وقيل: لد يسجد بناء على ترك السجود للاقوال انتهى. وقال الهواري. مسألة: من سها عن التشهد الاول وجاء بالجلوس، فإن استوى قائما فلا يرجع ولا سجود عليه. وقيل: يسجد وهو المشهور، وسجوده قبل لانه نقص وإن ذكر قبل أن يفارق الارض رجع وتشهد ولا سجود عليه، وإن ذكر بعض ما فارق الارض ولم يستو قائما فقولان كما إذا سها عن الجلوس، أما لو نسي التشهد الاخير وأتى من الجلوس بمقدار الواجب فجعله مالك بمنزلة التشهد الاول وهو المشهور. فعلى هذا إن لم يذكره حتى سلم أجزأ فيه سجود السهو انتهى. وقال في الذخيرة الرابع في الكتاب: إذا سها عن التشهد أو التشهدين سجد إن ذكر وإلا فلا شئ عليه. قال صاحب الطراز: إن ذكر قبل السلام تشهد أو بعده وهو قريب رجع إلى الصلاة، وهل بإحرام ؟ قولان. وسجد بعد السلام والتشهد عند مالك أخف من غيره، فإن كان مأموما وذكر قبل سلامه وبعد سلام، إمامه وقيامه قال ابن القاسم: يتشهد ويسلم انتهى. وقال في النوادر قال ابن القاسم عن مالك: ومن نسي التشهد الاخير حتى سلم الامام فليتشهد ولا يدعو ويسلم، وإن نسي التشهد الاول حتى قام الامام فليقم ولا يتشهد. وذكر ابن حبيب عن مالك في ناسي التشهد الاخير مثله إذا ذكر بعد سلام الامام وقبل سلامه هو قال: ولا سجود عليه. قال: ولو ذكره بعد سلامه هو فلا شئ عليه لا تشهد ولا سجود. ولو كان وحده وذكر ذلك بعد سلامه تشهد وسلم ثم سجد لسهوه، وإن نسي تشهد الجلسة الاولى فذكر في آخر صلاته سجد قبل السلام، وإن ذكره بعد أن سلم سجد متى ما ذكر ولم يعد الصلاة لهذا انتهى. وقال ابن عرفة في مختصره: ونقص السنة عمدا في بطلانها به ثالثها يسجد قبل، ورابعها يعيد في الوقت لبعض أصحاب مالك وابن القاسم وغيره. واختار الجلاب ونقل اللخمي وسهوا فعلا وقولا كالسورة أو التشهد يسجد انتهى. وقال اللخمي في التبصرة: فإذا خلس ولم يتشهد رجع ليتشهد، فإن استوى قائما لم يرجع ويسجد قبل السلام انتهى. وقال ابن رشد في المقدمات: السنن المؤكدة التي يسجد لها ثمان وعدمنها التشهد، وتقدم كلام المقدمات برمته عند قول المصنف بنقص سنة مؤكدة. والعجب من الشارح بهرام حيث يقول في الكبير: ويتخرج على القول بالسجود للتكبيرة الواحدة أن يسجد له من باب أولى. قال: وأخذ هذا من المدونة لقوله: وإن ترك اثنتين من التكبير أو التشهدين سجد قبل السلام لانه قد ذكر أن التكبيرة الواحدة لا


[ 302 ]

سجود لها، ثم حكم للاثنين بالسجود وأعطى التشهدين حكم التكبيرتين في ذلك، فدل على أن التشهد الواحد لا سجود فيه. انتهى كلام الشارح، وهذا على ما اختصرها أبو سعيد. ولفظ الام: رأيت إن كان سهوه يسجد له قبل السلام كترك تكبيرتين وسمع الله لمن حمده مرتين أو التشهدين فنسي أن يسجد حتى طال ؟ قال: أما التشهد أو التكبيرتان أو سمع الله لمن حمده مرتين، فإن أحدث أو طال كلامه فلا سجود عليه ولا شئ انتهى. وهو لا يفهم منه ما أشار إليه الشارح مع أن القرافي ينسب السجود في التشهد أو التشهد أو التشهدين للكتاب كما تقدم عنه والله أعلم. فالحاصل أن فيه طريقين: أظهرهما السجود والله أعلم. فرع: إذا نسي التشهد الاخير حتى سلم فذكر ذلك فقال في التهذيب: إنه يرجع إلى الصلاة ويتشهد ويسلم ثم يسجد بعد السلام. وتقدم نحوه في كلام النوادر عن ابن حبيب. قال ابن عرفة: وهذا معارض لقول المازري في المدونة: إن ذكر تارك التشهد الاخير وهو بمكانه سجد لسهوه، وإن طال فلا شئ عليه. ونحوه للصقلي فيكون فيها قولان انتهى. ذكر ذلك في كلامه على نقص السنة. قلت: لفظ ابن يونس قال مالك: ومن سها في الرابعة فلم يجلس مقدار التشهد حتى صلى خامسة رجع فجلس وتشهد وسلم وسجد لسهوه وصلاته تامة، وإن نسي التشهد الاخير وقد جلس وسلم فإن كان بالقرب تشهد وسلم وسجد بعد السلام، وإن تطاول فلا شئ عليه إذا ذكر الله، وليس كل الناس يعرف بالقرب تشهد وسلم وسجد بعد السلام، وإن تطاول فلا شئ عليه إذا ذكر الله، وليس كل الناس يعرف التشهد انتهى. ونقل في التوضيح في الكلام على التشهدين عن مالك في ذلك روايتين. وقال ابن ناجي قال ابن العربي: انظر كيف جعله يرجع للتشهد وهو سنة وقد حصل ركنا من أركان الصلاة وهو السلام، والقاعدة أنه إذا فات محل فعل السنة فإنه لا يركع كمن نسي السورة حتى ركع انتهى. ص: (وإعلان بكآية) ش: قال ابن غازي: الذي ينبغي أن يحمل عليه أنه ليس بتكرار مع قوله قبله ويسير جهر أو سر لان مراده يسير الجهر والسر ما لم يبالغ فيه منهما ولو كان ذلك في كل القراءة على ما في مختصر أبي محمد بن أبي زيد حسبما رجح في توضيحه في فهم كلام ابن الحاجب، ولكن يلزم عليه أن يكون سكت عن الاسرار بنحو


[ 303 ]

الآية. انتهى كلام ابن غازي. وقال في توضيحه عند قول ابن الحاجب ونحو الآية. ويسير الجهر مغتفر. خليل: والاقرب أن يريد ما ذكره ابن أبي زيد في مختصره فإنه ذكر بعد أن قرر السجود في الجهر في السرية وعكسه وإن أسر إسرارا خفيفا أو جهر يسيرا فلا شئ عليه. وكذلك إعلانه بالآية فيكون مرده يسير الجهر والاسرار إذا لم يبالغ فيهما ولو كان ذلك في كل قراءته. انتهى كلامه في التوضيح وجعله الشارح بهرام احتمالا في كلام المصنف، وانظر عزوهم الجميع في هذا الفرع المختصر ابن أبي زيد مع أنه في المدونة ونصها عنه ابن يونس. ومن المدونة قال مالك: ومن سها فأسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام، وإن كان شيئا خفيفا من جهر أو إسرار وكإعلانه بالآية ونحوها في الاسرار فلا سجود عليه انتهى. ولذلك لم يعزه ابن عرفة إلا للمدونة والله أعلم. وأما الاسرار بنحو الآية فلا يؤخذ من كلامه وقد صرح به ابن الجلاب ونص ما في مختصر ابن أبي زيد: ومن سها فأسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام. ومن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام، وإن كان شيئا خفيفا من إجهار وإسرار فلا سجود عليه، وكذا إعلانه بالآية في الاسرار انتهى. ونحوه لابن يونس. وقد ذكر سند الاحتمالين في شرح المدونة فقال في شرح قولها فيمن جهر فيما يسر فيه إن كان جهرا خفيفا لم أربه بأسا. يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون جهره ليس بالمرتفع وإنما هو يسمع من يليه. والثاني أن يكون يجهر بالآية وكلاهما خفيف. وكذلك قول ابن القاسم فيمن أسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام إلا أن يكون شيئا خفيفا يحتمل يحتمل الوجهين. ص: (وإعادة سورة فقط لهما) ش: يعني أنه إذا


[ 304 ]

قرأ السورة على غير سنتها ثم تذكر فأعادها على سنتها فلا سجود عليه. وقوله فقط يفهم منه أن هذا الحكم مختص بإعادة السورة وحدها، وأما لو قرئت هي والفاتحة على غير سنتها من الجهر أو الاسرار فأعيدتا، أو قرئت الفاتحة وحدها على غير سننها فأعيدت فسجد وهو كذلك. أما الاول فواضح قال ابن الحاجب: وإن جهر في السرية سجد بعد وعكسه قبله، فإن ذكر قبل الركوع أعاد وسجد بعده فيهما انتهى. وأما الثاني فقال في التوضيح: وقال أصبغ فيمن ترك الجهر في قراءة الفاتحة ثم ذكر فأعادها جهرا لا سجود عليه وحسن أن يسجد. وقال مالك في العتبية: يسجد. والاول رواه أشهب. قال في البيان: والقولان قائمان من المدونة انتهى. قال المازري في شرح التلقين بعد أن ذكر القول بالسجود بعد السلام واختاره بعض أشياخي لان من أخل ببعض أركان الفريضة يقضيه ومع هذا لا يسقط السهو فيه انتهى. وفي النوادر من العتبية من سماع أشهب عن مالك: ومن قرأ في الجهر سرا ثم ذكر فأعاد القراءة فلا سجود عليه، ولو قرأ أم القرآن فقط في ركعة من الصبح فأسر بها فلا يعيد الصلاة لذلك ويجزئه ولا سجود عليه. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قرأها سرا ثم أعادها جهرا فليسجد بعد السلام. قال ابن المواز عن أصبغ: لا يسجد وإن سجوده لخفيف حسن. انتهى. تنبيه: قال البرزلي في أواخر مسائل ابن قداح: من كرر أم القرآن سهوا سجد بعد السلام بخلاف تكرير السورة. قلت: في الاول خلاف مبني على مسألة من قدم أم القرآن على تكبير العيد في الركعة فلينظر هناك انتهى. ومن كررها عمدا ظاهر كلامه في المقدمات أن في بطلان صلاته خلافا لانه قال: إذا كانت الزيادة عمدا وهي من جنس أفعال الصلاة فقيل: إنها تبطل الصلاة. وقيل: يستغفر الله ولا سجود عليه لانه لم يسه انتهى. ص: (وفي أبدالها بسمع الله لمن حمده وعكسه تأويلان) ش: يعني أن من ترك تكبيرة أو تحميدة فلا سجود عليه. فلو ترك كبيرة وأبدل موضعها سمع الله لمن حمده أو ترك تحميدة فأبدل موضعها تكبيرة


[ 305 ]

ففي سجوده تأويلان. وأما لو أبدل في الموضعين فلا كلام في السجود. والتأويلان مذكوران في شراح المدونة ولهم فيها كلام طويل فيما إذا تذكر ذلك قبل السجود هل يعيد الذكرين أم لا. ولا يأتي التأويلان فيمن أبدل موضع سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد مرة واحدة لانتفاء العلة. قال في التوضيح: وهي الزيادة والنقص. وفي النوادر عن الواضحة: وإن قال موضع سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فلا سجود عليه انتهى. ومن البرزلي من مسائل الصلاة: من نسي التكبير في صلاته شهرا أعادها كلها. قلت: على المشهور أنه سنن ومن يقول كله سنة فلا يعيد. ومن نسي سمع الله لمن حمده في صلاته شهرا وهو مسافر فإنه يعيد المغرب ثلاثين مرة. قلت: يجري على ما مر. ولو نسي ذلك في الحضر فلو كان يضيف لها ربنا ولك الحمد فلا إعادة عليه وإلا أعاد ما سوى الصبح سائر الشهر. قلت: كذا كان شيخنا الامام يفتي أن ربنا ولك الحمد تنوب عن التسميع لكونه ذكرا شرع في المحل بخلاف إبدال التكبيرة عنها كما قال في المدونة: لان التحميد يشارك التسميع في الطلب مع إتحاد المحل فالحقيقة قريبة بعضها من بعض. ولو نسي تحميدتين أو تكبيرتين شهرا صحت صلاته لانها مقام سنة انتهى. وقال ابن ناجي في شرحه الكبير على التهذيب في قوله ولا تجزئ عن الاحرام إلا الله أكبر ولا عن السلام إلا السلام عليكم. واتفق المذهب على أنه إذا قال الله الاكبر أنه لا يجزئه مع أنه مجانس، وأخرى إذا قال غيره كقوله الله السميع. ويقوم منه أن من أبدل سمع الله لمن حمده بربنا ولك الحمد في ثلاث ركعات فأكثر أن صلاته باطلة ولا اعتبار بالمجانسة، وبه كان يفتي شيخنا أبو محمد الشبيبي إلى أن مات رحمه الله تعالى. ويوجه فتواه بأن المستحب لا يقوم مقام السنة لضعفه. وكان بعض شيوخنا يفتي بالصحة، واحتاج بأن المحل


[ 306 ]

لم يخل عن ذكر مجانس. وقال ابن بشير: كل سنة في الوضوء لم يعر موضعها عن فعل فإنها إذا تركت لا تعاد كمن ترك غسل يديه قبل إدخالهما في الاناء والاستئثار ورد مسح الرأس. قلت: والصواب الاول. وما وقع الاستدلال به من نقل ابن بشير لا ينهض وذلك لقوة الفرض في غسل الذراعين ومسح الرأس وخفة الاستئنثار إذا اختلف فيه هل هو تابع للاستنشاق أو سنة مستقلة انتهى. وقوله إن صلاته باطلة يريد إذا لم يسجد للسهو. ص: (أو سترة سقطت) ش: أصل هذه المسألة في النوادر. روى علي عن مالك في المجموعة: إذا استتر الامام برمح فسقط فليقمه إن كان ذلك خفيفا وإن شغله فليدعه. ونقله سند في كتاب الصلاة الثاني في الكلام على السترة ثم قال بعده: وهذا إذا كان جالسا يمد يده فيقيم السترة فذلك يسير، فأما إن كان قائما ينحط لذلك فثقيل إلا أنه يغتفر مثله للضرورة كما قال يمشي في قضاء ما سبقه به الامام إلى ما يستتر به ولعل ذلك أخف من مدافعه المار بين يديه وهو بمثابة أن ينحط لاخذ حجر يرمي به العقرب انتهى. ص: (أو كمشي صفين لسترة أو فرجة أو دفع مار أو ذهاب دابة) ش: فإن بعد ذلك وكثر قطع الصلاة ابن رشد: هذا إذا كان في سعة من الوقت فأما إن كان في خناق من الوقت فإنه يتمادى وإن ذهبت دابته ما لم يكن في مفازة ومخافة على


[ 307 ]

نفسه إن ترك دابته. قاله في سماع موسى من كتاب الصلاة والله أعلم. ص: (وفتح على إمامه إن وقف) ش: ظاهره وإن كانت نافلة وهو كذ لك. قال ابن حبيب: إنه يفتح على إمامة في الفرض والنفل ولم يقيده، وظاهر كلامه أيضا إنه إن لم يقف بل خرج من سورة إلى سورة فإنه لا يفتح وهو كذلك قاله عبد الحق. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة. والفتح في الصلاة كالكلام اختلف إذا فتح على من ليس معه في الصلاة، أما في صلاة أخرى أو في غير صلاة وأما من كان معه في الصلاة فيجوز أن يفتح عليه ولكن إذا استطعم، وأما إذا لم يستطعم فهو مكروه انتهى. فجعله مكروها ومفهومه أنه لا تبطل صلاته وهو الذي يفهم من قول المصنف بعد هذا كفتح على من ليس معه في صلاة على الاصح فتأمله والله أعلم. وقال ابن عزم في شرح الرسالة: ولو أنه أسقط آية من أم القرآن أو أكثر من أم القرآن فقال ابن ناجي ها هنا: ينبغي أن يلقن وإن لم يقف. قلت: وهذا ينبغي أن تقيد به المدونة ولا ينبغي أن يختلف فيه، وحمله المغربي على الخلاف وهو بعيد، وكذلك ينبغي أن يقيد بما لم يخلط آية رحمة بآية عذاب وهو نص ابن حبيب انتهى. وقال ابن عزم في شرح الرسالة: وإذا تعايا الامام لم يفتح عليه حتى يتردد أو يستطعم إذ لعله في فكرة فيما يقرأ أو تلذذ فإذا تبين أنه ليس كذلك فهو مخير في ثلاثة أوجه: إما أن يخلط تلك الآية، أو يخرج عن السورة إلى سورة أخرى، أو يركع إذا قرأ شيئا له بال. وهذا في السورة وأما في أم القرآن فلا يجوز إلا إتمامها. وإن عوجل الامام بالتلقين قبل التردد والاستطعام كره، وجاز لجواز فتح من هو في صلاة على من هو معه فيها بالاتفاق لاستوائهما فيها انتهى. ص: (وسد فيه التثاؤب ونفث بثوب لحاجة كتنحنح) ش: قال في


[ 308 ]

أواخر الصلاة الاول من المدونة: وكان مالك إذا تثائب في غير الصلاة سد فاه بيده ونفث. أبو الحسن: بظاهر اليمنى وبالطنها فأما اليسرى فبظاهرها فقط. الشيخ: لانها تلاقي الانجاس بباطنها وقوله ونفث النفس بغير بصاق والتفل بالبصاق انتهى. وقال في الذخيرة في الكلام على الشرط الثامن قال صاحب الطراز: النفث ليس من أحكام التثاؤب بل ربما اجتمع في فم الانسان فينفثه ولو بلعه جاز وينبغي أن ينفثه إن كان صائما. وقال مالك في الواضحة: يسد بيده فاه في الصلاة حتى ينقطع تثاؤبه، فإن قرأ حال تثاؤبه فإن كان يفهم ما يقوله فمكروه ويجزئه، وإن لم يفهم فليعد ما قرأ، فإن لم يعد فإن كان في الفاتحة لم يجزه وإلا أجزأ انتهى. ونص سند في شرح قوله في كتاب الصلاة الاول من المدونة: ورأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يديه على فيه وينفث في غير صلاة ولا أدري ما فعله في الصلاة. أما النفث فليس من أحكام التثاؤب بل ربما يجتمع في فم الانسان ريق يكثر عند التثاؤب فينفثه ولو بايعه جاز ذلك وينبغي أن ينفثه إذا كان صائما، وأما إذا كان في الصلاة فإنه أيضا يسد فاه إن شاء بيده وإن شاء أطبق شفتيه انتهى. وقال الابي في باب النهي عن البصاق في القبلة في قوله في حديث البصاق: فإن لم يجد فليفعل هكذا وتفل في ثوبه. فيه دليل على جواز البصاق في الصلاة لمن احتاج إليه والنفخ اليسير إذا لم يصنعه عبثا إذ لا يسلم منه البصاق، وكذلك يجب أن يكون التنحنح والتنخم لمن احتاج إليهما وهو أحد قولي مالك أن ذلك لا يفسد الصلاة وبه قال الشافعي، ولمالك قول إنه تفسد به وبه قال أبو حنيفة ثم قال: وفي المدونة النفخ كالكلام. وروي على ليس كمثله. ونقل عن الشيخ ابن قداح أن النفخ الذي كالكلام ما نطق فيه بالفاء ثم قال: والقولان إنما هما في تنحنح غير المضطر انتهى. وقال ابن عرفة: ونقلهما عياض في الاكمال في المضطر وهو وهم انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في شرح قوله في كتاب الصلاة الاول: والنفخ في الصلاة كالكلام الشيخ: اختلف في مسائل منها: النفخ والتنحنح والتأوه


[ 309 ]

والانين والبصاق بصوت والاستفهام بالقرآن انتهى. وقال ابن العربي في العارضة في باب البزاق في المسجد: البزاق في المسجد ضرب من الاهانة ولكن جعل الله طرحه للعبد ضرورة في أي حال كان حتى في الصلاة، وهو كلام لانه كلام أما ب ف أو ت ف أو أع أو أخ أو أح أح ومسح فيه كذلك انتهى. ويأتي كلامه هذا في باب الجماعة عند قول المصنف وبصق به أن حصب بأتم من هذا والله أعلم. وقال الجزولي: ومن تنخم في صلاته عامدا أعادها لانه كلام وهو أخ، وإن كان ذلك لضرورة بلغم سقط من دماغه فلا شئ عليه. وقال البرزلي في مسائل ابن قداح في رجل بصق وهو في الصلاة. فإن أرسلها بصوت عامدا أو جاهلا بطلت صلاته وإن كان ساهيا، فإن كان إماما أو فذا سجد بعد السلام، وإن كان مأموما فالامام يحمل ذلك عنه انتهى. وقال البرزلي أيضا في مسائل الطهارة في آخر مسائل ابن قداح: مسألة التنحنح والتختم فيقول أح إن كان لضرورة فلا شئ عليه، ولغير ضرورة للتشميع اختلف هل تبطل أو لا والصواب أن لا تبطل. قلت: وكان شيخنا الامام يفتي بقول ابن عبد الحكملا ببطلانها إذا فعلت جهلا أو عمدا فسألته عن ذلك فقال: هو تغليظ على العامة لانهم يفعلونه في جامع الزيتونة كثيرا عند القنوت في الصبح للتسميع وبالله التوفيق انتهى. وقال في مسائل الافريقيين: مسألة: إذا تنحنح المصلي مخبرا عنه في بطلان صلاته قولان انتهى. وقال في مسائل الصلاة في أواخر وسطها: وسئل اللخمي عن التنحنح في الصلاة فأجاب كل ما انحدر من البلغم في الحلق فابتلعه الكلف فلا يفسد صوما ولا صلاة ولو قدر على طرحه إن لم يصل للهوات، ولو خرج لفمه فابتلعه ففيه اختلاف هل يعيد صومه وصلاته كالطعام أم لا إذ ليس بمنزلة الطعام، والمراد باللهوات خروجه من الفم إلى الحلق وهذا لا يحتاج إلى التنحنح، وإن فعل لامر عرض له يحتاج إليه فلا شئ عليه في صلاته. وإن تنحنح غير محتاج إليه فقيل تبطل صلاته. وقيل لا شئ عليه وبه آخذ إذ ليس هذا كلاما منهيا عنه انتهى. وانظر قوله من الفم إلى الحلق، وإلى هذا أشار بقوله. ص: (والمختار عدم الابطال به لغيرها) ش: أي لغير ضرورة. وقال الجزولي: واختلف في التنحنح في الصلاة لغير ضرورة هل تبطل به الصلاة أو يكره، فإن وقع ونزل أجزأته صلاته


[ 310 ]

قولان، وكذلك التأوح والتأوه والانين والبكاء بالصوت انتهى. ص: (وتسبيح رجل أو امرأة لضرورة ولا يصفقن) ش: قال في النوادر في ترجمة التسبيح للحاجة من كتاب الصلاة الثاني، ومن كتاب ابن سحنون: وإذا سها الامام فقال له من خلفه سبح فسبح قال: إنما القول سبحان الله وأرجو أن يكون هذا خفيفا. ومن الواضحة: ولا بأس أن يسبح للحاجة في الصلاة فإن جعل مكان ذلك لا حول ولا قوة إلا بالله أو هلل أو كبر فلا حرج، وإن قال سبحانه فقد أخطأ ولا يبلغ به الاعادة. قال ابن الماجشون: ولا بأس بالمصافحة في الصلاة انتهى. وهذا خلاف ما مشى عليه المصنف في قول وذكر قصد به التفهيم بمحله وإلا بطلت. والمسألة في سماع موسى. وقال في الذخيرة قال صاحب الطراز: لفظ التسبيح سبحان الله. قال ابن حبيب: فإن قال سبحانه فقد أخطأ ولا يصل إلى الاعادة، وإن قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أو كبر أو هلل فلا حرج انتهى كلام الذخيرة. وقال الابي في شرح خروجه (ص) لبني عمرو بن عوف قال الابهري: فإن صفقت المرأة لم تبطل صلاتها والمختار التسبيح انظر بقية كلامه. فرع: وعلى مقابل المشهور فقال ابن فرحون: وصفة التصفيق أن تضرب بظهر أصبعين من يمناها على كفها الشمال انتهى. ص: (وكلام لاصلاحها بعد سلام) ش: عد المؤلف رحمه الله تعالى هذه المسألة فيما لا يسجد له وكأنه يعني أنه لا يسجد لاجل الكلام، وأما السلام فإنه يسجد له والله أعلم. وأطلق رحمه الله تعالى هنا في الكلام لاصلاحها وقيده فيما يأتي بالقليل وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وقوله بعد سلام هذا بالنسبة إلى الامام في بعض الصور ويجوز له الكلام في مسألة الاستخلاف قبل سلامه، وأما المأموم فإنه يكلم الامام إذا خلف ولو لم يسلم. وقد نص اللخمي على أن الامام إذا قام إلى ركعة زائدة وسبح


[ 311 ]

به فلم يفقه فإنه يكلمه أحد المأمومين. ونقل ابن عرفة عن ابن حبيب أن المأموم إذا رأى في ثوب إمامة نجاسة يدنو منه ويخبره كلاما والله أعلم. وقوله بعد سلام يعني إذا سلم وأما لو سلم غير معتقد لتمام فسدت صلاته. وظاهر كلام المصنف أنه يجوز الكلام والسؤال بعد سلامه على يقين سواء حدث له شك بعد السلام أم لم يحدث له، وهذا هو الذي اقتصر عليه صاحب البيان في رسم أن امكثى من سماع عيسى، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب، وهو خلاف ما نقل في التوضيح عن اللخمي والمشاور من أنهما قالا: المشهور المعروف أنه إذا شك بعد سلامه فلا يسأل بل يبني على يقنيه فتأمله والله أعلم. ص: (ورجع إمام فقط لعدلين إن لم يتيقن إلا لكثرتهم جدا) ش: قال ابن الحاجب: وإذا تيقن الامام إتمام صلاته وشك المأمومون في ذلك أو تيقنوا خلافه بنى كل واحد منهم على يقين نفسه ولا يرجع إلى يقين


[ 312 ]

غيره. وقد قيل: إذا كثر الجمع رجع الامام إلى ماع ليه المأمومين انتهى. وما ذكره أنه إذا تيقن لا يرجع إلا إذا كان المأموم كثيرا هو قول محمد بن مسلمة عزاه اللخمي له واستحسنه ونصه: واختلف إذا بقي على يقينه هل يتم لهم أو ينصف. فذكر ابن القصار عن مالك في ذلك قولين. وقال محمد بن مسلمة: إن كثر من خمفه صدقهم وأتم بهم، وإن كان الاثنان والثلاثة لم يصدقهم وانصرف وأتمواهم. وهذا أحسنها لان الغالب في العدد الكثير أن السهو مع الامام انتهى. وقال الرجراجي: إن الاصح المشهور أنه لا يرجع عن يقينه إليهم ولو كثروا إلا أن يخالجه ريب فيجب عليه الرجوع إلى يقين القوم والقول الثاني أنه يرجع إلى يقين القوم إذا كان عددا كثيرا وحكاه ابن الجلاب انتهى والله أعلم. وفهم من قوله فقط أن غير الامام لا يرجع إلى أحد وهو شامل لما إذا شك الامام ومن خلفه في الصلاة فأخبرهم عدلان ويكون كلامه ماشيا على مذهب المدونة، وكذا عزاه ابن عرفة لها ونصه، وفي رجوع الشاك لعدلين ليسوا في صلاته وبنائه على حكم نقلا اللخمي عن المذهب مع ابن الحاجب عن أشهب والعتبي عن ابن القاسم معها انتهى. والذي تقلد العتبي عن ابن القاسم هو في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وقرره ابن رشد وقال: هو مثل ما في المدونة. ثم نقل مقابله عن أشهب وصرح ابن بشير في تنبيهه بأنه المشهور ونصه: وإن كان المخبر ليس معه في صلاة فإن أيقن ببطلان ما قاله لم يرجع إليه، وإن شك أو أيقن بصحة ما قاله رجع إلى يقينه إلى خبر المخبر. وهل يرجع إلى خبر المخبر فيكون من باب الشهادة وذلك إذا لم يتصور له يقين ولا شك في المذهب قولان، المشهور أنه لا يرجع إليه لانه ليس معه في صلاة وإنما يرجع إلى من معه في صلاة لانهم في حكم المصلي الواحد والشاذ أنه يرجع إليه لانه من باب الشهادة انتهى. وقال ابن رشد في شرح مسألة العتبية: لما كان وجه قول ابن القاسم وكذلك لو شك هل صلى فأخبرته زوجته وهي ثقة، أو رجل عدل أنه قد صلى أنه لا يرجع إلى قول واحد منهما إلا آن يكون يعتريه كثيرا. وروى ذلك ابن نافع عن مالك في المجموعة انتهى. ونقل ابن عرفة رواية المجموعة هذه ونصه الشيخ عن ابن نافع: لا يقبل شاك خبر ثقة أنه صلى والموسوس أرجو قبوله انتهى. فيحمل كلام المؤلف على هذا القول بل هو صريحه، وإن كان خلاف ما يعطيه كلامه في التوضيح من أنه اعتمد


[ 313 ]

طريقة اللخمي فتأمله والله أعلم. ص: (وترويج رجليه) ش: تقدم الكلام على ذلك مستوفي في مكروهات الصلاة فراجعه. تنبيهان: الاول: قال في النوادر في باب ما استحق من العمل في الصلاة ناقلا عن العتبية: وكره الترويح من الحرفي المكتوبة وخففه في النافلة انتهى. ونقله ابن عرفة في فصل السهو فقال: روى الشيخ: يكره ترويحه في فرض لا نفل انتهى. والمسألة في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القسم من كتاب الصلاة ونصها: وسئل مالك عن التروح في الصلاة من الحر فقال: الصواب أن لا يفعل. قال ابن القاسم: يريد في المكتوبة ولا بأس به في النافلة إذا غلبه الحر. وقال ابن رشد: الاشتغال بالتروح في الصلاة ترك للخشوع فيها ومجاهدة النفس على الصبر على شدة الحر، والتروح ربما أدى إلى ترك الاقبال على الصلاة فرأى مالك ترك التروح والصبر على شدة الحر ومجاهدة النفس على ذلك في الصلاة أصوب من التروح فيها لقول الله عزوجل * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) * واستخف ابن القاسم ذلك في النافلة إذ ليست بواجبة انتهى. وقال في اللباب: من المكروهات التروح بكمه أو بغير ذلك انتهى. ثم قال في النوادر في آخر الترجمة الاولى عن الواضحة: ويكره الترويح بمروحة أو بكمه أو غير ذلك في فرض أو نفل أو يلقي الرداء عن منكبيه في الحر. وقال مالك في المختصر: لا بأس أن يلقي الرداء عن منكبيه للحر إذا كان جالسا في النافلة ولا يفعل ذلك في قيامه. وقال قبله عن الواضحة: ولا بأس أن يمسح العرق انتهى. فتحصل من هذا أن التروح في الفريضة مكروه، وسواء كان بكم أو مروحة، وأما في النافلة فخففه ابن القاسم في العتبية وكرهه في الواضحة. وظاهر كلام الشيخ ابن أبي زيدان كلام ابن القاسم تفسير لقول مالك في العتبية، وعلى ذلك اقتصر في الطراز في آخر كتاج الصلاة الاول، وظاهر كلام ابن رشد أن كلام ابن القاسم خلاف لقول مالك. الثاني: الاتيان إلى المسجد بالمراوح والتروح بها فيه مكروه، نص عليه في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي أواخر رسم من سماع أشهب من كتاب الصلاة، وذكره في الطراز في أواخر كتاب الصلاة الاول، وذكره في النوادر في أواخر كتاب الصلاة. ص: (وقتل عقرب تريده) ش: قال في الشامل: وله قتل كعقرب تريده وإلا كره. وظاهر كلامه وكلام المصنف أن قتلها إذا أرادته جائز وهو واجب. قال ابن عرفة ابن رشد: إن وجب فعله لقتل حية أرادته لم يسجد له وإن كره كقتلها ولم تؤذه في سجوده قولان انتهى. وانظر سماع موسى بن


[ 314 ]

معاوية وفي العارضة إن كانت دانية منه وتمكن منها بعمل يسير قتلها، وإن خاف منها وكانت بعيدة وعمل كثيرا قتلها واستأنف الصلاة. وقوله وقتل عقرب وأحرى بالحية فإن لم تريداه كان مكروها. ونقله في التوضيح عن المقدمات وتقدم في الشامل: ويتمادى في صلاته في الصورتين إلا أن يكون شغل كثير وأما ما سوى الحية والعقرب من طير أو صيد أو ذرة أو حدأة أو نحلة أو بعوضة فلا خلاف أن قتل شئ منها في الصلاة مكروه ولا ينبغي، فإن فعل لم تبطل الصلاة إلا بما فيه شغل كثير. وقال في الرواية. إن أخذ القوس ورمي به الصيد أو تناول الحجر من الارض فرمى به الطير لم تفسد صلاته إذا لم يطل ذلك، يريد إذا كان جالسا والحر والقوس إلى جانبه فتناولهما ورمى بهما، وأما لو كان قائما فتناول الحجر والقوس من الارض ورمى به لكان مبطلا. انتهى بالمعنى من سماع موسى من كتاب الصلاة. قلت: ومثله ومن كان بيده منكاب فقلبه في الصلاة، فإن كان في جلوسه والمنكاب قريب لم تبطل صلاته وكره له ذلك، وإن كان قائما فطأطأ وتناوله وقلبه فالظاهر بطلان صلاته. وقال البرزلي في مسائل ابن قداح: وإذا خاف على السراج فلا بأس أن يصلحه وهو في الصلاة انتهى. وانظر الشيخ أبا الحسن في الصلاة الاول. ص: (وإشارة لسلام أو حاجة) ش: تصوره واضح. وقيل: يكره ذلك. وفصل ابن الماجشون فقال: تكره الاشارة لحاجة لا لرد السلام. قال سند: والمذهب أظهر ولا فرق في الاشارة بين الجواب وبين الابتداء انتهى. وفي سماع عبد الملك قال ابن وهب: ولا بأس أن يشير الرجل بلا ونعم في الصلاة. قال القاضي: هذا مثل ما في المدونة، والاصل في ذلك ما ورد أن رسول الله (ص) خرج إلى قباء فسمعت الانصار به فجاؤا يسلمون عليه وهو يصلي فرد عليهم إشارة بيده فكان مالك لا يرى بأسا أن يرد الرجل إلى الرجل جوابا بالاشارة في الصلاة وأن يرد إشارة على من سلم عليه ولم يكره شيئا من ذلك. وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلي وأن يرد المصلي على من سلم عليه إشارة برأس أو بيد أو بشئ. والحجة لهذه الرواية أن ابن مسعود سلم على النبي (ص) وهو يصلي فلم يرد عليه. والاظهر من القولين عند تعارض الاثرين وجوب رد السلام إشارة لقول الله عزوجل * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما إشارة الرجل إلى الرجل في الصلاة ببعض حوائجه فالاولى والاحسن أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بذلك إلا أن يكون تكر ذلك سببا


[ 315 ]

لتمادي اشتغال باله في صلاته فيكون فعله كذلك أولى انتهى. ويقدم كلام القرطبي في ورقة قبل فصل الاذان والله أعلم. فائدة: قال ابن العربي: نزلت نازلة ببغداد في أبكم أشار في صلاته فقال بعض شيوخنا: بطلت صلاته لان إشارة الا بفم ككلامه. وقال بعضهم: لا تبطل لان الاشارة في الصلاة جائزة انتهى. وانظر كلام ابن العربي في العارضة ونقل الخلاف فيها الجزولي الكبير والشيخ يوسف بن عمر، وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وفي إلحاق إشارة الاخرس بالكلام ثالثها إن قصد الكلام حكاها صاحب المختار الجامع بين المنتقي والاستذكار انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة لما أن تكلم عن اللعان. تنبيهات: الاول: تقدم في كلام سند أنه لا فرق في الاشارة بين الجواب وبين الابتداء. الثاني: لو رد بالصريح ففي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة سلم عليه رجل في الصلاة فرد عليه قولا عليكم السلام وهو مأموم إن كان عمدا أو جهلا أتى بركعة بعد سلام الامام وسجد بعد السلام وسهوا يحمله عنه إمامه. قلت: في الجزء الاول نظر في صحة الصلاة في الاتيان بركعة والسجود بعد السلام والصواب إبطالها مطلقا في الجهل والعمد انتهى. الثالث: لا فرق في الاشارة بين أن تكون بالرأس أو باليد. قال في المدونة: ولا يكره السلام على المصلي في فرض أو نافلة وليرد مشيرا بيده أو برأسه. الرابع: فهم من قول المدونة وليرد أن الرد واجب كما تقدم في كلام ابن رشد والله أعلم. الخامس: قال في النوادر قال ابن الماجشون: ولا بأس بالمصافحة في الصلاة انتهى. ونقله في التوضيح وتقدم كلام النوادر هذا عند قول المؤلف وتسبيح رجل وامرأة. ص: (لا على مشمت) ش: قال في كتاب الصلاة الثاني من المدون: ولا يرد على مشمته. قال في حاشيتة المشذالي عن الوانوغي في تصوره على المشهور عسر: لان التشميت فرع سماع الحمد والفرض أنه لا يحمد فكيف يرد ؟ قلت: يمكن فرض إذا عطس وحمد جهرا قبل الاحرام ثم أحرم فشمته فصدق حينئذ أنه لا يرد انتهى. تنبيه: قال البرزلي في مسائل الصلاة في أسئلة لبعض العصريين مسألة إذا قال العاطس وهو في الصلاة الحمد لله فقال له مصل آخر رحمك الله فلا شئ عليهما لانه ذكر. وفي المدونة: لا يحمد الله فإن فعل ففي نفسه. وحكى ابن العربي في ذلك خلافا انتهى. وقال


[ 316 ]

القرطبي في شرح مسلم: وأما تشميت العاطس فهو كلام مع مخاطب يفسد الصلاة، وأما تحميده هو في نفسه فروى عن ابن عمر والشعبي أنه يحمد الله ويجهر. ومذهب مالك يحمد ولكن سرا في نفسه انتهى. وهو ظاهر كلام الطراز في باب القنوت ونصه في الاحتجاج لابي حنيفة: لا يدعو إلا بما في القرآن ألا ترى أنه لو شمت العاطس أو رد السلام تبطل صلاته وهو دعاء إلا أنه لما خاطب آدميا صار من الكلام المشتبه بكلام الناس، وكما لو أنشد شعرا ليس فيه إلا الثناء والدعاء انتهى. وقال في العارضة: في حديث تشميت العاطس فوائد منها: أنه منعه من التشميت وجعله كلاما، وإنما لم يأمره بالاعادة لانه تأول قبل بيان الشرع ومن فعله الآن بطلت صلاته انتهى. ص: (وبكاء تخشع وإلا فكالكلام) ش: قال سند في الاحتجاج على أن النفخ في الصلاة يبطلها: وقد اتفق الناس في البكاء للمصيبة وللوجع إذا كان بصوت أنه يقطع الصلاة ثم قال: أم حركة الشفتين فلا تبطل، ولهذا لو حرك الانسان شدقيه وشفتيه من غير كلام لا شئ عليه، ولو شهق ونعق من غير حركة شفتيه ولسانه بطلت صلاته. وقال: وقد أجمعت الامة على حن ذلك يعني النفخ لا ينبغي أن يفعل، وإنما اختلف الناس هل هو محرم أو مكروه. وقال قبله في الاحتجاج على عدم البطلان به ولانه أشبه شئ من التنفس والتأفيف عند البصاق والنفخ من الانف عند الامتخاط فيعتبر به انتهى. فيفهم منه أن النفخ لا يبطل الصلاة إذا كان من الانف ولان من قال بالبطلان فيه فإنما قاله لوجود الحروف فيه وإذا كان من الانف فلا حروف فيه. فرع: قال الابي في شرح مسلم في حديث عائشة: قولها إن أبا بكر متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء: إنه لا ينبغي للامام أن يكثر من ذلك لانه يشوش على المصلين. ص: (ولا لتبسم) ش: قال الجزوبي في شرح الرسالة: التبسم هو أول الضحك وانشراح الوجه وإظهار الفرح انتهى. وقال الاقفهسي في شرحها: الضحك على وجهين: بغير صوت وهو التبسم، وبصوت وهوو المراد بقول الرسالة. ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء انتهى كلامه والله أعلم. وقال في النوادر قال أصبغ: لا شئ عليه في التبسم إلا الفاحش منه شبيه بالضحك فأحب إلي أن يعيد في عمده ويسجد في سهوه انتهى. وقال في الطراز: فإن


[ 317 ]

أشكل عليه تبسمه قال أصبغ إلى آخر ما تقدم عنه في كلام النوادر ثم قال: وهذا مذهب أصبغ في الضحك وعلى مذهب الكتاب يعمل بالاحوط متى أشكل انتهى. ص: (وتعمد بلع ما بين أسنانه) ش: ابن ناجي: وظاهره يعني كلام المدونة أنه لو رفع الحبة من الارض وابتلعها فإنه يقطع والصواب لا شئ عليه ليسار ذلك، ولعله إنما ذكر بين أسنانه لانه الاعم الاغلب انتهى. ومن البرزلي في مسائل ابن قداح: من ابتلع نخامة في الصلاة وهو قادر على طرحها بطلت صلاته وصومه إن كان صائما انتهى. وتقدم في الكلام على التنحنح عن اللخمي أن في ذلك قولين فراجعه. ص: (وذكر قصد التفهيم به بمحله وإلا بطلت) ش: قال ابن عرفة لما تكلم على الكلام في الصلاة ابن رشد: في إبطالها برفع صوت ذكر أو


[ 318 ]

قرآن لانباء غيره قولا ابن القاسم وأشهب بخلاف رفع صوت التكبير في الجوامع لانه لاصلاحها. قلت: لابن حارث عن حماس بن مروان رفعهم مبطل ورده لقمام بعد إنكاره علماء الامصار بمكة انتهى. ولم يذكره في صلاة المسمع ورفع صوت المبلغ بمكة موجود إلى الآن يرفعه رفعا بليغا، وانظر المسألة في سماع موسى. ص: (وبطلت بقهقهة) ش: قال في الرسالة: ومن ضحك في الصلاة أعادها. ابن ناجي: ظاهر كلامه وإن كان ضحكه سهوا وهو كذلك خلافا فالاشهب وسحنون وأصبغ وابن المواز أنه لا يضره قياسا على الكلام، وكل من لقيته لا يرتضي هذا القول للزوم الضحك عمدا، الوقار: مطلقا. وظاهر كلامه وإن كان ضحكه سرورا بما أعد الله للمؤمنين كما إذا قرأ آية فيها صفة أهل الجنة، وبه أفتى غير واحد من لفيته من القرويين والتونسيين. وقال صاحب الحلل: لا أثر له كالبكاء من عقاب الله تعالى. قال التادلي: ولم أره لغيره وهو الصواب عندي لانهم لم يقصد اللعاب والهزل به هو مأجور في ذلك كالبكاء. انتهى كلامه بلفظه. وقال البرزلي بعد ذكره: ما ذكر شارح الرسالة عن صاحب الحلل قلت: وفيه نظر وظاهر المذهب أن الضحك مناف مطلقا اتهى. وقال في كتاب الصلاة الاول ومن المدونة في ترجمة الاشارة والتصفيق: وإن قهقه المصلي وحده قطع. ابن


[ 319 ]

ناجي: زاد في الام: ويعيد الاقامة. وظاهره وإن كان ناسيا وهو كذلك على المشهور. وقيل: يصح ويسجد بعد السلام كالكلام واتفق على إبطالها في العمد. ص: (وتمادى المأموم أن لم يقدر على الترك) ش: إعلم أن المسألة على ثلاثة أقسام لانه إما أن يضحك عامدا مع القدرة على الامساك أو مغلوبا أو ندسيا. فالاول يقطع ولا يتمادى فذا كان أو إماما أو مأموما، والثاني إن كان فذا قطع وإن كان مأموما تمادى وأعاد. واختلف في الامام فقيل: يستخلف ويتم الصلاة معهم مأموما ثم يعيد. وقيل: ويعيدون هم أيضا. وقيل: يستخلف و يقطع هو ويدخل معهم.


[ 320 ]

وأما الناس فجعليه في الموازية كالمغلوب. ص: (وسجوده لفضيلة أو تكبيرة) ش: وكذلك لو سجد لسنة مؤكدة ولكنها منفصلة كالاقامة فإنه يعيد الصلاة. قاله الهواري. وشمل كلام المؤلف القنوت. وقد ذكر ابن رشد في سماع أصبغ من كتاب الصلاة خلافا فيمن سجد للقنوت وصدر خلافا فيمن سجد للقنوت وصدر بأنه لا تبطل صلاته انتهى فانظره. وقال الفاكهاني: لو سجد لترك تكبيرة أو تحميدة لم نعلم من يقول ببطلان صلاته انتهى. فانظر ذلك. وقال في الكافي: وأما زينة الصلاة وفضيلتها فرفع اليدين والتسبيح في الركوع والسجود وقوله آمين والقنوت والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ولا سجود على أحد نسي شيئا من ذلك، ومن سجد في شئ من ذلك متأولا لم تفسد صلاته انتهى. ص: (وبتعمد كسجدة) ش: قال في الذخيرة في قواعد السهو قال صاحب الطراز: الزيادة التي يبطل الصلاة عمدها موجبة للسجود، وقولنا يبطل عمدها كالركعة والسجدة مثلا احترازا من التطويل في القراءة والركوع والسجود لقوله عليه الصلاة والسلام إذا شك أحدكم في صلاته الحديث انتهى. ص:


[ 321 ]

(أو نفخ) ش: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب الصلاة الاول من شرح المدونة في شرح قوله: والنفخ في الصلاة كالكلام. قال ابن الماجشون في الواضحة: إن النفخ والتنحنح والجشاء كالكلام. وقال ابن القاسم وأصبغ ذكره عبد الحق في كتابه صح من حاشية يشكر انتهى. وقال في النوادر من الواضحة عن ابن الماجشون: ومن نفخ في موضع سجوده أو عند الجشاء فهو كالكلام. قاله مالك: فإن كان سهوا سجد ولا يسجد المأموم إن نابه ذلك، وإن كان عمدا أو جهلا قطع وابتدأ إن كان إماما، وإن كان مأموما تمادى وأعاد انتهى. ونقله في الطراز في شرح المسألة المتقدمة ثم قال: واحتج من يقول إن النفخ لا يبطل الصلاة بحديث ابن عمر أنه (ص) في صلاة الخسوف نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف. خرجه أبو داود. ولان النفخ الذي لا حرف له أشبه شئ التنفس والتأفيف عند البصاق والنفخ من الانف في الامتخاط فلا يعتبر به. وماله حرف مثل أف فالهمزة لا عبرة بها لانها من الزوائد والحرف الواحد لا يكون كلاما. ومن قال تبطل تعلق بأن قول مالك أف كلام وأنه إن لم يكن النفخ كلاما حقيقة فهو من بابه وأشباهه، وقد اتفق الناس في البكاء للمصيبة وللوجع إذا كان بصوت أنه يبطل الصلاة وكذلك الضحك وليسا بكلام حقيقة ولكنهما شبيهان بالكلام، لان ذلك صوت خرج من مخارج الكلام، وكذلك الانين يقطع الصلاة لهذا المعنى فكذهك النفخ المسموع انتهى. ص: (أو كلام وإن بكره) ش: ذكره في التوضيح عن ابن شاس ثم قال: قال ابن هارون: وانظر الفرق بينه وبين الناسي. وذكر ابن ناجي في شرح المدونة كلام ابن شاس وابن هارون ثم قال: قلت: الناسي أعذر لانه لا شعور له بخلاف المكره فإنه ذاكر كما قيل فيمن صلى بالنجاسة إن كان ناسيا أعاد للاصفرار، وإن كان مضطرا أعاد للغروب والله


[ 322 ]

أعلم. ص: (ووجب لانقاذ أعمى) ش: تصوره واضح. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والكلام لامر واجب كإنقاذ أعمى مبطل ويبتدئ على المشهور. اللخمي: إن اتسع الوقت وإلا اغتفر كالمقاتلة فيها انتهى. ونص كلام اللخمي إلا أن يكون في خناق من الوقت فلا تبطل ويكون كالمسايف في الحرب، لان هذا تكلم لاحياء نفس انتهى. فرع: قال اللخمي: فإن خاف تلف مال له أو لغيره وكان كثيرا تكلم واستأنف، وإن كان يسيرا لم يتكلم، وإن فعل أبطل على نفسه انتهى. فرع: قال في النوادر في ترجمة لتسبيح للحاجة من كتاب الصلاة الثاني عن الواضحة: ومن أتاه أبوه ليكلمه وهو في نافلة فليخفف ويسلم ويكلمه. وروي نحوه للنبي (ص)، وكذا إذا نادته أمه فليبتدرها بالتسبيح ويحفف ويسلم انتهى. وظاهره أنه لا يجوز له القطع وهو الظاهر لانه وإن كانت إجابة أبيه وأمه واجبة فإتمام النافلة أيضا واجب. ويمكن الجمع بينهما بالمبادرة بالتسبيح ورفع الصوت به وتخفيف ما هو فيه إلا أن لا يمكن ذلك البتة فيتعارض حينئذ واجبان يقدم أوكدهما، ولا شك أن إجابة الوالدين أوكد لوجوبه بالاجماع وللخلاف في وجوب إتمام النافلة. قال القرطبي في شرح حديث جريح: قوله يا رب أمي وصلاتي يدل على أنه كان عابدا ولم يكن عالما إذا بأدنى فكرة يدرك أن صلاته كانت ندبا، وإجابة أمه كانت واجبة، فلا تعارض يوجب جشكالا، فكان يجب عليه تخفيف صلاته أو قطعها وإجابة أمه لا سيما وقد تكرر مجيئها انتهى. والظاهر أن قوله أو قطعها ليست أو فيه للتخيير بل للتنويع كما تقدم فتأمله والله أعلم. وقال القاضي عياض: دليل قوله أمي وصلاتي ظاهره تعارض فرضين وقد كان يقدر على تخفيف ذلك وإجابتها لو لم يكن إلا كلامها لكنه لعله خشي أن تدعوه إلى النزول عن صومعته وكونه معها، أو خشي أن مفاتحتها بالكلام يقطع عزمه ويضعف عقده، ولعل شرعه كان يوافق ذلك أو يخالفه. ولا شك عندنا أن بر أمه فرض، والعزلة والصلاة النافلة طول ليله ونهاره ليست بتمرض، والفرض مقدم ولعله غلط في إيثار صلاته وعزلته فلذلك أجاب الله دعوتها انتهى. وانظر الفرق الثالث والعشرين. فرع: وفي المسائل الملقوطة: ومن نادته أمه وزوجته فالزوجة مقدمة لحقها لانه بعوض.


[ 323 ]

ص: (إلا لاصلاحها فبكثيره) ش: ش غير المؤلف رحمه الله يطلق القول بأن الكلام لاصلاحها لا يبطل والمؤلف قيده بغير الكثير. وقال شارحه: إنه اعتمد على كلام الجواهر كلام الجواهر ليس فيه أن كثرة الكلام لاصلاح الصلاة مبطل بل قال ما نصه: الاول من الفروع أنه يبني إن كان قريبا، فإن طال الامر وكثر الفعل ووقع اللغط بينهم والمراء وترددت المراجعة بينهم بعضهم مع بعض بطلت الصلاة واستأنفها. وقيل: لا تبطل بل يبنى وإن طال انتهى فتأمله. فليس في كلامه ما يدل على ما قال المؤلف بل مراده بهذا الفرع ما يقوله المؤلف بعد هذا وهو قوله وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد إلى آخره. فهذا هو مراده والله أعلم فتأمل وأنصف والله الموفق. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: إذا قلنا إن الكلام لاصلاحها لا يبطلها فلا بد من تقييده بأمرين: أحدهما تعذر التسبيح، والثاني عدم إطالة الكلام وكثرته. وقد قال ابن حبيب: إن طال التراجع بين الامام والمأمومين بحيث يؤدي إلى المراء بطلت انتهى. وقد صرح ابن الحاجب بأن الكلام إذا كان سهوا يبطل الصلاة إذا كثر والله أعلم. ص: (وبسلام) ش: تصوره واضح. فرع: قال البرزلي في مسائل الصلاة: من سلم من اثنتين وقال السلام ولم يزد ثم ذكر فراجع الصلاة وسجد بعد السلام وكان شيخنا الامام ابن عرفة يفتي بأنه يرجع بإحرام. وسمعنا في المذاكرات أنه لا سجود ولا إحرام عليه لان السلام اسم من أسماء الله تعالى. وعن الباجي: أو وقع سهوا لم يقصد به الخروج من الصلاة فلا إحرام عليه كالكلام. ويتحصل فيه ثلاثة أقوال: يحرم مطلقا عكسه والفرق بين القرب جدا فما فوقه انتهى. ومنه نقل هذا الكلام في مسائل وقعت في بعض فتاوى الافريقيين مسألة من شرع في السلام بعد سلام الامام فكبر الامام تكبير العيد بعد السلام فترك بقية السلام حتى كبر مع الامام الثلاث تكبيرات ثم سلم بعد الصلاة أعاد أبدا. قلت: يريد لانه تكلم بلفظ السلام جاهلا قبل تمام الصلاة فبطلت من هذه الجهة، ولو كبر معه قبل أن يلفظ بشئ من سلامه لاجزأه لانه زيادة ولكن يكره من باب تأخير السلام عقب سلام الامام كما قال ابن عبد الحكم: إذا اشتغل بالتشهد بعد سلام الامام فإنه يكره وتصح صلاته انتهى. ص: (كمسلم شك في الاتمام ثم ظهر الكمال على الاظهر) ش: ومن


[ 324 ]

مسائل وقعت في فتاوى بعض الافريقيين من مسائل الصلاة من البرزلي مسألة من سلم على شك في صلاته ثم تبين إكمالهما بطلت على المشهور. قلت: النص فيها الصحة كمن اعتقد امرأة أنها في عدتها فتزوجها ثم تبين خروجها من العدة صح النكاح وغر وسلم. واختار التونسي في الاولى البطلان لانه قصد بطلانها بسلامه. وفي المسائل المنسوبة لابن قداح: من شك أن في جسمه نجاسة فتمادى حتى سلم فظهرت السلامة فلا شئ عليه انتهى. ص: (وبسجود المسبوق مع الامام بعديا أو قبليا إن لم يلحق ركعة) ش: هذا بين ولا يسجد لذلك بعد القضاء. قاله في المدونة وانظر الطراز فإن فيه فروعا. ص: (وإلا سجد ولو ترك إمامه أو لم يدرك موجبه) ش: أي وإن لحق المسبوق مع الامام ركعة فإنه يسجد معه السجود القبلي إلى آخره. وظاهر كلامه ولو كان الامام ممن يرى السجود كله قبل السلام وهو كذلك. قال في الكافي: لو كان الامام ممن يرى السجود كله قبل السلام سجد معه ثم قضى ما عليه انتهى. وظاهر كلامه أيضا ولو كان المأموم لا يرى السجود فيما سجد له الامام وهو كذلك، كما لو سجد الشافعي للقنوع فإن المالكي يتبعه. قال ابن ناجي في شرح الرسالة في أول باب الصلاة على الجنائز فيما إذا كبر الامام خمسا فإنه ذكر قولين: الاول لابن القاسم أن المأموم يسلم. الثاني لابن الماجشون أنه ينتظره ولا يتبعه. قال: واعترض غيره الثاني بأنه يقول: إذا سجد الامام لسهو لا يرى المأموم فيه سجودا فإنه يتبعه فيه وإن كان خلاف مذهبه. وأجيب: بأن ترك السجود إظهارا للمخالفة الممنوعة بخلاف تركها في التكبير والاتفاق على أن الصلاة تجزئه مراعاة للخلاف القوي انتهى. وما ذكره عن ابن هارون رأيته في شرحه على المدونة. تنبيهات: الاول: ما تقدم من أن المسبوق إذا لحق مع الامام ركعة أنه يسجد معه السجود القبلي هو المشهور. وقال في التوضيح قال أشهب: إنما يسجد إذا قضى ما فاته، ورواه


[ 325 ]

ابن عبدوس عن ابن القاسمه. فإذا سجد معه على المشهور ثم سها بعده أي بعد إمامة فهل يغتني بالسجود الاول وهو قول ابن الماجشون، أو لا يغتني به وهو قول ابن القاسم وهو المشهور ؟ ابن عبد السلام: بناء على استصحاب حكم المأمومية أم لا ؟ قال: وينبغي أن يكون من ثمرة هذا الخلاف وجوب القراءة فيما يأتي به بعد سلام الامام وسقوطها. خليل: وفيه نظر، لان حكم المأموم بعد مفارقة الامام حكم المنفرد بدليل أن الامام لو لم يسه ثم سها المأموم لسجد اتفاقا. وعلى هذا ففي البناء الذي ذكره نظر، ولكن يقال: لم ير ابن القاسم الاكتفاء بالسجود لانه جابر فلا ينوب عن سهو لم يتقدمه. وروى ابن الماجشون الاكتفاء لان من سنة الصلاة أن لا يتكرر فيها السجود انتهى. وربما يؤخذ هذا الفرع من قول المؤلف ولا سهو على مؤتم حالة القدوة والله أعلم. وفهم من هذا الكلام وجوب القراءة على المسبوق فيما يأتي به وأن حكمه حكم المنفرد. قال في الصلاة الثاني منها: وينحاز الذي يقضي بعد سلام الامام إلى ما قرب من السواري بين يديه أو عن يمينه أو عن شماله أو خلفه ويقهقر قليلا، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه. قال ابن ناجي عن المغربي: يقوم منها أن المدرك حكمه حكم الفذ فإنه يخرج عن الامام بنفس سلامه وأما سلامه فكسلام الفذ وفيه خلاف. قلت: ما ذكره صحيح فيجب عليه قراءة الفاتحة انتهى، وحكمه في القنوت تقدم. وقال الجزولي: واختلف فيما إذا أدرك الركعة الاخيرة من الصبح هل يقنت في ركعة القضاء أم لا ؟ قولان: انظر ما مذهب أبي محمد. فإن قلنا من القراءة يحتاج أن لا يقنت إلا أن المشهور يقنت انتهى. فانظره مع ما تقدم فيه وأيضا انظر سلامه كسلام الفذ أو كسلام المأموم. الشيخ: كسلام المأموم وسمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد حكمه حكم الفذ لانه يدعو ويؤمن على دعائه انتهى. ونقل الاخير الشيخ زروق في شرح الرسالة، وانظر قول التوضيح المتقدم قال أشهب إلى آخره مع ما حكاه هو في باب الاستخلاف من الاتفاق على سجود المسبوق مع إمامه. الثاني: قوله ولو ترك إمامه أما إذا كان السجود بعديا فلا شك في تأخيره، وإن كان قبليا فقال البساطي: وعندي في دلالة كلامهم على أن المسبوق إذا تكرر الامام يسجد قبل قيامه نظر، ولكن ظاهر كلام المؤلف في المسألة الرابعة وهو أنه يؤخر البعدي أنه يسجد قبل قيامه انتهى. وقد بحثت عن هذه المسألة منذ ثلاث سنين فلم أجدها، ورأيت في شرح التلقين للمازري في تعليل سجود المسبوق مع الامام في القبلي وبعد صلاة المسبوق في البعدي، ونصه في تعليل السجود قبل السلام إذ لو لم يتابعه فيه لكان مخالفا عليه وهو يتابعه فيما لا يعتد به مثل ما إذا أدركه ساجدا فإنه يسجد معه وإن كان لا يعتد بالسجود. وقال في تعليل الآخر: وإن كان بعد السلام لم يسجد إلا بعد قضائه لان الامام لزوال الامامة بالتسليم انتهى. فهذا يقتضي تأخيره. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وانظر إذا كان على الامام سجود سهو قبل السلام


[ 326 ]

فسها عنه حتى سلم وقصد إلى أن يسجده بعده، فهل يسجده الذي حصلت له ركعة معه اعتبارا بأصله، أو لا يسجد اعتبارا بما آل إليه الامر ؟ لم أر في ذلك نصا عن المتقدمين. والذي ارتضاه بعض من لقيناه أنه إن كان هذا السجود مما تبطل الصلاة بتركه لو لم يسجد الامام فإنه يسجد معه وإلا فلا انتهى. وذكره في شرحه على المدونة وزاده، وذكرته في درس شيخنا أبي مهدي فاستحسنه وصوبه، واختار شيخنا حفظه الله تعالى أنه لا يسجد معه مطلقا لعموم قولها وإن كان بعديا فلا يسجد. وأجبته بأن ما فيها إنما هو في البعدي الاصلي، أما الطرئ فلا دليل عليه ألتبة انتهى. وشيخه هو البرزلي كما قرر في اصطلاحه فهذا يقوي ما ذكرناه. والذي يظهر تخريج المسألة على مسألة المسبوق المستخلف إذا كان على إمامه سجود سهو قبل السلام هل يسجد بعد أكمال لصلاة الامام أو بعد إكما لصلاته ؟ قولان والمشهور بعد صلاة إمامه فتأمله والله أعلم. الثالث: وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة مسبوق لم يسجد مع الامام القبلي حتى أتم صلاته سجد قبل السلام صلاته صحيحة. قلت: كان يتقدم لنا في المجالس بطلان صلاته لمخالفته للامام في الافعال، وهذا على مراعاة القول بأنه لا يتبعه لان ما أدركه أول صلاته. وحكاه ابن رشد. وعلى القول بأن من أدرك آخر صلاته يسجد معه وإلا أعاد أبدا انتهى من البرزلي. أيضا من مسائل الصلاة مسألة إمام عليه سجود سهو بعد السلام فسجده في محله وسجده المأمومون قبل سلامهم ثم سلموا فعن اللخمي تصح صلاتهم. قلت: بمنزلة من قدم البعدي، وأما لو أخر الامام القبلي وسجده بعد السلام فكان شيخنا الامام رحمه الله تعالى يقول: إن المأمومين يسجدونه قبل السلام لا سيما إن اكن مما تبطل بتركه الصلاة فكأنه ركن من أركانه. وظاهر كلام غيره أنهم يتبعونه في السلام وفي السجود لانه يجزئه عن القبلي فأشبه ما لو كان قبله انتهى. ص: (وأخر البعدي) ش: مفهومه أن القبلي يسجده معه وهو كذلك كما تقدم، فلو سجد معه البعدي لا يخلو إما سهوا أو عمدا أو


[ 327 ]

جهلا. وقال ابن عرفة: وللزيادة بعد قضائه. ثم قال: فلو سجد لها معه سهوا أعاده، أو جهلا أو عمدا في كونه كذلك وبطلان صلاته سماع عيسى ابن القاسم وقوله انتهى وسماع عيسى المذكور هو في رسم حمل صبيا من سماعه من كتاب الصلاة لكن إنما ذكر في السماع صحة الصلاة وإعادة السجود في الجاهل ونصه: وسألته عن الذي يفوته بعض صلاته الامام وعلى الامام سهو الصلاة وإعادة السجود في الجاهل ونصه: وسألته عن الذي يفوته بعد صلاة الامام وعلى الامام سهو يسجد له بعد السلام فيجهل فيسجد معه ثم يقوم فيصلي ما فاته ليسجدهما بعد فراغه. قال: نعم هو أحب إلي أن يكونا عليه ويسجدهما متى ما علم. قال عيسى: أحب إلي أن يعيد أبدا جاهلا كان أو عامدا. ابن رشد: قوله يعيد أبدا كان جاهلا أو متعمدا هو القياس على أصل المذهب لانه أدخل في صلاته ما ليس منها متعمدا أو جاهلا فأفسد بذلك، وعذره ابن القاسم بالجهل فحكم له حكم النسيان مراعاة لقول من يوجب عليه السجود مع الامام وهو قول سفيان في المدونة انتهى. فاستفيد من كلام ابن رشد أن حكم السهو. إعادة السجود مع صحة الصلاة، وظاهر كلامه أن ابن القاسم إنما يقول بالصلاة في الجهل خلاف ما جزم به ابن عرفة، ولهذا لم يذكر صاحب التوضيح في العمد إلا بطلان الصلاة، وذكر القولين في الجهل ولم يذكر حكم السهو. وذكر ابن ناجي في شرح المدونة الخلاف في العمد والجهل كما في ابن عرفة وكأنه تبعه والله تعالى أعلم. وذكر عن شيخه الشبيبي أنه كان يفتي بعدم البطلان والله أعلم. وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة في مسبوق قام يقضي بعد سلام الامام ثم ذكر الامام سجودا عليه بعد السلام فرجع المأموم بعد اعتداله قائما للجلوس بطلت صلاته. وعن عيسى: إن رجع جاهلا صحت صلاته. قلت: وخرج عليها إذا تبعه في السجود البعدي قبل القضاء كما قال سفيان، وحكى القولين لابن القاسم، واختار من أدركنا صحة صلاته للخلاف فيها انتهى. فرع: وهل يقوم المسبوق للقضاء إثر سلام الامام، أو يقوم بعد فراغ الامام من سجود السهو، أو يخير في ذلك ؟ ثلاث روايات، واختار ابن القاسم في المدونة الاولى، قال في الصلاة الثاني: ومن عقد مع الامام ركعة فوجب على الامام سجود سهو، فإن كان قبل السلام سجد معه قبل القضاء ثم لا يعيده، وإن كان بعد السلام لا يسجد حتى يقضي. وقال سفيان: يسجد معه ثم يقضي. قال مالك: ولينهض المأموم وإذا سلم الامام من الصلاة أو من السجود. واستحب ابن القاسم قيامه بعد السلام من الصلاة فإذا أتم قضاءه سجد ما سجد إمامه سها الامام والمأموم معه أو لا ذلك سواء، وإن جلس المأموم حتى سجد الامام فلا يتشهد وليدع انتهى. عياض: لانه قد تشهد في جلوسه أولا، وجلوسه هذا إنما هو لانتظار الامام فهو يدعو فيه ويصل دعاءه بتشهده المتقدم كما لو أطال جلوسه في صلاته اختيارا، ولا وجه لاعادة التشهد لانه ليس بابتداء جلوس هذا أولى ما يقال فيه. ولو كان الامام سلم قبل تمام تشهده أو


[ 328 ]

غفلته عنه لتشهد الآن بكل حال انتهى، ابن ناجي: ولا شك على القول أنه يقوم أنه يقرأ أو لا يسكت انتهى. ونقله في التوضيح واختار ابن القاسم في سماع أصبغ قيامه إثر سجود الامام للسهو. وعنه أيضا قول بالتخيير. ابن ناجي: لم يحك ابن الجلاب غيره فتحصل لمالك ثلاث روايات. قال ابن القاسم بكل منها ص: (ولا سهو على مؤتم حال القدوة) ش: ولو نوى الامام أنه لا يحمل سهو المؤتم لم يضره. قاله المازري لما تكلم على المواضع التي يطلب فيها نية الامامة والله أعلم. مسألة: قال ابن عرفة: ولو سلم يعني المأموم وانصرف لظن سلام إمامه ثم رجع قبله حمله عنه إمامه ولو رجع بعده مسلم وأحببت سجوده بعد. ابن القاسم عن مالك: سجد قبل انتهى. ونقله في النوادر وفي رسم العشور ورسم يوصي أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى ما يقتضي الخلاف في ذلك. ونص ما في رسم العشور: قيل لاصبغ: ما تقول في إمام صلى بقوم فسها في صلاته سهوا يكون سجوده بعد السلام، فلما كان في التشهد الاخير سمع أحدهما شيئا فظن أنه قد سلم الامام فسلم ثم سجد سجدتين ثم سمع سلام الامام فسلم أيضا وسجد الامام فسجد معه ؟ قال: يعيد الصلاة إذا كان قد سلم قبل سلامه وسجد. ابن رشد: قوله يعيد الصلاة إذا كان قد سلم قبل سلامه وسجد صحيح على القول بأن السلام على طريق السهو يخرج المصلي عن صلاته فلما كان يخرج به عن صلاته أبطل سجوده الرجوع إليها وأوجب عليه استئنافها، وذلك مثل قوله في المدونة فيمن سلم من ركعتين ساهيا ثم أكل أو شرب ولم يطل: إنه يبتدئ ولا يبني. وأما على القول بأن السلام على طريق السهو لا يخرج المصلي عن صلاته فيجب أن يحمل الامام عنه السجود الذي سجد بعد أن سلم قبل أن يسلم الامام لانه في حكمه فيرجع إلى صلاته بغير تكبير ويسلم بعد سلامه ولا سجود عليه لان سهوه في داخل صلاة الامام، ويجب على هذا القول في مسألة المدونة


[ 329 ]

أنه يبني على صلاته ويسجد بعد السلام كما لو أكل في أثناء صلاته دون أن يسلم ولم يطل ذلك. وقد روى علي بن زياد في المجموعة عن مالك على قياس هذا القول في إمام سلم من اثنتين ساهيا وسجد للسهو ثم ذكر أنه سها يتم صلاته ويعيد سجود السهو. قال سحنون: وكذلك لو كان قبل السلام لاعادهما. وهذا يبين ما ذكرناه فيمن ظن أن الامام سلم فسلم قبل سلامه وعلم قبل أن يسلم أنه يرجع إلى الصلاة بغير تكبير على القول بأن السلام على طريق السهو لا يخرج به من الصلاة، وتكبير على القول بأنه يخرج من الصلاة. وأما إن لم يعلم حتى سلام الامام فيسلم بعد سلامه وتجزئه صلاته على القول بأن السلام على طريق السهو يخرج به من صلاته، إذ لا يصح أن يرجع إلى صلاته في حكم الامام بعد خروج الامام عنها. فهذا وجه القول في هذه المسألة وتحصيله انته. وقال ابن أبي زيد في النوادر بعد ذكره المسألة قال أبو محمد: لعل أصبغ يريد أنه سلم أولا على شك انتهى. ونص ما في رسم يوصي: سئل عمن صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه. فقال: أما هو فقد تمت صلاته، وأما من خلفه فيعيدون في الوقت بعده إن كانوا لم يسلموا. ابن رشد: ظاهر قوله تمت صلاته يوجب أن سلامه على طريق السهو أخرجه عن صلاته. وقد روي عن ابن أبي زيد أنه قال: إنما يصح قوله هذا إن سلم عامدا أو تعمد القطع بعد سلامه ساهيا. فذهب ابن أبي زيد إلى أن سلامه على طريق السهو لا يخرجه عن صلاته مثل ما يأتي في رسم أسلم بعد هذا، وإلى هذا ذهب ابن المواز وحكاه عن مالك وبنى عليه مسائل فقال فيمن دخل مع الامام في التشهد الاخير، فلما سلم الامام وقام هو فقضى صلاته رجع الامام فقال: إني كنت أسقطت سجدة: إنه ينظر، فإن كان ركع الركعة الاولى من قضائه في حد لو رجع الامام له لصح له الرجوع إلى إصلاح صلاته ألغى تلك الركعة لانه صلاها في حكم الامام، وإن كان لم يركع في الركعة الاولى من قضائه إلا بعد أن فات الامام الرجوع إلى إصلاح صلاته صحت له تلك الركعة وسجد قبل السلام لانه قرأ الحمد في حكم الامام فكأنه أسقطها. فالسلام من الصلاة إن كان سهوا غير قاصد إلى التحلل من الصلاة وكان في غير موضع السلام فهو سهو دخل عليه يسجد له بعد السلام، وإن كان في موضع السلام أجزأه من السلام وتحلل به إلا أن لا يقصد به لتحلل من الصلاة مثل من نسي السلام الاول وسلم على من على يمينه فلا يجزئه على مذهب مالك، ويجزئه على مذهب ابن المسيب وابن شهاب أن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الاحرام. وإن سلم قاصدا دلى التسليم التحلل من الصلاة، فإن كان ذلك وهو يعلم أن الصلاة لم تتم فذلك يقطعها ويخرجه عنها، وإن كان هو يظن أن الصلاة تمت فكان ذلك كمن ظن خرج من الصلاة بالسلام، وإن لم يكن على ما ظن وتبين له أنه قد سها فيما ظن وأنه لم يكمل الصلاة فهذا هو الاختلاف المذكور في خروجه عن الصلاة بالسلام. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة انتهى. وقوله في القسم الاول إذا سلم غير


[ 330 ]

قاصد إلى التحلل إنه إن كان في موضعه أجزأه هو أحد القولين المشهورين اللذين قال المصنف فيهما وفي اشتراط نية الخروج به خلاف. وقوله إلا أن يقصد به التحلل من الصلاة صوابه إلا أن يقصد به عدم التحلل كالمثال المذكور، وبه يصح الكلام فتأمله. وقال في المقدمات: السلام من الصلاة بمنزلة الاحرام فكما أنه لا يدخل إلا بتكبيرة ينوي بها الدخول في الصلاة، لا يخرج منها إلا بتسليمة ينوي بها الخروج من الصلاة. فإن سلم في آخر صلاته ولا نية له أجزأه ذلك لما تقدم من نيته إذ ليس عليه أن يجدد النية لكل ركن من أركان الصلاة، وإن نسي السلام الاول وسلم السلام الثاني لم يجزه على مذهب مالك، وأجزأه على ما تأولناه على مذهب ابن المسيب وابن شهات. وإن سلم ساهيا قبل تمام صلاته لم يخرج بذلك عن صلاته بإجماع فليتم صلاته ويسجد لسهوه إن كان وحده أو إماما انتهى. وانظر بقيته والله تعالى أعلم. ص: (وبترك قبلي عن ثلاث سنين وطال) ش: كما لو ترك السورة ولم يقم لها فإنه ترك السورة والقيام لها وصفة القراءة من الجهر والاسرار. فلو قام لها فلا شئ عليه. صرح به الشيخ زروق في شرح القرطبية، وانظر ابن عزم في باب جامع في الصلاة. وقال الهواري في فصل المسبوق: لو سها مدرك ركعة من الرباعية أو من المغرب عن الجلوس الاول من قضائه لكان كمن نسي الجلوس من اثنتين إلا أنه إن نسي سجود السهو حتى طال لم يكن عليه إعادة الصلاة فيما يقع بقلبي لدخول الخلاف فيه من كل وجه، وكذلك لو تعمد تركه على مراعاة الخلاف ولم أر فيه نصا. انتهى وهو الظاهر والله أعلم. ص: (وإن ذكره في صلاة) ش: الضمير في ذكره عائد على السجود القبلي الذي ترتب عن ثلاث سنن. وقوله في صلاة أي غير الصلاة التي ترتب فيها. ولا يخلو إما أن تبطل الصلاة التي ترتب فيها أو لا تبطل، فأشار


[ 331 ]

إلى حكم القسم الاول بقوله: ص: (وبطلت) ش: أي الصلاة التي ترتب فيها بأن يكون لم يذكره إلا بعد طول ص: (فكذا كرها) ش: أي فإنه يصير بمنزلة ذكر صلاة في صلاة وتقدم حكمه في فصل المنسيات ص: (وإلا) ش: أي إن لم تبطل الصلاة التي ترتب منها السجود القبلي المترتب عن ثلاث سنن بأن يتذكره قبل الطول بعد الدخول في صلاة أخرى وهذا معنى قوله ص: (فكبعض) ش: وظاهر كلامه أن هذا الحكم شامل لما إذا كان السجود ترتب لسنة أو لسنتين مما لا تبطل الصلاة بترك السجود له لانه داخل في قوله وإلا فكبعض وليس الحكم كذلك على المشهور لان السجود الذي قبل الاسلام إذا كان مما لا تبطل به لا يقطع له الصلاة كم صرح به ابن يونس. قال في المدونة: قال في المدونة: ومن ذكر سجود سهو بعد السلام من فريضة أو نافلة وهو في فريضة أو نافلة لم تفسد واحدة منهما، فإذا أتمها سجدهما. قال شارحها ابن ناجي قال ابن يونس: وكذلك إن كانت قبل السلام مما لا تبطل الصلاة بتركها انتهى. ص: (فمن فرض أن أطال القراءة أ ركع بطلت) ش: قال ابن الحاجب: فإن كان في صلاة وحكم ببطلان الاولى فهو كذاكر صلاة، وإن لم يحكم ببطلانها السهو وانتفاء طول فهو كتارك بعض، وله أربعة أوجه: فرض في فرض إن طال بطلت ثم قال: وإلا أصلح الاولى. قال


[ 332 ]

في التوضيح: أي وإن لم يطل رجع وأصلح الاولى وسجد بعد السلام. فإن قيل: كيف قال فإن طال بعد أن فذضها فيما لم يطل ؟ قيل: الطول المنتفي أولا الطول في غير الصلاة، والطول الثاني باعتبار ما إذا تلبس بصلاة أخرى انتهى. ومثله في كلام المصنف ص: (وأتم النفل) ش: يريد إلا أن يضيق الوقت فيقع. أنظر ابن يونس وابن غازي. ص: (وقطع غيره) ش: يريد إلا أن يكون خلف إمام فيتمادى ويعيدهما كحكم من ذكر صلاة في صلاة والله أعلم. ص: (وهل بتعمد ترك سنة أولا ولا سجود خلاف) ش: الظاهر أن الخلاف إنما يجري في الامام والفذ، وأما المأموم: فالامام يحمل عنه لانه قال في النوادر ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يحمل الامام عن المأموم تكبيرة الاحرام ويحمل عنه التكبير كله غيرها، ويحمل عنه أكل السهو وإلا تكبيرة الاحرام والسلام وسجدة أو ركعة، ويحمل عنه غير ذلك نسيه أو تركه عمدا وقد أساء في تعمده - يريد محمد - ولا تدخل الجلسة الاخيرة في هذا انتهى. يريد لانها فرض فعلم أن بقية الفرائض ليست داخلة في عموم ذلك والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال الرجراجي في ترك السنن: وأما على طريقة العمد فلا يخلو إما أن


[ 333 ]

يترك سنة أو سننا، فإن ترك سنة واحدة عامدا كالسورة التي مع أم القرآن أو ترك الاقامة فقيل: يستغفر الله ولا شئ عليه. وقيل: يعيد أبدا. وسبب الخلاف المتهاون بالسنن، هل هو كتارك الفرض أم لا ؟ فإن كان سننا فإنه يعيد الصلاة. وقال في المقدمات في باب السهو: وأما النقص على طريق العمد فإن كان فريضة أبطل الصلاة، كان من الاقوال أو من الافعال. وإن كان سنة واحدة فقيل: تبطل الصلاة. وقيل: يستغفر الله ولا شئ عليه. وإن كثرت السنن التي تركت عمدا بطلت الصلاة انتهى. وظاهر كلامهما عدم الخلاف في ذلك. وذكر سند في كتاب الصلاة الاول عن المدونة: أن من ترك السورة في الركعتين الاولتين عمدا يستغفر الله ولا شئ عليه. وانظر في سماع يحيى من كتاب الطهارة حكم ما إذا ترك المضمضة والاستنشاق عمدا. وانظر ابن ناجي في شرح الرسالة والمدونة الثاني هذا الحكم إنما هو فيمن ترك سنة من السنن الثمان المؤكدات، وأما لو ترك سنة غير مؤكدة فلا


[ 334 ]

شئ عليه كما صرح به في المقدمات في الكلام على السنن. وانظر ابن جماعة في فرض العين، وانظر كلام التوضيح فيمن ترك الجلوس الوسط ثم تذكر قبل المفارقة ثم لم يرجع. ص: (إلا لترك ركوع فبالانحناء) ش: قال ابن عرفة قال المازري: لو ذكر ركوعا وهو راكع في الثانية فقال بعضهم يرفع بنية الاولى ويصح وأنكره لان وضعه كان للثانية وقال بعضهم: يرفع لها ويركع للاولى ويرفع. قال ابن عرفة: قلت: يأتي لاشهب البناء على الثانية


[ 335 ]

انتهى. ص: (وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد بإحرام ولم تبطل بتركه وجلس له على الاظهر) ش: قال الهواري فيما إذا سلم من اثنتين يكبر وهو جالس ثم يقوم فيكبر تكبيرة أخرى للقيام يريد بعد أن يستوي قائما انتهى. ثم قال: وإن سلم علة ركعة أو ثلاث ولم يحدث ولم يطل فهو بمنزلة من سلم على ركعتين في كل ما قرناه انتهى. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ومن انصرف من الصلاة بترك بعد أن ذكر القولين في بطلان الصلاة بترك الاحرام وعدم بطلانها قال: وهو الاظهر عندي مراعاة للخلاف ويظهر أنه يرفع يديه على القول الاول وذلك محتمل على القول الثاني انتهى. يريد والله أعلم بالقول الاول القول بالبطلان والله تعالى أعلم. تنبيه: قال الشيخ زروق: والقرب في ذلك معتبر بالعرف. ص: (وأعاد تارك السلام التشهد) ش: يريد إذا كان ذلك بعد طول لا يمنع البناء كما قاله ابن غازي. قلت: أو بعد مفارقة موضعه وإن لم يطل كما سيأتي في كلامه في التوضيح وهو أحد القولين. وقيل: لا يعيد التشهد. وأما إن كان لم يفارق الموضع ولم يطل فلا يعيد التشهد كما سيأتي. قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وكذلك من نسي السلام يعني فإنه يرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر محرما ثم يسلم ويسجد بعد السلام إن كان قد انحرف عن القبلة وإلا فلا إحرام ولا


[ 336 ]

سجود، وإن طال ابتدأ الصلاة. ابن الحاجب: وفي إعادة التشهد في الطول قولان انتهى. وقال في قوله: ومن لم يدر مسلم أو لم يسلم، سلم ولا سجود عليه يعني بقرب التشهد ولم يتحول عن القبلة ولا أتى بفعل ولا قول بخيل الاعراض عن الصلاة وإلا رجع لصلاته بإحرام فتشهد وسلم انتهى. ص: (وسجد إن انحرف عن القبلة) ش: مفهومه أنه إن لم ينحرف عن القبلة لا سجود عليه وبذلك صرح الشارح وهو ظاهر كلامه في التوضيح فإنه قال: المسألة على أربعة أقسام: إما أن يتذكر بعد أن طال جدا، أو مع القرب جدا، أو بالقرب وقد فارق موضعه، أو بعد طول يبني معه. فالقسم الاول تبطل الصلاة على مذهب المدونة، ولا تبطل على ما في المبسوط قاله اللخمي. وأما الثاني فإن لم ينحرف عن القبلة سلام ولا شئ عليه، وإن انحرف استقبل وسجد لهوه. وأما الثالث فاختلف فيه في ثلاثة مواضع: هل يكبر، وهل يكون تكبيره وهو قائم أو بعد أن يجلس، وهل يتشهد ؟ ثم ذكر أن المشهور أنه يكبر وأن مذهب ابن القاسم أنه يجلس ثم يكبر ثم يتشهد. ثم قال: والقسم الرابع يختلف فيه كالقسم الثالث. ثم قال: وعلى هذا فقول ابن الحاجب أن قرب جدا فلا تشهد ولا سجود إنما هو إذا لم ينحرف عن القبلة وهذا كله ما لم يحدث، فإن أحدث بطلت بلا إشكال انتهى. وعلى هذا فتصير المسألة على خمسة أقسام: إن قرب جدا ولم يفارق موضعه ولم ينحرف عن القبلة فلا سجود ولا تشهد وصرح بذلك الهواري أي في عدم إعادة التشهد، وإن انحرف عن القبلة سجد للسهو فقط ولا تشهد، وإن فارق موضعه ولم يطل أو لم يفارق الموضع وطال طولا لا يمنع البناء فإنه يرجع فيجلس ثم يكبر ويعيد التشهد، وإن طال جدا بطلت الصلاة. هذا ملخص كلامه في التوضيح وبه يظهر التقييد الذي ذكرناه بعد كلام ابن غازي.


[ 337 ]

تنبيه: ما ذكره ابن الحاجب والمصنف من نفي السجود مع القرب جدا أنكره ابن عرفة ونصه: وناسي سلامه قال اللخمي: إن ذكره بمحله ولا طول سلم دون تكبير وتشهد وسجد لسهوه. ونقله الشيخ وظاهره عن ابن القاسم وقول ابن بشير وتابعيه لا سجود عليه لا أعرفه نصا انتهى. ص: (ورجع تارك الجلوس الاول إن لم يفارق الارض بيديه وركبتيه ولا سجود) ش: عني أن من سها عن الجلوس الاول في الصلاة الثلاثية والرباعية فإنه إن تذكره قبل أن يفارق الارض بيديه وركبتيه فإنه يرجع للجلوس. قال في التوضيح: والمشهور لا سجود عليه في تزحزحه لان التزحزح لو تعمده لم تفسد صلاته، وما لا يفسد عمده لا سجود في سهوه انتهى. وقيل: يسجد نقله ابن بشير. وفي كلام التوضيح هنا فائدتان: الاولى: أن من تزحزح للقيام في محل الجلوس عامدا لم تبطل صلاته. الثانية: أن كل ما لا يفسد عمده لا يسجد لسهوه. تنبيه: فإن قام بعد أن تذكر ولم يرجع قال في التوضيح: فإما أن يكون ناسيا أو عامدا أو جاهلا. فالناسي يسجد قبل السلام، والعامد يجري على تارك السنن متعمدا. وحكى ابن بطال أن من قام من اثنتين متعمدا تبطل صلاته اتفاقا وليس بظاهر، والمشهور وإلحاق الجاهل بالعامد انتهى. وتصوير النسيان هنا بعيد وانظر لو رجع إلى الجلوس بعد أن قام هل حكمه حكم المسألة الآتية بعد هذه أم لا والله أعلم. ص: (وإلا فلا) ش: يعني وإن فارق الارض بيديه وركبتيه جميعا فلا يرجع إلى الجلوس على المشهور. وقيل: يرجع. قال في التوضيح: ومنشأ الخلاف هل النهوض إلى القيام في حكم القيام أو لا يفارق حكم الجلوس إلا مع الانتصاب ؟ انتهى. تنبيهات: الاول: إذا فرق الارض بيديه فقط ولم يفارقها بركبتيه أو فارقها بركبتيه ولم يفارقها بيديه فإنه يرجع كما يفهم ذلك من كلامهم.


[ 338 ]

الثاني: فهم من كلام المصنف أنه لا يرجع إذا استقل قائما من باب أحرى ولا خلاف فيه. الثالث: قال ابن ناجي في شرح المدونة إثر هذه المسألة: يقوم منها أن من ذكر المضمضة والاستنشاق بعد أن شرع في الوجه أنه يتمادى على وضوئه ويفعلهما بعد فراغه. وبه كان شيخنا أبو محمد الشبيبي يفتي بجامع القيروان، وكذلك أفتى به شيخنا حفظه الله. وحمل قول مالك في الموطأ برجوعه على غير السهو لان أصول مذهبه تدل على خلافه منها هذه. ومنها من نسي السورة أو الجهر أو الاسرار أو تكبير العيدين حتى ركع. وأفتى فيها شيخنا أبو يوسف الزغبي برجوعه فأنكر عليه فتواه لفتوى من ذكر بخلافه فوقف بعض طلبته على قول الموطأ فعرفه فتمادى على فتواه. ويقوم منها إذا فرغ المؤذن الثاني يوم الجمعة فاعتقد الامام أنه الثالث فقام وشرع في الخطبة، ثم سمع المؤذن يؤذن فإنه يتادي لكونه تلبس بفرض. ووقعت بتونس بجامع القصبة لشيخنا أبي مهدي فتمادى، وبعض شيوخنا بجامع الزيتونة فرجع والصواب الاول انتهى. ورأيت بخط بعض من نقل هذه المسألة عن ابن ناجي موضع قوله بعض شيوخنا بجامع الزيتونة بابن عرفة إلى آخره والله تعالى أعلم. وانظر على هذا من نذر أن يصلي ركعتين وأن يقرأ في كل ركعة حزبا مثلا فقرأ نصف حزب مثلا ونسي وركع ثم تذكر وهو راكع، فهل يرجع ويكمل أم لا ؟ والظاهر أنه يرجع لان هذه القراءة واجبة ولم يرجع من فرض لسنة خصوصا إذا عين الركعتين فتأمله والله أعلم. ص: (ولا تبطل إن رجع ولو استقل) ش: يعني أن من فارق الارض بيدين وركبتيه. إذا قلنا إنه لا يرجع فرجع فلا تبطل صلاته، وسواء رجع عمدا أو سهوا أو جهلا. قال في التوضيح: مراعاة لمن قال إنه مأمور بالرجوع انتهى. وأما السهو فصرح بنفي الخلاف في أن صلاته تامة. قال في التوضيح: فيما إذا تذكر بعد استقلاله قائما، وأما إن تذكر قبل استقلاله فذكر عدم البطلان عليها ولم يذكر خلافا. والظاهر أن نفي الخلاف فيها أحرى، وكذلك ذكر عدم البطلان في هذه الصورة في العمد والجهل ولم يذكر فيه خلافا. وأما العمد فيما إذا استقل قائما وتذكر الجلوس ورجع فقال في التوضيح عن المازري: إن المشهور الصحة. واقتصر الفاكهاني في شرح الرسالة على القول بالبطلان، والجاهل مساو للعامد كذا جعله ابن عرفة والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال المشذالي: وقع البحث يبني وبين بعض الفضلاء بالاسكندرية فيمن صلاته جلوس فكبر للثالثة ونسي الجلوس ورجع بالنية عمدا، هل هي كمسألة من


[ 339 ]

رجع للجلوس بعد القيام أم لا ؟ فقلت: نعم وصوبه جماعة من المذاكرين لان العلة في الاصل التلبس بركن وموجب السجود هو زيادة اللبس إذا قلنا بالصحة هذا كله موجود في الفرع انتهى. الثاني: إذا رجع للتشهد بعدما نهض وقد كان جلس لم تبطل صلاته كما لا تبطل إذا رجع إلى الجلوس. انتهى من شرح الرسالة للفاكهاني ونقله في التوضيح عن ابن رشد. الثالث: إذا استقل للجلوس الاول قائما ثم رجع إلى الجلوس فتذكر قبح ما فعله فالمطلوب منه إتمام الجلوس. قال في المجموعة قال ابن القاسم: فإن رجع فليتم جلوسه ولا يقوم مكانه ويسجد بعد السلام. انتهى من الفاكهاني. وانظر لو لم يتم الجلوس وعاد إلى القيام ما الحكم فيه ؟ ثم إني رأيت في نوازل ابن الحاج ما نصه: إذا قام من اثنتين ولم يجلس فسبح به فجلس ثم سبح به فقام فإنه يعيد الصلاة لانه زاد فيها جاهلا وهو كالعامد، وقد جرت لابن كرم في مسجد السدة فأفتيته بذلك انتهى. ص: (وتبعه مأمومه) ش: يعني إذا سها الامام وقام ولم يجلس الجلوس الاول حتى اعتدل قائما فليتبعه المأموم، فإن رجع الامام من قيامه إلى الجلوس قبل أن يقوم المأموم - فعلى المشهور وهو قول ابن القاسم - يبقى المأموم جالسا معه ولا يقوم حتى يقوم الامام لان هذا الجلوس معتبر. فرع: فلو قام الامام والمأموم ثم رجع الامام بعد استوائه تبعه المأموم أيضا. فرع: فلو انتصب المأموم قبل الامام وذكر الامام قبل أن ينتصب فرجع فها هنا يرجع المأموم وهو المعروف. انتهى من شرح الرسالة للفاكهاني. ص: (وسجد بعده) ش: سواء رجع بعد استقلاله أو بعد مفارقة الارض وقبل استقلاله، أما إذا رجع بعد استقلاله وقلنا بصحة


[ 340 ]

الصلاة فلا بد من السجود. واختلف فيه هل هو قبل السلام أو بعده ؟ ومذهب ابن القاسم وروايته أنه بعد السلام كما قال المصنف. وأما إذا رجع قبل استقلاله فلا تبطل صلاته، واختلف هل يسجد بعد السلام لتحقق الزيادة أو لا يسجد لخفتها وقلتها ؟ قولان قال في التوضيح: والاول أظهر ورواه ابن القاسم عن مالك في المجموعة انتهى. ص: (كنفل لم يعقد ثالثته) ش: يعني أن من صلى ركعتين من نافلة ثم قام إلى ثالثة ساهيا فإنه يرجع إلى الجلوس ما لم يعقد الركعة الثالثة - وعقدها برفع الرأس من ركوعها فإذا رجع فإنه يسجد بعد السلام. قاله في المدونة. وهذا في غير ركعتي الفجر، وأما ركعتا الفجر فإنه يرجع فيها مطلقا. تنبيهات: الاول: هذا إذا تذكر بعد قيامه إلى الثالثة فإن تذكر بعد أن تزحزح أو بعد أن فارق الارض بيديه وركبتيه، فهل عليه سجود أم لا ؟ أما إذا لم يفارق الارض بيديه وركبتيه فإنه لا سجود عليه، وأما إذا رجع بعد أن فارق الارض بيديه وركبتيه ولم يستقل قائما فانظر هل يسجد أم لا ؟ ولم أر فيه نصا، والذي يظهر أن ذلك يجري على الخلاف فيما إذا فارق في الفريضة الارض بيديه وركبتيه ثم رجع فإنه اختلف فيه هل يسجد بعد السلام أم لا ؟ ذكره في التوضيح. الثاني: قال في الذخيرة عن صاحب الطراز في الفصل الثاني من باب السهو: لو صلى الفجر ثلاثا اختلف في بطلانه. والفرق أن الفجر محدود باتفاق فزيادة نصفه تبطله، وإذا قلنا لا تبطله فصلى أربعا استحب مالك الاعادة خلافا لمطرف انتهى. والظاهر أنها لا تبطل لقول مالك: من سها فشفع وتره سجد بعد السلام وأجزاه. قال في المدونة: ونقله في فصل النفل والله تعالى أعلم. ص: (وتارك ركوع يرجع قائما وندب أن يقرأ) ش: يعني أن من سها عن الركوع وانحط للسجود فتذكر قبل أن يسجد أو هو ساجد فإنه يرجع قائما ثم ينحط للركوع من القيام على المشهور. وقيل: يرجع محدودا إلى الركوع. وعلى المشهور فإنه إذا رجع قائما


[ 341 ]

يستحب أن يقرأ شيئا من القرآن ليكون ركوعه عقب قراءة. هكذا قال في التوضيح، وأصل المسألة في سماع أشهب قال: ولو أنه قرأ قبل أن يركع كان أحب إلي انتهى. وعلم منه أن المطلوب قراءة شئ من القرآن ولا يندب له إعادة الفاتحة وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وسجدة يجلس لا سجدتين) ش: يعني أن من نسي سجدة واحدة فإنه يجلس ليأتي بها من جلوس، وأما من نسي السجدتين معا فإنه ينحط لهما من قيام. أما المسألة الاولى فذكر ابن ناجي في شرح المدونة فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه يرجع للجلوس ثم يسجد مطلقا وبه قال مالك في سماع أشهب، والثاني أن يخر ساجدا ولا يجلس مطلقا رواه أشهب عن مالك، وقيل: إن كانت السجدة من الركعة الثانية فإنه يخر للسجود لحصول الفصل بين السجدتين بالجلوس للتشهد، وإن كانت من الاولى أو الثانية فإنه يرجع إلى الجلوس. ذكره عبد الحق في النكت قال: وكل هذا إذا تذكر قائما، وأما إذا تذكر جالسا فإن الخلاف مرتفع انتهى. وهذا الخلاف مبني على أن الحركة للركن هل هي مقصودة أم لا ؟ وهذا إذا لم يكن جلس فإن كان جلس أو خرسا جدا من جلوس اتفاقا، قاله في التوضيح. قلت: ما ذكره ابن ناجي عن عبد الحق في النكت قال بعده فيها عرضته على بعض شيوخنا من القرويين فاعترضه وقال: إنه وإن أتى بالجلوس في تشهده فقد بقي عليه أن ينحط للسجدة من جلوس، فإن أخر ولم يجلس فقد أسقط الجلوس الذي يجب أن يفعل السجدة منه وهذا الذي قال كذا عندي له وجه انتهى. وهو يرجع إلى القول الاول والله أعلم. وأما المسألة الثانية فصرح ابن يونس وغيره بأنه ينحط فيها من قيام. وقال ابن ناجي: إنه لا خلاف في ذلك انتهى. فرع فإن ذكر السجديتن وهو جالس أو كان ترك الركوع من الثانية وانحط لسجودها فذكر سجدتي الاولى وهو ساجد فذكر عبد الحق في نكته وتهذيبه وفي التعقيب على التهذيب أنه يرجع للقيام ليأتي بالسجدتين وهو منحط لهما من قيام. قال: فإن لم يفعل وسجد السجدتين على حاله يعني من جلوس أو سجود فقد نقص الانحطاط فيسجد قبل السلام إذا ترك ذلك سهوا. ونقله في التهذيب عن الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن، ونقله في النكت والتعقيب عن بعض شيوخه القرويين. فرع: قال في التوضيح قال المازري: واختلف لو لم يذكر ذلك إلا وهو راكع في الثانية، هل يرفع رأسه ليخر لسجود من قيام أولا على الخلاف في الحركات هل هي مقصودة أم


[ 342 ]

لا ؟ انتهى. وقال ابن عرفة: ولو ذكر في خفض ركوعه سجودا ففي انحطاطه له منه أو بعد قيامه نقلا اللخمي ورجع الثاني والاول سماع القرينين انتهى. وقال في التعقيب: وفي كتاب التهذيب أيضا إذا نسي السجدتين من الاولى ثم تذكر وهو راكع في الثانية أنه ينبغي أن يرفع رأسه بنية إصلاح الاولى فينحط للسجدتين من قيام ولا يضره رفع رأسه من الثانية ولا يكون عقد لها لانه إنما رفعه بنية إصلاح الاولى، فإن لم يفعل وسها عن لك وانحط للسجدتين من ركوعه فليسجد قبل السلام لانه نقص ذلك القيام انتهى. تنبيه: علم من هذا أن الانحطاط للسجدتين من القيام ليس بواجب، وأنه لو انحط أولا للسجود، ثم سجد السجدتين من جلوس أنه لا تبطل صلاته. وقد ذكر الجزولي والشيخ يوسف بن عمرو الاقفهسي وغيرهم في شرح قول الشيخ في الرسالة: ثم تهوي ساجدا لا تجلس أنه إذا جلس ثم سجد فإن كان عامدا فلا شئ عليه لانه يسير، وإن كان سهوا فقيل يسجد للسهو، وقيل لا يسجد، وقال الشيخ زروق: هذا الجلوس إن وقع سهوا ولم يطل لم يضر، وإن طال سجد له، وإن كان عامدا اختلف فيه، والمشهور إن لم يطل لم يضر والمتأول على تأويله انتهى. وقوله إن كان سهوا ولم يطل لم يضر غير ظاهر لان السجود لتركه الانحطاط للسجود من قيام كما تقدم في كلام عبد الحق لا للجلوس فتأمله، وصلاح كرامو في شرحه بأن جلوسه قبل السجود مكروه والذي في كلام القاضي عبد الوهاب والفاكهاني أنه لا يجوز والله أعلم. تنبيه: إذا علم هذا فهنا فروع تقع عند قيام الامام للقنوت بعد الرفع من الركوع لا سيما إذا قنت الشافعية في جميع الصلوات لنازلة ونحوها فيقع للمأمومين السهو في ذلك فيسجدون قبل الامام، ثم تختلف أحوالهم فمنهم من يتنبه لذلك فيرجع فيقف مع الامام حتى يسجد معه وهذا هو المطلوب وإن كان قد يتبادر من قول المصنف في فصل الجماعة لا إن خفض أن المطلوب استمرار المأموم على السجود حتى يلحقه الامام فقد بينا هناك أنه إذا علم أنه يدرك الامام فإنه يلزمه الرجوع إليه - وأشار إلى ذلك ابن غازي - ومنهم من يستمر ساجدا حتى يلحقه الامام فيسجد معه ثم يرفع برفعه من السجود، وهذا صلاته صحيحة أيضا، وإن كان قد أخطأ في استمراره على السجود. ومنهم من يرفع رأسه قبل سجود الامام ويستمر جالسا حتى يسجد الامام فيعيد السجود معه من جلوس، وهذا أيضا صلاته صحيحة والله أعلم، لانه إنما نقص الانحطاط للسجدتين من جلوس فالامام يحمل ذلك. ومنهم من يكتفي بسجوده الذي يسجده قبل الامام فهذا لا يجزئه ذلك السجود لان المأموم إذا سبق الامام بركن وعقده قبل أن يلحقه الامام فإنه لا يعتد به، فإن نبهه أحد في آخر صلاته قبل أن يسلم فسجد سجدتين ثم سلم صحت صلاته وإن لم يتنبه لذلك حتى سلم بطلت صلاته


[ 343 ]

والله أعلم. ص: (و بطل بأربع سجدات من أربع ركعات الاول) ش: وكذا لو ترك الثمان سجدات فإنه يصلح الرابعة وتبطل الثلاث ركعات الاول كما صرح به الجواهر والتوضيح وغيرهما. وهل تبطل الصلاة بكثرة السهو أم لا ؟ يجري على الخلاف في ذلك والمشهور عدم البطلان إن لم يزد مثلها. وهذا إذا تذكر قبل السلام فإن سلم من الرابعة فات التدارك على أحد القولين، ويصير بمنزلة من زاد أربعا سهوا والله أعلم. ص: (ورجعت الثانية أولى ببطلانها لفدو إمام) ش: لما بين رحمه الله تعالى أن ترك الركن يبطل الصلاة إذا طال وأنه يتداركه إن لم يسلم ولم يعقد ركعة، فمهوم الشرط أنه إذا سلم أو عقد الركوع فات التدارك، فإذا فات فما يفعل المصلي ؟ فقال: إن فات بالسلام بنى إن قرب ولم يخرج من المسجد بإحرام وجلس له على الاظهر، فبين كيفية ما يفعل إذا فات التدارك بعقد الركعة التي تلي تلك الركعة فقال: والركعة الثانية أولى يعني والثالثة ثانية والرابعة ثالثة ببطلانه لفذ إمام يعني إن انقلاب الركعات إنما هو للامام والفذ، وأما المأموم فلا تنقلب الركعات بالنسبة إليه إذا فاتت الاولى يصير كالمسبوق كما سيقوله المصنف عند قوله وإن زوحم مؤتم عن ركوع وقضى ركعة والله أعلم. ص: (وإن شك) ش: المصلي ص: (في سجدة لم يدر محلها) ش: وتحقق أنه تركها فلا يخلو إما أن يذكر وهو في التشهد الاول أو في قيام الثالثة أو في قيام الرابعة أو في التشهد الاخير، والحكم فيه أن يسجدها: في جميع الصور على


[ 344 ]

مذهب ابن القاسم كما قال المصنف. ص: (سجدها) ش: أي في أي صورة كان. ثم لا يخلو فإن كان في التشهد الاول قام فأتى بركعة: بالفاتحة وسورة وتكون ثانية لاحتمال أن تكون السجدة من الاولى فتبطل وتصير الثانية أولى، وهذه التي أتى بها ثانية فيتشهد ثم يصلي ركعتين ثم يسجد بعد السلام، وهذه الصورة لم يذكرها المؤلف وذكر بقية الصور فقال: ص: (وفي الاخيرة يأتي بركعة) ش: يعني فإن ذكر السجدة في الجلسة الاخيرة فإنه يسجدها لاحتمال أن تكون من الرابعة ثم يأتي بركعة بالفاتحة فقط لرجوع الثانية أولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة ويسجد قبل السلام. هذا قول ابن القاسم. وقيل: يأتي بركعة بالفاتحة وسورة ويسجد بعد السلام ثم قال: ص: (وقيام ثالثته بثلاث) ش: أي وإن ذكرها في قيام ثالثه فإنه يسجد السجدة من قيام إن تذكر أنه كان جلس وإلا جلس ثم سجدها قياسا على ما تقدم في قوله وسجدة يجلس ثم يقوم ولا يجلس ولا يتشهد فيأتي بثلاث: الاولى منهن بالفاتحة وسورة ويجلس ويتشهد، ثم اثنتين بالفاتحة فقط ويسجد بعد السلام وهذا هو المشهور. وقيل: يسجد السجدة ثم يتشهد ثم يأتي بثلاث، وقيل لا يسجد بل يبني على ركعة فقط ويأتي بثلاث. ثم قال: ص: (ورابعته بركعتين وتشهد) ش: يعني وإن ذكر السجدة في قيام الرابعة فإنه يسجدها ويتشهد ثم يأتي بركعتين بالفاتحة فقط ويسجد قبل السلام لنقص السورة من الثالثة التي صارت ثانية. قال في النوادر: وعن المجموعة قال


[ 345 ]

سحنون: ص: (وإن سجد أمام سجدة) ش: أي من الركعة الاولى وسها عن السجدة الثانية. ص: (وقام لم يتبع) ش: أي لا يتبعه من علم ذلك من المأمومين. ص: (ومسح به) ش: ليرجع. ص: (فإذا خيف عقده) ش: للركعة الثانية. ص: (قاموا) ش: أي المأمومون واتبعوه. ص: (فإذا جلس) ش: في الثانية على زعمه وهي الاولى في نفس الامر له وللمأمومين. ص: (قاموا) ش: وكان كإمام جلس في الاولى فلا يتبع وينتظرونه قياما حتى يقوم إلى الثالثة في زعمه فيصلونها معه، فإذا قام إلى الرابعة في زعمه وهي الثالثة في نفس الامر، قاموا معه واتبعوه ولم يجلسوا وإن كان هذا محل الجلوس الاول كما إذا قام الامام من اثنتين ولم يجلس فإن المأمومين يتبعونه. وأشار بقوله ص: (كقعوده لثالثته) ش: وفي بعض النسخ بثالثة بغير ضمير وهي أحسن إلى أنه إذا قعد في الثالثة في نفس الامر التي هي الرابعة في اعتقاده فإنهم يقومون كما يفعلونه معه في جلوسه الاول. وفي نسخة الشارح كقعوده بثانيته. وقال بعضهم: إنه كذلك في النسخة التي بخط المصنف ولا معنى له. والموجود في أكثر النسخ ما تقدم فإن تذكر الامام قبل جلوسه قام فصلى بهم ركعة بأم القرآن وسجد بهم قبل السلام. ص: (فإذا) ش: لم يتذكر. وص: (سلم) ش: لم يتبعوه في السلام. وص: (أتوا بركعة وأمهم) ش: فيها. ص: (أحدهم) ش: وإن صلوها أفذاذا أجزأتهم. ص: (وسجدوا قبله) ش: أي قبل السلام وسلام الامام هنا على السهو بمنزلة الحدث انتهى كلام سحنون. أوله بالمعنى وآخره باللفظ. ويعني بقوله بمنزلة الحدث أنه تبطل صلاته طال أو لم يطل، وأنه بمنزلة طرو الحدث على الامام فيستخلف المأمومون من يتم بهم الصلاة أو يتمون أفذاذا. وقال ابن الحاجب: فإن سلم أتم بهم أحدهم على الاصح وسجد قبل السلام. ابن عبد السلام: يعني هل يتم بهم أحدهم ؟ قولان: أحدهما وهو الاصح الجاري على المشهور أنه يتم بهم بناء على أن الاولى إذا بطلت رجعت الثانية عوضا منها فيكونون مؤدبين. والقول الثاني أنه لا يؤمهم أحدهم ويتمونها أفذاذا بناء على أن الاولى إذا بطلت لم ترجع الثانية عوضا عنها بل تبقى ثانية فيكونون قاضين. لكن المسألة من أولها إنما هي مبنية على القول


[ 346 ]

الاول المشهور، وأما على الثاني فيتبعونه لان جلوس الامام يكون في محله وكذلك قيامه، ولا سجود على هذا القول قبل السلام وإنما يسجد بعده لتحقق الزيادة في الركعة التي وقع فيها الخلل، وأما على المشهور فالسجود قبل السلام لتحقق النقصان في السورة من ركعة والجلوس الوسط ولاجل ذلك إن ترك هذا السجود بطلت الصلاة انتهى. وذكر في التوضيح كلام سحنون في التخيير بين الاتيان بالركعة بإمام أو أفذاذا، ثم ذكر كلام ابن عبد السلام ثم قال: واعترضه ابن هارون بأنه لا خلاف أنهم يأتون بالافعال بناء، وإنما الخلاف في الاقوال. والمشهور أنهم يأتون بها أيضا بناء بخلاف المسبوق فيها، وعلى هذا يكون سجودهم قبل السلام لاسقاط الجلوس الوسط على القولين كما قال المصنف انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام سحنون بالتخيير: واقتضاء قول ابن الحاجب أتم بهم أحدهم على الاصح وجوب ذلك ومنعه لا أعرفه، وتوجيهه. ابن عبد السلام: بكون الفائتة أداء أو قضاء يرد بأن القضاء المانع من الجماعة ما فات المأمومين دون إمامهم لا ما فات جميعهم، وتخريجه جلوسهم بجلوسه وسجودهم بعد سلامه على أن الاول قضاء لانه في محله يرد بما مر، وبأنها إن كانت قضاء فلا سجود عليهم لملزومية القضاء، حمل الامام زيادتهم قبل سلامه ولا زيادة لهم بعد انتهى. تنبيه: قال في التوضيح قبل كلامه المتقدم: أصل هذه المسألة لسحنون وفيها نظر لانهم متعمدون لابطال الاولى بتركهم السجود. ومن تعمد إبطال ركعة من صلاته بطل جميعها. ولو قيل إنهم يسجدون سجدة ويدركون الثانية معه فتصح لهم الركعتان لما بعد. فإن قلت: ذلك مخالفة على الامام وقضاء في حكمه. فالجواب: أما المخالفة فلازمة لهم لان الامام قائم وهم جلوس، وأما القضاء في حكم الامام فقد أجيز مثله في الناعس والمزحوم خوفا من إبطال الركعة فكذلك هنا انتهى. وقال ابن غازي: قد يفرق بأن الناعس ومن معه فعل السجدة إمامهم وهذا لم يفعلها. ثم ذكر كلام ابن رشد الاتي. وقال ابن عبد السلام في واخر كلامه: هذا مذهب سحنون والمحكي عن ابن القاسم أنهم يسجدون إذا خافوا عقد الامام الركعة التي تليها انتهى. قال ابن عرفة: ما نقله عن ابن القاسم لا أعرفه دون استحباب الاعادة انتهى. وما ذكره عن ابن القاسم هو في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الصلاة. وقال ابن رشد: المسألة على قسمين: أحدهما أن يسهو الامام على السجدة وحده فلا يخلو من خلفه إما أن يسجدوا لانفسهم أو يتبعونه عالمين بسهوه، فإن سجدوا لانفسهم ولم يرجع الامام إلى السجدة حتى فاته الرجوع إليها بعقد الركعة التي بعدها فركعة القوم صحيحة باتفاق ويقضي الامام تلك الركعة التي أسقط منها السجدة في آخر صلاته وهم جلوس، ثم يسلم بهم ويسجد بعد السلام. واختلف إذا تذكر قبل أن يركع فرجع إلى السجود، وهل


[ 347 ]

يسجدون معه ثانية ؟ على قولين. وأما إن اتبعوه على ترك السجود عالمين بسهوه فصلاتهم فاسدة باتفاق. والوجه الثاني أن يسهو الامام هو وبعض من خلفه وهي مسألة السماع فلا يخلو من لم يسه إما أن يسجدوا لانفسهم أو يتبعوه على ترك السجود عالمين بسهوه، فإن سجدوا لانفسهم ولم يرجع الامام إلى السجود حتى فاته الرجوع إليه بعقد الركعة التي بعدها ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم في هذه الرواية بأن السجدة تجزئهم وتصح لهم الركعة ويلغيها الامام ومن سها معه، فإن أكمل الامام ثلاث ركعات قام ومن سها معه إلى الرابعة وقعدوا حتى يسلم ويسلموا بسلامه ويسجد بهم جمعا سجدتي السهو بعد السلام وهو أضعف الاقول لاعتدادهم بالسجدة، وهم إنما فعلوها في حكم الامام ومخالفتهم إياه في أعيان الركعات لان صلاتهم تبقى على نيتها وتصير للامام ومن سها معه، الثانية أولى وهكذا. ولهذا قال ابن القاسم في الرواية: وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة، وإنما يسجد الامام بهم بعد السلام إن تذكر بعد أن ركع في الثانية لانه يجعلها أولى ويأتي بالثانية بالحمد وسورة ويجلس فيها فيكون سهوه كله زيادة. وأما إن لم يتذكر حتى صلى الثالثة أو رفع من ركوعها فإنه يسجد قبل السلام على ما اختاره من قول مالك في اجتماع الزيادة والنقصان، لانه جعلها ثانية لانه قرأ فيها بأم القرآن فقط وقام ولم يجلس. واختلف في هذا الوجه إن ذكر الامام قبل أن يركع فرجع إلى السجدة هل يسجدون معه ثانية أم لا ؟ على القولين. والقول الثاني أن صلاتهم فاسدة للمعنى الذي ذكرناه من مخالفة نيتهم نية إمامهم في أعيان الركعات وهو قول أصبغ. والثالث أن السجود لا يجزئهم وتبطل عليهم الركعة كما بطلت على الامام ومن معه ويتبعونه في صلاته كلها وتجزئهم. حكى هذا القول محمد بن المواز في كتابه. وأما إن اتبعوه على ترك السجدة عالمين بسهوه فقال في الرواية: إن صلاتهم منتقضة. ويخرج على ما في كتاب محمد أن تبطل عليهم الركعة ولا تنتقض عليهم الصلاة لان السجدة إذا كانت على مذهبه لا يجزئهم فعلها فلا يضرهم تركها انتهى. وظاهر إطلاق ما حكاه المصنف وابن الحاجب وابن شاس وصاحب الشامل عن سحنون واقتصروا عليه مخالف لما حكاه ابن رشد من الاتفاق على أنه إن سها الامام وحده عن السجدة ولم يذكرها حتى عقد الركعة التي بعد ركعتها أن القوم يسجدونها وتجزئهم، وأنهم إن اتبعوه على ترك السجدة عالمين بطلت صلاتهم. ومخالف له أيضا فيما إذا سها مع الامام بعض من خلفه فإنه ذكر أنه إن اتبعه من لم يسه في ترك السجدة فالرواية ببطلان صلاتهم، وجعل القول بصحتها إنما هو تخريج فتأمل ذلك. نعم كلام اللخمي يساعد ما حكاه الجماعة ونصه: واختلف إن ذكر الامام في تشهد الرابعة أنه لم يسجد في الاولى وكان سجدها من خلفه قال محمد: تمت صلاة القوم ويقضي الامام تلك الركعة كما فاتته بعينها ولا يتبعه فيها أحد دخل معه تلك الساعة، وصار الامام يمنزلة المستخلف بعد ركعة. وقول سحنون لا


[ 348 ]

تجزئهم تلك الركعة التي سجدوا فيها دونه ولا يحتسب جميعهم إلا بثلاث ركعات ويأتي الامام بركعة ويتبعونه فيها. واختلف إذا ذكر الامام وهو قائم في الثانية سجدة من الاولى وقد سجدها من خلفه فقيل: يستحب لمن خلفه أن يعيدوا سجودها معه، وهم بمنزلة من رفع من الركعة أو السجدة قبل إمامه، فإن لم يرجع مع الامام أجزأته رعته. وقال سحنون: يجب عليهم أن يسجدوها معه. وقال ابن القاسم في العتبية: لا يسجدونها معه وسجدتهم الاولى تجزئهم، فإذا أتموا قام الامام ومن سها بسهوه فصلوا ركعة بسجدتيها يؤمهم فيها الامام قال: وأحب إلي أن يعيد الذين سجدوا دون الامام وهو أحب إلي من آمرهم أن يسجدوا ثانية فيزيدوا في صلاتهم متعمدين، أو يقوموا معه ولا يسجدوا فيكونوا قد صلوا خمسا انتهى. وما حكاه اللخمي عن ابن المواز ذكر ابن عرفة أن الشيخ أبا محمد ذكره عنه وهو خلاف ما حكاه ابن رشد عنه فلعل له قولين. ونقل الهواري كلام اللخمي وقبله وقال: الحاصل أن الامام إذا سها عن فرض من فرائض الصلاة لم يلزم المأموم سهوه إذا فعل ذلك دون الامام في قول ابن المواز وابن القاسم في العتبية، ويلزمه في قول سحنون. وهذا كله فيما عدا النية وتكبيرة الاحرام انتهى. وذكره ابن ناجي في شرحه الكبير على المدونة وقبله، وذكر في التوضيح في شرح مسألة قيام الامام الخامسة آخر كلام اللخمي وعزاه للمازري مع اللخمي، وذكر كلام صاحب البيان وقال بعده: فيه نظر لانه نص على أنه إذا لم يسه عنها أحد ممن خلفه وسجدوا ولم يرجع الامام حتى فاته الركوع، أن ركعة القوم صحيحة باتفاق. وحكى فيما إذا سها بعضهم ولم يسه البعض وسجد ثلاثة أقوال مع فوات التدارك أيضا في حق الامام ولا يظهر بينهما فرق. ومقتضى كلام المازري بل نصه حصول الاقوال الثلاثة فيما إذا لم يسه عنها أحد ممن خلفه، وأيضا فإنه حكى الاتفاق على البطلان في الاولى إذا اتبعوه على ترك السجود عالمين بسهوه ولم يحك ذلك في الثانية فانظر ما الفرق انتهى. والعجب أنه لما تكلم على مسألة ترك الامام السجدة لم يذكر شيئا من هذا الكلام بل استشكل ذلك وبحث فيه بما تقدم والله أعلم. وقال ابن غازي: استشكال التوضيح غير صحيح لان الامام إذا ترك السجدة وحده صار بمنزلة المستخلف المدرك. وقد ذكر اللخمي عن محمد نحوه في إمام ذكر في تشهد الرابعة سجدة من الاولى وكان القوم سجدوها وقال: فصار الامام بمنزلة المستخلف بعد ركعة. وفي الاجوبة أن الامام إذا شاركه القوم أو بعضهم في إسقاطها فهو كالفذ في البناء وإلا فكالمأموم في القضاء. وأشار إلى أن في كلام ابن يونذ شيئا من ذلك وسيأتي ذكره. وما قاله ليس بظاهر لان المصنف إنما استشكل حكاية ابن رشد الاتفاق واللخمي لم يذكر ذلك، بل لما ذكر قول أبي محمد ذكر في مقابلته قول سحنون. وكذلك ابن يونس لما ذكره عزاه لمحمد فتأمله ونص كلام المازري الذي ذكره في التوضيح.


[ 349 ]

والجواب: عن السؤال السادس أن يقال: إذا نسي الامام السجدة ولم يحل بينه وبين إصلاحها حائل فإنه يرجع لاصلاحها بسجدة. واختلف في المأمومين فأوجب عليهم سحنون متابعته فيها وإن كانوا قد سجدوها. وقيل: لا يؤمرون بمتابعة فيه وهم بمثابة من رفع من الركعة أو السجدة قبل الامام فالاجزاء حاصل والمتابعة تستحب. وقال ابن القاسم: لا يتبعونه في السجدة وأحب إلي أن يعيدوا، وهو أولى من أن يسجدوا ثانية فيزيدوا في صلاتهم متعمدين، وأولى من أن يتبعوه في الركعة فتكون خامسة. وإن حال بينه وبين إصلاحها حائل كأن يتذكر في تشهد الرابعة سجدة من الاولى وقد سجدها من خلفه فمر سحنون: على أصله وقال: لا تجزئهم الركعة التي سجدوا فيها دونه ويأتي الامام بركعة يتبعونه فيها. وقال محمد: يعتد المأمومون بها ويقضي الامام الركعة دونهم. وقد قدمنا استحباب ابن القاسم الاعادة انتهى. وذكر ابن عرفة كلام ابن رشد وبعض " كلام اللخمي، وذكر صاحب الذخيرة كلام سحنون وكلام ابن القاسم. وتحصيل المسألة أنه إذا سها الامام عن السجدة الثانية وقام وسبحوا به فلم يرجع، فهل يسجدون لانفسهم وتجزئهم تلك الركعة ولا يتبعون الامام فيها، إذا رجع يسجدها ؟ وهو قول ابن المواز على ما نقل اللخمي والمازري وقول ابن القاسم أيضا إلا أنه تستحب الاعادة. ومذهب سحنون أنهم لا يسجدونها ولو سجدوها لم يعتدوا بها وإذا سجدها الامام اتبعوه فيهج وعلم منه أن تعمدهم لسجودها لا يضرهم وكأنهم لاجل الاختلاف في ذلك. ثم اختلف هل الخلاف في ذلك مطلقا سواء سها الامام عنها وحده أو هو وبعض من خلفه وهو ظاهر كلام اللخمي والمازري وعليه فهمه المصنف، أو إنما الخلاف إذا سها عنها الامام وبعض من خلفه وأما إذا سها وحده فلا يتبعونه فيها ويسجدونها وتجزئهم وإن اتبعوا الامام في تركها بطلت صلاتهم باتفاق، وهذه طريقة ابن رشد ؟ وظاهر كلام المؤلف أنه مشى على قول سحنون وأنه فهم أن الخلاف جار في الصورتين فتأمله و الله أعلم. ص: (وإن زوحم مؤتم عن ركوع أو نعس أو نحوه اتبعه في غير الاولى ما لم يرفع من سجودها) ش: تحصيل


[ 350 ]

المسألة أن المأموم إذا سها عن الركوع مع الامام حتى فاته أو غفل عنه أو نعس أو زوحم أو اشتغل بحال إزاره أو ربطه ففي المسألة أربعة أقوال: الاول: أن تلك الركعة فاتته مطلقا سواء كانت أولى أو غير أولى، سواء كانت الصلاة جمعة أو لا. الثاني: لا تفوته مطلقا. الثالث: تفوته إن كانت أولى ولا تفوته في غير الاولى وهو المشهور. الرابع تفوته إن كانت جمعة ولا تفوته في غير الجمعة. ولا تفريع على الاول، وأما على الثاني والثالث فيما إذا كانت غير الاولى وعلى الرابع في غير الجمعة إذا قلنا يتبع الامام فاختلف إلى أي حد يتبعه. فقيل: ما لم يرفع من سجود الركعة. وقيل: ما لم يعقد الثانية والاول هو المشهور. وعليه فهل المعتبر السجدتان أو الاولى فقط ؟ قولان المشهور الاول. وإذا قلنا ما لم يعقد الثانية فهل العقد بوضع اليدين على الركبتين أو بالرفع من الركوع ؟ قولان على الخلاف في عقد الركعة. تنبيه: قال ابن رشد: وسواء على مذهب مالك أحرم قبل أن يركع الامام أو بعد أن ركع إذا كان لولا ما اعتراه من الغفلة وما أشبهها الادرك معه الركوع، وأما لو كبر بعد أن ركع الامام فلم يدرك معه حتى رفع الامام رأسه فقد فاتته الركعة ولا يجزئه بأن يركع ويتبعه قولا


[ 351 ]

واحدا. انتهى من التوضيح مختصرا من آخر فصل السهو. وعلم من هذا أنه لو تعمد المأموم ترك الركوع مع الامام لم يجزه قولا واحدا. تنبيه: والمراد بالاولى بالنسبة إلى المأموم لا إلى الامام وهذا ظاهر والله أعلم. تنبيه: واختلف في المسألة من حيثية أخرى، فمذهب مالك أنه لا فرق بين المزحوم والناعس والغافل وما أشبه ذلك، وأخذ ابن القاسم في إلزحام بالقول الثاني وفيما سواه بالقول الثالث، وأخذ ابن وهب وأشهب بالقول الاول فيما إذا أحرم قبل أن يركع الامام، وبالثاني إذا أحرم بعد أن ركع الامام. تنبيه: قال ابن عرفة: اللخمي والمازري: شرط الركعة المانعة تلافيه إمكانه فعلها فلو نعس حتى ركع جمامه ثانية تلافي الاولى انتهى. ولفظ المازري: ومن شرط الركعة الحائلة بينه وبين قضاء ما فاته أن يكون فيها متمكنا من متابعة الامام تصح مخاطبته بذلك، فأما لو نعس عن ركوع الامام وتمادى ونعاسه إلى أن عقد ركعة أخرى فإنه لا يمنعه ذلك من إصلاح أول ما نعس فيه من الركعات لانه غير مخاطب حال نعاسه في الركعة الثانية بمتابعة الامام فيها انتهى. ولفظ اللخمي: ومن نعس خلف الامام حتى ركع الامام وانقضت صلاته جاز له أن يصلي التي نعس فيها لان الذي فعله الامام وهو ناعس لا يحول بينه وبين إصلاحها انتهى. تنبيه: قال في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: وسئل مالك عن الرجل يقعد مع الامام في الركعتين فينعس فلا ينتبه إلا بقيام الناس، أيقوم أم يتشهد ثم يقوم ؟ قال: بل يقوم ولا يقعد للتشهد. ابن رشد: وهذا كما قاله لان التشهد قد فات بنعاسه وذهب موضعه ووجب عليه أن يقوم إذا قام الامام لقول النبي (ص) إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا ولا شئ عليه في التشهد لانه مما يحمله عنه الامام، ولا ينتقض الوضوء بهذا المقدار من النوم لانه يسير انتهى. وقال في رسم له أم ولد فحاضت من السماع قال مالك فيمن نسي التشهد حتى سلم الامام وهو معه قال: يتشهد ويسلم ولا يدعو بعد التشهد. ابن عرفة: يريد ولا سجود سهو عليه لانه قد تشهد قبل سلامه وإن كان بعد سلام إمامه لانه لا يخرج من الصلاة بسلام الامام حتى يسلم هو انتهى. ويفهم منه أنه لو سلم إمامه


[ 352 ]

وقد تشهد لم يطلب فيه الدعاء. ويفهم من شرح ابن رشد أنه لو ترك التشهد بعد تذكره إياه قبل سلامه يكون حكمه حكم تارك السنن متعمدا، وأما لو لم يذكر التشهد حتى سلم هو فيمكن أن يقال عليه السجود لانه تركه وقد كان يمكنه فعله بعد سلام الامام، ويمكن أن يقال: أن يحمله عنه الامام وهو الذي يظهر وصرح به في مختصر الواضحة. وقال ابن بشير في باب حكم التشهد والامام: وأما المأموم فإذا لم يتشهد حتى سلم الامام فمقتضى أصل المذهب أنه يسلم ويجزئه تشهد الامام. وقال في العتبية من رواية ابن القاسم عن مالك: إنه يتشهد بعد سلام الامام ولا يدعو بعده ثم يسلم وهذا تدارك التشهد بعد سلام الامام، وظاهره يقتضي وجوب التشهد عليه وقدمنا متى يتدارك المأموم ما يفوته بعد الامام من الفروض وعددنا في السلام قولين، هل يمنع من الثانية لانه ركن أو لا يمنع لان المانع في عقد الركعة الثانية مخالفة الامام وها هنا لا مخالفة، وإذا وجد التدارك لعقد الركعة الخلاف في منع السلام من تدارك الفروض فأحرى أن يمنع تدارك التشهد انتهى. تنبيه: إذا نعس المأموم قبل ركوعه فهي مسألة الكتاب، فإن مكن يديه من ركبتيه ثم نعس قبل أن يرفع رأسه من الركوع فأجراها ابن يونس على الخلاف في عقد الركعة قال: فعلى قول من يقول عقد الركعة إمكان اليدين من الركبتين فهو كمن نعس بعد الركوع وقبل السجود، وعلى القول بأن عقد الركعة رفع الرأس منها فهو كمن نعس قبل الركوع وهذا بين انتهى. فائدة: مسألة من زوحم عن ركوع في أوائل كتاب الصلاة الاول من المدونة، وذكر ابن ناجي عليها كلام ابن يونس المذكور وقبله، ومسألة من زوحم عن السجود أو نعس من كتاب الصلاة الثاني في أول باب الجمعة وأشبع الكلام عليها في الطراز فانظره. ص: (ولا سجود عليه إن تيقن) ش: جعل الشارح هذا راجعا إلى المسألة الاولى وهي ما إذا لم يطمع وتبع الامام


[ 353 ]

وقضي ركعة وهو صواب. وقال البساطي: يرجع للمسألتين ما إذا لم يطمع وما إذا طمع ويفصل فيها أيضا بين أن يتيقن النقص أو يشك فيه انتهى بالمعنى. ولا يصح ذلك لانه في هذه الصلاة لم يأت شئ بعد مفارقة الامام بل إنما يأتي بالسجدة وهو في حكم الامام، فإن كانت واجبة فواضح، وإن كانت زائدة فهي زائدة في حكم الامام والله أعلم. ويمكن رجوع ذلك أيضا إلى مسألة الركوع ويفصل فيها. ص: (وإن قام إمام) ش: في صلاة رباعية بعد أن صلى أربع ركعات. ص: (لخامسة) ش: أو في ثلاثية لرباعية أو في ثنائية لثلاثية فالمأمومون على خمسة أقسام كما يفهم من التوضيح: متيقن انتفاء ما يوجب تلك الركعة، ومتيقن الموجب، وظانه، وظان عدمه، وشاك فيهما. وسيأتي عن ابن ناجي معنى اليقين. ص: (فمتيقن انتفاء موجبها) ش: لعامه بكمال صلاته وصلاة إمامه ر: (يجلس) ش: وجوبا ويسبح به فإن لم يفقه كلمة ببعضهم فإن تذكر أوشك رجع إليهم وإن بقي على يقينه وكان معه النفر اليسير أتم صلاته ولم يرجع إلى قولهم، وإن كان معه عدد كثير فعلى قول ابن مسلمة يرجع إليهم وهو الذي مشى عليه المؤلف فيما تقدم لان الغالب أن الوهم معه، وإذا كانوا قليلا وتمادى فيختلف فيهم هل يسلمون الآن أو ينتظرونه حتى يسلم بهم ويسجدون سجود السهو لانهم متيقنون أنه سها ؟ وعلى القول بأن الصلاة لا تبطل بزيادة مثل نصفها ينتظرونه حتى يدخل في السادسة فيسلمون ولا ينتظرونه. انتهى من اللخمي أكثره باللفظ وبعضه بالمعنى. ص: (وإلا) ش: أي وإن لم يتيقن انتفاء الموجب فيشمل الاوجه الاربعة الباقية بأن يكون تيقن الموجب بأن علم أن الامام إنما قام للخامسة لبطلان إحدى الاربع، أو ظن ذلك أو ظن عدم ذلك أو شك فيهما فإذا كان كذلك ص ص: (اتبعه) ش: في قيامه وجوبا أي لزمه أن يتبع الامام في قيامه للخامسة. وظاهر كلام المصنف أنهم يلزمهم اتباع الامام في أحد هذه الاوجه سواء، كان ذلك بالنسبة إلى صلاتهم وصلاة إمامهم أو إنما ذلك في صلاة أمامهم. وأما صلاتهم فيتيقنون كمالها وهذا


[ 354 ]

هو الجاري على قول سحنون الذي قدمه المنصف فما إذا سجد الامام سجدة واحدة خلافا لابن المواز. قال الهواري: الحالة الثانية أن يوقنوا بتمام صلاتهم ويشكوا في صلاة أمامهم أو يوقنوا نقصانها. فقال ابن المواز: صلاتهم تامة فلا يتبعونه لكن ينتظرونه جلوسا حتى يقضي ركعته ويصير لهم بمنزلة المستخلف بعد ركعة، فإذا لم يسلموا بسلامه وسجدوا معه لسهوه. وقال سحنون: لا تجزئهم الركعة التي أيقنوا بتمامها دونه ولا يحتسب جميعهم إلا بما يحتسب به الامام. فعلى هذا يجب عليهم إتباعه في الركعة التي قام إليها وتبطل صلاتهم إن لم يتبعوه انتهى. ونحوه لابن بشير، ومشى المؤلف على قول ابن الحاجب ويعمل الظان على ظنه لانه قال في التوضيح: ما ذكره مخالف لما نقل الباجي ولفظه: إنما يعتد من صلاته بما تيقن أداء. هذا مذهب مالك وأصحابه. وقال أبو حنيفة: يرجع إلى غالب ظنه انتهى. خليل: وقد يقال ما ذكره ابن الحاجب يتخرج على أحد القولين اللذين ذكرهما اللخمي فيمن ظن أنه (ص) أربعا، هل حكمه حكم من شك هل صلى ثلاثا أم أربعا أو يبني على الظن ؟ قولان انتهى. وقال ابن ناجي في شرحه على المدونة بعد ذكره كلام الباجي: ولا يريد الباجي باليقين هنا اليقين اصطلاحا وإنما يريد الاعتقاد الجازم انتهى. تنبيه: فإن تنبه الامام لمخالفتهم له فإن حصل له شك وجب " عليه أن يرجع إليهم، فإن تمادى ولم يفعل فقال ابن عرفة عن ابن المواز. لا تبطل صلاته إن لم يجتمع كلهم على خلافه ولو أجمعوا فخالفهم لشكه بطلت عليه وعليهم لوجوب رجوعه عن شكه ليقينهم انتهى. وإن استمر الامام على يقينه ولم يحصل له شك لمخالفتهم فيجري على القولين المتقدمين عند قول المصنف إلا لكثرتهم جدا والله أعلم. ص: (فإن) ش: فعل كل واحد ما أمر به فواضح وإن ص: (خالف) ش: من أمر بالجلوس ما أمر به وتبع الامام أو خالف من أمر باتباع الامام ما أمر به فجلس فإن كانت المخالفة المذكورة ص: (عمدا بطلت) ش: الصلاة ص: (فيهما) ش: أي في صورتي المخالفة المذكورة من القيام والجلوس. وظاهره سواء تبين بعد ذلك أن ما فعلوه من المخالفة موافق لما في نفس الامر أم لا ؟ أما إن لم يوافق فواضح، وأما إن وافق بأن يقوم عامدا من حكمه الجلوس ثم تبين أن الامام قال لموجب وإنه كان يلزمه أن يقوم مع الامام فقال الهواري: وإن آتبعه عامدا عالما بأنه لا يجوز له اتباعه يعني ثم تبين له أن الامام قام لموجب وأيقن ذلك أو شك فيه لان كلامه في ذلك قال: فظاهر قول ابن المواز صلاته تصح، ورأى اللخمي أن الصواب أن تبطل. وإذا قلنا تصح فهل يقضي ركعة أو تنوب له الركعة التي تبع الامام فيها قولان انتهى، وسيأتي كلام اللخمي. وقال ابن بشير: وإن لم يعلم بإسقاط الامام


[ 355 ]

ما يوجب قيامه للخامسة وقصد إلى العمد في الاتباع فيجري على الخلاف فيمن تعمد زيادة في الصلاة فانكشف وجوب تلك الزيادة عليه لا لاخلاله بشئ مما تقدم وفي ذلك قولان انتهى. وسيأتي تعين المشهور من القولين عند قول المصنف وتارك سجدة من كأولاه لا تجزئه الخامسة إن تعمدها وأما من كان حكمه القيام فجلس عمدا ثم تبين له وللامام زيادة تلك الخامسة وأنه لا موجب لها فالظاهر أن صلاته تصح ولا تضره مخالفته، ولم أر في ذلك نصا والله أعلم. وهذا إن كانت المخالفة عمدا ص: (لا) ش: إن كانت المخالفة ص: (سهوا) ش: فلا تبطل الصلاة في صورتي القيام والجلوس وإذا لم تبطل الصلاة ص: (فيأتي الجالس) ش: سهوا الذي كان مأمورا بالاتباع في القيام ص: (بركعة) ش: لكونه يعتقد أن الامام قام لموجب أو بشك في ذلك واستمر على ذلك ص: (ويعيدها) ش: أي الركعة ص: (المتبع) ش: للامام سهوا الذي كان مأمورا بالجلوس لكونه يعتقد انتفاء الموجب. ويريد المصنف إذا تبين له خلاف ما كان يعتقده بأن يظهر له أن الامام إنما قام لموجب ولهذا كان الاولى أن يؤخر هذا الكلام عن قوله قمت لموجب كما فعل ابن الحاجب. وقيل: لاتجزئه الركعة التي أتى بها مع الامام وهما على الخلاف فيمن ظن كما الصلاة فأتى بركعتين نافلة، ثم تذكر أنه بقي عليه من صلاته ركعتان. قاله ابن بشير والهواري. قال ابن عبد السلام وابن هارون: وأصل المشهور الاعادة هذا حكم ما يفعلونه قبل سلام الامام، فإن تبين أن قيامه كان سهوا فواضح. ص: (وإن قال قمت لموجب) ش: بأن يقول: أسقطت الفاتحة أو سقطت سجدة من ركعة من الركعات أو نحو ذلك ص: (صحت) ش: الصلاة ص: (لمن لزمه اتباعه) ش: بأن يكون من أحد الاقسام الاربعة المتقدمة في قوله ولا اتبعه ص: (و) ش: يشترط أن يكون ص: (تبعه) ش: يريد أو جلس سهوا كما تقدم ذلك وأنه يأتي بركعة وتصح الصلاة أيضا ص: (لمقابله) ش: أي مقابل القسم المتقدم وهو من تيقن انتفاء الموجب من صلاته وصلاة إمامه وجلس حتى


[ 356 ]

سلم الامام واستمر متيقنا انتفاء الموجب ولم يؤثر عنده قول الامام قمت لموجب شيئا. قال الهواري: لو أن الامام لما سلم قال: إنما قمت لاني أسقطت ركنا من الاولى فمن أيقن بتمام صلاته وصلاة إمامه وأنه لم يسة وجلس ولم يتبعه أو اتبعه ساهيا أو متأولا لاصبحت صلاته. وقال ابن بشير: ولابن يونس نحوه وسيأتي. وقال ابن ناجي: وحيث تصح للجالس فلا بد من إتيانه بركعة إذا أخبره الامام بالموجب وصدقه أو شك فيه، وإن كذبه لم يلزمه شئ انتهى. قال سحنون: وإنما تصح صلاته. ص: (إن سبح) ش: وإن لم يسبح لم تصح. قال في التوضيح: شرط سحنون في صحة صلاة الجالس التسبيح واستبعده أبوعمران، ورأى ابن رشد أنه تفسير للمذهب انتهى. واعتمد المصنف كلام ابن رشد. وأشار المصنف بقوله ص: (كمتبع تأول وجوبه على المختار) ش: إلى أن من كان متيقنا انتفاء الموجب وكان حكمه أن يجلس فجهل ذلك وتأول أنه يجب عليه اتباع الامام فتبعه في الخامس فاختلف في صلاته. هل تبطل أو تصح ؟ قال ابن بشير: وإن جهل وظن أنه يلزمه اتباعه ففي بطلان صلاته قولان، وهما على الخلاف في الجاهل هل هو كالعامد أو كالناسي انتهى. والجاري على المشهور إلحاق الجاهل بالعامد لكن مشى المؤلف هنا على اختيار اللخمي وهو القول بالصحة وسيأتي لفظه في المسألة التي بعد هذه. وإذا لم تبطل صلاته فإن استمر على تيقنه لانتفاء الموجب بعد سلام الامام ولم يؤثر عنده كلام الامام شيئا فلا يلزمه شئ، وإن زال يقينه بأن تبين له صدق قول الامام أو شك في ذلك فهل يلزمه أن يأتي بركعة أو تكفيه الركعة التي صلاها مع الامام ؟ قال الهواري: إذا قلنا في الساهي يقضي ركعة فالمتأول بذلك أولى لانه إنما قام إليها وهو يعلم أنها زائدة، وإذا


[ 357 ]

قلنا في الساهي لا يقضي فيجري في المتأول قولان انتهى. ثم قال المصنف ص: (لا لمن لزمه اتباعه في نفس الامر ولم يتبع) ش: يعني أن من كان متيقنا لانتفاء الموجب عند قيام الامام إلى الخامسة فلم يقم معه لان حكمه الجلوس، ثم لما سلم الامام قال: قمت لموجب تيقن صحة قوله أو شك فيه فإن صلاته باطلة لانه كان يلزمه أن يتبع الامام في نفس الامر ولم يتبعه لما كان في يقينه كما نقل في التوضيح عن ابن المواز وإن كان اللخمي اختار في هذا أيضا الصحة. وقال الهواري: ومن كان جلس ولم يتبعه ثم لما أخبر الامام بما أسقط تيقن صحة قوله أوشك، فظاهر قول ابن المواز تبطل صلاته. اللخمي: والصواب أن يتم لانه جلس متأولا انتهى. وقال اللخمي قال محمد: فإن قال بعد السلام كنت ساهيا عن سجدة بطلت صلاة من جلس وتمت صلاة من اتبعه سهوا أو عمدا أيريد إذا أسقطوها هم أيضا. والصواب أن تتم صلاة من جلس ولم يتبعه لانه جلس متأولا وإلا فهو يرى أنه لا يجوز له اتباعه وهو أعذر من الناعس والغافل، وتبطل صلاة من اتبعه عمدا إذا كان عالما أنه لا يجوز له اتباعه، وإن كان جاهلا يظن أن ذلك عليه اتباعه صحت صلاته انتهى. وقال ابن ناجي في شرحه الكبير قال ابن يونس: إنما تبطل في قول ابن المواز إذا لم يوقنوا بسلامتها فإن أيقنوا أنهم لم يتركوا شيئا فصلاتهم تامة انتهى. قال ابن غازي: وإنما لم يتبع المصنف اختيار اللخمي في هذه كما تبعه في التي قبلها لان اختياره في الاول وافق فيه منصوصا، ولما كان في هذه رأيا له مخالف للمنصوص عدل عنه انتهى. فيتحصل فيمن كان متيقنا لانتفاء الموجب عند قيام الامام أن حكمه أن يجلس، فإن قام عامدا بطلت صلاته، وإن تبين له بعد ذلك أن الامام قام لموجب على ما قال اللخمي أنه الصواب ونقله الهواري عنه ونقل قولا بعد البطلان وأظنه عزاه لابن المواز. وإن قام سهوا أو متأولا وجوب الاتباع فلا تبطل في السهو بلا خلاف فيما أعلم، وفي المتأول على ما اختاره اللخمي. ثم إذا سلم الامام تارة يستمران على تيقن انتفاء الموجب فلا يلزمهما شئ وتارة يظهر لهما الموجب أو يظنانه أو يشكان فيه، فهل يكتفيان بتلك الركعة أو يعيدانها ؟ قولان، وشئ المصنف أن الساهي يعيدها. وقال الهواري: المتأول أحرى وإن لم يقم هذا الذي حكمه الجلوس حتى سلم الامام وقال: قمت لموجب فتارة يستمر على يقينه لانتفاء الموجب فهذا صلاته صحيحة إن كان سبح كما قال المصنف ولمقابله إن سبح، وتارة يزول عنه تيقن انتفاء الموجب ويحصل له أحد الاوجه الاربعة، فهذا تبطل صلاته وهو الذي أشار إليه بقوله لا لمن لزمه اتباعه في نفس الامر ولم يتبع فأما من لم يتيقن انتفاء الموجب فيلزمه الاتباع فإن اتبعه فواضح أن حكمه حكم الساهي، وإن خالف عمدا بطلت صلاته، وإن


[ 358 ]

خالف سهوا أتى بركعة كما تقدم فتأمله. والمسألة مبسوطة في الهواري ويؤخذ أكثر وجوهها من التوضيح. ص: (ولم تجز) ش: هذه الركعة الخامسة ص: (مسبوقا) ش: فاتته ركعة أو أكثر وتبع الامام في الركعة التي قام إليها وقد (علم بخامسيتها) ش: وإذا لم تجزه الركعة فهل تبطل صلاته أم لا ؟ لا يخلوا إما أن يكون الامام لم يسقط شيئا وإنما قام سهوا، أو يكون قام لموجب، فإن كان لم يسقط شيئا بطلت صلاة المسبوق لانه كان يجب عليه أن لا يتبعه فيها حيث علم بخامسيتها. نقله في التوضيح عن ابن يونس والمازري ونقله الهواري. وإن تبين أن الامام قام لموجب فظاهر كلامه في التوضيح أن صلاته لا تبطل، وأنه اختلف في إجزاء الركعة التي صلاها، والقول بالاجزاء لابن المواز وبعدمه لمالك وصدر به. وقال الهواري: يجري فيها الخلاف الذي إن تعمد زيادة في صلاته ثم انكشف له وجوبها عليه قال: إلا أن يجمع كل من خلف الامام على أنه لم يسقط شيئا فلا خفاء في البطلان انتهى. ص: (وهل كذلك) ش: لا تجزئه الركعة ص: (إن) ش: تبع الامام فيها وص: (لم يعلم) ش: بخامسيتها ص: (أو تجزئ) ش: الركعة ص: (إلا أن يجمع مأمومه على نفي الموجب قولان) ش: وظاهر كلامه إن القول الاول يقول بعدم الاجزاء مطلقا ولم أقف عليه. والذي اقتصر عليه في


[ 359 ]

التوضيح أنه إن لم يعلم تجزئه عند مالك وابن المواز والذي ذكره ابن يونس والهواري , أنه تجزئه إلا أن يجمع مأموموه على نفي الموجب. وهذا كله إذا تبين أن الامام إنما قام لموجب عنده، وأما إن لم يتبين فذكر الهواري أن صلاته صحيحة ولا تجزئه الركعة. تنبيهات: الاول: قال ابن غازي: المراد بنقي الوجب نفي الاسقاط عن أنفسهم لا عن إمامهم انتهى. وقد اعتمد في ذلك على كلام ابن يونس وهو إنما عزاه لابن المواز. وهو بناء على مذهبه المتقدم أن الامام إذا ترك ركنا يفعله المأموم ويجزئه ولا يعيده مع الامام، وقد علمت أن مذهب سحنون الذي مشى عليه المصنف أنه لا يعتد بذلك وأنه يعيده معه، فعليه يكون المراد بنفي الموجب عن صلاتهم وصلاة إمامهم فتأمله. الثاني: فهم من كلامه المتقدم أنه إذا علم المسبوق بالزيادة فيجب عليه أن لا يتبع الامام ويجلس، فلو فعل ذلك ثم لما سلم الامام أخبر بموجب قيامه فصدقه المسبوق على ذلك أو شك فيه. قال الهواري: إن أجمع كل من خلفه على خلافه أجزأت هذا صلاته. إذا قضى ما سبقه به الامام، وإن أجمع الامام وكل من خلفه على ذلك يعني الموجب أعاد هذا صلاته. وعلى رأي اللخمي تصح صلاته لانه إنما جلس متأولا لكن بعد أن يقضي ركعة. الثالث: إذا علم المسبوق موجب قيام الامام وأنه قام إليها عوضا عن ركعة فاتته، فهل يتبعه فيها ؟ ذكر ابن بشير في ذلك قولين بناهما على الخلاف في الركعة التي يأتي بها الامام هل هي قضاء أو بناء، والمشهور أنها بناء فيتبعه فيها، والمفرع الذي قبل هذا يظهر أنه مفرع على هذا القول المشهور فتأمله والله أعلم. ص: (وتارك سجدة من كأولاه لا تجزئه الخامسة إن تعمدها) ش: أجاد رحمه الله تعالى فيما قاله ويعني أن من ترك سجدة من الاولى ساهيا وفات التدارك بعقد الثانية أو من الثانية وفات التدارك بعقد الثالثة أو من الثالثة وفات التدارك بعقد الرابعة وقام إلى خامسة عمدا ثم تذكر أنه كان أسقط سجدة من الاولى أو من الثانية أو من الثالثة فلا تجزئ هذه الخامسة عن الركعة المتروك منها السجدة، وإذا لم تجزه فالمشهور تبطل صلاته بزيادة تلك الركعة. وقيل: تصح. نقله الهواري. واستغنى المصنف عن ذكره لانه قدم أن تعمد كسجدة مبطل فأحرى الركعة. ومفهوم الشرط في قوله أن تعمدها أنه لو قام إليها ساهيا لاجزأته صلاته وهو اختيار ابن المواز وقال: إنه الصواب. وقال ابن القاسم: لا تجزئه ويأتي بركعة وصلاته صحيحة على القولين جميعا. نقله في الذخيرة. وقال الاقفهسي عن ابن


[ 360 ]

فصل في سجود التلاوة غلاب في وجيزه: من صلى خامسة عامدا فذكر سجدة من الاولى فقيل تجزئه وقيل لا تجزئه وهو المشهور، لانه لاعب. وإن صلى خامسة ساهيا فذكر سجدة من الاولى فالمشهور أنها تجزئه انتهى. وهو معنى كلام المصنف منطوقا ومفهوما. فصل في سجود التلاوة فرع: ولا يرفع يديه بالتكبير عندنا قاله الفاكهاني قال: ولا يجزئ عنها الركوع عندنا ولا الايماء إلا للمتنفل على الدابة في السفر انتهى. ص: (إن صلح ليؤم) ش: أي يكون ذكرا بالغا. في التوضيح: فإن كان القارئ امرأة أو غير بالغ لم يسجد بقراءته. وعلى القول بجواز


[ 361 ]

إمامة الصبي في النافلة ينبغي أن يسجد. واختلف إذا كان على غير وضوء أو كان ولم يسجد، المشهور الامر لان كلا منهما مأمور فليس ترك القارئ بالذي يسقط على المستمع. ص: (في إحدى عشرة) ش: وابن وهب وابن حبيب خمس عشرة. وقيل: أربع عشرة. فقيل اختلاف. وقال حماد ابن إسحاق: الجميع سجدات والاحرى عشرة العزائم. قال ابن فرحون: وطريقة


[ 362 ]

حماد حمل الروايات على الوفاق، وجمهور الاصحاب على حملها على الخلاف. قال: وفائدة هذا الخلاف تظهر فيما إذا أراد أن يسجد بذلك في الصلاة فما قلنا إنه ليس من العزائم فلا يسجد به في الصلاة. قال سند: ويمتنع عند مالك أن يسجد المصلي بذلك لانه يزيد في صلاته فعلا مثله يبطل الصلاة، وعزائم السجدات مؤكداتها انتهى. ص: (وكره سجود شكر) ش: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ولا يسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء. ويقوم من كلام الشيخ أن سجود الشكر على القول به يفتقر إلى طهارة وهو كذلك على ظاهر المذهب، واختار بعض من لقيناه من القرويين عدم افتقاره إليها لما أنه إذا تركه حتى يتوضأ أو يتطهر أو يتيمم زال سر المعنى الذي أتى بسجوده له انتهى. ص: (وجهر بها بمسجد) ش: أي بالقراءة. قال في المدخل: وكره مالك رفع الصوت بالقراءة والتقريب فيه انتهى بالمعنى. وقال بعده: المسجد إنما بني للصلاة، وقراءة القرآن تبع للصلاة ما لم تضر بالصلاة، فإذا أضرب بها منعت. ثم قال: وهذه المسألة لا يعلم فيها خلاف بين أحد من متقدمي أهل العلم أعني رفع الصوت في القراءة والذكر في المسجد مع وجود مصل يقع له التشويش بسببه انتهى. ثم قال: وليس لقائل أن يقول: إن القراءة والذكر جهرا أو جماعة تجوز في المسجد لنص العلماء أو فعلهم وهو أخذ العلم في المسجد، لان مالكا سئل عن رفع الصوت بالعلم في المسجد فأنكر ذلك وقال: علم ورفع صوت ؟ فأنكر أن يكون علم فيه رفع صوت وفيه كانوا يجلسون في مجالس العلم كأخي السرار. فإذا كان مجلس العلم على سبيل الاتباع فليس فيه رفع صوت، فإن وجد فيه رفع صوت منع وأخرج من فعل ذلك انتهى. ص: (وقراءة بتلحين) ش: قال في الرسالة: ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله، ولا أن تتلذذ


[ 363 ]

بسماع كلام امرأة لا تحل لك، ولا بسماع شئ من الملاهي والغناء، ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيع الغناء انتهى. فجعل ذلك ممنوعا. وقال في المدخل: واختلف علماؤنا هل يجوز التغني بالقرآن أم لا. فذهب مالك وجمهور أهل العلم إلى أن ذلك لا يجوز، وذهب الشافعي ومن تبعه إلى أن ذلك يجوز. ثم قال: وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يفهم معنى القرآن بترديد الاصوات وكثرة الترجيعات فإن زاد الامر على ذلك حتى صار لا يعرف معناه فذلك حرام بالاتفاق كما يفعله القراء بالديار المصرية الذين يقرؤون أمام الملوك والجنائز انتهى. ص:


[ 364 ]

(كجماعة) ش: قال في المدخل: لم يختلف قول مالك أن القراءة جماعة والذكر جماعة من


[ 365 ]

البدع المكروهة انتهى. ص: (وفي كره قراءة الجماعة على الواحد روايتان) ش: انظر رسم


[ 366 ]

سن من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ورسم لم يدرك من سماع عيسى وسماع أشهب، وانظر رسم سلعة سماها ورسم حلف بعده وكلامهم في أوائل سماع ابن القاسم انتهى. ص: (ومجاوزتها المتطرف وقت جواز وإلا فهل يجاوز محلها أو الآية تأويلان) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: فلو قرأها غير متوضئ تعداها على المشهور، فلو سجدها كذلك أساء وأعاد إن أمكن في الحال وله نحو ذلك في شرح الرسالة وقال: وأعاد إن أمكن في الحال. وانظر ما معنى قوله وأعاد إن أمكن في الحال وإلا فهي سنة والسنة لا تقضى انتهى. وقال في الارشاد: ويتجاوزها وقت الكراهة والحدث ويتلو بعده ويسجد. قال الشارح: لم يذكروا ما ذكره من قضائها وانظره انتهى. وقد تبع صاحب الشامل صاحب الارشاد في ذلك فانظره. وقد ذكره ابن الجلاب وجعل صاحب الطراز ما ذكره ابن الجلاب ونقله صاحب الارشاد من أنه يعيد السجدة إذا زال المانع خلاف المذهب ونصه: وإذا خطر فيها من لم يكن على طهارة أو كان في وقت لا يسجد فيه فالمذهب أنه لا شئ عليه. وقال ابن الجلاب:


[ 367 ]

يقرؤها إذا تطهر أو خرج وقت النهي ويسجد لها، والاول أبين لان القضاء من شعائر الوجوب وليس هذا بواجب حتى يقضي انتهى. ص: (وتعمدها بفريضة) ش: وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: فإذا قرأ سورتها استحب له ترك قراءة السجدة نفسها، فإن قرأها سجد وأعلن بها في السر انتهى. وأصله للخمي في تبصرته. ص: (وإن قرأ في فرض سجد) ش: فرع: قال البرزلي في أحكام ابن الحاجب: والصواب أن يسجد إذا قرأ سورة فيها سجدة في فريضة صلاها في وقت نهي. البرزلي لانها تابعة لقراءة الفريضة فأشبهت سجود السهو. ولا خلاف فيه إن كان قبل السلام أنه يسجد ولو صلاها في وقت نهي فكذا هذه. فرع: قال في الطراز في فصل السهو في السجود خلف المخالف: لو كان الامام لا يرى السجود في ص لم يجز للمأموم أن يسجد، ولو كان يرى السجود في النجم فسجد وجب على المأموم أن يسجد معه. ص: (وإلا اتبع) ش: فإن لم يتبعوه صحت صلاتهم. نقله ابن عرفة. ومن مسائل ابن قداح: إذا صلى الامام بسورة السجدة وسجد ولم يتبعه الجماعة فقد أساؤوا الصلاة صحيحة انتهى. قال البرزلي: فيها نظر على أصل المذهب انتهى. فرع: قال ابن عرفة اللخمي: ولا يسجدها المأموم وإن لم يسجدها الامام انتهى. ص: (ومجازوها بيسير يسجد) ش: قال في التوضيح ابن راشد: اليسير مثل أن يقرأ الآية والآيتين.


[ 368 ]

ابن عبد السلام: بناء على أن ما قارب الشئ يعطي حكمه. ص: (إلا المعلم والمتعلم فأول مرة) ش: يريد إذا كان المعلم هو القارئ وإلا فيشكل مع قوله أول الفصل إن جلس ليتعلم. المازري: وإذا كان المتعلمون جماعة يقرؤون على المعلم الواحد واحدا بعد واحد فإنه


[ 369 ]

فصل: صلاة النافلة يسجد كل واحد من المتعلمين، وقاله الفاكهاني. وقال ابن عرفة: اللخمي والمازري: وعلى القول بسجود المعلم والمتعلم أول مرة إن قرأ معلم آخر تلك السجدة سجدها وحده، وإن قرأ غيرها سجداها لان قارئ كل القرآن لا يسجد كل سجداته انتهى. فصل في النفل ش: الظاهر والله أعلم أن مراده هنا بالنفل معناه اللغوي وهو الزيادة لا النفل الذي تقدم أنه من أقسام المندوب. والمعنة أن ما زاد على الفرائض والسنن المؤكدة من الصلوات فحكمة الندب أي الاستحباب ومنه ما يتأكد استحبابه كما أشار إليه بقوله ص: (وتأكد بعد مغرب كظهر وقبلها كعصر بلا حد) ش: ولم يذكر العشاء اكتفاء بما يذكره في الشفع والوتر. وعد صاحب الوغليسية مع المواضع المذكورة بعد العشاء. قال الشيخ زروق: وأما ما قبل العشاء فلم


[ 370 ]

يرد فيه شئ معين لكن قوله عليه الصلاة والسلام بين كل أذانين صلاة الحديث في مسلم. والمراد بالاذانين الاذان والاقامة لانهما إعلامان، وقيل تغليبا، أو المغرب مستثناة من ذلك على المشهور والله أعلم. وأما الصبح فمعلوم أنه لا نفل بعدها ولا قبلها إلا ركعتي الفجر. فرع: قال في المدونة: ومن دخل مسجد قد صلى أهله بجائز أن يتطوع قبل المكتوبة إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة. قال ابن ناجي قال المغربي: قوله وكان ابن عمر يحتمل أن يكون جاء به على معنى الدليل وكأنه قال: جاز أن يتطوع قبل المكتوبة إن كان في بقية الوقت والاولى أن يبدأ بالمكتوبة وقد كان ابن عمر يبدأ بها انتهى. وفي الطراز: أما جواز ذلك فمتفق عليه مع سعة الوقت، وعلى منعه إذا لم يبق إلا قدر المكتوبة، ومع الاتساع فما الاحسن ليس في الكلام دليل على شئ من ذلك ثم ذكر فعل ابن عمر. قال: وعن سعيد ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وغير واحد من أهل العلم مثله، ولانه إنما أتى بقصد الفريضة إذا لم يشتغل بغيرها كان حرصا عليه وطلبا لها فيرجى حصول الثواب، ولان ذلك أقرب لوقت الفضيلة وهو أول الوقت انتهى. وقال الباجي في جامع الصلاة: إذا دخل الانسان المسجد يريد أن يصلي صلاة فرض، فلا يخلو إما أن يكون قد ضاق الوقت أو يكون فيه سعة. فإن ضاق الوقت بدأ بالفريضة ولا يجوز له أن يصلي قبلها نافلة، وإن كان في سعة فهو بالخيار إن شاء أن يبدأ بالنافلة قبل الفريضة فله ذلك، وإن شاء بدأ بالفريضة وهو الاظهر من فعل ابن عمر انتهى. ففهم من كلامهم أن الاولى تقديم الفريضة. وفي التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في الاوقات وهو للمنفرد أول الوقت قال ابن العربي في القبس: والافضل للمنفرد تقديم الفرض على النفل ثم يتنفل بعد الصلاة قال: وقد غلط في ذلك بعد المتأخرين انتهى. وينبغي أن يقيد هذا بما إذا كانت الصلاة يجوز التنفل بعدها، وأما ما لا يجوز كالعصر والصبح فلا. وهو يؤخذ من قوله ويتنفل بعدها انتهى كلام التوضيح. وقال ابن الحاجب في مناسكه لما تكلم على فورية الحج وتراخيه: الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، فإن عجلها فيه فقد أدى فرضه وتعبيلها نفل والتنفل قبلها وأداؤها بعد ذلك في الوقت أفضل. فإن قال قائل: فقد روى ابن مسعود أن النبي (ص) سئل: أي الاعمال الافضل ؟ فقال: الصلاة لاول وقتها. فليس في هذا حجة لانه يمكن أن يريد بذلك الصلاة في أول وقتها بعد التنفل قبلها بدليل ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين. رواه عنه ابن عمر انتهى. فرع: قال في المدونة قال في كتاب الصلاة الاول: من ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها وليبدأ بها إلا أن يكون في سعة من وقتها. قال ابن ناجي قال أبو إبراهيم: يؤخذ منها أن قضاء المنسية على الفور كما قال ابن رشد في الاجوبة أنه لا يتنفل ولا قيام رمضان إلا وتر


[ 371 ]

ليلته وفجر يومه. قلت: وقال ابن العربي يجوز له أن يتنفل ولا ينحس نفسه من الفضيلة انتهى والله أعلم. فرع: قال في المدخل في آداب طالب العلم: ينبغي له أن يشد يده على مداومته على فعل السنن والرواتب وما كان منها تبعا للفرض قبله أو بعده، فإظهارها في المسجد أفضل من فعلها في بيته كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل عدا موضعين كان لا يفعلهما إلا في بيته بعد الجمعة وبعد المغرب. أما بعد الجمعة فلئلا يكون ذريعة لاهل البدع الذين لا يرون صحة الجمعة إلا خلف إمام معصوم، وأما بعد المغرب فشفقة على الاهل لان الشخص قد يكون صائما فينتظره أهله وأولاده للعشاء ويتشوقون إلى مجيئه فلا يطول عليهم انتهى. وقاله أيضا في آداب الامام والمؤذن، وانظر الابي في شرح مسلم في موضعين والله أعلم. وقوله وتأكد بعد مغرب لحديث الترمذي والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ركعتين بعد المغرب. ولحديث مسلم الآتي، ولحديث ابن ماجة من صلى ست ركعات بعد المغرب لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة ثنتين عشرة سنة وقوله كظهر وقبله لحديث الترمذي وأبي داود والنسائي وأحمد من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمة الله على النار. وقوله كعصر لحديثهم إلا النسائي رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا قال العلماء: ودعاؤه (ص) مقبول. وعز الفاكهاني هذا الحديث للموطأ ومسلم فانظره. والعز والمذكور من الترغيب والترهيب فتأمله والله أعلم. ولحديث الطبراني من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار ويدل للجميع حديث مسلم ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة زاد الترمذي أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة. ورواه بالزيادة ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم إلا أنهم زادوا ركعتين قبل العصر ولم يذكروا ركعتين بعد العشاء والله أعلم. ص: (والضحى)


[ 372 ]

ش: لحديث أبي هريرة أوصاني خليلي (ص) بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد متفق عليه ومثله عن أبي الدرداء رواه مسلم. والضحى مقصور. فائدة: شاع عند العوام أن من صلى الضحى يلزمه المواظبة عليها وأنه إن تركها عمي أو أصابه شئ وذلك باطل، بل حكمها حكم سائر النوافل تستحب المداومة عليها ومن تركها فلا إثم عليه ولا حرج. وقد خرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي (ص) يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب انتهى. وخرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) من حافظ على شفعة الضحى غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر انتهى. فرع: قال في التوضيح قال ابن رشد: وأكثر الضحى ثمان ركعات وأقله ركعتان


[ 373 ]

انتهى. وقال القاضي عياض في قواعده. وصلاة الضحى وهي ثمان ركعات وقد اختلفت الرواية فيها من جثنتين إلى ثنتي عشرة انتهى. وقد ورد فيها أحاديث متعددة. تنبيه: روي عن عائشة رضي الله عنها إنكار صلاة الضحى. قال في الاكمال: والاشبه الجمع من أنها إنما أنكرت صلاة الناس المعهودة على ما اختار بعض السلف من صلاتها ثمان ركعات وأنه إنما كان يصلي أربعا كما قالت ثم يريد ما شاء. وعلى هذا يجمع بين الاحاديث المختلفة في عددها لان أقل ما يكون ركعتين، ثم كان عليه الصلاة والسلام يزيد فيها أحيانا ما شاء الله. فرع: أول وقتها ارتفاع الشمس وبياضها وذهاب الحمرة وآخره الزوال. قاله الجزولي والشيخ زروق. زاد في شرح الولد غليسية: وأحسنه إذا كانت الشمس من المشرق مثلها من المغرب وقت العصر انتهى. ويشهد لذلك أحاديث. ص: (وجهر ليلا) ش: دخل في كلامه الوتر وقد صرح بذلك في الرسالة ونصه. ثم تصلي الشفع والوتر جهرا. ولما عد الازري مواضع


[ 374 ]

الجهر في الصلاة عد منها الوتر قال: إلا لمانع كما سيأتي بيانه. ثم ذكر الوتر ذكر عن بعض الحذاق أن الامام يجهر فيه وأن الناس إذا أوتروا في المساجد يسرون لئلا يجهر بعضهم على بعض انتهى بالمعنى ولعله أشار ببعض الحذاق للباجي فقد نقل عنه ابن عرفة نحو ذلك. ص: (وتحية مسجد) ش: أما لو اتخذ موضعا للصلاة فلا يطلب فيه بالتحية وانظر الجزولي. فرع: إذا صلى التحية ثم خرج لحاجة ثم رجع بالقرب فهل يكرر التحية ؟ ذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف نظائرها هل تكرر أم لا منها هذه. ثم قال: وهذا كله بخلاف السلام فإني لم أر فيه خلافا بل يسلم على من لقي ولو لم يحل بينهما إلا شجرة، على هذا مضى عمل السلف وقبله شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي وكان يفتي به وهو صواب لتأكد السلام انتهى. وقال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب: ولو ركع عند دخوله ثم جلس ثم عرضت له حاجة فقام إليها خارجا عن المسجد ثم رجع بالقرب لم يلزمه أن يركع ثانية انتهى. فائدة: قال الشيخ زروق في شر الارشاد: وذكر الشيخ أبو طالب والغزالي وغيرهما أن من قال سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع مرات كان له ذلك مقام


[ 375 ]

التحية فقال النووي: ينبغي أن يستعمل ذلك في أوقات النهي لمكان الخلاف. انتهى وهو حسن. ص: (وتحية مسجد مكة الطواف) ش: يعني أن من دخل مسجد مكة يعني المسجد الحرام فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت، وهذا في حق القادم المحرم فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم إن كان محرما بحج أو قران، وبطواف العمرة إن كان محرما بعمرة، وبطواف الافاضة إذا دخله بعد الرجوع من عرفة، ولا يطلب منه الركوع عند دخوله. وكذلك غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله فتحية المسجد في حقه الطواف ولا يطلب منه حينئذ الركوع، وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف ولم يكن نيته الطواف فإنه يصلي ركعتين إن كان في وقت تحل فيه النافلة وإلا جلس كغيره من المساجد. قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: سئل مالك عن الذي يدخل المسجد الحرام أيبدأ بالركعتين أم بالطواف ؟ قال: بالطواف. قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين انتهى. تنبيه: فإذا دخل المسجد الحرام من يريد الطوا ف وطاف أجزأه ذلك عن التحية وهذا بين لا إشكال فيه. وتوهم بعض الناس من كلام ابن عرفة أنه يطلب منه الركوع للتحية بعد


[ 376 ]

الطواف فإنه قال: وسمع القرينان تأخير داخل المسجد الحرام ركوعه لطوافه انتهى. وفي بعض النسخ عن طوافه وهذا توهم بعيد فإن ركعتي التحية لا تفتقر لنية تخصها فأي صلاة حصلت عند دخول المسجد كفت عن التحية، فريضة كانت أو نافلة. والمسألة التي ذكرها ابن عرفة هي في رسم الحج من سماع أشهب من كتاب الحج قال فيه: وسئل مالك عن الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت ؟ قال: بل يبدأ بالطواف بالبيت أحب إلي قيل له: أيبدأ بالطواف أحب إليك ؟ قال: نعم. قال ابن رشد: إنما استحب ذلك لانها من السنة من فعل رسول الله (ص) وفي حديث جابر أنه لما أتى النبي (ص) استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * فجعل المقام بينه وبين القبلة وصلى ركعتين ثم رجع إلى الركن فاستلمه وخرج من الباب إلى الصفا فقال: نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا انتهى. ولو قال الشيخ ابن عرفة وسمع القرينان استحباب بدء داخل المسجد الحرام بالطواف دون الركوع لكان أبين والله أعلم. فرع: إذا جلس قبل أن يرجع فيستحب له أن يقوم فيركع من ابن فرحون على ابن الحاجب. فرع: إذا كان مجلسه بعيدا عن باب المسجد قيل يصلي التحية عند دخول المسجد ثم يمضي إلى موضعه. انتهى من الشيخ يوسف بن عمر على الرسالة. ص: (وتراويح) ش: قال في المسائل الملقوطة: قول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه) ش: عبد الحق: يعني بالبدعة جمعهم على قارئ واحد لانهم كانوا قبل ذلك يصلون أو زاعا فجمعهم رضي الله عنه على قارئ واحد، فهذا الجمع هو البدعة لا الصلاة. فإن قيل: قد صلى بهم (ص) ثم ترك فكيف يجعل جميعهم بدعة ؟ فيقال: لما فعله عليه الصلاة والسلام ثم ترك فتركه السنة وصار جمعهم بعد ذلك بدعة حسنة. وأجاب سند بأنه أراد بالبدعة جمعهم مواظبة في المسجد في أول الليل على قارئ واحد لا أصل الصلاة. أما قيام رمضان فكان مشروعا كما بينا بل كان في أول الليل على قارئ واحد لا أصل الصلاة. أما قيام رمضان فكان مشروعا كما بينا بل كان قيام الليل بينهم معتادا فضلا عن رمضان، ألا ترى إلى قول عمر والتي ينامون عنها أفضل فخير قيام صلاة آخر الليل فلم تتحقق البدعة في ذلك من كل وجه لان النبي (ص)


[ 377 ]

جمع بالناس إلا أنه ما واظب خشية أن تفرض عليهم فعقلوا أن الترك إنما هو لاجل العلة المذكرة. فلما زالت بأمنهم تجدد الاحكام بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فعلوا ما علموا أنه كان مقصوده فوقعت المواظبة في الجمع بهم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام أمرا لم يكن فسميت بذلك بدعة إلا أن له أصلا في الجواز على ما بيناه فلم تكن في الحقيقة بدعة. وأما وقتها فبعد صلاة العشاء وقبل الوتر من خط القاضي جمال الدين الاقفهسي انتهى. وقال الشيخ أحمد زروق في شرح الارشاد: وكونها بعد صلاة العشاء وقبل الوتر هي السنة انتهى. وقال الجزولي في الشرح الكبير قول الرسالة: والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام يعني بعد صلاة العشاء، وأما من يصلي قبل صلاة العشاء فلا فرق بينه وبين سائر النوافل. وذكر بعضهم فيه قوله أنه يجوز ونسبه لابن أبي زيد ولكنه غير بين والصحيح بعد صلاة العشاء انتهى. وسئل عز الدين عمن يصلي قيام رمضان قبل العشاء هل يكون فاعلا للقيام المشروع أم لا ؟ فأجاب بأن قيام رمضان إنما هو بعض العشاء. البرزلي: قد يتخرج على القول بتقديم الوتر عقيب العشاء الآخرة ليلة الجمع ويجمعه الامام بالاميين للضرورة أن يكون القيام، كذلك إذا اضطر إليه لخوف التجمع وجهل كثير الجماعة بالقراء. انتهى من البرزلي. وقال الشيخ أبو الحسن في الشرح الكبير في آخر كتاب الصيام: ووقته بعد صلاة العشاء، وأما ما قبل صلاة العشاء كما يفعله بعض البلاد إذا أفطروا أتوا المسجد ثم يصلون إلى أن يغيب الشفق ثم يصلون العشاء ثم يصلون ما بقي لهم وينصرفون، فليس ذلك من القيام المرغب فيه وهو مكروه من وجهين: أحدهما فعله في غير وقته، والثاني تنفلهم في جماعة وذلك لا يجوز، إلا في القيام المعهود، فإن السنة في هذا القيام أن تكون بالليل كذلك فعل السلف والخلف. وقد ذكره بعض الناس قيامهم كذلك في غير رمضان لان ذلك ليس بقيام السلف، وانظر على هذا لو جمعوا المطر لمن شاء ذلك أن يفعله قبل مغيب الشفق وليس له ذلك إلا بعد مغيب الشفق كما ليس له تقديم الشفع والوتر قبل مغيب الشفق انتهى. وفي كلام ابن عرفة إشارة إلى ذلك ونصه: ومن دخل وهم يصلون وعليه العشاء قال ابن حبيب: له تأخيرها للدخول معهم ما لم يخرج مختارها. وروى ابن وهب وابن نافع: لا يؤخرها. وروى ابن القاسم: يصليها وسط الناس ومرة بمؤخر المسجد ونحوه للجلاب. قلت: مقتضاه عدم إجزاء القيام قبل العشاء كفعل بعض أهل العلم في زماننا بالصيف انتهى. وفي الابي شرح مسلم: المعروف أنه بعد العشاء الآخرة، فلو أراد الامام أن يقدمه عليها منع. وكنت إماما بجامع التوفيق وهو بالربض فصليته قبل العشاء فدخلت فلقيني شيخنا أبو عبد الله محمد بن عرفة فقال لي: من استخلفت يصلي لك القيام ؟ قلت: صليته قبل العشاء ودخلت. فقال لي: أعرفك أورع من هذا وهذا لا يخلصك انتهى. فرع: تكره التراويح لمن عليه صلوات. نقله ابن فرحون في الالغاز عن مسائل ابن قداح.


[ 378 ]

وقال أيضا قال ابن رشد: من عليه صلوات فوائت فلا يجوز أن يتطوع من النوافل إلا بوتر ليلته وفجر نهاره انتهى. فرع: قال في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الصلاة فيمن افتتح الركعة التي يختم بها بأم القرآن ثم يريد أن يبدأ القرآن من سورة البقرة، أيفتتح بأم القرآن لابتدائه القرآن من أوله ؟ قال: يفتتح البقرة ويدع أم القرآن لانه لا يقرأ أم القرآن في ركعة مرتين. ابن رشد: لان السنة في كل ركعة مرة كما قال رسول الله (ص) للذي علمه الصلاة انتهى. ونقله في الذخيرة عن صاحب الطراز. ص: (والختم فيها) ش: قال الابي في شرح مسلم: والختم ليس بسنة ما لم يكن العرف الختم كالعرف اليوم في مساجد تونس، فلا بد من الختم حتى لو كان الامام لا يحفظ فيستأجر من يحفظ لان العرف كالشرط انتهى. ثم ذكر كلامه المتقدم بلفظ وكذلك العرف أيضا إلى آخره والله أعلم. ص: (ثم جعلت تسعا وثلاثين) ش: كره مالك أن ينقص من ذلك ذكره في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصوم. ص: (وقراءة شفع بسبح والكافرون ووتر بإخلاص ومعوذتين) ش: لما ذكر المازري ما أورده ابن عرفة عليه قال: لكن ما يحتج به للمذهب الذي كنا اخترناه أن غيرهما ممن حكى قيام النبي (ص) وعدد ركعاته ووصفها لم يذكروا أنه خص الركعتين اللتين يليهما الوتر بقراءة فذهب إلى المعارضة فقط والله أعلم.


[ 379 ]

تنبيه: قال في الكافي: وكان مالك يستحب أن يقرأ في الوتر في الاوليين من الوتر بأم القرآن * (وقل هو الله أحد) * في كل ركعة منهما ويقرأ في الثالثة بأم القرآن * (وقل هو الله أحد) * والمعوذتين انتهى. فتأمله فإني لا أعرفه لغيره. وقوله ومعوذتين بكسر الواو. قاله الفاكهاني في شرح الرسالة وقاله النووي في التبيان. ص: (وفعله لمنتبه آخر الليل) ش: هذا إذا كان يصليه الارض، وأما السفر إذا صلى العشاء بالارض ونيته أن يرحل وينتفل على دابته فاستحب له في المدونة أن يصلي الوتر بالارض ثم يتنفل على دابته والله أعلم. وهذه تصلح لان يلغز بها فيقال: رجل صلى العشاء ونيته أن يتنفل يقدم الوتر قبل تنفله. تنبيه: من النوافل المرغب فيها قيام الليل ويستحب للقائم من الليل أن يقرأ عند انتباهه * (إن في خلق السموات والارض) * الآيات آخر سورة آل عمران. ورد بذلك الحديث في الصحيحين ونص على استحبابه القرطبي في تفسيره. فرع: قاله في النوادر في جامع القول في صلاة النوافل ومن المجموعة: قيل لمالك فيمن يريد أن يطول التنفل فيبدأ بركعتين خفيفتين فأنكر ذلك وقال: يركع كيف شاء، وأما إن كان هذا شأن من يريد طول التنفل فلا انتهى. وانظر الابي في شرح مسلم وقد صرح النووي أن ذلك من سنن التهجد. فرع: قيل لمالك: أيتنفل الرجل ويقول إن كنت ضيعت في حداثتي فهذا قضاء تلك ؟ قال: ما هذا من عمل الناس انتهى. انظر شرح الرسالة لسيدي أحمد زروق. ص: (ولم يعده مقدم ثم صلى وجاز) ش: تصوره واضح. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولو أراد التنفل


[ 380 ]

بعد وتره أول الليل لنية حدثت له جاز ويكره بلا فاضل عادي انتهى. ص: (وعقيب شفع منفصل بسلام) ش: الافصح في عقيب ترك الياء قاله في شرح جمع الجوامع، والمعنى أنه يستحب أن يكون الوتر عقب شفع، وهذا على أن الشفع قبله للفضيلة لا للصحة وهو الذي صدر به ابن الحاجب وصاحب الشامل وعطف مقابله بقيل قال في التوضيح: وكلامه يقتضي أنه المشهور وشهر الباجي أنه للصحة. فرع: قال ابن الحاجب: وفي كونه لاجله قولان. قال في التوضيح: يعني أنه اختلف هل يشترط في ركعتي الشفع أن يخصهما بالنية أو يكتفي بأي الركعتين كانا وهو الظاهر انتهى. وقال في الشامل: ولا يشترط كونه لاجله على الاظهر انتهى. وقال ابن بشير: الصحيح أنه


[ 381 ]

مخير إن شاء أتى بشفع يختص بها وإن شاء أتى بها بعد نافلة غير مختصة بها. انتهى من تصحيح ابن الحاجب. فرع: قال ابن الحاجب: ثم شرط في اتصاله قولان. قال في التوضيح: ليس مرتبا على أنه لاجله بل هو كما قال ابن شاس، وإذا قلنا بتقديم شفع ولا بد فهل يلزم اتصاله بالوتر، أو يجوز وإن فرق بينهما بالزمن الطويل قولان انتهى. وقال البرزلي: مسألة من صلى ركعتي الشفع ثم اشتغل بشغل خفيف ثم أوتر صح ذلك وإن تطاول أعاد الشفع وصلى الوتر. قال البرزلي: قلت هذا بين على وجوب الاتصال وأقره في العتبية، والمشهور أنه ليس من شرطه الاتصال فعلى هذا لا يعيد الشفع مطلقا انتهى. لكن الاتصال مستحب على المشهور فعلى هذا إذا طال الفصل استحب إعادة الشفع. وقاله في أواخر الرسم الاول من سماع أشهب من كتاب الصلاة فيمن يصلي العشاء ويصلي بعدها ركعات ثم يجلس ثم يبدو له أن يوتر، أو يوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها ؟ قال: أرجو أن يكون له سعة في أن يوتر بواحدة ولا يصلي قبلها إذا كان ركع بعد العشاء. قال ابن رشد: قوله يوتر بواحدة وإن طال ما بين الركعتين والواحدة إذا كان لك في الليل قبل الفجر صحيح على مذهبه في أن السنة أن يفصل ما بين الوتر وما قبله من الشفع بسلام، وهو خلاف ما في آخر رسم لم يدرك من سماع عيسى، وخلاف ما في المدونة لمالك من أنه يركع ركعتين إذا كان الامر قد طال. ووجه هذا مراعاة قول من يرى الوتر ثلاثا اتباعا بغير سلام، وأما لو كان ذلك بعد الفجر وركع بعد العشاء لاوتر بواحدة على ما في رسم أسلم من سماع عيسى قولا واحدا لما جاء من أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل ما في المدونة على أنه الاولى والمستحب، وما في سماع أشهب على الاجزاء فلا يكون خلافا، وما حكاه من الاتفاق فيه نظر كما تقدم التنبيه عليه والله أعلم. ص: (إلا لاقتداء بواصل) ش: تنبيه: إذا كان الامام ممن يصلي الشفع بالوتر وأدركه المأموم في الوتر فإنه يقضي ركعتين بعد سلامه، قاله في رسم لم يدرك من سماع عيسى. فتجعل هذه المسألة لغزا يقال: شخص


[ 382 ]

ويصلي الوتر قبل الشفع فتأمله. ص: (ونظر بمصحف في فرض وأثناء نفل) ش: تصوره واضح. وأما القراءة في المصحف في المسجد فنقل الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد في كتاب الجامع من مختصر المدونة عن مالك أنه قال: لم تكن القراءة في المسجد في المصحف أمر الناس القديم، وأول من أحدثه الحجاج وأكره أن يقرأ في المصحف في المسجد. انتهى من ترجمة الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن. ونقل ذلك عنه صاحب المدخل بعد فصل السماع في القراءة بالالحان، ونقل بعضه في فضل الامام ووضع الكراسي في المسجد، ونقل ذلك الشيخ يوسف ابن عمر. وقال ابن ناجي: ينبغي أن تنزه المساجد من كذا وكذا وعن القراءة في المصحف. قال الزركشي من الشافعية في إعلام الساجد بأحكام المساجد في المسائل المتعلقة بالمساجد الخامس والسبعون: قال مالك: لم تكن القراءة في المصحف بالمسجد من أمر الناس القديم وأول من أحدثه الحجاج. وقال: أكره أن يقرأ في المصحف بالمسجد وأرى أن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة يوم الخميس. قال الزركشي: قلت: وهذا استحسان لا دليل عليه والذي عليه الخلف والسلف واستحباب ذلك لما فيه من تعميرها بالذكر، وفي الصحيح في قصة الذي بال في المسجد إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن وقال تعالى * (ويذكر فيها اسمه) * وهذا عام في المصاحف وغيرها انتهى. قلت: أما نقله عن السلف استحباب ذلك فمعارض بنقل مالك أنه لم يكن من أمر الناس القديم، ومالك أعلم بما كان عليه السلف. ص: (وجمع كثير لنفل أو بمكان اشتهر) ش: يريد وكذلك في الاوقات التي جرت عادة الناس بالجمع للنافلة فيا، وصرح العلماء بأن ذلك بدعة. قال في الذخيرة في باب صلاة النافلة قال في الكتاب يصلي النافلة جماعة ليلا أو نهارا. قال ابن أبي زمنين: مراده الجمع القليل خفية كثلاثة لئلا يظنه العامة من جملة الفرائض، ولذلك أشار أبو الطاهر يعني ابن بشير وقال: لا يختلف المذهب في كراهة الجمع ليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء، وينبغي للائمة المنع منعه انتهى. ص: (وكلام بعد صلاة الصبح لقرب الطلوع) ش: قال ابن


[ 383 ]

ناجي في شرح قول الرسالة: ويستحب إثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار إنما كان مستحبا لما روي عن النبي (ص) أنه قال من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له كأجر حجة وعمرة تامتين قال الترمذي: هذا حديث حسن. قلت: ويظهر أن من يقرأ القرآن في هذا الوقت يحصل له الشرف لانه من أشرف الاذكار فهو داخل فيما. قال الشيخ والله أعلم: ورأى بعض من ليقناه أنه غير داخل في قوله الذكر لقرينة قوله والاستغفار زاعما أن ابن عبد البرنص على ذلك وهو بعيد. قال في المدونة: ولا يكره الكلام بعد الفجر قبل صلاة الصبح ويكره بعدها إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها، وكان ملك يتحدث ويسأل بعد طلوع الفجر حتى تقام الصلاة ثم لا يجيب من يسأله بعد الصلاة، بل يقبل على الذكر حتى تطلع الشمس. قال التادلي: فيقوم منها أن الاستغفار والذكر في هذا الوقت أفضل من قراءة فيه، قال الاشياخ: تعلم العلم فيه أولى. قلت: وهو الصواب وبه كان بعض من لقيناه يفتي ولا سيما في زماننا اليوم لقلة الحاملين له على الحقيقة. وسمع ابن القاسم مرة: صلاة النافلة أحب إلي من مذاكرة العلم ومرة العناية بالعلم بنية أفضل. قلت: وبهذا القول أقول وقد قال (ص) إذا مات الانسان انقطع علمه إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له وصدقة جارية وعلم ينتفع به بعد موته فتعليم العلم مما يبقى بعده كما قال عليه الصلاة والسلام انتهى. وقال الجزولي: ويكره النوم إذا ذاك لانه أحرم نفسه من الفضيلة لانه جاء في الحديث الصبحة تمنع الرزق. واختلف في معناه فقيل: الرزق والمراد هنا الفضل. وقيل: معناه اكتساب الرزق انتهى. تنبيهات: الاول: أنظر هل هذا خاص بمن قعد في موضع صلاته الذي وقع فيها الركوع والسجود والقيام، أو يحصل له الفضل ولو قام إلى موضع آخر من المسجد الذي صلى فيه ؟ قال سيدي أبو محمد بن أبي جمرة في شرح مختصره الذي اختصره من البخاري في شرح قوله (ص) الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه: وهنا بحث في قوله في مصلاه هي يعني به الموضع هي يعني به الموضع الذي أوقع فيه الصلاة أو البيت أو المنزل الذي جعله لمصلاه ؟ فالجمهور إنه موضع سجوده وقيامه. وقال بعضهم


[ 384 ]

- وأظنه القاضي عياضا - إنه البيت الذي اتخذه مسجدا لصلاته وإن لم يجلس في الموضع الذي أوقع به الصلاة. مثاله: أنه إذا صلى في المسجد ثم انتقل من الموضع الذي صلى فيه ولم يخرج من المسجد أنه يبقى تدعو له الملائكة، وكثير مجمع عليه وقول واحد. انتهى بلفظه. وقوله ما لم يحدث أي الحدث الذي ينقض الطهارة والظاهر أن هذا في كل الصلوات فرضا كانت أو نفلا لانه أتى بها نكرة. قال: وهذا أيضا في حق المصلي الصلاة الشرعية المثاب عليها لا التي تلعنه. ومن قبل بعض صلاته ولم يقبل البعض، الظاهر أنه يرجى له ذلك ببركة دعاء الملائكة لان المغفرة لا تكون إلا لخلل وقع. وقولهم ارحمه دليل على أن هناك عملا يوجب الرحمة، وفيه دليل على فضيلة الصلاة على غيرها يؤخذ من كون الملائكة تستغفر له بعد فراغه منها فراغه منها، وإن كان في شغل آخر مادام في موضع إيقاعها، وفيه دليل لمن يفضل الصالحين من بني أدم على الملائكة لانهم يكونون في أشغالهم والملائكة تستغفر لهم. انتهى منه بالمعنى. الثاني: يكره النوم في هذا الوقت كما تقدم ذلك في كلام الجزولي. وقال الشيخ زروق في قول الرسالة: يستحب بإثر صلاة الصبح ويكره النوم في هذا الوقت والكلام فيه. وقال أحمد بن خالد: لا يكره الكلام. وفي الاستغناء: لا يكره نوم من اتصل سهره وقيامه من الليل به انتهى. وقال ابن هارون في شرح المدونة: والكلام المكروه عند من يراه الخوض في أمور الدنيا، فأما بالعلم ويذكر الله فلا. انتهى. الثالث: قال في المدخل: من ترك الكلام وأقبل على الذكر أجر على ترك الكلام وعلى الذكر، ومن ترك الكلام ولم يقبل على الذكر أجر على ترك الكلام عند مالك. قله في الفصل الاول من فصول العالم عن البيان لابن رشد. وما ذكره هو في البيان في أثناء الرسم الاول من كتاب الجامع ونصه: فإذا ترك الرجل الكلام بعد صلاة الصبح وأقبل على الذكر أجر على الذكر على ترك الكلام، وإن ترك الكلام ولم يذكر أجر على ترك الكلام عند مالك، وعند أهل العرق لا يؤجر على ترك الكلام وإنما يؤجر على الذكر خاصة أن ذكر الله تعالى كما يقول مالك في ترك الكلام بعد ركعتي الفجر إلى صلاة الصبح انتهى. ص: (وضجعة بين صبح وركعتي الفجر) ش: أطلق رحمه الله تعالى الكراهة وقال في المدونة: وتكره الضجعة بين الصبح وركعتي الفجر إذا أريد بها فصل بينهما فإن لم يرد ذلك فجائز انتهى. ص: (والوتر


[ 385 ]

سنة آكد ثم عيد ثم كسوف ثم استسقاء) ش: قال ابن رشد في شرح مسألة في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز: أفضل الصلاة صلاة الفريضة ثم صلاة الوتر في الفضل إذا قيل إنها واجبة، ثم الصلاة على الجنازة لانها فرض كفاية، ثم ما كان من الصلاة سنة، ثم ما كان منها فضيلة، ثم ما كان منها نافلة انتهى. ونص على هذا الترتب في الجواهر في باب صلاة التطوع قال بعد ذكره الرواتب: وما شرعت الجماعة فيها كالعيدين وكسوف الشمس والاستسقاء فهي أفضل مما تقدم سوى الوتر قال: وآكد هذه السنن العيدان ثم الكسوف انتهى. وفي المقدمات تقديم صلاة الجنازة على الوتر انتهى. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: مما ترد به الشهادة المداومة على ترك المندوبات المؤكدة كالوتر وركعتي الفجر وتحية المسجد انتهى. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد في تفسيق تارك الوتر قال: لاستخفافه بالسنة. ابن خويز منداد: ومن استخف بالسنة فسق، فإن تمالا عليه أهل بلد حوربوا انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم في الحديث الذي بعد حديث ضمام من كتاب الايمان: من ترك التطوعات ولم يعمل بشئ منها فقد فوت على نفسه ربحا عظيما وثوابا جسيما، ومن داوم على ترك شئ من السنن كان ذلك نقصا في دينه وقدحا في عدالته، فإن كان تركه تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا يستحق به ذما. وقال علماؤنا: لو أن أهل بلدة تواطؤا على ترك سنة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا انتهى. تنبيه: قوله ثم كسوف يعني كسوف الشمس كما هو في كلام الجواهر وسيأتي الكلام على ذلك في محله إن شاء الله تعالى. فائدة: قال الشيخ كمال الدين بن الهمام الحنفي في شرح الهداية في باب النوافل: أن سنة الفجر أقوى السنن حتى روي عن أبي حنيفة: لو صلاها قاعدا من غير عذر لا يجوز. وقالوا: العالم إذا صار مرجعا للفتوى جاز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر لانها أقوى السنن انتهى. ص: (ووقته بعد عشاء صحيحة وشفق للفجر) ش: قال الشيخ زروق في


[ 386 ]

شرح الارشاد: ووقت العشاء المختار شرطه أي الوتر فلو صليت في الضروري بالتقديم فالمشهور تؤخر إلى مختارها وهو مغيب الشفق، وقد مر ما فيه ليلة الجمع. وأما الضروري بالتقديم فالمشهور تؤخر إلى مختارها وهو مغيب الشفق، وقد مر ما فيه ليلة الجمع. وأما الضروري بالتأخير فأوسع من ذلك لانه يمتد إلى الصلاة الصبح انتهى. فرع: قال في المدونة: ومن أوتر قبل أن يصلي العشاء أو بعد أن صلاها على غير وضوء أعاده بعدها انتهى. ونقل البرزلي عن مسائل ابن قداح مسألة من ذكر الظهر بعد أن صلى العشاء وأوتر صلاها وأعاد المغرب والعشاء وفي إعاة الوتر قولان. وقال بعده بنحو ورقتين في مسائل بعض العصريين مسألة فيمن سلم من الوتر ثم ذكر أنه سلم من ثلاث في صلاة النهار فإنه يعيد الظهر والعصر ويعيد العشاء الآخرة للترتيب. وفي إعادة الشفع والوتر لان لسحنون ويحيى بن عمر سببة تعارض عموميين: قوله اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا وقوله لا وتران في ليلة انتهى. ولم يذكر إعادة المغرب، والظاهر أنه يعيدها أيضا. ثم قال مسألة: جالس في الوتر فذكر سجدة ولا يدري من أي الصلوات هي أعاد الصلوات كلها ويشفع ويوتر انتهى. وفي النوادر في باب إعادة الصلاة في جماعة قال ابن القاسم: ومن صلى العشاء في بيته وأوتر فلا يعيدها في جماعة. قال ابن عبدوس قال سحنون: فإن فعل فليعد الوتر. وقال يحيى بن عمر: لا يعيد الوتر. قال ابن القاسم: ومن ذكر المغرب بعد أن صلى العشاء أوتر فليصل المغرب ثم يعيد العشاء والوتر انتهى. فانظره لم يحك في مسألة إعادة الصلاة لاجل الترتيب إلا أنه يعيد الوتر. وذكر البرزلي عن ابن قداح وبعض العصريين القولين ولم يحكمها في النوادر إلا في إعادة العشاء في الجماعة وابن الحاجب وابن عرفة لم يحكيا القولين إلا في إعادة العشاء في جماعة. وكذلك حكاهما ابن رشد في آخر مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وعلل قول سحنون بأنه لما احتمل أن تكون الثانية فرضه فقد بطل فرضه فيعيد احتياطا، وعلل قول يحيى بن عمر جأنه لما احتمل أن تكون الاولى صلاته لم تبطل بالشك ولئلا يقع وتر أن في ليلة انتهى. ولم يعز الاول إلا لسحنون، ولو كانت هذه المسألة هي ومسألة إعادة الصلاة للفوائت سواء لعزاه لابن القاسم أيضا. والحاصل أن ابن القاسم نص على أنه يعيد الوتر إذا أعاد العشاء لاجل الترتيب ولم يذكروا له مخالفا، إلا ما تقدم من كلام ابن قداح ومن معه، ومثله من أعاد العشاء لصلاته إياها بنجاسة والله أعلم. فرع: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم: وسمعت مالكا قال فيمن أو تر فظن أنه


[ 387 ]

لم يوتر فأوتر مرة أخرى، ثم تبين له أنه قد أوتر مرتين قال: أرى أن يشفع وتره الآخر يجتزئ بالاول. قال ابن رشد: وهذا كما قال لانه لا يكون وتران في ليلة فيشفع وتره الآخر، يريد إذا كان بقرب ذلك وتكون نافلة له إذ يجوز لمن أحرم بوتر أن يجعله شفعا، كما يجوز لمن صلى من صلاة الفريضة ركعة ثم علم أنه قد صلاها أنه يضيف إليها أخرى وتكون له نافلة، ولا يجوز لمن صلى ركعة من شفع أن يجعلها وترا ولا يبني عليها فرضا لان نية السنة أو الفرض مقتضية النية النفل، ولا يقتضي نية السنة ولا الفرض وهذا كله بين وبالله التوفيق انتهى. قلت: وقد حكى سند في الفرع الاول خلافا فانظره. ص: (وضرورية للصبح) ش: ابن عرفة: فلا يقضي بعد صلاة الصبح اتفاقا وقاله اللخمي ش: (وندب قطعها لفذ لا مؤتم وفي الامام روايتان) ش: يعني أن من أحرم بصلاة الصبح ثم ذكر أنه لم يصل الوتر فإن كان فذا فإنه يستحب له أن يقطع صلاة الصبح لاجل الوتر ثم يصلي الشفع والوتر إن كان الوقت متسعا. وهذا ظاهر، وهذا ظاهر، ثم يعيد ركعتي الفجر إن كان الوقت متسعا. وأما المأموم فلا يقطع الصبح لاجل الوتر بل يستمر خلف الامام في الصلاة وهذه إحدى مساجين الامام. واختلف في الامام هل يقطع الصبح لاجل الوتر أم لا ؟ في ذلك روايتان أي في استحباب القطع والبناء، وما ذكره المصنف من التفريق بين الفذ وغيره هو القول الذي رجع إليه مالك في المدونة قال فيها. وإذا كان خلف حمام في الصبح أو وحده فذكر الوتر فقد استحب له مالك أن يقطع ويوتر ثم يصلي الصبح لان الوتر سنة وهو لا يقضي بعد الصبح، ثم أرخص مالك للمأموم أن يتمادى انتهى. تنبيهات: الاول: قال في الطراز: إذا قلنا لا يقطع المأموم بخلاف الفذ على ظاهر الكتاب فمحصل ذلك إذا كان لقطعه ووتره تفوته جماعة الصبح، فلو كان يعتقد أنه يدرك ركعة منها قطع وكان كالفذ أنه يمكنه تحصيل فضيلة الجماعة، فلو منع من القطع لم يكن له إلا حرمة المكتوبة فقط، وحرمة المكتوبة ثابتة في حق الفذ ولا تمنعه من القطع انتهى. الثاني: زاد في الام بعد أن ذكر القولين عن مالك: ولكن الذي كان يأخذ به في خاصة


[ 388 ]

نفسه أن يقطع وإن كان خلف إمام فيما رأيته ووقفت عليه فرأيت ذلك أحب إليه انتهى. ونقله صاحب الطراز وأسقطه البراذعي في اختصاره. الثالث: قال في الطراز: روى مطرف عن مالك أنه إذا ذكر الوتر فليقطع كان إماما أو وحده أو مأموما إلا أن يسفر جدا. وروى مثله ابن القاسم وابن وهب انتهى. والقصد منه أنه إنما يؤمر بالقطع ما لم يسفر جدا والله أعلم. الرابع: ظاهر كلام المصنف وكلام المدونة المتقدم أن الفذ يقطع، سواء ركع أو لم يركع. وقال ابن الحاجب: وفي التفرقة في عقد ركعة قولان. قال القابسي في تصحيحه الذي قدمه ابن بشير القطع مطلقا، عقد أم لم يعقد، وهو ظاهر المختصر والشامل والقرافي انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر كلام الاكثر أنه لا فرق بين أن يركع أم لا، وعزاه عبد الحق لبعض شيوخه. وقال ابن زرقون: إنما الخلاف ما لم يركع فإن ركع تمادى فذا كان أو إماما. قلت: وعزاه عبد الحق لبعض الناس ذكر القولين في التهذيب انتهى كلام ابن ناجي. وفهم من هذا أن الراجح القطع مطلقا كما هو ظاهر كلام المصنف. الخامس: قال ابن عبد البر في الاستذكار: لا أعلم أحدا قال يقطع الصبح لذكر الوتر إلا أبا حنيفة و ابن القاسم، وأما مالك فالصحيح عنه أنه لا يقطع قال: وأجمع العلماء على أن المأموم لا يقطع لذكر الوتر انتهى. قال ابن ناجي: تعقبه ابن زرقون بقول المدونة إن المأموم يقطع انتهى. قلت: ويتعقب أيضا قوله الصحيح عن مالك أنه لا يقطع بأنه خلاف قول مالك في المدونة والله أعلم. السادس: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما لو ذكر الوتر في الفجر، فالذي كنت أقول به إنه يقطع لانه إذا كان يقطع في الصبح في قول فأحرى أن يقطع هنا ولا يختلف فيه، وكان شيخنا يعني البرزلي لا يرتضي ذلك مني، ويعتل بأنه إذا لم يقطع في الصبح ذات الوتر هاهنا إذا تمادى على الفجر لا يفوت بل يعيده. وما ذكره إنما يتمشى على قول سحنون فيمن ذكر منسيه بعد أن صلى الفجر فإنه يصليها ويعيد الفجر حسبما نقله ابن يونس بعد. وكان شيخنا حفظه الله يحمله على خلاف المذهب وإنه إنما تعاد الفرائض في الترتيب فقط كما قاله شيخنا أبو مهدي انتهى. قلت: ما ذكره عن ابن يونس ذكره في ترجمة من ذكر صلاة نسيها ونصه سحنون: ومن ذكر صلاة بعد أن ركع الفجر صلاها وأعاد ركعتي الفجر انتهى. وقبله ابن يونس. وقال المازري في قضاء الفوائت: قال سحنون فيمن ذكر صلاة نسيها بعد أن ركع الفجر فإنه يعيد ركعتي الفجر إذا صلى المنسية كما يعيد الصبح إذا صلاها فأعطى ركعتي الفجر حكم صلاة الصبح في الترتيب كما لو كان متعلقة بها انتهى. وذكره الجزول في شرح الرسالة أيضا، ولم يذكر خلافه. وذكر أيضا أن من صلى الفجر ثم ذكر الوتر أنه يصلي


[ 389 ]

الوتر ويعيد الفجر قال: لانه حال بينه وبين صلاة الصبح بصلاة سنة. انتهى من آخر باب صفة العمل في الصلوات المفروضة. وقال التلمساني في شرح الجلاب: الظاهر من المذهب أنه لا يعيدها لان الترتيب إنما يقع بين الفرائض انتهى. وانظر ابن ناجي الكبير. السابع: إذا قلنا يقطع الامام فهل يقطع المأموم كما إذا ذكر المأموم صلاة ؟ قولان ذكرهما في التوضيح عن ابن راشد، وذكرهما الشارح في الكبير. وقال ابن رشد في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع فإذا قطع صلاته بالكلام فصلاة المأمومين صحيحة خلافا لابن حبيب انتهى. ص: (وإن لم يتسع الوقت إلا لركعتين تركه لا لثلاث) ش: المراد بالوقت الوقت الضروري. قال في المدونة: ومن نسي الوتر أو نام عنه حتى أصبح وهو يقدر على أن يوتر ويركع للفجر ويصلي الصبح قبل أن تطلع الشمس فعل ذلك، وإن لم يقدر إلا على الوتر والصبح صلاهما وترك ركعتي الفجر، وإن لم يقدر إلا على الصبح صلاها ولا قضاء عليه للوتر. وإن أحب ركع الفجر بعد طلوع الشمس انتهى. وقال ابن الحاجب في أوقات الصلاة لما تكلم على الوقت الضروري: وإن أصحاب الاعذار إذا صلوا فيه كانوا مؤدين. قال: وأما غيرهم فقيل قاض. وقال ابن القصار: مؤد عاص وهو بعيد. وقيل: مؤد وقت كراهة. ورده اللخمي بنقل الاجماع على التأثيم. ورد بأن المنصوص أن يركع الوتر وإن فاتت ركعة من الصبح انتهى. وكلامه مخالف لما قاله المؤلف ولما في المدونة ولهذا قال في التوضيح. لما أن تكلم على هذا المحل، وقوله ورد بأن المنصوص إلى آخره أي رد الاجماع بأن المنقول في المذهب أنه إذا لم يبق قبل طلوع الشمس وإلا ركعتان ولم يكن صلى الوتر أنه يصلي الوتر ثم يصلي الصبح ركعة في الوقت وركعة خارجه، ولو كان الاجماع كما قال اللخمي للزم تقديم الصبح حتى لا يحصل الاثم ويترك الوتر الذي لا إثم فيه. والعجب منه كيف قال هنا وفي باب الوتر المنصوص وفي المدونة تقديم الصبح وإنما الذي ذكره قول أصبغ انتهى. ونص كلامه في باب الوتر: وإذا ضاق الوقت إلا عن ركعة فالصبح، وإذا اتسع


[ 390 ]

لثانية فالوتر على المنصوص ويلزم القائل بالتأثيم تركه انتهى. قال في التوضيح في شرح هذا المحل المنصوص في كلامه. قد تقدم في الاوقات أنه قول أصبغ وأن مقابله هو مذهب المدونة ففي كلامه نظر. ويقال: إن متقدمي الشيوخ كانوا. إذا نقلت لهم مسألة من غير المدونة وهي فيها موافقة لما في غيرها عدوه خطأ، فكيف إذا كان الحكم في غيرها مخالفا ؟ انتهى. ص: (والخمس صلى الشفع ولو قدم) ش: عزا هذا القول في التوضيح لاصبغ ولم يعز مقابله، وقول أصبغ على أصله في أنه إذا لم يبق إلا ركعتان أوتر بواحدة وأدرك الصبح بواحدة، وإن بقي أربع أوتر بثلاث وأدرك الصبح بواحدة. وحكى ابن الحاجب وصاحب الشامل القولين من غير ترجيح. وقال في سماع عيسى في رسم أسلم: إن ذكر الوتر بعد الفجر فإن كان ركع بعد أن صلى العشاء أوتر بواحدة، وإن لم يركع شفع ابن رشد: لقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر. وقال في أواخر أول رسم من سماع أشهب: وأما لو ذكر الوتر بعد الفجر وكان ركع بعد العشاء لاوتر بواحدة على ما في رسم أسلم من سماع عيسى قولا واحدا لما جاء أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر وبالله التوفيق انتهى. وما حكاه من الصلاة والاتفاق فيه نظر، وقد ذكر ابن عرفة القولين وعزاهما لنقل ابن رشد ولم يتعقبه، وذكر مسألة سماع عيسى لكنه عزاها لسماع ابن القاسم وليست فيه ولم يذكر كلام ابن رشد وقد ظهر قوة القول أنه يوتر بواحدة لحكاية ابن رشد الاتفاق عليه. ص: (ولسبع زاد الفجر) ش: هذا على القول الذي مشى عليه قول أصبغ، والذي في كلام ابن رشد المذكور أنه إذا كان قد تنفل بعد العشاء لا يعيد الشفع فتأمله. ص: (وهي رغيبة تفتقر لنية تخصها) ش: روى أبو داود رحمه الله تعالى في سننه في باب ركعتي الفجر عن أبي هريرة (ص) قال: قال رسول الله (ص) لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل ومعنى طردتكم الخيل أي تبعتكم الخيل وكانت في أثركم والله أعلم. قال في الصحاح: مر فلان يطردهم أي يسألهم ويكسوهم انتهى. وقال في باب السلام: شللت الابل أشلها أشلا إذا طردتها انتهى. وقال في باب الهمزة: كسأته تبعته. يقال للرجل إذا هزم القوم فمر وهو يطردهم مر فلان يكسؤهم ويكسعهم أي


[ 391 ]

يتبعهم انتهى. وما ذكره المصنف من أنها رغيبة قال الشارح: هو أحد قولي مالك وبه أخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ، وهو الراجح عند ابن أبي زيد لقوله وركعتا الفجر من الرغائب. وقيل: من السنن. وهذا القول الثاني لمالك وبه أخذ أشهب. قال ابن عبد البر: وهو الصحيح انتهى. قلت: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وصرح ابن غلاب في وجيزه بأن المشهور السنية انتهى. وذكر ابن ناجي أيضا أنه وقع لابن القاسم في العتبية أنها سنة. ص: (ولا تجزئ إن تبين تقدم إحرامها للفجر ولو بتحر) ش: يعني أنه إذا تحرى طلوع الفجر فصلاهما ثم تبين له أن صلاهما قبل الفجر فإنه يعيدهما وهو مذهب المدونة خلافا لابن حبيب وابن الماجشون. وفهم من كلام المصنف أنه يجوز له أن يركعهما مع التحري إذا ظن الفجر طلع وهو كذلك قاله في المدونة. قال سند: لانه إذا تحرى الفجر منع من النفل فيه. فإذا فعل ركعتي الفجر فقد أوقعهما في وقت بثت له بحكم التبعية انتهى. وهما بخلاف الفريضة فإنه لا يصليها حتى يتحقق الوقت والله أعلم. ص: (ونابت عن التحية) ش: هذا هو المشهور. وقال القابسي: يركع التحية ثم يركع. انتهى من شرح الارشاد للشيخ زروق.


[ 392 ]

ص: (وإن فعله ببيته لم يركع) ش: تصوره واضح وهذا هو المشهور عند المؤلف، ومقابله أنه يركع وجعله ابن بشير مشهورا أيضا قال: وعليه فهل ينوي بركوعه النافلة أو إعادة ركعتي الفجر ؟ قولان للمتأخرين. فنية النافلة تعويل على الامر بتحية المسجد، ونية الاعادة بناء على القول بصحة الرفض انتهى. ص: (ولا يقضي غير فرض إلا ني فللزوال) ش: هذا هو المشهور وقيل لا يقضيهما. تنبيه: وقال في الذخيرة: ولو نام عن الصبح قال مالك: لا يصليهما مع الصبح بعد الشمس وما بلغني أنه عليه الصلاة والسلام قضاهما يوم الوادي. وقال أشهب: بلغني ويقضيهما وهو في مسلم، ويعضد الاول قوله عليه الصلاة والسلام من نسي صلاة أو نام عنها فليصليها إذا ذكرها وذلك يمنع من الاشتغال بغيره انتهى. وقال عياض في الاكمال في حديث الوادي: وقد اختلف العلماء فيمن فاتته صلاة الصبح هل يصلي قبلها ركعتي الفجر ؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود إلى الاخذ بزيادة من زاد صلاة ركعتي الفجر في هذه الاحاديث وهو قول أشهب وعلي بن زياد من أصحابنا، ومشهور مذهب مالك أنه لا يصليهما قبل الصبح الفائتة وهو قول الثوري والليث أخذا بحديث ابن شهاب ومن وافقه، ولانها تزاد بصلاة ما ليس بفرض فوتا انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة. وإذا نام عن الصبح حتى طلعت الشمس فقال ابن القاسم: يصلي الصبح خاصة ثم يصلي الفجر بعد ذلك إن شاء لانه إن صلى الفجر قبل الصبح يكون ذلك تأخيرا للصبح عن وقته لقوله عليه الصلاة والسلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها حين يذكرها فذلك وقتها. وقال أشهب: يصلي الفجر ثم يصلي الصبح انتهى. وذكر في الشامل مسألة المصنف وهذه المسألة بأتم اختصار فقال: فإن


[ 393 ]

فاتتاه صلى ركعتين على المشهور من حل النافلة للزوال لا بعده، ولا في ليل أو نهار خلافا لاشهب. هل قضاء أو يتوبان عنهما ؟ قولان. وعلى القضاء فالمشهور يصليهما بعد الصبح المقضية قبل الزوال، وقيل يقدمهما والقولان لمالك انتهى. وأصله من التوضيح الباجي: واختلف في ذكر بعد طلوع الشمس صلاة الصبح وركعتي الفجر فقال مالك: يصلي الصبح فقط وما بلغني أن رسول الله (ص) قضاهما حين نام عن الصلاة. وقال أشهب: بلغني ذلك ويصلي ركعتي الفجر والصبح. قلت: وحكى ابن زرقون عن ابن زياد كأشهب قال: وروى مسلم أن رسول الله (ص) صلاهما حين نام يوم الوادي ثم صلى الصبح انتهى. وكان ابن ناجي لم يقف على كلام الباجي لاول فإنه عزافيه القول بأنه يصلي الفجر أولا ثم يصلي الصبح لاشهب وابن زياد كما تقدم في كلامه. وقال في الذخيرة: وله نحوه أيضا في ترجمة ما جاء في ركعتي الفجر ونصه: مسألة فإذا ذكرهما بعد طلوع الشمس فلا يخلو أن يكون نسي الصبح وركعتي الفجر جميعا أو يكون صلى الفرض ونسي ركعتي الفجر. فإن كان تركهما فقال مالك: يصلي الصبح دون ركعتي الفجر، وما بلغني أن النبي (ص) قضى ركعتي الفجر حين نام عن الصلاة. وقال أشهب: بلغني ويصلي ركعتي الفجر ثم يصلي الصبح. ثم وجه كلا من القولين بنحو كلامه المتقدم. ونقل ابن ناجي في شرح المدونة كلام الباجي الاخير ونصه الباجي. تنبيه: من ذكر بعد طلوع الشمس صلاة الصبح وركعتي الفجر فقال الباجي في أوائل المنتقي في ترجمة النوم عن الصلاة في الكلام على حديث الوادي: مسألة وهل يصلي ركعتي الفجر من فاتته صلاة الصبح قبلها أم لا ؟ روى ابن وهب عن مالك أنه لا يركع ركعتي الفجر حتى يصلي الفريضة. وبه قال الثوري والليث. وقال أشهب وعلي بن زياد: يركع ركعتي الفجر ثم يصلي الصبح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود. وجه رواية ابن وهب قوله عليه الصلاة والسلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وهذا ينفي فعل صلاة قبلها، ومن جهة المعنى أن الصلاة الفائتة يتعين وقتها بالذكر وهو مقدار ما تفعل فيه فلا يجوز أن يفعل غيرها فيه كما لو ضاق وقتها المعين لها. ووجه قول أشهب ما روي عن أبي هريرة أنه قال: عرسنا مع النبي (ص) فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه شيطان. قال: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين وقال يعقوب. ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة انتهى. ص: (وإن أقيمت الصبح وهو بمسجد


[ 394 ]

تركها وخارجه ركعها إن لم يخف فوات ركعة) ش: تصوره واضح ص: (فروع الاول) ش: قال في رسم شك من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يدخل في صلاة الصبح والامام قاعد فيقعد معه، أترى أن يكبر حين يقعد أو ينتظر حتى يفرغ فيركع ركعتي الفجر ؟ قال: أماءذا قعد معه فأرى أن يكبر. قال ابن القاسم: ويركع ركعتي الفجر إذا طلعت الشمس. ابن رشد: لابن حبيب في الواضحة أنه لا يبكر ويقعد معه فإذا سلم قام فركع الفجر. وقول مالك أولى وأحسن لقول النبي (ص) إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس وإن فاتته ركعتا الفجر في وقتهما فقد أدرك فضل الجماعة للدخول مع الامام في آخر صلاته على ما جاء أن من أدرك القوم جلوسا فقد أدرك فضل الجماعة انتهى. والثاني: قال البرزلي في كتاب الصلاة: وسئل السيوري عمن دخل المسجد وقت الاقامة هل يركع الفجر حينئذ ؟ فأجاب: يكره له ذلك وأعرف لابن الجلاب أنه يخرج ويركع ثم يرجع. وأما الوتر فلا بد من خروجه وركوعه لانه يفوت بالصبح. ثم قال: ولهذا يسكت الامام مقيم الصلاة فيه دون الفجر انتهى. وقال في النوادر في ترجمة ذكر الوتر بعد الفجر: قال علي عن مالك: وإذا ذكر الوتر وقد أقيمت الصبح فليخرج وليصلها ولا يخرج لركعتي الفجر انتهى. ونص على تسكي الامام في الوتر دون الفجر في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وسيأتي الكلام على ذلك في التنبيه بعد هذا والله أعلم. الثالث: إذا دخل الامام المسجد ولم يكن ركع الفجر فأقام المؤذن الصلاة، فهل يسكت الامام المؤذن أم لا ؟ نقل الباجي عن المذهب أنه يسكته ولم يحك غيره وعليه اقتصر سند ونقله المصنف في التوضيح. وقال في رسم كتب عليه ذكر حق: إنه لا يسكته. وقبله ابن رشد ولم يحك فيه خلافا، وعزا ابن عرفة هذا القول لرواية الصقلي ولم يعزه لسماع ابن القاسم وبه أفتى السوري ونقله عنه البرزلي ولم يذكر فيه خلافا، وتقدم كلامه في الفرع الذي قبل. ص: (وهل الافضل كثرة السجود أو طول القيام قولان) ش: استظهر ابن رشد القول الثاني في


[ 395 ]

فصل في صلاة الجماعة رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ونصه: اختلف أهل العلم في الافضل من طول القيام أو كثرة الركوع والسجود مع استواء مدة الصلاة، فمن أهل العلم من ذهب إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل لما روي أن رسول الله (ص) قال: من ركع ركعة وسجد سجدة رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة. ومنهم من ذهب إلى أن طول القيام أفضل لما روي أن رسول الله (ص) سئل أي الصلوات أفضل ؟ قال: طول القنوت. وفي بعض الآثار طول القيام وهذا القول أظهر إذ ليس في الحديث الاول ما يعارض هذا الحديث، ويحتمل أن يكون ما يعطي الله عزوجل للمصلي بطول القيام أفضل لما ذكره في الحديث الاول أنه يعطيه بالركوع والسجود. وكذلك ما روي عن النبي (ص) أن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه لا دليل فيه أيضا على أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام إذا قد يحتمل أن يكون ما يعطي الله عزوجل لعبد بطول القيام في الصلاة أكثر من ذلك كله والله أعلم انتهى. فصل في صلاة الجماعة هذا فصل يذكر فيه حكم صلاة الجماعة وشروط الامام وما يتعلق بذلك فقال: إن حكم صلاة الجماعة سنة. وهذا هو الذي عليه أكثر الشيوخ. وكثيرهم يقول: سنة مؤكدة. ونقل المازري عن بعض أصحابنا أنها فرض كفاية. وقال في التلقين: مندوبة مؤكدة الفضل. وقال في العارضة: مندوبة بحيث عليها، وجمع ابن رشد بين الاقوال فقال: فرض كفاية من حيث


[ 396 ]

الجملة، سنة في كل مسجد، فضيلة للرجل في خاصته. وصرح كثير من أهل المذهب بأنه إذا تمالا أهل بلد على تركها قوتلوا فأخذ بعضهم من ذلك أنها فرض كفاية. وقال بعضهم: إنما يقاتلون لتهاونهم بالسنن. وقال أحمد وأبو ثور وعطاء وداود: إنها فرض عين على كل مكلف من الرجال القادرين عليها كالجمعة وأنها لا تجزئ الفذ الصلاة إلا بعد صلاة الناس وبعد أن لا يجد قبل خروج الوقت من يصلي معه. قال المازري: ولم يقل أحد ممن قال بالوجوب إنها شرط في صحة الصلاة إلا بعد أهل الظاهر. وانظر شرح قواعد القاضي عياض وشرح مسلم للنووي. وقوله بفرض احترز به من النوافل والسنن. كذا قال الشارح وهو مقتضى لفظه. أما إخراج النوافل فظاهر لان الجماعة لا تطلب فيها إلا في قيام رمضان على جهة الاستحباب، وأما السنن فغير ظاهر لان الجماعة في العيدين وكسوف الشمس و لاستقساء سنة كما سيأتي فتأمله والله أعلم. وقوله غير جمعة استثناء للجمعة من الفرائض لانها أي الجماعة شرط في صحتها كما سيأخي بيانه. والذي يفهم في الجمعة أنها غير سنة فقط. فائدة: قال ابن عزم في شرح الرسالة قال عياض في ترتيب المسالك: صلاة الجماعة سنة مؤكدة يلزم إقامتها أهل الامصار والقرى المجتمعة، وأركانها أربعة: مسجد مختص بالصلاة، وإمام يؤم فيها، ومؤذن يدعو إليها وجماعة يجمعونها. أما المسجد فيبنى من بيت المال. فإن تعذر ذلك فعلى الجماعة بناؤه من أموالهم ويجبرون على ذلك لان في ذلك إحياء السنن الظاهرة فلا رخصة في تركها. وإن وجد متبرع بالامامة والاذان وإلا فعليها استئجارهما. وقيل: ذلك في بيت المال كبناء المسجد. وأما الجماعة فإن امتنعوا من الاجتماع أجبروا على إحضار عدد يسقط به الطلب وذلك ثلاثة ولا يكتفى باثنين هنا وإن كان أقل الجمع إذ لا يقع بهما شهرة، فإن كانت القرية من القرار وكثرة العدد بحيث يخاطبون بالجمعة تأكد الامر لكونها واجبة وحضورها واجب، ويطلب منهم عدد تقوم به الجمعة والمسجد والامام والمؤذن على ما تقدم انتهى. وقال صاحب المدخل: والامامة فرض كفاية. ثم قال: وينبغي له أن لا يسارع إليها ولا يتركها رغبة عنها وقد ورد أن جماعة ترادوا الامامة بينهم فخسف بهم انتهى. فرع: قال البرزلي: مسألة مسافرون صلوا الصبح جماعة وارتحلوا فلم ينزلوا إلا بعد العشاء الاخيرة ولم يصلوا، فإنهم يجمعون ما تركوا من الصلوات ولو كانت كبيرة لاتحادها عليهم فتطلب منهم الجماعة كما لو كانت حاضرة انتهى. وصرح بذل في رسم شك من سماع عيسى والله تعالى أعلم. ص: (ولا تتفاضل) ش: قال القرافي: لا نزاع أن الصلاة مع


[ 397 ]

الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرهم لشمول الدعاء وسرعة الاجابة وكثرة الرحمة وقبول الشفاعة، وإنما الخلاف في زيادة الفضيلة التي لاجلها شرع الله تعالى الاعادة. فالمذهب أن تلك الفضيلة لا تزيد وإن حصلت فضائل أخر لكن لم يدل دليل على جعلها سببا للاعادة، وابن حبيب يرى ذلك انتهى. وقال البساطي: تنبيه أظن أن معنى قولهم الجماعة لا تتفاضل أن من صلى مع أقل الجماعة لا يعيد مع أكثر منها أو أحسن لان من صلى مع فساق ثلاثة كمن صلى مع مائة من الاولياء انتهى. فكأنه لم يقف على كلام الذخيرة. ص: (وإنما يحصل فضلها بركعة) ش: قال ابن حبيب: وحد إدراك ولركعة أن يمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الامام. قال في التوضيح: وحكى ابن العربي وسند الاجماع على هذه المسألة. قال بعضهم: وينبغي أن تفوت الركعة على القول بأن عقد الركعة بتمكين اليدين انتهى. وقال ابن عرفة: ولا يثب حكم الجماعة بأقل من إدراك ركعة. سمع ابن القاسم: حدها إمكان يديه بركبتيه قبل رقع إمامه. أبو عمر: قول أبي هريرة من أدرك القوم ركوعا لم يعتد بها لم يقله أحد من فقهاء الامصار وروى معناه عن أشهب. قلت: لعله لازم قوله عقد الركعة وضع اليدين على الركبتين. قلت: لو زوحم عن سجود الاخيرة مدركها حتى سلم إمامه فأتى به أحد قولي ابن القاسم ففي كونها فيها فذا أو جماعه قولان من قولي ابن القاسم وأشهب في مثله في جمعة يتمها ظهرا أو جماعة. الصقلي وابن رشد، يدرك فضلها بجزء قبل سلامه انتهى. وقال في القوانين في الباب الثامن عشر من كتاب الصلاة: من ركع فمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الامام رأسه من الركوع فقد أدرك الركعة عند الاربعة انتهى. تنبيهات: الاول: تقدم عند قول المصنف في فصل النفل وإن أقيمت الصبح وهو بمسجد لابن رشد، أن فضلها يحصل بإدراك الجلوس، وفي باب قضاء المأموم من النوادر. قال ومن المختصر: ومن وجد الامام في آخر صلاته جالسا فأحب إلينا أن يكبر ويجلس، فإن وجده راكعا أو ساجدا كبر للاحرام وأخرى يركع بها ويسجد انتهى. وقال في النوادر أيضا في باب الامام تفسد صلاته ومن المجموعة قال سحنون: ومن أدرك التشهد الآخر فضحك الامام فأفسد فأحب إلى المدرك التشهد أن يبتدئ احتياطا، ألا تراه أنه قد عقد أول صلاته اتباعا له ؟ وكذلك من أدرك ركعة فاستخلفه الامام فأتم بهم قام يقضي لنفسه فضحك فأحب إلي أن


[ 398 ]

يعيد القوم احتياطا وكأنه لم يوجبه في المسألتين. انتهى. وبالاولى من المسألتين رد ابن عرفة على ابن رشد في قوله بإدراك فضل الجماعة بالجلوس ونصه: الصقلي وابن رشد: يدرك فضلها بجزء قبل سلامه. قلت: نقل الشيخ عن سحنون: ومن أدرك التشهد فضحك الامام فأفسد فأحب للمدرك أن يبتدئ صلاته احتياطا خلافه. انتهى. ويمكن أن يقال: هذا حكم الامامة وإنما يحصل بإدراك ركعة، وأما الفضل فيحصل لما ورد للاتفاق على أن لصلاته فضلا على صلاة التفرد والله أعلم. ويحتمل أن يكون رد ابن عرفة على ابن رشد بأن كلام النوادر هذا يقتضي أنه يدرك حكم الامامة أيضا فتأمله والله أعلم. وقد صرح ابن رشد بأن من لم يدرك من صلاة الجماعة ركعة ودخل معهم فحكمه حكم المنفرد. قاله في شرح المسألة الثالثة والعشرين من سماع أشهب. قال: إذا لم يدرك من الصلاة ما يدخل به في حكم الامام انتهى. وعلى هذا يمكن أن يقال يؤتم به حينئذ في صلاته، ويمكن أن يقال لا يقتدي به فيها لانه لا يقوم للقضاء إلا بعد سلام الامام، وانظر آخر السهو من التوضيح. الثاني: قال في النوادر إثر كلامه المتقدم: ومن أحرم بعد أن سلم الامام ولم يعلم ثم علم فليتم صلاته ولا يبتدئها، ثم إن ذكر الامام سجود السهو قبل السلام بعد أن طال أو خرج من المسجد بطلت على الامام ولم تبطل على هذا. انتهى. الثالث: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: ومعنى فضلها أن يكون له سبع وعشرون درجة. وانظر من فاته أولها اختيارا أو اضطرارا، أما إذا منعه مانع فإنه يحصل له. قال الحفيد: مذهب مالك أنه لا يحصل له فضل الجماعة بإدراك الركعة إلا إذا فاته باقيها لمانع، وأما إذا فاته ذلك عن اختيار وتفريط فلا يحل له فضل لجماعة إلا بإدراك الصلاة كلها وانظر ما قاله. وقال أبو حنيفة: يحصل له فضل الجماعة وهو ظاهر كلام صاحب الرسالة، ولكن ينظر ما قاله الحفيد وفاقا للمذهب انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة يعني أدرك فضلها وحكمها فيكون له ثواب من حضرها من أولها كاملا ويجري عليه حكمه فيصح استخلافه ولا يعيد في جماعة، ويسجد مع الامام لسهوه قبل السلام وبعده وسلامه كسلام المأموم، ويبني في الرعاف على خلاف فيه. انتهى. ص: (وندب لمن لم يحصله) ش: قال في المدونة: ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة. انتهى. وقال المشذالي في حاشيته هنا مسألة لا أعلمها منصوصة لاهل الفروع بل لائمة الاصول وهي:


[ 399 ]

لو صلى وحده مثلا ظهر يوم الاحد ثم وجد جماعة ترتبت عليهم تلك الصلاة بعينها من يومها، فقد نص ابن رشد وغيره أنه يصح لهم قضاؤها جماعة يوم اتفاقا ومن يومين قولان. فهل يصح له إعادتها معهم ؟ ظاهر الكتاب يجو، وعرضته على ابن عرفة فقال: ظاهر المدونة كما قلت. والذي عندي أنه لا يفعل قال: لان تعليلهم الاعادة بتحصيل فضيلة الوقت يقتضي اختصاص الاعادة بالوقت. المشذالي: إنما عللوا الاعادة بتحصيل فضيلة الجماعة وذلك مقتضى الاعادة في المسألة المفروضة. انتهى. ويمكن أن يقال: الاعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وذلك إنما هو في الوقت، أما لو صلى شخص في الوقت وحده ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد الوقت فالظاهر أنه لا يطلب بالاعادة معهم، فكل من صلى ظهر يوم الاحد ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة لانهم قد صرحوا بأن السلام من الفائتة يخرج وقتها والله أعلم. وانظر قوله يصح لهم قضاؤها جماعة ظاهره أنهم لا يطلبون به. وقد صرح البرزلي بأنهم يطلبون بذلك في رسم ضاع من سماع عيسى كما تقدم في أول الباب والله أعلم. ثم رأيت لسند التصريح بأن الاعادة لتحصيل فضيلة الجماعة مختصة بالوقت، ذكره في الكلام على من أخطأ القبلة ونصه أثر قول الامام مسألة فيمن لم يعلم بأنه صلى إلى غير القبلة حتى من فرغ الصلاة، أنه يعيد في الوقت، فإن خرب الوقت فلا يعيد. أما قول مالك رحمه الله يعيد في الوقت فقد بينا أن إعادة الصلاة في وقت الاداء على الوجه الاكمل مرغب فيه في الشرع، وله إعادة الفذ في جماعة ما دام وقت الصلاة ولا يعيد إذا خرج الوقت. انتهى. وقال ابن عرفة: والمذهب لمن صلى جماعة أن يعيد في جماعة بأحد المساجد الثلاث لا غيرها. انتهى. ونقله أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد في الحديث التاسع عشر لزيد بن أسلم عن مالك ثم قال ابن عرفة: إن صلاها في أحد المساجد الثلاثة فذا أنه لا يعيدها في جماعة إثر كلامه السابق. ونقله ابن بشير عن ابن حبيب فقط قصور وإلزام اللخمي: عليه إعادة جامع في غيرها فذا فيها يرد بأن جماعتها أفضل من فذها. وتمسك المازري معه بقوله فيها من أتى أحد المساجد الثلاث وقد جمع فيه راجيا جماعة في غير صلاته فذا فيه أفضل منها جماعة في غيره يرد بأنه لا يلزم من ترجيح فعل مفضول عنه جواز إعادته بعد فعل مفضوله لانه حكم مضى كترجح جماعة كبرى على صغرى وإمام فاضل على مفضول، بل اللازم أحروية إعادة فذ فيه لان الفذ يعيد في جماعة في غيرها. انتهى. ونقله ابن ناجي وقيد به المدونة. وقال الرجراجي: من صلى في جماعة بأحد المساجد الثلاثة فلا خلاف بين كل مخالف وموافق أنه لا يعيدها في جماعة لحصول المقصود بالمضعفة. فإذا كنا نقول وإن صلاها في أحد المساجد الثلاثة فذا إنه لا يعيدها في جماعة في غيرها فإذا صلاها في جماعة أولى، فإن صلاها في ثلاثة في غير المساجد الثلاث ثم أدرك تلك الصلاة في أحد المساجد الثلاث فلا إشكال إنه يعيدها لانا نأمره بالاعادة في الجماعة إذا صلى فذا ليحصل له خمس وعشرون درجة، فكيف لا نأمره بالاعادة في


[ 400 ]

الجماعة إذا صلى فذا ليحصل له الالف والمئون ؟ فإن صلاها في جمعة ثم أدركها في جماعة أخرى في المساجد الثلاثة، فهل يعيدها ؟ فهذا مما اختلف فيه فقهاء الامصار: فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يعيدها، وذهب أحمد وداود إلى أنه يعيد. انتهى. قال في النوادر: ومن مختصر الواضحة قال عبد الملك: ومن صلى في بيته أو غير بيته مع رجل فصاعدا ثم أتى المسجد وهو الذي صلى معه فأقيمت الصلاة فليخرج ولا يصليها معهم، وكذلك من صلى في جماعة في مسجد أو غير مسجد لم يعدها في جماعة إلا تكون التي صلى في جماعة بمكة أو المدينة أو بإيلياء ثم دخل المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) أو بيت المقدس فوجدهم في الصلاة، أو أقيمت عليه تلك فإنه يؤمر أن يصلي معهم، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها. واستحب مالك لمن صلى في جماعة في غير هذه المساجد ثم دخل هذه المساجد وهم في الصلاة أن يصليها معهم. وكذلك قال مالك أيضا فيمن أتى مسجدا فوجد أهله قد فرغوا من الصلاة فطمع أن يدركها في مسجد آخر أو في جماعة يجمعها معهم: فلا بأس أن يخرج إن أحب ويذهب إلى حيث يرجو إدراك الصلاة فيه مع الجماعة إلا أن يكون ذلك في أحد المساجد الثلاث المفضلة فلا يخرج عنها وليصل وحده فيها، فإن صلاته فيها فذا خير من الجماعة في غيرها. انتهى. وقال في الذخيرة: قال صاحب الطراز قال ابن حبيب: يعيد من صلى مع الواحد في المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس لفضل تلك البقاع. وظاهر المذهب خلافه انتهى. ونص كلام صاحب الطراز قال مالك: كل من صلى في جماعة وإن لم يكن معه إلا واحدا فلا يعيد تلك الصلاة في جماعة أخرى. قال ابن حبيب: إلا أن يكون صلى جماعة بمكة أو بالمدينة أو بيت المقدس فإنه يصلي معهم، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها. وحكى مثله عن مالك، وظاهر المذهب يخالف ما قال فإنه يمنع إعادة ذلك في سائر الكتب المذهبية ولا يستفصل وإنما يعرف في المذهب أن الصلؤة فرادى في هذه المساجد أفضل من الجماعة في غيرها، وذلك لان مالكا رحمه الله تعالى قال فيمن تفوته جماعة المسجد: إنه يخرج إلى جماعة أخرى إلا المسجد الحرام أو مسجد رسول الله (ص) إلى آخر ما تقدم. فلا يبعد في هذا أن يعيدها في جماعة من جمع في غيرها وله وجه بين، لان صلاة الجماعة لما تضاعفت على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة أعيدت الصلاة الفذ في جماعة لتحصيل هذا التضعيف، فكيف بما يضاعف ألف ضعف ؟ انتهى. فانظر قول القاضي سند ومن تبعه أن قول ابن حبيب خلاف ظاهر المذهب وكذا اللخمي مع أن المنصوص في ذلك لمالك كما تقدم عن ابن عبد البر والنوادر، ولذا اعترض ابن عرفة على ابن بشير ومن تبعه لعزوهم ذلك لابن حبيب مع أن المذهب والله أعلم. تنبيهات: الاول: مسجد بيت المقدس لم ينص عليه مالك في الام وإنما هو رأي ابن القاسم ونصها: قال مالك: إذا أتى الرجل المسجد وقد صلى أهله وطمع أن يدرك جماعة


[ 401 ]

أخرى من الناس في مسجد آخر أو غير مسجد، فلا بأس أن يخرج إلى تلك الجماعة. قال: وإن أتى قوم وقد صلى أهل المسجد فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا وهم جماعة إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول فلا يخرجوا وليصلوا وحدانا، لان المسجد الحرام ومسجد الرسول أعظم أجرا لهم من صلاتهم في الجماعة. قال ابن القاسم: وأرى مسجد بيت المقدس مثله. مالك عن عبد الرحمن المجبر قال: دخلت مع سالم بن عبد الله مسجد الجحفة وقد فرغوا من الصلاة فقالوا: ألا تجمع الصلاة ؟ فقال سالم: لا تجمع صلاة واحدة في مسجد مرتين. انتهى لفظ الام. الثاني: قال عياض في التنبيهات: قال شيوخنا: معناه لمن قد دخل هذه المساجد لا لمن لم يدخلها. وكذا جاء مفسرا في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال مالك: ومن لم يبلغ مسجد الرسول حتى صلى أهله له أن يجمع تلك الصلاة في غيره وهو ظاهر المدونة لانه إنما تكلم على من دخل انتهى. وقال ابن ناجي. قلت: ظاهر قوله فليصلوا فيه أفذاذا وهو أعظم لامرهم يقتضي أن الدخول وصف طردي وأنه إن لم يدخل فإنه يذهب إليه ويصلي فيه منفردا ولا يصلي دونه في جماعة، وعلى هذا حمل ابن رشد قولها. انتهى. وقال اللخمي: لا مفهوم لقوله أن يخرجوا. انتهى. الثالث: قال الاقفهسي: لو صلى خلف إمام ثم تبين أنه محدث فإن صلاة المأموم صحيحة ولا يطلب منه إعادتها في جماعة، ولو تبين أن المأموم محدث فهل يعيد الامام في جماعة أم لا ؟ قولان انتهى. وقال الجزولي: إذا ذكر المأموم أنه صلى بلا وضوء فإن الامام يعيد في جماعة، وبعضهم توقف وتقدم عند قول المصنف في فصل السهو وإن بعد شهر هل من أدرك التشهد فذا أو في جماعة والله أعلم. ص: (أن يعيد مفوضا مأموما) ش: هذا هو


[ 402 ]

المشهور من الاربعة الاقوال. كذا شهره ابن الفاكهاني. إلا أنه قال: ومع التفويض لا بد من نية الفرض. وظاهر كلام غيره أن نية التفويض لا ينوي بها فرض ولا غيره. وقال في الذخيرة: وإذا أعاد لا يتعرض لتخصيص نية أو ينوي الفرض أو النفل أو إكمال الفريضة أربعة أقوال انتهى. وقال أيضا في شروط الصلاة قال صاحب الطراز: المعيد لصلاته في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا نفل انتهى. وانظر كلام سند في باب الجمعة عند قول المصنف وشرط الجمعة وقوع كلها بالخطبة. وقال في سماع محمد بن خالد من كتاب الصلاة قال محمد: سألت ابن القاسم عمن صلى العصر في بيته ثم أتى المسجد فوجد القوم ولم يصلوا هل يتنفل ؟ قال: إن أحب أن ينتظر الصلاة فلا يتنفل، وإن أحب أن ينصرف فلينصرف. ابن رشد: وهذا كما قال لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد العصر للغروب، وبعد الصبح للطلوع. وهذا في النوافل عند مالك. وإنما يعيد العصر في جماعة بعد أن صلى وحده بنية الفريضة ولا يدري أيتهما صلاته. ومن جعل الاولى صلاته والثانية نافلة لا يجيز له إعادة العصر والصبح في جماعة إذ لا نافلة بعدهما. انتهى فتأمل فوائد هذا الكلام ونحو هذا ما قاله سند في آخر الباب العاشر من كتاب الحج الاول ونصف: فرع ومن صلى العصر وحده في بيته ثم جاء ليطوف ثم وجد الامام لم يصل فإنه يؤمر بالصلاة معهم، وإن طاف قبل أن يصلي معهم لا يركع حتى تغرب الشمس. قاله مالك في الموازية وهو بين على أصله لانه ممنوع من الركوع، ولو أراد أن يركع ابتداء قبل أن يصلي معهم لم يجز عنده، وإنما أعاد الفرض فقط بالسنة. انتهى. وقال في رسم أسلم وله بنون صغار من سماع عيسى من كتاب الصلاة. سئل عن الرجل يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس في تلك الصلاة فيصلي معهم فيذكر عند فراغه أن التي صلاها في البيت صلاها على غير وضوء لم يعمد صلاح تلك بهذه التي صلى مع الامام ؟ فقال: صلاته التي صلى على الطهر مجزئة عنه وليس عليه إعادة. قال ابن رشد: مثل هذا في أول رسم من سماع سحنون لابن القاسم وزاد فيه أن مالكا قاله.


[ 403 ]

ولاشهب: إن صلاته باطلة وعليه الاعادة. فوجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنه لم يتدخل مع الامام بنية النافلة وإنما دخل معه بنية الاعادة لصلاته، وإن كان قد صلاها فوجب أن تجزئه إن بطلت الاولى، وأن تجزئه الاولى إطا بطلت هذه لانه صلاهما جميعا بنية الفرض كالمتوضئ يغسل وجهه مرتين أو ثلاثا فإن ذكر أنه لم يعم في بعضها أجزأه ما عم به منهما. ويؤيد هذا قول عبد الله بن عمر الذي سأله أيهما يجعل صلاته أو أنت تجعلها إنما ذلك إلى الله تعالى. وقد قيل: إنهما جميعا له صلاتان فريضتان وهو الذي يدل عليه قول مالك أنه لا يعيد المغرب في جماعة لانه إذا أعادها كانت شفعا. ووجه قول أشهب أن جعل الاولى صلاته إذ إنما دخل مع الامام لفضل الجماعة مع ما قد جاء عن النبي (ص) أنها له نافلة. وليس قوله بجار على المذهب إذ لو كانت الاولى هي صلاته على كل حال والثانية نافلة، لما جاز لمن صلى الصبح أو العصر وحده أن يعيدها في جماعة إذ لا يتنفل بعدها. وقد قيل: إنه إذا أعاد في جماعة ودخل فيها فقد بطلت الاولى وحصلت هذه صلاته، فإن بطلت عليه لزمه إعادتها. وقد قيل: إنها لا تبطل عليه الاولى حتى يفعل من الثانية ركعة أو أكثر وبالله التوفيق. اتهى. وانظر آخر رسم المحرم يجعل خرقة من سماع ابن القاسم وآخر رسم لم يدرك من سماع عسى وفي أثناء سماع سحنون والله أعلم. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وحقيقة التفويض أن ينوي بالثانية الفرض ويفوض إلى الله تعالى في القبول. وقد وقع لمالك في المبسوط ما يشير إلى هذا. انتهى وقال في النوادر: ومن المجموعة قال أشهب وعبد الملك: ومن صلى وأعاد في الجماعة فليس يحتاج إلى علم النافلة منها وذلك جزاؤه بيد الله سبحانه وتعالى. انتهى. ص: (ولو مع واحد) ش: قال الجزولي: واختلف هل يعيد مع واحد ؟ المشهور لا يعيد ما لم يكن إماما راتبا، فإن كان معه أعاد بلا خلاف. انتهى. وصرح بالاعادة مع الامام الراتب ابن عرفة وابن الحاجب وغيرهما. وقال ابن غازي: عول في الاعادة مع الواحد غير الامام الراتب على صاحب اللباب وابن عبد السلام وما كان ينبغي له ذلك، فإن الحفاظ لم يجدوه في المذهب حتى انتقد على ابن الحاجب جعله مقابل الاصح. فقال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب تعاد مع


[ 404 ]

واحد ولا أعرفه انتهى. فإن قيل: في الاثنان إذا كانا في جماعة وجب أن يعيد مع واحد وإلا وجب أن يعيد من صلى مع الواحد. جوابه هما جماعة إذا كانا مفترضين والمعيد ليس بمفترض. انتهى من الذخيرة. ص: (وإلا شفع) ش: يعني وإن عقد ركعة من المغرب فإنه يشفعها ويسلم. وانظر هل يشفعها مع الامام أو يصلي لنفسه ركعة ؟ الذي يفهم من كلامه في النوادر أنه يصلي مع الامام الثانية، وانظر الطراز فإنه قال: يصلي الثانية مع الامام ويسلم قبله. ص: (وأعاد مؤتم بمعيد أبدا أفذاذا) ش: قال ابن عرفة: ولا يؤم معيد، وفي إعادة مأمومه أبدا مطلقا أو ما لم يطل لابن حبيب معها وسحنون. اللخمي: إن نوى الفرض صحت على الفرض والتفويض. صحت أم بطلت الاولى والنفل صحت على إمامة الصبي. وفي رد المازري بأنه ينوي الفرض نظر لانه ممتنع بل ينوي عينها فقط. انتهى. وتقدم عند قول المؤلف ونية الصلاة المعينة أن الصبي لا ينوي الفرض فانظر لو تبين عدم الاولى أو فسادها هل يلزمه والمأمومين إعادة ؟ وفهم بعضهم قول المؤلف وإن تبين عدم الاولى عليه فتأمله. والله أعلم. وقال ابن بشير: وأما إمامة غير البالغ ممن يؤمر بالصلاة في الفريضة فلا تجوز، فإن وقعت ففي بطلان الصلاة قولان، المشهور بطلانها لسقوط الفرض عن الصبي ووجوبه على البالغ. وقال أبو مصعب بصحة الصلاة. قال الباجي: ويحتمل أن يكون هذا القول بناء على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، ويحتمل أن يكون بناء على المشهور لكون الصبي معتقدا الوجوب فلم يكن اقتداء مفترض بمتنفل. انتهى. ص: (ولا يطال ركوع لداخل) ش: قال في توضيحه: ولا يطيل الامام لادراك أحد. قال في النوادر من العتبية من سماع ابن القاسم: ولا ينتظر الامام من رآه


[ 405 ]

أو أحسه مقبلا. قال ابن حبيب: إذا كان راكعا فلا يمد في ركوعه. وكذلك قال اللخمي: ومن وراءه أعظم عليه حقا ممن يأتي. انتهى. وجوز سحنون الاطالة واختاره عياض. وحديث من يتصدق على هذا وتخفيفه عليه الصلاة والسلام من أجل بكاء الصغير والوقوف في صلاة الخوف لاجل إدراك الطائفة الثانية يدل له. وانظر هل تجوز إطالة الصلاة كلها لهذا أم لا ؟ انتهى كلام التوضيح. ففهم الشيخ أن كلام ابن حبيب مفسر لسماع ابن القاسم وكذا ابن عرفة قال: وفي مد الامام ركوعه لمن أحس بدخول نفل الصقلي عن سحنون في السليمانية قائلا. ولو طال. والشيخ عن ابن حبيب ولم يحك غيره مع سماعه ابن القاسم ففسره ابن رشد بالكراهة. قال: وأجازه بعض العلماء في اليسير الذي لا يضر بمن معه. قلت: ويقوي الاول إن كانت الاخيرة. انتهى. وفهم الشارح بهرام أنها ثلاثة أقوال وصرح بها في شامله والله أعلم. وقال البرزلي في مسائل الصلاة قال أبو محمد بن أبي زيد فيمن يرى رجلا مقبلا يريد الدخول معه في الصلاة فيطيل القراءة أو يبطئ بها ولولا انتظاره ما فعل ذلك: إنه أخطأ في فعله ولا يعيد وتصح صلاته. قال البرزلي: المسألة المختلف فيها هي من أتى والامام راكع وأحس به، هل يطيل في ركوعه حتى يدرك مع الركعة ؟ قال ابن يونس عن سحنون: إنه يجوز أن ينتظره ولو طال. وعن ابن حبيب وهو في سماع ابن القاسم: لا ينتظره. ابن رشد: ومحمله عندي على الكراهة وأجازه بعض العلماء في اليسير الذي لا يضر بمن معه. وحمل المازري قول ابن حبيب على المنع واختار إن كانت الركعة الاخيرة جاز وإلا لم يجز فيحتمل أن يتخرج هذا الخلاف في صورة السؤال من باب أحرى لان الركوع ليس بمحل الاطالة، فإذا جاز فيه فهو في حال القيام والقراءة أجوز. ويحتمل أن يتخرج الخلاف فيه من وجه آخر وهو من أنصب لمخبر يخبره وفي صحة صلاته قولان انتهى. والمسألة في آخر رسم تأخير صلاة العشاء في سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. ص: (والامام الراتب


[ 406 ]

كجماعة) ش: يشترط أن ينوي الامامة ويصلي في وقته المعتاد. وقاله الشيخ أبو الحسن وغيره. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: يعني بالراتب المنتصب للامامة الملازم لها وكونه مقام الجماعة أي في الفضيلة والحكم فله ثواب الجماعة وحكمها بحيث لا يعيد في جماعة أخرى ولا يصلي بعد في مسجده تلك الصلاة ويعيد معه من أراد الفضل. قال بعض الشيوخ: ويجمع ليلة المطر. انتهى. وذكر ابن ناجي هذا الاخير عن الشيخ أبي القاسم الغبريني وقال: فإنه يقول سمع الله لمن حمده ولا يزيد ربنا لك الحمد وسلم له بعض من كان معاصرا له من شيوخنا الاولى وخالفه في الثانية، ورأى أنه يجمع بينهما قال: والاقرب عندي هو الاول. انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة. يريد إذا صلى في مسجد لا في داره. وقال الباجي: يريد إذا نوى إنه إمام فجعله من المواضع التي يلزمه أن ينوي فيها الامامة ليحصل له فضل الجماعة. وقوله الراتب سواء كان في جميعها أو بعضها. انتهى. وقال الجزولي: يريد إذا صلى في الوقت المعتاد، وأما إذا لم يصل في الوقت المعتاد فلا يقوم مقام الجماعة. وزاد عبد الوهاب: إذا أذن وأقام وانتصب للامامة فحينئذ يحكم لصلاته بحكم صلاة الجماعة. انتهى. وذكر الشيخ زروق كلام الباجي وكلام عبد الوهاب. ص: (ولا تبتدأ صلاة بعد الاقامة) ش: انظر هل النهي على جهة المنع أو الكراهة ؟ قال ابن عرفة: وإذا أقيمت بموضع صلاة منع فيه ابتداء غيرها والجلوس فيه. انتهى. هذا هو الذي يفهم من كلام المصنف والتوضيح. قال في المدونة في باب صلاة النافلة. وإذا أقيمت الصلاة كره التنفل حينئذ. ابن ناجي: مثله في ابن الحاجب. قال ابن هارون: والمراد بالكراهة التحريم. ومثله قول ابن عبد السلام: ظاهر الاحاديث وما يقوله أهل المذهب في تفاريع هذه المسألة من القطع أن المراد بالكراهة التحريم، ولا خصوصية لذكر المتنفل لانه يمنع من صلاة فرض آخر غير الذي أقيم. ويريد بقوله إذا أقيمت إذا أخذ المؤذن في الاقامة. وهكذا لفظ الام كما اختصر ابن يونس. انتهى. وفي الموطأ في باب ركعتي الفجر قال: سمع قوم الاقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله (ص) فقال: أصلاتان معا أصلاتان معا ؟ وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح. قال في الاستذكار: وليس قوله


[ 407 ]

عليه الصلاة والسلام أصلاتان معا يمنع من صلاة العشاء الاخيرة في المسجد لمن فاتته مع الامام والناس في صلاة الاشفاع، لان النهي في ذلك إنما ورد عن الاشتغال بنافلة عن فريضة تقام في الجماعة والمساجد إنما بنيت للفرائض لا للنوافل، فالذي تفوته صلاة العشاء أحق بإقامتها في المسجد من المصلين فيه جماعة نافلة، الاشفاع كانت أو غيرها. وعلى ما قلت جماعة من الفقهاء لا أعلمهم يختلفون في ذلك انتهى. وقال البرزلي في مسائل الصلاة. سئل ابن رشد عمن يصلي الصبح حالة كون الامام يصلي الظهر ويلحقه في الظهر وكله بالمسجد وهل يجوز ذلك ؟ جوابه لا ينبغي أن يصلي الصبح والامام في غيره لا في المسجد ولا في أفنيته التي تصلى فيها لجمعة. قلت: لقوله عليه الصلاة والسلام أصلاتان معا إنكار لذلك، وأما صلاة الفرض في المسجد وهو يصلي التراويح ففي العتبية جوازه، وأما صلاة الوتر ونحوه وهو يصلي التراويح فحكى الزناتي في شرحه للتهذيب قولين عن المتأخرين، أصحهما المنع لقرب الدرجة في المندوبات. انتهى. فقول ابن رشد لا ينبغي لعله يريد المنع وإلا فليتأمل والله أعلم. وقال البرزلي بعد ذلك: سئل ابن أبي زيد عن قوم صلوا في مسجد بإمامين، قوم في داخله وقوم على ظهره أو صحنه. فقال: صلاتهم تامة ولا يعيدون. قلت: إن لم يكن لهم إمام راتب فيجوز كيفما فعل، وإن كان له إمام راتب فاختلط معه في وقت الصلاة من صلى لنفسه إما منفردا أو جماعة فالصلاة صحيحة، ولا ينبغي ذلك وتقدم ما لابن رشد في ذلك من نحو هذا. انتهى. وقال القباب في شرح أول القاعدة الثانية وهي أول الصلاة في كلامه على اللوات الممنوعة: فإذا كان الامام في فرض فلا يجوز للشخص أن يصلي تلك الصلاة فذا ولا في جماعة، ولا أن يصلي فريضة غيرها. قال القاضي عياض: فإن فعل أساء وتجزئه. قاله فيمن يصلي فذا ما يصلي الامام جماعة. انتهى. وما ذكره عن القاضي عياض لم أره بل ظاهر كلامه في القواعد خلافه لانه عد من مفسدات الصلاة إقامة الامام على المصلي صلاة أخرى فتأمله. وفي الابي شرح مسلم في قوله (ص) إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ما نصه. قلت: الظاهر أنه نفي الكمال لا الاجزاء بدليل أنه لم يأمر المصلي بالاعادة. انتهى بالمعنى. وصرح في التوضيح في فصل الاستخلاف بالاجزاء ونقله عن الباجي ذكره في قوله: وكذا لو أتم بعضهم وحدانا ونصه بعد قوله. وحدانا بمنزلة جماعة وجدوا جماعة يصلون في المسجد بإمام فقدموا رجلا منهم وصلوا. قال الباجي: قالوا: ولو هم قدموا رجلا إلا واحدا منهم صلى فذا فقد أساء وتجزيه صلاته بمنزلة رجل وجد جماعة تصلي بإمام فصلى وحده فذا. انتهى والله أعلم. وتقدم معناه في كلام البرزلي الذي نقله عن ابن أبي زيد.


[ 408 ]

فرع: قال ابن راشد: هل لدحد أن يصلي نافلة وإن كان الامام يصلي نافلة كقيام رمضان ؟ لم أر في ذلك نصا. ورأيت في طرة كتاب: وسئل أبو الوليد هشام بن عواد شيخ القاضي عياض عن الرجل يصلي الشفع والوتر والامام يصلي الاشفاع. فقال: ذلك جائز ولا كراهة فيه. انتهى. تأمل كلام ابن الجلاب فيمن فاته شئ من الاشفاع فإنه يقتضي المنع من الصلاة منفردا. انتهى. من ابن فرحون على ابن الحاجب. وتقدم في كلام البرزلي عن ابن راشد أنه نقل عن الزناتي في ذلك قولين أصحهما المنع والله أعلم. ص: (وإن أقيمت وهو في صلاة قطع إن خشي فوات ركعة) ش: يعني يقطع ويدخل مع الامام ويعيد الصلاتين للترتيب. إن كانت التي فيها فريضة غير التي قامت عليه، وإن كانت التي قطعها نافلة فلا يعيدها. قال في المدونة: لانه لم يتعمد قطعها. قال ابن الحاجب في آخر كتاب الصلاة: ومن قطع نافلة عمدا لزمه إعادتها بخلاف المغلوب. قال في التوضيح: إنما لزمه إعادتها لانه قد وجبت عليه بالشروع عندنا ولا عذر له. فائدة: هذه إحدى الاشياء السبع التي تلزم بالشروع وهي: الصلاة والصوم والاعتكاف والحج والعمرة والائتمام والطواف. ونظمها بعضهم فقال: صلاة وصوم ثم حج وعمرة يليها طواف واعتكاف وائتمام يعيدهم من كان للقطع عامدا يعيدهم فرضا عليه وإلزام وانظر ما ذكره من لزوم الاعادة في الائتمام فإن الظاهر عدم لزومه. انته ء. وهو كذلك يعني به الدخول خلف الامام فإنه يلزم بالشروع ولا يجوز له الانتقال عندنا لكنه إذا قطع لا تلزمه الاعادي مع الامام والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وأصل المذهب أن كل عبادة توقف أولها على آخرها يجب إتمامها. أصله الحج فيجب إتمامه والعمرة والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف بخلاف الوضوء والقراءة والذكر ونحوها. انتهى. وانظر الذخيرة في الباب الخامس عشر في صلاة النافلة ومن جملة ما قيل فيه: أما لو شرع في تجديد الوضوء نص أصحابنا على أن قطعه لا يوجب قضاء، وكذلك الشروع في الصدقة والقراءة والاذكار وغير ذلك من القربات. انتهى. وفي كتاب الصوم من الذخيرة لما ذكر هذه السبعة قال: بخلاف الوضوء والصدقة والوقف والسفر للجهاد وغير ذلك. انتهى. وقال في المسائل الملقوطة بعد ذكره السبع الاولى: بخلاف الوضوء والصدقة والوقف والسفر للجهاد وغير ذلك قاله الشيخ عياض في التنبيهات. قال الشيخ خليل: فعلى هذا إذا سافر للجهاد فهل له أن يرجع عن ذلك ؟ وكذلك الصدقة بشئ ؟ واختلف إذا خرج بكسرة خبز للسائل فلم يجده هل له أكلها أم لا ؟ قيل: يجوز له أكلها. وقيل: إن كان معينا أكلها وإن كان غير معين لم يأكلها. انتهى.


[ 409 ]

ونظمت النظائر السبع المذكورة فقلت: قف واستمع مسائلا قد حكموا بكونها بالابتداء تلزم صلاتنا وصومنا وحجنا وعمرة لنا كذا اعتكافنا طوافنا مع ائتمام المقتد فيلزم القضاء بقطع عامد ص: (وإلا أتم النافلة أو فريضة غيرها) ش: قال في المدونة: ومن أحرم في نافلة ثم أقيمت الصلاة قبل أن يركع، فإن كان ممن يخفف الركعتين قبل أن يركع الامام صلاها ودخل معه وإلا قطع بسلام ودخل معه ولا يقضي النافلة إذا لم يتعمد قطعها. ابن ناجي: زاد في الام: يقرأ بأم القرآن وحدها ويركع. وكذلك اختصرها ابن يونس ويقوم منها أن من أحرم ثم صعد الامام على المنبر أنه يتمادى ويخفف بقراءة الفاتحة. وهو قول مالك في رواية ابن شعبان ونحوه في سماع ابن القاسم إن كان في التشهد سلم ولم يدع. وقال ابن حبيب: يطيل في دعائه ما أحب. ونحوه قول مالك في رواية ابن وهب: يدعو ما دام الاذان. انتهى. وعلم من كلام المدونة أنه يتم النافلة إذا لم يخف فوات ركعة سواء عقد ركعة أم لا، وصرح بذلك في التوضيح. وكلك الفريضة التي هي غير الصلاة التي أقيمت يتمها إذا لم يخف فوات ركعة


[ 410 ]

عقد ركعة أو لا كما صرح به في التوضيح في شرح القول الذي مشى عليه المؤلف، وهو قول مالك وهو القول الثاني في كلام ابن الحاجب. وصرح بهذا أعني أن القول الثاني في كلام ابن الحاجب هو الذي مشى عليه المؤلف السيد القابسي في تصحيح ابن الحاجب وصرح في الشامل بتشهيره فسقط قول البساطي. وظاهر كلام المصنف أنه يتم النافلة والفريضة وإن لم يعقد ركعة والعقد مشترك في الكل. انتهى. ص: (وإلا انصرف في الثالثة عن شفع كالاولى أن عقدها) ش: ظاهره سواء كانت المغرب أو غيرها، وهذا في غير المغرب كما صرح به في المدونة وابن الحاجب وابن بشير وابن عرفة. قال في المدونة: وإن كانت المغرب قطع ودخل مع الامام، عقد ركعة أم لا. وإن صلى اثنتين أتمها ثلاثا وخرج، وإن صلى ثلاثا سلم وخرج ولم يعدها. وقال ابن الحاجب: وفي المغرب يقطع. وقيل: كغيرها فإن أتم ركعتين فالمشهور يتم وينصرف كما لو قام إلى الثالثة أو كان أتمها. انتهى. قال في التوضيح: إثر قوله وفي المغرب يقطع: وقيل كغيرها أي يقطع عقد ركعة أم لا لئلا يؤدي إلى التنفل قبل المغرب. وقال الباجي: لانه دخل بنية الوتر فلا يسلم على شفع. وفي هذا الاصل خلاف والقول الثاني لابن القاسم وأشهب في المجموعة ورأى أن الاحكام جرت إليه. وقال إثر قوله فإن أتم ركعتين إلى آخره يعني إذا أتم ركعتين من المغرب ففي المدونة وهو المشهور أنه يضيف إليها ثالثة ويسلم وينصرف لانه إذا سلم من اثنتين يصير متنفلا قبل المغرب. ومقابل المشهور لابن القاسم أيضا في المجموعة يسلم منها لان في إتمامه مخالفة على الامام وإيقاع صلاتين. وقوله كما لو قام إلى ثالثة ظاهره أنه يتفق على أنه إذا قام إلى ثالثة على الاتمام وفيه نظر، فقد حكى اللخمي وابن يونس وابن بشير وغيرهم الخلاف إذا ركع في الثالثة ولم يرفع وينوه على الخلاف في الرفع. انتى. وقال ابن عبد السلام إثر قوله فإن أتم ركعتين يعني من المغرب فالمشهور أنه يمتها ثلاث ركعات وينصرف لانها لا تعاد في جماعة كما يأتي على المشهور. وقوله كما لو قام إلى ثالثة أو كان أتمها يعني أنه إذا قام إلى ثالثة من المغرب أو كان قد صلاها كلها فإنه ينصرف ولا يقطع إن كان لم يسلم أو قام إلى ثالثة. ووافق الشاذ الذي خالف في الركعتين على ذلك، ولاجل ذلك فصل المؤلف مسألة تمام الركعتين من المغرب عما بعدها وإلا فكان يكتفي بحكم الركعتين عما بعدهما. وقال ابن بشير لما تكلم على حكم من أقيمت عليه صلاة الامام وهو في صلاة: فإن كانت المغرب فلا شك على


[ 411 ]

قول المغيرة أنها كغيرها، وأما على المشهور فإنه إن لم يركع قطع وإن ركع فقولان، المشهور أنه يقطع، والشاذ أنه يضيف إليها ركعة أخرى، وإن ركع الثانية فقولان، المشهور أنه لا يقطع ويضيف ثالثة وينصرف، والشاذ أنه يسلم ويدخل مع الامام، وإن قام إلى ثالثة فلا شك على المشهور أنه يتم الثالثة، وعلى القول الثاني أنه يرجع إلى الجلوس ثم يسلم ويدخل مع الامام، وإن ركع ولم يرفع رأسه فاختلف على القول بأنه يسلم من اثنتين هل يتم ها هنا أو يرجع إلى الجلوس ؟ وهو على الخلاف في عقد الركعة هو وضع اليدين على الركبتين أو رفع الرأس. انتهى. وقال ابن عرفة: وإذا أقيمت المغرب على من في أولاها قطع ابن رشد اتفاقا. قلت: للخمي عن ابن حبيب يتمها نفلا. قال: وفي ثانيتها في قطعه وإتمامها قولا ابن القاسم مع روايته وابن حبيب مع رواية سحنون عنه، وبعد إتمام الثانية في قطعه وتمامها روخية سحنون وابن حبيب عنه في بعض روايتها، وبعد عقد الثالثة أتمها اتفاقا. انتهى. وانظر قول ابن الحاجب أتم ركعتين هل مراده بسجدتيها أم لا ؟ وانظر قول المؤلف كالاولى إن عقدها. قال في التوضيح هنا: والعقد فيه خلاف مشهور انتهى. وذكر في باب السهو عن البيان أن عقد الركعة هنا أتمها بسجدتيها ذكره لما تكلم على عقد الركعة. وقال قبله في المسائل التي وافق ابن القاسم فيه أشهب على أن عقده الركعتين يكون بوضع اليدين، ومنها أن أقيمت عليه المغرب وهو فيها قد أمكن يديه من ركبتيه من ركوع الثانية فرآه ابن القاسم فوتا في المجموعة. انتهى. وقال ابن عرفة: قال اللخمي: وفي عقدها بالركوع أو الرفع منه اختلاف. وقوله خلاف يوهم كونه المعروف من قولي أشهب وابن القاسم، وعز الصقلي هنا الاولى لابن القاسم في المجموعة وأشهب في العتبية، والثاني له في المجموعة. انتهى. وقول المؤلف وإلا انصرف في الثالثة عن شفع يحتمل أن يريد أنه إذا أقيمت عليه في الثالثة قبل أن يعقدها فإنه يرجع ويجلس وينصرف عن شفع. تنبيه: اعلم أنه إذا عقد الثالثة وقلنا يشفعها بنية إكمالها لا أنه يجعلها نافلة فإنه صرح به في الذخيرة عن المدونة ولفظ المدونة: وإن صلى ثالثة صلى رابعة ولا يجعله نافلة. انتهى. ولفظ الذخيرة: فإن أقيمت عليه بعد ثلاث قال في الكتاب: يكملها


[ 412 ]

ص: (وإلا لزمته ظاهره) ش: سواء صلى ما قبلها أم لم يصل وهو أحد قولي ابن القاسم. قال الهواري: وهو المشهور. وقيل: يخرج وهو قول ابن عبد الحكم والاول هو الجاري على ما قاله المؤلف فيما إذا أقيمت عليه صلاة وهو في صلاة فريضة غيرها وخشي فوات ركعة. وقال ابن عرفة: وإن أقيمت على من به وعليه ما قبلها ففي لزومها بنية النفل وخروجه لما عليه نقلا ابن رشد عن أحد سماعي ابن القاسم والآخر مع قوله فيها، ولا يتنفل من عليه فرض. مع اللخمي عن ابن عبد الحكم: يخرج من المسجد. ابن رشد: يضع الخارج يده على أنفه لسماعه. سحنون من ابن القاسم في الخارج لاقامة ما لا يعاد. انتهى. ص: (وبطلت باقتداء بمن بان كافرا) ش: قال ابن حزم: وشروط الامام الواجبة عشرة: بالغ عاقل ذكر مسلم صالح قارئ ففيه بما يلزمه في صلاته فصيح اللسان، ويزاد في الجمعة حر مقيم. ثم ذكر الخلاف في الذكورية والصلاح والبلوغ. انتهى. ص: (أو مجنونا) ش: عبر عنه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة بالمعتوه وسيأتي لفظه. ص: (أو فاسقا بجارحة) ش: اختلف في إمامة الفاسق بالجوارح فقال ابن بزيزة: المشهور وإعادة من صلى خلف صاحب كبيرة أبدا. وقال الابهري: هذا إذا كان فسقه مجمعا عليه كالزنا


[ 413 ]

وترك الطهارة، وإن كان بتأويل أعاد في الوقت. وقال اللخمي: إن كن فسقه لا تعلق له بالصلاة كالزنا وغصب المال أجزأته لا أن تعلق بها كالطهارة. وقال ابن حبيب: من صلى خلف شارب الخمر أعاد أبدا إلا أن يكون الوالي الذي تؤدي إليه الطاعة فلا إعادة عليه إلا أن يكون سكرانا حينئذ. قاله من لقيت من أصحاب مالك. انتهى بالمعنى من التوضيح. فحكى في إمامة الفاسق هذه الاقوال الاربعة. وحكى ابن عرفة في إمامة الفاسق ستة أقوال قال: ويطلب في الامام عدم فسقه وفي إعادة مأموم الفاسق في الوقت أو أبدا ثالثها إن تأول، ورابعها إن كان واليا أو خليفة لم يعيدوا أبدا، وخامسها إن خرج فسقه عن الصلاة أجزأت وإلا أبدا، وسادسها لا إعادة لنقل ابن راشد مع اللخمي وابن وهب مع مالك والابهري وابن حبيب واللخمي والباجي من قول ابن وهب: لا يعيد مأموم وعاصر خمر. انتهى. وحكى ابن ناجي في شرح المدونة الستة الاقوال ثم قال: وظاهر كلامهم الذي يغتاب الناس كغيره فلا يصلى خلفه ابتداء وإن صلى خلفه ففيه الخلاف كغيره. وسئل عنها شيخنا الشبيبي وهو جالس في دار الشيخ أبي محمد بن أبي زيد: هل الصلاة خلفه باطلة أم لا ؟ وهل هي جرحة في إمامته فيعزل أم لا ؟ فتوقف لكثرة الغيبة في الناس ورأى إن هو أفتى بجرحته يؤدي إلى عزل أئمة متعددين فقال للسائل: تربص حتى أنظر فيها ما أدري ما أجابه انتهى. قاله الشبيبي في شرح الرسالة: وأما الفاسق بجوارحه فإن علم من عادته


[ 414 ]

التلاعب بالصلاة وشروطها وعدم القيام بها فينبغي أن لا يختلف المذهب في بطلان صلاة من ائتم به لغلبة الظن على بطلان صلاته، وإن لم يعلم من عادته التلاعب بالصلاة ففي المذهب أربعة أقوال مشهورها الاعادة في الوقت. وقيل: أبدا. وقيل: لا إعادة عليه. وقيل: إلا أن يكون


[ 415 ]

الوالي الذي تؤدي إليه الطاعة فلا إعادة حينئذ. انتهى. وقال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن يعمل المعاصي هل يكون إماما ؟ فأجاب: أما المصر والمجاهر فلا، والمستور المعترف ببعض الشئ فالصلاة خلف الكامل أولى وخلفه لا بأس بها. وسئل عمن يعرف منه الكذب العظيم أو قتات كذلك، هل تجوز إمامته ؟ فأجاب: لا يصلي خلف المشهور بالكذب والقتات والمعلن بالكبائر، ولا يعيد من صلى خلفه. وأما من تكون منه الهفوة والزلة فلا يتبع عورات المسلمين. وعن مالك عن هذا الذي ليس فيه شئ وليس المصر والمجاهر كغيره. وسئل هل يصلي خلف القاتل ؟ فأجاب أما المتعمد فلا تنبغي الصلاة خلفه. وعن ابن حبيب: وإن تاب والمستحب عندنا إذا أمكن من نفسه وعفي عنه وحسنت توبته أنه يصلى خلفه وإلا فلا يصلى خلفه ولا إعادة إذا فعل. البرزلي: فالمحصول من هذه المسائل أن في إمامه الفاسق خلافا إذا وقعت، هل يعيد في الوقت أو أبدا ؟ والفرق بين أن يكون فسقه متعلقا بالصلاة أو لا يحتمل أن يكون خلافا وإليه أشار بعض شيوخنا، ومنهم من استبعد فيه الخلاف. انتهى. وقال قبل هذا: سئل التونسي عن إمامة من يعمل بالربا ويظلم الناس وهل يعيد من صلى خلفه أبدا أو لا ؟ فأجاب: لا ينبغي إمامة من ذكرت ولا الصلاة خلفه وله مندوحة في غير الجمعة والاعياد لضرورة إقامتهما بخلاف غيرهما، فإن وقعت صحت على المشهور. إذا لم يتحقق بدعتهم. وقيل: تعاد ذكره عبد الوهاب لجواز إخلالهم ببعض شروط الصلاة وعدم الثقة بخبرهم، وهنا ليس ببعيد في القياس. ولابن حبيب معنى من هذا في ولاة الجور. وسئل اللخمي عن الصلاة خلف الظاهر الجرحة فأجاب: الصلاة خلفه جائزة وهو القياس. وقد اختلف فيها إلا أن يكون فسقه متعلقا بالصلاة مثل أن يتهم في الصلاة بغير وضوء ونحوه فالاعادة في هذا أبدا في الجمعة وغيرها. وسئل عبد المنعم عن الصلاة خلف من ليس بعدل ولا مأمون فأجاب: ظاهر المذهب استحباب الاعادة. وعن الابهري يعيد أبدا وظاهر الجرحة لا تجوز إمامته للناس وإن رضوه لان فيه تهوينا على أهل المعاصي وتغريرا لهم. ومتى صحت ولاية القاضي فالصلاة خلفه جائزة إذا لم يكن ظاهر الفسق معروفا بالاستهانة بحقوق الله تعالى مضيعا للصلاة وشروطها غير مأموم عليها فلا تجوز إمامته والاعادة أبدا انتهى. ثم قال: وسئل أبو محمد عن الصلاة خلف عاق والدية فأجاب الصلاة خلف غيره أولى ولا يعيد من صلى خلفه. وسئل عن الصلاة خلف أحد المتهاجرين فأجاب: إن كان تهاجرهما الامر دنيوي فالصلاة خلف غيرهما أحب إلي ولا إعادة على من صلى خلف أحدهما. وسئل عن الصلاة خلف من طلق زوجته ثلاثا وأقام معها فقال: هي أشد من التي قبلها وهي من الكبائر انتهى. وقال ابن بشير: القسم الثاني من موانع الامامة ما يرجع إلى الجوارح وهو الفاسق بجوارحه كشارب الخمر وما في معناه، وفي صحة الصلاة خلف من هذه حاله قولان: أحدهما أنه لا تصح لانه إذا ارتكب كبيرة أمكن أن يترك ما يؤتمون عليه من فروض الصلاة. والثاني صحت إمامته لان فسقه غير متعلق بأحكام الصلاة


[ 416 ]

وهو خلاف في حال، وإنما ينبغي أن يعتبر حاله. فإن كان من التهاون والاستهزاء بحيث يمكن أن يترك بعض الفروض فلا تصح إمامته، وإن كان ممن اضطره هوى غالب إلى ارتكاب كبيرة مع براءته من التهاون والجرأة صحت إمامته وهذا يعلم بقرينة الحال. ص: (أو مأموما) ش: قال البساطي: وأما اشتراطه أن لا يكون مأموما فظاهر ويكون في صور: إحداها أن يكون مسبوقا وقام ليقضي فجاءه من ائتم به. والثانية أن يكون صلى تلك الصلاة مأموما ثم ابتدأ ولا فرق في هذه الصورة بين الامام والمأموم، والثالثة أن يقتدي به من يعتقد أنه إمام وهو مأموم وصلاة الكل على المذهب باطلة انتهى. أما الصورة الثالثة فنقل في النوادر عن ابن حبيب فيها البطلان ونصه: ومن أم قوما في سفر فرأى قوما إمامه يصلي بهم رجل فجهل فصلى بهم فصلاته تجزئه ويعيد من خلفه أبدا. وقاله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك انتهى. ونقله المازري ولم يذكر خلافه. وفي نوازل سحنون: أرأيت رجلا أم قوما فتعيا في قراءته ففتح عليه فلم يفقه فتقدم الفاتح إلى الامام فوقف في موضعه يقرأ بهم حتى فرغ من السورة والامام قائم في القبلة منصت حتى ركع بهم الركعة التي بقيت عليهم ثم سلم بهم الاول الفاتح عليه ومن خلفه بصلاة الامام قال: ما أرى صلاتهم كلاهم الفاتح على الامام وغير الفاتح إلا فاسدة. قال ابن رشد: وهذا كما قال لانهم ائتموا بمأموم في حكم الامام ففسدت صلاتهم أجمعين انتهى. وقال ابن عرفة: الامامة أن يتبع مصل في جزء من صلاته غير تابع غيره، ولذا قال محمد وابن حبيب: من ائتم بمأموم بطلت صلاته انتهى. وصرح به في التوضيح في الاستخلاف ونصه المنصوص فيمن صلى برجل يظنه منفردا فتبين أنه مؤتم أن صلاته فاسدة. انتهى من شرح قوله فإن رفعوا مقتدين. وأما الصورة الثانية من كلامه فحكمها واضح، وأما الصورة الاولى فحكى ابن الحاجب فيما إذا قام المستخلف المسبوق لقضاء ما عليه فائتم به مسبوق مثله قولين. قال: والاصح البطلان وحكاهما ابن رشد في البيان من غير ترجيح في رسم لم يدرك وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى وفي سماع موسى وفي سماع سحنون من كتاب الصلاة، وجعل علة القول بالبطلان كونهم صلوا في جماعة ما وجب عليهم أن يصلوا أفذاذا. وذكر المازري القولين وقال: وقد أشار بعض المتأخرين إلى أن القول بإبطال الصلاة يحتمل وجهين: أحدهما أن المؤتمين به يعني بالمستخلف لومهم حكم الاول ومن حكم الامام الاول لا يصلي


[ 417 ]

تلك الصلاة مع إمام غيره، فصلاته ما فات وراء المستخلف كصلاته وراء غيره من الائمة، والحكم فيه أن يقضي فذا. والوجه الثاني أن من ائتم بمأموم فعليه القضاء ويشير إلى صحة هذا التعليل قول ابن المواز: من اتبع المأموم في القضاء بمن كان معه في الصلاة أو من غيرهم بطلت صلاته. وهذا يقتضي أن المؤتم بمأموم لا تصح صلاته لان قوله أو من غيرهم يقتضي بطلان صلاة من دخل مؤتما معه في ركعة الفوات. وقد قال ابن حبيب وذكر ما تقدم عنه انتهى. وقال البرزلي في مسائل بعض القرويين: مسألة فيمن قام يصلي ركعتين فإنه الامام بهما فدخل رجل فاقتدى به فيهما فصلاته باطلة. البرزلي: تقدم معناه ونقل عن السيوري أنها صحيحة أنظره والله أعلم. ص: (أو محدثا إن تعمد أو علم مؤتمه) ش: هذه مسألة المدونة قال في أثناء كتاب الطهارة: وإذا ذكر الامام بعد فراغه من الصلاة أنه جنب أعاد وحده وصلاة من خلفه تامة، فإن ذكر ذلك قبل تمام صلاته استخلف، فإن تمادى بعد ذكره جاهلا أو مستحييا أو دخل عليه ما يفسد صلاته ثم تمادى أو ابتدأ بهم الصلاة ذاكرا لجنابته فقد أفسد على نفسه وعليهم، وتلزم من خلفه الاعادة متى علموا، أو من علم بجنابته ممن خلفه والامام ناس لجنابته فتمادى معه فصلاته فاستدة يعيدها أبدا انتهى. ابن ناجي: وهذا هو المشهور. وقيل: إنها باطلة قاله أبو بكر الابهري. قال ابن الجهم: إن قرأوا خلفه أجزأتهم وإن لم يقرؤا لم تجزهم ويجري فيها قول بعدم الاجزاء وإن قرؤوا قياسا على دحد قولي ابن القاسم فيما إذا ذكر الامام منسية انتهى بالمعنى. وقال في الطراز بعد ذكره قول ابن الجهم: والمذهب أنه يجزئهم من قرأ ومن لم يقرأ لان ما يتعلق بالصلاة من طهارة الامام إنما ينبني في حقهم على حكم اعتقادهم، فإن اعتقدوا فساد طهارته ثم ائتموا به لم تجزهم صلاته، وإن كانت طهارته صحيحة، فكذا إذا اعتقدوا صحتها تجزيهم صلاتهم وإن كانت صلاته باطلة انتهى. وقال في الطراز أيضا في كتاب الطهارة في إمامة صاحب السلس: إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الامام. وقال ابن عطاء الله في شرح المدونة في كتاب الطهارة في إمامة الجنب: اختلف في صلاة المأموم هل هي مرتبطة بصلاة الامام أم لا ؟ على ثلاثة أقوال: أحدها أنها مرتبطة بصلاة الامام متى فسدت عليهم قاله ابن حبيب. الثاني إن كان مصل يصلي لنفسه قاله الشافعي. الثالث قول مالك إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الامام إلا في سهو الاحداث. الشيخ: وهذه العبارة نقض وإنما ينبغي أن يقال في سهو الطهارة لان الامام لو صلى بثوب نجس ساهيا أجزأت من خلفه انتهى. وأما


[ 418 ]

لو نسي الامام النية أو تكبيرة الاحرام لم تجزهم صلاته لانه لم يحصل منه شئ يدخل به في الصلاة، ونقله اللخمي عن مالك في نسيان تكبيرة الاحرام وقال: لو ذكر الامام بعد فراغه من الصلاة أنه لم يقرأ في جميع صلاته أعاد هو ومن خلفه أبدا. والفرق أن القراءة من نفس الصلاة بخلاف الوضوء أو الغسل، وأيضا فإن القراءة يحملها عنهم ولا يحمل الطهارة، ولان الاصل أن كل ما أفسد صلاة الامام أفسد صلاة المأموم، وخرج بالسنة من ذكر أنه محدث بقي ما عداه. فرع: وكذا الحكم في الامام يصلي بثوب نجس ولم يعلم هو ولا من خلفه حتى فرغ من صلاته فإنه يعيد في الوقت. ويختلف في إعادتهم على الخلاف المتقدم في الاعادة خلف الجنب. فعلى المشهور لا يعيدون. وعلى قول ابن الجهم يعيدون، و إن لم يقرأوا على القول الآخر يعيدون لكن الاعادة هنا في الوقت انتهى بالمعنى من اللخمي. وأما إن علم بالنجاسة هو أو أحد المأمومين، فمن علم حكمه حكم من تعمد الصلاة بالنجاسة. أنظر رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الصلاة. وقال البرزلي في مسائل وقعت في فتاوى بعض الافريقيين. مسألة إمام ذكر في ثوبه نجاسة: الجاري على قول ابن القاسم يقطع ويقطعون. وقيل: يستخلف كذاكر الحدث انتهى. فرع: قال في المدونة: وإذا تعمد الامام قطع صلاته أفسد على من خلفه، ومن أحدث بعد التشهد وقبل السلام أعاد الصلاة انتهى. وقال ابن عرفة: لو تعمد إمام قطع صلاته أو خروجه منها يريد بكلام أو حدث أو غيره ثم عمل بهم شيئا بطلت عليهم، ولو لم يعمل ففي بطلانها عليهم نقلا اللخمي عن ابن القاسم وأشهب انتهى بالمعنى. وهو كذلك في تبصرة اللخمي وهو خلاف ما نقل ابن رشد. قال في رسم نذر من سماع عيسى عن ابن القاسم في إمام أحدث بعد التشهد فتمادى حتى سلم متعمدا: أرى أن تجزئ من خلفه صلاتهم. قال عيسى: يعيد ويعيدون. ابن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أن الامام إذا أحدث فتمادى بالقوم متعمدا أو جاهلا أو مستحييا فقد أفسد عليهم الصلاة ووجب عليهم إعادتها في الوقت وبعده خلافا لاشهب وابن عبد الحكم في قولهما إن صلاتهم جائزة ولا إعادة عليهم من أجل أنه ليس له أن يوجب عليهم بقوله صلاة سقطت عنها بأدائهم لها على الوجه الذي أمروا. وحصل هو ضامنا لها لقوله عليه الصلاة والسلام الامام ضامن لا من أجل أن صلاتهم غير مرتبطة بصلاته إذ لا خلاف في المذهب في أن " صلاة القوم مرتبطة بصلاة إمامهم. وقول ابن القاسم في الامام يحدث بعد التشهد ويتمادى لا إعادة عليهم مراعاة وأبي حنيفة في قوله إن الرجل إذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته وخرج منه وإن لم يسلم، وهو قول عيسى بن دينار وهو القياس على المذهب في أن السلام من فرائض الصلاة لا


[ 419 ]

يتحلل إلا به انتهى. وقال في شرح المسألة الثانية من سماع موسى: معلوم مذهب مالك وأصحابه أن الامام إذا قطع صلاته متعمدا أو أحدث فيها متعمدا أو تمادى فيها بعد حدثه متعمدا أنهم بمنزلته فيما يجب عليه من الاعادة في الوقت وبعده، حاشا أشهب وابن عبد الحكم فإنهما ذهبا إلى أنه لو كان على غير وضوء متعمدا أو أحدث وتمادى متعمدا أنه لا إعادة عليهم، وقد مضى وجهه في رسم نذر من سماع عيسى. و تفرقة ابن القاسم بين أن يحدث في أثناء صلاته أو بعد التشهد الاخير انتهى. وفي المسائل المذكورة عن البرزلي مسألة من سقط ثوبه فرده في الحال في صلاته قولان انتهى. ص: (وبعاجز عن ركن) ش: مسألة من كبر فانحنى ظهره حتى صار كالراكع أو قريبا منه قال البرزلي: وقد وقعت فأجريناها على إمامة صاحب السلس انتهى. والمشهور أن إمامته مكروهة كما قال المصنف.


[ 420 ]

ص: (أو علم) ش: قال الشبيبي في شرح الرسالة: اختلفوا في صحة من لم يميز بين الفرائض والسنن لجهله على قولين، وعلى ذلك يختلف في صحة الائتمام به انتهى. وقال الشيخ زروق: المشهور صحة صلاته ذكره في أول باب صفة العمل. ص: (إلا كالقاعد بمثله فجائز) ش: يفهم من عموم كلامه جواز صلاة المريض المضطجع بالمرضى المضطجعين. وقال في أثناء مسألة أواخر سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة عن ابن القاسم: إذا لم يستطيعوا القعود وكان إمامهم لا يستطيع الجلوس فلا أعرف هذا ولا إمامة فيه. قال ابن رشد: وأما إمامة المضطجع المريض بالمضطجعين المرضى فمنع من ذلك في الرواية. والقيام أن ذلك جائز إذا استوت حالهم إلا أن يريد أنهم لا يمكنهم الاقتداء به لانهم لا يفهمون فعله لاجل اضطجاعهم فيكون لذلك وجه، فإن فعل أجزأته صلاته وأعاد القوم. قاله يحيى بن عمر وهو مبين لقول ابن القاسم انتهى. وربما يقال: إنه يمكنه الاقتداء به بسماع تكبيره والله أعلم. وقاله ابن فرحون. قال في حواشي البجائي قال أبو إسحاق: إن فهموا عنه بالاشارة جاز انتهى. وقال ابن عرفة: روى موسى منع إمامة مضطجع لمرضى مثله. ابن رشد: القياس جوازه إن أمكن الاقتداء. المازري: وعلى إمامة الجالس قال أصحابنا لا يؤم مومئ إذ لا يأتم ذو ركوع وسجود بمن لا يفعلهما كفرض بجنازة. قال ابن عرفة: قلت: مفهومه لو استويا جاز كابن رشد انتهى. فرع: إذا صلى قاعد بمثله قال ابن بشير: فإذا صح بعض المقتدين فيما يفعل قولان. قيل: يقوم يتم لنفسه فذا لانه افتتح بوجه جائز ولا يصح إتمامه مقتديا. والثاني أنه يتم معه الصلاة وهو قائم وهو تعويل على صحة الاقتداء أولا ومراعاة للخلاف. ويجري قول ثالث أنه يقطع الصلاة كالامة تعتق في الصلاة وليس معها ما يستر عورة الحرة انتهى. وهذا معنى قول المؤلف


[ 421 ]

فيما يأتي وفي مريض اقتدى بمثله فصح قولان. ثم قال ابن بشير: فإن كان لا يقدر إلا على الايماء لا تصح إمامته بوجه انتهى. ص: (أو بأمي إن وجد قارئ) ش: قال في الشامل: والامي إن وجد قارئ لا إن لم يوجد على الاصح فيهما. قوله فيهما أي في المسألتين وهما مسألة ما إذا وجد قارئ، ومسألة ما إذا لم يوجد قارئ. واعلم أولا أن الكلام في إمامتهم لامثالهم، فحكى ابن الحاجب في ذلك قولين. قال التوضيح: أشار ابن عبد السلام إلى أن الخلاف مقيد بعدم وجود القارئ، وأما إذا أمكنهما أن يصليا خلف القارئ فلا. قال: وفيه نظر. فقد قال سند: ظاهر المذهب بطلان صلاة الامي إذا أمكنه الائتمام بالقارئ فلم يفعل. وقال أشهب: لا يجب علي الائتمام بقارئ كالمريض الجالس لا يجب عليه أن يأتم بقائم انتهى. تنبيه: قال ابن فرحون: سمي الامي أميا لبقائه على الحال التي ولدته أمه عليها فلم يحسن قراءة ولا كتابة انتهى. ص: (أو قارئا بكقراءة ابن مسعود) ش: وكذا من قرأ بما


[ 422 ]

نسخ لفظه قاله الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله: والقراءة التي تسر في الصلوات. وقال في الشامل: ولا تصح خلف قارئ بشاذ. ابن مسعود: بخلاف غير. فقوله غيره أي من الشواذ أنظر التوضيح وابن عرفة والبرزلي. ص: (وبغيره تصح وإن لم تجز) ش: هذا هو المشهور، وفي المختصر جوازه، زاد أشهب في رواية وفي قيام رمضان. ابن ناجي على الرسالة: والعمل عندنا بإفريقية استمر على جوازه في التراويح انتهى. وقال في شرح قوله في كتاب الصلاة اول من المدونة: لا يؤم الصبي في النافلة فما ذكره في النافلة فما ذكره هو قول الاكثر. ابن يونس: وروي عن مالك أنه يؤم في النافلة، قلت: هو ظاهر سماع أشهب وهو نص الجلاب واستمر عليه العمل عندنا بإفريقية انتهى. ص: (وهل بلاحن مطلقا أو في الفاتحة وبغير مميز بين ضاد وظاء خلاف) ش: ذكر مسألتين وذكر أن في كل منهما خلافا أي قولين مشهورين. أشار إلى الاولى منهما بقوله وهل بلاحن مطلقا أو في الفاتحة أي وهل تبطل الصلاة بالاقتداء باللاحن مطلقا أي سواء كان لحنه في الفاتحة أو غيرها، وسواء غير لحنه المعنى أم لا، أو إنما تبطل الصلاة بالاقتداء باللاحن في الفاتحة


[ 423 ]

وأما اللاحن في غيرها فلا تبطل الصلاة بالاقتداء به ؟ وقد حكى اللخمي وابن رشد والمازري وابن الحاجب وغيرهم في إمامة اللحان أربعة أقوال. قال اللخمي: وفي إمامة من يلحن أربعة أقوال: فقيل جائزة، وقيل ممنوعة، وقيل إن كان لحنه في أم القرآن لم يجز وإن كان في غيرها جاز. وقال أبو الحسن القصار: إن كان لا يغير معنى جازت إمامته وإن كان يغير المعنى فيقول * (إياك نعبد) * و * (أنعمت عليهم) * فيجعل الكاف للمؤنث والانعام لنفسه لم يجز. وقاله أبو محمد عبد الوهاب. وأما الاعجمي الذي يلفظ بالضاد ظاء، وإلا لثغ الذي يلفظ بالراء خفيف الغين طبعا فتصح إمامته لانه ليس في ذلك إحالة معنى وإنما هو نقصان حروف. والقول بالمنع ابتداء إذا وجد غيره أحسن إذا كان غيره ممن يقيم قراءته، فإن أم مع وجود غيره مضت صلاته وصلاتهم لان لحنه لا يخرجه عن أن يكون قرآنا، ومع أنه لو سلم أن ذلك ليس بقرآن لم تفسد صلاته لانه لم يتعمد كلاما في صلاته. وقد اختلف فيمن تكلم جهلا هل تفسد صلاته، كيف بهذا واللحن لا يقع في القراءة في الغالب إلا في أحرف يسيرة، ولو اقتضى المصلي على القدر الذي يسلمه من اللحن لاجزئه،


[ 424 ]

ولا فرق بين ما يغير معنى أم القرآن وغيرها لان القارئ لا يقصد موجب ذلك اللحن ولا يعتقد من ذلك إلا ما يعتقده من لا لحن عنده انتهى. وقوله والقول بالمنع ابتداء إلى آخره راجع إلى اللحان كما يدل عليه كلامه وكما يفهم من كلام ابن عرفة ونصه اللخمي في جواز إمامة اللحان: ثالثه إن كان في غير الفاتحة، ورابعها للقاضي مع ابن القصار إن لم يغير المعنى، والاحسن المنع إن وجد غيره، فإن أم لم يعد مأمومه انتهى. فيكون اختياره خامسا وهو المنع من إمامته ابتداء إذا وجد غيره، فإن أم صحت صلاته وصلاتهم. وقال ابن رشد في شرح المسألة التاسعة من رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: وقد اختلف في الذي يحسن القرآن أي يحفظه ولا يحسن قراءته ويلحنه على أربعة أقوال: أحدها أن الصلاة خلفه لا تجوز وإن لم يلحن في أم القرآن إذا كان يلحن في سواها، قاله بعض المتأخرين تأويلا على ما لابن القاسم في المدونة في الذي لا يحسن القرآن لانه حمله على الذي لا يحسن القراءة وقال: إنه لم يفرق فيها بين أم القرآن وغيرها وهو بعيد في التأويل غير صحيح في النظر. والثاني أن الصلاة خلفه جائزة إذا كان لا يلحن في أم القرآن ولا تجوز إذا كان يلحن في أم القرآن. والثالث أن الصلاة خلفه غير جائزة إذا كان لحنه لحنا يتغير منه المعنى مثل أن يقول إياك بكسر الكاف وأنعمت برفع التاء وما أشبه ذلك ويجوز إذا كان لحنه لا يتغير منه المعنى مثل أن يقول الحمد لله بكسر الدال من الحمد ورفع الهاء من لله وما أشبه ذلك. وهذا قول ابن القصار وعبد الوهاب. والرابع أن الصلاة خلافه مكروهة فإن وقعت لم تجب إعادتها وهو الصحيح من الاقوال، لان القارئ لا يقصد ما يقتضيه اللحن بل يعتقد بقراءته ما يعتقد بها من لا يلحن فيها، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. ومن الحجة في ذلك ما روي أن رسول الله (ص) دخل المسجد فمر بالموالي وهم يقرؤن ويلحنون فقال: نعم ما يقرؤن. ومر بالعرب وهم يقرؤن ولا يلحنون فقال: هكذا أنزل. وأما الالكن الذي لا تتبين قراءته، والالثغ الذي لا يتأتى له النطق ببعض الحروف، والاعجمي الذي لا يفرق بين الظاء والضاد والسين والصاد وما أشبه ذلك، فلا اختلاف أنه لا إعادة على من ائتم بهم وإن كان الائتمام بهم مكروها إلا أن لا يوجد من يرضى به سواهم انتهى. وقال المازري في شرح التلقين: وأما اللحان فاختلف فيه المتأخرون من أصحابنا، فقيل: لا تصح الصلاة خلفه ولو كان لحنه في غير أم القرآن. قاله الشيخ أبو الحسن. وقيل: إن كان لحنه في أم القرآن لم تصح الصلاة خلفه، وإن كان في غير أم القرآن أجزأت الصلاة خلفه. قال ابن اللباد ووافقه ابن أبي زيد، ورأى أن الامم لا تصح صلاته أيضا. وقيل: إن كان لحنه لا يغير معنى صحت إمامته ما لم يتعمد ذلك فتفسد بتعمده، وإن كان لحنه يغير المعنى لم تصح إمامته وإليه ذهب القاضيان. وحكى اللخمي قولا رابعا وهو الجواز على الاطلاق ولم أقف إليه ثم قال: وقد قال ابن أبي زيد فيمن صلى خلف من لم يلحق في أم القرآن فليعد، يريد إلا أن تستوي حالهم انتهى.


[ 425 ]

وقال ابن يونس القابسي قال هو وأبو محمد: وكذلك من لم يميز في أم القرآن الظاء من الضاد، وإن لحن فيما عد أم القرآن فذكر عن ابن اللباد وأبي محمد وابن شبلون أنه تجزئ الصلاة خلفه. وقال أبو الحسن القابسي: لا تجزئه. واحتج بظاهر قول مالك فيمن لا يحسن القرآن ولم يفرق بين أم القرآن وغيرها قال: وهو واضح كمن ترك السورة عامدا انتهى. وقال عبد الحق في تهذيب الطالب: حكي عن أبي محمد وأبي الحسن فيمن يلحن في أم القرآن أن صلاته وصلاة من ائتم به فاسدة قالا: وكذلك من لم يميز في أم القرآن الظاء من الضاد أنه يعيد. ورأيت في بعض التعاليق للقرويين فيمن يلحن فيما عدا أم القرآن قال ابن اللباد: تجزئ الصلاة خلفه وبه قال أبو محمد وابن شبلون. وقال أبو الحسن القابسي: لا تجزئ الصلاة خلفه. واحتج بظاهر قول مالك فيمن لا يحسن القرآن وأنه لم يفرق بين أم القرآن لا بين غيرها. قال الشيخ: قول أبي الحسن عندي أصح ولا حجة لمن احتج بأن أم القرآن تجزئ عن غيرها وأنه لا يكون أشد حالا ممن ترك ما عدا أم القرآن، لان القرآن باللحن وما لا يجوز ليس من القرآن الذي يجل أن يتلوه على تلك الحال فأشبه الكلام عمدا أو جهلا. وقد قال في الكتاب: إن الذي لا يحسن أشد ممن ترك القراءة. وهذا عندي والله أعلم أن الذي قرأ ولا يحسن ما يقرأ هو يشبه المتكلم كما ذكرت فالتارك أيسر منه، لان الناس اختلفوا في ناسي أم القرآن هل تفسد صلاته انتهى. وفي النوادر قال ابن حبيب: وتكره إمامة اللحان إذا كان فيهم من هو أصوب قراءة منه، وإن لم يكن فيهم مرضى الحال فاللحان وإلا لكن والامي الذي معه من القرآن ما يغنيه في صلاته أولى من قارئ لا يرضي حاله. وقال لنا أبو بكر بن محمد. يعني ابن اللباد: من صلى خلف من يلحن في أم القرآن فليعد، يريد إلا أن يستوي حالهم في ذل انتهى. فتحصل أن في صلاة المقتدي باللحان ستة أقوال. الاول: أنها باطلة سواء كان لحنه في الفاتحة أو غيرها، وسواء غير المعنى أو لا، وهذا القول الذي ذكره ابن يونس عن ابن القابسي وأنه تأوله على المدونة وقال: إنه أصح. قال المصنف في التوضيح: وفي قول ابن الحاجب والشاذ الصحة إشارة إلى أن المشهور البطلان لكن لا أعلم من صرح بتشهيره. نعم قال القابسي وهو الصحيح واحتج له بقوله في المدونة: ولا صلى من يحسن خلف من لا يحسن القراءة وهو أشد من تركها. قال: ولم يفرق في المدونة بين فاتحة وغيرها ولا بين من يغير المعنى وغيره انتهى. ونقل ابن عرفة عن ابن يونس أنه نقل هذا القول عن ابن القابسي وزاد فيه أن لم تستو حالهما. قلت: ولم أقف في كلام ابن يونس على هذه الزيادة في هذا القول وإنما ذكرها في قول ابن اللباد كما تقدم. وهذا القول هو الذي قدمه المصنف معتمدا على تصحيح عبد الحق وابن يونس وإن كان ابن رشد قد ضعفه ورده.


[ 426 ]

القول الثاني: إن كان لحنه في أم القرآن لم يصح الاقتداء به، وإن كان لحنه في غيرها صحت الصلاة خلفه وهذا قول ابن اللباد وابن أبي زيد وابن شبلون. قال في التوضيح ابن عبد السلام: وبهذا كان كثير من أدركنا يفتي انتهى. قلت: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وشاهدت شيخنا الشبيبي يفتي به القيروان. وكذلك أفتى به غير واحد انتهى. وقيده ابن يونس بأن لا تستوي حال الامام والمأموم كما تقدم في كلامه وهذا هو القول الثاني في كلام المصنف. القول الثالث: إن كان لحنه يغير المعنى لم تصح الصلاة خلفه، وإن لم يغير المعنى صحت إمامته. وهذا قول ابن القصار والقاضي عبد الوهاب. والقول الرابع: إن الصلاة خلفه مكروهة ابتداء، فإن وقع نزول لم تجب الاعادة. وهذا قول ابن حبيب. وقال ابن رشد: إنه أصح الاقوال كما تقدم. القول الخامس: إن إمامته ممنوعة ابتداء مع وجود غيره فإن أم مع وجود غيره صحت صلاته وصلاتهم. وهذا اختيار اللخمي كما تقدم. القول السادس: إن الصلاة خلف اللحان جائزة ابتداء، وهذا القول حكاه اللخمي كما تقدم، وأنكره المازري وقال: لم أقف عليه كما تقدم. وقال ابن عرفة قال المازري: نقل اللخمي الجواز مطلقا لا أعرفه. قال ابن عرفة: قلت: عزاه ابن رشد لابن حبيب واختاره انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وفيما قاله ابن عرفة نظر لانه إنما عزا لابن حبيب الكراهة انتهى. قلت: ما قاله ابن ناجي ظاهر. تنبيهات: الاول: لم يذكر المصنف القول بصحة صلاة المقتدي باللحان مطلقا مع أنه هو الذي اختاره اللخمي وابن رشد وقال: إنه أصح الاقوال. ويظهر من كلام غير واحد من الشيوخ ترجيحه. وعلم مما تقدم أن القول السادس ضعيف شاذ، وأن بقية الاقوال الخمسة مرجحة مصححة، وأرجحها ثلاثة، القولان اللذان ذكرهما المصنف والقول الذي رجحه ابن رشد، وأرجحها والله أعلم القول الذي لابن رشد واللخمي: وعلم أيضا مما تقدم أن قول ابن الحاجب والشاذ الصحة غير ظاهر لان القول بالصحة غير شاذ والله أعلم، ولعله أراد أن يقول والشاذ الجواز. الثاني: تكلم المصنف على حكم صلاة المقتدي باللحان ولم يذكر حكم صلاته هو في نفسه، وكذلك غيره من الشيوخ لم يذكروا حكم صلاته هو إلا ما يؤخذ من نقولهم السابقة، ولا شك في صحة صلاته على القول الذي اختاره ابن رشد، وعلى القول الذي اختاره اللخمي وعلى القول الضعيف الذي حكاه اللخمي جواز الاقتداء به. وبقي النظر في حكم صلاته على القولين اللذين ذكرهما المصنف وعلى قول القاضي عبد الوهاب وابن القصار بالتفريق بين أن يغير لحنه المعنى أو لا، فلا شك في صحة صلاته في الوجه الذي تصح فيه


[ 427 ]

صلاة المقتدي به. والذي يقتضيه كلام اللخمي وابن رشد أن صلاته هو في نفسه صحيحة مطلقا، وإنما الخلاف في صلاة من اقتدي به وهو الذي يقتضيه كلام ابن يونس، فإنه لما ذكر قول ابن اللباد ببطلان صلاة من يلحن في أم القرآن قال: يريد إلا أن يستوي حالهما. وذكر عنه ابن عرفة أنه قال: مثل ذلك لما ذكر قول القابسي بالبطلان مطلقا، والذي يقتضيه كلام المازري وعبد الحق المصنف في التوضيح أنه إذا بطلت صلاة المقتدي به بطلت صلاته. قال المازري بعد كلامه السابق: وسبب الخلاف في هذه المسألة هي يخرج الملحن الكلمة الملحون فيها عن كونها قرآنا ويلحقها بكلام البشر أو لا يخرجها عن كونها قرآنا ؟ انتهى كلام عبد الحق السابق. وقال في التوضيح: الخلاف المذكور ينبني على اللحن هل يلحق القراءة بكلام الناس ويخرجه عن كونه قرآنا أم لا ؟ انتهى. والذي يظهر أن يفصل في ذلك على ما سنذكره في التنبيه الثالث والله أعلم. الثالث: إذا وقع اللحن من المصلي في الصلاة فلا يخلو إما أن يكون سهوا أو غير سهو. فإن كان سهوا فلا شك أن ذلك لا يبطل الصلاة سواء وقع في الفاتحة أو في غيرها، وسواء غير المعنى أم لم يغيره. لان غايته أن يكون ذلك بمنزلة من تكلم في الصلاة سهوا وذلك لا يبطلها. وغايته أيضا أن يكون اللاحن أسقط من الفاتحة كلمة أو كلمتين أو ثلاثا سهوا لان ذلك أكثر ما يمكن أن يقع فيه اللحن سهو في الغالب وذلك لا يبطلها، لانه قد تقدم من ترك آية منها سجد للسهو ولا تبطل صلاته فكيف بالكلمتين والثلاث ؟ فكيف بمن لم يترك ذلك حقيقة. وإن كان اللحن الواقع في الصلاة على غير وجه السهو فلا يخلو إما أن يكون عمدا مع القدرة على الاتيان بالصواب، أو أتى به المصلي لعدم قدرته على الاتيان بالصواب. فإن كان ذلك مع القدرة على الاتيان بالصواب فلا شك في بطلان صلاة فاعل ذلك وصلاة من اقتدى به، لانه قد تكلم في الصلاة بغير القرآن والذكر عمدا الكلمة الواحدة تبطل الصلاة. وإن كان اللحن لعدم القدرة على الاتيان بالصواب، فإن كان ذلك لعجز عن التعليم إما لعدم قبول ذلك طبعا كبعض الاعاجم وجفاة الاعراب وكثير من العبيد والاماء أو لضيق الوقت عن التعليم مع عدم القدرة على الائتمام بمن لا يلحن في الوجهين، فلا شك في صحة صلاته في نفسه ويصير ذلك كاللكنة، ويجري الخلاف المتقدم في صلاة المقتدي به. وإن كان ذلك مع القدرة على التعلم وإمكانه وإمكان الاقتاء فيجري الخلاف في صلاته هو على الخلاف فيمن عجز عن الفاتحة وقدر على الائتمام هل تبطل صلاته أم لا. وتقدم أن في ذلك قولين. وأن ظاهر المذهب البطلان. وأشار المصنف في التوضيح إلى هذا، وقال ابن الحاجب: والظاهر أن من يمكنه التعلم كالجاهل في البابين. قال في التوضيح: يريد بالبابين اللحان والالكن. ويعني أنه إذا أمكن كل واحد منهما أن يتعلم فهو غير معذور انتهى والله أعلم. وأما المسألة الثانية وهي قوله وبغير مميز بين ضاد وظاء خلاف والمعنى أنه اختلف في صلاة من اقتدى بمن لا يميز بين


[ 428 ]

الضاد والظاء على قولين مشهورين. وقد علمت مما تقدم أن الذي وقع في كلام أكثر الشيوخ أن الصلاة صحيحة بل تقدم في كلام ابن رشد أنه لا خلاف في ذلك ولم يقل بالبطلان في ذلك إلا القابسي والشيخ ابن أبي زيد، وعنهما نقل البطلان في التوضيح. وإنما قال المصنف خلاف لتصحيح ابن يونس وعبد الحق لقول القابسي كما تقدم لكن القول بالصحة هنا أقوى لحكاية ابن رشد الاتفاق عليه فتأمله. تنبيهان: الاول: لا إشكال في صحة صلاة من لم يميز بين الضاد والظاء على القول الراجح بصحة صلاة المقتدي به وكذلك على قول القابسي وابن أبي زيد لقول ابن يونس فيما تقدم إلا أن يستوي حالهما وهذا مع العجز عن التعلم والاقتداء ظاهر لا شك فيه، وأما مع إمكان ذلك فيجري فيه الخلاف السابق. والظاهر في هذا أنه من اللحن الخفي وأنه لا تبطل به إلا مع ترك ذلك عمدا مع القدرة عليه كما تقدم في اللحن والله أعلم. الثاني: قال القاضي أبو حفص عمر بن مكي الصقلي في كتاب تثقيف اللسان في باب ما يغلط فيه قراء القرآن وهو كتاب جليل ينقل عنه المازري والقاضي عياض وغيرهم ما نصه: سألت أبا علي الجلولي عن الصلاة خلف من يظهر النون الخفيفة والتنوين عند الياء والواو فقال: تكره الصلاة خلفه لانه قد خرق الاجماع وقرأ بما لم يقرأ به أحد. وقال لنا الشيخ أبو محمد عبد الحق: رأى بعض أهل العلم أن اللحن الذي لا يجوز مثل إظهار هذه النون الخفيفة والتنوين عند الياء والواو وتبديل الضاد ظاء والظاء ضاد أو أشباه ذلك، إن كان في غير أم القرآن أن الصلاة خلف القارئ لذلك جائزة. قال: ومنع أبو الحسن القابسي من الصلاة خلفه وإن كان لحنه في غير أم القرآن. قال الشيخ: أبو محمد: وهذا صحيح لانه إذا غير القرآن كان متكلما في الصلاة إذ كلام الله غير ملحون فليس الذي تكلم به كلام الله وإنما هو كلامه فصار كمن تكلم به في الصلاة متعمدا انتهى. فصل (وكره وأقطع وأشل) لما فرغ رحمه الله تعالى من بيان شروط الامام المشترطة في صحة إمامته، شرع يبين الاوصاف المكروهة بذكر من تكره إمامته كما فعل في شروط الصحة، واستطرد بعد ذلك لذكر مسائل مكروهة وليست من مسائل الامامة. ثم إن من تكره إمامته


[ 429 ]

قسمان: قسم تكره إمامته مطلقا أي سواء كان إماما راتا أو لم يكن. وقسم تكره إمامته في حالة كونه إماما راتبا. وإن لم يكن راتبا فلا تكره كما سيأتي بيانه. فمن القسم الاول الاقطع والاشل. وهكذا قال ابن بشير وصاحب العمدة أن ذلك لا يمنع الاجزاء على المشهور. وظاهر رواية ابن وهب أن ذلك يمنع الاجزاء. واقتصر ابن الجلاب على نفي الكراهة. قال الشارح: هو المذهب عند ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما. وقال في مختصر الوقار: ولا يؤم الاشل ولا الاقطع ولا الاعرج الذي لا يثبت قائما انتهى. وقال الشبيبي في المكروهات: أو أقطع اليد أو الرجل على أحد الاقوال انتهى. فرع: قال البرزلي بعد أن ذكر الخلاف في إمامة الاقطع والاعرج وصاحب السلس وغيرهم: ومنه مسألة من انحنى ليكبر حتى صار كالراكع أو قريبا منه فنقص قيامه كثيرا. وقد وقعت وأجريناها على هذا وجوزه لي شيخنا الامام واختار الجواز في القضية الواقعة، وكان يصلي خلفه لكبر سنه وصلاحه وقدم هجرته في الطلب انتهى. والمشهور إن إمامة صاحب السلس مكروهة كما قال المصنف وذو سلس والله أعلم. ص: (وذو سلس) ش: قال سند عن ابن سحنون: وتكره فإن صلى أجزأتهم قال: كان المستنكح يتوضأ لكل صلاة أم لا ذكره في الطهارة. وذكر ابن عطاء الله في كتاب الطهارة في الكلام على المستنكح في إمامته ثلاثة أقوال: بالامامة وعدمها. والثالث لا يؤم إلا أن يكون صالحا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكرر الكلام على ذلك في كلامه على القرحة وانظر التنبيهات في كتاب الطهارة فإنه ذكر الاقوال الثلاثة. ص: (إمامة من يكره) ش: قال في أول رسم من سماع أشهب


[ 430 ]

ما نصه: وسئل عن الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم أتأذنون ؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا. فقيل له: وذلك أحب إليك أن يستأذنهم ؟ فقال: إن خاف أن يكون منهم من يكرهه أن يؤمهم فليستأذنهم ربما تقدم الحر بقوم ومنهم من يكره ذلك. قال ابن رشد: قوله لا أرى بذلك بأسا يدل على أنه خفف ذلك فكأنه رأى تركه الاستئذان أحسن إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه وفي ذلك نظر، إذ قد روي أن رسول الله (ص) قال: لا يحل لرجل أن يؤم قوما إلا بإذنهم ووجه ما ذهب إليه مالك - والله أعلم - إن الرجل إذا كان مع قوم فحضرت الصلاة وهو أحق بالامامة وعلم أنهم مقرون له بالتقدم والفضل وأن سكوتهم على تقدمه بهم، أذن منهم له في ذلك فاستحسن أن لا يفصح باستئذانهم في ذلك لما فيه من إفصاحهم بتقديمه وتفضيله فيصير متعارضا لثنائهم عليه إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه فلا يكتفي بسكوتهم حتى يصرحوا له بالاذن في ذلك. وأما من قد حصل إماما في مسجد أو في موضع بتقديم أهله إياه فطرأت جماعة فخشي أن يكون فيها من يكره إمامته، فليس عليه أن يستأذنهم لان أهل ذلك الموضع أو المسجد أحق بالتقدم منهم، وإن علم أن جماعته أو أكثرها أو ذا النهي والفضل منها كارهون لامامته وجب عليه أن يتأخر عن الامامة بهم لما روي من أن رسول الله (ص) قال خمسة لا تجاوز صلاتهم آذانهم فذكر فيهم الذي يؤم قوما وهم له كارهون. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لان أقرب فتضرب عنقي إلى أن تتغير نفسي أحب إلي من أن أؤم قوما وهم لي كارهون. وأما إن لم يكره إمامته من جماعته إلا لنفر اليسير فيستحب له أن يتأخر عن التقدم بهم من غير إيجاب وبالله التوفيق انتهى. وقال في المدخل: إذا خاف أن في الجماعة من يكره إمامته فتركها إذ ذاك أفضل له، وهذا بشرط أن تكون الكراهة على موجب شرعي حذرا أن تكون كراهة إمامته لحظ دنيوي أو نفساني أو ما أشبه ذلك. فإن كانت الكراهة شرعية فلا يتقدم لما ورد في الحديث أن النبي (ص) لعن ثلاثا رجلا أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجلا سمع حي على الفلاح فلم يجب انتهى. وقال البرزلي لما تكلم في مسائل الاقضية: على المعروف عندهم قديما وحديثا منع إمامة قاضي الجماعة بها والانكحة إمامة الجامع الاعظم، وأن بعضهم علل ذلك بأن القاضي مظنة لعدم طيب نفس المحكوم عليه فيؤدي إلى إمامة الامام لمن هو له كاره. قال البرزلي: قلت: إن كانت كراهتهم لاجل الحكم عليهم بالحق فلا عبرة به بل هذا


[ 431 ]

يوجب كمال العدالة وكونه أحق من أم. وعن أبي عمران: إذا كره الجماعة إمامهم لاجل الدنيا فلا عبرة بذلك ولا يوجب عزلا انتهى. ص: (وأغلف) ش: ظاهره أن الاغلف لا تكره إمامته وإنما يكره ترتبه للامامة. وهكذا قال ابن الحاجب. وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة قال مالك: لا أرى أن يؤم الاغلف ولا المعتوه. قال سحنون: فإن أمهم الاغلف فلا إعادة عليهم، وأما المعتوه فيعيدون. وقال ابن رشد: الاغلف هو الذي لم يختتن والمعتوه الذاهب العقل. وقول سحنون مبين لقول مالك أن المعتوه لا تصح منه نية فيعيد من ائتم به أبدا. وأما الاغلف فلا يخرجه ترك الاختتان عن الاسلام ولا يبلغ به مبلغ التفسيق كشارب الخمر وقاتل النفس فلا تجوز إمامته ابتداء، لان الامامة أرفع مراتب الاسلام فلا يؤم إلا أهل الكمال، فإن أم لم تجب الاعادة على من ائتم به لان صلاته إذا جازت لنفسه جازت لغيره انتهى. ص: (ومجهول حال) ش: فرع: قال ابن حبيب ينبغي للرجل أن لا يأتم إلا بمن يعرفه إلا أن يكون إماما راتبا. انتهى من شرح ابن الحاجب لابن فرحون. وقال ابن عرفة الزاهلي: لا يؤتم بمجهول. وقال قبله ابن حبيب عن الاخوين وأصبغ وابن عبد الحكم: لا ينبغي أن يؤتم بمجهول إلا راتبا بمسجد. قال ابن عرفة: قلت: إن كانت تولية أئمة المساجد الذي هوى لا يقدم فيها بموجب الترجيح الشرعي لم يؤتم براتب فيها إلا بعد الكشف عنه. وكذا كان يفعل من أدركته عالما دينا. انتهى كلام ابن عرفة والله أعلم. ص: (وعبد بفرض) ش: يعني أنه يكره في مساجد القبائل. قال في المدونة: ولا يؤم العبد في الحضر ولا في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد. فإن أمهم


[ 432 ]

في جمعة وأعادوا إذ لا جمعة عليه ولا عيد انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكر أنه لا يؤم في مساجد القبائل والمراد بذلك الكراهة هو أحد الاقوال الثلاثة. وقيل: إنها جائزة، قاله ابن الماجشون. وقيل: إن كان أصلحهم لم يكره، قاله اللخمي. وما ذكر أنه لا يؤم في الجمعة والمراد به التحريم هو أحد الاقوال الثلاثة. وقيل: تجوز إمامته ابتداء. وقيل: إن استخلف لتمامه جاز. وما ذكر أنه لا يؤم في العيد هو المنصوص. وخرج اللخمي والمازري جوازه على قول ابن الماجشون يعني في الفريضة. وذكره ابن الجلا لاشهب نصا. ويرد التخريج بكثرة من يحضر العيد من الناس فهو إظهار لائمة الاسلام، فإن أم في الجمعة فظاهر الكتاب أنهم يعيدون أبدا وهو كذلك، وظاهر الكتاب في العيد أنهما يعبدون وهو خلاف نقل اللخمي عن ابن القاسم أنها تجزئ واختصرها ابن يونس. فإن أمهم في جمعة أو عيد أعادوا وليس في التهذيب ذكر العيد وإنما ذكره في التعليل. وفي نسخ من البراذعي كابن يونس ولم أقرأه. وقال أبو إبراهيم: وليس في " الامهات أو عيد ذكره معترضا على ابن يونس. انتهى كلام ابن ناجي. قلت: قوله ظاهر الكتاب في العيد أنهم يعيدون ليس كذلك لان تخصيصه الاعادة بالجمعة يقتضي نفي الاعادة في العيد، بل لفظ الام أصرح من ذلك ونصها في كتاب الصلاة الاول قال مالك: لا يكون العبد إماما في مساجد القبائل ولا في مساجد الجماعة ولا الاعياد قال: ولا يصلي العبد بالقوم الجمعة. قال ابن القاسم: فإن فعل أعاد وأعادوا لان العبد لا جمعة عليه انتهى. وذكرها في الام من كتاب الصلاة الثاني في باب الجمعة فقال قال: ولا يصلي العبد بالناس العيد ولا الجمعة لان العبد لا جمعة عليه ولا عيد انتهى. ولم يذكرها في التهذيب في كتاب الصلاة الثاني. وما ذكره ابن ناجي عن ابن يونس هو كذلك. وكذلك وقع في نسخة الشيخ أبي الحسن الصغير من البراذعي، واعترضه بأنه ليس في الامهات. قال: وذكره في التعليل فيدل على أنه مراده في الاول. ونقله ابن يونس وكأنه وقع في نسخة ابن عرفة من التهذيب كذلك، واعتمد على اختصار ابن يونس فنسب الاعادة في العيد للمدونة. ونصه اللخمي في كراهته يعني العبد في السنن قولا ابن القاسم وتخرج المازري مع اللخمي على قول عبد الملك في الفرض. قال ابن عرفة: قلت فيها. إن أم في عيد أعادوا، وظاهر نقل اللخمي الكراهة خلافه انتهى. قلت: قد علمت أن الاعادة لم يذكره في الام إلا في الجمعة، وكلام الام كالصريح فإن إمامته في السنن كترتبه في الفرائض، فالصواب ما قاله اللخمي. وقال في الطراز: فرع: لو أمهم العبد في العيد، هل يعيدون مثل الجمعة ؟ جمع ابن الؤلاب بينهما واعتل بأنه لا جمعة عليه ولا عيد وفيه نظر، فإن العيد من النوافل لا من الفرائض، ولو فاته العيد مع الامام جاز أن يصليه وحده فما كان له أن يفعله وحده كان له أن يؤم فيه، ولان إحرام الامام في حكم إحرام المنفرد، وإنما يكره أن يتقدم العبد في ذلك لتوفر الجمع ووجود من هو أولى منه انتهى.


[ 433 ]

وقال الشبيبي في شرح الرسالة: وكره أن يتخذ العبد إماما راتبا في العيدين والكسوف و الاستسقاء كالفرائض لانها مواضع اجتماع الناس انتهى. وقاله ابن عزم في شرح الرسالة. وما تقدم من العشرة أوصاف المكروهة في الامام قد زيد عليها: إمامة العبد، ومن لا يحسن القراءة، ومن يلحن في قراءته، ومن يقرأ بالشذوذ، و الجالس. فأجرى في كل واحد منهم قولان. وكل ما تقدم من الخلاف في غير الصبي إنما هو مع وجود من هو أولى وإن لم يوجد سواه أو لم يوجد إلا أمثاله جازت قولا واحدا انتهى. ص: (وصلاة بين الاساطين) ش: قال ابن العربي: إما لتقطيع الصفوف أو لانه موضع جمع النعال والاول أشبه، لان الثاني محدث ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما مع السعة فمكروه للجماعة، وأما الواحد فلا بأس به انتهى. ص: (أو الامام بلا ضرورة) ش: وكذلك تكره محاذاته قاله عياض في قواعده. فرع: وقال ابن عزم في شرح الرسالة: وسنة الامام التقدم وسنة المأموم التأخر، فإن عكس الامر فالصلاة باطلة في حقهما. وإن كان مع الامام طائفة فإن اضطرت الطائفة الاخرى إلى التقدم جاز وإلا كره انتهى. ص: (واقتداء من بأسفل السفينة بمن أعلاها) ش: قال في المدونة: وإن صلى الامام في السفينة أسفل والناس فوق أجزأهم إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون فوق وهم أسفل لكن يصلون الذين فوق بإمام والذين أسفل بإمام انتهى. قال ابن ناجي قال المغربي: مفهومه لو لم يكن قدامهم لم تجزهم وليس كذلك، بل صلاتهم مجزئة ولو لم يكن قدامهم، إنما المعنى إذا كان قدامهم فتجزئهم بلا كراهة. ثم قال في القولة الثانية: أشار ابن الحاجب لمعارضتها بما تقدم من قولها لا يصلي الامام على أرفع مما عليه أصحابه لانه لما ذكر المسألة الاولى أردفها بقوله: وقال في السفينة لان ظاهرها الكراهة. وذكرت هذا في


[ 434 ]

درس شيخنا أبي مهدي أيده الله تعالى فأقره واستحسنه. ويرد بأن السفينة ليست هي محل الكبر، قصار ما في ذلك الكراهية بخلاف غيرها. وقول ابن حبيب يعيد الاسفلون في الوقت ليس هو لما نحن بصدده وإنما هو كما قال ابن يونس في توجيهه لانه ربما لم يمكن لهم مراعاة أفعال الامام وربما دارت السفينة فتختلط عليهم أفعال صلاتهم، فليس ذلك كالدكان يكون فيها مع الامام فوق قوم وأسفل قوم فافترقا انتهى. ص: (كأبي قيس) ش: يعني يكره لمن كان بأبي قبيس أن يصلي بصلاة الامام قال في المدونة: ولا يعجبني أن يصلي على أبي قبيس وقيقعان بصلاة الامام في المسجد الحرام انتهى. قال ابن بشير: واختلف الاشياخ في صلاة من فعل ذلك، فمنهم من قال بالصحة، ومنهم من قال بالبطلان وهو خلاف في حال. فإن أمكنهم مراعاة فعل الامام صحت، وإن تعذر عليهم ذلك بطلت وهذا يعلم بالمشاهدة انتهى. وقال ابن ناجي في شرحه: هذا من كلام ابن القاسم وابن يونس، يريد ببعده عن الامام وأنه لا يستطيع مراعاة فعله في الصلاة. قلت: هذا يدل على أن لا تعجبني على التحريم. وقال عبد الحق قال غير واحد: إنما كره الصلاة لبعده عن الامام فإن فعل فصلاته تامة. وكذلك رأيت في مسائل لابي العباس الا بياني أن الصلاة تامة ولا أدري كيف قالوا ذلك. والامام لو طرأ عليه سهو لم يعرف من هناك بذلك، وأما من صلى على أبي قبيس وقيقعان وحده فصلاته تامة وإن كان يعلو الكعبة لان الكعبة من الارض إلى السماء انتهى. فيحصل من هذا أن صلاة من كان بأبي قبيس مقتديا بصلاة الامام مكروهة على ما قال ابن القاسم، وهي صحيحة ما لم يتعذر عليه مراعاة أفعال الامام فلا شك في البطلان. وليس هذا معارضا لقول المصنف في الجائزات، وعلو مأموم ولو بسطح لكثرة البعد هنا فتعسر المراعاة لافعال الامام، وإن أمكن ذلك بتكلف وربما أدى إلى شغل البال بذلك. وقد ذكر ابن القاسم في المدونة هذه المسألة وقال فيها: لا يعجبني عقب ذكر المسألة الآتية واختياره فيها الجواز والله أعلم. ص: (وصلاة رجل بين نساء وبالعكس) ش: قال في النوادر ومن العتبية. روى موسى عن ابن القاسم قال قال مالك: وإن صلى رجل


[ 435 ]

خلف النساء أو امرأة أمام الرجال كرهته ولا تفسد صلاة أحد منهم انتهى. وقال الشبيبي: لما عد مكروهات الصلاة في باب أوقات الصلاة وأسمائها وصلاة الرجل خلف صفوف النساء والمرأة أمام صفوف الرجال وصلاة كل واحد منهم بجنب الآخر انتهى. ص: (وإمامة بمسجد بلا رداء) ش: قال في أول رسم من كتاب الجامع: وأما الصلاة في المساجد والجماعات فيكره ترك الالتحاف بالعمائم فيها ويقال: إن ذلك من بقايا عمل قوم لوط انتهى.) ش: ص: (وتنفله بمحرابه) ش: يريد وجلوسه فيه بلا صلاة كما قال في الرسالة: وإذا سلم الامام فلا يثبت بعد سلامه انتهى. قال الشيخ زروق قال ابن عرفة: ويكفي في ذلك تحويل الهيئة انتهى. وسواء كانت الصلاة يتنفل بعدها أم لا على المشهور خلافا لبعضهم. قاله الشبيبي في شرح الرسالة. وقال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في كتابه المسمى العلوم الفاخرة في النظر في أمور الدنيا والآخرة في باب جامع لاحوال الموتى قال في أثنائه باب وذكر فيه حديث الرؤيا الطويل. قال ابن أبي حمزة في هذا الحديث من الفقه جواز جلوس الامام في مصلاه الذي صلى فيه إذا أدار وجهه إلى الجماعة، وأن هذا هو السنة لا ما يراه بعض من ينتسب إلى التشديد في الدين من الائمة حتى أنه يقوم من حين فراغه من صلاته كأنما ضرب بشئ يؤلمه يجعل ذلك من الدين ويفوته بذلك خيران: أحدهما استغفار الملائكة له ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث يقولون اللهم اغفر لهم ارحمه. الثاني مخالفته لسنة رسول الله (ص) التي هي نص الحديث حيث قال: كان إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه ليس إلا ولم يذكر القيام، ولو قام لاخبروا به لانهم رضي الله تعالى عنهم بأقل من هذا من فعله يخبرون به. وعلى هذا أدركت بالاندلس كل من لقيت من الائمة


[ 436 ]

المقتدى بهم في غالب الامر يقبلون بوجوههم على الجماعة من غير قيام. قال الشيخ عبد الرحمن: وهذا الذي قاله هو الصواب الذي لا محيد عنه، وعليه أدركنا الائمة في الجوامع المعظمة. وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله (ص) لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس. وهو نص جلي يوافق ما تقدم انتهى. وقال في المدخل في فضل الامام والمؤذن: وينبغي له أنه إذا سلم من صلاته أن يقوم من موضعه. ومعناه أنه يغير هيئته في جلوسه في الصلاة فيقبل على الناس بوجهه، فإذا فعل ذلك فقد أتى بالسنة لما ورد أن النبي (ص) كان إذا صلى صلاة أقبل على الناس بوجهه. فيحصل لفاعل ذلك امتثال السنة وبقاء استغفار الملائكة ما دام في المسجد بخلاف أن لو قام من موضعه وخرج فإنه يفوت على نفسه استغفار الملائكة له. هذا إذا كان في المسجد، فإن كان في بيته أو رحله في السفر فلا بأس بجلوسه فيه وتغيير الهيئة أولى كذلك قال علماؤنا. وبعض العلماء يقعد في مصلاه على الهيئة التي كان عليها في صلاته وذلك بدعة انتهى. وانظر الابي وإلا كما والقرطبي. وقال في المدخل إثر كلامه المتقدم: والمستحب في حق المأموم أن لا يتنفل في موضعه الذي صلى فيه الفريضة، بل ينتقل عنه إلى جهة أخرى فيصلي فيها، فإن لم يفعل فلا حرج انتهى. وعلى قياسه فيستحب له أنه كلما ركع ركعتين تحول إلى مكان آخر فانظره وانظر البخاري، وانظر كلام المدونة في كتاب الصلاة الاول. فرع: ورأيت بخط بعض طلبة العلم عن ابن الفخار ما نصه: قال ابن الفخار: وأما المأموم فهو مخير بين أن يجلس أو ينصرف، ويكره أن يقوم بعد سلام الامام للنافلة. وقد ثبت في الحديث أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قام بإثر فراغه من الفرض إلى النافلة فقام إليه وجذبه بثيابه وضرب به الارض وقال له: ما أهلك من كان قبلكم إلا أنهم كانوا لا يفلون بين الفرض والنفل، فرآه (ص) وسمع مقالته فقال: أصاب الله بك يا عمر انتهى. وذكر أن الزهري شارح الرسالة نقله عن ابن الفخار والله أعلم. تنبيه: قال الزركشي من الشافعية في أعلام الساجد بأحكام المساجد في الكلام على المسائل المتعلقة بالمساجد الثامن والستون: كره بعض السلف اتخاذ المحاريب في المسجد. قال الضحاك بن مزاحم: أول شرك كان في أهل الصلاة هذه المحاريب. وفي مصنف عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق أن يصلي فيه. وقال: كره الصلاة في طاف المسجد سعيد بن جبير ومعمر. والمراد بطاف المسجد المحراب الذي يقف فيه الامام. وفي شرح الجامع الصغير للحنيف: لا بأس أن يقوم الامام في المسجد وسجوده في الطاق، وكيره أن يقوم في الطاق لانه يشبه اختلاف المكانين، ألا ترى أنه يكره الانفراد انتهى. والمشهور الجواز بلا كراهة ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير انتهى. ص:


[ 437 ]

(وإعادة جماعة بعد الراتب وإن أذن) ش: تصوره ظاهر. فرع مهم: اختلف في جمع الائمة الاربعة بالمسجد الحرام في مقاماتهم المعهودة، هل هو من باب إعادة الجماعة بعد الامام الراتب فيكون الامام الراتب هو الذي يصلي في مقام إبراهيم وهو الاول، ومن بعده حكمه حكم إعادة الجماعة عبد الامام الراتب أو أشد من ذلك في الكراهة بل ربما انتهى إلى المنع لما سيأتي، أو صلاتهم جائزة لا كراهة فيها ومقاماتهم كمساجد متعددة ؟ فذكر ابن فرحون في مناسكه عن جماعة من شيوخ المذهب أنهم أفتوا بأن صلاتهم على الوجه المذكور جائزة لا كراهة فيها إذ مقاماتهم كمساجد متعددة لامر الامام بذلك، وإذا أمر الامام بذلك فقد زالت العلة التي لاجلها كره أن تصلي جماعة. وذكر أجوبتهم بلفظها وهم: العلامة عبد الكريم بن عطاء الله شارح المدونة، والامام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي صاحب المفهم في شرح مسلم، والامام العلامة أبو عبيد الله سعيد الريغي أحد قضاة الاسكندرية، وقاضي قضاة الاسكندرية محمد بن الحسن بن رشيق - قال - وكان ممن جمع بين العلم والعمل والورع والتقوى، والشيخ أحمد بن سليمان المرجاني، والشيخ حسن بن عثمان بن علي، والشيخ عبد الرحمن بن يوسف بن المخيلي، وكان الاستفتاء المذكور في المائة السابعة. ثم قال ابن فرحون: ووقفت بثغر الاسكندرية على تأليف يخالف ما أفتى به


[ 438 ]

الجماعة، وأن الامام الراتب هو إمام المقام ولا أثر لامر الخليفة في رفع الكراهة الحاصلة في جمع جماعة بعد جماعة. واستدل على ذلك بأدلة كثيرة وألف في ذلك تأليفا ولم يحضرني الآن اسم مؤلفه رحم الله الجميع انتهى. قلت: وقد وقفت على تأليفين في هذه المسألة: أحدهما للشيخ الامام أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدي هذه المسألة: أحدهما للشيخ الامام أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدي المالكي، والثاني منهما للشيخ الامام أبي إبراهيم الغساني المالكي. فأما الامام العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين جن الحباب فذكر أنه أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة بالمسجد الحرام على مذاهب العلماء الاربعة، وذكر أن بعض علماء الاسكندرية أفتى بخلاف ذلك وهم: شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، وأبو الطاهر بن عوف. ثم رد عليهم وبالغ في الرد عليهم، وذكر أن بعضهم رجع عما أفتى به لما وقف على كلامه. وقال في الرد عليهم: قولهم هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الاجماع فإن الامة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز، وإن أقل أحوالها أن تكون مكروهة لان الذي اختلف العلماء فيه إنما هو في مسجد ليس له إمام راتب أوله إمام راتب وأقيمت الصلاة فيه جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة. فهذا موضع الخلاف، فأما حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الامام الراتب فيصلي وأولئك عكوف من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك تاركون لاقامة الصلاة مع الامام الراتب متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضي صلاة الاول ثم يقوم الذي يليه وتبقى الجماعة الاخرى على نحو ما ذكرنا ثم يصلون أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام الصلاة جهرا يسمعها الكافة ووجوههم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الائمة قراءة الآخرين ويركعون ويسجدون فيكون أحدهم في الركوع والآخر في الرفع منه والآخر في السجود، فالامة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز، وأقل أحوالها أن تكون مكروهة. فقول القائل إنها جائزة لا كراهة فيها خرق لاجماع الصحابة، والقرن الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس إلى حين ظهور هذه البدعة. ثم قال في موضع آخر بعد أن تكلم على المسألة: وإنها ممنوعة على مذهب مالك وغيره ورد على من أفتى بخلافه. فأما أحمد فكفانا في المسألة مهمة فإنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين في المسجد الحرام الذي الكلام فيه ومسجد الرسول (ص)، وقد حكى لك أن مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي الذين منهم أبو حنيفة أنهم لا يرون إقامة صلاة بإمامين في مسجد واحد، فأما إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضر كل واحد من الامامين فيتقدم أحدهما وهو الذي رتب ليصلي أول وتجلس الجماعة الاخرى وإمامهم عكوفا حتى يفرغ الاول ثم يقيمون صلاتهم، فهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أحدا أن يحكي مثل هذا القول عن أحد من الفقهاء لا فعلا ولا


[ 439 ]

قولا، فكيف بإمامين يقيمان الصلاة في وقت واحد يقول كل واحدا منهما حي على الصلاة ويكبر كل واحد منهما، وأهل القدوة مختلطون ويسمع كل واحد قراءة الآخر ؟ فهؤلاء زادوا على الخلاف الذي لسلف الامة وخلفها ومخالفة قول رسول الله (ص) لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن والله لم يرض هذا رسول الله (ص) المتنفلين تنفلا في المسجد بل لم يرضه لمقتد اقتدى به فصلى خلفه، فكيف يرضى ذلك لامامين منفردين هذا مما لا نعلم له نظيرا في قديم ولا حديث. ثم قال في موضع آخر: فأما إقامة صلاة المغرب وصلاة العشاء في شهر رمضان في وقت واحد فلم يستحسنها أحد من العلماء، بل استقبحها كل من سئل عنها، ومنهم من بادر بالانكار من غير سؤال. ثم قال: وأما إذن الامام في ذلك فلا يصيره جائزا كما لو أذن الامام للمالكي في بيع النبيذ أو التوضي به أو في أن يؤم قوما ولا يقرأ الحمد لله رب العالمين، أو في النكاح بغير ولي وأطال في ذلك، وذكر أن الشيخ أبا بكر الطرطوشي والشيخ يحيى الزناتي أنكرا هذه الصلاة وأنهما لم يصليا خلف إمام المالكية في الحرم الشريف ركعة واحدة. قال: وكان إمام المالكية في ذلك وقت غير مغموص عليه بوجه من وجوه الفساد وهو رزين في أيام الزناتي والقابسي في أيام الطرطوشي. ثم قال: وحال هذين الرجلين مشهور عن أقراننا ومن قبلنا بيسير. ثم ذكر عن جماعة من علماء المالكية والحنفية وردوا إلى مكة في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وأنهم أنكروا صلاة الائمة الاربعة مترتبين على الصفة المعهودة، وأنه عرض ما أملاه في عدم جواز هذه الصلاة وأنكر إقامتها على جماعة من العلماء، وأنهم وافقوه على أن المنع من ذلك هو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة. انتهى مختصرا غالبه بالمعنى. وقال الشيخ أبو إبراهيم الغساني: إن افتراق الجماعة عند الاقامة على أئمة متعددة إمام ساجد وإمام راكع وإمام يقول سمع الله لمن حمده، لم يوجد من ذكره من الائمة ولا أذن به أحد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، لا من صحت عقيدته ولا من فسدت، لا في سفر ولا في حضر، ولا عند تلاحم السيوف وتضام الصفوف في سبيل الله، ولا يوجد في ذلك أثر لمن تقدم فيكون له به أسوة. انتهى. وسئل القاضي جمال الدين بن ظهيرة عن إقامة الائمة الاعبعة لصلاة المغرب في وقت واحد وقال القائل في السؤال: إن ذلك لم يكن في زمن النبوة ولا الخلفاء الراشدين ولا في زمن الائمة الاربعة. وعن قول بعض فقهاء الاسكندرية أن المسجد الحرام كأربعة مساجد وأن ذلك مخالف لقول الله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى) * ولقول الرسول (ص) صلاة في مسجدي هذا خير من ألف


[ 440 ]

صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ولم يقل المساجد الحرام (فأجاب) بأن صلاة الائمة الاربعة المغرب دفعة واحدة من البدع الفظيعة والامور الشنيعة التي لم تزل العلماء ينكرونها في الحديث والقديم ويردونها على مخترعها القادم منهم والمقيم. ثم ذكر بعض كلام ابن الحباب الذي ذكرناه وكلام الغساني. ثم قال: وقد كفانا هذان الرجلان في هذه المسألة وفيما نقله الاول منهما من إجماع الائمة وكلام الائمة كفاية. قال: وقد أخبرني بعض أهل العلم أنه اجتمع بالشيخ الامام العلامة عالم المغرب في وقته المجمع على علمه ودينه وفضيلته أبي عبد الله بن عرفة في حجته سنة اثنين وتسعين وسبعمائة بالمسجد الحرم، فإنه لما رأى اجتماع الائمة الاربعة في صلاة المغرب أنكر ذلك وقال: إن ذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لا أعلم بينهم في ذلك اختلافا انتهى. ثم قال: وهذا صحيح لا شك فيه وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبية، ودلائل المنع من ذلك من السنة الشريفة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وقد يحصل من ذلك من الضرر في الموسم على المصلين ما لا مزيد عليه، وتبطل صلاة كثير منهم للاشتباه، وجميع البلاد التي تقام فيه هذه الجماعات يجتمعون في صلاة المغرب على إمام واحد وهو الشافعي الراتب الاول كبيت المقدم ودمشق وغيرهما. وعلى الجملة فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعي لله تعالى في خفض منارها وإزالة شعارها واجتماع الناس على أمام واحد وهو الامام الراتب. ويثاب ولي الامر على إزالة هذا المنكر وينال به عند الله الدرجات العالية، ويؤجر، وكل من قام في ذلك فله الاجر الوافر والخير العظيم المتكاثر. وأما قول من قال من فقهاء الاسكندرية بأن المسجد الحرام كأربعة مساجد فهو قول باطل سخيف، وهو أقل من أن يتعرض له برد لمخالفته المحسوس والادلة الظاهرة المتكاثرة من الكتاب والسنة انتهى. قلت: وما قاله هؤلاء الائمة ظاهر لا شك فيه إذ لا يشك عاقل في أن هذا الفعل المذكور مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة وهو اجتماع المسلمين، وأن تعود بركة بعضهم على بعض، وأن لا يؤدي ذلك إلى تفرقة الكلمة، ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهي حضور القتال مع عدو الدين بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بهدم مسجد الضرار لما اتخذ لتفريق الجماعة. ولقد أخبرني والدي رحمه الله تعالى عن بعض شيوخه أنه كان يقول: فعل هؤلاء الائمة في تفريق الجماعة يشبه فعل مسجد أهل الضرار. وهذا كله في غير المغرب وأما ما كان يفعل في المغرب فلا يشك عاقل في حرمته مع أنه لم نر في الزمن الذي أدركناه


[ 441 ]

اجتماع الائمة الاربعة فيها، وإنما كان يصليها الشافعي والحنفي، وكان سيدي الوالد رحمه الله تعالى ينكر ذلك غاية الانكار. وأجاب لما سئل عن ذلك في سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة بما صورته: أما اجتماع إمامين بجماعتين في صلاة واحدة في وقت واحد في مسجد واحد فهذا لا يجوز. وقد نقل الاجماع على عدم جواز ذلك الشيخ أبو القاسم بن الحباب والشيخ أبو إبراهيم الغساني والقاضي جمال الدين ظهيرة الشافعي في جواب سؤاله، سأله عنه الشيخ موسى المناوي وقال: إن ذلك من البدع الفظيعة والامور الشنيعة التي لم يزل العلماء ينكرونها في الحديث والقديم ويردونها على مخترعها القادم منهم والمقيم. ونقل عن ابن عرفة أنه لما حج في سنة اثنين وتسعين وسبعمائة ورأى اجتماع الائمة في صلاة المغرب أنكر ذلك وقال: إن ذلك لا يجوز باجتماع المسلمين لا أعلم بينهم في ذلك اختلافا. قال القاضي جمال الدين بن ظهيرة: وهذا صحيح لا شك فيه، وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبية، ودلائل ذلك من السنة الشريفة النبوية أكثر من أن تحضر وأشهر من أن تذكر، ولقد يحصل من ذلك من الضرر على المصلين في الموسم ما لا مزيد عليه وتبطل صلاة كثير منهم بسبب ذلك، ويجب على ولي الامر إزالة هذه البدعة القبيحة الشنيعة وعلى كل من بسطت يده، ويثاب ولي الامر سدده الله ووفقه على إزالة هذا المنكر وينال به عند الله الدرجات العلية ويؤجر وكل من قام في ذلك فله الاجر الوافر، ولا يجوز لمن علم هذه البدعة السكوت عليها بل ولا على أقل منها لقوله (ص) من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ومن امتنع من طاعة ولي الامر في ذلك فهو عاص لله ولرسوله وذلك جرحة في شهادته وقادح في إمامته. فلما أجاب سيدي الوالد رحمه الله تعالى بهذا الجواب في سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة، اجتمع القضاة الاربعة ونائب جدة وملك النجار وأئمة الشافعية والحنفية في الحطيم واتفق أمرهم على أن الحنفي يشرع في الصلاة قبل الشافعي، وإذا قام الحنفي لركعته الثالثة من صلاة المغرب شرع الشافعية في إمالة الصلاة وإلا حرام ويطيل الشافعي القراءة حتى لا يركع في الاولى إلا بعد سلام الحنفي. واستمر الامر على ذلك إلى سنة خمس وأربعين وتسعمائة فيما أظن أو سنة ست ثم أمر بعض نواب جدة الشافعية أن لا يقيموا الصلاة ولا يشرعوا في الاقامة حتى يسلم الحنفي من صلاة المغرب ولم يمكن مخالفته فخفت البدعة بسبب ذلك والله الحمد على ذلك، واستمر على ذلك إلى وقتنا هذا في سنة خمسين وتسعمائة. تنبيه: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وجمعهم في المسجد الحرام لاربع جهات كل جهة بإمام واضح لانها صارت كل جهة كأنها مسجد لاختصاص إمام بها، ومسجد المدينة لا يصلي في إلا إمام واحد. وما ذكره شيخنا حفظه الله يعني البرزلي غير هذا. فقد وهم فظاهر الكتاب المنع ولو أذن الامام وهو الذي شاهدت شيخنا يفتي به انتهى.


[ 442 ]

قلت: والعجب منه رحمه الله تعالى حيث يقول هذا الكلام ومالك رحمه الله تعالى يقول في المدونة: من وجد مسجدا قد جمع اهله فإن طمع في ادراك جماعة في مسجد أو مسجد النبي (ص) أو مسجد بيت المقدس فليصلوا فيه افذاذ انتهى. ولم يقل مالك رحمه الله تعالى يتحولون إلى غير جهة الامام ويصلون جماعة ولا يقال: إن جمعهم الآن بإذن الامام وتقريره فيجوز لانه على تقدير تسليم إذ الامام في ذلك لا يفيد كما تقدم إذن الامام في المكروه أو الحرام لا يبيحه والله تعالى أعلم وهو الموفق. فروع: الاول: لو صلى جماعتان بإمامين في مسجد واحد وأساؤا أو صحت صلاتهم. قاله في التوضيح في فصل الاستخلاف والله أعلم. الثاني: قال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: وسئل عن القوم يكونون في السفينة فينزل بعضهم ويبقى بعضهم فيقيم الذين بقوا في السفينة الصلاة فيصلون، ثم يجئ الذين كانوا نزلوا يجمعون تلك الصلاة في السفينة. فقال برأسه: لا. فروجع فيها فقال: إنما مثال الجمع فيها مرتين. ثم قال برأسه: لا. قال القاضي: وهذا أبين لان الجماعة إذا كانت بموضع فلا يجوز لها أن تفترق طائفتين فتصلي كل جماعة منها بإمام على حدة لقول الله عزوجل * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) * ألا ترى أن الله تعالى لم يبح ذلك للغزاة مع شدة الخوف وشرع لهم أن يجمعوا على إمام واحد، وكذلك أهل السفينة لا يجوز لهم أن يفترقوا على طائفتين في الصلاة، فلما كان ذلك لا يجوز لهم كره للذين نزلوا إذا جاؤا أن يجمعوا الصلاة لانفسهم إذا كان الذين بقوا قد جمعوا تلك الصلاة لئلا يكون ذلك ذريعة إلى ما لا يجوز من تفريق الجماعة لا سيما إن كان الذين بقوا إنما جمع بهم إمام راتب لهم. وأجاز في المدونة أن يصلي الذين فوق سقف السفينة بإمام، والذين تحته بإمام لانهم موضعان فليس بخلاف لهذه الرواية والله أعلم. انتهى بلفظه. الثالث: قال البرزلي في مسائل الصلاة في سؤال قصر المسير وجواب أبي محمد لاهله فمن جملة ذلك: وأما الذين يصلون في وقت واحد بإمامين ويتبع كل إمام طائفة وهما متقاربان فيشكل على كل طائفة هل يتبعون إمامهم أو غيره فيما يسمعون من التكبير وغيره، فهذا لا يجوز وصلاة من صلى ممن صار في شك هل اتبع إمامه أو غيره فاسدة، ولو أيقن أنه اتبع إمامه إلا أنه في شغل عن مراعاة ذلك قد شغله التكلف فيه، فهذا لا ينبغي ولكل إمام أن يتحرج من هذا إن تعين بفعله في فساده لصلاة الناس ولكن يقدم أحدهما فيصلي قبل الآخر ثم يصلي الآخر إن كان في الوقت سعة، وإن كان في الوقت ضيق مثل


[ 443 ]

صلاة المغرب وكان يشكل عليهم ذلك فلا ينبغي ذلك ولينضموا إلى إمام واحد ويتحاشوا إلى المسجد الكبير القديم ولا تدخل نفسك فيما تشك انتهى. وهذا في غير المسجد الذي له إمام راتب والله أعلم. ص: (وخرجوا إلا بالمساجد الثلاثة) ش: من تصوره ظاهر والعلة في ذلك لفضلها. تنبيه: قال في الترغيب والترهيب: تضعيف الصلاة بمسجد الرسول عليه الصلاة


[ 444 ]

والسلام خاص بالرجال. قاله في كتاب الصلاة في ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ناقلا له عن ابن خزيمة ونصه بعد قوله عليه الصلاة والسلام لام حميد امرأة أبي حميد: صلاتك في قعر بيتك خيره من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي وبوب عليه ابن خزيمة باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد في مسجد النبي (ص) وإن كانت الصلاة في مسجد النبي (ص) تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد. والدليل على أن قول النبي (ص) في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إنما أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء هذا كلامه فتأمله والله أعلم انتهى. ص: (وجاز اقتداء بأعمى) ش: تصوره ظاهر. وقال ابن رشد في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن القاسم: إنما لم ير مالك بكون الاعمى إماما راتبا بأس من أجل أن حاسة البصر لا تعلق لها بشئ من فرائض الصلاة ولا سنتها ولا فضائلها. ثم قال: وكذلك سائر الحواس الخمس لا تعلق لها بشئ من الصلاة حاشا السمع والبصر فإن الاصم لا ينبغي أن يتخذا إماما راتبا لانه قد يسهو فيسبح به فلا يسمع فيكون ذلك سببا لافساد الصلاة. وإنما كره أن يتخذ الاعمى إماما راتبا من كرهه من أجل قد يتوضأ بماء غير طاهر أو يصلي بثوب نجس، وأما نقصان الجوارح فله تعلق بالصلاة ولذلك اختلف في إمامة الاقطع والاشل. وقد مضى في سماع زونان من كتاب الصلاة. وقال ابن فرحون في الالغاز: الاعمى الذي عرض له صمم بعد معرفة ما تصح به إمامته الامامة تصح، ولا يجوز أن يكون مأموما لانه لا يهتدي إلى أفعال الامام إلا أن يكون معه من ينبهه على ذلك. هذا على قواعد المذهب ولم أنقله انتهى. ب 2 ص: (ومخالف في الفروع) ش: قال في باب السهو من كتاب الصلاة الثاني: ومن صلى خلف من يرى السجود في النقصان بعد السلام فلا يخالفه. ابن ناجي: زاد في الام لان الخلاف أشد ويروى أشد بالدال والراء. وفي رواية ابن المرابط شر. وكان شيخنا حفظه الله تعالى يقول: لا مفهوم لما ذكره من التصوير بل وكذلك العكس لقوة الخلاف. قلت: ويقوم عندي من قولها أن صلاة المالكي خلف الشافعي جائزة ولو رآه يفعل


[ 445 ]

خلاف مذهبه، وهو خلاف ما كان شيخنا حفظه الله تعالى ينقل عن عز الدين بن عبد السلام ويفتي به إنما هو من حيث لا يراه، وأما مع الرؤية فلا انتهى. وفي الذخيرة: الشريط السادس من شروط الامامة موافقة مذهب الامام في الواجبات. قال ابن القاسم في العتبية: لو علمت أن أحدا يترك القراءة في الاخيرتين لم أصل خلفه. وقال أشهب: عند ابن سحنون من صلى خلف من لا يرى الوضوء من مس الذكر لا شئ عليه بخلاف القبلة يعيد أبدا. وقال سحنون: يعيد فيهما في الوقت. قال صاحب الطراز: وتحقيق ذلك أنه متى تحقق فعله للشرائط جاز الاقتداء به وإن كان لا يعتقد وجوبها وإلا لم تجز. فالشافعي مسح جميع رأسه سنة فلا يضر اعتقاده بخلاف ما لو أم في الفريضة بنية النافلة أو مسح رجليه. قال المازري: قد حكى الاجماع في الصلاة خلاف المخالف في الفروع المذهب، إنما يمتنع فيما علم خطؤه كنقض قضاء القاضي. قال: ويدل على ذلك تفرقة أشهب بين القبلة ومس الذكر. انتهى. وانظر كلام القرافي في الفرق السادس والسبعين فإنه أجاز الصلاة خلف المخالف وإن رآه يفعل ما يخالف مذهبه. ص: (وألكن) ش: ظاهر كلام المصنف أن إمامته جائزة من غير كراهة، وقد تقدم في كلام ابن رشد أنها مكروهة والله أعلم. ص: (وعدم إلصاق من على يمين الامام أو يساره بمن حذوه) ش: ولا يكون ذلك مانعا من تحصيل فضيلة الصف.


[ 446 ]

قاله الابي في شرح مسلم أظنه في الكلام على المقصورة. ص: (وصلاة منفرد خلف صف) ش: يريد مع كراهة ذلك من غير ضرورة كما يفهم من قوله: وركع من خشي فوات ركعة دون الصف. ص: (وإسراع لها بلا خبب) ش: قال في ثاني مسألة من كتاب الصلاة من البيان: إذا خاف الرجل أن تفوته الصلاة أو شئ منها فلا بأس أن يزيد في مشيه ويسرع فيه ما لم يخرج بذلك عن حد السكينة والوقار، وكذلك إذا كان الرجل راكبا لا بأس أن يحرك دابته ليدرك الصلاة ما لم يخرج بذلك عن حد السكينة والوقار انتهى. وقال اللخمي في باب من جاء والامام راكع من كتاب الصلاة الاول: الاتيان بالسكينة أفضل من إدراك الركعة، وفضل الصف الاول أفضل من الاتيان بالسكينة انتهى. ص: (وإحضار صبي به لا يعبث ويكف إذا نهى) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: إذا كان يعبث ولا يكف. إذا نهى فلا يجوز إحضاره لما في الحديث جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم فالشرط في جواز إحضاره أحد أمرين: إما عدم عبثه أو كونه يكف إذا نهي عن العبث. وظاهره كلام المؤلف أي ابن الحاجب أن يكف عن العبث إذا وقع في المسجد. وفي حواشي التجيبي قال: يعني كيف إذا نهي قبل دخول المسجد


[ 447 ]

يعني يكون شأنه استماع ما يؤمر به وترك ما نهي عنه لان المقصود تنزيه المساجد عن لعب الصبيان، بل يمنعون من رفع الصوت ولو بالعلم انتهى. ونحوه لابن عبد السلام في رسم حلف من سماع ابن القاسم ونص كلام ابن عبد السلام يشترط في جواز إحضار الصبي أحد أمرين: إما عدم عبثه أو كونه كيف إذا نهي. بتقدير أن يعبث لان المقصود تنزيه المساجد عن لعب الصبيان وغيره لقوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * الآية انتهى. فرع: سئل مالك عن المراوح أيكره أن يروح بها في المسجد ؟ قال: نعم إني لاكره ذلك. قال القاضي: وهذا كما قاله لان المراوح إنما اتخذها أهل الطول للترفه والتنعم وليس ذلك من شأن المساجد، فالاتيان إليها بالمراوح من المكروه البين. انتهى من رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وتكررت في سماع أشهب في أول رسم منه والله أعلم. ص: (وبصق به أن حصب أو تحت حصيره) ش: يعني أنه يجوز البصاق في المسجد إن كان المسجد محصبا. قال في المدونة: ولا يبصق في المسد فوق الحصير ويدلكه برجله ولكن تحته، ولا في حائط قبلة المسجد ولا في مسجد غير محصب إذا لم يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كان المسجد محصبا فلا بأس أن يبصق به بين يديه وعن يمينه عن يساره وتحت قدميه ويدفنه انتهى. تنبيهات: الاول: قول المصنف وبصق وقوله في المدونة لا بأس أن يبصق به شامل للنخامة وهو كذلك كما سيأتي في كلام الباجي، وكما يؤخذ من كلام ابن رشد. وصرح بذلك في أول رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ونصه: وسئل عن الذي يتنخم في النعلين في المسجد. قال: إن كان لا يصلي إلى موضع حصير يتنخم تحتها فلا أرى بأسا، وإن كدن يصلي إلى الحصير فإني لا أستحسنه ولا أحب لاحد أن يتنخم في نعله. قال القاضي: وكره التنخم في النعلين إلا أن يصل إلى الحصير لظهور ذلك فيهما وربما وضعهما في المسجد فيعلق به شئ من ذلك. ووقع في بعض الروايات مكان فلا أستحسنه فإني أستقبحه فيعو الاستحسان إلى التنخم تحت


[ 448 ]

الحصير إن كان يصل إليها، والاستقباح للتنخم في النعلين إن كان يصل إلى الحصير انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في شرح قوله: ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه برجله. قال ابن رشد: أما كراهته أن يتنخم على الحصير ثم يدلكه برجله فلان ذلك لا يزيل أثرها على الحصير وفي ذلك إذابة للمسلمين انتهى. الثاني: قال في المنتقي في شرح قوله: إن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دعي لجنازة حين دخل المسجد ومسح على خفيه وصلى ابنه عليها، إن كان مسحه لهما في المسجد فقد استجاز ذلك لقلة الماء الذي يقطر منه، وأما الوضوء في المسجد فقد اختلف فيه أصحابنا، فأجازه ابن القاسم في صحنه من رواية موسى بن معاوية عنه، وكرهه سحنون لما في ذلك من مج الريق في المسجد وما يتناثر من الماء في المسجد مما يؤثر في نظافة المسجد. وقد روى محمد بن يحيى في المدونة عن مالك: لا يصلح أن يتمضمض في المسجد وإن غطاه بالحصباء بخلاف النخامة لان النخامة لا يجد الناس منها بدا ولا مضرة عليهم في ترك المضمضة في المسجد، يريد والله أعلم أن النخامة تكثر وتكرر فيشق الخروج لها من المسجد، والمضمضة تندر وتفصد فلا مضرة ولا مشقة في الخروج لها من المسجد. وهذا التعليل يروى عن القاسم بن محمد. انتهى لفظه. وانظر كلام أبي الحسن وابن راشد في سماع موسى. الثالث: انظر هل يجوز التمخط في المسجد ودفنه قياسا على النخامة أم لا يجوز ؟ لم أر فيه نصا. والظاهر أنه ليس مقل النخامة وأنه مثل المضمضة فتأمله. الرابع: قال في العارضة: إن أوقعته في المسجد فقد اقترفت سوأ وكفارته دفنه في الحصباء إلا أن يكون مسطحا فكفارته مسحه انتهى. وقال قبلة: المساجد أحب البلاد إلى الله وقال تعالى * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * والاهانة ضد الرفع، والبزاق من الاهانة فإنه طرح فيها وقد طيب النبي (ص) المسجد من نخامة كانت في القبلة بشئ من خلوق، ولكن الله تعالى جعل طرحه للعبد ضرورة أي في أي حال حتى في الصلاة وهو كلام لانه إما باف أو تف أو أغ أو أخ أو أح أح وسمع فيه كذلك. فإذا فعلته فمن جهة اليمين لانها مكرمة إلا أن تكون في المسجد فاطرحها في ثوبك انتهى. وقد تقدم مثله في باب السهو والله أعلم. فائدة: قال ابن عرفة: لما تكلم على حكم بناء مسجد الجماعة في كتاب الصلاة وسمع القرينان من خرج من المسجد وبيده حصباء نسيها أو بنعله أن ردها فحسن وما ذاك عليه. وهذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب. قال ابن رشد: وهذا كما قال إن ذلك حسن وليس بواجب لانه أمر غالب لا ضرر فيه على المسجد فلم يلزم رده إليه، كما أن ما يبقى بين


[ 449 ]

أسنان الصائم من الطعام إذا ابتلعه في النهار مع ريقه لم يجب عليه قضاؤه لانه أمر غالب. وقال ابن الماجشون: وإن كان متعمدا لانه ابتدأ أخذه من وقت يجوز له وهو بعيد انتهى. وفي كتاب الصلاة من الترغيب والترهيب في ترجمة الترهيب من البصاق في المسجد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال أبو بدر وأراه رفعه إلى النبي (ص) إن الحصاة تناشد الذي يخرجها من المسجد. رواه أبو داود بإسناد جيد. وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فذكر أنه روي موقوفا عن أبي هريرة وقال: رفعه وهم من أبي بدر انتهى والله أعلم. ص: (ثم قدمه ثم يمينه) ش: عطف على محذوف تقديره أو تحت حصيره في يساره أي في جهة يساره ثم قدمه إلى آخره، و كأنه والله أعلم تركه لكونه أول الجهات الذي ذكرها في التنبيهات، فلما ذكر ما عداها معطوفا بثم على أنها هي الاولى والله أعلم. ص: (وخروج متجالة لعيد واستسقاء وشابة المسجد) ش: في الحديث لا تمنعوا إماء الله مساجد الله قال الابي في شرح مسلم: قال القاضي عياض: هو إباحة لخروجهن وحض أن لا يمنعن بدليل أن لا يخرجن إلا بإذن الزوج. ثم قال عن القاضي: وشرط العلماء في خروجهن أن يكون بليل غير متزينات ولا متطيبات ولا مزاحمات للرجال ولا شابة مخشية للفتنة. وفي معنى الطيب إظهار الزينة وحسن الحلي فإن كان شئ من ذلك وجب منعهن خوف الفتنة. وقال ابن مسلمة: تمنع الشابة الجميلة المشهورة. قال الشيخ محي الدين: ويزاد


[ 450 ]

لتلك الشروط أن لا يكون في الطريق ما تتقي مفسدته. قال القاضي عياض: وإذا منعن من المسجد فمن غيره أولى انتهى. وفي مناسك ابن الحاج في النوع الرابع فيما يوجب الفدية ولا بأس أن تطوف المرأة وهي لابسة الحلي. وروي عن النبي (ص) أنه رأى امرأة تطوف بالبيت وعليها مناجد من ذهب فقال لها: أيسرك أن يحليك الله مناجد من نار ؟ قالت: لا. قال: فأدي زكاته. والمناجد الحلي المكلل بالفصوص لا تراه لم ينهها عن لباسه ؟ انتهى. وهذا فيما ليس له صوت ولا يظهر للرجال فإن ذلك حرام. والمناجد بالدال المهملة كذا ذكر ابن الاثير في النهاية. وقال الشيخ أبو الحسن: قال يحيى بن يحيى: أجمع الناس على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد إلا المتجالة التي انقطعت حاجة الرجال منها فلا بأس أن تخرج. قلت: فلو أن بعض الشواب أرادت الخروج إلى المسجد فمنعها زوجها فأساءت عليه قال: يؤدبها ويمنعها. صح من تفسير ابن مزين. ثم قال الشيخ: واختلف التأويل على المدونة، هل ذلك خطاب للائمة وإليه ذهب ابن رشد، أو خطاب للازواج وإليه ذهب الباجي ؟ انتهى. وانظر المدخل في فصل الامام ونهيه النساء عن الخروج للجمعة، وانظر القرطبي في تفسير قوله تعالى * (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) * وانظر ابن فرحون والجزولي عند قول الرسالة: وأما غير هذه الثلاثة المساجد. وانظر شروح الرسالة. وقال في الطراز بعد أن ذكر لفظ المدونة: وحديث ابن عمر لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ما نصه: ولا فرق في ذلك بين صلاة النهار وصلاة الليل لان الحديث عام مع أنه قد خرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر أن


[ 451 ]

النبي (ص) قال: لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل وهذا لان الصلاة المكتوبة في جماعة جاء فيها فضل كبير، وكذلك المشي إلى المساجد فبالنساء أكبر حاجة إلى ذلك كما بالرجال ويرجع الحال إلى شأن المرأة، فإن عرف الرجل منها الديانة والصحة فلا بأس أن يأذن لها في ذلك، وإن عرف منها المكر ولم يتحقق له أنها تريد المسجد حتى يتحقق توجه الخطاب إليه في ذلك مقال، وقد منع النبي (ص) من يوجد منها ريح البخور أن تخرج إليه بالليل. وذكر حديث عائشة ثم قال: وقد كره مالك ذلك للشابة، ولعل هذا هو المعهود من عمل الصحابة فلا يعرف أن أبكارهن ومن ضاهاهن يخرجن إلى المسجد، ولو خرج جميع النساء لملان المسجد وعاد لن الرجال في ذلك، ومثل ذلك كان يتصل به العمل في العدة. وكره في رواية أشهب ترداد المتجالة إليه ورأى في غيرها أن تخرج إليه المرة بعد المرة ثم قال: وخرج أبو داود عن ابن عمران أن النبي (ص) قال لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن وهذا يقتضي أن خروجهن إليها جائز وتركه أحب على ما قاله مالك في المختصر. ص: (وعلو مأموم ولو بسطح) ش: يعني أن علو المأموم على إمامة جائز ولو كان المأموم في سطح والامام أسفل منه وهذا قول مالك الاول واختيار ابن القاسم، وقد تقدم جواز ذلك في السفينة في لفظ المدونة ورجع مالك إلى كراهة ذلك. قال في كتاب الصلاة الاول من المدونة: وجائز أن يصلي في غير الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الامام والمأموم في داخل المسجد. ثم كرهه ابن القاسم وبأول قوله أقول انتهى. قال ابن عبد السلام: وتبعه المصنف في التوضيح وابن ناجي وغيرهم إنما لم يكرهه ابن القاسم لحصول السماع للمأموم هناك غالبا وينبغي أن يكون خلافا في حال انتهى. وقال ابن بشير: اختلف قوله في المدونة في الامام يصلي في المسجد ويصلي قوم فوق المسجد بصلاته، فكرهه مرة وأجازه أخرى. وعللت الكراهة بالبعد عن الامام أو تفرقة الصفوف وعدم التحقق لمشاهدة أفعال الامام، وعلى هذا يكون الجواز إذا قرب أعلى المسجد من أسفله فيكون خلافا في حال انتهى. ونقله ابن فرحون فقال: لبعده عن الامام. وقيل: لكونه لا يشاهد أفعاله. وقيل: لتفريق الصفوف. فعلى الاول لو كان السطح قريبا لم يكره، وعلى الثاني إن شاهد أفعال الامام أو المأمومين لم يكره، وعلى الثالث يكره مطلقا انتهى. والظاهر التعليل بالبعد، فلما رأى ابن القاسم أن هذا البعد يمكن معه مراعاة أفعال الامام بحصول السماع من غير تكلف أجازه، وكرهه في مسألة أبي قبيس المتقدمة لكثرة البعد والله أعلم. وأشار المصنف. بلو لقول مالك الذي رجع إليه والله أعلم. ص: (لا عكسه) ش: يعني وأما


[ 452 ]

عكس المسألة الاولى وهي أن يكون الامام على مكان أعلى من مكان المأموم فلا يجوز. قاله الشارح وابن غازي وغيرهما. قال ابن بشير: وقد نهى (ص) أن يصلي الامام على أنشز مما عليه أصحابه انتهى. ومعنى أنشز أرفع. وذكر في الطراز عن عمار ابن ياسر أنه كان يصلي بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه فتقدم حذيفة وأخذ على يديه فتبعه عمار حين أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار رضي الله عنه ورحمه من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله (ص) يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم أو نحو ذلك. فقال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. خرجه أبو داود. وقال ابن فرحون في الشرح: لان الامامة تقتضي الترفع فإذا انضاف إلى ذلك علوه عليهم في المكان دل على قصده الكبر انتهى. ص: (وبطلت بقصد إمام ومأموم به الكبر) ش: إعلم أنه قد اختلفت النسخ في هذا الموضع، ففي بعضها كقصد إمام بكاف التشبيه فيكون قوله وبطلت من تتمة قوله لا عكسه فيقتضي أن علو الامام على المأموم مبطل لصلاته ولو لم يقصد به الكبر، ثم شبه بذلك في البطلان ما إذا قصد الامام أو المأموم به الكبر وعلى ذلك شرح الشارح في الشرح الصغير. وفي بعض النسخ لقصد باللام وفي بعضها بالباء وعليها تكلم ابن غازي قال: وذلك أمثل أي وبطلت الصلاة بسبب قد الامام والمأموم بالعلو الكبر كأنه تكلم أولا فيما إذا سلما من قصد الكبر فنوعه إلى جائز وممنوع قائلا، وعلو مأموم ولو بسطح لا عكسه، ثم تكلم ثانيا في قصد الكبر فقطع بالبطلان فيهما وذلك مستلزم لعدم جوازهما، وهذا الذي سلك يمكن تمشيته مع بعض النقول انتهى. والنسخة التي باللام موافقة للنسخة التي اختارها، والنسخة التي بالكاف موافقة لظاهر ما في التهذيب فإنه قال: ولا يصلي الامام على شئ أرفع مما عليه أصحابه، فإن فعل أعادوا أبدا لانهم يعبثون إلا الارتفاع اليسير مثل ما كن بمصر فتجزيهم الصلاة انتهى. والنسختان الاخريان موافقتان لظاهر أصل المدونة. قال سند: قال مالك رحمه الله في إمام يصلي بقوم على ظهر المسجد والناس خلفه أسفل من ذلك قال: لا


[ 453 ]

يعجبني ذلك قال في شرحها: قد أسقط البراذعي هذه المسألة في اختصاره اكتفاء منه بما بعدها وليست بمعناها اه‍. ثم قال قال ابن القاسم: وكره مالك أن يصلي الامام على شئ هو أرفع مما يصلي عليه من خلفه مثل الدكان يكون في المحراب ونحوه من الاشياء. قال سحنون: قلت له: فإن فعل ؟ قال: عليهم الاعادة وإن خرج الوقت لان هؤلاء يعبثون إلا أن يكون على دكان يسير الارتفاع مثل ما كان عندنا بمصر فإن صلاتهم تامة. قال في شرح المسألة الاولى: فرع: فإن ترك ذلك فقوله لا يعجبني ذلك ليس فيه ما يقتضي نفي الصحة ولا يشبه هذا الفرع الذي يأتي بعده قال ابن القاسم فيه يعبثون على ما نبينه فيه، ومقتضى كلام أهل المذهب صحة صلاتهم انتهى. واعلم أنه مع قصد الكبر تبطل صلاتهم. قال ابن رشد بعد ذكره الحديث المتقدم عنه. وكأنه (ص) أشار بذلك إلى ما أحدثه بعده بنو أمية من التكبر عن مساواة الناس وكانوا يتخذون موضعا مرتفعا عن محل من يقتدي بهم تكبرا وعبثا. ولا خلاف في المذهب أن القصد إلى ذلك محرم، وأنه متى حصل بطلت الصلاة. وكذلك قالوا: لو صلى المقتدون على موضع مرتفع قصدا للتكبر عن المساواة فإن صلاة القاصد إلى ذلك باطلة، وإن صلى الامام غير قاصد للتكبر فإن كان الارتفاع يسيرا صحت الصلاة بلا خلاف، وإن كان الارتفاع كثيرا فللمتأخرين قولان: صحة الصلاة وأخذ من قوله في تعليل البطلان لان هؤلاء يعبثون. وقيل بالبطلان لعموم النهي في الحديث المتقدم انتهى. وقال ابن فرحون قال ابن شاس: إن من صلى على أرفع مما عليه إمامه أو أخفض من غير قصد إلى التكبر صحت صلاته إن كان الارتفاع يسيرا كالشبر وعظم الذراع ونحوه، فإن كان كثيرا فللمتأخرين في بطلان صلاة المرتفع ثلاثة أقوال: البطلان ونفيه ومأخذهما النظر إلى ظاهر العموم في قوله عليه الصلاة والسلام لا يصلي الامام الحديث. ص: (أو إلى فقد العلة وهو التكبر) ش: والتفرقة فيعتبر قصد التكبر في المأموم وتبطل على الامام مطلقا من غير اعتبار قصد التكبر حسما للذريعة، ولو قصد المرتفع منهما التكبر لعصى وبطلت صلاته وصلاة من خلفه إن كان الامام انتهى. وما ذكره هو لفظ الجواهر إلا أول الكلام فبالمعنى، وزاد بعد قوله العموم وذكر الحديث وترك منه بعد قوله من غير اعتبار قصد لان ارتفاع الامام فعل تقدم من بني أمية على جهة التكبير فمنع في القاصد وغيره حسما للذريعة انتهى. فعلم من ذلك بطلان صلاة من قصد الكبر إماما كان أو مأموما وأنه إن كان إماما بطلت عليه وعليهم. وقال في التوضيح بعد ذكره لفظ التهذيب: وظاهره أن الاعادة على الامام والمأموم. وكذلك نقل المسألة التونسي. وقيل لابي عمران: هل يعيد الامام ؟ فقال: ما هو بالقوي وقال ابن زرب: لا إعادة عليه لانه لو ابتدأ الصلاة هناك وحده لم يكن عليه إعادة انتهى. وما قاله ابن زرب غير ظاهر لان من ابتدأها غير قاصد للكبر والكلام فيمن قصد الكبر. وقال غازي: وأما ما ذكره في المأموم فقد حكى


[ 454 ]

عبد الحق في التهذيب أن بعض شيوخه نحا إلى أن المأمومين لو قصدوا الكبر بفعلهم لاعادوا لعبثهم انتهى. وقد صرح ابن بشير وابن شاس بالبطلان ولم يحكيا في ذلك خلافا كما تقدم. إذا علمت الحكم فيما إذا قصد الكبر فإذا لم يقصد بالعلو الكبر فالمأموم متفق على عدم بطلان صلاته كما ذكره ابن غازي، وأما الامام ففيه القولان كما تقدم ويحتملهما كلام المصنف على اختلاف النسخ. والقول بعدم البطلان تقدم عن صاحب الطراز أنه الذي يأتي على أصل المذهب، ونقله في الذخيرة عنه ولفظه: والمذهب صحة الصلاة انتهى. وقال ابن غازي بعد كلامه المتقدم أعني قوله: بعد كلامه المتقدم أعني قوله: وهذا الذي سلك يمكن تمشيته على بعض النقول ما نصه: فأما ما ذكره في الامام فإليه ذهب أبو إسحاق فقال: إنما تجب الاعادة عليه وعليهم إذا فعل ذلك على وجه الكبر، وأما لو ابتدأ لنفسه على دكان فجاء رجل فصلى أسفل منه لجازت صلاتهما لان الامام هنا لم يقصد الكبر، وكذا إذا فعلوا ذلك للضيف انتهى. ونحوه للخمي في الذي ابتدأها وحده، وكذا حكى ابن يونس في الضيق عن سحنون ويحيى بن عمر وأخذه فضل من قوله في المدونة لانهم يعبثون. انتهى كلام ابن غازي. لكن ما استشهد به لا يدل لما قصده من كل وجه لان ما ذكره عن التونسي واللخمي وفضل ليس فيه أن ذلك ممنوعا ويصح، فالاولى الاعتماد على ما ذكره في الطراز فإنه فرعه على قول مالك لا يعجبني على المنع، وذلك بعد حمل قوله لا يعجبني على المنع وإن كان ظاهره الكراهة. وجزم ابن فرحون في شرحه بعدم البطلان فيمن ابتدأها وحده على مكان مرتفع بل جعله غير مكروه فقال. فرع: لو افتتح الصلاة على موضع عال منفرد فجاء رجل فائتم به لم يكره لان الامام لم يبق إلى العبث والتكبر انتهى. وصرح سند أيضا بأن ذلك ما لم تدع الضرورة إلى ذلك فإن دعت فلا بأس به قال: فرع: ومحل الكراهة إذا لم تدع إلى ذلك الضرورة، فأما إن دعت فلا بأس به. وروى علي في المجموعة عن مالك رحمه الله تعالى في الامام يصلي في السفينة وبعضهم فوقه وبعضهم تحته قال: إن لم يجدوا بدا فذلك جائز انتهى. وقال ابن عزم في شرح الرسالة: وإن ضاق الموضع ودعت الضرورة إلى صلاة الامام في مرتفع ولا يسع زيادة عليه جاز انتهى. واعلم أن الظاهر من كلام المدونة وصاحب الطراز أنه إذا لم يقصد الكبر فليس في ذلك إلا الكراهة، ولا يأبى ذلك كلام المصنف على النسخة التي بالباء والتي باللام لان قوله لا عكسه إنما يدل على أنه غير جائز وذلك أعم من أن يكون مكروها أو ممنوعا وهو الذي يوافق قوله أولا في المكروهات واقتداء من بأسفل السفينة بمن بأعلاها كما تقدم. وكلام ابن ناجي المذكور هناك يدل على هذا وكثيرا ما يقع ذلك بالمسجد الحرم عند دخول السيول له فيصلي الامام على سطحه، وإذا حمل على الكراهة صح تمشيته مع كلام المدونة وصاحب الطراز والله أعلم.


[ 455 ]

تنبيهات: الاول: إذا علم ذلك تنتفي الكراهة بالضرورة كما تقدم عن صاحب الطراز، وبأن يبتدئ الامام الصلاة وحده كما تقدم أيضا، وبما إذا قصد التعليم كما نص عليه عياض و نقله ابن عرفة وابن ناجي وابن غازي على وجه التقييد للمسألة وذلك ظاهر، وذكره صاحب الطراز وقال: قد يجوز ذلك عند العذر في الاسواق ونحوها. الثاني: في معنى قول المدونة لانهم يعبثون قال ابن فرحون في شرحه: العبث هو ما يفعله لقصد الكبر. فقوله لانهم يعبثون أي يقصدون الكبر والجبروت على المأمومين وبه فسر قوله تعالى * (أتبنون بكل ريع آية تبعثون وتتخذون مصانع) * أي تبنون بكل موضع مرتفع آية أي علامة تدل على تكبركم تعبثون عبثا مستغنيين عنه انتهى. وقال سند: وقد سمى الله البناء العالي على الموضع المرتفع عبثا فقال على لسان بعض أنبيائه * (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) * وموضوع الصلاة ينافي العبث والتكبر فإنها وضعت على التمكن انتهى. الثالث: قال في الطراز. فرع: فإن فعل ذلك لغير عذر هل يستحب لهم الاعادة ؟ قال ابن حبيب في السفينة يصلي أهلها بصلاة الامام وهو فوق: إن الاسفلين يعيدون في الوقت ولا يعيد الامام انتهى. فكأنه يقول: وكذلك هنا وانظر ذلك مع ما قال ابن ناجي في شرح مسألة السفينة المتقدمة في كلام المدونة عند قول المصنف واقتداء من بأسفل السفينة فإنه فرق بين السفينة وغيرها. ومقتضى كلامه أن في غيرها لا يعيدون في الوقت والله أعلم. الرابع: قال في الطراز: فلو كان الامام على شرف أو كدية ومن خلفه تحته في وطاء وذلك قدر متقارب فقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس به. وهذا يخرج على ما قدمناه لان كل هذا يعد أرضا واحدة ومكانا واحدا سيما إذا اتصلت الصفوف بخلاف السقف والارض فإنهما موضعان ومكانان مختلفان انتهى. ص: (إلا بكشبر) ش: يعني إلا أن يكون الارتفاع ونحو الشبر عظم الذراع كما تقدم فإن ذلك يجوز إذا لم يقصد به الكبر فهو مستثنى من قوله لا عكسه كما يتبادر أنه مستثنى من مسألة قصد الكبر أو موضع قصده الكبر لا تفصيل في ذلك كما تقدم في كلام ابن بشير وابن شاس والله أعلم. ص: (وهل يجوز زان كان مع الامام طائفة كغيرهم تردد) ش: وعني أن ما ذكره أولا من عدم الجواز في قوله لا عكسه سواء حمل على الكراهة أو على المنع اختلف. فيه، هل ذلك مطلقا سواء كان مع


[ 456 ]

الامام طائفة من المأمومين أو كان وحده وهو طاهر المذهب عند صاحب الطراز ؟ وإنما ذلك إذا كان وحده، وأما إن كان معه غيره فلا كراهة ويجوز، وهو اختيار ابن الجلاب ساقه على أنه المذهب، وحمل بعضهم كلام مالك المتقدم عليه. قال في الطراز بعد ذكره المسألة الاولى: اختلف في صورة ذلك، هل صورته أن يكون الامام وحده أو سواء كان وحده أو مع غيره ؟ فقال بعض أصحابنا: هذا إذا كان الامام وحده، فأما إن كان مع الامام طائفة فلا بأس به وهو اختيار ابن الجلاب، وظاهر المذهب أن لا فرق في ذلك انتهى. وأشار المصنف بقوله كغيرهم إلى ما ذكره في توضيحه بعد ذكره كلام ابن الجلاب ونصه: وقيد بأن تكون الطائفة من سائر الناس. قال الشارح: احترازا مما إذا صلى معه طائفة من أشراف الناس فإن ذلك مما نريده فخرا وعظمة انتهى. فلو قال المصنف في المكروهات عوض قوله واقتداء من بأسمل السفينة إلى آخره وعلو إمام إلا بكشبر أو لضرورة أو تعليم، فيجوز كمأموم ولو بسطح وبطلت لقصد كبر مطلقا، وهل يجوز إن كان مع الامام إلى آخره لكان أشمل. ولا يذكر هذا أعني قوله وهل يجوز إلى آخره اكتفاء بما قال صاحب الطراز أنه ظاهر المذهب والله تعالى أعلم. ص: (ومسمع واقتداء به) ش: قال البرزلي بعد أن ذكر أن مذهب الجمهور جواز صلاته والاقتداء به وأنه جرى عليه العمل في الامصار والعلماء متوافرون إلى أن قالوا: وبالجملة فما عليه السلف والخلف من جواز هذا الفعل حجة بالغة على من خالفهم. ثم قال: كان يتقدم لنا هل المسمع نائب ووكيل عن الامام أو هو علم على صلاته أو أن الاذن له نيابة بخلاف ما إذا لم يأذن له وينبني عليه تسميع الصبي والمرأة ومن على غير وضوء، أو


[ 457 ]

يكبر للاحرام ولا ينوي ذلك، وأن في وجيز ابن غلاب على ما نقل أن حكمه حكم الامام فلا يجوز له التسميع حتى يستوفي شرائط الامامة. وعلى من يقول إنه علم ومخبر فلا يحتاج إلى ذلك، وبالاول كان يفتي شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله تعالى ولم أرها منصوصة لغير من ذكر انتهى كلامه. وقال أيضا قبله إثر سؤال التونسي عمن ترك الوتر حتى طلع الفجر وعمن جهر فيما يسر فيه أو العكس: وقد اختلف في صلاة المسمع وذكر الستة أقوال ئلمذكورة في التوضيح وابن عرفة وغيرهما. ثم قال: وعلى القول بصحة الصلاة هل من شرطه أن يكون أهلا للامامة فلا يصح تسميع المرأة ولا الصبي ولا من على غير وضوء، أو في غير صلاة كما يفعله بعض المؤذنين يسمع التكبير ثم ينشئ إحراما ؟ فالذي أحفظه من الوجيز لابن مخلد أنه اشترط بعض هذه المذكورات فأبطل الصلاة بما ينافي الامام، ويجري عليه بقية المسائل وبه كان يفتي بعض شيوخنا. وأعرف لبعض متأخري التونسيين في الاخير منهما صحة الصلاة فتجري البقية عليه وهذا هو الظاهر عندي، لانه علم على معرفة أفعال الامام خاصة لا نه نائب عنه. ومن شرط إذن الامام جعله خليفة له فيجري على حكم الامام انتهى. وما قاله إنه الظاهر عنده يظهر أنه صحيح والله أعلم إلا فيمن يسمع وهو على غير وضوء أو وهو في " غير صلاة، فإن الظاهر عدم صحة صلاة المقتدي به، وذلك أن أهل المذهب قالوا: مراتب الاقتداء أربعة أما رؤية أفعال الامام أو أفعال المأمومين، أو سماع قوله، أو سماع قولهم والاقتداء بمن على غير وضوء، أو في غير صلاة خارج عن الاربعة المذكورة. وقد صرح في المدخل ببطلان الصلاة في الاخية لما ذكر فيحمل الآخر عليه والله أعلم. ومنه أيضا إذا قال المسمع سلام عليكم بغير تعريف صلاة من سمعه تامة وفي صلاته قولان، قلت: من جعله كالامام في أحكامه فينبغي أن يجري ذلك على مذهب من يرى بالارتباط انتهى. وقال أيضا في مسائل ابن قداح: لا يجوز أن يسمع الصغير ومن اقتدى بتسميعه صحت صلاته، وكذا لو سمع أحد بغير إذن الامام واحتيج إليه. قلت: في كلامه هذا تدافع في منعه تسميع الصغير ابتداء وصحته إذا وقع، وكذا قوله في البالغ إذا احتيج إليه والمشهور صحتها مطلقا انتهى. تنبيهان: الاول: ذكر في المدخل في فصل نية الامام والمؤذن أنه إذا بطلت صلاة المسمع سرى البطلان إلى صلاة من صلى بتبليغه فراجعه والله أعلم. الثاني: قال البرزلي: مسألة من سلم قبل المسمع وبعد سلام الامام صحت صلاته. قلت: إن سمع سلام الامام فهو الواجب. ومن سلم حدسا فيتخرج على من سلم معتقدا عدم التمام ثم تبين التمام انتهى. ص: (وشرط الاقتداء نيته) ش: عدها هنا من شروط الاقتداء،


[ 458 ]

وفي فصل فرائض الصلاة من الفرائض. والظاهر أنه تنويع للعبارة وأن الصلاة لا تصح بدونها، سواء جعلت فرضا أو شرطا كما صرح ببطلانها صاحب المدخل وابن عرفة والمصنف وغيرهم. قال في التوضيح عن عبد الوهاب: إن المأموم إن لم ينو أنه مؤتم وإلا بطلت صلاته انتهى. وقاله في الجواهر وغيرها. وقال ابن عرفة: وشرط صحة صلاة المأموم مطلقا نية اتباعه إمامة انتهى. قلت: انظر قولهم إنه إن لم ينو المأموم أنه مؤتم بطلت صلاته كيف يتصور ذلك فإن من وجد إماما يصلي أو شخصا يصلي فإن نوى أنه يقتدي به فهو مأموم وقد حصلت له نية الاقتداء، وإن نوى أن يصلي لتفسه ولم ينو أنه مقتد بذلك الامام فهو منفرد وصلاته صحيحة. ففي أي صورة يحكم له بأنه مأموم ولم ينو الاقتداء ويحكم ببطلان صلاته، اللهم إلا أن يكون مرادهم إذا أحرم بالصلاة منفردا ثم في أثناء الصلاة نوى أن يقتدي بشخص آخر فصلاته باطلة، لانه نوى أنه مأموم ولم ينو الاقتداء من أول الصلاة فيرجع كلامهم إلى أن يشترط في صحة صلاة المأموم أن ينوي الاقتداء بالامام من أولها، فإن نوى الاقتداء في أثنائها بطلت. وفي كلام المازري في شرح التلقين إشارة إلى ذلك فراجعه وتأمله، ولذلك فرع ابن الحاجب على هذا الشرط قوله: فلا ينتقل منفرد لجماعة ولا بالعكس. وأتى بالفاء الدالة على السببية فتأمله منصفا فلم أر من نبه عليه. وهذا ظاهر من كلامهم عند التأمل فإن النية لا بد وأن تكون مقارنة لاول الفعل التي هي شرط فيه أو ركن. ثم رأيت القباب نبه على ذلك في شرح قواعد القاضي عياض، فقال في شرح قوله: وعلى المأموم عشر وظائف، أن ينوي الاقتداء بإمامة وكونه مأموما نصه، تكلم هنا على وجوب نية الاقتداء على المأموم. وقاله القاضي عبد الوهاب، وما قاله تصحيح وفيه خلاف. وصورة المسألة لو قصد مصل أن يصلي فذا وأحرم ونيته ذلك، ثم رأى إماما بين يديه يصلي بجماعة فهل له أن يبتدئ الاقتداء به ويتم خلفه مأموما أم لا ؟ المشهور أن ذلك لا ينبغي وتبطل صلاته إن فعل، وقيل تصح. وحكاه عن ابن حبيب في إمام كان يصلي بقوم في السفر فرأى أمامه جماعة تصلي بإمام فجهل وصلى بصلاتهم، أجزأته صلاه لانه كان مأموما وأعاد من وراءه أبدا لانهم لا إمام لهم. قال: وقاله ابن القاسم ومن لقيت من أصحاب مالك. وما نقله ابن حبيب عن ابن القاسم ومن لقيه من أصحاب مالك خلاف ما قاله عبد الاقتداء فقال الفقيه أبو عبد الله بن عبد السلام عن


[ 459 ]

شيوخ شيوخه، يكفي في ذلك ما يدل التزاما وهو أنه لو قيل ما ينتظر بالتكبير أو بالركوع أو الاحرام لقال انتظر الامام. والذي قاله واضح وكلام المازري نص أو كالنص في ذلك لانه قال: إذا قارنت الافعال الافعال بقصد لذلك وتعمد له فهذا معنى النية، ولا بد من افتتاح بها لئلا يمضي جزء لن الصلاة لم يقصد فيه المتابعة. ولقد قال بعض الناس في معارضة ذلك: إن النية من باب القصد والارادة لا من باب الشعور والادراكات، وهذا الذي قاله لا معارضة فيه بوجه لان من جاء إلى المسجد بقصد الصلاة وقعد في المسجد ينتظر الامام لا يقال فيما فعل يشعر بمجيئه إلى المسجد ولم يقصده، أو شعر بانتظاره الامام ولم يرده، بل قصد المسجد للائتمام وانتظر الامام بقصد وقام للصلاة وتهيأ للدخول للصلاة وبقي ينتظر الامام، كل ذلك بإرادة وقصد انتهى. ص: (ولو بجنازة) ش: قال في التوضيح: وزاد ابن بشير مسألة أخرى وهي صلاة الجنازة فأوجب فيها على الامام نية الامامة بناء على اشتراط الجماعة فيها وفيه نظر، فإنه نص في المدونة على أنه لو لم يكن إلا نساء صلين أفذاذا. وصرح في الجواهر بأن الجماعة غير مشترطة فيها انتهى. وقال ابن عرفة: وإلحاق الجنازة بالجمعة في وجوب الؤماعة يلحقها بها في نية الامام انتهى. وقال ابن فرحون: قال ابن راشد: كان شيخنا القرافي يضيف إلى الثلاثة الاول الجمع والجنازة لان الجمع ليلة المطر لا يكون إلا في جماعة. وهل يشترط نية الامامة في الاولى أو في الثانية أو فيهما ؟ فيه نظر ذكره ابن عطاء الله. وكذلك الجنازة قال ابن بشير: بناء على اشتراط الجماعة فيها فيقال: ينوي الامام والامامة في ثلاث جيمات وخاءين. ثم ذكر عن صاحب التوضيح أنه اعترض على مسألة الجنازة بما في المدونة أنه لو لم يكن إلا نساء صلين أفذاذا قال ابن فرحون: وهذا فرض نادر والكلام إنما هو على الغالب. وقول صاحب الجواهر الجماعة غير مشترطة فيها يريد أنها تصح فرادى، فإن قصد والجمع فلا بد للامام من نية الامامة انتهى. وما ذكره عن صاحب الجواهر نحوه للخمي وصاحب المعونة فإنهما قالا: الجماعة فيها سنة وليست بشرط. وشرط صاحب المقدمات وغيره فيها الجماعة قال: فإن فعلت بغير إمام أعيدت انتهى. ص: (إلا جمعة وجمعا) ش: يعني أن الامام يلزمه أن ينوي الامامة إذا صلى الجمعة وإذا جمع بين الصلاتين وهذا في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر لا في


[ 460 ]

كل جمع كما سيأتي بيانه. قال في التوضيح بعد أن ذكر أنه ينوي الامامة في الجمعة والخوف و الاستخلاف وتحصيل فضيلة الجماعة ما نصه: ولم أر من أضاف الجمع إلا المتأخرين كالمصنف يعني ابن الحاجب والقرافي، ولما ذكر ابن عطاء الله الثلاثة الاول قال: ويظهر لي أن يلحق بها جمع الصلاتين ليلة المطر، إذ لا يكون ذلك إلا في الجماعة فينبغي أن ينوي الامام الامامة فيها كالجمعة انتهى. قلت: وكان ابن عطاء الله لم يقف عليه لغيره وقد ذكره عياض في قواعده فقال: وعلى المأموم عشر وظائف: أن ينوي الاقتداء بإمامه وكونه مأموما، ولا يلزم ذلك الامام إلا فيما لا تصح فيها الصلاة إلا الجماعة كالجمعة وصلاة الخوف، وما يقدم من الصلوات قبل وقتها بسبب الجمع فيلزمه نية الامامة والجمع وكذلك المستخلف انتهى. قال الشيخ أبو العباس القباب: قولق وما يقدم من الصلاة قبل وقتها بسبب الجمع يعني والله أعلم جمع المغرب والعشاء ليلة المطر، وأما جمع عرفة أو جمع المسافر يجد به السير فيقدم، أو جمع المريض يخاف أن يغلب على عقله فلا يشترط فيه ذلك لان هذه الصلوات تصح فيها الصلاة بدون جماعة انتهى. وهو كلام ظاهر، ولم يحك ابن عرفة ذلك إلا في جمع المطر وبه قيد ابن غازي إطلاق كلام المصنف والله أعلم. تنبيه: ظاهر كلام المصنف في التوضيح أن ابن الحاجب ذكر الجمع ولم أقف عليه في كلامه ولا ذكره ابن عبد السلام فتأمله انتهى. ص: (وخوفا) ش: يعني أن صلاة الخوف إذا صليت بطائفتين فلا بد للامام أن ينوي الامامة لان صلاتها على تلك الصفة لا تصح إلا في جماعة. قاله عبد الوهاب ونقله عنه في التوضيح. ثم إن المصنف رحمه الله تعالى اعترض على من جعل ضابط هذه المسائل إن كل موضع يشترط فيه الجماعة فإنه يجب على الامام أن ينوي الامامة فقال: وليس هذا بصحيح لان مسألة الاستخلاف لا يشترط فيها الجماعة، ولو أتموا فرادى صحت الصلاة، وكذلك صلاة الخوف لو صلى كل لنفسه صحت الصلاة انتهى. قلت: لا يصح الاعتراض بصلاة الخوف لان الكلام في صلاتها على الهيئة المذكورة، ولا شك أن الجماعة شرط في ذلك فتأمله. وسيأتي في فصل الاستخلاف أن من شرط الاستخلاف الجماعة فلو لم يكن خلف الامام إلا واحد لم يصر له أن يستخلف. ص: (ومستخلفا) ش: يعني أن من كان يصلي مأموما فطرأ على الامام عذر فاستخلفه ليكمل


[ 461 ]

الصلاة بالمأمومين فإنه يلزمه أن ينوي الامامة ليميز نية المأمومية والامامية. قاله القاضي عبد الوهاب ونقله عنه في التوضيح وتقديم نحوه في قواعد القاضي عياض. لكن قال القباب في شرحها ما قاله في الاستخلاف: معناه والله أعلم على القول بأنه لا يجوز للمأمومين أن يصلوا أفذاذا وهو قول ابن عبد الحكم فإنه يقول: إذا طرأ على الامام عذر ولم يستخلف وصلى القوم أفذاذا بطلت صلاتهم. وأما على مذهب ابن القاسم في المدونة: الذي يقول إن صلوا أفذاذا صحت صلاتهم فليست نية الامامة في الاستخلاف بلازمة، ويشهد لهذا التقييد الذي قيدناه قول المصنف يعني القاضي عياض ولا يلزم ذلك الامام فيما تصح صلاته إلا بالجماعة انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر عن المازري أنه ينوي الامامة في الاستخلاف ما نصه. قلت: وفي قوله الاستخلاف مع ابن بشير نظر لانه كمؤتم به ابتداء لصحة صلاتهم أفذاذا انتهى. ص: (كفضل الجماعة واختار في الاخير خلاف الاكثر) ش: ليس في كلام اللخمي تصريح بأنه يحصل له فضل الجماعة وإن لم ينو الامامة ولكن كلامه يدل على ذلك لانه قال: إنه لا يعيد في جماعة أخرى ونصه: وقال مالك فيمن صلى لنفسه ثم أتى رجل فائتم به: إنها له صلاة جماعة. الشيخ: يعني نفسه وكذلك الامام يصير له صلاة جماعة ولا يعيد في جماعة أخرى انتهى. تنبيهات: الاول: ابن عرفة على ما قاله الاكثر من أنه إذا لم ينو الامامة لم يحصل له فضل الجماعة أن يعيد هذا المؤتم به الذي لم ينو الامامة في جماعة. ونقله عنه ابن غازي وسلمه وذكر أن لابن عبد السلام نحوه. ونصه عند قول المصنف كفضل الجماعة. ابن عرفة: يلزم عليه إعادة من ائتم به غيره ولم ينو الامامة في جماعة انتهى. ونحوه لابن عبد السلام انتهى كلام ابن غازي والله أعلم. الثاني: الظاهر على قول الاكثر أنه لا يشترط أن تكون نية الامامة من أول الصلاة، فمن صلى وحده ثم دخل شخص خلفه فنوى أن يؤمه في بقية صلاته فالظاهر أنه يحصل له فضل الجماعة، ولا يدخل هذا في قولهم ولا ينتقل منفرد لجماعة لان المراد به أن من صلى فذا فلا يجوز له أن يدخل في أثناء الصلاة خلف الامام لفوات محل نية الاقتداء. الثالث: يضاف لما ذكر الامام الراتب إذا صلى وحده فإنه إنما يحصل له فضيلة الجماعة إذا نوى الامامة.


[ 462 ]

الرابع: ذكر في سماع موسى أن من أم نساء تمت صلاتهن إن نوى إمامتهن. فأخذ ابن زرقون وجوب نية الامامة في إمامة النساء، وجعله ابن رشد مقابلا لمذهب المدونة، وأنه يرى وجوب نية الامامة في الرجال والنساء. ووجه ذلك بأن الامام ضامن بأنه تحمل القراءة ولا ضمان ولا حمل، إلا بنية انتهى. ونقله ابن عرفة ونصه: وسمع موسى ابن القاسم: من أم نساء تمت صلاتهن إن نوى إمامتهن. فأخذ منه ابن زرقون وجوبها في إمامة النساء انتهى. ص: (ومساواة في الصلاة) ش: تصوره واضح. فرع: من دخل مع قوم يظنهم في الظهر فلما صلى ركعة أو ركعتين تبين له أنها العصر. فحكى ابن رشد في المسألة الثالثة من كتاب الصلاة لمالك قولين: أحدهما أنه يقطع بتسليم ثم يستأنف الصلاتين، والثاني أنه إن كان صلى معه ركعة أو ثلاثا فليشفع بأخرى. قال: وهو الذي يأتي على ما في المدونة في الذي يذكر الظهر وهو مع الامام يصلي العصر أنه يتمادى معه ثم يعيد. قال: ولو علم ساعة دخل مع القوم في صلاتهم أنها العصر لتمادي مع الامام إلى تمام ركعتين على الثاني ولم يتم معه على القول الاول انتهى. فرع: قال في النوادر في كتاب الصلاة الثاني في باب نية الامام والمأموم. وقال سحنون في رجلين شك أحدهما في ظهر أمس وذكر الآخر نسيانه: إن الموقن إذا ائتم بالشاك أعاد المأموم خاصة، وإن تقدم الموقن أجزأتهم. انتهى وهو ظاهر والله أعلم. ص: (أو بظهرين من يومين) ش: قال بهرام في الصغير: هو عطف على المبالغة أي ويشترط أيضا أن يتحدا في القضاء والمقتدي به انتهى. وقال في الاوسط: أي ومما هو شرط في الاقتداء أن تتحد صلاتا الامام أو المأموم في الاداء والقضاء، فلا يصلي فائتة خلف من يصلي وقتية ولا العكس، ويجوز أن يصلي ظهرا فائتة خلف من يصلي ظهرا فائتة ولو كانا من يومين مختلفين وهما متحدتان في الفوات وغيره، وهذا هو الصحيح وهو قول عيسى. وقال سند: لا يجوز إلا إذا كانا من يوم واحد انتهى. ونحوه في الكبير. وما حمل عليه كلام المؤلف في هذين الشرحين فيه نظر،


[ 463 ]

والصواب حمله على أن مراده أن المساواة مطلوبة في الاداء والقضاء، وفي ظهرين من يومين أي إذا كان على الامام ظهر فائتة من يوم وعلى المأموم ظهر فائته من يوم فلا بد من تساوي اليومين وإلا لم يجز الاقتداء به، وما ذكره عن عيسى لم يقل به. ونص ما في العتبية في رسم جاع قال عيسى قال ابن القاسم: بلغني أن القوم إذا نسوا الظهر من يوم واحد فاجتمعوا فأرادوا أن يجمعوا أن ذلك لهم. قال ابن القاسم: وأنا أستحسنه وآخذ به وذلك أن رسول الله (ص) بأصحابه يوم الوادي والساهي كالنائم. قال ابن القاسم: ولو كانت ظهرهم من أيام متفرقة لم يجز لهم أن يجمعوا وإنما يجمعون إذا نسوا من يوم واحد. قال عيسى: والاعادة في هذا على الامام. وقال ابن رشد: قوله ولو كانت ظهرهم من أيام متفرقة لم يجز لهم أن يجمعوا معناه من أيام متفرقة يعلمونها بأعيانها. وهذا على القول بأن من ذكر صلاة لا يدري من السبت أو الاحد أنه يجب عليه أن يصلي صلاتين صلاة السبت وصلاة الاحد، وأما على من لا يراعي التعيين ويقول إنما عليه أن يصلي صلاة واحدة ينوي بها اليوم الذي تركها فيه كان الظهر أو العصر وهو مذهب سحنون، يجوز لهم أن يصلوا جماعة وإن كانت ظهرهم من أيام متفرقة انتهى. كذا رأيت هذا الكلام في نسختين من البيان أعني كلام عيسى وكلام ابن رشد، ولم ينف في كلام عيسى الاعادة إلا عن الامام. لكن في نقل صاحب النوادر عنه وصاحب الطراز أنه قال: ولا إعادة في هذه على إمام ولا غيره. وذكر عن أشهب أنه قال: فإن فعلا لم تجز إلا الامام وحده. قال سند: وقول أشهب أقيس وهو موافق لقول ابن القاسم، وأن ابن القاسم منع من فعل ذلك ابتداء فأنت ترى المنع من ذلك ليس هو ترى المنع من ذلك ليس هو قول سند في حد ذاته بل هو قول ابن القاسم وأشهب. غاية ما فيه أن ابن القاسم منع من ذلك ابتداء ولم يبين حكمه بعد الوقوع، وبين ذلك أشهب ورجحه وسند وقال: إنه موافق لابن القاسم، وعيسى لم يقل بالجواز ابتداء وإنما نفى الاعادة فقط على ما نقل عنه صاحب الطراز وصاحب النوادر، وأما ما في البيان فظاهره وجوب الاعادة على المأموم لانه إنما نفاها عن الامام، ولم أر من قال بالجواز ابتداء إلا إجراء ابن رشد على قول سحنون على أن كلامه مشكل فتأمله. فتحصل من هذا أن القول بالمنع من الاقتداء في الصورة المذكورة هو الراجح الصحيح وعليه اقتصر ابن يونس فيما نقل عنه ابن عرفة، واقتصر ابن عرفة على نقل كلامه فقط ونصه في شروط الاقتداء الصقلي: وفي المنسي إتحاد يومها انتهى. وهذا هو الظاهر من كلام البساطي وغيره من الشراح والله أعلم. وقال اللخمي: إذا كان على رجلين ظهران فإن كانا من يومين لم يأتم أحدهما بالآخر، ويختلف إن فعلا هل يجزئ المأموم أم لا ؟ وإن كانا من يوم واحد جاز انتهى. ص: (إلا نفلا خلف فرض) ش: قال ابن عرفة بعد أن ذكر منع اقتداء المفترض بالمتنفل ما نصه المازري وعكسه جائز. قال ابن عرفة قلت: على جواز النفل بأربع أو في السفر انتهى. والتنفل


[ 464 ]

بأربع الذي يظهر أنه مكروه ابتداء لان القاضي عياضا ذكر في قواعده أن من مستحبات النافلة أن يسلم من كل ركعتين. وفي التلقين والاختيار: في النفل مثنى مثنى. وفي كتاب الصلاة الاول من المدونة في باب النافلة ما نصه: وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى. قال ابن ناجي: هذا مذهب مالك باتفاق انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وعدد النوافل ركعتان ليلا ونهارا. قال بعض شيوخ المذهب إلى مذهب المخالف في جواز مثنى مثنى وأكثر من ذلك. والحديث يدل على صحته انتهى. وقال ابن فرحون: يعني السنة في صلاة النافلة أن يسلم من كل ركعتين انتهى. وانظر اللخمي في أواخر الصلاة الاول. أما في هذه المسألة فالظاهر أنه خفيف لمتابعة الامام وقد قال سند في أواخر فصل الصيام في قيام رمضان فيمن صلى التراويح مع الامام ونيته أن يتنفل في بيته: إنه يجوز له أن يصلي معه الوتر ثم يشفع بأخرى. قال: ولا يضره جلوسه على ركعة لان ذلك بحكم متابعة الامام كما يتنفل خلف المفترض فيصلي أربعا بحكم المتابعة انتهى. فرع: قال ابن عرفة المازري: تردد بعض أصحابنا في ائتمام ناذر ركعتين بمتنفل، وخرجه بعض شيوخنا على إمامة الصبي ورد بنية الفرض انتهى. ص: (كالعكس) ش: يرد عليه أن ذلك إنما يتمشى على قول ابن عبد الحكم القائل إن الامام إذا طرأ عليه عذر ولم يستخلف وأتم المأمومون أفذاذا بطلت صلاتهم، وأما على قول ابن القاسم في المدونة فلا، لان المأمومين يجوز لهم أن يتموا أفذاذا والله أعلم. ص: (ومتابعة في إحرام وسلام) ش: تصوره ظاهر. فائدة: تقدم في فرائض الصلاة عند قول المصنف وجهر بتسليمة التحليل فقط عن النوادر والقاضي عياض أن على الامام أن يجزم تحريمه وتسليمه ولا يمططهما لئلا يسبقه بهما من وراءه، ومعنى الجزم الاختصار. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: ويخطف الامام إحرامه وسلامه لئلا يشاركه المأموم فتبطل صلاته. ص: قلت: وهذه إحدى المسائل التي يعلم بها فقه الامام، وثانيتها تقصير الجلوس الوسط، و ثالثتها دخول الامام المحراب بعد فراغ الاقامة. انتهى من شرح


[ 465 ]

قوله ولا يرفع أحد رأسه قبل الامام. فرع: قال في الارشاد: ويحرم الامام بعد استواء الصفوف ويرفق بهم ويشركهم في دعائه. قال الشيخ زروق في شرحه أما أحرامه بعد استواء الصفوف فمستحب، فإن أحرم قبل ذلك فقد ترك المستحب فقط، وأما رفقه بهم فلامره عليه الصلاة والسلام بذلك ولانه كان يفعله وأمر عليه الصلاة والسلام أن يشركهم في دعائه، وروي إن لم يشركهم فيه فقد خانهم انتهى. وقال الشيخ زروق أيضا خاتمة من جهل الامام المبادرة للمحراب قبل تمام الاقامة والتعمق في المحراب بعد دخوله والتنفل به بعد الصلاة، وكذا الاقامة به لغير ضرورة. ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام اسمع الدعاء جوف الليل وإدبار الصلوات المكتوبات وخرج الحاكم على شرط مسلم من طريق حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله تعالى عنه لا يجتمع قوم مسلموم فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا استجاب الله تعالى دعاءهم وقد أنكر جماعة كون الدعاء بعدها على الهيئة المعهودة من تأمين المؤذن بوجه خاص، وأجازه ابن عرفة والكلام في ذلك واسع. وقد ألف الشيخ أبو إسحاق الشاطبي فيه ورام ابن عرفة وأصحابه الرد عليه وحجتهم في ذلك ضعيفة، وذكر ابن ناجي الكراهة عن القرافي ثم قال: واستمر العمل على جواز ذلك عندنا بإفريقية، وكان بعض من لقيته ينصره. وقال البرزلي في مسائل الجامع: وسئل عز الدين عن المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر أمستحبة أم لا، والدعاء عقيب السلام مستحب للامام في كل صلاة أم لا ؟ وعلى الاستحباب فهل يلتفت ويستدبر القبلة أم يدعو مستقبلا لها ؟ وهل يرفع صوته أو يخفض ؟ وهل يرفع اليد أم لا في غير المواطن التي ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه يرفع يده فيها ؟ فأجاب: المصافحة عقيب صلاة الصبح والعصر من البدع إلا لقادم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة، فإن المصافحة مشروعة عند القدوم وكان عليه الصلاة والسلام يأتي بعد السلام بالاذكار المشروعة ويستغفر ثلاثا ثم ينصرف. وروي أنه قال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك. والخير كله في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد استحب الشافعي للامام أن


[ 466 ]

ينصرف عقيب السلام انتهى. وقال البساطي في المغني قال في النوادر عن ابن حبيب: إذا نزل بالناس نائبة فلا بأس أن يأمرهم الامام بالدعاء ورفع الايدي انتهى. ص: (لا المساوقة) ش: قال الشارح: المساوقة أن تكون أفعال المأموم تابعة لافعال الامام، ومنهم من يعبر عنها بالملاحقة انتهى. ويشير المصنف إلى ما نقله في التوضيح عن البيان ونصه: وإن ابتدأه بعده فأتمها معه أو بعده أجزأه قولا واحدا، والاختيار أن لا يحرم المأموم حتى يسكت الامام. قاله مالك انتهى. ونقله ابن عرفة. ثم قال: اللخمي والمازري عن ابن عبد الحكم: إذا لم يسبقه إمامه بحرف بطلت. ثم قال: قلت: مفهوم قول ابن رشد إن بدأ بعد بدئه التكبير صح وإن أتم معه. وعموم ومفهوم قول ابن عبد الحكم إن لم يسبقه إمامه بحرف وتأخر عنه في التمام والاظهر بطلانها، لان المعتبر كل التكبير لا بعضه انتهى. قوله وتأخر عنه أي تأخر عن الامام المأموم في التمام وما قاله من البطلان والله أعلم وهو خلاف قول البساطي. ولم يذكر ما إذا أتمها قبله والظاهر أن الابتداء بعده كاف انتهى. والظاهر ما قاله ابن عرفة. وفي الجلاب: إن كبر المأموم في أضعاف تكبير الامام لم يجزه انتهى. ص: (لكن سبقه ممنوع) ش: قال البرزلي في أثناء كتاب الصلاة: المنصوص عندنا إن سبق المأموم الامام بفعل الركن وعقده قبله فلا خلاف في عدم الاجزاء، وإن كان يلحقه الامام قبل كماله فقولان، المشهور الصحة وهي عندي تجري على الخلاف في الحركة إلى الاركان هل هي واجبة لنفسها أو لغيرها ؟ فلا تجزئه على الاول لا الثاني انتهى. وذكره ابن عرفة وابن العربي في عارضته، وظاهره سواء كان عمدا أو سهوا أو غفلة وهو كذلك إذا قال في مختصر الواضحة في كتاب الصلاة في ترجمة صلاة المريضة والكبير ما نصه: وسئل مالك عن الاعمى يصلي خلف الامام فيركع قبل ركوع الامام ويسجد قبل سجوده ويسبح به فلا يفطن حتى إذا قضى صلاته أخبر بذلك قال: يستأنف الصلاة انتهى. ومن البرزلي أيضا في مسائل الصلاة مسألة من ظن أن إمامه ركع فركع ثم ركع إمامه فمن أعاد ركوعه مع الامام أو بقي راكعا حتى لحقه الامام فصلاته صحيحة، وإن رفع رأسه قبل ركوعه ولم يعد فلا بد من إعادة الصلاة. قلت: لانه عقد ركنا في نفس صلاة الامام قبله انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح


[ 467 ]

الرسالة: فإذا ركع قبله ولم يفعل من الركوع معه قدر الواجب فهو تارك الصلاة انتهى. وقال في المنتقي: فإن رفع رأسه قبل إمامه ساهيا فلا يخلوا إما أن يرفع رأسه من الركوع قبل ركوع إمامه أو بعد ركوعه، فإن رفع قبل ركوعه فعليه الرجوع لاتباع إمامه إن أدرك ذلك، وحكمه حكم الناعس والغافل يفوته الامام بركعة فيتبعه ما لم يفت، فإن وقع من ركوعه فقد تبع الامام في ركوعه بمقدار فرضه أو رفع قبل ذلك. قال القاضي أبو الوليد: فإن رفع قبل ذلك فحكمه عندي حكم من رفع قبل ركوع الامام، وإن كان قد تبع الامام في مقدار الفرض فركوعه صحيح لانه قد تبع إمامه في فرضه. ثم قال: مسألة: وهذا في الرفع فأما الخفض قبل الامام لركوع أو سجود فإنه غير مقصود في نفسه بلا خلاف في المذهب، وإنما المقصود منه الركوع أو السجود فإن أقام بعد ركوع الامام راكعا أو ساجدا مقدار فرضه صحت صلاته إلا أنه قد أساء في خفضه قبل الامام، وإن لم يقم بعد ركوع إمامه راكعا أو ساجدا مقدار فرضه لم تصح صلاته وعليه أن يرجع لاتباع إمامه بركوعه وسجوده انتهى. وفي نوازل سحنون من كتاب الصلاة قيل لسحنون: أرأيت الرجل يصلي مع الامام فيسجد قبله ويركع قبله في صلاته كلها ؟ قال: صلاته تامة وقد أخطأ ولا إعادة عليه ولو بعد. قال محمد بن رشد: وهذا إذا سجد قبله وركع قبله فأدركه الامام بسجوده وركوعه وهو راكع وساجد فرفع برفعه من الركوع والسجود أو رفع قبله، وأما إن ركع ورفع والامام واقف قبل أن يرفع ويسجد ورفع من السجود أيضا قبل أن يسجد الامام ثم لم يرجع مع الامام في ركوعه وسجوده فعل ذلك في صلاته كلها فلا صلاة له. واختلف إن فعل ذلك في ركعة واحدة أو سجدة واحدة، فقيل: تجزئه الركعة. وقيل: لا تجزئه وقد بطلت عليه فيأتي بها بعد سلام الامام، فإن لم يفعل بطلت صلاته انتهى. ص: (وأمر الرافع بعوده إن علم إدراكه قبل رفعه لا إن خفض) ش: قال ابن


[ 468 ]

غازي: الذي يظهر لي من نقولهم أنه إن علم إدراك الامام فيما فارقه منه استوى في ذلك الرافع والخافض في الامر بالعود ولم تختلف الطرف في هذا، وإنما اختلفت طريقة الباجي وابن رشد واللخمي فيما إذا لم يعلم إدراكه بخلاف ما تعطيه عبارة المؤلف انتهى. وما قاله من مساواة الخافض للرافع فيما إذا علم إدراك إمامه صحيح لا شك فيه. قال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة: وسألته عن الذي يسبق الامام بالسجود ثم يسجد الامام وهو ساجد، أيثبت على سجوده أم يرفع رأسه ثم يسجد حتى يكون سجوده بعد الامام ؟ فقال: بل يثبت كما هو على سجوده إذا أدركه الامام وهو ساجد. قال القاضي: ومثل هذا الذي يسبق الامام بلا ركوع يرجع ما لم يركع الامام، فإن ركع الامام وهو راكع يثبت على ركوعه ولم يرفع رأسه حتى يكون ركوعه بعد ركوع الامام ولا كلام في هذين الوجهين، وإنما الكلام إذا سبق الامام بالرفع من الركوع أو السجود فحكى ابن حبيب أن ذلك بمنزلة الذي يسبق الامام بالركوع والسجود يرجع راكعا أو ساجدا حتى يكون رفعه مع الامام إلا أن يلحقه الامام قبل أن يرفع فيثبت معه بحاله ولا يعود إلى الركوع ولا إلى السجود، وهو محمول عند من أدركنا من الشيوخ على أنه مذهب مالك رحمه الله تعالى، وقد رأيت له نحوه في النوادر من رواية ابن القاسم انتهى. فائدة: ورد في الحديث أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار قال الدميري في شرح سنن ابن ماجه قال الشيخ تقي الدين: هذا التحويل يقتضي تغيير الصورة الظاهرة، ويحتمل أنه يرجع إلى أمر معنوي على سبيل مجازي فإن الحمار موصوف بالبلادة. ويستعار هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الامام قال: وربما يرجع هذا المجاز بأن التحويل في الصورة الظاهرة لم يقع مع كثرة رفع المأمومين قبل الامام. قال الدميري: وقيل المراد تحويل صورته يوم القيامة ليحشر على تلك الصورة، ولا يمتنع وقوع ذلك في الدنيا فقد نقل الشيخ شهاب الدين بن فضل الله في شرح المصابيح: إن بعض العلماء فعل ذلك امتحانا فحول الله تعالى رأسه رأس حمار وكان يجلس بعد ذلك خلف مستر حتى لا يبرز للناس وكان يفتي من وراء حجاب انتهى. ص: (وندب تقديم سلطان) ش: تصوره ظاهر.


[ 469 ]

فرع: قال القرافي في جامع الذخيرة: يكره تقديم الرجل لحسن صوته انتهى. وقال ابن عرفة ابن رشد: وتقديم الحسن الصوت على كثير الفقه محذور وعلى ماويه غير مكروه لانها مزية خص بها. قال (ص) لابي موسى: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. انتهى. وما ذكره عن ابن رشد هو في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم في كلام طويل هذا زبدته والله تعالى أعلم. وقال في شرح مسألة من الرسم الاول من الجامع: حسن الصوت بالقرآن موهبة من الله تعالى وعطية لصاحبه، لان حسن الصوت مما يوجب الخشوع ورقة القلوب ويدعو إلى الخير. وقد قيل في قوله تعالى * (يزيد في الخلق ما يشاء) * حسن الصوت انتهى. ص: (كوقوف ذكر عن يمينه) ش: قال الجزولي في


[ 470 ]

الكبير: أنظر لو أقام الامام الصلاة مع رجل واحد ثم أتاه آخر، هل الامام يتقدم أم الرجل يتأخر ؟ قال: رأينا بعض أهل الفضل صلى معه رجل ثم أتى رجل آخر فأخره عن يمينه انتهى. ص: (ونساء خلف الجميع) ش: قال الشبيبي في شرح الرسالة في مراتب المأموم مع الامام: الثالثة أن يكون معه امرأة أو نساء فيقفن وراء إلا أنه يكره له إن كان أجنبيا من النسوة أن يؤمهن للخلوة بهن وهو مع الواحدة أشد كراهة. وقال ابن نافع عن مالك: لا بأس أن يؤم الرجل النساء لا رجال معهن إذا كان صالحا انتهى. فرع: قال ابن ناجي في شرحه على الرسالة: والخنثى يكون بين صفوف الرجال والنساء انتهى. ونقله ابن عرفة في غير موضع من مختصره. ص: (ورب الدابة أولى بمقدمها) ش: قاله في الصلاة الاول من المدونة ولفظ الام: قال ابن القاسم قال مالك يقال أولى بمقدم الدابة صاحبها. عبد الحق: جاءت هذه والتي بعدها دليل على أن الافقه أولى من طريق. المعنى أن صاحب الدابة أعلم بطباعها ومواضع الضرب منها وكذلك صاحب الدار أعلم بقبلتها وغير ذلك. فكان أولى بالامامة. ويؤخذ منه أنه إذا تنازع فيها رجلان وكلاهما راكبها فإنه يقضي بها لمقدمها. نص على ذلك ابن رشد انتهى. ويتصور النزاع في ذلك فميا إذا اكترى شخص من صاحب دابة حمله عليها معه ولم يشترط التقدم فيقال: رب الدابة أولى بمقدمها والله أعلم. ص: (وكبر المسبوق لركوع أو سجود بلا تأخير) ش: ذكر التلمساني عن مالك أنه لا


[ 471 ]

يرفق في مشيه ليقوم الامام. ص: (وقام بتكبير إن جلس في ثانيته إلا مدرك التشهد) ش: الاستثناء من مفهوم الشرط لانه كالمنطوق عند المصنف في الاستثناء منه والتقييد له. قال في المدونة: ومن أدرك بعض صلاة الامام فسلم الامام فإن كان في موضع جلوس له كمدرك ركعتين قام بتكبير انتهى. قال ابن ناجي قال المغربي: أنظر قوله قام بتكبير وظاهره أنه يكبر قبل أن يعتدل قائما وليس كذلك لقولها فيما تقدم إلا في الجلسة الاول فلا يكبر حتى يستوي قائما. وإنما قال ذلك لانه إنما تعرض ليبين هل يكبر أم لا، وعول في ما تقدم على محل التكبير. قلت: وما ذكره صواب. ولفظ اللخمي: ومن أدرك من صلاة الامام ركعتين كبر إذا استوى قائما انتهى. ومفهوم قول المؤلف إن جلس في ثانيته أنه إن جلس في غير الثانية لما في الاولى أو الثالثة يقوم بلا تكبير وهو كذلك على المشهور. وقال عبد الملك: يكبر على كل حال. قال الشيخ زروق قال شيخنا أبو عبد الله القوري: وأنا أفتي به القوم لئلا يلتبس عليهم الامر ويتشوشون انتهى. تنبيهان: الاول: ومثل مدرك التشهد مدرك السجود فقط. قال فيه في آخر رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب: يقوم بلا تكبير. قال ابن رشد: هذا خلاف قوله في المدونة في مدرك التشهد الآخر إنه يقوم بتكبير إلا أنه صحيح على قياس أصله فيه من أنه إذا جلس مع الامام في موضع جلوس قام بغير تكبير فهو تناقض من قوله في المدونة، وقد فرق بين المسألتين بتفريق ضعيف لا يسلم من الاعتراض وبالله التوفيق انتهى. الثاني: من سبقه الامام بركعة وجلس معه في غير محل المسبوق فإنه يتشهد معه. قاله أشهب في أول رسم من سماعه من كتاب الصلاة ونصه: وسئل عمن تفوته ركعة مع الامام


[ 472 ]

فإذا صلى معه جلس الامام ليتشهد، أيتشهد معه وهي له واحدة ؟ قال: نعم يتشهد. قال القاضي: وجه قوله لما جلس بجلوس الامام ولم يكن له موضع جلوس لقوله عليه الصلاة والسلام إنما جعل الامام ليؤثم به فلا تختلفوا عليه وجب أن يتشهد بتشهده وإن لم يكن له موضع تشهد. " وبهذا احتج ابن الماجشون من أنه يقوم بتكبير فقال: لما جلس بجلوس الامام صار ذلك له موضع جلوس يوجب أن يتشهد وأن يقوم بتكبير، وهذا لا يلزم ابن القاسم لانه لم يتشهد من أجل أن ذلك موضع جلوس، وإنما تشهد لما لزمه من اتباع الامام فإذا سلم الامام وجب أن ترجع إلى حكم صلاته فلا يكبر إذ قد كبر حين رع رأسه من السجدة انتهى. ص: (وقضى القول وبنى الفعل) ش: الجزولي: وسمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد حكمه حكم الفذ انتهى. وقال الشيخ زروق: ويجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد ولا يحمل الامام عند سود سهوه في قضائه على المشهور. ص: (وركع من خشي فوات ركعة دون الصف إن ظن إدراكه قبل الرفع يدب كالصفين لآخر فرجة قائما أو راكعا لا ساجدا أو جالسا) ش: اعلم أنه إن خشي أن تفوته الركعة إذا تمادى إلى الصف وظن أنه إذا كبر وركع يدركها ويدرك الصف بالدب إليه في حالة الركوع قبل رفع الامام رأسه من الركوع ففي ثلاثة أقوال عن مالك. الاول: مذهب المدونة أنه يكبر ويدرك


[ 473 ]

الركعة ويدب إلى الصف. الثاني: رواه أشهب أنه لا يكبر حتى يأخذ مقامه من الصف الثالث: رواه ابن حبيب لا يكبر حتى يأخذ مقامه من الصف أو يقرب منه، فإن كان يعلم أنه لا يدرك الصف في دبه في حالة الركوع قبل رفع الامام رأسه وأنه يدركه بعد، فلم يختلف قول مالك في أنه لا يجوز له الركوع دون الصف إذا رفع بل يتمادى إلى الصف وإن فاتته الركعة، فإن فعل أساء وأجزأته صلاته ولا يمشي إلى الصف إذا رفع رأسه من الركوع حتى يتم الركعة ويقوم في الثانية. وقال ابن القاسم في المدونة يركع دون الصف ويدرك الركعة. وصوب أبو إسحاق قول ابن القاسم وابن رشد قول مالك: وأما إن كان لا يدرك الصف لبعد ما بينه وبينه فلا يكبر. انتهى مختصرا بالمعنى من رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. ووافق أبو إسحاق على غالبه إلا أنه قال في هذا الاخير أعني فيما إذا علم أنه لا يدرك الصف ولو دب إليه لبعده لا يكبر حتى يأخذ مكانه من الصف إلا أن تكون الاخيرة يعني إنه إذا تمادى فاتته فها هنا يكبر لانه إذا تمادى فاتته الركعة وفاته الصف جميعا انتهى. ونحوه للخمي وهو تقييد حسن لا ينبغي أن يخالف فيه، وصرح بالاتفاق عليه ابن عزم في شرح الرسالة ونصه: ومن دخل المسجد والامام راكع وخاف إن تمادى إلى الصف فوات الركعة، فإن علم أنها آخر الصلاة ركع في موضعه باتفاق، وإن علم أنها غير الاخيرة فالجمهور يركع بموضعه كالاول. وقال الشافعي: يتقدم باتفاق ثم إن كان قريبا دب إلى الصف انتهى. وقال ابن عرفة أثر نقله: كلام ابن رشد الاخير هنا خلاف رواية الشيخ عن ابن نافع إن خاف فوات الركعة إن دخل المسجد كبر وركع على بلاط خارجه انتهى. فيكون فيه قولان والله أعلم. و قول المصنف قائما يريد في الركعة الثانية لا في قيامه بعد الركوع كما تقدم بيانه قريبا وكما بينه ابن رشد في رسم الاقضية الثالث من سماع أشهب، وصور ذلك فيما إذا عجل الامام فرفع قبل أن يمكنه الدب والله أعلم. تنبيهات الاول: ما ذكره الشارح والمصنف في التوضيح عن ابن الجلاب من قوله لا بأس أن يدب قبل الركوع وبعده وإن يدب راكعا لم يذكره ابن الحاجب في هذه المسألة وإنما ذكره في مسألة من رأى فرجة أمامه. الثاني: قال ابن حبيب: أرخص مالك للعالم أن يصلي مع أصحابه بموضعه يبعد من


[ 474 ]

الصفوف فإن كانت في الصفوف فرجا فليسدها. وفي الصحيح ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله والله ترالى أعلم. قاله الشيخ زروق في شرح الارشاد. ص: (وإن شك في الادراك ألغاها) ش: يريد ويسجد بعد السلام. ذكره في التوضيح عن ابن رشد وكذا ابن عرفة والشرح في شروحه والله تعالى أعلم. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولو تحقق أن إدراكه بعد رفع رأسه لم يعتد بتلك الركعة اتفاقا. قالوا: ولا يرفع رأسه بل يهوي لسجوده منه بعد إمامه فإن رفع فحكى الزهري في شرح قواعد عياض عن ابن القاسم الجزيري صاحب لوثائق أنه حكى البطلان وعزاه لمالك، وسواء أتى بركعة بعد سلام الامام أو لم يأت بها. ووقفت عليه أيضا في جزء ألف الجزيري المذكور في العبادات كذلك، ونقله الشيخ أبو بكر محمد بن الفخار الخزامي في شرح الطليطلي عن نص كتاب التدريب، ونقل ذلك شيخنا أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي في شرحه لابن الحاجب، وذكرها أيضا خليل في التوضيح ولم يحرر نقله فانظره انتهى. وذكر الشيخ زروق هذا الفرع أيضا في شرح الرسالة وقال في أوله: فإن فعل ورفع معه عمدا أو جهلا بطلت صلاته أتى بركعة بعد سلام الامام أو لم يأت بها. ذكر ذلك الشيخ أبو بكر بن محمد بن الفخار الخزامي في شرح لطليطلي له وقال: نص عليه صاحب كتاب التدريب. قلت: وذكره الجزيري صاحب الوثائق في جزء له في العبادات وقد أوقفنا عليه الاخ في الله تعالى أبوعمران موسى بن علي الاغطاوي المعروف بابن القعدة أحد المدرسين بجامع القرويين بفاس، ونقل ذلك الزهري في شرحه على قواعد عياض، وذكر هذه المسألة في التوضيح ولم يحرر نقلها انتهى. وقال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: الحق أنه يرفع موافقة للامام وإن كان بعض أشياخي يقول: يبقى كذلك في صورة الراكع حتى يهوي الامام للسجود فيخر من الركوع ولا يرفع. قال: لان رفع الرأس من الركوع عقد للركعة فلو فعل ذلك كان قاضيا في حكم إمامه وهذا كما تراه ضعيف لاسيما على مخالفة الامام، وإنما يكون قاضيا لو كان رافعا من ركوع صحيح وإنما هو موافقة للامام كما في السجود. انتهى كلامه في التوضيح وهو حسن قوي والله تعالى أعلم. وقد وقفت على المسألة في كتاب التدريب لكن كلام الشيخ زروق أن صاحب كتاب التدريب غير صاحب الوثائق وأن ابن الفخار نقلها


[ 475 ]

عن الثاني، وقد نقل الهواري المسألة عن كتاب التدريب عن الجزيري، وقال في آخره، ونقله عن ابن الفخار في تقييده على الرسالة ثم قال الهواري: ولم أر ذلك لغيره ولا اطلعت على نص في المسألة لسواه، وفيما قاله عندي نظر، لان ثبوته على حالته مخالفة على الامام وكون رفعه معه زيادة مستغنى عنها غير مسلم لانه لما أحرم خلفه وركع راجيا إدراكه فانكشف خلافه لزمه متابعته في السجود والجلوس وإن لم يعتد بذلك انتهى بلفظه. ص: (وإن كبر لركوع ونوى بها العقد أو نواهما أو لم ينوهما أجزأ) ش:: ذكر رحمه الله تعالى ثلاث صور: الاولى: إذا نسي المأموم تكبيرة الاحرام عند ركوعه ثم كبر للركوع ونوى أي عند الركوع بتكبيره للركوع العقد أي الاحرم أجزأه، وهو كذلك صرح به في المدونة، فإن كان أوقع التكبيرة في حال القيام فلا إشكال في إجزائها وصحت الصلاة، وإن كبر في حال الانحطاط فاختلف في إجزائها، وقيل يجزئه. قال ابن ناجي: وعلى ذلك حمل المدونة كثير من الشيوخ كالباجي. وقال ابن المواز: لا يجزئه حتى يكبر قائما وهو تأويل عبد الحق وابن يونس وابن رشد انتهى. ولعل المصنف اكتفى عن ذكر هذا الخلاف بقوله: أول فرائض الصلاة وقيام لها إلا المسبوق فتأويلان. قال في التوضيح عن ابن عطاء الله: وأما إن لم يكبر إلا وهو راكع ولم يحصل شئ من التكبير في حال القيام فلا إشكال في أنه لا يعتد بهذه الركعة انتهى. وظاهره أن الخلاف في انعقاد الصلاة بذلك التكبير الذي في حال الركوع باق وإنما نفى الاعتداد بالركعة نفسها وهو ظاهر والله تعالى أعلم. الصورة الثانية: إذا نسي تكبيرة الاحرام أيضا ونوى بتكبيره الركوع والاحرام معا فيجزئه ذلك أيضا. ذكره في التوضيح عن صاحب النكب وجعله صاحب الطراز هو معنى لفظ المدونة ويأتي فيه من التفصيل ما تقدم. الصورة الثالثة: فإذا نسي تكبيرة الاحرام ثم كبر عند ركوعه ولم ينو بها الركوع وإلا حرام، فنص ابن رشد على أنها تجزئه. ونقله في التوضيح وأبو الحسن ولم يذكر فيه خلافا. قال الوانوغي: وهو خلاف ظاهر المدونة. وقال ابن ناجي: وهو كما ذكر ابن رشد جار على جواز تقديم النية بالزمن اليسير وفيه " الخلاف والله أعلم. تنبيهان: الاول: نص ما في المدونة: وإن ذكر بعد ما نوى أنه نسي تكبيرة الاحرام، فإن كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الاحرام أجزأه انتهى. فعلم منه أن فرض المسألة فيمن دخل مع الامام من أول الصلاة يظن أنه أحرم معه لا في المسبوق كما فرضه الشارح في الصغير، نعم يؤخذ منه حكم المسبوق من باب جحري والله أعلم.


[ 476 ]

الثاني: قال في المقدمات: فإن شك فيها أي في تكبيرة الاحرام وهو وحده أو إمام فقيل: إنه يتمادى حتى يتم ويعيد فإن كان إماما سأل القوم، فإن أيقنوا بإحرامه صحت صلاتهم، وإن لم يوقنوا أعادوا الصلاة. وقيل: إنه بمنزلة من أيقن يقطع متى علم. وقيل: إنه إن كان قبل أن يركع قطع وإن كان قد ركع تمادى وأعاد إلا أن يكون إماما فيوقن القوم أنه قد أحرم، وفي رجوعه إلى يقين القوم بإحرامه واجتزائه بذلك دليل على إجازة تقديم النية على الاحرام انتهى. ص: (وإن لم ينوه ناسيا تمادى المأموم فقط) ش: يعني وإن نسي تكبيرة الاحرام وكبر بنية الركوع فقط ولم ينو الاحرام ناسيا له فإنه يتمادى المأموم مع الامام ويكمل صلاته مراعاة لمن يقول بصحة صلاته، وإنما ينعقد بذلك فلا يبطلها. تنبيهات: الاول: في هذا القسم حالات إن ذكر ذلك بعد رفعه من الركوع فالمذهب أنه يتمادى. وقيل: يقطع فإن ذكر في الركوع وعلم أنه لو رفع وأحرم لم يدرك الامام ففي ذلك ثلاثة أقوال: أشهرها مذهب المدونة يتمادى ويعيد. والثاني يبتدئ. والثالث هو بالخيار. وإن علم أنه لو رفع وأحرم أدرك الامام قبل رفعه ففي ذلك قولان في الموازية والعتبية يقطع ويحرم ورآه خفيفا وأقطع للشك مع أنه لا يفوته شئ. وقيل: لا يقطع وهو الذي يؤخذ من المدونة. انتهى جميع من التوضيح. وهذه الاحوال حيث كبر للركوع فأما إن لم يكن كبر للركوع فإنه يقوم ويكبر للاحرام. قاله في النوادر. الثاني: قال فيه أيضا: هل من شرط تماديه على مذهب المدونة أن يكون قد كبر في حال القيام أم لا ؟ قولان. الثالث: هل يتمادى وجوبا وهو ظاهر المذهب وهو الذي يفهم من كلام المصنف، أو استحبابا وهو الذي في الجلاب ؟ قاله أيضا في التوضيح


[ 477 ]

الرابع: لم يذكر المصنف هل يعيد الصلاة أم لا اكتفاء بما قدمه في فصل الصلاة، والمذهب أنه مطلوب بالاعادة. وهل وجوبا وهو الذي في الجلاب وصدر في الارشاد، أو استحبابا وعزاه في الارشاد لابن الماجشون. وذكر ذلك في التوضيح. الخامس: قوله ناسيا له مفهومه لو كان عامدا قطع وهو ظاهر. قال في التوضيح: خلاف سعيد وابن شهاب إنما هو إذا كبر للركوع غير ذاكر للاحرام، ولو كبر للركوع وهو ذاكر للاحرام متعمدا لما أجزأته صلاته بإجماع. قاله في المقدمات. وعلى هذا فلا يتمادى حينئذ لعدم الخلاف المراعى. انتهى. كلام التوضيح. ولا حاجة إلى التقييد بالنسيان في الصور الاول لان العامد حكمه كذلك وهو ظاهر، ولهذا لم يقيده المصنف وإنما ذكرناه لبيان فرض المسألة والله أعلم. السادس: قوله تمادى المأموم فقط مفهومه أن الامام والفذ لا يتماديان وهو كذلك بل لا خصوصية للتقييد بالمأموم في هذه الصورة فقط، فإن الصورة الاولى إنما تجزئ المأموم فقط ولا تجزئ الامام والفذ كما صرح به صاحب المقدمات وغيره. السابع: لو نابه ما ذكر في غير الركعة الاولى. قال في المقدمات: فحكمها كالاولى إن لم ينو الاحرام تمادى وأعاد بعد قضاء ما فاته، وإن نوى به الاحرام أجزأته صلاته وقضى الركعة بعد سلام الامام، كذا روى علي بن زياد عن مالك. وقال ابن حبيب: بل يقطع ويبتدئ على كل حال. قال: ولا وجه له انتهى ونقله في التوضيح. الثامن: ظاهر كلامه لا فرق في ذلك بين الجمعة وغيرها. قال ابن ناجي: وهو ظاهر المدونة ورواه ابن القاسم. وقال مالك وابن حبيب في الجمعة يقطع بسلام ثم يحرم لحرمة الجمعة بخلاف غيرها ذكر القولين ابن يونس ونقله عنه في التوضيح. التاسع: قال في المقدمات: لو دخل مع الامام في الاولى ونسي الاحرام وتكبير الركوع في الاول وكبر للركوع في الثانية ولم ينو بها الاحرام فقال مالك: يقطع. والفرق عنده بين هذه والاولى أن مسألة المدونة تباعد ما بين النية وتكبيرة الاحرام. انتهى. ونقله العاشر: حيث أمر بالقطع فهل بسلام أم لا ؟ قولان حكاهما في في التوضيح المقدمات وخصهما بما


[ 478 ]

إذا ذكر بعد ركعة. قال: وإن ذكر قبل ركعة قطع بغير سلام وذكر أن المنفرد في ذلك كالمأموم انتهى. ص: (وفي تكبيره للسجود تردد) ش: الظاهر أنه يعني أن المتأخرين اختلفوا في نقل المذهب في تكبير السجود، هل هو كتكبير الركوع فإذا كبر للسجود ونوى بها الاحرام أجزأه وإن نوى بها السجود دون الاحرام لم يجزه ويتمادى، أو ليس كذلك بل إن نوى الاحرام أجزأه وإن لم ينو لم يجزه ويقطع ؟ قال في المقدمات: وإن لم يكبر للركوع وكبر للسجود قطع ما لم يركع الثانية، كبر لها أو لم يكبر. قاله في كتاب ابن المواز، فإن ركع تمادى وأعاد بعد قضاء ركعة، وإن نوى بتكبيره السجود والا حرام أجزأه وقضى ركعة بعد سلام الامام انتهى. وقال سند: لو لم يكبر في الاول. للافتتاح ولا للركوع لم يجزه تكبيره للسجود، ولا يعرف في المذهب فيه خلاف إلا ما يذكر من سماع ابن وهب انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذكر حكم تكبير الركوع الشيخ: وفي كون تكبير السجود مثله. ولغوه رواية محمد. وقوله انتهى. وأما إذا نوى بتكبير السجود الاحرام ووافقه في حال القيام فهذا يجزيه كما تقدم في كلام ابن رشد، وذكره في الجلاب. وما ذكره الشارح عن ابن عبد السلام من عدم الاجزاء ليس في كلامه ما يدل عليه والله أعلم. وقد صرح ابن الجلاب واللخمي بأنه إذا كبر للسجود والاحرام أنها تجزئه فانظره. وفي التوضيح: ولا يصح حمل كلام المصنف يعني ابن الحاجب على معنى أنه إذا نوى بتكبير السجود الاحرام لا يجزئه لان صاحب المقدمات وغيره نص على أنه لا يجزئه ذلك كما في الركوع انتهى. وانظر كلام الاقفهسي فإنه ذكر عن المصنف أنه قال: أرد بالتردد كلام ابن رشد فيما إذا كبر للسجود ولم ينو الاحرام انتهى. ص: (وإن لم يكبر استأنف) ش: يعني وإن لم يكبر للاحرام حتى ركع الامام ركعة وركعها معه ابتدأ التكبير


[ 479 ]

وكان الآن داخلا في الصلاة ويقضي ركعة بعد الامام. قاله في المدونة. وقال في التوضيح: إذا لم يكبر للاحرام ولا للركوع ابتدأ حيثما ذكر لا نعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن مالك أن الامام يحمل عن المأموم تكبيرة الاحرام وهي رواية شاذة انتهى والله تعالى أعلم. فصل في استخلاف الامام ص: (ندب لامام خشي تلف مال أو نفس أو منع الامامة لعجز أو الصلاة برعاف أو سبق حدث أو ذكر استخلاف) ش: اعلم أنه إنما يستحب الاستخلاف إذا كان خلف الامام أكثر من واحد، وأما الواحد فإنه يقطع ويبتدئ الصلاة لنفسه. قال في نوازل سحنون من


[ 480 ]

كتاب الصلاة قال أبو زيد: سئل أصبغ عن رجلين أم أحدهما صاحبه ثم يحدث الامام


[ 481 ]

فيستخلف صاحبه ؟ قال أصبغ: لا يجوز له أن يبني على الصلاة لانه ليس معه آخر فيكون خليفة عن نفسه، لا يجوز له ويقطع ويبتدئ لانه ابتدأ في جماعة فلم يجز له أن يبني، استخلفه أو لم يستخلفه. قال القاضي: إنم لم يجز له أن يبني وقال: إنه يقطع ويبتدئ لانه ابتدأ في جماعة فلم يجز له أن يتم وحده على أصله فيمن وجب عليه أن يصلي في جماعة فصلى فذا أن صلاته لا تجزئه، وقد مضى هذا المعنى في رسم جاع ورسم إن خرجت من سماع عيسى انتهى. والذي ذكره في الرسم المذكور أن هذا قول أصبغ. وقال ابن القاسم: إنها تصح وهو الذي مشى عليه المؤلف في قوله وأتموا وحدانا أو بعضهم أو بإمامين إلا أنه قال: لا ينبغي أولا أن يفعل ذلك والله تعالى أعلم. وقوله أو منع الامامة لعجز يعني عن ركن كالركوع والسجود والقراءة. فرع: قال المازري: لا يستخلف لحصر قراءة بعض السورة قال ابن عرفة قلت: في مفهومه بحصره عن كلها نظر، لانه ترك سنة عليه لا فوات ركن انتهى. وقوله أو الصلاة برعاف تصوره واضح. فرع: قال في النوادر: ولو ظن الامام أنه رعف واستخلف فلما خرج تبين أنه لم يرعف لم تبطل على من خلفه لانه خرج بما يجوز له وليبتدئ هو صلاته خلف المستخلف. انتهى. بالمعنى. وقوله أو سبق حدث أو ذكره يريد وكذا إذا سقطت على الامام نجاسة أو ذكر الامام أن في ثوبه نجاسة فإنه يستخلف. أما الاول فنص عليه في سماع موسى، وأما الثاني فنص عليه في رسم أول عبد اشتريته فهو حر من سماع يحيى، ونص عليه قبله أيضا في رسم المكاتب من السماع المذكور من كتاب الصلاة. فرع: وإذا رأى المأموم نجاسة في ثوب الامام أراه إياها إن قرب منه فإن بعد كلمة. قال سحنون: ويبتدئ. وقال ابن حبيب: يبني ابن ناجي: قول ابن حبيب هو الجاري على قولها. وعلى المشهور أن الكلام لاصلاحها لا يبطله، وسحنون على أصله فيه. انتهى من كتاب الطهارة في الكلام على إمامة الجنب. وحكم من علم بحدث إمامه حكم من رأى النجاسة في ثوب إمامه وهو بعيد. قاله ابن رشد في رسم المكاتب المذكور. وفي مسائل بعض الافريقين من البرزلي: إذا ذكر الامام في ثوبه نجاسة فالجاري على قول ابن القاسم أنه يقطع ويقطعون. وقيل: يستخلف كذاكر الحدث وفيه إذا مات الامام في المحراب أو اختطفه السبع قدموا رجلا يتم بهم والله تعالى أعلم. تنبيه: فعلى هذا قولهم كل ما أبطل صلاة الامام أبطل صلاة المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه ينبغي أن يزاد في ذلك وفي ذكر النجاسة وسقوطها ويزاد أيضا إلى ذلك مسألة انكشاف عورة الامام على قول سحنون، ومسألة سجود المأموم للسهو عن ثلاث سنن


[ 482 ]

وعدم سجود الامام. ويضاف لذلك أيضا مسألة الامام يخاف تلف نفسه أو مال والله أعلم. ص: (وأتموا وحدانا) ش: تصوره ظاهر. فائدة: ذكر الراعي في شرحه على الجرومية لما ذكر أنه لا يجوز الاتباع بعد القطع قال: كنت جالسا بمسجد قيسارية غرناطة أنتظر سيدنا وشيخنا أبا الحسن علي بن سمعة رحمه الله تعالى مع جماعة من كبار طلبته، وكنت إذ ذاك أصغرهم سنا وأقلهم علما، فدخل سائل فسأل عن مسألة فقهيه نصها: إن إماما صلى بجماعة جزأ من صلاته ثم غلب عليه الحدث فخرج ولم يستخلف لهم فقام كل واحدة من الجماعة وصلى وحده جزأ من الصلاة، ثم بعد ذلك استخلفوا من أتم بهم الصلاة، فهل تصح تلك الصلاة أم لا ؟ فلم يكن فيها عند الحاضرين جواب فقلت: أنا أجاوب فيها بجواب نحوي. فقالوا: هات الجواب. فقلت: هذا اتباع بعد القطع وهو ممتنع عند النحويين فصلاة هؤلاء باطلة فاستظرفها مني من حضر لصغر سني ثم طلبنا النص فيها فلم نلفه في ذلك التاريخ ولو ألفيناه لكان الجواب حسنا انتهى. ص: (وصحت بإدراك ما قبل الركوع) ش: أي شرط صحة الاستخلاف إدراك المستخلف ما قبل الركوع أي ما قبل تمام الركوع يريد من الركعة المستخلف فيها، فلو فاته ركوع الاولى وأدرك سجودها واستمر مع الامام حتى قام في الثانية فحصل له عذر حينئذ فاستخلفه صح استخلافه، كما لو لم يدرك إلا الثانية لصح استخلافه فيها. وعلم من كلامه أنه لو أحدث الامام بعد


[ 483 ]

الركوع وقبل السجود فاستخلف من لم يدرك الركوع من الركعة المستخلف فيها لم يصح استخلافه بعد، ولو كان إحرامه قبل حصول العذر فإن استخلفه فليقدم غيره أو يقدم المأمومون غيره، فإن اقتدوا به بطلت صلاتهم على الاصح الذي مشى عليه المصنف. وكذلك ذكر صاحب الجواهر والذخيرة والهواري وابن الحاجب وغيرهم في صحة صلاتهم قولين صدر بالبطلان، وصرح ابن بشير بأن المشهور البطلان، وصرح في اللباب أيضا بأن الاصح البطلان. تنبيه: ذكروا حكم صلاة من اقتدى به ولم يذكروا حكم صلاته في نفسه، والظاهر أنها صحيحة ولم أقف عليها منصوصة، ولكن ذلك ظاهر، وفي تعليل سند ما يدل على صحة صلاته إن بنى على صلاة الامام، وأما إن ترك السجود فلا تجزيه صلاته والله تعالى أعلم. فرع: قال في النوادر قال ابن المواز: من أحرم والامام راكع في الجمعة في الثانية فاستخلفه قبل أن يركع الداخل فليرجع الداخل والقوم ركوع ثم يرفع بهم ويكون ممن أدرك الركعة وتصح له ولهم جمعة، ولو رفعوا قبل أن يرفع المستخلف فكمن رفع قبل إمامه فليرجعوا حتى يرفعوا برفعه، فإن لم يعودوا أجزأهم. ولو خرج ولم يستخلف فقدموا هذا أو قدموا غيره فالامر كذلك إلا أنه إن قدموا غيره أو قدم الامام غيره فرفع المستخلف رأسه قبل أن يركع الداخل فلا يعتدد بتلك الركعة انتهى. ومن النوادر أيضا: إذا رفع رأسه من الركعة الثانية فقدم من أحرم حينئذ ولم يدرك الركعة فليقدم هو من أدركها، فإن لم يفعل وأتمها بهم فسدت عليه وعليهم. وقال أشهب: وكذلك لو دخل بعد رفع رأسه من الثانية فقدمه، فإن أتم بهم لم تجزهم لان السجدتين ليستا من فرضه. قال سحنون: وإذا قدمه يعني المسبوق وهو قائم في الثانية فأتم بهم وقضى ركعة ثم شك في الاحرام فليعيدوا كلهم الجمعة. انتهى والله أعلم. ص: (وإلا فإن صلى لنفسه أو بنى بالاولى أو الثالثة صحت وإلا فلا) ش: هذا مفرع على قوله وإن


[ 484 ]

جاء بعد العذر فكأجنبي كما قال ابن الحاجب. والمعنى أن من جاء بعد أن حصل للامام


[ 485 ]

العذر الموجب للاستخلاف فإنه كالاجنبي فلا يصح استخلافه. قال في التوضيح اتفاقا قال: وتبطل صلاة من ائت به بمنزلة قوم أحرموا قبل إمامهم. قاله ابن القاسم في المدونة ثم قال: وأما صلاة المحرم بعد العذر فإن صلى لنفسه فلا إشكال في الصحة انتهى. قلت: الذي يظهر أنه يدخل الخلاف في صلاته لانه أحرم خلف شخص يظنه في الصلاة فتبين أنه في غير الصلاة. وقد ذكر في النوادر في كتاب الصلاة الثاني في آخر ترجمة اتباع الامام والعمل قبله ما نصه: ومن كتاب ابن سحنون: ولو أحرم قوم قبل إمامهم ثم أحدث هو قبل أن يحرم فقدم أحدهم فصلى بأصحابه فصلاتهم فاسدة، وكذلك إن صلى فرادى حتى يجددوا إحراما انتهى. وكررها أيضا في آخر ترجمة الامام تفسد صلاته أو يذكر جنابة أو صلاة. تنبيه: انظر قوله بنى على صلاة الامام في الاولى أو الثالثة هل معناه أنه يبني على ما قرأه الامام من الفاتحة أو بعضها مراعاة لمن يقول بعدم وجوبها في كل ركعة، أو لا بد من قراءة الفاتحة ؟ فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وإن قال للمسبوق اسقطت ركوعا عمل عليه من لم يعلم خلافه وسجد قبله إن لم تتمخض زيادة بعد صلاة إمامه) ش: وقيل: يسجد بعد إكمال صلاة نفسه، وعلى الاول فإنه يسجد بهم للنقص بعد صلاة أمامه قبل إكمال صلاة نفسه. ولو سها فيما يأتي به سهوا يوجب السجود قبل السلام أو بعده، سجده وجده ولا يسجدون معه لان صلاتهم تمت، ولو سها في بقية صلاة الامام بزيادة أو نقص سجد لسهو الامام بالنقص وكفاه عن سهوه، وأما إن كان سهو الامام لزيادة فلا يسجدها المستخلف إلا


[ 486 ]

بعد إكمال صلاته، وإن سها المستخلف المسبوق فيما استخلفه عليه الامام أو فيما يأتي به قضاء كان سهوه بزيادة أو نقص أجزأه سجوده لسهو الامام. هذا قول ابن القاسم. وقال غيره: إذا كان سجوده الاول بزيادة، وسجود المستخلف بنقص، فإنه يسجد بهم قبل اللام ويجزيه للسهوين. انتهى. جميعه من النوادر بالمعنى والله أعلم. وانظر قول ابن القاسم هذا مع قوله: إن المسبوق إذا ترتب على الامام سجود بعدي ثم سها المسبوق بنقص إنه يسجد قبل السلام والله تعالى أعلم. فصل في صلاة السفر ص: (سن لمسافر غير عاص به ولاه) ش: قال الاقفهسي في شرح الرسالة: السفر عند الصوة على قسمين: سفر الظاهر وسفر الباطن. فسفر الباطن السفر في نعم الله تعالى والتفكر


[ 487 ]

في مخلوقاته، وسفر الظاهر على قسمين: سفر طلب وسفر هرب. فسفر الهرب واجب وهو إذا كان في بلد يكثر فيه الحرام ويقل فيه الحلال فإنه يجب عليه السفر منه إلى بلد يكثر فيه الحلال، وكذلك يجب عليه الهروب من موضع يشاهد فيه المنكر من شرب خمر وغير ذلك من سائر المحرمات إلى موضع لا يشهد فيه ذلك، وكذلك يجب عليه الهروب من بلد أو موضع يذل فيه نفسه إلى بلد أو موضع يعز فيه نفسه لانه المؤمن لا يذل نفسه قال الشاعر: إذا كنت في أرض يذلك أهلها ولم تك ذا عز بها فتغرب لان رسول الله لم يستقم له بمكة حال فاستقام بيثرب وكذلك يجب الهروب من بلد لا علم فيه إلى بلد فيه العلم، و كذلك يجب الهروب من بلد يسمع فيها سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولو كان مكة والمدينة فهذا سفر الهروب. وأما سفر الطلب فهو على أقسام: واجب كسفر الحج للفريضة والجهاد إذا تعين، ومندوب وهو ما يتعلق بالطاعة، وقربة الله سبحانه كالسفر لبر الوالين أو لصلة الرحم أو للتفكر في مخلوقات الله تعالى، ومباح وهو سفر التجارة، ومكروه هو سفر صيد اللهو، وممنوع وهو السفر لمعصية الله تعالى. والسفر الذي تقصر فيه الصلاة هو الواجب والمندوب والمباح لا يباح القصر في سفر المعصية وسفر اللهو. وقيل: يباح فيهما. انتهى من باب صلاة السفر. وظاهر كلامه رحمه الله أن حكم القصر في السفر المكروه كف الاهواء كحكم القصر في سفر المعصية، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب أيضا ونحوه للخمي. قال في السفر المكروه والممنوع، اختلف في القصر في هذين، هل يجوز أو يمنع ؟ وأرى أن يجوز في سفر الصيد ويمنع في سفر المعصية انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة. فظاهره أن القول بالتحريم في صيد اللهو ثابت انتهى. وظاهر المدونة خلافه قال فيها: وإن كان اللهو فلا أحب له أن يقصر


[ 488 ]

ولا آمره بالخروج. قال صاحب الطراز بعد أن قسم السفر إلى خمسة أقسام: أما المكروه فإنه ينبني على بيان حكم سفر المعصية فإن قلنا لا يجوز القصر قلنا يكره القصر في السفر المكروه وقد اختلف قول مالك في ذلك يعني في سفر المعصية. قال الباجي: المشهور من مذهب مالك أنه لا يقصر فيه الصلاة، وروى زياد أنه يقصر انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: أما سفر المعصية فالمشهور أنه لا يقصر صاحبه تحريما. وقيل: يقصر. رواه زياد حكاه الباجي وقال قبله: الظاهر حمل قولها لا أحب على بابه. وقال شيخنا يعني البرزلي: في حملها على بابها أو على التحريم وعليه الاكثر قولان للاشياخ. قال ابن ناجي: لا أعرف القول الثاني تأويلا عليها انتهى. وقال في شرح الرسالة: لما ذكر ما ذكر قول ابن الحاجب أنه لا يترخص العاصي بالسفر على الاصح قال: وكذلك المكروه كصيد اللهو. فظاهره أن الاصح تحريم القصر، والصواب عندي أنه يستحب له أن لا يقصر، فإن قصر فلا شئ عليه وعليه تحمل المدونة. ولا يبعد أن يكون هو مراد ابن الحاجب وأن العطف إنما هو في كونه لا يقصر وذلك أعم من التحريم والكراهة انتهى. قلت: ويقال مثل هذا في كلام المصنف وهذا هو الظاهر عندي، ويحتمل أن يكون تبع ظاهر كلام اللخمي فتأمله. وحاصله أنه يقصر في الواجب والمندوب والمباح والمباح ولا يقصر في الحرام والمكروه، فإن قصر في المكروه فقال في التوضيح قال ابن شعبان: إن قصر لم يعد للاختلاف فيه انتهى. وتقدم نحوه في كلام ابن ناجي. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ولو قصر في سفر المعصية فانظر هل يراعى فيه الخلاف كما روعي في المكروه أم لا ؟ والصواب لا يعيد ويراعى فيه قول مالك بجواز القصر فيه، وقول أبي حنيفة والثوري وبعض أهل الظاهر انتهى. فرع: لو كان سفره غير معصية ثم طرأت المعصية قالوا لم يترخص لان سفره عاد معصية، ولو كان سفره معصية ثم طرأت التوبة ترخص إذا صحت التوبة لان سفره من الآن ليس بمعصية. انتهى من ابن الفاكهاني على الرسالة والله تعالى أعلم. ص: (أربعة برد) ش: وهي ثمانية وأربعون ميلا وهذا هو المطلوب ابتداء في أثناء السفر. قال في المدونة: فإن قصر فيما دون الثمانية والاربعين فلا إعادة عليه فيما بينه وبين الاربعين، وإن قصر فيما دون الاربعين إلى ستة وثلاثين فقيل يعيد في الوقت، و قيل لا إعادة عليه. وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين


[ 489 ]

أعاد في الوقت وبعده انتهى. وقال في آخر أول رسم من سماع أشهب: إن قصر في أقل من خمسة وأربعين ولى ستة وثلاثين أعاد في الوقت، وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين أعاد في الوقت وبعده انتهى. ونقل في التوضيح عنه أن من قصر في أقل من ستة وثلاثين أعاد أبدا بلا خلاف وهو ظاهر. ونقل عن يحيى بن عمران: من قصر في ستة وثلاثين أعاد أبدا، وحكاه ابن الجلاب بقيل فاعترض عليه في التوضيح بأنه المذهب. قلت: وفي جعله المذهب نظر لان الذي اقتصر عليه ابن رشد في البيان الاعادة في الوقت. وذكر في المقدمات قولين: بالاعادة في الوقت وعدمها ولم يحك الاعادة أبدا. وذكر ابن عرفة عن ابن القاسم: أن من قصر في ستة وثلاثين لا يعيد فيكون هو الراجح والله أعلم. فرع: قال الرجراجي في شرح كتاب الصلاة الثاني من المدونة: اختلف المذهب فيمن سافر مسافة تقصر فيها الصلاة ثم أسلم في أثنائها إن كان نصرانيا، أو احتلم إن كان صبيا، أو كانت امرأة فسافرت وهي حائض ثم طهرت في أثناء المسافة، فمشهور المذهب أنهم يتمون الصلاة ولا يقصرون. ويتخرج في المذهب قول أنهم يقصرون انتهى. وقال المازري في شرح التلقين: فرع: قال في السليمانية في النصراني يقدم من مصر يريد القيروان فأسلم بقلسانة إنه يتم الصلاة. قال: لان الباقي من سفره لا يقصر فيه وإذا وجب عليه الاتمام بطرو هذا يقتضي أن يراعى مقدار السير من حين البلوغ في حق من بلغ في أثناء السفر، وكذلك يراعى في حق المجنون إذا عقل في أثناء السفر. قال بعض أشياخي: وفي طهر الحائض في أثناء السفر نظر، وعندي أنه لا يتضح بينها وبين ما تقدم لانها غير مخاطبة بالصلاة أيام حيضها إجماعا. والكافر مخاطب بالصلاة وبغيرها من فروع الشريعة بشرط تقدم الايمان عند جماعة من أهل الاصول، فإن لم يعتبر ما مضى من سفره مع الاختلاف في خطابه فالحائض أولى بذلك لكونها لم يختلف في سقوط الخطاب عنها إلا أن يقال: إن الحائض كانت قبل حيضتها مخاطبة بالصلاة وإن ارتفع الخطاب لمانع والمانع متوقع ارتفاعه في كل جزء من أجزاء السفر، فخالفت بهذا من ذكر معها فهذا مما ينظر فيه انتهى. وفي حاشيته على هذا المحل من المازري أن ظاهر كلام الامام أن الصبي إذا بلغ يتم الصلاة ولو كان يقصر الصلاة في أثناء سفره قبل البلوغ انتهى. وقال ابن عرفة: وفي السليمانية: لو أسلم قاصد من مصر القيروان بقلشانه لم يقصر. اللخمي: وكذا البلوغ والعقل وفي طهر الحيض نظر. المازري: يحتمل كونه أحرى لان الكافر مخاطب بها على رأي وهي لا إجماعا. والفرق أنها مخاطبة قبله إجماعا والمانع متوقع الرفع. قلت: ولا سيما على أن القضاء بالاول انتهى. فائدتان: الاولى: اختلف في الميل هل هو ألفا ذراع وشهر، أو ثلاثة ألاف وخمسمائة وصحيح، أو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف، أو ألف باع الجمل، أو مد البصر.


[ 490 ]

أقوال وإلى هذا يرجع إلى ما روي من يوم وليلة أو يوم أو يومين والذراع. قال القرافي: قيل هو ستة وثلاثون أصبعا والاصبع ست شعيرات بطن إحداهما الظهر الاخرى. وكل شعيرة ست شعرات من شعرات البرذون انتهى. الثانية: قال مالك رحمه الله تعالى في الموطأ: بين مكة وعسفان ومكة وجدة ومكة والطائف أربعة برد. قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: هذا هو الصواب. وقول صاحب المطالع إن بين مكة وعسفان ستة وثلاثين ميلا ليس بمقبول. وعسفان - بضم العين وسكون السين المهملتين - قريضة جامعة بها بين مكة والمدينة على مرحلتن من مكة، وسمي عسفان لان السيول عسفته. وقال الشيخ زروق: مسافة القصر أربعة برد وهو حديث عن ابن عباس لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة ترد من مكة إلى عسفان رواه الدارقطني وصحح ابن خزيمة وقفه انتهى. ص: (ولو ببحر) ش: الخلاف المشار إليه بلو هل هو اعتبار الاربعة برد في البحر أو إنما يعتبر الزمان لا القصر إذ لا أعلم خلافا في جواز القصر في البحر ؟ والمعنى أن مسافة القصر في البحر أربعة برد كمسافة القصر في البر ولا فرق بينهما وهذا هو المشهور. وروي عن مالك في المبسوط: يقصر يوما تاما لان الاميال لا تعرف فيه، قال بعضهم: يريد يوما وليلة. فرع: فإن كان السفر في بر وبحر قال في الطراز: فإن راعينا المسافة فيهما يعني أربعة


[ 491 ]

برد فلا كلام، وإن خالفنا فيهما وجب التلفيق. وهل يقصر من حين يخرج من قريته ؟ قال ابن المواز: إذا لم يكن في البر مسافة قصر وكان المركب لا يخرج إلا بالريح فلا يقصر في البر حتى يركب في البحر ويبرز على المرسي، وإن كان يخرج بالريح وغيرها فليقصر من حين يخرج في البر. وقال ابن الماجشون: يقصر ولم يستفصل. ووجه الباجي القولين فقال: وجه قول ابن الماجشون أن من عزم على مسير أربعة برد فحكمه القصر إلا أن يتغير عزمه وهذا ما لم يتغير عزمه فلا يمنعه انتظار الريح كما لا يمنعه ذلك في أثناء سفره. قال: وقول ابن المواز ينبني على أنه لا يجوز القصر حتى يمكنه العز على اتصال المسير. وقال الباجي: إذا ثبت ما ذكرناه من مراعاة المسافة في البر فإن حكم البحر في ذلك حكم البر. فإن كان السفر في بر وبحر فقال ابن الماجشون: إن كان في أقصاه باتصال البر مع البحر مسافة القصر قصر. وقال ابن المواز: وذكر نحو ما تقدم ثم قال: فوجه قول ابن الماجشون أن من عزم على سير أربعة برد فحكمه القصر ولا يخرج عن ذلك إلا بتغير عزمه وهذا متيقن للسفر عازم عليه فلا يمنعه القصر انتظار الريح كما لا يمنعه ذلك في أثناء سفره في البحر. ثم ذكر وجه قول ابن المواز وذكر المصنف في التوضيح القولين، وزاد بعد قول ابن المواز حتى يركب ويبرز عن موضع نزوله عن ابن يونس ما نصه: يريد إذا كان في سفره من ذلك الموضع ما يقصر فيه انتهى. ثم قال في آخر كلامه: وحمل الباجي قول عبد الملك وابن المواز على الخلاف انتهى. واقتصر الشيخ بهرام في شرحه الكبير وفي شامله على قول ابن المواز فأوهم أنه المذهب والظاهر قول ابن عبد الملك، وفي كلام الباجي إيماء إليه والله أعلم. ص: (ذهابا) ش: يعني أن الاربعة برد يشترط أن تكون ذهابا ولا يعتبر معها الرجوع. قال في التوضيح: وهذا معنى قول أهل المذهب يشترط أن يكون السفر وجها واحدا لا يعنون بذلك أن تكون طريقة مستقيمة وإنما يعنون أن تكون الجهة التي يقصدها أربعة رد. وقد قال في المدونة في الذي يدور في القرى وفي دورانه أربعة برد: إنه يقصر. ابن القاسم: وكذلك السعاة انتهى. قال أبوعمران: المراد هنا بالسعاة سعاة الماشية وقيل المساكين. قال اللخمي في مسألة الدوران. ولا يحتسب من ذلك ما في معنى الرجوع، فإن خرج يمينا ثم رجع أماما ثم شمالا ثم انعطف راجعا حتى يدخل البلد الذي خرج منه فإنه يحتسب بما كان يمينا وشمالا وإماما ما لم يستدبر فيصير وجهه في تصرفه ذلك الذي يدور فيه إلى البلد الذي خرج منه فإنه كالراجع، فلا يحتسب ذلك مع ما تقدم إذا كانت نيته الرجوع


[ 492 ]

إلى البلد الذي خرج منه. قال ابن ناجي: وقيل أكثر الشيوخ تقييده بذلك، وجعله سند خلافا انتهى. والذي رأيته في كلام سند في الطراز أنه تقييد فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (قصدت دفعة) ش: احترز مما لو خرج إلى سفر طويل إلا أنه نوى أن يسير ما لا تقصر فيه الصلاة ثم يقيم أربعة أيام ثم يسير ما بقي من المسافة فلا شك في إتمامه في مقامه. وهل يقصر في سيره ويلفق بعضه إلى بعض ؟ قولان: القول بالاتمام لابن القاسم في العتبية وابن المواز وقال ابن الحاجب إنه الاصح ولذلك اقتصر عليه المصنف، والقول بالقصر لابن الماجشون وسحنون. ص: (إن عدى البلدي البساتين المسكونة) ش: أي التي لا ينقطع عنها أهلها. قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب ويشترط في الشروع مجاوزة بناء خارج البلد وبساتينه التي في حكمه بناء خارج البلد هي الارباض وبساتينه التي في حكمه من البساتين التي لا تنقطع عمارتها انتهى. وليس المراد أن يكون أهلها ملازمين للسكنى بها. وقد قال سند في تعليل اعتبار البساتين: لان عمارتها متصلة بعمارة القرية فهي من توابعها وقد يسكن فيها أهلها. وقد


[ 493 ]

قالوا لو كان في طرف البلد مساكن خربت وخلت من السكان إلا أن أبنيتها قائمة لم يقصر حتى يجاوزها، فبأن يعتبر ذلك في البساتين المسكونة القائمة البنيان والعمارة المتصلة أولى انتهى. وفهم من كلامه أن البساتين إنما تعتبر إذا كانت متصلة بالقرية وبذلك صدر أول المسألة فقال: وإذا كانت بساتين القرية متصلة بها لم يقصر حتى يفارقها، ويدل أيضا على اعتبار الاتصال ما ذكره بعد ذلك ونصه، لو كانت قريتان يتصل بناء إحداهما بالاخرى فهما في حكم القرية، وإن كان بينهما فضاء فلكل واحدة حكم الاستقلال انتهى. وانظر كلام الابي وابن بشير ففيه زيادة. فائدة: قال ابن بشير: إن سافر من مصر لا بناء حوله ولا بساتين قصر بمفارقته لسوره. قيل: حتى يجاوز البلد بثلاثة أميال. وإن كان حول المصر بنا آت معمورة وبساتين، فإن اتصلت به وكانت في حكمه فلا يقصر حتى يجاوزها، وإن لم تتصل به وكانت قائمة بأنفسه قصر وإن لم يجاوزها. وإن سافر من قرية لا تقام فيها الجمعة ولا بنا آت متصلة بها ولا بساتين قصر إذا فارق بيوت البلد بلا خلاف، وإن كانت متصلة بها بنا آت وبساتين فكما قلناه في المصر. وإن كان السفر من بيوت العمود فإذا فارق الحلل التي سافر عنها قصر بلا خلاف في المذهب انتهى. وقال الابي: كان الشيخ يعني ابن عرفة يعتبر البساتين التي في حكم المصر كالبساتين التي يرتفق ساكنها بمرافق المصر من أخذ نار وطبخ وخبز وما يحتاج إلى شرائه في الحال ويمثل ذلك برأس الطابية وما قاربها انتهى. فروع: الاول: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة فلو قصر قبل مجاوزة البيوت على المشهور، وقيل يعيد في الوقت أو مطلقا أو لا إعادة عليه، انظر ذلك فإني لم أقف عليه انتهى. الثاني: قال في كتاب الجج الاول من المدونة فيمن ودع وخرج من مكة إلى ذي طوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجع للوداع ويتم الصلاة بذي طوى ما داموا فيها لانها من مكة انتهى. ونحوه في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ونصه: وسئل عن القوم يبرزون من مكة إلى ذي طوى يريدون المسير، أيقصرون ؟ قال: لا أرى ذلك ولكن أرى لهم أن يتموا. ابن رشد: مثل هذا في كتاب الحج الثالث من المدونة وزاد: لان طوى عندي من مكة فذكر العلة في ذلك انتهى. وعزا ابن عرفة هذه المسألة للحج الثالث من المدونة كما فعل ابن راشد وإنما هي في الحج الاول كما تقدم. وقوله إنه يتم بذي طوى يظهر أنه مخالف لقولهم يقصر إذا جاوز البلد وبيوته وبساتينه لان ذا طوى منفصل عن بيوت مكة بمسافة كثيرة. ويمكن أن قال: إنما حكم بالاتمام لمن كان بذي طوى لان الشارع جعل من كان مقيما بها من حاضري المسجد الحرام ولذلك جعلها بمنزلة مكة وكأنهما يمنزلة البلد الواحد انتهى.


[ 494 ]

الثالث: من سافر في البحر ففيه روايتان: إحداهما يقصر بمجاوزة بيوت القرية وتخليفها، والثانية إذا توارى عن البيوت. ذكرهما ابن عرفة. وقال في النوادر: قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة فيمن سافر في البحر قال: إذا جاوز البيوت ودفع فليقصر. قال ابن حبيب قال أصبغ: وإذا أقلعوا فجروا نحو ثلاثة أميال ثم حبسوا لمن وراءهم فإن حبسهم الريح قصروا وإن حبسوا الغير ذلك أتموا. قال: ومن كتاب ابن سحنون: ومن سافر في البحر من وطنه إلى ما يقصر فيه الصلاة ثم أحرم بالصلاة فردته الريح إلى بيوت قريته بعد أن صلى بعض الصلاة قال: تبطل كما لو نوى فيها الاقامة. وقال محمد بن عبد الحكم فيمن صلى في الحضر ركعة بسجدتيها ثم مشت به يعني السفينة حتى خرج عن القرية حيث تقصر الصلاة قال: يمضي على صلاته صلاة حضر لانه دخل فيها على ما يجوز انتهى. وقال اللخمي قال في مختصر ما ليس في المختصر في مسافر البحر: يقصر إذا توارى عن البيوت. قال أيضا: إذا خلفها وهو قول محمد انتهى. واقتصر صاحب الطراز على ما في المجموعة، وتقدم نقل ابن عرفة للقولين اللذين ذكرهما اللخمي فعلم من هذا أنهم لا يقصرون حتى يدفعوا من المرسى وأنهم ما داموا مقيميين في المرسى فإنهم يتمون. وهذا ظاهر كلام ابن المواز المتقدم في شرح كلام المصنف ولو ببحر صريح في ذلك فتأمله. الرابع: قال في الطراز: فلو بان المسافر عن أهله ثم نوى الرجعة بعد ما برز عنها ثم بداله فنوى السفر لم يم قصر حتى يظعن عن موضعه. قاله في الموازية وهو بين، لانه أنشأ السفر الآن من حيث هو. وقاله أيضا فيمن خرج مع المسافرين ليشيعهم فقدموه ليصلي بهم فينوي السفر قبل أن يحرم أنه يصلي صلاة مقيم انتهى. ص: (وتؤولت أيضا على مجاوزة ثلاثة أميال بقرية الجمعة) ش: هذا قول ثان مقابل للاول وتؤولت المدونة على كل منهما كما أشار إليه بقوله أيضا لكن الاول هو المشهور. والثلاثة الاميال هنا معتبرة من سور القرية كما تقدم في كلام ابن بشير.


[ 495 ]

تنبيهات: الاول: ذكر ابن ناجي أنه استشكل حكمهم في المشهور بأن من جاوز بيوت القرية يقصر مع قلهم إن من كان على ثلاثة أميال يلزمه الاتيان للجمعة. وذكر أن بعض أصحابه أجاب بأن ما دون الثلاثة أميال هنا مضاف لما بعد ذلك فناسب اعتبارها، وما كان هناك مستقل فناسب إلغاؤه. قلت: يشكل على هذا الجواب أنه إذا أدرك المسافر النداء قبله فإنه يلزمه الرجوع فتأمله والله أعلم. الثاني: قال ابن ناجي: إذا فرعنا على غير المشهور، فهل الثلاثة أميال محسوبة من مسافة القصر كما هو ظاهر كلامهم أو لا ؟ وسألت عنها شيخنا أبا مهدي فقال: لا أدري. واختار شيخنا وغيره أنها تحسب. والصواب عندي عكسه والله تعالى أعلم انتهى. ويعني شيخه البرزلي. قلت: والصواب ما اختاره البرزلي وغيره وهو الذي يظهر من كلامهم. الثالث: تقييد المصنف هذا القول بقرية الجمعة قيد ابن بشير. ونقل سند عن القاضي عبد الوهاب اعتبار ثلاثة أميال مطلقا، سواء كان قرية جمعة أم لا ؟ وقال ابن عرفة: ونقل سند رواية ثلاثة أميال في غير ذات الجمعة لاأعرفه إلا الاطلاق الجلاب انتهى. قلت: ظاهر كلامه أن سندا هو النافل هذا القول فقط وليس كذلك بل عزاه للمعونة كالمستغرب له والله أعلم. ص: (والعمودي حلته) ش: والبدوي لا يقصر حتى يفارق جميع بيوت الحي ويبرز عنها ولو كانت البيوت متفرقة، فإن كانت متقاربة بحيث يجمعهم اسم الحي والدار لم يقصر حتى يجاوز الجميع، ويكون ذلك في حكم القضاء والرحاب تكون بين بنيان البلد، وإن كانت بحيث لا يجمعها اسم الحي واسم الدار جاز أي جاز القصر أي إذا فارق بيوت حلته. انتهى ونحوه في ابن فرحون ص: (وانفصل غيرهما) ش: قال في التوضيح: كالساكنين في الجبال والاخصاص نحو رابغ بطريق مكة وشبهه وكذلك الدور المفردة انتهى. فرع: وفي الطراز: لو كان منزلهم في عرض واد أي بطنه، فإن جعلوا جانب الوادي لهم بمنزلة السور على البلد اعتبر البروز عن عرضه ولا يلزم البروز عن طوله وقد يطول الوادي


[ 496 ]

جدا، وإن كان عرضه متسعا ونزلوا في بعضه روعي مفارقة البيوت والبروز عنها لا مفارقة الوادي انتهى. وهذا يدل على أنه إنما حكم بالاتمام بذي طوى لانها مع مكة كالبلد الواحد والله أعلم. فرع: قال في الطراز: ولو كان في وسط البلد نهر جار مثل بغداد مجاوز من جانب إلى جانب لم يقصر حتى يجاوز الجانب الآخر، لان ذلك من البلد كالرحبة الواسعة والله تعالى أعلم. ص: (قصر رباعية) ش: فيصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة كما صرح بذلك في التوضيح في الكلام على فرائض الصلاة، ونص عليه البساطي وابن الفرات في شرح قول المصنف وسننها سورة بعد الفاتحة في الاول والثانية. وقال ابن عسكر في العمدة: وسننها قراءة سورة بعد الفاتحة إلا في أخيرتي الرباعية وثالثة المغرب ونحوه في الارشاد. فرع: ويجهر في الركعتين معا في العشاء، وقد صرح به في المعونة هنا وصرح به غير واحد وهو ظاهر والله أعلم. ص: (أو فائتة فيه) ش: أي في السفر وسواء قضاها في السفر أو في الحضر. قاله في المدونة. قال ابن ناجي: وقول أبي إبراهيم وقيل ينظر إلى وقت الذكر لا أعرفه، فلو صلى صلاة السفر أربعا أربعا فقال اللخمي: يجزئه لانها صلاة منسية فبالفراغ منها خرج وقتها. ص: (وإن نويتا بأهله) ش: هذا مذهب مالك والشافعي وجماعة وقال ابن حنبل: لا يقصر واحتج بأنه مقيم في مسكنه وماله فأشبه ما إذا كان في بيته، ولعامة الفقهاء قوله عليه السلام إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه فرضت الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين. والفرض يكون بمعنى التقدير وهو عام. وروى ابن وهب عن سالم بن


[ 497 ]

عبد الله بن عمر أن رجلا سأله فقال: إن أحدنا يخرج في السفينة يجعل فيها أهله ومتاعه وداجنه ودجاجه، أيتم الصلاة ؟ قال: إذا خرج فليقصر الصلاة، وإن خرج بذلك وكون أهله معه ومتاعه لا يمنعه من الترخص بالسفر كالجمال قاله في الطراز. وقال ابن ناجي: وأقام شيخنا منها أن العرب إذا سافروا بأهلهم وأولادهم السفر الطويل المعزوم إنهم يقصرون، وأفتى به غير مرة لا يحتاج إلى بنية. ص: (إلى محل البدء) ش: نحوه في ابن الحاجب. وقال في التوضيح: إنه مخالف لظاهر الرسالة والمدونة. وقال ابن عرفة: وفي رجوعه فيها يعني المدونة قصر ولو على ميل منها حتى يدخلها أو قربها. وسمع ابن القاسم كذلك من أقام على ميل حتى الليل لكثرة دخولها نهارا. الشيخ: سمع أشهب من قرب بميل ونحوه أتم ولم أجده في العتبية. القاضي: ورواية الاخوين مبدؤه منتهاه. الشيخ: في المجموعة حتى يدخل أهله. الباجي عن المجموعة: وروي حتى يدخل منزلة انتهى. والظاهر أن المراد بقولهم إلى محل البدء، أن المسافر يقصر فإذا وصل إلى البلد التي هي منتهى سفره أتم في الموضع الذي لو سافر منها كان محلا لابتداء القصر، وهو الذي يفهم من كلام ابن بشير قال: وأما منتهى السفر فهو العودة منه ففي كل موضع يجوز له القصر بمفارقته يجوز له القصر إذا كان بينه وبين المصر ثلاثة أميال على الخلاف الذي قدمناه انتهى والله تعالى أعلم. فرع: قال في النوادر من المجموعة قال عبد الملك وسحنون: ومن خرج إلى الحج من أهل الخصوص ثم قدم فألفي أهله قد انتقلوا فليتم من موضع تركهم به إلى موضع ساروا إليه إلا أن يكون بينهما أربعة برد انتهى. ص: (إلا كمكي في خروجه لعرفة ورجوعه) ش: يعني أن المكي ومن كان في حكمه من المقيمين في مكة يقصرون في خروجهم لعرفة ورجوعهم للسنة وإن لم يكن في ذلك مسافة القصر. وقوله في خروجه لعرفة ظاهره ولو أدركته الصلاة قبل أن يصلي لمنى. وحكى سند في آخر كتاب الصلاة الثاني أن مالكا وقف في ذلك. قال سند: والاحسن أن يقصر لانه قد أعطى سفره حكم القصر فهو باق عليه حتى يحضر، وأما إذا وصل إلى منى فإنه يقصر بلا خلاف في المذهب، وكذا في ذهابه إلى عرفة وفي عرفة وفي رجوعه للمزدلفة وفي المزدلفة وفي رجوعه لمنى وفي مدة إقامته بمنى إلا أهل كل محل فإنهم لا يقصرون في محلهم، فلا يقصر العرفي في عرفة، والمزدلفي في المزدلفة، والمنوي في منى، فإذا رموا في اليوم الرابع وتوجهوا إلى المحصب فنزلوا به وأقاموا بمنى ليخف الناس أو أدركتهم الصلاة في الطريق ففي قصرهم وإتمامهم قولان. رجع مالك إلى القصر وإليه رجع اختيار ابن


[ 498 ]

القاسم، وقال البرزلي في مسائل الصلاة: لم يختلف قول مالك في تقصيره في جميع مواطن الحج إلا في رجوعه إلى مكة في منى بعد انقضاء حجه ونوى الاقامة بمكة أو كان من أهلها. واختلف فيها قوله واختلف فيها اختيار ابن القاسم في المدونة انتهى. وظاهر قول المصنف ورجوعه أنه مشى عليه أعني القول المرجوع إليه. هذا كله في حق من لم يثبت له حكم السفر، أما من قدم قبل الخروج إلى الحج بأقل من أربعة أيام وعزمه أن لا يقيم بعده أربعا، فهذا حكمه حكم المسافر في كل موضع حل به، فإن أقام قبل الحج أربعا أو كان من أهل مكة وعزم على الحج والسفر بعده من غير إقامة أربعة أيام: فإن لم يرد إقامة بمكة أصلا فله حكم السفر كالاول، وإن نوى إقامة يوم أو يومين بمكة فذكر سند عن نافع عن مالك أنه يتم، والظاهر أنه لا يتخرج فيه القولان من المسألة الآتية في قول المصنف إلا متوطن كمكة. وإن قدم قبل الحج لاقل من أربعة أيام ولكن نيته أن يقيم بعد الحج أربعا فأكثر ففيه خلاف، اختار اللخمي أن له حكم السفر حتى يرجع. وقد أشبعت الكلام على هذه المسألة وذكرت نصوص أهل المذهب فيها في حاشية المناسك، وسيأتي في باب الحج عند قول المصنف وجمع وقصر إلا لاهلها مزيد كلام في ذلك والله تعالى أعلم. ص: (ولو لشئ نسيه) ش: مقابل المشهور لابن الماجشون قال: يقصر من رجع إلى شئ نسيه والخلاف ما لم يدخل وطنه الذي خرج منه فإن دخله فلا شك أنه يتم على القولين. قاله ابن عبد السلام، ونقله في التوضيح. ولو لم يكن المكان الذي خرج منه وطنا له وإنما أقام به، فالخلاف جار في إتمامه وقصره، ولو دخله كما صرح به اللخمي وكما سيأتي في قول المصنف وقطعه دخول بلده والكلام فيمن رجع لشئ نسيه في البلد الذي كان مقيما به، ولو رجع لشئ نسيه في غيره قصر في رجوعه على المشهور أيضا. قاله ابن عبد السلام. ص: (ولا عادل عن قصير بلا عذر) ش: أي عن طريق قصير لا يبلغ مسافة القصر. وانظر لو كان كل من الطرفين يبلغ مسافة القصر ولكن أحدهما أطول وسلك الطولي من غير عذر، هل يقصر في المدة التي تزيد بها الطويلة أم لا ؟ وتعليلهم


[ 499 ]

بأن ذلك مبني على أن اللاهي بسفره لا يقصر يقتضي عدم التقصير. ص: (ولا منفصل ينتظر رفقة) ش: معناه أنه إذا خرج من مبدأ سفره إلى أميال يسيرة ونيته أن لا يقيم أربعة أيام ولو كان عازما على السفر، وشك هل يلحقونه قبل أربعة أيام أم لا ؟ أتم. قاله اللخمي. فرع: قال المشذالي في حاشية المدونة: انظر ما الجاري على مذهبنا فيما قاله في الروضة إذا سافر العبد بسفر سيده والمرأة بسفر زوجها والجند بسفر الامير، ولا يعلمون قصدهم لم يترخص واحد منهم، فإن علموا قصدهم ونووا القصر قصروا، وهذا صواب لقولنا شرطه العزم من أوله انتهى. وفي الموطأ سئل مالك عن صلاة الاسير فقال: مثل صلاة المقيم انتهى. هذا في الاسير المقيم. قال في المدونة: ويتم الاسير بدار الحرب إلا أن يسافر به فيقصر. وقال الباجي في شرحه: سفره ومقامه باختيار من يملكه فكانت نيته معتبرة في إتمامه وقصره بما يظهر له من أمره، وكذلك العبد المسلم في بلد المسلمين والله تعالى أعلم انتهى. وفي ابن يونس في العسكر يقيم بهم الامام ولا يدرون كم يقيم، يقصرون حتى يعلموا أنهم يقيم أربعة أيام وينبغي للامام العدل أن يعلمهم انتهى. ص: (وقطعه دخول بلده وإن بريح) ش: قال ابن غازي: الدخول


[ 500 ]

في هذه بالرجوع، وبلده الموضع الذي تقدمت له فيه إقامة فهو أعم من وطنه بدليل الاستثناء، والدخول في التي بعدها المرور ووطنه أخص من بلده والريح في هذه ألجأته لدخول الرجوع وفي التي بعد ألجأته لدخول لمرور انتهى. قلت: تفسيره الدخول في الاولى بالرجوع ظاهر إذ المراد به من حين الاخذ في الرجوع، لكنه أجمل فيه إذا لم يبين مبدأ الرجوع، ومراد المصنف رحمه الله تعالى أنه إذا رجع من دون مسافة القصر فإن رجوعه يقطع حكم السفر ويتم الصلاة حينئذ في رجوعه وبعد وصوله البلد الذي خرج منه على المشهور كما تقدم في قوله ولا راجع لدونها ولو بشئ نسيه. وإنما كررها المصنف لينبه على مسألة الريح التي استثناها، وأما مسألة الريح فنص عليها اللخمي قال: اختلف فيمن خرج مسافرا في البحر فسار أميالا ثم ردته الريح فقال مالك: يتم الصلاة - يريد في رجوعه - وفي البلد الذي أقلع منه وإن لم يكن له وطنا إذا كان يتم الصلاة فيه لانه لم يصح رفضه، وقال سحنون: يقصر إذا لم يكن له مسكنا يريد ما لم يكن رجوعه باختياره فكان كالمكره انتهى. وتفسير ابن غازي البلد والوطن ظاهر أيضا إلا أن كلامه يوهم أن الوطن في المسألة التي استثناها أعني قوله إلا متوطن كمكة بمعنى الوطن في قوله وقطعه دخول وطنه وليس كذلك فإن التوطن في المسألة المستثناة المراد به طول الاقامة، والوطن في الثانية هو


[ 501 ]

المحل الذي يسكنه الشخص بنية عدم الانتقال كما ذكره في التوضيح في كتاب الحج وأشار بقوله إلا متوطن كمكة إلى أن من سافر مسافة القصر ثم رجع ليقضي حاجته أوردته الريح وهو عازم على السفر فإنه يقصر في رجوعه بلا خلاف، وفي البلد الذي رجع إليه إن لم يكن وطنه ولم ينو إقامة أربعة أيام فيه على القول الذي رجع إليه مالك. قال في المدونة: ومن دخل مكة فأقام بها بضعة عشر يوما فأوطنها ثم أراد أن يخرج إلى الجحفة ليعتمر ثم يعود إلى مكة ويقيم بها اليوم واليومين ثم يخرج منها فقال مالك: يتم في يوميه. ثم قال: يقصر. قال ابن القاسم: وهو أحب إلي قال ابن يونس: وجه الاتمام أنه لما أوطنها وأتم الصلاة بها صار لها حكم الوطن فكأنه رجع إلى وطنه، ووجه قوله يقصر أنها ليست وطنه في الحقيقة وإنما أتم بنية الفعل لما نوى الاقامة، وأما وطنه فلا يحتاج إذا رجع إليه إلى نية الاقامة، فما كان لا يتم فيه إلا بنية أضعف مما يتم فيه بغير نية وقد سافر من ذلك الموضع سفر قصر فإذا رجع إليه فهو على نية سفره حتى ينوي إقامة أربعة أيام أيضا. ولو كان اعتماره من الجعرانة أو التنعيم أو ما لا يقصر فيه الصلاة ثم رجع إلى مكة ونوى أن يقيم بها اليوم واليومين لاتم في ذلك بلا خلاف من قوله لانه على نيته الاولى في الاتمام فلا يزيلها إلا خروجه إلى سفر القصر. انتهى ونحوه للخمي. فعلم منه أن الموجب للقصر في المسألة المستثناة كونه رجع بعد أن سافر مسافة القصر، والموجب لعدمه في المستثنى منه كونه لم يسافر مسافة القصر وإلا لم يكن فرق بين ما حكم به أولا في قوله وقطعة دخول بلده وبين ما استثناه لكن ليس في كلام المصنف ما يدل على ذلك والاستثناء منقطع. ولما لم يكن الحكم خاصا بمن خرج من مكة أتى بالكاف في قوله كمكة. وأشار بقوله متوطن إلى أنها لم تكن وطنه وإنما أقام بها أياما، فالمراد بالوطن في كلامه وكلام المدونة طول الاقامة. ومهد ابن الحاجب لذلك بقوله: فإن تقدم استيطان فرجع إليه من الطويل غير ناو إقامة كمن أقام بمكة إلى آخر المسألة. ومسألة المدونة مفروضة فيمن خرج ونيته العود فأحرى من سافر ولم تكن نيته العود ثم عاد بعد مسافة القصر لامر عرض له أو ردته الريح. وقد ذكر ابن يونس أنم من ردته الريح يجري على اختلاف قولي مالك في المسألة المتقدمة. والحاصل أن من رجع من دون مسافة القصر أتم الصلاة على المشهور ولو كان باقيا على نية السفر بأن يكون إنما رجع لحاجة أو ردته الريح، ومقابل المشهور أنه يقصر إذا كانت نيته باقية على السفر في رجوعه وفي البلد الذي خرج منه إذا لم يكن وطنه، وإن من رجع بعد أن سافر مسافة القصر يقصر على القول الراجح الذي رجع إليه مالك، وعلى القول المرجوع عنه يتم ويقصر هنا على مقابل المشهور في المسألة الاولى من باب أولى والله أعلم. وأما قول ابن غازي إن المراد بالدخول في الثانية المرور فغير ظاهر، لانه يقتضي أن مطلق المرور بالوطن يقطع حكم السفر ولو حاذاه ولم يدخله وليس كذلك كما اعترض بذلك في التوضيح على ابن الحاجب


[ 502 ]

وقال: إنما يمنع المرور بشرط دخوله أو نية دخوله لا إن اجتاز، فالاحسن أن يقال: مراده بالدخول في الثانية حقيقة الدخول والله أعلم. تنبيه: تقدم في كلام اللخمي ما يقتضي أن من يرجع مكرها يقصر وقد صرح بذلك فقال: ولورده غاصب لكان على القصر في رجوعه وإقامته إلا إن نوى إقامة أربعة أيام انتهى. قال في التوضيح: وانظر ما الفرق بين الغاصب والريح ونحوه لابن فرحون، وفي كلام اللخمي إشارة إلى الفرق بينهما وهو أن من سافر بالريح شاك من أول سفره هل يتم أم لا ؟ فكان قريبا ممن ينتظر صاحبا لا يسير إلا بسيره فتأمله والله أعلم. ص: (أو مكان زوجة دخل بها فقط) ش: عطفه مكان الزوجة على الوطن يقتضي أنه غير داخل في مسمى الوطن إنما هو ملحق به وهو الظاهر، لان الوطن هو محل السكنى كما تقدم. ويفهم ذلك من كلام ابن عبد السلام فإنه ذكر عن الفقهاء أنهم يقولون ينزل منزلة الوطن موضع الزوجة المدخول بها والسرية، يريدون وإن لم يكثر سكناه عندهما انتهى. فلا اعتراض على المصنف وإن كان ابن الحاجب وابن عرفة أدخلا مكان الزوجة في مسمى الوطن، فالتحقيق ما قاله المصنف والله تعالى أعلم. وقول المصنف فقط احترز به مما لو كان له بقرية ولد أو مال فإنها لا تكون وطنا. ولا ينبغي أن يخرج به مكان السرية فإن لم أر من أخرجه إلا الشارح في الاوسط، بل نص ابن الحاجب وابن عرفة على إلحاقها بالزوجة. قال ابن الحاجب: والوطن هنا ما فيه زوجة مدخول بها أو سرية بخلاف ولده وخدمه إلا أن يستوطنه. وقال ابن عرفة: الوطن مسكنه أو ما به سرية سكن إليها أو زوجة بنى بها لا ماله وولده. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: لما تكلم على الزوجة يريد أو سرية نص عليه جبن حبيب وقبوله. وقال ابن يونس: قال ابن حبيب: وإن كان له بها أم ولد أو سرية يسكن إليها أتم ولم يحك خلافه فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (ونية دخوله) ش: هو معطوف على فاعل قطعه فيقتضي أن نية دخول الوطن إذا لم يكن بينه وبينه مسافة


[ 503 ]

القصر تقطع حكم السفر وليس كذلك، وإلا لزم أن المسافر إذا قرب من وطنه بحيث لم يبق بينه وبينه مسافة القصر أن يتم الصلاة. وحق العبارة أن يقال: ومنعه نية دخوله لان معنى المسألة أن من سافر سفر القصر فيه الصلاة وكان طريقه على وطنه ونوى أن يمر بوطنه فإنه ينتظر، إن كان بينه وبين وطنه مسافة تقصر فيها الصلاة فإنه يقصر وإلا فلا. فإذا وصل إلى وطنه وسافر منه اعتبر ما بينه وبين منتهى سفره، فإن كان أربعة برد قصر وإلا فلا ففي ذلك أربع صور يقصر قبله وبعده إن كان قبله مسافة القصر وبعده دونها وعكسه وذلك واضح والله أعلم. ص: (ونية إقامة أربعة أيام صحاح) ش: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ويقطعه نية إقامة أربعة أيام. ابن الماجشون وسحنون: عشرون صلاة. واعلم أن الاربعة الايام تستلزم عشرين صلاة بخلاف العكس، فلو دخل قبل العصر ولم يكن صلى الظهر ونوى أن يصلي الصبح في اليوم الرابع ثم يخرج فقد نوى عشرين صلاة وليس معه إلا ثلاثة أيامم. ثم قال ابن الحاجب: وعلى الايام فلا يعتد بيوم الدخول إلا أن يدخل أوله. وقال في التوضيح:


[ 504 ]

يريد قبل الفجر انتهى. وقال في الارشاد: فإن أجمع إقامة أربعة أيام أتم. قال الشيخ زروق: وما ذكره من الاربعة الايام هو مذهب ابن القاسم، فيلغي الداخل والخارج. وقال سحنون وعبد الملك: عشرين صلاة فيلفق يوم دخوله ليوم خروجه انتهى. وقد علم من هذا أنه لا يعتد باليوم الذي دخل فيه إلا أن يكون دخوله قبل الفجر، وأما اليوم الذي يخرج فيه فإن كان نيته الخروج قبل غروب الشمس فلا إشكال في عدم الاعتداد بذلك، فكما تقدم في كلام الشيخ زروق وذكره في الذخيرة. وأما إن كان نيته الخروج بعد الغروب وقبل صلاة العشاء فالظاهر أنه لا يعتد به أيضا لقول المصنف في التوضيح إن الاربعة أيام تستلزم عشرين صلاة، وقد تبعه على ذلك ابن فرحون وهو لم يحصل له في هذه الحالة إلا تسعة عشر صلاة. وأيضا فقد صرح ابن الجلاب والقاضي في تلقينه ومعونته وابن جزي والوقار والقاضي عياض في الاكمال والقرطبي في شرح مسلم، بأن الاقامة القطعة لحكم القصر إقامة أربعة أيام يلياليها. وانظر مختصر والواضحة فإنه أوضح من الذي تقدم فإنه قال: لا بد من إقامة أربعة أيام وأربع ليال، فإن أقام ثلاث ليال وأربعة أيام لم يتم، وإن أقام أربع ليال وثلاثة أيام لم يتم فتأمله والله أعلم. إذا علم ذلك فإن دخل قبل الفجر يوم الدخول فالاقامة القاطعة لحكم السفر في حقه نيته صلاة العشاء من الليلة التي تلي اليوم الرابع ليكمل له بذلك عشرون صلاة.، وليس المراد أن يقيم لطلوع الفجر فتأمله والله أعلم. فرع: إذا عزم بعد نية إقامة أربعة أيام على السفر فقال سحنون: لا يقصر حتى يظعن كالابتداء. وقال ابن حبيب: يقصر دفعا للنية بالنية، نقله في التوضيح وابن عرفة وصاحب الطراز وابن ناجي في شرح المدونة فزاد فرع: قال ابن فقال: والذي أقول به هو الاول والذي شاهدت شيخنا يفتي به ناجي: ولو نوى المسافر أن يقيم بموضع قبل أن يصل إليه ثم رجع بنية قبل أن يصل إليه فإنه يقصر. قاله في المقدمات انتهى. ص: (وإن تأخر سفره) ش: نحوه لابن الحاجب واعترضه ابن عرفة فقال: ورواية اللخمي من قدم بلد البيع يتجر شاكا في قدر


[ 505 ]

مقامه أتم، لان رجوعه ابتداء سفر إلا أن يعلم رجوعه قبل الاربعة، خلاف قول ابن الحاجب أن لم ينو أربعة قصر في غير وطنه أبدا ولو منتهى سفره انتهى. ونحو هذا الاعتراض لابن ناجي ونصه ظاهر الكتاب: إنه إذا لم ينو أربعة أيام إنه يقصر وإن وصل منتهى سفره. وهو نص ابن الحاجب وبه أقول، وشاهدت شيخنا حفظه الله يفتي به غير ما مرة وهو خلاف نقل اللخمي عن مالك في المبسوط فيمن قدم لبلد لبيع تجر شاكا في قدر مقامه فإنه يتم لان رجوعه ابتداء سفر إلا أن يكون حاجتهم عند من يعلم أنه سيفرغ في يومين أو ثلاثة فيقصر " انتهى. وذكر صاحب الطراز نحو كلام ابن الحاجب فقال: لو نوى المسافر إقامة غير محدودة لينجز حاجته وفي اعتقاده أنها تنجز قبل الاربعة فهذا يقصر مدة مقامه. وإن زادت على أربعة أيام. ويفكن أن يقال: كلام صاحب الطراز وابن الحاجب والمصنف فيمن كان الغالب على ظنه إنجاز حاجته قبل الاربعة، وكلام اللخمي في الشاك والمتوهم فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وكره كعكسه وتأكد


[ 506 ]

وتبعه ولم يعد) ش: قال في المنتقي في صلاة المسافر: إذا كان إماما أو من وراء إمام وإنما يتم المسافر بإتمام إمامه إذا أدرك من صلاته ركعة فأكثر، وإن لم يدرك معه ركعة ودخل معه في الجلوس أو سجود من آخر ركعة لم يتم صلاته وكان عليه قصرها انتهى. وقاله في المدونة في سماع أصبغ من كتاب الصلاة. تنبيه: قال في رسم القبلة في أوائل سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة الاول: سمعت مالكا قال: لا ينبغي لقوم سفر أن يقدموا يتم بهم الصلاة ولكن يتم الصلاة، فإن صلى بهم فصلاته جائزة لكن إن قدموه لسنة أو لفضله أو لانه صاحب المنزل فيأتموا بصلاته صلاة المقيم. قال ابن رشد: هذا نحو ما يأتي في رسم شك في طوافه، وفي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب ومذهب مالك رحمه الله تعالى وجميع أصحابه الذي تأتي عليه مسائلهم ومسائله إن قصر الصلاة في السفر سنة من السنن التي الاخذ بها فضيلة وتركها إلى غيره خطيئة، فلذلك قال: إنه لا ينبغي لهم أن يقدموا مقيما يتم بهم الصلاة لان فضيلة السنة في القصر أكثر من فضيلة الجماعة، واستحب، أن يقدموا ذا السن والفضل لما في الصلاة خلفه من الرغيبة، أو صاحب المنزل لما في ترك ائتمامهم به من بخس حقه إذ هو أحق بالامامة في منزله بهم وبالله التوفيق انتهى. ص: (وإن أتم مسافر نوى تماما أعاد بوقت) ش: كذا في بعض النسخ وبه يصح الكلام، فإن حضر في الوقت أعادها أربعا كمن صلى في السفر بثوب نجس ثم حضر في الوقت قاله في المدونة. ص: (وإن سهوا سجد) ش: أي وإن نوى الاتمام سهوا


[ 507 ]

أي سها عن كونه مسافرا أو سها عن التقصير سجد بعد السلام قاله في التوضيح. ص: (والاصح إعادته كمأمومه بوقت) ش: قالوا: سواء كان المأموم حضريا أو سفريا. قلت: وهذا إذا نوى المسافر لاتمام كما نوى الامام ظاهر، وأما إذا أحرم على ركعتين ظانا أن إمامه أحرم كذلك فتبين أن الامام نوى الاتمام، فالظاهر أن صلاته باطلة ويعيد أبدا القول المصنف بعد وإن ظنهم سفرا فظهر خلافه أعاد أبدا إن كان مسافرا لان الظاهر أن المراد أنه ظن أن الامام نوى القصر فتبين أنه نوى الاتمام، وعللوا ذلك بمخالفة نيته لنية الامام ولا التفات إلى كون الامام في ذاته حضريا أو سفريا، وفي المقدمات ما يقتضي ذلك والله أعلم. ص: (كان قصر عمدا) ش: قال ابن فرحون: يقال قصر وقصر بالتخفيف والتشديد. ص: (وكان أتم و مأمومه بعد نية قصر عمدا) ش: ظاهر كلامه أنه إذا أتم عمدا بطلت صلاته وصلاة مأمومية، اتبعوه أم لا، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب. ص: (وسبح مأمومه ولا يتبعه) ش: ظاهر كلامه أن هذا في السهو


[ 508 ]

والجهل، وانظر بماذا يعلمون أنه قام عمدا أو سهوا، وانظر لو تبعوه في هذه الصورة، والظاهر أنها كمسألة قيام الامام الخامسة سهوا والله تعالى أعلم. ص: (إن كان مسافرا) ش: وأما لو كان مقيما فلا إعادة كما قاله ابن رشد في أول سماع بن القاسم لموافقة نيته لنية إمامه في نفس الامر، غاية ما في الامر أنه كان يتوهم المخالفة ولم تقع. ص: (كعكسه) ش: أي إذا ظن المسافر أن الجماعة مقيمون ثم تبين أنهم مسافرون فإن صلاته تبطل على ما رواه ابن المواز عن ابن القاسم واختاره، وهو الجاري على أصل مالك في المسألة الاولى لمخالفة نية المأموم والامام، لانه لما ظن أنهم مقيمون فلا بد أن ينوي صلاة مقيم، فإذا تبين أنهم مسافرون فقد خالفت نيته لنية إمامه، قال مالك: صلاته تجزئه. حكى ذلك كله في أوائل سماع ابن القاسم، ونقله في التوضيح. وقول المؤلف إن كان مسافرا قيد في المسألتين ولو أخره عن قوله كعكسه لكان حسنا كما قاله ابن الفرات، ويبقي الكلام على مفهوم الشرط. فأما في المسألة الاولى فقد صرح به ابن رشد كما تقدم، وأما في الثانية أعني قوله كعكسه فصحة صلاة المأموم إذا كان مقيما واضحة، وقد حكى في المقدمات في المسألتين أربعة أقوال: صحة الصلاة فيهما، والاعادة فيهما، والاعادة في الاولى دون الثانية، وعكسه. وعلى الاعادة فهل في الوقت أبدا ؟


[ 509 ]

. فرع: قال ابن رشد في أثناء الكلام على هذه المسألة في أوائل سماع ابن القاسم: ولو دخل المسافر خلف القوم يظنهم مقيمين، فلو صلوا ركعتين سلم إمامهم فلم يدر أكانوا مقيمين أو مسافرين لاتم صلاة مقيم أربعا، ثم أعاد صلاة مسافر لاحتمال أن يكون الامام مسافرا. ولو دخل خلفهم ينوي صلاتهم وهو لا يعلم إن كانوا مقيمين أو مسافرين لاجزأتهم صلاته قولا واحدا انتهى. ص: (وندب تعجيل الاوبة) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويستحب أن يأتي بهدية إن طال سفره بقدر حاله، وأن يبدأ بالمسجد عند دخوله ولا يفتتح به عند خروجه انتهى. وانظر ما معنى قوله ولا يفتتح به عند خروجه. ص: (والدخول ضحى) ش: قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: سئل مالك عن الذي يقدم عشاء على أهله، أترى أن يأتيهم تلك الساعة ؟ فقال: لا بأس بذلك. قال ابن رشد: قد جاء عن النبي (ص) أنه نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا، وكان لا يدخل إلا غدوة أو عشية، فعنى قول مالك لا بأس بذلك أي لا إثم عليه في ذلك ولا حرج وإن كان قد جتى مكروها لانه رأى النهي الوارد نهي إرشاد لا نهي تحريم انتهى. ص: (ورخص له جمع الظهرين) ش: الضمير للمسافر وظاهره سواء كان راكبا أو ماشيا. أما الراكب فلا شك في جمعه، وأما الراجل فقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولابن عات في الطرر: المشهور أن المسافر يجمع على ما في الكتاب إذ أجد به السير، وإن كان راجلا فلا بأس أن يجمع لان السير يوجد


[ 510 ]

منه. وقال بعض الشراح: تردد بعضهم في جمع الراجل وراءه بخلاف الراكب فلا يجمع انتهى. واقتصر المواق على الثاني والاول أظهر والله أعلم. وقول الشيخ زروق ولابن عات في


[ 511 ]

الطرر لعله ولابن عات في الطرر ص: (وهل العشاآن كذلك تأويلان) ش: قال في المدونة: ولم يذكر في المغرب والعشاء الرحلة من المنهل. قال سحنون: هما كالظهر والعصر في ذلك. قال ابن هارون في شرحه على المدونة: وهو تفسير على الخلاف وهو بعيد انتهى. قال ابن الحاجب: ويجمع بالسفر بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا كراهة على المشهور. وفيها: ولم يذكر المغرب والعشاء في الجمع عند الرحيل كالظهر والعصر. وقال سحنون: الحكم مساو فقيل تفسير، وقيل خلاف. قال في التوضيح قال ابن بشير: حمل بعض المتأخرين كلام


[ 512 ]

سحنون على التفسير، وحمله الباجي على الخلاف، والاول أصح للحديث يعني حديث الموطأ أن رسول الله (ص) كان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في سفره إلى تبوك انتهى. وحاصله أن الذي رجحه ابن بشير وابن هارون وغيرهما أن العشاءين كالظهرين في الجمع بينهما والله أعلم. ص: (أو قدم ولم يرتحل) ش: ظاهر كلامه رحمه الله تعالى أن المسافر إذا عزم على الرحيل فجمع جمع تقديم ثم بداله على السير فلم يرتحل وأقام بالمنهل أنه يعيد الصلاة الثانية في وقتها، وهذا بناء منه رحمه الله تعالى ما فهمه في التوضيح من أن الفرعين اللذين نقلهما عن التلمساني فرع واحد وليس كذلك، بل الصواب أنهما فرعان كما نقله صاحب الطراز وصاحب الذخيرة. قال في الطراز: فلو جمعهما في أول الوقت وهو في المنهل ولم يرحل قال علي عن مالك: يعيد الاخيرة ما كان في الوقت، وهذا لان السفر سبب الضرورة ولهذا تعلق به الفطر والقصر فتعلق به الوقت الضروري فلا يعيد من صلى فيه أبدا إلا أن محض الضرورة لما لم يكمل استحبت الاعادة في الوقت. فرع: فلو جمع أول الوقت لشدة السير ثم بداله فأقام بمكانه أو أتاه ترك جد السير قال ابن كنانة في المجموعة: لا إعادة عليه وهو بين قال: لان الصلاة وقعت في حال الضرورة التامة فتعلقت بالوقت الضروري ووقعت موقعها، فزوال الضرورة بعد ذلك لا يؤثر في صحتها ولا يوجب إعادتها كما لو جمع في الحضر للمطر ثم كفت المطر بعد الجمع، وكما لو أمن بعد صلاة الخوف انتهى. فتعليله كل فرع على حدته مما يدل على أنهما فرعان فرع واحد. ونقل القرافي في الذخيرة الفرع الاول بلفظ: فإن جمع في المنهل قال مالك: يعيد الاخيرة ما دام الوقت انتهى. إذا علم ذلك فالفرع الاول منهما هو الفرع الذي أشار إليه المصنف بقوله أو ارتحل قبل الزوال ونزل عنده فجمع أعاد الثانية لان المعنى أنه نزل عند الزوال فجمع حينئذ ولم تكن نيته الرحيل. وهذا معنى قول صاحب الطراز التلمساني جمع بين الصلاتين في أول الوقت وهو في المنهل وهو لم يرحل أي لم يرد رحيلا. ومعنى قوله في الذخيرة جمع في المنهل. ومما يدل على ذلك أن المصنف في التوضيح ذكر عن ابن الباجي أنه نقل هذا الفرع أعني من ارتحل قبل الزوال ونزل عنده عن علي عن مالك كما ذكره صاحب الطراز والتلمساني. وأيضا فقد قال المازري: لما علل تقديم العصر إلى الظهر إذا كان عزمه الرحيل ما نصه: وإذا كانت الاباحة عند الزوال لعذر الرحيل فلو زال العذر بأن نزل بعد الزوال


[ 513 ]

فجمع بينهما حينئذ لا لعذر استيفاء الرحيل فإنه يعيد العصر ما دام في الوقت. رواه ابن زياد عن مالك انتهى. وابن زياد هو علي. وأما الفرع الذي ذكره ابن كنانة فمعناه أن من جمع ونيته الرحيل ثم بداله فأقام، أو أتاه أمر ترك لاجله جد السير، فلا إعادة عليه. وقوله لشدة السير بناء على مذهب المدونة في اشتراط جد السير، ولم أر من ذكر فيه قولا بالاعادة إلا على ما فهمه المصنف رحمه الله تعالى من أن الفرعين فرع واحد، ومما يدل على نفي الخلاف في ذلك أن ابن عرفة أمام الحفاظ والمتصدي لنقل الاقوال وعزوها رحمه الله تعالى لما ذكره قال ما نصه الشيخ عن ابن كنانة: من جمع لجد السير ثم أقام بمكانه لم يعد يعارضه جمع خائف فقد عقله. ويوافقه نص ابن القاسم: لا يعيد مصل جالسا لعذر زال في الوقت انتهى. فانظر كيف يمكن أن يعارض قول ابن كنانة بقول مالك في مسألة أخرى ويترك قول مالك في المسألة نفسها ؟ هذا بعيد. وأبين من هذا كله أن كلام ابن كنانة مشتمل على صورتين: الاولى منهما أن يجمع ثم تبدو له فيقيم، والثانية أن يجمع ثم يعرض له أمر يترك لاجله السير، وإذا حكم بعدم الاعادة في الاولى فالثانية من باب أحرى، والاولى هي التي قال ابن الحاجب فيها: وإن نوى الاقامة بعدها فلا تبطل. قال في التوضيح: لوقوع الصلاتين صحيحتين فكان كالمصلي بالتيمم ثم يجد الماء، ولو قيل بالاعادة قياسا على خائف الاغماء إذا لم يغم عليه على أحد القولين، وقياسا على استحبابه في المدونة الاعادة في حق من نوى الاقامة بعد الصلاة ما بعد انتهى. وقال ابن عبد السلام: يعني لوقوع الصلاتين صحيحتين باجتماع شرائط الجمع. وهل تستحب إعادة الثانية على أحد القولين فيمن نوى الاقامة بعد سلامه من صلاة القصر ؟ فيه نظر، والاقرب عدمه. فكلام المصنف وكلام ابن عبد السلام يقتضي نفي الخلاف في نفي الاعادة فيمن جمع ثم بدا له فأقام، وإنما تردد في تخريج القول بذلك فكيف يجعله المصنف قول مالك كما اقتضاه كلامه الاول ؟ هذا غريب فتأمله منصفا والله أعلم. فإن قيل: كلام ابن كنانة إنما ثبت في نسخة المصنف بالواو أعني قوله وأتاه أمر فهو صورة واحدة لا صورتان، وهي ليست عين صورة ابن الحاجب بل هي الصورة الثانية من الصورتين اللتين جعلتموهما في كلام ابن كنانة. قيل: أما أولا فلو سلم هذا فقد تقدم أن هذه الصورة أحرى بعدم الخلاف لان في هذه الصورة الشخص باق على السفر لولا ما أتاه من الامر، وفي الاخرى ترك السفر وعزم على الاقامة ففرع ابن كنانة أولى بعد الخلاف. وأما ثانيا فاعلم أن فرع ابن كنانة بأولا بالواو وكذا ثبت في نسختين عتيقتين من النوادر وفي سند وفي الذخيرة ناقلا له عن سند كما تقدم وفي النسخة التي رأيت من التلمساني والله أعلم. فرع: قال ابن الحاجب: وإذا نوى الاقامة في أثناء أحدهما عند التقديم بطل الجمع. قال ابن عبد السلام: يعني أن من جمع في السفر وكان حكمه تقديم الثانية إلى الاولى فنوى الاقامة في أثناء إحدى الصلاتين فقد بطل الجمع. والاقامة هنا مقابلة السفر هناك أعني كما لا يشترط طول السفر فلا يشترط إقامة أربعة أيام. واعلم أن بطلان الجمع لا يستلزم بطلان


[ 514 ]

الصلاة فلهذا إذا نوى الاقامة في أثناء الاولى أو بعد الفراغ منها وقبل التلبس بالثانية صحت الاولى ويؤخر الثانية إلى أن يدخل وقتها، وإن نوى الاقامة في أثناء الثانية صحت الاولى أيضا ويقطع الثانية أو يسلم على نافلة وهو أولى. لاخفاء أنه يتمادى عليها على مذهب أشهب وتصح. انتهى. ونحوه في التوضيح ويشير بقول أشهب إلى ما حكى عنه الباجي وصاحب المقدمات من إجازة الجمع بالسبب والله أعلم. واعلم أن هذا الفرع ليس معارضا لما حملنا عليه فرع التلمساني الاول، لانه لم يصرح بأنه لو تمادى لاعاد الثانية أبدا إلا أنه يقطع على الوجوب الذي تعاد الصلاة من أجله والله أعلم. فرع: قال في التلقين: ولا يتنفل بينهما. قال المازري: إنما لم يتنفل بين الصلاتين المجموعتين في السفر لان الجمع إنما أباحه ضرورة الجد في السير فتسقط مذاعاة وقت الاختيار لضرورة الاستعمال، والتنفل يشعر بالطمأنينة، فلما نافى التنفل في السفر ما وضع الجمع له لم يكن لادخاله في الجمع معنى انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في صفة الجمع: وذلك أن يقدم الاولى منهما وينويه في أولها ولا يجزئه أن ينوي في أول الثانية. وقيل من صفة الجمع الموالاة فلا يفرق بين الصلاتين بأكثر من قدر إقامة أو أذان وإقامة على الخلاف ولا يتنفل بينهما. وقال ابن حبيب: ولا بأس أن يتنفل انتهى. وانظر إذا قدم العصر إلى الظهر هل تباح له النافلة أو تكره ؟ ص: (وفي جمع العشاءين) ش: في كون الجمع راجحا أو مرجوحا طريقان، الاكثر على أنه راجع نقله ابن عرفة والجار متعلق بقوله رخص له.


[ 515 ]

مسألة: قال البرزلي: سئلت عن جمع البادية في وسط النزلة، فأجبت: إن كان لهم إمام راتب ويجعلون موضعا لصلاتهم أينما نزلوا فإنهم يجمعون. وقوله في الحديث في الليلة المطيرة ألا صلوا في الرحال يحتمل أن يكون بصلاة الامام إما بمسمع أو بغيره وليس فيه ما يمنع الجمع إذ قد يتعذر اجتماعهم تلك الليلة انتهى. ص: (وأخر قليلا) ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: تردد شيوخنا هل تأخير المغرب على المشهور أمر واجب لا بد منه، أم ذلك على طريق الندب ؟ فمنهم من ذهب إلى الاول، ومنهم من ذهب إلى الثاني انتهى. وقال في شرح المدونة قال شيخنا حفظه الله تعالى: تردد شيوخي هل تأخير المغرب قليلا على الوجوب أو الندب. قلت: الصواب الثاني انتهى. فرع: قال الجزولي في شرح الرسالة عند قول الرسالة في باب الحج وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف، ولو لم ينصرف حتى غربت الشمس من ذلك اليوم للزمه الرمي في اليوم الثالث لانه لم ينصرف حين رمى. ونظير هذه المسألة فيما إذا جمع بين المغرب والعشاء ثم جلس في المسجد حتى غاب الشفق فإنه يعيد العشاء. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله ثم ينصرفون وعليهم أسفار قبل مغيب الشفق. والشفق الاسفار البياض الباقي من النهار. وقوله قبل مغيب الشفق تفسير فلو قعدوا إلى مغيب الشفق أعادوا العشاء. وقيل: لا يعيدون. وثالثها إن قعد الجل أعادوا لا الاقل انتهى. وفي أول رسم من سماع أشهب أنهم لا يعيدون نصه: وسئل عن جمع المغرب والعشاء في رمضان في ليلة المطر، أرأيت إن جمعوا بينهما ثم قنتوا ؟ قال: هم من ذلك في سعة. قال ابن رشد: هذا يقتضي أنه لا إعادة عليهم للعشاء بعد مغيب الشفق. قال ابن لبابة: إن هذا خلاف لقول عيسى وأصبغ والعتبي وابن مزين في الذي يخاف أن يغلب على عقله فيجمع بين الصلاتين في أول الوقت، إنه يعيد الاخيرة منهما في وقتها إن لم يغلب عليه. وليس قوله عندي بصحيح، والفرق بينهما أن الذي خشي أن يغلب على عقله فصلى قبل دخول الوقت المستحب يؤمر أن يعيد ليدرك ما نقصه من فضيلة الوقت المستحب، والذين جمعوا ثم قنتوا لا يؤمر بالاعادة لانهم صلوا في جماعة، ف معهم فضل الجماعة مكان فضل الوقت المستحب، وهذا مثل قول مالك في المسافر يتم الصلاة: إنه يعيد في الوقت إن كان أتم وحده ليدرك فضيلة القصر، ولا يعيد إن كان أتم في


[ 516 ]

جماعة، لان معه فضل الجماعة مكان ما فاته من فضل القصر، ولهذا قال مالك في المدونة في الرجل يصلي في بيته المغرب في الليلة المطيرة ثم يأتي المسجد والناس مجمعون وقد صلوا المغرب ولم يصلوا العشاء: إنه لا بأس أن يصلي معهم. وقد روي عن ابن القاسم أنه إذا صلى معهم أعاد في الوقت وغيره. فقول ابن القاسم في هذه المسألة هو الذي يخالف قوله في الرواية لا قول عيسى ومن تابعه في المسألة التي حكى ابن لبابة انتهى. ص: (ثم صليا ولاء) ش: ليس هذا خاصا بجمع المطر بل هو شرط للجمع من حيث هو. قاله في الجواهر، وقاله القرافي وغيره. وقال ابن جماعة في منسكه عن المالكية: والموالاة شرطان جمعهما في وقت الاولى وإن جمعهما في وقت الثانية فقال ابن المنير: لا أثر للموالاة إلا في الخلاص من عهدة الكراهة أو التأثيم انتهى. ص: (ولا يتنفل بينهما لوم يمنعه) ش: قال في الذخيرة قال مالك: ولا يتنفل بين المغرب والعشاء ليلة الجمع. وقاله الشافعي. قال سند: وقال ابن حبيب: يتنفل عند أذان العشاء لزيادة القربة. وإذا قلنا لا يتنفل فتنفل فلا يمنع ذلك الجمع قياسا على الاقامة خلافا للشافعي انتهى. وإلى هذا أشار المؤلف بقوله ولم يمنعه أي لم يمنع التنفل الجمع. ص: (ولمعتكف في المسجد) ش: أي تبعا للجماعة. قال في التوضيح: ولاجل التبعية استحب


[ 517 ]

بعضهم للامام المعتكف أن يستخلف من يصلي بالناس، وظاهر كلام صاحب التهذيب وجوب استخلافه انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع القرينان بجمع جار المسجد وإن قرب أبوعمران: والغريب يبيت به يحيى بن عمر: والمعتكف. عبد الحق: إن كان إمامهم جمع مأموما. ونقل ابن عبد السلام استحباب ائتمامه لا أعرفه انتهى. ص: (ولا منفرد بمسجد) ش: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: والامام الراتب. أقام الشيخ أبو القاسم القبريني رحمه الله تعالى من هذا أن الامام الراتب إذا كان وحده يجمع ليلة المطر وأنه يقول سمع الله لمن حمده فقط. وسلم له بعض من عاصره من مشايخنا في الاول وخالفه في الثانية، ورأى أنه يزيد ربنا ولك الحمد، والاقرج عندي هو الاول انتهى. وقال الجزولي في قوله قام مقام الجماعة قال شيخنا: وفي أنه يجمع ليلة المطر انتهى والله أعلم. فصل في شروط الجمعة وسنتها ومندوباتها ومكروهاتها ومسقاطها فرع في شروط الجمعة وسنتها: شرط الجمعة وقوع كلها بالخطبة وقت الظهر للغروب،


[ 518 ]

اعلم أن هذه الشروط التي يذكرها، منها ما هو شرط في الوجوب، ومنها ما هو شرط في الصحة، ومنها ما هو شرط فيهما، وسننبه على ذلك في محله إن شاء الله. وقوله وقوع كلها الخ. شرط في الصحة، وهذا على القول بأنه لا بد بعد ذلك من بقاء ركعة للعصر، وأما على القول بأنه يصليها ولو لم يدرك من العصر شيئا قبل الغروب فمشكل، لانه يقتضي أنه إذا بقي من الوقت ما يخطب فيه ويصلي ركعة واحدة من الجمعة أنه لا يصليها لقوله وقوع كلها به. وقد قال ابن عرفة أبو عمر عن ابن القاسم: إن من صلى ركعة ثم غربت أتمها انتهى. ويمكن أن يقال: إنما قصد المصنف الاشارة إلى أنها لا تصح إذا وقع شئ من الصلاة أو من الخطبة فبان وقت الظهر فتأمله والله أعلم. تنبيه: هذا الحكم إذا أخر الامام والناس الصلاة لعذر، أو اتفق ذلك لغير عذر. وأما ابتداء فلا يجوز ذلك قال في المدونة: وإذا أتى من تأخير الائمة ما يستنكر جمعوا دونه إن قدروا وإلا صلوا ظهرا وتنفلوا معه. قال سند: يريد إذا أخرها إلى وقت العصر، وهذا لان وقت الجمعة وقت الظهر ولهذا يسقط بها الظهر وتدخل بالزوال، فما لا يجوز تأخير الظهر عنه لا يجوز تأخير الجمعة عنه. ثم قال: فرع: إذا قلنا يصلون الظهر فقال بعض أصحاجنا في كتاب ابن سحنون: يصلونها أفذاذا كأنه رأى أنهم لما كانوا من أهل الجمعة امتنع عليهم الجماعة تشبيها بمن فاتتهم الجمعة من أهلها. ثم قال: فإن حشوا فوات الوقت فصلوا ثم جاء الامام في الوقت لزمتهم الاعادة لانهم مخطئون فيما ظنوه، وإن جاء بعد الوقت ولم تلزمهم الاعادة، لان فرضهم قد سقط بفعل ما أمروا به من الظهر بخلاف الاول، ألا ترى أنهم في الاول لما علموا بأنه يأتي لم يجز لهم أن يصلوا فصلاتهم غير معتد بها، وفي الثاني لو علموا بأنه في وقته صلوا ولم يلزمهم تأخير فرضهم ؟ وهو ظاهر من قول مالك: صلوا لانفسهم الظهر أربعا ويتنفلون معه، فجعلها نافلة والنافلة لا تلزم. وعلى قول ابن القصار أن من أخر الظهر إلى الغروب لا يأثم فيجب أن لاتجزئهم وأن تلزمهم الاعادة، لان التأخير كان لهم جائزا انتهى. ثم قال: فرع: فإذا قلنا لا


[ 519 ]

تلزمهم الاعادة، فإن أعادوا فليعيدوا بنية الجمعة بمنزلة من صلى الظهر فرادى ثم أعادها بجماعة فإنه يعيدها بنية الظهر. ثم قال: فرع: وهل تجزئ الامام إذا صلوا معه إن كان جماعة غيرهم تستقل بهم الجمعة أجزأه وإلا فلا تجزئه، لانا وإن فوضنا أمر صلاتهم إلى الله فلا نقطع بتعيين فرضهم معه، فلا تجزئ الامام الجمعة في جماعة غير مفترضين كما لو جمع بالصبيان انتهى والله أعلم. وقال في التوضيح قال التونسي: مذهب ابن القاسم في الامام إذا هرب عنه الناس أواخر الامام أن الامام والناس ينتظرون إلا أن يخافوا دخول وقت العصر، فإن خافوا دخول وقت العصر صلوا ظهرا أربعا ثم لا جمعة عليهم بغير ذلك. وفي كتاب ابن سحنون وفي تخلف الامام: أنهم ينتظرونه ما لم تصفر الشمس. وأنكره سحنون وقال: بل ينتظرونه وإن لم يدركوا من العصر قبل الغروب إلا بعضها. قال: وربما تبين لي أنهم يبقون أربع ركعات للعصر. أبو محمد: يريد سؤنون إذا رجوا إتيانه، فأما إن أيقنوا بعدم إتيانه فلا يؤخروا الظهر انتهى. وهذا الذي قاله سحنون ظاهره مخالف لما حكاه التونسي وصاحب الطراز والمصنف، والاول هو الظاهر من كلامه في المدونة كما تقدم. ويمكن حمل كلام سحنون على ما إذا أخر لعذر والله أعلم. فائدة: الجمعة بضم الميم سميت بذلك لان الناس يجتمعون فيها، وتسمى جمعة بالسكون لانها تجمع الناس، وكلا المعنيين موجود. وقال ابن ناجي: اعلم أنه يقال الجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها. قاله الواحدي عن الفراء، والجمعة من خصائص هذه الامة انتهى. وقرأ الجماعة بالضم. وقال الشيخ زكريا في شرح الروض: وحكى كسر الميم انتهى. وقرئ بالثلاث في الشواذ وقرى الجماعة بالضم. وقال ابن الحاج في نوازله: فإن قال قائل: لم سميت الجمعة ؟ فقال: لاجتماع الناس للصلاة. فإن قيل: فهل يجوز أن يسمى كل يوم يجتمع فيه الناس جمعة ؟ فقل: لا، لان العرب تخص الشئ باسمه إذا كثر ذاك منه انتهى. ص: (وهل إن أدرك ركعة من العصر وصحح أولا) ش: يعني أن قولنا: أن وقت الجمعة ممتد للغروب واختلف فيه،


[ 520 ]

هل هو مقيد بأن يخطب ويصلي ويبقى من الوقت ما يدرك فيه ركعة من العصر قبل الغروب، أو لا يعتب بقاء ما يدرك فيه ركعة من العصر فيصلي الجمعة ولو علم أنه لا يدرك العصر إلا بعد الغروب ؟ قولان، رويت المدونة عليهما. ففي رواية ابن عتاب: وإذا أخر الامام الصلاة حتى دخل وقت العصر فليصل الجمعة بهم ما لم يغب الشمس وإن كان لا يدرك العصر إلا بعد الغروب. وفي رواية غير ابن عتاب: وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب. قال القاضي عياض: وهذه الرواية أصح وأشبه برواية ابن القاسم وأشار إليه بقوله وصحح. ص: (وبجامع مبني) ش: لا إشكال في اشتراط ذلك على المعروف من المذهب. تنبيه: لا بد في الجامع من شرط آخر وهو أن لا يكون خارجا عن بناء القرية. قال سند: أما المسجد فهو شرط متفق عليه لا يؤثر فيه خلاف عن أحد إلا أبي ثور وشئ تأوله بعض الناس عن مالك. وهل يتعين ؟ فعند مالك والشافعي لا يكون المسجد إلا داخل المصر ولا تصلى في مسجد العيد. وقال أبو حنيفة: تجوز خارج المصر قريبا نحو المواضع التي جعلت مصلى لصلاة العيد. ووجه المذهب العمل المتصل ولان هذا الموضع يجوز لاهل المصر قصر الصلاة فيه أعني إذا سافروا عن المصر فلم يجز له إقامة الجمعة فيه كالمواضع البعيدة عنه، وتفارق الجمعة العيد من حيث إن الجمعة مردودة من فرض إلى فرض فجاز أن يختص فعلها بمكان، وأن يختلف فيها المصر وخارجه كصلاة السفر والعيد ليست مردودة من فرض إلى فرض فأشبهت سائر النوافل انتهى. ونقله عنه صاحب الذخيرة ونصه: قال سند: لا تكون عند


[ 521 ]

مالك إلا داخل المصر. وجوز أبو حنيفة مصلى العيد تشبيها للجمعة بالعيد. لنا: إنه مكان تقصر فيه الصلاة فيكون منافيا لموجب الجمعة انتهى. ونقله ابن عرفة. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والجامع شرط، واتصاله بالدور شرط، فلو انفرد الجامع من البيوت لم تصح فيه قاله في المنتفي انتهى. ونص كلام الباجي في المنتقي: ويجب أن تكون القرية الموصوفة حيث الجامع، وإن كان موضع الجامع لا تصح فيه الجمعة بانفراده ويجتمع إليه ممن يقرب عدد كثير لم تصح فيه الجمعة. وبه قال ابن حبيب لان موضع إقامتها لا تصح فيه الجمعة بانفراده فلا تصح بما هو تبع له انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وكثيرا ما يقع بالقرى يكون الجامع خارج القرية فإن كان قريبا فإنها تقام فيه وإلا فلا. قاله أبو محمد صالح. ووجدت في تعاليقي ولم أدر من أين نقلت أن أربعين ذراعا بين البنيان والجامع بعيد انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: فإذا قلنا في الجامع أنه من شروط الجمعة يشترط فيه أن يكون متصلا بالقرية. قال بعضهم: حتى يكون دخان المنزل ينعكس عليه، فإن خرج من المنزل وقرب منه أجزأت فيه الجمعة، وإن بعد لم تجز فيه. قال بعض الشيوخ: وحد القرب أن يكون بينه وبين المنزل أربعون باعا انتهى. قلت: والذي يظهر أن ما ذكره ابن ناجي والشيخ يوسف بن عمر مخالف لما تقدم عن الطراز لانه لم ينقل الجواز إذا كان خارج المصر قريبا منه، إلا عن أبي حنيفة فتأمله. ص: (وإن تأخر أداء) ش: قال في التوضيح: قال علماؤنا: ولو سبق في الفعل ولو كان الامام الجديد انتهى. نص على الاول سند في الطراز، وأما الثاني فيفهم من كلام المدونة. فاعتراض المواق غير واضح، وانظر الطراز فإنه ذكر فروعا تتعلق بهذا المحل. ص: (وفي اشتراط سقفه) ش: الظاهر عدم اشتراط سقفه كما قاله ابن رشد وشيخه ابن زرقون وابن الحاجب كما نقله عنهم ابن ناجي في شرح المدونة، ولاتفاق العلماء على أن المسجد الحرام كان فضاء حول الكعبة في زمنه (ص) وفي خلافه الصديق وخلافه الفاروق رضي الله عنهما، وكانت الجمعة تقام فيه ولم يذكر أن أحدا من الصحابة أنكر إقامة الجمعة به وهو دليل على عدم اشتراط السقف والله أعلم. تنبيه: انظر على الاشتراط لو هدم المسجد فظلل موضع السقف بستور ونحوها قال الابي في شرح مسلم في كتاب الحج: لما ذكر أن ابن الزبير نقض الكعبة وجعل أعمدة ستر عليها ما نصه: الظاهر عندي إنما يمنع إقامتها بالمسجد الذي انهدم لسقفه إذا لم يظلل على


[ 522 ]

السقف بستور، وأما لو ظللوا بها لنابت الستور عن السقف كما نابت عن الجدر في قضية ابن الزبير بل أحرى. ونزلت بتونس لما نزل سقف جامعها الاعظم وخطيبها القاضي أبو إسحاق بن عبد الرفيع فأمر أن يظلل بالحصر وخطب تحتها، فأنكر عليه الشيخ الصالح أبو علي القروي وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: الصواب ما قاله القاضي أبو إسحاق انتهى والله أعلم. ص: (وإقامة الخمس تردد) ش: أشار بالتردد لما ذكره ابن بشير وسكوت غيره عنه ونزل ذلك بمنزلة التصريح بعدم اشتراطه إذ لو كان شرطا لنبهوا عليه. وانظر عزوهم اشتراط إقامة الخمس لابن بشير، وقد نفل سند عن المختصر ما يقتضي اشتراط ذلك ونصه: إن كانت القرية بيوتها متصلة وطرقها في وسطها وفيه سوق ومسجد. تجمع فيه الصلوات فليجمعوا، كان لهم وال أو لم يكن. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (لا انتفيا) ش: هذا هو الظاهر كما


[ 523 ]

يفهم من كلام صاحب الطراز خلافا لما رجحه المواق. ق ص: (ويجماعة تتقرى بهما قرية أو لا بلا حد وإلا فتجوز باثني عشر باقين لسلامها) ش: الذي يظهر من كلام المصنف رحمه الله هنا وفي التوضيح أنه فهم من كلام ابن عبد السلام أن الجماعة الذين تتقرى بهم القرية شرط في ابتداء إقامة الجمعة أي يطلب حضورهم في الجمعة الاولى، ثم لا يشترط حضورهم في كل جمعة بل تجوز زبائني عشر رجلا باقين لسلامها، والذي يظهر من كلام ابن عبد السلام خلاف ذلك. وأنه إنما أراد أن الجماعة الذين تتقرى بهم القرية شرط في وجوب الجمعة وفي صحتها في كل جمعة بمعنى أن يطلب وجودهم في القرية ولا يشترط حضورهم الصلاة، لا في الجمعة الاولى ولا في غيرها بل تجوز باثني عشر. ونص كلامه الذي يتبين أن هذه الجماعة شرط في صحة إقامتها في البلد ووجوبها على أهله ولا يشترط حضور هذا العدد في كل جمعة لما جاء في حديث الغير أنه لم يبق معه عليه السلام ذلك اليوم إلا اثنا عشر رجلا انتهى. ونحو هذا في الاكمال ونصه ناقلا عن المازري ومالك: لم يحد في ذلك أي العدد الذي تقام به الجمعة حدا إلا أن يكون العدد ممكن يمكنهم الثواب ونصب الاسواق. عياض: هذا الذي ذكره عن مالك هو شرط في وجوبها لا في إجزائها، والذي في كلام أصحابنا إجازتها مع اثني عشر رجلا لاستدلالهم بهذا الحديث. قاله الباجي، وحكى أبو يعلى العيدي نحوه عن أصحابنا. وقال ابن القصار: رأيت لمالك أنها لا تجب على الثلاثة والاربعة ولكنها تنعقد بما دون الاربعين انتهى. ونص ما في المنتقى: الجماعة شرط في وجوب الجمعة ولا حد لها عند مالك، إلا أن يكون عددا تتقرى بهم قرية بانفرادهم وتمكنهم الاقامة، ومنع ذلك في الثلاثة


[ 524 ]

والاربعة إذ معلوم أن ذلك لا يمكنهم. واستدلال أصحابنا بحديث الغير يقتضي إجازتهم للجمعة من اثني عشر رجلا مع الامام، والذي يجب أن يعتمد عليه من الدليل أن هذا عدد يصح منهم الانفراد بالاستهطان فصح أن تنعقد بهم الجمعة. انتهى مختصرا بالمعنى. ويمكن حمل كلام المصنف على هذا المعنى بتكلف، ويكون المراد أنه يشترط في وجوب الجمعة وفي صحتها أن يكون في محل إقامتها جمدعة تتقرى بهم فرية أولا أي في وجوبها على أهل البلد وصحتها منهم لا في حضورها، وإلا فيجوز إذا حضرها أثناء عشر رجلا فتأمله. وقد ذكر ابن عرفة كلام ابن عبد السلام واستفسره فقال: إن أراد أن عدد الجماعة شرط كفاية فيها فلا قائل به، وإن أراد أنه شرط في وجوبها لا في أدائها فباطل، لان ما هو شرط في الوجوب شرط في الاداء وإلا أجزأ الفعل قبل وجوبه عنه بعده، وإن أراد صحتها باثني عشر قبل إحرامها أو بعد فهذا ما تقدم للباجي وابن رشد انتهى. قلت: لم يرد أن الجماعة الذي تتقرى بهم القرية شرط كفاية ولا أنها شرط في الوجوب دون الاداء، بل أراد الوجوب دون الاداء، بل أراد الوجه الثالث وهو أن وجودهم في القرية شرط في الوجوب وفي الاداء في كل جمعة فلا يشترط حضورهم بل تصح باثني عشر منهم. فلو كان في فرية جماعة تتقرى بهم وجبت عليهم الجمعة، ثم سافر منهم جماعة حتى لم يبق فيها من تتقرى به، فإن سافروا بنية الانتقال فلا إشكال في سقوط الجمعة عن الباقين، وإن سافروا الموضع قريب بنية العود فالظاهر أن الجمعة تجب على الباقين. وقد قال الابي في شرح مسلم: إذا كان بالقرية من تنعقد بهم الجمعة ثم تفرقوا يوم الجمعة في أشغالهم من حرث أو حصاد لا يبقى بها إلا العدد الذي لا تنعقد بهم الجمعة، فكان الشيخ يعني ابن عرفة يقول:


[ 525 ]

إذا بقي منهم في القرية اثنا عشر رجلا جمعوا. انتهى مختصرا فتأمله. ومعنى قوله تتقرى بهم قرية أي يمكنهم الثواء أي الاقامة آمنين مستغنين عن غيرهم في الدفع عنهم. قال الابي في شرح مسلم قال الابهري وابن القصار وعبد الوهاب والباجي: لاحد لمن يقام بهم بل المعتبر أن تكون الجماعة تتقرى بهم قرية بحيث يمكنهم الثوار بها آمنين. قال المازري وابن رشد: وهو المشهور. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وذلك يختلف بالنسبة إلى الجهات في كثرة الامن والخوف، ففي الجهات الآمنة تتقرى بالنفر اليسير بخلاف غيرها مما يتوقع فيه الخوف انتهى. وقال ابن عبد السلام: وأما الموضع الذي يمكن فيه الثواء فينبغي أن يختلف الحكم فيه باختلاف الجهات. فالبلاد التي سلمت من الفتن تتقرى القرية فيها بجماعة يسيرة في الحصوص و غيرهم بخلاف ذلك انتهى. وقال الابي: معنى يمكنهم الثواء يدفعون عن أنفسهم انتهى. وقال في المدونة: ويصلي الجمعة أهل القرية المتصلة البنيان كالروحاء وما أشبهها، وكذلك أهل الخصوص، كان عليهم وال أو لم يكن. وقال مرة: القرية المتصلة البنيان التي فيها الاسواق يجمع أهلها، ومرة لم يذكر الاسواق انتهى. قال الابي في شرح مسلم: الصحيح عدم اشتراط الاسواق وإنما ذكرها مالك لانها مظنة لكثرة الناس الذين تتقرى بهم القرية، فلو اجتمع من تتقرى بهم قرية ولا سوق عندهم جمعوا. قال: وأما اتصال البنيان فشرط، فلو لم تتصل كدور جربة ودور جبال الغرب لم يجمعوا. بهذا وقعت الفتيا. والاظهر أنهم إن كانوا من القرب بحيث يرتفق بعضهم ببعض في ضرورياتهم والدفع عن أنفسهم جمعوا لانهم وهم كذلك بحكم القرية المتصلة البنيان انتهى. قلت: ما استظهره جزم به صاحب الطراز فقال واتفق جمهور العلماء على اتصال بنيان القرية، فإن تفرقت بيوتها بحيث لو سافر من في بعضها قصر إذا فارق في بيوته وإن لم يفارق الباقي فهذا تفريق كثير جعلها في حكم القرى ولا تجب عليها الجمعة، وإن كانت متقاربة فهي في حكم المتصلة وقد يخرج بعض بيوت القرية فتنهدم وتحترق فيكون بين البيت والبيت هذا القدر انتهى. والثواء بمعنى الاقامة بالثاء المثلثة وبالمد وأما التوى بالمثناة من فوق والقصر فمعناه الهلاك. تنبيهات: الاول: علم من هذا أن حكم القرية المذكورة حيث حصل لهم إلا من بمحلتهم وأمكنهم المقام بموضعهم وجبت عليهم الجمعة، وعلم منه أيضا معنى التقري وهو أن تمكنهم الاقامة آمنين مستغنين عن غيرهم. وتقدم قول الباجي أن الذي يجب أن يعتمد عليه من الدليل أن الاثني عشر عدد يصح منهم الانفراد بالاستيطان فصح أن تنعقد بهم الجمعة، وأنه معلوم أن الثلاثة والاربعة لا يمكنهم أن تتقرى بهم القرية كما تقدم جميع ذلك في كلامه. وقال ابن ناجي: وأما الاستيطان فقال الباجي: هو الاقامة بنية التأبيد. ونقله ابن فرحون وابن الفرات وغيرهم. وقال في التوضيح في باب الحج: حقيقة التوطن الاقامة بعدم نية الانتقال ولا


[ 526 ]

يخرجهم عن حقيقة الاستيطان كونهم يخرجون في أيام المطر نحو الشهرين. فقد نقل الشيخ أبو الحسن الصغير عن تعاليق أبي عمران في الجماعة " يقيمون بموضع ستة أشهر ثم يرتحلون إلى موضع آخر يقيمون فيه ستة أشهر أنهم يجمعون لانها صارت كقريتين إذا حلوا بإحداهما أقاموا فيها. وإذا حلوا بالاخرى أقاموا فيها. وليست هذه مسألة العتبية في القوم يمرون بثغر أو قرية فيقيمون فيها ستة أشهر أنهم يجمعون. فقال الباجي: هذه مبنية على عدم اشتراط الاستيطان. وقيدها ابن رشد بكون أهل الثغر تلزمهم الجمعة لان مسألة العتبية ليس فيها استيطان بخلاف مسألة أبي عمران انتهى. وقالوا أيضا في شروط التمتع فيمن له أهل بمكة وغيرها. إذنه إذا أقام في إحداهما أكثر جعل وطنه والله أعلم. الثاني: قال ابن ناجي: الفتوى عندنا بإفريقية بما في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون يقيمها الثلاثون وما قاربها. قال ابن حبيب: مثل قوله (ص) إذا اجتمع ثلاثون بيتا والبيت مسكن الرجل الواحد. واختلف في معنى قوله وما قاربها فكان شيخنا الشبيبي يقول: كالسبعة والعشرين لا أقل. وكان شيخنا يعني البرزلي يقول: كالخمسة والعشرين والاقرب هو الاول وبه أقول. واختلف هل يعتبر في العدد من لا تجب عليهم كالمسافرين والعبيد أم لا ؟ على قولين وهذا إذا كمل بهم عدد الجماعة لا أنهم كلهم عبيد أو مسافرون انتهى. قال البساطي في المغني: لا تجزئ الاربعة والخمسة إلى العشرة. واختلف هل يعتبر في ذلك أن تتقرى بهم قرية حيث يستغنون عن غيرهم في الامور الكثيرة لا لنادرة بحيث يدفعون كذلك وهو المشهور، أو يعتبر العدد على قولين ؟ وعلى الثاني اختلف في كمية ذلك ففي الواضحة لا دونها، وفي المختصر ما يؤخذ منه الخمسين، وفي اللمع عشرة، وفي غيره اثنى عشر انتهى. الثالث: قال ابن ناجي في شرح المدونة بعد أن ذكر كلام ابن عبد السلام أعني قوله: والمشترط حصول العدد في كل جمعة كما جاء في حديث الغير ما نصه: واختار غير واحد من شيوخنا أن ذلك شرط في كل جمعة. زاد في شرحه الصغير: وبه قال شيخنا يعني ابن عرفة ورجع في آخر عمره للاول انتهى. ص: (وبإمام مقيم) ش: انظر ما المراد بالمقيم المستوطن أو المقيم إقامة تسقط حكم السفر ؟ فأفتى الشيخ ناصر الدين اللقاني بأنه يشترط أن يكون متوطنا مستندا لما ذكره الطرابلسي في حاشيته على المدونة ونقل كلامه في التلقين


[ 527 ]

ونصه: قال الطرابلسي في حاشيته على المدونة عن أبي الحسن المغربي ما نصه: ويشترط في الامام الذي يصلي بهم الجمعة أن يكون ممن تجب عليه الجمعة وتنعقد به، ولا يصلي بهم من تجب عليه ولا تنعقد به كمن هو خارج البلد على ثلاثة أميال فدون، وأما من كان أكثر من ذلك فهو مسافر انتهى. وقال الجزولي: أهل الجمعة على ثلاثة أقسام: قسم يجب عليهم الجمعة وتجب بهم وهم أهل المصر، وقسم تجب عليهم ولا تجب بهم وهم من كان خارج المصر داخل الدلاثة الاميال، وقسم لا تجب عليهم ولا تجب بهم وهم من كان خارج الاميال الثلاثة. وانظر إذا كان الامام داخل الثلاثة الاميال وليس في المصر إمام، هل يقيم هذا الذي خارج المصر داخل الثلاثة أميال الجمعة أم لا ؟ قال أبو إبراهيم: لا يقيمها بهم لانها لم تجب بعد. قال الفقيه راشد: يقيمها بهم كما يصليها بهم المسافر لان الامام من شروط الصحة لا من شروط الوجوب. ثم قال: وهذا الذي قدمناه إذا لم يكن في المصر من يحسن الخطبة، وأما إذا كان فيهم إمام يجوز لانها لم تجب عليهم. انظر ما معنى آخر كلامه انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: أهل قرية توفرت فيهم شروط الجمعة لا من يحسن الخطبة لم يكن معهم ويأتي من يصلي بهم من خارج القرية وداخل ثلاثة أميال فكان الفقيه أبو إبراهيم يمنع ذلك وجرت الفتيا في زماننا هذا بجواز ذلك انتهى. وما ذكره الطرابلسي عن أبي الحسن لم أره فيما وقفت عليه من النسخ ولعله في غير ذلك، وهو جار على ما قاله أبو إبراهيم. وعلى القول الثاني يقيمها المقيم وهو الظاهر من إطلاق أهل المذهب أن شرطها أن يكون الامام مقيما ثم يحكون الخلاف فيما إذا كان مسافرا فيفهم من كلامهم أن مرادهم الاقامة المقابلة للسفر والله أعلم. وقول الجزولي كما يصليها بهم المسافر غير جار على المشهور فتأمله والله أعلم. ص: (إلا الخليفة يمر بقرية جمعة) ش: ظاهر كلامه أن هذا الحكم خاص بالخليفة وهو قريب مما في تهذيب


[ 528 ]

البراذعي فإنه عبر بالامام، ولفظ الام يدل على أن ذلك ليس خاصا بالخليفة، وأن كل أمير إذا مر بقرية مما في عمله فله أن يقيم فيها الجمعة. ونصها: قال مالك في الامير المؤمر على بلد من البلدان فيخرج في عمله مسافرا أنه إن مر بقرية من قراه يجمع في مثلها الجمعة جمع بهم الجمعة، وكذلك إن مر بمدينة من المدائن في عمله جمع بهم الجمعة. فإن جمع في قرية لا يجمع فيها أهلها لصغرها فلا تجزئهم، وإنما كان للامام أن يجمع في القرى التي يجمع في مثلها إذا كان في عمله وإن كان مسافرا لانه إمامهم انتهى. ص: (ووجب انتظاره لعذر قرب على الاصح) ش: عز هذا القول في التوضيح لابن كنانة وابن أبي حازم واستظهره، ولهما عزاه ابن عرفة وعزا الاستخلاف لمالك وهو ظاهر كلام المدونة كما قال الشارح، لكن ذكر صاحب الطراز عن ابن الجلاب أنه ينتظر إن كان قريبا قال: ورواه ابن حبيب عن مالك ونحوه في الموازية. وقاله أشهب في المجموعة ولكن صاحب الطراز جعله تفسيرا، فلذلك والله أعلم صححه المصنف وبه جزم ابن الكروف في الوافي والله أعلم. ص: (مما تسميه العرب خطبه) ش: جزم ابن العربي أن أقلها حمد الله والصلاة على نبيه (ص) وتحذير وتبشير ويقرأ شيئا من القرآن ثم قال: ويقرأ في خطبة عندنا وعند الشافعي، ولو لم يقرأ أعاد الخطبة، لو اقتصر عليه لاجزأ انتهى. وقال في الطراز: يستحب للخطيب أن يصلي على النبي (ص) وأن يقرأ شيئا من القرآن انتهى.


[ 529 ]

فائدة: قال ابن العربي: حكى المؤرخون عن عثمان كذبة عظيمة أنه صعد المنبر فارتج عليه فقال كلاما من جملته: وأنتم أحوج إلى إمام فعال منكم إلى إمام قوال. أقول: يا الله وللعقول إن قلنا اليوم لا يرتج عليه فكيف عثمان لاسيما وأقوى أسباب الحصر في الخطبة أنه لا يدري ما يرضي السامعين ويميل قلوبهم لانه يقصد الظهور عندهم، ومن كانت خطبته الله فليس يحصر عند حمد وصلاة وحض على خير وتحذير من شر أي شئ كان، ويحصر إلا من كان له ذرض غير الخير انتهى. فرع: قال البرزلي: سئل ابن عرفة عن مسألة حاصلها: ما حكم ذكر خطيب الصلاة في خطبته الصحابة رضوان الله عليهم والسلطان سدده الله ؟ وما قول من قال إن ذلك بدعة ؟ وما قول من قال إن ذلك شرع لا يخالف أو واجب لا يترك ؟ وجوابها أن نقول: أما بدعة ذكر الصحابة فهذا عندي جائز حسن لاشتماله على تعظيم من علم تعظيمه من الشريعة ضرورة ونظرا ولا سيما إذا مزج ذلك بما كانوا عليه من نصرة سيدنا محمد (ص) ويذل نفوسهم في إظهار الدين. وأما بدعة ذكر السلاطين بالدعاء والقول السالم من الكذب فأصل وضعها في الخطبة من حيث ذاته مرجوح لانها مما لم يشهد الشرع باعتبار حسنها فيما أعلم، وأما بعد إحداثها واستمرارها في الخطب في أقطار الارض وصيرورة عدم ذكرها مظنة اعتقاد السلاطين في الخطيب ما يخشى غوائله ولا تؤمن عاقبته، فذكرهم في الخطب راجع أو واجب انتهى. وقال سند: وأما الدعاء للسلاطين فلا يستحب لما روي عن عطاء أنه سئل عن ذلك فقال: هو محدث. وقال في الروض لابن المقري من الشافعية: والمختار لا بأس بالدعاء للسلاطين. قال في شرحه: ما لم تكن فيه مجاوزة في وصفه إذ يستحب الدعاء بصلاح السلطان انتهى. ص: (تحضرهما الجماعة) ش: يريد وجوبا قال ابن عرفة قال ابن القصار والقاضي عبد الوهاب واللخمي: لا نص وظاهر المذهب وجوبه. وقال ابن رشد: في وجوبه قولان: لها ولغيرها. وقال الباجي: الوجوب نصها لان فيها لا يجمع إلا بجماعة والامام يخطب. وصوبه عياض من هذه الرواية انتهى. وكذلك قال صاحب الطراز الذي حكاه عبد الوهاب هو مقتضى الكتاب ثم جعله المذهب فإنه قال في توجيهه: ووجه المذهب قوله (ص) صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يصل (ص) قط جمعة إلا بخطبة في جماعة مستقلة، ولان العرض الموعظة والتذكير وذلك ينافي كونه واحدة.


[ 530 ]

تنبيهان: الاول: الالف واللام في الجماعة للعهد فكأنه يشير إلى الجماعة الذين لا تجزئ الجمعة إلا بهم وهو الاثنا عشر، ويؤيده قول صاحب الطراز: فإن فرغ المؤذن ولم يأت أحد نظر، فإن كان في المسجد جماعة تنعقد بهم الجمعة خطب وإلا انتظر الجماعة. الثاني: من شرطها اتصالها بالصلاة واستماعها. ص: (واستقبله غير الصف الاول) ش: ظاهر كلامه وجوب استقباله وهو ظاهر المدونة لقوله فيها: وإذا قام الامام يخطب حينئذ يجب قطع الكلام واستقباله والانصات إليه. فقوله مع الانصات وهو واجب. وقال ابن عرفة: وروى ابن حبيب وجوب استقبال الخطيب من بالمسجد وخارجه وإن لم يسمعه ولم يره أحد انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وصرح ابن حبيب بوجوب الاستقبال عن مالك كالانصات كظاهر المدونة، وكذلك قال اللخمي. وكان شيخنا رحمه الله يعني البرزلي يحمل قولها على الاستحباب ويقول: إن المذهب كذلك انتهى. وقال صاحب الطراز: لا يحفظ وجوبه عن أحد وصرح مالك بأنه سنة وذلك لانه من باب الادب مع الامام، وتركه لا يخل بالمقصود ولا يفوت واجبا كالنظر إلى الامام انتهى. ويشير بنص مالك إلى قوله في الموطأ: السنة عندنا أن يستقبل الناس الامام يوم الجمعة إذا أراد أن يخطب من كان يلي القبلة وغيرها. قال الباجي: على هذا جمهور الفقهاء وعمل الناس لان الامام ترك استقبال القبلة واستقبلهم ليكون أبلغ في وعظهم فعليهم أن يستقبلوه إجابة له وطاعة. وقال ابن حبيب: ويلزم استقبال الامام من لا يسمعه ولا يراه ممن داخل المسجد وخارجه، وللمستقبل أن يلتفت يمينا وشمالا. زاد ابن زياد عن مالك: وله أن يلتفت وإن حول ظهره إلى القبلة انتهى. قلت: فكأنه لم يحمل قول السنة على ظاهره بل حمله على موافقة ابن حبيب، فتحصل في وجوب الاستقبال طريقان: الاكثر على وجوبه. وتبع المصنف في استثناء من في الصف الاول اللخمي. قال ابن عرفة: وجعله بعض من لقيت خلاف المذهب انتهى. وقال ابن ناجي قال المغربي وأبو عبد الله السطي: ظاهر المدونة أن الصف الاول كغيره فما ذكره خلافها انتهى. قلت: وكلام الموطأ نص أو كالنص في خلاف ما قاله اللخمي والله أعلم. ص: (ولزمت المكلف وفي وجوب قيامه لهما تردد) ش: أي طريقان الاكثر على وجوبه. قال ابن


[ 531 ]

عرفة: وفي كون قيام الخطبة فرضا أو سنة طريقا الاكثر وابن العربي انتهى. قلت: وفي عزوه الطريقة الثانية لابن العربي وحده نظر، فقد وافقه القاضي عبد الوهاب على ذلك وتبع القاضي على ذلك الباجي وصاحب الطراز والله أعلم. ص: (ولزمت المكلف الحر الذي بلا عذر المتوطن وإن بقرية نائية) ش: قال ابن عبد البر في الاستذكار: أجمع علماء الائمة أن الجمعة فريضة على كل حر بالغ يدركه الزوال في مصر من الامصار وهو من أهل المصر غير مسافر، وأجمعوا أن من تركها وهو قادر على إتيانها من تجب عليه أنه غير كافر بفعله إلا أن يكون جاحدا لها مستكبرا عنها، وأجمعوا أن من تكرها ثلاث مرات من غير عذر فاسق ساقط الشهادة. وقيل: ذلك فيمن تركها مرة واحدة من غير تأويل ولا عذر انتهى. وفي النوادر قال ابن حبيب: شهود الجمعة فريضة ومن تركها مرارا من غير عذر لم تجز شهادته انتهى. ولم أر أحدا من أهل المذهب حكى في تركها القتل، وسمعت أن عند الشافعية قولا ضعيفا في قتله. وأما المعاقبة فمن المقرر أن الامام يعزره لمعصية الله تعالى كما صرح به المصنف في باب الشرب. ورأيت في نوازل سحنون من كتاب الشهادات مانصه: قال سحنون عن ابن وهب في ثارك الجمعة بقرية يجمع فهيا من غير علة ولا مرض قال: لا أرى أن تقبل شهادته. قال سحنون: إذا تركها ثلاثا متواليات للحديث الذي جاء. قال أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يترك الجمعة: ترى أن ترد شهادته إلا أن يعرف أن له عذرا ويسأل عن ذلك ويكشف، فإن علم له عذر من وجع أو أمر أو اختفاء من دين أو ما أشبه ذلك فأرى أن لا ترد شهادته، وإن كان على غير ذلك رأيت أن ترد شهادته إلا أن يكون ممن لا يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه فهو أعلم بنفسه. قال أصبغ: والمرة الواحدة إذا تركها متعمدا من غير عذرتها ونابها ترد شهادته ولا ينظر بها ثلاثا لان ترك الفريضة مرة وثلاثا وأقل وأكثر سواء هي فريضة مفروضة مفترض إتيانها كفريضة الصلاة لوقتها، فلو ترك الصلاة لوقتها متعمدا مرة واحدة لم ينتظر به أن يفعل ذلك ثلاثا وكان يمنزلة التارك أصلا للابد لانه عاص لله في قليل فعله دون كثيره ومتعد لحدوده، وقد قال الله تعالى * (يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله


[ 532 ]

نارا خالدا فيها) * والذي قيل فيمن ترك الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه إنما هو في الاثم والنفاق، وينتظر في الثالثة التوبة: فإن فعل وإلا طبع الله على قلبه. وليس ذلك في الترك له هملا ولا في إبطال شهادته لا بل تطرح شهادته ويوقف ويعاقب إن شاء الله. وقد بلغني عن بعض الامراء ممن مضى من أئمة الدين أنه كان يأمر إذا فرغ من الجمعة أن من وجد لم يشهد الجمعة ربط في عمود وعوقب، وأراه عمر بن عبد العزيز. قال محمد بن رشد: قول سحنون إن شهادة التارك بقرية تجمع فيها الجمعة لا ترد إلا أن يفعل ذلك ثلاثا متواليات، أظهر مما ذهب إليه أصغ من أنها ترد بالمرة الواحدة. ومعنى ما ذهب إليه سحنون أنه إذا لم يعلم له في ذلك عذر ولم يكن معلوما بالصلاح والفضل على ما قاله ابن القاسم، لان من لم يعلم بالصلاح والفضل إذا ترك الجمعة ثلاثا متواليات لا يصدق فيما يدعيه من العذر بخلاف من علم بالصلاح والفضل. وليس قول ابن القاسم وسحنون مخالفا لقول ابن وهب والله أعلم. وإنما قلنا إن قول سحنون أظهر من قول أصبغ من أجل أن المسلم لا يسلم من مواقعة الذنوب، فإذا ثبت هذا وجب أن لا يجرح الشاهد العدل بما دون الكبائر من الذنوب التي يقال فيها صغائر بإضافتها إلى الكبائر إلا أن يكثر منها فيعلم أن غير الصغائر لا تخرج العدل عن عدالته غير أنه متهاون بها وغير متوق منها، لان من كانت هذه صفته فهو خارج عن حد العدالة ولما قال رسول الله (ص) من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه بطابع النفاق دل على أن ما دون الثلاث بخلاف ذلك في عظم الاثم وكثرة الوعيد، فوجب أن يلحق ذلك بالصغائر. ولا ترد شهادة من ترك الجمعة مرة واحدة اشتغالا بما سواها من أمر دنياه حتى يفعل ذلك ثلاثا متواليات، فيتبين بذلك أنه متهاون بدينه غير متوق فيه. وكذلك القول في نارك صلاة من الصلوات حتى يخرج وقتها بغير عذر فلا يجب أن ترد شهادته حتى يكثر ذلك من فعله. واحتجاج أصبغ لرد شهادته بذلك بقوله عزوجل * (ومن يعص الله) * الآية غير صحيح، لان المعنى في ذلك إنما هو فيمن عصى الله ورسوله بترك الايمان وتعدي حدود الاسلام، لان الخلود في النار إنما هو من صفة الكفار وبالله التوفيق انتهى. ونقله ابن عرفة. والذي يظهر أن أصبغ شبه من ترك الجمعة بمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها في أنه يقتل ولا يؤخر، فكذلك تارك الجمعة ترد شهادته ولا يؤخر، ولم يشبه ترك الجمعة بترك الصلاة حتى يخرج وقتها في رد شهادته كما يظهر من عبارة ابن رشد والله أعلم. وفي النوادر في كتاب الشهادات قال مطرف: إذا تركها مرارا ولم يعرف له عذر في ذلك فشهادته مطروحة حتى يثبت له عذر ويظهر ولا يعذر في ذلك بجهالة. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ انتهى. ثم


[ 533 ]

قال: ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون وقال ابن كنانة: هذا لا يظهر فيه العذر للناس والمرء أعلم بنفسه، وقد يكون بحال لا يعلمها غيره فلا ترد شهادته لذلك قال في المجموعة: إلا أن يتركها من غير عذر ولا علة، وليس يخفي مثل هذا على الناس انتهى. وقال في الاستذكار: وقال عبد الله بن مسعود والحسن البصري: إن الصلاة التي أراد النبي (ص) أن يحرق على من تخلف عنها بيته هي الجمعة. وذكره ابن أبي شيبة عن الفضل عن زهير أن أبي إسحاق عن أبي الاحوص عن عبد الله وعن عفان عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن انتهى. ثم رأيت في التمهيد في شرح الحديث الرابع لصفوان: وقد أجمعوا على أن من لم يصل الجمعة وتركها مرات ثلاثا أو غيرها وصلى في بيته الظهر وهو قادر على إتيان الجمعة لا عذر له بحبسه عنها أنه غير كافر بفعله ذلك إذا كان مقرا أو متأولا، ولكنه عند الجميع فاسق ساقط الشهادة وهو مع ذلك مؤمن لا يخرجه ذلك من الايمان، وهو كمن ترك فرضا وهو يقربه انتهى. فانظر قوله كمن ترك فرضا وهو يقربه ولعل مراده بالتشبيه به من حيثية عدم كفره على المشهور وهو ظاهر كلامه والله أعلم. فرع: قال اللخمي قال مالك في المدونة فيمن قدم مكة فأقام بها أربعة أيام قبل يوم التروية ثم حبسه كريه يوم التروية بمكة حتى يصلي أهل مكة الجمعة. قال: أرى عليه الجمعة لانه قد صار مقيما. وقال محمد بن عبد الحكم: يلحق الامام فإن أدرك الظهر بمنى وإلا صلى في الطريق أفضل انتهى. فيؤخذ من قوله أفضل أن الصلاة في أيام منى بمنى أفضل والله أعلم. ص: (بكفرسخ من المنار) ش: أتى بالكاف لينبه على أن الثلاثة أميال تقريب لا تحديد، فلذا لو زاد على ثلاثة أميال زيادة يسيرة تجب عليه الجمعة كما قاله في المدونة. قال في التوضيح: وهل الثلاثة تحديد فلا تجب على من زاد عليها الشئ ليسير أو تقريب وهو مذهب المدونة فتجب قولان ؟ انتهى. يشير إلى قولها ويجب إتيان الجمعة من ثلاثة أميال وزيادة يسيرة. قال ابن ناجي: فسر المغربي الزيادة اليسيرة بربع الميل وثلثه. قال: وسألت شيخنا لم اعتبر في الكتاب الزيادة اليسيرة مع أن الثلاثة الاميال هو الذي يبلغه الصوت الرفيع ؟ فقال: إنما هو تحقيق للثلاثة انتهى. وقوله بكفرسخ متعلق بنائيه أي بعيدة من النأي وهو البعد، وصحفه بعضهم بثانية وكأنه وقع في نسخة الشارح كذلك فقال: إنه متعلق بمحذوف والصواب ما ذكره والله أعلم. فرعان: الاول: قال الجزولي عند قول صاحب الرسالة: ومن على ثلاثة أميال منه هو المراعي شخصه أو مسكنه مثل أن يكون مسكنه داخل الثلاثة الاميال أو كان منزله خارج الثلاثة الاميال وحخذه الوقت داخل الثلاثة الاميال. الشيخ: لا يجب على الاول ويجب على الثاني، هكذا حكمه والله أعلم. وقد طال عهدي بهاتين المسألتين. انتهى كلام الجزولي. وذكره


[ 534 ]

الشيخ يوسف بن عمر. وقال ابن فرحون: من كان منزله أبعد من ثلاثة أميال وكان في وقت السعي في ثلاثة أميال، فإن كان مجتازا لم يجب عليه السعي وإن كان مقيما فله حكم ذلك المنزل انتهى. الثاني: هذا في حق من كان خارج المصر، وسما من كان في المصر الكبير فتجب عليه الجمعة وإن كان بين منزله والجامع ستة أميال. قاله ابن رشد في رسم الصلاة الاول من سماع أشهب قال: وذلك روى ابن أبي أويس وابن وهب عن مالك انتهى ونقله ابن عرفة. ص: (كان أدرك المسافر النداء قبله) ش: نحوه في ابن الحاجب وغيره. وظاهره تعليق الرجوع بأن يدركه الاذان لا بالزوال. فلو زالت الشمس ولم يسمع النداء لم يلزمه الرجوع. وصرح به في الطراز فقال: وإن خرج قبل الزوال فزالت قبل أن يجاوز الثلاثة الاميال، فإن لم يؤذن للجمعة حتى جاوز الثلاثة الاميال تمادى، وذلك تخفيف لان السعي متعلق بالاذان ووقت ابتداء السفر لم تجب الجمعة فلا يراعى الوقت بمجرده. وإن أذن لها قبل الثلاثة الاميال قال الباجي: الظاهر من المذهب أنه يجب عليه الرجوع وفيه نظر انتهى. ثم وجه النظر بنحو ما يأتي عن ابن بشير ونص كلام الباجي: فإن خرج من منزله يوم الجمعة فأذن لصلاة الجمعة قبل أن يكون بينه وبين موضع الجمعة ثلاثة أميال، فالظاهر من المذهب أنه يجب عليه الرجوع لانه نودي للصلاة وهو من أهل الجمعة بموضع يلزم منه إتيان الجمعة انتهى. وعلقه ابن بشير وابن عرفة بدخول الوقت. قال ابن بشير: ولو أنشأ السفر فحضر الوقت قبل أن يجاوز الثلاثة الاميال فقال الباجي مقتضى المذهب لزوم الجمعة له وفيه نظر، لانه رفض الاقامة وحصل له حكم السفرنية وفعلا انتهى. وقال ابن عرفة: وفي لزومها المسافر قبل وقت المنع فأدركه قبل ثلاثة أميال قولا الباجي وابن بشير الامر به انتهى. تنبيه: قال ابن عبد السلام: وهذا إذا كان يغلب على ظنه أنه يدركها أو يدرك ركعة منها، وأما إن كان يغلب على ظنه أن رجوعه لا يدرك به شيئا فلا فائدة في الامر به. انتهى


[ 535 ]

وقاله في التوضيح. ص: (لا بالاقامة إلا تبعا) ش: قال في المنتقى: الخقامة اعتقاد المقام بموضع مدة يلزم إتمام الصلاة بها، والاستيطان نية التأبيد انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا تجب على المسافر ما لم ينو الاقامة، فإن حضرها صحت على المشهور. وعلى المشهور قال يستحب له حضورها ؟ قال ابن راشد قال بعض الاشياخ: ينبغي أن يفعل إذا كان لا مضرة عليه في الحضور ولا يشغله عن حوائجه انتهى. فرع في مندوبات الجمعة: ص: (وندب تحسين هيئة وجميل ثياب) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وتستحب الزينة وقص الشارب والاظفار ونتف الابط والاستحداد والسواك وجميل الثياب انتهى. وقاله في الطراز. ص: (ومشى) ش: قال في المنتقي في أول الكلام على غسل الجمعة والرواح إليها: والمشي إلى الجمعة أفضل إلا أن يمنعه من ذلك ماء أو طين أو بعد مكان. والاصل في ذلك ما رواه عبادة بن رفاعة قال: أدركني أبو عيسى وأنا ذاهب إلى الحمعة فقال: سمعت رسول الله (ص) من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار انتهى. ص: (وتهجير) ش: يعني أن التهجير مستحب، واحترز به من التكبير عند طلوع الشمس فإنه مكروه، وهذا واضح ولم يتعرض المؤلف ولا الشيخ تاج الدين بهرام في شروحه لبيان وقت التهجير المطلوب. وذكر في الذخيرة في ذلك قولين ونصه: قال في الجلاب: التهجير أفضل من التكبر خلافا لابن حبيب والشافعي. واختلف الشافعية هل أوله الفجر أو الشمس محتجين بقوله عليه السلام في الموطأ من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الاولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة


[ 536 ]

الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر فحملوا الساعة على العادية، وقسم مالك الساعة السادسة خمسة أقسام فحمل الحديث على هذه الاقسام. حجته أن الرواح لغة لا يكون إلا بعد الزوال ومنه قوله تعالى * (غدوها شهر ورواحها شهر) * فالمجاز لازم على المذهبين، ومذهبنا أقربهما للحقيقة فيكون أولى، ولانه عقب الخامسة بخروج الامام وهو لا يخرج بعد الخامسة من ساعات النهار وإلا لوقعت الصلاة قبل الزوال، وإذا بطل أحد المذهبين تعين الآخر إذ لا قائل بالفرق، وتقسيم السادسة لصاحب المنتقي وصاحب الاستذكار والعبدي في شرح الرسالة وصاحب الطراز. وقال اللخمي وابن بشير وصاحب المعلم وابن يونس وجماعة: التقسيم في السابعة. والموجود لمالك إنما هو قوله: أرى هذه الساعات في ساعة واحدة ولم يعين. فاختلف أصحابه في تفسير قوله على هذين القولين والاول هو الصحيح، لان حديث مسلم كنا ننصرف من صلاة الجمعة والجدرات ليس لها فئ. وإذا كان عليه السلام يخرج في أول السابعة وقد قال في الحديث فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر فإذا كان الامام يخرج في أول السابعة بطل الحديث بالكلية. ولا يمكن أن يقال: إن تلك الازمنة في غاية الصغر فإن الحديث يأباه والقواعد، لان البدنة والبيضة لا بد أن يكون بينهما من التعجيل والتأخير وتحمل المكلف من المشقة يقتضي هذا التفصيل وإلا فلا معنى للحديث انتهى. وما ذكره عن صاحب المنتقي هو في شرح هذا الحديث ونصه: ذهب مالك إلى أن هذا كله في ساعة واحدة وأن هذه أجزاء من الساعة السادسة ولم ير التبكير لها من أول النهار. رواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في العتبية. وذهب ابن حبيب والشافعي إلى أن ذلك في الساعات المعلومات، وأن أفضل الاوقات في ذلك أول ساعة النهار. والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك أن الساعة السادسة من النهار لم يذكر فضيلة من جاء فيها، وليس بوقت قعود الامام على المنبر، ولا بوقت استماع الذكر منه، والحديث يقتضي أن في ذلك الوقت


[ 537 ]

ترتفع فضيلة الرواح وتحضر الملائكة للذكر، وأن ذلك متصل بالساعة الخامسة وهذا باطل باتفاق. فثبت أنه لم يرد به الساعة الخامسة من ساعات النهار لان الساعة السادسة تفصل بينها وبين الذكر، وإذا بطل ذلك ثبت أنه إنما أريد به أجزاء من الساعة السادسة وتلك الساعة يصح تجزئتها على خمسة أجزاء وأقل وأكثر. ودليل ثان أنه (ص) قال ثم راح والرواح إنما يكون بعد نصف النهار أو ما قرب من ذلك انتهى. واقتصر الجزولي في أحد شروحه على الرسالة على نقل كلام الباجي، وأما عبد الوهاب وابن ناجي فلم يتعرضا لتبين الوقت. وقول القرافي والموجود لمالك إنما هو إلى آخره يقتضي أنه لم يرد عن مالك نص على أنها قبل الزوال، وقد ورد مصرحا في سماع أشهب من العتبية وبينه ابن رشد ولم يحك غيره فتقوى القول الذي صححه القرافي وزاد صحة على صحة بورود النص عن مالك على وفقه وتقرير ابن رشد له، غير أنه لم يصرح بأن وقت الرواح يدخل بأول الساعة السادسة وإنما ذكر أن التهجير يكون قبل الزوال، ويرجع في قدر ذلك، إلى ما اتصل به العمل كما سيأتي ونصه: مسألة: وسئل عن التهجير يوم الجمعة قال: نعم يهجر بقدر قال الله تعالى * (إنا كل شئ خلقناه بقدر) * وقال * (قد جعل الله لكل شئ قدر) * وكان أصحاب النبي (ص) لا يغدون إلى الجمعة هكذا، وأنا أكره هذا القدر هكذا، حتى أن المرء لا يعرف به وأنا أخاف على هذا الذي يقدر أن يدخله شئ وأن يحب أن يعرف به فأنا أكرهه ولا أحبه ولكن رواحا بقدر، وقد سمعت السائل يسأل ربيعة يقول: لان ألقى في طريق المسجد أحب إلي من أن ألقى في طريق السوق، فقيل لمالك: ما تقول أنت في هذا ؟ فقال: هذا ما لا يجد أحد منه بدا. قيل: أفترى أن يروح قبل الزوال ؟ قال: نعم في رأيي. قيل له: أتهجر بالرواح إلى الصلاة يوم الجمعة ؟ فقال: نعم في ذلك سعة. قال القاضي محمد بن رشد: كره مالك الغد وبالرواح إلى الجمعة من أول النهار لانه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره عن أصحاب رسول الله (ص) كانوا لا يغدون إلى الجمعة، فاستدل بذلك على أن النبي (ص) لم يرد بالخمس ساعات في قوله ثم راح في الساعة الاولى إلى آخر الحديث ساعات النهار المعلومة من أولها على ما ذهب إليه جماعة من العلماء ومنهم الشافعي، وأنه إنما عنى بذلك ساعة الرواح وهي التي تتصل بالزوال وقت خروج الامام فهي التي تنقسم على الخمس، فيكون الرائح في الاولى منها كالمهدي بدنة، وفي الثانية كالمهدي بقرة، وفي الثالثة كالمهدي كبشا أقرن، وفي الرابعة كالمهدي دجاجة، وفي الخامسة كالمتصلة بالزوال. وخروج الامم كالمهدي بيضة. ولما لم تكن هذه الساعات منقسمة على الخمس ساعات محدودة بجزء معلوم من النهار قبل زوال الشمس فيعلم حدها حقيقة، وجب أن يرجع في قدرها إلى ما اتصل به العمل، وأخذه الخلف عن السلف فلذلك قال مالك: إنه يهجر بقدر أي يتحرى قدر تهجير السلف فلا ينقص منه ولا يزيد عليه فيغدو من أول النهار لانه إذا فعل ذلك عليهم شذ عنهم


[ 538 ]

فصار كأنه فهم من الحديث ما لم يفهموه أو رغب عن الفضيلة ما لم يرغبون انتهى. يقد أغفل ابن عرفة والبساطي هذه النقول واقتصرا على القول الثاني الذي حكاه القرافي. ونص ابن عرفة: ويستحب التبكير بعد الزوال وفي كونه كذلك بعد طلوع الشمس وكراهته قولا ابن حبيب ومالك انتهى. وفي إطلاقه التبكير علي ما بعد الزوال مسامحة. ونص البساطي: وأما مندوبية التهجير فمبني على أنه المراد من الساعة الاولى. فقال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، إن الساعة الاولى في الحديث طلوع الشمس ثم كذلك. وقال مالك: الساعة التي بعد الزوال تنقسم ساعات انتهى. واختار هذا القول ابن العربي في عارضته والاول أصح لمن تقدم، ولان المطلوب أن يكون خروج الامام بأثر الزوال في أول السابعة. وصرح الرجراجي بمشهوريته ونصه في شرح مشكلات المدونة: اختلف في وقت التبكير على ثلاثة مذاهب: أحدها أنه من أول النهار وهو مذهب الشافعي وبه قال ابن حبيب من أصحابنا، والثاني أنه في الساعة السادسة وهو مشهور مذهب مالك، والثالث أنه قبل الزوال انتهى. ص: (وسلام خطيب لخروجه لا صعوده) ش: ذكر الشيخ أبو الحسن الصغير أن الخطيب والمؤذن الذي يناوله العصا يسلمان إذا دخلا فيؤخذ منه أنه يكون مع الخطيب مؤذن يناوله العصا. وقال في اللباب: من المكروهات سلام الامام على الناس إذا رقي المنبر انتهى. ص: (وجلوسه أولا وبينهما) ش: أما الجلوس الثاني فلم أر من حكى فيه قولا بالاستحباب فضلا عن كونه المشهور، وأما الاول فنقل في التوضيح عن ابن عبد البر أن فيه قولا بالاستحباب ولكن لم أر من شهره، وحكى فيه ابن الحاجب قولا بالوجوب وأنكره ابن عرفة. والحاصل أن كلا من الجلستين سنة على المعروف والله أعلم. وقال اللخمي في تبصرته. وإذا صعد الامام المنبر يوم الجمعة جلس حتى يؤذن المؤذن. واختلف هل يجلس إذا صعد للخطبة في العيدين والاستسقاء ويوم عرفة ؟ قال مالك في المدونة: يجلس إذا صعد المنبر قبل أن يخطب. وقال في المبسوط: لا يجلس وإنما يجلس في الجمعة انتظارا للمؤذن أن يفرغ. قال عبد الملك: وكان يرى إذا استوى على المنبر خطب قبل أن يجلس لانه لا ينتظر فيهما مؤذنا. قال الشيخ: قوله في المدونة أحسن لان جلوسه ذلك


[ 539 ]

أهدى لما يريد أن يفتتحه وفيه زيادة وقار انتهى. وقال في الرسالة في صلاة العيدين: ويجلس في أول خطبته وفي وسطها انتهى. وقال في المنتقي: ومقدار الجلوس بين الخطبتين مقدار الجلسة بين السجدتين. ورواه يحيى بن يحيى عن ابن القاصم لانه فصل بين مشتبهتين كالجلوس بين السجدتين انتهى. وقال في الكافي يفصله بينهما بجلوس قدر ما يقرأ * (قل هو الله أحد) * انتهى. ص: (ورفع صوته) ش: قال ابن عرفة: وظاهر المذهب إسرارها كعدمها. وقول ابن هارون فلو أسر حتى لم يسمعه أحد أجزأت وأنصت لها لا أعرفه انتهى. والظاهر ما قاله ابن عرفة. ص: (واستخلافه لعذر حاضرها) ش: يشير إلى قوله في المدونة: وإن أحدث الامام في الخطبة فلا يتمها ولكن يستخلف من شهدها فيتم بهم، وكذلك لو أحدث بعد الخطبة أو بعد ما أحرم وإن استخلف من لم يشهدها فصلى بهم أجزأتهم، وإن مضى الامام ولم يستخلف لم يصلوا أفذاذا ويستخلفون من يتم بهم وأحب إلي أن يقدموا من شهد الخطبة، فإن لم يشهدها أجزأتهم، وإن صلوا الجمعة أفذاذا أعاد واو وإن تقدم بهم رجل من تلقاء نفسه ولم يقدموه ولا إمامهم أجزأتهم، والجمعة وغيرها في هذا سواء انتهى والله أعلم. فرع: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم: لا يجوز استخلاف المسافر والعبد في الجمعة والعيد خلافا لاشهب، وتقدم الكلام على ذلك في صلاة الجماعة. ص: (وختم الثانية بيغفر الله لنا ولكم وأجزأ اذكروا الله يذكركم) ش: قال ابن عرفة: ويستحب بدؤها بالحمد وختمها بأستغفر الله لي ولكم انتهى. ص: (وتوكؤا علي كقوس) ش: ابن عرفة: وفي استحباب توكئه على عصا بيمينه خوف العبث مشهور روايتي ابن القاسم وشاذتهما، وفي


[ 540 ]

إغناء القوس عنها مطلقا أو بالسيف فقط روايتا ابن وهب وابن زياد، ويستحب كونه على منبر قرب المحراب. وروى ابن القاسم تخيير من لا يرقاه في قيامه بيمينه أو شماله. ورجح ابن رشد يمينه لمن مسك عصا بقرب المحراب، ويساره لتاركها ليضع يمينه على عود المنبر انتهى. فرع: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: الاذان بين يدي الامام في الجمعة مكروه نهى عنه مالك لانه بدعة أول من أحدثه هشام بن عبد الملك. ص: (وأخر الظهر راج زوال عذره) ش: لو قال: وتأخير راج زوال عذره الظهر لكان أبين في الدلالة على أن ذلك مستحب كما هو المنصوص على ما ذكره في التوضيح وغيره. وكذلك قوله واستؤذن أمام لو قال واستئذان إمام لكان أحسن لانه مستحب. ص: (ولا يجمع الظهر إلا لعذر) ش: قال ابن رشد في رسم باع شاة من سماع عيسى: إن المصلين الجمعة ظهرا حيث


[ 541 ]

ججب الجمعة أربع طوائف: طائفة لا تجب عليهم الجمعة وهم المرضى والمسافرون وأهل السجون فهؤلاء يجمعون إلا على رواية شاذة جاءت عن ابن القاسم أنهم لا يجمعون لعذر، فإن جمعوا على هذه الرواية لم يعيدوا. وطائفة تخلفت عن الجمعة لعذر فاختلف هل يجمعون أم لا على ما جاء في هذه الرواية مع الخلاف بين ابن القاسم وابن وهب، فإن جمعوا على مذهب ابن وهب لم يعيدوا. وطائفة فاتتهم الجمعة فهؤلاء المشهور " أنهم لا يجمعون وقد قيل يجمعون. وروى ذلك عن مالك وبعض أصحابه، فإن جمعوا لم يعيدوا. وطائفة تخلفت عن الجمعة بغير عذر فهؤلاء لا يجمعون. واختلف إن جمعوا فقيل يعيدون، وقيل لا يعيدون انتهى. وقال قبله في رسم نقدها من سماع عيسى أيضا في قرية تقام فيها الجمعة وحولها منازل على ميلين أو ثلاثة تفوتهم الجمعة إنهم يصلون أفذاذا. قال: فإن صلوا ظهرا جماعة فبئس ما صنعوا ولا إعادة عليهم. قال: ومثله من كان في المصر. قال ابن رشد: قوله في الذي تجب عليهم الجمعة أنهم لا يجمعون إذا فاتتهم هو المشهور في المذهب. وقوله لا إعادة عليهم إن جمعوا صحيح لانهم إنما منعوا من الجمع للمحافظة على الجمعة أو لئلا يكون ذريعة لاهل البدع، فإذا جمعوا وجب أن لا يعيدوا على كل واحدة من العلتين. وقد روي عن مالك أنهم يجمعون وهو قول ابن نافع وأشهب، وكذلك من تخلف عن الجمعة لغير عذر غالب المشهور أنه لا يجمعون إلا أنهم إن جمعوا فاختلف فيه، فروى يحيى عن ابن القاسم في أول رسم من هذا الكتاب أنهم يعيدون. وقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يعيدون. وقاله أصبغ في المتخلفين من غير عذر وهو الاظهر إذا قيل إنهم يجمعون وإن كانوا تعذروا في ترك الجمعة فلا يحرمنا أفضل الجماعة انتهى.


[ 542 ]

فرع: وقال ابن ناجي في شرحه الصغير على المدونة عند قولها: وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم فلا يجمعوا قوة لفظها تقتضي أن الجماعة إذا تخلفت عن الجمعة لاجل بيعة الامير الظالم فإنهم لا يجمعون وبه قال ابن القاسم، وخالفه ابن وهب لما وقعت بهم بالاسكندرية فجمع ابن وهب بمن حضر ورأى أنهم كالمسافرين. ولم يجمع ابن القاسم معهم ورأى أن ذلك لمن فاتتة الجمعة لقدرتهم على شهودها فقدموا على مالك فسألوه فقال: لا يجمعوا. وقال: لا يجمع إلا أهل السجن والمرضى والمسافرون. ولما بان كفر عبيد الله الشغبي في الجامع على المنبر وأول خطبة خطبها بالقيروان وإن ترك جبل بن حمود الصلاة في الجامع فكان يصلي الظهر أربع ركعات بإمام، وأنكر ذلك عليه أحمد بن أبي سليمان وكان من رجال سحنون صحبه عشرين سنة فقال له: نحن أقمنا أنفسنا مقام المسجونين. ووقعت مسألة من هذا المعنى بقرطبة وذلك أنه غاب الامير وكان محتجبا لا تستطاع رؤيته، فأفتى بن يحيى أن يجمع الناس ظهرا، وأفتى ابن حبيب أن يصلوا أفذاذا فنقد رأي يحيى بن يحيى فخرج ابن حبيب من المسجد وصلى وحده فاستحسنه ابن زرب وقال: إنه مذهب المدونة. قلت: ومحمل المسألة على أنهم خافوا أن يقيموا الجمعة مع غيبته وهو بين واضح انتهى. ص: (وإلا لم تجز) ش: كذا في غالب النسخ لم تجز من الاجزاء، وهكذا نقل في التوضيح عن المجموعة وقال: يريد لان مخالفة الامام لا تحل وما لا يحل فعله لا يجزئ عن الواجب انتهى. قلت: ونحوه في الطراز وفرعه على القول بأن إذن الامام ليس بشرط، وإنهم إذا منعهم وأمنوا أقاموها ووجه بأنه محل اجتهاد فإن أنهج السلطان فيها منهجا فلا يخالف ويجب اتباعه كالحاكم إذا حكم بقضية فيها اختلاف بين العلماء فإن حكمه ماض غير مردود، ولان


[ 543 ]

الخروج عن حكم السلطان سبب الفتنة والهرج وذلك لا يحل، وما لا يحل فعله لا يجزئ عن الواجب انتهى. وهذا التوجيه الذي ذكره جار فيما إذا أمنوا فتأمله. ص: (وسن غسل متصل بالرواح) ش: تصوره واضح وصفته كغسل الجنابة. قال في الحديث المتقدم من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة قال الباجي: قوله غسل الجنابة يحتمل أن يريد غسلا على صفة غسل الجنابة، ويحتمل أن يريد الجنب المغتسل لجنابته فقد روي عن الشيخ ابن أبي زيد أن معنى ما روي عن النبي (ص) أنه قال: من اغتسل أو غسل أوجب الغسل على غيره بالجماع واغتسل هو منه انتهى. والحديث المشار إليه هو ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وصححه، ورواه الطبراني عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله (ص) يقول من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام يسمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها انتهى من الترغيب. وقال إثره: قال الخطابي: قوله


[ 544 ]

عليه السلام غسل واغتسل وبكر وابتكر اختلف الناس في معناه، فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المتظافر الذي يراد به التوكيد، ألا تراه يقول ولشى ولم يركب وإليه ذهب أحمد. وقال بعضهم: معنى غسل رأسه خاصة واغتسل غسل سائر الجسد. وزعم بعضهم أن قوله غسل أن معناه أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه. وقوله بكر وابتكر زعم بعضهم أن معنى بكر أدرك باكورة الخطبة وهي أولها، ومعنى ابتكر قدم في أول الوقت. وقال ابن الانباري: معنى بكر تصدق قبل خروجه وتأول في ذلك ما روي في الحديث من قوله عليه السلام باكروا بالصدقة فإن الجلاء لا يتخطاها وقال ابن خزيمة: من قال غسل بالتشديد معناه جامع. ومن قال غسل بالتخفيف أراد غسل رأسه انتهى. تنبيهات: الاول: قال في المدونة: فإن اغتسل وراح ثم أحدث أو خرج من المسجد إلى موضع قريب لم ينتقض غسله، وإن تباعد أو سعى في بعض حوائجه أو تعدى أو نام انتقض غسله وأعاد. قال ابن ناجي قال أبوعمران قوله: ثم أحدث أي مغلوبا عليه ثم رجع فقال: ذلك سواء، وقال ابن مزين: أما المتعمد فيعيد الغسل وهو أشد من النوم والغذاء انتهى. ولو أجنب بعد غسله فالظاهر أن غسله ينتقض لانهم قالوا: إذا كان جنبا ونوى غسل الجمعة ناسيا للجنابة أو أنه ينوب عن غسل الجنابة لا يجزيه ذلك لا عن الجنابة ولا عن الجمعة. قال في التوضيح: لان شرط غسل الجمعة حصول غسل الجنابة والله أعلم. الثاني: قال البرزلي في كتاب الصلاة: وحكى في تعاليق أبي عمران في الانسان يذكر وهو في المسجد يوم الجمعة أنه لم يغتسل فإنه يستحب له أن يخرج فيغتسل وإن لم يدرك الامام إلا بعد فراغه من الخطبة، وإن كان لا يدرك حتى تفوته بعض الصلاة فلا يخرج يصليها بغير غسل لانه سنة. وفي الاكمال ما يقتضي أنه لا يخرج للغسل لظاهر إنكار عمر على عثمان، ولان سماع الخطبة واجب فلا يترك لسنة انتهى. وهذا هو الصاهر. وما في التعليق جار على القول بأن سماع الخطيب ليس بواجب والله أعلم. الثالث: قال اللخمي: الغسل لمن لا رائحة له حسن، ولمن له رائحة واجب كالحوات والقصاب وعلى كل من أكل توما أو بصلا أو كراثا نيأ أن يستعمل ما يزيل ذلك عنه لقول


[ 545 ]

النبي (ص) من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجد فأسقط حقه من المسجد. وإذا كان من حق المصلين والملائكة والمسجد أن يخرج عنهم وكان حضور الجمعة واجبا، وجب أن يزيل ما عليه من تلك الروائح. انتهى من باب الغسل للجمعة من التبصرة. الرابع: قال المازري في أوائل شرح التلقين: وأما غسل الجمعة فهل يفتقر إلى نية أم لا ؟ يتخرج على قولين: أحدهما: وهو الظاهر من المذهب أنه يفتقر إلى نية لانها طهارة حكمية ليس المطلوب بها في حق كل مكلف إزالة عين، لانها وإن كان سبب الخطاب بها النظافة وإزالة الرائحة الكريهة فقد يخاطب بها من لا رائحة عنده يزيلها فألحقت بحكم طهارة الحدث التي لا تزال بها عين، ولهذا منع في أحد القولين من أن يغتسل لها بماء الورد والماء المضاف الذي لا تجزئ الطهارة به. والثاني أنه لا يفتقر إلى نية لان سببها في أصل الشرع إزالة الروائح الكريهة فألحقت بطهارة النجاسة التي الغرض بها إزالة العين فلم يفتقر إلى نية. وقال الشبيبي: قال صاحب البيان والتقريب: الصحيح افتقاره إلى النية انتهى. ص: (وجاز تخط قبل جلوس الخطيب) ش: نحوه في المدونة وزاد: إذا رأى بين يديه فرجة وليرفق في ذلك. ومفهوم كلام المصنف أن التخطي بعد جلوسه لا يجوز، والذي في المدونة إنما يكره التخطي يوم الجمعة إذا قعد الامام على المنبر. فظاهرها الكراهة لكن قال ابن ناجي كان شيخنا يعني البرزلي يحمل الكراهة على التحريم مستدلا بقوله (ص) للذي تخطى رقاب الناس آديت. وفهم من كلام المصنف أن بنفس جلوس الامام على المنبر يمتنع التخطي وإن لم يشرع في الخطبة. قال ابن ناجي: وكذلك. قلت: في نقله عن البرزلي قصور، فقد صرح بمنعه ابن عرفة وبمنع جلوسه التخطي لفرجة انتهى. ثم قال ابن ناجي: ويجوز بعد خروجه وقبل جلوسه على المنبر واختلف فيما بين نزوله من المنبر والصلاة على قولين للرماح وأبي الحسن العبدلي. قلت: وخرجه ابن عرفة على جواز الكلام حينئذ. وحكى فيه روايتين، ومذهب المدونة الجواز وعليه مشى المصنف ثم قال: وأما المشي بين الصفوف فيجوز ولو كان الامام يخطب. ص: (واحتباء فيها) ش: يعني أنه


[ 546 ]

يجوز الاحتباء والامام في الخطبة ويشير به والله أعلم إلى قوله في المدونة: ولا بأس باحتباء والامام يخطب، وأما احتباء الامام إذا جلس بين الخطبتين فهو وإن كان جائزا فلا يقال فيه احتباء فيها. وقال الباجي في المنتقى: روى ابن نافع عن مالك لا بأس أن يحتبي الرجل يوم الجمعة والامام يخطب، وله أن يمد رجليه. وقال في النوادر: وله أن يحتبي والامام يخطب. قال ابن حبيب: ويلتفت يمينا وشمالا ويمد رجليه لان ذلك معونة له على ما يريده فليفعل من ذلك ما هو أرفق له انتهى. تنبيه: روى أبو داود والترمذي والحاكم وابن ماجه أن رسول الله (ص) نهى عن الحبوة يوم الجمعة والامام يخطب. قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبي والامام يخطب، وكان أنس رجل الصحابة والتابعين قالوا: لا بأس بها. ولم يبلغني أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسي. وقال الترمذي: وكره قوم الحبوة وقت الخطبة ورخص فيها آخرون. قال النووي: ولا يكره عند الشافعي ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي وغيرهم، وكرهها بعض أهل الحديث للحديث المذكور. وقال الخطابي: والمعنى فيه أنه تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض وتمنع من استماع الخطبة. فائدة: الاحتباء هو أن يضم الانسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشد عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. قال في النهاية: يقال احتبى يحتبي احتباء والاسم الحبوة بالضم والكسر والجمع حبا وحباء. قال: وفي الحديث الاحتباء حيطان العرب يعني ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا لان الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار انتهى. ص: (كتأمين وتعوذ عند السبب) ش: ليس هذا مثالا للذكر القليل لان هذا جائز بلا خلاف. والذكر الخفيف فيه قولان، ومذهب المدونة الجواز ولكن تركه احسن. قال في المدونة: ومن اقبل على الذكر شيئا يسيرا في نفسه والامام يخطب فلا بأس وترك ذلك أحسن وأحب إلي أن ينصب ويستمع. قال ابن ناجي: ما ذكره هو أحد القولين. ولا خلاف في جواز الصلاة على النبي (ص) و التعوذ من النار والتأمين بعد ذكر الامام


[ 547 ]

أسباب ذلك، وإنما اختلف هل يجهر أو يسر على قولين انتهى. ومثله في الطراز غير أنه ذكر أن القسم الاول يستحب تركه كما يفهم من المدونة، وذكر في التوضيح الاتفاق على إجازة الثاني، وأن الخلاف إنما هو في صفة النطق به. قال: والقول بإسرار ذلك لمالك وصححه بعضهم، والقول بالجهر لابن حبيب وذكر القولين في الطراز. ونص قول ابن حبيب على ما نقل في الطراز: لا بأس أن يدعو الامام في الخطبة المرة بعد المرة ويؤمن الناس ويجهروا بذلك جهرا ليس بالعالي ولا يكثروا منه انتهى. قلت: فعلم أن الجهر العالي لم يقل به أحد وقد صرح في المدخل بأنه بدعة. تنبيه: علم من هذا أن الجواز في القسم الاول ليس هو بمعنى استواء الطرفين لان الترك مستحب فلا ينبغي تشبيه الثاني به. ص: (ونهى خطيب أو أمره وإجابته) ش: قال ابن حجر في أول كتاب العلم من فتح الباري في حديث الذي سأل النبي (ص) وهو يتحدث فمضى في حديثه ما نصه: أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد غيرهما في الخطبة فقال: لا يقطع الخطبة لسؤال سائل بل إذا فرغ بجيبه. وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب، أو في غير الواجبات فيجيب. ثم قال: والاولى حينئذ التفصيل. فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ولاسيما إن اختص بالسائل فيستحب إجابته ثم يتم الخطبة، وكذا بين الخطبة والصلاة. وإن كان بخلاف ذلك فيؤخرها، وكذا يقع في أثناء الواجب ما يقتضي تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الاصح ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الاحاديث الواردة في ذلك. فإن كان السؤال من الامور التي ليست معرفتها على الفور بمهتم به فيؤخر كما في هذا الحديث ولاسيما إن كان ترك السؤال عن ذلك أولى، وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيت الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال: أين السائل ؟ فأجابه آخر، وإن كان السائل به


[ 548 ]

ضرورة ناجزة فيقدم إجابته كما في حديث أبي رفاعة عن مسلم أنه قال للنبي (ص) وهو يخطب: رجل غريب لا يدري دينه جاء يسأل عن دينه فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وكما في حديث سمرة عند أحمد أتى أعرابي يسأل النبي (ص) عن الضب، وكذا في الصحيحين في قضية سليك لما دخل المسجد والنبي (ص) عليه يخطب فقال له: أصليت ركعتين الحديث. وفي حديث أنس: كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي (ص) حتى ربما نعس بعض القوم ثم يدخل في الصلاة. وفي بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة انتهى. وانظر كلام ابن بطال في شرح البخاري. ص: (والعمل يومها) ش: إي يكره ترك العمل يوم الجمعة يريد إذا تركه تعظيما لليوم كما يفعل أهل الكتاب، وأما ترك العمل للاستراحة فمباح. قال صاحب الطراز: وتركه للاشتغال بأمر الجمعة من دخول حمام وتنظيف ثياب وسعي إلى مسجد من بعد منزل فحسن يثاب عليه انتهى. ص: (أو جالس عند الاذان) ش: قال الشارح في الكبير: هو مجرور عطفا على إمام أي وكره تنفل جالس عند الاذان انتهى. ويريد المؤلف بالاذان الاول كما قاله الشارح في الصغي وقاله البساطي والاقفهسي ونقله عن مختصر الوقار. ونص كلام الشارح: ويكره أيضا لمن كان جالسا في المسجد حين يسمع الاذان الاول أن يقوم يتنفل حينئذ، وأخرج به الداخل حينئذ ومن كان في المسجد متنفلا وطرأ عليه الاذان فإن هذا لا يكره انتهى. ونص كلام البساطي بعد أن جمع المكروهات في قولة واحدة: ومنها تنفل الجالس في المسجد حين يفرغ من الاذان الاول. ونص كلام الاقفهسي يعني من كان جالسا لصلاة الجمعة في المسجد فلا يتنفل بعد الاذان، نص على ذلك في مختصر الوقار. واحترز بقوله جالسا مما لو كان قائما يتنفل فإنه يستمر قائما يتنفل انتهى. ونص ما في مختصر الوقار في باب صلاة الجمعة: ويكره قيام الناس للركوع بعد فراغ المؤذنين من الاذان يوم الجمعة وغيرها انتهى. وقال ابن غازي: محمول على أذان غير الجمعة وإلا ناقض ما يأتي من تحريم ابتداء صلاة بخروج الامام


[ 549 ]

انتهى. وإذ علم أن المراد بالاذان الاذان الاول فلا خصوصية للجمعة، بل يكره التنفل عند الاذان لغيرها أيضا كما قاله في مختصر الوقار في كلامه المتقدم، غير أنه لم يذكر منع التنفل بخروج الامام وينبغي أن يقيد كلام المصنف بما نقله الشارح في الكبير ونصه: قال الاصحاب: وإنما يكره خشية اعتقاد فرصيته، فلو فعله إنسان في خاصة نفسه فلا بأس به إذا لم يجعل ذلك استنانا والله أعلم. وقال في المدخل: وينهى الامام الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الاذان الاول لجمعة لانه مخالف لما كان عليه السلف. ثم قال: ولا يمنع الركوع في ذلك الوقت لمن أراده وإنما المنع عن إتخاذ ذلك عادة بعد الاذان وأطال في ذلك والله أعلم. ص: (وسفر بعد الفجر وجاز قبله وحرم بالزوال) ش: وكذلك في العيد يكره السفر بعد الفجر قبل طلوع الشمس ويحرم بعد طلوعها. قاله ابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وفيه نظر، ويأتي الكلام عليه في باب العيد. ص: (ككلام في خطبته) ش: اعلم أن الانصات في خطبة الجمعة واجب، وأما العيد و الاستسقاء فقال مالك في رسم تأخير صلاة العشاءين من سماع ابن القاسم: إنه ينصت لهما كما ينصت للجمعة. وقال ابن رشد: وهذا واضح كما قال لانها خطبة مشروعة للصلاة فوجب أن يكون حكمها حكم خطبة الجمعة في الانصات. وذهب الطحاوي في خطبة العيدين إلى أنها للتعليم لا للصلاة كخطب الحج فلا يجب الانصات لها و الاستماع إليها انتهى. وقال ابن رشد أيضا في أول رسم من سماع أشهب في الصلاة: الخطب ثلاث: خطبة يجب الانصات إليها والاستماع " إليها باتفاق وهي خطبة الجمعة إذ لا خلاف أنها للصلاة. وخطبة لا يجب الانصات لها ولا الاستماع لها باتفاق وهي خطب الحج وهن ثلاث: أولها قبل يوم التروية بيوم بمكة بعد الظهر، و الثانية خطبة عرفة بعرفة قبل الظهر، والثالثة ثاني يوم النحر بمنى بعد الظهر إذ لا اختلاف أنها للتعليم لا للصلاة. وخطبة يختلف في وجوب الانصات لها و الاستماع إليها وهي خطبة العيدين والاستسقاء انتهى. وهذا الكلام شرح قوله: وسأل عن الامام يخطب من أمر كتاب يقرؤه وليس من أمر الجمعة ولا الصلاة أن ينصت من سمعه قال: ليس ذلك عليهم. قال القاضي:


[ 550 ]

هذا كما قال لان الانصات إنما يجب في الخطبة بالصلاة لاتصالها بها وكونها بمعناها في تحريم الكلام فيها انتهى. وقال في التوضيح في كتاب الحج البلنسي: الخطب ثلاثة أقسام: قسم ينصب فيه وهي خطبة الجمعة، وقسم لا ينصب فيه وهو خطب الحج كلها، وقسم اختلف فيه وهو خطب العيدين والاستسقاء، واستحب مالك الانصات فيهما انتهى. فرع: قال في التوضيح: والكلام عندنا محرم بكلام الامام لا قبل ذلك كم في الموطأ: خروج الامام يقطع الصلاة وكرمه يقطع الكلام انتهى. وظاهره أن الكلام يحرم بأول كلمة يقولها الامام على المنبر حتى لو كان الكلام شافعيا يسلم بعد رقيه على المنبر حرم الكلام حينئذ، وليس كذلك قولها: وإذا قام الامام يخطب فحينئذ يجب قطع الكلام و استقباله والانصات إليه لا قبل ذلك انتهى. فرع: قال ابن رعفة: يمنع جلوسه لها التخطي لفرجة والتنفل ولو تحية ابن بشير اتفاقا انتهى. فرع: قال المازري: ومما يحل محل الكلام تحريك ماله صوت كالحديد أو الثوب الجديد، وقد خرج مسلم عن النبي (ص) من حرك الحصباء فقد لغا انتهى. ص: (بقيامه) ش: الظاهر أن قوله بخطبته يغني عن قوله بقيامه بل ربما أوهم أن الانصات إنما يجب إذا خطب قائما. ص: (ولو لغير سامع) ش: ظاهره سواء كان بالمسجد أو خارجه وهو كذلك على ما رواه ابن المواز عن مالك. وقال مطرف وابن الماجشون: لا يجب الانصات حتى يدخل المسجد. وقيل: يجب إذا دخل رحاب المسجد التي تصلي فيها الجمعة. هكذا نقل الثلاثة الاقوال في التوضيح. وقال ابن عرفة: و يجب استماعها والصمت لها وبينهما وفي غير سامعهما ولو بخارج المسجد طرق الاكثر، كذلك قال ابن حارث اتفاقا. وقال في الشامل: يجب الانصات لها عند كلام الامام لا قبله وإن لم يسمع، وبين خطبتيه وإن كان خارج المسجد. وقيل: لا. فعلم من هذا


[ 551 ]

رجحان القول بوجوب الانصات خارج المسجد فيحمل إطلاق المصنف عليه. وقال ابن رشد في أثناء شرح مسألة في رسم شك من سماع ابن القاسم: فيه دليل على أنه يستحب لمن أتى الجمعة أن يترك الكلام في طريقه إذا علم أن الامام في الخطبة وكان بموضع يمكن أن يسمع منه كلام الامام. وقد قيل: إن الانصات لا يجب حتى يدخل المسجد وهو قول ابن الماجشون ومطرف. وقيل: يجب منذ يدخل رحاب المسجد التي تصلي فيها لاجمعة من ضيق المسجد انتهى. ص: (أو إشارة له) ش: هكذا قال الباجي إنه مقتضى المذهب والذي صدر به في الطراز عن المبسوط جوازها، ثم ذكر كلام الباجي ثم قال: وما في المبسوط أبي فإن الخطبة غايتها أن يكون لها حرمة الصلاة. ص: (وابتداء صلاة بخروجه وإن لداخل) ش: يعني أن الخطيب إذا خرج على الناس من دار الخطابة أو من باب المسجد فإنه يحرم ابتداء الصلاة حينئذ ولو لمن دخل المسجد حينئذ. واحترز بقوله ابتداء ممن خرج عليه الخطيب وهو في الصلاة فإنه يتمها. وقال عبد الحق في تهذيبه: وقال أشهب: معنى خروج الامام دخوله المسجد انتهى. تنبيهات: الاول: لو أتى المؤلف ب‍ " لو " لكان أجرى على اصطلاحه فإن كان السيوري يجوز التحية للداخل ولو كان الامام في الخطبة. قال ابن عرفة: وقول ابن شاس رواه محمد بن الحسن عن مالك لا أعرفه. هذا إذا جلس الامام على المنبر فإن النفل حينئذ يحرم على الجالس اتفاقا، وأما فيما بين جلوسه على المنبر وخروجه على الناس ففيه قولان: مذهب المدونة والمنع، ورواية المختصر الجواز. قاله ابن عرفة. الثاني: قال في رسم سلف في المتاع والحيوان من سماع ابن القاسم: وسئل مالك عن الرجل يقعد للتشهد يوم الجمعة في نافلة فيخرج الامام فأراد أن يدعو ولا يسمع ما دام المؤذنون يؤذنون. قال: بل يسلم إلى أن يقوم الامام قبل أن يسلم ولا يدعوه. ابن رشد: وقد استحب مالك في رواية ابن وهب عنه إذا لم يبق من صلاته إلا السلام أن يدعو ولا يسلم ما دام المؤذنون يؤذنون والامام جالس. والقياس ما في الكتاب لما جاء من أن خروج الامام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام انتهى. الثالث: هذا حكم النفل، وأما إذا ذكر المستمع للخطبة منسية فقال ابن ناجي قال عبد الحميد في استلحاقه قال أصحابنا: بقوم فيصلي وهو صحيح لان الصلاة التي ذكرها فرض،


[ 552 ]

وظاهره أنه يصليها بالمسجد ولا يخرج وهو أخف من خروجه في بعض الحالات انتهى. وقال البرزلي في أول مسألة من مسائل الصلاة: إذا ذكر صلاة الصبح والامام يخطب فليصلها بموضعه ويقول لمن يليه: أصلي الصبح إن كان ممن يقتدي به وإلا فليس عليه ذلك والله أعلم. وقال البساطي في المغني عن النوادر: وإن ذكر الخطيب صلاة صلاها وبنى على خطبته انتهى. وقال في المدونة في كتاب الصلاة الثاني: ومن نسي صلاة صلاها متى ما ذكرها لا يبالي أي وقت كان وإن بدأ حاجب الشمس أو كان عند غروبها انتهى. وقال المشذالي: قوله أي وقت كان ظاهره وهل كان في خطبة الجمعة وفيها لبعضهم نظر. قلت: في نوازل ابن الحاج: إذا ذكر الصبح والامام يخطب فليقم وليصلها بموضعه ويقول لمن يليه: أنا أصلي الصبح إن كان ممن يقتدي به وإلا فليس عليه ذلك. ولو ذكرها في صلاة الجمعة تمادى وصلى ما نسي، وفي إعادة الجمعة ظهرا اختلاف انتهى. فجوابه موافق لظاهر المدونة انتهى. الرابع: قال في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الصلاة مسألة قال ابن القاسم فيمن نسي صلاة الصبح يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة قال: يصلي الصبح ثم يصلي الجمعة أربعا. قال القاضي: والوقت في ذلك النهار كله. قال ذلك ابن المواز. وقال أشهب وسحنون والليث بن سعد وغيرهم: إن السلام من الجمعة خروج وقتها، ولو ذكر صلاة الصبح وهو في الجمعة مع الامام يخرج إن أيقن أنه يدرك من الجمعة ركعة بعد صلاة الصبح، وإن لم يوقن بذلك تمادى مع الامام وأعاد ظهرا أربعا على مذهب ابن القاسم خلافا لاشهب. ومن قال بمثل قوله أن السلام من الجمعة خروج وقتها. ووجه قول ابن القاسم أن الجمعة لما كانت بدلا من الظهر وقت الظهر قائم وجب أن يعد الجمعة ظهرا أربعا لتعذر إقامتها جمعة. ووجه قول أشهب ومن قال بمثل قوله إنه لما تعذر إقامتها جمعة كما كان صلاها سقطت عنه الاعادة إذ ليست بواجبة، ألا ترى أنها لا تجب بعد خروج الوقت ؟ وستأتي المسألة متكررة في سماع سحنون انتهى. الخامس: وجوب السعي للجمعة يمنع من فعل الظهر، فلو بقي لفعل الجمعة ما لو سار إلى الجمعة ما أدركها سقط عنه وجوب السعي وصح منه فعل الظهر. قاله سند في كتاب المختصر. ص: (ولا يقطع إن دخل) ش: يعني أن من ابتدأ الصلاة بعد خروج الامام جاهلا أو غافلا فلا يقطعها إن كان دخل المسجد حينئذ، وسواء كان دخوله قبل قيام الامام إلى الخطبة أو في حال الخطبة. ومفهوم الشرط أنه إذا لم يكن دخل المسجد حينئذ وإنما كان جالسا فيه فإنه يقطع وهو كذلك. قال في التوضيح: إذا ثبت أن الداخل والامام جالس لا يركع فأحرم


[ 553 ]

جاهلا أو غافلا فإنه يتمادى ولا يقطع على قول سحنون وروية ابن وهب عن مالك. وإن لم يفرغ حتى قام الامام للخطبة فقال ابن شعبان: يقطع. وكذا لو دخل الامام يخطب وأحرم لتمادي على الاول دون الثاني. قال في البيان: وهذا في حق الداخل في تلك الساعة فيحرم، وأما لو أحرم تلك الساعة من كان جالسا في المسجد فإنه يقطع قولا واحدا إذا لم يقل أحد بجواز النفل له بخلاف الداخل فإن بعض العلماء أجاز له التنفل انتهى. قلت: ولا ينبغي أن يحمل كلام المصنف على أن من أحرم قبل دخول الامام ثم دخل عليه الامام وهو في الصلاة لا يقع، لان هذا يستفاد من قوله أولا وابتداء صلاة لخروجه فعلم منه أن المحرم إنما هو ابتداء صلاة حينئذ لا إتمامها وهو كذلك باتفاق كما صرح به سند وغيره، وسواء عقد ركعة أم لا. قاله في المدونة. قال الباجي: التمادي متفق عليه وإنما اختلفوا هل يخفف صلاته أم لا ؟ فقال مالك في رواية ابن شعبان: يتم قراءته بالفاتحة فقط. وهو معنى سماع ابن القاسم إن كان في التشهد سلم ولم يدع. وقيل: يستمر في صلاته ولا يخفف وهو قول ابن حبيب يطيل في دعائه ما أحب وهو مقتضى رواية ابن وهب: يدعو ما دام المؤذنون والله أعلم. ص: (وفسخ بيع) ش: ذكر الفسخ استلزام التحريم ويستثنى من ذلك ما إذا انتقض وضوؤه حينئذ فيرخص له في شراء الماء كما نص عليه الشيخ أبو محمد عبد الحق وابن يونس. ونص كلام عبد الحق في النكت: وإذا انتقض وضوء ال) جل يوم الجمعة وقت النداء عند منع البيع فلم يجد ما يتوضأ به إلا بثمن، فحكى ابن أبي زيد أنه يجوز شراؤه ليتوضأ به ولا يفسد شراؤه انتهى. ونقله في التوضيح. وقال ابن ناجي في قول الرسالة: ويحرم حينئذ البيع. هذا مخصوص بغير شراء الماء لمن انتقض وضوؤه وقت النداء ولم يجد الماء إلا بالثمن. نص عليه أبو محمد ونقله عبد الحق في النكت وابن يونس ولم يحفص غيره في المذهب وهو ظاهر في أن صاحب الماء لا يجوز له بيعه، وإنما الرخصة في ذلك للمشتري المذكور وبه أفتى بعض من لقيته انتهى. وقال في شرح المدونة بعد ذكره كلام أبي محمد: اختلف في معناه، فقال شيخنا أبو مهدي أيده الله: ظاهر اللفظ أن الرخصة في ذلك إنما هي للمشتري، وأما صاحب الماء فلا يجوز له بيعه لضرورة الاول وعدم ضرورة الثاني كقول أشهب في شراء الزبل: وقال شيخنا يعني البرزلي: بل يجوز ليعين المشتري على تحصيل الطهارة بالرخصة لهما معا وبهذا أقول انتهى. قلت: وهذا الثاني هو الظاهر والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح قال ابن بشير: ومما ينخرط في سلك البيع الشرب من السقاء بعد النداء إذا كان بثمن وإن لم يدفع إليه الثمن في الحال قال: وهذا الذي قالوه ظاهر ما لم تدع إلى الشرب ضرورة انتهى. الثاني: ظاهر كلام المؤلف أن البيع يفسخ ولو لم يكن العاقدان من أهل الجمعة وليس


[ 554 ]

كذلك، وأما المنع فهم ممنوعون من البيع في الاسواق. قال ابن رشد في شرح ثانية رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: يريد أن الاسواق يمنع أن يبيع فيها العبيد ومن في معناهم ممن لا تجب عليهم الجمعة كما يمنع من ذلك من تجب عليه الجمعة سدا للذريعة، فإن باع فيها من لا تجب عليه الجمعة لم يفسخ بيعه، وأما في غير الاسواق فجائز للعبيد والمسافرين والنساء وأهل السجون والمرضى أن يتبايعوا فيما بينهم، فإن باع منهم من لا تجب عليه الجمعة ممن تجب فسخ بيعه كما يفسخ بيع من تجب عليه الجمعة ممن تجب عليه الجمعة. انتهى ونحوه في المدونة. ص: (بأذان ثان) ش: يريد إذا كان الاذان بعد جلوس الامام على المنبر، وإنما سكت عنه لان السنة في الاذان الثاني أن يكون بعد جلوس الامام. وهل يحرم بأول الاذان أو بالفراغ منه ؟ قولان نقلهما المشذالي في حاشية المدونة. قلت: والظاهر الاول كما تقدم في فصل الجماعة إنما يمتنع ابتداء الصلاة بالشروع في الاقامة، وعليه اقتصر سند ولم يذكر الثاني ونصه: والمعتبر من الاذان بأوله لا بتمامه، فإذا كبر المؤذن حرم البيع لان التحريم متعلق بالنداء انتهى. فروع: الاول: منتهى المنع بانقضاء الصلاة كما سيأتي في كلام ابن جزي والله أعلم. الثاني: إذا تعدد المؤذنون في الاذان الثاني فقال ابن ناجي في شرح الرسالة عند قوله وأخذ المؤذنون في الاذان: وظاهر كلام الشيخ يجب السعي عند سماع المؤذن الاول، واختلف فيها فقهاء بجباية من المتأخرين حسبما أخبرني من لقيته من التونسيين، فقال جماعة منهم بذلك، وقال آخرون: إنما يجب السعي عند سماع الثالث. والصواب عندي أن اختلافهم إنما هو خلاف في حال. فمن كان مكانه بعيدا بحيث إن لم يسع عند المؤذن الاول فاتته الصلاة وجب عليه حينئذ، وإن كان قريبا فلا يجب عليه حينئذ. وكذلك لو كان مكانه بعيدا جدا فإنه يجب عليه بمقدار ما إذا وصل حانت الصلاة إن كان ثم من يحضر الخطبة غيره ممن يكتفي بهم. انتهى والله أعلم.


[ 555 ]

الثالث: قال في التوضيح في شرح هذا المحل من البيوع الفاسدة: واختلف فيمن أخر صلاة حتى لم يبق مقدار وقتها الضروري إلا ما يوقعها فيه فباع في ذلك الوقت فقال القاضي إسماعيل: يفسح بيعه وهو اختيار الشيخ أبي عمران لوجود العلة التي في صلاة الجمعة هنا. وقال ابن سحنون: لا يفسخ. قال المازري: ويمكن أن يقال بعدم الفسخ هنا بخلاف الجمعة لكون الجماعة شرطا فيها، فمن المصلحة منع ما أدى إلى افتراق جمعهم والاخلال بشرط لا تصح الجمعة به بخلاف غيرها من الجمعات فإن الجماعة ليست شرطا فيها انتهى. ولقائل أن يقول في تفرقة المازري نحن لم نفسد بيعه للاخلال بالجماعة في غير الجمعة، وإنما أفسدناه للاخلال بالوقت المؤدي إلى كون الصلاة قضاء وإلى تأثيم فاعل ذلك. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: صوب ابن محرز وغيره عدم الفسخ قال: وفرقوا بأن الجمعة لا تقضى انتهى. وجزم ابن رشد في المقدمات بأن البيع لا يفسخ، سواء كانت السلعة قائمة أو فائتة. ثم قال في التوضيح: وألزم القائل بالبطلان أن يبطل بياعات الغصاب لانها واقعة في زمن كان يجب عليها فيه التشاغل برد الغصوبات. وألحق الغرناطي بالبيع يوم الجمعة البيع وقت الفتنة يريد في حق من طلب منه الخروج. ابن رشد: يحرم البيع في المكان المغصوب انتهى والله أعلم. ص: (كالبيع الفاسد) ش: قال البساطي: فيه المكان المغصوب انتهى والله أعلم. ص: (كالبيع الفاسد) ش: قال البساطي: فيه تشبيه الشئ بنفسه ويصح بتقدير كغيره من البيع الفاسد. ص: (لا نكاح وهبة وصدقة) ش: نفي المصنف عن هذه الثلاثة الفسخ وذلك لا يستلزم نفي الحرمة ولا ثبوتها. ومقتضى كلامهم أنها محرمة ولكن لا تفسخ. قال في الرسالة:


[ 556 ]

ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي انتهى. وقال في الطراز: ولا خلاف في منع كل ما يشغل، واختلف في فسخ النكاح إذا وقع. وقال ابن جزي في كتاب الجمعة: يحرم البيع والنكاح وسائر العقود من جلوس الخطيب إلى انقضاء الصلاة، فإن وقعت فاختلف في فسخها. وقال في كتاب النكاح لما عد الانكحة الفاسدة: وأما يوم الجمعة فإذا صعد الامام على المنبر حرم النكاح والبيع. وفي كلام صاحب التمهيد ما يدل على ذلك وسيأتي. وقال ابن العربي في أحكامه بعد أن ذكر عن ابن القاسم عدم فسخ النكاح وعدم الهبة والصدقة: والصحيح فسخ الجميع لان البيع إنما منع منه للاشتغال به، فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعا مفسوخ ردعا انتهى. وكلام المواق يقتضي جوازها ابتداء ونصه: قال ابن القاسم: وجائز أن يعقد النكاح والامام يخطب ولا يفسخ دخل أو لم يدخل والهبة والصدقة جائزة في تلك الساعة. قال أصبغ: لا يعجبني قوله في النكاح وأرى أن يفسخ وهو عندي بيع من البيوع. قال عبد الوهاب: يدخل هذا الخلاف في الهبة والصدقة لعله التشاغل، والصواب أن لا يدخلها ذلك لان أصبغ منع النكاح لانه بيع من البيوع. قال عبد الوهاب: وضارعه لان النص إنما ورد في البيع فما ضارعه مثله انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله، ويحتمل أن يريد بقوله جائزة أنها ماضية فتأمله والله أعلم. فرع: قال ابن رشد في ثانية رسم العرية من سماع عيسى: ويفسخ عند أصبغ وإن فات


[ 557 ]

بالدخول ويكون لها الصداق المسمى. حكاه ابن مزين عنه انتهى. ص: (وإشراف قريب ونحوه) ش: ففي رسم حلف ليرفعن من سماع ابن القاسم عن مالك أنه يجوز أن يتخلف عن الجمعة لينظر في أمر ميت من إخوانه مما يكون من شأن الميت. قال ابن رشد: معناه إذا لم يكن له من يكفيه وخاف عليه التغيير. هكذا ذكره في البيان بالواو، ونقله ابن عرفة ب‍ أو ولفظ ابن رشد: إن خاف ضياعه أو تغييره. ثم قال ابن عرفة: وروى ابن نافع لا لجنازة بعض أهله. سحنون: إلا أن يخاف تغيره. ابن حبيب: ولغسل ميت عندن انتهى. قلت: ما ذكره عن ابن نافع وسحنون من موافق لما ذكره ابن رشد في البيان، وأنه لا يتخلف لاجل تجهيز الميت إلا أن يخاف ضياعه وتغيره، وأما ما ذكره عن ابن حبيب فيحمل على ما إذا خاف على الميت التغير. فرع: فلو بلغه وهو في الجامع أن أباه أصابه وجع ويخشى عليه الموت فله أن يخرج إليه الامام يخطب، وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن يزيد بعد أن تأهب للجمعة فتركها وخرج إليه للعقيق. قاله سند والمازري والله أعلم. ص: (وعرى) ش: قال في الكبير: يريد أن من الاعذار المبيحة للتخلف عدم وجدان ما يستر به عورته انتهى. فحمل العرى على أن المراد به العري مما يستر العورة وصرح بذلك في شامله أيضا، وعلى ذلك حمله البساطي وزاد فقال:


[ 558 ]

وربما يقال إنه لا يجوز له الخروج. ص: (وأكل كثوم) ش: هذا بعد الوقوع. وهل يجوز للشخص أكلها يوم الجمعة ؟ الذي فهم من كلام الابي في شرح مسلم أنه إذا علم أنها لا تزول ومن فيه يعد زوال الشمس أنه لا يجوز أكلها. ونصه في شرح قوله (ص) من أكل من هذه الشجرة الحديث. أجاز الجمهور أكل هذه الخضر لانه أباحه لاصحابه وعلل تخصيصه بذلك لانه يناجي من لا يناجى. وحرمه أهل الظاهر لمنعه حضور الجماعة على أصلهم في أن حضور الجماعة فرض عين. قلت: وكان الشيخ ابن عرفة يقول: لا يبعد عندي كراهة أكلها لقوله (ص) ولكني أكره ريحها. وحكى عن الشيخ أبي الحسن المنتصر أنه ما أدخل داره ثوما ولا بصلا وما ذاك إلا لانه رأى أن إدخالها ذريعة لاكلها، وكذلك أكلها ذريعة لعدم دخول المسجد. قال المازري: وألحق أهل المذهب بذلك أهل الصنائع المنتنة كالحواتين والجزارين. عياض: وكذلك الفجل لمن ينجشؤه. وأحلق ابن المرابط بذلك داء البخر والجرح المنتن. قلت: وألحق الشيخ بذلك الصنان والبرص الذي يتأذى بريحه، وأفتى ابن رشد بمنع ذي البرص أن يبيع ما عمل بيده ممن يبيعها على أنه هو الذي عملها لان ذلك من الغش المنهي عنه انتهى. وصرح بذلك في التمهيد فقال في شرح الحديث التاسع لابن شهاب وهو قوله عليه السلام من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا يؤذينا بريح الثوم فيه من الفقه أن حضور الجماعة ليس بفرض وإلا لما كان يباح ما يحبس عن الفرض، وقد أباحت السنة لآكل الثوم التخلف عن شهود الجماعة، وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا، ألا ترى أن الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين من أهل الحضر كل ما يحبس من بيع وقعود ورقاد وصلاة وكل ما يشغل به المرء عنها، وكذلك من كان من أهل المصر حاضرا لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها. فلو كانت الجماعة فرضا كان أكل الثوم في وقت الصلاة حراما وقد ثبتت إباحته، فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض. ثم قال: وإذا كانت العلة في إخراج آكل الثوم من المسجد أنه يتأذى به، ففي القياس أن كل من يتأذى به جيرانه


[ 559 ]

في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها مستطيلا أو كان ذا رائحة لا تؤلمه لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام وشبه أذى وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم، كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت بالعافية أو بتوبة أو بأي وجه زالت كان له مراجعة المسجد. وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله، أفتى في رجل تشكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده، فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم وأن لا يشهد معهم الصلاة انتهى. وذكر أنه استدل بحديث الثوم وقال: إنه أشد منه فليراجعه من أراده والله أعلم. تنبيهان: الاول: تقدم عند قول المصنف وسن غسل متصل. عن اللخمي أنه قال: وعلى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا نيأ أن يستعمل ما يزيل ذلك عنه لقوله (ص) من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا فأسقط حقه من المسجد. فإذا كان من حق المصلين والملائكة والمسجد أن يخرج عنهم وكان حضور الجماعة واجبا، وجب أن يزيل ما عليه من تلك الروائح. انتهى من تبصرته. الثاني: قال المازري بعد دن ذكر الخلاف في حضور الاجذم: وهذا على أنهم لا يجدون موضعا يتميزن فيه مما تجزي فيه صلاة الجمعة، وأما لو وجدوا لوجبت الجمعة عليهم ومنعت المخالطة لانه يمكننا حينئذ إقامة الحقين جميعا: حق الله تعالى وحق الناس. ولا شك أن الجامع إذا ضاق بأهله وأتوا الصلاة متميزين عن الناس في الاقنية بموضع لا يلحق الناس ضررهم أن الجمعة واجبة عليهم إذا صلوا بمكان لا يلحق ضررهم الناس، وكان المكان مما تجزي فيه الجمعة. وفي مختصر ابن شعبان قال مالك: من أكل ثوما لم يدخل المسجد ولا رحابه يشهد الجمعة. فأنت تراه كيف أشار إلى اجتناب الاضرار بالناس خاصة واجتناب هتك حرمة المسجد بالرائحة المنتنة دون أن يشير إلى سقوط الجمعة. وهذا هو المعنى الذي قلناه على أنه يبقى النظر فيما قاله في أكل الثوم إذا منع من دخول المسجد ورحابه، هل تكون صلاته بالفناء مع اتساع الجامع لدخوله مجزئه عند مق رأى أن الصلاة بالاقنية اختيارا مع سعة الجامع لا تجزئ في الجمعة لكون هذا ممنوعا من الدخول إلى الجامع شرعا فأشبه من صلى بالفناء وقد ضاق المسجد عنه، أو يكون عند هؤلاء في صلاته فساد لسعة الجامع إياه وإن كان قد طرده الشرع عنه وهذا مما ينظر فيه ؟ انتهى. ص: (كريح عاصفة بليل) ش: قال في الطراز.


[ 560 ]

فرع: أما الحر والشمس فليس بعذر قاطع، وقد كان النبي (ص) يقيمها في حر أرض الحجاز بأصحابه ويقصدون فناء الحيطان يستظلون به. قال سلمة بن الاكوع: كنا نجمع مع النبي (ص) إذا زالت الشمس ثم نرجع نبتغي الفئ أو قال الظن وما نجد للحيطان فيئا نستظل به. خرجه البخاري ومسلم. ولان مشقة ذلك تحتمل ولم يزل الناس يتقلبون في تصرفاتهم في الحر وكذلك في البرد إلا أن يهيج سموم ريح حارة كما يكون في بعض الاحايين حتى يذهب بالماء من القرب والاسقية، فمثل ذلك يكون عذرا في حق من كان خارج المصر ولكل شئ وجه انتهى. ص: (أو عمى) ش: ظاهر كلامه رحمه الله أن العمى لا يبيح التخلف عن الجمعة ولو كان الاعمى لا يجد من يقوده، وهو كذلك على ما قاله سند خلافا لابن حبيب ونصه. فرع: وهل يتخلف عنها الاعمى ؟ قال ابن حبيب: وليست على الاعمى إلا أن يكون له قائد يقوده إليها كأنه رأى أن يوم الجمعة يكثر فيه الزحام وتكثر الدواب في العادة فيقع الاعمى في مشقة بالغة وقد تهلكه الدواء سيما في الامصار الواسعة ومن بعد منزله من المسجد، فأما في القرى وفيما قرب من المسجد فذلك خفيف. والظاهر عندي أنها لا تسقط عنه والناس يومئذ يكثرون في الشوارع ويهدونه في مضيه إلى المسجد، ويمكنه التبكير والجلوس بعد الصلاة حتى تنقضي الصلاة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أعمى أتى النبي (ص) فقال: إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد وسأله أن يرخص له في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال: نعم: قال: فأجب انتهى.


[ 561 ]

فصل في حكم صلاة الخوف ص: (رخص لقتال جائز) ش: يشير لقول سند: إقامة هذه الصلاة رخصة ليست سنة ولا فريضة. قاله ابن المواز. والذي قاله صحيح فإن ذلك لو كان واجبا لكان شرطا ولا كان يجزئ غيره. ولا خلاف في أن الصلاة تجزئهم على خلاف هذا الترتيب انتهى. ويريد المؤلف سواء كان هذا الخوف بحضر أو سفر على الاشهر. قاله في التوضيح. وعلى الاشهر فالجمعة كغيرها والبحر كالبر. قاله في الذخيرة وغيرها. قال: فإن حضر الخوف في البحر وهم في مركب واحد فهم كأهل البر، وإن تعددت المراكب صلى أهل كل مركب بإمام وقسمهم وإن أمنوا صلوا بإمام واحد وقسم أهل كل مركب قسمين أو قسم المراكب قسمين فصلى بنصفهم ويحرم النصف الآخر. وأما المركب الذي فيه الامام فيقسم طائفتين قاله في الذخيرة. وفي حكم القتال الجائز الخوف من لصوص أو سباع. قاله في الجواهر. وقال في الذخيرة: القتال ثلاثة: واجب كقتال أهل الشرك والبغي ومن يريد الدم على الخلاف، ومباح كمريد المال، وحرام كقتال الامام العادل والحرابة. فالواجب والمباح سواء في هذه الرخصة ولا يترخص في الحرام انتهى. ثم قال: ولو انهزموا من العدو وكان الواحد منهزما من اثنين كانوا عصاة فلا يترخص بصلاة الخوف إلا أن يكون متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة وإلا جاز الترخص انتهى. ص: (قسمهم) ش: هو نائب الفاعل في رخص يعني أنه يرخص للامام قسمهم قسمين. ص:


[ 562 ]

(قسمين) ش: يعني أن السنة قسمهم قسمين لا أكثر. قال البساطي: ظاهر عبارته أن يكون القسمان متساويين. وهذا ظاهر إذا كان العدو يقاتل بالنصف وإن قوتل بأقل من ذلك فلا ينبغي أن يترك للآخر غير المحتاج إليه، وإن احتاج إلى أكثر من النصف فينبغي أن لا توقع على هذا الوجه فانظر ذلك انتهى. قلت: ظاهر كلامهم جواز القسم حيث أمكن ترك القتال لبعضهم بل هو صريح كلام صاحب الطراز فإنه قال: وهل يصليها النفر اليسير كالثلاثة ؟ الظاهر أنهم يصلونها خلافا للشافعي فإنه قال: الطائفة ثلاثة وأنكر أن يصلي بأقل من طائفة وأن يحرسه أقل من طائفة كأنه راعى ظاهر لفظ القرآن. ونقول: القصد معقول وهو أن لا يغفلوا عن الصلاة ولا عن شأن العدو فقال: يلقى ثلاثة من المسلمين ثلاثة من الكفار فيقوم واحد لحراستهم ويصلي الآخران مع الامام انتهى. ص: (وعلمهم) ش: قال البساطي: ظاهر عبارته الوجوب انتهى. قلت: وهو ظاهر إذا خاف التخليط. ص: (في الثنائية) ش: كالصبح وصلاة السفر. والمعتبر في ذلك صلاة الامام فإن كان مسافرا قصر وصلى بكل طائفة ركعة ثم يأتي المسافرون بركعة ويسلمون ويأتي الحاضرون بثلاث، وإن كان حضريا صلى بكل طائفة ركعتين وأتم كل من خلفه حضريا أو سفريا. قاله في المدونة. قال في الجواهر: يسر في موضع السر ويجهر في موضع الجهر. ص: (ثم قام ساكتا أو داعيا أو قارئا في الثنائية) ش: هو مخير في أحد الثلاثة في قيامه من الثنائية، وأما في قيامه من غيرها فهو مخير في الدعاء والسكوت فقط. قال في التوضيح: ولا يتعين الدعاء بل وكذلك التسبيح والتهليل وبذلك صرح ابن بشير. وقوله أو قارئا قال في الجواهر: بما يعلم أنه لا


[ 563 ]

يتمه حتى تكبر الطائفة الثانية. وقال البساطي: التنبيه الثاني إذا انتظر الامام الطائفة الثانية وقلنا يقوم ويقرأ، فهل بغير الفاتحة أو لا يقرؤها حتى تدخل معه الطائفة الثانية ؟ في ذلك خلاف. انتهى. فرعان: الاول: قال في النوادر ومن المجموعة وقال سحنون: وإذا صلى ركعة من صلاة الخوف في السفر ثم أحدث قبل قيامه إلى الثانية، فليقدم من يقوم بهم ثم يثبت المستخلف ويتم من خلفه، ثم تأتي الطائفة الاخرى فيصلي بها ركعة ويسلم. ولو أحدث بعد قيامه إلى الثانية فلا يستخلف لان من خلفه خرجوا من إمامته، حتى لو تعمد حينئذ الحدث أو الكلام لم تفسد عليهم. وكذلك ذكر عنه ابنه فإذا أتم هؤلاء وذهبوا أتت الطائفة الاخرى بإمام فقدموه، وإذا أحدث بعد ركعة من المغرب فليستخلف. انتهى. نقله ابن بشير والفاكهاني. الثاني: من أدرك الثانية من المغرب أو من الصلاة الرباعية أو أدرك الرابعة من الرباعية فإنه يجتمع معه القضاء والبناء كما تقدم في فصل الرعاف، ولكن من أدرك الثانية من المغرب أو من الصلاة الرباعية هل يقوم للقضاء والبناء إذا أتمت الطائفة الاولى أو يمهل بالقضاء حتى يفرغ الامام من سائر الصلاة ؟ فيه قولان نقله ابن بشير. ص: (وفي قيامه بغيرها تردد) ش: أشار بالتردد لطريقة ابن بشير وابن الحاجب ومن وافقهما ولطريقة ابن بزيزة فإن ابن بشير وابن الحاجب ومن وافقهما يحكون في قيامه في غير الثانية قولين. قال ابن القاسم ومطرف: ينتظرهم قائما وهو المشهور. قاله في التوضيح وهو مذهب المدونة. والشاذ لابن وهب وابن كنانة وابن عبد الحكم ينتظرهم جالسا. قال ابن بشير: فإن كانت صلاة سفر أو الصبح قام


[ 564 ]

بلا خلاف. وعكس ابن بزيزة هذه الطريقة فقال: إن كان موضع جلوسه فلا خلاف أنه ينتظرهم جالسا، وإن لم يكن موضع جلوس فهل ينتظرهم جالسا أو قائما ؟ قولان. فأشار بالتردد لنقل أهل الطريقة الاولى أن المشهور القيام، ونقل ابن بزيزة أنه يجلس بلا خلاف. قلت: والطريقة الاولى أصح لانها موافقة لما في المدونة. وقال فيها: ويصلي الامام بالطائفة الاولى في المغرب ركعتين ثم يتشهد ويثبت قائما ويتمون لانفسهم ركعة وحدها. وذكر ابن ناجي في المسألة طريقتين أخريين، فقال: ظاهر كلام الباجي أن الخلاف في المسألتين ثم قال: ولابن حارث طريقة رابعة قال: واتفقوا على أنه ينتظر الطائفة الثانية قائما في الصلوات كلها حاشا المغرب. فرع: إذا قلنا ينتظرهم جالسا قال في الطراز عن الرجراجي: وهو مخير بين أن يسكت أو يذكر الله تعالى. قال: ومتى يقوم فإن سبق إليه الواحد والاثنان لم يقم وإن جاءت جماعة قام فيكبر بهم والله أعلم. ص: (ولو صلوا بإمامين أو بعض فذا جاز) ش: هذه المسألة خرجها اللخمي من كلام ابن المواز ولم ينص عليه ابن المواز كما ذكره في التوضيح ونصه: وإن علم أن إيقاع الصلاة على هذه الصفة رخصة نص عليها ابن المواز قال: ولو صلوا أفذاذا أو بعضهم بإمام وبعضهم فذا أجزأت اللخمي: ومقتضاه جواز صلاة طائفتين بإمامين. ورده المازري بأن إمامة إمامين أثقل من تأخي بعض الناس عن الصلاة انتهى. وما قاله المازري هو الذي يظهر من كلام ابن رشد في شرح المسألة الرابعة من رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة، وقد نقلته عند قول المصنف , وإعادة جماعة بعد الراتب. فقول


[ 565 ]

المصنف أو بأمامين مشكل إذا لا مستند له، إلا قول اللخمي مقتضى قول ابن المواز والله أعلم. تنبيه: قال البساطي: والعم أن المصنف نقل هذا الفرع في توضيحه عن ابن المواز قال: قال ابن المواز: ولو صلوا أفذاذا أو بعضهم بإمام وبعضهم فذا جاز. قال قال اللخمي: ومقتضاه جواز صلاة الطائفتين بإمامين. ورده المازري بأن إمامة إمامين أشد من تأخير بعض. فترك المصنف محل النص وذكر المخرج مع ما فيه من النزاع. انتهى. كلام البساطي. ولعله سقط من نسخته قوله أو بعض فإذا جاز فإنه هو المفرع عليه جواز صلاة طائفتين بإمامين، ولكن شرحه أولا يأبى هذا فإنه شرحها ولعله سبق فلم والله أعلم. ص: (كأن دهمهم عدو بها) ش: ظاهر كلامه أنه إذا دهمهم العدو في الصلاة فإنهم يصلون صلاة المسايفة وهو كذلك إذا لم يمكنهم إلا ذلك، وأما لو أمكنهم القسم فإنهم يقتسمون. قال ابن بشير: ولو صلى بهم صلاة أمن فطرا الخوف وهم في الصلاة فالحكم أن تقطع طائفة وتكون وجاه العدو ويصلي الامام بالذين معه، ثم يفعل على ترتيب صلاة الخوف. وهذا إن لم يشرع في النصف الثاني من الصلاة، وأما إن شرع فيه حتى ركع أو سجد فلا بد من قطع طائفة ويتم بالاولى ويصلي الثانية لنفسها، إما أفذاذا أو بإمام آخر. ص: (وعدم توجه) ش: قد تقدم في فصل الاستقبال التنبيه عليه أنه يمكن أن يستغني عن هذا الكلام والله أعلم. ص: (وإمساك ملطخ) ش: قال في العمدة: إلا أن يستغنوا عنه ويأمنوا عليه منهم انتهى. ص: (وإن أمنوا بها أتمت صلاة أمن) ش: الظاهر أن الضمير عائد على صلاة المسايفة، ويحتمل أن يعود على صلاة الخوف بنوعيها وهو الاحسن.


[ 566 ]

أما صلاة المسايفة فحكمها ظاهر يتم كل إنسان صلاته، وأما إذا حصل الامن بعد أن صلى بالطائفة الاولى ركعة فيستمر معه من لم يفعل شيئا وإن أتم أجزأته، ومن صلى بعض الصلاة أمهل حتى يصلي الامام ما صلى المأموم ثم يقتدي به قاله في الطراز ونحوه في ابن بشير. واختلف في الطائفة الثانية، فقال ابن القاسم: أولا تصلي الطائفة الثانية بإمام غيره ولا يدخلون معه ثم رجع وقال: لا بأس أن يدخلوا معه. وقال ابن رشد: لا وجه للقول الاول. ووجهه في الطراز بأنه لما عقد الاحرام بصلاة خوف وكان إتمامها صلاة أمن إنما هو بحكم الحال كان حكم إحرامه حكم الضرورة فصار بمثابة من أحرم جالسا بجلوس ثم أحرم بعد ركعة فقام فإنه لا يحرم أحد خلفه قائما. فروع: الاول: إذا صلوا صلاة لامن فحدث الخوف الشديد في أثناء الصلاة قطعوا وعادوا إلى صلاة الخوف، وسواء كان ذلك بعد عقد ركعة أو قبلها. انتهى من الفاكهاني. الثاني: انظر قولهم أن أمنوا بها أتمت صلاة أمن مع قولهم في جمع العشاءين أنه إذا انقطع المطر بعد الشروع فإنه لا يقطع الجمع بل يتمادى وقولهم في الكسوف إنها إذا انجلت في أثنائها ففي إتمامها كالنوافل قولان. الثالث: مشروعية صلاة الخوف تدل أن مصلحة الوقت الاختياري أعظم من مصالح استيفاء الاركان وحصول الخشوع واستقبال القبلة وإلا لجوز الشارع التأخير للامن مع أنا لم نشعر بمصلحة الوقت ألبتة، وبتحقق شرف هذه المصالح ونظيره الصلاة بالتميم تدل على أن مصلحة الوقت الاختياري أعظم من مصلحة طهارة الماء. انتهى من الذخيرة. قلت: يظهر من قوله الاختياري مساعدة ما رجحه الشيخ خليل في قوله آخر والآخر الاختياري وصلوا بماء


[ 567 ]

والله أعلم. ص: (وإن صلى في ثلاثية أو رباعية بكل ركعة بطلت الاولى والثالثة في الرباعية كغيرهما على الارجح) ش: هذا قول سحنون وصلاة الامام عنده أيضا باطلة، وأما على القول الاول فصحيحه. ومثل هذا ما إذا صلى بالطائفة الاولى في المغرب ركعة، وبالثانية ركعتين. فروى سحنون: صلاته وصلاتهم فاسدة: قال في الطراز: وعلى قول ابن الماجشون تعيد الطائفة الاولى فقط، ونص كلام سحنون على ما في النوادر. وقال سحنون. قلت: وزعم بعض أصحابنا فيمن صلى صلاة الخوف في الحضر بأربع طوائف بكل طائفة ركعة أن صلاته وصلاة الثاني والرابعة تامة وتفسد على الباقين. وقال سحنون: بل تفسد عليه وعليهم أجمعين. ومن المجموعة قال سحنون: وإذا صلى المغرب بكل طائفة ركعة جهلا أو عمدا فصلاته وصلاتهم فاسدة لانه ترك سنتها، وكذلك إن صلى بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين لوقوفه في موضع غير قيام انتهى والله أعلم.


[ 568 ]

فصل في أحكام العيد ص: (سن لعيد ركعتان لمأمور الجمعة) ش: هذا الفصل يذكر فيه صلاة العيدين. والعيد مشتق من العود وهو الرجوع والتكرلانه متكرر في أوقاته. ورده بعضهم بأن الايام الاسبوع ويوم عاشوراء وشهر رمضان تشاركه في ذلك. قلت: ولا يلزم إطراد وجه التسمية. وقال القاضي عياض: لعوده بالفرح والسرور على الناس. وقيل: تفاؤلا بأن يعود من أدركه من الناس. والمشهور المعروف من المذهب أنها سنة. وقيل فرض كفاية. وقال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام اختار بعض الاندلسيين أنها فرض كفاية لا أعرفه إلا لنقل المازري عن بعض الشافعية. وقول ابن بشير لا يبعد كونها فرض كفاية لانها إظهار لابهة الاسلام. وقول ابن حارث عن ابن حبيب هي واجبة على كل من عقل الصلاة من النساء والعبيد والمسافرين إلا أنه لا خطبة عليهم ظاهر في وجوبها. والاجماع يمنعه إذا هو قول الحنفي إلا أنه مناقض لقوله أول الباب اتفقوا على أنها لا تجب على النساء ولا على أهل القرى البعيدة والحواضر انتهى. قلت: ما ذكره ابن عبد السلام صحيح، نقله ابن رشد في المقدمات ونصه: وأما السنة فخمس صلوات سنها رسول الله (ص): لو ترو صلاة الخسوف والاستسقاء والعيدان. وقد قيل في صلاة العيدين إنهما واجبتان بالسنة على الكفاية وإلى هذا كان يذهب شيخنا الفقيه ابن زروق رحمه الله تعالى، والاول هو المشهور المعروف أنهما سنتان على الاعيان انتهى. وقول ابن ناجي في شرح المدون إن كلام ابن رشد إنما يقتضي الخلاف هل هما سنتان على الاعيان أو سنتان على الكفاية لا أنهما فرض كفاية بعيد. وقد ذكر أنه عرضه على شيخه أبي مهدي فلم يقبله منه وذلك ظاهر والله أعلم. ص: (لمأمور الجمعة) ش: يعني أن صلاة العيدين إنما هي سنة في حق من يؤمر بالجمعة يريد وجوبا، وأما من لا تجب عليه الجمعة من أهل القرى الصغار


[ 569 ]

والمسافرين والنساء والعبيد ومن عقل الصلاة من الصبيان فليست في حقهم سنة ولكنه يستحب لهم إقامتها كما سيأتي عند قوله وإقامة من لم يؤمر بها. فرع: قال في النوادر: ولو تركوا الجمعة وهي عليهم فعليهم أن يصلوا العيد بخطبة وجماعة انتهى. ودخل في قوله مأمور الجمعة من كان على ثلاثة أميال. قال في النوادر: وينزل إليها من على ثلاثة أميال انتهى. وخرج منه الحاج بمنى إلا أنه قد يتوهم دخوله في قوله بعد ذلك وإقامة من لم يؤمر بها وهي لا تشرع للحاج بمنى. قال ابن الحاجب في مناسكه مسألة قال ابن حبيب: وليس على الحاج بمنى صلاة العيد يوم النحر كما يصلي أهل الآفاق، وإنما صلاتهم في ذلك اليوم وقوفهم بالمشعر الحرام، كذلك حدثني ابن المغيرة عن الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: صلاتهم يوم النحر وقوفهم بالمشعر الحرام انتهى. وقال في النوادر في باب صلاة العيدين قال أشهب: ولا أرى لاهل منى المقيمين بها ممن لم يحج أن يطول العيد في جماعة لبدعة ذلك بمنى، ولو صلاها مصل لنفسه لم أر به بأسا انتهى. وقال في كتاب الحج قال مالك: وعلى أهل مكة صلاة العيد وليس ذلك على أهل منى انتهى. وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه: ومذهب المالكية أن الاضحية لا تشرع للحاج بمنى كصلاة العيد انتهى. وقال: المصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في أو اخر كتاب الحج: ولا يجزئ نحر الهدي إلا نهارا بعد الفجر في أيام النحر بمنى ولو قبل الامام وقبل الشمس بخلاف الاضحية ما نصه: وقت الرمي يدخل بطلوع الفجر. قوله ولو قبل الامام إلى آخره ظاهر لان الامام في العيد لما كان يصلي بالناس ناسب أن يتوقف الذبح على ذبحه بخلاف الحج إلا صلاة عيد عليهم انتهى. وقال سند في باب جمرة العقبة في مسألة من ذبح قبل الفجر ما نصه: وقت الرمي يدخل بطلوع الفجر وكذلك الذبح إلا أن الرمي يستحب ضحوة فكذلك الذبح، ويخالف الهدي الاضحية لانها تتعلق بصلاة العيد ولا تصلي العيد حتى تطلع الشمس بخلاف الهدي، ولا عيد على أهل منى انتهى. وقال في آخر باب الهدي: والضحايا متعلقة بصلاة العيد والحاج ليس من أهل صلاة العيد انتهى. فعلم من هذه النصوص أن صلاة العيد لا تشرع للحاج بمنى، لا سنة ولا استحبابا انتهى. والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: لا يجوز


[ 570 ]

على مذهب ابن القاسم وروايته من مالك أن يؤم العبد ولا المسافر في الجمعة ولا في العيد وإلا أن يستخلفهما الامام فيهما بعد إحرامهما، لان صلاة العيد لا تجب عليهما كما لا تجب عليهما الجمعة انتهى. يعني بقوله لا تجب عليهما أي لانهما لا يؤمران بهما على جهة السنية وإنما يستحب لهم ذلك كما سيأتي. وتقدم حكم إمامتهما في الكلام على الجمعة والله أعلم. الثاني: قال في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة: وسئل عن الرجل يسافر بعد الفجر يوم العيد قبل أن يصلي قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يكون له عذر فقيل له: فما العذر ؟ قال: غير شئ واحد. قال ابن رشد: معنى ما تكلم عليه أنه يسافر بعد الفجر قبل طلوع الشمس فكره ذلك له إلا من عذر إذا لم يجب عليه الخروج لشهود العيد بعد، ولو طلعت عليه الشمس وحانت الصلاة لما جاز له أن يخرج لسفر ويدع الخروج لشهود صلاة العيد. انتهى بلفظه، ونقله ابن عرفة بمعناه ولفظه. وسمع ابن القاسم لا يعجبني السفر بعد فجر يوم العيد قبل صلاته إلا لعذر. ابن رشد: لو طلعت الشمس حرم سفره انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة قلت: الصواب حمل الرواية على ظاهرها لان صلاة العيد سنة والجمعة فرض انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر، وما ذكره ابن رشد يقتضي إثم من تركها لغير عذر يبيح التخلف عن الجمع، ولم أر من قاله والله أعلم. ص: (ولا ينادي الصلاة جماعة) ش: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: الذي تلقيناه من شيوخنا أن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ولا بأس أن يقول الصلاة جامعة وإن كانت بدعة. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد في قوله بغير أذان ولا إقامة: كونها بغير أذان لان الاذان من خوص الفرائض ولكن ينادي فيها الصلاة جامعة، وظاهر الرسالة خلافه انتهى. وفي التوضيح والشامل والجزولي أنه ينادي الصلاة جامعة. قال في الشامل بخلاف الكسوف. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في صلاة الكسوف بغير أذان ولا إقامة: هذا ظاهر وصح أنه عليه السلام نادى فيها الصلاة جامعة. قال صاحب الاكمال وغيره: وهو أحسن انتهى. ص: (وافتتح بسبع تكبيرات بالاحرام) ش: تصوره واضح الاولى منهن تكبيرة الاحرام. قاله عبد الوهاب في المعونة والتلقين والقاضي عياض في قواعده وغيرهم وهو بين.


[ 571 ]

فروع: الاول: قال في النوادر عن كتاب محمد قال أشهب: وإن كبر الامام في الاولى أكثر من سبع وفي الثانية أكثر من خمس لم يتبع انتهى. ونقله اللخمي والمصنف في التوضيح وصاحب الشامل وابن عرفة وغيرهم، ولم يحك أحد من أهل المطلب ذلك خلافا. وظاهر كلامه سواء زاد ذلك عمدا أو سهوا وهو ظاهر كلام سند ونصه: إذا زاد لا يتبع لانه غير صواب والخطأ لا يتبع فيه انتهى. الثاني: لو كان الامام يرى أن التكبير دون السبع في الاولى ودون الخمس في الثانية، هل يتبعه المأموم أو يكمل التكبير ؟ لم أر فيه نصا صريحا. وقال في مختصر الواضحة: لو جهل إمام أو سها أو حصر فلم يكبر السبع والخمس لوجب على الناس أن يكبر وانتهى. وهذا يقتضي أن المأموم يكمل التكبير. وقال ابن رشد في رسم العرية من سماع عيسى لما ذكر مسألة المسبوق بالتكبير هل يكبر السبع أو واحدة، وذكر القولين في ذلك والمشهور أنه يكبر السبع ووجهه بأن الامام لا يحمل التكبير ويعني والله أعلم أن المأموم إذا كبر الامام كبر هو أيضا ولا ينصت كما في القراءة. ورأيت في تهذيب الطالب ما نصه: قال ابن حبيب: يقف في تكبير صلاة العيد هنيهة قدر ما يبكر للناس وليس بين التكبيرتين دعاء. قال بعض شيوخنا: وأما تكبير أيام التشريق فما استحسن فيه شئ من التربص وكأنه رأى أنه ليس مثل العيدين، ولانه في العيدين من تابع التكبير خلط على القوم. وأما تكبير التشريق فكل يكبر لنفسه وليس يعتبر فيه للامام، ألا ترى أنه لو ترك الامام لكبر القوم، وأما تكبير العيد فلا يكبروا إلا بتكبيره لانهم في حال الصلاة معه لا يخالفونه. فاعلم ذلك انتهى. وظاهر هذا يقتضي أن الامام إذا ترك بعض التكبير لا يكبر المأموم فتأمله، ويحتمل أن يريد أنهم لا يسبقونه بالتكبير بل يتبعونه وهو الصاهر فتأمله والله أعلم. الثالث: فلو كان الامام يرى التكبير في الثانية بعد الركوع كالحنفية، فالظاهر أن المأموم يؤخر التكبير تبعا للامام كما إذا أخر القنوت أو السجود القبلي. الرابع: فلو كان الامام يؤخر تكبير الثانية وينقص منه وقلنا يتبعه في والتكبير وكان ينقص منه، فهل يتبعه في النقص ايضا ؟ الأمر فيه محتمل. الخامس: قال في النوادر قال ابن حبيب: و ليجهر من خلفه التكبير جهرا يسمع من يليه انتهى. وقال المازري في شرح التلقين في باب صلاة العيدين: وأما جهر المأموم بالتكبير فقد قال ابن حبيب: يجهر الناس بالتكبير جهرا يسمع من يليه، ولا بأس أن يزيد في جهره ليسمع من يقرب ممن لا يسمع الامام ويجهر بالتكبير انتهى. السادس: قال المازري في شرح التلقين أيضا قال بعض أصحاب الشافعي: إذا نسي تكبيرة من تكبيرات العيد لم يسجد للسهو. وذكر أن مالكا وأبا ثور قالا: يسجد. واحتج علينا بأنها هيئة من هيئات الصلاة فلا يسجد بتركها كوضع اليمين على الشمال. وقال مالك في مختصر ابن شعبان: من سها في العيد فزاد تكبيرة واحدة سجد بعد السلام ولم يراع مالك في


[ 572 ]

هذه الرواية خفة السهو انتهى فانظره. ص: (ثم بخمس غير القيام) ش: الاولى هي تكبيرة القيام قاله في التلقين والجواهر. فائدة: اتفقت عبارة الشيوخ على ما ذكره المصنف من قولهم في الاولى سبع تكبيرات بالاحرام وفي الثانية خمس تكبيرات غير القيام. قال ابن ناجي: وكان المناسب لما قالوا في الاولى أن يقولوا يكبر في الثانية بالقيام، أو يقولوا يكبر الست غير تكبيرة الاحرام. قال: وكان شيخنا يجيب بأن سر ذلك أن تكبيرة القيام لما كان يؤتى بها في حال القيام صارت كالمغايرة لما بعدها فلذلك قالوا فيها غير تكبيرة القيام بخلاف تكبيرة الاحرام مع ما بعدها انتهى. ص: (موالى إلا بتكبير المؤتم) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. تنبيه: من صلى وحده فإنه يتابع التكبير لان الامام إنما يتربص خشية التخليط من خلفه انتهى. ص: (وكبر ناسيه إن لم يركع وسجد بعده) ش: يعني أن من نسي التكبير في صلاة العيد فإنه يفعله ما لم يركع. وفهم منه أنه إن لم يذكر ذلك حتى ركع فإنه يفوت التكبير بالركوع، وقد تقدم أن هذه إحدى المسألتين (من) المسائل التي عقد الركعة فيها بالانحناء. وإذا كبر فإنه يعيد القراءة ويسجد بعد السلام. واكتفى المصنف بذكر السجود عن ذكر القراءة لانه إنما يترتب بسبب إعادتها والله دره ما ألطف اختصاره. ولم يقيد السجود بغير المؤتم هنا كما قيد المسألة التي بعدها لانه لا يتصور هنا ترتيب السجود على المؤتم لان السجود إنما يترتب فيها على إعادة القراءة والمؤتم لا تطلب منه القراءة وهذا واضح. ص: (وإلا تمادى وسجد غير المؤتم قبله) ش: التكبير سجد قبل السلام ولا يقضي تكبير ركعة في ركعة أخرى انتهى. وقيد السجود هنا بغير المؤتم لما تقدم ورمبا يقال: كان يمكن أن يستغني عن قوله غير المؤتم بما تقدم في فصل


[ 573 ]

السهو والله أعلم. ص: (ومدرك القراءة يكبر) ش: فأحرى من أدرك بعض التكبير فإنه يكمل التكبير بعد فراغ الامام. والخلاف في الفرعين سواء، والمشهور منهما أنه يكبر ومقابله لا يكبر ما فاته، وإنما يكبر تكبيرة الاحرام فقط لانه قضاء في حكم الامام. وعزاه صاحب الطراز لابن الماجشون، وعزاه ابن الحاجب لابن وهب، وعزاه ابن عرفة لهما ولابن عبد الحكم وأصبغ وعليه اقتصر ابن الفاكهاني في شرح الرسالة، ونقله عبد الوهاب وحكى في التوضيح فيه الخلاف. ص: (فمدرك الثانية يكبر خمسا) ش: ظاهر كلامهم أنه يعد في الخمس تكبيرات الاحرام. قال اللخمي: يختلف إذا وجده في الثانية هي يكبر خمسا أو سبعا ؟ فعلى القول أن ما أدرك هو آخر صلاته يكبر خمسا ويقضي سبعا، وعلى القول بأن الذي أدرك أولها يكبر سبعا ويقضي خمسا انتهى. وقال ابن عرفة: ومع ابن القاسم: إن كان في الثانية كبر خمسا وفي القضاء سبعا. وعنه أيضا ستا. ابن حبيب: ستا فيها وفي القضاء والسابعة تقدمت في الاحرام. وفي الجواهر: إن وجده قائما في الثانية فليكبر خسما. وقال ابن وهب: لا يكبر إلا واحدة، وفي الجواهر قال ابن حبيب: إن أدركه في قراءة الثانية كبر خمسا غير الاحرام، وإذا قضى كبر ستا والسابعة قد كبرها للاحرام انتهى. ونقله في الذخيرة. وقال في الشامل: فإن كان في قراءة الثانية كبر خمسا وقضى ركعة بسبع بالقيام. وقيل: يكبر ستا وسيقضي ركعة بست انتهى. فظاهر كلام الجواهر وابن عرفة وصاحب الشامل أن قول ابن حبيب خلاف للاول فتأمله. ويمكن أن يقال: إن مراد ما قال يكبر خمسا أن لا يعد تكبيرة الاحرام، وأما جعل صاحب الجواهر وابن عرفة وصاحب الشامل القول بأنه يكبر ستا خلافا للاول فإنما ذلك من حيث إنه يقول يكبر في الثانية ستا وهذا هو الظاهر، لانه على ظاهر العبارة يصير التكبير الواقع في الاولى أربع تكبيرات فقط ولم يقل به أحد فتأمله والله أعلم.


[ 574 ]

فرع: فلو لم يعلم المسبوق هل الركعة أولى أو ثانية لم أر فيه نصا. ص: (ثم سبعا بالقيام) ش: هذا خلاف أصله في صلاة الفريضة أن من جلس مع الامام في غير موضع جلوس أنه يقوم بغير تكبير والله أعلم. ص: (وإن فاتت قضى الاول بست) ش: أي فإن فاتت الثانية أيضا فإنه يكبر ثم يجلس، فإذا سلم الامام قام يقضي الاول بست، وفهم منه أنه لا يقطعها. وذكر في الطراز في استحباب قطعها وابتدائها بإحرام قولين، ثم تأول المدونة على أنه يكبر ستا غير تكبيرة القيام. ص: (وندب إحياء ليلته) ش: قال في جمع الجوامع للشيخ جلال الدين السيوطي من أحيا ليلتي العيدين وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. قال: رواه الحسن بن سفيان عن ابن كردوس عن أبيه. ولفظ آخر من أحيا ليلة الفطر وليلة الاضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. قال رواه الطبراني عن عبادة ابن الصامت. ولفظ آخر من أحيا الليالي الاربع وجبت له الجنة: ليلة العروبة وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر. رواه الديلمي وابن عساكر وابن النجار عن معاذ. ولفظ آخر من قام ليلة العيد محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب رواه ابن ماجة. وقال الدارقطني: المحفوظ أنه موقوف على مكحول انتهى. وقال ابن الفرات: استحب إحياء ليلة العيد بذكر الله تعالى والصلاة وغيرها من الطاعات للحديث من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وروي مرفوعا وموقوفا وكلاهما ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامع فيها. واختلف العلماء فيما يحصل به الاحياء فالاظهر أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل. وقيل: يحصل بساعة انتهى. وأصله للنووي في الاذكار رواه ابن الحاج في مدخله والمصنف في مناسكه بلفظ من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب وباللفظ الذي ذكره المصنف ذكره الدميري أيضا في شرح المنهاج لكن قال الدميري إثره رواه الدارقطني في علله قال: والمحفوظ وقفه على مكحول. ورواه ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعا بعنعنة بقية انتهى. فتأمل ما قاله الدمري مع ما تقدم عن السيوطي فإنهما اتفقا في رواية الحديث واختلفا في لفظه، وما ذكره السيوطي موافق لما للنووي في الاذكار فتأمل ذلك والله أعلم. ص: (وغسل) ش: يعني أن الغسل للعيدين مستحب وهو المشهور. وهكذا


[ 575 ]

قال في التوضيح: إن المشهور أن غسل العيدين مستحب خلاف ظاهر كلام ابن الحاجب انتهى. قلت: ورجح اللخمي وصاحب الطراز أنه سنة. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب ما يجب منه الوضوء والغسل: إن المشهور أنه سنة. قال اللخمي: ومن كان ذا ريح وأحب شهود العيد وجب عليه الاغتسال لازالة ذلك. ص: (وبعد الصبح) ش: يعني أنه يستحب أيضا في غسل العيدين أن يكون بعد صلاة الصبح، فإن اغتسل قبل صلاة الصبح فقد فاته هذا الاستحباب وقال مالك في المختصر: فإن اغتسل للعيدين قبل الفجر فذلك واسع. قال سند: وإذا قلنا يجوز قبل الفجر فهل يجوز في جميع الليل ؟ يخرج ذلك على الخلاف في وقت أذان الصبح انتهى. تنبيه: وهل يشترط فيه الاتصال ؟ قال ابن عرفة: والغسل ابن حبيب: أفضله بعد صلاة الصبح. وفي المختصر وسماع القرينين: هو قبل الفجر واسع. ابن زرقون: ظاهره ولو غدا بعد الفجر. ابن رشد: لم يشترط فيه اتصاله بالغد ولانه مستحب غير مسنون ثم قال: روى ابن القاسم إن دخل منزله بعد صلاة الصبح لم يجزه قياسا على الجمعة انتهى. قلت: والجاري على المشهور أنه لا يبطل كما قال ابن رشد. ص: (وتطيب وتزين وإن لغير مصل) ش: جعل الشارح قوله وإن لغير مصل راجعا إلى التطيب والتزين فقط وهو الذي يفهم من كلام صاحب الجواهر وغيره. وصرح بذلك الجزولي في باب جمل من الفرائض فقال: أنظر هل الغسل للصلاة أو لليوم ثم قال الشيخ: الغسل للصلاة فلا يغتسل إلا من تجب عليه صلاة العيدين، وأما الطيب والزينة فيستحب لمن يصلي ومن لا يصلي وانظر ما الفرق انتهى. قلت: وهو خلاف ما قاله في باب صلاة العيدين ونصه: ويغتسل من يؤمر بالخروج للصلاة ومن لا يؤمر بالخروج لان الغسل لليوم لا للصلاة بخلاف غسل الجمعة انتهى. وخلاف ما نقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ونصه: وفي حواشي البخاري: الغسل يؤمر به المصلي وغيره بخلاف الجمعة انتهى. فعلى هذا يحمل قول المصنف وإن لغير مصل على أنه عائد إلى الغسل. وأيضا هذا هو الظاهر عندي لان الغسل من كمال التطيب والتزين بل لا يظهر للطيب كبير فائدة إذا لم يكن البدن نظيفا فتأمله والله أعلم. تنبيه: وهذا في حق غير النساء، وأما النساء إذا خرجن فإنهن لا يتزين. نص على ذلك في الطراز ونحوه في الجواهر. وقال في المطراز: إذا خرج النساء فيخرجن في ثياب البذلة ولا يلبسن الحسن من الثياب


[ 576 ]

ولا يتطيبن لخوف الافتتان بهن. قال: وكذلك المرأة العجوز وغير ذوات الهيئة يجري ذلك في حكمها انتهى. فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر: هذه سنة في إظهار الزينة في الاعياد بالطيب والثياب لمن قدر على شئ من ذلك فلا ينبغي لاحد أن يترك ذلك زهدا وتقشفا مع القدرة عليه، ويرى أن تركه أحسن لمن ترك ذلك رغبة عنه فذلك بدعة من صاحبها انتهى. ص: (ومشى في ذهابه) ش: قال سند: اتفق الكافة على استحباب المشي إلى المصلي ثم قال: إلا أن الركوب في العيد غير مكروه لانه يتعلق بالزينة وذلك يومها انتهى. ص: (وفطر قبله في الفطر) ش: قال في مختصر الوقار: يستحب للمرء أن يطعم يوم الفطر بعد صلاة الصبح شيئا من الحلو إن أمكن قبل صعوده المصلي انتهى. قال في التوضيح: قال الباجي: ويستحب أن يكون فطره على تمرات لما رواه الترمذي وحسنه: كان رسول الله (ص) لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات. زاد البغوي فيه: ويأكلهن وترا. انتهى. ص: (وتأخيره في النحر) ش: نحوه لابن الحاجب. قال في التوضيح: قوله وتأخيره في النحر يقتضي أن التأخير مستحب. ونحوه في التلقين والجواهر وكلامه في المدونة وكلام ابن أبي زيد لا يقتضي استحبابا به لقوله وليس ذلك على الناس في الاضحى. ص: (وخروج بعد الشمس) ش: هذا في حق من كان منزله قريبا. قال ابن ناجي: وأما من بعد فيأتي بحيث يكون وصوله قبل وصول الامام نص عليه اللخمي انتهى. ونقله ابن عرفة، وهذا في حق المأمومين. قال ابن عرفة: وغدو الامام روى أبو عمر قدر ما يصل إلى المصلي قد برزت الشمس. وروى اللخمي قدر ما يصل له حلت الصلاة ابن حبيب: إذا حل النفل وفوقه إذا كان فيه رفق بالناس. انتهى. وقال الشبيبي: والسنة في وقت الخروج في حق الامام أن يؤخر حتى ترتفع الشمس وتحل النافلة وقبل ذلك قليلا إن كان ذلك أرفق بالناس، وأما المصلون فبحسب قرب منازلهم وبعدها. وإن كان منزل الامام بعيدا من المصلى


[ 577 ]

أمر بالخروج بقدر ما إذا وصل حانت الصلاة انتهى. ص: (وتكبير فيه حينئذ) ش: يعني عند طلوع الشمس، فمن خرج قبله لا يكون حتى تطلع الشمس وإلى هذا أشار بقوله لا قبله. وقال الشبيبي إثر كلامه المتقدم: فمن كان خروجه منهم بعد طلوع الشمس كبر في حال ذهابه معلنا به، وإن كان قبل طلوعها لم يكبر حتى تطلع الشمس. وقال أشهب: يكبر مطلقا انتهى. وقال ابن عرفة: وفي ابتدائه بطلوع الشمس أو الاسفار أو انصراف صلاة الصبح رابعها وقت غدو الامام تحريا الاول للخمي عنهما، والثاني لابن حبيب، والثالث لرواية المبسوط، والرابع لابن مسلمة انتهى. ورواية المبسوط هي التي أشار إليها المصنف بقوله وصحح خلافه فإنه ذكر في التوضيح عن المبسوط قولا لمالك أنه يكبر قبل طلوع الشمس، وإن ابن عبد السلام قال: هو الاولى لكنه لم يبين ابتداءه وقد علم ذلك من كلام ابن عرفة. ص: (وجهر به) ش: قال في المدونة: يسمع نفسه ومن يليه انتهى. وقال في المدخل: فيسمع نفسه ومن يليه. وقال بعده: أو فوق ذلك قليلا ولا يرفع صوته حتى يعقره لان ذلك محدث والزيادة على ذلك حتى يعقر حلقه من البدع إذ لم يرد عن النبي (ص) إلا ما ذكر، ورفع الصوت بذلك يخرج عن حد السمت والوقار. ولا فرق في ذلك أعني في التكبير بين أن يكون إماما أو مأموما أو مؤذنا أو غيرهما، فإن التكبير مشروع في حقهم أجمعين على ما تقدم وصفه إلا للنساء فإن المرأة تسمع نفسها ليس إلا، بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم فكان التكبير إنما شرع في حق المؤذن فتجد المؤذنين يرفعون أصواتهم بالتكبير كما تقدم وأكثر الناس يستمعون لهم ولا يكبرون وينظرون إليهم كأن التكبير إنما شرع لهم، وهذه بدعة محدثة. ثم إنهم يمشون على صوت واحد وذلك بدعة لان المشروع أن يكبر كل


[ 578 ]

إنسان لنفسه ولا يمشي على صوت غيره. ص: (وإيقاعها به) ش: أي بالمصلي والمراد به الفضاء والصحراء، وأما البناء المتخذ فيه فبدعة. قال في المدخل: ينبغي أن يترك الموضع مكشوا لابناء فيه فإن كان لا يقدر على إزالة هذا المنكر فيترك الصلاة فيما حواه البنيان ويصلي خارجه في البراح فهو أفضل. والاولى في حقه جل هو المتعين اليوم. فروع الاول: قال في المدخل أيضا فإذا خرج الامام إلى الصحراء وخطب فليكن على الارض لا على المنبر فإنه بدعة انتهى. وقال في الشإمل: ولا يخرج إليها بمنبر انتهى. وهذا خلاف ما قاله ابن بشير ونصه: فإذا فرغ من الصلاة صعد المنبر إن كان هناك منبر، والاولى في الاستسقاء أن يخطب بالارض لقصد الذلة والخضوع، ولا بأس في العيدين باتخاذ المنبر كما فعله عثمان لان المقصود فيها إقامة أبهة الاسلام انتهى. الثاني: قال فيه أيضا: وصلاتها في المسجد على مذهب مالك رحمه الله بدعة، اللهم إلا أن يكون ثم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة، ثم علل كونه بدعة بأن النبي (ص) لم يفعله ولا الخلفاء الراشدون بعده، ولانه أمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد وأمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن فقالت إحداهن: يا رسول الله (ص) إحدانا لا يكون لها جلباب. فقال: تعيرها أختها من جلبابها ليشهدن الخير ودعوة المسلمين. فلما شرع لهن الخروج وشرع الصلاة في البراج لاظهار شريعة الاسلام وليحصل لهم ما قد أمر به (ص) في الحديث الآخر من قوله عليه السلام باعدوا بين أنفاس النساء وأنفاس الرجال فما أمرن به في هذا الحديث فعله في صلاة العيد فكان النساء بعيدا من الرجال. ألا ترى أنه لما فرغ من خطبته وصلاته


[ 579 ]

جاء إلى النساء فوعظهن وذكرهن، فلو كان قريبا لسمعن الخطبة ولما احتجن إلى تذكيره بعد الخطبة. هذا وجه، ووجه ثان وهو أن المسجد ولو كبر فهم محصورون في الخروج من أبوابه وقد يجتمع النساء والرجال عند الدخول والخروج فتتوقع الفتنة في مواضع العبادات بخلاف البراح. وهذا بعكس ما يفعله بعض الناس اليوم وهو أن المسجد عندهم كبير والابواب شتى لا يخرجون إلى البراح لكونه أوسع وهو السنة، وبنوا في ذلك البراح موضعا يكون في الغالب قدر صحن المسجد الجامع أو أصغر وجعلوا له بابين ليس إلا، فيجتمع النساء والرجال عند الدخول والخروج وتقف الدواب والخيل على البابين. والغالب أن النساء إذا خرجن لغير العيد يلبسن الحسن من الثياب ويستعملن ويتحلين فما بالك بالعيد والرجال أيضا يتجملون فيقع الضرر وتتلوث القلوب، فينبغي أن ينزه الموضع عن هذا ويترك مكشوفا لابناء فيه، وإن كان لا يقدر على إزالة ما فيه من البناء فيترك الصلاة فيم حواه البناء ويصلى خارجا عنه في البراح وهو الاولى والافضل في حقه بل المتعين اليوم كما تقدم. الثالث: قال ابن حبيب: إذا كان المطر والطين ولم يستطيعوا أن يخرجوا إلى المصلى فلا بأس أن يصلوا في المسجد الجامع على سنة العيد في المصلى. انتهى. من ابن فرحون على ابن الحاجب. الرابع: قال في المدونة قال مالك: لا تصلي في موضعين. قال سند: يريد أنها لا تقدم بخطبة في موضعين في المصر الواحد. وهذه المسألة أسقطها البراذعي من تهذيبه وقاله القرافي ونصه: وفي الكتاب: ولا تصلى في المصر في موضعين خلافا للشافعي قياسا على الجمعة. انتهى. والله أعلم. ص: (وسماعهما) ش: يعني أن سماع الخطبتين مستحب. قال في المدخل: والسنة أن لا ينصرف بعد الصلاة " حتى يفرغ الامام من خطبته وإن كان لا يسمعها وكذلك الناء. قاله مالك انتهى. ويفهم من كلام المؤلف أن الانصات فيهما مستحب. وفي رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة قال مالك: ينصت الناس في خطبة العيدين والاستسقاء كما ينصتون في الجمعة. قال ابن رشد: وهذا صحيح لانها خطبة مشروعة للصلاة عنده فوجب أن يكون حكمها حكم الخطبة في الانصات لها. وذهب الطحاوي في خطبة العيدين إلى أنها للتعليم لا للصلاة كخطبة الحج فلا ينصت لها، ودليله


[ 580 ]

ما روي عن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع رسول الله (ص) فلما صلى قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس إلى الخطبة فليجلس، ومن أحب أن يرجع فليرجع. وكذلك خطبة الاستسقاء إذ لا صلاة فيه على مذهبه انتهى. وقال ابن رشد: وجب أن يكون حكمها حكم الخطبة في الانصات لها يعني أنه يطلب الانصات لها كما يطلب الانصات لخطبة الجمعة وإن اختلف أيضا فيهما. قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم ينصت في العيدين والاستسقاء كالجمعة وروى القرينان وابن وهب وعلي: ليس الكلام فيها كالجمعة وإن أحدث فيها تمادى وفي تكبيرهم بتكبيره قولا مالك والمغيرة بن حبيب، ويذكر فيها في الفطر سنة زكاته ويحض على الصدقة وفي الاضحى الاضحية والذكاة انتهى. قال في التوضيح في كتاب الحج: الخطب ثلاثة أقسام: قسم ينصت فيه وهو خطبة الجمعة، وقسم لا ينصت فيه وهو خطب الحج كلها، وقسم اختلف فيه وهو خطب العيدين والاستسقاء، واستحب مالك الانصات فيهما انتهى. تنبيه: تقدم في كلام ابن عرفة أنه إذا أحدث في أثناء الخطبة تمادى. وهكذا قال في تهذيب البراذعي ونصه: وإن أحدث الامام في خطبة العيدين تمادى. وقد يتوهم منه أنه إذا أحدث قبل الشروع في الخطبة لا يخطب وليس كذلك. ولفظ الام قلت: رأيت الامام إذا أحدث يوم العيدين قبل الخطبة بعدما صلى، أيستخلف أم يخطب بهم على غير وضوء ؟ قال: أرى أن لا يستخلف وأن يتم بهم الخطبة انتهى. ص: (وأعيدتا إن قدمتا) ش: فإن لم يعدهما أجزأته أي أجزأته صلاة العيد لان الخطبة ليست شرطا في صحتها كخطبة الجمعة. ص: (وإقامة من لم يؤمر بها أو فاتته) ش: قال في المدونة: ولا تجب صلاة العيدين على النساء والعبيد ولا يؤمرون بالخروج إليها، ومن حضرها منهم لم ينصرف إلا بانصراف الامام، وإذا لم يخرجن النساء فما عليهن بواجب أن يصلين ويستحب لهن أن يصلين أفذاذا ولا


[ 581 ]

تؤمهن منهن واحدة انتهى. قال سند: إذا لم يكن معهم رجل صلين أفذاذا، فإن كان معهن رجل تخلف لعذر فهل يجمع بهن ؟ يختلف فيه بناء على أن من منعه العذر أن يجمع مع الامام في العيدين هل يجمع دونه وسيأتي. ثم قال في المدونة: ومن فاتته صلاة العيدين مع الامام فيستحب له أن يصليها من غير إيجاب اتهى. قال سند: إن جاء من فاتته والامام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي، وسواء كان في المصلى أو في المسجد. ثم قال: فإن فاتت جماعة فأرادوا أن يصلوا بجماعتهم فهل يجوز ؟ يختلف فيه. قال ابن حبيب: من فاتته العيد لا بأس أن يجمعها مع نفر من أهله. وقال سحنون: لا أرى أن يجمعوا وإن أحبوا صلوا أفذاذا. ثم قال: والمذهب أنهم لا يخطبون. ثم قال في المدونة: ويصليها أهل القرى كأهل الحضر. فحمله سند على أن المراد به أهل القرى الصغار الذين لا تجب عليهم الجمعة وأنه يستحب لهم أن يصلوها. ثم قال: إذا قلنا لا تجب في غير موطن استيطان ويستحب لهم أن يقيموها، فهل ذلك من غير خطبة ؟ قال عيسى عن ابن القاسم: إن شاء من لا جمعة عليهم أن يصلوها بإمام فعلوا ولكن لا خطبة عليهم، فإن خطبوا فحسن انتهى. وما ذكره عن عيسى هو في أول رسم من سماعه. قال ابن رشد في شرحه: هو خلاف ما تقدم في رسم العيدين آخر سماع أشهب. وقال في سماع أشهب المشار إليه: لم ير في هذه الرواية أن يصلي العيدين في جماعة وخطبة ومن لا تجب عليهم الجمعة، وهو خلاف ما في أول رسم من سماع عيسى وفي المدونة في هذه المسألة اختلاف في الرواية انتهى. فالحاصل أن المراد بقوله المصنف إقامة من لم يؤمر بها أو فاتته أنه يستحب له أن يصليها. وهل في جماعة أو أفذاذا ؟ قولان، والاصح أنه لا يجوز لهم جمعها. قال في الشامل: وإقامتها لمن فاتته ولمن لا تلزمه فذا وكذلك جماعة على الاصح فيهما انتهى. ويظهر من كلام صاحب الطراز ترجيح جواز الجمع وعلى جواز الجمع لمن فاتته من أهل المصر لا يخطب بلا خلاف، وكذلك من تخلف عنها لعذر، وكذلك العبيد والمسافرون، واختلف في أهل القرى الصغار على قولين والله أعلم. فرعان: الاول: فلو أراد أن يجمعها من فاتته في المسجد أو في المصلى، والظاهر أنهم


[ 582 ]

يمنعون من ذلك ويدل لذلك قول ابن حبيب: من فاته العيد فلا بأس أن يجمع مع نفر من أهله والله سبحانه وتعالى أعلم. الثاني: يستحب لسيد العبد أن يأذن له في حضور العيد. ص: (وتكبيره إثر خمس عشرة فريضة) ش: لم يتعرض المصنف وكثير من أهل المذهب لبيان صفة التكبير في الجهر والاسرار. وقال في المدخل: قد مضت السنة أن أهل الآفاق يكبرون دبر كل صلاة من الصلوات الخمس في أيام إقامة الحاج بمنى، فإذا سلم الامام من صلاة الفرض في تلك الايام كبر تكبيرا يسمع نفسه ومن يليه، وكبر الحاضرون بتكبيره كل واحد يكبر لنفسه لا يمشي على صوت غيره على ما وصف من أنه يسمع نفسه ومن يليه. فهذه هي السنة، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من أنه إذا سلم الامام من صلاته كبر المؤذنون على صوت واحد على ما يعلم من زعقاتهم ويطولون فيه والناس يستمعون إليهم ولا يكبرون في الغالب، وإن كبر أحد منهم فهو يمشي على أصواتهم وذلك كله من البدع وفيه إخرام حرمة المسجد والتشويش على المصلين والتالين والذاكرين انتهى. ص: (وكبر ناسيه إن قرب) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولو نسي التكبير لكبر بالقرب. والقرب عند مالك أن يكون في المجلس فإذا قام الامام منه فلا شئ عليه انتهى. وما ذكره هو قول مالك في المختصر الكبير. قال سند: وأما حد الطول في ذلك قال مالك في المختصر: يكبر ما دام في مجلسه فإذا قام منه فلا شئ عليه. والكلام هنا كالكلام فيمن سلم من اثنين فما منع البناء فيه منع التكبير هنا، وما لا يمنع البناء لم يمنعه انتهى. وفي المدونة: ومن نسي التكبير وهو


[ 583 ]

بالقرب رجع فكبر وإن بعد فلا شئ عليه. قال ابن ناجي: ما ذكره هو المشهور تقدم الشاذ إنه يكبره وإن بعد ما دام في مجلسه وإن قام فلا شئ عليه. قاله في المختصر حكاه عن عبد الحميد والمازري أبو إبراهيم. قوله رجع يعني بالقول ولا يرجع إلى الموضع الذي صلى فيه كالصلاة لانه زيادة. ومثله للمغرب. وما ذكراه هو خلاف قول ابن حبيب في واضحته: ومن نسي التكبير حتى انصرف من صلاته فإن كان قريبا من مصلاه جلس مستقبل القبلة وكبر على سنة ذلك، وإن تباعد فلا شئ عليه. وكان شيخنا ينقل (عن أبي عمران أن سحنون بن سعيد جرى له ذلك فكبر بعض التكبير قائما وبعضه جالسا. وانظر ما حد القرب هل الذي يصح منه البناء أو هو أوسع من ذلك ؟ انتهى. قلت: الظاهر ما قاله صاحب الطراز والله أعلم. ص: (ثم تكبيرتين) ش: يريد وتكون التكبيرة الثانية معطوفة على التهليلة بالواو وهذا لا يفهم من كلامه. ص: (وكره تنفل بمصلى قبلها أو بعدها لا بمسجد فيهما) ش: يعني أنه يكره التنفل في مصلى العيد قبل الصلاة وبعدها، وأما المسجد فلا يكره التنفل فيه لا قبل الصلاة ولا بعدها، وهذا في حق غير الامام. قال في الطراز: ونحن إذا قلنا بجواز التنفل قبلها فهل نطلقه للامام بل سنة الامام إذا قدم أن يبدأ بصلاة العيد إلا أن يقوم قبل الوقت فليس بذلك بوقت التنفل أيضا انتهى. فروع: الاول: إذا قلنا إن النافلة جائزة في المسجد قبل الصلاة للمأموم، فهل تحرم أو تكره بخروج الامام على الناس أو تباح ؟ لم أر فيه نصا والله أعلم. الثاني: قال في الطراز: وأما التنفل في البيوت يوم العيد فمختلف فيه، فذهب الجمهور


[ 584 ]

إلى جوازه من غير كراهة. وقد قال قوم: صلاة العيد سبحة ذلك اليوم فليقتصر عليها إلى الزوال وجنح إلى ذلك ابن حبيب. فقال: أحب إلي أن تكون صلاة العيد حظه من النافلة ذلك اليوم إلى صلاة الظهر، وهذا مذهب مردود باتفاق أرباب المذهب انتهى. الثالث: قال في الشامل: لم يعرف مالك قول الناس تقبل الله منا ومنكم وغفر الله لنا ولكم ولم ينكره، وأجازه ابن حبيب وكرهه بعضهم انتهى. وانظر النوادر والمدخل. وقال في المسائل الملقوطة: قال النحاس أو جعفر وغيره: الاتفاق على كراهة قول الرجل لصاحبه أطال الله بقاءك وقال بعضهم: هي تحية الزنادقة. وفي كتاب الاستيعاب لابن عبد البر: أن عمر قال لعلي رضي الله عنهما: صدقت أطال الله بقاءك. فإن صح بطل ما ذكره من الاتفاق انتهى. الرابع: قال في الطراز: ولا ينكر في العيدين اللعب للغلمان بالسلاح والنظر إليهم، وكذلك لعب الصبية بالدفوف وشبه ذلك انتهى. ثم ذكر لعب الحبشة. قال: وقد كره مالك لعبهم في المسجد ويحمل الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت في المسجد تراهم انتهى. فصل في صلاة الكسوف والخسوف ص: (سن وإن لعمودي ومسافر لم يجد سيره) ش: قال في الطراز: وسئل ابن القاسم: هل كان مالك يرى أن صلاة الكسوف سنة لا تترك مثل صلاة العيد سنة لا تترك ؟ قال: نعم. قال سند: وهذا مما لا يخلف فيه. وأبو حنيفة وصفها بالوجوب ونحن لا نتحاشى أن نقول تجب وجوب السنن المؤكدة على أنه لا ينبغي تركها لان النبي (ص) فعلها بالجماعة


[ 585 ]

وأمر بها وهي من شعار الدين وشعار الاسلام ويجب إظهارها إلا أنها غير مفروضة لما بينا في صلاة الوتر أنه لا مفروض إلا الصلوات الخمس انتهى. وقال في النوادر قال ابن حبيب: وصلاة الخسوف سنة على النساء والرجال ومن عقل الصلاة من الصبيان والمسافرين والعبيد انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: إن تطوع من يصلي بأهل البادية بصلاة الكسوف فلا بأس. ابن رشد: يريد الذين لا تجب عليهم الجمعة، وأما من تجب عليهم فلا رخصة في تركهم الجمع للكسوف انتهى. وأتى رحمه الله بأن المأذنة بني الخلاف في المذهب ولم يأتي بلو المشيرة إلى الخلاف المذهبي إشارة إلى أنه لم يرتض ما حكاه اللخمي عن مالك في مختصر ما ليس في المختصر من أنه لا يؤمر بها إلا من تلزمه الجمعة أخذا من قوله فيه قال مالك: إذا كانت قرية فيها خمسون رجلا ومسجد يجمعون فيه الصلاة فلا بأس أن يجمعوا صلاة الخسوف. قال اللخمي: فأجراها مجرى الجمعة فيمن تجب عليه وكالعيدين في أحد الاقوال انتهى. وقال في الطراز: وفيما قاله اللخمي نظر وليس فيه أنها تسقطه عمن لا جمعة عليهم، وإنما فيه أن هل الجمعة لا بأس أن يجمعوها يريد أن جمعهم بها أصوب من فعلها في الانفراد. ومن لا جمعة لهم إن شاؤوا جمعوا، وإن شاؤوا صلوا منفردين، أما أن يتركوها فلا انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام اللخمي: وفيه نظر لاحتمال كونه شرطا في جمعها فقط انتهى. ص: (لكسوف الشمس) ش: سواء كان الكل أو البعض. قال ابن بشير: والكسوف عبارة عن ظلمة أحد النيرين الشمس والقمر أو بعضها انتهى. وفي الطراز: لو انكسف كل الشمس فلم يصلوا حتى انجلى بعضها فإنهم يصلون لقيام الوقت ورغبة في إكمالها كما لو انكسف بعضها ابتداء انتهى. وقال ابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء من كتاب الجامع الرابع من سماع ابن القاسم لما تكلم على مسألة المنجم في أثناء كلامه على مدة مسير الشمس والقمر. فإذا قدر الله عزوجل ما أحكمه من أمره وقدره من منازله في مسيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الابصار وبين الشمس ستر جرمه عن وء الشمس كله إن كان مقابلا لها كلها أو بعضه إن كان منحرفا عنها فكان ذلك هو الكسوف للشمس آية من آيات الله عزوجل يخوف بها عباده، ولذلك أمر النبي (ص) بالدعاء عند ذلك وسن له


[ 586 ]

صلاة الكسوف انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: إذا خسفت الشمس انظر هل كلها أو بعضها قال ابن المنذر: لا تصلى إلا إذا خسفت كلها. الشيخ: أو جلها لان حكم الكل حكم الجل انتهى. ولا تصلى إذا خسف بعضها. أبوعمران: وما قاله ابن المنذر تفسير الشيخ لانه قال: إذا خسفت الشمس انتهى. وقال أيضا في باب جمل من الفرائض: واختلاف متى جصلى ؟ قال ابن الهندي: حين تغيب كلها وتسود وكذلك إذا ذهب جلها تصلى لان حكم الجل حكم الكل، وأما إذا خسف منها الشئ اليسير ما رأيت من قال يصلى انتهى. قلت: يحمل على اليسير الذي لا يصهر إلا بتكلف ولا يدركه إلا من لديه شعور من أهل علم الفلك، فإن الظاهر أنها لا تصلى حينئذ وإنما تصلى إذا ظهر الكسوف للناس ولو في بعضها والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال في الطراز: لا خلاف بين أهل اللغة في استعمال الكسوف في الشمس، واختلف في استعمال الخسوف، فذهب قوم إلى منعه وصار إلى ذلك بعض السلف. وروى عن عروة قال: والاكثرون يقال خسفت وكسفت بمعنى واحد في الشمس والقمر وهو ذهاب ضوئهما انتهى. الثاني: قال في الذخيرة: ولا يصلى الزلزال وغيره من الآيات وحكى اللخمي عن أشهب الصلاة واختاره انتهى. ص: (ركعتان سرا) ش: هذا هو المشهور وعليه اختلف في قراءة المأموم خلف إمامه فقال أشهب: لا يقرأ. وقال أصبغ: يقرأ. ابن ناجي: وهو الجاري على أصل المذهب. ص: (وركعتان ركعتان لخسوف القمر كالنوافل) ش: مشى رحمه الله على أن صلاه خسوف القمر سنة وهذه طريقة اللخمي والجلاب. قال الشرح: وشهره ابن عطاء الله.


[ 587 ]

قلت: ورأيت في بعض الحواشي أنه وجد بخط المصنف على نسخة من المختصر عند قوله وركعتان ركعتان ما نصه: صرح ابن عطاء الله بأن المشهور سنية الصلاة لخسوف القمر انتهى. واقتصر في التوضيح على القول بأنها فضيلة. قال الشارح: وصححه غير واحد وصدر به في شامله فقال: وصلاة خسوف القمر فضيلة. وقيل: سنة وشهر انتهى. وعزا ابن عرفة هذا القول لابن بشير والتلقين فقال: وصلاة خسوف القمر، اللخمي والجلاب سنة ابن بشير والتلقين: فضيلة انتهى والله أعلم. ص: (بلا جمع) ش: يعني أن صلاة خسوف القمر إنما تصلى أفذاذا لا جماعة. قال في الطراز: فإن جمعوا أجزأهم لان سائر النوافل إذا وقعت جماعة صحت، وإنما الخلاف هل الجماعة من سننها أولا ؟ وظاهر كلام المؤلف أن صلاة كسوف الشمس تصلى جماعة وهو كذلك بل الجماعة فيها مستحبة. وقال في التوضيح لما تكلم على قول ابن الحاجب صلاة قبل الانجلاء سنة في المسجد لا في المصلى. وقيل: والمصلى. قوله في المسجد يريد مخافة انجلائها في طريق المصلى. قوله وقيل في المصلى وهو لابن حبيب يعني أن هذا القائل مخير بين إيقاعها في المسجد والمصلى. وفهم هذا من كلامه لاتيانه بالواو المقتضية للجمع، وهذا إذا وقعت في جماعة كما هو المستحب انتهى. وقال ابن عرفة: وفي اشتراطها بالجماعة قولا ابن حبيب والمشهور انتهى. ص: (وندب في المسجد) ش: هذا راجع لكسوف الشمس. قال في التوضيح: وهذا إذا وقعت في جماعة كما هو المستحب، وأما الفذ فله أن يفعلها في بيته. وقال في صلاة خسوف القمر: والمعروف من المذهب أن الناس يصلونها في بيوتهم ولا يكلفون الخروج لئلا يشق عليهم. واختلف هل يمنع من الخروج ؟ فقال في المدونة: لا يجمعون وأجاز أشهب الجمع. اللخمي: وهو أبين لانا إنما قلنا لا يجمعون لما في خروجهم من المشقة فإذا جمعوا لم يمنعوا قياسا على كسوف الشمس انتهى. وقال ابن عرفة في صلاة خسوف القمر: والمشهور كونها في البيوت ولا يجمع. وروى علي: يفزعون للجامع يصلون أفذاذا ويكبرون ويدعون. وصوب اللخمي قول أشهب يجمعون. وقال في الطراز: وهل يستحب فيها المسجد يختلف فيه، قال مالك في المجموعة: ويفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع فيصلون أفذاذا ويكبرون ويدعون. وقال ابن الجلاب في تفريعه: يصليها الناس في منازلهم فرادى. وهكذا قال أبو حنيفة. واعتل بأن خروجهم من بيوتهم ليلا مع


[ 588 ]

الانكشاف مشقة، ووجه الاول أن عادتهم إنما كانت في هذه الآيات أن يفزعوا إلى الصلاة. قال أنس: إن كانت الريح تشتد فبادر المسجد مخافة القيامة. خرجه أبو داود. ولان في الخروج لها حال الكسوف اتعاظ وادكار وشهود الآية ينصرفون في ظلمات الكسوف وينصرفون منه في ضوء الكمال انتهى. ص: (وقراءة البقرة ثم موالياتها) ش: تصوره واضح ويعيد الفاتحة في القيام الثاني والرابع على المشهور. وقال محمد بن مسلمة: لا يعيدها لانها ركعتان والفاتحة لا تقرأ في ركعة مرتين. ووجه المشهور أن من سنة كل ركوع أن يكون قبله فاتحة. قال في الطراز مسألة قال: والاستفتاح في صلاة الكسوف في كل ركعة من الاربع بالحمد لله رب العالمين، أما قوله في كل ركعة من الاربع فهو قول الشافعي وجماعة. وقال محمد بن مسلمة: ليس عليه قراءة الحمد في الثانية من الاوليين ولا في الرابعة. وروي أن الركوع إنما هو في ركعة واحدة فلهذا من أدرك أحد الركوعين أدرك الركعة، والركعة الواحدة تجزئ فيها قراءة الفاتحة فنقول: ليس هي ركعة واحدة ولا بد فيها من ركوعين وهما ركعتان فيها كالسجدتين، جاز أن تكون ركعة واحدة وفيها قراءتان وركعتان كالركوعين. ولا عبرة بإدراك المسبوق كما في الركوعين فإنه بإدراك أحدهما يدرك الركعة وإن كان الثاني واجبا، يوضحه أن القراءة المسنونة يسن تدريرها وهي السورة الزائدة فيصلى في القيامين بسورتين، فلا يستبعد على ذلك أن تكون القراءة الواجبة تكريرها أيضا في الركعة الواحدة فإن مسنون القراءة تبع لمفروضها، فلو لم يشرع المتبوع لم يشرع التبع فكل قيام في الصلاة تسن فيه القراءة وجب فيه قراءة الفاتحة انتهى. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وفي قراءة المأموم خلف إمامه قولا أصبغ وأشهب انتهى. قال ابن ناجي: وإذا فرعنا على قولها أنه يقرأ فيها سرا فقال أشهب: لا يقرأ


[ 589 ]

المأموم خلف الامام. وقال أصبغ: بل يقرأ وكلاهما ذكره عبد الحميد في الاستلحاق، والجاري على أصل المذهب قول أصبغ قياسا على القرض في المشهور انتهى. ص: (ووعظ بعدها) ش: قال في الطراز بعد أن ذكر الاحاديث الواردة في الاسرار بالقراءة في صلاة كسوف الشمس: والرد على من قال بالجهر واحتج بما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قرأ قراءة طويلة يجهر فيها يعني في صلاة الكسوف اعتبارا بصلاة العيدين و الاستسقاء. خرجه أبو داود. وما روته عائشة رضي الله عنها محمول على صلاة كسوف القمر جمعا بين الروايات فإنه قد روي عنها في خسوف الشمس ما يقتضي ذلك، و اعتبارهم بصلاة العيد فاسد، وذلك أن نوافل النهار من طلوع الشمس إلى غروبها شبيهة بفرائضه، وفرائضه لا يشرع فيها جهرا إلا ما كانت فيه خطبة بدليل الجمعة والظهر والعصر فلتكن النوافل كذلك، والعيد والاستسقاء لها خطبة فكانت في الجهر كالجمعة، وصلاة الخسوف لا خطبة لها فكانت كالظهر والعصر انتهى. وقال ابن عرفة: روى ابن عبد الحكم: يستقبل الناس بعد سلامهم يعظهم ويأمرهم بالدعاء والتكبير والصدقة والعتق انتهى والله أعلم. ص: (وركع كالقراءة) ش: هو كقوله في المدونة: ثم ركع ركوعا طويلا كنحو قيامه انتهى. وقال البساطي: قوة كلام المصنف تعطي أن هذه الصفة صفة صلاة الكسوف لا أنه مندوب وإلا قال وركوع كالقيام انتهى. وقال ابن بشير: يجعل طوله دون قراءته ولا يقرأ في الركوع بل يسبح وهو يدعو، ويجري على الخلاف في جواز الدعاء في الركوع ثم قال: ويرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ويقول المقتدون ربنا ولك الحمد. ثم قال: إذا رفع رأسه من الركوع الثاني اعتدل كسائر الصلوات ولم يزد انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ويسبح الله في ركوعه ولا يدعو ولا يقرأ انتهى. ص: (وسجد كالركوع) ش: هذا كقول ابن الحاجب والسجود مثل الركوع على المشهور. فرع: قال في الطراز: وإذا قلنا يسن طول السجود فمن سها عن تطويله سجد لذلك لانه من سنة هذه الصلاة فأشبه تكبير العيد ويفارق تطويل القراءة في الصبح، لانه من فضائلها. ثم قال: والحكم في تطويل الركوع والقيام يجري على ما ذكرناه في السجود. فرع: قال فيه أيضا: ولا يطيل الفصل بين السجدتين بالاجماع وكذا التشهد. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: فإن قصر في محل الطول سجد قبل السلام ولا يطيل الفصل بين السجدتين اتفاقا انتهى. وإنما قال صاحب الطراز وإذا قلنا يسن طول السجود لانه


[ 590 ]

اختلف في تطويله، وأما الركوع فإنه متفق على تطويله والله أعلم. ص: (ووقتها كالعيد) ش: أي من حل النافلة للزوال. قال في الجلاب: وروى ابن القاسم وقتها وقت العيدين قياسا عليهما وعلى الاستسقاء بجامع أن هذا وقت ليس لشئ من الفرائض، فجعل السنن المستقلة تمييزا لها عن النوافل التابعة. انتهى من الذخيرة. فرع: قال في الطراز: فإن طلعت مكسوفة فلم تصل حتى تبرز الشمس ويأتي وقت النافلة، وهذا متفق عليه، وهل عليهم أن يقفوا ويدعوا ؟ قال في الواضحة: ولا تصلى في طلوع الشمس قبل أن تبرز وتحل النافلة ولكن يقفون للدعاء والذكر، فإن تمادت صلوها وإن انجلت حمدوا الله تعالى ولم يصلوها. وقال مالك رحمه الله في المختصر: ولا قيام عليهم ولا استقبال القبلة، ولو فعله أحد لم أر به بأسا. فظاهر ما في الواضحة أن ذلك مسنون ومندوب إليه، وظاهر ما في المختصر أنه غير مسنون إلا أنه جائز ولم يعد بدعة، ولم تزل الناس في هذه الآيات يتضرعون ويدعون ويذكرون الله تعالى قياما مستقبلين القبلة ومبتهلين لا ينكر القائم على الجالس ولا الجالس على القائم ولا الداعي على الساكت ولا الساكت على الداعي انتهى. ومنه أيضا إذا قلنا لا تصلى بعد العصر فانكسفت قبل الغروب وغابت منكسفة لم تصل إجماعا، وسلم ذلك الشافعي وإن كان مذهبه في القمر إذا غاب منكسفا بليل فليصل صلاة الكسوف. وهذا لان سلطان الشمس قد ذهب ووقتها قد فات وهو النهار، وإنما كانت الصلاة رغبة ليرد ضوؤها إلينا وتعود منفعتها علينا، وهذا المعنى يذهب بفقد الشمس رأسا فيسقط حكمها بفقدها انتهى. فرع: قال في الذخيرة قال سند: فإن طلع القمر مخسوفا بدأ بالمغرب. وظاهر قول مالك افتقارها إلى نية تخصها بخلاف الكسوف، فإن انكسف بعد الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، ولان المقصود من الصلاة وجود ضوئه ليلا لتحصل مصلحته وقد فات ذلك. فلو خسف فلم يصلوا حتى غاب بليل لم يصلوا خلافا للشافعي انتهى. وذكر الجزولي في صلاته بعد الفجر قولين، واقتصر التلمساني على أنها تصلى والله أعلم. ص: (وتدرك الركعة بالركوع) ش: أي الثاني. قال في المدونة: من أدرك الركعة الثانية من الركعة الاولى لم يقض شيئا، وكذلك إن أدرك الركعة الثانية من الركعة الثانية فإنما يقضي ركعة فيها ركعتان انتهى.


[ 591 ]

قال في التوضيح: حاصله أن الركوع الاول سنة والثاني هو الفرض، فلذلك إذا أدرك الثاني من إحدى الركعتين فقد أدرك الركعة الثانية انتهى. وقال في الطراز: وذلك لان الركوع الاصلي هو الثاني بدليل أنه يؤتى به في محله فيصلي أوله بالقراءة والرفع منه بالسجود بخلاف الركوع الاول فإنه في أثناء القراءة وهي محمولة عن المسبوق فوجب أن يكون محمولا. انتهى مختصرا. وقال في الطراز أيضا: إن ركع بنية الثاني وسها عن الاول سجد قبل السلام لانه مسنون وليس بركن، وإن ركع بنية الاول وسها عن الثاني فحكمه من ترك الركوع الثاني والله أعلم. فرع: قال المشذالي: أنظر لو أدرك الركوع الاول وفاته الثاني لرعاف أو نحوه وأدرك الامام في آخر انحطاطه للسجود، هل يقضيه ؟ ظاهر المدونة أنه يقضيه فإنه نقي القضاء عمن أدرك الثاني فقط، ولو كان العكس مساويا لما كان لاختصاصه فائدة. وظاهر كلامهم أن الاول واجب. فعلى هذا قول سند إن سها عن الاول سجد له قبل مشكل لانه أجراه مجرى السنن انتهى. قلت: قوله ظاهر كلامهم إنه واجب فيه نظر بل ظاهر كلام المدونة المتقدم إنه غير واجب وقوله أجراه مجرى السنن يقتضي أنه لم يقف على كلامه وإلا فقد تقدم التصريح بأنه مسبوق في كلامه وكلام صاحب التوضيح. وقول الشارح إن من جاء والامام راكع فإنه يدرك تلك الركعة يريد ولو في الركوع الثاني يقتضي أنه إذا أدرك الاول فقد أدرك الصلاة أيضا وليس كذلك، ومقتضى ما تقدم أنه يتداركه ما لم يعقد الركعة التي تليها والله أعلم. فرع: قال في النوادر: ومن فاتته مع الامام فليس عليه أن يصليها، فإن فعل ما دامت الشمس منكسفة فلا بأس به انتهى. ص: (ولا تكرر) ش: أي لا تكرر في اليوم الواحد. يجب تطويل الصلاة ما لم تنجل فإن أتمها على سنتها قبل الانجلاء لم يلزم الجمع لصلاة أخرى على سنتها، ولكن للناس أن يصلوا أفذاذا ركعتين كسائر النوافل ويدعوا ويذكروا الله انتهى. وأما لو تكرر الكسوف في السنة مرارا فإنه يصلي كذلك. قال في الطراز في باب صلاة الاستسقاء لما تكلم على قول المدونة وسألناه: هل يستسقي في العام الواحد مرتين أو ثلاثا ؟ قال: لا أرى بذلك بأسا. وهذا قول الكافة إلا أن الشافعي قال: وليس أستحب في الثانية والثالثة كالاولى لانه (ص) صلاة واحدة. ووجه المذهب قوله تعالى * (إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) * وقوله * (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) * فربط التضرع بالحال المدية به. وفي الحديث أن الله يحب الملحين في الدعاء، ولان العلة الموجة للاستسقاء أولا هي الغيث والحاجة إلى الغيث قائمة، وهكذا لو خسفت الشمس أو القمر في السنة مرارا فإنهم يصلون الكسوف كل مرة وإنما لم يستسق


[ 592 ]

النبي (ص) إلا مرة واحدة لانه لم يحتج بعد تلك المرة إلى استسقاء انتهى. ص: (وإن انجلت في أثنائها ففي إتمامها كالنوافل قولان) ش: ظاهره سواء كان ذلك قبل أن يتم ركعة بسجدتيها أو بعد ذلك وهو كذلك، أعني الخلاف في إتمامها كالنوافل في السورتين لكنه مختلف. فإن انجلت بعد إتما ركعة بسجدتيها فلا خلاف أنها لا تقطع. واختلف هل يتمها على سنتها وهو قول أصبغ، أو يتمها كالنوافل وهو قول سحنون ؟ قال ابن عبد السلام: ومعنى الاول والله أعلم إنما هو في عدد الركوع والقيام دون الاطالة، وإن انجلت قبل إتمام ركعة بسجدتيها فلا خلاف أنه لا يتمها على هيئتها. واختلف هل يتمها كالنوافل أو يقطع ؟ هكذا حصل الخلاف ابن ناجي: وهو مأخوذ من التوضيح وابن عرفة. والظاهر من القولين الثانيين عدم القطع والله أعلم. ص: (وقدم فرض خيف فواته ثم كسوف ثم عيد وأخر الاستسقاء ليوم آخر) ش: أما كسوف الشمس فلا يتأتى على المشهور من أن وقتها إلى الزوال إلا على ما قال البساطي فيمن نام عن صلاة، فوقتها إذا استيقظ فتأمله. وأما في خسوف القمر فممكن والله أعلم. وأما قوله ثم كسوف ثم عيد ففيه سؤالان: الاول: إن اجتماعهما محال عادة لان كسوف الشمس إنما يحصل بالقمر إذا حال بيننا وبينها في درجتها يوم تسع وعشرين، وعيد الفطر يكون بينهما ثلاثة عشرة درجة منزلة تامة والاضحى يكون بينهما نحو مائة وثلاثين درجة عشر منازل. نعم يمكن عقلا أن يذهب ضوء الشمس بغير سبب أو بسبب غير القمر كما يمكن حياة إنسان بعد قطع رأسه وإخلاء جوفه، والكلام على مثل هذا منكر مع أن الشافعي وجماعة من العلماء تحدثوا فيه. السؤال الثاني: إنه ذكر في باب النفل أن صلاة العيد آكد من صلاة الكسوف وهو


[ 593 ]

مناقض لتقديمه. و جوابه أن الكسوف يخشى ذهاب سببه بخلاف العيدين كما في جواب الاذان على قراءة القرآن. تنبيهات: الاول: قال ابن عرفة: زعم ابن العربي بطلان كون الكسوف بحيلولة القمر، وكون خسوفه بدخوله في ظلل الارض لسبعة أوجه خلاف قول المازري والجماعة فعلى قول ابن العربي لا سؤال انتهى. الثاني: قال القرافي: إذا اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف فواتها، وإن أمن قدم الكسوف وتقدم الجنازة على الجمعة والخسوف إلا أن يضيق وقته انتهى. قلت: وهذا إنما يأتي على خلاف المشهور من أن وقتها ممتدا إلى بعد الزوال والله أعلم. فصل في صلاة الاستسقاء ص: (سن الاستسقاء لزرع أو شرب بنهر أو غيره وإن بسفينة ركعتان جهرا) ش: الاستسقاء طلب السقي. قال اللخمي: الاستسقاء يكون لاربع: الاول للمحل والجدب. والثاني عند الحاجة إلى شرب شياههم أو دوابهم ومواشيهم في سفر في صحراء أو في سفينة أو في الحضر. والثالث استسقاء من لم يكن في محل ولا حاجة إلى الشرب وقد أتاهم من الغيث ما إن اقتصروا عليه كانوا في دون السعة فلهم أن يستسقوا ويسألوا الله المزيد من فضله. قال مالك: كل قوم احتاجوا زيادة إلى ما عندهم فلا بأس أن يستسقوا. والرابع استسقاء من كان


[ 594 ]

في خصب لمن كان في جدب ومحل. وهذه الاربعة في الحكم على ثلاثة أوجه: فالوجهان الاولان سنة لا ينبغي تركها، والثالث مباح، والرابع مندوب إليه انتهى. ونقله ابن عرفة وذكر عن المازري بأنه رد الرابع، وأن المراد به الدعاء ونصه اللخمي: ولنزول الجدب بغيرهم مندوب إليه لقوله تعالى * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ولحديث من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ودعوة المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة ورده المازري بأنه الدعاء لا سنة الصلاة انتهى. وأنكر ابن رشد الصلاة في الثالث وتأول الاستسقاء فيه بالدعاء. وقال في سماع أشهب في رسم لاستسقاء في أهل قرية إنما يشربون من الامطار إذا كان سال واديهم فيزرعون ويشربون، وكان عام قل المطر علينا فنمطر ما نزرع عليه الزرع الكثير ولا يسيل وادينا فنستسقي. قال: نعم. قيل: إنه قيل الاستسقاء إذا لم يكن مطر وأنتم قد مطرتم وقد زرعتم عليه زرعا كثيرا. فقال: ما قالوا شيئا ولا بأس. بذلك قال ابن رشد: قوله إنهم يستسقون يريد الدعاء لا البروز إلى المصلي على سنة الاستسقاء لان ذلك إنما يكون عند الحاجة الشديدة إلى الغيث حيث فعله رسول الله (ص). روى أبو مصعب عن مالك أن البروز إلى المصلى للاستسقاء لا يكون إلا عند الحاجة الشديدة انتهى. فيحمل قول المصنف أن الاستسقاء سنة على القسمين الاولين لان القسم الثالث ليس سنة بل إما مباح كما قال اللخمي، أو ليس بمشروع كما قال ابن رشد، وأما القسم الرابع فسيصرح بحكمه فتأمله والله أعلم. فرع: والاستسقاء بالدعاء مشروع مأمور به في كل الاحوال إن احتيج إليه ولا خلاف بين الامة في جوازه. قاله ابن بشير. فرع: وإذا اضطر المطر بالناس دعوا الله وتضرعوا إليه ولا يقيمون له صلاة. قال ابن ناجي في شرح المدونة وقال السهيلي: وإذا تضرروا من كثرة المطر فليسألوا الاستصحاء قال: وقوله (ص) اللهم حوالينا ولا علينا وفي الحديث الآخر اللهم منابت الشجر وبطون الاودية وظهور الآكام فيه تعليم كيفية الاستصحاء ولم يقل ارفعه عنا لانه رحمة ونعمة فكيف يطلب


[ 595 ]

رفعه ؟ ولم يقل اللهم اصرفه إلى منابت الشجر لانه سبحانه أعلم بوجه اللطف وطريق المصلحة. انتهى والجدب بالدال المهملة نقيض الخصب بكسر الخاء المعجمة. قال في التوضيح: والجدب خاص باحتياج الزرع إلى الماء ولا يستعمل في احتياج الحيوان انتهى. ص: (وخروجوا ضحى مشاة) ش: قال في المدونة: وإنما تصلى ضحوة. ونقل ابن عرفة عن الباجي أنه فهمهما على أن وقتها ضحوة فقط ولا تصلى بعد ذلك. ونقل عن ابن حبيب نها تصلى من ضحوة إلى الزوال. وتردد سند في قول ابن حبيب، هل هو تفسير لما في المدونة أو خلاف. وقال في التوضيح: الظاهر أنه تفسير فإنه الذي ذكره ابن الجلاب وعبد الوهاب وغيرهما. وقال ابن عرفة: ويخرج الامام كذلك إذا ارتفعت الشمس متوكئا على عصا أو غير متوكئ إلى المصلى. وروى الشيخ: لا يكبرون في الاستسقاء إلا في إحرام ابن الماجشون ليس في الغدو لها جهر بتكبر ولا استغفار. وروى ابن عبد الحكم لا يكبر الامام في ممشاه ابن بشير: المشهور يكبرون في غدوهم انتهى. ص: (وكرر إن تأخر) ش: قال في النوادر قال ابن حبيب: ولا بأس أن يستسقي أياما متواليات، ولا بأس أن يستقي من إبطاء النيل. قال أصبغ: وقد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرين يوما متواليات يستسقون على سنة صلاة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروه انتهى. تنبيه: أطلع أصحابنا الخروج إلى الصحراء لصلاة الاستسقاء ولم يقيدوا ذلك بغير مكة كما في صلاة العيد، والظاهر أنه لا فرق، وأن أهل مكة يصلون الاستسقاء بالمسجد الحرام كما في صلاة العيد. وقد ذكر ابن جبير في رحلته وكانت في سنة تسع وتسعين وخمسمائة أن أهل مكة صلوا صلاة الاستسقاء بالمسجد الحرام، وإن الامام صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ثم خطب على المنبر وقد ألصق بالبيت على العادة وأنهم كرروا ذلك ثلاثة أيام والله أعلم. ص: (ببذلة) ش: هي بكسر الموحدة وسكون الذال المعجمة، والبذلة ما يمتهن من الثياب. قاله في الصحاح والتبذل ترك التزين. ص: (ولا يمنع ذمي وانفرد لا بيوم) ش: قال


[ 596 ]

في الطراز: وإذا قلنا لا يمنعنون فهل يخرجون بإشهار الصليب وإظهار شعار الكفر ؟ قال ابن حبيب: لا يمنعون من الاستسقاء والتطوف بصليبهم شركهم إذا برزوا بذلك وتنحوا به عن الجماعة، ويمنعون من إظهار ذلك في أسواق المسلمين وجماعتهم في الاستسقاء وغيره كما يمنعون من إظهار الزنا وشرب الخمر انتهى. وقاله المازري أيضا والله أعلم. ص: (ثم خطب كالعيد) ش: يعني في كونها بعد الصلاة وكونها خطبتين يجلس في ابتداء الخطبة الاولى وبينهما. قال ابن بشير: ولا يدعوا في هذه الخطبة إلا في كشف ما نزل بهم لا لاحد من المخلوقين، وإن الافضل أن يقرأ بكسبح والشمس وبلا أذان وإقامة. ص: (ثم حول رداءه) ش: لعله إنما أتى بثم لينبه على التحويل بعد الاستقبال. قال في المدونة: فإذا فرغ استقبل القبلة قائما فحول ما على يمينه من ردائه على يساره وما على يساره على يمينه ولا يقلبه فيجعل الاسفل الاعلى والاعلى الاسفل انتهى. وقال ابن بشير: إنما يحول رداء بعد أن يستقبل القبلة بوجهه انتهى. ص: (بلا تنكيس) ش: التنكيس أن يجعل الحاشية التي تلي عجزه على


[ 597 ]

رأسه وبالعكس على ما فهمه غير واحد والله علم. فرع: قال ابن ناجي قال المغربي: واختلف في البرانيس والغفائر على قولين والمشهور لاتحول خلافا لابن عيشون، ونص أبو محمد صالح على أنه لا يحول من لم يكن معه إلا ثوب واحد. فرع: قال في المدونة: ثم ينصرف. قال ابن ناجي: ما ذكره هو أحد قوليه وعنه إن شاء انصرف وإن شاء حول وجهه إلى الناس فكلمهم ورغبهم في الصدقة والتقرب إلى الله تعالى انتهى. ص: (ويدل التكبير بالاستغفار وبالغ في الدعاء آخر الثانية) ش: قال ابن عرفة ابن حبيب: ويجتهد في الدعاء بالسقيا. ابن الماجشون: ويصل كلامه بالاستغفار ويأمرهم به. وسمع ابن القاسم قول مالك: أنكر أو مسلمة على رجل رآه قائما عند المنبر رفع صوته بالدعاء ورفع يديه. ابن رشد: إنما أنكر الكثير منه لانه فعل اليهود، وأما على وجه الاستكانة فمحمود وأجازه فيها في مواضع الدعاء وفعله واستحبه وكفيه بطونهما للارض. وسمع ابن القاسم: لا يعجبني رفعهما في الدعاء. ابن رشد: ظاهره خلاف إجازة رفعهما فيه في مواضعه كالاستسقاء وعرفة والمشعر الحرام ومقامي الجمرتين، والاولى حمل سماع ابن القاسم كراهته في غير مواطنه فلا يكون خلافا. الشيخ: روى علي استحسان رفعهما في الاستسقاء انتهى. ص: (وصدقة) ش: قال ابن عرفة ابن حبيب: ويحض على الصدقة ويأمر فيها بالطاعة. ويحذر من المعصية انتهى. ص: (وجاز تنفل قبلها وبعدها) ش: تصوره واضح.


[ 598 ]

واضح. فرع: قال المازري: وإذا فاتت صلاة الاستسقاء فقال مالك: إن شاء مالك: إن شاء ترك انتهى والله أعلم. (تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث، وأوله كتاب الجنائز)

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...