65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج11. التلقيح لفهم قارئ الصحيح لسبط ابن العجمي



ج11. التلقيح لفهم قارئ الصحيح  

(التلقيح على الجامع الصحيح)

المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل

الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

[حديث: الثلث والثلث كثير أو كبير]

2743# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه ابن عيينة، وذلك لأنِّي رأيت الحافظ عبد الغنيِّ ذكر في مشايخ قتيبة ابنَ عيينة، ولم يذكر الثَّوريَّ، والله أعلم.

قوله: (لَوْ غَضَّ النَّاسُ): هو بالغين المفتوحة، والضَّاد المُشدَّدة المفتوحة المعجمتين؛ أي: نقصوا، وقال الطَّبريُّ: معناه: رجعوا، وأصل الغَضِّ: الكفُّ والرَّدُّ.

قوله: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ): كذا في أصلنا: بالمثلَّثة، وفي نسخة خارج الأصل، وكُتِب عليها: (صح) و (أصل)؛ بالموحَّدة.

==========

[ج 1 ص 691]

(1/5272)

[حديث: لعل الله يرفعك وينفع بك ناسًا]

2744# قوله: (حَدَّثَنَا مَرْوَانُ): هو ابن معاوية الفَزاريُّ، أبو عبد الله، الحافظ، عن عاصمٍ الأحول وحُمَيد، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن ملَّاس، تُوُفِّيَ سنة (193 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه جماعة، وقد تقدَّمت ترجمته، ولكن طال العهدُ بها.

قوله: (عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ): أمَّا (هاشم بن هاشم)؛ فهو هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص، ويقال: هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص، قال الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: وهذا أصحُّ، فإنَّ هاشم بن عتبة قُتِل بصفِّين، ولا يمكن أن يكون هذا ولدَه لصلبه إلَّا ولد ولده، عن عبد الله بن وهب بن زَمْعة، وابن المسيّب، وعامر بن سعد، وجماعة، وعنه: يحيى بن زكريَّاء بن أبي زائدة، ومروان بن معاوية، وموسى بن يعقوب الزُّمعيُّ [1]، وأبو أسامة، وآخرون، وثَّقه ابن معين والنَّسائيُّ، قال البخاريُّ عن مكِّيِّ: سمعت منه سنة (147 هـ)، أخرج له الجماعة، و (عامر بن سعد): هو ابن أبي وقَّاص، عن أبيه، وعثمان، وعائشة، وغيرهم، وعنه: ابنه داود، والزُّهريُّ، وطائفةٌ، ثقة، تُوُفِّيَ سنة ثلاث أو أربع ومئة، أخرج له الجماعة.

قوله: (مَرِضْتُ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ [2] صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): هذا المرض كان في حجَّة الوداع سنة عشرٍ، وهذا معروف.

[ج 1 ص 691]

قوله: (عَقبيِّ [3]): هو بتشديد الياء.

قوله: (وَإِنَّمَا لِي ابْنَةٌ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّها عائشة، وأنَّها تابعيَّة لها رؤية، وقد تَقَدَّم ما قاله بعض حُفَّاظ مصر: (أنَّها أمُّ حكيم)، انتهى، وقد تَقَدَّم عددُ أولاده مِن الرِّجال والنِّساء الذين جاؤوا بعد الواقعة في أوائل (البيع).

==========

[1] في (ب): (الرضعي)، وهو تحريفٌ.

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النَّبِيُّ).

[3] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (عَقِبِي)؛ بتخفيف الياء.

(1/5273)

[باب قول الموصي لوصيه: تعاهد ولدي. وما يجوز للوصي .. ]

(1/5274)

[حديث: هو لك يا عبد ابن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر]

2745# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّم أنَّه مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهريُّ [1]، العالم المشهور.

قوله: (كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ): تَقَدَّم أنَّ هذا أخو سعد بن أبي وقَّاص، وقَدَّمتُ أنَّ الصَّحيح: أنَّه لم يسلم عتبةُ.

تنبيهٌ: وقد ذكر الحاكم في «المستدرك» في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة: أنَّه قتل عتبة بن أبي وقَّاص في أُحُد، قال: فأخذت رأسه وفرسه، فقال _يعني: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم_: «رضي الله عنك» مرَّتين، سكت عليه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فمتى أسلم هذا؟!

قوله: (أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ): تَقَدَّم (ابن وليدة زَمْعة) أنَّه [2] عبد الرَّحمن، صحابيٌّ مشهور، وأنَّ (وليدة زَمْعة) لا أعرف اسمها، وهي امرأة يمانيَّة، وكذا تَقَدَّم الكلام على (عَبْد بْن زَمْعَةَ)، وكذا قوله: (فَتَسَاوَقَا)، وكذا إعرابُ (يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ)، وكذا (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ)؛ أي: لصاحب الفراش، وكذا على قوله: (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)، وكذا الكلام على (سَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ)، وهي أمُّ المؤمنين رضي الله عنها.

==========

[1] (الزهري): سقط من (ب).

[2] في (ب): (اسمه).

[ج 1 ص 692]

(1/5275)

[باب: إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت]

قوله: (إِذَا أَوْمَأَ): هو بهمزة مفتوحة في آخره.

==========

[ج 1 ص 692]

(1/5276)

[حديث أنس: أن يهوديًا رض رأس جارية بين حجرين]

2746# قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو همَّام بن يحيى العَوْذِيُّ، وقد تَقَدَّم مُتَرجَمًا، وكذا ضبطُ نسبتِه غيرَ مرَّةٍ.

قوله: (أَنَّ يَهُوِدِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ): (اليهوديُّ) و (المقتولة): لا أعرف اسمهما.

قوله: (فَرُضَّ رَأْسُهُ): (رُضَّ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رأسُه): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، ويجوز أن يُبنَى للفاعل، ويُنصَب (رأسَه) على أنَّه مفعول.

==========

[ج 1 ص 692]

(1/5277)

[باب: لا وصية لوارث]

قوله: (لَاْ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ): هذا هو الصَّحيح، وأمَّا الاستثناء «إلَّا أن يشاء الورثة»؛ فضعيفٌ [1].

==========

[1] هذه الفقرة جاءت في النُّسختين بعد الفقرة اللَّاحقة، وهي مستدركة في (أ).

[ج 1 ص 692]

(1/5278)

[حديث: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين]

2747# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ وَرْقَاءَ): هذا هو الفريابيُّ، تَقَدَّم، وتَقَدَّم الفرق بينه وبين مُحَمَّد بن يوسف البخاريِّ البيكنديِّ في أوائل هذا التَّعليق.

قوله: (عَنْ وَرْقَاءَ): هو بفتح الواو، وبالمدِّ في آخره، وهو ابن عمر اليشكريُّ، مشهور، و (ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ): اسمه عبد الله بن أبي نَجِيح، تَقَدَّم، و (عَطَاء) هذا: هو ابن أبي رَباح، مفتي أهل مكَّة، تَقَدَّم.

==========

[ج 1 ص 692]

(1/5279)

[باب الصدقة عند الموت]

(1/5280)

[حديث: أن تصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغنى وتخشى الفقر]

2748# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وكذا (سُفْيَان): الظَّاهر أنَّه الثَّوريُّ سفيان بن سعيد بن مسروق، وذلك لأنِّي رأيت في «الكمال» للحافظ عبد الغنيِّ في ترجمة حمَّاد بن أسامة أنَّه روى عن الثَّوريِّ، ولم يذكرِ ابنَ عيينة في مشايخه، والله أعلم.

قوله: (عَنْ عُمَارَةَ): هو ابن القَعْقَاع الضَّبِّيُّ، عن أبي زُرْعة هرمٌ _وقيل في اسمه غير ذلك، وقد تَقَدَّم _وجماعةٍ، وعنه: السُّفيانان وابن فُضَيل، له نحوُ ثلاثين حديثًا، أخرج له الجماعة، قال ابن معين والنَّسائيُّ: ثقة، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا مرارًا.

قوله: (قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ [1]: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟): هذا لا أعرفه.

قوله: (تَأْمُلُ): هو بضَمِّ الميم؛ أي: تطمع.

قوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ): أي: قاربت، وإلَّا؛ إذا بلغت الحلقوم سُلِبَ التَّكليف.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (يَا رَسُولَ اللهِ).

[ج 1 ص 692]

(1/5281)

[باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب بغير إسناد، ثمَّ قال: (قيل: ترجم على تقديم الدَّين على الوصيَّة، فما وجه ذكر حديث العبد؛ يعني: حديث: «العبد راع في مال سيِّده»، قال: وحديث حَكِيم؛ يعني به: (سألت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأعطاني ... )؛ الحديث؟ قال ابن المُنَيِّر: قلت: أمَّا حديث العبد؛ فأصلٌ يندرج تحته مقصود التَّرجمة؛ لأنَّه لمَّا تعارض في ماله حقُّه وحقُّ السَّيِّد؛ قوي الأقوى، وهو حقُّ السَّيِّد، وجُعِل العبدُ مسؤولًا عنه، ومُؤَاخَذًا بحفظه، وكذلك حقُّ الدَّين لمَّا عارضه حقُّ الوصيَّة _والدَّين واجبٌ، والوصيَّة تطوُّع_؛ وجب تقديمُه، وأمَّا حديث حَكِيم [1]؛ فيحتمل مطابقته من وجهين؛ أحدهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم زهد في قبول العطيَّة، ومرض [2] فيها، وجعل يدَ آخذِها اليدَ السُّفلى؛ تنفيرًا عن قبولها، ولم يَرِدْ مثلُ هذا في تقاضي الدَّين.

فالحاصل: أنَّ قابض الوصيَّة يدُه السُّفلى، وقابض الدَّين استيفاء حقِّه، إمَّا أن تكون يده العُليا؛ لأنَّه المُتفضِّل، وإمَّا أن تكون يدُه ليست بالسُّفلى، هذا أصل حالته [3]، فتحقَّق تقديمُ الدَّين على الوصيَّة بذلك الوجه الآخر في المطابقة، ذكره المُهلَّب، وهو أنَّ عمر رضي الله عنه اجتهد أن يوفيَه حقَّه في بيت المال، وبالغ في خلاصه من عُهدته، هذا وليس دَينًا، ولكن فيه شبه الدَّين؛ لكونه حقًّا في الجملة، والوجه الأوَّل أقوى في مقصود البخاريِّ عند النظر، والله أعلم.

قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تَقَدَّم أنَّها صيغة تمريض، فليس على شرطه، و (شُرَيح): تَقَدَّم أنَّه ابن الحارث القاضي مُتَرجَمًا.

قوله: (وَعَطَاءً): هو ابن أبي رَباح مفتي أهل مكَّة، تَقَدَّم.

(1/5282)

قوله: (وَابْنَ أُذَيْنَةَ): هو تصغير (أُذن)، واسمه عبد الرَّحمن بن أُذينة العبديُّ الكوفيُّ، قاضي الكوفة، روى عن أبيه وأبي هريرة، وعنه: يحيى بن أبي إسحاق الحضرميُّ، وقتادة، وسليمان التَّيميُّ، وجماعة، وثَّقه أبو داود، ولَّاه الحجَّاجُ القضاءَ سنة (83 هـ)، وقال عمر بن شبَّة: تُوُفِّيَ سنة (95 هـ) أو قبلها، وقيل: قبل ذلك، علَّق له البخاريُّ كما ترى، وأخرج له ابن ماجه.

تنبيهٌ: أُذينة بن الحارث الكنانيُّ اللَّيثيُّ أبو عبد الرَّحمن، وقيل: أُذَينة بن مسلم أو سلمة العبديُّ، قال أبو إسحاق السَّبيعيُّ: عن عبد الرَّحمن بن أُذَينة، عن أبيه رفعه: «مَن حلف على يمين ... »، وقال أبو أحمد العسكريُّ: هو مِن عبد القيس، وقال البخاريُّ: (أُذَينة العبديُّ عن عمرو، وعنه: ابنه، وروى عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُرسَلًا)، وقال أبو نعيم: هو تابعيٌّ كوفيٌّ، وقد حمَّر عليه الذَّهبيُّ، فالصَّحيح: أنَّه تابعيٌّ أيضًا [4] عنده.

قوله: (وَقَالَ الْحَسَنُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه البصريُّ، العالم المشهور الفرد.

[ج 1 ص 692]

قوله: (أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ ... ) إلى آخره: هو بفتح التَّاء والصَّاد، وتشديد الدال، كذا في أصلنا، قال ابن قُرقُول: (كذا للأصيليِّ، وعند أبي ذرِّ: «يُصدَّق»، على ما لم يُسمَّ فاعله، وهو أشبه)، انتهى.

قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ): (إبراهيم): هو ابن يزيد النَّخعيُّ، و (الحكم): هو ابن عُتيبة، تقدَّما.

قوله: (وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ): تَقَدَّم بعض ترجمته، وأنَّ (خَدِيجًا) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وفي آخره جيمٌ، ورَافعٌ صحابيٌّ مشهورٌ.

قوله: (أَنْ لَا تُكْشَفَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (امرأتُه): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل.

قوله: (امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ): هذه المرأة لا أعرف اسمها.

قوله: (عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُها): (أُغلِق): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (بابُها): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل.

قوله: (لِمَمْلُوكِهِ): هو (مملوك)، وهاءُ الضَّمير مضافٌ إليه، و (أَعْتَقْتُكَ)؛ بفتح الكاف على الخطاب للمذكَّر.

قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عامر بن شَراحيل، و (الشَّعبيُّ)؛ بفتح الشين المعجمة.

قوله: (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ): قال شيخنا الشَّارح: (المراد به: أبو حنيفة رحمه الله تعالى).

(1/5283)

قوله: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ): هو مَنْصوبٌ، وهذا مشهور جدًّا.

==========

[1] (حكيم): سقط من (ب).

[2] كتب فوقها في (أ): كذا، و (مرض فيها): ليس في مصدره.

[3] كذا في النُّسختين، وفي مصدره: (هذا أقلُّ حاليه).

[4] (أيضًا): سقط من (ب).

(1/5284)

[حديث: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان]

2749# قوله: (آيَةُ الْمُنَافِقِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وكذا (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ): تَقَدَّم الكلام عليه.

(1/5285)

[باب تأويل قول الله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين}]

قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تَقَدَّم أنَّها صيغة تمريض، ولم يكن [1] ما ذكره فيه على شرطه، وقد أخرجه التِّرمذيُّ وابن ماجه، قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه إلَّا مِن حديث أبي إسحاق عن الحارث [2]، وقد تكلَّم بعضُ أهل العلم في الحارث، انتهى، للحارث ترجمةٌ في «الميزان»، وقد تكلَّم مسلم عليه في مُقدِّمة «الصَّحيح»، ولم يخرِّج له البخاريُّ ومسلم، وأخرج له الأربعة، وقد ذكر الحاكم مِن حديث عليٍّ رضي الله عنه قال: (إنَّكم تقرؤون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، وإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قضى بالدَّين قبل الوصيَّة)، فيه: الحارث الأعور، المذكور قبله، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (يذكر)، ولعلَّه تكرارٌ.

[2] (عن الحارث): سقط من (ب).

[ج 1 ص 693]

(1/5286)

[حديث: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس .. ]

2750# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا [1] هو الفريابيُّ، الحافظ، مُحدِّث قيسارية، تَقَدَّم، وتَقَدَّم الفرق بينه وبين مُحَمَّد بن يوسف البخاريِّ البيكنديِّ في أوائل هذا التَّعليق، وذكرت الأماكن التي روى فيها البخاريُّ عن البيكنديِّ، والله أعلم، وكذا تَقَدَّم (الأَوْزَاعِيُّ): أنَّه أبو عمرو عبد الرَّحمن بن عمرو، وتَقَدَّم الكلام على نسبته لماذا، وكذا (الزُّهْرِي): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، وكذا (سَعِيد بْن الْمُسَيّبِ)، وأنَّه بفتح يائه وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز فيه إلَّا الفتح، وكذا (حَكِيم بْن حِزَامٍ): أنَّه بفتح الحاء، وكسر الكاف، وأنَّ حِزَامًا؛ بكسر الحاء المهملة، وبالزاي، صحابيٌّ مشهور _أعني: حَكِيمًا_، تَقَدَّم [2].

قوله: (بِإِشْرَافِ نَفْسٍ): هو بالشين المعجمة؛ ومعناه: بطلبٍ لذلك وارتفاعٍ وتعرُّضٍ إليه.

قوله: (لَمْ يُبَارَكْ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى): تَقَدَّم الخلاف في (اليد العليا) و (السُّفلى) في (الزَّكاة)؛ فانظره إن شئته.

قوله: (لَا أَرْزَأُ): هو بفتح الهمزة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ زاي مفتوحة، ثمَّ همزة؛ ومعناه: لا أُصيبُ بالأخْذِ.

قوله: (أَعْرِضُ): هو بفتح الهمزة، وكسر الراء.

قوله: (فَلَمْ يَرْزَأْ): تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه، ويجيء فيه ما جاء في (لم يتوضَّ)؛ الأوجه الثَّلاثة التي ذكرتها في (الوضوء)؛ فانظرها.

قوله: (حَتَّى تُوُفِّيَ): تُوُفِّيَ حَكِيم سنة (54 هـ)، قاله جماعة، وقال البخاريُّ: سنة (60 هـ)، وقد تَقَدَّم ذلك.

(1/5287)

[حديث: كلكم راع ومسؤول عن رعيته والمرأة في بيت]

2751# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الموحَّدة، وإسكان الشين المعجمة، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ اللهِ): أنَّه ابن المبارك، وكذا (يُونُسُ): أنَّه ابن يزيد [1]، وكذا (الزُّهْرِي): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

==========

[1] زيد في (ب): (الأيلي).

[ج 1 ص 693]

(1/5288)

[باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟]

قال: (بَابٌ: إِذَا وَقَفَ ... ) إلى آخر التَّرجمة: تنبيهٌ: الوقف والتحبيس والتَّسبيل بمعنًى واحدٍ، وهي [1] الصَّدقة المعروفة، والوقف ممَّا اختصَّ به المسلمون، قال الإمام الشَّافعيُّ: ولم يحبس أهل الجاهليَّة فيما علمته دارًا ولا أرضًا تبرُّرًا بحبسها، وإنَّما حَبَس أهلُ الإسلام، انتهى.

قوله: (لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم أنَّه زيد بن سهل، صحابيٌّ مشهور بدريٌّ نقيب، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «صوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ مِن فئة».

قوله: (لِحَسَّانَ [2] وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ): سيأتي نسبهما في كلام البخاريِّ.

قوله [3]: (وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ): هو مُحَمَّد بن عبد الله بن المثنَّى بن عبد الله بن أنس بن مالك [4] الأنصاريُّ، شيخ البخاريِّ، وأخرج له الباقون بواسطة، وقد تَقَدَّم أنَّ البخاريَّ إذا قال: (قال فلان) وفلانٌ المسند إليه القولُ شيخُه _ كهذا_؛ أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا.

قوله: (عَنْ ثُمَامَةَ): هو بضَمِّ المثلَّثة، وتخفيف الميم، وهو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك، قاضي البصرة، روى عن جدِّه والبراء، وعنه: عبد الله بن المثنَّى، ومَعْمَر، وعدَّة، ثقة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي): هذا هو المشهور المعروف، وسيأتي ما يخالفه في (تفسير آل عمران)، وذاك مُشكِلٌ، ونتكلَّم عليه في مكانه.

قوله في نسب أبي طلحة: (حَرَامِ): هو بالرَّاء، وكذا في نسب حسَّان، وكلُّ مَن في [5] الأنصار من الأسماء؛ فهو كذلك.

(1/5289)

قوله: (وَهُوَ [6] يُجَامِعُ حَسَّانَ، وأَبَا [7] طَلْحَةَ، وَأُبَيًّا إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ): (حسَّانَ): مَنْصوبٌ مفعول، وفي نسخة الدِّمياطيِّ الحافظ: (فهو يجامع حسانُ أبا طلحة، وأُبيًّا)، فـ (حسَّان) فيها؛ بالرَّفع، وهو فاعل (يجامع)، و (أبا طلحة): مفعول، و (أُبيًّا): معطوف عليه، قال الدِّمياطيُّ: (ظاهر هذا الكلام مُشكِلٌ يحتاج إلى تبيين؛ فإيضاحُه أنَّ أبا طلحة زيدُ بن سهل بن الأسود بن حرام، وحسَّان ابنُ ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديِّ بن عمرو بن مالك بن النَّجَّار، وأُبيَّ ابنُ كعب بن قيس بن عُبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النَّجَّار، فيجتمع أبو طلحة، وحسَّان، وأُبيُّ بن كعب في عمرو بن مالك، ويجتمع أبو طلحة، وحسَّان في حرام جدِّ أبويهِما، وبنو عمرو بن عديِّ بن مالك يقال لهم: بنو مغالة، وبنو معاوية بن عمرو بن

[ج 1 ص 693]

مالك يقال لهم: بنو حُدَيلة؛ بطنان مِن بني [8] مالك بن النَّجَّار، فقوله: «فهو يجامع حسَّانُ أبا طلحة وأُبيًّا»: «هو» ضمير الشَّأن)، انتهى.

فقوله: (إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ): اعلم أنَّ (عمرو بن مالك) سابعُ أبٍ لأبي طلحة، وسادسٌ لأُبيٍّ، والله أعلم.

فائدةٌ هي تنبيهٌ: قال السُّهيليُّ في (غزوة بني المصطلق) في «الرَّوض»: (وأمَّا أُبيٌّ؛ فيجتمع معه في الأب السَّادس، وهو عمرو بن مالك بن النَّجَّار، وقد كان أُبيٌّ غنيًّا، فكيف ترك مَن هو أقرب منه وخصَّه؟! والوجْه في ذلك: أنَّ أُبيًّا كان ابن عمَّة أبي طلحة، وهي صُهَيلة [9] بنت الأسود بن حرام، وهو معروف عند أهل النَّسب، فمن أجل ذلك [10] النَّسب خصَّه، لا من أجل النَّسب الذي ذكرناه، فإنَّه بعيد، وإنَّما قال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اجعلها في الأقربين»)، انتهى، وقوله: (أنَّ أُبيًّا كان غنيًّا): فيه نظرٌ، فإنَّ في «الصحيح»: «اجعلها لفقراء قرابتك»، والله أعلم، ولو كان غنيًّا؛ لما أعطاه شيئًا، والله أعلم، ويحتمل أنَّه استغنى بعد الإعطاء.

(1/5290)

قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ؛ فَهْوَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلَامِ [11]): قال شيخنا: (قال ابن التِّين في قول البخاريِّ: «إذا أوصى لقرابته؛ فهو إلى آبائه في الإسلام»: ثمَّ نقل عن أبي يوسف: أنَّ الوصيَّة لقرابته دون رحمه المحرمة وغيرهم مِن الرِّجال والنِّساء، الأقرب والأبعد في ذلك سواءٌ إلى أقصى أبٍ له في الإسلام مِن الرِّجال والنِّساء.

==========

[1] في (أ): (وهذه)، وكتب فوقها: (هي)، وزيد في (ب): (هذه).

[2] في (ب): (بحسان)، وهو تحريفٌ.

[3] (قوله): سقط من (ب).

[4] (بن مالك): سقط من (ب).

[5] (في): سقط من (ب).

[6] كذا في النُّسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (فهو).

[7] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (يجامع حسانُ أبا طلحة)، وكتب في هامش (ق): وهو الصَّواب.

[8] (بني): سقط من (ب).

[9] في (ب): (سهيلة)، وهو تحريفٌ.

[10] (ذلك): سقط من (ب).

[11] زيد في (ب): (ثمَّ).

(1/5291)

[حديث: أرى أن تجعلها في الأقربين]

2752# قوله: (أَفْعَلُ): هو بفتح همزة المُتكلِّم، وهو فعلٌ مضارعٌ مَرْفوعٌ؛ لأنَّه لم يتقدَّمه ناصبٌ ولا جازمٌ، وقد تَقَدَّم قولُ مَن قال: هو [1] بالجزم على أنَّه أمر.

قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214])، وكذا (قَالَ [2] أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}): هذان مُرسَلَا صحابيٍّ؛ لأنَّ أبا هريرة كان إذ ذاك كما [3] كان، ولم يصحب إلَّا بالمدينة، وجاء إليها والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في خيبر، فصلَّى خلف سباع بن عُرفطة، ثمَّ ذهب إلى خيبر بعد الفراغ مِن القتال وقبل القسمة، وابن عبَّاس: وُلِد في الشعب، ولمَّا تُوُفِّيَ عليه الصَّلاة والسَّلام؛ اختُلِف في سنِّه على أقوالٍ ستأتي، وكان على قولٍ: ابنَ ثلاثَ عشرةَ، ودخل في أربعَ عشرةَ، وقيل: دون ذلك، ومُرسَلُ الصَّحابيِّ معمولٌ به، خلافًا لأبي إسحاق الإسفراينيِّ وطائفةٍ يسيرةٍ.

==========

[1] (هو): سقط من (ب).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (وقال).

[3] في (ب): (فما)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 694]

(1/5292)

[باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب]

(1/5293)

[حديث: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم]

2753# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِي): أنَّه [1] مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (ابْن المُسَيّب): أنَّه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره بالفتح ليس إلَّا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): مرارًا تَقَدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]): تَقَدَّم أعلاه أنَّه مُرْسَلُ صحابيٍّ.

قوله: (يَا عَبَّاسَ بنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ): تَقَدَّم في نظيره فتح (عبَّاس) و (بن)، [وضمُّ (عبَّاس) وفتح (بن)] [2]، وضمُّهما، وهو أغربها، وأنَّ ابن مالك ذكرها [3] في «التَّسهيل»، وذكرت شرط ذلك في أوائل هذا التَّعليق، وذكرت ما إذا كان بين غير علمين ما حكمه؛ فانظره إن أردته، وكذا (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ): مثل (يا عبَّاس) المذكور.

قوله: (وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ): (عمَّةَ): فيها النَّصب فقط على الصَّحيح، وقد ذكرت ذلك في أوائل هذا التَّعليق؛ فانظره.

قوله: (تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): الضمير في (تابعه): الظاهر عوده إلى (أَبِي اليَمَانِ)؛ الحكم بن نافع، و (أصبغ): هو ابن الفرج المصريُّ الفقيه، شيخ البخاريِّ، والظاهر أنَّ قوله: (تابعه فلان) إذا كان شيخَه _ كهذا_؛ يكون قد رواه عنه إمَّا مذاكرة، وإمَّا غير ذلك من وجوه الأخذ، إمَّا تحديثًا، وإمَّا إخبارًا، و (ابن وهب): هو عبد الله بن وهب أحد الأعلام، و (يونس): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهري): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب؛ الكلُّ تقدَّموا، والله أعلم، ومتابعة (أصبغ عن ابن وهب) لم أرَها في شيءٍ مِن الكتب السِّتَّة إلا ما هنا، وإنَّما روى مسلم هذا الحديث في (الإيمان) عن حرملة بن يحيى، والنَّسائيُّ في (الوصايا) عن سليمان بن داود المَهْرِيِّ؛ كلاهما عن ابن وهب، عن يونس، عن الزُّهريِّ، عن سعيد، وأبي سلمة به.

(1/5294)

[باب: هل ينتفع الواقف بوقفه؟]

قوله: (بَابٌ: هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب بغير إسناد، ثمَّ قال: (بنى البخاريُّ رحمه الله في مطابقة حديث عمر رضي الله عنه للترجمة أنَّ المُخاطِب به يدخل في خطابه، وهو أصل مُختلَفٌ فيه، ومالك رحمه الله في مثلِ هذا يحكم بالعُرف، حتَّى يُخرِج غيرَ المخاطب أيضًا من العُموم؛ لقرينة عُرفيَّة؛ كما إذا أوصى بمالٍ للمساكين وله أولاد، فلم يقسم حتَّى أنفقَ أولادُهُ؛ يعني: افتقروا، وذهب مالُهم، قال: فابن القاسم يمنع الأولادَ، وإن كانوا مساكين؛ لأنَّ العُرفَ في الإطلاق للأجانب، ولمطرِّف أنَّهم يُعطَون، ولابن الماجشون أنَّهم يُعطَون إن كانوا يومَ أوصى أغنياءَ، ثمَّ افتقروا، ولا يُعطَون إن كانوا يوم الوصيَّة مساكينَ، ولو وقف على المساكين فافتقر أولادُه؛ فلم يُختلَف أنَّهم يُعطَون بالمسكنة، ولكن قال: يجب إدخال الأجانب معهم؛ لئلَّا يندرس الوقفُ، ويَكتُب على الأولاد كتابًا: أنَّهم بالمسكنة العامَّة قبضوا، لا بخصوص القرابة، وشذَّت قاعدتُه هذه على كثير مِن أهل العصر، فقارب مشايخَهم الصَّوابُ، وأبعد غيرُهم غايةَ الإبعاد، والله المُوفِّق.

==========

[ج 1 ص 694]

(1/5295)

[حديث: اركبها ويلك أو ويحك]

2754# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الوضَّاح بن عبد الله.

قوله: (رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً): هذا (الرجل): تَقَدَّم أنِّي لا أعرف اسمه.

قوله: (وَيْلَكَ أَوْ: وَيْحَكَ): تَقَدَّم الكلام على (ويح)، وعلى (ويل).

==========

[ج 1 ص 694]

(1/5296)

[حديث: أن رسول الله رأى رجلًا يسوق بدنة فقال: اركبها]

2755# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي [1] أويس عبد الله، وأنَّه ابن أخت مالك الإمامِ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنُّون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّم (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، وكذا (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ.

قوله: (رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً): تَقَدَّم أنَّ هذا (الرجل) لا أعرف اسمه أعلاه، وقبله أيضًا [2]، وكذا تَقَدَّم الكلام على (وَيْلَكَ).

==========

[1] (أبي): سقط من (ب).

[2] في (ب): (مرارًا).

[ج 1 ص 694]

(1/5297)

[باب: إذا وقف شيئًا فلم يدفعه إلى غيره فهو جائز]

قوله [1]: (أَوقَفَ): كذا في أصلنا، والفصيح: وقف، و (أوقف): لغة رديئة.

قوله: (لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ): تَقَدَّم أنَّه النَّاظر.

قوله: (لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه زيد بن سهل الأنصاريُّ، وتَقَدَّم قريبًا نسبُه في الصَّحيح، وبعض ترجمته، وكذا تَقَدَّم على (أَفْعَلُ)، وأنَّه بقطع الهمزة مَرْفوعٌ، فعلٌ مضارعٌ، وتَقَدَّم قول مَن قال: إنَّه فعلُ أمرٍ.

(1/5298)

[باب: إذا قال: داري صدقة لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم]

قوله: (بَيْرحَاءَ): تَقَدَّم الكلام عليها، وأين هي، وضبطها، واللُّغات التي فيها.

[ج 1 ص 694]

قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَنْ؟ وَالأَوَّلُ أَصَحُّ): ممَّن اشترط بيان المَصْرِف الشَّافعيَّة، ومِن شروط صحَّة الوقف عند الشافعيَّة: بيان المَصْرِف، فلو اقتصر على (وقفت هذا)؛ فقولان: وقيل: وجهان؛ أظهرهما: عند الأكثرين بطلانُ الوقف، والقول الثَّاني أو الوجه الثاني: يصحُّ، وإليه ميل الشيخ أبي حامد، واختاره صاحب «المُهذَّب» والرُّويانيُّ، والله أعلم.

(1/5299)

[باب: إذا قال أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز]

(1/5300)

[حديث: يا رسول الله إن أمي توفيت أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟]

2756# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ سَلَامٍ [1]): تَقَدَّم مرارًا أنَّ الصَّحيح في (سلَام): التَّخفيف، وقد قَدَّمتُ بعض ترجمته، والكلام على (سلَام) مُطَوَّلًا.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ): هو بإسكان الخاء [3]، وهذا معروفٌ عند أهله.

قوله: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، العالم المشهور، تَقَدَّم بعض ترجمته، و (يَعْلَى): هو ابن مسلم بن هرمز المكِّيُّ، يروي عن أبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وعكرمةَ، وعنه: ابن جُرَيج، وشعبة، وجماعة، وثَّقه ابن معين وأبو زرعة، أخرج له الجماعة خلا ابن ماجه، وقال شيخنا: («يعلى»: هو ابن مسلم، كما صرَّح به الإسماعيليُّ، وأبو نعيم، والحُمَيديُّ، وقال الطُّرُقيُّ: هو ابن حكيم)، انتهى، وقال المِزِّيُّ: إنَّه ابن مسلم.

تنبيهٌ: يعلى عن عكرمة عن ابن عبَّاس اثنان؛ هذا أحدهما، والآخر: يعلى بن حكيم الثَّقفيُّ البصريُّ، أخرج له عن عكرمة عنه البخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، له في «البخاريِّ» حديثان؛ أحدهما: في رجم ماعز، ذكره في (المحاربين)، والحديث الثاني: (خرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه .. )؛ الحديث.

قوله: (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ [4] تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ): (أمُّه): صحابيَّةٌ، واسمها عَمرة بنت مسعود، قاله ابن بشكوال، وكذا النَّوويُّ، وقد تَقَدَّم في (الجنائز)، قال الذَّهبيُّ: (عمرة بنت مسعود بن قيس يقال: أمُّ سعد بن عبادة، ويقال: أمُّ سعد بن زيد بن مالك النَّجَّاريِّ، أختها عمرة الصُّغرى، زوجة أوس بن زيد بن أصرم، وأختهما عمرة الثَّالثة امرأة أبي حسَّان [5] بن ثابت، وأختهنَّ عمرة الرَّابعة هي والدة سعد بن عُبادة، تُوُفِّيَت سنة (5 هـ)، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة دومة الجندل، وأختهنَّ عمرةُ الخامسة والدة قيس بن عمرو)، وذكر ابن سعد: (أنَّ الخمس أسلمْنَ، وبايعنَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى.

(1/5301)

قوله: (أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ): تَقَدَّم ما الحائط، وأمَّا (المِخْراف)؛ فهو بكسر الميم، ثمَّ خاء ساكنة، وفي آخره فاء، قال شيخنا: (والمَخراف: جماعة النَّخل _بفتح الميم_ قاله القزَّاز)، قال: وبكسرها: الزِّنبيل الذي تُخترَف فيه الثمار، وأحسب المخراف [6] اسمَ هذا الحائطِ الذي تصدَّق به عن أمِّه، وقال الخطَّابيُّ: (المخراف: الثَّمرة، صوابه: الشَّجر [7] سمَّاها مخرافًا؛ لما يُخترَف مِن ثمارها كما قيل: امرأة مِذْكَار، وقد يستوي هذا في نعت الذُّكور والإناث ... ) إلى آخره، وسيجيء (في أواخر الورقة التي بعد هذه الصَّفحة) [8] كلام الدِّمياطيِّ [9] فيه [خ¦2770]؛ فانظره، فإنَّه قال: (صوابه مخْرفًا)، والله أعلم.

(1/5302)

[باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز]

قوله: (بَابٌ: إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ أَوْقَفَ): كذا في أصلنا، وفي الطُّرَّة: (أوقف)، وعليها علامةُ راويها، ومكتوب عليها: أصل، وقد تَقَدَّم أعلاه [1] أنَّ (وقف) الفصيح، وأنَّ (أوقف) لغةٌ رديئة.

==========

[1] (أعلاه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 695]

(1/5303)

[حديث: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك]

2757# 2758# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَير، وأنَّ (بُكَيرًا): بضَمِّ الموحَّدة، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، الإمامُ المجتهدُ، وأنَّ (عُقَيلًا): بضَمِّ العين وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وأنَّ (ابْنَ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم، العالم المشهور.

قوله: (أَمسِكْ): هو بفتح الهمزة، وكسر السين، رُباعيٌّ، وتَقَدَّم أنَّ فيه لغةً أخرى: (مسك)، ثلاثيٌّ، فإذا قُرِئ بالثُّلاثيِّ؛ تكون همزتُه وصلًا [1]، فإذا ابتدأتَ بها؛ كسرتَها.

قوله: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم أنَّ قول البخاريِّ: (قال فلان) وفلانٌ المُسنَد إليه القولُ شيخُه _ كهذا_؛ يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وهو متَّصل، وأنَّ المِزِّيَّ والذَّهبيَّ يجعلان هذا وأمثالَهُ تعليقًا، و (إسماعيل) هذا: هو إسماعيل بن أبي أويس عبد الله، ابن أخت مالكٍ الإمامِ، تَقَدَّم مرارًا، كذا جعل هذا الحديثَ المِزِّيُّ في ترجمة عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن إسحاق، عن أنس، وعنه: إسماعيل بن أبي أويس، وعلَّم عليه تعليقًا، كما قدَّمتُه لك، ورأيتُ بخطِّ بعض مُحدِّثي دمشق الفضلاء وممَّن صاحبناه وسمع بقراءتي [2] وسمعتُ بقراءته وصحبته بدمشق والقاهرة وحلبَ ما صورته: (في كتاب أبي مسعود وكتاب خلف: وقال إسماعيل بن جعفر، والصَّواب إن شاء الله: إسماعيل بن أبي أويس)، تمَّت، وكذا قال شيخنا غير أنَّه زاد: أنَّه في نسخة الدِّمياطيِّ مسندٌ، وإسماعيل بن جعفر ليس من مشايخ السِّتَّة، وإنَّما هو من شيوخ شيوخهم، وهو إسماعيل بن جعفر المدنيُّ، عن عبد الله بن دينار والعلاء، وعنه: عليُّ بن حُجْر وخلق، تُوُفِّيَ سنة (180 هـ)، أخرج له الجماعة، مِن ثقات العلماء، فإن كان كما قال أبو مسعود وخلف؛ فهو تعليق اتِّفاقًا، لا يخالف في هذا ابنُ الصَّلاح ولا غيرُه، والله أعلم.

قوله: (جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه زيد بن سهل، وتَقَدَّم بعض ترجمته، وكذا تَقَدَّم (بَيْرُحَاءَ): وأين هي، وضبطها، واللُّغات فيها، وكذا تَقَدَّم الكلام على (بَخْ)، و (رَابِحٌ) هنا في أصلنا بالموحَّدة، وقد تَقَدَّم ما فيه.

(1/5304)

قوله: (وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَدِيقَةُ فِي [مَوْضِعِ] قَصْرِ بَنِي جَدِيلَةَ الَّذِي [3] بَنَاهُ مُعَاوِيَةُ): (جَدِيلة): في أصلنا بالقلم بفتح الجيم، وكسر الدال المهملة، وقال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ في «تقييده»: (وحُدَيلة؛ بالحاء المهملة المضمومة وفتح الدَّال: هم بنو حُدَيلة؛ بطنٌ مِن الأنصار، وهم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النَّجَّار، وحديلة أمُّهم، وإليهم يُنسَبُ قصر بني حُديلة) [4] انتهى، وقال ابن الأثير في «نهايته»: في (الحاء والدَّال المهملتين واللَّام): (وفيه قصر بني حُدَيلة _ بضَمِّ الحاء، وفتح الدال_؛ وهي محلَّة بالمدينة، تُنسَب إلى بني حُديلة؛ بطنٌ من الأنصار) انتهى، وقال أبو الفتح ابن سيِّد النَّاس في «السِّيرة» في (العقبة الثَّالثة): (وحديلة أمُّ معاوية بن عمرو، وهي ابنة مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج) انتهى، وفي «إكمال ابن ماكولا»: (حديلة) وذكر فيها كلام شَبَاب، فقال: (حديلة هو معاوية بن عمرو بن مالك بن النَّجَّار)، انتهى، فعلى هذا: حديلة لقبٌ لمعاوية، وقال الأمير عن ابن إسحاق: (بنو [5] عمرو بن مالك بن النَّجَّار: هم بنو حديلة)، وقد ذكر غير واحد من الحُفَّاظ: أنَّه بالحاء المهملة المضمومة، وإنَّما أحببتُ ذكرَه مِن عند الذين [6] ذكرتهم؛ لأنَّ فيه ذكرَ القصر الذي وقع في «البخاريِّ»، وإلَّا؛ فلو سقته من غير تعيين (قصر)؛ لقال بعضُ مَن لا يعلم شيئًا غير الجدال غيرَ ما ذكرتُه، فالصَّواب: النطق بما وقع في «البخاريِّ»: بالحاء المضمومة المهملة [7]، وفتح الدال، وكذلك هو في نسخة الدِّمياطيِّ على الصَّواب، فينبغي أن يقرأ أوَّلًا بالصَّواب، ثمَّ يقول القارئ: ووقع في الأصل: جَدِيلة، والله أعلم.

(1/5305)

[باب قول الله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى}]

(1/5306)

[حديث ابن عباس: إن ناسًا يزعمون أن هذه الآية نسخت .. ]

2759# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عارمٌ، وتَقَدَّم بعض ترجمته، وأنَّ (العارم): الشِّرِّير أو الشَّرس، وأنَّه بعيدٌ من العرامة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ) أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وكذا (أَبُو بِشْرٍ) أنَّه بكسر الموحَّدة، وإسكان الشِّين المعجمة، وأنَّه جعفر بن أبي وحشيَّة إياسٍ.

قوله: (نُسِخَتْ): وكذا الثَّانية، هما مبنيَّان لما لم يُسمَّ فاعلهما.

==========

[ج 1 ص 695]

(1/5307)

[باب ما يستحب لمن يتوفى فجأةً أن يتصدقوا عنه ... ]

قوله: (لِمَنْ يُتَوَفَّى فَجْأَةً [1]): (يُتوفَّى): هو [2] مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (فجأة) [3]: فيها لغتان تقدَّمتا، وتَقَدَّم الكلام على موت الفجاءة في (الجنائز)، وما فيه.

[ج 1 ص 695]

(1/5308)

[حديث: إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت ... ]

2760# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي أويس عبد الله، وأنَّه ابن أخت مالكٍ الإمامِ.

قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا): (الرَّجل): هو سعد بن عبادة فيما يظهر، وإذا كان كذلك؛ فأمُّه صحابيَّة، وقد تقدَّمت قريبًا أنَّ اسمها عمرة بنت مسعود مُطَوَّلًا.

قوله: (افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا): هو بهمزة وصلٍ، فإنِ ابتدأت بها؛ ضمَمْتها، ثمَّ فاء ساكنة، ثمَّ مثنَّاتين من فوق؛ الأولى مضمومة، والثَّانية مفتوحة، بينهما لامٌ مكسورةٌ، ثمَّ تاء التأنيث، وهو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله؛ ومعناه: ماتت فجأة [1]، وقيل: اختُلِسَتْ، قال ابن قُرقُول: (و «نفسها» مَنْصوبٌ على المفعول الثاني، وهو أكثر الرِّوايات، ورُوِي برفع السِّين، قال الخطَّابيُّ: «أخذت نفسها»، وبالوجهين قيَّده الجيَّانيُّ وغيره من شيوخنا، وذكر القتيبيُّ: «اقتُلِتت»؛ بالقاف، قال: وهي كلمةٌ تقال لمن مات فجأة، ولمن قتله الحبُّ، والأوَّل هو المشهور في الرِّواية) انتهى، وقد تَقَدَّم في (الجنائز)، وقال في «النِّهاية»: (ويُروَى بنصب «النَّفس» ورفعها؛ فمعنى النَّصب: افتلتها الله، مُعدًّى إلى مفعولين، كما تقول: اختلسه الشيء، واستلبه إيَّاه، ثمَّ بُنِي الفعل لما لم يُسمَّ فاعله، فتحوَّل المفعول الأوَّل مُضمَرًا، وبقي الثاني منصوبًا، وتكون التاء الأخيرة ضميرًا لـ «الأمِّ»؛ أي: افْتَلَتَتْ هي نفسَها، وأمَّا الرفع؛ فيكون مُتعدِّيًا إلى مفعولٍ واحدٍ قام مقام الفاعل، وتكون التَّاء لـ «النَّفس»؛ أي: أُخِذت نفسها فلتةً، وهذا ليس فيه زيادةٌ على ما قاله ابن قُرقُول، وإنَّما ذكرتُه لأنَّه واضح، والمُبتدِئ لا يفهم الإشارات، وإنَّما يفهم الواضحات.

قوله: (وَأُرَاهَا): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّها، وهذا ظاهرٌ.

(1/5309)

[حديث سعد بن عبادة: إن أمي ماتت وعليها نذر]

2761# قوله: (إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مُطَوَّلًا أنَّ أمَّ سعد بن عبادة عمرةُ بنت مسعود رضي الله عنها، صحابيَّة تُوُفِّيَت سنة (5 هـ).

==========

[ج 1 ص 696]

(1/5310)

[باب الإشهاد في الوقف والصدقة]

(1/5311)

[حديث: إن أمي توفيت فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟]

2762# قوله: (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وتَقَدَّم [1] بعض ترجمته، وكذا تَقَدَّم قريبًا (يَعْلَى): أنَّه ابن مسلم [2]، وما قيل فيه.

قوله: (أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ)؛ أي: الذي هو من بني ساعدة.

قوله: (تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ): تَقَدَّم الكلام على (أمِّه)، وأنَّها عمرة بنت مسعود، صحابيَّةٌ، تُوُفِّيَت سنة (5 هـ).

قوله: (وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا): تَقَدَّم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان في غزوة دومة الجندل، فالظاهر أنَّه كان معه عليه الصَّلاة والسَّلام، وقد جُزِم بذلك.

قوله: (أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا؛ فانظره، وسيأتي تصويبُ الدِّمياطيِّ قريبًا.

==========

[1] في (أ): (فقدم).

[2] في (ب): (أسلم)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 696]

(1/5312)

[باب قول الله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا}]

(1/5313)

[حديث: هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها]

2763# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم [1].

قوله: (وَلَمْ يُلْحِقُوهَا): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا): هو [2] بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا [3].

==========

[1] زيد في (ب): (ابن شهاب).

[2] (هو): سقط من (ب).

[3] (جدًّا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 696]

(1/5314)

[باب قول الله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح}]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ... }) إلى قوله: ({مَفْرُوضًا} [النساء: 6 - 7]}): سرد ابن المُنَيِّر ما في الباب بغير إسناد، ثمَّ قال: (لا يطابق حديث عمر مقصودَ التَّرجمة، وحديث عمر المشار إليه: (يا رسول الله؛ استفدت مالًا وهو عندي نفيسٌ ... )؛ الحديث، قال ابن المُنَيِّر: (لأنَّ عمر هو المُمْلِك لمنافع وقفه، مَن شاء؛ فله ذلك، ولا كذلك المُوصَى على أولاده، فإنَّهم إنَّما يملكون المال بقسمة الله وتمليكه، ولا حقَّ لمالكه فيه بعد موته؛ فلذلك كان المختار أنَّ وَصِيَّ اليتيم ليس له الأكل من ماله إلَّا أن يكون فقيرًا فيأكل، ويختلف في قضائه إذا أيسر، والله أعلم) انتهى.

==========

[ج 1 ص 696]

(1/5315)

[حديث: تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره]

2764# قوله: (حَدَّثَنِي هَارُونُ بْن الأَشْعَثِ): كذا في أصلنا، و (ابن الأشعث) عليه علامة نسخة، وكذا مقتضى كلام المِزِّيِّ: أنَّه هارون من غير نسب، ولو أنَّ النسب وقع في الأصل؛ ما اختُلِف في (هارون) هذا، كما سيجيء، وفي أصلنا الدِّمشقيِّ: (حدَّثنا هارون)، وهو ابن الأشعث، وهذا مِن توضيح مَن دون البخاريِّ، وفي نسخة أخرى عتيقةٍ: (هارون)؛ بغير نسب، قال الدِّمياطيُّ: (هارون بن الأشعث الهمْدانيُّ، مولى أبي إسحاق السِّبيعيِّ، انفرد به البخاريُّ عن الخمسة) انتهى، (هارون) هذا: بُخاريٌّ، روى عن وكيع وجماعة، وعنه: البخاريُّ، وسهل بن شاذويه، وجماعة، وُثِّق، انفرد البخاريُّ بالإخراج له عن الثِّقة؛ كما قاله أيضًا الدِّمياطيُّ.

تنبيهٌ: لمَّا ذكر المِزِّيُّ في «أطرافه» عزوَ هذا الحديث الذي فيه هارون؛ قال: (في «الوصايا»: عن هارون، عن أبي سعيد مولى بني هاشم، عن صخر بن جويرية البصريِّ مولى بني نُمَير، عن نافع، عن ابن عمر)؛ فذكره، ثمَّ قال: (هارون هذا: هو ابن الأشعث البخاريُّ عند عامَّة المُصنِّفين في رجال الحديث، وزعم أبو أحمد بن عديٍّ وحده: أنَّه هارون بن يحيى المكِّيُّ، الزُّبيريُّ من ولد الزُّبير بن العوَّام، فالله أعلم) انتهى، وقال الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (هارون بن يحيى الأسديُّ الزُّبيريُّ المدنيُّ، عنه: البخاريُّ، قاله ابن عديٍّ وحده) انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ): قال الدِّمياطيُّ: (عن أبي سعيد عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عُبيدٍ، مولى بني هاشم البصريُّ) انتهى، هذا هو أبو سعيد عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عُبيد [1] البصريُّ، الحافظ، مولى بني هاشم، عن عكرمةَ بن عمَّار وشعبةَ، وعنه: أحمد والعدنيُّ، ثقة تُوُفِّيَ سنة (197 هـ)، أخرج له البخاريُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، قال الإمام أحمد: (كثير الخطأ، وهو أيقظ من عبد الله بن رجاء)، وقد وثَّقه أحمد أيضًا، ولقَّبه: جرذقة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ): قال الدِّمياطيُّ: (وصخر بن جويرية النَّميريُّ مولاهم، البصريُّ، كنيته أبو نافع) انتهى، روى صخرٌ عن أبي رجاء وعائشة بنت سعد، وعنه: ابن مهديٍّ وعفَّانُ، ثقة، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

(1/5316)

قوله: (يُقَالُ لَهُ ثَمْغٌ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الثَّاء [2] المثلَّثة، وإسكان الميم، وبالغين المعجمة، وقد تَقَدَّم أين هو، وكلام ابن الأثير قبيل (كتاب الوصايا).

قوله: (نَفِيسٌ)؛ أي: يُتَنافس فيه ويُرغَبُ.

قوله: (يُنْفَقُ ثَمَرُهُ): (يُنفَق): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (ثمرُه): بالثَّاء المثلَّثة، مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، وهذا ظاهرٌ.

[ج 1 ص 696]

قوله: (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ): هو بتشديد الواو المكسورة؛ أي: جامعٌ مالًا، وقد تَقَدَّم.

==========

[1] في (ب): (عبيد الله).

[2] (الثاء): ليس في (ب).

(1/5317)

[حديث عائشة: أنزلت في والي اليتيم أن يصيب من ماله .. ]

2765# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة، تَقَدَّم مرارًا.

قوله: (بِقَدْرِ مَالِهِ): هو بجرِّ (مالِه)، وهذا ظاهرٌ.

==========

[ج 1 ص 697]

(1/5318)

[باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا}]

(1/5319)

[حديث: اجتنبوا السبع الموبقات]

2766# قوله: (عَنْ أَبِي الْغَيْثِ): هو بفتح الغين المعجمة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ ثاء مثلَّثة، واسمه سالمٌ، مولى عبد الله بن مطيع، عن أبي هريرة، وعنه: ثور بن زيد وصفوان بن سُلَيم، حجَّة، أخرج له الجماعة، قال أبو عبد الله ابن الحذَّاء: في رجال مالك، قال ابن معين: لا أعرف اسمه، وليس بثقة، وقال مرَّةً أخرى: هو ثقةٌ، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (الْمُوبِقَاتِ): أي: المُهلِكات.

قوله: ({لَأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220]: لأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيكُم [1]، {وَعَنَتْ} [طه: 111]: خَضَعَتْ): قال ابن قُرقُول: ({لأعنتكم}: لأحرجكم؛ بالحاء المهملة؛ أي: أدخل الحرج عليكم، والعنت: المشقَّة، هكذا في تفسيره، ثمَّ قال البخاريُّ: «{وَعَنَتِ}: خضعت»: كذا لهم، وعند الأصيليِّ: «وَعَنِتُّ: خضعتُ»، وليس عنده {الْوُجُوهُ}، فجاء على لفظ «العنت» المذكور في الآية، وعلى رواية: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ}؛ يكون من لفظ العناء؛ لأنَّ التَّاء فيه غير أصليَّة، إنَّما هي علامة التَّأنيث، وفي رواية الأصيليِّ هي أصليَّة، لكن «عنت»؛ بمعنى: خضعت غير معروف في اللُّغة، وهذا ممَّا انتُقِد على البخاريِّ)، انتهى، واعلم أنَّ الفربريَّ قال في «غريبه»: ({وَعَنَتِ الْوُجُوهُ}: استأسرتْ وذُلَّت وخضعت) انتهى، وفي «الصِّحاح»: (عَنَا يعنو: خضع وذلَّ)، ذكره في (المُعتلِّ)، والله أعلم.

==========

[1] (عليكم): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 697]

(1/5320)

[باب: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}]

(1/5321)

[حديث: ما رد عمر على أحد وصية]

2767# قوله: (وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن حرب، أبو أيُّوب، الواشحيُّ _وواشح من الأزد_ البصريُّ، قاضي مكَّة، عن شعبة وجَرِير بن حازم، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، والكجِّيُّ، وأبو خليفة، قال أبو حاتم: إمامٌ من أئمَّة الأندلس، ويتكلَّم في الرِّجال وفي الفقه، لعلَّه أكثر من عفَّان، ما رأيت في يده كتابًا قطُّ، حُزِرَ مجلسه ببغداد بأربعين ألفًا، ولد سنة (140 هـ)، وتُوُفِّيَ سنة (224 هـ)، أخرج له الجماعة، ومقتضى كلام المِزِّيِّ في «أطرافه» أن يكون وقع له سليمان بن حرب منسوبًا، لا سليمان فقط، وهذا تعليق مجزوم به، وهو شيخه، وقد تَقَدَّم أنَّه محمول على أنَّه سمِعه منه في حال المذاكرة.

قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حمَّاد بن زيد، وسليمان بن [1] حرب روى عن الحمَّادين، وروى الحمَّادان عن أيُّوب، ولكنَّ حمَّاد بن سلمة لم يروِ له البخاريُّ شيئًا في الأصول، إنَّما علَّق له، فتعيَّن أن يكون هذا ابنَ زيد، والله أعلم، ثمَّ اعلم أنِّي ذكرت فيما مضى أنَّ حمادًا إذا أطلقه سليمان بن حرب هذا أو عارمٌ مُحَمَّد بن الفضل؛ فهو ابن زيد، وإن أطلقه التَّبُوذَكيُّ موسى بن إسماعيل أو عفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، والله أعلم.

و (أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

قوله: (وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن سيرين، العالم المشهور، وتَقَدَّم الكلام كم عدد بني سيرين [2] أوَّل هذا التَّعليق، وكذا بناته [3].

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): هو عطاء بن أبي رَباح، مفتي أهل مكَّة، تَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ): (الصَّغير): مجرور؛ لأنَّه بدل بعضٍ من كلٍّ، والكلُّ هو (اليتامى) المذكور قبله، و (الكبير): معطوف على (الصَّغير)، ويجوز رفعهما، وهذا في بعض النُّسخ.

==========

[1] (بن): سقط من (ب).

[2] زيد في (أ): (كم هم).

[3] (وكذا بناته) سقط من (ب).

[ج 1 ص 697]

(1/5322)

[باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحًا له]

قوله: (وَنَظَرِ الأُمِّ): هو بالجرِّ بالإضافة [1] إلى (باب).

==========

[1] في (ب): (للإضافة).

[ج 1 ص 697]

(1/5323)

[حديث: قدم رسول الله المدينة ليس له خادم]

2768# قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ): هو بفتح الكاف، وكسر الثاء المثلَّثة، وقد تَقَدَّم، وهو معروف عند أهله، وكذا تَقَدَّم (ابْنُ عُلَيَّةَ): أنَّه إسماعيل بن إبراهيم ابن عُليَّة، الإمامُ، أحد الأعلام، وتَقَدَّم (عَبْدُ الْعَزِيزِ): أنَّه ابن صُهيب، أبو حمزة، البصريُّ، تَقَدَّم.

قوله: (فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ): تَقَدَّم أنَّه زيد بن سهل الصَّحابيُّ، زوج أمِّ سُلَيم، وهو [1] عمُّ أنس بن مالك زوج أمِّه، تَقَدَّم بعض ترجمته مَرَّاتٍ.

قوله: (غُلَامٌ كَيِّسٌ): (الكَيِّس): الحاذق في عمله.

==========

[1] في النُّسختين: (وهم)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 697]

(1/5324)

[باب: إذا وقف أرضًا ولم يبين الحدود فهو جائز]

قوله: (بَابٌ إِذَا وَقَفَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُدُودَ؛ فَهْوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ): سرد ابن المُنَيِّر ما في الباب بغير إسناد، ثمَّ قال: (الوقف لازمٌ بالنِّيَّة [1] واللَّفظ المشار به إلى المقصود، فقد يتلفَّظ باسم العَلَم ومحدوده، وقد يتلفَّظ باسمه المُتواطِئِ خاصَّة، وقد يُذكَر العلمُ ولا يُذكَر المحدودُ به، فـ «بيرحاء»: علَم على حائط بعينه، ولم يذكر حدوده، و «المخراف»: الحائط، وقد ذكره مُنكَرًا مُتواطِئًا، لكنَّه قصد [2]، وكأنَّما أشار إليه مطابقًا لنيَّته، وكلاهما جائزٌ ولازمٌ له دِينًا، لكن إذا أشهد؛ احتاج في المُتواطِئ إلى ذكر الاسمِ العَلَمِ زيادة على ذلك أو الحدود، وهذا كلُّه بعد اللُّزوم، وترجمة البخاريِّ مطابقةٌ صحيحةٌ، وانتقدها المُهلَّب، فقال: إن كان الوقف غير ذي اسم يُعرَف؛ فلا يجوز حتَّى يذكر الحدود، قال: ولا خلافَ في هذا، ووهم، بل لا [3] خلاف فيما أراده البخاريُّ، والله أعلم؛ لأنَّه إنَّما تعرَّض لجواز الوقف، وقد ثبت أنَّ الوقف على صورِه لازمٌ، ولو استفتى مَن وقف بهذه الصيغة المُنكَرة لفظُها المتعيَّنِ مقصودُها نيَّةً: هل يجب عليه تنفيذ الوقف؛ لألزمناه ذلك، وأوجبنا عليه الإشهادَ بصيغة دالَّة على المقصود بنصٍّ أو ظاهر) انتهى.

==========

[1] في (ب): (بالبينة)، وكذا في مصدره.

[2] في (ب): (فصل)، وهو تحريفٌ.

[3] (لا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 697]

(1/5325)

[حديث: بخ ذلك مال رابح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين]

2769# قوله: (وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ): تَقَدَّم الكلام عليها، واللُّغات فيها، وأين هي من المدينة، وكذا تَقَدَّم الكلام على (بَخْ)، وكذا (أَفْعَلُ).

قوله: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: رَايِحٌ): تَقَدَّم أنَّ (إسماعيل) هذا: هو ابن أبي أويس عبد الله، وهو ابن أخت مالكٍ الإمامِ، و (عبد الله بن يوسف): هو التِّنِّيسيُّ، العالم المشهور، و (يحيى بن يحيى): هو أبو بكر التَّميميُّ، أبو زكريَّا، النَّيسابوريُّ، أحد الأعلام، لا يحيى بن يحيى اللَّيثيُّ عالمُ الأندلس، تَقَدَّم أنَّ هذا الأندلسيَّ ليس له في الكتب السِّتَّة شيءٌ، وإنَّما الذي له في الكتب خلا أبا داود وابن ماجه؛ هو التَّميميُّ النَّيسابوريُّ، و (رايح): في رواية هؤلاء الثَّلاثة عن مالك بالمثنَّاة تحت، وإنَّما أتى بهذا عن هؤلاء الثَّلاثة، وهم مشايخه، وقد تَقَدَّم أنَّه إذا قال: (قال فلان [1])، وفلانٌ المعزوُّ إليه القولُ شيخُه _ كهؤلاء_؛ يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا؛ لأنَّ في روايته عن عبد الله بن مسلمة _هو القعنبيُّ_ عن مالك بالشَّكِّ بين الموحَّدة والمثنَّاة، وهؤلاء الثَّلاثة [2] جزموا بالمثنَّاة عن مالك، والله أعلم.

(1/5326)

[حديث: إن أمه توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟]

2770# قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي [1] تُوُفِّيَتْ): تَقَدَّم أنَّ الظاهر أنَّ هذا الرجل هو سعد بن عبادة، وإذا كان كذلك؛ فأمُّه عَمْرة بنت مسعود، تُوُفِّيَت سنة (5 هـ)، من المبايِعات، وقد تقدَّمت قريبًا مُطَوَّلًا، وقبله أيضًا.

قوله: (فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا): قال الدِّمياطيُّ: (صوابه: مخرفًا، وكذا رواه مالك في «مُوطَّئه»، والمِخرف؛ بكسر الميم: ما يجتنى فيه الثمار)، انتهى، وقد قَدَّمتُ الوعدَ بهذا المكان، والله أعلم، وقد تَقَدَّم الكلام على (المخراف) مُطَوَّلًا فيه؛ فانظره.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أمَّه).

[ج 1 ص 697]

(1/5327)

[باب: إذا أوقف جماعة أرضًا مشاعًا فهو جائز]

قوله: (بَابٌ: إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا؛ فَهْوَ جَائِزٌ): ذكر ابن المُنَيِّر حديث الأصل بغير إسناد، ثمَّ قال: (جوَّد البخاريُّ رحمه الله في التَّرجمة، وإنَّما عدل عن قوله: إذا وقف المشاع؛ لئلَّا يَدخل فيه وقفُ أحد الشركاء حصَّته، ومالك رحمه الله لا يُمضيه على الشريك إن كانت تنقسم جَبْرًا؛ لضرر الشريك الآخر بالحبس، فالتَّرجمة بوقف الجماعة للمشاع بينهم تُخلِّص المسألة)، والله سبحانه وتعالى أعلم [1].

[ج 1 ص 697]

==========

[1] (أعلم): سقط من (ب).

(1/5328)

[حديث أنس: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا]

2771# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان، التَّيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ، أبو عبيدة الحافظ.

قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): تَقَدَّم أنَّه بفتح المثنَّاة فوق، وتشديد المثنَّاة تحت، وفي آخره حاءٌ مهملةٌ، وأنَّ اسمه يزيد بن حُمَيد.

قوله: (لمَّا [1] أُمِرَ): (أمر): مبنيٌّ للفاعل وللمفعول، وقد تَقَدَّم.

قوله: (ثَامِنُونِي): تَقَدَّم معناه: ساوموني وبايعوني.

قوله: (بِحَائِطِكُمْ): تَقَدَّم ما الحائط.

قوله: (لَا وَاللهِ؛ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ): تَقَدَّم الكلام على ظاهر هذا اللَّفظ، وأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اشتراه بعشرة دنانير، أوفاها الصِّدِّيق مِن ماله [2].

==========

[1] (لما): ليس في «اليونينيَّة»، وضُرِبَ عليها في (ق).

[2] (من ماله): سقط من (ب).

[ج 1 ص 698]

(1/5329)

[باب الوقف كيف يكتب؟]

قوله: (بَابٌ: كَيْفَ يُكْتَبُ الوَقْفُ [1]): (يُكتَب): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الوقفُ): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الْوَقْفِ كَيْفَ يُكْتَبُ).

[ج 1 ص 698]

(1/5330)

[حديث: أصاب عمر أرضًا فأتى النبي فقال: أصبت]

2772# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، مولى عبد الله بن مُغفَّل، أحد الأعلام، لا عبد الله بن عون ابنِ أمير مصر، ذا الثَّاني لم يروِ له البخاريُّ شيئًا، إنَّما روى له مسلم والنَّسائيُّ، وهو مِن الأبدال.

قوله: (أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا): تَقَدَّم أنَّها ثمغ، وتَقَدَّم ضبطها قريبًا قُبيل (الوصايا) وبعيدًا، وما وقع لابن الأثير فيها.

قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم اللُّغات فيها في أوَّل هذا التَّعليق، وكذا تَقَدَّم قريبًا (أَنْفَس): ما معناه، وكذا (حَبَّسْتَ) [1]: تَقَدَّم أنَّه يقال بالتَّشديد وبالتَّخفيف، وقد تَقَدَّم قوله: (مَنْ وَلِيَهَا): أنَّه النَّاظر، وكذا قريبًا (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ).

(1/5331)

[باب الوقف للغني والفقير والضيف]

(1/5332)

[حديث: إن شئت تصدقت بها]

2773# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيل، وكذا تَقَدَّم قريبًا أعلاه وبعيدًا (ابْنُ عَوْنٍ): أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، أحد الأعلام، وكذا (مَالًا بِخَيْبَرَ): تَقَدَّم أنَّه ثمغ، وتَقَدَّم ضبطُه.

==========

[ج 1 ص 698]

(1/5333)

[باب وقف الأرض للمسجد]

(1/5334)

[حديث: لما قدم رسول الله المدينة أمر بالمسجد]

2774# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): قال الجيَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاري_ في «الوضوء» ... ، وكذا وكذا: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا عبد الصَّمد»؛ يعني: ابن عبد الوارث، نسب الأصيليُّ ثلاثة مواضعَ مِن هذه الذي في «الأوقاف»، وفي «غزوة الفتح»، وفي «الأحكام»: إسحاق بن منصور، وأهمل سائرَها، ولم أجده لابن السَّكن ولا لغيره منسوبًا في شيءٍ مِن هذه المواضع، وقد نسبه البخاريُّ في «باب مقدم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»، فقال: «حدَّثنا إسحاق بن منصور: حدَّثنا عبد الصَّمد»؛ فذكر حديثًا، قال: وذكر أبو نصر: أنَّ إسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم يرويان عن عبد الصَّمد، وقد روى مسلم في «الحجِّ» في «تقليد الغنم»: «عن إسحاق بن منصور عن عبد الصَّمد بن عبد الوارث»؛ فذكر حديثًا)، انتهى مُلخَّصًا، ولم أر المِزِّيَّ تعرَّض لنسبة إسحاق، والله أعلم، وفي نسخة عتيقة: (إسحاق)؛ بغير نسب، وفي أصلنا الدِّمشقيِّ: (إسحاق بن منصور) منسوب إلى أبيه؛ فاعلمه.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن عبد الوارث، وكذا تَقَدَّم في أوائل هذه الصفحة (أَبُو التَّيَّاحِ)، وأنَّه يزيد بن حُمَيد، وضبطتُ كنيتَه.

قوله: (أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ): تَقَدَّم أنَّه مبنيٌّ للفاعل وللمفعول أعلاه، وكذا (ثَامِنُونِي)، وكذا (الحَائِط)، وكذا تَقَدَّم (لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ).

(1/5335)

[باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت]

قوله: (وَالْكُرَاعِ): هو بضَمِّ الكاف، وتخفيف الرَّاء، وفي آخره عينٌ مهملةٌ؛ وهو اسم جامع للخيل، وقد تَقَدَّم.

قوله: (وَالْعُرُوضِ): تَقَدَّم أنَّه بضَمِّ العين، جمع (عَرْض)؛ بفتحها، في (الزَّكاة)، وما هو.

قوله: (وَالصَّامِتِ): هو ضدُّ النَّاطق؛ وهو الذَّهب والفضَّة، و (النَّاطق): الحَيَوانُ.

قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهريُّ، العَلَمُ الفرد [1].

==========

[1] في (ب): (بن شهاب العالم المشهور).

[ج 1 ص 698]

(1/5336)

[حديث: لا تبتعها ولا ترجعن في صدقتك]

2775# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان شيخ الحُفَّاظ، وتَقَدَّم أنَّ (عُبَيْدُ اللهِ): هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب العُمريُّ.

قوله: (حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ): تَقَدَّم أنَّ معناه: أعطاه لمن يجاهد عليه، وتَقَدَّم أنَّ اسم هذه الفرس: الورد، وأنَّ تميمًا الدَّاريَّ أهداها للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر، فأعطاها عمر [1] لمَن يجاهد عليها، والرَّجل الذي أعطاه عمرُ الفَرَسَ لا أعرف اسمه.

قوله: (أَعْطَاهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا) انتهى: (رسول): مَنْصوبٌ في أصلنا بالقلم، وفيه نظرٌ، وينبغي أن يكون (رسول) مَرْفوعًا [2]؛ لأنَّه فاعل؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أعطاها لعمر، فأعطاها عمر لمن يجاهد عليها، كما في الحديث نفسه، والذي في أصلنا يكون أعطاها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم [3] لعمر، ثمَّ إنَّ عمر أعطى لرسول الله؛ ليحمل عليها، وكلُّ الطُّرق تنافي هذا؛ إذِ القصَّة ما قدَّمتها لك، فـ (رسول الله) [4]: مَرْفوعٌ فاعل [5]، لا شكَّ فيه، والله أعلم.

(1/5337)

[باب نفقة القيم للوقف]

قوله: (بَابُ نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ): (القيِّم): هو النَّاظر.

==========

[ج 1 ص 698]

(1/5338)

[حديث: لا يقتسم ورثتي دينارًا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي]

2776# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالنُّون، وأنَّ اسمه عبدُ الله بن ذكوان، وتَقَدَّم مرارًا أنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحمن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (لَا يَقْتَسِمْ وَرَثَتِي): سمَّاهم ورثةً بالقوَّة، والله أعلم.

قوله: (وَمَؤُونَةِ عَامِلِي): قال ابن قُرقُول: (قيل: أجرة حافر قبره، وقيل: أجرة عامل صدقاته، وقيل: العامل فيها والأجير، وقيل: الخليفة بعده)، انتهى، واستُبْعِد بأنَّه الحافر؛ لأنَّهم كانوا لا يحفرون بالأجرة، وسيأتي الكلام عليه بأطولَ مِن هذا في (باب أداء الخمس) إن شاء الله تعالى، واقتصر ابن الأثير على القول الأخير.

==========

[ج 1 ص 698]

(1/5339)

[حديث: أن عمر اشترط في وقفه أن يأكل مَن وليه]

2777# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حمَّاد بن زيد، وقد قَدَّمتُ قريبًا أنَّ البخاريَّ لم يرو لحمَّاد بن سلمة شيئًا في الأصول، إنَّما علَّق له، وتَقَدَّم أنَّ (أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، المشهور، وقد تَقَدَّم بعض ترجمته.

قوله: (مَنْ وَلِيَهُ): تَقَدَّم أنَّه النَّاظر، وكذا تَقَدَّم (غَيْر مُتَمَوِّلٍ).

==========

[ج 1 ص 698]

(1/5340)

[باب: إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين]

قوله: (بَابٌ: إِذَا وَقَفَ أَرْضًا أَوْ بِئْرًا، وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب محذوفَ الإسناد، ثمَّ قال: (ما في الحديث بجملته ما يوافق التَّرجمة إلَّا وقف أنس خاصَّة، ووقف عمر بالطَّريقة المُتقدِّمة من دخول المُخاطِب في خطابه) انتهى، هذا ما وجدته في النُّسخة بـ «التراجم» لابن المُنَيِّر التي كانت عندي، ونقل شيخنا زيادة على ذلك، وعزا الكلَّ إلى ابن المُنَيِّر، قال ابن المُنَيِّر: (وقد ظهر لي مقصودُ البخاريِّ من بقيَّة حديث الباب، فتطابق [1] التَّرجمة ووجهها: أنَّ الزُّبير يكون قصد مَن يلزمه نفقته مِن بناته كالتي [لم] تُزَوَّج؛ لصغرٍ مثلًا، والتي تزوَّجت ثمَّ طُلِّقت

[ج 1 ص 698]

قبل الدُّخول، [لأنَّ] تناولَ هاتين الصُّورتَين أو إحداهما من الوقف؛ إنَّما يحمل عنه الإنفاق الواجب، فقد دخل في الوقف الذي وقفه بهذا الاعتبار)، قال: (ووجه مطابقة التَّرجمة من قوله: وجعل ابن عمر نصيبَه من دار عمر سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله، فيقال: كيف يدخل ابن عمر في وقفه؟ فنقول: نعم يدخل، فإنَّ الآل [2] يُطلَق على الرَّجل نفسِه، كان الحسن بن أبي الحسن [3] يقول في الصَّلاة على رسول الله [4]: (اللَّهمَّ؛ صلِّ على آل مُحَمَّد)، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «اللَّهمَّ؛ صلِّ على آل أبي أوفى»، وقال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، انتهى.

قوله: (وَأَوْقَفَ أَنَسٌ): كذا في أصلنا، وفي طُرَّته: (ووقف)، وعليها علامة راويها، وقد قَدَّمتُ أنَّ (أوقف) لُغيَّةٌ رديئةٌ.

قوله: (لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ): كذا في أصلنا، وكذا سمعناه يقرأ، قال بعضهم: ويروى: (من نسائه)، وهو أصوبُ، انتهى، وفي هذا وقفةٌ، والله أعلم.

قوله: (غَيْرَ مُضِرَّةٍ): هو بفتح [5] الرَّاء المُشدَّدة، اسم فاعل.

قوله: (وَلَا مُضَرٍّ بِهَا [6]): هو بضَمِّ الميم، وفتح الضَّاد، وتشديد الرَّاء مجرورة.

(1/5341)

[معلق عبدان: من جهز جيش العسرة فله الجنة]

2778# قوله: (وَقَالَ عَبْدَانُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، أبو عبد الرَّحمن، ومرَّةً مُتَرجَمًا، وقد تَقَدَّم أنَّ البخاريَّ إذا قال: (قال فلان: كذا) وهو شيخه؛ يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وأنَّ المِزِّيَّ والذَّهبيَّ يجعلان هذا تعليقًا، وقد أغفل هذا الحديث المِزِّيُّ في «أطرافه»، فعزاه: (التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ)، ولم يذكره من عند البخاريِّ تعليقًا، كعادته في أمثاله أنَّه يجعله [1] تعليقًا.

قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عمرو بن عبد الله الهمْدانيُّ السَّبيعيُّ، أحد الأعلام.

قوله: (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ [2]): قال الدِّمياطيُّ: (أبو عبد الرَّحمن: اسمه عبد الله بن حبيب بن رُبَيِّعة السُّلَميُّ، لأبيه [3] صحبةٌ) انتهى، وهو كما قال الحافظ شرف الدين عبد الله بن حبيب بن رُبَيِّعة _بضَمِّ الرَّاء؛ مُصغَّرٌ_ أبو عبد الرَّحمن السُّلَميُّ؛ بضَمِّ السِّين، وفتح اللَّام، الإمامُ، مُقرِئ الكوفة، [وسيأتي في كلامي ما يشدُّ كلام الدِّمياطيِّ: (لأبيه صحبةٌ)، بعد هذا قريبًا جدًّا] [4]، عن عمر وعثمان، وعنه: عاصم بن أبي النجود وأبو إسحاق، وأقرأ دهرًا، تُوُفِّيَ سنة ثلاث وسبعين تقريبًا، أخرج له الجماعة.

(1/5342)

قوله في الحديث: (أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ): ظاهر في سماعه من عثمان، وقد قال شعبة: إنَّه لم يسمع من عثمان، وقال أبو حاتم: لا تثبت [5] روايته عن عليٍّ، فقيل له: سمع من عثمان قال: روى عنه ولا يذكر [6] سماعًا، وقد أخرج له البخاريُّ حديث: «خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه»، والآخر: (أنَّ عثمان أشرف عليهم)، وقد عُلِم أنَّ البخاريَّ لا يكتفي بمجرَّد إمكان اللُّقيِّ، وأخرج النَّسائيُّ روايته عن عمر رضي الله عنه، وقد ثبت في «صحيح البخاريِّ»: أنَّه جلس للإقراء في خلافة عثمان رضي الله عنه، وروى حُسين الجعفيُّ عن مُحَمَّد بن أبان، عن علقمة بن مرثد قال: تعلَّم أبو عبد الرَّحمن القرآن من عثمان، وعرض على عليٍّ رضي الله عنهما، وقال عاصم بن أبي النجود كلامًا معناه: أنَّ أبا عبد الرَّحمن قرأ على عليٍّ، وقال أبو عمرو الدَّاني: أخذ أبو عبد الرَّحمن القراءة عرضًا على عثمان، وعليٍّ، وابن مسعود، وأُبيِّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وكلُّ هذا يعارض ما تَقَدَّم، والله أعلم، وقولُ الدِّمياطيِّ: (لأبيه صحبةٌ)؛ صحيحٌ، وهو حبيب بن رُبَيِّعة السُّلَميُّ والد المقرئ، قال المِزِّيُّ: (له صحبة)، وسيأتي، قاله الذَّهبيُّ، ثمَّ قال في حبيب أيضًا: (والد عبد الرَّحمن السُّلَميِّ، قال ابنه: شهد أبي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مشاهده [7])، انتهى.

قوله: (أَنْشُدُكُمْ): أي: أسألكم، وهو بفتح الهمزة، وضمِّ الشِّين، وكذا (وَلَا أَنْشُدُ) مثله.

قوله: (إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى قوله: (فَصَدَّقُوهُ): قال بعض الحُفَّاظ العصريِّين: (عند النَّسائيِّ وأبي داود الطَّيالسيِّ من طريق الأحنف بن قيس: إنَّ ممَّن صدَّقه على ذلك عليٌّ، وطلحة، والزُّبير، وسعد بن أبي وقَّاص)، انتهى.

(1/5343)

قوله: (مَنْ حَفَرَ رُومَةَ ... )؛ الحديث: الذي نعرفُ أنَّه اشتراها ولم يحفرها، ولا يُعرف أنَّ عثمان حفرها إلَّا في حديث شعبة، والله أعلم، ويحتمل أنَّه لمَّا اشتراها؛ وسَّعها ونقَّاها بالحفر، وغير ذلك [8]، فأطلق عليه: أنَّه حفرها، ثمَّ إنِّي رأيت ابن قُرقُول قال ما لفظه: (وفي «الوقف»: «من حفر بئر رُوْمَة؛ فله الجنَّة»، فحفرتُها، قيل: وهو وَهَمٌ، وصوابه: من يشتري بئر رُوْمَة؛ فله الجنَّة، فاشتريتُها، ولم يحفرها هو رضي الله عنه)، انتهى، و (رُوْمَة) هذا: بضَمِّ الراء، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ [ميم] مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث؛ وهي بئر معروفة خارج المدينة المُشرَّفة، قال أبو بكر الحازميُّ في «المؤتلِف والمختلِف» في (أسماء الأماكن): (هذه البئر تُنسَب إلى رُوْمَة الغفاريِّ)، وقال ابن منده: (أبو عبد الله رُوْمَة صاحب بئر رُوْمَة، يقال: إنَّه أسلم)، وفي «تجريد الصَّحابة» للذَّهبيِّ: الجزم بصحبته، ولم يحكِ فيه خلافًا، واشتراها عثمان بخمسة وثلاثين ألف درهم، والله أعلم، وقيل: بعشرين ألفًا، وقد ذكر رُوْمَة هذا الذهبيُّ في «تجريده» في الصَّحابة كما تَقَدَّم، ورأيت في «تاريخ الإمام زين الدِّين بن حُسين المراغيِّ»، ثمَّ المدنيِّ عن ابن النَّجَّار: أنَّ عثمان ابتاعَ نصفها بمئة بَكْرةٍ، وأنَّه اشترى النِّصف الآخر منها بشيء يسير، قال: وذكر أبو عمر بن عبد البَرِّ: (أنَّ عثمان اشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، وأنَّه اشترى النِّصف الآخر بثمانية آلاف [9])، وذكر عن «مسند البغويِّ»: (أنَّه اشتراها بخمسة وثلاثين ألفًا)، ثمَّ قال: قال المَطَرِيُّ: وقد خربت هذه البئر؛ يعني: بئر رومة، ونُقِضت حجارتها، وأُخِذت وانطمت، ولم يبق منها اليوم إلَّا أثرُها، قال الإمام زين الدِّين بن حسين: (وينبغي أن يُعلَم أنَّها جُدِّدت بعد ذلك، ورُفِع بناؤها عن الأرض نحو نصف قامة، ونُزِحت، فكثر ماؤها، ولله الحمدُ، أحياها كذلك القاضي شهابُ الدين أحمد بن مُحَمَّد بن المُحبِّ الطَّبريِّ، قاضي مكَّة المُشرَّفة رحمه الله في حدود الخمسين وسبع مئة).

(1/5344)

قوله: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ): هم [10] جيش تبوك، وقد اختُلِف في عددهم، وسيأتي في الغزوة إن شاء الله تعالى، وأذكر إن شاء الله تعالى في (مناقب عثمان) بكم جهَّزهم، وقد جهَّزهم بتسع مئة بعيرٍ وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا، وفي كلام بعضهم: بألف بعير وسبعين فرسًا، ذكر هذا أبو عمر في «الاستيعاب»: عن أسد بن موسى: حدَّثني أبو هلال الرَّاسبيُّ: حدَّثنا قتادة قال: (حمل عثمانُ في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسًا) انتهى، وأذكر في (مناقبه) أنَّه جهَّزهم بغير ذلك أيضًا مُطَوَّلًا إن شاء الله تعالى.

(1/5345)

[باب: إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز]

(1/5346)

[حديث: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا ... ]

2779# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم أنَّه ابن سعيد، أبو عبيدة، الحافظ، وتَقَدَّم قريبًا وبعيدًا بترجمة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو التَّيَّاح) ضبطًا قريبًا، وأنَّه يزيد بن حُمَيد، والله أعلم [1].

[ج 1 ص 699]

قوله: (ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ [2]): تَقَدَّم الكلام عليهما، وكذا على قولهم: (لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ).

(1/5347)

[باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}]

قوله: (عُثِرَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (ظُهِرَ [1]) تفسيره.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي هامش «اليونينيَّة» من رواية أبي ذرٍّ: (أُظْهِرَ).

[ج 1 ص 700]

(1/5348)

[حديث: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري]

2780# قوله: (وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ الجِهبذ، وأنَّ قول البخاريِّ: (قال لي فلان)، وكذا: (قال فلان) وفلان [1] شيخه؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، كذا قالوه [2]؛ ابنُ الصَّلاح وغيرُه، وأنَّ المِزِّيَّ وكذا الذَّهبيُّ يجعلان هذين تعليقًا، والله أعلم، وقد ذكر الدِّمياطيُّ تجاه هذا: (رواه أبو داود في «القضايا» عن الحسن بن عليٍّ، والتِّرمذيُّ في «التَّفسير» عن سفيان بن وكيع؛ جميعًا عن يحيى بن آدم عن يحيى بن زكريَّاء بن أبي زائدة به، وقال التِّرمذيُّ: غريبٌ، ومُحَمَّد بن أبي القاسم الطَّويلُ، ويقال فيه: الأسديُّ، قال فيه ابن المَدينيِّ: لا أعرفه، وقال ابن طاهر: ليس لمُحَمَّد ولا لعبد الملك في «صحيح البخاريِّ» غيرُ هذا الحديث، وحكى الحميديُّ عن ابن المَدينيِّ أنَّه قال فيه: حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلَّا بهذا الإسناد) انتهى، ومُحَمَّد بن أبي القاسم ليس مِن شرطه، ولا رقموا عليه: (خ)، بل قالوا: علَّق له، ورقموا عليه: (خت)؛ يعنون: أخرج له تعليقًا، وقد أخرج لمُحَمَّد أبو داود والتِّرمذيُّ، وقد وُثِّق، وله ترجمة في «الميزان»، وقد راجعت هذا الحديث من «أطراف المِزِّيِّ»، فوجدته طرَّفه من البخاريِّ، ثمَّ ذكر كلامًا مقتضاه: أن يكون في «البخاريِّ»، ولم أره فيه، وهو: (قال عليٌّ _يعني: ابن المَديني_: لا أعرف مُحَمَّد بن أبي القاسم، وقال عليٌّ: وهو حديثٌ حسنٌ)، انتهى، هذا القدر لم أره في أصلنا، ولا في أصلنا الدِّمشقيِّ، والله أعلم.

(1/5349)

قوله: (خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ): هذا (الرَّجل): هو بُديل بن أبي مريم، كذا في «جامع التِّرمذيِّ»، قال شيخنا: (وفي «تفسير مقاتل»: بُدَيل بن أبي ماوية ... ) إلى أن قال: (وقال ابن ماكولا: بزيل) انتهى، قال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (بُدَيل بن مارية مولى عمرو بن العاصي، روى عنه: ابن عبَّاس والمطَّلب بن أبي وداعة قصَّةَ الجام لمَّا سافر هو وتميم الدَّاريُّ، وكذا قال ابن منده وأبو نعيم: وإنَّما هو بزيل)، انتهى، وما قاله ابن ماكولا موافقٌ، بخلاف كلام الذَّهبيِّ، ولفظ ابن ماكولا: («بُزيل»؛ بضَمِّ الباء؛ فهو بُزيل بن أبي مارية، مولى العاصي بن وائل السَّهميِّ، صاحب الجام، وهو الذي مات في السَّفر، وأوصى إلى تميم الدَّاريِّ وعديِّ بن بدَّاء)، انتهى، وذكر ذلك كذلك بعضُ الحُفَّاظ العصريِّين وضبط: بديلًا بالباء والدَّال، وهذا معروفٌ، وضبط: نُزَيلًا؛ بضَمِّ النُّون [3]، وفتح الزَّاي، بعدها ياءٌ آخر الحروف، ثمَّ لام، هذا هو المعروف، وفي كثيرٍ مِن الرِّوايات: (بُدَيل)، فذكر ضبطَه بالموحَّدة، والدَّال المهملة، ثمَّ قال: (وعند التِّرمذيِّ والطَّبريِّ: «ابن أبي مريم»، وللطَّبريِّ في رواية أخرى: «ابن أبي مارية») انتهى، وما ضبطه في (بزيل) من أنَّه بضَمِّ النُّون وفتح الزَّاي مخالفٌ لما قاله ابن ماكولا، والله أعلم.

(1/5350)

قوله: (مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ): قال الذَّهبيُّ في «تجريده» ما لفظه: (تميم بن أوس بن خارجة بن سويد، ويقال: سواد أبو رقيَّة الدَّاريُّ دمشقَ، فأمَّا تميمٌ الدَّاريُّ المذكور في قصَّة الجام؛ فذاك نصرانيٌّ من أهل دارين، قاله مقاتل بن حَيَّان)، انتهى، وفي هذا نظر، والذي يظهر أنَّهما واحد؛ إذ في «التِّرمذيِّ» قصَّة الجام، وفيه: (فلمَّا أسلمت بعد قدوم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة ... ) استغربه التِّرمذيُّ، وقال [4]: ليس [5] إسناده [6] بصحيحٍ، ثمَّ ذكره من حديث ابن عبَّاس مختصرًا، وقال في آخره: (حسن غريب)، وفي «كتاب النَّحاس» في القصَّة: (فاعترف تميم بالجناية، فقال له عليه الصَّلاة والسَّلام: «ويحك يا تميم! أسلم؛ يتجاوزِ الله عنك ما كان في شركك»، فأسلم، وحسن إسلامه، ومات عديُّ بن بداء نصرانيًّا)، انتهى، و (الدَّاري): منسوب إلى جدِّه الدَّار، وقيل غير ذلك، ويقال فيه: تميم الدَّيريُّ، وهذه النِّسبة إلى ديرٍ كان يتعبَّد فيه قبل الإسلام، أسلم سنة تسع، وقيل في الدَّيريِّ: أنَّه نسبةٌ إلى قبيلة، وهو بعيدٌ شاذٌّ، مِن أعظم مناقب تميم _وهي أعظمها_ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام روى عنه قصَّة الجسَّاسة والدَّجَّال في «مسلم»، وهو من باب رواية الأكابر عن الأصاغر، وكذلك عليه الصَّلاة والسَّلام روى عن مُجزَّز [7] المُدْلجيِّ قصَّته مع أسامة، ووالده زيد بن حارثة، ومرَّ بي في «مسند أحمد» روايته عليه الصَّلاة والسَّلام عن امرأة، والله أعلم.

قوله: (وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ): هو بفتح الموحَّدة، وتشديد الدَّال المهملة، وبالمدِّ، مصروفٌ، وغير مصروف في نسخة، قال الذَّهبيُّ في «تجريد الصَّحابة» _وقد ضبب عليه، فذِكرُه في الصَّحابة غلطٌ عنده_ ما لفظه: (عديُّ بن بَدَّاء مذكورٌ في تفسير: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] في «جامع التِّرمذيِّ»، والصَّحيح: أنَّ عديًّا نصرانيٌّ لم يبلغنا إسلامُه)، انتهى، وهذا موافقٌ لما قدَّمته لك عن النَّحَّاس أعلاه [8]: أنَّ عديًّا مات نصرانيًّا، وقوله مذكور إلى آخره هو كذلك مذكورٌ في «البخاريِّ»، والله أعلم.

قوله: (فَمَاتَ السَّهْمِيُّ): تَقَدَّم قريبًا اسمُه والاختلاف فيه؛ فانظره.

قوله: (فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ): (الجام)؛ بالجيم: إناءٌ يُشرَب فيه، وهو عربيٌّ، وقيل: هو [9] جمع (جامة)، انتهى.

(1/5351)

تنبيهٌ: كان هذا الجام من فضَّة _كما هنا_ زنتُه ثلاثُ مئة مثقال، منقوشٌ، مُموَّهٌ بالذَّهب.

قوله: (مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ): (المُخَوَّص)؛ بضَمِّ الميم، ثمَّ خاء مفتوحة معجمة، ثمَّ واو مُشدَّدة مفتوحة، ثمَّ صاد مهملة: الذي صُنِعت [له] من الذَّهب صفائحُ؛ مثل الخوص، قال ابن قُرقُول بعد أن ذكر أنَّه الذي صُنِعت له من الذَّهب صفائح؛ مثل الخوص: (قلت: وعندي أنَّ المُخَوَّص مِن الجام: هو المُطوَّق ... إلى أن قال: وعند القابسيِّ في حديث الجام: «مُخَوَّض بالذَّهب»؛ بالضَّاد المعجمة، قال أبو الفضل: وهو بعيد، قلت: ويُخرَّج على أنَّه مغسولٌ بالذَّهب؛ أي: خُوِّض بالذَّهب حتَّى انصبغ فيه، [إمَّا جميعُه] [10]، وإمَّا باطنُه) انتهى.

قوله: (فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ): هذان (الرَّجلان) هما: عمرو بن العاصي والمطَّلب بن أبي وداعة، كذا ذكرهما شيخنا، أمَّا عمرو؛ فهو في «التِّرمذيِّ»، وأمَّا المطَّلب؛ فإنَّه ذكره شيخنا ضمن كلام، والظَّاهر من كلامِه أنَّه في «كتاب النَّحَّاس»، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ المصريِّين: هما عمرو بن العاصي رواه الطَّبرانيُّ من حديث تميم، والآخر المطَّلب بن أبي وداعة السَّهميَّان رواه عبد الغنيِّ بن سعيد.

قوله: (وَإِنَّ الْجَامَ): هو بكسر همزة (إنَّ).

[ج 1 ص 700]

==========

[1] (وفلان): سقط من (ب).

[2] في (ب): (وقاله).

[3] في (ب): (بالنون المضمومة).

[4] في (أ): (وليس)، وهو سبق قلم، وسقط (قال) من (ب).

[5] زيد في (ب): (له)، والمثبت موافق لما في «التِّرمذيِّ».

[6] في النُّسختين: (إسناد)، والمثبت من مصدره.

[7] في (ب): (محرز)، وكلاهما صحيحٌ.

[8] (أعلاه) سقط من (ب).

[9] (هو): سقط من (ب).

[10] (إما جميعه): مثبت من مصدره.

(1/5352)

[باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة]

(1/5353)

[حديث: اذهب فبيدر كل تمر على ناحيته]

2781# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ أَوِ الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْهُ): أمَّا (مُحَمَّد بن سابق)؛ فهو كوفيٌّ نزل بغداد، كنيته أبو جعفر، ويقال: أبو سعيد مولى بني تميم، عن مالك بن مِغْوَل، ومسعر، وإسرائيلَ، وإبراهيم بن طهمان، وطبقتِهم، وعنه: البخاريُّ على الشَّكِّ في هذا المكان، وقد روى عنه من غير شكٍّ في كتاب «الأدب المُفْرَد»، وروى أيضًا في «الصَّحيح» عن الحسن بن الصَّبَّاح، كما سيأتي قريبًا جدًّا، وعن الحسن بن إسحاق المروزيِّ، ومُحَمَّد بن عبد الله عنه، وعنه أيضًا: أبو بكر ابن أبي شيبة، وابن نُمَير، وأبو بكر الصَّغانيُّ، وخلق، وثَّقه العجليُّ، وروى أحمد بن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين: ضعيفٌ، وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ، وليس ممَّن يُوصَف بالضَّبط، وقال النَّسائيُّ وغيره: لا بأس به، قال مُطيَّن: تُوُفِّيَ سنة (213 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وأمَّا (الفضل بن يعقوب)؛ فجدُّه يقال له: إبراهيم، وكنية الفضل أبو العبَّاس، بغداديٌّ رخاميٌّ، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، والحسن بن مُحَمَّد بن أعين، وأبي قتادة الحرَّانيِّ، والهيثم بن جَميل، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، وابن ماجه، وأبو حاتم، وابن صاعد، وعبد الرَّحمن بن أبي حاتم، وآخرون، قال أبو حاتم: صدوقٌ، وقال الدَّراقطنيًّ: ثقة حافظ، قال ابن مَخْلد: تُوُفِّيَ في جمادى الأولى سنة (258 هـ)، أخرج له مِن الأئمَّة مَن أخذ عنه منهم.

قوله: (قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الشين المعجمة، وأنَّه عامر بن شَراحيل.

قوله: (يَوْمَ أُحُدٍ): تَقَدَّم متى كانت أُحُد، وسيجيء في (غزوة أُحُد)، وكذا تَقَدَّم (وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ)، وأنَّ الرِّوايات كلَّها داخلةٌ في رواية: [(تسع بنات)، وليس في رواية] [1] القليل ما ينفي الكثير، وهو مِن باب مفهوم العدد، وكذا تَقَدَّم أنَّ (دَينهُ) كان ثلاثين وَسْقًا، وتَقَدَّم أنَّ الوسْق؛ بفتح الواو وكسرها: ستُّون صاعًا، وقد ذكرت فيه فيما مضى حديثين في (الوَسْق).

قوله: (جدَادُ): هو بفتح الجيم [2] وكسرها: الصرام؛ وهو قطع ثمرها.

(1/5354)

قوله: (أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ): (أُغرُوا)؛ بضَمِّ الهمزة: مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله؛ ومعناه: أُولِعُوا بي مُستضعفِين لي، ولا يقال: أغرى بي إلَّا في مثل هذا، ويقال: غَرِي به وأغريته به: سلَّطتُه عليه، وفي بعض النُّسخ ما لفظه: (قال أبو عبد الله: أُغرُوا بي؛ يعني: هِيجُوا بي، {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]) انتهى.

قوله: (وَلَا أَرْجِعَ): مَنْصوبٌ معطوف على (أَنْ يُؤَدِيَ).

قوله: (حَتَّى إِنِّي [3] أَنْظُرُ): (إنِّي): بكسر الهمزة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً): (تمرةً): مَنْصوبٌ مُنوَّن، و (وَاحِدَة) مثله: صفة لـ (تمرة)، و (تمرةً): تمييز.

==========

[1] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[2] في (ب): (الميم)، وهو تحريفٌ.

[3] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أنِّي)، وينظر هامشها.

[ج 1 ص 701]

(1/5355)

((56)) (كِتَابُ الجِهَادِ والسِّيَرِ) [1] ... إلى (بَاب: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ... }؛ الآية [آل عمران: 169])

اعلم أنَّ الجهاد فرضُ كفاية في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أمَّا كونُه فرضًا؛ فبالإجماع، وأمَّا كونه فرضَ كفاية؛ فاحتُجَّ له بقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... } إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95]، ولو كان القاعدون تاركين للفرض؛ لما وعدهم اللهُ الحسنى، وقال بعض العلماء من الشَّافعيَّة: كان فرضَ عين على الأنصار دون غيرهم؛ لأنَّهم بايعوا [2] عليه [3]، وكان شعارهم:

~…نَحْنُ الذينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا…عَلَى الجِهَادِ مَا حَيِيْنَا أَبَدَا

وقال الماورديُّ: كان فرضَ عينٍ على المهاجرين، وكفايةً على غيرهم.

تنبيهٌ: لمَّا أذن اللهُ عزَّ وجلَّ لنبيِّه في القتال؛ كانت أوَّل آية نزلت في ذلك: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، ورُوِي مسندًا إلى ابن عبَّاس رضي الله عنهما _وهذا في «النَّسائيِّ الصَّغير» _: رُوِّيناه عنه من طريق أبي عروبة بسنده إليه [4]، ورُوِّيناه عن ابن عائذ بسنده إلى الزُّهريِّ قال فيه: كان أوَّل آية أُنزِلت في القتال، فذكر ذلك غير أنَّه تلا إلى: {عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وفي «سيرة مغلطاي»: وكانت أوَّل آية نزلت في الإذن بالقتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ... }؛ الآية، وفي «الإكليل»: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111]، ذكر ذلك بعد العقبة الثانية قبل التَّنقيب عليهم وقبل الهجرة [5]، وابن سيَّد النَّاس ذكره في أوَّل [6] (المغازي)، والله أعلم.

قوله: (والسِّيَر): هي جمع (سِيرة)، و (السِّيَر)؛ بكسر السين وفتح الياء، و (السِّيرة): الطَّريقة، يقال: إنَّها من (سار يسير)، وترجموه بكتاب السِّيَر؛ لأنَّ الأحكام المذكورة فيه مُتلقَّاة من سير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزواته.

(1/5356)

[حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟]

2782# قوله: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الغين المعجمة، وفتح الواو، ثمَّ لام، وهذا معروف عند أهله.

قوله: (الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ): هو بفتح العين المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ زاي، وبعد الألف راءٌ معروفٌ عند أهله.

قوله: (عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ): هو بالشين المعجمة المفتوحة، واسمه سعد بن إياس، مشهورٌ.

قوله: (ثُمَّ أَيٌّ؟): تَقَدَّم الكلام على النُّطق بها، وبما بعدها: هل هي (أيٌّ) مُنوَّنة، أو (أيُّ) مرفوعة من غير تنوين؟ في أوائل هذا التَّعليق.

==========

[ج 1 ص 701]

(1/5357)

[حديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا]

2783# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو القطَّان، شيخ الحُفَّاظ.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): (سفيان) هذا: لا أعلمه من هو، أهو الثوريُّ أو ابن عيينة؟ وذلك لأنَّ يحيى القطَّان روى عنهما، وهما عن منصور، ولم أرَ من ميَّزه من الحُفَّاظ، وقد تَقَدَّم (مَنْصُورٌ): أنَّه ابن المُعتمِر.

قوله: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ): أي: من مكَّة؛ لأنَّها صارت دار إسلام، أو لا هجرة فضيلتها كفضيلة الهجرة من مكَّة، ولا بدَّ من تأويل، والله أعلم.

قوله: (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

==========

[ج 1 ص 701]

(1/5358)

[حديث: لكن أفضل الجهاد حج مبرور]

2784# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هو خالد بن عبد الله الواسطيُّ الطَّحَّان، أحد العلماء، تقدَّمت ترجمته، ومنها: أنَّه اشترى نفسه من الله ثلاث مرَّاتٍ بزنته فضَّة تصدَّق بها، و (حَبِيبُ): هو بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، وهو ابن أبي عَمٍرة، كما نسبَه هنا، مشهورٌ ثقةٌ.

قوله: (نرَى الْجِهَادَ): هو بفتح النُّون وضمِّها، وقد تَقَدَّم.

قوله: (لكنْ أَفْضَلُ الْجِهَادِ): هو بإسكان نون (لكنْ)، ورفع (أفضلُ)، وقد تَقَدَّم بزيادة.

تنبيهٌ: إنَّما جُعِلَ الحجُّ أفضلَ للنِّساء من الجهاد؛ لقلَّة غَنَائِهنَّ [1] فيه.

قوله: (حَجٌّ مَبْرُورٌ): تَقَدَّم الكلام عليه غير مرَّةٍ منها في أوَّل (الحجِّ)، ومنها [2]: أنَّه الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية.

(1/5359)

[حديث: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم]

2785# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا [1] عَفَّانُ): كذا في أصلنا، وفي الهامش نسخة: (ابن منصور)، وعليها علامة راويها، قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: (قال البخاريُّ: روى في «الجهاد»، و «الاعتصام»، و «التَّوحيد»: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا عفَّان»، وكذلك لم يَنسِب إسحاق عن عفَّان هذا أبو نصر، ولا أحدٌ من شيوخنا في شيء مِن هذه المواضع، ولعلَّه إسحاق بن منصور، أو إسحاق ابن راهويه) انتهى، ولم يتعرَّض لنسبته المِزِّيُّ ولا شيخُنا.

قوله: (حَدَّثَنَا عَفَّانُ): هذا هو ابن مسلم، أبو عثمان، الصَّفَّار الحافظ، عن هشام الدَّستوائيِّ، وهمَّام، والطَّبقة، وعنه: البخاريُّ، وإبراهيم الحربيُّ، وأبو زرعة، وأُممٌ،

[ج 1 ص 701]

وكان ثبتًا مِن حُكَّام الجرح والتَّعديل، تُوُفِّيَ سنة (220 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»؛ منها: أنَّ ابن عديٍّ آذى نفسه بذكره له في «كامله»، وابن الجوزيِّ أجاد في حذفه، ولكن تَقَدَّم الكلام عليه، ولكن طال به العهدُ.

قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو ابن يحيى العَوْذِيُّ، تَقَدَّم مرارًا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو حَصِينٍ): أنَّه بفتح الحاء وكسر الصَّاد المهملتين، وأنَّه عثمان بن عاصم، وتَقَدَّم أنَّ الأسماء: بالضَّمِّ، والكنى: بالفتح، وتَقَدَّم (ذَكْوَان): أنَّه أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ): هذا الرجل: لا أعرف اسمه.

قوله: (دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ: لَا أَجِدُهُ): قال شيخنا: (يريد: إذا أتى المجاهد بالصَّلاة في ميقاتها).

قوله: (لَيَسْتَنُّ): أي: ليجري، وقيل: لِيَلِجَّ في عدوِّه إقبالًا وإدبارًا، وقيل: (الاستنان): يختصُّ [2] بالجري إلى فوق، وقيل: المرح والنَّشاط، وفي «البارع»: الاستنان كالرَّقص، وقيل غير ذلك، وقد تَقَدَّم مُطَوَّلًا عند قوله: (فاسْتَنَّتْ شرفًا أو شرفين).

قوله: (فِي طِوَلِهِ): هو بكسر الطَّاء المهملة، وفتح الواو، ويقال: طِيَل؛ بكسر الطَّاء، وفتح الياء المثنَّاة تحت، والأوَّل أكثر؛ وهو الحبل، وقيل: الرَّسن، وهو الطِّوال أيضًا.

(1/5360)

قوله: (حَسَنَاتٍ): يجوز كسرها مُنوَّنةً، وهي منصوبة، وعلامة النَّصب فيها الكسرة، ويجوز رفعها مُنوَّنة، والإعرابان ظاهران.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَخْبَرَنَا).

[2] في (ب): (مختص).

(1/5361)

[باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله]

(1/5362)

[حديث: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله]

2786# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّم (أَبُو سَعِيدٍ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان.

قوله: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟): هذا القائل لا أعرفه.

قوله: (مُؤْمِنٌ مُجَاهِدُ [1] فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ): قال شيخنا: (ليس على عمومه، فلا يريد أنَّه أفضل الناس؛ لأنَّه أفضل منه مَن أَوْلَى منازل الصِّدِّيقين، وحمل النَّاس على الشرائع والسُّنن، وقادهم إلى الخير، وسبَّب لهم أسباب المنفعة دِينًا ودُنيا، لكن إنَّما أراد _والله أعلم_: أفضل أحوال عامَّة الناس؛ لأنَّه قد يكون في خاصَّتهم من أهل الدِّين، والعلم، والفضل، والضَّبط للسُّنن مَن هو أفضلُ منه) انتهى.

قوله: (فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ): (الشِّعْب)؛ بكسر الشِّين المعجمة، وإسكان العين المهملة، وبالموحَّدة؛ وهو ما انفرج بين جبلين، وقال يعقوب: الطَّريق في الجبل.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (يجاهد).

[ج 1 ص 702]

(1/5363)

[حديث: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم]

2787# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم أعلاه، وكذا (شُعَيْبٌ)، وكذا (الزُّهْرِي)، وتَقَدَّم أنَّ ياء (المُسَيّب) _والد سعيد_ بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المسيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح، وتَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ) أعلاه.

قوله: (أَوْ يَرْجِعَهُ): هو بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ مُعدًّى، وقد قَدَّمتُ فيه لغة أخرى: أنَّه يقال في المُعدَّى: أَرْجَعَهُ، والأصحُّ الثُّلاثيُّ.

قوله: (أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ): يحتمل أن يدخلها إثرَ وفاته؛ تخصيصًا للشهداء، أو بعد البعث، ويكون فائدة تخصيصه كفَّارةً لجميع خطايا المجاهد، ولا تُوزَن مع حسناته، ذكره شيخنا، انتهى، وقد اختُلِف في دخول الجنَّة قبل الدَّار الآخرة على ثلاثة أقوالٍ؛ والمُصحَّح: أنَّه يدخلها الشهداء دون غيرهم، والله أعلم، هذا الذي اختاره أبو عمر بن عبد البَرِّ، كما نقله القرطبيُّ عنه.

قوله: (مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ): إنَّما أدخل (أَوْ) هنا؛ لأنَّه قد يرجع مرَّةً بالأجر وحده، ومرَّةً به وبالغنيمة جميعًا، فأدخل (أو)؛ ليدلَّ على اختلاف الحالَين، لا أنَّه يرجع بغنيمة دون أجر، بل أبدًا يرجع بالأجر كانت غنيمة أو لم تكن، نبَّه عليه ابن بطَّال، نقله شيخنا عنه، وحُكِي أنَّ (أو) هنا: بمعنى: الواو الجامعة على مذهب الكوفيِّين، وقد سقطت في «أبي داود»، وفي بعض روايات «مسلم»، وذهب بعضهم إلى أنَّها على بابها، وليست بمعنى الواو، وليس بصحيح؛ لحديث عبد الله بن عمرو: (ما من غازية تغزو ويصيبوا ويغنموا؛ إلَّا يُعَجَّلوا ثلثي أجورهم [1]، ويبقى الثُّلث وإن لم يصيبوا غنيمة، ثمَّ لهم أجرهم).

==========

[1] في (ب): (أجور)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 702]

(1/5364)

[باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء]

قوله: (بَابُ الدُّعَاءِ بِالْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ): سرد ابن المُنَيِّر ما في الباب كعادته، ثمَّ قال: (مدخله مِن الفقه: أنَّ الدعاء بالشَّهادة حاصله: أن يدعُوَ الله أن يُمَكِّن منه كافرًا يعصي الله؛ فيقتله، وقد استُشكِل إجزاءُ الدُّعاء بالشَّهادة على القواعد؛ إذ مقتضاها: ألَّا يتمنَّى معصية الله لا له ولا لغيره، ووجْهُ تخريجه على القواعد: أنَّ الدعوة به تعبُّدًا إنَّما هو نيل الدَّرجة الرَّفيعة المُعدَّة للشُّهداء، وأمَّا قتل الكافر؛ فليس بمقصود الدَّاعي، وإنَّما هو من ضرورات الوجود؛ لأنَّ الله تعالى أجرى حكمته ألَّا ينال تلك الدَّرجة إلا شهيدٌ، فلهذا أدخل البخاريُّ هذه التَّرجمة، وعضدها بالأحاديث رحمه الله تعالى) انتهى.

قوله: (وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ؛ ارْزُقْنِي شَهَادَةً ... ) إلى آخره: هذا التَّعليق أسنده البخاريُّ في (الحجِّ) فيما يتعلَّق بفضل المدينة، وأخرجه ابن سعد في «طبقاته».

==========

[ج 1 ص 702]

(1/5365)

[حديث: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله]

2788# 2789# قوله: (يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ): هي بالرَّاء، وهذا معروف مشهور جدًّا عند أهله، وهي أخت أمِّ سُلَيم، واسم أمِّ حرام مُلَيكة، وقال الذَّهبيُّ: (يقال: الغُمَيصاء والرُّمَيصاء [1]، قال غير واحد: إنَّ اسمها مُلَيكة)، وقال ابن عبد البَرِّ: (لم أقف لها على اسمٍ صحيحٍ)، انتهى [2]، وفي «أبي داود» تسميتها بمليكة [3]، قال النَّوويُّ: واتَّفق العلماء على أنَّها كانت مَحرَمًا له عليه الصَّلاة والسَّلام، واختلفوا في كيفيَّة ذلك؛ فقال ابن عبد البَرِّ وغيره: (كانت إحدى خالاته من الرَّضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالةً لأبيه؛ لأنَّ عبد المطَّلب كانت أمُّه من بني النَّجَّار)، انتهى، وقال شيخنا عن ابن الجوزيِّ: (إنَّه سمع من بعض الحُفَّاظ يقول: كانت أمُّ سُلَيم أختَ آمنة من الرَّضاعة)، انتهى، وقيل: إنَّه ليس بينهما رضاعٌ مُحرِّم، قاله شيخ شيوخنا الحافظ الدِّمياطيُّ عبد المؤمن بن خلف في «جزء مفرد»، وإنَّما هو من خصائصه، انتهى، وسيأتي في (باب فضل من جهَّز غازيًا أو خلفه بخير) تعليلُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخولَهُ عليها بالرَّحمة لها؛ لكون أخيها [4] قُتِل معه عليه الصَّلاة والسَّلام، وقال شيخنا عن ابن العربيِّ: إنَّه ذُكِر عن بعض العلماء أنَّ هذا مخصوص به [5]، أو يحمل على أنَّه قبل الحجاب، إلَّا أنَّ (تَفْلِي رَأْسَهُ) يُضعِّفُ هذا.

[ج 1 ص 702]

قوله: (وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ) [6]: (تَفْلِي): هو بفتح أوَّله، وإسكان الفاء، واعلم أنَّ شيخنا قال في «الخصائص» وهو كتاب مفرد قرأته عليه: (نُقِلَ عن «الشفا» لابن سَبُع أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يكن القمل يؤذيه؛ تعظيمًا وتكريمًا، وهذا يحتمل سببين؛ أحدهما: أنَّه لم يكن عليه قمل بالكليَّة، أو عليه ولا يؤذيه، والاحتمال الثَّاني أظهر لهذا الحديث، ولحديث: «تفلي ثوبَهُ»، والله أعلم.

قوله: (عُرِضُوا عَلَيَّ): (عُرِض): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ): (الثَّبَج)؛ بفتح الثَّاء المثلَّثة، والباء الموحَّدة، وبالجيم: ظهر البحر، وفي رواية أخرى: (يركبون ظهر هذا البحر)، و (الثَّبج): ما بين الكتفين، انتهى، وفي «أمالي القالي»: («ثَبج البحر»: ظهرُه، وقيل: معظمه، وقيل: قوته)، قاله شيخنا.

(1/5366)

قوله: (شَكَّ إِسْحَاقُ): هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة المذكور في سند الحديث، وهو ابن ابن أخت أمِّ حرام بنت ملحان [7]، جدَّته أمُّ سُلَيم أمُّ أنس.

قوله: (فِي زَمَنِ [8] مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ): ليس المراد بـ (زمن معاوية): زمن خلافته؛ إنَّما المراد: أنَّه كان عليهم في الغزو من جهة عثمان بن عفَّان، وقيل: بل كان ذلك في خلافة معاوية، قال القاضي: وهو الأظهر في دلالة قوله: في زمانه، انتهى، والأوَّل هو الصَّحيح؛ لأنَّها تُوُفِّيَت سنة سبع وعشرين، قيل: بقبرس، وفي هذا «الصَّحيح»: (فنزلوا الشَّام فقُرِّبت إليها دابَّة؛ لتركبها، فصُرِعَت فماتت)، وقيل: تُوُفِّيَت سنة ثمان وعشرين، وكلاهما يردَّان أنَّ ذلك كان في خلافة معاوية.

قوله: (فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا): جاء في بعض طرقه: أنَّ دابَّتها كانت بغلة [9].

(1/5367)

[باب درجات المجاهدين في سبيل الله]

قوله: (يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي): يعني: أنَّ السَّبيل _وهو الطَّريق_ يُؤنَّث ويُذكَّر، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 146]؛ فذكَّر [1]، والله أعلم.

==========

[1] (فذكر): سقط من (ب).

[ج 1 ص 703]

(1/5368)

[حديث: من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان]

2790# قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بضَمِّ الفاء، وفتح اللَّام، وأنَّه ابن سليمان، وأنَّه فرد في الكتب السِّتَّة.

[قوله]: (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟): قال بعض حُفَّاظ العصر: (المستأذِن في ذلك مُعاذ بن جبل، أخرجه التِّرمذيُّ من حديثه)، انتهى، وهنا: أنَّهم قالوا؛ فمِن القائلين على هذا مُعاذٌ.

قوله: (فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ): هو البستان بلغة الرُّوم، وقيل: بالسِّريانيَّة، وقيل: بالنَّبطيَّة؛ أي: فنُقِل إلى لسان العرب، وقيل: الكرم، وهو ههنا: ربوة الجنَّة؛ هو أوسط الجنَّة وأعلاها وأفضلها، وجمع فردوس: فراديس.

قوله: (فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ): أي: أفضلها.

قوله: (أُرَاهُ): هو بالهمزة المضمومة؛ أي: أظنُّه، وهذا الظَّنُّ من كلام الرَّاوي، ظنَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «وفوقه عرش الرَّحمن»، ولهذا قال البخاريُّ عقيبه: (قال مُحَمَّد بن فُلَيح عن أبيه: وفوقه عرش الرَّحمن)؛ أي: من غير أن يظنَّ، بل جزم بذلك، وسيأتي هذا التَّعليق مسندًا في (كتاب التَّوحيد) في (باب قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]): عن إبراهيم بن المنذر، عن مُحَمَّد بن فُلَيح، عن أبيه به.

قوله: (وَفَوْقهُ [1]): هو بضَمِّ القاف، وقيل: بالفتح، قال ابن قُرقُول: (بضَمِّ القاف على معنى: أعلاه عرش الرَّحمن، كذا ضبطه الأصيليُّ، وعند غيره: بالنَّصب على الظَّرف، قال القاضي: «فوقَه»: ضبطه الأصيليُّ، قال القاضي: ولا أعرف له معنًى، قلت: وعندي أنَّ الذي قاله عنه وَهَمٌ، إنَّما ضبطه كما قلناه، وكذا رأيت بخطِّ القاضي في أصله عن الأصيليِّ)، انتهى، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدِّين في «حادي الأرواح» في آخر الباب الثَّالث عشر: (قال شيخنا أبو الحجَّاج المِزِّيُّ: والصَّواب: رواية مَن روى: «وفوقُه» على أنَّه اسمٌ، لا ظرف؛ أي: وسقفه عرش الرَّحمن)، انتهى، فالضَّمير في (وفوقه) يوهم عوده لـ (الفردوس)، بل هو راجع إلى (الجنَّة) كلِّها.

(1/5369)

[حديث: رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة]

2791# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ، وكذا تَقَدَّم (جَرِيرٌ): أنَّه ابن [1] حَازم؛ بالحاء المهملة، وتَقَدَّم أيضًا (أَبُو رَجَاءٍ): أنَّه عمران بن تيم، ويقال: ابن ملحان أبو رَجاء العطارديُّ، و (سَمُرَة): هو ابن جندب، تَقَدَّم الكلام على بعض ترجمته، صحابيٌّ شهيرٌ.

قوله: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي): هما: جبريل وميكائيل، كما صرَّحا بذلك فيما تَقَدَّم في (الجنائز): «وأنا جبريل، وهذا ميكائيل».

==========

[1] زيد في (ب): (أبي)، وليس بصحيحٍ.

[ج 1 ص 703]

(1/5370)

[باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة]

قوله: (بَابُ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ): (الغَدوة): من أوَّل النَّهار إلى الزَّوال، و (الرَّوحة): من الزَّوال إلى اللَّيل، وهما بالفتح، وهو المرَّة من الغدوِّ والرَّواح، وسيجيء الكلام عليهما أيضًا، وأمَّا الغُدوة _بالضَّمِّ_؛ فمن صلاة الغداة إلى طلوع الشَّمس.

قوله: (وَقَابِ قَوْسِ أَحَدِهِمْ [1]): أي: قدر طولها، ويحتمل قدر رميتها، يقال: قاب رمح، وقاد رمح، وقيد رمح، وقِدَى رمح، وقيده [2]، وقيل في قوله تعالى: {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] ههنا: الذِّراع بلغة أزد شنوءة، وقيل: قدر قوسين، وقيل: القاب: ظفر القوس؛ وهو ما وراء معقد الوَتَر.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أَحَدِكُمْ).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «المطالع»: (وقدة).

[ج 1 ص 703]

(1/5371)

[حديث: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها]

2792# قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): هذا تَقَدَّم أنَّه ابن خالد الكرابيسيُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّم (حُمَيْدٌ): أنَّه الطَّويل ابن تير، ويقال: تيرويه.

قوله: (لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ): تَقَدَّم الكلام عليهما أعلاه.

قوله: (أَوْ رَوْحَةٌ): (أو) هنا: للتقسيم، لا للشَّكِّ، وسيأتي في (الرِّقاق) أيضًا إن شاء الله تعالى.

قوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا): يعني: ثواب ذلك في الجنَّة خيرٌ من الدُّنيا، وقيل في مثل هذا: خير من أن يتصدَّق بما في الدُّنيا إذا ملكها، فأنفقها في وجوه البرِّ والطَّاعة غير الجهاد، وقال القرطبيُّ: أي: الثَّواب الحاصل في مَشْيَةٍ واحدةٍ في الجهاد خيرٌ لصاحبه

[ج 1 ص 703]

من الدُّنيا كلِّها لو جُمِعت بحذافيرها، وقال المُهلَّب: هما خير مِن زمن الدُّنيا؛ لأنَّهما في زمن قليل؛ أي: ثواب هذا الزَّمن [1] القليل في الجنَّة خيرٌ من زمن الدُّنيا كلِّها، وكذا قوله: (لَقَابُ قَوسٍ فِي الجَنَّةِ)؛ يريد: ما صغر في الجنَّة من المواضع خيرٌ من المواضع كلِّها، فأخبر في هذا الحديث أنَّ قصر الزَّمان وصغر المكان في الآخرة خيرٌ من طويل الزَّمان وكبر المكان في الدُّنيا، نقله شيخنا.

(1/5372)

[حديث: لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب]

2793# قوله: (وَلَقَابُ [1] قَوْسٍ): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (لَقابُ)، بغير واو.

[ج 1 ص 704]

(1/5373)

[حديث: الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها]

2794# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه بفتح القاف، وكسر الموحَّدة، والباقي معروفٌ، بل الكلُّ معروفٌ عند أهله، ابن عقبة السُّوائيُّ، وكذا تَقَدَّم (سُفْيَانُ): أنَّه سُفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوريُّ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو حَازِمٍ): أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ اسمه سلمة بن دينار، الأعرج المدنيُّ.

قوله: (الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ): تَقَدَّم عليهما الكلام قريبًا.

(1/5374)

[باب الحور العين وصفتهن]

قوله: (يَحَارُ فِيهَا): هو بفتح المثنَّاة تحت، وتخفيف الحاء المهملة، وبعد الألف راءٌ، يقال: حار يَحَارُ حَيْرة وحَيْرًا؛ أي: تحيَّر في أمره؛ فهو حيران، وهذا من (حَيَر)، والحُور من (حَوَر)، فليس هذا مِن اشتقاق هذا، والله أعلم.

قوله: ({وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ} [الدخان: 54]: أَنْكَحْنَاهُمْ): هذا خلافُ المشهور عند المفسِّرين في معناه، بل معناه: قرنَّاهم، و (نكح) لا [1] يتعدَّى بالباء.

==========

[1] في (ب): (قرناهم، وهو نكح مما)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 704]

(1/5375)

[حديث: ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا]

2795# 2796# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المُسنديُّ، تَقَدَّم مرارًا، ولماذا نُسِب، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاقَ) هذا: أنَّه إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث، أبو إسحاق، الفزاريُّ، تَقَدَّم، و (حُمَيْد) هذا: هو الطَّويل حُمَيد بن تير، ويقال: ابن تيرويه.

قوله: (وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا): هو بفتح همزة (أَنَّ)، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (إِلَّا الشَّهِيدَ): هو مَنْصوبٌ على الاستثناء، و (الشَّهيد): معلوم أنَّه القتيل في سبيل الله؛ لأنَّ ملائكة الرحمة تشهده [1]، أو لأنَّ أرواحهم حضرت دار السَّلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلى يوم القيامة، أو لأنَّ الله عزَّ وجلَّ وملائكته شهودٌ له بالجنَّة، أو لأنَّه ممَّن يشهد يوم القيامة على الأمم الخالية، أو لسقوطه على الشَّاهد؛ أي: الأرض، أو لأنَّه حَيٌّ عند الله حاضر، أو لأنَّه يشهد ملكوت الله وملكه.

تنبيهٌ: الشَّهيد ثلاثة أقسام: شهيدٌ في الدُّنيا والآخرة؛ وهو المقتول في حرب الكفَّار بسبب من أسبابه، فإن تُوُفِّيَ بعد انقضاء الحرب أو في قتال البغاة؛ فغيرُ شهيدٍ في الأظهر عند الشَّافعيَّة؛ يعنون: في الغُسل والصَّلاة، وشهيدٌ في الآخرة دون أحكام الدُّنيا؛ وهم المذكورون في الأحاديث، وسيأتون قريبًا في (باب الشَّهادة سبع سوى القتل)، وشهيد في الدُّنيا دون الآخرة؛ وهو مَن غلَّ من الغنيمة، أو مُن قُتِل مُدبِرًا.

قوله: (قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ): القائل ذلك هو حُمَيد؛ هو [2] الطَّويل المذكور في السَّند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ): تَقَدَّم الكلام على (القاب) قريبًا جدًّا.

قوله: (أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ [3]؛ يَعْنِي: سَوْطَهُ): (القِيْد)؛ بكسر القاف، وبالمثنَّاة تحت السَّاكنة، ثمَّ دال مهملة مكسورة غير مُنوَّنة، قال ابن قُرقُول: (أي: قدر)، وكذا في «النِّهاية» لابن الأثير، وعن الصَّغانيِّ اللُّغويِّ: (كذا وقع في النُّسخ: «قِيْد»؛ بزيادة الياء، إنَّما هو «قدٌّ»؛ بتشديد الدال لا غير؛ وهو السَّوط المُتَّخَذ مِن الجلد الذي لم يُدبَغ، ومَن رواه: «قَيده» _بفتح القاف_؛ فقد صحَّف وغيَّر)، انتهت، والذي قاله ابن قُرقُول وابن الأثير أحسنُ، والله أعلم.

(1/5376)

قوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا): تَقَدَّم الكلام على ذلك [4] قريبًا جدًّا؛ [فانظره.

قوله: (وَلَنَصِيفُهَا): (النَّصِيْف)؛ بفتح النُّون، وكسر الصاد المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ فاء، وهو الخمار، وقيل: المِعْجَر، وهو بكسر الميم، وإسكان العين المهملة، وفتح الجيم، ثمَّ بالراء، وهو ما تشدُّه المرأة على رأسها.

قوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا جدًّا] [5].

(1/5377)

[باب تمني الشهادة]

قوله: (باب تَمَنِّي الشَّهَادَةِ): تَقَدَّم الكلام عليه في الورقة التي قبل هذه؛ فانظره، فإنَّه حسن.

==========

[ج 1 ص 704]

(1/5378)

[حديث: والذي نفسي بيده لولا أن رجالًا من المؤمنين .. ]

2797# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، وتَقَدَّم (سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ): أنَّه بفتح ياء (المسيّب) وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المسيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح، وتَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (عَنْ سَرِيَّةٍ): تَقَدَّم أنَّ (السَّريَّة): قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مئة، قاله يعقوب، وقال الخليل: هي نحو أربع مئة.

قوله: (لَوَدِدْتُ): هو بكسر الدَّال الأولى، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

تنبيهٌ: هذا من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم، ونقل شيخنا عن ابن التِّين: أنَّه رأى من يقول أنَّه من كلام أبي هريرة، وهو بعيد، انتهى، وقال ابن التِّين أيضًا حكاية: (يحتمل أنَّه قاله قبل نزول قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وقيل: بعده، والخبر على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه، قال: وهذا أشبه)، انتهى.

قوله: (ثُمَّ أُحْيَا): هو بضَمِّ الهمزة، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا الثاني، والثالث، وهذا ظاهرٌ، وأمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «باسمك أَحيا»؛ هو بفتح الهمزة، وهذا ظاهرٌ أيضًا إلَّا أنِّي سُئلت عنه، وسمعت عن بعض من يتعاطى الحديث أنَّه قاله بضَمِّ الهمزة، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 704]

(1/5379)

[حديث: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب.]

2798# قوله: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ): هو بفتح الصاد المهملة، وتشديد الفاء، وبالراء، والصُّفر: الذي تُعمَل منه الأواني بالضَّمِّ، وأبو عُبيدة يقوله بالكسر، وقد تَقَدَّم أنَّه النُّحَاس مُطَوَّلًا.

قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هذا [1] تَقَدَّم [2] أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

قوله: (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ): تَقَدَّم أنَّ كلَّ ما في الكتب السِّتَّة (حُمَيدٌ عن أنس)؛ فهو الطَّويل، إلَّا في حديثين؛ أحدهما في «البخاريِّ» و «النَّسائيِّ»: (أخذ الرَّاية زيد فأُصِيب)، والثاني [3]: في «البخاريِّ» فقط: (كأنِّي أنظر إلى غبار ساطع في سكَّة بني غنم موكب جبريل)؛ فإنَّهما عن حُمَيد بن هلال عن أنس، وقد قَدَّمتُ أنَّ حُمَيد بن هلال عدويٌّ؛ عديُّ تميم، بصريٌّ، يروي عن أنس، وعبد الله بن مُغفَّل [4]، وهشام بن عامر، وعبد الله بن الصَّامت، ومُطرِّف بن الشِّخِّير، وخلق، وعنه: أيُّوب، وابن عون، وشعبة، وخلقٌ، قال يحيى القطَّان: كان ابن سيرين لا يرضاه؛ يعني: لكونه دخل في شيءٍ من عمل السُّلطان، وقال ابن [5] معين: ثقة، مات في ولاية خالد بن عبد الله على العراق، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

[ج 1 ص 704]

قوله: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ): تَقَدَّم الكلام على وقت بعث هذا الجيش إلى مؤتة، وأنَّ الأمراء: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رَواحة قُتِلوا، وكم كان جيش المسلمين، وكم كان جيش الكفَّار بما فيها مِن الخلاف في (الجنائز)؛ فانظره.

قوله: (ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ): تَقَدَّم ما قاله مغلطاي في «سيرته الصُّغرى»؛ فانظره في (الجنائز).

قوله: (فَفُتِحَ لَهُ): تَقَدَّم الكلام على هذا، وأنَّ ظاهر هذا أنَّ جيش المسلمين انتصر، وقد ذكرت فيه ثلاثة أقوال، وستأتي إن شاء الله تعالى.

قوله: (تَذْرِفَانِ): هو بالذَّال المعجمة الساكنة، وكسر الراء، يقال: ذرَفت عينُه تذرِف؛ _الماضي بالفتح، والمستقبل بالكسر؛ إذا انصبَّ دمعُها_ ذرْفًا وذَرَفانًا [6] وذُروفًا، وقيل: الذُّروف: بغير بكاء.

(1/5380)

قوله الآية التي تلاها: ({وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100]): هذه الآية أُنزِلت في ضمرة بن الفيض بن ضمرة بن زنباع الخزاعيِّ لمَّا أُمرِوا بالهجرة وكان مريضًا، فأمر أهله أن يفرشوا له على سرير ويحملوه إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ففعلوا، قال: فأتاه الموت وهو بالتَّنعيم، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، وقال: إنَّه كان مصابًا [7] ببصره، وفي «تجريد الذَّهبيِّ»: (ضمرة بن العيص بن ضمرة الخزاعيُّ) انتهى، وفي «التَّجريد» أيضًا: (أنَّه ضمرة بن عمرو الخزاعيُّ، وقيل: ضمرة بن جندب، وقيل: ضمضم، هاجر [8]، فأدركه أجلُه في الطَّريق)، انتهى، وقد [9] قيل في ضمرة هذا: أبو ضمرة بن العيص [10]، والصَّحيح: ضمرة، لا أبو ضمرة، ويقال: نزلت في [ ... ] [11].

تنبيهٌ: وقع في «تفسير ابن عبد السَّلام» الشَّافعيِّ: (أنَّها نزلت في أكثم بن صيفيٍّ)، انتهى، وأكثم هذا مِن حكماء العرب، والصَّحيح: لم يُسلِم، وأخطأ أبو نعيم في عدِّه في الصَّحابة، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (أ): (هو).

[2] في (ب): (تَقَدَّم هذا).

[3] في (أ): (والباقي).

[4] في (ب): (المغفل).

[5] (ابن): سقط من (ب).

[6] في النُّسختين: (ذرافانًا)، ولعلَّه من إشباع الفتح.

[7] في (ب): (مصدابًا)، وهو تحريفٌ.

[8] في (ب): (وقيل: خرج مهاجرًا).

[9] (قد): ليس في (ب).

[10] في النُّسختين: (العيس)، ولعلَّه تحريفٌ عن المثبت.

[11] أخلى في (أ) بياضًا.

(1/5381)

[باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم]

(1/5382)

[حديث: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر]

2799# 2800# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد الأنصاريُّ، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ): أنَّه بفتح الحاء، وتشديد الموحَّدة، وتَقَدَّم مَن يقال له: حَبَّان؛ بالفتح مع تشديد [1] الموحَّدة في «البخاريِّ» و «مسلم»، ومَن يقال له حِبَّان؛ بالكسر مع تشديد الموحَّدة فيهما، وكذا تَقَدَّم (أُم حَرَامٍ): أنَّها بالحاء المهملة، والرَّاء، وأنَّ اسمَها مُلَيكة، ومتى تُوُفِّيَت.

قوله: (عُرِضُوا عَلَيَّ): (عُرِضوا)؛ بضَمِّ العين: مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (الأَخْضَرَ): الظَّاهر أنَّ معناه: الأسود، والله أعلم.

قوله: (مَعَ مُعَاوِيَةَ): تَقَدَّم الكلام عليه؛ هل هو في خلافته كما هو ظاهرُ روايةٍ أخرى، أو كونه أميرًا من جهة عثمان؟ وقد رجَّحتُ هذا؛ لما ذُكِرَ في تاريخ وفاتها أنَّها في سنة ثمان وعشرين أو في سبع وعشرين، وهذان في خلافة عثمان، وكذا تَقَدَّم أنَّ دابَّتها كانت بغلة، وأنَّها تُوُفِّيَت بساحل حمص، ومَن قال: بقبرس فيه نظرٌ، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (بالفتح وتشديد).

[ج 1 ص 705]

(1/5383)

[باب من ينكب في سبيل الله]

(1/5384)

[حديث: بعث النبي أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين]

2801# قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو همَّام بن يحيى العَوْذِيُّ، تَقَدَّم مرارًا، ومرَّةً مُتَرجَمًا، وتَقَدَّم (إِسْحَاق): أنَّه ابن عبد الله بن أبي طلحة، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ): (سُلَيم)؛ بضَمِّ السين، وفتح اللَّام، وهذا ظاهرٌ، قال الإمام الحافظ شيخ شيوخنا شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدِّمياطيُّ: (قوله: «من بني سُلَيم» وَهَمٌ؛ لأنَّ بني سُلَيم هم الذين قتلوا السَّبعين أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانوا من الأنصار)، انتهى، ولا شكَّ في صحَّة ما قاله، غير أنَّ في قول الرَّاوي _كما في «صحيح مسلم» _: أنَّهم من الأنصار، ومعناه في «البخاريِّ» في حديثٍ آخرَ فيه تجوُّزٌ، فإنَّ فيهم من هو مهاجريٌّ، وسأذكر ذلك، واعلم أنَّ هذا البعث كان في صفر على رأس أربعة أشهر من أُحُد عند ابن إسحاق، وهو قصَّة بئر معونة، وقد تَقَدَّم.

قوله: (فِي سَبْعِينَ رَجُلًا [1]): كذا هنا، وكذا في كلام ابن إسحاق، وفي كلام غيره: (في أربعين)، وقد جاء أيضًا في «الصَّحيح»: بالشَّكِّ بين السَّبعين والأربعين، وقيل: ثلاثون، والصَّحيح: (في سبعين)، وسيأتي، والله أعلم.

قوله: (فَقَالَ [2] لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ [3]): خال أنس هو حَرام بن ملحان، وحَرام؛ بفتح الحاء، وبالرَّاء، وقيل في هذه القصَّة: خالا أنس؛ حَرام وسُلَيم ابنا ملحان، واسم ملحان مالك، وفي «السيرة»: (أنَّهم بعثوا ملحان بكتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عدوِّ الله عامر بن الطُّفيل، فلمَّا أتاه؛ لم ينظر في كتابه حتَّى عدا على الرَّجل؛ فقتله).

قوله: (فَإِنْ آمَنُونِي [4]): هو بمدِّ الهمزة، وفتح الميم مخفَّفة، ووقع [5] في أصلنا: بتشديد الميم بالقلم، وفيه نظر، وكذا الذي بعدها: (فَآمَنُوهُ)، وشدَّد الميم في أصلنا، وفيه نظر.

قوله: (إِذْ أَوْمَؤُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ): هذا الرجل لا أعرفه، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ: (الذي طعنه هو عامر بن الطُّفيل)، انتهى، وكذا قاله حافظ مصريٌّ مِن المعاصرين، وسيأتي في بئر معونة ما ينفي هذا.

قوله: (فَأَنْفَذَه): هو بالفاء، والذَّال المعجمة، وهذا ظاهرٌ.

(1/5385)

قوله: (ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ [6] صَعِدَ الْجَبَلَ، قَالَ هَمَّامٌ: فَأُرَاهُ وَآَخَرَ [7] مَعَهُ): هذا الآخر هو عمرو بن أميَّة الضَّمريُّ، أمَّا (همَّام)؛ فهو ابن يحيى العَوْذِيُّ المذكور في السَّند، وقد ذكرتُه أعلاه [8]، وأمَّا (أُرَاه): فهو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه، واعلم أنَّ في «السيرة»: (فقاتلوهم حتى قُتِلوا إلى آخرهم إلَّا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النَّجار، فإنَّهم تركوه وبه رمقٌ، فارتُثَّ مِن بين القتلى، فعاش حتَّى قُتِل في الخندق، وكان في سرح القوم عمرو بن أميَّة الضَّمريُّ ورجلٌ آخر، قال ابن هشام: هو المنذر بن مُحَمَّد بن عقبة بن أُحَيحة بن الجُلَاح، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (إنَّ الذي كان في سرح القوم مع عمرٍو الحارثُ بن الصِّمَّة؛ فيُحرَّر؛ فذكرُ القصَّةِ في «السيرة» يقتضي أنَّ المنذر قُتِل، وأُخِذ عمرٌو [9] أسيرًا، والجمع بين ما في «الصَّحيح» و «السيرة» ظاهر؛ لأنَّ كعبًا كان في حكم القتلى، فأَخْبَرَ عن ابتداء أمره على المقاربة)، انتهى، وذكر ابن شيخِنا البلقينيِّ كلامًا طويلًا وفي آخره: (فحينئذٍ لم يسلم من أصحاب بئر معونة إلَّا رجلان؛ كعب بن زيد، وعمرو بن أميَّة، فيفسَّر بهما الرجلان اللَّذان ذكرهما البخاريُّ)، انتهى، وقال بعض حُفَّاظ القاهرة: (الأعرج هو كعب بن زيد الأنصاريُّ، وقد سبق في كلامي أنَّ كعب بن زيد عاش بعد ذلك)، انتهى، وهو من بني أميَّة بن زيد كما عند الإسماعيليِّ، والآخر معه هو عمرو بن أميَّة الضمريُّ، قال هذا الحافظ [10]: كما في «السِّيرة»، انتهى والاثنان تقدَّما في كلامي، والله أعلم.

(1/5386)

فائدةٌ: يحضرني ممَّن استُشهِد ببئر معونة: عامر بن فهيرة، قتله جَبَّار بن سُلْمى بن جعفر بن مالك بن جعفر بن كلاب، ثمَّ أسلم بعد هذه القصَّة وصَحِب، والحكم بن كيسان، والمنذر بن مُحَمَّد [11] بن عقبة بن الجُلَاح، وأبو عبيدة [12] بن عمرو بن محصن، والحارث بن الصِّمَّة، وأُبيُّ بن مُعاذ، وأخوه أنس، ومُحَمَّد بن إسحاق وموسى بن عقبة يُسمِّيانِه أوسًا، والواقديُّ يقول: إنَّ أنسًا هذا مات في خلافة عثمان، وأبو شيخ بن أبي ثابت، وحرام وسُلَيم خالا أنس، ومالك وسُفيان ابنا ثابت من الأنصار، وذلك ممَّا انفرد به الواقديُّ، وعروة بن أسماء، وقطبة بن عبد عمرو بن مسعود، والمنذر بن عمرو بن خُنَيس وهو أميرهم، ومُعاذ بن ماعص، وأخوه عائذ كذا عند الواقديِّ، ومسعود بن سعد عند الواقديِّ، وأمَّا ابن القدَّاح [13]؛ فقال: مات بخيبر، وخالد بن ثابت بن النُّعمان، وقيل: قُتِل خالد هذا بمؤتة، وسفيان بن حاطب، وسعد بن عمرو بن ثقف، وابنه

[ج 1 ص 705]

الطُّفيل، وابن أخيه سهل بن عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف، وعبد الله بن قيس بن صرمة، ونافع بن بُديل، وعند ابن سعد فيهم: الضَّحَّاك بن عبد عمرٍو، وذكر [14] ابن القدَّاح فيهم عمرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطَّاف بن ضُبَيعة من بني عمرو بن عوف، واسمه عند ابن إسحاق: عمرو، وهو عند ابن القدَّاح: عُمير، وذكر ابن الكلبيِّ: خالد بن كعب بن عمرو، وذكر أبو عمر في «الاستيعاب»: سهيل بن عامر بن سعد فيهم، قال ابن سيِّد النَّاس: سهل بن عامر، وأهل المغازي مُتَّفِقون [15] على أنَّ الكلَّ قُتِلوا إلَّا عمرو بن أميَّة، وكعب بن زيد بن قيس بن مالك، فإنَّه جُرِح يوم بئر معونة، ومات بالخندق، والله أعلم.

قوله: (وَآخَرَ مَعَهُ): (آخرَ)؛ بالنَّصب معطوف على (رجلًا).

قوله: (فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا [16] قَوْمَنَا ... ) إلى آخره [17]: (فكنَّا نقرأ ... ) إلى آخره: هذا في «الصحيح»، قال السُّهيليُّ: (وليس عليه رونق الإعجاز، فيقال: إنَّه لم ينزل بهذا النَّظم، ولكن بنظمٍ مُعجِزٍ كنظم القرآن).

(1/5387)

فإن قيل: إنَّه خبرٌ والخبر لا يُنسخُ؟ قلنا: لم يُنسَخ منه الخبرُ، وإنَّما نُسَخ الحكمُ، فإنَّ حكم القرآن أن يُتلَى في الصَّلاة ولا يمسُّه إلَّا طاهر، وأن يكون بين اللَّوحين، وأن يكون تعلُّمُه من فروض الكفاية، فكلُّ ما نُسِخَ ورُفِعَت منه هذه الأحكامُ وإن بقي محفوظًا؛ فإنَّه منسوخٌ، وإن تضمَّن خبرًا؛ جاز أن يبقى ذلك الخبرُ مُصدَّقًا به وأحكام التَّلاوة منسوخة عنه، كما قد نزل: «لو أنَّ لابن آدم واديًا مِن ذهب؛ لابتغى ثانيًا، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلَّا الترابُ، ويتوب الله على من تاب»، ويروى: (ولا يملأُ عيني ابنِ آدم، وفم ابن آدم)، وكلُّها في «الصحيح»، وكذلك رُوِيَ: (واديًا من مال) أيضًا، فهذا خبرٌ، والخبر لا يُنسَخ، ولكن نُسِخ منه أحكام التِّلاوة ... إلى آخر كلامه، وهو مُتعلِّق بالمسألة، والله أعلم.

وقوله: (أَنْ بَلِّغُوا): بفتح همزتها، وإسكان نونها.

قوله: (عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لِحْيَانَ) أمَّا (رِعْل)؛ فهو _بكسر الرَّاء، وإسكان العين المهملة، وباللَّام_ قبيلة معروفة، وأمَّا (بنو لِحيان)؛ فهم _بكسر اللَّام، وفتحها_؛ لغتان، وقوله: (وبني لِحيان) كذا في «البخاريِّ» و «مسلم»، وهذا يُوهِم أنَّ بني لِحيان ممَّن أصاب القُرَّاء يوم بئر معونة، وليس كذلك، وإنَّما أصاب القُرَّاءَ رِعْلٌ، وذكوانُ، وعُصيَّة، ومَن صحبهم من سُلَيم، وأمَّا بنو لِحيان؛ فهم الذين أصابوا بعث الرَّجيع، وإنَّما أتى الخبرُ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنهم كلِّهم في وقتٍ واحدٍ، فدعا على الذين أصابوا أصحابَهُ في الموضعين دعاءً واحدًا، والله أعلم.

(1/5388)

[حديث: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت]

2802# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ، وتَقَدَّم [1] لماذا نُسِب، وكذا تَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ) أنَّه الوضَّاح بن عبد الله.

قوله: (عَنْ جُنْدبِ ابْنِ سُفْيَانَ): أمَّا (جندب)؛ فبضمِّ الدَّال المهملة وفتحها، وهو جندب بن عبد الله بن سفيان، أبو عبد الله، البجليُّ، ثمَّ العَلَقيُّ، وعلقة حيٌّ مِن بجيلة، وقد يُنسَب إلى جدِّه، يروي عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعن حذيفة، وعنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو مجلز، وأبو عمران الجونيُّ، وسلمة بن كُهَيل [2]، وجماعة، قال جندب: (كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ونحن فتيان حزاورة، فتعلَّمنا الإيمان).

قوله: (فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... ) إلى آخره: قال النَّوويُّ: (الرِّواية المعروفة كسرُ التَّاء، وسكَّنها بعضُهم) انتهى، واعلم أنَّ بعض المشايخ غَيَّر شيئًا مِن هذا الكلام حتَّى صيَّره غير موزون، وكأنَّه غفل عن نكتةٍ، وهو وإن كان موزونًا؛ فإنَّه ليس بشعر، وإن قلنا: إنَّ الرَّجزَ شعرٌ؛ لأنَّ شرط الشِّعر أن يكون مقصودًا موزونًا مقفًّى، وقد حُكِي عليه اتِّفاق العلماء والشعراء، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقصد ذلك، هذا إن قلنا: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قاله [3] وإن قلنا: إنَّه تمثَّل به؛ فذلك [4] لأنَّه قد جاء في «السِّيرة» لابن هشام: أنَّ الوليد بن الوليد قال ذلك، وسيأتي ذلك بأطولَ مِن هذا في (باب حقِّ الضَّيف)، ورأيت بخطِّ شيخنا في «شرحه» ما لفظه: (وقال ابن التِّين: هذا الشعر لابن رواحة)، انتهى

(1/5389)

فائدةٌ: اعلم أنَّ الخطَّ والشعر كانا يحرَّمان على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد تَقَدَّم الكلام في الخطِّ في (الصلح)، قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، قال الإمام الرافعيُّ: (وإنَّما يتَّجه القول بتحريمهما ممَّن يقول: إنَّه كان يحسنهما)، وقد اختُلِف فيه، فقيل: كان يحسنهما، ويُمنَع منهما، والأصحُّ: أنَّه كان لا يحسنهما، قال النَّوويُّ في «الرَّوضة»: (ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يحسنهما، ويكون المراد: تحريم التَّوصُّل إليهما، وتمسَّك القائل بأنَّه كان يحسن بالرِّواية التي تقدَّمت في (الصلح)، وقد ألحق الماورديُّ بقول الشعر روايتَه، وبالكتابة القراءةَ؛ أي: في الكتاب، وعبارة القضاعيِّ في «عيون المعارف»: (أنَّ من خصائصه أنَّه لم يكن يقول شعرًا، ولا أن يتعلَّمه، ولا فرق بين الخطِّ [5] العربيِّ وغيره).

==========

[1] في (أ) و (ب): (وتقدما)، ولعلَّه تحريفٌ.

[2] في (ب): (نهيل)، وهو تحريفٌ.

[3] (قاله): سقط من (ب).

[4] في النُّسختين: (وذلك)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[5] في (ب): (خط).

[ج 1 ص 706]

(1/5390)

[باب من يجرح في سبيل الله عز وجل]

قوله: (بَابُ مَنْ يُجْرَحُ [1] فِي سَبِيلِ اللهِ): (يُجرَح): بضَمِّ أوَّله، وبالجيم، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

==========

[1] في (ب): (يخرج)، وهو تصحيفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[ج 1 ص 706]

(1/5391)

[حديث: والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله]

2803# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالنُّون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، وتَقَدَّم (الأَعْرَجِ): أنَّه عبد الرَّحمن [1] بن هرمز.

قوله: (لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ): (يُكلَم): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، ومعناه: يُجرَح.

(1/5392)

[باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب كعادته، ثمَّ قال: (استَشكل الشَّارحُ _يعني: ابن بطَّال_ التَّرجمة بالآية، ومطابقتهما بحديث هرقل من حيث إنَّه ظنَّ أنَّ المطابقة قوله: «الحربُ بيننا وبينه سجال»،

[ج 1 ص 706]

مع قول هرقل: «وكذلك الرُّسل»، والتحقيق أنَّ البخاريَّ ما ساق الحديث إلَّا لقوله: «وكذلك الرُّسل تُبتَلى، ثمَّ تكون لهم العاقبة»، فبهذا يتحقَّق أنَّهم على إحدى الحُسنَيين؛ إن انتصروا؛ فلهم العاجلة والعاقبة، وإن انتصر [1] عدوُّهم؛ فللرسِل العاقبة، والعاقبةُ خيرٌ من العاجلة وأحسن، ففي تمام حديث هرقل تظهر المطابقة، والله تعالى أعلم) انتهى، وقال شيخنا: (فإن قلت: أغفل البخاريُّ أن يذكر تفسير الآية في الباب، وذكر حديث ابن عبَّاس: «أنَّ الحرب سجال» فما تعلُّقه بالآية التي ترجم بها؟! فالجواب: تعلُّقه بها صحيح، والآية مُصدِّقة للحديث، والحديث [2] مُبيِّن للآية، وإذا كان الحربُ سجالًا؛ فذلك إحدى الحُسنَيين؛ لأنَّها إن كانت علينا؛ فهي الشَّهادة، وتلك أكبر الحُسنيين، وإن كانت لنا؛ فهي الغنيمة، وتلك أصغر الحُسنَيين، فالحديث مطابقٌ لمعنى الآية، فكلُّ [3] فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمة؛ فإنَّه من إحدى الحُسنيين، وكلُّ قتيلِ يُقتَل في سبيل الله إلى يوم القيامة؛ فهو من إحدى الحُسنَيين له) انتهى.

قوله: (وَالْحَرْبُ سِجَالٌ): هو بكسر السِّين المهملة، وتخفيف الجيم، وفي آخره لامٌ؛ أي: مرَّةً على هؤلاء، ومرَّةً على هؤلاء، من مساجلة المستقين على البئر بالدِّلاء.

==========

[1] زيد في (ب): (عليهم).

[2] زيد في (ب): (والحديث)، وهو تكرارٌ.

[3] في (ب): (بكل)، وهو تحريفٌ.

(1/5393)

[حديث: أن أبا سفيان أخبره: أن هرقل قال له: سألتك كيف .. ]

2804# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَير، وأنَّ (بُكَيرًا) بضَمِّ الموحَّدة وفتح الكاف، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، الإمام [1] المجتهد الجَوَاد، وأنَّ (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم، وأنَّ (عُبَيْد اللهِ بْن عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود الهُذليُّ، وتَقَدَّم الكلام على (أَبِي سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ [2])، وأنَّه ابن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وبعض ترجمته، ومتى أسلم، ومتى تُوُفِّيَ، وعلى (هِرَقْلَ) بلغتيه، وماذا جرى له، وأنَّه هلك على كفره في بلاده سنة عشرين.

قوله: (وَدُوَلٌ): هو بضَمِّ الدَّال المهملة وكسرها، وفتح الواو، والدَّوْلة في الحرب: أن تُدالَ إحدى الفئتين على الأخرى، والجمع: الدُّول بهما، ولم يحكِ الجوهريُّ غير الكسر، والدُّولة في المال: بالضَّمِّ، يقال: صار الفيءُ دُولةً بينهم يكون مرَّةً لهذا، ومرَّةً لهذا، والجمع: دُولات ودُوَلٌ، وقال أبو عبيد: الدُّولة؛ بالضَّمِّ: اسم الشَّيء الذي يُتَداوَلُ بعينه، والدَّولة؛ بالفتح: الفعل، وقال بعضهم: الدُّولة والدَّولة لغتان بمعنًى، وقال عيسى بن عمر: الدُّولة والدَّولة كلتاهما يكون في المال والحربِ سواء، ونقل شيخنا عن القزَّاز قال: تقول: (الأيَّام دَول ودُول ودِول؛ ثلاث لغات)، انتهى.

قوله: (تُبْتَلَى): هو بضَمِّ أوَّله وفتح اللَّام، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/5394)

[باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}]

قوله: ({فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23])؛ أي: عهده، وبه فسَّره البخاريُّ، ويقال: قَدَره، وقال ابن عبَّاس: (أي: مات على ما عاهد عليه)، وسيأتي أنَّها نزلت في أنس بن النضر، وسأذكر في (تفسير الأحزاب) من عُدَّ فيمن قضى نحبَه إن شاء الله تعالى وقدَّره.

==========

[ج 1 ص 707]

(1/5395)

[حديث: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء]

2805# 2806# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى): هذا هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميُّ _بالسِّين المهملة_ عن الحذَّاء، والجُريريِّ، وعنه: إسحاق وبُنْدار، ثقة لكنَّه قدريٌّ، تُوُفِّيَ سنة (189 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (ح [1] وَحَدَّثَنَا [2] عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ): تَقَدَّم الكلام على هذه (الحاء) في أوَّل هذا [3] التَّعليق كيف النطق بها، وغير ذلك.

قوله: (حَدَّثَنَا زِيَادٌ): هذا هو زياد بن عبد الله بن الطُفيل البكَّائيُّ العامريُّ، وهو منسوب إلى البكَّاء، واسمه ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وإنَّما لُقِّب بالبكَّاء؛ لأنَّه دخل على أمِّه وهي تحت أبيه، فبكى وصاح وقال: إنَّه يقتل أُمِّي، فلُقِّب بذلك، يروي زياد عن عبد الملك بن عمير ومنصور، وعنه: أحمد وابن عرفة، قال ابن معين: لا بأس به في المغازي خاصَّة، وقال أبو حاتم: لا يُحتجُّ به، وقال عبد الله بن إدريس: ما أحدٌ أثبت في ابن إسحاق من البكَّائيِّ؛ لأنَّه أملاها عليه مرَّتين، وقال صالح جزرة: زياد على ضعفه أثبتُ النَّاس في كتاب «المغازي»، تُوُفِّيَ سنة (183 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ): (النَّضر): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالضَّاد المعجمة، وأنَّه لا يأتي إلَّا بالألف واللَّام، بخلاف نصر _بالمهملة_ فإنَّه لا يأتي إلا مُجرَّدًا منهما، وهو أنس بن النَّضر بن ضمضم النَّجَّاريُّ، عمُّ أنس بن مالك، استُشهِد بأُحُد، وكان من السَّادة، غاب عن بدر، فقال: (لئنِ الله أشهدني قتالَ المشركين؛ ليرينَّ الله ما أصنع)، فلمَّا كان يوم أُحُد؛ استُشهِد رضي الله عنه.

قوله: (لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ): كذا في أصلنا، وفي الهامش نسخة: (لَيَراني الله)، وسيأتي الكلام عليها في (غزوة أُحُد) إن شاء الله تعالى.

قوله: (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ): تَقَدَّم أنَّ (أُحُدًا) كانت وقعتها يوم السَّبت في شوَّال لإحدى عشرة ليلةً خلت منه عند ابن عائذ، وعند ابن سعد: لسبع ليالٍ خلون منه على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من مهاجره، وقيل: للنصف منه.

(1/5396)

قوله: (وَانْكَشَفَتْ [4] الْمُسْلِمُونَ)؛ أي: انهزموا، وهذا فيه مجاز، لم ينهزم كلُّهم، بل معظمهم، قال ابن سعد: (وثبت معه عليه الصَّلاة والسَّلام عصابةٌ [5] من أصحابه أربعة عشر رجلًا؛ سبعة من المهاجرين، وسبعة من الأنصار حتَّى تحاجزوا)، وروى البخاريُّ: (لم يبق مع النَّبيِّ صلَّى الله

[ج 1 ص 707]

عليه وسلَّم إلَّا اثني عشر رجلًا)، وفي «مسلم»: (أُفرِد يومئذٍ في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش؛ طلحة وسعد بن أبي وقَّاص)، وفي «البخاريِّ» أيضًا: (لم يبق معه عليه الصَّلاة والسَّلام في بعض تلك الأيَّام التي تقاتل فيهنَّ غير طلحة وسعْد)، والظاهر أنَّ هذا كان تاراتٍ، وسأذكر في (باب ما يُكرَه من التَّنازع) عن ابن شيخِنا البلقينيِّ تعيينَ مَن ثبتَ معه يومئذٍ، والله أعلم، وهم كما عزاه لـ «طبقات ابن سعد»: (أنَّ منهم: مُحَمَّدَ بن مسلمة، وعاصمَ بن ثابت بن أبي الأقلح [6]، وسهلَ بن حنيف، وأبا دجانة سماك بن خرشة، والحُباب بن المنذر، وأُسَيد بن حضير)؛ ذكر ذلك مُفرَّقًا في تراجمهم، وفي «مغازي الواقديِّ»: (وثبت معه عليه الصَّلاة والسَّلام أربعةَ عشرَ؛ سبعةٌ من المهاجرين: أبو بكر الصِّدِّيق، وعليٌّ، وعبد الرَّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة ابن الجرَّاح، والزُّبير، ومن الأنصار سبعةٌ: الحُباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحارث بن الصِّمَّة، وسهل بن حنيف، وأُسَيد بن حُضَير، وسعد بن معاذ، ويقال: ثبت معه سعد بن عُبادة ومُحَمَّد بن مسلمة، يجعلونهما مكان أُسَيد بن حضير وسعد بن معاذ) انتهى، وقد ذكرتُ أيضًا مَن ثبتَ معه في (آل عمران) مِن نَقْلِ بعض الحُفَّاظ المصريِّين عن البلاذريِّ [7] والواقديِّ، ونَقَلَ في ذلك شيئًا عن غيرهما.

(1/5397)

قوله: (فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ): هذا هو سعد بن معاذ بن النُّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأوسيُّ الأشهليُّ، أبو عمرو سيِّد الأوس، بدريٌّ، اهتزَّ لموته عرش الرَّحمن، وستأتي مناقبه في (المناقب)، وهو في الأنصار كالصِّدِّيق أبي بكر في المهاجرين، روى عامر بن سعد عن أبيه: (أنَّ سعد بن معاذ كان موته بعد الخندق بشهر)، وقد قَدَّمتُ متى كانت الخندق، وسأذكرها فيما يأتي، أخرج له البخاريُّ رضي الله عنه، وأمُّه كبشةُ بنت رافع، لها صحبةٌ، أسلم بين العقبتين، وشهد بدرًا والمشاهد، ورُمِي يوم الخندق بسهم، فعاش شهرًا، ثمَّ انتفض جُرحه، ومات، رماه حِبَّان ابن العرقة العامريُّ، وقد قَدَّمتُ أنَّ ابن العرقة هلك على كفره، وأنَّه بكسر الحاء وبالموحَّدة.

قوله: (يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ): تَقَدَّم أنَّه يجوز في مثل (سعدَ) الفتح، وكذا في (ابنَ)، وأنَّه يجوز الضَّمُّ في (سعدُ)، والفتح في (ابنَ)، وأنَّه يجوز الضَّمُّ فيهما، ولم أرَه إلَّا في «التَّسهيل» لابن مالك، وقد ذكرته مُطَوَّلًا في أوائل هذا التَّعليق، وذكرتُ شرطه.

قوله: (الْجَنَّة وَرَبِّ النَّضْرِ): تَقَدَّم أنَّ (النَّضر): بالضَّاد المعجمة، و (الجنَّة): مرفوعة، ويجوز نصبُها، وبهما ضُبِطتْ في أصلنا.

قوله: ([قَالَ سَعْدٌ]: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ): (سعدٌ): هو ابن معاذ، وهذا ظاهرٌ، ومعنى كلامه: ما استطعت أن أصفَ ما صنع مِن كثرة ما أعتى وأبلى في المشركين، والله أعلم.

قوله: (فَوَجَدْنَا بِهِ بضْعًا): (البضع): بكسر الباء وفتحها، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في أوَّل هذا التَّعليق، وهو ما بين ثلاث إلى عشر، وقيل: ما بين اثنين إلى عشرة، أو ما بين اثني عشر إلى عشرين، ولا يقال في: أحد عشر ولا في اثني عشر، وقال الخليل: البضع: سبع، وهو وَهَم منه، وقال أبو عبيدة: هو ما بين نصف؛ يريد: من واحد إلى أربع، وقال ابن قتيبة: هو من ثلاث إلى تسع، وهو الأشهر، وقد ذكرتُ فيما تَقَدَّم مكانًا من «صحاح الجوهريِّ» أخذ فيه عليه.

(1/5398)

قوله: (بِضْعًا وَثَمَانِينَ): كذا هنا، وعن ابن إسحاق، عن حُمَيد الطويل، عن أنس: (سبعين ضربة)، وهذا لا ينافي ما في «الصَّحيح»؛ لأنَّ هذه داخلةٌ في لفظ «الصحيح»، وليس في رواية القليل ما ينافي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، ويحتمل أن يكون السبعين من نوع، والبضع والثمانون جميع ما فيه مِن الضربات، والله أعلم.

قوله: (وَقَدْ مَثَّلَ [8] بِهِ المُشْرِكُونَ): قال أهل اللُّغة: مَثَل بالعبد والحيوان يمثُل [9] مَثْلًا؛ بالتخفيف في الجميع؛ كـ (قتَل يقتُل قَتْلًا) في الجميع؛ إذا قطع أطرافه، أو أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، ونحو ذلك، والاسم: المثلة، وأمَّا (مَثَّل) بالتشديد؛ فهو للمبالغة، وبالتشديد [10] هو مضبوط في أصلنا.

قوله: (إِلَّا أُخْتهُ): هي بالنَّصب والرَّفع، وهي تُسمَّى: الرُّبَيِّع؛ بضَمِّ الرَّاء، وفتح الموحَّدة، ثمَّ مثنَّاة تحت مُشدَّدة مكسورة، ثمَّ عين مهملة، صحابيَّة مشهورة [11]، وهي التي كسرت ثنيَّة جارية، فطلبوا القصاص، وهي التي أُصِيب ابنها حارثة يوم بدر رضي الله عنها.

قوله: (بِبَنَانِهِ): (البَنَان)؛ بفتح الموحَّدة، ثمَّ نون مخفَّفة، وبعد الألف نونٌ أخرى، ثمَّ هاء الضمير: وهي الأصابعُ، وقيل: أطرافُها، واحدها: بَنانة.

قوله: (كُنَّا نرَى أَوْ نَظُنُّ): (نُرَى): بضَمِّ النون وفتحها، ومعناهما واحد، وإنَّما شكَّ [12] الراوي: هل قال الصَّحابيُّ: (نُرى) أو (نظنُّ)؟

قوله: (إِنَّ أُخْتَهُ، وَهْيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ): تَقَدَّم أعلاه [13] ضبطها؛ فانظره.

قوله: (كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ): المرأة المكسورة ثنيَّتها لا أعرف اسمها.

قوله: (فَقَالَ أَنَسٌ): هو ابن النضر، تَقَدَّم في الصفحة قبل هذه؛ فانظره.

==========

[1] (ح): ليس في «اليونينيَّة».

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (حدَّثنا)؛ بلا واوٍ، وفي هامش «اليونينيَّة» و (ق) من رواية أبي ذرٍّ: (وحدَّثني).

[3] في (أ): (هذه)، والمثبت هو الصَّواب.

[4] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (وانكشف).

[5] (عصابة): سقط من (ب).

[6] في (ب): (الأفلح)، وكذا في الموضع اللَّاحق، وهو تصحيف.

[7] في (ب): (المصريِّين وغير أني لا أدري)، وهو تحريفٌ.

[8] في هامش (ق): («مَثلَ»؛ بالتخفيف ليس المعروف في اللغة).

[9] (يمثل): سقط من (ب).

[10] (فهو للمبالغة وبالتشديد): سقط من (ب).

(1/5399)

[11] (مشهورة): سقط من (ب).

[12] في (ب): (الشك من).

[13] (أعلاه): سقط من (ب).

(1/5400)

[حديث: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب]

2807# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ) أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي) أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّم الكلام على (ح) [1]، وكذا تَقَدَّم (إِسْمَاعِيلُ) أنَّه ابن أبي أويس عبد الله، وأنَّه ابن أخت الإمام مالك بن أنس، وكذا تَقَدَّم الكلام على (أَخِيهِ) أنَّه عبد الحميد بن أبي أويس، وأنَّه ابن أخت مالك أيضًا، وتَقَدَّم الكلام على (سُلَيْمَانَ) أنَّه ابن بلال، أبو مُحَمَّد، مولى أبي بكر.

قوله: (أُرَاهُ)؛ أي: أظنُّه، وهو بضَمِّ الهمزة، والاعتبار هو بالسَّند الأوَّل؛ لأنَّ هذا بالظَّنِّ والحسبان، ولا يثبتُ به شيء، وإنَّما هو مِن باب المتابعة [2]، ولا حجَّة فيه.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ): هو مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق التيميُّ المدنيُّ، عن أبي يونس مولى عائشة، ونافع، والزُّهريِّ، وعنه: عبد العزيز بن الماجشون، ومُحَمَّد بن إسحاق، وسُليمان بن بلال، وجماعة، ذكره ابن حِبَّان في «ثقاته»، روى له البخاريُّ مقرونًا بغيره، وهذا المكان هو نوع من القرن، قرنه بشعيب، والله أعلم.

[ج 1 ص 708]

(1/5401)

قوله: (ففَقَدْتُ [3] آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ ... ): إلى قوله: (فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ [4] الأَنْصَارِيِّ): هذا كان في الجمع الأوَّل زمن الصِّدِّيق [5]، ولم يرد أنَّ حفظها ذهب على جميع الناس، فلم يكن عندهم؛ لأنَّ زيد بن ثابت حفظها، فهما اثنان، والقرآن لا يثبت إلَّا بالتواتر، لا باثنين، ويدلُّ على أنَّ معنى قوله: (وجدها عنده)؛ يريد: مكتوبة، قال شيخنا: (وقد رُوِي أنَّ عمر قال: أشهد لسمعتها مِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، ورُوِي أنَّ أُبيَّ بن كعب قال مثل ذلك، وعن هلال بن أميَّة مثلُه، فهؤلاء جماعةٌ، وإنَّمَا أمر أبو بكر عند جمع المصحف عمر بن الخطَّاب وزيدًا بأن يطلبا ما يُنكرانِه شهادةَ رجلين يشهدان سماعَ [6] ذلك من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ليكون أثبتَ وأشدَّ في الاستظهار، وممَّا لا يتسرَّع أحد إلى دفعِه وإنكاره؛ قاله القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب، وقد ذكر في ذلك وجوهًا؛ هذا أحسنها [7]، انتهى، وقوله: (إلَّا مع خزيمة الأنصاريِّ ... ) إلى آخره: هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطميُّ الأنصاريُّ، من بني خطمة من الأوس، يُعرَف بذي الشهادتين، جعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شهادته كشهادة رجلين، وقصَّته [8] هذه في بيع الفرس: (اشترى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرسًا من سواء بن الحارث، فدُفِع لسواء فيه أزيد ممَّا اشترى به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنكر العقد، فشهد خزيمة بجريان العقد، ولم يحضر العقد، وإنَّما شهد بتصديق النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو فقه حسن ظاهر جليٌّ، فأجاز عليه الصَّلاة والسَّلام شهادةً بشهادة رجلين، والفرس يقال له [9]: الطِّرف، وكان أبيض، وهو بكسر الطاء المهملة، وقيل: هو المرتجز، سُمِّي بذلك؛ لحسن صهيله، يكنى خزيمة أبا عُمارة، شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، وكانت راية بني خطمة يوم الفتح بيده، وكان مع عليٍّ رضي الله عنه بصفِّين، فلمَّا قُتِل عمَّارٌ؛ جرَّد سيفه، فقاتل حتَّى قُتِل، وصفِّين سنة سبع وثلاثين، والله أعلم.

(1/5402)

[باب: عمل صالح قبل القتال]

قوله: (بَابٌ: عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ): يجوز فيه رفع (بابٌ) منوَّنًا، و (عملٌ) بعده: مَرْفوعٌ منوَّن أيضًا، ويجوز (بابُ) مَرْفوعٌ من غير تنوين، و (عملٍ): مجرور منوَّن، قال ابن المُنَيِّر بعد أن سرد ما في الباب على عادته: (المطابقة بين التَّرجمة وبين ما بعدها بيِّنٌ ظاهر إلَّا قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، لكن وجهه على الجملة: أنَّ الله عاتب مَن قال: إنَّه [1] يفعل الخير ولم يفعله، ثمَّ اعتقب ذلك بقوله: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [2] [الصف: 4] فأثنى الله على من وَفَى وثبت، ثمَّ قاتل، والله أعلم، وفي الآية بالمفهوم: الثَّناء على مَن قال وفعل بقوله المُتقدِّم، وتأهُّبه للجهاد عملٌ صالحٌ قدَّمه على الجهاد) انتهى.

قوله: (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ): تَقَدَّم أنَّ اسمه عويمر، وقيل: عامر بن زيد بن قيس صحابيٌّ، اختُلِف في شهوده أُحُدًا، وكان إسلامه تأخَّر عن أوَّل الهجرة كما تَقَدَّم، قبْرُه وقبر زوجته [3] أمِّ الدَّرداء الصُّغرى التَّابعيَّة _وقد تَقَدَّم الكلام على زوجتيه؛ الكبرى خيرة الصَّحابيَّة، وعلى هجيمة، وقيل: جهيمة بنت حييٍّ الأوصابيَّة التَّابعيَّة_ بباب الصغير مشهوران، تُوُفِّيَ سنة إحدى _وقيل: سنة اثنتين [4]_ وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه.

قوله: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى [5]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... } [الصف: 2])؛ الآية: إن نوَّنت (بابًا)؛ فارفع (قوله)، وإن لم تنوِّنه؛ فجُرَّ (قوله)، وهذا ظاهرٌ.

(1/5403)

[حديث: عمل قليلًا وأجر كثيرًا]

2808# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ): هذا هو صاعقة الحافظ، مشهور، وكذا (شَبابةُ): هو بالشين المعجمة المفتوحة، ثمَّ موحَّدة مخفَّفة، وبعد الألف موحَّدة ثانية، ثمَّ تاء التَّأنيث [1]، و (سَوَّار): بفتح السين المهملة، وتشديد الواو، وفي آخره راءٌ، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و (إِسْرَائِيلُ) هذا: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيُّ، روى عن جدِّه أبي إسحاق عمرو بن عبد الله أحد الأعلام، تقدَّما.

قوله: (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ): لا أعرفه، غير أنَّ في «مسلم»: (جاء رجل من بني النَّبِيتِ، قَبِيلِ من الأنصار).

==========

[1] في النُّسختين: (الثانية)، ولعلَّه سبق نظر.

[ج 1 ص 709]

(1/5404)

[باب من أتاه سهم غرب فقتله]

قوله: (بَابُ مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ): (سهم غرَب): في التَّرجمة والحديث على النَّعت، وهو بفتح الراء وسكونها، وقيل: بالفتح؛ إذا رمى شيئًا، فأصاب غيره، وبسكونها؛ إذا أتى السَّهمُ من حيث لا يُدرَى، وقال الكسائيُّ والأصمعيُّ: (إنَّما هو سهمُ غرَبٍ _بفتح الرّضاء، مضاف_ الذي لا يُدرَى راميه، فإذا عُرِف؛ فليس بغرَب)، وقال أبو عُبيد: والمُحدِّثون يُسكِّنون الرَّاء، والفتح أجود، قال ابن سراج: وبالإضافة مع فتح الرَّاء، ولا يُضاف مع سكونها.

==========

[ج 1 ص 709]

(1/5405)

[حديث: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة]

2809# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ): الظاهر أنَّه الذُّهليُّ، وهو مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذُّهليُّ؛ نسبه إلى جدِّه، والله أعلم، ومستندي في ذلك: أنِّي راجعت ترجمة حسين بن مُحَمَّد أبي أحمد من «الكمال»، فرأيته قد ذكر [1] فيها: أنَّه روى عنه مُحَمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، فغلب على ظنِّي أنَّه مُحَمَّد ابن عبد الله هذا، نسبَه إلى جدِّه، والبخاريُّ لا يُفصِح به؛ لما جرى بينهما، ولم يتركِ الرِّواية عنه، وقد تَقَدَّم بعض ترجمة الذُّهليِّ، وقال ابن طاهر في ترجمة الحسين المذكور: (وروى عنه مُحَمَّد ابن عبد الله، وهو ابن يحيى بن عبد الله الذُّهليُّ عند [2] البخاريِّ) انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ): هذا هو حسين بن [3] مُحَمَّد بن بهرام، أبو أحمد، المرُّوْذيُّ المُؤدِّب، نزيل بغداد، عن ابن أبي ذئب، وإسرائيل، وشيبان، وجرير بن حازم، وطبقتهم، وعنه: أحمد، وابن معين، وأبو خيثمة، وعبَّاس الدُّوريُّ، وخلق، وثَّقه ابن سعد وغيره، وقد حدَّث عنه من القدماء ابن مهديٍّ، قال مُطيَّن [4]: تُوُفِّيَ سنة (أربعَ عشرةَ _وقال حنبل: سنة) [5] ثلاثَ عشرةَ_ ومئتين، أخرج له الجماعة، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: (حسين بن مُحَمَّد بن بهرام عن ابن أبي ذئب مجهولٌ، كذا قال أبو حاتم، واعتقده آخر غير أبي أحمد المرُّوذيِّ الحافظ، وهو هو، لا مَغمَزَ فيه ... ) إلى آخر كلامه.

قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): هذا هو شيبان بن عبد الرَّحمن النَّحويُّ، منسوب إلى القبيلة، تَقَدَّم مرارًا، ومرَّةً مُتَرجَمًا، هذا قول ابن الأثير، وقال ابن أبي داود وغيره: (إنَّ الذي نُسِب إلى القبيلة يزيد بن أبي سعيد، لا شيبان هذا) انتهى.

(1/5406)

قوله: (أَنَّ أُمَّ الرَّبِيْعِ [6] بِنْتَ البَرَاءِ، وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ): في أصلنا: (أمَّ الرُّبَيِّع): بضَمِّ الرَّاء بالقلم، وقد قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (إنَّها بفتح الرَّاء وكسر الموحَّدة) انتهى، وقوله فيه: (بنت البراء) فيه نظر؛ إنَّما هي بنت النَّضر، لا أعلم فيها خلافًا، وقال الدِّمياطيُّ: أمُّ حارثة بن سراقة هي الرُّبيِّع بنت النًّضر أخت أنس بن النَّضر، وهي عمَّة أنس بن مالك، وهي التي كسرت ثنيَّة امرأة، فأمر عليه الصَّلاة والسَّلام بالقصاص، فعفا القوم، وقد رواه على الصَّواب سعيدٌ عن قتادة، ورواه التِّرمذيُّ

[ج 1 ص 709]

في (التَّفسير) عن عبد بن حميد، عن روح بن عُبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: (أنَّ الرُّبيِّع بنت النَّضر أتت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكان ابنها حارثة أُصِيب يوم بدر ... )؛ الحديث، انتهى، قال شيخنا بنحوِ ما أذكر، وكذا بيَّن ذلك غير التِّرمذيِّ، فبيَّنه الإسماعيليُّ في «مستخرجه»، وأبو نعيم، وغيرُهما، انتهى، و (الرُّبَيِّع): بضَمِّ الرَّاء، وفتح الموحَّدة، وتشديد المثنَّاة تحت؛ صحابيَّة مشهورة.

قوله: (وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ): (حارثة): بالحاء المهملة، وبعد الألف ثاء مثلَّثة، وهو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عديِّ بن مالك بن عديِّ بن عامر بن غنم بن عديِّ بن النَّجَّار، قتله حِبَّان ابن العرقة_وقد قَدَّمتُ أنَّ حِبَّان هذا: بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة، وأنَّه هلك على كفره_ ضربه بسهم وهو يشرب مِن الحوض، وهو أوَّل قتيل من الأنصار ببدر، وهو الذي قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنًا بالله حقًّا، وقال بعض حُفَّاظ المصريِّين من المتأخِّرين: حديث أنس: (أنَّ أمَّ الرُّبيِّع بنت البراء، وهي أمُّ حارثة بن سراقة)؛ قلت: كذا وقع، وعند الإسماعيليِّ والتِّرمذيِّ: (أنَّ الرُّبيِّع بنت النَّضر، وهي زوج سراقة والد حارثة)، وهذا هو الصَّواب، انتهى.

تنبيهٌ: قال ابن منده: (إنَّه شهد بدرًا، واستُشهِد بأُحُد؛ قولٌ غير جيِّد).

(1/5407)

تنبيهٌ ثانٍ: عند أبي نعيم: (أنَّه كان كثيرَ البِرِّ بأمِّه، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «دخلت الجنَّة فرأيت حارثة، كذلك البِرُّ»، وهو غير جيِّد؛ لأنَّ المقول فيه ذلك هو حارثة بن النُّعمان، كذا ذكر هذا الحديث في ترجمته ابنُ عبد البَرِّ من عند عبد الرَّزَّاق، وقد أخرجه أحمد أيضًا في «مسنده»، والله أعلم.

قوله: (أَتَاهُ [7] سَهْمٌ غَرْبٌ): تَقَدَّم الكلام على ضبطه قريبًا، وما هو.

قوله: (أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ): تَقَدَّم قريبًا أنَّ (الفردوس) بالسِّريانيَّة: البستان، وقيل: الكرم، وهو ههنا [8]: ربوة الجنَّة هي أوسط الجنَّة، وأعلاها، وأفضلها، وقد تَقَدَّم أنَّه بلغة الرُّوم، وقيل: بالسِّريانيَّة، وقيل: بالنبطيَّة، فنُقِل إلى لسان العرب، وأنَّ جمعه: فراديسُ.

==========

[1] في (ب): (فرأيته فذكر).

[2] (عند): سقط من (ب).

[3] (بن): سقط من (ب).

[4] (مطين): سقط من (ب).

[5] ما بين قوسين سقط من (ب).

[6] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الرُّبَيِّع)، وفي هامشها: (الرُّبيِّع بنت النَّضر).

[7] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أصابه).

[8] في (ب): (هنا).

(1/5408)

[باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا]

(1/5409)

[حديث أبي موسى: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل .. ]

2810# قوله: (عَنْ عَمْرٍو): هذا هو عمرو بن مُرَّةَ الجمليُّ، وجَمَل من مراد، أحد الأعلام، عن ابن أبي أوفى، وابن أبي ليلى، وابن المسيّب، وعدَّة، وعنه: مسعر، وشعبة، وسفيان، وخلق، وكان من الأئمَّة العاملين، قال أبو حاتم: ثقة يرى الإرجاء، مات سنة (116 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو مُوسَى): أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، أمَّره عليه الصَّلاة والسَّلام على زَبيد وعدن، وأمير عمر رضي الله عنه على الكوفة والبصرة، تَقَدَّم رضي الله عنه.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، فليُبحَث عنه، غير أنَّ في بعض طرقه في «مسلم» عن أبي موسى قال: (أتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلنا: يا رسول الله؛ الرجل [1] يقاتل منَّا شجاعة ... )، وورد في «الصَّحيح»: أنَّه من الأعراب، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ: (هذا الرَّجل يحتمل أن يفسَّر بلاحق بن ضُميرة) كما ذكره في «أسد الغابة»، فذكره، ثمَّ قال: (إنَّه معاذ بن جبل)، وذكر مستنده من «جزء أبي بكر بن أبي الحديد»، انتهى، وكذا قال حافظ مصريٌّ معاصر.

قوله: (لِيُرَى مَكَانُهُ): (يُرَى): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (مكانُه): بالرَّفع نائبٌ مناب الفاعل، ويجوز (لِيُرِيَ): بضَمِّ أوَّله، وكسر الرَّاء، وفتح الياء، مبنيٌّ للفاعل، و (مكانَه): بالنَّصب مفعول، والفاعل هو ضمير يعود على الرَّجل، والله أعلم.

==========

[1] (الرجل): سقط من (ب).

[ج 1 ص 710]

(1/5410)

[باب من اغبرت قدماه في سبيل الله]

قوله: (بَابُ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ ... } [التوبة: 120]) إلى آخر الآية: المطابقة بين الآية والترجمة بأخذ الآية عند قوله: {وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ}، فأثابهم الله بخطواتهم وإن لم يلقَوا قتالًا، نبَّه عليه ابن المُنَيِّر.

==========

[ج 1 ص 710]

(1/5411)

[حديث: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار]

2811# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ): قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: (نسب الأصيليُّ في نسخته إسحاقَ هذا، فقال: «حدَّثنا إسحاق بن منصور»، وكذلك قال أبو نصر فيه)، وقال شيخنا بعد ما ذكرتُه عن الجيَّانيِّ: (ويحتمل أن يكون إسحاقَ بنَ زيد الخطَّابيَّ ساكنَ حرَّان)، ومن طريقه أخرجه الإسماعيليُّ كما ذكره البخاريُّ، انتهى، ولم يزد في ترجمة إسحاق على ذلك شيئًا، وقد ذكر إسحاقَ بن زيد هذا ابنُ حبَّان في «ثقاته»، فقال: (إسحاق بن زيد الخطَّابيُّ، وهو إسحاق بن زيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب، سكن حرَّان، يروي عن أبي نعيم، حدَّثنا عنه ابنه عبد الكبير بن إسحاق بن زيد)، انتهى، لكن هذا لم يُخرِّج له البخاريُّ شيئًا، ولا له في الكتب السِّتَّة، ولا في مُصنَّفاتهم التي ذكرها المِزِّيُّ في «تهذيبه» شيءٌ، ففيما قاله شيخنا بُعْدٌ، ولم ينسب إسحاقَ هذا المِزِّيُّ في «أطرافه»، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): هو بالمثنَّاة تحت، وبالزاي، وهو غير بُريد بن أبي مريم؛ بالموحَّدة المضمومة، (بريد) هذا: ليس له في «البخاريِّ» و «مسلم» شيءٌ؛ إنَّما روى [له] أصحاب «السُّنن» الأربعة.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبَايَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ): تَقَدَّم أنَّ (خَديجًا) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وهذا ظاهرٌ معروفٌ عند أهله.

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ [1]): ابْنُ جَبْرٍ، و (عَبْس): بفتح العين المهملة، وإسكان الموحَّدة، وبالسِّين المهملة أيضًا، و (جَبْر): بفتح الجيم، وإسكان الموحَّدة، وبالرَّاء، و (جَبْر): هو ابن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن النَّبيتِ بن مالك بن الأوس الأنصاريُّ البدريُّ، روى عنه ابنه زيدٌ.

و (عباية) هذا: تُوُفِّيَ سنة (34 هـ)، أخرج له البخاريُّ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، رضي الله عنه.

قوله: (فَتَمَسَّهُ [2] النَّارُ): هو بنصب (تمسَّه) [3]، وكذا هو في أصلنا، وعليه تصحيحٌ، ويجوز رفعه؛ أي: فما تمسُّه النَّار.

==========

[1] زيد في هامش (أ): (هو عبد الرَّحمن بن جبر) وجاءت في (ب): (ابن جبر)، وهي ثابتة في رواية «اليونينيَّة» وهامش (ق)، ساقطة من رواية أبي ذرٍّ.

(1/5412)

[2] في هامش (ق): (حاشية: «فَتَمَسُّهُ»؛ أي: قاعة النار).

[3] في (ب): (تمس).

[ج 1 ص 710]

(1/5413)

[باب مسح الغبار عن الناس في السبيل]

(1/5414)

[حديث: ويح عمار تقتله الفئة الباغية]

2812# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم أنَّ هذا هو عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت الثَّقفيُّ، أبو مُحَمَّد، الحافظ، تَقَدَّم مُتَرجَمًا، وكذا تَقَدَّم (خَالِدٌ): أنَّه ابن مهران الحذَّاء مُتَرجَمًا، وغير مترجمٍ مرارًا.

قوله: (وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ): هذا هو عليُّ بن عبد الله بن عبَّاس بن عبد المطَّلب الهاشميُّ، كنيته أبو مُحَمَّد وأبو عبد الله، يروي عن أبيه، وأبي هريرة، وطائفة، وعنه: بنوه، والزُّهريُّ، ومنصور، وابن طاووس، وُلِد ليلة قُتِل عليُّ بن أبي طالب سنة أربعين في رمضان، وكان أجمل قرشيٍّ في الدُّنيا، قال عليُّ بن أبي حملة: (كان يسجد كلَّ يوم ألف سجدة، ورأيته آدم جسيمًا بين عينيه أثرُ السُّجود) مات سنة (118 هـ)، وقيل: سنة (117 هـ) بالحميمة، أخرج له مسلم، والأربعة، وثَّقه أبو زرعة والعجليُّ.

[ج 1 ص 710]

قوله: (ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ): تَقَدَّم أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ، وتَقَدَّم بعض ترجمته.

(1/5415)

قوله: (فَأَتَيْنَاهُ هُوَ [2] وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ،): قال الدِّمياطيُّ: (لم يكن لأبي سعيد الخدريِّ أخٌ بالنَّسب سوى قتادة بن النُّعمان، فإنَّه كان أخاه لأمِّه، ومات قتادة في عهدِ عمر) انتهى، وفي كلام الدِّمياطيِّ إشارةٌ إلى أنَّه ليس المراد قتادة بن النُّعمان؛ لأنَّه تُوُفِّيَ زمن عمر [3] كما قال؛ يعني: وعكرمة إنَّما أُهدِي لابن عبَّاس حين كان واليًا على البصرة لعليٍّ، وابنُه إنَّما وُلِد _كما قال ابن سعد_: ليلة قُتِل عليٌّ _كما تَقَدَّم قريبًا_ سنة أربعين في رمضان، وأين قتادة وهذان؟! ولعلَّ المراد بأخيه هنا شخصٌ من الأنصار من فخذه أو من بني عمِّه، والله أعلم، وقد تُوُفِّيَ قتادة سنة ثلاث وعشرين، وصلَّى عليه عمر؛ فاعلمه، وقد رأيت في حاشية على «الاستيعاب» بخطِّ ابن الأمين أبي إسحاق: (قال ابن السَّكن: هو مِن رهط أبي سعيد الخدريِّ) انتهت، وقد رأيتُ أنا شخصًا من الصَّحابة يقال له: أبو شيبة، يقال: إنَّه أخو أبي سعيد الخدريِّ، له حديث رواه يونس بن الحارث الطَّائفيُّ، وهو جَيِّد الحديث، عن أبيه، عن أبي شيبة، ومنهم من يقول فيه: عن يونس بن الحارث: حدَّثني مِشْرَسٌ عن أبيه، عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن قال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه؛ دخل الجنَّة»، مات أبو شيبة هذا بأرض الرُّوم، ولا أعلم تاريخ وفاته، والله أعلم.

قوله: (فِي حَائِطٍ): تَقَدَّم ما الحائط.

قوله: (فَاحْتَبَى) [4]: تَقَدَّم (الاحتباء [5]): أن ينصب ساقيه، ويدير عليهما ثوبَه، أو يعقد يديه على ركبتيه معتمدًا على ذلك، والاسم: الحبوة _بالضَّمِّ والكسر_ والحُبية والحِبية؛ بالضَّمِّ والكسر وبالياء.

قوله: (وَكَانَ عَمَّارٌ): هو عمَّار بن ياسر أبو اليقظان، تَقَدَّم الكلام عليه في أوائل هذا التَّعليق، وقد قُتِل في صفِّين سنة سبع وثلاثين، وذكرت مَن قتله؛ وهو أبو الغادية يسار بن سبع؛ فانظر ذلك.

قوله: (لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ): (اللَّبِنة)؛ بفتح اللَّام، وكسر الموحَّدة، وتسكن، والجمع: لَبِن؛ بفتح اللَّام وكسر الموحَّدة، ولَبْن؛ بكسر اللَّام وسكون الموحَّدة، وهو هذا الطُّوب، قال شيخنا: (لبنة عنه، ولبنة عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم).

قوله: (وَيْحَ عَمَّارٍ): تَقَدَّم الكلام على (ويح)، وأنَّه كلمة ترحُّم على مَن وقع في هلكة لا يستحقُّها، مُطَوَّلًا، وعلى (ويل) أيضًا.

(1/5416)

قوله: (يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ): قال شيخنا: (قال ابن بطَّال: يريد _والله أعلم_: أهلَ مكَّة الذين أخرجوا عمَّارًا من دياره، وعذَّبوه في ذاتِ الله، ولا يمكن أن يُتأوَّل على المسلمين؛ لأنَّهم أجابوا دعوة الله، وإنَّما يدعى إلى الله من كان خارجًا عن الإسلام، والمراد: بـ «يدعوهم» و «يدعوه»: الماضي، لا المستقبل، وهذا من عادة العرب).

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَخْبَرَنَا).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وهو)؛ بزيادة واو.

[3] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[4] في (ب): (فاجتنى)، وهو تصحيفٌ.

[5] في (ب): (الاجتناء)، وهو تصحيفٌ.

(1/5417)

[باب الغسل بعد الحرب والغبار]

قوله: (بَابُ الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْغُبَارِ): تَقَدَّم أنَّ (الغَسل) الفعل _بفتح الغين_ وهو المصدر، وأمَّا الماء؛ فهو بالضَّمِّ، وقد تَقَدَّم مُطَوَّلًا بما فيه، قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر حديث الباب: (إنَّما بوَّب عليه؛ لئلَّا يُتوهَّم كراهية غسلِ الغبار؛ لأنَّه من حميد الآثار، كما كره بعضُهم مسح ماء الوضوء بالمنديل، فبيَّن جوازَه بالعمل المذكور) انتهى، والتَّنشيف في الوضوء عند الشافعيَّة خلاف الأَوْلى، لا مكروهٌ على الصَّحيح.

==========

[ج 1 ص 711]

(1/5418)

[حديث: أن رسول الله لما رجع يوم الخندق]

2813# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ): وفي بعض النُّسخ _وهي نسخة في أصلنا_: (ابن سلَام) وفي غيره، وقد تَقَدَّم أنَّ (سلَامًا) بالتَّخفيف على الصحيح مُطَوَّلًا في أوائل هذا التَّعليق، قال الجيَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاري_ في «الاعتكاف»، و «الجهاد»، وفي «صفة إبليس»، وفي «الأنبياء»، و «مناقب الأنصار»، و «تفسير البقرة»، و «يوسف»، و «النِّكاح»، و «اللِّباس»، و «الأدب»، و «الأيمان والنُّذور»، و «الأحكام»، و «التمنِّي»: «حدَّثنا مُحَمَّد: حدَّثنا عبدة»، كذا أتى «مُحَمَّد» غير منسوب «عن عَبْدة»، وفي بعض هذه المواضع قد نسبه ابن السَّكن: «ابن سلَام»، وكذلك صرَّح به البخاريُّ في بعض المواضع باسمه، فقال: «حدَّثنا مُحَمَّد بن سلَام: حدَّثنا عَبْدة»، وذكر أبو نصر: «أنَّ مُحَمَّد بن سلَام يروي عن عَبْدة») انتهى، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (إنَّه مُحَمَّد بن سلَام [1])، هذا مُقتضَى كلامه [2]، وكذا قال شيخنا: (إنَّه ابن سلَام على ما قاله الجيَّانيُّ)، انتهى، و (عَبْدة) هذا: بإسكان الموحَّدة، هو ابن سليمان، وقد قَدَّمتُ مَن يقال له: عَبْدة؛ بإسكان الموحَّدة، ومن يقال له: عَبَدة؛ بتحريكها في «البخاريِّ» و «مسلم»، وهما عامر بن عبَدة وبجالة بن عبَدة، ويجوز فيهما السُّكون؛ فاعلمه.

قوله: (لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ): تَقَدَّم متى كانت الخندق، والخلاف فيها، وأنَّها كانت في شوَّال سنة (5 هـ)، قاله ابن إسحاق، وقال ابن سعد: في ذي القعدة، وقال ابن عقبة: سنة (4 هـ)، وسيجيء.

قوله: (فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ): قال شيخنا: (قال القرطبيُّ: كذا وقع في الرِّواية، والصَّواب: طرحها؛ يعني: الفاء، فإنَّه جواب «لمَّا»، ولا تدخل [3] في جوابها، وكأنَّها [4] زائدة، كما زيدت الواو في جوابها) انتهى.

قوله: (وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ [5] الغُبَارُ): (رأسَه): مَنْصوبٌ مفعول، و (الغبارُ): مَرْفوعٌ فاعل، و (عصَبَ): بتخفيف الصَّاد.

==========

[1] زيد في (ب): (يروي عن عبدة، انتهى)، وهو تكرارٌ.

[2] (كلامه): سقط من (ب).

[3] في (ب): (يدخل).

[4] في (ب): (وكأنه).

[5] في هامش (ق): (قال الجوهريُّ: تقول أيضًا: عصب رأسه بالعصابة تعصيبًا).

[ج 1 ص 711]

(1/5419)

[باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}]

(بَابُ [1] قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ... }؛ الآية [آل عمران: 169]) ... إلى (بَاب الحِرَاسَةِ فِي الغَزْوِ فِي سَبِيْلِ اللهِ)

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليه: (فَضْلِ).

[ج 1 ص 711]

(1/5420)

[حديث: دعا رسول الله على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة .. ]

2814# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت الإمام مالك [1].

قوله: (عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ): تَقَدَّم مَن وقفت عليه ممَّن قُتِل من الصَّحابة ببئر معونة، وتَقَدَّم أنَّها كانت في صفر على رأس أربعة أشهر مِن أُحُد عند ابن إسحاق، وتَقَدَّم مَن قتلهم من القبائل، وجاء ذكرُهم هنا أيضًا: (عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ)، و (عُصَيَّة)؛

[ج 1 ص 711]

بضَمِّ العين، وفتح الصَّاد المهملتين، وتشديد المثنَّاة تحت بعدها، ثمَّ تاء التأنيث: قبائل من العرب.

قوله: (أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا؛ فانظره، وهو [2] حسن.

==========

[1] في (ب): (مالك الإمام).

[2] في (ب): (فإنَّه).

(1/5421)

[حديث: اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء]

2815# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ الجهبذ، وتَقَدَّم (سُفْيَانُ): أنَّه ابن عيينة، وتَقَدَّم (عَمْرو): أنَّه ابن دينار.

قوله: (اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ ... ) إلى آخره: هذا كان قبل تحريمها، وذلك لأنَّها حُرِّمت في السَّنة الرَّابعة في ربيع الأوَّل، كما تَقَدَّم، وأُحُد كانت في شوَّال سنة ثلاث، وقد تَقَدَّم الخلاف في تاريخ أُحُد، وقال الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخ شيوخي في «سيرته الصُّغرى» في (حمراء الأسد) عقيب (أُحُد) ما لفظه: (وحُرِّمت الخمر في شوَّال، وقيل: سنة أربع)، فقولُه: في شوَّال؛ يعني به [1]: شوَّالًا المذكور فيه غزوة أُحُد، وهو شوَّال سنة ثلاث، كما تَقَدَّم، والله أعلم، وهؤلاء النَّاسُ لا أعرف أعيانهم، والله أعلم بهم.

قوله: (قِيلَ [2] لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟): تَقَدَّم أنَّ (سفيان) هذا: هو ابن عيينة، أحد الأعلام قريبًا أعلاه.

==========

[1] (به): ليس في (ب).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَقِيلَ).

[ج 1 ص 712]

(1/5422)

[باب ظل الملائكة على الشهيد]

(1/5423)

[حديث: لم تبكي؟! ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها]

2816# قوله: (جِيءَ بِأبِي): تَقَدَّم أنَّ أباه عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ، وهذا ظاهرٌ معروفٌ جدًّا.

قوله: (وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وتَقَدَّم أنَّه مخفَّف الثَّاء في اللُّغة، وهو في أصلنا: مُشدَّد بالقلم، وشُدِّد للمبالغة، وتَقَدَّم ما (المثلةُ).

قوله: (ابْنَةُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو): تَقَدَّم أعلاه وقبله أنَّ المقتول عبد الله بن عَمرو بن حرام، وهنا شكَّ الرَّاوي في الصائحة أهي أخته؛ فتكون عمَّة عبد الله والد جابر، أو بنت عَمرو؛ فتكون أخت عبد الله عمَّة جابر، والصَّحيح: أنَّها فاطمة بنت عَمرو بن حرام عمَّة جابر، كما تَقَدَّم الجزم بها في الحديث، وتَقَدَّم في اسمها خلاف في (الجنائز)؛ فانظره.

قوله: (لِمَ تَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي): تَقَدَّم الكلام عليه في (الجنائز).

قوله: (قُلْتُ لِصَدَقَةَ): هو صدقة بن الفضل شيخ البخاريِّ، فعلى هذا: يكون القائل له هو البخاريُّ.

قوله: (أَفِيهِ: حَتَّى رُفِعَ؟ قَالَ: رُبَّمَا قَالَهُ): الضَّمير في (قاله) يرجع إلى شيخ صدقة؛ وهو ابن عيينة، و (رُبَّما): للتَّقليل، وتأتي للتَّكثير.

==========

[ج 1 ص 712]

(1/5424)

[باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا]

(1/5425)

[حديث: ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا]

2817# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشِّين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، وقد تَقَدَّم مُتَرجَمًا، وتَقَدَّم ما معنى بُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدرٌ): أنَّه بضَمِّ الغين المعجمة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، ثمَّ راء، وأنَّه لقب مُحَمَّد بن جعفر، وقد تَقَدَّم مَن قاله له.

قوله: (إِلَّا الشَّهِيدَ): هو مَنْصوبٌ على الاستنثاء، ويجوز فيه الرَّفع، وهذا ظاهرٌ.

==========

[ج 1 ص 712]

(1/5426)

[باب: الجنة تحت بارقة السيوف]

قوله: (بَابٌ: الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (لم يترجم على الحديث بلفظِه)؛ يعني: أنَّ التَّرجمة: «تحت بارقة السُّيوف»، والحديث: «تحت ظلال السُّيوف»، قال: (فإمَّا أن يكون لفظ التَّرجمة في حديث آخر لا يوافق شرطه، فنبَّه عليه في التَّرجمة، أو نبَّه على معنى «تحت ظلال السُّيوف»، وأنَّ السُّيوف لمَّا كانت لها بارقةٌ وشعاعٌ؛ كان لها أيضًا ظلالٌ بحسبها) انتهى، وقال ابن الجوزيِّ: (والمراد أنَّ دخوله الجنَّة يكون بالجهاد، و «الظِّلال» جمع: ظلٍّ، فإذا دنا الشخص من الشخص؛ صار تحت ظلِّ سيفه، وقال في موضع آخر: وإذا تدانى الخصمان؛ صار كلُّ واحد منهما تحت ظلِّ سيف الآخر، فالجنَّة تُنال [1] بهذا)، انتهى، ويقال: إنَّ ثواب الله والسَّبب الموصل إلى الجنَّة عند الضرب بالسُّيوف في سبيل الله، ومشي المجاهدين في سبيله أيضًا؛ فاحضروا فيه بصدق واثبتوا.

قوله: (تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ): (بارقتها): لَمعانُها، يقال: برق بسيفه، وأبرق؛ إذا لمع به.

قوله: (وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ): تَقَدَّم الكلام عليه، وهو صحابيٌّ مشهور، تَقَدَّم أنَّه حصَّن ثلاث مئة امرأة، وقيل: ألفًا، فلا نُطوِّل به.

(1/5427)

[حديث: واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف]

2818# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو): الظاهر أنَّ (عبد الله بن مُحَمَّد) هذا: هو المُسنديُّ، وذلك لأنِّي رأيتُ الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمة معاوية بن عَمرو [1]: أنَّه روى عنه عبد الله بن مُحَمَّد المُسنديُّ، والله أعلم، ولم يذكر فيها أحدًا اسمُه عبدُ الله بن مُحَمَّد غيره.

قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو): هذا هو معاوية بن عَمرو بن المُهلَّب بن عَمرو بن شبيب الأزديُّ المعنيُّ _بالعين المهملة، ووَهم ابن نقطة في أخيه كرمانيِّ بن عمرٍو، فقال: (المغَنِّي) _ الكوفيُّ، ثمَّ البغداديُّ، أخو الكرمانيِّ بن عمرٍو، روى عن المسعوديِّ، وزائدة، وإسرائيل، وفُضَيل بن مرزوق، وأبي إسحاق الفزاريِّ، وطائفة، وعنه: البخاريُّ، والجماعة كلُّهم عن رجل عنه، وعَمرٌو النَّاقد، ومُحَمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، وعبد بن حُمَيد، وخلقٌ كثيرٌ، قال أحمد: ثقة صدوق، وقال أبو حاتم: ثقة، قال ابن سعد: مات سنة (224 هـ) غرَّة جمادى الأولى، وقيل: كان مولده سنة (228 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث بن خارجة بن حصن بن حذيفة، أبو إسحاق، الفَزاريُّ الكوفيُّ، أحد الأعلام، ولجدِّه خارجةَ صحبةٌ، تَقَدَّم، وقد تَقَدَّم [2] (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى)، وأنَّه صحابيٌّ ابن صحابيٍّ مُطَوَّلًا؛ فأغنى عن إعادته هنا.

قوله: (إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (إِنَّ)؛ بكسر الهمزة على الحكاية، وفي أصلنا: الكسر والفتح.

(1/5428)

قوله: (تَابَعَهُ الأُوَيْسِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ): أمَّا الضمير في (تابعه) يحتمل أن يعود على عبد الله بن مُحَمَّد المُسنديِّ، ويحتمل عوده إلى أبي إسحاق، ويحتمل عوده على معاوية بن عمرو، هذا هو الذي قاله شيخنا: أنَّه تابع معاوية بن عمرٍو الذي رواه عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة، و (الأويسيُّ): هو عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح القرشيُّ العامريُّ، أبو القاسم، الأويسيُّ المدنيُّ الفقيه، عن مالك، وسليمان بن [3] بلال، ونافع بن عمر الجمحيِّ، واللَّيث بن سعد، وخلقٍ، وعنه: البخاريُّ، والذُّهليُّ، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وآخرون، وثَّقه أبو داود وغيره، وقال أبو حاتم: صدوق، وهو أحبُّ إليَّ من يحيى ابن بُكَير، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، وقد تَقَدَّم، وقوله: (تابعه الأويسيُّ): الظاهر أنَّه مثل قوله: (قال الأويسيُّ)، وإذا كان كذلك؛ فيكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، والله أعلم، وقوله: (عن ابن أبي الزِّناد): تَقَدَّم أنَّه بالنُّون، واسمه عبد الرَّحمن بن عبد الله بن ذكوانَ، تَقَدَّم والده مرارًا، وكنيتُه أبو مُحَمَّد، مدنيٌّ، روى عن أبيه، وزيد بن عليٍّ، وسُهَيل بن أبي صالح، وشرحبيل بن سعد، وصالحٍ مولى التَّوءمة، وطائفة، وعنه: أبو داود الطَّيالسيُّ، وابن وهب، وسويد بن سعيد، وخلق، قال ابن معين: أثبتُ النَّاس

[ج 1 ص 712]

في هشام بن عروة ابنُ أبي الزِّناد [4]، وقال عن ابن معين: لا يُحتجُّ به، وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف، وقال ابن المَدينيِّ: ما حدَّث بالمدينة؛ فهو صحيح، وما حدَّث ببغداد؛ أفسده البغداديُّون، مات سنة (174 هـ)، وهو ابن أربعٍ وسبعين سنةً، علَّق له البخاريُّ، وروى له مسلم في المقدِّمة، والأربعة، وله ترجمة في «الميزان»، وهذه المتابعة ليست في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وشيخنا لم يُخرِّجها.

(1/5429)

[باب من طلب الولد للجهاد]

(1/5430)

[حديث: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة]

2819# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ ... ) إلى آخره: هذا التَّعليق أخرجه البخاريُّ في ستَّةِ أماكنَ من «صحيحه»، لكن ليس مِن هذه الطَّريق، وقد أخرج طريقَ اللَّيث أبو نُعيم من طريق يحيى ابن بُكَير عنه، قاله شيخنا.

قوله: (مِئَةَ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ): هذا جاء بألفاظ، فجاء على: (ستِّين امرأة)، وفي لفظ: (سبعين)، وفي آخر: (تسعين)، وفي أخرى: (تسع وتسعين) من غير شكٍّ، وفي لفظ: (مئة) من غير شكٍّ، والكلُّ داخل في رواية (مئة)، وليس في رواية القليل ما ينفي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، قال القاضي عياض في «الشِّفا»: (عن ابن عبَّاس: كان في ظهر سليمان ماءُ مئة رجل، وكان له ثلاثُ مئة زوجة، وثلاثُ مئة سريَّة، قال: وحكى النَّقَّاش: أنَّه كان له سبعُ مئة امرأة، وثلاثُ مئة سرية)، انتهى، وفي «المستدرك» في ترجمة عيسى ابن مريم: (أنَّ سليمان كان له تسع مئة سريَّة)، وقد تعقَّبه الحافظ الذَّهبيُّ بأنَّ في السند عبدَ المُنعِم، وهو ساقطٌ، وقد أفادني بعض العلماء أنَّ في «المسند» لأحمد: (أنَّه كان له ألفُ امرأةٍ) انتهى، وقد قال شيخنا: (عن ابن التِّين: إنَّه كان له ألفُ امرأةٍ)، قال شيخنا: (وقد [1] جاء ذلك في بعض الرِّوايات).

قوله: (فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ): قيل المراد بـ (صاحبه): الملك، قال النَّوويُّ: (وهو الظاهر من لفظه، وقيل: القرين، وقيل: صاحبٌ له آدميٌّ، وعن القرطبيِّ أنَّه قال: وقد أبعد مَن قال: خاطره)، انتهى، والصَّواب: أنَّه الملك؛ لأنَّ في هذا «الصحيح» في (النِّكاح): (فقال له صاحبه؛ يعني: الملك)، والله أعلم.

قوله: (جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ): قيل: هو الجسد الذي ذكره الله أنَّه أُلقِي على كرسيه.

قوله: (وَالْجُبْنِ): هو مجرور معطوف على (الشَّجاعة)، وهو ضدُّها، وهو بضَمِّ الجيم، وإسكان الباء الموحَّدة، وبالنُّون، ويجوز ضمُّ الموحَّدة، وهو صفة الجبان.

==========

[1] (قد): ليس في (ب).

[ج 1 ص 713]

(1/5431)

[باب الشجاعة في الحرب والجبن]

(1/5432)

[حديث: كان النبي أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس]

2820# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ [1] بْنِ وَاقِدٍ): هو بالقاف.

قوله: (سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ): هذه الفَرَس [2] استعارها عليه الصَّلاة والسَّلام من أبي طلحة، واسمه مندوب، وكان يُبطَّأُ، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «وجدناه بحرًا»؛ أي: وجدنا الفَرَس شديدَ الجري، فكان بعد ذلك لا يُسبَق، وشبَّهه عليه الصَّلاة والسَّلام بذلك؛ لأنَّ الجري منه لا ينقطع؛ كما لا ينقطعُ ماء [3] البحر.

==========

[1] في النُّسختين: (الله)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ب): (الفراس)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (كماء)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 713]

(1/5433)

[حديث: أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا .. ]

2821# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (مَقْفَلَهُ): هو بفتح الميم والفاء؛ أي: مَرجِعَهُ.

قوله: (فَعَلِقَهُ النَّاسُ): هو بكسر اللَّام؛ أي: لزموه، أو جذبوا ثوبه، و (العَلْق): الجذب في الثَّوب.

قوله: (إِلَى سَمُرَةٍ): هي بضَمِّ الميم، من شجر [1] الطَّلح، والجمع: سمُر وسَمُرات.

قوله: (فَخَطِفَتْ): هو بكسر الطَّاء على الأفصح، ويجوز فتحها.

قوله: (هَذِهِ الْعِضَاهِ): هو بالهاء، لا التَّاء درجًا ووقفًا، كلُّ شجر يعظُمُ وله شوك، واحده: عِضَاهةٌ، وعَضْهَةٌ، وعضَةٌ؛ بحذف الهاء الأصليَّة، كما حُذِفت من (الشَّفة).

قوله: (نَعَمًا): وهذه في هامش أصلنا، وفي الأصل: (نَعَم)، فالنَّصب ظاهر، وهو أولى، وذلك لأنَّ (نَعَمًا) نكرة، فهو أولى أن يكون خبرًا، ويصحُّ نصبه على التَّمييز، وأمَّا الرَّفع؛ فعلى أنَّه اسم (كَانَ)، و (عددَ) الخبر؛ لكن (عدد) في أصلنا: مَرْفوعٌ، والظَّاهر أنَّه [2] كُتِب (نَعَم)؛ بغير ألف على نيَّة الوقف، وهو لغةٌ في الوقف معروفة، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (سمر)، وهو تحريفٌ.

[2] (أنَّه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 713]

(1/5434)

[باب ما يتعوذ من الجبن]

قوله: (بَابُ مَا يُتَعَوَّذُ مِنَ الْجُبْنِ): (يُتعوَّذ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الجُبْن): تَقَدَّم ما هو بلُغتيه أعلاه [1].

(1/5435)

[حديث: اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد .. ]

2822# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه التَّبُوذَكيُّ [1]، وتَقَدَّم الكلام على هذه النسبة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وكذا تَقَدَّم (الأَوْدِيُّ): أنَّه بفتح الهمزة، وهو اسم رجل.

قوله: (كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ): (سعْدٌ) هذا: هو سعد بن أبي وقَّاص مالك بن أهيب، أحد العشرة، وبنوه وبناته ذكرتُهم في (البيوع) عن خطِّ الحافظ الدِّمياطيِّ، وذكرت من «التلقيح» لابن الجوزيِّ: أنَّهم ستَّةٌ وثلاثون ولدًا.

قوله: (دُبُرَ الصَّلَاةِ): تَقَدَّم الكلام على (الدُّبُر) في (الصَّلاة)، وأنَّ الخطَّابيَّ قال: الدَّبْر؛ بفتح الدال، وسكون الباء، وبضمِّهما: آخر وقت الشَّيء، وكذا الرواية بضَمِّ الدال والباء، وفي «اليواقيت»: المعروف في اللُّغة: دَبْر؛ بفتح الدَّال، وسكون الباء في مثل هذا؛ ومنه: جعلته دَبْرَ أذني؛ أي: خلفي، وأمَّا الجارحة؛ فبالضَّمِّ في الدَّال مع ضمِّ الباء، وإسكانها أيضًا، والله أعلم.

[ج 1 ص 713]

قوله: (مِنَ الْجُبْنِ): تَقَدَّم قريبًا ما هو بلُغتَيه.

قوله [2]: (إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ): أي: آخر العمر في حال الكبر والعجز والخَرَف، و (الأرذل) من كلِّ شيء: الرَّديءُ منه.

قوله: (فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا، فَصَدَّقَهُ): القائل ذلك هو عبد الملك بن عمير، وقد أخرجه التِّرمذيُّ بإسناده إلى عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد؛ يعني: ابن أبي وقَّاص، وعمرو بن ميمون؛ كلاهما عن سعد نحوَه، وقال: حسن صحيح مِن هذا الوجه، وأخرجه النَّسائيُّ.

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[2] (قوله): سقط من (ب).

(1/5436)

[حديث: اللهم إني أعوذ بك من العجز]

2823# قوله [1]: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ): تَقَدَّم الكلام على (فتنة المحيا) و (فتنة الممات) في (الصَّلاة).

(1/5437)

[باب من حدث بمشاهده في الحرب]

قوله: (قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ): (أبو عثمان) هذا: هو النَّهديُّ عبد الرَّحمن بن مَلٍّ، وقد تَقَدَّم ضبط (مَلٍّ)، و (سعد): هو ابن أبي وقَّاص، أحد العشرة، والحديث أخرجه البخاريُّ ومسلم؛ وهو: (لم يبق مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض تلك الأيَّام التي قاتل فيهنَّ غير طلحة وسعد عن حديثهما)، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 714]

(1/5438)

[حديث: صحبت طلحة بن عبيد الله وسعدًا والمقداد]

2824# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، عن هشام بن عروة ويزيد بن أبي عُبَيد، وعنه: ابن معين وابن راهويه، ثقة، تُوُفِّيَ سنة (187 هـ) بالمدينة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وفيها: (قال أحمد: زعموا أنَّه كان فيه غفلةٌ).

قوله: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ): هذا هو مُحَمَّد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد، الكنديُّ المدنيُّ الأعرج، ابن أخت نَمِر، عن السَّائب بن يزيد، وسليمان بن يسار، وابن المسيّب، وجماعة، وعنه: ابن جُرَيج، ومالك، وحاتم بن إسماعيل، وحفص بن غياث، ويحيى بن سعيد القطَّان، وآخرون، قال يحيى بن معين: سمع منه يحيى بن سعيد خمسةَ أحاديثَ، وقال لي يحيى: لم أر شيخًا يشبهه في الثِّقة، وقال أحمد وغيره: ثقةٌ، وقال مصعب الزُّبيريُّ: كان له شرف وقدر بالمدينة، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.

==========

[ج 1 ص 714]

(1/5439)

[باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية]

قوله: (ويُذْكَر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تَقَدَّم أنَّ هذه صيغة تمريض، وكأنَّها لم تصحَّ على شرطه إلى ابن عبَّاس، قال شيخنا: (أخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشَّاميُّ في «تفسيره» عنه).

قوله: («انْفِرُوا ثُبَاتٍ» [النِّساء: 71]: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ، وَيُقَالُ: وَاحِدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ): قائل ذلك هو أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى، وهو في كتاب «المجاز» له، قاله بعض الحُفَّاظ المعاصرين، انتهى، اعلم أنَّ للمفسِّرين في قوله تعالى: {فانْفِرُوا [1] ثُبَاتٍ} أقوالًا؛ أحدها: أنَّه جمع: ثُبَة؛ بضَمِّ الثاء المثلَّثة، وفتح الموحَّدة؛ وهي العُصْبة من الرِّجال، والجمع: ثباتٍ، وثُبُون، وثِبُون، وأثابيُّ، وقيل: فِرَقٌ، وقيل: مُتفرِّقين؛ أي: اخرجوا سريَّة سريَّة.

(1/5440)

[حديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية]

2825# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ هذا هو الفلَّاس، الحافظ، مشهور التَّرجمة، وتَقَدَّم أنَّ (يَحْيَى بْن سَعِيدٍ): هو القطَّان.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة فيما يظهر، ومستندي في ذلك: أنَّ الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمة عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاصي _الذي يأتي فيه: (قال سفيان: وحدَّثني السَّعيديُّ عن جدِّه عن أبي هريرة [1]) _: أنَّ ابن عيينة روى عنه، وكذا ذكر الذَّهبيُّ في «تذهيبه»، ولم يذكرِ الثَّوريَّ فيهم، والله أعلم.

وقد تَقَدَّم أنَّ (مَنْصُورًا): هو ابن المُعتمِر، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ): يوم الفتح كان يوم الجمعة، وقد تَقَدَّم الخلاف متى كان، ويأتي أيضًا في شهر رمضان سنة ثمان.

قوله: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه مُؤوَّل؛ أي: لا هجرة من مكَّة بعد الفتح؛ لأنَّها صارت دار إسلام، أو لا هجرة كالهجرة من مكَّة في الفضيلة، ولا بدَّ من التَّأويل.

قوله: (ثُمَّ يُسْلِمُ): هو بضَمِّ أوَّله، وكسر اللَّام.

(1/5441)

[باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل]

قوله: (ويُسَدَّدُ [1]): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (ويُقتَل) [2]: مبنيٌّ أيضًا لما لم يُسمَّ فاعله.

تنبيهٌ: وقع في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة [3]، وعنه: أبو صالح: «لا يجتمعان في النَّار اجتماعًا يضرُّ أحدهما الآخر»، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «مؤمن قتل كافرًا، ثمَّ سُدِّدَ»، انتهى، وهذا اللَّفظ تغييرٌ [4] من بعض الرُّواة، وصوابه: (مؤمن قتله كافر، ثمَّ سُدِّد)، ويكون معنى قوله: «لا يجتمعان في النَّار اجتماعًا يضرُّ أحدهما الآخر»: لا يدخلانها للعقاب، ويكون هذا استثناءً من اجتماع الورود، وتخاصمهم على جسر جهنَّم، قاله القاضي عياض.

(1/5442)

[حديث: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر .. ]

2826# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالنُّون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّم (الأَعْرَجِ): أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، وكذا تَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (يَضْحَكُ اللهُ): قال ابن قُرقُول: (هذا وأمثاله من الأحاديث طريقُها الإيمان بها من غير كيف ولا تأويل، وتسليمها إلى عالمها) انتهى، وللنَّاس في آيات الصِّفات وأحاديثها طريقان: طريقة السَّلف _وهي أسلم_: ما ذكره ابن قُرقُول، وطريقة الخلف _وهي أحكم_: تأويلها على ما يليق بجلاله عزَّ وجلَّ، والله أعلم.

قوله: (فَيُقْتَلُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (فَيُسْتَشْهَدُ) [1]: مبنيٌّ أيضًا لما لم يُسمَّ فاعله.

==========

[1] زيد في (ب): (هو).

[ج 1 ص 714]

(1/5443)

[حديث: أتيت رسول الله وهو بخيبر بعد ما افتتحوها]

2827# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخ حدَّث عنه البخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّم لماذا نُسِب.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (وَهْوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا افْتَتَحَهَا [1]): خيبر كانت في أوَّل السنة السابعة، ويقال: في آخر السادسة، والقولان _فيما يظهر_ مبنيَّان على الخلاف [2] في أوَّل التَّأريخ، وقد تَقَدَّم، وسيجيء الكلام في أوَّل التَّأريخ في مكانه إن شاء الله تعالى، وأذكر فيه أقوالًا.

قول [3] أبي هريرة: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْهِمْ لِي): (أَسهم)؛ بفتح الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، كذا هنا: (فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ)، وسيأتي في (خيبر): (أنَّ أبا هريرة أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسأله، فقال له بعض بني سعيد بن العاصي: لا تعطه)، وبعده مُعلَّقًا بصيغة تمريض عن عنبسة: أنَّه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاصي ... إلى أن قال: (قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله؛ لا تقسم لهم، قال أبان: وأنت بهذا يا وَبْرُ؟)، وهو في «أبي داود»: (فقال أبان بن سعيد: اقسم لنا يا رسول الله ... )؛ الحديث، قال الخطيبُ البغداديُّ: الصَّحيح أنَّ أبا هريرة السائل، وجوَّز شيخنا أن يكونا سألاه جميعًا، وأنَّ أحدهما جازى الآخر بقوله: (لا تقسم له)، وسيأتي في (خيبر) بأطولَ مِن هذا، والله أعلم.

[ج 1 ص 714]

قوله: (فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي [4]): اسم هذا القائل: أبان بن سعيد بن العاصي، كذا هو مُسمًّى في «صحيح البخاريِّ» في (غزوة خيبر)، وكذا هو مُسمًّى في «أبي داود» في (الجهاد)، في (باب: مَن جاء بعد الغنيمة؛ لا سهم له)، قال ابن حِبَّان في «ثقاته»: (أبان بن سعيد بن العاصي بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، له صحبةٌ، قُتِل في أجنادين على عهد عمر لليلتين بقيتا مِن جمادى سنة ثلاثَ عشرةَ، أمُّه: هند بنت المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم) انتهى.

تنبيهٌ: صريح ما تَقَدَّم أنَّ أبانًا قاتلُ ابن قَوْقَل، وسيأتي فيما يلي هذا ما فيه.

(1/5444)

تنبيهٌ ثانٍ: قال الخطيبُ البغداديُّ: (فقال سعيد بن العاصي)؛ كذا عند أبي داود، قال: وإنَّما هو ابن سعيد، وهو أبان.

(1/5445)

قوله: (هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ): الظَّاهر أنَّه أراد: النُّعمانَ بن قَوْقَل؛ بقافين مفتوحتين، بينهما واوٌ ساكنةٌ، وهو النُّعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن قَوْقَل _واسمه غنم_ ابن عوف بن عمرو بن عوف، و (قَوْقَل): لقبٌ لثعلبة بن أصرم، فنُسِب النُّعمان إلى جدِّه، شهد النُّعمان بدرًا، قاله ابن عيينة، استُشهِد بأُحُد، وقال ابن عبد البَرِّ: النُّعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج، وثعلبة بن دعد: هو الذي يُسمَّى: قَوْقَلًا، وقال في النُّعمان: قتله صفوان بن أميَّة يوم أُحُد في قول مُحَمَّد بن عمر، وأمَّا عبد الله بن مُحَمَّد بن عُمارة؛ فإنَّه قال: الذي شهد بدرًا وقُتِل يوم أُحُد: النُّعمان الأعرج بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر، والذي يُدعى قَوْقَلًا: هو النُّعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر [5] بن ثعلبة بن غنم، لم يشهد بدرًا، وذكر قبله في «الاستيعاب»: (النُّعمان بن قَوْقَل، ويقال: النُّعمان بن ثعلبة، وثعلبة يُدعى قَوْقَلًا، قاله موسى بن عقبة، وقال موسى أيضًا: النُّعمان بن ثعلبة، وهو ابن قَوْقَل، ذكره في البدريِّين، وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه: النُّعمان بن قَوْقَل كوفيٌّ، له صحبة، عنه: بلال بن يحيى)، انتهى، وفي «حاشية الاستيعاب» بخطِّ ابن الأمين عن ابن دريد، وفي آخرها: (ومنهم بنو قَوْقَل [6]، واسمه: غنم)، انتهى، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (النُّعمان بن قَوْقَل، وقيل: النُّعمان بن ثعلبة، وقَوْقَل لقبَ ثعلبة [7]، بدريٌّ خزرجيٌّ على الصَّحيح، ثمَّ قال بعده بترجمتين ما لفظه: (النُّعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد، وثعلبة [8] هو الذي يُدعى قَوْقَلًا، الأوسيُّ بدريٌّ، قتله صفوان بن أميَّة يوم أُحُد، قاله الواقديُّ، وهو النُّعمان بن قَوْقَل الذي بعده)، انتهى، فقوله فيه: (هذا قاتل ابن قَوْقَل) في أبان؛ محلُّ نظر، ولعلَّه مُؤوَّل، وقد انتقد الحافظ الدِّمياطيُّ ذلك على البخاريِّ في (غزوة خيبر)، وسيأتي كلامه في (خيبر)، وقال شيخنا: (قال ابن الجوزيِّ: لا أدري مَن يعني، فإنَّ العبَّاس بن عبادة والنُّعمان بن مالك بن ثعلبة _وهو قَوْقَل_ قتلهما صفوان بن أميَّة)، قال شيخنا: (قلت: قوله: «وهو قَوْقَل» ليس كذلك؛ إنَّما قَوْقَل اسمه غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، كذا ذكره ابن الكلبيٍّ، وأبو عُبَيد، وابن دريد، وغيرُهم)، انتهى، وقد

(1/5446)

تَقَدَّم عن «حاشية الاستيعاب» عن ابن دريد نَقْلُ ذلك في قَوْقَل، وأنَّه غنم، فتحصَّلنا في قَوْقَل على أقوال _أعني: في الذي لُقِّب بذلك_: هل هو ثعلبة بن دعد، أو ثعلبة بن أصرم، أو لقب غنم والد ثعلبة في نسب النُّعمان، كما تَقَدَّم؟ والله أعلم.

قوله: (فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي): تَقَدَّم أعلاه [9] أنَّه أبان بن سعيد بن العاصي، وهذا في الهامش، وفي الأصل: (فقال سعيد بن العاصي)، وفيه نظر.

قوله: (لِوَبْرٍ): (الوَبْر)؛ بفتح الواو، وإسكان الموحَّدة، وبالراء، كذا لأكثر الرُّواة؛ وهي دويبة غبراء، ويقال: بيضاء، على قدر السِّنَّور، حسنة العَينين، من دوابِّ الجبال، وإنَّما قال ذلك؛ احتقارًا له، وضبطها بعضهم: بفتح الباء، وتأوَّله: جمع (وَبَرة)؛ وهي شعر الإبل؛ تحقيرًا له أيضًا؛ كشأن الوبَرة التي لا خطر لها [10]، وتأوَّل [11] (قدوم ضأن): على ضأن، وهذا تكلُّفٌ بعيدٌ، والأوَّل أشهر روايةً، وأوجه معنًى، قاله ابن قُرقُول، والوَبْر _كما ضبطته أوَّلًا_ مأكولٌ، قاله الماورديُّ في «الحاوي»، والحمويُّ في «شرح التَّنبيه»، وذكر الرَّافعيُّ في (كتاب الحجِّ) نحوَه أيضًا.

(1/5447)

قوله: (مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ): قال في «المطالع»: (ويروى: «ضال» غير مهموز، مفتوح القاف من «قَدُوم» مخفَّف الدَّال؛ كذا للجميع إلَّا المروزيَّ؛ ضمَّ القاف، وفي «كتاب المغازي»: «من رأس ضأن [12]»، قال الحربيُّ: وهو جبل ببلاد دوس [13]، و «قَدومه»: ثنيَّته، بفتح القاف، وهو عند المروزيِّ: بضَمِّ القاف، قال الأصيليُّ: ومعناه على هذا: من قُدُوم؛ أي: قَدِم علينا من هذا الموضع، ويردُّ [14] هذا روايةُ مَن روى: «رأس ضأن»، وكذلك يردَّ قولَ الحربيِّ: أنَّه ثنيَّة الجبل، ووقع في موضعٍ آخرَ: «رأس ضال»؛ باللَّام، وهي رواية ابن السَّكن، والقابسيِّ، والهمَذانيِّ، وزاد في رواية المستملي: «والضَّال: السِّدر»، وهو وَهَم، وما [15] تَقَدَّم من تفسير الحربيِّ أولى أنَّه ثنيَّة، وأنَّ ضأن: جبل، وقال بعضهم: يقال في الجبل: ضأن وضال، وتأوَّله بعضهم على أنَّه الضَّأن من الغنم، وجعل قدومها؛ أي: رؤوسها، وروى الحرف الذي قبله: واعجبًا من وبَر؛ بفتح الباء، وقال: هو شعر رؤوسها، وهذا تكلُّفٌ وتعسُّفٌ)، انتهى، وقال ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام»: (رواه النَّاس عن البخاريِّ بالنُّون إلَّا الهمذانيَّ؛ فإنَّه رواه باللَّام، وهو الصَّواب: والضَّال: السِّدر البرِّيُّ ... ) إلى أن قال: (وفي ضبط «القدوم» بالتَّشديد والتَّخفيف خلافٌ) انتهى، وفي ذلك نظرٌ، إنَّما الخلاف في (القدوم) في حديث آخر؛ وهو: (اختتن إبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم [16] بالقدوم)، هذا الذي فيه الخلاف في تخفيفه وتشديده، فتحصَّلنا: على إسكان الباء في (وَبْر)، وتحريكها بالفتح، وفي (ضأن): بالنون واللَّام، وفي (قُّدوم): بفتح القاف وضمِّها، وفي (القدوم): التَّشديد والتخفيف، على ما قاله ابن دقيق العيد، وفيه نظر، والله أعلم.

قوله: (قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ؟): قائلُ ذلك كما قال شيخنا عن ابن التِّين: (أنَّه عنبسة، أو مَن دونه إلى شيخ البخاريِّ)، انتهى، وفي «أبي داود»: (ولم يقسم له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم).

(1/5448)

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قال البخاريُّ بعده: (السَّعِيدِيُّ: هُوَ [17] عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي)، انتهى: أمَّا (سُفيان)؛ فقد قَدَّمتُ أنَّه ابن عيينة الإمامُ، وأمَّا (السَّعِيديُّ)؛ فهو بفتح السِّين، وكسر العين، وهذا ظاهرٌ جدًّا عند أهله، وقد سمَّاه البخاريُّ ونسبه، وهو كذلك، كنيته أبو أميَّة الأمويُّ السَّعِيديُّ المكِّيُّ، عن جدِّه وأبيه، وعنه: ابن عيينة، وموسى بن إسماعيل، وسويد بن سعيد، وجماعة، ذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، وقال ابن معين: صالح، أخرج له البخاريُّ وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان» قال فيها: (أورد له ابن عديٍّ حديثين، وما نطق فيه بحرف، ولولا أنَّه ذكره؛ لما ذكرتُه؛ لأنَّه احتجَّ به البخاريُّ)، ثمَّ ذكر له مِن عند البخاريِّ حديثَ أبي هريرة مرفوعًا: «ما بعث الله نبيًّا إلَّا رعى الغنم ... »؛ الحديث، تفرَّد به عمرٌو، وهو مُخرَّج في «البخاريِّ»، وأمَّا جدُّ السَّعِيديِّ؛ فهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أُحَيحة [18] الأمويُّ أبو عثمان، ويقال: أبو عنبسة، كان مع ابنه الأشدق حين توثَّب على دمشق، ثمَّ انتقل بعد قَتْلِ ابنِه إلى الحجاز ثمَّ الكوفة، روى عن ابن عبَّاس، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عمرو، وعائشة، ومعاوية، وأمِّ خالد بن سعيد بن العاصي، ووالده، وعنه: ابناه؛ إسحاق وخالد، وحفيده عمرو بن يحيى بن سعيد، وشعبة، وغيرهم، قال النَّسائيُّ: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، قال الزُّبير: كان مِن علماء الكوفة، ووُلِد بها، انتهى، عاش إلى أن وفد على الوليد بن يزيد، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقوله: (قال سفيان): اعلم أنَّ البخاريَّ رواه هنا بالسند الأوَّل: الحُمَيديُّ عن سفيان قال: حدَّثنيه السَّعِيديُّ؛ فذكره، فهو مِن طريقين عنده، وسيأتي في (المغازي) أعلى ممَّا هنا بدرجة؛ لأنَّه رواه فيها عن موسى بن إسماعيل، عن عمرو بن يحيى، عن جدِّه، عن أبي هريرة، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (افْتَتَحُوهَا).

[2] (على الخلاف): سقط من (ب).

[3] في (ب): (قوله)، وهو تحريفٌ.

[4] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (العاص)؛ بغير ياء، وكذا في المواضع اللَّاحقة.

(1/5449)

[5] في (ب): (فهيرة)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (نوفل)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (لثعلبة).

[8] (وثعلبة): سقط من (ب).

[9] (أعلاه): ليس في (ب).

[10] (لها): سقطت من (ب).

[11] في (ب): (ويؤول).

[12] في (ب): (حال)، وهو تحريفٌ.

[13] في النُّسختين: (وس)، وهو تحريف عن المثبت.

[14] زيد في (ب): (على).

[15] في (ب): (وكما).

[16] في (ب): (عليه السلام).

[17] كذا في النُّسختين، وعليها في (ق): علامة زيادة وعلامة راويها، وهي رواية أبي ذرٍّ، و (هو): ليس في رواية «اليونينيَّة».

[18] في (ب): (أجنحة)، وهو تصحيفٌ.

(1/5450)

[باب من اختار الغزو على الصوم]

(1/5451)

[حديث: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي من أجل الغزو]

2828# قوله: (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: أمَّا (أبو طلحة)؛ فقد تَقَدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه، وأنَّه زيد بن سهل، وقوله في آخره: (لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إِلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى): ظاهرُه: أنَّه كان يصوم أيَّام التَّشريق، والظاهر أنَّه كان يرى صومها، وفي صومها خلافٌ بين العلماء؛ قال جماعة منهم: يجوز صيامها لكلِّ أحد تطوُّعًا وغيرَه، حكاه ابن المنذر عن الزُّبير، وابن عمر وابن سيرين، وقال مالك، والأوزاعيُّ، وإسحاق، والشَّافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمُتمتِّع إذا لم يجدِ الهديَ، ولا يجوز لغيره، واعلم أنَّه يحرم صومها في الجديد مِن مذهب الشَّافعيِّ [1]، والقديم: أنَّه يجوز للمُتمتِّع إذا لم يجدِ الهديَ صومُها عن الثَّلاثة الواجبة في الحجِّ؛ لقول ابن عمر [2] وعائشة: (لم يُرخَّص في أيَّام التَّشريق أن يُصَمْنَ إلَّا لمَن لم يجدَ الهديَ)، رواه البخاريُّ في «صحيحه»، وصحَّحه جماعة، وقد مال إليه أبو مُحَمَّد والبيهقيُّ، وصحَّحه ابن الصلاح، والنَّوويُّ قال في «الروضة»: (إنَّه الرَّاجح دليلًا وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب) انتهى.

تنبيهٌ: ذكرتُ فيما مضى من (الصَّوم) مَن كان يسرد الصَّوم من الصَّحابة والتَّابعين فيما وقفتُ عليه؛ فانظرْه إن أردته.

[ج 1 ص 715]

==========

[1] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

(1/5452)

[باب: الشهادة سبع سوى القتل]

قوله: (بَابٌ: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب بلا إسناد، ثمَّ قال: (أشكل على الشَّارح _يعني: ابن بطَّال_ مطابقةُ التَّرجمة بحديث: «الشُّهداء خمسةٌ»، فقال: هذا دليلٌ على أنَّ البخاريَّ رحمه الله مات ولم يُهذِّب كتابه، وكأنَّه أراد أن يُدخِل في التَّرجمة حديثَ مالكٍ رحمه الله، وفيه: «أنَّ الشُّهداء سبعةٌ سوى القتل في سبيل الله»، فأعجلتْه المنيَّة، ويحتمل عندي أن يكون البخاريُّ أراد التَّنبيهَ على أنَّ الشَّهادة لا تنحصر في القتل، بل لها أسبابٌ أخرُ، وتلك الأسبابُ أيضًا اختلفت الأحاديث في عددها، ففي بعضها: «خمسةٌ»، وهو الذي صحَّ عند البخاريِّ ووافق شرطه، وفي بعضها: «سبعةٌ»، ولم يوافق شرطَ البخاريِّ، فنبَّه عليه في التَّرجمة؛ إيذانًا بأنَّ الوارد في عددها مِن الخمسة أو السَّبعة ليس على معنى التَّحديد الذي لا يزيد ولا ينقص، بل هو إخبار عن مخصوصِ ما ذُكِر، والله أعلم بحصرها)، انتهى، وحديث مالكٍ هو [1] عن جابر بن عتيك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ما تعدُّون الشَّهادةَ؟» قالوا: القتلُ في سبيل الله، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الشهادة سبعٌ سوى القتلِ في سيبل الله: المطعون شهيدٌ، والغَرِق شهيدٌ، وصاحب ذات الجَنْبِ شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، وصاحب الحرق شهيدٌ، والذي يموت تحت الهَدَم شهيدٌ، والمرأة تموت بجُمْعٍ شهيدةٌ»)، أخرجه مالك، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وأبو حاتم، وفي سند [2] حديث «المُوَطَّأ»: عتيك بن الحارث عن عمِّه جابر بن عتيك، وهو تابعيٌّ، ما روى عنه سوى سبطِه عبدِ الله بن عبد الله، فلهذا لم يخرِّجه البخاريُّ؛ لأنَّ رواية واحد لا تُخرِج الشَّخصَ عن جهالة العين، وقد ذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، ولم يذكر عنه راويًا سوى عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، ولكن قال أبو الحسن ابن القطَّان: إنَّ الشخص إذا وثَّقه واحد وروى عنه واحد؛ انتفت عنه جهالة العين، ولكن هذا قولٌ في المسألة، والله أعلم.

(1/5453)

فائدةٌ: أوَّل من استُشهِد في [3] الإسلام سُميَّة أمُّ عمَّار بن ياسر رضي الله عنها، وكانت أَمةً لأبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فزوَّجها مِن حليفه ياسر بن عامر بن مالك، طعن أبو جهل سُميَّةَ بحربةٍ حتَّى بلغت فرجها، فماتت رحمة الله عليها، وقيل: أوَّل قتيل في الإسلام: الحارث بن أبي هالة ابنُ خديجة، فيما ذكره العسكريُّ، قاله مغلطاي في «سيرته الصُّغرى»، والحارث صحابيٌّ، قال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (الحارث بن أبي هالة هندٍ بن النَّبَّاش، وهو أوَّل مَن قُتِل لله [4] في الإسلام تحت الكعبة، ذكره ابن الكلبيِّ، وقاله ابن بشكوال)، انتهى، وقال الثَّعلبيُّ في «تفسيره»: (إنَّ ياسرًا والدَ عمَّار وسُميَّة المذكورة رضي الله عنهما [5] أوَّل قتيلٍ قُتِلا في الإسلام) انتهى [6].

فائدةٌ ثانيةٌ: أوَّل مَن يُدعَى إلى الجنَّة مِن شهداء هذه الأمَّة: مهجع مولى عمر بن الخطَّاب، وهو أوَّل قَتيل من المسلمين في بدر، رماه ابن الحضرميِّ بسهم [7]، قاله شيخنا في (تفسير سورة العنكبوت)، وقد قال فيه عليه الصَّلاة والسَّلام يومئذٍ: «مهجعٌ سيِّدُ الشُّهداء»، انتهى، وقال ابن عقبة _كما نقله ابن سيِّد النَّاس [8]_: أوَّلُ قتيلٍ مِن المسلمين يوم بدر: عُمَير بن الحُمَام، وقال ابن سعد: وكان أوَّلَ مَن خرج مِن المسلمين مهجعٌ مولى عمر، فقتله عامر ابن الحضرميِّ، وكان أوَّل قتيل من الأنصار حارثة بن سُراقة، ويقال [9]: قتله حِبَّان ابن العَرِقة [10]، ويقال: عمير بن الحُمَام، قتله خالد بن الأعلم العُقيليُّ.

(1/5454)

فائدةٌ ثالثةٌ: الشُّهداء جماعة كثيرة، وقد ذكر منهم القرطبيُّ في «تذكرته» جماعةً، وذكر شيخنا الشَّارح جماعة، وجملة مَن وقفتُ عليه أنَّه أُطلِق عليه أنَّه شهيدٌ في حديثٍ _ولا أشترط الصِّحَّة_ جماعةٌ، وهم الثمانية المذكورون في حديث «المُوَطَّأ» الذي قدَّمته، وقد رواه أيضًا غيره كما ذكرته، والقتل في سبيل الله أعلاها، وفي «أبي داود»، و «النَّسائيِّ»، و «التِّرمذيِّ» وقال: حسن صحيح: «من قُتِل دون ماله؛ فهو شهيد، ومن قُتِل دون أهله، ومن قُتِل دون دمه، ومن قُتِل دون دِينه»، انتهى، ومَن وقصَه فرسُه، أو لدغته هامَّةٌ، أو مات على فراشه على أيِّ حتف كان في الله؛ فهو شهيد، ومَن حبسه السُّلطان ظالمًا له أو ضربه فمات؛ فهو شهيد، وكلُّ موتةٍ يموت بها المسلم؛ فهو شهيد، وفي حديث ابن عبَّاس: «المُرابِط يموت في فراشه في سبيل الله شهيدٌ، والشَّرِق شهيدٌ، والذي يفترسه السَّبُع شهيدٌ»، وعن ابن مسعود: «مَن تردَّى من الجبال؛ شهيد»، أخرجه ابن عبد البَرِّ، قال ابن العربيِّ: وصاحب النَّظرة [11]؛ وهو المَعِين، والغريبُ شهيد» إلى أن قال: وحديثهما حسنٌ، ولمَّا ذكر الدَّراقطنيُّ حديث ابن عمر: «الغريب شهيد»؛ صحَّحه، ولابن ماجه مرفوعًا من حديث أبي هريرة: «من مات مريضًا؛ مات شهيدًا ... »؛ الحديث، وله عن ابن مسعود: «وإنَّ الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد»، وجاء من حديث ابن عبَّاس: «مَن عشق، وعفَّ، وكتم، ومات؛ مات شهيدًا»، وقد ضعَّفوه، والفقهاء ذكروه من الشُّهداء، وفي «التِّرمذيِّ»: «من قال حين يصبح ثلاث مرَّاتٍ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آياتٍ من آخر سورة الحشر، فإن مات من يومه؛ مات شهيدًا»، حسَّنه مع الغرابة، وفي «الصَّحابة» لأبي موسى: عن عليِّ بن الأقمر [12] عن أبيه مرفوعًا، وفيه: «من مات يشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ مُحَمَّدًا رسول الله»، وفي «علل [13] ابن أبي حاتم»: (سألت أبي عن حديث ابن أبي ليلى، عن أبيه، عن جدِّه أبي ليلى مرفوعًا: «من أكله السَّبُع؛ فهو شهيد، ومَن أدركه الموت وهو يكدُّ على عياله من حلال؛ فهو شهيد، والشَّريق شهيد، والذي يفترسه السَّبع شهيد، والخارُّ عن دابَّته شهيد»، علَّتُه [14] عمرُو بن عطيَّة الوداعيُّ، ضعَّفه الدَّراقطنيُّ، وفي «الثَّعلبيِّ»: «مَن قرأ آخر سورة الحشر فمات من ليلته؛ مات شهيدًا»، وروى الآجريُّ: «يا أنس؛ إن استطعت أن تكون على وُضوء؛

(1/5455)

فافعل، فإنَّ ملك الموت إذا قبض روح العبد وهو على وضوء؛ كُتِب له شهادةٌ»، وللبزَّار من حديث عبادة بن الصَّامت مرفوعًا: «والنُّفساء شهادة»، ولأبي نعيم عن ابن عمر: «من صلَّى الضُّحى، وصام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، ولم يتركِ الوترَ؛ كُتِب له أجر شهيد»، وعن جابر: «من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة؛ أُجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابَعُ الشُّهداء»، قال أبو نعيم: غريب من حديث جابر وابن المنكدر، تفرَّد به عمر بن موسى الوجيهيُّ عن ابن المنكدر، وعند الطَّبرانيِّ وأبي موسى من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا، فذكر حديثًا: «والسِّلُّ شهيدٌ، والغريب شهيد»، وعبد الملك ووالده ضعيفان، وجدُّه [15] لم يذكره في الصَّحابة إلَّا الطَّبرانيُّ، وقد ذكره أبو موسى كما قاله شيخنا، وقد علَّم عليه الذَّهبيُّ: (س)؛ يعني: أنَّه في «كتاب أبي موسى، وفي «الأفراد والغرائب» للدَّارقطنيِّ من حديث أنس مرفوعًا: «المحموم شهيد»، ثمَّ قال: تفرَّد به الموقريُّ عن ابن شهاب عنه، ولأبي عمر في كتاب «العلم» من حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة: «إذا جاء الموتُ طالبَ العلمِ وهو على حاله؛ مات شهيدًا»، ولابن أبي عاصم في «الجهاد» من حديث ابن سلَام عن ابن معانق الأشعريِّ، عن أبي مالك الأشعريِّ: «من خرج به [16] خُراج في سبيل الله؛ كان عليه طابَع

[ج 1 ص 716]

الشُّهداء»، وذكر المنتجاليُّ في «تاريخه» عن ابن سيرين قال: (رأيتُ كثير بن أفلح مولى أبي أيُّوب في المنام، فقلت: كيف [17] أنت؟ قال: بخير، قلت: أنتم الشهداء؟ فقال: إنَّ المسلمين إذا قتلوا فيما بينهم؛ لم يكونوا شهداء، ولكنَّا نُدَباء)، قال مُحَمَّد: وأعياني أن أعرف النُّدباء وغلبني على ذلك، لخَّصت هذا من «شرح شيخنا الإمام العلَّامة سراج الدِّين» رحمه الله تعالى، وقد عزا حديثَ: «مَن قُتِل دون ماله ... »؛ الحديث إلى «الصحيح»، وإنَّما هو في «أبي داود»، و «التِّرمذيِّ»، و «النَّسائيِّ» كما ذكرته، وقد بقي غير مَن ذكره من الشُّهداء، والله أعلم.

(1/5456)

[حديث: الشهداء خمسة المطعون والمبطون]

2829# قوله: (عَنْ سُمَيٍّ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه وزان (عُلَيٍّ)؛ مصغرًا، وقد قَدَّمتُ بعض ترجمته، وكذا تَقَدَّم (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان السَّمَّان.

قوله: (الْمَطْعُونُ): أي: الذي أصابه الطَّاعون.

قوله: (وَالْمَبْطُونُ): وهو الذي يموت بعلَّة البطن؛ كالاستسقاء وانتفاخ البطن، وهو الصَّحيح، أو الإسهال، وقيل: الذي يشتكي بطنه ويموت بدائه.

قوله: (وَالْغَرِقُ): هو بكسر الرَّاء، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (وَصَاحِبُ الْهَدَمِ [1]): تَقَدَّم الكلام عليه في (باب التهجير إلى الظهر)، وهو في أصلنا هنا: بإسكان الدال، وهو بفتحها [2]: الأبنية المنهارة على الشَّخص، والميِّت تحت تلك الأبنية: الهَدِم؛ بكسر الدَّال، ويجوز في (صاحب الهَدَم): سكون الدال؛ لأنَّه بسكونها المصدرُ.

(1/5457)

[حديث: الطاعون شهادة لكل مسلم]

2830# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بكسر الموحَّدة، وسكون الشِّين المعجمة، وتَقَدَّم أنَّ (عَبْد اللهِ) بعده: هو ابن المبارك، الإمام، أحد الأعلام، و (عَاصِمٌ): هو ابن سليمان الأحول، أبو عبد الرَّحمن البصريُّ، تَقَدَّم، و (حَفْصَة بِنْت سِيرِينَ) تقدَّمت، وأنَّ أفضل نساء التَّابعين حفصة هذه، وعَمْرة، وأمُّ الدَّرداء الصُّغرى.

==========

[ج 1 ص 717]

(1/5458)

[باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}]

(1/5459)

[حديث: لما نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله]

2831# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاق): أنَّه عَمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ.

قوله: (وَشَكَا [ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ] ضَرَارَتَهُ): أي: عماه، وكان ابن أمِّ مكتوم أعمى، حصل له العمى بعد بدرٍ بسنتين، كذا رأيته، ولا أعرف مِن أين هو، والعُميان من الصَّحابة بضع وعشرون، وغالبهم طرأ له العمى بعد وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام، وقد ذكرتهم في أوَّل هذا التَّعليق [1].

==========

[1] هذه الفقرة جاءت في النُّسختين بعد فقرتين، والصَّواب إثباتها هنا، وهو الموافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 717]

(1/5460)

[حديث: أن رسول الله أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}]

2832# قوله (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ [1] قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إليه [2]، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ): هذا السَّند فيه لطيفةٌ من لطائف الإسناد، وهو رواية صحابيٍّ _وهو سهل بن سعد_ عن تابعيٍّ؛ وهو مروان بن الحكم، قال شيخنا العراقيُّ: (وقد بلغني أنَّ بعضَ أهل العلم أنكر أن يكون قد وُجِد شيء من رواية الصَّحابة، عن التَّابعين، عن الصَّحابة، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، قال شيخنا: فرأيتُ أن أذكر ما وقع لي مِن ذلك، فذكر هذا الحديث، وقد أخرجه البخاريُّ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ من جملة عشرين حديثًا، فإن أردتها؛ فانظرها من «النُّكت على ابن الصلاح» له في (المُرسَل)، والله أعلم.

(1/5461)

قوله: (فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ): تَقَدَّم أنَّ اسمه عمرو بن قيس، وقيل: عبد الله بن قيس، قيل: كان اسمه الحُصَين، فسمَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام: عبد الله، وأمُّ مكتوم: عاتكة بنت عبد الله، وابن أمِّ مكتوم قديم الإسلام بمكَّة، وهاجر إلى المدينة، وقدمها _فيما قيل_ بعد بدر بيسير، وقيل: قدمها مع مصعب بن عُمَير قبل مقدمه عليه الصَّلاة والسَّلام المدينة، وهذا في «الصَّحيح»، واستخلفه عليه الصَّلاة والسَّلام على المدينة ثلاثَ عشرةَ مرَّةً، وأنا أسرد ما وقفت عليه منها: سريَّة بني سُلَيم بخلافٍ في ذلك [3]، الثَّانية: قرقرة الكُدْر، والثالثة: غزوة بَحران، والرابعة: غزوة أُحُد، والخامسة: حمراء الأسد عقيب أُحُد، والسادسة: النضير، والسابعة: الخندق، والثامنة: غزوة بني قريظة [4]، والتاسعة: غزوة بني لحيان، والعاشرة: غزوة ذي قَرَد، والحادية عشرة: الفتح، على ما قاله ابن سعد، وقال المنذريُّ في «حواشيه»: (عن ابن عبد البَرِّ: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام استخلفه على المدينة ثلاثَ عشرةَ مرَّةً في غزوة الأبواء، وبُواط، وذي العشيرة، وخروجه إلى ناحية جُهَينة في طلب كُرز بن جابر، وفي غزوة السَّويق، وغطفان، وأُحُد، وحمراء الأسد، وبَحران، وذات الرِّقاع، واستخلفه حين سار إلى بدر، ثمَّ أبا لُبابة، فاستخلفه عليها، واستخلف عَمْرًا أيضًا؛ يعني: ابن أمِّ مكتوم في حجَّة الوداع، وقُتِل شهيدًا في [5] سبيل الله، فمات ولم يُسمَع له بذكر بعد عمر ... ) إلى أن قال المنذريُّ: (وذكر أبو القاسم البغويُّ: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام استعمله يوم الخندق) انتهى، فيجتمع من مجموع ما ذكرته أنا وما ذكره المنذريُّ أكثرُ من ثلاثَ عشرةَ مرَّةً، والله أعلم.

قوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ [6] تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ ... ) إلى آخره: قال مالك: نزل جبريل بقوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] قبل أن يجفَّ القلم، فألحق [7] بما في القلم، وذلك مسيرة ألف سنة في هبوطه وعروجه [8]، انتهى ذكره شيخنا في (فضائل القرآن).

قوله: (أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الرَّاء، وفي نسخة: بضَمِّ التَّاء، وفتح الرَّاء، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، ومعنى (ترضَّ): تُكسَر وتُدقُّ.

قوله: (ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ): تَقَدَّم أنَّه مخفَّف ومُثَّقل؛ أي: كُشِف.

(1/5462)

[باب الصبر عند القتال]

(1/5463)

[حديث: إذا لقيتموهم فاصبروا]

2833# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو): هذا هو المُسنديُّ، وذلك لأنِّي رأيت في «الكمال» لعبد الغنيِّ في ترجمة معاوية بن عمرو: أنَّه روى عنه المُسنديُّ، ولم يذكر فيمن أخذ عنه أحدًا اسمه عبد الله بن مُحَمَّد سواه وإن كان معاوية بن عمرو روى عنه ابن أبي شيبة [1]، وذلك إنَّما روى عنه عند مسلم، قاله ابن طاهر، والله أعلم، وقد تَقَدَّم الكلام على معاوية بن عمرو، وعلى (أَبِي إِسْحَاقَ): أنَّه الفزاريُّ، وهو إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث، أحد الأعلام، وعلى (عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي أَوْفَى)، وهو صحابيٌّ ابن صحابيٍّ، وذكرت اسم أبي أوفى مرارًا، والله أعلم.

[ج 1 ص 717]

قوله: (إنَّ رَسُولَ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ همزة (إنَّ) مكسورة على الحكاية، وأنَّه يجوز فتحها.

==========

[1] في (ب): (عنه ابن المسيِّب)، والمثبت هو الصَّواب.

(1/5464)

[باب التحريض على القتال]

(1/5465)

[حديث: اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره]

2834# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم قريبًا جدًّا أنَّه المُسنديُّ، وذلك لأنِّي رأيت في «الكمال» للحافظ عبد الغنيِّ في ترجمة معاوية بن عمرو: أنَّه روى عنه المُسنديُّ، ولم يذكر فيمن أخذ عنه أحدًا اسمه عبد الله بن مُحَمَّد سواه، وتَقَدَّم كلام ابن طاهر، والله أعلم، و (مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو): قَدَّمتُ ترجمته، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم قريبًا أنَّه إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث، أبو إسحاق، الفَزاريُّ، و (حُمَيْد): تَقَدَّم [1] ابن تير، وقيل: تيرويه، الطَّويل، وتَقَدَّم الفرق بينه وبين حُمَيد بن هلال عن أنس، والله أعلم.

قوله: (لَمَّا [2] خَرَجَ النَّبيُّ [3] صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ): (غزوة الخندق): تَقَدَّم أنَّها في سنة (4 هـ)، قاله ابن عقبة، ويقال: كانت في شوَّال سنة (5 هـ)، قاله ابن إسحاق، وقال ابن سعد: في ذي القعدة، ونزيد هنا: أنَّه كمُل الخندق في ستَّة أيَّام، قاله ابن سعد، وقال غيره: حفر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه في الخندق بضعَ عشرةَ ليلة، وقيل: أربعًا وعشرين ليلة، ذكر ذلك ابن سيِّد النَّاس في «سيرته».

قوله: (مِنَ النَّصَبِ): هو بفتح النُّون، والصاد المهملة، وبالموحَّدة: التَّعب.

==========

[1] زيد في (ب): (أنَّه).

[2] (لمَّا): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولُ اللهِ).

[ج 1 ص 718]

(1/5466)

[باب حفر الخندق]

قوله: (بَابُ حَفْرِ الْخَنْدَقِ): تَقَدَّم أعلاه [1] الكلام في مدَّة حفره؛ فانظره، وتاريخه.

(1/5467)

[حديث: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة]

2835# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الميمَين، بينهما عينٌ ساكنةٌ، وتَقَدَّم أنَّ (عَبْدُ الْوَارِثِ): هو ابن سعيد التَّنُّوريُّ البصريُّ، الحافظ، أبو عبيدة، وتَقَدَّم أنَّ (عَبْد الْعَزِيزِ): هو ابن صُهَيب.

قوله: (اللَّهُمَّ؛ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ): سيأتي الكلام عليه في (هجرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ فانظره إن أردته.

==========

[ج 1 ص 718]

(1/5468)

[حديث: لولا أنت ما اهتدينا]

2836# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاقَ): أنَّه عَمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ.

قوله: (لَوْلَا أَنْتَ؛ مَا اهْتَدَيْنَا): كذا رُوِي، وهو: (تالله لولا أنت).

2837# قوله: (إِنَّ الأُلَى ... ) إلى آخره: ليس يتَّزن هكذا كما رُوِي، وإنَّما هو: (إنَّ الأُلَى هم قد بَغَوا علينا)، قال شيخنا: قال الدَّاوديُّ: وفي رواية: «إنَّ الأعادي قد بَغَوا»، ولا يتَّزن إلَّا بزيادة «هم» أو «قد»، والله أعلم [1].

(1/5469)

[باب من حبسه العذر عن الغزو]

(1/5470)

[حديث: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم]

2838# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ [1]): تَقَدَّم أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، وقَدَّمتُ بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن معاوية الجعفيُّ، أبو خيثمة، وكذا تَقَدَّم (حُمَيْدٌ): أنَّه الطَّويل ابن تير، وقيل: ابن [2] تيرويه.

قوله: (رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ): (تبوك): في رجب في السنة التاسعة من الهجرة، وقولي: في رجب؛ كذا قاله ابن إسحاق، وسيجيء في (تبوك) ما فيه: (ورجع في رمضان)، والله أعلم.

2839# قوله: (كَانَ): يعني: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (فِي غَزَاةٍ): تَقَدَّم قبيله ما يُرشِد إلى أنَّها تبوك.

قوله: (خَلْفَنَا): هو بإسكان اللَّام.

قوله: (شِعْبًا): تَقَدَّم ما هو.

قوله: (وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ): أمَّا (موسى)؛ فهو شيخ البخاريِّ، وهو ابن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ الحافظ، تَقَدَّم الكلام عليه، ولماذا نُسِب، وقد تَقَدَّم أنَّ البخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلانٌ المُسنَد إليه القولُ شيخُه _ كهذا_؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وقد أخرج هذا الحديث أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن حمَّاد بن سلمة، عن حُمَيد _هو الطويل_ عن موسى بن أنس، عن أنس، وقد قَدَّمتُ أنَّ حمَّاد بن سلمة علَّق له البخاريُّ، وروى له مسلم والأربعة، وهو أحد الأعلام، وهو ثقة صدوق يغلط، وليس هو في قوَّة مالك، له ترجمة مُطوَّلة في «الميزان»، وقد قَدَّمتُ غير مرَّةٍ أنَّ حمَّادًا إذا لم يُقيَّد وكان الرَّاوي عنه سليمان بن حرب أو عارم مُحَمَّد بن الفضل؛ فإنَّه يكون ابنَ زيد، وإن كان الرَّاوي عنه موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ أو عفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، و (موسى بن أنس بن مالك): قاضي البصرة، عن أبيه وابن عبَّاس، وعنه: ابن عون وشعبة، ثقة مُقِلٌّ، أخرج له الجماعة، قديم الوفاةِ.

قوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ): يعني: البخاري: (وَالأَوَّلُ [3] عِنْدِي أَصَحُّ)؛ يعني به: حديث حُمَيد عن أنس، وقد تَقَدَّم من أخرج الثاني أعلاه [4]؛ فانظره.

==========

[1] في (ب): (إدريس)، وهو تحريفٌ.

[2] (ابن): ليس في (ب).

[3] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الأوَّل)؛ بغير واو.

(1/5471)

[4] في (ب): (بظاهرها).

[ج 1 ص 718]

(1/5472)

[باب فضل الصوم في سبيل الله]

قوله: (بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ): هل المراد بـ (سبيل الله): الجهاد، كما هو مفهومُ تبويبِ [1] البخاريِّ في هذا الباب وجعله هنا؟ أو المراد أفعال الخيرِ كلُّها، فالجهاد فرد من أفرادها؟ قال ابن دقيق العيد العلَّامة أبو الفتح القشيريُّ في «شرح العمدة»: (الأكثر فيه استعمالُه في الجهاد، ويحتمل أن يريد بـ «سبيل الله»: طاعته كيف كانت، ويُعبَّر بذلك عن صحَّة القصد والنِّيَّة فيه، والأوَّل أقربُ إلى العُرْف، وقد ورد في بعض الأحاديث جعلُ الحجِّ أو سفره في سبيل الله، وهو استعمالٌ وضعيٌّ)، انتهى، وأمَّا النَّوويُّ؛ فلم يتعرَّض لتفسير (سبيل [2] الله) في «شرح مسلم» في هذا الحديث، لكن قال: (قال القاضي عياض في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أنفق زوجين في سبيل الله»: قيل: هو على العُموم في جميع وجوه الخير، وقيل: مخصوص بالجهاد، والأوَّل أصحُّ وأظهر)، انتهى، وأقرَّه الشَّيخ محيي الدِّين عليه، والبخاريُّ أخرج الحديث المذكور بعد هذا، وبوَّب عليه: (باب فضل النَّفقة في سبيل الله) في (كتاب الجهاد) أيضًا، وممَّا يدلُّ على أنَّ المراد _والله أعلم_: جميع الطَّاعات ما قاله أبو عبس بن جَبْر، كما ذكره البخاريُّ في (باب المشي إلى الجمعة) عن عباية بن رفاعة: قال: (أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «من اغبرَّت قدماه في سبيل الله؛ حرَّمه الله على النَّار»)، فهذا أبو عبس استدلَّ بذلك على أنَّ سبيلَ الله الطاعةُ من حيث هي، والحديث المذكور في «التِّرمذيِّ» و «النَّسائيِّ» أيضًا، والله أعلم.

[ج 1 ص 718]

(1/5473)

[حديث: من صام يومًا في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار .. ]

2840# قوله: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، وكذا تَقَدَّم (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هذا: أنَّه الأنصاريُّ، و (سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ): ذكوان، تَقَدَّم أنَّ البخاريَّ أخرج له مقرونًا، وهذا المكان هو مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاريِّ، وأخرج له مسلم والأربعة، وقد قَدَّمتُ الكلام فيه، وأنَّ [1] ابن معين قال: هو مثل العلاء بن عبد الرَّحمن، وليسا بحجَّة، وقال أبو حاتم: لا يُحتجُّ به، ووثَّقه آخرون، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ): هو بالمثنَّاة تحت، وبالشين المعجمة، والنُّعمان زُرقيٌّ أنصاريٌّ، كنيته أبو سلمة المدنيُّ، واسم والده زيدُ بن الصَّامت، وقيل: زيد بن النُّعمان، وقيل غير ذلك، عن خولة، وأبي سعيد، وجابر، وابن عمر، وعنه: سُمَيٌّ مولى أبي بكر، وسُهَيل بن أبي صالح، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، وطائفة، وثَّقه ابن معين وغيره، وأبوه من جلَّة الأنصار وفرسانهم، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.

قوله [2]: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ، وتَقَدَّم بعض ترجمته.

==========

[1] (أنَّ): سقط من (ب).

[2] (قوله): سقط من (ب).

[ج 1 ص 719]

(1/5474)

[باب فضل النفقة في سبيل الله]

(1/5475)

[حديث: من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة]

2841# قوله: (حَدَّثَنَا [1] سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ): وقع في أصلنا: (سعيد بن حفص)؛ بزيادة ياء، قال ابن قُرقُول في «مطالعه» [2]: («سعد بن حفص: حدَّثنا شيبان»: كذا لهم، وعند القابسيِّ: «سعيد بن حفص»، وهو وَهَم)، انتهى، وما قاله من أنَّه بحذف الياء؛ هو الصَّواب، وأمَّا سعيد بن حفص _بزيادة ياء_؛ فشخص ليس له في «البخاريِّ» شيء، ولا في بقيَّة الكتب إلَّا أنَّ النَّسائيَّ روى له، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): تَقَدَّم أنَّه شيبان بن عبد الرَّحمن النَّحويُّ، وأنَّه منسوب إلى القبيلة، لا إلى صناعة النَّحو، كذا قاله ابن الأثير، وقد قَدَّمتُ غير مرَّةٍ أنَّ ابن أبي داود وغيره قالوا: إنَّ اسم [3] المنسوب إلى القبيلة يزيدُ بن [4] أبي سعيد، لا شيبان النَّحويُّ هذا، انتهى، وكذا تَقَدَّم (يَحْيَى): أنَّه ابن أبي كَثِير؛ بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، وهذا معروف عند أهله، وتَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ [5] فِي سَبِيلِ اللهِ): تَقَدَّم الكلام عليه في (الزَّكاة)، وتَقَدَّم الكلام على (سبيل الله) قريبًا جدًّا.

(1/5476)

قوله: (أَيْ فُل): هو بضَمِّ الفاء، ويجوز في اللَّام الفتحُ والضَّمُّ؛ لأنَّه منادى مُرخَّم، وقال الشيخ محيي الدين النَّوويُّ في «شرح مسلم» في حديث المرباع في أواخر «مسلم»: (إنَّه بإسكان اللَّام، ولفظه هو بضَمِّ الفاء، وإسكان اللَّام؛ ومعناه: يا فلان، وهو ترخيمٌ على خلاف القياس، وقيل: هي لغة بمعنى: فلان، حكاها القاضي)، انتهى، وقال في (الزَّكاة) في «شرح مسلم»: هكذا ضبطناه: (فلُ)؛ بضَمِّ اللَّام، وهو المشهور، ولم يذكرِ القاضي وآخرون غيرَه، وضبطه بعضُهم: بإسكان اللَّام، والأوَّل أصوبُ، قال القاضي: ومعناه: أي فلان، فرَخَّم، ونقل إعرابَ الكلمة [6] في إحدى اللُّغتين في التَّرخيم، وقيل: «فل»: لغة في فلان في غير النّضداء والترخيم)، انتهى، وقال ابن الأثير: (معناه: يا فلان، وليس ترخيمًا؛ لأنَّه لا يقال إلَّا بسكون اللَّام، ولو كان ترخيمًا؛ لفتحوها أو ضمُّوها ... إلى أن قال: وقال قوم: إنَّه ترخيم «فلان»، حُذِفت النُّون؛ للتَّرخيم [7]، والألف؛ لسكونها، وتُفتَح اللَّام وتُضمُّ، على مذهبي التَّرخيم)، انتهى.

قوله: (هَلُمَّ): معناه: أَقبِلْ، وقد تَقَدَّم أنَّ فيها لغتين؛ لغةَ أهل الحجاز: بالإفراد في كلِّ حال، ولغة بني تميم: يُثنَّى ويُجمَع، ويُؤنَّث ويُذكَّر، والأُولى أفصح؛ لمجيء القرآن بها، وهو قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [8] [الأنعام: 150]، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18].

قوله: (لَا تَوَى عَلَيْهِ): هو بفتح المثنَّاة فوق والواو، مقصور، الهلاك، وقال الجوهريُّ: هلاك المال.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (حدَّثني).

[2] في (ب): (مطابقة)، وهو تحريفٌ.

[3] (اسم): ليس في (ب).

[4] (بن): سقط من (ب).

[5] في هامش (ق): (الزوج في اللغة: الفرد، والاثنان: زوجان، وقوله: «من أنفق زوجين في سبيل الله»: قال الحسنُ البصريّ: يعني: اثنين درهمين، دينارين، ثوبين، وقال غيره: يريد شيئين درهمًا ودينارًا، درهمًا وثوبًا).

[6] في (ب): (الكلمتين).

[7] (للترخيم): سقط من (ب).

[8] زيد في (ب): ({الذين}؛ الآية).

[ج 1 ص 719]

(1/5477)

[حديث: إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم .. ]

2842# قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بضَمِّ الفاء، وفتح اللَّام، وأنَّه [1] ابن سليمان، وأنَّه فرد في الكتب السِّتَّة، وكذا تَقَدَّم (هِلَالٌ): أنَّه ابن أبي ميمونة، وهو هلال بن عليٍّ، عن أنس، وعطاء بن يسار، وأبي سلمة، وعنه: مالكٌ وفُلَيحٌ، وهو هلال ابن أسامة _منسوب إلى جدِّه_ وهلال بن أبي هلال، أخرج له الجماعة، قال النَّسائيُّ: ليس به بأس، وقال الواقديُّ: مات في آخر خلافة هشام، وكذا تَقَدَّم (أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ) مرارًا منها أعلاه [2]: أنَّه سعد بن مالك بن سنان.

قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا): هي غضارتها ونعيمها؛ كزهرة النَّبات؛ وهو حسنه، وزهرة الجنَّة: نضرتها وسرورها.

قوله: (فَقَامَ رَجُلٌ): هذا (الرَّجل): لا أعرف اسمه، وقد تَقَدَّم ذلك.

قوله: (أَوَيَأْتِي): هو بفتح الواو؛ لأنَّه استفهام، وقد تَقَدَّم.

قوله: (كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ الطَّيْرَ): (كأنَّ): بتشديد النُّون التي هي مِن أخوات (إنَّ)، و (الطَّير): اسمها، وهو مَنْصوبٌ، وهذا وصف للصَّحابة رضي الله عنهم بالسكون والوقار، وأنَّهم لم يكن فيهم طَيْش ولا خِفَّة؛ لأنَّ الطَّير لا تكاد تقع [3] إلَّا على شيء ساكن.

قوله: (الرُّحَضَاءَ): تَقَدَّم أنَّه بضَمِّ الراء، وفتح الحاء المهملة، وبالضَّاد المعجمة، ممدود؛ وهو عرق الحُمَّى، قاله ابن قُرقُول، وقد تَقَدَّم الكلام [4] عليه، وأنَّ العُرَواء: الحمَّى النَّافض، والبُرحاء: الحمَّى الصَّالبُ، والرُّحَضاء: الحمَّى التي تأخذ بالعروق، والمُطَواء: التي تأخذ بالتَّمطِّي، والثُّؤَباء: التي تأخذ بالتَّثاؤب، قاله الصَّدفيُّ، كما تَقَدَّم نقله عنه.

قوله: (آنِفًا): هو بمدِّ الهمزة وقصرها؛ أي: السَّاعة.

قوله: (أَوَخَيْرٌ هُوَ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الواو، على الاستفهام.

[ج 1 ص 719]

قوله [5]: (وَإِنَّهُ كُلُّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ): (إنَّه)؛ بكسر الهمزة، وهذا ظاهرٌ.

(1/5478)

قوله: (يَقْتُلُ [6] أَوْ يُلِمُّ): كذا في أصلنا، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (يَقتل حَبَطًا)، يقال: حبطتِ الدَّابَّة؛ إذا أكلت المرعى حتَّى ينتفخ جوفها فتموت، وقوله: (أو يلمُّ)؛ أي: يقرب من ذلك، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في (الزَّكاة)، وكذا (ثَلَطَت [7]): أنَّه بفتح اللَّام وكسرها؛ ومعناه: سلحت، و (الثَّلط): الرَّجيع الخفيف، وكذا قوله: (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ).

قوله في التبويب: (أَوْ خَلَفَهُ): هو بتخفيف اللَّام، وكذا في الحديث: (وَمَنْ خَلَفَ).

==========

[1] (أنَّه): سقط من (ب).

[2] (أعلاه): ليس في (ب).

[3] في (ب): (لا يكاد يقع).

[4] زيد في (ب): (الكلام)، وهو تكرارٌ.

[5] (قوله): سقط من (ب).

[6] زيد في رواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (حَبَطًا)، وسقوطها رواية أبي ذرٍّ والأصيليِّ وأبي الوقت.

[7] في هامش (ق): (ثلط؛ بفتح اللَّام في الماضي، وكسرها في المضارع؛ فلينتقب عن الضبط في الأصل، ثمَّ رأيته منقولًا).

(1/5479)

[باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير]

(1/5480)

[حديث: من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا]

2843# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الميمين، بينهما عينٌ ساكنةٌ: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجَّاج، الحافظ المقعَدُ، وتَقَدَّم أيضًا مرارًا (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد التَّنُّوريُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّم (الْحُسَيْنُ): أنَّه ابن ذكوان، المُعلِّم البصريُّ الثِّقة، وكذا تَقَدَّم (يَحْيَى): أنَّه ابن [1] أبي كَثِير، وتَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر، وكذا تَقَدَّم (بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ): أنَّه بضَمِّ الموحَّدة، وبالسين المهملة، وقد تَقَدَّم مَن يقال له: بُسرٌ في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «المُوَطَّأ»، وهو ابن سعيد هذا، وبسر المازنيُّ والد عبد الله بن بُسر، وبُسر بن عبيد الله الحضرميُّ، وبُسر بن محجن، وقد اختُلِف فيه؛ فذهب مالك والجمهور إلى ما ذكرته من الضَّبط، وقال الثَّوريُّ: بشر؛ بالمعجمة، وقال الدَّراقطنيُّ: إنَّ الثَّوريَّ رجع عنه.

قوله: (وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا): تَقَدَّم أنَّه بفتح اللَّام المخفَّفة؛ أي: صار عوضًا عنه في أهله بخير، وإذا فعل ذلك؛ فله أجرُ غازٍ.

==========

[1] (ابن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 720]

(1/5481)

[حديث: إني أرحمها، قتل أخوها معي]

2844# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ) تَقَدَّم مرارًا أنَّه التَّبُوذَكيُّ الحافظ، وقد تَقَدَّم لماذا نُسِب، وكذا تَقَدَّم (هَمَّامٌ): أنَّه ابن يحيى العَوْذِيُّ.

قوله: (لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ): قال شيخنا: (قال ابن أبي صفرة: كانت أمُّ حرام تسكن بقباء، وقال ابن التِّين: يريد: أنَّه كان يكثر ذلك، وإلَّا؛ فقد دخل على أختها أمِّ حرام، ولعلَّها كانت شقيقةً للمقتول، أو وَجَدَت عليه أكثر من أمِّ حرام)، انتهى، وما قاله ابن أبي صفرة حسنٌ، وليس فيه مجازٌ، والله أعلم.

قوله: (قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي): أعرف لأمِّ سُلَيم أخوين _وهما أخوا أمِّ حرام زوج عبادة بن الصَّامت_ حرام وسُلَيم، وأذكرهما في شهداء بئر معونة إن شاء الله تعالى، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يحضر بئر معونة، فيكون مجازًا، قال شيخنا: (أي: في سبيلي)، انتهى، وقال غيره: معيَّة الصحبة اللَّائقة، وقد قال ابن شيخِنا البلقينيِّ: (إنَّ المراد بأخيها: حرام بن ملحان)، انتهى، وفي هذا الحديث: أنَّ أمَّ سُلَيم ليست بخالته، ولا خالة أبيه، ولا أنَّ بينهما رضاعًا مُحرِّمًا؛ لأنَّه علَّل بالعلَّة المذكورة، ولو كان بينهما محرميَّة؛ لذكرها مفردةً أو مجموعةً مع ما علَّل به، وقد تَقَدَّم الكلام على ذلك، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 720]

(1/5482)

[باب التحنط عند القتال]

قوله: (بَابُ التَّحَنُّطِ): هو استعمال الحَنوط _وهو بفتح الحاء_ ما يُطيَّب به الميِّت من طيب يُخلَط، ويقال: الحِناط؛ بكسر الحاء، وقد ذُكِر، وهكذا يفعله مَن تأهَّب للموت، وكان هذا عادةٌ لجماعة من الصَّحابة رضي الله عنهم في الغزوات.

==========

[ج 1 ص 720]

(1/5483)

[حديث: أتى أنس ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط]

2845# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن عون أبو عون، مولى عبد الله بن مُغفَّل المزنيِّ، أحد الأعلام، وأنَّه ليس بابن عون عبد الله بن عون [1] [ابنِ] أميرِ مصر أبي عون عبد الملك، هذا الثاني روى له مسلم والنَّسائيُّ، والله أعلم.

قوله: (ذُكِرَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ): (ذُكِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (يومُ): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، و (اليمامة): مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف، وأربعٍ من مكَّة، سُمِّيت باسم جارية زرقاءَ كانت تُبصِر الرَّاكب من مسيرة ثلاثة أيَّام، يقال: أبصر مِن زرقاء اليمامة، فسُمِّيت اليمامة؛ لكثرة ما أُضِيف إليها، والنِّسبة إليها: يماميٌّ، ووقعة اليمامة كانت في ربيع الأوَّل [2] سنة اثنتي [3] عشرةَ في خلافة الصِّدِّيق، استُشهِد بها أربعُ مئة وخمسون من الصَّحابة، وقيل: ستُّ مئة، ثمَّ قُتِل مسيلمة الكذَّاب عن مئة وخمسين سنة، اشترك في قتله جماعةٌ، سأذكرهم في مكانه إن شاء الله تعالى، قال أنس كما في «صحيح البخاريِّ»: (قُتِل بها سبعون من الأنصار)، والله أعلم.

(1/5484)

قوله: (عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَالَ: وَذَكَرَ [4] يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ: أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ): (أَتى): فعل ماض مبنيٌّ للفاعل [5]، و (أنسٌ): مَرْفوعٌ فاعله، و (ثابتَ): مَنْصوبٌ مفعول، [ولم يقل في الحديث موسى بن أنس: (حدَّثني أنس)، ولا (أَخْبَرني)، ولا (سمعت)، ولا (عن)، وسيأتي قريبًا تصريحُه فيه بـ (عن أنس) من عند البرقانيِّ، وقوله هنا: (وذكر يوم اليمامة) وأين مولد أنس ويوم اليمامة؟! وهي سنة اثنتي [6] عشرةَ كان أنس _إذ ذاك عمرُه_ اثنتين وعشرين سنة، فقد ذكر موسى واقعةً لم [7] يحضرها، ولا كان وُلد بعد؛ فهي مرسلة هنا، والله أعلم] [8]، [و (ثابت)]: هو ثابت بن قيس بن شمَّاس بن زُهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج أبو مُحَمَّد، وقيل: أبو عبد الرَّحمن خطيبُ الأنصار، شهد أُحُدًا، وقُتِل باليمامة، وهو الذي انقطع في بيته حزينًا، وقال: كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنا من أهل النَّار، فرجع إليه الرَّسول ببشارة عظيمة من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: لست من أهل النَّار، ولكنَّك من أهل الجنَّة، وهو الذي رُؤِي في النَّوم بعد قتله، وأجيزت وصيَّتُه بالمنام رضي الله عنه.

قوله: (وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ): أي: كشف.

قوله: (أَنْ لَا تَجِيءَ): كذا في أصلنا على أنَّ (لا) زائدة؛ فـ (تجيءَ): مَنْصوبٌ، وفي نسخة حادثة على هامش أصلنا: (أَلا تجيءُ): (ألا): للاستفتاح، و (تجيءُ) بعد [9]: مَرْفوعٌ؛ لأنَّه لم يتقدَّمْه ناصبٌ ولا جازمٌ.

قوله: (انْكِشَافًا مِنَ النَّاسِ): أي: انهزامًا، اعلم أنَّ الإخباريِّين نقلوا: أنَّ المشركين في اليمامة كانوا أضعاف المسلمين، فالفرار فيها كان مباحًا، وأمَّا ثابت؛ فإنَّه أخذ بالشِّدة في استهلاك النفس في ذاتِ الله، وترك الأخذ بالرُّخصة، والله أعلم.

قوله: (حَتَّى نُضَارِب الْقَوْمَ): هو بنصب (نُضاربَ) ورفعه.

قوله: (بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ): كذا في أصلنا، وهو الصَّواب، وقد رواه المروزيُّ، والمستملي، والحمُّوي: (بئس ما عوَّدَتْكم أقرانكم)، قال ابن قُرقُول: (وهو وَهَمٌ، والصَّواب: «عودتُّم أقرانكم»، كما لأبي الهيثم والجرجانيِّ، يريد: من الجرأة عليكم والإقدام).

(1/5485)

قوله: (رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ): هذا التَّعليق ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وقال شيخنا: ادَّعى الحُمَيديُّ في «جمعه» أنَّ البرقانيَّ وصله [10] عن العبَّاس بن حمدان بالإسناد عن قَبِيصة بن عقبة، عن حمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بلفظ: (انكشفنا [11] يوم اليمامة، فجاء ثابت بن قيس بن شمَّاس، فقال: بئس ما عوَّدتم أقرانكم منذ اليوم)؛ فذكر حديثًا، وذكر مع ذلك كلامًا طويلًا من مُتعلِّقاته، فإن أردته؛ فانظره من «شرحه»، وعزاه أيضًا إلى غيره ... إلى أن قال: قال الحُمَيديُّ: كذا فيما عندنا من كتاب «البخاريِّ» أنَّ موسى بن أنس قال [12]: (أتى أنسٌ ثابتًا)، لم يقل: (عن أنس)، وهو عند البرقانيِّ من حديث موسى بن أنس، عن أبيه قال: (أتيتُ ثابتًا)، وعند ابن سعد ... ؛ فذكره عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس قال: (أتيت على ثابت يوم اليمامة ... ) إلى آخر كلامه، وفيه طولٌ، لكن بفوائدَ.

==========

[1] (عون): سقط من (ب).

[2] (كانت في ربيع الأول): سقط من (ب).

[3] في (ب): (اثني)، ولا يصحُّ.

[4] في (ب): (في ذكر)، وليس بصحيح.

[5] (مبني للفاعل): سقط من (ب).

[6] في (ب): (اثني)، ولا يصحُّ.

[7] في (أ): (لن)، ولعلَّه تحريفٌ.

[8] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله لاحقًا: (وصيته بالمنام رضي الله عنه).

[9] في (ب): (بعده).

[10] في (ب): (ومثله)، وهو تحريفٌ.

[11] في (ب): (تكشفنا).

[12] في (ب): (فإن)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 720]

(1/5486)

[باب فضل الطليعة]

[ج 1 ص 720]

قوله: (بَابُ فَضْلِ الطَّلِيعَةِ): (الطَّليعة): المُتقدِّمة؛ لتطَّلع على أمر العدوِّ، وتشرف على أخباره، وقد تَقَدَّم.

(1/5487)

[حديث: إن لكل نبي حواريًا وحواري الزبير]

2846# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّم أنَّ (سُفْيَان): هو الثَّوريُّ سفيان بن سعيد بن مسروق، أحد الأعلام.

قوله: (مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ يَوْمَ الأَحْزَابِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا) أمَّا (يوم الأحزاب)؛ فهو يوم الخندق، وقد تَقَدَّم تاريخه، وأمَّا قوله: (فقال الزُّبير: أنا)؛ فقد قال ابن سيِّد النَّاس في «سيرته الكبرى» وقد ساق هذا الحديث: كذا في هذا الخبر، والمشهور أنَّ الذي توجَّه؛ ليأتي بخبر القوم حذيفة بن اليماني، كما رُوِّينا عنه من طريق ابن إسحاق وغيره، ثمَّ ساق ذلك، وقد ساقه أيضًا من طريق ابن إسحاق قبل ذكره حديثَ البخاريِّ المذكورَ، وذكره مِن عند ابن عقبة وابن عائذ مختصرًا، انتهى، وكون حذيفة هو الذي أتى بخبر القوم؛ هو في «صحيح مسلم»، أخرجه منفردًا به، والله أعلم، ويحتمل بعثهُما، والله أعلم.

قوله: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا): قال الدِّمياطيُّ: (قال الزَّجَّاج: حواريٌّ: يُنصرِف؛ لأنَّه مُنسوبٌ إلى «حوار»، وليس كـ «بخاتي وكراسي»؛ لأنَّ واحدها: بختيٌّ وكرسيٌّ)، انتهى، والحواريُّ: النَّاصر، وقيل: الخالص، وقيل: الحواريُّون: المجاهدون، وقيل: أصحاب الأنبياء، وقيل: الذين يَصْلُحون للخلافة، حكاه الحربيُّ عن قتادة، وقيل: الأخلَّاء، قاله السُّلميُّ، هذا كلُّه في حواريِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل في أصحاب عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم [1]: كانوا قصَّارين؛ لأنَّهم يبيِّضون الثِّياب، و (الحَوَر): البياض، وكانوا أولاد قصَّارين، وقيل: صيَّادون، وقيل: الحواريُّون: الملوك، فيصحُّ في الزُّبير صحبته للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ونُصرته، واختصاصه به، وإخلاصه له، وقيل: المُفضَّل عندي كفضل الحُوَّاريِّ في الطعام، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يذهب إلى أنَّه اسم مختصٌّ بالزَّبير؛ لتخصيصه عليه الصَّلاة والسَّلام إيَّاه به [2].

(1/5488)

فائدةٌ: حواريُّوه صلَّى الله عليه وسلَّم كلُّهم من قريش؛ وهم: الخلفاء الأربعة، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدة، وعثمان بن مظعون، وعبد الرَّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة، والزُّبير، ومعظم النَّاس لا يُعرَف بذلك إلَّا الزُّبير فقط، فجملتهم: اثنا عشر شخصًا؛ تسعةٌ من العشرة المشهود لهم بالجنَّة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليس منهم، وثلاثة خارج العشرة، والله أعلم.

قوله: (وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ): ضبطه المُحقِّقون _كما قاله عياض_ بفتح الياء؛ كـ (مُصْرِخِيَّ) [إبراهيم: 22]، وضبطه أكثرهم: بكسرها، وقد قَدَّمتُ تفسير (الحواريِّ) أعلاه.

(1/5489)

[باب: هل يبعث الطليعة وحده؟]

(1/5490)

[حديث: إن لكل نبي حواريًا وإن حواري الزبير بن العوام]

2847# قوله: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ): تَقَدَّم أنَّه صدقة بن الفضل المروزيُّ، عن معتمر وابن عيينة، وعنه: البخاريُّ ومُحَمَّد بن نصر المروزيُّ، وكان حافظًا إمامًا ثبتًا، أخرج له البخاريُّ فقط، قال النَّسائيُّ: ثقة، وقال ابن حِبَّان: كان صاحب حديث وسُنَّة، وقال البخاريُّ: مات سنة نَيِّف وعشرين ومئتين، وقال غيره: سنة ستٍّ وعشرين.

قوله: (نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ [1] ... ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ): (ندب)؛ أي: دعاهم فأجابه الزُّبير، والنَّدب أيضًا: الحَثُّ على الشيء.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (قَالَ صَدَقَةُ: أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ).

[ج 1 ص 721]

(1/5491)

[باب سفر الاثنين]

(1/5492)

[حديث: أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما]

2848# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، وقَدَّمتُ شيئًا من ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ): هذا هو عبد ربِّه بن نافع، وهذا هو الصَّغير الحنَّاط، عن ليث بن أبي سُلَيم وعاصم بن بهدلة، وعنه: مُسدَّد وأحمد ابن يونس، صدوق، في حفظه شيءٌ، تُوُفِّيَ سنة (172 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان».

فائدةٌ: أبو شهاب الحنَّاط اثنان؛ أحدهما: الأكبر، واسمه موسى بن نافع الهذليُّ، من أهل الكوفة، يروي عن عطاء بن أبي رَباح، روى عنه: أبو نعيم، ذكر له البخاريُّ حديثًا واحدًا في (كتاب الحجِّ)، والآخر: هذا المذكور هنا الأصغر عبد ربِّه بن نافع المدائنيُّ الحنَّاط، يروي عن يونس بن عبيد، وابن عون، وعاصم الأحول، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، رويا له جميعًا، روى له البخاريُّ في أبوابٍ، حدَّث عنه: أحمد ابن يونس وعاصم بن يوسف، والله أعلم.

قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ): تَقَدَّم أنَّه بكسر القاف، وتخفيف اللَّام، وبعد الألف مُوحَّدة، وأنَّ اسمه عبد الله بن زيد الجرميُّ.

قوله: (عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ): تَقَدَّم الكلام عليه في أوائل هذا التَّعليق، وأنَّه ابن عمِّه، وهو ليثيٌّ.

قوله: (فَقَالَ لَنَا أَنَا وَصَاحِبٌ لِي): ذكرتُ مَن هو صاحبُه في أوائل هذا التَّعليق.

==========

[ج 1 ص 721]

(1/5493)

[باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

(1/5494)

[حديث: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

2850# قوله: (عَنْ حُصَيْنٍ وَابْنِ أَبِي السَّفَرِ [1]): أمَّا (حُصَين)؛ فقد تَقَدَّم أنَّ الأسماء: بالضَّمِّ في الحاء وفتح الصاد المهملتين، إلَّا حُضَين بن المنذر أبا ساسان؛ فإنَّه بالضَّاد المعجمة، وأنَّ الكنى: بالفتح، قال الدِّمياطيُّ: (حُصَين بن عبد الرَّحمن أبو الهذيل الكوفيُّ، انفرد بأخيه سَلْمٍ مسلمٌ، وأمَّا «ابن أبي السَّفَر»؛ فاسمه عبد الله بن يُحمِد، ويقال: أحمد)، انتهى، و (ابن أبي السَّفَر)؛ بفتح السين والفاء، و (يُحمِد): قال الدَّراقطنيُّ: (بضَمِّ الياء، وكسر الميم)، قال: (وأصحاب الحديث يقولون: يَحمِد؛ بفتح الياء)، وقوله في سَلْم: أنَّه انفرد به مسلم؛ يعني: عن البخاريِّ، وقد أخرج له الأربعة، وفيه كلام، وله ترجمة في «الميزان» قبيحةٌ، ومفهوم كلامه: أنَّ حُصَينًا أخرجا له، وهو كذلك، بل قد أخرج له الجماعة السِّتَّة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، و (ابن أبي السَّفَر): مجرور معطوف على (حُصَين)؛ فاعلمه.

قوله: (عَنِ الشَّعْبِيِّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الشِّين المعجمة، وأنَّ اسمَه عامرُ بن شَراحيل.

قوله: (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ)، ثمَّ قال في آخره: (عُرْوَةَ بْن أَبِي الْجَعْدِ): وهو كذلك، اختُلِف فيه: هل هو ابن الجَعْد أو ابن أبي الجَعْد البارقيُّ؟

[ج 1 ص 721]

وبارقٌ: بطن من الأزد، صحابيٌّ نزل الكوفة، له أحاديثُ، وعنه: قيس بن أبي حَازم؛ بالحاء المهملة، والشَّعبيُّ، ولُمازة بن زَبَّار، وشبيب بن غرقدة، وسماك بن حرب، وأبو إسحاق، وآخرون، وله أيضًا عن عمر وغيره، قيل: استعمله عمر على قضاء الكوفة، وضمَّ إليه سَلْمانَ بنَ ربيعة قبل أن يستقضي شريحًا، قال الشَّعبيُّ: عروة أوَّل مَن قضى بالكوفة [2]، أخرج له الأئمة السِّتَّة، وأحمد في «المسند»، ولا أعرف تاريخَ وفاته رضي الله عنه.

(1/5495)

قوله: (قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ [3]: عُرْوَةُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ): (سليمان) هذا: هو ابن حرب، أبو أيُّوب، الواشحيُّ البصريُّ، قاضي مكَّة، تَقَدَّم بعض ترجمته، وقد تَقَدَّم أنَّ سليمان بن حرب شيخ البخاريِّ وأبي داود، وإذا كان كذلك؛ فقوله: (قال سليمان)؛ يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا؛ يعني: أنَّ شعبة رواه عن حُصين وابن أبي السَّفَر عن الشَّعبيِّ: (عن عروة بن الجَعْد)، ورواه سليمان _يعني: ابن حرب، كما تَقَدَّم_ عن شعبة، عن حُصَين: (عروةُ بن الجَعْد).

فالحاصل: أن شعبة اختُلِف عليه؛ فرواه حفص [4] بن عمر [5] عنه: (عروة بن الجَعْد)، ورواه سليمان عنه: (عروة بن أبي الجَعْد)، وقد اختُلِف فيه على الشَّعبيِّ، فرواه [6] حُصَين وابن أبي السَّفَر عنه: (عروة بن الجَعْد)، ورواه حُصَين: (عروة بن أبي الجَعْد)، فاضطرب حصين في روايته عن الشَّعبيِّ: هل هو عروة بن الجَعْد أو ابن أبي الجَعْد؟ وسيأتي الكلام على متابعة مُسدَّد.

قوله: (تَابَعَهُ مُسَدَّدٌ): الضَّمير في (تابعه) يعود على سليمان بن حرب، فرواه مُسدَّد عن هُشَيم [7]_هو [8] ابن بشير_ عن حُصَين _هو ابن عبد الرَّحمن_ عن الشَّعبيِّ؛ وهو عامر بن شَراحيل، فقال أيضًا: (عروة بن أبي الجَعْد)، ومُسدَّد [9] شيخُه وشيخُ أبي داود، فقوله: (تابعه): الظاهر أنَّها مثل: (قال)، فيكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، والله أعلم، وقد روى متابعة مُسدَّدٍ البخاريُّ في (الخمس)، لكن [10] عن مُسدَّد، عن خالد بن عبد الله، عن حُصَين، عن الشَّعْبيِّ به.

(1/5496)

[حديث: البركة في نواصي الخيل]

2851# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو يحيى بن سعيد القطَّان، الحافظ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو التَّيَّاح): أنَّه بفتح التَّاء المثنَّاة فوقُ، وتشديد المثنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، قال الدِّمياطيُّ: (أبو التَّيَّاح لقبٌ، وكنيته أبو حمَّاد، واسمه يزيد [1] بن حُمَيد الضُّبَعيُّ، مات سنة «128 هـ») انتهى.

==========

[1] في (ب): (بريد)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 722]

(1/5497)

[باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر]

(1/5498)

[حديث عروة: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة .. ]

2852# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّم (زَكَرِيَّاءُ): أنَّه ابن أبي زائدة، الهمدانيُّ الوادعيُّ، الحافظ [1]، وكذا تَقَدَّم (عَامِر): أنَّه ابن شَراحيل الشَّعبيُّ، و (عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ) تَقَدَّم قريبًا.

==========

[1] في (ب): (الحفظ)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 722]

(1/5499)

[باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}]

قوله: (مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ): (احتبس)؛ أي: وقف، واللُّغة الفُصحى: أحبس، قال الخطَّابيُّ: ويقال: حَبَس؛ مخفَّفًا، وحَبَّس؛ مُشدَّدًا.

==========

[ج 1 ص 722]

(1/5500)

[حديث: من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده]

2853# قوله: (إِيمَانًا بِاللهِ وَتَصْدِيقًا): تَقَدَّم الكلام على (إيمانًا) وعلى (تصديقًا) في أوائل هذا التَّعليق.

قوله: (فَإِنَّ شِبَعَهُ [1]): هو بفتح الباء؛ وهو نقيضُ الجوع، وهو مصدر من مصادر الطَّبائع، و (الشِّبْع)؛ بإسكانها: ما أشبعك من شيء، وفي أصلنا: الباء مفتوحة وساكنة بالقلم، وعليها: معًا.

قوله: (وَرِيَّهُ): (الرِّيُّ)؛ بكسر الرَّاء، مُشدَّد [2] الياء، ويجوز فتح الرَّاء مع التشديد، وقد تَقَدَّم.

==========

[1] في (ب): (شعبه)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (مشددة).

[ج 1 ص 722]

(1/5501)

[باب اسم الفرس والحمار]

(1/5502)

[حديث: هل معكم منه شيء؟ قال: معنا رجله. فأخذها النبي فأكلها]

2854# قوله: (حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ): هو بضَمِّ الفاء، وفتح الضَّاد، وهذا ظاهرٌ عند أهله معروفٌ، وكذا قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ): هو بالحاء المهملة، سلمة بن دينار، تَقَدَّم مرارًا، وكذا قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ): تَقَدَّم أنَّ (أبا قتادة) اسمه الحارث بن ربعيٍّ، وقيل: النُّعمان، وقيل: عمرو، فارس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غيرَ مرَّةٍ، وقد تَقَدَّم الكلام على عدم إحرام أبي قتادة ومجاوزته الميقات غير مُحرِم في (الحجِّ).

قوله: (يُقَالُ لَهُ: الْجَرَادَةُ): هو كواحد (الجراد)، معروفٌ.

قوله: (فَعَقَرَهُ): أي: أصابَ مقاتله.

==========

[ج 1 ص 722]

(1/5503)

[حديث: كان للنبي في حائطنا فرس يقال له: اللحيف]

2855# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ): هذا هو الحافظ الكبير الجِهبذ ابن المَدينيِّ.

قوله: (حَدَّثَنِي [1] أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ): (أُبَيٌّ)؛ بضَمِّ الهمزة، وفتح الموحَّدة، وتشديد الياء، و (عبَّاس)؛ بالموحَّدة، وبالسِّين المهملة: ابن سهل بن سعد السَّاعديُّ المدنيُّ، عن أبيه وأبي بكر ابن حزم، وعنه: معن القزَّاز، وابن أبي فُدَيك، وزيد بن الحُباب، وجماعة، قال الدُّولابيُّ: ليس بالقويِّ، انتهى، وضعَّفه ابن معين أيضًا، وقال أحمد: مُنكَر الحديث، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد أخرج له البخاريُّ، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، قال في ترجمته [2] الذَّهبيُّ في «الميزان» _وقد ذكر هذا الحديث الذي هنا_: (كان لرسول الله عليه وسلم فرسٌ خلف حائط يقال له: اللُّحيف)، وفي رواية: (المجيب): كذا أورده الذَّهبيُّ، ثمَّ قال: (قلت: وإن لم يكن بالثبت؛ فهو حسنُ الحديث، وأخوه عبد المهيمن واهٍ).

قوله: (فِي حَائِطِنَا): تَقَدَّم ما (الحائط)؛ وهو البستان.

(1/5504)

قوله: (يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ بَعْضُهُم: اللُّخَيْفُ [3]): و (بعضهم): لا أعرفه [4]، و (اللُّحَيف) الأوَّل: هو بضَمِّ اللَّام، وفتح الحاء المهملة، وفي آخره فاءٌ، والثَّاني كهو إلَّا أنَّه بالخاء المعجمة، قال ابن قُرقُول: (اللُّحَيف: اسم فرس للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، على لفظ التصغير، وضبطناه عن عامَّة شيوخنا، وعند ابن سرَّاج: بفتح اللَّام، وكسر الحاء [5]، على وزن «رَغِيف»، وكذا ذكره الهرويُّ، سُمِّي بذلك؛ لطول ذنبه، فهو بمعنى «فاعل»، كأنَّه يلحف الأرضَ به، قال البخاريُّ: وقال بعضهم: بالخاء [6]_قال بعض الحُفَّاظ المصريِّين في «بعضهم»: هي رواية الواقديِّ عن ابن عبَّاس بسنده المذكور، انتهى_ والأوَّل: هو المعروف، انتهى) [7]، وفي «سيرة ابن سيِّد النَّاس»: (أهداه له ربيعة بن أبي [8] البراء [9])، وفي مكان آخر منها: (ابن البراء)؛ فيحرَّر، فإنِّي لا أعرف هذا الرَّجل بإسلام، وقال النَّوويُّ في «تهذيبه»: (أهداه له ربيعة بن البراء، فأثابه [10] عليه فرائض) انتهى، [زاد شيخنا: (من نعم بني كلاب)] [11]، وقال ابن الأثير في (اللُّخَيف): (ويُروى بالجيم والحاء) انتهى، وذكر في (اللَّام مع الجيم): (اللُّجيف)؛ يعني: بالجيم، قال: (هكذا رواه بعضهم، فإن صحَّ؛ فهو من السُّرعة)، وقال النَّوويُّ في «تهذيبه»: (اللُّحَيف؛ بضَمِّ اللَّام، وفتح الحاء المهملة، وقيل: بالمعجمة، وقيل: النُّحَيف؛ بالنُّون) انتهى، وقال ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: (أهداه له فَرْوة بن عمرو الجذاميُّ من أرض البلقاء) انتهى.

فائدةٌ: له عليه الصَّلاة والسَّلام سبعة أفراس مُتَّفق عليها، كما قاله الدِّمياطيُّ الحافظ؛ وهي: سلب [12]، ولُخَيف [13]، وسبحة، وظرِب [14]، ولزاز، ومرتجز، وورد، وقد نظم ذلك ابن جماعة في بيت، فقال: [من البسيط]

~…والخَيْلُ سلبٌ لُحَيفٌ [15] سبحةٌ ظرِبٌ…لزازُ مرتجزٌ وردٌ لها اسْرَارُ

انتهى، وقيل: كانت له أفراس أُخَر غيرها؛

[ج 1 ص 722]

(1/5505)

وهي: الأبلق، حمل عليه بعضَ أصحابِه، وذو العُقَّال؛ بضَمِّ العين المهملة، وبعضهم يُشدِّد قافه، وبعضهم يُخفِّفها؛ وهو ظلع في قوائم الدَّوابِّ، وذو اللِّمة، واللِّمة: بين الوفرة والجُمَّة، فإذا وصل شعر الرَّأس إلى شحمة الأذن؛ فهي وفرة، وإذا زادت حتَّى ألمَّت بالمنكبين؛ فهي لمَّة، فإذا زادت؛ فهي الجُمَّة، وفي «صحاح الجوهريِّ» في ذلك تناقض، وسأذكره إن شاء الله تعالى، والمرتجل، والارتجال: خلط الفرس [16] العَنَق بالهَمْلَجة، وهما ضربان من السَّير، والمِرواح: من الرِّيح؛ لسرعته، والسِّرحان؛ وهو الذئب، وهذيل تسمِّي الأسد بذلك، واليعسوب؛ وهو طائر، وهو أيضًا أمير النَّحل، والسَّيِّد يعسوب قومه، واليعسوف: غرَّة تستطيلُ في وجه الفرس، واليعبوب؛ وهو الفرس الجواد، وجَدْول يعبوب: شديد الجري، والبحر؛ وهو كميت، والأدهم، والشَّحَّاء، من قولهم: فرس بعيد الشَّحوة؛ أي: بعيد الخطوة، والسِّجْل: قال ابن الأثير: (أخاف أن يكون أحدهما تصحيف من الآخر)، ومُلاوح، والطِّرف، والنَّجيب، وذكر السُّهيليُّ في خيله: الضَّريس، وذكر ابن عسكر فيها: مندوبًا، وفي «الجهاد» لابن أبي عاصم: فرس أدهم يقال له: السَّقْب، قاله شيخنا، انتهى، ولعلَّه لغة في سكب [17]، وذلك لأنَّ الكاف والقاف أختان، وقد قرئ: {فَلَا تَقْهَرْ} [الضُّحى: 9] و {تكهر}، و {قشطت} و {كُشِطَتْ} [التكوير: 11]، ويقال: كافور، وقافور، وكُسْت [18]، وقسط، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (حدَّثنا).

[2] في النُّسختين: (ترجمة)، ولعلَّه تحريفٌ.

[3] كذا في النُّسختين و (ق)، وعليها فيها علامة الزِّيادة وعلامة رواتها، وهي رواية أبي ذرٍّ والأصيليِّ وأبي الوقت، وقول أبي عبد الله ليس في رواية «اليونينيَّة».

[4] (وبعضهم لا أعرفه): سقط من (ب).

[5] في (ب): (الخاء)، وهو تصحيفٌ.

[6] في (ب): (بالحاء)، وهو تصحيفٌ.

[7] (والأوَّل هو المعروف): سقط من (ب).

[8] (أبي): سقط من (ب).

[9] زيد في (ب): (فأتابه عليه فرائض، انتهى زاد شيخنا: من نعم بني كلاب).

[10] في (ب): (فأتابه)، وهو تصحيفٌ.

[11] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[12] كذا في النُّسختين، ولعلَّ الصَّواب: (سكب)، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[13] في (ب): (ونحيف)، وكلاهما صحيحٌ.

[14] في (ب): (وضرب)، وهو تحريفٌ.

(1/5506)

[15] في (ب): (والخيل سكب نحيف).

[16] زيد في (ب): (من)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[17] في (ب): (سقب)، وهو تحريفٌ.

[18] في (ب): (وكسط).

(1/5507)

[حديث: يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟]

2856# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): الظَّاهر أنَّه ابن راهويه، ومستندي في ذلك أنِّي رأيت الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» وكذا الذَّهبيُّ في «تذهيبه» ذكرا في ترجمة يحيى بن آدم: أنَّه روى عنه ابنُ راهويه، والله أعلم، وقد تَقَدَّم (أَبُو الأَحْوَصِ): أنَّه [بالحاء والصَّاد المهملتين، وأنَّ اسمه سلَّام _بتشديد اللَّام_ ابنُ سُلَيم؛ بضَمِّ السِّين، وفتح اللَّام، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاقَ) هذا: هو السَّبيعيُّ] [1] عَمرو بن عبد الله، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، و (مُعَاذ): هو ابن جبل، تَقَدَّم ببعض ترجمة.

قوله: (كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): تَقَدَّم أنَّ ابن منده أبا زكريَّا يحيى جمع أردافَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد ذكرت منهم مَن وقفتُ عليه في (كتاب الإِيمان).

قوله: (عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ): هو بضَمِّ العين المهملة _على المشهور، وزعم القاضي عياض أنَّه بالمعجمة، وردَّ عليه أبو عمرو بن الصَّلاح، وقال النَّوويُّ: اتَّفقوا على تغليطِه، ثمَّ اعلم أنَّ عُفَيْرًا مات في حجَّة الوداع فيما قيل، قاله الشَّيخ محيي الدِّين عن ابن الصَّلاح، وهو بضَمِّ العين، كما تَقَدَّم، وأمَّا يعفور؛ فإنَّه طرح نفسه في بئرٍ يومَ مات النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم_[وفتح الفاء، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ راء، وهو تصغير (أعفر)، أخرجوه عن أصله، كما قالوا في أسود: سويدٍ] [2]، واعلم أنَّ هذا الحمار أهداه له المقوقس، وله عليه الصَّلاة والسَّلام حمار آخر يقال له: يعفور [3]، أهداه له فَرْوة بن عمرو الجذاميُّ، ويقال: إنَّ يعفورًا وعُفَيْرًا واحد، قال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدِّين: (والظَّاهر أنَّهما واحد)، انتهى، وذُكِر أنَّ سعد بن عُبادة أعطى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حمارًا، فركبه، وفي لفظ بعضهم: ومن الحمير: عُفَيْر، وكان أشهبَ، أهداه له المقوقس، وحمارٌ آخرَ أهداه له فَرْوة الجذاميُّ، وذُكِر أنَّ سعد بن عبادة أعطى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حمارًا، فركبه؛ فهذه ثلاثة [4] حمير.

(1/5508)

فائدةٌ: يعفور: قيل كلَّم النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال: (يا رسول الله؛ أنا زياد بن شهاب)، وسيأتي (يزيد بن شهاب، وكان في آبائي ستُّون حمارًا كلُّهم ركبه نبيٌّ، فاركبني أنت)؛ ذكر ذلك السُّهيليُّ في (غزوة بدر) في «روضه»، عن ابن فورك في كتاب «الفُصول»، قال السُّهيليُّ: (وزاد الجوينيُّ في كتاب «الشَّامل» أنَّ [5] النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا أراد أحدًا من أصحابه؛ أرسل هذا الحمار إليه، فذهب حتَّى يضرب الباب برأسه، فيخرج الرجل، فيعلم أنَّه قد أُرسِل إليه، فيأتي النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى كلامه، ثمَّ اعلم أنَّ الذَّهبيَّ ذكر في «ميزانه» مُحَمَّد بن مزيد روى: (عن أبي حذيفة النهديِّ)، ذكر ابن أبي حاتم أنَّه روى عن أبي حذيفة هذا الخبرَ الباطل، عن عبد الله بن حبيب، عن أبي عبد الرَّحمن السُّلميِّ، عن أبي منظور، وكانت له صحبة قال: (لمَّا فتح الله على نبيِّه خيبرَ؛ أصابه من سهمه أربعةُ أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب، وحمار أسود، فكلَّم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحمارَ، فقال: «ما اسمك؟» فقال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدِّي ستِّين حمارًا كلُّهم لم يركبهم إلَّا نبيٌّ، ولم يبق من نسل جدِّي غيري، ولا مِن الأنبياء غيرك أتوقَّعك أن تركبني، وقد كنت قبلك لرجل من اليهود، وكثيرًا أعثرتُه عمدًا، وكان يُجيع بطني، ويضرب ظهري، فقال له [6] النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «قد سمَّيتك يعفورًا، تشتهي الإناث؟»، قال: لا، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يركبه في حاجة، فإذا نزل عنه؛ بعث به إلى باب رجل، فيأتي الباب، فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحبُ الدَّار؛ أومأ إليه أن أجبْ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا قُبِض النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التَّيِّهان [7]، فتردَّى فيها، فصارت قبره؛ جزعًا منه على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، قال ابن حِبَّان: (خبرٌ لا أصل له، وإسنادُه ليس بشيء، وقال ابن الجوزيِّ: لعن الله واضعه)، انتهى، ولفظ ابن الجوزيِّ في «موضوعاته»: (لعن الله واضعَه، فإنَّه لم يقصد إلَّا القدح في الإسلام والاستهزاء به، وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بمُحَمَّد بن مزيد)، انتهى، ورأيت في حاشية على «روض السُّهيليِّ» عند كلام السُّهيليِّ ما قدَّمته عن ابن دحية أنَّه قال: (هذا كلُّه موضوعٌ قصد

(1/5509)

واضعُه _لعنه الله_ القدحَ في الإسلام والاستهزاء به، وهو راويه [8] مُحَمَّد بن مزيد، لا يجوز الاحتجاج به عندهم) انتهى، وقال شيخنا الشَّارح: (قال أبو [9] القاسم _يعني: ابن عساكر_: هذا حديث غريب، وفي إسناده غير واحد مِن المجهولين)، ثمَّ ذكر كلام ابن حِبَّان، انتهى، وقال شيخي [10] العراقيُّ

[ج 1 ص 723]

في «سيرته» [11]:

~…وَكَوْنُهُ كَانَ اسْمُهُ زِيَادَا…أَوْ فَيَزيدُ مُنْكَرًا إِسْنَادًا

(1/5510)

[حديث: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا]

2857# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الموحَّدة وتشديد الشِّين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، مرارًا، وقد قَدَّمتُ ما البُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدرٌ) ضبطًا، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر، وقَدَّمتُ مَن لقَّبه بذلك.

قوله: (يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ): تَقَدَّم قريبًا الكلام عليه، وكذا (وَإِنْ وَجَدْنَا [1]): وأنَّ (إِنْ) بكسر الهمزة وإسكان النُّون، وتَقَدَّم الكلام على (لَبَحْرًا) [2]؛ أي: أنَّه شديد الجري واسعُ الخطو، وأنَّه كان فرسًا يُبَطَّأ، فكان بعد ذلك لا يُسبَق.

(1/5511)

[باب ما يذكر من شؤم الفرس]

(1/5512)

[حديث: إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار]

2858# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة [1] أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ؛ فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ): وفي الرِّواية الآتية: «إن كان في شيء؛ ففي المرأة، والمسكن، والفرس» اختلف العلماء في هذا الحديث، فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأنَّ الدَّار قد يجعل الله سكناها سببًا للضَّرر والهلاك، وكذا اتِّخاذ المرأة المَعِينة أو الفرس قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله؛ ومعناه: قد يحصل الشُّؤم في هذه الثَّلاثة، كما صرَّح به في رواية: «إن كان الشُّؤم في شيء»، وقال الخطَّابيُّ وكثيرون: (هو في معنى الاستثناء من الطِّيَرة؛ أي: الطيرة منهيٌّ عنها إلَّا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس؛ فليفارقِ الجميع بالبيع ونحوه، ويُطلِّق المرأة، وقال آخرون: شؤم الدَّار ضيقُها، وسوء جيرانها، وأذاهم، زاد شيخنا: وألَّا يُسمَع فيها أذان)، انتهى، وشؤم المرأة عدم ولادتها، وسلاطة لسانها، وتعرُّضها للرِّيَب، زاد شيخنا: (قال عروة: أوَّل شؤمها كثرةُ مهرها)، انتهى، وشؤم الفرس ألَّا يُغزَى عليها، وقيل: حِرَانها وغلاءُ ثمنها، وقيل غير ذلك، والله أعلم، ورأيت في كتاب «الخيل» للحافظ الدِّمياطيِّ _وقد قرأتُه أجمع بالقاهرة على الشيخ المسند ناصر الدين الطبردار بسماعه له [2] على الدِّمياطيِّ_ من رواية سالم بن عبد الله مُرسَلًا: (إذا كان الفرس ضروبًا؛ فهو مشؤوم، وإذا كانت المرأة قد عَرفْت زوجًا قبل زوجها، فحنَّت إلى الزَّوج الأوَّل؛ فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدةً من المسجد لا يُسمَع فيها الأذانُ والإقامة؛ فهي مشؤومة)، وإسناده ضعيف، قال شيخنا الحافظ العراقيُّ، ووصله صاحبُ «مسند الفردوس» بذكر ابن عمر فيه، وللطَّبرانيِّ من حديث أسماء بنت عُمَيس قالت: يا رسول الله؛ ما سوءُ الدَّار؟ قال: «ضيق ساحتها، وخبث جيرانها» قيل: فما سوء الدَّابَّة؟ قال: «منعها ظهرَها، وسوءُ خلقها» قيل: فما سوء [3] المرأة؟ قال: «عقم نسلها، وسوء خلقها»، وسندُه ضعيفٌ.

(1/5513)

فائدةٌ: قال شيخنا: (وكانت عائشة [4] تنكر الشُّؤم، وتقول: إنَّما حكاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أهل الجاهليَّة وأقوالهم، ومقتضى كلامِه: أن يكون هذا في «الحلية» لأبي نعيم، ثمَّ ذكر _يعني: أبا نعيم_ بإسناده إلى أبي حسَّان: أنَّ رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها، فقالا: إنَّ أبا هريرة يُحدِّث أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: إنَّما الطِّيَرة في المرأة، والدار، والدَّابَّة)؛ فذكرت كلمة معناها: غلط، ولكن كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: كان أهل الجاهليَّة تقول الطِّيَرة في ذلك) انتهى، ثمَّ ذكر بعده بقليل أنَّ ابن التِّين قال: (وقيل: إنَّ الراوي لم يسمع أوَّل الحديث، وهو «الجاهليَّة تقول: الشُّؤم في ثلاث ... »، فحكى ما سمع) انتهى، ونقل شيخنا [5] في «الطِّبِّ» عن ابن الجوزيِّ قال: (غلَّطتْ عائشةُ على مَن روى هذا الحديث، وقالت: إنَّما كان أهل الجاهليَّة تقول: الطِّيَرة في كذا وكذا، وهو ردٌّ لصريح رواية الثِّقات، والصَّحيح أنَّ المعنى: إن خيف في شيء أن يكون سببًا لما يُخاف شرُّه ويُتشاءَم؛ فهذه الأشياء، لا على السَّبيل الذي يظنُّه أهل الجاهليَّة من الطِّيَرة والعدوى) انتهى.

فائدةٌ ثانيةٌ: رأيت في «المستدرك» للحاكم في (سورة الحديد): أنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «كان أهل الجاهليَّة يقولون: إنَّما الطِّيَرة في المرأة، والدَّابَّة، والدَّار»، ثمَّ قرأت: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] صحيحٌ، وأقرَّه عليه الذَّهبيُّ [6] في «تلخيصه».

ثالثةٌ: ذكر ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: حكيم بن معاوية النُميريَّ، قال البخاريُّ: في صحبته نظر، قال ابن عبد البَرِّ: (كلُّ مَن جمع في الصَّحابة ذكره فيهم، وله أحاديثُ منها: أنَّه سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لا شؤمَ وقد يكون اليُمْن في الدَّار، والمرأة، والفرس» [7]، وهو في «التِّرمذيِّ» من حديثه: «لا شؤمَ وقد يكون اليُمن في الدَّار، والمرأة، والفرس»، ورواه ابن ماجه، فسمَّاه مخمر [8] بن معاوية، وهو حديث ضعيف) انتهى [9].

(1/5514)

رابعةٌ: ذكر السِّلَفيُّ [10] الحافظ في «الطُّيوريَّات» من الجزء العشرين في حديث مسلسل بالسؤال بإسناده إلى سالم بن عبد الله عن أبيه: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: [«الشُّؤم في ثلاث ... »؛ فذكرهنَّ، فذكر بسنده إلى سالم قال: سألت أبي عن معنى هذا الحديث، وقد صحَّ عنه عليه السَّلام أنَّه قال] [11]: «البركة في ثلاث؛ في الدَّار، والمرأة، والدَّابَّة»، فقال أبي: سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن معنى هذا الحديث، وقد سمعناك تقول: «البركة في ثلاث؛ في [12] الفرس، والمرأة، والدَّار»، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «إذا كان الفرس ضروبًا؛ فهو مشؤوم، وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجًا قبل زوجها، فحنَّت إلى الزَّوج الأوَّل؛ فهي مشؤومة، وإذا كنَّ بغير هذا الوصف؛ فهي مباركات»، كذا في النُّسخة التي نقلت منها، ولعلَّه سقط بعد «المرأة؛ فهي مشؤومة» ما ذكرتُه عن كتاب «الخيل» للدِّمياطيِّ، وهو «وإذا كانت الدار بعيدةً من المسجد لا يُسمَع فيها الأذان والإقامة؛ فهي مشؤومة»، والله أعلم.

==========

[1] (كثيرة): سقط من (ب).

[2] (له): سقط من (ب).

[3] في (ب): (شؤم)، والمثبت موافقٌ لما في الطَّبراني».

[4] زيد في (ب): (رضي الله عنها).

[5] زيد في (ب): (عن ابن التِّين)، وهو تكرارٌ.

[6] زيد في (ب): (عليه)، وهو تكرارٌ.

[7] زيد في (ب): (انتهى).

[8] في (ب): (مُحَمَّد)، وهو تحريفٌ.

[9] في (ب): (قوله).

[10] في (ب): (السليقي)، وهوتحريفٌ.

[11] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[12] (في): سقط من (ب).

[ج 1 ص 724]

(1/5515)

[حديث: إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن]

2859# قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ): تَقَدَّم مرارًا [1] أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّه سلمة.

(1/5516)

[باب: الخيل لثلاثة]

(1/5517)

[حديث: الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر]

2860# قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ اسمه ذكوان.

قوله: (فِي طِيَلِهَا): تَقَدَّم الكلام فيه ضبطًا ومعنًى.

قوله: (كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ): (حسناتٍ): مَنْصوبٌ خبر (كان)، وعلامة النَّصب فيه الكسرة، وكذا التي بعد هذا في هذا الحديث.

قوله: (فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ): تَقَدَّم الكلام على (استنَّت)، وعلى الشَّرَف، وكذا (نِوَاء): ضبطًا ومعنًى، وأنَّه بكسر النُّون، ممدودٌ، وكذا على (الْفَاذَّة): وأنَّه بالذَّال المعجمة، ومعناه: الفَرْدَة.

==========

[ج 1 ص 724]

(1/5518)

[باب من ضرب دابة غيره في الغزو]

(1/5519)

[حديث: من أحب أن يتعجل إلى أهله فليعجل]

2861# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ): هو بفتح العين وكسر القاف، قال الدِّمياطيُّ: (بشير بن عقبة الدَّورقيُّ النَّاجيُّ)، انتهى، و (بشير)؛ بفتح الموحَّدة وكسر الشِّين المعجمة: أبو عَقيل الدَّروقيُّ، يروي عن مجاهد والحسن، وعنه: القطَّان، ومسلم بن إبراهيم، وعدَّة، ثقة، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وثَّقه ابن معين وغيرُه.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ): قال الدِّمياطيُّ: (عليُّ بن داور، وقيل: داود النَّاجيُّ)، انتهى، قد تَقَدَّم بعض ترجمة أبي المُتوكِّل، و (النَّاجيُّ): بالنُّون والجيم، مُشدَّد الياء، وهذا معروف عند أهله.

[ج 1 ص 724]

قوله: (سَافَرْتُ مَعَهُ [فِي] بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لَا أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً): فذكر قصَّة بيع الجمل، (تَقَدَّم غير مرَّةٍ أنَّ قصَّة بيع الجمل) [1] علَّق البخاريُّ فيما تَقَدَّم أنَّها في تبوك، وقد قَدَّمتُ أنَّ ابن سيِّد النَّاس ذكرها _والظاهر أنَّه مِن عند ابن إسحاق_ في ذات الرِّقاع، وسيأتي في (باب الصَّلاة إذا قدم من سفر) قبل (فرض الخمس): (فلمَّا قدم صرار ... )؛ الحديث، و (صرار): مكانٌ قريبٌ من المدينة من ناحية العراق، وفي «مسلم»: (رجعنا من مكَّة إلى المدينة)؛ فذكر بيع الجمل، والله أعلم.

قوله: (عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ): هو بفتح الهمزة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ ميم مفتوحة، ثمَّ كاف، وهو الذي في لونه كُدُورة؛ قاله ابن الأثير، وفي «المطالع»: (هو الأورق، وقيل: الرُّمْكَة: لون الرَّماد، ويقال: أَرْبَك؛ بالباء أيضًا، والميم أشهرُ) انتهى.

قوله: (لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ): (الشِّيَة): بكسر الشِّين المعجمة، ثمَّ مثنَّاة تحت مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث؛ مثل قوله تعالى: {لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71]؛ أي: لون يخالف سائر الألوان، وهو من وشيت الثوب أصلها: وشية، وقال نفطويه: الشِّيَة: اللَّون.

قوله: (إِذْ قَامَ عَلَيَّ)؛ معناه: وقف من الإعياء والكلال، قال تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20]، أي: وقَفُوا.

قوله: (فَضَرَبَهُ بِصَوْتِهِ): كذا في أصلنا، وصوابه: بسَوطِه [2]، وهذا ظاهرٌ لا شكَّ فيه.

قوله [3]: (فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ): (طوائف): جمع غير منصرف، لكنَّه هنا أُضِيف؛ فانجرَّ بالكسرة على القاعدة.

(1/5520)

قوله: (فِي نَاحِيَةِ الْبَلَاطِ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الموحَّدة، وتخفيف اللَّام، وبالطَّاء المهملة، وتَقَدَّم أنَّ (البلاط) بين المسجد والسُّوق بالمدينة.

قوله: (فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَوَاقٍ): كذا هنا، وفي صحَّته نظرٌ، والجادَّة: أواقيَّ؛ بتشديد الياء وتُخفَّف، وقد تَقَدَّم أنَّ (الأوقية): أربعون درهمًا، وأنَّ (النَّشَّ): عشرون درهمًا.

قوله: (قَالَ: الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ): سيأتي ما الحكمة في ذلك في جمعه لجابر عليه الصَّلاة والسَّلام بين الثَّمن والمثمَّن إن شاء الله من عند السُّهيليِّ.

==========

[1] ما بين قوسين سقط من (ب).

[2] كذا هي في «اليونينيَّة» على الصَّواب.

[3] (قوله): سقط من (ب).

(1/5521)

[باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل]

قوله: (وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ): الظاهر أنَّه الحمصيُّ، يروي عن ثوبان، وسعد بن أبي وقَّاص، وعوف بن مالك، وعتبة بن عبدٍ، ومعاوية وشهد معه صفِّين، وجماعةُ، وعنه: أحوص بن حكيم، وثور بن يزيد، وصفوان بن عمرٍو، وحَزِير بن عثمان، وغيرهم، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم، وقال أحمد: لا بأس به، قال ابن سعد: ثقةٌ، مات في خلافة هشام سنة ثمان ومئة، وقال أبو خليفة، وأبو عبيد، وغيرهما: تُوُفِّيَ سنة (113 هـ)، وكان من علماء التَّابعين، وأعيانهم ببلده، وشذَّ ابنُ حزم، فقال: ضعيف، وقال الدَّراقطنيُّ: يُعتبَر به لا بأس به، انتهى، وذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، وأرَّخ وفاته لسنة [1] (113 هـ)، أخرج له البخاريُّ في «الأدب المفرد» والأربعةُ.

قوله: (لأَنَّهَا أَجْرَى): كذا في أصلنا، من الجَري، وقد رأيته في نسخة صحيحة مُعتَلًّا ومهموزًا، من الجري والجُرْأَةِ، وفيها: (وأحسن من الحُسن)، وفي هامش أخرى عتيقة: (أخشن)؛ بالخاء والشين المعجمتين، والنُّون عوض (أجرى)، وقد حلَّه شيخنا على أنَّه مِن الجرأَة.

==========

[1] في (ب): (بسنة).

[ج 1 ص 725]

(1/5522)

[حديث أنس: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا]

2862# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): قال الجيَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاري_ في مواضعَ من الكتاب: «حدَّثنا أحمد بن مُحَمَّد عن ابن المبارك: قال أبو عبد الله النَّيسابوريُّ_ يعني: الحاكم_: هو أحمد بن مُحَمَّد بن موسى المروزيُّ، يكنى أبا العبَّاس، يُلقَّب مِرْدويه، وقال أبو الحسن الدَّراقطنيُّ: أحمد بن مُحَمَّد عن ابن المبارك: هو أحمد بن مُحَمَّد بن ثابت، يُعرَف بابن شَبُّويه) انتهى، وشيخنا لخَّص [1] كلام الجيَّانيِّ، والمِزِّيُّ لم يُنبِّه عليه أصلًا.

قوله: (يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ): تَقَدَّم معناه، وكذا (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ): (إنْ) بكسر الهمزة وسكون النُّون، نافية؛ أي: ما وجدناه، وتَقَدَّم الكلام على (بَحرًا)؛ أي: شديد الجري، واسع الخطو.

قوله: (قَالَ مَالِكٌ: يُسْهِمُ للخَيْلِ وَالبَرَاذِينِ مِنْهَا) [2]: (البراذين): مَرْفوعٌ مبتدأ، والجارُّ والمجرور الخبرُ، والبراذين: واحدها: بِرْذَوْن [3]؛ بكسر الموحَّدة، وإسكان الراء، ثمَّ ذال معجمة مفتوحة، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ نون، وهذا ظاهرٌ، ثمَّ اعلم أنَّ الفرس إن كان أبواه عربيَّين؛ فهو عتيقٌ، أو أعجميَّين؛ فهو بِرْذَوْن، وإن كان أبوه عربيًّا وأمُّه أعجميَّة؛ فهو هَجِين، وإن كان بالعكس؛ فهو مُقْرِف.

==========

[1] في (ب): (يخص)، وهو تحريفٌ.

[2] كذا في النُّسختين و (ق)، وقول مالك جاء في «اليونينيَّة» بعد حديث عبيد بن إسماعيل، وعليه علامة تقديم وتأخير من رواية أبي ذرٍّ.

[3] في (ب): (برذن)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 725]

(1/5523)

[باب سهام الفرس]

(1/5524)

[حديث: أن رسول الله جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا]

2863# قوله: (عَنْ أَبِي أُسَامَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وكذا تَقَدَّم (عُبَيْد اللهِ): أنَّه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب مرارًا، ومرَّةً مُتَرجَمًا.

==========

[ج 1 ص 725]

(1/5525)

[باب من قاد دابة غيره في الحرب]

(1/5526)

[حديث: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب]

2864# قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): هذا هو السَّبيعيُّ عمرو بن عبد الله، تَقَدَّم مرارًا.

قوله: (قال: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ [1]: أَفَرَرْتُمْ [2] يَوْمَ حُنَيْنٍ): هذا (الرَّجل) لا أعرفه غير أنَّه من قيس، كما وقع في (المغازي) من «البخاريِّ».

قوله: (أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ... ) إلى آخره: سيأتي الكلامُ عليه في (غزوة حُنين) إن شاء الله تعالى.

قوله: (وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ [3]): (إنَّه): بكسر الهمزة، ثمَّ اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان له بغلةٌ شهباءُ، يقال لها: الدُّلدُّل أهداها له المقوقس،

[ج 1 ص 725]

وبغلةٌ يقال لها: فضَّة، أهداها له فروة بن عمرو الجذاميُّ، فوهبها لأبي بكر، وبغلةٌ أهداها له ابن العَلماء صاحب أيلة، وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ببغلة، وقيل: أهدى له كسرى بغلةً، ولا يَثبُتُ، وقد روى الحاكم في «المستدرك» بإسناده إلى ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (أُهدِي إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بغلةٌ، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر، ثمَّ أردفني خلفه ... )؛ الحديث، قال الحاكم: (لم يُخرِّجِ الشيخان ابنَ خراش؛ يعني: شهاب بن خراش، ولا القدَّاح؛ يعني: عبد الله بن ميمون القدَّاح)، قال الذَّهبيُّ في «تلخيص المستدرك»: (لأنَّ القدَّاح قال أبو حاتم: متروكٌ، والآخر: مُختَلف فيه، وعبد الملك _يعني: ابن عُمير_ لم يسمع من ابن عبَّاس فيما أُرَى) انتهى، وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (أهدى النَّجاشيُّ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بغلةً، فكان يركبها)، فهذه ستُّ بغلات، وذكر بعضهم خمسًا، ولم يذكر بغلةَ كسرى، ولفظ مغلطاي الحافظ في «سيرته الصُّغرى»: (ومِن البغال: دُلدُل، وفضَّة، والتي أهداها له ابن العَلماء، والأيليَّة، وبغلة أهداها له كسرى، وأخرى من دومة الجندل، وأخرى من عند النَّجاشيِّ؛ فهنَّ سبعٌ).

(1/5527)

فائدةٌ هي تنبيهٌ: البغلة التي ركبها يوم حُنَين هي فضَّة، وهي التي أهداها له فروة بن نفاثة [4]؛ كذا قاله ابن سيِّد النّضاس [في «سيرته»، وفي كلام السُّهيليِّ معناه، ورأيته أيضًا كذلك في كلام السُّهيليِّ، ولفظه: (والبغلة التي كان عليها يومئذٍ _يعني: يوم حُنَين_ هي التي تُسمَّى: الشَّهباء، وهي التي أهداها إليه فروة بن نفاثة)] [5]، وفي كلام بعضهم في سيرته في (غزوة حُنين): (وركب بغلة تُسمَّى: الدُّلدُّل)، وكذا سمَّاها النَّوويُّ في «شرح مسلم» في (غزوة حُنَين)، ولفظه: (قال العُلماء: لا يُعرَف له عليه الصَّلاة والسَّلام بغلةٌ سواها ... ) إلى آخر كلامه، وفي هذا «الصَّحيح»: (أنَّه كان على بغلته البيضاء)، وكذا في «مسلم»، وفي «مسلم» أيضًا: (أهداها له فروة بن نفاثة، كما صرَّح به العبَّاس بن عبد المطَّلب)، وهذا يردُّ أنَّها الدُّلدُّل؛ لأنَّ الدُّلدُّل أهداها له المقوقس، وفروة أهدى له فضَّة، وقال شيخنا: واختُلِف في لون البغلة التي كانت تحته يومئذٍ؛ يعني: يوم حُنَين، ففي «مسلم»: (كانت بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة)، وفي لفظ: (كانت شهباء)، وعند ابن سعد: (كان راكبًا دُلدُلَ التي أهدى له المقوقس، فيجوز أن يكون ركوبه مُتعدِّدًا بعد أن نزل)، انتهى.

قوله: (وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا): (أبو سفيان): هذا هو ابن الحارث بن عبد المطَّلب، واسمه المغيرة، قاله إبراهيم بن المنذر، والزُّبير بن بكَّار، وابن الكلبيِّ، وقيل: اسمه كنيته، وهو ابن عمِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأخوه مِن الرَّضاعة، تُوُفِّيَ سنة عشرين، وقال ابن عبد البَرِّ: المغيرة بن الحارث بن عبد المطَّلب: هو أخو أبي سفيان، وهذا وَهَمٌ، انتهى، قال السُّهيليُّ في (غزوة الفتح) من «الرَّوض»: (وقيل: اسمُ أبي سفيان المغيرةُ، وقيل: بل المغيرةُ أخوه، قال القتبيُّ: إخوته: المغيرة، ونوفل، وعبد شمس، وربيعة بنو الحارث بن عبد المطَّلب) انتهى.

قوله: (وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... ) إلى آخره: سيأتي الكلام عليه في (غزوة حُنين) إن شاء الله تعالى ذلك وقدَّره.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُما).

[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ).

(1/5528)

[3] في هامش (ق): (كان للنَّبيِّ عليه السلام بغلة شهباء يقال لها: الدلدل، أهداها له المقوقس، وبغلة يقال لها: فضة، أهداها له فروة بن عمرو الحذامي فوهبها، وبغلة أهداها له ابن العلماء صاحب إيلية، وبعث صاحب دومة الجندل لرسول الله ببلغة، وقيل: أهدى له كسرى بغلة ولا يثبت، وهذه البعير التي ركبها يوم حنين هي فضة، كذا في كلام السهيلي بمعناه، وكذا أيضًا في «سيرة أبي الفتح اليعمري»، وفي سيرة بعضهم: أنَّها الدلدل، وكذا في كلام بعضهم أيضًا).

[4] في (ب): (نعامة)، وهو تحريفٌ.

[5] ما بين معقوفين سقط من (ب).

(1/5529)

[باب الركاب والغرز للدابة]

قوله: (بَابُ الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ لِلدَّابَّةِ): (الغَرْز): بفتح الغين المعجمة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ زاي، وهو ركابُ كور البعير إذا كان من جلد أو خشب، وقد تَقَدَّم.

==========

[ج 1 ص 726]

(1/5530)

[حديث: أن النبي أنه كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به]

2865# قوله: (عَنْ أَبِي أُسَامَةَ): تَقَدَّم أنَّه حمَّاد بن أسامة، وكذا تَقَدَّم (عُبيد الله) قريبًا.

قوله: (أَهَلَّ): تَقَدَّم أنَّ (الإهلال): رفعُ الصَّوت بالتَّلبية، يقال: هلَّ، و (أهلَّ) أفصح.

قوله: (مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ): تَقَدَّم الكلام على [1] (الحليفة) ضبطًا، وعلى بُعدها من المدينة المُشرَّفة.

==========

[1] زيد في (ب): (ذي).

[ج 1 ص 726]

(1/5531)

[باب ركوب الفرس العري]

(1/5532)

[حديث أنس: استقبلهم النبي على فرس عري]

2866# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حمَّاد بن زيد بن درهم، تَقَدَّم.

قوله: (عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ [1]): تَقَدَّم أنَّ هذا الفرس استعاره من أبي طلحة، وأنَّه: مندوب.

==========

[1] في (ب): (عربي)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 726]

(1/5533)

[باب الفرس القطوف]

قوله: (بَابُ الْفَرَسِ الْقَطُوفِ [1]): هو بفتح القاف، وبالطاء المهملة، وفي آخره فاء، وهو متقارب الخُطو بسرعة، وهو من عيوب الدَّوابِّ، وقيل: هو البطيءُ الخطوة، وهو يرجع إلى معنًى واحدٍ؛ لأنَّ سرعته تقارُبَ خطوِه ليستْ بمُوجِبة لسُرعة مشيه.

==========

[1] في هامش (ق): (القطوف: هو ضيق الخطوة).

[ج 1 ص 726]

(1/5534)

[حديث: أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي فرسًا]

2867# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي عَروبة، أبو النَّضر، البصريُّ.

تنبيهٌ: تَقَدَّم أنَّ شيخنا في «القاموس» قال: (وابن أبي العروبة باللَّام، وتركها لحنٌ أو قليلٌ) انتهى.

تنبيهٌ آخرُ: مَن يقال له: سعيد وروى عن قتادة عن أنس في الكتب السِّتَّة أو بعضها: سعيدُ بن بشير [1]، وسعيد بن أبي عَرُوبة هذا، (وهو أكثرهم روايةً عن قتادة عن أنسٍ) [2]، وسعيد بن أبي هلال، وقد تَقَدَّم هذا.

قوله: (فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه: مندوب.

قوله: (كَانَ يَقْطِفُ): هو في أصلنا بفتح أوَّله، وكسر ثالثه، وإنَّما هو بضَمِّ ثالثه في المستقبل، وفتحها في الماضي، والمنقول فيه الضَّمُّ في المستقبل، كما نصَّ عليه الزمخشريُّ في «مُقدِّمته» في (فَعَلَ _بفتح العين_ يفعُل)؛ بضمِّها، والله أعلم، ورأيت بعضهم حكاه بالكسر والضَّمِّ.

قوله: (أَوْ [3] فِيهِ قِطَافٌ): هو بكسر القاف، وقد تَقَدَّم معناه أعلاه.

قوله: (وَجَدْنَا فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْرًا): تَقَدَّم معناه قريبًا وبعيدًا.

==========

[1] في (ب): (كثير)، وهو تحريفٌ.

[2] ما بين قوسين سقط من (ب).

[3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (كان).

[ج 1 ص 726]

(1/5535)

[باب السبق بين الخيل]

قوله: (بَابُ السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ [1]): هو بإسكان الموحَّدة، وهو المصدر [2]، وأمَّا السَّبَق _بفتحها_؛ فهو الخطر الذي يُوضَع بين أهل السِّباق، وأوضح مِن هذه العبارة ما يجعل من المال رهنًا على المسابقة، ومنه حديث أبي هريرة: «لا سَبَق إلا في خفٍّ، أو حافر، أو نصلٍ» رواه الأربعة، وصحَّحه ابن حِبَّان، وحسَّنه التِّرمذيُّ، قال ابن الصَّلاح: وهو حسن الإسناد، قال: والرواية الصَّحيحة فيه: «لا سبَق»؛ بفتح الباء.

تنبيهٌ:

[ج 1 ص 726]

زاد في هذا الحديث _أعني: حديث أبي هريرة: «لا سبَق ... »؛ الحديث_ غياثُ بن إبراهيم، فقال: (أو جناح)، وضع ذلك للمهديِّ، وكان المهديُّ يلعبُ بالحمام، فتركها بعد ذلك، وأمر بذبحها، وقد ذكروا ذلك في ترجمة غياث بن إبراهيم.

فائدةٌ: سابق صلَّى الله عليه وسلَّم بين الخيل في سنة خمس من الهجرة، قاله أبو الفتح بن سيِّد النَّاس في «سيرته»، في (الحوادث)، وقد تَقَدَّم.

(1/5536)

[حديث: أجرى النبي ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع]

2868# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): هو بفتح القاف وكسر الموحَّدة، وقد تَقَدَّم ذلك مرارًا، وهو ابن عقبة تَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوريُّ سفيان بن سعيد بن مسروق، وتَقَدَّم (عُبيد الله) أنَّه ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب.

قوله: (مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ): (ضُمِّر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وسيأتي قريبًا الكلام على تضمير الخيل.

قوله: (مِنَ الْحَفْيَاءِ [1] إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ): (الحَفْياء): بفتح الحاء المهملة، ثمَّ فاء ساكنة، وفي آخره همزةٌ ممدودةٌ، ويُقصَر، قال سفيان _كما سيأتي في هذا الحديث_: (بين الحَفْياء إلى ثنيَّة خمسةُ أميال أو ستَّة) انتهى، وقال ابن عقبة: (ستَّة أو سبعة)، وسيجيء أيضًا في هذا «الصَّحيح» ما ذكرته عن موسى بن عقبة عنه، وضبط بعضهم (الحُفيا)؛ بضَمِّ الحاء والقصر، وهو خطأ، كما قاله ابن قُرقُول، وقال ابن الأثير: (الحَفْياء؛ بالمدِّ والقصر: موضع بالمدينة على أميال، وبعضُهم يُقدِّم الياء على الفاء) انتهى.

قوله: (إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ): (ثنيَّة الوداع): الثنيَّة: الطَّريق في الجبل، وأمَّا إضافتها إلى (الوداع)؛ فاختُلِف فيه، كما قاله في «المطالع» قال: (لأنَّه موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكَّة، وقيل: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودَّع بها بعض مَن خلَّفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع: اسم واد بمكَّة، حكاه ابن المُظفَّر، وزعم أنَّ إماء أهل مكَّة قلنه في رجزهم عند لقاء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الفتح، وهذا خلف [2] للمعلوم المشهور من أنَّ نساء المدينة ارتجزنه عند ورود النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة، وهو اسم قديم جاهليٌّ لهذه الثنيَّة؛ لأنَّه موضع للتَّوديع، كما تَقَدَّم) انتهى، وسيجيء، وفي هذا نظر، وسيأتي في (غزو ة تبوك) ما يردُّ هذا، وهو أن ثنيَّة الوداع من جهة الشَّام لا يراها القادم من مكَّة ولا يمرُّ بها إلَّا إذا توجَّه إلى الشَّام، والله أعلم.

(1/5537)

قوله: (وقَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [3]: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ [4] اللهِ): إنَّما أتى بهذا التَّعليق؛ لأنَّ فيه تصريحَ سفيان _وهو ابن سعيد بن مسروق الثوريُّ_ بالتحديث؛ لأنَّه عنعن في الأوَّل، وهو مُدَلِّس، وعبد الله: الراوي عنه [5] هو ابن الوليد، والله أعلم.

قوله: (خَمْسَةُ أَمْيَالٍ): (الأميال): واحدها: ميل، وقد ذكرت سبعة أقوال في قدره؛ فانظره في (القصر).

(1/5538)

[باب إضمار الخيل للسبق]

قوله: (بَابُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ): ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سابق بين الخيل التي لم تُضمَر، وكان أمدها من الثنيَّة إلى مسجد بني زريق ... )؛ الحديث، قال ابن المُنَيِّر: (إن [1] قيل: كيف ترجم على إضمار الخيل للسَّبق وذَكَرَ المسابقة للخيل التي لم تضمر؟ قيل: إنَّما كان البخاريُّ يترجم على الشَّيء من الجهة العامَّة، فقد يكون ثابتًا، وقد يكون منفيًّا، فمعنى قوله: «باب إضمار الخيل للسَّبق»: أي: هل هو شرط أم لا؟ فبيَّن أنَّه ليس بشرط؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم سابق بها مُضمَرة وغير مُضمَرة، وهذا أقعدُ بمقاصد البخاريِّ من [2] قول الشَّارح: إنَّما ذكر طرفًا من الحديث؛ ليدلَّ على تمامِه، وقد سبق تمامُه؛ لأنَّ للقائل أن يقول: إذا لم يكن بدٌّ من الاختصار؛ فذِكْر الطَّرف الموافق للترجمة أولى في البيان لا سيَّما والطَّرفُ المطابق هو أوَّل الحديث؛ إذ أوَّله: عن ابن عمر رضي الله عنهما: «سابق النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين الخيل التي أُضمِرت [3] من الحَفْياء إلى ثنيَّة الوداع»، ثمَّ ذكر الخيل التي لم تُضمَر، كما ساقه في هذه التَّرجمة، فحمْلُه على تأويلنا لا يُعترَض عليه إن شاء الله تعالى)، انتهى [4].

قوله: (لِلسَّبْقِ): تَقَدَّم أنَّه بإسكان الموحَّدة، وأنَّه المصدر.

==========

[1] في (ب): (كان).

[2] زيد في (ب): (الجهة العامة، فقد يكون ثابتًا)، وهو تكرارٌ.

[3] في (ب): (ضمرت).

[4] (انتهى): سقط من (ب).

[ج 1 ص 727]

(1/5539)

[حديث: أن النبي سابق بين الخيل التي لم تضمر]

2869# قوله: (لَمْ تُضَمَّرْ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهو بضَمِّ أوَّله، وإسكان الضَّاد، وفتح الميم مخفَّفة، ويجوز ضمُّ أوَّله، وفتح الضاد، وتشديد الميم مفتوحة؛ لأنَّه يقال: ضَمَرَ الفرسُ يَضمُرُ ضمْرًا، وضَمُر [1]؛ بالضَّمِّ لغةٌ فيه، وأضمرتُه أنا، وضمَّرته تضميرًا، وتضميرُه: أن تعلفه حتَّى يسمن، ثمَّ تردَّه إلى القوت، وذلك أربعين يومًا، وهذه المدَّة تُسمَّى المضمار، والموضع الذي فيه الخيل أيضًا: مضمار.

قوله: (مِنَ الثَّنِيَّةِ): تَقَدَّم أعلاه أنَّها (ثنيَّة الوداع)، وما قيل فيها.

قوله: (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ): هو بضَمِّ الزَّاي، وفتح الرَّاء، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ قاف، و (بنو زريق) من الأنصار.

قوله: (وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ): هو بفتح همزة (أنَّ)، وهذا ظاهرٌ.

(1/5540)

[باب غاية السبق للخيل المضمرة]

قوله: (بَابُ غَايَةِ السَّبْقِ): (الغاية): بالغين المعجمة، وبعد الألف مثنَّاة تحت، وغاية كلِّ شيء: مداه ومنتهاهُ، و (السَّبق): تَقَدَّم أنَّه بإسكان الموحَّدة المصدرُ، أعلاه.

==========

[ج 1 ص 727]

(1/5541)

[حديث: سابق رسول الله بين الخيل التي قد أضمرت]

2870# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو المُسنديُّ، ومستندي في ذلك أنَّ الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمة معاوية بن عمرو بن المُهلَّب بن عمرو بن شبيب المُسنديَّ عبدَ الله بن مُحَمَّد فيمن روى عنه، ولم يذكر أحدًا روى عنه [1] اسمه عبد الله بن مُحَمَّد سواه، وقد تَقَدَّم، ثمَّ رأيت بعض حُفَّاظ العصر جزم به، وتَقَدَّم في كلام ابن طاهر أنَّ ابن أبي شيبة روى عن معاوية بن عمرو عند مسلم، لا البخاريِّ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): هو الفَزاريُّ إبراهيمُ بن مُحَمَّد بن الحارث، تَقَدَّم.

[ج 1 ص 727]

قوله: (الَّتِي [2] أُضْمِرَتْ): تَقَدَّم الكلام على (أضمر) و (ضمَّر) قريبًا، وعلى (الْحَفْيَاءِ)، و (ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ)، وقد تَقَدَّم كلام موسى بن عقبة كم بين ذلك، وعلى (المِيْل)، و (بَنِي زُرَيْقٍ).

(1/5542)

[باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم]

قوله: (بَابُ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى قوله: (عَلَى الْقَصْوَاءِ) [1]: للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقةٌ تُسمَّى القصواء؛ بفتح القاف وبالمدِّ في آخرها، وضبطها العذريُّ في «مسلم» بضَمِّ القاف والقصر، وقد تَقَدَّم أنَّه خطأ، و (القصواء): المقطوعة الأذن، وكلُّ ما قطع من الأذن؛ فهو جدع، وإن زاد على الرُّبع؛ فهي عضْباء، وقال الدَّاوديُّ [2]: سُمِّيت بذلك لأنَّها لا تكاد تُسبَق، كان عندها أقصى الجري، وقد تَقَدَّم، وسيأتي في ذلك كلام قريبًا.

قوله: (أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ): تَقَدَّم أنَّ أبا زكريَّا يحيى بن منده جمع أرداف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في جزء، وقد ذكرتُ مَن وقع لي أنَّه أردفه عليه الصَّلاة والسَّلام في (كتاب الإيمان) من هذا التَّعليق.

قوله: (وَقَالَ الْمِسْوَرُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بكسر الميم وإسكان السِّين، وأنَّه ابن مخرمة، وأنَّه صحابيٌّ صغيرٌ، تُوُفِّيَ عليه الصَّلاة والسَّلام وله نحوُ ثماني سنين.

قوله: (مَا خَلأَتِ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الخاء المعجمة [3] وبالهمزة، وأنَّ معناه: حرنت، و (الْقَصْوَاءُ): تَقَدَّم ضبطُها أعلاه، وقبله أيضًا.

(1/5543)

[حديث: كانت ناقة النبي يقال لها: العضباء]

2871# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم قريبًا أنَّ الظاهر أنَّه المُسنديُّ، وذكرت مستندي في ذلك قريبًا، ثمَّ رأيت المِزِّيَّ صرَّح في هذا الحديث بأنَّه المُسنديُّ، انتهى، وذكرتُ (مُعَاوِيَة بن عَمْرٍو [1]): من هو، وكذا (أَبُو إِسْحَاقَ): أنَّه الفَزاريُّ إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث، وتَقَدَّم قبله أنَّ (حُمَيْدًا) هذا: هو بضَمِّ الحاء وفتح الميم، وأنَّه الطَّويل ابن تير، وقيل: تيرويه، وتَقَدَّم الفرق بينه وبين حُمَيد بن هلال.

قوله: (يُقَالُ لَهَا: الْعَضْبَاءُ): هي بفتح العين المهملة، وإسكان الضَّاد المعجمة، ثمَّ موحَّدة، ثمَّ همزة ممدودة، وهو اسمُ علمٍ لها، قال ابن قُرقُول: (كانت للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقةٌ تُسمَّى العضباء لا تُسبَق، وكذا رواه مالك في أكثر حديثه، ومن رواية أبي مصعب عن مالك: «كانت القصواء لا تسبق»، على أنَّه جاء في الحديث: «أنَّه خطب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ناقته الجدعاء»، وفي حديثٍ آخرَ: «على ناقة خرماء»، وفي آخرَ: «مخضرمة»، قال الحربيُّ: والجدع والخرم والقصو والخضرمة كلُّه في الأذن، فقيل في الحديث: «كان اسمها»، وإن كانت عضباء الأذن؛ فقد جعل لها اسمًا، فهو معضوبة الأذن، وتُسمَّى عضباء مرَّةً، والجدعاء، والخرماء، والمخضرمة، وهي ناقةٌ واحدة؛ لأنَّه وقف عليها في حجَّة الوداع، وهي الموصوفة بهذه الصفات، وكذلك في الحديبية: «ما خلأتِ القصواء»، وقد قال بعض النَّاس: إنَّها نوق بعدد هذه الصفات، وهذه الأحاديثُ عن حجَّة الوداع تردُّ قوله، لم يقف إلَّا على واحدة، قال المازنيُّ: «إنَّما سُمِّيت القصواء لسبقها؛ لأنَّ عندها أقصى السَّير، وغايةَ الجري) انتهى.

فائدةٌ: كان له عليه الصَّلاة والسَّلام من اللِّقاح _كما قاله مغلطاي في «سيرته الصُّغرى» _ الحنَّاء، والسَّمراء، والعُرَيس، والسَّعديَّة، والبَغُوم، واليَسِيرة، والرَّيَّاء [2]، وبَردة، والمروة، والحَفِدة، ومهرة، والشقراء، والعضباء، والقصواء، والجدعاء، ويقال: هنَّ واحدةٌ، انتهى، وهذا قولٌ في النُّوق الثَّلاث، وقيل: اثنتان، وهذا الذي يظهر لي [3]، والله أعلم.

(1/5544)

[حديث: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه]

2872# قوله: (طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ ... ) إلى آخره [1]: أمَّا (موسى)؛ فالظاهر أنَّه موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ شيخُه، وذلك لأنَّ أبا داود أخرجه في (الأدب) من «السُّنن» عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بسنده في «البخاريِّ»، انتهى، ولعلَّ قوله: (طوَّله) مثل قوله: (قال موسى)، وإذا كان كذلك؛ فيكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (حمَّاد) هذا: هو ابن سلمة، وقد علَّق له كما هنا، وليس مِن شرطه، وقد ذكرت له ترجمةً مختصرةً فيما مضى.

تنبيهٌ: تَقَدَّم أنَّ (حمَّادًا) إذا أُهمِل، فلم يُقيَّد؛ فإن كان الذي أطلقه سليمانُ بن حرب أو عارم مُحَمَّد بن الفضل؛ فإنَّه ابن زيد، وإن كان الذي أطلقه التَّبُوذَكيُّ موسى بن إسماعيل الرَّاوي هنا، أو عفَّان، أو حجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا [2] أطلقه هدبة بن خالد، والله أعلم.

قوله: (فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ): هذا (الأعرابيُّ) لا أعرف اسمه.

قوله: (عَلَى قَعُودٍ لَهُ [3]): (القَعود)؛ بفتح القاف: ما يقتعده الرَّاعي في كلِّ حاجاته؛ كالقَعودة، والقُعدة؛ بالضَّمِّ، واقتعده [4]: اتَّخذه قُعدة، الجمع: أقعِدة، وقُعُدٌ، وقعدان، وقعائد، والقلوص أيضًا [5]، والبَكْرُ إلى أن يُثني، والفصيل، قاله شيخنا مجد الدين في «قاموسه».

==========

[1] هذا القول جاء في النُّسختين و (ق) مقدَّمًا على قوله: (حدثنا مالك بن إسماعيل)، وكذلك رواية أبي ذرٍّ، بخلاف ما في «اليونينيَّة».

[2] (إذا): سقط من (ب).

[3] (له): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[4] في (ب): (وأقعده)، وهو تحريفٌ.

[5] (أيضًا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 728]

(1/5545)

[باب الغزو على الحمير]

قوله: (بَابُ الغَزْوِ عَلَى الحَمِيرِ): كذا هذا الباب في أصلنا، وقد عُلِّم عليه علامة راويه، وهو ثابت في بعض الروايات، ولم يذكر فيه حديثًا، ولم يذكر هذا الباب شيخُنا في «شرحه»، وكأنَّه داخل في الباب الذي بعده، وهو (باب بغلة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأخرج فيه: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يوم حنين على بغلةٍ بيضاءَ)، أو أنَّ معنى كلامه _والله أعلم_ هل غزا عليه الصَّلاة والسَّلام على حمار أم لا؟ ولم يَثبُت له فيه شيء، وقد روى التِّرمذيُّ في «جامعه»، وابن ماجه في «سننه» من حديث أنس [1] رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، عليه إكافٌ من ليف)، قال فيه التِّرمذيُّ: (لا نعرفه إلَّا من حديث مسلم)؛ يعني: ابن كيسان الملائيَّ الأعور الكوفيَّ، قال: (ومسلم يُضعَّف)، انتهى، وأخرجه الحاكم في (تفسير سورة ق)، وقال: صحيح، ولم يتعقَّبه الذَّهبيُّ، وفيه مسلم الأعور؛ فاعلمه، وأخرجه عبْد بن حميد في «مسنده» من طريق مسلم الأعور عن أنس، ومسلم واهٍ، وأخرج أيضًا عبدٌ في «مسنده» بسند فيه مسلمٌ المذكور: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يوم خيبر ويوم النضير على حمار عليه إكافٌ مخطومٌ بحبلٍ من ليف).

تنبيهٌ: إن صحَّ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام غزا خيبر على حمار، وكذا قريظة، وبني النضير؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى ما ذكره ابن إسحاق في كتابه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى النَّجاشيِّ، وفي الكتاب: (فقال النَّجاشيُّ: أشهد للنَّبيِّ الذي ينتظره أهل الكتاب، وأنَّ بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل ... )؛ فذكر الحديث، ولهذا غزاهم _أعني: خيبر، وقريظة، والنَّضير_ على حمارٍ؛ إشارة إلى ما عندهم عن موسى [2] من أنَّه بَشَّر براكب [3] الحمار، كما قاله النَّجاشيُّ، والله أعلم، واعلم أنَّ مذهب الشَّافعيِّ أنَّ مَن حضر الوقعة على بعير أو فيل أو بغل أو حمار؛ لا يُعطَى سهم المركوب؛ لأنَّ هذه لا تصلح للحرب صلاحية الخيل، ولا يتأتَّى بها الكرُّ والفرُّ، وبهما تحصل النُّصرة، واستأنسوا لذلك بقوله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [4] [الأنفال: 60]، نعم؛ يعطى راكبُ هذه الدَّوابِّ سهمَه، ويُرضَخ له، ويُفاوَت بينها، والله أعلم.

(1/5546)

[باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء]

قوله: (بَابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ): تَقَدَّم الكلام قريبًا على بغلاته عليه الصَّلاة والسَّلام قبل هذا؛ فانظره.

قوله: (وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ): وهو أبو حميد السَّاعديُّ عبد الرَّحمن بن عمرو بن سعد، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجيُّ، تُوُفِّيَ في آخر خلافة معاوية، روى عنه جماعة، وقد قدَّمته، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند» رضي الله عنه.

[ج 1 ص 728]

قوله: (أَهْدَى مَلِكُ [1] أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ): تَقَدَّم فيما مضى أنَّ ملك أيلة يُوحنَّة بن روبة، وأنَّ الظاهر هلاك يوحنَّة على كفره، وذكرتُ بغلاتِه قريبًا عليه الصَّلاة والسَّلام.

==========

[1] (ملك): سقط من (ب).

(1/5547)

[حديث: ما ترك النبي إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا .. ]

2873# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ هذا هو الفلَّاس، الحافظ، و (يَحْيَى): تَقَدَّم أنَّه ابن سعيد القطَّان، الحافظ شيخ الحُفَّاظ، و (سُفْيَانُ): لا أعلم أهو الثَّوريُّ أو ابن عيينة؟ وقد راجعت ترجمة القطَّان، فوجدته قد روى عن السُّفيانَين، ونظرت ترجمة أبي إسحاق السَّبيعيِّ، فوجدتُ السُّفيانين رويا عنه، غير أنَّ الثَّوريَّ أثبت النَّاس فيه، ورأيت قد روى هذا الحديث أيضًا عبدُ الرَّحمن بن مهديٍّ [1] عن سفيان، وقد رأيت ابن مهديٍّ روى عن السُّفيانَين، فلا أعلم سفيان هذا من هو منهما، والله أعلم.

و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السَّبيعيُّ، أحد أعلام [2] التابعين مرارًا، ومرَّةً مُتَرجَمًا، وكذا تَقَدَّم (عَمْرَو بْن الْحَارِثِ)، وهو ابن أبي ضرار المصطلقيُّ الخزاعيُّ، أخو أمِّ المؤمنين جويريةَ بنتِ الحارث مُتَرجَمًا، وكذا ذكره والده، وأنَّه صحابيٌّ، والد جويرية.

قوله: (إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ): تَقَدَّم أنِّي ذكرت أنَّ الظاهر أنَّها الدُّلدُل، وذكرت مستندي في في ذلك، وماذا جرى لها، وكذا ذكرت (سِلَاحَهُ)، و (الأَرْضَ) التي جعلها صدقة؛ فانظر ذلك في أوَّل (الوصيَّة).

==========

[1] في (ب): (جندي)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (الأعلام).

[ج 1 ص 729]

(1/5548)

[حديث البراء: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب]

2874# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو القطَّان، الحافظ، تَقَدَّم، وكذا (سُفْيَان) بعده: هو ابن سعيد بن مسروق الثَّوريُّ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ.

قوله: (قَالَ لَهُ رَجُلٌ): هذا (الرَّجل): تَقَدَّم أنِّي لا أعرفه غير أنَّه من قيس، كما وقع في (المغازي) من «البخاريِّ».

قوله: (وَلَّيْتُمْ [1] يَوْمَ حُنَيْنٍ؟): سيأتي في (غزوة حنين) الكلامُ عليه، وهذا السؤال مطابق لجواب البراء، ولهذا أخرجَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ قوله: (ولَّيتُم) يشمل مجموع المسلمين الحاضرين بحنين، فلهذا أخرجه البراءُ عليه الصَّلاة والسَّلام، وهذا مُجمَعٌ عليه أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يفرَّ، وسيأتي الكلام عليه في (حُنَين)، كما تَقَدَّم، وسأذكر قريبًا من ثَبَت معه في حُنَين عليه الصَّلاة والسَّلام، والاختلافُ في عددهم، والله أعلم.

قوله: (سَرَعَانُ النَّاسِ): هو بفتح السين والراء، ويجوز تسكينُها، وقد تَقَدَّم الكلام على (فخرج سرعان الناس) في [2] (السَّهو)، وقد ذكرت هناك ضبطَ هذا اللَّفظِ بالخلاف فيه، وكلام ابن الأثير مُصرِّح في هذا بفتح الرَّاء وإسكانها؛ لأنَّه ذكر حديث السهو، وضبطه بالوجهين، ثمَّ قال: (ومنه حديث يوم حنين).

(1/5549)

تنبيهٌ: قال مغلطاي في «سيرته الصُّغرى»: (ولم يثبت معه يوم حنين إلَّا عشرةٌ، وقيل: ثمانية، وقال ابن سيِّد النَّاس في «سيرته الكبرى» من كلام ابن إسحاق: عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرَّحمن بن [3] جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله ... ؛ فذكر حديثًا، وفيه: (وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته: عليُّ بن أبي طالب، والعبَّاس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، والفضل بن العبَّاس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن ابن أمِّ أيمن وقُتِل يومئذٍ، فهؤلاء عشرة، وذكر أيضًا أبو الفتح ابن سيِّد الناس المذكور في أعمامه وعمَّاته: أنَّ عتبة ومُعتِّبًا ابني أبي لهب ثبتا معه يوم حنين، وذكر أيضًا في أعمامه وعمَّاته الزُّبيرَ، فقال: فولده عبدُ الله شهد يوم حنين، وثبت معه، وذكر ابن عبد البَرِّ في «استيعابه»: (أنَّ أمَّ الحارث الأنصاريَّة ثبتت معه يوم حنين)، ذكر ذلك في ترجمتها، وفي «الاستيعاب» في ترجمة العبَّاس قال: (وانهزم النَّاس عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حنين غيرَه وغيرَ عمر وعليٍّ وأبي سفيان بن الحارث، وقد قيل: غير سبعة من أهل بيته ... ) إلى أن قال: (قال ابن إسحاق: والسبعة: عليٌّ، والعبَّاس، والفضل بن العبَّاس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه جعفر، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، والثَّامن: أيمن بن عُبَيد، وجعل غير ابن إسحاق في موضع أبي سفيان عمرَ بن الخطَّاب، والصحيح: أنَّ أبا سفيان كان معه يومئذٍ، ولم يُختلَف فيه، واختُلِف في عمر) انتهى.

(1/5550)

وقال شيخنا الشارح: (وثبت معه يومئذٍ العبَّاس، وعليٌّ، والفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأبو بكر، وعمر، وأسامة في أناس من أهل بيته، قال الحارث بن النعمان: مئة رجل، وسيأتي تعداد بعضهم ... ) إلى أن قال: (وعدذَ ابن هشام وغيره فيمن ثبت معه: قُثَمُ بن العبَّاس، وفيه نظر؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام تُوُفِّيَ وهو صغير، وعند الزُّبير بن أبي بكر: وكان عتبة ومُعتِّب ابنا أبي لهب ممَّن ثبت معه يومئذٍ، ولابن [4] إسحاق: وأيمن بن أمِّ أيمن، ولابن عبد البَرِّ: وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وأمُّ سُلَيم، ولعبد الغنيِّ: وعبد الله بن الزُّبير بن عبد المطَّلب، ولابن الأثير: وعَقيل بن أبي طالب، ولابن عبَّاس في «تفسيره»: وأبو دجانة، ونفر من الأنصار تعلَّقوا بثَفَر البغلة، وللبيهقيِّ عن ابن مسعود: ثَبَتُّ معه يومئذٍ في ثمانين رجلًا مِن الأنصار والمهاجرين ... ) إلى أن قال: (ولأبي معشر: ثبت معه يومئذٍ مئةُ رجل؛ بضعة وثلاثون من المهاجرين، وسائرهم من الأنصار) انتهى، فاته نوفل بن الحارث بن عبد المطَّلب، قاله أبو عمر في «استيعابه»، والذي عزاه للبيهقيِّ هو في «المستدرك» في (الجهاد) من حديث ابن مسعود، ولفظه: (ثبتُّ معه في ثمانين رجلًا) انتهى، وفي التِّرمذيِّ مُحسَّنًا عن ابن عمر: (وما معه إلَّا مئةُ رجل)، وسيأتي الكلام على فرارهم في (حُنين) إن شاء الله تعالى.

قوله: (وَإنَّ النَّبِيَّ [5] صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ): تَقَدَّم الكلام على هذه البغلة قريبًا، وبغلاته أيضًا، وعلى (أَبِي سُفْيَانَ بْن الحَارِثِ): وأنَّ اسمه المغيرة، وقيل: بل المغيرة أخوه، وقيل: اسمه كنيته.

[ج 1 ص 729]

قوله: (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... ) إلى آخره: ستأتي الحكمة في ذلك في (حنين).

(1/5551)

[باب جهاد النساء]

(1/5552)

[حديث: جهادكن الحج]

2875# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الكاف وكسر المثلَّثة، وكذا (سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه الثوريُّ، ومستندي في ذلك أنَّ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمته أنَّه روى عن الثوريِّ، وذكر الذَّهبيِّ في «تذهيبه» في ترجمته أنَّه روى عن سفيان، وأطلق، فحملت المُطلَق على المُقيَّد، وقلت: (الظاهر أنَّه: الثوريُّ سفيان بن سعيد بن مسروق)، والمِزِّيُّ لم ينسبه في «أطرافه»، ورأيت الإمام البخاريَّ قد قال عقيب الحديث: (وقال عبد الله بن الوليد: حدَّثنا سفيان عن معاوية بهذا) فهذا قوَّاني، وذلك لأنَّ عبد الله بن الوليد العدنيَّ روى عن الثوريِّ «جامِعَهُ»، وروى أيضًا عن زمعة، وروى عنه أحمد ومُؤمَّل بن إهاب، شيخٌ، قال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: لا يُحتجُّ به، وهو مكيٌّ اشتُهِر بالعَدَنيِّ، وقال أحمد: ما كان صاحب حديث، ولكن [حديثُه] حديثٌ صحيحٌ، وربَّما أخطأ في الأسماء، كتبتُ [أنا] عنه كثيرًا، وقال ابن عديٍّ: ما رأيت لعبد الله حديثًا منكرًا؛ فأَذْكرَه، أخرج له البخاريُّ تعليقًا كما ترى، وأخرج له أبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ): تَقَدَّم أعلاه الكلام عليه، إنَّما أتى بهذا التَّعليق؛ لأنَّ سفيان: هو الثوريُّ فيما يظهر، وهو مُدَلِّس، قال في الأوَّل: عن معاوية بن إسحاق، وفي الثاني: صرَّح بالتحديث، وتعليقه هذا ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وشيخنا لم يَعْزُهُ.

2876# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): هو بفتح القاف، وكسر الموحَّدة، وهو ابن عقبة، تَقَدَّم [1] مرارًا، وكذا (سُفْيَانُ) الظاهر أنَّه الثوريُّ سفيان بن سعيد بن مسروق، أحد الأعلام، ومستندي في ذلك ما ذكرتُه أعلاه.

قوله: (وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ): (حَبِيب): بالحاء المهملة المفتوحة وكسر الموحَّدة، القصَّابُ الكوفيُّ، روى عن أمِّ الدَّرداء وسعيد بن جبير، وعنه: شعبة وابن فضيل، ثقة، تُوُفِّيَ سنة (142 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقائلُ: (وعن حبيب بن أبي عمرة) هو سفيان، وهو الثَّوريُّ، والله أعلم، وهذا معطوف على السند الذي قبله؛ وهو (قَبِيصة، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة)، وليس تعليقًا، فإيَّاك أن تجعله تعليقًا.

==========

(1/5553)

[1] (تَقَدَّم): سقط من (ب).

[ج 1 ص 730]

(1/5554)

[باب غزو المرأة في البحر]

(1/5555)

[حديث: ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله]

2877# 2878# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم أنَّه المُسنديُّ، وذكرتُ مستندي في ذلك، و (مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو): تَقَدَّم أنَّه معاوية بن عمرو بن المُهلَّب بن عمرو بن شبيب الأزديُّ المعْنيُّ الكوفيُّ، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاقَ) أنَّه الفَزاريُّ، وكذا في نسخة، وهو إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث، أحد الأعلام.

وقوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ): قال الدِّمياطيُّ: (سقط زائدة بن قُدَامة الثَّقفيُّ بين أبي إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّد الفَزاريِّ وبين أبي طوالة عبد الله بن عبد الرَّحمن) انتهى، وقد ذكر العلائيُّ في «المراسيل» ما قاله الدِّمياطيُّ عن أبي بكر بن مردويه الحافظ قال العلائيُّ ما لفظه: بعد أن ذكر إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث أبا إسحاق الفَزاريَّ؛ أخرج البخاريُّ له في (باب غزو المرأة في البحر) عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرَّحمن، عن أنس قصَّةَ أمِّ حرام بنت ملحان، ونوم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذكر أبو بكر بن مردويه الحافظ أنَّه لم يسمع من أبي طوالة، وأنَّ الصَّواب ما رواه المسيَّب بن واضح، عن أبي إسحاق الفزاريِّ، عن زائدة، عن أبي طوالة، ثمَّ قال: قلت: وفي ذلك نظرٌ لما تَقَدَّم أنَّ البخاريَّ لا يكتفي بمجرِّد إمكان اللِّقاء، وأبو إسحاق الفزاريُّ ليس بمُدلِّس، والله أعلم)، انتهى، وقال المِزِّيُّ بعد تطريفه: (رواه المسيَّب بن واضح، عن أبي إسحاق الفزاريِّ، عن زائدة، عن عبد الله بن عبد الرَّحمن، عن أنس) انتهى، وقد راجعت «التقييد» للغسَّانيِّ؛ فرأيته ذكره عن أبي مسعود، ثمَّ قال: (فتأمَّلتُه في «سير أبي إسحاق الفَزاريِّ»؛ فوجدته بها عن أبي إسحاق ليس بينهما زائدة ... ) إلى أن قال: (والحديث محفوظٌ لزائدةَ عن أبي طوالة رواه عنه حُسين بن عليٍّ الجُعْفِيُّ وغيره، وقد رواه معاوية بن عمرو أيضًا عن زائدة، ثمَّ ذكر طريقَي حُسين ومعاوية بإسناده) انتهى.

وكذا تَقَدَّم الكلامُ على (ابْنَةِ مِلْحَانَ)، وهي أمُّ حَرَام _بفتح الحاء المهملة وبالراء_ بنت ملحان النَّجَّاريَّة، الغميصاء أو الرُّميصاء، الشَّهيدةُ، زوج عبادة بن الصَّامت رضي الله عنها، وتَقَدَّم تاريخ وفاتها، وأين تُوُفِّيَت مع ما ذُكِر في ذلك.

قوله: (فَاتَّكَأَ): هو مهموز الآخر.

(1/5556)

قوله: (لِمَ [1] تَضْحَكُ): (لمَ): استفهام، و (تضحك): مَرْفوعٌ؛ لأنَّه لم يتقدَّمه جازم ولا ناصب.

قوله: (الأَخْضَرَ): تَقَدَّم أنَّه الأسود.

قوله: (فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ): ظاهره أنَّها تزوَّجتْه بعد قصَّة النَّوم عندها، وقد تَقَدَّم أنَّها كانت تحت عبادة بن الصَّامت حين النَّوم عندها، وهذان مختلفان، ولعلَّ الجمع بينهما أن يكون طلَّقها، ثمَّ تزوَّجها، والله أعلم ما كان.

قوله: (مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ): هي فاختة بنت قَرَظَة؛ بفتح القاف، والرَّاء، وبالظاء المعجمة المشالة المفتوحة، وقَرَظَة: هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، لم أقف على ترجمتها، غير أنَّها تابعيَّة، والله أعلم، قال بعض الحُفَّاظ المصريِّين: وُلِدت في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومات أبوها كافرًا، وقُتِل أخوها يوم الجمل، وهي زوج معاوية بن أبي سفيان، انتهى.

قوله: (فَلَمَّا قَفَلَتْ)؛ أي: رجعت، و (القُفول): الرُّجوع.

قوله: (رَكِبَتْ دَابَّتَهَا): تَقَدَّم أنَّها كانت بغلةً، وكذا تَقَدَّم معنى (وَقَصَتْ [2] بِهَا) في (الجنائز)، وأنَّه كسرُ العنق، وهنا (وقصت بها) يقال: وقصه وأوقصه؛ إذا كسر عنقه، وهو مُعدًّى، لكنَّه عدَّاه في أصلنا بحرف الجرِّ؛ لأنَّه يقال أيضًا: وقصت به راحلته، وهو كقوله: خذِ الخِطامَ، وخذْ بالخِطام؛ قاله الجوهريُّ.

(1/5557)

[باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه]

(1/5558)

[حديث: كان النبي إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه]

2879# قوله: (حَدَّثَنَا يُونُسُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّم (سَعِيْد بِن المُسَيّب): أنَّه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز فيه إلَّا الفتحُ، وكذا تَقَدَّم (طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ) أنَّ معناه: قطعة، وقد تَقَدَّم الكلام على هذه المسألة في حديث الإفك في (الشهادات)، وأنَّ قولها: (خَرَجَ [1] فِيهَا سَهْمِي): هذه غزوة المريسيع، ولا ينفي ألَّا يكون خرج سهم غيرها، وقد قَدَّمتُ أنَّه كان معه أمُّ سلمة، وكذا (بَعْدَمَا [2] أُنْزِلَ الْحِجَابُ) أنَّ (أُنزِل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وتَقَدَّم تاريخ نزوله بما فيه من الخلاف، وسيأتي في (الأحزاب).

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَخَرَج).

[2] في (ب): (وكذا تَقَدَّم ما).

[ج 1 ص 730]

(1/5559)

[باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال]

قوله: (بَابُ غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (بوَّب على غزوهنَّ وقتالهنَّ، وليس في الحديث أنَّهنَّ قاتلن، فإمَّا أن يريد: أنَّ إعانتهنَّ للغزاة غزوٌ، وإمَّا أن يريد: أنَّهنَّ ما ثبتن للمداواة ولسقي [1] الجرحى في حالة الهزيمة إلَّا وهنَّ يدافعْنَ عن أنفسهنَّ، هذا هو الغالب، فأضاف إليهنَّ القتالَ لذلك، والله أعلم) انتهى.

فإن قيل: لمَ لمْ يُخرِّج حديث أنس: أنَّ أمَّ سُلَيم اتَّخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله؛ هذه أمُّ سُلَيم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما هذا الخنجر؟» فقالت: اتَّخذتُه إن دنا منِّي أحدٌ من المشركين؛ بقرتُ به بطنَه) أخرجه مسلم مِن طريقين؟ فالجواب: أنَّه ليس على شرطه؛ لأنَّه مِن رواية حمَّاد بن سلمة، والبخاريُّ قد تَحايَدَه، ولم يُخرِّج له في الأصول شيئًا، فاكتفى بما على شرطه عن هذا، وقد تَقَدَّم أنَّ أمَّ سُلَيم ثبتت معه في حنين، وكذا أمُّ الحارث الأنصاريَّة، والله أعلم.

[ج 1 ص 730]

==========

[1] في (ب): (ولشفي).

(1/5560)

[حديث أنس: لما كان يوم أحد انهزم الناس]

2880# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الميمين، بينهما عين ساكنة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، الحافظ المُقعَد المِنقريُّ، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد، أبو عُبيدة، التَّنُّوريُّ البصريُّ، وكذا (عَبْدُ الْعَزِيزِ): أنَّه ابن صهيب.

قوله: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ؛ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): هذا فيه مجاز؛ أي: معظمهم، ولا نعرف في موطن من المواطن أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أُفرِد وحده، وانهزم الناس عنه، وقد تَقَدَّم قريبًا أنَّه قال ابن سعد: وثبتَ معه _أي: مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم_ عصابةٌ مِن أصحابه، أربعةَ عشرَ رجلًا؛ سبعة من المهاجرين فيهم: أبو بكر الصِّدِّيق، وسبعةٌ من الأنصار، حتَّى تحاجزوا، وروى البخاريُّ: (لم يبق مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير [1] اثني عشر رجلًا)، وقال بعضهم في (تفسير آل عمران): (في «لم يبق معه غير اثني عشر رجلًا»، قال: قيل: هم العشرة، وجابر، وبلال، وعمَّار) انتهى، والذي ظهر لي أنَّ هذا انتقالُ حفظٍ مِن الانصراف عن الجمعة إلى هنا، وقد عرفتَ ما جرى لعثمان [2]، والله أعلم، وفي مسلم: (أُفرِد يومئذٍ في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش؛ طلحة وسعد بن أبي وقَّاص)، وفي «البخاريِّ» أيضًا: (لم يبق معه عليه الصَّلاة والسَّلام في بعض تلك الأيَّام التي يقاتل فيهنَّ غيرُ طلحةَ وسعدٍ)، والظاهر أنَّ هذا تاراتٌ في يوم أُحُد، وقد ذكرت في (باب ما يُكرَه من التنازع) عن ابن شيخِنا البلقينيِّ تعيينَ مَن ثبتَ معه يومئذٍ عليه الصَّلاة والسَّلام؛ فانظره إن أردته.

قوله: (وَأُمَّ سُلَيْمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّها بضَمِّ السين وفتح اللَّام، وتَقَدَّم الخلاف في اسمها، وهي أمُّ أنس، وتَقَدَّم أنَّها خالة، وأختها أمُّ حرام أم لا؟

قوله: (أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا): (الخَدَم): بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة؛ أي: جلاجلهما، الواحدة: خدمة، وقد يُسمَّى موضعها مِن الساقين خدمة ومخدَّمة؛ الأولى في «المطالع»، والثانية في «الصِّحاح»، وجمع الأولى: خِدام، وقد جاء: (وبدتْ خلاخلُهنَّ [3])، وكان هذا قبل الحجاب، وسيأتي متى أُنزِل الحجاب في (سورة الأحزاب)، وقد تَقَدَّم أيضًا.

(1/5561)

قوله: (تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ): (النَّقْز): بالنُّون، والقاف، والزّضاي، و (تنقُزان): بضَمِّ القاف، وهذا ظاهرٌ، قال ابن قُرقُول: (القرِب على ظهورهما: كذا في حديث أبي مَعْمَر، قال البخاريُّ: «وقال غيره: تنقلان [4]»، وكذا رواه مسلم، وقيل: معنى «تنقزان» على الرِّواية الأولى: تَثِبان [5]، والنقز: الوثب والقفز، كأنَّه من سرعة السَّير، وضبط الشيوخ «القِرَبَ» بنصب الباء، ووجهه بعيدٌ على الضبط المٌتقدِّم، وأمَّا «تنقلان»؛ فصحيح)، قال: (وكان بعض شيوخنا يقرأ هذا الحرف بضَمِّ الباء: «القِرَبُ»، ويجعله مبتدأ؛ كأنَّه قال: والقرب على متونهما، والذي عندي في الرواية اختلالٌ؛ ولهذا جاء البخاريُّ بعدها بالرواية البيِّنة الصِّحَّة، وقد تُخرَّج رواية الشيوخ بالنصب على عدم الخافض؛ كأنَّه قال: تنقزان بالقِرَب [6]، وقد وجدته في بعض الأصول «تُنقِزان»؛ بضَمِّ التاء [7]، ويستقيم على هذا نصبُ «القرب»؛ أي: تُحرِّكان القرب بشدَّة عَدْوِهِما، فكانت القرب ترتفع وتنخفض؛ مثل الوثب على ظهورهما) انتهى [8].

قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلَانِ): (غيره): هو جعفر بن مهران، قاله بعض حُفَّاظ العصر.

==========

[1] في النُّسختين: (إلَّا)، ولا يستقيم، وكذا في الموضع اللَّاحق، والمثبت من مصدره.

[2] في (ب): (بع ثمَّ ان).

[3] في (ب): (جلاجلهن)، وهو تصحيفٌ، وزيد فيها: (قوله).

[4] في (ب): (ينقلان).

[5] في (ب): (تثبتان)، وهو تحريفٌ، وزيد فيها: (النقز).

[6] في (ب): (بالقران)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (ينقران: بضَمِّ الياء)، وهو تصحيفٌ.

[8] (انتهى): سقط من (ب).

[ج 1 ص 731]

(1/5562)

[باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو]

قوله: (بَابُ حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ): (القِرَبَ): مَنْصوبٌ، مفعول المصدر؛ وهو (حمل)، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 1 ص 731]

(1/5563)

[حديث: إن عمر بن الخطاب قسم مروطًا بين نساء المدينة]

2881# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، وتَقَدَّم الكلام على لقبه بـ (عبدان)، وتَقَدَّم أنَّ (عَبْد اللهِ) هذا: هو ابن المبارك، أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم (يُونُسُ): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا تَقَدَّم (ابْن شِهَابٍ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم الزُّهريُّ.

قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ): (ثعلبة بن أبي مالك): القرظيُّ، حليف الأنصار، أبو مالك، ويقال: أبو يحيى، إمام مسجد بني قريظة، له رؤية، وحديث عند ابن ماجه سيجيء، وروى عن عمر، وعثمان، وقيس بن سعد، وغيرهم، وعنه: ابنا منظور [1]، وأبو مالك، وابن أخيه منصور [2] بن رفاعة، والزُّهريُّ، وآخرون، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، وابن ماجه، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ثعلبة بن أبي مالك، فقال: هو من التابعين، والحديث مُرسَلٌ، وقال ابن معين: له رؤية من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذكر ابن عبد البَرِّ أنَّه وُلِد في عهده عليه الصَّلاة والسَّلام، وروى شعبة، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة قال: (كنت غلامًا على عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وقد قَدَّمتُ حديثه من عند ابن ماجه، وهو أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يخطب قائمًا يفصل بينهما بجلوس، وأبو بكر وعمر كذلك، وقول الزُّهريِّ: (قال ثعلبة) لا شكَّ أنَّه لقيه، ولكن قولُ المُدلِّس: (قال فلان): هو مثل قوله: (عن) و (أنَّ)، وقد قبل الأئمَّة عنعنة الزُّهريِّ، والله أعلم.

قوله: (قَسَمَ مُرُوطًا): (المروط): واحدها: مِرْط؛ بكسر الميم، وإسكان الراء، وبالطاء المهملة، كساءٌ من خزٍّ، أو صوف، أو كَتَّان، قاله الخليلُ، وقال ابن الأعرابيِّ: هو الإزار، وقال النَّضر: (لا يكون المِرْط إلَّا درعًا، وهو من خزٍّ أخضرَ، ولا يُسمَّى المِرْط إلَّا الأخضر، ولا يلبسه إلَّا النِّساء، وظاهر الحديث يصحِّحُ قولَ الخليل، وفي الصحيح: (مِرْط من شعر أسودَ)، وقد تَقَدَّم.

قوله: (فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ): (بعض مَن عنده): لا أعرفهم، والظاهر أنَّهم جماعة؛ لأنَّه قال بعده: (يُرِيدُونَ)، والله أعلم.

قوله: (أَعْطِ هَذَا): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ.

(1/5564)

قوله: (ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ ... ) إلى آخره: أمُّ كُلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب [3] من فاطمة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي بضَمِّ الكاف، وُلِدتْ في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد ذكروها [4] في الصَّحابة، ولم أقف على اسمها، ولا متى وُلِدت، والذَّهبيُّ لم يحمِّرها؛ فهي عنده صحابيَّة، وقد حمَّر أختها لأبويها زينبَ، فزينب عنده تابعيَّة، وأولاد عليٍّ من فاطمة رضي الله عنهم [5] الحسن، والحسين، والمحسن مات صغيرًا، وأمُّ كلثوم، وزينبُ، ورقيَّة، والأخيرة ذكرها اللَّيث بن سعد، نقل ذلك عنه ابن الجوزيِّ الحافظ أبو الفرج في أوَّل «تلقيحه» قال اللَّيث: وماتت قبل أن تبلغ، وما رأيت أحدًا ذكرها إلَّا ابنَ الجوزيِّ، تزوَّج عمر بأمِّ كلثوم على صَداقٍ مبلغه [6] أربعون [7] ألفًا،

[ج 1 ص 731]

فولدت له زيدًا، ورقيَّة، وتُوُفِّيَت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطَّاب في يوم واحد، قال ابن أبي حاتم: (سمعتُ أبي يقول: تُوُفِّيَ زيد وأمُّه أمُّ كلثوم في ساعة واحدة، وهو صغير لا ندري أيُّهما مات أوَّل) انتهى، وقال ابن الأثير: وكان زيدٌ أُصِيب في حرب كانت بين بني عديٍّ، خرج ليصلح بينهم، فضربه رجلٌ منهم في الظلمة، فشجَّه، وصرعه، فعاش أيَّامًا، ثمَّ مات هو وأمُّه، فصلَّى عليهما عبد الله بن عمر، قدَّمه حسن بن عليٍّ رضي الله عنهم، وقد تزوَّجت أمُّ كلثوم بنت عليٍّ بعد مقتل عمر بعون بن جعفر، وزينب بنت عليٍّ تَقَدَّم أنَّها تابعيَّة، وكانت عاقلةً لبيبةً ولدت من عبد الله بن جعفر عليًّا، وعونًا، وعبَّاسًا، وأمَّ كلثوم.

(1/5565)

قوله: (فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ): هي بفتح السين، وكسر اللَّام، ثمَّ مثنَّاة تحت [8] ساكنة، ثمَّ طاء مهملتين، صحابيَّة رضي الله عنها من نساء الأنصار ممَّن بايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما قال هنا، وليس في الصَّحابيَّات _فيما أعلم_ أمُّ سَلِيط سواها، ولا أعرف اسمها، وقال شيخنا: (وهي أمُّ قيسٍ [بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو] [9] بن غنم بن مازن بن النَّجَّار، وزوجها أبو سَلِيط أُسيرةُ بن أبي خارجة عمرِو بن قيس بن مالك بن عديِّ بن عامر بن غنم بن عديِّ بن النَّجَّار، فولدت له سليطًا، وقيل: يُسيرة بن عمرو، والأوَّل أصحُّ، وأمُّه آمنة أخت كعب بن عُجرة، شهد بدرًا، وعنه: عبد الله، وأخته أُنَيسة بنت أبي خارجة) انتهى، وقد اختُلِف في اسمه، فقيل: أُسَيرة، وبه صدَّر أبو عمر، وقيل: أُسَير، وقيل: سَبْرة، وقيل: أُسَيد، والأوَّل أصحُّ، قاله أبو عمر، وفي «الاستيعاب»: (شهد بدرًا، وما بعدها من المشاهد مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى.

قوله: (كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ): (تَزْفِر): بفتح المثنَّاة فوق، ثمَّ زاي ساكنة، ثمَّ فاء مكسورة، ثمَّ راء، قال البخاريُّ هنا: (تَزْفِرُ [10]: تَخِيطُ)، قال ابن قُرقُول ومِن قبله القاضي أبو الفضل عياض، واللَّفظ لابن قُرقُول: (تَزْفِر؛ أي: تحملها ملأى على ظهرها، والزِّفْر: الحمل على الظَّهر خاصَّة، والزِّفر: القربة [11]؛ كلاهما بفتحِ الزاي، وسكون الفاء؛ كذا [12] قال القاضي، وليس كذلك، بل الزِّفر _بكسر الزاي_: القِربة، كذا في «العين»، وفي «المُصنَّف»: كلُّ ما حمل على ظهر؛ فهو زِفْر؛ مثل: حِمل، وزِفر، ووِزر، وعِدْل، يقال منه: زفر وأزفر، وروى المستملي في «البخاريِّ» قال أبو عبد الله: «تزفر: تخيط»، وهذا غير معروف في اللُّغة) انتهى، وما عزاه إلى «العين» و «المُصنَّف» هو في «صحاح الجوهريِّ»، قال ما لفظه: (والزِّفر؛ بالكسر: الحمل، والجمع: أزفار، والزِّفر أيضًا: القربة) انتهى، وفي «الجمهرة»: (الزِّفر: الحمل على الظهر)، وقال في «المجمل»: (الزِّفر: الحمل، والجمع: أزفار) انتهى، وأخبرني بعض فضلاء الحنفيَّة أنَّه سأل شيخنا مجد الدين صاحب «القاموس» عن تفسير البخاريِّ: (تزفر: تخيط)، فقال في جوابه: (هذا تفسير باللَّازم) انتهى.

(1/5566)

[باب مداواة النساء الجرحى في الغزو]

(1/5567)

[حديث: كنا مع النبي نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى .. ]

2882# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ، الحافظ المشهور، تَقَدَّم مُتَرجَمًا، وكذا تَقَدَّم (بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ): أنَّه بكسر الموحَّدة وبالشين المعجمة، و (المُفضَّل)؛ بتشديد الضاد المعجمة وفتحها: اسم مفعول.

قوله: (عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ): هي بضَمِّ الراء، وفتح الموحَّدة، وتشديد المثنَّاة تحت، ثمَّ عين مهملة؛ مُصغَّرةٌ، و (مُعَوِّذ): بضَمِّ الميم، وفتح العين المهملة، وتشديد الواو مكسورة، هذا الأشهر، ثمَّ ذال معجمة، وفي «المطالع»: (بكسر الواو، وفتحها، فبالفتح لأبي بحر عن الوقَّشيِّ، وحكى فيه أنَّه لا يجيز [1] الكسر، وبالوجهين ضبطناه عن الصَّدفيِّ) انتهى، وهي الرُّبيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء بن الحارث بن رفاعة بن الحارث الأنصاريَّة، ممَّن بايع تحت الشجرة بيعةَ الرضوان رضي الله عنها، أخرج لها الجماعة وأحمد في «المسند».

قوله: (كُنَّا ... نُدَاوِي الْجَرْحَى): تَقَدَّم في (الحجِّ) النِّسوةُ اللَّاتي كنَّ يداوين الجرحى.

(1/5568)

[باب رد النساء الجرحى والقتلى]

(1/5569)

[حديث: كنا نغزو مع النبي فنسقي القوم ونخدمهم]

2883# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ): تَقَدَّم أعلاه ضبطه وضبط أبيه.

==========

[ج 1 ص 732]

(1/5570)

[باب نزع السهم من البدن]

(1/5571)

[حديث: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر]

2884# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وكذا تَقَدَّم (بُرَيْدِ): أنَّه بضَمِّ الموحَّدة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو بُرْدَةَ): أنَّ اسمه الحارث أو عامر، القاضي، ابن أبي موسى الأشعريُّ، عبد الله بن سُلَيم بن حَضَّار تَقَدَّم.

قوله: (رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ): (رُمِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (أبو عامر): هو الأشعريُّ، وهو عمُّ أبي موسى، واسمه عبيد _كما سيأتي في هذا الحديث نفسِه_ ابن سُلَيم بن حَضَّار؛ بالحاء المهملة، وتشديد الضَّاد المعجمة، وفي آخره راء، استُشهِد يوم أوطاس، رماه جُشميٌّ بسهم في ركبته، قال ابن إسحاق: فيزعمون أنَّ سلمة بن دريد بن الصِّمَّة هو الذي رمى أبا عامر فقتله، وقد قتل أبو موسى الأشعريُّ قاتلَه، وقد قال شيخنا عن ابن هشام: (رماه أخوان من بني جشم بن معاوية، فأصاب أحدُهما قلبَه، والآخرُ ركبتَه)، وعند ابن عبد البَرِّ: (هما العلاء وأوفى ابنا الحارث) انتهى، وقول شيخنا: وعند أبي عمر؛ يعني: في غير «الاستيعاب»، وإلَّا؛ لم أره في ترجمته، ولا في ترجمة ابن أخيه أبي موسى، والله أعلم، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ بعد كلام ابن إسحاق: وقال ابن هشام: وحدَّثني مَن أثق به قال: (ورمى أبا عامر أخوانِ؛ العلاءُ وأوفى _وفي نسخة: وأوفى_ ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية، فأصاب أحدُهما قلبَه، والآخرُ ركبتَه، فقتلاه ... ) إلى أن قال: (فحمل عليهما؛ يعني: أبا موسى، فقتلهما) انتهى، وقد رأيتُ ذلك في «سيرة ابن هشام»، والله أعلم.

تنبيهٌ: العلاء وأوفى لا أعرف لهما ترجمة، فإن كانا قتلاه؛ فقد قتل أبو موسى الاثنين، كما تَقَدَّم، وإن كان القاتلُ سلمةَ بن دريد بن الصِّمَّة؛ فقد قتله أبو موسى الأشعريُّ، والثلاثة كفَّار، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 732]

(1/5572)

[باب الحراسة في الغزو في سبيل الله]

(بَابُ الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللهِ) ... إلى (بَاب الدُّعَاءِ لِلمُشْرِكِيْن بِالهُدَى؛ لِيَتَألَّفَهُم)

اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام حرسه جماعة؛ حرسه يوم بدر حين نام في العَرِيش: سعد بن معاذ، (وكذا حرسه في ليلة بدر: أبو قتادة؛ كذا في «المعجم الصغير» للطَّبرانيِّ في [1] آخره عن عبدة بنت عبد الرَّحمن، وهي شيخته) [2]، ويوم أُحُد: مُحَمَّد بن مسلمة، ويوم الخندق: الزُّبير بن العوَّام، وحرسه ليلة بنى بصفيَّة بنت حُيَيٍّ: أبو أيُّوب الأنصاريُّ بخيبر، أو ببعض طريقها، والثَّاني في «الصَّحيح»، فذكر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

[ج 1 ص 732]

قال: «اللَّهمَّ؛ احفظ أبا أيُّوب كما بات يحفظني»، وبوادي القُرى: بلال، وسعد بن أبي وقَّاص، وذكوان بن عبد قيس، وفي «مسند أحمد» من حديث ابن الأدرع قال: (كنتُ أحرس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلة، فخرج لحاجته ... )؛ وذكر قصَّة ذي البجادَين، رواها عنه زيد بن أسلم، وكان على حرسه عبَّاد بن بشر، فلمَّا نزلت: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]؛ ترك الحرسَ، وحرسه أيضًا العبَّاس عمُّه، كما رواه الطَّبرانيُّ في «معجمه الصغير» في (الحاء المهملة) في (حمْد) من حديث أبي سعيد [3]: أنَّ العبَّاس عمَّه كان فيمن يحرسه، فلمَّا نزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... } [المائدة: 67]؛ الآية؛ ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحرسَ.

وحرسه أيضًا: أنس بن أبي مرثد الغنويُّ في اللَّيلة التي كان في صبيحتها وقعةُ حُنَين؛ كذا في «المستدرك» في (الجهاد)، وهو في «أبي داود» و «النَّسائيِّ»، وفيه أيضًا عن أبي ريحانة قال: (خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة ... ) إلى أن قال: («ألا رجلٌ يحرسُنا اللَّيلة»، فقام رجلٌ من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فدعا له)، قال أبو ريحانة: (فقلت: أنا، فدعا لي هو دون ما دعا به للأنصاريِّ ... )؛ الحديث، وهذا في (الجهاد) أيضًا، وحرسه حذيفة كما ذكره الواقديُّ من حديث عائشة: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «ألا رجل صالح يحرسني»، فجاء سعد وحذيفة ... ؛ الحديث، وفيه: فنزلت هذه الآية؛ يعني: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].

(1/5573)

وفي «ابن ماجه»: أنَّ الأدرع السُّلميَّ حرسه عليه الصَّلاة والسَّلام، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (الأدرع السُّلميُّ كان في حرس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يروي عنه المقبريُّ).

وكان حارس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خشرم [4] بن الحُبَاب؛ هو ابن المنذر، رأيته بخطِّ أبي الفتح ابن سيِّد النَّاس في «حاشية الاستيعاب»، وعزاه لابن دريد، وبقيَّة كلامه فيه تدلُّ على أنَّه ذكره في كتاب «الاشتقاق» له، ثمَّ نظرته فيه [5]، والله أعلم.

وفي سيرة مُطوَّلة جدًّا، ولا أعرف من مُؤلِّفها: أنَّه حرسه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في ليلة من ليالي أيَّام الخندق، والله أعلم، فأمَّا عمر؛ فحرسه في ليلة الفتح، ذكره أبو داود، وسيأتي في «الفتح» عَزْوُهُ.

(1/5574)

[حديث: ليت رجلًا من أصحابي صالحًا يحرسني الليلة]

2885# قوله: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو الأنصاريُّ، تَقَدَّم.

قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ): (رَبِيعة): بفتح الراء وكسر الموحَّدة، [و] (عبد الله) هذا: عنزيٌّ، كنيته أبو مُحَمَّد، مدنيٌّ، حليف لقريش، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبيه [2]، وعمر، وعثمان، وعبد الرَّحمن بن عوف، وعائشة، وغيرهم، وعنه: عبد الرَّحمن بن القاسم، والزُّهريُّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، وجماعة، وكان أبوه من كبار الصَّحابة، قيل: مات سنة (85 هـ)، ومات النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وله خمس سنين، أخرج له الجماعة.

(1/5575)

[حديث: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميص]

2886# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَبُو بَكْرٍ): كذا في أصلنا، وفي نسخة وهي داخل أصلنا، وعليها علامة راويها: (ابن عيَّاش)، وعيَّاش: بالمثنَّاة تحت وبالشين المعجمة، تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه المقرئ، أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم (أَبُو حَصِينٍ): أنَّه بفتح الحاء وكسر الصَّاد المهملتين، واسمه عثمان بن عاصم، وتَقَدَّم أنَّ الكنى بالفتح، والأسماء بالضَّمِّ، وكذا تَقَدَّم (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، و (أَبُو هُرَيْرَةَ) أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ): (تَعِسَ): تَقَدَّم الكلام على (تَعِسَ) في (حديث الإفك)، فإنَّ [2] في «العين»: الفتح والكسر، وتَقَدَّم معناها، وقوله: (تعس عبد الدِّينار ... ) إلى آخره؛ أي: إنَّ طلب ذلك قد استعبده، وصار عمله كلُّه في طلبها كالعبادة لها.

قوله: (وَالْقَطِيفَةِ): هي كساءٌ ذو خَمْل، وجمعه: قطائفُ، وهي الخميلة أيضًا، وقد تقدَّمت.

قوله: (وَالْخَمِيصَةِ): هي بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم، وبالصَّاد المهملة، وهي كساء من صوف أو خزٍّ، مُعلَّمة، كانت من لباس النَّاس، وقيل: البَرنكان الأسود، وقال أبو عبيد: (هو كساء مُربَّع له عَلَمَان)، وقيل غير ذلك، وقد تقدَّمت غير مرَّةٍ.

قوله: (إِنْ أُعْطِيَ): (أُعطِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (وَإِنْ لَمْ يُعْطَ).

وقوله: (إِنْ أُعْطِيَ؛ رَضِيَ)؛ أي: إن أُعطيَ ما لَه؛ عَمِلَ، رضيَ عن معطيه؛ وهو خالقه تعالى، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ؛ سخط ما قدَّر له خالقُه، ويسَّر له مِن رزقه، فصحَّ بهذا أنَّه عبدٌ في طلب ما ذكر؛ فوجب الدُّعاء عليه بالتَّعْس؛ لأنَّه إذ قصر عملَه على متاع الدُّنيا الفاني، وترك العمل لأجل نعيم الآخرة الباقي، والله أعلم.

(1/5576)

قوله: (لَمْ يَرْفَعْهُ [3] إِسْرَائِيلُ ومُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ): أمَّا (إسرائيل)؛ هو ابن يونس بن أبي إسحاق [4] السَّبيعيِّ، تقدَّمت ترجمته، وأمَّا (مُحَمَّد بن جُحَادة)؛ فـ (جُحَادَةُ) بجيم مضمومة، ثمَّ حاء مهملة مخفَّفة، وبعد الألف دالٌ مهملةٌ، ثمَّ تاء التأنيث، (مُحَمَّد): كوفيٌّ، يروي عن أنس وطائفة، وعنه: شعبة، وعبد الوارث، وطائفة، ثقة صالح، مات سنة (130 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، من حيث الاعتقاد، وقول البخاريِّ: (لم يرفعه فلان وفلان)؛ يعني: بل وقفاه على أبي هريرة؛ يعني: أنَّه من كلامه، وقد تَقَدَّم ما إذا تعارض الوصلُ والإرسال، أو الرَّفع والوقف بين الثِّقات، وذكرت في ذلك أربعة أقوال؛ الأصحُّ: أنَّ العبرة بالوصل والرفع، وقيل: الأكثر على الإرسال والوقف، وقيل: العبرة بالأكثر، وقيل: بالأحفظ.

وقد سُئِل البخاريُّ عن حديث: «لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ»، وهو حديث اختُلِف فيه على أبي إسحاق السَّبيعيِّ؛ فرواه شعبة والثَّوريُّ عنه، عن أبي بردة [5]، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُرسَلًا، ورواه إسرائيل بن يونس في آخرين، عن جدِّه أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعريِّ، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُتَّصلًا، فحكم البخاريُّ لمن وصله وقال: (الزيادة من الثِّقة مقبولة، هذا مع أنَّ مَن أرسله شعبةُ وسفيانُ، وهما جبلان في الحفظ والإتقان، والله أعلم)، وقد قال شيخنا الشَّارح: (قال الإسماعيليُّ: تابع أبا بكر شريكٌ وقيسٌ) انتهى.

وقوله: (عَنْ أَبِي حَصِينٍ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عثمان بن عاصم.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[2] في (ب): (قال).

[3] في هامش (ق): (قوله: «لم يرفعه ... » إلى آخره: ينبغي أن يكون عقيب حديث يحيى بن يوسف المذكور أعلاه، وكذا ذكره في نسخة صحيحة من رواية أبي ذرٍّ، وكذا ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه»).

[4] زيد في (ب): (مُحَمَّد)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[5] زيد في (ب): (عنه)، ولعلَّها في (أ) علامة التضبيب.

[ج 1 ص 733]

(1/5577)

[حديث: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة]

2887# قوله: (وَزَادَ عَمْرٌو [1]): (عمرو) هذا: هو شيخ البخاريِّ عمرو بن مرزوق، كذا قاله المِزِّيُّ في «أطرافه»، ووقع في أصلنا ما لفظه: (وزاد: حدَّثنا عمرٌو)، وهذه خلافُ ما قاله المِزِّيُّ، لكن يكون المعنى: وزاد البخاريُّ، فقال: (حدَّثنا عمرٌو)، وهذا كلام صحيح، لكن ليس ذلك من عادات أصحاب الحديث، فالصَّواب إذًا: (وزاد عمرٌو)، والله أعلم، والظاهر أنَّها كانت: (وزادنا عمرٌو) [2]، فظنَّ المقابِل أنَّها: (حدَّثنا)، ثمَّ رأيت في نسخة صحيحة: (وزاد لنا)، وهذه [3] هي الصَّواب، و (عمرو) هذا: باهليٌّ، عن مالك بن مِغول، وعكرمة بن عمَّار، وطائفة، وعنه: البخاريُّ مقرونًا، وأبو داود، وإسماعيل القاضي، وأبو خليفة، وخلقٌ، ثقةٌ، وفيه بعض الشيء، مات سنة (224 هـ)،

[ج 1 ص 733]

له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّم، وتَقَدَّم قولُ البخاريِّ [4]: (زاد فلان)؛ إذا كان الزَّائد شيخَه؛ هو مثل قولِه: (قال)، وقد تَقَدَّم أنَّ (قال) إذا ذكرها البخاريُّ عن أحد من شيوخه؛ يكون أخذَ عنه ذلك الشيء في حال المذاكرة غالبًا، والله أعلم، وهذا الحديث الذي زاده رواه أيضًا ابن ماجه في (الزُّهد) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن إسحاق بن سعيد _وهو إسحاق بن إبراهيم بن سعيد المدنيُّ_ عن صفوان بن سُلَيم، عن عبد الله بن دينار به [5].

قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ اسمه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، وأنَّ (أبا هريرة): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (تَعِسَ): تَقَدَّم قريبًا جدًّا [6] وبعيدًا، وتَقَدَّم الكلام على (عَبْدُ الدِّينَارِ) و (عَبْدُ الدِّرْهَمِ)، وكذا (الخَمِيصَةِ).

قوله: (وَانْتَكَسَ): قال في «المطالع»: (أي: لا استقلَّ حتَّى يَسقط أخرى، وقيل: لا يزال منكوسًا في سِفال، وذكر بعضهم: «انتكش»؛ بشين معجمة، وفسَّره بالرُّجوع، وجعله دعاءً له، لا عليه)، انتهى.

قوله: (وَإِذَا شِيكَ): هو بكسر الشين المعجمة، وإسكان المثنَّاة تحت، ثمَّ كاف، وهو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، ومعناه: وإذا أصابته شوكة؛ فلا أخرجها بالمِنْقاش، وهذا دعاءٌ عليه.

(1/5578)

قوله: (فَلَا انْتَقَشَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّ معناه: إن أصابته شوكة في قدمه؛ فلا قدر على إخراجها، يقال: انتقش _بالقاف والشين المعجمة_ إذا سلَّ الشوكة [7] من قدمه بالمِنْقَاش؛ وهو شبه جفتٍ صغيرٍ يجذب به الشَّوكة من القدم، وفي «الجمهرة»: (المِنْقاش: المِنْتاخ، وهو أيضًا المِنْماص) انتهى، والظَّاهر أنَّ الذي تُسمِّيه الناس المِلْقَطَ، قال بعضهم: وعن ابن قتيبة قال: (سمعت من يرويه بالعين بدل القاف؛ أي: ارتفع، يقال: نعشتُ الرَّجلَ، وأنعشتُه؛ إذا رفعتَه مِن عثرته، ولا معنى له مع ذكر الشَّوكة) انتهى.

قوله: (طُوبَى لِعَبْدٍ): (طُوبى): (فُعْلَى)، من الطِّيب، وقيل: هي الشجرة التي في الجنَّة، وسيجيء قريبًا فيه، وأنَّه من الطَّيِّب.

قوله: (آخِذٍ): هو بمدِّ الهمزة وكسر الخاء، اسم فاعل.

قوله: (أَشْعَثَ رَأْسُهُ): (أشعث): يجوز فتحه؛ لأنَّه لا ينصرف، وهو صفة لـ (عَبْدٍ) المجرور، وعلامة الجرِّ فيه الفتحةُ، ويجوز رفعُه.

قوله: (مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ): يجوز في (مغبرَّة) الجرُّ مع التَّنوين؛ لأنَّه صفة لمجرور، كما تَقَدَّم، ويجوز رفعه مُنوَّنًا، كما تَقَدَّم في (أشعث).

قوله: (وَإِنْ شَفَعَ): هو بفتح الفاء، وهذا غاية في الظُّهور، إلَّا أنِّي سُئِلتُ عنه، وأُخبِرتُ عن بعض طلبة العلم أنَّه وقع له وكشف عليه أو غلط [8] فيه وقال: إنَّه مكسور الفاء، والله أعلم.

==========

[1] في (ق): (وزاد: حدَّثنا عمرو)، وفي هامشها: (فائد: يعني: ابن مرزوق)، (الصَّواب: حذفُ «حدَّثنا» التي في الأصل قبل «عمرو»، والظاهر أنَّها كانت: «وزادنا عمرو»، فظنَّ المقابل أنَّ الضمير: «حدَّثنا»، وقد رأيت في نسخة صحيحة: «وزاد لنا»، وهذه هي الصواب).

[2] وكذا في «اليونينيَّة».

[3] في (ب): (وزاد حدثنا، فذكره)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[4] زيد في (ب): (أن).

[5] زاد في (ب): (انتهى).

[6] زيد في (ب): (قربيًا)، وهو تكرارٌ.

[7] في (ب): (شوكه).

[8] في (ب): (عليه وأغلط).

(1/5579)

[باب فضل الخدمة في الغزو]

(1/5580)

[حديث أنس: خرجت مع رسول الله إلى خيبر أخدمه]

2889# قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ): هو بفتح الحاء المهملة، وإسكان النون، وفتح الطاء المهملة أيضًا، ثمَّ موحَّدة، كذا ضبطه غيرُ واحد من الحُفَّاظ، ورأيت في نسخة صحيحة بـ «البخاريِّ» في الأصل كما ضبطته، وصحَّح عليه مرَّتين، وفي الهامش: (حَنْطَب)؛ بفتح الحاء المهملة، ثمَّ سكون النون، وبالطاء المهملة المفتوحة، وبضمِّ الحاء والطاء، وفي الهامش أيضًا نسخة؛ وهي إعجامُ الطَّاء مُدلَّسة الحركات، وكُتِب فوقها ما صورته: (متن)، وتحت (متن): (ب)، وما أدري ما أراد بقوله: (ب) [1]، والله أعلم، وهي نسخة مخضومة مقابلة بعدَّة نسخ، وهي بغداديَّة، وهي بخطِّ شخص معروف بالطلب ببغداد، وقد قرأها على شيخنا غياث الدِّين ابن العاقوليِّ، وعليها طبعة بخطِّ ابن العاقوليِّ أنَّها قُرِئت عليه، وذكر أسانيده فيها، والله أعلم، وما عمله نسخةً [2] هو المعروف في اللُّغة، وهو بفتح الظاء المعجمة المشالة وضمِّها، وهو ذَكَرُ الجراد، وذَكَرُ الخنافس، أو ضربٌ منه طويل، أو دابَّةٌ مثله.

قوله: (إِلَى خَيْبَرَ): تَقَدَّم متى كانت (خيبر) بما فيه من الخلاف.

قوله: (وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ): (بدا): غيرمهموز، بل معتلٌّ؛ أي: ظهر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ): هل هو مجاز أو حقيقة؟ والصَّحيح: أنَّه حقيقة، وسيأتي مُطَوَّلًا [3].

قوله: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا): تَقَدَّم أنَّ (اللَّابتين): الحرَّتان، وتَقَدَّم ضبط (اللَّابة)، وأنَّها بترك الهمز [4]، وتَقَدَّم الكلام على (الصَّاع) و (المُدِّ).

==========

[1] في النُّسختين: الرَّمزان بلا نقط.

[2] (نسخة): سقط من (ب).

[3] زيد في (ب): (إن شاء الله تعالى).

[4] في (ب): (الهمزة).

[ج 1 ص 734]

(1/5581)

[حديث: ذهب المفطرون اليوم بالأجر]

2890# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْمَاعِيلُ): هذا هو إسماعيل بن زكريَّا الخُلْقانيُّ، عن حُصَين [2]، وعاصم الأحول، وعدِّة، وعنه: سعيد بن منصور، ولُوَين، وعدَّة، صدوق، اختلف قول ابن معين فيه، تُوُفِّيَ سنة (173 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّم كلام عبد الرَّحمن بن المبارك: أنَّ كلَّ مَن اسمُه عاصمُ في حفظه شيءٌ، وأنَّ يحيى القطَّان قال: ما وجدت رجلًا اسمُه عاصمٌ إلَّا وجدته رديء الحفظ.

قوله: (حَدَّثَنَا عَاصِمٌ): هذا هو عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرَّحمن البصريُّ، عن عبد الله بن سرجس، وأنس، وعمرو بن سلمة، وخلق، وعنه: شعبة، وابن عُليَّة، وخلقٌ، قال أحمد: ثقة من الحُفَّاظ، مات سنة (142 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد قَدَّمتُ الكلام في كلِّ مَن اسمه عاصم، والله أعلم.

قوله: (عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ): هو بضَمِّ الميم، وفتح الواو، وتشديد الرَّاء مكسورة، وبالقاف، اسم فاعل من (ورَّق)، عجليٌّ، يروي عن عمر، وسلمان، وخلقٍ، وعنه: قتادة وحميد، ثقة عابد مجاهد مؤثر، أخرج له الجماعة، قال ابن سعد: (مات في [3] ولاية عمر بن هبيرة على العراق)، وثَّقه النَّسائيُّ وغيره.

قوله: (فَبَعَثُوا الرِّكَابَ)؛ أي: أثاروها من مُناخها.

قوله: (وَعَالَجُوا)؛ أي: مارسوا الأعمال.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (عَنْ).

[2] في (ب): (حصن)، وهو تحريفٌ.

[3] زيد في (ب): (آخر).

[ج 1 ص 734]

(1/5582)

[باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر]

(1/5583)

[حديث: كل سلامى عليه صدقة كل يوم يعين الرجل في دابته]

2891# قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّم أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّم أنَّ (هَمَّامًا) هو ابن مُنبِّه بن كامل اليماني.

قوله: (كُلُّ سُلَامَى): تَقَدَّم الكلام عليها، وهل هي [1] مفرد أو جمع، وهي المفاصل.

قوله: (كُلَّ يَوْمٍ): (كلَّ): مَنْصوبٌ على الظرف.

قوله: (يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا): قال ابن قُرقُول: (من الحمل؛ أي: يعقبه) انتهى، وقال شيخنا: (يعينه في الحمل، فيحملان [2] بينهما) انتهى.

قوله: (وَكُلُّ خَطْوَةٍ): هي في أصلنا بفتح الخاء، وضمِّها بالقلم، وهي بالضَّمِّ: ما بين القدمين، وبالفتح: المرَّة الواحدة.

قوله: (وَدَلُّ الطَّرِيقِ): هو بفتح الدال المهملة، وتشديد اللَّام؛ أي: دلالته وهدايته مَنْ لا يعرفه.

(1/5584)

[باب فضل رباط يوم في سبيل الله]

[ج 1 ص 734]

قوله: (بابُ فَضْلِ الرِّبَاطِ [1] فِي سَبِيلِ اللهِ): (الرِّباط): ملازمة الثَّغر؛ للجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وشبَّهوا به المصلِّي في الآخر، وربط الخيل: حبسها وإعدادها لما تراد له من جهادٍ، وكسب، وغير ذلك، وقيل: معناه: أنَّ هذا يربط صاحبه عن المعاصي، ويعقله عنها، فهو كمن رُبِط وعُقِل.

(1/5585)

[حديث: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها]

2892# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ): هو بإسكان المثنَّاة تحت، تَقَدَّم مرارًا.

قوله: (سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالضاد المعجمة، وأنَّه لا يحتاج إلى تقييد؛ لأنَّه لا يأتي إلَّا بالألف واللَّام بخلاف (نصر)؛ فإنَّه لا يأتي بهما، وتَقَدَّم أنَّ اسمه هاشم بن القاسم، وكذا تَقَدَّم (أَبُو حَازِمٍ): أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ اسمه سلمة بن دينار، أبو حازم، الأعرج.

قوله: (رِبَاطُ يَوْمٍ): تَقَدَّم أعلاه ما الرِّباط، وكذا تَقَدَّم قبله (الرَّوْحَةُ) و (الغَدْوَةُ) ما هما.

==========

[ج 1 ص 735]

(1/5586)

[باب من غزا بصبي للخدمة]

(1/5587)

[حديث: التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر]

2893# قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ): هو يعقوب بن عبد الرَّحمن القاريُّ المدنيُّ، نزل الإسكندريَّة، عن زيد بن أسلم وسهيل بن أبي صالح، وعنه: قتيبة ويحيى ابن بُكَير، مات سنة (181 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين.

تنبيهٌ: هذا غير يعقوب بن عبد الرَّحمن الجصَّاص، الدَّعَّاء الواعظ، هذا له جزءان معروفان، وهو يروي عن ابن عرفة وحفص الرَّبَاليِّ [1]، وعنه: الدَّراقطنيُّ، وابن جُمَيع الصَّيْداويُّ، قال الخطيب: في حديثه وَهَمٌ كثير، مات سنة (331 هـ)، وقال الحافظ أبو مُحَمَّد الحسن ابن غُلَامِ الزُّهريِّ: ليس بالمرضيِّ.

قوله: (عَنْ عَمْرٍو): هو عمرو بن أبي عمرو، مولى المطَّلب بن عبد الله بن حنطب.

قوله: (قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم أنَّه زيد بن سهل، الصَّحابيُّ المشهور، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ): (الغلام): يُقال للصبيِّ من حين يولد إلى أن يبلغ: غلامٌ، وتصغيره: غُلَيم، وجمعه: غِلمان، وأُغيلمة: تصغيرٌ، ويُقال أيضًا للرجل المستحكم القوَّة: غلامٌ، قاله ابن قُرقُول، والمراد هنا الأوَّل، وقد تَقَدَّم الكلام في (الغلام) فيما مضى.

قوله: (يَخْدُمنِي) [2]: هو مجزوم جواب الأمر، ويجوز رفعه.

قوله: (حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ): قد يتوَّهم من هذا متوهمٌ أنَّه إنَّما الخدمة [3] من عام خيبر، وقد [4] قَدَّمتُ أنَّها كانت في آخر السادسة [5] أو في أوَّل السابعة، ويعارضه قولُه: (خدمتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عشرَ سنين)؛ يعني: مدَّة إقامته بالمدينة، ولعلَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أراد غلامًا آخرَ يخدمه في السفر، فجاء أبو طلحة عمُّ أنسٍ زوجُ أمِّه بأنسٍ، فقال: (هذا يخدمك)، فخدمه مستمرًّا، والله أعلم.

قوله: (وَأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ): كأن أنسًا _والله أعلم_ تأخَّر احتلامه؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا قدم المدينة؛ كان لأنس عشرُ سنين، وقد قَدَّمتُ متى كانت خيبر، والمراد بالبلوغ: الاحتلام، لا السِّنُّ، والله أعلم.

(1/5588)

قوله: (مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ): (الحَزَن) و (الحُزْن) لغتان [6]، قال ابن قُرقُول: (قيل: هما بمعنًى واحدٍ؛ وهو تحسُّر القلب، وشغلُه بالفكر، والتأسُّف على ما فات من الدنيا، وقيل: هو شغل القلب وفكرته فيما يخاف ويُرجى في المستقبل من غنًى أو فقرٍ، وغير ذلك من الحوادث الطارئة المتوقَّعة، وقيل: الحَزَن: على ما فات، والهمُّ: على ما هو آتٍ، استعاذ صلَّى الله عليه وسلَّم من ذلك كلِّه؛ لأنَّ مقامَه [7] أسنى، ومنزلته في التوكُّل أعلا من أن يحزنه أو يهمَّه شيءٌ من أمور الدنيا، ويُقال: حزنني وأحزنني لغتان، وحَزِنَ، وحَزنَ)، وقال أبو حاتم: أحزنني في الماضي، والأوَّل أشهر، وقد قُرئ بـ (أحزنه) و (حزنه).

قوله: (وَالْبُخْلِ): (البُخْل) و (البَخَلُ) لُغتان معروفتان.

قوله: (وَالْجُبْنِ): تَقَدَّم أنَّه ضدُّ الشجاعة، ويقال: جُبْن وجبُنٌ لُغَتان.

قوله: (وَضَلَعِ الدَّيْنِ): هو بفتح الضاد المعجمة، واللَّام، وبالعين المهملة، وهو شدَّته وثقل حمله، قال ابن قُرقُول: ورُويَ عن الأصيليِّ في موضع بالظاء، ووهَّمه بعضهم، والذي حكى ابن العربيِّ بالضاد.

قوله: (ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ): (ذُكِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (جمالُ): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، و (صفيَّة): أمُّ المؤمنين بنت حيَيٍّ؛ بضَمِّ الحاء المهملة وكسرها، وفتح الياء المثنَّاة تحت، ثمَّ مثلها مشدَّدة، وحييٌّ قُتِل على يهوديَّته في بني قريظة، و (أَخْطَب): بفتح الهمزة، ثمَّ خاء معجمة ساكنة، ثمَّ طاء مهملة مفتوحة، ثمَّ موحَّدة، تَقَدَّم.

قوله: (وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا): (قُتِل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (زوجُها): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، وهو كنانة بن [8] الربيع بن أبي الحُقَيْق، تَقَدَّم.

قوله: (سَدَّ الصَّهْبَاءِ): (سدُّ)؛ بفتح السين وضمِّها، وتشديد الدال، المهملتين: جبلها، ويُقال: ما كان خلقةً؛ فهو بالضَّمِّ، و (الصَّهْباء): بفتح الصاد

[ج 1 ص 735]

المهملة، ثمَّ هاء ساكنة، ثمَّ موحَّدة، ثمَّ همزة ممدودة، وهي على رَوْحة من خيبر.

تنبيهٌ: تَقَدَّم (سدُّ الرَّوحاء) في (البيوع)، وهو غلطٌ، والله أعلم.

قوله: (حَلَّتْ): أي: طهرت من حيضها.

(1/5589)

قوله: (فَبَنَى بِهَا): يُقال: بنى بأهله، وبنى على أهله، وأنكر يعقوبُ: (بنى بها)، ونسبه إلى العامَّة، وقد رأيتَ مَن تكلَّم به، فهو حجَّة على يعقوب، وكذا غيره من الأحاديث؛ كقوله: (وبنى بها وهو مُحرِمٌ) في قصَّة ميمونة، وغير ذلك، وأصل (بنى عليها [9]): أنَّهم كانوا إذا أراد أحدهم الدخولَ على أهله؛ رفع [10] قبَّةً أو بناءً يحُلَّان فيه.

قوله: (ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا): هو بفتح الحاء، وإسكان المثنَّاة تحت، ثمَّ سين، مهملتين، وقد تَقَدَّم ما هو.

قوله: (فِي نِطَعٍ): تَقَدَّم ما فيه من اللُّغَات، وأنَّ أفصحهنَّ كسرُ النون وفتحُ الطاء.

قوله: (آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ): (آذِن): هو بمدِّ الهمزة، وكسرالذال المعجمة؛ أي: أَعلِم.

قوله: (فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ [11]): (وليمتَه): بالنصب خبر (كانت)، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (يُحَوِّي لَهَا): هو بضَمِّ المثنَّاة تحت، وفتح المهملة، وتشديد الواو المكسورة، ثمَّ ياء، قال ابن قُرقُول: (يُحَوِّي لها) كذا رُوِّينَاه، وذكره ثابتٌ والخطَّابيُّ: (يَحْوي)، ورُوِّيناه كذلك عن بعض رواة البخاريِّ، وكلاهما صحيحٌ، وهو أن يجعل لها حَوِيَّة؛ وهو كساءٌ محشوٌّ بليفٍ يُدار حولَ سنام الراحلة، وهو مركبٌ من مراكب النساء، وقد رواه ثابتٌ: (فيُحَوِّل [12])؛ باللَّام، وفسَّره: يُصلِح لها عليه مركبًا.

قوله: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ الصحيح أنَّه حقيقةٌ، خلق الله فيه الحبَّ، وسيأتي مُطَوَّلًا.

قوله: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا): تَقَدَّم أنَّ (اللَّابة)؛ بغير همز: الحرَّةُ، والحرَّة: أرضٌ تركبها [13] حجارةٌ سودٌ.

==========

[1] في (ب): (الزباني)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (يحدثني)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (الحدية)، وهو تحريفٌ.

[4] (قد): سقط من (ب).

[5] زيد في (ب): (من الهجرة).

[6] (الحَزَن والحُزْن لغتان): سقط من (ب)، وجاء في هامش (أ) بلا إشارة، ولعلَّ موضعه هنا.

[7] في (ب): (معالجة)، وهو تحريفٌ.

[8] (بن): سقط من (ب).

[9] في (ب): (بها).

[10] في (ب): (يقع)، وهو تحريفٌ.

[11] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

[12] في مصدره: (يحوِّل).

[13] في (ب): (تركها)، وهو تحريفٌ.

(1/5590)

[باب ركوب البحر]

(1/5591)

[حديث: عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك .. ]

2894# 2895# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عارم، وهو بعيدٌ من العرامة، والعارم: الشِّرِّير أو الشَّرِس.

قوله: (عَنْ يَحْيَى): هذا هو يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ): أنَّه بفتح الحاء، وتشديد الموحَّدة، وتَقَدَّم مَن يقال له: حَبَّان؛ بالفتح، وحِبَّان؛ بالكسر، في «البخاريِّ» و «مسلم»، و «المُوَطَّأ»، والله أعلم، وكذا تَقَدَّم (أُمُّ حَرَامٍ): أنَّها بالراء، وأنَّ اسمها الغميصاء أو الرُّميصاء، وقَدَّمتُ بعض ترجمتها، وأين تُوُفِّيَت، ومتى تُوُفِّيَت، رضي الله عنها.

قوله: (قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا): هو من القيلولة، لا من القول.

قوله: (فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ): تَقَدَّم الكلام [1] عليه في الورقة التي قبل هذه بورقتين [2]؛ فانظره، وكذا (قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا): أنَّها كانت بغلةً.

==========

[1] زيد في (ب): (الكلام)، وهو تكرارٌ.

[2] في (ب): (بثلاثة أوراق).

[ج 1 ص 736]

(1/5592)

[باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب]

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ): تَقَدَّم غير مرَّةٍ _ومنها في أوَّل هذا التَّعليق_ أنَّه صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مَناف.

قوله: (قَالَ لِي قَيْصَرُ): تَقَدَّم أنَّه [1] لقبٌ لكلِّ مَن مَلَك الروم في أوَّل هذا التَّعليق، وهو [2] هرقل، وتَقَدَّم (هرقل) بلُغَتَيه.

==========

[1] في (أ): (أن)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (واسمه).

[ج 1 ص 736]

(1/5593)

[حديث: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!]

2896# قوله: (عَنْ [1] مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ): أمَّا (مُحَمَّد بن طلحة)؛ فهو ابن مُصَرِّف، يروي عن أبيه وطائفةٍ، وعنه: ابن مهديٍّ، وسليمان بن حرب، وابن الجَعْد، قال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، قال ابن معين: يُتَّقى حديثه، وقال مرَّةً: ضعيف، وقال أبو زرعة وغيره: صدوقٌ، تُوُفِّيَ سنة (167 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، وله ترجمة في «الميزان»، وأمَّا والده (طلحة)؛ ابن مُصَرِّف بن عمرو الياميُّ، أحد أئمَّة الكوفة، عن عبد الله بن أبي أوفى، وأنسٍ، ومُرَّةَ الطِّيب، وعدَّةٍ، وعنه: ابنه مُحَمَّد، ومسعر، وشعبة، وخلقٌ، وثَّقوه، وقال ابن إدريس: (كانوا [2] يسمُّونه سيِّدَ القرَّاء)، مات سنة (112 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم.

قوله: (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ [3] أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخر الحديث: أمَّا (مصعب بن سعد)؛ فهو ابن أبي وقَّاص مالكِ بن أُهَيب، وسعد أحد العشرة، وهذا ظاهرٌ، يكنى مصعب أبا [4] زرارة، مدنيٌّ، عن أبيه، وعليٍّ، وطلحة، وعنه: عمرو بن مُرَّة وأبو إسحاق، نزل الكوفة، تُوُفِّيَ سنة (103 هـ) [5]، أخرج له الجماعة، قال ابن سعد: ثقةٌ كثيرُ الحديث، وهذا الحديث مرسلٌ؛ لأنَّ مصعبًا تابعيٌّ حكى واقعةً لم يدركها، ولو أدركها؛ لكان يكون صحابيًّا، قال النَّوويُّ في «رياضه»: (وقد وصل هذا الحديثَ أبو بكر البرقانيُّ [6] في «صحيحه»، فقال: عن مصعب بن سعد عن أبيه) انتهى.

ولا حاجة إلى عزوه للبرقانيِّ [7]؛ فهو في «النَّسائيِّ الصغير» في (الجهاد)، بوَّب عليه النَّسائيُّ: (الاستنصار بالضعيف)، انتهى.

وأنا أعجبُ من دخول هذا على البخاريِّ وهو ظاهر الإرسال، وفي «النَّسائيِّ»: (بصومهم، وصلاتهم، ودعائهم) انتهى.

وتأويل ذلك: أنَّ عبادة الضعفاء، ودعاءهم أشدُّ إخلاصًا، وأكثرُ خشوعًا؛ لخلوِّ قلوبهم من التعلُّق بزخرف الدنيا وزينتها، وصفاءِ ضمائرهم ممَّا يقطعهم عن الله تعالى، فجعلوا همَّهم همًّا واحدًا، فزكت أعمالُهم، وأُجيبَ دعاؤهم، والله أعلم.

قوله: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ): هما مبنيَّان لما لم يُسمَّ فاعلهما.

(1/5594)

[حديث: يأتي زمان يغزو فئام من الناس]

2897# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو فيما يظهر أنَّه المُسنديُّ، وتَقَدَّم في (الجمعة) ما يؤيِّده [1].

قوله: (عَنْ [2] سُفْيَانَ): تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة أعلاه [3]، و (عَمْرو): هو ابن دينار، و (جَابِر): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريُّ الصَّحابيُّ، و (أَبُو سَعِيدٍ): هو سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ؛ فاعلمه.

[ج 1 ص 736]

قوله: (يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ): (الفِئَام): بكسر الفاء، ثمَّ همزة مفتوحة، قال ابن قُرقُول: أي: جماعةٌ، وقيل: الطائفة، وقال ثابتٌ: مأخوذ من الفئام؛ وهو كالقطعة من الشيء، وقال بعضهم: بفتح الفاء، حكاه الخليل، وهي رواية القابسيِّ، وأدخله صاحب «العين» في الياء بغير همز، وغيرُه بهمزٍ، وفي المهموز ذكره الهرويُّ، وكذا قُيِّد عن أبي ذرٍّ، وحكى الخطَّابيُّ: أنَّ بعضهم رواه بفتح الفاء، وشدِّ الياء، وهو غلطٌ، انتهى.

قوله: (فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ): وكذا الثانية والثالثة؛ كلُّها مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/5595)

[باب: لا يقول فلان شهيد]

قوله: (بِمَنْ يُكْلَمُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه؛ أي: يُجرَح، وقد [1] تَقَدَّم الكلام على [2] (الكَلْم).

(1/5596)

[حديث: الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، الله أعلم بمن يكلم في سبيله]

2898# قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّه سلمة بن دنيار.

قوله: (الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا): وذكر فيها قصَّة قزمان، وهذا كان في أُحُد، وذكرها البخاريُّ في خيبر، واختُلف عندهما؛ هل هي حنين أو خيبر، قال ابن قُرقُول: («حنينًا» كذا لجميع رواة مسلم، وبعضِ رواة البخاريِّ من طريق يونس، عن الزُّهريِّ، وكذا للمروزيِّ، وصوابه: «خيبر») انتهى، وسأذكره مُطَوَّلًا من عند ابنِ قُرقُول، وكذا صوَّبه القاضي، كما حكاه النَّوويُّ عنه، والذي ظهر لي: أنَّه _كما ذكر أهل المغازي_ قصَّته في أُحُد، والتعدُّد خلاف الأصل، وسأذكره مُطَوَّلًا في (خيبر)، وأذكر هناك أنَّ الخطيب قال: (إنَّها في أُحُد)، والنَّوويَّ أقرَّه على أنَّها في أُحُد، وأذكر في ذلك حديثًا من «مسند أبي يعلى»: أنَّها في أُحُد.

قوله: (وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ [1] ... ) إلى آخره: هذا (الرجل): تَقَدَّم أعلاه أنَّ اسمه قزمان، وهو منافقٌ معدودٌ فيهم، وكنيته أبو الغَيْداق، وكان قَتْلَه نفسَه في أُحُد، كما ذكره أهل المغازي، وسيجيء ذلك في (غزوة خيبر)، كما ذكره في «البخاريِّ»، وسأذكر مَن نُبِزَ بنفاقٍ في (سورة المنافقين) مرتَّبِين على حروف المعجم، وقد قال ابن عبَّاس: كان المنافقون من الرجال ثلاثَ مئةٍ، ومن النساء مئةً وسبعين.

تنبيهٌ: المنافقون كلُّهم كانوا مشايخ غير واحدٍ منهم؛ وهو قيس بن عمرو بن سهل؛ فإنَّه شابٌّ، والله أعلم.

قوله: (لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً): (الشذوذ): الانفراد، و (الفاذَّة): الفردة، وهي بمعنى الشاذَّة؛ ومعناه: لا يدع لهم من الناس أحدًا، ولا من فذَّ وشذَّ؛ أي: انفرد؛ أي: لا يدع نفسًا إلَّا قتلها واستقصاها، قال ابن الأنباريِّ: (يُقال: ما يدع فلانٌ شاذًّا ولا فاذًّا؛ إذا كان شجاعًا لا يَلقى أحدًا إلَّا قتله).

قوله: (كَمَا أَجْزَأَ): هو بهمزة مفتوحة في آخره، وهذا ظاهرٌ، وكذا [2] الثانية.

قوله: (أَمَا إِنَّهُ): (أَمَا): بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، و (إنَّه): بكسر الهمزة، وقد تَقَدَّم أنَّ (أَمَا) للإستفتاح؛ كـ (أَلَا)، وإذا كان كذلك؛ فإنَّ (إنَّ) مكسورةٌ بعدها.

(1/5597)

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ): هذا (الرجل): قال ابن شيخِنا البلقينيِّ: (إنَّه أكثم بن الجون، ويُقال: أكثم بن أبي الجون)، وذكر مستنده من «أُسْد الغابة».

قوله: (فَجُرِحَ الرَّجُلُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، و (الرجلُ): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل.

قوله: (فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ [3]): وسيأتي: (فانتزع أسهمًا [4] من كنانته، فنحر بها نفسه)، وفي «سيرة ابن إسحاق»: أنَّه أخذ سهمًا من كنانته، فقطع به رواهش يده، فقتل نفسه، انتهى، وكأنَّه فعل الثلاثة، و (الرواهش): عروق باطن الذِّراع، وسيجيء ذلك أيضًا في (خيبر) حيث ذكر قصَّتَه البخاريُّ، والله أعلم.

قوله: (آنِفًا): تَقَدَّم أنَّه بالمدِّ والقصر، وهما قراءتان في السبع، ومعناه: الساعة.

قوله: (فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ): (الناسُ): مَرْفوعٌ فاعل.

قوله: (فِيمَا يَبْدُو): أي: يظهر، وهو معتلٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وكذا الثانية بعدها.

(1/5598)

[باب التحريض على الرمي]

(1/5599)

[حديث: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ارموا وأنا مع .. ]

2899# قوله: (عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ ... ) إلى آخره: استُدلَّ بهذا على أنَّ قحطان من ولد إسماعيل [1]؛ لأنَّه قال: (من أسلم ... بني إسماعيل)، و (أَسْلَمُ): هو ابن أفصى، أخوه خزاعة، وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهم من سبأ بن يشجُبَ بن يعرُبَ بن قحطان، قال السُّهيليُّ: (ولا حجَّة عندي في هذا الحديث لأهل هذا القول؛ لأنَّ اليمن لو كانت من [2] إسماعيل مع أنَّ عدنان كلَّها من إسماعيل بلا شكٍّ؛ لم يكن لتخصيص هؤلاء القوم بالنسب إلى إسماعيلَ معنًى؛ لأنَّ غيرهم من العرب أيضًا أبوهم إسماعيل، ولكن في الحديث دليلٌ _والله أعلم_ أنَّ خزاعة من بني قمعة أخي مدركة بن إلياس بن مضر، كما سيأتي بيانه [3] في هذا الكتاب _يعني: «روضه» _ عند حديث عمرو بن لُحَيٍّ [4] إن شاء الله تعالى، وكذلك قول أبي هريرة: «هي أمُّكم يا بني ماء السماء»؛ يعني: هاجر، يحتمل أن يكون تأوَّل في قحطان ما تأوَّله غيره، ويحتمل أن يكون نسبهم إلى ماء السماء على زعمهم، فإنَّهم ينتسبون إليه؛ كما يُنسَب كثيرٌ من قبائل العرب إلى حاضنتهم وإلى رابِّهم؛ أي: زوج أمِّهم، كما سيأتي بيانه في قضاعة إن شاء الله تعالى).

وقال في المكان المذكور وذكر عمرو بن لُحيِّ بن قمعة بن إلياس: (وقد تَقَدَّم في نسب خزاعة وأسلم أنَّهما ابنا حارثة بن ثعلبة، وأنَّ ربيعة بن حارثة هو أبو خزاعة، وقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأسلم: «ارموا بني إسماعيل، فإنَّ أباكم كان راميًا» هو معارِضٌ [لحديث] أكثم بن الجون في الظاهر، إلَّا أنَّ بعض أهل النسب ذكر أنَّ عمرَو بن لُحَيٍّ كان حارثة قد خلف على أمِّه بعد أن آمَّت من قمعة ولُحَيٌّ صغير، ولُحَيٌّ هو ربيعة، فتبنَّاه [5] حارثة وانتسب إليه، فيكون النسب

[ج 1 ص 737]

صحيحًا بالوجهين جميعًا؛ إلى حارثة بالتبنِّي، وإلى قمعة بالولادة، وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة، وأنَّه أخو خُزاعة، والقول فيه كالقول في خُزاعة، وقيل في أسلم بن أفصى بن [حارثة: إنَّهم من بني] [6] أبي حارثة بن عامر، لا من بني حارثة، فعلى هذا لا يكون في الحديث حجَّة لمن نسب [7] قحطان إلى إسماعيل، والله أعلم ... ) إلى آخر كلامه، انتهى.

قوله: (يَنْتَضِلُونَ): هو بالنون الساكنة، ثمَّ مثنَّاة فوق مفتوحة، ثمَّ ضاد معجمة مكسورة؛ أي: يرمون بأَسْهُمٍ.

(1/5600)

قوله: (ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ): (ارم): همزه همزة وصلٍ، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ): قال [8] بعض الحُفَّاظ العصريِّين: لم أرَ تعيينَ البطن المذكور، إلَّا أنَّ في رواية أخرى: «وأنا مع بني الأدرع»، وقد سُمِّيَ منهم: مِحْجَن وسلمة، والأدرع لقبٌ، واسمه ذكوان.

وعند ابن إسحاق في «المغازي» عن سفيان بن فروة الأسلميِّ عن أشياخٍ من قومه من الصَّحابة قالوا: مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن نتناضل، فبينا [9] مِحْجَن يناضل رجلًا منَّا، فقال: «ارموا»، فألقى نضلةُ قوسَه من يده وقال: والله؛ لا أرمي مع محجن وأنت معه، قال: «ارموا وأنا معكم كلِّكم»، وعُرِف بهذا تسميةُ القائل: (كيف نرمي؟)؛ وهو نضلة الأسلميُّ، ويحتمل أن يكون هو أبا برزة؛ فإنَّ اسمه نضلة بن عبيد، وفي «الطبرانيِّ» من حديث حمزة بن عمرو الأسلميِّ في هذا الحديث: «وأنا مع مِحْجَن بن الأدرع»، انتهى.

وقال ابن قُرقُول: كذا جاء في أكثر الروايات والأحاديث _يعني: «وأنا مع بني فلان» _ وجاء في (باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: 54]): «وأنا مع ابن فلان»، كذا للقابسيِّ وأبي ذرٍّ، ولغيره كما تَقَدَّم، والصَّواب روايةُ القابسيِّ وأبي ذرٍّ؛ لأنَّه جاء في الحديث الآخر: «وأنا مع ابن الأدرع»، قال عياض: بل الصَّواب رواية الكافَّة، وهو المرويُّ بغير خلاف في غير هذا الباب، ولقولهم: (كيف نرمي وأنت معهم؟) انتهى.

اعلم أنَّ أبا عمر في «الاستيعاب» سمَّى ابن الأدرع مِحْجَنًا، وذكره في الأسماء، وقال [10] الذهبيُّ في «تجريده» في الأبناء: ابن الأدرع الذي قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «وأنا مع ابن الأدرع»: اسمه سَلمة، أو مِحْجن، وعلَّم عليه علامة [11] «المسند»، وقد راجعت «رجال المسند» للحسينيِّ [12]، فرأيته قال ما لفظه: (قال: كنت أحرس النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلة، فخرج لحاجته ... )؛ فذكر قصَّة ذي البجادين، ولم يذكره في الأسماء، وذكر الذهبيُّ في الأسماء: سلمة بن الأدرع، روى عنه زيدُ بن أسلم إن كان متَّصلًا، انتهى.

(1/5601)

وقد حمَّر عليه، فهو عنده تابعيٌّ؛ لأنَّ شرطه كذلك، وذكر في (مِحْجن بن الأدرع الأسلميِّ) قال: (قديم الإسلام، نزل البصرة، واختطَّ مسجدها [13]، له أحاديثُ) انتهى، ومِحْجن هذا له في «أبي داود»، و «النَّسائيِّ»، و «المسند»، و «الأدب المفرد» للبُخاريِّ، قال الذهبيُّ في «تذهيبه»: (مِحْجن بن الأدرع الأسلميُّ الذي قال فيه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ارموا وأنا مع ابن الأدرع»، سكن البصرة، واختطَّ مسجدها، روى عنه: حنظلة [14] بن عليٍّ الأسلميُّ، وعبد الله بن شقيق، ورجاء بن أبي رجاء الباهليُّ، يُقال: مات في آخر خلافة معاوية، له في الكتب حديثان) انتهى، ورقم عليه: (بخ [15]، د، س) [16]، وقد ذكر غير واحد مِحْجنَ [17] بن الأدرع، ورأيت في «مبهمات» ابن شيخنا الحافظ وليِّ الدين أبي زرعة بن العراقيِّ: (حديث «ط»: «ارموا وأنا مع ابن الأدرع»: اسمه بجلمة بن ذكوان) انتهى [18]، والطاء علامة ابن طاهر في «مبهماته»، وقد ذكر ابن الجوزيِّ ابنَ الأدرع في «تلقيحه»، وسمَّاه سلمةَ، وسمَّى أباه ذكوانَ، فلعلَّ (بجلمة) تصحيفٌ من (سلمة)، والله أعلم.

قوله: (ارْمُوا وَأَنَا [19] مَعَكُمْ كُلِّكُمْ): (كلِّكم): مجرورٌ، وجرُّه معروفٌ.

تنبيهٌ: في «مستدرك الحاكم» في (كتاب الجهاد): (فلقد رموا عامَّة يومهم ذلك، ثمَّ تفرَّقوا على السَّواء، ما نضل بعضُهم بعضًا)، قال الحاكم: صحيحٌ، وأقرَّه عليه الذهبيُّ في «تلخيصه».

==========

[1] زيد في (ب): (عليه السلام).

[2] في (ب): (مع)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[3] (بيانه): ليس في (ب).

[4] في (ب): (يحي)، وهو تحريفٌ.

[5] في النسختين: (فتبنا حارثةَ)، والمثبت من مصدره.

[6] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[7] في (ب): (ينسب).

[8] زيد في (ب): (ابن قُرقُول: كذا جاء في كلام)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[9] في (ب): (فبينما).

[10] في (ب): (وذكر).

[11] زيد في (ب): (في).

[12] في (ب): (للحسني)، وهو تحريفٌ.

[13] في (ب): (مساجدها).

[14] في (ب): (حنطة)، وهو تحريفٌ.

[15] في (ب): (ع)، وليس بصحيح.

[16] أي: البخاريُّ في «الأدب المفرد»، وأبو داود، والنَّسائيُّ.

[17] في (ب): (محجر)، وهو تحريفٌ.

[18] (انتهى): ليس في (ب).

[19] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فأنا).

(1/5602)

[حديث: إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل]

2900# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْغَسِيلِ): هو بفتح الغين المعجمة، وكسر السين المهملة، هذا [1] عبد الرَّحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة؛ وهو الغَسِيل، غسلته الملائكةُ يوم أُحُد رضي الله عنه، وحنظلةُ هو ابن أبي عامر عمرِو بن صيفيِّ ابن زيدٍ الأنصاريُّ الأوسيُّ الضُبَعيُّ، يُعرَف أبو عامرٍ بالراهب في الجاهليَّة، فسمَّاهُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الفاسقَ، وقصَّته معروفةٌ، روى عبد الرَّحمن عن المنكدرِ وحمزةَ بن أبي أُسَيد الساعديِّ، ورأى أنسًا وسهلَ بن سعد، وعنه: وكيعٌ، وابن إدريس، وأبو نعيم، وجماعةٌ، وثَّقه ابن معين، وقال أيضًا في رواية عثمان الدارميِّ عنه: صُوَيلح، وقال النَّسائيُّ والدراقطنيُّ: ثقةٌ، وقال النَّسائيُّ أيضًا: ليس بالقويِّ، وقال مرَّةً: ليس به بأسٌ، وقال ابن عديٍّ: يُعتَبَر حديثه ويُكتَب، قال البخاريُّ: يُقال: مات سنة (171 هـ)، وفيها ورَّخه جماعةٌ، وقال أبو حسَّان الزياديُّ: سنة (172 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، وابن ماجه، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ): هو بضَمِّ الهمزة، وفتح السين، وقد قيل في والده: أَسِيد؛ بفتح الهمزة، وكسر السين، والأوَّل صُوِّب، و (حمزة) هذا: هو حمزة بن أبي [2] أُسَيد مالكِ بن ربيعة الساعديُّ، عن أبيه، وعنه: ابناه: مالكٌ ويحيى، والزُّهريُّ، وعبد الرَّحمن ابن الغَسِيل، نقلت من خطِّ الحافظ الياسوفيِّ ما لفظه: قال ابن القطَّان: مجهولٌ، وذكره ابن حِبَّان في «الثقات»، انتهى، وقد رأيته في «ثقات ابن حِبَّان»، ولم يذكره الذهبيُّ في «ميزانه»، وكان من حقِّه أن يذكرَه؛ لأنَّه من شرطه، والله أعلم، أخرج لحمزةَ البخاريُّ، وأبو داود، وابن ماجه.

(1/5603)

قوله: (إِذَا أَكْثَبُوكُمْ؛ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ): قال ابن قُرقُول: (كذا رواه الكافَّة، وهو المعروف؛ أي: إذا أمكنوكم وقربوا منكم، والكثبُ: القربُ، وفسَّره في الحديث في كتاب «أبي داود»: غَشُوكم، وفسَّره في «البخاريِّ» بـ «أكثروكم»، ولا وجه له ههنا، وتابعه ابن المرابط، فقال: «جاؤوكم بكثرةٍ؛ كالكثيب من الرمل»، ورواه القابسيُّ: «أكبثوكم»؛ بتقدم الباء على الثاء المثلَّثة، وهو تصحيفٌ، وفسَّره بعضهم: من الكتيبة؛ وهي جماعة الخيل والرَّجل إذا اجتمعوا عليكم، وقيَّده بعضهم: «أكبتوكم»، وزعم أنَّه الصَّواب، وهو الخطأ المحض من جهة اللفظ والمعنى، إنَّما يُقال: كبته، لا أكبته؛ أي: ردَّه لغيظه)، انتهى.

(1/5604)

[باب اللهو بالحراب ونحوها]

(1/5605)

[حديث: بينا الحبشة يلعبون عند النبي بحرابهم دخل عمر]

2901# قوله: (حَدَّثَنَا [1] هِشَامٌ): هذا هو هشام بن يوسف الصنعانيُّ، أبو عبد الرَّحمن، قاضي صنعاء، تَقَدَّم مُتَرجَمًا، و (مَعْمَر): هو ابن راشد، تَقَدَّم أنَّه بسكون العين، وفتح الميمين، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (ابْن المُسَيّبِ): هو سعيد، تَقَدَّم أنَّ ياء أبيه فيها الفتح والكسر، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه (المسيَّب) بالفتح [2] ليس إلَّا.

[ج 1 ص 738]

قوله: (فَحَصَبَهُمْ): أي: رماهم بالحصباء؛ وهي الحصى الصغارُ.

قوله: (وَزَادَ عَلِيٌّ): وفي نسخة: (وزادنا عليٌّ)، (عليٌّ) هذا: هو عليُّ بن عبد الله ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، و (عَبْد الرَّزَّاقِ): هو [ابن] همَّام، و (مَعْمَرٌ): هو ابن راشد، وقد تَقَدَّم أنَّ (زاد) مثلُ (قال)، فالظاهر أنَّه أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، كما قالوا في نُظَرائه، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا).

[2] (بالفتح): سقط من (ب).

(1/5606)

[باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه]

قوله: (المِجَنِّ): هو بكسر الميم، وفتح الجيم، وتشديد النون، وهو التُّرْس، والجمع: مَجانُّ؛ بفتح الميم.

فائدةٌ: تَقَدَّم أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان له ثلاثةُ أتراسٍ: الزلوق، وفُتق، وأُهدِيَ له تُرسٌ فيه تمثال عقاب أو كبش، فوضع يده عليه، فأذهب الله التمثالَ.

(1/5607)

[حديث: كان أبو طلحة يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم]

2902# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ الجيَّانيَّ قال عن أبي عبد الله النيسابوريِّ _يعني: الحاكم_: إنَّه أحمد بن مُحَمَّد بن موسى المروزيُّ، يكنى أبا العبَّاس، ويُلقَّب مردويه، وقال الدَّراقطنيُّ: أحمد بن مُحَمَّد عن ابن المبارك: هو أحمد بن مُحَمَّد بن ثابت، يُعرَف بابن شَبُّويه، انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن المبارك، أحد الأعلام، و (الأَوْزَاعِيُّ): تَقَدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن عمرو، أبو عمرو، وتَقَدَّم الكلام على نسبته لماذا، وكذا [2] تَقَدَّم الكلام على (أَبِي طَلْحَةَ) زيدِ بن سهل الصَّحابيِّ المشهور، وتَقَدَّم بعض ترجمته.

قوله: (يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ): قال شيخنا: (قيل: يريد: أنَّ الرامي لا يُمسِك التُّرْس؛ إنَّما يرمي بيديه جميعًا، فيسدُّه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لئلَّا يُرمَى، وهو كلامٌ صحيحٌ).

قوله: (تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح التاء والشين المعجمة، وفتح الراء المشدَّدة، وهذا ظاهرٌ؛ أي: تَطلَّع.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[2] (كذا): ليس في (ب).

[ج 1 ص 739]

(1/5608)

[حديث: لما كسرت بيضة النبي على رأسه وأدمي وجهه .. ]

2903# قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ اسمه سلمة بن دينار، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (كُسِرت): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (بيضةُ): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، و (البيضة): الخُوذة، وقد تَقَدَّم مَن فعل ذلك به، وسأذكره أيضًا [1] قريبًا.

قوله: (وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ): (كُسِرت): أيضًا مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، و (الرَّباعيَةُ): مرفوعة، وهي نائبةٌ مناب الفاعل، وهي وزان (الثَّمَانِيَة [2])، وهي السِّنُّ التي بين الثنيَّة والناب، ولم تنكسر من أصلها، وإنَّما ذهب منها فلقة، وكان هذا في أُحُد، وكانت السُّفلى اليمنى، وقد ذكرتُ فيما مضى أنَّ ابن هشام قال: وذكر لي ربيحُ بن عبد الرَّحمن بن أبي سعيد الخدريِّ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريِّ: أنَّ عتبة بن أبي وقَّاص رمى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومئذٍ، فكَسَر رَباعِيَته اليمنى السُّفلى، وجَرَح شَفَتَه، وأنَّ عبد الله بن شهاب الزُّهريَّ شجَّه في وجهه، وأنَّ ابن قَمِئَة جَرح وجنَتَه، فدخلت حَلْقتان من المِغْفَر في وجنته، وقد ذكرت فيما مضى أنَّ الصحيح أنَّ عتبةَ لم يسلم، وأنَّ حاطب بن أبي بَلْتَعة قتله بأُحُد، كما رواه الحاكم في «مستدركه»، وأنَّ عبد الله بن شهابٍ أسلم، وأنَّ ابن قَمِئَة نطحه تيسٌ، فألقاه من شاهق، فقُتِل على كفره؛ فراجعه إن شئت، وسيأتي بأطولَ من هذا في (أُحُد) إن شاء الله تعالى.

قوله: (إِلَى حَصِيرٍ): تَقَدَّم أنَّ ابن القيِّم الحافظَ شمس الدين الحنبليَّ قال: إنَّها بُرديٌّ.

قوله: (فَرَقَأَ الدَّمُ): (رقأَ): بهمزة مفتوحة في آخره، وهذا ظاهرٌ.

(1/5609)

[حديث: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله]

2904# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هذا هو ابن المدينيِّ، الحافظ المشهور، أحد المبرزين في هذا الفنِّ، تَقَدَّم، و (سُفْيَانُ): تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة فيما يظهر؛ وذلك لأنِّي راجعت ترجمة ابنِ المدينيِّ في «الكمال» و «التذهيب»، فرأيتهما ذكرا في ترجمته أنَّه أخذ عن ابن عيينة، ولم يذكرا الثوريَّ، والله أعلم، و (عَمْرو): تَقَدَّم أنَّه ابن دينار، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (مَالِك بْن أَوْس بْنِ الحَدَثَانِ): و (الحَدَثَان): بالحاء المهملة، وكذا الدال، المفتوحَتَين، وبالثاء المثلَّثة، و (مالك): ذكرت فيه قولَين، والصحيح: أنَّه تابعيٌّ، وقد روى عن العشرة، وقد ذكرتُ فيما مضى أنَّ ابن عبد البَرِّ ذكر هذا، وأنَّه تابعيٌّ، وأنَّه روى عن العشرة، ولم يذكر في ترجمة قيس بن أبي حازم أنَّه روى عن العشرة، فعنده [1] مالكٌ فَرْدٌ بهذا الوصف، ونبَّهتُ على أنَّه مَن عدَّ سعيد بن المسيّب أنَّه روى عن العشرة؛ فقد غَلِطَ.

قوله: (كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ): غزوة بني النضير عند ابن إسحاق في ربيع الأوَّل على رأس خمسة أشهرٍ من وقعة أُحُد، وقد ذكرت تاريخ وقعة أُحُد، وسيأتي أيضًا، وقال البخاريُّ: (قال الزُّهريُّ: كانت على رأس ستَّة أشهرٍ من وقعة بدر، قبل أُحُد)، وسيأتي ما فيه في (المغازي) إن شاء الله تعالى.

قوله: (مِمَّا لَمْ يُوجِفِ): أي: لم يُؤخَذ بغَلَبَة جيش، وأصله من الإيجاف في السير؛ وهو الإسراع.

قوله: (وَالْكُرَاعِ): هو بضَمِّ الكاف، وتخفيف الراء، وبالعين المهملة في آخره، وقد قَدَّمتُ أنَّه اسمٌ جامعٌ للخيل.

==========

[1] في (ب): (يقيده)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 739]

(1/5610)

[حديث: ارم فداك أبي وأمي]

2905# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح القاف، وكسر الموحَّدة، و (سُفْيَانُ): فيما يظهر الثوريُّ، وذلك لأنَّ الحافظ عبد الغنيِّ ذكر في «الكمال» في ترجمة قَبِيصة بن عقبة: أنَّه روى عن الثوريِّ، ولم يذكر ابنَ عُيَيْنَة، وراجعتُ «التذهيب»، [فرأيته] ذكر أنَّه روى عن سفيان، وأطلق، فحملتُ المطلق على المقيَّد، والله أعلم.

[ج 1 ص 739]

قوله: (سَمِعْتُ عَلِيًّا [1] يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ): اعلم أنَّ عليًّا لم يسمع ذلك، وسمعه غيرُه، وذلك لأنَّه فَدَّى الزبيرَ بن العوَّام، كما في «البخاريِّ» و «مسلم»، وقال النَّوويُّ: إنَّه جمعَهما لغيرِهما أيضًا، ويحتمل أنَّ عليًّا أراد ما ذكره في «شرف المصطفى»: أنَّ سعدًا رمى يوم أُحُد بألفِ سهمٍ، فما منها سهمٌ إلَّا قال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إيهًا سعدُ، فداك أبي وأمِّي»، وقد رأيت في «المستدرك»: عن الزُّهريِّ: أنَّ سعدًا رمى يوم أُحُد بألفِ سهمٍ، وسأذكر ما حُكم تفدية الشخص شخصًا آخر بأبيه، أو بأبيه وأمِّه، في (أُحُد)، وقد ذكرته أيضًا فيما مضى أنَّه جائزٌ، والله أعلم.

و (سعدٌ) هذا: هو ابن أبي وقَّاص مالكِ بن أُهَيب، أحد العشرة رضي الله عنهم.

قوله: (يُفَدِّي رَجُلًا): هو بضَمِّ أوَّله، وفتح ثانيه، وتشديد ثالثه المكسور؛ أي: يقول له: فداك أبي وأمِّي.

قوله: (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي): قال ابن قُرقُول: قال الأصمعيُّ: الفداء يُمَدُّ ويُقصَر، وأمَّا المصدر من فاديت؛ ممدودٌ لا غير، والفاء في كلِّ ذلك مكسورةٌ، وحكى الفرَّاء: فَدًى: مقصور، وممدود، ومفتوح، و (فَداك أبي وأمِّي): فعلٌ ماضٍ مفتوح الأوَّل، ويكون اسمًا على ما حكاه الفرَّاء، انتهى.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

(1/5611)

[باب الدرق]

(1/5612)

[حديث عائشة: دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان .. ]

2906# 2907# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو إسماعيل بن أبي أويسٍ عبدِ الله، ابنُ أخت مالكٍ الإمامِ، وتَقَدَّم أنَّ (عَبْدَ اللهِ [1]): هو ابن وَهْبٍ، أحد الأعلام، وأنَّ (عَمرًا): هو ابن الحارث بن يعقوب، أبو أميَّة الأنصاريُّ، أحد الأعلام، وتَقَدَّم (أَبُو الأَسْوَدِ): أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحمن، يتيم عروة، تَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ): تَقَدَّم أنِّي لا أعرفهما، إلَّا أنَّ في «أربعين أبي عبد الرَّحمن السُّلَميِّ» في التَّصوُّف _وقد رُوِّيتها_: أنَّهما جاريتان لعبد الله بن سلَام، وقد قال ابن شيخِنا البلقينيِّ: إنَّ إحداهما [2] حمامةُ، وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب «العيدين»، وقَدَّمتُ أنِّي لا أعرف في الصَّحابيَّات أحدًا اسمها حمامةُ إلَّا أمَّ بلال.

قوله: (بُعَاثَ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه بضَمِّ الموحَّدة، وبالعين المهملة المخفَّفة، وفي آخره ثاء مثلَّثة، مُطَوَّلًا.

قوله: (مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّم.

قوله: (فَلَمَّا غَفَلَ): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (عَمِلَ)، وعليها علامة راويها و (صح)، قال ابن قُرقُول: وفي (باب الدَّرَق): (فلمَّا عَمِل عمرُ بها)، كذا للمروزيِّ، من العمل، وللكافَّة: (فلمَّا غَفَلَ [3])، وهو الوجه، انتهى، لكن يؤيِّد (عمل) ما يأتي من قوله: (قال أحمدُ عن ابن وَهْب: فلمَّا غَفَلَ)، وهذه الزيادة في هامش أصلنا، وهي نسخةٌ [4]، والله أعلم.

قوله: (فَإِمَّا سَأَلْتُ): هو بكسر الهمزة، وتشديد الميم، وكذا الثانية.

قوله: (يَا بَنِي أَرْفدَةَ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الهمزة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ فاء مفتوحة ومكسورة، وأنَّه جدُّ الحبشة، أو لقبٌ لهم، مُطَوَّلًا.

قوله: (مَلِلْتُ): هو بكسر اللَّام الأولى، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (قَالَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: فَلَمَّا غَفَلَ): كذا هذا الكلام في نسخةٍ، وهي خارج أصلنا، وعليها علامة راويها، و (أحمد عن ابن وهب) فيه خلافٌ ذكرته في (الصَّلاة) وفي غيرها؛ فانظره فإنَّه مطوَّل، فلهذا لم أذكره هنا.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (ابنُ وَهْبٍ).

[2] في النسختين: (أحدهما)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[3] في (ب): (عقل)، وهو تصحيفٌ.

[4] (وهي نسخة): ليس في (ب).

[ج 1 ص 740]

(1/5613)

[باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق]

قوله: (بَابُ الْحَمَائِلِ): هي بفتح الحاء [1]، جمع (حِمالة)؛ بكسرها، وهي عِلَاقة السيف؛ مثل: المحمل، هذا قول الخليل، وقال الأصمعيُّ: حمائل السيف: لا واحد لها من لفظها، وإنَّما واحدها: محملٌ، والله أعلم.

==========

[1] (بفتح الحاء): ليس في (ب).

[ج 1 ص 740]

(1/5614)

[حديث: كان النبي أحسن الناس وأشجع الناس]

2908# قوله: (وَقَدِ اسْتَبْرَأَ): هو مهموز الآخر.

قوله: (عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم أنَّه مندوب، وتَقَدَّم (أبو طلحة): أنَّه زيد بن سهلٍ.

قوله: (عُرْيٍ): هو بإسكان الراء، مضموم العين، ومعناه معروفٌ، وكذا هو مضبوطٌ في أصلنا، وكذا هو في «صحاح الجوهريِّ»، وقال شيخنا: (بكسر الراء، وتشديد الياء، كما ضبطه ابن التِّين ... ) إلى أن قال: (وضبطه بإسكان الراء، وتخفيف الياء) انتهى، كذا في النسخة، والظاهر أنَّه سقط منه شيءٌ، ويحتمل أنَّ ابن التِّين ضبطه بهما، والله أعلم.

قوله: (لَمْ تُرَاعُوا): هو بضَمِّ أوَّله، معناه: لا تفزعوا، فـ (لم) بمعنى: (لا)، وقيل: تقديره: لم يكن خوف فتُرَاعوا.

قوله: (وَجَدْنَاهُ بَحْرًا): تَقَدَّم معناه غير مرَّةٍ.

==========

[ج 1 ص 740]

(1/5615)

[باب حلية السيوف]

(1/5616)

[حديث: لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة]

2909# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم في الصفحة [2] قبل هذه مَن هو أحمد بن مُحَمَّد؛ فانظره، وأنَّ (عبد الله): هو ابن المبارك، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا [3] الأَوْزَاعِيُّ): تَقَدَّم مرارًا كثيرةً أنَّه عبد الرَّحمن بن عمرو، أبو عمرو الأوزاعيُّ، وتَقَدَّم لماذا نُسِب، و (سُلَيْمَان بْن حَبِيبٍ): بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، محاربيٌّ دارانيٌّ، قاضي دمشق، عن أبي هريرة وأبي أمامة، وعنه: عثمان بن أبي العاتكة والأوزاعيُّ، ثقة، تُوُفِّيَ سنة (126 هـ)، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، وابن ماجه، وتَقَدَّم (أَبُو أُمَامَة): أنَّه صُدَيُّ بن عجلان الباهليُّ، صحابيٌّ مشهورٌ من بقايا الصَّحابة رضي الله عنهم.

تنبيهٌ: اعلم أنَّ أبا أمامة _كما قال الجيَّانيُّ_ اثنان من الصَّحابة؛ أحدهما: هذا صُدَيٌّ، رويا له، والآخر: أبو أمامة الحارثيُّ من الأنصار، اختُلِف في اسمه؛ فقيل: إياس بن ثعلبة، وقيل: ثعلبة، والأوَّل أصحُّ، روى له مسلم وحده حديث: «من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه؛ حرَّم الله عليه الجنَّة»، انتهى، وقد قيل في الثاني غير ما ذَكَرَ [4]، وأبو أمامة في الصَّحابة غيرهما: أسعدُ بن زرارة، أخرج له أحمد، وأبو أمامة الأنصاريُّ، وأبو أمامة بن سهل الأنصاريُّ أحد بني بياضة، أخرج له أحمد، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، والأصحُّ: أنَّه تابعيٌّ، وقد حمَّر عليه الذَّهبيُّ، اسمه [5] أسعد، سمَّاه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكناه، وبرَّك عليه، حديثه مُرسَل.

(1/5617)

قوله: (الْعَلَابِيَّ): هو بفتح العين المهملة، وتخفيف اللَّام، وبعد الألف موحَّدةٌ مكسورةٌ، ثمَّ ياء مُشدَّدة ومخفَّفة، قال ابن قُرقُول: (وهي العصب، تُؤخَذ رطبةً، فتُشدُّ بها أجفانُ السُّيوف تُلْوى بها فتجفُّ، وكذلك تُطْوى رطبةً على ما يُصدَع من الرِّماح، واسم العصبة: العِلْبَاءُ)، انتهى، وقال ابن الأثير: (والعَلَابِيُّ: جمع «علباء»؛ وهو عصب في العُنق يأخُذ [6] إلى الكاهل، وهما علباوان يمينًا وشمالًا، وما بينهما منبتُ عُرْف الفرس، والجمع ساكن الياء ومُشدَّدها، ويقال في تثنيتهما: عِلْبَاءان [7]، وكانت العرب تشدُّ على أجفان سيوفها العلابيِّ الرطبة، فتجفُّ عليها، وتُشَدُّ الرِّماح بها إذا تصدَّعت [8]، فتيبس وتقوى)، وما قاله ابن الأثير أنَّه عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل هو في «الصِّحاح» و «الجمهرة»، والله أعلم.

[ج 1 ص 740]

قوله: (وَالآنُكَ): هو بهمزة [9] ممدودة، ثمَّ نون مضمومة، ثمَّ كاف؛ وهو الرَّصاص الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل: هو الخالص منه، ولم يجيء على (أفعُل) واحدًا غيرُ هذا، فأمَّا (أَشُدُّ)؛ فمُختلَف فيه: هل هو واحد أو جمع؟ وفي «الصِّحاح» الجزمُ بأنَّ (أَشُدَّ) واحدٌ، انتهى، وقيل: يحتمل أن يكون (الآنك) (فاعلًا)، لا (أفعُلًا)، وهو أيضًا شاذٌّ.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[2] في (ب): (الورقة التي).

[3] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[4] في (ب): (ذكروا).

[5] في (ب): (أنَّه).

[6] في (ب): (يؤخذ).

[7] في النُّسختين: (علبان)، والمثبت من مصدره.

[8] في (ب): (إذا انصدعت).

[9] في (ب): (بفتح همزة).

(1/5618)

[باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة]

(1/5619)

[حديث: إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو .. ]

2910# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر.

قوله: (سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ): يروي عن أبي هريرة وجابر، وعنه: زيد بن أسلم وابن شهاب، ثقة، تُوُفِّيَ سنة (105 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، و (الدُّؤليُّ) على وزان (العُمريِّ)، ويقال فيه: الدِّيليُّ، ذكر اللُّغتين الجيَّانيُّ.

تنبيهٌ: هذا تابعيٌّ، ولهم في الصَّحابة: سنان بن أبي سنان بن محصن الأَسَديُّ، ابن أخي عُكَّاشة بن محصن، بدريٌّ من السابقين، وسيأتي [1] مذكورًا في كلامي في أوَّل من بايع تحت الشجرة، وأذكرُ في ذلك خلافًا، والصَّحيح: أنَّ [أوَّل] من بايع تحت الشجرة سنان بن أبي سنان الصَّحابيُّ، وقيل: أبوه، وقيل: غيرهما.

قوله: (فَلَمَّا قَفَلَ): أي: رجع.

قوله: (كَثِيرِ الْعِضَاهِ [2]): هو بالهاء، لا بالتَّاء، وقد تَقَدَّم ما هو وواحدتُه، وكذا تَقَدَّم (السَّمُرَة).

(1/5620)

قوله: (أَعْرَابِيٌّ): هذا الأعرابيُّ اسمه غَوْرَث بن الحارث، وغَوْرَث؛ بفتح الغين المعجمة، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ راء مفتوحة، ثمَّ ثاء مثلَّثة، أسلم غَوْرَث بعد هذه القصَّة وصحب، قال ابن قُرقُول: (قال أبو عليٍّ: هو «فَوْعَل» من الغَرَث؛ وهو الجوع، وجاء عند المستملي والحمُّوي: بعين مهملة، ومنهم مَن يقول: غُورث؛ بضَمِّ الغين المعجمة، والأوَّل الصحيح)، انتهى، وقال النَّوويُّ: (من قاله بالمهملة؛ فقد صحَّف)، واعلم أنَّ ابن بشكوال ذكر خلافًا في الذي اخترط سيفَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: غَوْرَث، والثَّاني: دُعثور [3] بن الحارث بن محارب، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده» لمَّا ذكر دعثور بن الحارث قال: (في حديث عجيب الإسناد، والأشبه: غَوْرَث) انتهى، وفي «سيرة ابن سيِّد الناس الكبرى» في (غزوة غطفان بناحيةِ نجدٍ) ذكر: (أنَّ دعثورًا جَمَع جمعًا من ثعلبة ومحارب بذي أمَّر [4] ... إلى أن قال: (وأصاب رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابَه مطر، فنزع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبيه، ونشرهما ليجفَّا ... ) إلى أن قال: (فجاءه رجل من العدوِّ يقال له: دعثور بن الحارث، ومعه سيف حتَّى قام على رأس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ قال: من يمنعك منِّي؟ ... ) إلى أن قال: (أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله، وأنَّ مُحَمَّدا رسولُ الله، ثمَّ أتى قومه، فجعل يدعوهم إلى الإسلام)، وذكر أيضًا في (ذات الرقاع) عن جابر قصَّةَ غَوْرَث ... إلى آخر القصَّة، ثمَّ قال: (قلتُ: وقد تَقَدَّم في غزوة ذي أمَّر خبرٌ لرجل يقال له: دعثور بن الحارث يشبه [5] هذا الخبر، والظاهر أنَّ الخبرين واحدٌ) انتهى، كانت هذه الواقعة قبل نجد، وفي الحديث التصريح بأنَّها كانت بعد نجد، وقال شيخنا: (وعند الإسماعيليِّ: قبل أُحُد، وذكر ابن إسحاق أنَّ ذلك كان في غزوته إلى غطفان لثنتي عشرة مضت من صفر، وقيل: في ربيع الأوَّل سنة اثنتين، وهي غزوة ذي أمَّر، وسمَّاها الواقديُّ: غزوة أنمار، ويقال: كان ذلك في ذات الرقاع)، قال شيخنا: (فيجوز تعدُّد الواقعة، ثمَّ قال: وذكرها الحاكم في غزوة خيبر من حديث جابر، قال: ولعلَّه أشبه؛ لأنَّه قيل: إنَّ آية العصمة كانت بعد بنائه بصفيَّة أو ليلة البناء)، انتهى، وقد ذكرها البخاريُّ في هذا «الصَّحيح» في (ذات الرقاع)؛ أعني: قصَّة غَوْرَث، والله أعلم.

(1/5621)

قوله: (صَلْتًا): هو بفتح الصَّاد المهملة وضمِّها، وإسكان اللَّام، ثمَّ تاء مثنَّاة فوق؛ أي: مسلولًا، وللعذريِّ: (صَلتٌ)، وكأنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: وهو صلت، ونقل شيخنا عن القرطبيِّ في شرح «مختصره» أنَّه قال: (إنَّه بفتح لام «صلَت»، قال: وذكر القتبيُّ: أنَّها تُكسَر في لغة)، انتهى.

تنبيهٌ: لماَّ قال له عليه الصَّلاة والسَّلام: «الله»؛ سقط السَّيف مِن يده، ذكره الإسماعيليُّ.

==========

[1] في (ب): (ويأتي).

[2] في (ب): (العصاه)، وهو تصحيفٌ.

[3] في (ب): (دعبور)، وهو تصحيفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[4] كذا في النُّسختين، وفي السِّير: (أَمرَّ)، والمثبت موضع بالشام، وما في السِّير: موضع بنجد، انظر (معجم البلدان).

[5] في (ب): (نسبه)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 741]

(1/5622)

[باب لبس البيضة]

قوله: (بَابُ لُبْسِ الْبَيْضَةِ): تَقَدَّم أنَّ (البيضة): الخوذة.

==========

[ج 1 ص 741]

(1/5623)

[حديث: جرح وجه النبي وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه]

2911# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وقوله: (عَنْ أَبِيهِ): تَقَدَّم مرارًا [1] أنَّ أباه: سلمة بن دينار.

قوله: (جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (جُرِح): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (وجهُ): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، وكذا (وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ): تَقَدَّم قريبًا مَن فعل به ذلك، وتَقَدَّم أنَّ (الحَصِير) كان برديًّا، كما قاله ابن القيِّم في «الهَدْي» [2].

(1/5624)

[باب من لم ير كسر السلاح عند الموت]

قوله: (بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلَاحِ عِنْدَ الْمَوْتِ): يريد بذلك خلاف ما كان عليه رؤساء الجاهليَّة إذا مات أحدهم؛ عمد فكسر سلاحَهُ، ويحرق متاعه، ويعقر دوابَّه، فخالف الشَّارعُ فعلَهم، وترك ما ذُكِرَ غيرَ معهود فيها بشيء إلى النَّاس إلَّا التَّصدُّق بها.

==========

[ج 1 ص 741]

(1/5625)

[حديث: ما ترك النبي إلا سلاحه وبغلة بيضاء]

2912# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): تَقَدَّم أنَّه بموحَّدة، وفي آخره سينٌ مهملةٌ.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ): هذا هو ابن مهديٍّ، الإمام، أحد الأعلام، و (سُفْيَان): يحتمل أنَّه الثَّوريُّ، ويحتمل أن يكون ابن عيينة، وذلك أنِّي نظرت في ترجمة أبي إسحاق _وهو السَّبيعيُّ الرَّاوي عنه سفيان هنا_ في «الكمال»؛ فرأيته ذكر الثَّوريَّ فيها، قال: (وهو أثبت الناس فيه)؛ يعني: أنَّ الثوريَّ أثبتُ الناس في أبي إسحاق هذا، وذكر فيها أنَّه روى عن ابن عيينة أيضًا، ورأيت في ترجمة أبي إسحاق في «التَّذهيب»؛ فرأيتُه قال: (روى عنه: السُّفيانان)، ونظرت في ترجمة ابن مهديٍّ؛ فرأيته: روى عن السُّفيانَين، والمِزِّيُّ في «الأطراف» لم يقيِّده، وكذا شيخنا لم يتعرَّض له، والله أعلم.

قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه السَّبيعيُّ، وهو عَمرو بن عبد الله، تَقَدَّم مرارًا، وكذا تَقَدَّم ترجمة (عَمْرِو بْن الْحَارِثِ) أخي جويرية بنت الحارث،

[ج 1 ص 741]

وترجمة والده الحارث، وأنَّه أسلم وصحِب رضي الله عنهما.

قوله: (إِلَّا سِلَاحَهُ): تَقَدَّم ذكرُ ما حضرني مِن سلاحه صلَّى الله عليه وسلَّم في (الوصيَّة)، وكذا تَقَدَّم الكلام على (بَغْلَتِهِ البَيضَاء)، وأنَّها الظاهر أنَّها الدُّلدُّل، وذكرت أنَّها تأخَّرت حتَّى قاتل عليها عليٌّ رضي الله عنه الخوارجَ، بل قد ذُكِر: (إلى خلافة معاوية)، وكذا تَقَدَّم الكلام على الأرض التي جعلها صدقة ما هي.

(1/5626)

[باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر]

(1/5627)

[حديث: إن هذا اخترط سيفي]

2913# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا كثيرةً أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا (سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ)، وأنَّه يشتبه بشخص آخر من الصَّحابة، وأنَّه _أعني: الصَّحابيَّ_ أوَّلُ مَن بايع تحت الشجرة على الصَّحيح، وقيل: والده أبو سنان، وقيل: عبد الله بن عمر، وكذا تَقَدَّم الكلام على (أَبِي سَلَمَةَ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر.

قوله: (ح [1]): تَقَدَّم الكلام عليها وكتابتها وقراءتها في أوَّل هذا التَّعليق.

قوله: (أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ [2] صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): تَقَدَّم قريبًا أنَّ هذه الغزوة اختُلِف فيها، وأنَّها ذات الرقاع، وقيل غيرها، وتَقَدَّم الكلام على (العِضاهِ) [3]، وعلى (الرَّجل) الذي وجده عنده، وقد اخترط سيفَه عليه الصَّلاة والسَّلام.

قوله: (فَشَامَ السَّيْفَ): هو بالشين المعجمة، غير مهموز؛ أي: أغمده، وهو من الأضداد.

==========

[1] (ح): ليس في «اليونينيَّة».

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النَّبي).

[3] في (ب): (العصاه)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 742]

(1/5628)

[باب ما قيل في الرماح]

قوله: (بَابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ): فائدةٌ: كان له عليه الصَّلاة والسَّلام خمسةُ رماح؛ ثلاثةٌ أصابها من بني قينقاع، والمُثْوِيُّ، والمُنْثَنِي [1]، وقد تَقَدَّم ذلك عند ذكر سلاحه.

قوله: (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ [2] رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [3] ... ) إلى آخره: تَقَدَّم أنَّ هذه صيغة تمريض، وأنَّه لم يصحَّ ذلك عنده على شرطه، قال شيخنا: (ذكر عبد الحقِّ في «جمعه بين الصَّحيحين» أنَّ الوليد بن مسلم رواه عن الأوزاعيِّ، عن حسَّان بن عطيَّة، عن أبي منيب الحرشيِّ، عن ابن عمر) انتهى، والوليد: على شرط السِّتَّة [4]، وله ترجمة في «الميزان»، والأوزاعيُّ: لا يُسأل عن مثله، وحسَّان بن عطيَّة: أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، وذكره في «الميزان» للقَدَر، وأبو منيب: ذكره ابن حِبَّان في «ثقاته»، وذكر أنَّه روى عن ابن عمر، وأنَّ حسَّان بن عطيَّة روى عنه، ولم يذكر أنَّه روى عنه غيره، والقاعدة: أنَّ الشَّخص إذا لم يكن معروفًا؛ لا يَخرُج برواية واحدٍ عن الجهالة، وقد ذكر ابن القطَّان أبو الحسن أنَّ الشخص إذا روى عنه واحد، ووثَّقه [5] شخصٌ آخرُ؛ يخرج عن الجهالة، وهذا قولٌ مِن أقوال، والله أعلم، ثمَّ إنِّي رأيته في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم؛ فرأيتُه ذكره، وقال: (روى عن ابن عمر وسعيد بن المسيّب، وروى عنه: حسَّان بن عطيَّة وأبو اليمان، سمعت أبي يقول ذلك) انتهى، فهذا اثنان قد رويا عنه، ووثَّقه ابن حِبَّان، فما بقي إلَّا أنَّ الوليد بن مسلم يُنظَر كيف رواه عن الأوزاعيِّ؛ لأنَّه مُدَلِّس، فيُتَّقى من حديثه ما قال فيه [6]: (عَنْ)، أو (أَنَّ)، أو (قال)، والله أعلم، والوليد بن مسلم من الأعلام.

(1/5629)

[حديث: إنما هي أطعمة أطعمكموها الله]

2914# قوله: (عَنْ أَبِي النَّضْرِ [1] مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ): (أبو النَّضر) هذا: بالمعجمة [2]، واسمه [3] سالم بن أبي أميَّة، تَقَدَّم مرارًا.

قوله: (نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) أمَّا (نافع)؛ فهو قد نُسِب إلى أبي قتادة، وإنَّما ولاؤه لعقيلة الغفاريَّة [4]، أبو مُحَمَّد، عن أبي قتادة وأبي هريرة، وعنه: سالم أبو النَّضر [5] والزُّهريُّ، ثقة، أخرج له الجماعة، وثَّقه النَّسائيُّ، وهو نافع بن عبَّاس، ويقال: ابن عيَّاش، وأمَّا (أبو قتادة)؛ فقد تَقَدَّم أنَّه الحارث بن ربعيٍّ، وقيل غير ذلك، وقد قدَّمته ببعض ترجمته.

قوله: (وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ): تَقَدَّم الكلام في (الحجِّ) على عدم إحرامه وما قيل فيه؛ فانظره، وكذا تَقَدَّم أنَّ (فَرَسه): اسمه الجرادة.

قوله: (طُعْمَةٌ): هي بضَمِّ الطَّاء وكسرها، فبالضَّمِّ: الأُكلة، وبالكسر: وجه الكسب، كذا قاله ابن قُرقُول في هذا الحديث نفسه، وهي في أصلنا: بالضَّمِّ.

قوله: (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ... ) إلى آخره: هذا كذا في أصلنا المصريِّ والدِّمشقيِّ، ولم أر ذلك في «أطراف المِزِّيِّ»، إنَّما ذكره عقيب حديث مُحَمَّد بن جعفر، قال ابن جعفر: (وحدَّثني زيد بن أسلم ... ) إلى آخره، وعزاه لـ (الأطعمة) في «البخاريِّ»، وتعقَّبه شيخنا البلقينيُّ، فقال: (إنَّما هو في «الهبة»)، والحاصل على ما في الأصلين المذكورين قائلُ: (وعن زيد بن أسلم): هو مالك، وقد أخرجه البخاريُّ في (الذَّبائح) عن إسماعيل، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار به، والله أعلم.

قوله: (مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ): تَقَدَّم مَن (أبو النَّضر)، وأمَّا (مثلَ)؛ فإنَّها بالنَّصب.

(1/5630)

[باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب]

قوله: (بَابُ مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): اعلم أنِّي قَدَّمتُ أدراعه عليه الصَّلاة والسَّلام، وأنَّها سبع؛ وهي: ذات الوِشاح، وذات الفُضول، وذات الحواشي، والسغديَّة _بالغين المعجمة، وقال مغلطاي: (وبالمهملة)، قيل: إنَّها التي لبسها داود لقتال جالوت_، وخِرْنق، وبتراء، وفضَّة.

قوله: (فَأَمَّا [1] خَالِدٌ؛ فَقَدِ احْتَبَسَ): أمَّا (خالد)؛ فهو ابن الوليد، الصَّحابيُّ المشهور رضي الله عنه، تَقَدَّم، وأمَّا (احتبس)؛ فتقدَّم أنَّ معناه: وقف.

(1/5631)

[حديث: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت]

2915# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو الثَّقفيُّ عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت، أبو مُحَمَّد، الحافظ، وتَقَدَّم أيضًا أنَّ (خَالِدًا) هذا: هو الحذَّاء ابن مهران، أبو المُنازِل، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (اللَّهُمَّ؛ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ... ) إلى آخره: (أَنشُدك)؛ بفتح الهمزة، وضمِّ الشين؛ أي: أسألك، وقد تَقَدَّم، فإن قيل [1]: كيف جعل أبو بكر رضي الله عنه يأمر النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالكفِّ عن الاجتهاد في الدُّعاء، ويقوِّي رجاءه ويثبتُه، ومقامُ

[ج 1 ص 742]

(1/5632)

رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو المقام الأحمدُ، ويقينُه فوق يقين كلِّ أحد، قال الإمام السُّهيليُّ في «روضه» في (غزوة بدر): (سمعت شيخنا الحافظ يقول في هذا: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مقام الخوف، وكان صاحبه رضي الله عنه في مقام الرَّجاء، وكلا المقامين سواءٌ في الفضل، لا نُريد أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصِّدِّيقَ سواء، ولكنَّ [2] الرَّجاء والخوف مقامان لا بدَّ للإيمان منهما، فأبو بكر رضي الله عنه في تلك السَّاعة كان في مقام الرَّجاء لله تعالى، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان في مقام الخوف من الله؛ لأنَّ لله أن يفعل ما يشاء، فخاف ألَّا يُعبدَ في الأرض بعدها، فخوفُه ذلك عبادةٌ، وأمَّا قاسم بن ثابت؛ فذهب في معنى الحديث إلى غير هذا، وقال: إنَّما قال ذلك الصِّدِّيق رضي الله عنه مأوِيَّةً للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورِقَّة عليه؛ لما رأى من نَصَبه في الدُّعاء والتَّضرُّع حتَّى سقط الرِّداء عن منكبيه، فقال له بعض هذا؛ أي: لِمَ تُتْعبُ نفسك هذا التَّعب والله قد وعدك بالنَّصر؟! وكان رقيق القلب شديد الإشفاق على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال السُّهيليُّ: (وأمَّا شدَّة اجتهاد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونصبه في الدُّعاء؛ فإنَّه رأى الملائكة تنصب في القتال، وجبريل عليه السَّلام على ثناياه الغبارُ، وأنصار الله تعالى يخوضون غمار الموت، والجهاد على ضربَين؛ جهاد بالسَّيف، وجهاد بالدُّعاء، ومن سُنَّة الإمام أن يكون من وراء الجند لا يقاتل معهم، فكان الكلُّ في اجتهاد وجِدٍّ، ولم يكن ليريح نفسه مِن أحد الجِدَّين والجهادَين وأنصار الله وملائكته يجتهدون، ولا لِيؤثرَ الدَّعة وحزب الله تعالى مع أعدائه يجتلدون) انتهى.

قوله: (حَسْبُكَ): هو مَرْفوعٌ؛ أي: كافيك.

قوله: (فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ): أي: داومتَ الدُّعاء، يقال: ألحَّ السَّحاب بالمطر: دام.

قوله: (وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا هو وُهَيب بن خالد الباهليُّ الكرابيسيُّ، الحافظ، تَقَدَّم مُتَرجَمًا، و (خَالِدٌ) [3]: هو الحذَّاء ابن مِهران، وقوله: (قال): تَقَدَّم أنَّ مثله تعليقٌ مجزوم به، وقد أخرجه في (التفسير) عن مُحَمَّد، عن عفَّان، عن وُهَيب، عن خالد الحذَّاء به.

==========

[1] في (ب): (تَقَدَّم، وقيل).

[2] في (ب): (ولأنَّ).

(1/5633)

[3] في (ب): (وكذا تَقَدَّم خالد).

(1/5634)

[حديث: توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي]

2916# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، وكذا تَقَدَّم (سُفْيَانُ): أنَّ الظَّاهر [1] أنَّه [2] الثوريُّ، وذلك أنِّي رأيت الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمة مُحَمَّد بن كَثِير أنَّه روى عن الثوريِّ، ولم يذكر فيها ابنَ عيينة، ورأيت الذَّهبيَّ قال في مشايخه: وسفيان، وأطلق؛ فحملت المُطلَق على المُقيَّد، والله أعلم، و (الأَعْمَش): تَقَدَّم مرارًا أنَّه سليمان بن مِهران، أبو مُحَمَّد، الكاهليُّ القارئ، وتَقَدَّم (إِبْرَاهِيم): أنَّه ابن يزيد النَّخعيُّ، وتَقَدَّم (الأَسْوَد): أنَّه ابن يزيد النَّخعيُّ.

قوله: (وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ ... ) إلى آخره: تَقَدَّم أنَّ هذه (الدِّرع): ذاتُ الفضول، قاله غير واحد من الحُفَّاظ، وتَقَدَّم أنَّ (اليَهُودِيَّ): أبو الشَّحم، وتَقَدَّم أنَّ المأخوذ ثلاثون صاعًا من شعير، وتَقَدَّم ما جاء فيه في (البيوع)، وتَقَدَّم أنَّ الأَجَل كان سنة.

قوله: (وَقَالَ يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): أمَّا (يعلى)؛ فهو ابن عُبيد الطنافسيُّ، أخو مُحَمَّد وعمر، عن يحيى بن سعيد والأعمش، وعنه: ابن نُمَيْر والصَّاغانيُّ، ثقة عابد، وقال ابن معين: ثقة إلَّا في سفيان الثوريِّ، مات في شوَّال سنة (209 هـ)، وقد أخرج له الجماعة، وقد قدَّمته، ولكن طال العهد به، له ترجمة في «الميزان»، وهذا التَّعليق المجزوم به أخرجه البخاريُّ عن مُحَمَّد، عن يعلى بن عبيد به [3] في (السَّلم)، وأتى بتعليق يعلى؛ لأنَّ سفيان مُدَلِّس وقد عنعن، فأتى به؛ لأنَّ يعلى قال: (حدَّثنا الأعمش).

(1/5635)

قوله: (وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ [4]): أمَّا (معلًّى)؛ فالظاهر أنَّه مُنوَّن، وهو ابن أسد العَمِّيُّ، أبو الهيثم، الحافظ، أخو بهز، عن أبي المنذر سلَّام القارئ، وسلَّام بن أبي مطيع، ووُهَيب، وعنه: البخاريُّ، وأبو حاتم، والكجِّيُّ، ثَبْتٌ ذو صلاح، مات سنة (128 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وأمَّا (عبد الواحد)؛ فهو ابن زياد، تَقَدَّم، و (الأعمش): تَقَدَّم قريبًا أعلاه سليمان بن مِهران، وهذا التَّعليق مجزوم به، ومعلًّى تَقَدَّم أنَّه شيخه؛ فيكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وقد أخرجه في (الجهاد)، وإنَّما أتى به هنا؛ لأنَّ السَّند الأوَّل عنعن فيه سفيان عن الأعمش، وهو مُدَلِّس، فأتى بهذا، وهو تعليق عبد الواحد: (حدَّثنا الأعمش)، وبالذي قبله _أعني: تعليق يعلى: (حدَّثنا الأعمش) _؛ للتَّصريح فيهما بالتَّحديث من الأعمش، والله أعلم.

(1/5636)

[حديث: مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد]

2917# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه التَّبُوذَكيُّ، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، ولماذا نُسِب، وتَقَدَّم (وُهَيْبٌ): أنَّه ابن خالد الباهليُّ الحافظ، وتَقَدَّم (ابْنُ طَاوُوسٍ): أنَّه عبد الله.

قوله: (عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ): تَقَدَّم الكلام على (جبَّتان) و (جنَّتان) في (الزَّكاة)، وفي أصلنا هنا: (جبَّتان) [1]؛ بالموحَّدة، وقد تَقَدَّم أنَّ ابن قُرقُول قال: (والنُّون أصوبُ).

قوله: (قَدِ اضْطُرَّتْ [2]): هو بضَمِّ الطَّاء، يقال: اضْطُرَّ إلى الشيء؛ إذا أُلجِئَ إليه، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وتَقَدَّم الكلام على (التَّراقِي)، [و] (تُعَفِيَ أَثَرَهُ) [3]: أي: تمحوه وتُذهِبُه، وهو مُشدَّد الفاء في أصلنا بالقلم، و (أثره): تَقَدَّم بما فيه من اللُّغات، وأثره: مشي أقدامِه في الأرض، وكذا (الحَلْقَة): أنَّها بإسكان اللَّام، ويجوز فتحُها.

[ج 1 ص 743]

قوله: (وَتَقَلَّصَتْ): أي: ارتفعت.

==========

[1] في (ب): (جنتان)، وهو تصحيفٌ.

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (اضْطَرَّ)؛ بفتح الطَّاء.

[3] في (ب): (يعني أسروه)، وهو تحريفٌ.

(1/5637)

[باب الجبة في السفر والحرب]

(1/5638)

[حديث: انطلق رسول الله لحاجته ثم أقبل فلقيته بماء]

2918# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا؛ أنَّه التَّبُوذَكيُّ، وتَقَدَّم بعيدًا لماذا نُسِب، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ الْوَاحِدِ) أنَّه ابن زياد [1]، و (الأَعْمَشُ): سليمان بن مهران، و (أَبُو الضُّحَى): مسلم بن صُبَيح؛ بضَمِّ الصَّاد المهملة وفتح الموحَّدة.

قوله: (انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ): هذا كان في غزوة تبوك في السَّنة التاسعة، وكذا تَقَدَّم في (الشَّامِيَّة): أنَّها ممَّا يُصنَع بالشَّام، وتَقَدَّم الكلام على (الشَّام) طولًا [2]؛ وهو من العريش إلى الفرات، وقيل: إلى بالس، وتَقَدَّم عرضًا.

قوله: (مِنْ تَحْتُ): هو بضَمِّ التاء، وهذا ظاهرٌ.

(1/5639)

[باب الحرير في الحرب]

قوله: (بَابُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ): أي: باب حكم لبسه فيه، قال بعضهم: الحرب بحاء وراء مهملة ساكنة، ويُروَى: بالجيم والرَّاء المفتوحتين، وأحاديث الباب تشهد لكلِّ منهما، انتهى، قال شيخنا: (وجمع ابن العربيِّ في أصل لُبس الحرير عشرةَ أقوال: التَّحريم بكلِّ حال، مُقابِلهُ؛ وهو مباحٌ بكلِّ حال، الحرمة وإن خُلِط مع غيره؛ كالخزِّ، استثناء الحرب، استثناء السَّفر، استثناء المرض، استثناء الغزو، استثناء العَلَم منه، إلحاق النِّساء بالرِّجال، تحريم لُبسه [1] من فوق دون أسفل؛ وهو الفرش، قاله أبو حنيفة وابن الماجشون، وعلَّلاه بأنَّه ليس بلُبس، ويردُّه قولُ أنس: فقمت إلى حصيرٍ لنا قدِ اسودَّ مِن طول ما لُبِس)، انتهى.

واعلم أنَّ إباحتَه للنساء دون الرِّجال هو مذهب الشَّافعيِّ والجماهير، وحكى القاضي عياض عن قوم: إباحته للرِّجال والنِّساء، وعن ابن الزُّبير: تحريمه عليهما، ثمَّ انعقد الإجماع على إباحته للنِّساء وتحريمه على الرِّجال [2]، وأمَّا الصبيان؛ فقالت الشافعيَّة: يجوز إلباسهم الحليَّ والحرير في يوم العيد؛ لأنَّهم لا تكليف عليهم، وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السَّنة ثلاثةُ أوجهٍ؛ أصحُّها: جوازُه، الثَّالث: تحريمه بعد سنِّ التَّمييز، والله أعلم.

(1/5640)

[حديث: أن النبي رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في .. ]

2919# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هو سعيد بن أبي عَروبة، وقد تَقَدَّم أنَّ [1] مَن اسمه سعيد ويروي عن قتادة عن أنس في الكتب السِّتَّة أو بعضها: سعيدُ بن بشير، وابن أبي عروبة، وسعيد بن أبي هلال، والله أعلم.

تنبيهٌ: في بعض النُّسخ في هذا الحديث خالدُ بن الحارث عن شعبة بدل (سعيد)، وفي ذلك نظر؛ إنَّما حديث أحمد بن المقدام عن خالد بن الحارث عن سعيد، لا عن شعبة [2]، ولكن في (الجهاد) أيضًا هذا المتن عن مُسدَّد، عن يحيى، وعن بُنْدار، عن غُنْدر، وفي (النِّكاح) عن مُحَمَّد _هو ابن سلام_ عن وكيع، عن شعبة به؛ فالحاصل: أنَّ الصَّواب في حديث أحمد بن المقدام: سعيدٌ، وفي حديث مُسدَّد، وبُنْدار، ومُحَمَّد بن سلام: شعبة، والله أعلم.

==========

[1] (أن): سقط من (ب).

[2] (لا عن شعبة): سقط من (ب).

[ج 1 ص 744]

(1/5641)

[حديث: أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي]

2920# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ، الحافظ، و (هَمَّامٌ): تَقَدَّم أنَّه همَّام بن يحيى العَوْذيُّ.

قوله: (ح [1]): تَقَدَّم الكلام عليها كتابة وتلفُّظًا في أوَّل هذا التَّعليق؛ فانظره، وسيأتي أيضًا في أواخره إن شاء الله تعالى.

قوله: (شَكَيا): كذا في أصلنا، وعليها علامة راويها، وفي الهامش: (شَكَوا)، وعليها (صح)، وهما لغتان يقال: شكيت وشكوت؛ بالياء وبالواو.

==========

[1] (ح): ليس في «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 744]

(1/5642)

[حديث: رخص النبي لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام .. ]

2921# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مرارًا أنه ابن سعيد القطَّان، شيخ الحُفَّاظ.

2922# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدارٌ، وتَقَدَّم ما البُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدر): أنَّه بضَمِّ الغين المعجمة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم مَن قال له: ما أنت إلَّا غُنْدر.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (حَدَّثَنِي).

[ج 1 ص 744]

(1/5643)

[باب ما يذكر في السكين]

قوله: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ): تنبيهٌ: لم أر في آلات النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا في أثاثه سكِّينًا ولا خنجرًا، والسِّكِّين التي كان يحتزُّ بها مِن كتف الشَّاة الظاهر أنَّها لم تكن له، إذ لو كانت له؛ لعُدَّت في آلاته، والبيتُ لا بدَّ له مِن سكِّين، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 744]

(1/5644)

[حديث: رأيت النبي يأكل من كتف يحتز منها]

2923# قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تَقَدَّم فيه [1] في (الوضوء) أنَّه يجوز يتوضَّأْ، ويتوضَّ، ويتوضَّا [2]؛ فراجعه.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِي): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

==========

[1] (فيه): سقط من (ب).

[2] في (ب): (يتوضأ ويتوضا ويتوض).

[ج 1 ص 744]

(1/5645)

[باب ما قيل في قتال الروم]

قوله: (الرُّومِ): هم جيل مِن النَّاس معروف؛ كالعرب، والفُرس، والزِّنج، وغيرِهم، و (الرُّوم): هم الذين يُسمِّيهم أهلُ بلادِنا: الإفرنج؛ وهم جيلٌ مِن ولد روم بن عيص بن إسحاق، غلب عليهم اسم أبيه، فصار كالاسم للقبيلة، وإن شئت هو جمع (روميٍّ) منسوبًا إلى روم بن عيصو، كما يقال: زنجيٌّ وزنجٌ، وقد تَقَدَّم.

==========

[ج 1 ص 744]

(1/5646)

[حديث: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم]

2924# قوله: (أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ): (العنسيٌّ): بالنُّون والسِّين المهملة؛ لأنَّه شاميٌّ دارانيٌّ، و (عنْس)؛ بالنُّون والسِّين المهملة: في الشام، وبالموحَّدة: في الكوفة، وبالمثنَّاة تحت والشين المعجمة: في البصرة، هذا الغالب في الثَّلاثة، والله أعلم.

قوله: (وَهْوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ): أي: خباء، وقد تَقَدَّم.

قوله: (وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ): تَقَدَّم أنَّها بالرَّاء، وتَقَدَّم الكلام على اسمها: أنَّها الغُميصاء أو الرُّميصاء، وتاريخ وفاتها رضي الله عنها، وهل هي خالةٌ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو خالة لأبيه أم لا، ومن حكى الاتَّفاق على أنَّها خالة.

قوله: (قَدْ أَوْجَبُوا): أي: وجبت لهم الجنَّة.

قوله: (أَوَّلُ جَيْشٍ [1] يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ): (قيصر): تَقَدَّم أنَّه لقب مَن مَلك الرُّوم، ومدينته هي القسطنطينيَّة، قال شيخنا: (قال ابن التِّين: قيل: فيه فضل يزيدَ؛ يعني: ابن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميَّة، قال: لأنَّه أوَّل مَن غزاها، قال: ولعلَّ يزيدَ لم يحضر مع الجيش، وأراد الشَّارع: مَن يغزو بنفسه، أو أراد: الجماعة، فغُلِّب وإن كان فيهم واحد أوقليل غير مغفور لهم)، انتهى، اعلم أنَّ غزوها كان في خلافة معاوية، ويزيد ابنه الأمير من قِبَلِه معهم، فقوله: (لم يحضر)، فيه نظر، والله أعلم، ويزيد ترجمته معروفة روى عن أبيه، وعنه: ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يروى عنه، وقال الإمام أحمد: لا ينبغي أن يروى عنه، انتهى؛ أي: لمَّا ولَّى مَن قتل الحسين بن عليٍّ رضوان الله عليهما، وأوقع بأهل المدينة يوم الحرَّة على يد مُسِرف، وأرسل جيشه إلى الكعبة؛ لحصر ابن الزُّبير، ومات سنة (64 هـ) في ثالث عشرين ربيع الأوَّل، وقال الحافظ: في صفر، والله أعلم.

(1/5647)

[باب قتال اليهود]

[ج 1 ص 744]

قوله: (بَابُ قِتَالِ الْيَهُودِ): هذا عند نزول عيسى ابن مريم، تكون اليهود مع الدَّجَّال.

(1/5648)

[حديث: تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر]

2925# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ): هو بفتح الفاء وإسكان الرَّاء، منسوبٌ إلى أبي فروة، وهو إسحاق بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة، تَقَدَّم.

قوله: (حَتَّى يَخْتَبِئ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فَيَقُولُ): وسيأتي قريبًا (فيقول الحجر): يحتمل المراد: الحقيقة، ويُنطِقُه الله بذلك، ويحتمل أن يكون مجازًا؛ لأنَّه لا يبقى منهم أحد، قاله شيخنا، ولا مانع من الحقيقة، وفي «مسلم»: «حتَّى يقول الحجر والشجر إلَّا الغرقد؛ فإنَّه مِن شجرهم»، والله أعلم [1].

(1/5649)

[باب قتال الترك]

قوله: (بَابُ قِتَالِ التُّرْكِ): هم _بضَمِّ التَّاء_ جيلٌ مِن النَّاس، وهم بنو قنطُورا، وهي جارية لإبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم ولدت له أولادًا جاء مِن نسلهم التُّرك، وقال: كراع التُّرك هم الذين يقال لهم الدَّيلم، وقال ابن عبد البَرِّ: (هم ولد يافث، وهم أجناس كثيرة، ومنهم: أصحابُ مدن وحصون، ومنهم: قوم في رؤوس الجبال والبراري ليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد؛ فَصَد وَدَجَ دابَّته، وشوى الدَّم في مصران يأكله، وهم يأكلون الرخم والغربان، وليس لهم دين، ومنهم: من يدين بدين المجوسيَّة، وهم الأكثرون، ومنهم: من تهوَّد، وملكهم يلبس الحرير وتاج الذَّهب، ويحتجب كثيرًا، وفيهم سحر، وقال وهب بن مُنبِّه: هم بنو عمِّ يأجوج ومأجوج، وقيل: إنَّ أصل التُّرك أو بعضهم من حِميَر، وقيل: بقايا قوم تُبَّع، وقال بعضهم: أكثرهم يقول: الترك من ولد إِفريدون بن سام بن نوح، ثمَّ ذكر سبب تسميتهم، والله أعلم.

(1/5650)

[حديث: إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا ينتعلون نعال الشعر]

2927# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عارم، وقد تَقَدَّم أنَّ معنى عارم: الشِّرِّير أو الشَّرس، وأنَّه بعيد منها، وكذا تَقَدَّم (جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): أنَّه بالحاء المهملة، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ): (تغْلِب): هو بالمثنَّاة فوق، ثمَّ غين معجمة ساكنة، وكسر اللَّام، وهذا ظاهرٌ، وفي قول الحسن _وهو ابن أبي الحسن البصريُّ أحد الأعلام المذكورين_: (حدَّثنا عمرو بن تغلب)؛ ردٌّ على مَن أنكر سماع الحسن من عمرو؛ وهو عليُّ ابن المدينيِّ، الحافظ الجهبذ المعروف.

قوله: (يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ): قال ابن قُرقُول: (ظاهره أنَّ نعالَهم من ضفائر الشعر، أو من جلود مشعرة [1] نيئة غير مدبوغة، ويحتمل أن يريد: كمال شعورهم ووفورَها حتَّى يطؤوها بأقدامهم، أو يقارب ذلك منها الأرض.

قوله: (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ): (كأنَّ): هي من أخوات (إنَّ)، مفتوحة الهمزة مُشدَّدة النُّون، و (وجوهَهم): مَنْصوبٌ اسمها، و (المَجانُّ): مَرْفوعٌ خبرها، قال ابن قُرقُول: (والمَجانُّ: بفتح الميم وشدِّ النُّون، جمع «مجنٍّ»، ووزنه: «مفاعل»)، وحكى القاضي شيخنا أبو عبد الله مُحَمَّد بن أحمد التُّجيبيُّ عن أبي مروان بن سراج: أنَّ ابن الإفليليِّ كان يقوله: بكسر الميم: مِجان، قال أبو مروان: وهو خطأ، وإنَّما هو مثل مَحمَل ومَحامِل؛ الميم فيه زائدة مفتوحة في الجمع، وقد رواه ابن السماط وغيره من رواة البخاريِّ بكسر الميم، كما قال ابن الإفليليِّ، و (المُطْرَقة): قال ابن قُرقُول: (بسكون الطَّاء، وفتح الرَّاء؛ أي: التِّرَسَة التي أُلبِست بالعَقب طاقةً فوق أخرى، وقال بعضهم: الأصوب فيه: المطَرَّقة؛ وهو كلُّ ما رُكِّب بعضه فوق بعض، وقيل: هو أن يُقوَّر جلدٌ بمقداره، ويُلصَق به كأنَّه ترس على ترس) انتهى، وقوله فيه: (المُطَرَّقة): يعني: بتشديد الرَّاء، وقد ذكر ابن الأثير الرِّوايتين؛ التخفيف الأوَّل، والتشديد للتكثير الثاني، ثمَّ قال: والأوَّل أشهر؛ يعني: التَّخفيف.

==========

[1] في (ب): (مشعرهم)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[ج 1 ص 745]

(1/5651)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين]

2928# قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ): هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزُّهريُّ، أبو يوسف، عن أبيه وشعبة، وعنه: أحمد وعبد، حجَّة ورع، مات سنة (208 هـ)، كذا أرَّخ وفاته الذَّهبيُّ في «الكاشف»، و «التذهيب»، و «الميزان»، ذكره تمييزًا، والمعروف في وفاته سنة (182 هـ) انتهى، والله أعلم، كذا رأيته بخطِّي على «التَّذهيب»، ولا أدري من أين لي ذلك، أخرج له الجماعة، وأمَّا (والده)؛ فإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف الزُّهريُّ، أبو إسحاق، المدنيُّ، نزيل بغداد، وأحدُ الأعلام، عن أبيه، والزُّهريِّ، ويزيدَ بن الهادي، وصالح بن كيسان، وجماعةٍ، وعنه: أبو داود الطَّيالسيُّ، وابن مهديٍّ، وابن وهب، والقعنبيُّ، ويحيى بن يحيى، ولُوَين، وأحمد ابن حنبل، وخلقٌ كثيرٌ، وثَّقه أحمد، وابن معين، وغيرهما، قال ابن سعد وجماعة: مات سنة ثلاث وثمانين ومئة، وقال سعيد بن عُفير: مات سنة أربع وثمانين، قال الخطيب: حدَّث عنه يزيد بن عبد الله بن الهادي، والحسين بن سيَّار، وبين وفاتيهما مئةُ سنة واثنتا عشرة سنة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، و (صَالِح): هو ابن كيسان تَقَدَّم مُتَرجَمًا، وغير مرَّةً بغير ترجمة، و (الأَعْرَج): عبد الرَّحمن بن هرمز تَقَدَّم مرارًا، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا، تَقَدَّم مرارًا.

قوله: (ذُلْفَ الأُنُوفِ): هو بالذال المعجمة المضمومة، ثمَّ لام ساكنة، ثمَّ فاء، جمع (أذلف)؛ كأحمر وحُمْر، قال ابن قُرقُول: (قيل: فُطْس، وقيل: صغار الأنوف، وقيل: قصار الأنوف؛ وهو الفَطَس، والذُّلف: تأخُّر الأرنبة، وقيل: هو غلظ في الأرنبة، وقيل: تطامن فيها، وقيل: همزة تكون فيها، وقد رواه بعضهم بدال مهملة، وقد قيَّدناه عن التَّميميِّ بالوجهين، وبالمعجمة أكثر)، انتهى، ولم يذكر ابن الأثير غير الإعجام، وكذلك من وقفت على كلامه من أهل اللُّغة؛ إنَّما ذكروه في الذَّال المعجمة، والله أعلم.

قوله: (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ): تَقَدَّم (المجانُّ) و (المُطْرَقة) أعلاه، وكذا (كأنَّ) وأنَّها من أخوات (إنَّ)، وكذا (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ) أعلاه.

==========

[ج 1 ص 745]

(1/5652)

[باب قتال الذين ينتعلون الشعر]

(1/5653)

[حديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر]

2929# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ، وتَقَدَّم أنَّ (سُفْيَان): هو ابن عيينة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (سَعِيد بْن المُسَيّب): بفتح ياء (المسيّب) وكسرها، وغيره ممَّن اسمه (المسيَّب) لا يجوز فيه إلّضا الفتح، والله أعلم.

[ج 1 ص 745]

قوله: (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ): تَقَدَّم قريبًا جدًّا، وكذا (الْمَجَانُّ) و (الْمُطْرَقَةُ).

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: زَادَ [1] فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: صِغَارَ الأَعْيُنِ): أمَّا قوله: (زاد سفيان): يعني: بالسَّند المُتقدِّم، وليس هذا تعليقًا؛ إنَّما هو بسند الحديث الذي قبله؛ وهو عليُّ بن عبد الله عنه؛ فاعلمه، و (سفيان): تَقَدَّم قريبًا أنَّه ابن عيينة [2] في الحديث الذي قبل هذا، و (أبو الزِّناد): هو عبد الله بن ذكوان _بالنُّون_ تَقَدَّم مرارًا، ومرَّةً مُتَرجَمًا، و (الأعرج): كذلك تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، وأمَّا قوله: (روايةً)؛ هو مَنْصوبٌ مُنوَّن؛ فاعلم أنَّ قولَ الرَّاوي عن الصَّحابيِّ: يرفع الحديث، أو يبلغُ به، أو روايةً _كهذا المكان_ أو ينميه [3]؛ فإنَّه يكون مرفوعًا، قال ابن الصَّلاح: (وحكم ذلك عند أهل العلم حكمُ المرفوع صريحًا، وذلك كقول ابن عبَّاس: «الشِّفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيَّة نار، وأنهى أمَّتي عن الكيِّ»؛ رفع الحديث، رواه البخاريُّ، وروى مسلم من رواية أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغُ به قال: «النَّاس تبعٌ لقريش»، وفي «الصَّحيحين» بهذا السَّند هذا الحديث الذي نحن فيه: «تقاتلون قومًا»، وروى مالك في «المُوَطَّأ» عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: (كان النَّاس يُؤمَرون أن يضع الرَّجلُ يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصَّلاة)، وقد قَدَّمتُ الخلاف في (يَنمي) و (يُنمي) [4]، وقد رواه البخاريُّ من طريق القعنبيِّ عن مالك، يَنمِي ذلك إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن قيل ذلك عن التَّابعيِّ؛ فهو مُرسَلٌ.

(1/5654)

[باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر]

(1/5655)

[حديث: والله ما ولى رسول الله ولكنه خرج شبان أصحابه]

2930# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا قد تَقَدَّم مرارًا أنَّه زهير بن معاوية الجعفيُّ، أبو خيثمة، وتَقَدَّم (أبو إسحاق): أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ الهمْدانيُّ.

قوله: (وَسَأَلَهُ رَجُلٌ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ هذا (الرَّجل): لا أعرفه، غير أنَّه من قيس، كما في (مغازي) «البخاريِّ» [1]، وقد تَقَدَّم.

قوله: (أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ؟! ... ) إلى أن قال: (مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): سيأتي في (حنين) أنَّ هذا من بديع الأجوبة والكلام عليه.

قوله: (شُبَّانُ أَصْحَابِهِ): هو جمع (شابٍّ).

قوله: (وَأَخِفَّاؤُهُمْ): هو جمع (خِفٍّ)؛ بكسر الخاء المعجمة وتشديد الفاء، و (الخِفُّ): الخفيف؛ يريد: مَن لا سلاح معه يَثْقُلُه.

قوله: (حُسَّرًا): هو بضَمِّ الحاء وفتح السِّين المُشدَّدة المهملتين، جمع (حاسر)؛ كشاهد وشُهَّد؛ وهو مَن لا درع له ولا مِغْفَر، وقد فسَّره بعده (لَيْسَ بِسِلَاحٍ)، وقال بعضهم: مَن لا درع له ولا مِغفَر على رأسه، والله أعلم.

قوله: (وَبَنِي نَصْرٍ): هو بالصَّاد المهملة، وهذا معروف.

قوله: (فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا): قال ابن قُرقُول: (هو بفتح الرَّاء، وهو المصدر، وبكسرها للأصيليِّ، وهو الاسم، والفتح هنا أوجه) انتهى.

قوله: (وَهْوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ): تَقَدَّم الكلام على هذه (البغلة) التي كان راكبها يوم حنين، وذكرت فيها قولين؛ هل هي الدُّلدُّل أو فضَّة؟ فانظره في أوائل (الجهاد).

قوله: (وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ اسمه المغيرة، أو المغيرة أخ له، وقيل: اسمُه كنيتُه، وتَقَدَّم مُطَوَّلًا.

قوله: (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ~…أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ): يأتي الكلام عليه في (حنين) إن شاء الله تعالى وقدَّره.

(1/5656)

[باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة]

(1/5657)

[حديث: ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا]

2931# قوله: (أَخْبَرَنَا عِيسَى): هذا هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، أحد الأعلام في الحفظ والعبادة، عن أبيه، وهشام بن عروة، والأعمش، وخلقٍ، وعنه: حمَّاد بن سلمة مع جلالته وتقدُّمه، وابن المدينيِّ، وإسحاق، وابن عرفة، وأممٌ، وكان يحجُّ سنة ويغزو سنة، مات سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه أبو حاتم وجماعة، ذكره في «الميزان» تمييزًا؛ لأجل عيسى بن يونس؛ شيخ روى عن مالك، قال الدَّراقطنيُّ: مجهول، ولهم: عيسى بن يونس الطرسوسيُّ عن حجَّاج الأعور من مشيخة أبي داود، ولهم أيضًا: عيسى بن يونس الرمليُّ الفاخوريُّ، صاحب ضمرة والوليد، ثقة من مشيخة النَّسائيِّ وابن ماجه.

قوله: (عَنْ [1] هِشَامٍ): هذا هو ابن حسَّان الأزديُّ القُردوسيُّ مولاهم، الحافظ، عن الحسن وابن سيرين، وعنه: القطَّان، وأبو عاصم، والأنصاريُّ، مات في صفر سنة (145 هـ)، أخرج له الجماعة، إمام كبير، ثقة كبير الشأن، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (عَنْ مُحَمَّدٍ): هذا هو ابن سيرين، أحد الأعلام، مشهور التَّرجمة، وكذا (عَبِيدَة): وهو بفتح العين [2]، وكسر الموحَّدة، وهو ابن عمرٍو، وقيل: ابن قيس السلْمانيُّ، أحد الأعلام، تَقَدَّم.

قوله: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ): هذا هو يوم الخندق، وقد تَقَدَّم متى كانت الخندق بما فيها من الخلاف.

قوله: (مَلأَ اللهُ): هو بهمزة مفتوحة في آخره، وهذا ظاهرٌ معروف.

قوله: (شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ): في (الصَّلاة الوسطى) للعلماء سبعةَ عشرَ قولًا، وقد أفردها شيخُ شيوخنا الحافظ أبو مُحَمَّد عبد المؤمن بن خلف الدِّمياطيُّ بالتأليف، وسمَّاه: «كشف المُغْطَى في الصَّلاة الوُسْطى»، وذكر دليل كلِّ قولٍ، وأصحُّ الأقوال: أنَّها العصر، وها أنا أسرد لك السَّبعةَ عشرَ قولًا عاريةً من الأدلَّة: الصَّلوات الخمس مفردات؛ فهذه خمسة أقوال، والسَّادس [3] مجموعة، أو الجمعة، أو صلاة الجماعة، أو الوتر، أو مكتوبة لا بعينها، وقيل: الصُّبح والعصر، وقيل: الصُّبح والعشاء، وقيل: الأضحى، وقيل: الفطر، الخامس عشر: جمعة في محلِّها، وفي باقي الأيَّام: الظهر، وقيل: صلاة الخوف أو الضُّحى، وقد قرأتُ ما ألَّفه شيخ شيوخنا على بعض المشايخ بإجازته منه؛ وهو ناصر الدين مُحَمَّد بن عليٍّ الحرَّاويُّ الطبردار القاهريُّ بها.

(1/5658)

تنبيهٌ: إنَّما شُغلوا عنها؛ لأجل القتال، فقيل: إنَّه كان قبل نزول صلاة الخوف، وقيل: إنَّهم كانوا على غير وُضوء، ولذلك [4] لم يمكنهم تركُ القتال لطلب الماء وتناول الوضوء؛ لأنَّ الله لا يقبل صلاة بغير طهور، ولا صلاة مَن أحدث حتَّى يتوضَّأ؛ قالهما ابن بطَّال نقله شيخنا، والأوُّل مشهور جدًّا.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حَدَّثَنَا).

[2] زيد في (ب): (المفتوحة).

[3] في (ب): (والسادسة)، ولا يصحُّ.

[4] زيد في (ب): (كانوا).

[ج 1 ص 746]

(1/5659)

[حديث: اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد]

2932# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح القاف وكسر الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ، وهو ابن عقبة، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريُّ، تَقَدَّم، وكذا (ابْن ذَكْوَانَ): هو أبو الزِّناد _بالنُّون_ عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّم (الأَعْرَج) أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، وكذا (أَبُو هُرَيْرَةَ) أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (أَنْجِ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الهمزة، مكسور الجيم، وهذا ظاهرٌ، وكذا تَقَدَّم ترجمة (سَلَمَة بْن هِشَامٍ) وأنَّه أخو أبي جهل لأبويه، وتَقَدَّم الكلام على إخوة أبي جهلٍ، وكذا تَقَدَّم ترجمة (الْوَلِيد بْن الْوَلِيدِ) وأنَّه أخو خالد بن الوليد، و (عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَةَ) وأنَّه بالمثنَّاة تحت والشين المعجمة، وأنَّه أخو أبي جهل لأمِّه.

[ج 1 ص 746]

قوله: (وَطْأَتَكَ): تَقَدَّم؛ وأنَّها العقاب والأخذ، وقال الخطَّابيُّ: («الوطأة»: العقوبة والمشقَّة، وأراد بها: ضيق المعيشة، وهي مأخوذة مِن وطء العدُوِّ والدَّابَّة للشَّيء، وركضها إيَّاه برجلها)، قال الخليل: (يقال: وَطِئ العدوُّ وطأة؛ يريد: إذا أثخن فيهم)، قال الدَّاوديُّ: (وَطْأَتك؛ يريد: الأرض؛ فأصابتهم الجُدوبة)، وتَقَدَّم (مُضَرَ): أنَّها القبيلة المعروفة، و (سِنِينَ): أي: القحوط والجدوب، وتَقَدَّم (السَّنة)، و (كَسِنِي يُوسُفَ): تَقَدَّم أنَّها بالتخفيف.

(1/5660)

[حديث: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اللهم اهزم الأحزاب]

2933# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم الكلام عليه في الورقة التي قبل هذه بثلاث [1] أوراق.

قوله: (سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى): تَقَدَّم الكلام عليه وعلى والده (أبي أوفى) واسمه، وأنَّه صحابيٌّ أيضًا رضي الله عنهما.

قوله: (يَوْمَ الأَحْزَابِ): تَقَدَّم أنَّها غزوة الخندق، وهذا معروف ظاهر.

==========

[1] في (أ): (بثلاثة)، ولعلَّ المثبت هو الصواب، وفي (ب): (هذه الأوراق بخمسة).

[ج 1 ص 747]

(1/5661)

[حديث: اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش]

2934# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه الثوريُّ، ومستندي في ذلك أنِّي رأيتُ في ترجمة جعفر بن عون في «الكمال» أنَّه روى عن الثوريِّ، ولم يذكرِ ابنَ عيينة، والله أعلم، وتَقَدَّم أنَّ (أَبَا إِسْحَاقَ) اسمه عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ، من المهاجرين الأوَّلين، تَقَدَّم.

قوله: (فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه عدوُّ الله، فرعون هذه الأمَّة، في (الطهارة).

قوله: (وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ): الظاهر أنَّهم المَدعوُّ عليهم فيما يأتي، وذكرهم هنا ستَّةً [1]، وهم [2] سبعة، سابعهم عمارة بن الوليد، كما جاء في «الصَّحيح» في غير هذا المكان، والله أعلم.

قوله: (وَنُحِرَتْ جَزُورٌ): (نُحِرت): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (جزور): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل، وتَقَدَّم الكلام على (السَّلى) ما هو، وكذا تَقَدَّم (عُتْبَة بْن رَبِيعَةَ)، و (شَيْبَة بْن رَبيعَةَ)، و (الْوَلِيد بْن عُتْبَةَ)، و (أُبَيُّ بْن خَلَفٍ) على ما فيه [3]، و (عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْطٍ).

تنبيهٌ: أسقط السابع، وسيأتي قريبًا [4]: (قال أبو إسحاق: ونسيت السابع، وهو عُمارة بن الوليد)، وقال فيه هنا: (أُبيُّ بن خلف)، وإنَّما هو أميَّة، وسيأتي الاختلاف فيه هنا، وأنَّ الصحيح أنَّه أميَّة، وهو الصَّواب.

قوله: (قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ): تَقَدَّم أنَّ عقبة لم يُقتَل ببدر، وتَقَدَّم المكان الذي قُتِل فيه، وتَقَدَّم أنَّ عُمارة هلك بالحبشة على كفره، وماذا جرى له، وأنَّ أميَّة بن خلف لم يُلقَ في البئر؛ لأنَّه تزايل، كلُّ ذلك في (الطَّهارة)؛ فانظره.

قوله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ: (وَنَسِيتُ السَّابِعَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عُمارة بن الوليد، وتَقَدَّم في (الطهارة) ماذا جرى له، وأنَّه هلك على كفره بالحبشة.

(1/5662)

[حديث عائشة: أن اليهود دخلوا على النبي فقالوا السام عليك .. ]

2935# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هو ابن زيد، وقد قَدَّمتُ مرارًا أنَّ (حمَّادًا) إذا أطلقه الراوي عنه؛ فإن كان الراوي عنه سليمان بن حرب _ كهذا_ أو عارم مُحَمَّد بن الفضل؛ فهو ابن زيد، وإن كان الذي أطلقه موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ، أو عفَّان، أو حجَّاج بن منهال، وكذا هدبة بن خالد؛ فإنَّه يكون ابن سلمة، وقد قَدَّمتُ أنَّ ابن سلمة لم يرو له البخاريُّ في الأصول، وإنَّما علَّق له، بخلاف ابن زيد، والله أعلم.

و (أَيُّوبَ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، وتَقَدَّم (ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ) أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيكة زهيرٍ، وأنَّ زهيرًا صحابيٌّ.

قوله: (السَّامُ عَلَيْكَ): (السَّام): الموت، وألفه منقلبةٌ عن واو.

قوله [1]: (وَعَلَيْكُمْ): سيأتي الكلام على إثبات هذه الواو وحذفها في (كتاب الاستئذان) إن شاء الله تعالى.

==========

[1] (قوله): سقط من (ب).

[ج 1 ص 747]

(1/5663)

[باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟]

قوله: (بَابٌ هَلْ يُرْشِدُ): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ.

قوله: (أَوْ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ): المراد بـ (الكتاب) هنا: القرآن، قال أبو حنيفة: لا بأس بتعليم الحربيِّ والذِّمِّيِّ [1] القرآنَ، والعلمَ، والفقهَ؛ رجاء أن يرغبوا في الإسلام، وهو أحد قولي الشافعيِّ، وقال مالك: لا يعلَّمُون الكتابَ ولا القرآن، وهو قول [2] الشافعيِّ الآخر، ومأخذ القولين ليس هذا موضعَه، والمُجوِّز استدلَّ بحديث هرقل المذكور، والله أعلم، واعلم أنَّ أصحابَ الشافعيِّ قالوا: لا يُمنَع الكافرُ سماعَ القرآن، ويُمنع مسَّ [3] المصحف، وهل يجوز تعليمه القرآن؟ ينظر إن لم يُرجَ إسلامُه؛ لم يجز، وإن رُجِي؛ جاز في أصحِّ الوجهين، وبه قطع القاضي الحسين، ورجَّحه البغويُّ وغيره، والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيعُه المصحفَ، وفي بيعه المصحف: المذهبُ: القطع بأنَّه لا يجوز، وقيل: قولان وإن رُجِي إسلامه، قال البغويُّ: وحيث رآه معانِدًا لا يجوز تعليمه بحال، وهل يُمنَع التَّعليمُ؟ فيه وجهان حكاهما المُتولِّي والرُّويانيُّ؛ أصحُّهما: يُمنَع، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (الذمي والحربي).

[2] في (ب): (وهو أحد قولي)، وهو تكرارٌ.

[3] زيد في (ب): (القرآن).

[ج 1 ص 747]

(1/5664)

[حديث: فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين]

2936# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): تَقَدَّم الكلام عليه في (الصَّلاة)، وقد ذكر الجيَّانيُّ أنَّه كذلك في أبواب؛ فعدَّدها، ثمَّ قال: (نسبه ابن السَّكن في بعض هذه المواضع: «إسحاق بن إبراهيم»؛ يعني: ابن راهويه، وقد أتى إسحاق هذا عن يعقوب منسوبًا من رواية الأصيليِّ وابن السكن في [1] «كتاب الحجِّ» في موضعين، فقال في «باب الفتيا على الدَّابَّة»: «حدَّثنا إسحاق بن منصور: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ... »؛ فذكر حديثًا، ثمَّ قال: وفي «باب حجِّ الصِّبيان»: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ... »؛ فذكر حديثًا، ثمَّ قال: نسبه الأصيليُّ وحده في هذ المواضع: إسحاق بن منصور، وذكر أبو نصر: أنَّ إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور يرويان عن يعقوبَ هذا، وهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد)، انتهى مُلخَّصًا، ولم يذكر هذا الباب، بل ولا ذكر (كتاب الجهاد) الجامعَ لهذا الباب وغيره، والظاهر أنَّه مثل ما تَقَدَّم.

قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه مُحَمَّد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، و (عَمُّه): هو العالم، أحد الأعلام، مُحَمَّد بن مسلم الزُّهريُّ.

قوله: (إِلَى هِرَقْلَ [2]): تَقَدَّم بلغتيه في أوَّل هذا التَّعليق، وأنَّه هلك على كفره سنة عشرين ببلده، وتَقَدَّم متى كانت الكتابة، وكذا تَقَدَّم الكلام على (الأَرِيسِيِّينَ)، وما فيه من الرِّوايات، والأقوال؛ فانظره إن أردته.

==========

[1] في (ب): (من).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (قَيْصَرَ).

[ج 1 ص 747]

(1/5665)

[باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم]

(بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ [1]؛ لِيَتَأَلَّفَهُمْ) ... إلى (بَاب لَا تَتَمَنَّوْا [2] لِقَاءَ الْعَدُوِّ)

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (بِالْهُدَى).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (تمنَّوا).

[ج 1 ص 747]

(1/5666)

[حديث: اللهم اهد دوسًا وأت بهم]

2937# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه عبد الله بن ذكوان، و (عَبْد الرَّحْمَن): هو الأعرج.

[ج 1 ص 747]

قوله: (قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ): هو الطفيل بن عمرو بن طريف الأزديُّ الدَّوسيُّ، الذي يُلَقَّب ذا النور، وقد قَدَّمتُ أنَّ أصحاب النور: أُسيد بن الحضير، وعبَّاد بن بشر، وحمزة بن [1] عمرو الأسلميُّ، وقتادة [2]، والطفيل هذا، والحسن بن عليٍّ، وسيأتي [3]، قُتِل يوم اليمامة، صحابيٌّ مشهورٌ رضي الله عنه.

==========

[1] (بن): سقط من (ب).

[2] في (ب): (وهو قتادة)، وضرب على (هو) في (أ).

[3] (والحسن بن علي، وسيأتي): سقط من (ب).

(1/5667)

[باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه]

قوله: (وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ): تَقَدَّم أنَّ (كسرى) بكسر الكاف وفتحها، وقد تَقَدَّم أنَّ (قيصرَ) لقبٌ لكلِّ مَن مَلَك الروم، و (كسرى): لقبٌ لكلِّ مَن مَلَك الفُرس، واسم كسرى: أبرويز _ومعناه: المظفَّر_ ابن هرمز أنوشروان؛ ومعناه: مجدِّد الملك.

==========

[ج 1 ص 748]

(1/5668)

[حديث: لما أراد النبي أن يكتب إلى الروم]

2938# قوله: (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ): تَقَدَّم الكلام على (الروم) قريبًا، وتَقَدَّم في أوَّل هذا التَّعليق وقتُ كتابته عليه الصَّلاة والسَّلام إلى الملوك.

قوله: (فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ): اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اتَّخذه سنة ستٍّ، وقد تَقَدَّم الاختلاف في تاريخ الكتابة، واعلم أنَّه اختلفت الروايات في صفة الخاتم، فيحتمل أن يكون خواتم متعدَّدة، وقد كان له عليه الصَّلاة والسَّلام خاتم فضَّةٍ، وخاتمٌ من ذهب قبل النهي، ثمَّ طرحه، وخاتمُ حديدٍ ملويٍّ [1] بفضَّة، نقشه: مُحَمَّد رسولُ الله، قال ذلك أبو الفتح ابن سيِّد الناس، وفي «مسلم» من حديث أنس رضي الله عنه: (كان خاتم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من فضَّة، وكان فَصُّه حبشيًّا)، وفي «البخاريِّ»: (كان فَصُّه منه)، قال أبو عمر: هذا أصحُّ، وقال غيره: كلاهما صحيحٌ، وكان له عليه الصَّلاة والسَّلام خاتمُ فضَّة فَصُّه [2] منه، وفي وقتٍ خاتمٌ فَصُّه [3] حبشيٌّ، وفي حديث آخر: (فَصُّه [4] من عقيق)، قاله النَّوويُّ، وفي معنى الحبشيِّ قولان، قال ابن الأثير: (يحتمل أنَّه أراد من الجزع أو العقيق؛ لأنَّ معدِنهما اليمنُ والحبشة، أو نوعًا آخرَ يُنسَب إليها) انتهى، فإن كان المراد بالخاتم الذي فَصُّه حبشيٌّ: فَصُّه عقيق؛ فهما واحد، أو جزعًا أو نوعًا آخر؛ فهما خاتمان.

فإذن الحاصل خمسة خواتم؛ خاتم ذهب قبل التحريم، ثمَّ فضَّة وفَصُّه منه، وآخر فضَّة فَصُّه حبشيٌّ، وفي معنى الحبشيِّ قولان تقدَّما، وآخر فَصُّه عقيق، وآخر حديدٌ ملويٌّ عليه فضَّة.

وقد تَقَدَّم (الخاتم) فيه أربع لُغاتٍ: خاتم؛ بفتح التاء وكسرها، وخيتام [5]، وخاتام.

قوله: (وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وما قاله فيه الإسنويُّ الإمام الفقيه جمال الدين عبد الرَّحيم في «المهمَّات»، وما تفقَّهته أنا، والله أعلم.

فائدة: ما ذكره البخاريُّ في نقشه هو المعروف الثابت، وقال شيخنا: (وقيل: كان نقشه: لا إله إلا الله مُحَمَّدٌ رسول الله) انتهى، وقال شيخنا أيضًا: (وكان نقش الخاتم في الفَصِّ، وكان الفَصُّ حبشيًّا، أو عقيقًا، ومن شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم) انتهى.

(1/5669)

[حديث: أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى]

2939# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّم أنَّه ابن سعد، الإمام الجواد، وتَقَدَّم (عُقَيْلٌ): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، ومَن هو كذلك في «البخاريِّ» و «مسلمٍ»، والباقي فيهما: عَقيل؛ بالفتح، وكذا تَقَدَّم (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (إِلَى كسْرَى): تَقَدَّم قريبًا [1] أنَّه بكسر الكاف وفتحها، واسمه، واسم أبيه، والمبعوث بالكتاب: هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، منصرَفه عليه الصَّلاة والسَّلام من الحديبية، وإنَّما خصَّ عبدَ الله بذلك؛ لأنَّه كان يتردَّد عليهم كثيرًا، ويختلف إلى بلادِهم، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ: إنَّ الرسل في السابعة، انتهى، وسيأتي ما كُتِب في الكتاب.

وقيل: إنَّ الذي أرسله بكتابه إلى كسرى خُنيسَ بنَ حذافة أخا المذكور، وقيل: شجاع بن وهب الأسديُّ، ذكر ذلك ابن بشكوال في «مبهماته»، وخُنَيس أصابه بأُحُد جراحةٌ فمات منها، وأين هذا من بعثه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى كسرى؟! وقد قَدَّمتُ الخلافَ في أوَّل هذا التَّعليق في المرسَل به، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ: (إنَّ المعروف أنَّ شجاعًا الرسولُ إلى الحارث بن أبي شمر الغسَّانيِّ) انتهى.

قوله: (أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ): هو المنذر بن ساوى، تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه أسلم، وهل وفد أم لا، قال أبو الربيع بن سالم: لم يَفِد.

==========

[1] (قريبًا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 748]

(1/5670)

[باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم]

قوله: (بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ): هو مَنْصوبٌ؛ لأنَّه مفعول المصدر؛ وهو (الدعاء).

==========

[ج 1 ص 748]

(1/5671)

[حديث: أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث]

2940# 2941# قوله: (كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ): تَقَدَّم أنَّه لقبٌ لكلِّ مَن مَلَك الروم، وتَقَدَّم الكلام على ما يتعلَّق به، وأنَّه هلك على كفره سنة عشرين في بلده، وكذا تَقَدَّم الكلام على (دَحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ [1] الْكَلْبِيِّ) بلُغَتَيه، وتاريخ الكتاب، وما قاله السُّهيليُّ، في أوَّل هذا التَّعليق.

قوله: (أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى): تَقَدَّم أنِّي لا أعرف اسمه، وقد تَقَدَّم أنَّ بعض الحُفَّاظ قال: الحارث بن أبي شمر.

قوله: (لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ): قال بعض الحُفَّاظ المصريِّين: الذي حمل الكتاب من عند الحارث إلى قيصرَ هو عديُّ بن حاتم، وقع ذلك في رواية ابن السكن في «معجم الصَّحابة»، انتهى.

قوله: (مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ): تَقَدَّم الكلام على (حمص)، وذكرت فيها حديثًا أنَّها من مدن الجنَّة، وأنَّه ضعيفٌ، وذكرت فيها حديثًا آخرَ من «مسند أحمد»، وهو ضعيفٌ أيضًا: «أنَّه يُبعَث منها سبعون ألفًا لا حساب عليهم»، و (إيلياء): تَقَدَّم لُغاتُها، وأنَّها بيت المقدس، قيل: معناها بالسريانيَّة: بيت الله، في أوَّل هذا التَّعليق.

قوله: (لِمَا أَبْلَاهُ اللهُ): أي: لِمَا أنعم الله عليه به، وكذا تَقَدَّم الكلام على (أَبِي سُفْيَانَ)، وأنَّه صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس، وما يتعلَّق به، ووفاته، وكذا (الشَّأْم) طولًا وعرضًا.

وكذا قوله: (فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ)، وما قيل في عددهم، واستشكلت فيه شيئًا ذكره بعضُ مشايخي، وكذا (تِجَارًا) بلُغَتَيْها، وكذا (الْمُدَّة) كم كانت، وذكرت فيها ثلاثةَ أقوالٍ، وأنَّ الصحيحَ عشرُ سنين.

قوله: (فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ): هو بفتح دال (وجدَنا)، و (رسولُ): مَرْفوعٌ فاعل، ولا أعرف اسمه.

قوله: (بِبَعْضِ الشَّأْمِ): كانوا بغزَّة، كما في رواية ابن إسحاق، قاله بعض الحُفَّاظ العصريِّين.

قوله: (فَأُدْخِلْنَا): هو بضَمِّ الهمزة، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا تَقَدَّم (ترْجُمَان)، وأنَّه بفتح التاء وضمِّها، وما يتعلَّق به، وأنِّي لا أعرف اسمه، وكذا (أَدْنُوهُ): أنَّه بقطع الهمزة، رُباعيٌّ.

(1/5672)

قوله: (وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي): (أَمَر): بفتح الهمزة والميم، مبنيٌّ للفاعل، وكذا (فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي)، وما قصده في ذلك، وأنَّه جاء قصدُه في بعض الطرق، وكذا (الْحَيَاءُ) ما هو، في (كتاب الإيمان)، وذكرت فيه قولَين: قول الجُنيد، وقول غيره، وكذا (يَأْثُرُوا): أي: ينقلوا ويحفظوا.

قوله: (لَكَذَبْتُهُ): هو بفتح الذال مخفَّفة؛ أي: حدَّثته حديثَ كذبٍ.

قوله: (مِنْ مَلِكٍ): تَقَدَّم، وكذا (سَخْطَةً لِدِينِهِ)، وكذا (فَهَلْ يَغْدِرُ؟)، وأنَّ (الغدر): تركُ الوفاء، وكذا تَقَدَّم (كَلِمَةٌ): أنَّها مرفوعةٌ منوَّنةٌ، وهذا ظاهرٌ، و (تُؤْثَرَ): نقل وتُحكَى، (غَيْرُهَا): تَقَدَّم أنَّها بالرفع صفة لـ (كلمةٌ)، ويجوز نصبها.

[ج 1 ص 748]

قوله: (دُوَلًا): جمع (دُولة)؛ وهي الغلبة، و (يُدَالُ): معناه: يغلب ويظهر، و (السِّجَال): تَقَدَّم.

قوله: (وَالْعَفَافِ): هو بفتح العين، وهو ترك المحرَّمات، وترك خوارم المروءة، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (البَشَاشَة)، وكذا تَقَدَّم الكلام على (يُوشِك)، و (لَتَجَشَّمْتُ) أيضًا، وكذا (أَمَّا بَعْدُ) في إعرابها، والخلاف في أوَّل مَن قالها [2]، وكذا (دَاعِيَةِ الإِسْلَامِ): وهي كلمةُ التوحيد، وكذا (الأَرِيسِيِّينَ) نطقًا ومعنًى، وكذا قوله: (و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64]): تَقَدَّم الكلام على هذه الواو، وكذا (اللَّغَطُ): تَقَدَّم، وكذا (لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ)، مُطَوَّلًا، وكذا (بَنِي الأَصْفَرِ).

(1/5673)

[حديث: لأعطين الراية رجلًا يفتح الله على يديه]

2942# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ): هذا منسوبٌ إلى جدِّه قَعْنب، و (عبد الله): أحد الأعلام، تَقَدَّم [1].

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وتَقَدَّم اسم أبي حازم هذا مرارًا أنَّه سلمة بن دينار.

قوله: (يَوْمَ خَيْبَرَ): تَقَدَّم متى كانت (خيبر)، وأنَّها في آخر [2] السادسة، أو في أوَّل السابعة، ومدرك الاختلاف في ذلك.

قوله: (فَدُعِيَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، وسيجيء (فأرسلوا إليه)، الرسول: هو سلمة ابن الأكوع، قاله ابن شيخِنا البلقينيِّ في «مبهماته»، وعزاه لـ «طبقات ابن سعد»، ولا حاجة إلى عزوه إليها؛ فهو في «مسلم»، والله أعلم.

قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): هو بفتح الراء وكسرها، ومعنى الكسر: التُّؤَدَة، والفتح: اللِّين والرِّفْق، وأصله السَّيْر اللَّيِّن، وقد تَقَدَّم.

قوله: (لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ): (يُهدَى): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رجلٌ): مَرْفوعٌ منوَّنٌ نائبٌ مناب الفاعل.

قوله: (مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ): هو بإسكان الميم، وإيَّاك أن تضمَّها، وهو جمع (أحمر)، ومعنى (حمر النَّعَم): الإبل، وحُمْرها أفضلها عند العرب، ويقال: النَّعَم: الإبل والبقر والغنم؛ يريد: خيرٌ مِن أن تكون لك فتتصدَّق بها، وقيل: تنشئها وتملكها.

==========

[1] زيد في (ب): (مرارًا).

[2] زيد في (ب): (السنة).

[ج 1 ص 749]

(1/5674)

[حديث: كان رسول الله إذا غزا قومًا لم يغر حتى يصبح]

2943# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المُسنَديُّ، تَقَدَّم، ولماذا نُسِب، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث الفزاريُّ، و (حُمَيْد): هو الطويل، ابن تير، وقيل: تيرويه.

قوله: (لَمْ يَغْزُو [1]): كذا في أصلنا بالزاي _من الغزو_ وإثبات الواو، والجادَّة [2] على هذه حذفُ الواو؛ للجزم، والذي أحفظه: (لم يُغِرْ)؛ من الإغارة، وقد [3] ذكروا روايتين في (لم يغز بهم حتَّى يصبح): من الغزو، كذا للتِّنِّيسيِّ، ولغيره من رواة «المُوَطَّأ»: (لم يُغِرْ بهم): من الإغارة، وهو الوجه، قاله ابن قُرقُول، وسيجيء قريبًا جدًّا (لا يغير عليهم حتَّى يُصبِح): من الإغارة، وهو يقوِّي ما أحفظه، والله أعلم.

2945# قوله: (بِمَسَاحِيهِمْ): (المساحي): جمع (مسحاة)؛ وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة؛ لأنَّه من (السحو)؛ الكشف والإزالة.

قوله: (وَمَكَاتِلِهِمْ): هو جمع (مكتل)؛ وهو الزِّنبيلُ.

قوله: (وَالْخَمِيسُ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه الجيش، ولمَ سُمِّيَ خميسًا.

قوله: (اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ): تَقَدَّم الكلام عليه، وهل قاله تفاؤلًا أو بوحيٍ؛ احتمالان.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة»: (لم يُغِرْ)، وفي (ق): (لم يَغْزُ).

[2] في (ب): (وإيجاده)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (وكذا).

[ج 1 ص 749]

(1/5675)

[حديث أبي هريرة: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله]

2946# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم أنَّه الحكم بن نافعٍ مرارًا، وكذا (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا (ابْن المُسَيّب): أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، بخلاف ياء غيره، فإنَّه لا يجوز فيها إلَّا الفتح.

==========

[ج 1 ص 749]

(1/5676)

[باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس]

(1/5677)

[حديث: ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها]

2947# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بضَمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَير، وتَقَدَّم (اللَّيْثُ): أنَّه ابن سعد، أحد الأعلام، وكذا (عُقَيْل): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وكذا (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (مِنْ بَنِيهِ): هو جمع (ابن)، كذا لهم، وهو المعروف، ولابن السكن: (من بيته)؛ واحد البيوت التي تُسكَن، وكذا للقابسيِّ في (المغازي)، وهو وَهَمٌ في الرواية، وله وجهٌ على حذف مضافٍ؛ أي: من أهل بيته.

قوله: (وَلَمْ يَكُنْ يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً [1] إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا): اعلم أنَّ في «سيرة ابن إسحاق» في (غزوة الفتح): أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعلم الناس أنَّه سائرٌ إلى مكَّة، وقد رأيت ما هنا، وهو في «مسلم» أيضًا، فإن صحَّ ما قاله ابن إسحاق؛ فتأويل ما في «الصحيحين» ممكنٌ؛ وذلك لأنَّ في بعض طرقه في «الصحيح» _كما سيجيء قريبًا_: (قلَّما يريد غزوةً يغزوها إلَّا ورَّى بغيرها حتَّى كانت غزوة تبوك)، وإلَّا؛ فالقول قول «الصحيحين»، والله أعلم.

==========

[1] (غزوة): سقط من (ب).

[ج 1 ص 749]

(1/5678)

[حديث: كان رسول الله قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها]

2948# 2949# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم قريبًا مَن هو أحمد بن مُحَمَّد في الورقة التي قبل هذه بأربع [3] أوراقٍ؛ فانظره، وكذا (عَبْدُ اللهِ): أنَّه [4] ابن المبارك، وكذا تَقَدَّم (يُونُسُ): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (غَزْوَةُ تَبُوكَ): تَقَدَّم أنَّها كانت في السنة التاسعة، وسيجيء ذلك أيضًا في مكانه.

قوله: (فَجَلَى [5] لِلْمُسْلِمِينَ): هو بتخفيف اللَّام، كذا ضبطه النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وفي أصلنا بتشديدها، وفي حديث كعب بن مالكٍ في (المغازي) نقل شيخنا عن الدِّمياطيِّ أنَّه ضبطه فيها بالتشديد، انتهى، والذي ينبغي أن يكون مشدَّدًا ومخفَّفًا، والتشديد أفصح؛ لأنَّه لغة القرآن، قال الله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]،

[ج 1 ص 749]

ويكون التخفيف جائزًا في الحديث، والله أعلم.

قوله: (أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ): كذا في أصلنا، وكذا لابن ماهان، ولسائر الرواة: (أهبة غزوهم)؛ بالزاي، قاله ابن قُرقُول.

قوله: (وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ): هذا معطوفٌ على السند الذي قبله، رواه البخاريُّ عن أحمد بن مُحَمَّد _وقد ذكرت لك مَن هو قريبًا [6] مُحالًا على مكان آخرَ_ عن عبد الله _هو ابن المبارك_ عن يونس، وليس تعليقًا؛ فاعلمه، والله أعلم.

(1/5679)

[حديث: أن النبي خرج يوم الخميس في غزوة تبوك]

2950# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ): هذا هو المُسنَديُّ [1]، و (هشام): هو ابن يوسف الصنعانيُّ، تَقَدَّم.

قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

==========

[1] في (ب): (مُحَمَّد هو المُسنديُّ حدثنا هشام).

[ج 1 ص 750]

(1/5680)

[باب الخروج بعد الظهر]

(1/5681)

[حديث: أن النبي صلى بالمدينة الظهر أربعًا]

2951# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم (أَبُو قِلَابَة): أنَّه بكسر القاف، وتخفيف اللَّام، وبعد الألف موحَّدة، وأنَّ اسمه عبد الله بن زيد الجَرْميُّ.

قوله: (بِذِي الْحُلَيْفَةِ): تَقَدَّم ضبطها، وبُعدها من المدينة، وما وقع من الوهم، وأنَّها الميقات لأهل المدينة.

قوله: (يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا): أي: الحج والعمرة، وهذا ظاهرٌ جدًّا معروفٌ.

==========

[ج 1 ص 750]

(1/5682)

[باب الخروج آخر الشهر]

قوله: (بَابُ الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته إلى أن قال: (فيه السفر من غير يوم الخميس؛ فتأمَّله، ويتعيَّن أن يكون ههنا يومَ السبت؛ فتدبَّره، وموقع التَّرجمة من الفقه: الردُّ على من زعم من القائلين بتأثير الكواكب: أنَّ الحركةَ آخر الشهر في محاق القمر مذمومةٌ) انتهى، وقد تَقَدَّم متى خرج [1] صلَّى الله عليه وسلَّم لحجَّة الوداع؛ أيَّ يومٍ، وكلام ابن حزم، وكلام ابن القيِّم؛ فانظره في (الحجِّ)، والله أعلم.

قوله: (مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ): وكذا (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ): تَقَدَّم أنَّ في كلٍّ منهما لُغَتَين [2].

==========

[1] زيد في (ب): (النبي).

[2] في (ب): (تعيين)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 750]

(1/5683)

[حديث: خرجنا مع رسول الله لخمس ليال بقين من ذي القعدة]

2952# قوله: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ): (يحيى بن سعيد) هذا: هو الأنصاريُّ، قاضي السَّفَّاح، تَقَدَّم.

قوله: (وَلَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ): تَقَدَّم أنَّه (نَرى) و (نُرى).

قوله: (فَدُخِلَ عَلَيْنَا): (دُخِل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه.

قوله: (بِلَحْمِ بَقَرٍ): لا أعلم أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم اقتنى من البقر شيئًا إلَّا ما ذُكر في هذا الحديثِ، وعمَّم بعضُ الحُفَّاظ؛ وهو ابن سيِّد الناس في «سيرته».

قوله: (قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ): (يحيى) هذا: هو ابن سعيد الأنصاريُّ المذكورُ في السند.

==========

[ج 1 ص 750]

(1/5684)

[باب الخروج في رمضان]

قوله: (بَابُ الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ): ذكر فيه الحديثَ المذكورَ في الباب: (خرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان)، ففيه الردُّ على ما رُويَ عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه قال: (مَن أدركه رمضان وهو مقيمٌ، ثمَّ سافر؛ لَزِمه الصومُ؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185])، وبه قال أبو عبيدة _كذا نقله شيخنا، وسيأتي ما فيه_ وأبو مِجْلَز، وهذا القول مردودٌ بالحديث المذكورِ وإفطارِه، وجماعة الفقهاء على خلافه، والمراد: شهود جميعه، لا شهود أوَّله، والله أعلم، وقوله: (أبو عبيدة) فيه نظرٌ، وقد حكاه النَّوويُّ في «شرح المهذَّب» عن أبي مِجْلَز [وعَبيدة السَّلْمانيِّ، قال النَّوويُّ: (إذا دخل على الإنسان شهر رمضان وهو مقيم؛ جاز له أن يسافرَ ويُفطرَ، إلَّا ما حكاه أصحابنا عن أبي مِجْلَز] [1] التابعيِّ: أنَّه لا يسافر، فإن سافر؛ لَزِمه الصوم، وحَرُم الفطر، وعن عَبيدة السَّلْمانيِّ وسويد بن غَفَلة: أنَّه يلزمه صوم بقيَّة الشهر، ولا يمتنع السَّفَر، والله أعلم.

(1/5685)

[حديث: خرج النبي في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر]

2953# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدِينيِّ، وكذا تَقَدَّم (سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه [1] ابن عُيَينة؛ وذلك لأنِّي رأيت عبدَ الغنيِّ في «الكمال»، والذهبيَّ في «التذهيب» ذكرا [2] في مشايخ ابنِ المدينيِّ ابنَ عُيَينة، ولم يذكرا الثوريَّ [3]، والله أعلم، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (عُبَيْد اللهِ): هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود [4]، تَقَدَّم.

قوله: (بَلَغَ الْكَدِيدَ): هو بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ دال أخرى مثلها، وهو على اثنين وأربعين ميلًا من مكَّة، وقد تَقَدَّم.

تنبيهٌ: ظنَّ المُزَنيُّ رحمه الله أنَّ من أصبح صائمًا وسافر له الفطر؛ لهذا الحديث، ظنًّا منه أنَّ الكَدِيد خارج المدينة، وقد تَقَدَّم أعلاه [5] ما بينه وبين مكَّة، وكذا وقع في «البُوَيطيِّ» أيضًا، فلم ينفرد به، والله أعلم.

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ): وإنَّما أتى بما قاله عن سفيانَ ثانيًا؛ لأنَّ الزُّهريَّ مُدَلِّسٌ [6]، وقد عنعن في السند الأوَّل، فجاء بالثاني؛ لأنَّ فيه إخبارَ الزُّهريِّ عن عُبيد الله؛ وهو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والله أعلم، لكن فيه: (قال سفيان: قال الزُّهريُّ)، و (قال) كـ (عن)، و (سفيان) مُدَلِّسٌ أيضًا، والله أعلم.

قوله: (هَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَإِنَّمَا يُؤخَذُ [7] بِالآخِرِ فَالآخِرِ [8] ... ) إلى آخره: (الآخِر) فيهما بالكسر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[1] في النُّسختين: (أنَّه الظاهر)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[2] (ذكرا): سقط من (ب).

[3] في (ب): (ولم يذكر النَّوويّ)، وهو تحريفٌ.

[4] زيد في (ب): (والله أعلم).

[5] في (ب): (بظاهرها).

[6] في (ب): (يدلس).

[7] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (يُقال).

[8] (فالآخر): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهذا القول كلُّه جاء في هامش «اليونينيَّة» من رواية أبي ذرٍّ.

[ج 1 ص 750]

(1/5686)

[باب التوديع]

قوله: (بَابُ التَّوْدِيعِ): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (فيه أنَّ المسافر يودِّعُ المقيم، وفيه النسخ قبل الفعل) انتهى.

==========

[ج 1 ص 750]

(1/5687)

[معلق ابن وهب: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار]

2954# قوله: (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ [1] بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ): كذا في أصلنا القاهريِّ، وصوابه: (عمرٌو عن بُكَير)؛ لأنَّ (عَمرًا): هو ابن الحارث المصريُّ الفقيه، أحد الأعلام، و (بُكَيرًا): هو ابن عبد الله بن الأشجِّ.

وقوله: (وقال ابن وهب): هذا تعليقٌ مجزومٌ به، فهو صحيحٌ عنده إلى ابن وهب، وهو عبد الله بن وَهْب، أحد الأعلام، والباقي أيضًا على شرطه، لكن قَدَّمتُ أنَّ التَّعليق المجزوم يكون صحيحًا إلى المعلَّق عنه، ثمَّ تارةً يكون الكلُّ على شرطه كهذا، وتارةً لا يكون على شرطه؛ ككثير من التعاليق التي له، يعرفُها الذي مارس الفنَّ، والله أعلم، و (سليمان بن يسار): هو بالمثنَّاة تحت، والسين المهملة.

وهذا التَّعليق أخرجه النَّسائيُّ في (الجهاد): عن الحارث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى؛ كلاهما عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث وذكر آخرَ؛ كلاهما عن بُكَير نحوه، والآخر: هو عبدُ الله بن لَهِيعة، والعمل على تضعيف حديث ابن لهيعة، فلهذا قرنه النَّسائيُّ، وكذا يقرنه البخاريُّ بثقة ولا يُسَمِّي ابنَ لهيعة، وقد قرنه مسلمٌ مصرِّحًا به بعمرو بن الحارث، والله أعلم.

[الرَّجلان اللَّذان أَمَر عليه السلام بإحراقهما] [2].

قوله: (إِنْ لَقِيتُمْ [3] فُلَانًا وَفُلَانًا _لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ_؛ فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ): (الرجلان): قال الخطيب البغداديُّ في «مبهماته»، وبعده النَّوويُّ [4] في «مختصره» منها، ونقله عنه: (أحدهما هبَّار بن الأسود بن المطَّلب، وكان كافرًا، والرجل الثاني: نافع بن عبد قيس)، انتهى.

وفي «سيرة ابن هشام» عن ابن إسحاق بسنده إلى أبي هريرة قال: (بعث

[ج 1 ص 750]

رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سريَّة أنا فيها، فقال: «إذا ظفرتم بهبَّار بن الأسود، والرجل الذي سبق معه إلى زينبَ _قال ابن هشام: وقد سَمَّى ابنُ إسحاق الرَّجُل في حديثه، وقد قال: هو نافع بن عبد قيس_؛ فحرِّقُوهما بالنار ... »؛ الحديث)، ذكر ذلك في (غزوة بدر)، انتهى.

(1/5688)

واعلم أنَّ زينب بنتَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين خرجت من مكَّة على راحلتها، مهاجرةً إلى الله وإلى رسوله؛ نخس هبَّار الراحلة؛ فأجهضت ذا بطنها، ولا زالت تهراق الدماء حتَّى ماتت، وقد أهدر دمه صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الفتح مع مَن أهدر دمه، ثمَّ أسلم، وحسن إسلامه، وصحب، وأمَّا نافع بن عبد القيس؛ فلا أعلم له إسلامًا، والظاهر هلاكُه على كفره، والله أعلم، وسيأتي بعد سبع ورقاتٍ [5] في باب قد ترجمه البخاريُّ بـ (باب لا يعذَّب بعذاب الله) زيادةٌ على هذا من عند ابن شيخِنا البلقينيِّ رحمه الله.

(1/5689)

[باب السمع والطاعة للإمام]

قوله: (بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَامِ مَا لَم يَأمُرْ [1] بِمَعْصِيَةٍ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (فيه أنَّ المنفيَّ محمولٌ [فيه] وفي أمثاله على الشرعيَّة، لا على الحقيقة الوجوديَّة [2]؛ لأنَّ قوله: «فلا سمع ولا طاعة» يقابل قوله: «السمع والطاعة حقٌّ [3]»؛ فكأنَّه قال: فإذا أمر بمعصيةٍ؛ فلا سمع ولا طاعة شرعيَّتين)، انتهى.

==========

[1] في (ب): (يكثر)، وهو تحريفٌ.

[2] في النُّسختين: (والوجوديَّة)، والمثبت من مصدره.

[3] في (ب): (حتى)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 751]

(1/5690)

[حديث: السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية]

2955# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا تَقَدَّم مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان، وكذا تَقَدَّم (عُبَيْد اللهِ): أنَّه ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب.

قوله: (ح: وحَدَّثَنَا [1]): تَقَدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق؛ على كتابتها والنُّطق بها؛ فانظره إن أردته، وسيأتي في أواخره.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مُصحَّحًا عليه: (وحدَّثني)، و (ح): ليس في «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 751]

(1/5691)

[باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به]

قوله: (يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ [1]): (يُقاتَل) و (يُتَّقى): هما مبنيَّان لما لم يُسمَّ فاعلهما في التَّرجمة والحديث، قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (وجه مطابقة التَّرجمة لقوله: «نحن الآخرون السابقون» أنَّ معنى قوله: «يقاتل من ورائه»: أي: مِن أمامه، فأطلق الوراء على الأمام؛ لأنَّهم وإن تقدَّموه في الصُّورة؛ فهم أتباعه في الحقيقة، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَقَدَّم عليهم بصُورة الزَّمان، لكنَّ المُتقدَّم عليه مأخوذٌ عليه العهدُ أن يؤمن به وينصره، كآحاد [2] أمَّته وأتباعه؛ ولذلك ينزل عيسى عليه السَّلام مأمومًا، وإمام القوم منهم [3]، فهم في الصُّورة إمامه [4]، وفي الحقيقة أتباعه وخلفه) انتهى، والذي أعرفه غير ما ذكره؛ وهو إنَّما ساق «نحن [5] الآخرون السَّابقون»؛ لأنَّه عنده، والحديثَ الذي بعده الشَّاهدَ للتبويب بإسناد واحد، وحديث «نحن الآخرون» أوَّل نسخة الأعرج، فعطف ما يريد إخراجَه على الحديث الأوَّل، وهذه المسألة معروفة عند أهل الفنِّ؛ وهي الرواية من النُّسخ التي إسنادها واحد، كنسخة همَّام بن مُنبِّه عن أبي هريرة رواية عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَر عنه، والأحوط أن يُجدِّد ذكر الإسناد عند كل حديث منها، والأغلبُ الأكثر أن يبدأ بالإسناد في أوَّلها، أو في أوَّل [6] كلِّ مجلس مِن سماعها، ويُدرِج الباقي عليه، كما فعل البخاريُّ هنا، وأمَّا مسلم؛ فإنَّه يذكر السند المذكور في أوَّل تلك النُّسخة، ثمَّ يقول: فذكر أحاديث؛ منها: كذا وكذا، فيذكر الحديث الذي يريده، ولكن أبرز له ابن المُنَيِّر فائدةً، وما أظنُّ البخاريَّ يريد ما قاله ابن المُنَيِّر، ولا أراد إلَّا ما يفعله أهلُ الحديث، والله أعلم، وما قاله ابن المُنَيِّر فيه زيادة معنى، ثمَّ إنِّي رأيت شيخنا ذكر ما ذكره ابن المُنَيِّر، ثمَّ قال: وهو معنًى مناسبٌ، لكنَّ البخاريَّ مرادُه بهذا أن يأتي بصيغة روايته لنسخة الأعرج، فإنَّ أوَّل حديث فيها: «نحن الآخرون السابقون»، فلذلك أتى به؛ فاعلمه، وقد نبَّه عليه الدَّاوديُّ أيضًا.

==========

[1] في (ب): (منه)، وهو تحريفٌ.

[2] في النُّسختين: (كما جاء)، والمثبت من مصدره.

[3] (منهم): ليس في (أ)، وكتب في الهامش: (لعلَّه سقَطَ: منهم).

[4] كذا في النُّسختين، وفي مصدره: (أمامه).

(1/5692)

[5] في (ب): (نحو)، وهو تحريفٌ.

[6] (أول): سقط من (ب).

[ج 1 ص 751]

(1/5693)

[حديث أبي هريرة: نحن الآخرون السابقون]

2956# 2957# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنُّون، وأنَّه [1] عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَجَ): هو عبد الرَّحمن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): هو عبد الرَّحمن بن صخر.

قوله: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ): تَقَدَّم معناه في أوَّل (الجمعة).

قوله: (وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ): هي بضَمِّ الجيم، وتشديد النُّون، ثمَّ تاء التَّأنيث؛ كجُنَّة السِّلاح، قال ابن قُرقُول: (سترٌ لمن خلفه في الصَّلاة من المارِّ والسَّهو، وجُنَّة لمن في نظره، ومانعٌ منهم عدوَّهم، وواقيهم إيَّاه، ويفسِّرُه [2] بقيَّة الحديث، وهو قوله: «ويُتَّقى به»، فكأنَّه لهم كالدِّرع والذي يُستَتر به من العدوِّ، والجُنَّة: الدِّرع).

==========

[1] في (ب): (واسمه).

[2] في (ب): (وتفسيره).

[ج 1 ص 751]

(1/5694)

[باب البيعة في الحرب أن لا يفروا]

قوله: (بَابُ الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لَا يَفِرُّوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ): انتهت التَّرجمة، (بعضهم): هو بعض الصَّحابة، وسيأتي حديث من قال: (على الموت) في هذه التَّرجمة، والله [1] أعلم، ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب كعادته، ثمَّ قال: (وجه مطابقة التَّرجمة للآية التي في التبويب؛ وهي: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]: قوله أثناءها: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} مَثْنِيًّا [2] على قوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}، والسكينة: الثبوت والطُّمأنينة في موقف الحرب، ذكر ذلك على أنَّهم أضمروا في قلوبهم الثبوت وألَّا يفرُّوا، فأعانهم الله على ذلك، وأنزل السَّكينة، وإنَّما أضمروا ألَّا يفرُّوا؛ وفاءً بالبيعة والعهد) انتهى، اعلم أنَّ البخاريَّ ذكر في الحديث عن نافع: (أنَّه بايعهم على الصَّبر)، ثمَّ ذكر حديث عبد الله بن زيد: (أنَّه بايع على الموت)، وحديث سلمة _يعني: ابن الأكوع_: (أنَّه بايعهم على الموت)، وحديث أنس: (أنَّه بايع الأنصار على الجهاد ما حييوا)، وفي رواية مجاشع بن مسعود: (البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد)، وفي حديث ابن عُمر وعُبادة: (على السمع والطَّاعة، وألَّا ينازع الأمرَ أهلَه)، وفي رواية عن ابن عمر: (البيعة على الصَّبر)، قال العلماء رحمهم الله تعالى: هذه الرِّواية تجمع المعاني كلَّها، وتبيِّن مقصودَ كلِّ الرِّوايات، فالبيعة (ألَّا يفرُّوا)؛ معناه: الصَّبر حتَّى نظفر

[ج 1 ص 751]

بعدوِّنا أو نُقتَل، وهو معنى البيعة على الموتِ؛ أي: نصبر، وإن آل بنا ذلك إلى الموتِ، لا أنَّ [3] الموت مقصودٌ في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد؛ أي: والصبر فيه، والله أعلم.

قوله: ({إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]): هذه (الشَّجرة): اعلم أنَّها كانت سَمُرة، وفي «الصحيح»: نادى العبَّاس يوم حنين عن أمره صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا أصحابَ السَّمُرة).

==========

[1] لفظ الجلالة سقط من (أ).

[2] كذا في النُّسختين، وفي مصدره: (مبنيًّا).

[3] في (ب): (الموت لأن)، وهو تحريفٌ.

(1/5695)

[حديث ابن عمر: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا .. ]

2958# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ، وتَقَدَّم الكلام على هذه النِّسبة، وكذا تَقَدَّم الكلام على (جُوَيْرِيَة): أنَّه ابن أسماء الضُّبَعيُّ، وقدَّمته مُتَرجَمًا.

قوله: (فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ) انتهى: وإنَّما خفي عليهم مكانُها في العام المقبل _كما قال العلماء_؛ لئلَّا يفتتن النَّاسُ بها؛ لما جرى تحتها مِن الخير، ونزول الرُّضوان والسَّكينة، وغير ذلك؛ فلو بقيت ظاهرةً معلومةً؛ لخيف تعظيمُ الأعراب والجهَّال إيَّاها، فكان إخفاؤها رحمةً من الله، كما قال في هذا الحديث، ويحتمل فيما يظهر لي أنَّ قوله: (كانت رحمة من الله): أي: البيعة، والله أعلم، قال أبو [1] الفتح ابن سيِّد النَّاس في «سيرته»: (ورُوِّينا عن ابن سعد: أخبرنا عبد الوهَّاب ابن عطاء: أخبرنا عبد الله بن عون عن نافع قال: كان النَّاس يأتون الشَّجرة التي يقال لها: شجرة الرُّضوان، فيصلُّون [2] عندها، قال: فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فأوعدهم فيها، وأمر بها؛ فقُطِعت).

قوله: (عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا): تَقَدَّم أعلاه أنَّها كانت سَمُرة.

==========

[1] (أبو): سقط من (ب).

[2] في (ب): (فيظلون)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 752]

(1/5696)

[حديث: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

2959# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): أمَّا (موسى)؛ فهو ابن إسماعيل، وكذا هو في نسخة في طُرَّة أصلنا، وكذا هو في أصلنا الدِّمشقيِّ في الأصل، وهو التَّبُوذَكيُّ الحافظ، وأمَّا (وهيب)؛ فهو مُصغَّر، وهو ابن خالد الباهليُّ، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ اللهِ بْن زَيْد): أنَّه عبد الله بن زيد [1] بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف [2] المازنيُّ.

[وَقْعَةُ الحرَّة] [3].

قوله: (لَمَّا كَانَ زَمَنَ الْحَرَّةِ): وقعة الحرَّة كانت يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجَّة سنة ثلاث وستِّين من الهجرة في الحرَّة الشَّرقيَّة، يقال لها: حرَّة زهرة، وقال الواقديُّ، وأبو عبيدة، وغيرهما: حرَّة وَاقم شرقيَّ المدينة، واستدلَّ لذلك بشعر، قال شيخنا: وقد أفردها بالتَّصنيف [4] المدائنيُّ وغيره، وسببها: أنَّ عبد الله بن حنظلة وغيرَه من أهل المدينة وفدوا على يزيدَ بن معاوية، فرأوا منه ما لا يصلح، فرجعوا إلى المدينة، فخلعوه وبايعوا ابنَ الزُّبير، فأرسل إليهم يزيدُ بن معاوية مسلمَ بن عقبة [5] المعروفَ بمُسرِف، فأوقع بأهل المدينة وقعةً عظيمةً [6]، قُتِل مِن وجوه النَّاس: ألفٌ وسبعُ مئة، وفي كلام بعضهم: سبعُ مئة؛ فيُحرَّر أيُّهما الصَّحيح، ومن أخلاطهم: عشرة آلاف سوى النِّساء والصِّبيان، وفيهم من حملة القرآن: سبع مئة، وانْتُهِبَتِ المدينة، وافتُضَّ فيها ألف عذراء، واستُشهِد فيها عبدُ الله بن حنظلة ابنُ الغسيل في ثمانية من أهل بيته، وله صحبةٌ وروايةٌ، وقُتِل معقلُ بن سنان الأشجعيُّ، حمل لواء قومه يوم الفتح، (واستُشهد عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيُّ _الذي قدَّمته قريبًا جدًّا وبعيدًا جدًّا_ النَّجَّاريُّ، له صحبة ورواية) [7]، واستُشهِد أفلح مولى أبي أيُّوب، ومُحَمَّد بن عمرو بن حزم، وُلِد في حياته صلَّى الله عليه وسلَّم، ومُحَمَّد بن ثابت بن قيس بن شمَّاس، حنَّكه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وغيرُهم، وكانت [8] يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجَّة سنة (63 هـ)، وسعيد بن المسيّب لم يبرح في المسجد مسجدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة المُشرَّفة، وكان إذا جاء وقتُ الصَّلاة؛ سمع همهمة من قبر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذكر قصَّة سعيدٍ البغويُّ في «المصابيح» في (الكرامات).

(1/5697)

قوله: (أَتَاهُ آتٍ): هذا (الآتي): لا أعرفُه.

قوله: (فَقَالَ [9]: إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ): تَقَدَّم أعلاه [10] أنَّه عبد الله بن حنظلة، كذا هو مُصرَّح به في هذا «الصحيح» في (غزوة الحديبية)، وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الرَّاهبِ الذي سمَّاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الفاسقَ، واسمه عبد عمرو [11] بن صيفيِّ بن زيد الأنصاريُّ الأوسيُّ المدنيُّ، كنيةُ عبد الله أبو عبد الرَّحمن، وقيل: أبو بكر، وأبوه حنظلة الغسيل، غسلته الملائكة؛ لأنَّه استُشهِد يوم أُحُد، وهو جنب، وقد تَقَدَّم هذا، وعبد الله صحابيٌّ [12]، وروايته عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في «أبي داود» حديث: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أُمِر بالوضوء لكلِّ صلاة، على طهر وعلى غير طهر ... )؛ الحديث، وأخرج له أحمد في «المسند»، وبقيٌّ أيضًا أخرج له حديثين، وروى عن عُمر، وكعب، وعبد الله بن سلَام، وعنه: أسماء بنت زيد بن الخطَّاب، وضمضم بن جَوْسٍ [13]، وابن أبي مُلَيكة، وعبَّاس بن سهل السَّاعديُّ، وكان أحد من ألَّبَ على يزيدَ بن معاوية، فكانت وقعة الحرَّة، قال خليفة: أُصِيب يومئذٍ عبد الله بن حنظلة، وسبعةُ بنين له؛ عبد الرَّحمن، والحارث، والحكم، وعاصم، قُتِل عبد الله يوم الأربعاء؛ فذكره كما تَقَدَّم، والله أعلم.

قوله: (لَا أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا ... ) إلى آخره: تَقَدَّم الكلام على عبد الله بن زيد هذا قريبًا جدًّا، وبعيدًا جدًّا [14] مُتَرجَمًا، وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّه كان يرى القعود في الفتن التي بين المسلمين، وترك القتال مع إحدى الطَّائفتين، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من السلف، وقد قَدَّمتُ قريبًا جدًّا؛ أنَّه قُتِل بالحرَّة رضي الله عنه.

==========

[1] (أنه عبد الله بن زيد): سقط من (ب).

[2] في (ب): (عون)، وهو تحريفٌ.

[3] ما بين معقوفين جاء في هامش (أ) بخطٍّ مغاير.

[4] في (ب): (بالتضعيف)، وهو تحريفٌ.

[5] في (ب): (عتبة)، وهو تحريفٌ.

[6] (وقعة عظيمة): سقط من (ب).

[7] ما بين قوسين سقط من (ب).

[8] (وكانت): سقط من (ب).

[9] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (له).

[10] في (ب): (بظاهرها).

[11] في (ب): (عمر)، وهو تحريفٌ.

[12] في (ب): (هو الصَّحابي).

[13] في (ب): (جوشن)، وهو تحريفٌ.

[14] (وبعيدًا جدًّا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 752]

(1/5698)

[حديث: يا ابن الأكوع ألا تبايع؟]

2960# قوله في حديث سلمة بن الأكوع: (ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ): كذا في أصلنا معرَّفة، والظَّاهر أنَّها الشجرة التي بايعوا تحتها، وقد تَقَدَّم أنَّها سَمُرة.

قوله: (أَلَا نُبَايِعُ ... ) إلى آخره: كذا في «البخاريِّ» و «مسلم»، وفي «مسلم» أيضًا: (أنَّه بايع ثلاث مرَّاتٍ) في حديثه الطَّويل المُتضمِّن بيعة الحديبية، وغزوة ذي قَرَد، وخيبر، وإنَّما فعل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك به؛ أراد أن يُؤكِّد بيعته؛ لشجاعته وغَنَائه في الإسلام، وشهرته بالثبات، وليكون له في ذلك فضيلة، ولتقوى نيَّته، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 752]

(1/5699)

[حديث: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين ... ]

2961# قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو الطويل ابن تير، وقيل: تيرويه، لا حُميد بن هلال، هذا الثاني [1] له حديثان فقط في «البخاريِّ» ذكرتهما غير مرَّةٍ.

قوله: (يَوْمَ الْخَنْدَقِ): تَقَدَّم متى كانت الخندق غير مرَّةٍ.

قوله: (فَأَكْرِمِ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[1] (الثاني): سقط من (ب).

[ج 1 ص 752]

(1/5700)

[حديث: مضت الهجرة لأهلها]

2962# 2963# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن راهويه، الإمام المجتهد، أحد الأعلام، أشهر من أن يُذكَر، و (مُحَمَّد بْن فُضَيْل): تَقَدَّم أنَّه بضَمِّ الفاء وفتح الضَّاد، و (عَاصِم): تَقَدَّم أنَّه عاصم بن سليمان الأحول، و (أَبُو عُثْمَان): تَقَدَّم أنَّه النَّهديُّ عبد الرَّحمن بن ملٍّ، وقد تَقَدَّم اللُّغات في (ملٍّ).

[ج 1 ص 752]

قوله: (عَنْ مُجَاشِعٍ): هو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن وهب بن عائذ بن ربيعة بن يربوع بن سماك، وقيل: سمال؛ باللَّام، معروفُ النَّسب إلى قيس بن عَيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أخو مجالد بن مسعود، نزل مجاشع البصرة، وقُتِل يوم الجمل مع عائشة، صحابيٌّ، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأحمد في «المسند» رضي الله عنه.

قوله: (أَنَا وَأَخِي): أخوه هو مجالد بن مسعود بن ثعلبة، كذا صرَّح به في هذا «الصَّحيح» وفي «مسلم» أيضًا: أنَّه مجالد، وهو يكنى بأبي معبد، أسلم بعد الفتح، وعنه: أبو عثمان النَّهديُّ، نزل البصرة، أخرج له البخاريُّ ومسلم، قال أحمد ابن حنبل: قُتِل يوم الجمل.

(1/5701)

[باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون]

(1/5702)

[حديث: لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه]

2964# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم وكسر الراء، وهو ابن عبد الحميد، تَقَدَّم مرارًا، وكذا تَقَدَّم (مَنْصُور): أنَّه ابن المعتمر، وكذا تَقَدَّم (أَبُو وَائِل): أنَّه شقيق بن سلمة، و (عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم أنَّه ابن مسعود بن غافل الصَّحابيُّ، أحد المهاجرين، مشهور.

قوله: (لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي): هذا (الرَّجل) الذي سأل ابن مسعود لا أعرف اسمه.

قوله: (مُؤْدِيًا): هو بضَمِّ الميم، ثمَّ همزة ساكنة، ثمَّ دال مهملة مكسورة، ثمَّ مثنَّاة تحت خفيفة، قال ابن قُرقُول ومِن قبلِه القاضي، واللَّفظ لابن قُرقُول: («مؤْديًا»؛ ساكن الهمزة خفيف الياء؛ أي: قويًّا، يقال: أودى الرَّجل: قوي، ويقال: مُؤدِيًا: كامل [1] الأداةِ من سلاح وغيره، والأدُّ والأيد: القوَّة)، وقال النَّضر: المُؤدِّي: القادر على السَّفر).

قوله: (فَيَعْزِمُ): هو مبنيٌّ للفاعل؛ بفتح أوَّله، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (فِي أَشْيَاءَ لَا نُحْصِيهَا): أي: لا نطيقها، وقيل: لا ندري هل هي طاعة أو معصية؟

قوله: (أَلَّا يُعْزَمَ عَلَيْنَا): هو بضَمِّ أوَّله، وفتح ثالثه، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (وَأُوْشِكَ): هو بضَمِّ الهمزة وكسر الشِّين المعجمة، مَرْفوعٌ، كذا بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر الغرناطيِّ في نسخته، وفي أصلنا بفتح الهمزة والشِّين.

قوله: (مَا غَبَرَ): هو بفتح الغين المعجمة والموحَّدة، وبالرَّاء، و (غبر): من الأضداد؛ أي: ما بقي، ويحتمل: مضى، وقدَّم شيخنا: بقي، ونقل عن الدَّاوديِّ: مضى، ثمَّ قال [2] شيخنا: (والمراد في الحديث: ما بقي؛ خلاف قول الدَّاوديِّ، وبه صرَّح ابن الجوزيِّ وغيره، وقال: إنَّه أشبه؛ لقوله: «ما أذكر [3]»).

قوله: (كَالثَّغْبِ): هو بفتح الثَّاء المثلَّثة، وإسكان الغين المعجمة وتحريكها، ثمَّ موحَّدة؛ وهو ما بقي من الماء في المُستنقَع من المطر، وقيل: هو ماءٌ صافٍ يُستنقَع في صخرة، وقيل: بقيَّة الماء في بطن الوادي ممَّا تحفره المسايل، فيغادر فيه الماء، ويجمع على ثغاب، وأثغاب، وثغبان [4]، وقيل: هو الموضع المُطمئنُّ مِن أعلى الجبل.

قوله: (شُرِبَ صَفْوُهُ): (شُرِب): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (صفوه): مَرْفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل.

==========

[1] في (ب): (حامل)، وهو تحريفٌ.

(1/5703)

[2] في (ب): (قاله)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (ممَّا ذكر)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (نقاب، وأنقاب، ويغبان)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 753]

(1/5704)

[باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال]

(1/5705)

[حديث: أن رسول الله في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت]

2965# 2966# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المُسنديُّ، ومستندي في ذلك أنَّ الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر في ترجمة معاوية بن عمرو بن المُهلَّب بن شبيب أبي عمرو أنَّه روى عنه عبد الله بن مُحَمَّد المُسنديُّ، ولم يذكر في الرواة عنه مَن اسمه عبد الله بن مُحَمَّد سواه، والله أعلم، وقد قَدَّمتُ الكلام على معاوية بن عمرو فيما مضى، وذكرت هنالك نسبه؛ لئلَّا يشتبه عليك بغيره، وكذا تَقَدَّم (أَبُو إِسْحَاقَ): أنَّه هو الفَزاريُّ إبراهيم بن مُحَمَّد بن الحارث [1]، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا [2]، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى) وأنَّ اسم أبي أوفى علقمة بن خالد، وأبوه صحابيٌّ، وولده صحابيٌّ أيضًا.

قوله: (إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (إنَّ): بكسر همزتها على الحكاية، ويجوز فتحها، والله أعلم.

قوله: (وَهَازِمَ الأَحْزَابِ): تَقَدَّم أنَّ (الأحزاب): هم أهل الخندق، وهم عشرة آلاف من المشركين، وقال شيخنا في مكان [3] بعد حكاية هذا: (وقال قتادة فيما ذكره البيهقيُّ: كان المشركون أربعة آلاف، أو ما شاء الله، والصَّحابة فيما بلغنا ألفٌ) انتهى، ونقل شيخنا _بعد حكاية أنَّ المسلمين ألف_ قال: وفي «الجمع _لأبي نعيم الحدَّاد_ بين الصَّحيحين»: (وهم نحو من ألف، وفي لفظ: «ثمان مئة، أو ثلاث مئة»، ساقها البيهقيُّ في «دلائله») انتهى، وفي «السيرة» [4] لابن سيِّد الناس: (وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف)، هذا من قول ابن سعد، وأمَّا ابن إسحاق؛ فنقل عنه ابن إمام الجوزيَّة: (أنَّهم كانوا يومئذٍ سبع مئة)، قال ابن إمام الجوزيَّة: (وهذا غلط من خروجه يوم أُحُد) انتهى.

==========

[1] في (ب): (الحرب)، وهو تحريفٌ.

[2] زيد في (ب): (قوله).

[3] في (ب): (حكاية)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[4] في (ب): (سيرة).

[ج 1 ص 753]

(1/5706)

[باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}]

(1/5707)

[حديث: غزوت مع رسول الله فتلاحق بي النبي وأنا على ناضح]

2967# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): الظاهر أنَّه ابن راهويه، ومستندي في ذلك أنِّي رأيت في «الكمال» للحافظ عبد الغنيِّ، وفي «التَّذهيب» للذَّهبيِّ في ترجمة جَرير بن عبد الحميد؛ فرأيتهما ذكرا في ترجمته: أنَّه روى عنه ابن راهويه، والله أعلم، و (جَرِيرٌ): تَقَدَّم أعلاه [1] أنَّه ابن عبد الحميد، و (مُغِيرَة): هو ابن مقسم الضَّبِّيُّ الكوفيُّ الأعمى، و (الشَّعْبِي): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عامر بن شَراحيل.

قوله: (غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ [2] صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): وذكر بيع الجمل، وقد تَقَدَّم أنَّ في البخاريِّ مُعلَّقًا في (الشروط): تبوك، وفي «سيرة ابن سيِّد الناس»: ذكر بيع الجمل في ذات الرقاع، وذكرتُ ما وقع في «البخاريِّ» أيضًا، وما وقع في «مسلم»؛ فانظره من (الشروط) وغيره.

قوله: (وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ): تَقَدَّم أنَّه البعير الذي يُستقى عليه الماءُ.

قوله: (وَلَمْ يَكُنْ [لَنَا] نَاضِحٌ غَيْرَهُ): يجوز في (غير) الرَّفع والنَّصب، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (فَقَارَ ظَهْرِهِ): أي: ركوبه، فكنَّى به عن الظَّهر.

[ج 1 ص 753]

قوله: (إِنِّي عَرُوسٌ): (العروس): يستوي فيه الذَّكر والأنثى، وقد تَقَدَّم.

قوله: (فَأَذِنَ): هو بفتح الهمزة مبنيٌّ للفاعل.

قوله: (فَلَقِيَنِي خَالِي): خال جابر بن عبد الله لا أعرفه بعينه، وسيأتي في (وفود الأنصار): (شهد خالاي العقبة)، قال ابن عيينة كما نقله عنه البخاريُّ: (أحدهما: البراء بن معرور)، وقال الحافظ الدِّمياطيُّ في قوله: (وخالاي من أهل العقبة): (خالاه هما: ثعلبة وعمرو ابنا عنمة) انتهى، وقد ذكرت الكلام على ثعلبة وعمرو ابني عنمة فيما مضى، وقال ابن شيخِنا البلقينيِّ عن «مختصر تاريخ ابن عساكر»: («شهد خالي العقبة»: الجدُّ بن قيس) انتهى، ولم أرهم عدُّوا الجدَّ من أصحاب العقبة [3]، والجدُّ ترجمته معروفة، ويُزَنُّ بالنِّفاق، وقيل: إنَّه تابَ منه، وقد قَدَّمتُ ذلك كلَّه؛ فانظره، وسيأتي، وقوله: (فَلَامَنِي): قَدَّمتُ: إنَّما لامَه؛ لكونه باعه، وإلَّا؛ فكان [4] ينبغي ألَّا يبايعه عليه، ولا يعطيه إيَّاه بالثَّمن، وإن كان خاله الجدَّ بن قيس _وقد تَقَدَّم أنَّه يُزَنُّ بالنِّفاق_؛ فقد لامه على بيعه له [5] عليه الصَّلاة والسَّلام.

(1/5708)

قوله: (تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا): امرأة جابر الثَّيب تَقَدَّم أنَّ اسمها سُهيمة بنت مسعود الأوسيَّة.

قوله: (إنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ [6]): تَقَدَّم أنَّ والده عبد الله بن عمرو بن حرام _بالرَّاء_ وتَقَدَّم أنَّه استُشهِد بأُحُدٍ، وتَقَدَّم متى كانت أُحُد.

قوله: (وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ): سيجيء أنَّه ترك تسع بنات، ورواية: (خمس)، و (ستٍّ)، وكذا رواية الشَّكِّ: (سبعٍ أو تسعٍ)؛ لا تنافي التِّسع، والكلُّ داخلة فيها؛ لأنَّه ليس في رواية القليل ما ينفي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد.

قوله: (فَلَا تُؤَدِّبهُنَّ وَلَا تَقُوم عَلَيْهِنَّ): (تؤدِّب) و (تقوم): يجوز فيهما النصب والرفع، وبهما ضبط في أصلنا.

قوله: (فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ): سيأتي ما الحكمةُ في ذلك من عند السُّهيليِّ إن شاء الله تعالى.

قوله: (الْمُغِيرَةُ): تَقَدَّم أنَّه ابن مقسم الضَّبِّيُّ الفقيه الأعمى.

قوله: (فِي قَضَائِنَا [7] حَسَنٌ): يريد: بيع الجمل واستثناء ظهره، خلافًا للدَّاوديِّ في قوله: (أن يزاد الغريم على حقِّه).

==========

[1] في (ب): (بظاهرها).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولِ اللهِ).

[3] زيد في (ب): (انتهى).

[4] في (ب): (لكان).

[5] (له): سقط من (ب).

[6] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (توفِّي والدي أو استشهد).

[7] في (ب): (قضايا)، وهو تحريفٌ.

(1/5709)

[باب من اختار الغزو بعد البناء]

قوله: (بَابُ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ): (البناء): هو بكسر الموحَّدة ممدود الهمزة، وهو الدُّخول على الأهل، وقد تَقَدَّم أيُّ شيء أصله، قال شيخنا: واعترض الدَّاوديُّ على التَّرجمة فقال: (لو قال: باب من اختار البناء قبل الغزو؛ كان أبين، فإنَّما الحديث فيه، ثمَّ ساقه كما ذكرته، وقال في آخره في حديث ذكره: لا فائدة فيه) انتهى.

==========

[ج 1 ص 754]

(1/5710)

[باب مبادرة الإمام عند الفزع]

(1/5711)

[حديث: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرًا]

2968# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مرارًا أنّه ابن سعيد القطَّان.

قوله: (فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ): تَقَدَّم أنَّ اسم [1] الفرس مندوبٌ غير مرَّةٍ.

قوله: (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ معناه: شديد الجري واسع الخطوة، بأطول من هذا.

(1/5712)

[باب السرعة والركض في الفزع]

(1/5713)

[حديث: لم تراعوا إنه لبحر]

2969# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ (حازمًا) بالحاء المهملة، وهذا ظاهرٌ عند أهله.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ): (مُحَمَّد) هذا: هو ابن سيرين، العَلَم [1] الفرد، وقد قَدَّمتُ في أوائل هذا التَّعليق بني سيرين كم هم، وكذا بناتُه.

تنبيهٌ: مَن اسمه مُحَمَّد وروى عن أنس في الكتب السِّتَّة أو بعضها: مُحَمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيميُّ، ومُحَمَّد بن أبي بكر بن عوف بن رِياح الثَّقفيُّ الحجازيُّ، ومُحَمَّد بن سيرين هذا المذكور في هذا الحديث، ومُحَمَّد بن عبد الله بن أبي سُلَيم المدنيُّ [2]، ومُحَمَّد بن كعب القرظيُّ، ومُحَمَّد بن مسلم بن السَّائب بن خبَّاب المدنيُّ، ومُحَمَّد ابن شهاب الزُّهريُّ، ومُحَمَّد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدير التيميُّ، والله أعلم.

قوله: (بَطِيئًا): هو بهمزة مفتوحة بعد الياء، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (يَرْكُضُ): أي: يحرِّك رجله، وأصل الرَّكض: الدَّفعُ.

قوله: (لَمْ تُرَاعُوا): تَقَدَّم أنَّ معناه: لا تفزعوا، وكذا قوله: (إِنَّهُ لَبَحْرٌ).

قوله: (فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ): (سُبِق): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (الخُرُوجِ فِي الفَزَعِ وَحْدَهُ [3]): كذا هذا الباب مذكورٌ في أصلنا، ولكنَّه عليه علامة راويه بغير حديث، فليس هذا الباب مذكورًا في أصلنا الدِّمشقيِّ، وهذا الباب مأخوذ ممَّا قبله، وهو حديث أنس: (فركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرسًا لأبي طلحة، ثمَّ خرج يركض وحده)، وقد رأيت في نسخةٍ هذا الباب بغير حديث، ولكنَّه عمل بعد باب: (ذمِّ)، وعمل على (ذمِّ): علامة نسخة دار الذَّهب، فعلى ما فيها؛ يكون: (باب ذمِّ الخروج في الفزع وحده)، وعلى هذا يكون معناه: أي: ثبت فيه شيء، ويكون حديث أنس الذي ذكرته دليلًا للجواز من غير ذمٍّ، والله أعلم.

(1/5714)

[باب الجعائل والحملان في السبيل]

قوله: (بَابُ الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال فيه: (إنَّ كلَّ مَن أخذ مالًا مِن بيت المال على عمل إذا أهمل العملَ؛ ردَّ ما أخذ بالقضاء، وكذلك الآخذ منه على عمل لا يباهلُ له، ولا يُلتفتُ إلى تخييل أنَّ الأصل في مال بيت المال الإباحةُ للمسلمين؛ لأنَّا نقول: الأخذ منه على وجهين؛ أحدهما: أنَّ الآخذَ مسلم وله نصيبٌ كافٍ على وجهٍ، والآخر: الآخذ على عمل، فإنَّما يستحقُّ بوفائه) انتهى.

قوله: (بَابُ الْجَعَائِلِ): هي بفتح الجيم وبالعين المهملة، جمع (جَعِيلة)؛ وهي ما يجعله القاعد للخارج عنه من أهلِ ديوانه، يقال له: أجعلتُ له جُعلًا وجَعَلْتُ، ثلاثيٌّ ورُباعيٌّ، والاسم: الجِعالة والجِعال [1]، وما يُؤخَذ في ذلك: الجُعلُ والجَعِيلةُ، قاله في «المطالع»، وقال شيخنا: (وأراد البخاريُّ

[ج 1 ص 754]

بالجعائل: أن يُخرِج الرَّجل من ماله شيئًا يتطوَّع به في سبيل الله، كما فعل ابن عمر رضي الله عنهما، أو يعين به مَن لا مال له مِن الفارس؛ كالفرس الذي حمل عليه عمرُ [2] في سبيل الله، وهو حسن مُرغَّب فيه، وليس مِن باب الجعائل التي كرهها العلماء، ثمَّ ذكر مسألة الإجارة على الجهاد، وهي مسألة معروفة) انتهى، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهَدْي»: (إنَّ الجعيلة على نوعين؛ أحدهما: أن يَخرُج الرَّجلُ ويستأجر مَن يخدمه في سفره، والثاني: أن يستأجر من ماله من يَخرُج في الجهاد، ويسمُّون ذلك الجعائلَ، وفيها قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي») انتهى.

قوله: (وَالْحُمْلَانِ): هو بضَمِّ الحاء، وهو مصدر (حمل يحمل حُملانًا) [3].

قوله: (قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْغَزْو): يجوز فيه الضَّمُّ والفتح، والنَّصب بفعل مُقدَّر؛ أي: أريد الغزوَ، ورأيته بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر مضمومًا [4] بالقلم، وتخريجه على أنَّه مبتدأٌ خبرُه محذوف؛ أي: مرادي الغزوُ، أو قصدي، أو نحوه، والله أعلم.

قوله: (أُعِينَكَ): هو بضَمِّ الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي): أي: بقطعة منه.

قوله: (إِنَّ غِنَاكَ لَكَ): (غِناك): بكسر الغين مقصور، وهذا ظاهرٌ معروف.

(1/5715)

قوله: (إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ): (دُفِع): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (شيءٌ): مَرْفوعٌ مُنوَّنٌ قائمٌ مقام [5] الفاعل.

(1/5716)

[حديث: لا تشتره ولا تعد في صدقتك]

2970# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة أنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخ روى عنه البخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّم الكلام على نسبته، وتَقَدَّم أيضًا أنَّ (سفيان) هذا: هو ابن عيينة.

قوله: (حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ معناه: أعطيته لمن يجاهد عليه في سبيل الله، وتَقَدَّم أنَّ هذا الرجل الذي أعطاه عمرُ الفرسَ لا أعرف اسمه، وقد تَقَدَّم أنَّ هذا الفرس اسمه الورد، وأنَّ تميمًا الدَّاريَّ أهداه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فوهبه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر، فأعطاه عمرُ لرجلٍ يجاهد عليه في سبيل الله.

(1/5717)

[حديث: لا تبتعه ولا تعد في صدقتك]

2971# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة أنَّه ابن أبي أويس عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت مالكٍ المجتهدِ.

==========

[ج 1 ص 755]

(1/5718)

[حديث: لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية]

2972# قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان، الإمامُ، أحدُ الأعلام في الحديث، وشيخ الحُفَّاظ.

قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (عَنْ سَرِيَّةٍ): تَقَدَّم الكلام عليها غير مرَّةٍ، وأنَّها ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مئة، وأنَّ الخليل قال: هي نحو أربع مئة.

قوله: (حَمُولَةً): هي بفتح الحاء وضمِّ الميم المخفَّفة: ما يُحتمَل عليه النَّاس من الدَّوابِّ، سواء كانت عليها الأحمال أو لم تكن؛ كالرَّكوبةِ.

قوله: (وَلَوَدِدْتُ): هو بكسر الدَّال الأولى، وهذا ظاهرٌ معروفٌ.

قوله: (فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ): كلُّه مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/5719)

[باب الأجير]

قوله: (بَابُ الأَجِيرِ): سرد ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (مقصود التَّرجمة: جواز الأجرة على الغزو، والإسهام للأجير أجنبيٌّ عنها [1]، والله أعلم) انتهى، وقد اختلف العلماء في الأجير، فقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد: لا يسهم له إلَّا أن يقاتل، وهو أظهر قولي الشَّافعيِّ، وقال الأوزاعيُّ واللَّيث: الأجير لا يُسهَم له، وهو قول إسحاق.

قوله: (وقال الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ): أمَّا (الحسن)؛ فهو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، وأمَّا (ابن سيرين)؛ فهو مُحَمَّد بن سيرين، العالم المشهور، وبنو سيرين تقدَّموا، وكذا بناته.

قوله: (وأخَذَ عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ فَرسًا عَلى النِّصْفِ): (عطيَّة) هذا: كلابيٌّ، ويقال: كلاعيٌّ حمصيٌّ، كنيته أبو يحيى، يروي عن أُبيِّ بن كعب، وأبي الدَّرداء مُرسَلًا، وعن معاوية، والنعمان بن بشير، وابن عمر، وعبد الرَّحمن بن غنم، وأبي إدريس الخولانيِّ، وجماعة، قرأ القرآن على أمِّ الدرداء، ترجمته معروفة، علَّق له البخاريُّ، وأخرج له مسلم والأربعة، قال أبو مسهر [2]: (كان مولد عطيَّة بن قيس في حياة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سنة سبع، وتُوُفِّيَ سنة عشر ومئة)، وقال: ابنه سعد بن عطيَّة بن قيس سنة (121 هـ)، وهو ابن مئة وأربعين سنة.

فائدةٌ: فعلُ عطيَّة لا يجوز عند الشَّافعيِّ، ومالك، وأبي حنيفة رضي الله عنهم؛ لأنَّها إجارة مجهولة، فإذا وقع مثل هذا؛ كان لصاحب الدَّابَّة كِراءُ مثلها، وما أصاب الرَّاكب [3] في المغنم؛ فله، وأجاز الأوزاعيُّ وأحمد أن يُعطَى فرسَه على النِّصف في الجهاد.

قوله: (وأعْطَى صاحِبَهُ): صاحب الفرس لا أعرفه.

==========

[1] في النُّسختين: (والإسهام للأجنبيِّ أجير عليها): وكتب فوقها في (أ): (كذا)، وفي هامشها: (لعلَّه: للأجير)، والمثبت من مصدره.

[2] في (ب): (مهر)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (الراء)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 755]

(1/5720)

[باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم]

قوله: (بَابُ مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): اعلم أنَّ اللِّواء ما عُقِد في طرف الرمح ويكون معه، وبذلك سُمِّيَ لواءً، والرَّاية: ثوب يجعل في طرف الرمح، ويخلى كهيئته تصفقه الرِّيح، قاله ابن العربيِّ، ثمَّ اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان له رايةٌ سوداءُ مربَّعةٌ يقال لها: العقاب، وراية بيضاءُ يقال لها: الزِّينة، وربَّما جُعِل فيها الأسودُ، وروى أبو داود في «سننه» من حديث سماك بن حرب، عن رجل من قومه، عن آخر منهم قال: (رأيتُ راية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صفراء)، وروى أبو الشَّيخ ابن حَيَّان _بالمثنَّاة تحت_ من حديث ابن عبَّاس قال:

[ج 1 ص 755]

(مكتوب على راياته: لا إله إلا الله مُحَمَّد رسولُ الله)، وقال الحافظ الدِّمياطيُّ: (قال يوسف ابن الجوزيِّ: رُوِي أنَّ لواءه أبيضُ مكتوبٌ فيه: لا إله إلا الله) انتهى، وإنَّما ذكرتُ هنا الرَّايات مع الألوية؛ لأنَّ بعض أهل العلم قال: إنَّ اللِّواء هو الرَّاية، وقد أخرج البخاريُّ في هذا الباب: «لأُعطِينَّ الرَّاية»، وكذا: (أن تركز الرَّاية)، وهذا يدلُّ على أنَّهما سواء عنده، وقد قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (إنَّ اللِّواء الرَّايةُ العظيمةُ، لا يمسكها إلَّا صاحبُ الحرب أو صاحب دعوة الجيش) انتهى، والله أعلم، ويوسف ابن الجوزي: هو ابنُ قزغلي [1] صاحب «مرآة الزَّمان»، وقد تكلَّم فيه أبو العبَّاس ابن تيمية والذَّهبيُّ في «الميزان»، تَقَدَّم.

(1/5721)

[حديث ثعلبة: أن قيس بن سعد وكان صاحب لواء رسول الله أراد الحج]

2974# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه سعيد بن الحكم بن مُحَمَّد، وتَقَدَّم (اللَّيْثُ): أنَّه ابن سعد الإمام، و (عُقَيْل): تَقَدَّم أنَّه بضَمِّ العين وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وتَقَدَّم (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم، الإمامُ العَلَمُ [1].

قوله: (أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ): هو ثعلبة بن أبي مالك القُرَظيُّ؛ بضَمِّ القاف، وفتح الراء، وبالظاء المعجمة المشالة، ثمَّ ياء النِّسبة، وهو حليف الأنصار، كنيته أبو مالك، ويقال: أبو يحيى، إمام مسجد بني قريظة، له رؤية، وحديث عند ابن ماجه، وروى عن عمر، وعثمان، وقيس بن سعد، وغيرهم، وعنه: جماعة، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، وابن ماجه.

تنبيهٌ: قد ذكرت أنَّ ابن ماجه أخرج له عنه عليه الصَّلاة والسَّلام، والحديث الذي أخرجه له: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قضى في سيل مهزور ... )؛ الحديث، في (الأحكام) فقط، لم [2] يذكر له المِزِّيُّ في «أطرافه» سواه، وقال الحافظ صلاح الدين العلائيُّ: (أخرج له ابن ماجه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كان يخطبُ قائمًا خطبتين يفصل بينهما، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما)، ولم أرَ أنا هذا في «أطراف المِزِّيِّ»، ولم يذكرِ الحديثَ الذي ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه»، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ثعلبة بن أبي مالك، فقال: هو مِن التَّابعين، والحديث مُرسَلٌ، وقال ابن معين: له رؤية مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذكر ابن عبد البَرِّ أنَّه ولد في عهده صلَّى الله عليه وسلَّم، وروى شعبة، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة قال: (كنت غلامًا على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، قال الذَّهبيُّ في «تجريده»: له حديثان مرسلان، وقد حمَّر عليه، فالصَّحيح عنده أنَّه تابعيٌّ، وهذا الذي يظهر، لكنَّه وُلِد في عهده عليه السَّلام وله رؤية، وقد قَدَّمتُ أنَّ شرط الرُّؤية المعتبرة في الصُّحبة: أن تكون مع التمييز _كما سيأتي في (مناقب الصَّحابة) _ حتَّى يُعدَّ صحابيًّا.

قوله: (أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ): هو قيس بن سعد بن [3] عُبادة بن دُليم الخزرجيُّ، من دهاة الصَّحابة وكرمائهم، ترجمته طويلة معروفة، وقد أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند».

(1/5722)

تنبيهٌ: في الصَّحابة شخصٌ آخرُ يقال له: قيس بن سعد، لكن يفترق مِن هذا بأنَّ جدَّ هذا الثاني اسمه ثابت، وهو أنصاريٌّ أورده المستغفريُّ، وهو في كتاب «أبي موسى المدينيِّ»، لا أعلم أخرج له أحدٌ، ولا أعلم لهما ثالثًا، والله أعلم.

قوله: (أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ): قال الدِّمياطيُّ: (قوله: «فرجَّل»: هذا طرفٌ من الحديث، وتمامه: «فرجَّل أحد شقَّي رأسه»، وقد ذكر تمامه [4] آخرَ الكتاب، وإنَّما قصد فائدةَ التَّرجمة في ذكر اللِّواء)، انتهى، وقال ابن قُرقُول في (الرَّاء مع الجيم): (وفي «باب راية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»: «إنَّ قيس بن سعد أراد الحجَّ فرجَّل» ههنا، لم يزد [5] في الحديث على هذا، وهو مختصر، وتمامه: «فرجَّل أحد [6] شقَّي رأسه»، وقد تاه في تفسيره بعضُ الشارحين لمَّا لم يقف على تمامه من غير هذا الموضع، فحمله من الشرح على مالا يحتمله، وإنَّما ذكر البخاريُّ منه ههنا فائدةَ التَّرجمة في ذِكْرِ الرَّاية، فاختصر بقيَّته؛ إذ لم يكن سنَّةً عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما هو فعل غيره)، انتهى، وبقيَّة الحديث: (فرجَّل أحد شقَّي رأسه، فقام غلامٌ له، فقلَّد هديه، فنظر قيس وقد رجَّل أحد شقَّي رأسه، فإذا هو قد قُلِّد فأهلَّ بالحجِّ، ولم يرجِّل شقَّه الآخر)، وإنَّما اختصره البخاريُّ؛ لأنَّ ذلك ليس بمُسنَدٍ؛ إنَّما هو مِن فعل قيس ورأيه، وليس من شرط كتابه، فذكر من الحديث ما هو على شرطه مِن اتِّخاذ اللِّواء، واقتصر عليه دون غيره، وقد أسنده الإسماعيليُّ في «مستخرجه»، وذكره الحميديُّ كما ذكرناه، و (رجَّل)؛ بالجيم وتشديدها: معناه: مشَطه بماء، أو دهن، أو شيء يُليِّنه ويُرسِل ثائره، ويمدُّ مُنْقَبِضَهُ، وقد تَقَدَّم.

(1/5723)

[حديث: ها هنا أمرك النبي أن تركز الراية؟]

2976# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة.

قوله: (أَنْ تَرْكُزَ): (ركز)؛ بالفتح، (تَركز)؛ بالضَّمِّ والكسر؛ لغتان في «المحكم»؛ إذا غرزه بالأرض.

==========

[ج 1 ص 756]

(1/5724)

[حديث: أيدفع يده إليك فتقضمها كما يقضم الفحل؟!]

2973# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيانُ): أمَّا (سفيان)؛ فهو ابن عيينة لا شكَّ فيه، وأمَّا (عبد الله بن مُحَمَّد)؛ فهو المُسنديُّ [1].

قوله: (حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، و (عطاء): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي رَباح مفتي أهل مكَّة.

قوله: (عَنْ صَفْوانَ بنِ يَعْلَى، عَنْ أَبيهِ): تَقَدَّم الكلام على (يعلى) هذا.

قوله: (غَزْوَةَ تَبُوكَ): تَقَدَّم أنَّها كانت في السَّنة التَّاسعة، قال ابن إسحاق: وكانت في رجب منها، وسيجيء تعقُّبٌ لابن القيِّم في الشَّهر، والله أعلم.

قوله: (فَحَمَلْتُ علَى بَكْرٍ): أي: أعطيته لمن يركبه في سبيل الله، و (البَكْر): تَقَدَّم أنَّه بفتح الموحَّدة وإسكان الكاف؛ الفتيُّ من الإبل.

فإن قيل: إنَّه بوَّب على استعارة الفرس في الغزو وذَكَرَ البعير؟ والجوابُ: أنَّه قاسه عليه، وذلك لأنَّ عارية الفرس في الغزو أولى من عارية البعير، وقوله: (فحملتُ على بكر): أي: وهبته لمن يركبه في سبيل الله، ويحتمل أن يكون أعاره، فكأنَّه بوَّب على الاحتمال، لكن إذا كانت العارية في الغزو جائزةً؛ فالهبة بطريق أولى، والله أعلم.

قوله: (فَهوَ أوْثَقُ أعْمالِي في نَفْسِي): هو بالثَّاء المثلَّثة (أوثق)، و (أعمالي): جمع (عمل)، قال ابن قُرقُول: («أوثق أجمالي»: أعظم، للمستملي، وعند الحمُّوي: «أحمالي»؛ بالحاء، ولسائر الرُّواة في سائر الأحاديث: «أوثق أعمالي»، وهو الصَّواب) انتهى.

قوله: (فاسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا [2] ... ) إلى آخره [3]: تَقَدَّم أنِّي لا أعرف العاضَّ ولا المعضوض، وقد جاء في «مسلم» من حديث عمران بن حصين: (قاتل يعلى ابن مُنيَة أو أميَّة رجلًا، فعضَّ أحدهما صاحبه)، فههنا أنَّ القصَّة جرت ليعلى، وأخرج مسلم بعده روايةً ثانيةً وثالثةً: أنَّ صاحب القصَّة أجيره، لا يعلى [4]، قال الحُفَّاظ: الصحيح المعروفُ أنَ صاحب القصَّة أجير يعلى، لا يعلى، ويحتملُ أنَّهما قضيَّتان ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين، والله أعلم.

قوله: (فأهْدَرَها): أي: أبطلها، ولم يجعل فيها قصاصًا ولا دية، وقد تَقَدَّم.

قوله: (فَتَقْضَمُها [5] كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ): (تقضَم)؛ بالفتح، وقد قَدَّمتُ أنَّ فيه لغتين؛ الفتحَ وهو أفصح، والكسر، والله أعلم.

[ج 1 ص 756]

(1/5725)

قوله: (كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ): هو ذكر الإبل، وكلُّ ذكر فحلٌ.

==========

[1] زيد في (ب): (ويحتمل أن يكون ابن أبي شيبة، والله أعلم، ولم أر من عيَّن عبد الله بن مُحَمَّد هذا، وقد تَقَدَّم مثله)، وعليها في (أ): (لا ... إلى).

[2] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رجلًا).

[3] (إلى آخره): جاء في (أ) و (ب) قبل قوله: (فقاتل إنسانًا).

[4] في (ب): (ليعلى)، وهو تحريفٌ.

[5] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولِ اللهِ).

(1/5726)

[باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر]

قوله: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ [1] شَهْرٍ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (موضعُ التَّرجمة من خبر أبي سفيان قوله: «يخافه ملك بني الأصفر»، وبين الحجاز والشام شهرٌ وأكثر).

فائدةٌ: رُوِّينا من حديث السائب بن أخت نمر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس»؛ فذكر منها: «ونصرت بالرُّعب شهرًا أمامي، وشهرًا خلفي»، وقد ذكرت [2] ذلك في (التيمُّم).

==========

[1] في (ب): (مدة)، وهو تحريفٌ.

[2] (ذكرت): سقط من (ب).

[ج 1 ص 757]

(1/5727)

[حديث: بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب]

2977# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بضَمِّ الموحَّدة وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَير، وتَقَدَّم أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، وأنَّ (عُقَيلًا) بضَمِّ العين وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو مُحَمَّد بن مسلم الزُّهريُّ، وأنَّ (سَعِيْد بْن المُسَيّب) بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره لا يقال فيه إلَّا بالفتح، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ): هو القرآن؛ لإيجازه، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتكلَّم بجوامع الكلم؛ أي: بالموجز مِن القول، وهو ما قلَّت ألفاظه، واتَّسعت معانيه.

قوله: (وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ): وفي بعض طرق «الصَّحيح»: «مسيرة شهر»، ورُوِي من حديث السائب بن أبي نمر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس»؛ فذكر منها: «ونُصِرتُ بالرُّعب شهرًا أمامي، وشهرًا خلفي»، وقد قدَّمتها قريبًا جدًّا، وبعيدًا جدًّا.

قوله: (فَوُضِعَتْ فِي يَدِيَّ): هو بتشديد الياء الأخيرة.

قوله: (وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا): هو بمثنَّاتَين فوق، بينهما نونٌ ساكنةٌ، وبعد المثنَّاة الثانية مثلَّثة مكسورة، ثمَّ لام مضمومة، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ نون؛ ومعناه كما قاله ابن قُرقُول: تستخرجون ما فيها، وتتمتَّعون به، وفي الحديث الآخر: «تنتقلونها»، وعند الخُشنيِّ عن الهوزنيِّ: «تمتثلونها»؛ بالميم)، انتهى.

==========

[ج 1 ص 757]

(1/5728)

[حديث: أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه وهم بإيلياء]

2978# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِي): أعلاه.

قوله: (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ): تَقَدَّم الكلام على (أبي سفيان): صخر بن حرب، وكذا تَقَدَّم كلُّ ما في هذا مِن الأسماء والغريب في أوَّل هذا التَّعليق.

==========

[ج 1 ص 757]

(1/5729)

[باب حمل الزاد في الغزو]

(1/5730)

[حديث: صنعت سفرة رسول الله في بيت أبي بكر]

2979# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وكذا تَقَدَّم (هِشَام عَنْ أَبِيهِ [1]): أنَّه ابن عروة بن الزُّبير بن العوَّام بن خويلد، وكذا تقدَّمت (فَاطِمَةُ): أنَّها زوج هشام بن عروة، وهي فاطمة بنت المنذر بن الزُّبير بن العوَّام، وأنَّها [2] تابعيَّة ثقة، أخرج لها الجماعة، وكذا تقدَّمت (أَسْمَاء)، وهي بنت أبي بكر، وهي أمُّ عروة، وتَقَدَّم بعض ترجمتها، وأنَّها [3] تُوُفِّيَت بعد وفاة ابنها عبد الله بن الزُّبير بيسير [4]، سنة ثلاث وسبعين، وقد عَمِيت رضي الله عنها.

قوله: (سُفْرَةَ): هي بضَمِّ السين، وهذا مشهور، وهي طعام المسافر؛ الزوَّادة، وبه سُمِّيتِ الآلة التي تعمل فيها سفرةً؛ إذا كانت مِن جلد، والله أعلم.

(1/5731)

قوله: (إِلَّا نِطَاقِي): (النِّطَاق): بكسر النُّون، وتخفيف الطَّاء المهملة، وبعد الألف قاف، قال الجوهريُّ: (والنِّطَاق: شقَّة تلبسها المرأةُ، وتشدُّ [5] وسطها، ثمَّ تُرسِل الأعلى على الأسفل إلى الرُّكبة، والأسفل مُنْجرٌّ [6] على الأرض، وليس لها حُجْزَة، ولا نَيْفق، ولا ساقان، والجمع: نُطُق، وكان يُقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ذات النِّطاقين، وذات النِّطاق أيضًا: اسم أكمةٍ لهم)، وقال ابن الأثير: (المنطق: النِّطاق، وجمعه: مناطق، وهو أن تلبس المرأةُ ثوبها، ثمَّ تشدُّ وسطها بشيء، وترفع وسط ثوبها، وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال؛ لئلَّا تعثَّر في ذيلها، وبه سُمِّيت أسماء بنت أبي بكر: ذات النِّطاقين؛ لأنَّها كانت تطارق نطاقًا فوق نطاق، وقيل: كان لها نطاقان تلبس أحدهما، وتحمل في الآخر الزَّاد إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر في الغار، وقيل: شقَّت نطاقها نصفين؛ فاستعملت أحدهما، وجعلت في الآخر شدادًا لزادهما) انتهى، وفي «المطالع» نحوُه، ثمَّ قال: (واختُلِف لم سُمِّيت أسماءُ ذاتَ النِّطاقين، وأشهرهما: أنَّ أحدَهما نطاق المرأة المعروف، والآخر الذي كانت به ترفع طعام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وزاده [7])، ووقع في كتاب «مسلم» _وزاده تفسيرًا في «البخاريِّ» _: أنَّها شقَّت نطاقها حين صنعت سفرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الهجرة، فشدَّته بنصفه، وانتطقت بالآخر، وقيل: بل لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «قد أعطاكِ الله بهما نطاقين في الجنَّة»، وقيل: بل لأنَّها كانت تطارق نطاقًا على نطاق؛ تستُّرًا، وقيل: بل لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لها: «قد أبدلكِ الله بنطاقكِ [8] هذا نطاقين في الجنَّة»، والذي فسَّرتُ به خبرَها أولى)، انتهى، وقيل غير ما ذَكر.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (قال أخبرني أبي).

[2] في (ب): (وكذا أنها).

[3] في النُّسختين: (وأنه)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[4] (بيسير): سقط من (ب).

[5] في (ب): (ويشق)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (ينجر).

[7] (وزاده): سقط من (ب).

[8] في النُّسختين: (بنطاقين)، ولعلَّه سبق نظر، والمثبت من مصدره.

[ج 1 ص 757]

(1/5732)

[حديث: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي إلى المدينة]

2980# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ، الحافظ الجهبذ المشهور، وأنَّ (سُفْيَان): هو ابن عيينة، و (عَمْرو): بعده تَقَدَّم أنَّه ابن دينار، و (عَطَاءٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي رباح.

قوله: (لُحُومَ الأَضَاحِيِّ): هو بتشديد الياء وتخفيفها؛ وذلك لأنَّ القاعدة: أنَّ كلَّ ما كان مفردُه مُشدَّدًا؛ فأنت بالخيار في الجمع بين التَّشديد والتَّخفيف، قال الجوهريُّ: وفي الأضحية أربع لغات: أُضحيَّة وإِضحية؛ بضَمِّ الهمزة وكسرها، والجمع: أضاحيٌّ، وضحيَّة؛ على (فعيلة)، والجمع: ضحايا، وأضحاة، والجمع: أضحًى، كما يقال: أرطاة وأرطًى)، انتهى.

[ج 1 ص 757]

(1/5733)

[حديث سويد: أنه خرج مع النبي عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء]

2981# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلْت الثقفيُّ، أبو مُحَمَّد الحافظ، وكذا تَقَدَّم (يَحْيَى) الذي [1] بعده، وهو ابن سعيدٍ الأنصاريُّ، قاضي السَّفَّاح، وكذا تَقَدَّم (بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ): أنَّه بضَمِّ الموحَّدة، وفتح الشين المعجمة، وأنَّ (يسارًا) بالمثنَّاة تحت، وبالسين المهملة.

قوله: (عَامَ خَيْبَرَ): تَقَدَّم أنَّها كانت في آخر سنة ستٍّ، أو في أوَّل سنة سبعٍ، وتَقَدَّم ما مدرك الخلاف في ذلك، والله أعلم [2]، وسيأتي.

قوله: (بِالصَّهْبَاءِ): هي بفتح الصاد المهملة، ثمَّ هاء ساكنة، ثمَّ موحَّدة، ممدودٌ، تقدَّمت غير مرَّةٍ.

قوله: (بِسَوِيقٍ): (السَّوِيق): قمحٌ أو شعيرٌ يُغلى ثمَّ يُطحَن، فيُتَزَوَّد ويُستفُّ تارةً بماء تثرَّى به، أو بسمنٍ، أو بعسلٍ وسمنٍ، قال ابن دريد: (وبنو العنبر يقولونه بالصاد) انتهى، وقد تَقَدَّم.

قوله: (فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا): قال شيخنا: قال الداوديُّ: «وشربنا»: ما أُراه محفوظًا؛ لأنَّه كان يجزئ من المضمضة، ولكن قد لا يبلغ الشرب ما تبلغه المضمضة عند أكل السَّوِيق، وقد تَقَدَّم في (الوضوء).

==========

[1] في (ب): (البري)، وهو تحريفٌ.

[2] زيد في (ب): (وقد تَقَدَّم).

[ج 1 ص 758]

(1/5734)

[حديث: ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم]

2982# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الموحَّدة، وبالشين المعجمة.

قوله: (عَنْ سَلَمَةَ): هو ابن عمرو بن الأكوع، وهذا معروفٌ، لكن في الصَّحابة مَن اسمه سلمة مشهورًا بذلك خمسون رجلًا، ولكن فيهم مَن الصحيحُ أنَّه تابعيٌّ.

قوله: (خَفَّتْ أَزْوَادُ القَوْمِ [1] وَأَمْلَقُوا): إن قيل: في أيِّ غزوة كان ذلك؟ قيل: في الحديبية، وقد جرى مثلُه في تبوك، والله أعلم.

قوله: (وَأَمْلَقُوا): أملق الرجلُ _ بالقاف_؛ إذا فَنِيَ زادُه، وأصله: كثرة الإنفاق حتَّى ينفد.

(1/5735)

[باب حمل الزاد على الرقاب]

(1/5736)

[حديث: خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا]

2983# قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ): هو بإسكان الموحَّدة، وهو ابن سليمان، وقد قَدَّمتُ مَن يقال له: عَبَدة _بفتح الموحَّدة_؛ وهما: عامر بن عَبَدة، وبجالة بن عَبَدة، ويجوز فيهما السكون، والباقون: عبْدة؛ بالإسكان.

قوله: (خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِئَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا): هذا كان في سريَّة الخَبَط [1]، وأميرهم أبو عبيدة ابن الجرَّاح، وكانت في رجب سنة ثمانٍ، وقد تَقَدَّم ذلك.

قوله: (قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ): هذا الرجل الذي قال لجابرٍ هذه المقالةَ هو أبو الزُّبير، كما رواه مسلمٌ، والمخاطَب بذلك جابرٌ راوي الحديث.

==========

[1] في (ب): (الحنط)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 758]

(1/5737)

[باب إرداف المرأة خلف أخيها]

(1/5738)

[حديث: اذهبي وليردفك عبد الرحمن]

2984# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس الحافظ، وقال شيخنا: وقع في كتاب ابن التِّين أنَّ الشيخ أبا الحسن قال: إنَّه عمرٌو الناقد، وأنَّ الشيخ أبا عِمران قال: إنَّه ليس هو الناقد، قال: وهو كما قال، فالناقد هو عمرو بن مُحَمَّد الحافظ، نزيل الرَّقَّة، انتهى، وهو كما قال شيخنا، وقد قلتُ أنا: إنَّه الفلَّاس، وكذا طرَّفه المِزِّيُّ، فقال: عمرو بن عليٍّ، والله أعلم.

وكذا تَقَدَّم [1] (أَبُو عَاصِمٍ): أنَّه الضَّحَّاك بن مخلد، وكذا تَقَدَّم (ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ): أنَّه عبد الله بن عبيد الله ابن أبي مُلَيكة زهيرٍ، وزهيرٌ صحابيٌّ، تقدمت ترجمة ابن أبي مُلَيكة.

قوله: (وَلْيَرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ): هو بإسكان الفاء واللَّام؛ للأمر، و (عبد الرَّحمن) هذا: هو ابن أبي بكر [2] أخوها، تَقَدَّم مرارًا في «الصحيح».

قوله: (أَنْ يُعْمِرَهَا): هو بضَمِّ الياء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (مِنَ التَّنْعِيمِ): تقدَّمت ضبطًا، وأنَّها المساجد، ولِمَ سُمِّيَت التنعيم، وأنَّ بين المكان الذي يُحرِم الشخص منه من هذا المكان بالعمرة إلى باب المسجد ستَّةَ عشرَ ألفَ خطوةٍ، ذهابًا وإيابًا: اثنتان وثلاثون ألفَ خطوةٍ، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[ج 1 ص 758]

(1/5739)

[حديث: أمرني النبي أن أردف عائشة وأعمرها من التنعيم]

2985# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ): هذا (عبد الله بن مُحَمَّد): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه المُسنَديُّ، وقد أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ في «صحيحه» في (الحجِّ) عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، عن ابن عيينة، وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عنه، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 758]

(1/5740)

[باب الارتداف في الغزو والحج]

(1/5741)

[حديث: كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعًا .. ]

2986# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم أنَّ هذا هو ابن عبد المجيد الثقفيُّ، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختِيانيُّ، و (أَبُو قِلَابَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بكسر القاف، وتخفيف اللَّام، وبعد الألف موحَّدة، وأنَّ اسمه عبد الله بن زيد [1] الجَرْميُّ، و (أَبُو طَلْحَةَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه زيدُ بن سهلٍ، وتقدَّمَت تراجمهم كلِّهم.

قوله: (الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ): (الحجِّ)؛ بالجرِّ: بدل من الضمير، و (العمرةِ): مثلُه بالعطف.

==========

[1] في (ب): (يزيد)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 758]

(1/5742)

[باب الردف على الحمار]

قوله: (بَابُ الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ): أخرج في هذا الباب حديثَ عبدِ الله _وهو ابن عمر_: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أقبل يوم الفتح من أعلى مكَّة على راحلته مردفًا أسامة بن زيد ... ) إلى أن قال: (حتَّى أناخ بباب المسجد)، فليس فيه الإرداف على الحمار؛ إنَّما فيه الإرداف على البعير، وكان ينبغي _فيما يظهر_ أن يكون [لحديث] هذا الباب ترجمة أخرى مفردة، يقول فيها [1]: (باب الإرداف على البعير)، أو أن يذكره في الباب الذي قبله، وما أدري وجه إخراجه في هذا الباب، وقد راجعتُ كلام شيخنا؛ فلم أره ذكر فيه شيئًا، وكأنَّ البخاريَّ رحمه الله أراد أصل الإرداف؛ ويعني به: إذا كانت الدَّابَّة مطيقة، فإن كان كذلك؛ فهو شاهد له، والله أعلم، أو أنَّه وقع له أنَّه كان راكبًا على حمار وأَرْدَف، ولم يكن على شرطه، وقد أردف على الحمار في غير هذا الحديث، (وقد قدَّمه من حديث ابن عمر في هذا الباب) [2] أنَّه أردف فيه أسامة، وأردف أيضًا على الحمار غير أسامة في قصَّة أخرى، والله أعلم.

(1/5743)

[حديث: أن رسول الله ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة]

2987# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ): (أبو صفوان): هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأمويُّ الدِّمشقيُّ، هربت به أمُّه حين قُتِل أبوه صبرًا، روى عن أبيه، وثور بن يزيد، ويونس بن يزيد الأيليِّ، وابن جريج، وجماعةٍ، وعنه: أحمد، وابن المدينيِّ، والشَّافعيُّ، والحميديُّ، وقتيبة، وجماعة، وثَّقه ابن معين وغيره، سمع منه أبو السُّكَين الطَّائيُّ سنة أربع أو خمس ومئتين، وقد قَدَّمتُ ترجمته، ولكن طال العهد بها.

قوله: (رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ): تَقَدَّم ذكر حميره، والذي يظهر أنَّ هذا [1] غير عفير وغير [2] يعفور، ولعلَّه الذي أعطاه إيَّاه سعد بن عُبادة؛ لأنَّ عفيرًا ويعفورًا [3] كانا مُتأخِّرين عن هذه القصَّة، وهذه القصَّة وقعت هنا مُختصَرة.

[ج 1 ص 758]

قوله: (عَلَى إِكَافٍ): هو بكسر الهمزة وضمِّها _قاله شيخنا في غير هذا الشرح_ ثمَّ كافٍ مخفَّفة، وفي آخره فاءٌ، ويقال من حيث اللُّغةُ: (وُكاف)؛ بضَمِّ الواو وكسرها، والجمع: أُكُف، وقد أكفتُ الدَّابَّة وأوكفتها؛ إذا شددتَ عليها الإكافَ، والإكاف: البردعة، ويقال: هو ما يُشَدُّ فوق البردعة من بعض أدواتها، ولم يذكرِ الهرويُّ في «شرح الفصيح» غيره، والله أعلم.

قوله: (عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ): هي بفتح القاف وكسر الطَّاء؛ كساء ذو خمل، وجمعه: قطائف، وهي الخميلة أيضًا، وقد تقدَّمت.

قوله: (وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ): تَقَدَّم أنَّ أبا زكريَّا يحيى بن منده جمع أرداف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبلغ بهم نيِّفًا وثلاثين شخصًا، وقد ذكرت أنا في أوَّل هذا التَّعليق ما وقع لي منهم، والله أعلم.

تنبيهٌ: إنَّما ركب؛ ليعود سعدَ بن عبادة، كما جاء في المُطوَّل من هذا الحديث، وسبب العيادة: الظَّاهر أنَّه إنَّما عاده كما ذكره ابن إسحاق في رواية يونس بن بُكَير قال: (كان سعد قد دعاه رجل من اللَّيل، فخرج إليه، فضربه الرَّجل بسيفه، فأشواه [4]، فجاءه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُه من تلك الضَّربة، ولامه على خروجه ليلًا)؛ ذكره السُّهيليُّ في «روضه» عن يونس.

==========

[1] زيد في (ب): (هو).

[2] (عفير وغير): سقط من (ب).

[3] في النُّسختين: (عفير ويعفور)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[4] في (ب): (فأسواه)، وهو تصحيفٌ.

(1/5744)

[حديث: أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته]

2988# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة أنَّه بضَمِّ الموحَّدة وفتح الكاف، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، أحد الأعلام، وأنَّ (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ.

قوله: (أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم أنَّه كان يوم الجمعة في رمضان، وقد تَقَدَّم متى كان من الشهر، بالاختلاف فيه.

قوله: (وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ): تَقَدَّم أنَّه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبدِ الله بن عبد العزَّى العبدريُّ الحَجَبِيُّ، قُتِل أبوه وعمُّه عثمان يوم أُحُد كافرَين في جماعةٍ من بني عمِّهما، وعثمان هذا [1]: هاجر مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاصي، ودفع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عثمان هذا وإلى ابن عمِّه شيبة بن عثمان مفتاحَ الكعبة، تُوُفِّيَ سنة (42 هـ)، وقد قدَّمته بأطولَ مِن هذا، ولكن بَعُدَ العهد به، وقوله: (مِنَ الحَجَبَةِ): هو بفتح الحاء المهملة [2]، والجيم [3]، والموحَّدة، وحُجَّاب الكعبة: سدنتها بنو شيبة، والله أعلم.

قوله: (فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ): تَقَدَّم أنَّه سأله وأنَّه أخبره في هذا [4] «الصَّحيح».

==========

[1] في (أ): (وهذا عثمان).

[2] (المهملة): سقط من (ب).

[3] في (ب): (والميم)، وهو تحريفٌ.

[4] (هذا): سقط من (ب).

[ج 1 ص 759]

(1/5745)

[باب من أخذ بالركاب ونحوه]

قوله: (بَابُ مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر حديث الباب على عادته بلا إسناد: (موضع التَّرجمة: «ويعين الرَّجل على دابَّته، فيحمل عليها»، فيندرج تحته الأخذ بالرِّكاب، لا من جهة عُموم صيغة الفعل، فإنَّه مُطلَق، ولكن بالمعنى المساوق) انتهى.

==========

[ج 1 ص 759]

(1/5746)

[حديث: كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس]

2989# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ الرَّزَّاقِ): قال الجيَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاري_ في «الجهاد» في موضعين، وفي تفسير «النساء»، و «الأعراف»، وفي «القدَر»، و «ترك الحيل»: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، وقال في «الغسل» وفي «الصَّلاة» في موضعين، وفي حديث بني النضير، و «غزوة أُحُد»، وفي «باب وفد بني حنيفة»، و «مناقب ابن عمر»، وفي «الأنبياء»، و «التَّمنِّي»، وغير موضع: «حدَّثنا إسحاق ابن نصر: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، وهو عندنا: إسحاق بن إبراهيم بن نصر السَّعديُّ، بخاريٌّ، نسبه إلى جدِّه، وقد روى عنه البخاريُّ في «العيدين» وفي «موعظة الإمام النِّساء يوم العيد»، فقال: «حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، وقال في «الإيمان»، و «تفسير {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}»: «حدَّثنا إسحاق بن منصور: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، فاجتمع لنا من هذا أنَّ البخاريَّ يروي عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر وإسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ وإسحاق بن منصور الكوسج عن عبد الرَّزَّاق، غير أنَّ الموضع الذي وقع في «وفد بني حنيفة» اختلف فيه شيوخُنا، فقال أبو زيد، وابن السكن، وفي نسخةٍ عن النَّسفيِّ: «حدَّثنا إسحاق ابن نصر: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، وفي نسخة الأصيليِّ عن أبي أحمد: «حدَّثنا إسحاق بن منصور: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق»، وقول أبي زيد _عندي_ ومن تابعه أشبه لجلالة مَن تابعه ... إلى أن قال: وذكر أبو نصر أنَّ البخاريَّ يروي عن هؤلاء الثلاثة الذين سمَّيناهم عن عبد الرَّزَّاق، وقد حدَّث مسلمٌ أيضًا [3] عن إسحاق الكوسج عن عبد الرَّزَّاق)، انتهى مُلخَّصًا، والله أعلم، وقال [4] المِزِّيُّ لمَّا طرَّفه: البخاريُّ [5] في «الصُّلح» عن إسحاق، وفي «الجهاد» عن إسحاق ابن نصر، وفي موضع آخر منه: عن إسحاق، فقوَّة [6] كلامه تعطي أنَّه ابن نصر، لكن في عبارته ما [7] يمنع [8] ذلك، وهو أنَّه قال: جميعًا، وإذا جعلناه ابن نصر؛ يريد أنَّ يقول: معًا أو [9] كلاهما، أو نحوهما، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا [10] مَعْمَرٌ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الميمَين وإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، وكذا تَقَدَّم (هَمَّام): أنَّه ابن مُنبِّه.

(1/5747)

قوله: (كُلُّ سُلَامَى): هي بضَمِّ السِّين، وتخفيف اللَّام، وفتح الميم، وهي المفصل، وقد تَقَدَّم الكلام عليها: هل هي مفرد أم [11] جمع.

قوله: (كُلَّ يَوْمٍ): هو بنصب (كلَّ) على الظَّرف.

قوله: (وَكُلُّ خَطْوَةٍ): تَقَدَّم الكلام عليها، وعلى الضَّمِّ والفتح فيها.

(1/5748)

[باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو]

قوله: (بَابُ السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ): وفي نسخة: (باب كراهيَة)؛ بإثبات (كراهيَة)، ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (الاستدلال بسفر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه وهم يعلمون القرآن على التَّرجمة ضعيف؛ لأنَّها واقعة عين، فلعلَّهم علموه تلقينًا، وهو الغالب حينئذٍ، والله أعلم) انتهى، ثمَّ اعلم أنَّ في الحديث النَّهيَ عن المسافرة بالمصاحف إلى أرض الكفَّار؛ للعلَّة المذكورة في الحديث، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أُمِنَتْ هذه العلَّة بأن يدخل في جيش المسلمين الظَّاهرِ عليه؛ فلا كراهة ولا منعَ منه حينئذٍ؛ لعدم العلَّة، هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة، والبخاريُّ،

[ج 1 ص 759]

وآخرون، وقال مالك وجماعة من الشافعيَّة بالنَّهي مطلقًا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة: الجوازَ مطلقًا، والصَّحيح عنه ما سبق، والعلَّة المذكورة في الحديث هي من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم، وغلط بعضُ المالكيَّة، فزعم أنَّها مِن كلام مالك، وقال شيخنا: إنَّ أبا عمر [1] قال: وهو مَرْفوعٌ صحيحٌ [2]، ونقل شيخنا ذلك عن غيره، ثمَّ قال: (وقال الخطيب: مخافة ... ) إلى آخره: هو قول مالكٍ بيَّن ذلك أبو مصعب، وابن وهب، وابن القاسم، والمسند النَّهي حسب [3]، ثمَّ نقل عن الحميديِّ نحوَ ما نقله المِزِّيُّ عن البرقانيِّ الآتي قريبًا، واتَّفق العلماء على أنَّه يجوز أن يُكتَب لهم كتابٌ فيه آيةٌ أو آياتٌ، والحجَّة فيه كتاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى هرقل، قال القاضي عياض: (وكره مالكٌ معاملة الكفَّار بالدَّراهم التي فيها اسم الله تعالى أو ذكره سبحانه وتعالى) والله أعلم.

قوله: (بَابُ كَراهِيَةِ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّها بتخفيف الياء، وأنَّه يجوز من حيث اللُّغةُ: كراهيٌّ.

(1/5749)

قوله [4]: (وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ... ) إلى آخره: اعترض ابن بطَّال على قوله: (وكذلك يُروى ... ) إلى آخره، فقال: (هذا الباب وقع فيه غلط مِن الناسخ، والصَّواب: البُداءة بالمسند، ثمَّ بقوله: «وكذلك يُروى ... » إلى آخره)، قال شيخنا: (وكذا فعله أبو نعيم) انتهى؛ يعني: أنَّ الصَّواب والعادة: أن يبدأ في الباب بالحديث المُسنَد فيه، ثمَّ يقول: (وكذلك يُروى)، ويذكر المتابعة، وهو اعتراضٌ جيِّدٌ حسنٌ، وجوابه فيما قيل: أنَّه احتاج إلى ذكر المتابعة؛ لأنَّ بعضهم زاد في الحديث: (مخافة أن يناله العدوُّ)، وجعله من كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يصحَّ، وإنَّما هو مِن قول مالك، والله أعلم، وقد قَدَّمتُ أعلاه: هل هو مَرْفوعٌ أو مِن قول مالك.

و (مُحَمَّد بن بشر) هذا: هو العبديُّ، أبو عبد الله، الكوفيُّ، عن هشام بن عروة وخلقٍ، وعنه: عَبْد وأحمد بن الفُرات، قال أبو داود [5]: (هو أحفظ مَن كان بالكوفة)، انتهى، وهو ثبت، أخرج له الجماعة [6]، ووثَّقه ابن معين، تُوُفِّيَ سنة (203 هـ)، و (عُبيد الله): هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب، وقد ذكره بصيغة تمريض، ولم يُخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب إلَّا ما هنا مُمرَّضًا، قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (قال أبو بكر البرقانيُّ: لم يقل: «كره» إلَّا مُحَمَّد بن بشر رواه أبو همَّام عن مُحَمَّد بن بشر كذلك، ورواه عن عبيد [7] الله بن عمر جماعةٌ، فاتَّفقوا على لفظ [8] النَّهي [9])، انتهى.

قال البخاريُّ: (وَتَابَعَهُ ابنُ إِسْحَاقَ)؛ يعني: تابع ابن إسحاق عبيد الله على روايته عن نافع، وهو مُحَمَّد بن إسحاق بن يسار، الإمام في المغازي، تَقَدَّم أنَّ حديثه حسنٌ وفوق الحسن، وليس من شرط البخاريِّ؛ إنَّما أخرج له تعليقًا، ومسلم مقرونًا، وأخرج له بقيَّة الأربعة، وقد تَقَدَّم الكلام فيه [10]، ولم يُخرِّج متابعة مُحَمَّد بن إسحاق أحدٌ مِن أصحاب الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا [11] مُمرَّضًا.

قوله: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ): (يَعْلَمون): بفتح أوَّله وإسكان ثانيه، كذا في أصلنا، وفي نسخة لم تكن في أصلنا: (يُعَلّمون): بضَمِّ أوَّله، وفتح ثانيه، واللَّام مُشدَّدة مفتوحة ومكسورة، فهذه ثلاث رواياتٍ، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (عمرو)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (وهو صحيح مَرْفوعٌ).

(1/5750)

[3] كذا في النُّسختين، ولعلَّ الصَّواب: (فحسب).

[4] (قوله): سقط من (ب).

[5] (أبو داود): سقط من (ب).

[6] (الجماعة): سقط من (ب).

[7] في (ب): (عبد)، وهو تحريفٌ.

[8] في (ب): (اللفظ).

[9] (النهي): سقط من (ب).

[10] (فيه): سقط من (ب).

[11] في (ب): (ههنا).

(1/5751)

[حديث: نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو]

2990# قوله: (أَنْ يُسَافَرَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

==========

[ج 1 ص 760]

(1/5752)

[باب التكبير عند الحرب]

(1/5753)

[حديث: صبح النبي خيبر وقد خرجوا بالمساحي على أعناقهم]

2991# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أمَّا (سفيان)؛ فهو ابن عيينة بغير شكٍّ، وأمَّا (عبد الله بن مُحَمَّد) عنه؛ فهو المُسنديُّ، وقد ذكرت مستندي في ذلك قبل هذا؛ فانظره.

قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، وأمَّا (مُحَمَّد عَنْ أَنَسٍ)؛ فهو ابن سيرين.

تنبيهٌ: من يروي عن أنس في الكتب السِّتَّة أو بعضها، واسمه مُحَمَّد: مُحَمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيميُّ، ومُحَمَّد بن أبي بكر بن عوف بن رَيَاح الثَّقفيُّ، ومُحَمَّد بن سيرين هذا، ومُحَمَّد بن عبد الله بن أبي سُلَيم، ومُحَمَّد بن كعب القرظيُّ، ومُحَمَّد [بن مسلم] [1] بن السَّائب بن خبَّاب [2]، ومُحَمَّد ابن شهاب الزُّهريُّ، ومُحَمَّد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدير القرشيُّ التَّيميُّ، وقد تَقَدَّم هذا التنبيهُ قريبًا، والله أعلم.

قوله: (بِالْمَسَاحِي): تَقَدَّم قريبًا ما هي؛ أنَّها المجارف من حديد.

قوله: (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه الجيش، ولم سُمِّي الجيش خميسًا؛ فانظره، و (الخميس): مَرْفوعٌ معطوف على (مُحَمَّد).

قوله: (فَلَجَؤُوا): هو بهمزة مضمومة بعد الجيم، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (خَرِبَتْ خَيْبَرُ): تَقَدَّم هل قاله تفاؤلًا أو بوحي؛ فانظره.

قوله: (وَأَصَبْنَا حُمُرًا): هذه (الحُمُر) كانت أهليَّة، وهذا معروف ظاهر.

قوله: (فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): (مناديه) في ذلك اليوم: هو أبو طلحة، كما في «مسلم»، وعزاه النَّوويُّ في «مبهمات تهذيبه» إلى أبي يعلى الموصليُّ، ولا حاجة إلى ذلك؛ فهو في «مسلم»، وفي «النَّسائيِّ الصَّغير»: أنَّه عبد الرَّحمن بن عوف، والظاهر أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أمرهما، فناديا، والله أعلم.

قوله: (فَأُكْفِئَتِ): هو بهمزة بعد الياء المثنَّاة من تحت؛ أي: قُلِبت.

(1/5754)

قوله: (تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ): الضمير في (تابعه): يعود على المُسنديِّ _كما ذكرتُ لك قبل هذا بيسير_ الراوي هنا عن سفيان، و (عليٌّ): هو عليُّ بن عبد الله ابن المدينيِّ، وهو شيخ البخاريِّ، وإذا كان كذلك؛ فـ (تابعه): الظَّاهر أنَّها مثل قوله: (قال)، فيكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، كما تَقَدَّم في نظرائه، والله أعلم، وقد أخرج هذه المتابعة في «علامات النُّبوَّة»: عن عليِّ بن عبد الله، كما ذكرت أنَّه ابن المدينيِّ.

تنبيهٌ: ليس في الكتب السِّتَّة عليُّ بن عبد الله إلَّا مَن [3] أذكره: ابن المدينيِّ، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ فقط، وشخص آخر اسمه عليُّ بن عبد الله بن إبراهيم البغداديُّ، يروي عن حجَّاج بن مُحَمَّد، وعنه: البخاريُّ فقط، في (النِّكاح) فقط، وقد روى البخاريُّ حديثًا آخر غير [4] الذي في (النِّكاح): عن عليِّ بن إبراهيم عن روح، فقيل: إنَّه هو، والله أعلم، سئل عنه البخاريُّ فقال: مُتقِنٌ، وعليُّ بن عبد الله بن العبَّاس ليس له في «البخاريِّ» شيء، وقد روى له مسلم والأربعة، وعليُّ بن عبد الله الأزديُّ، روى له مسلم والأربعة، والله أعلم.

==========

[1] (بن مسلم): مستفاد من الموضع السَّابق.

[2] في (ب): (حيان)، وهو تحريف.

[3] زيد في (ب): (رواية من).

[4] في (ب): (عن)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 760]

(1/5755)

[باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير]

(1/5756)

[حديث: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون .. ]

2992# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو الفريابيُّ، لا البخاريُّ [1] البيكنديُّ، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثَّوريُّ، وهذه الطريق لم أرها في «أطراف المِزِّيِّ»، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوريُّ، والله أعلم.

قوله: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه النَّهديُّ عبد الرَّحمن بن مَلٍّ، وتقدَّمت اللُّغات في (ملٍّ)، و (أَبُو مُوسَى): هو عبد الله بن قيس الأشعريُّ، أميره عليه الصَّلاة والسَّلام، تَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (ارْبَعُوا): هو بهمزة وصل، فإذا ابتدأت بها؛ كسرتها، والموحَّدة بعد الرَّاء مفتوحة في كلِّ حال؛ في الدَّرج والابتداء؛ ومعناه: اعطفوا عليها بالرِّفق بها والكفِّ عن الشِّدَّة [2].

==========

[1] زيد في (ب): (البخاري)، وهو تكرارٌ.

[2] هذه الفقرة سقطت من (ب)، وعليها في (أ) علامة تأخير خاطئة.

[ج 1 ص 760]

(1/5757)

[باب التسبيح إذا هبط واديًا]

(1/5758)

[حديث: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا]

2993# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هو [1] الفريابيُّ، كما تَقَدَّم قبلَهُ، وقد قَدَّمتُ الفرق بينه وبين مُحَمَّد بن يوسف البخاريُّ البيكنديُّ، وذكرت الأماكن التي روى فيها البخاريُّ عن البيكنديِّ في أوائل هذا التَّعليق، وأنَّ (سُفْيَان) هو الثَّوريُّ، وذلك لأنَّ (حُصَيْنًا) الذي بعده: هو _ابن عبد الرَّحمن_ بضَمِّ الحاء وفتح الصَّاد المهملتين، وقد ذكروا أنَّ الثَّوريَّ روى عنه، ذكر ذلك عبد الغنيِّ والذَّهبيُّ في «تذهيبه»، ولم ىذكرا ابن عيينة أنَّه روى عنه، والله أعلم [2].

قوله: (كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا؛ كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا؛ سَبَّحْنَا): إنَّما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أشرافه على الجبال يكبِّر؛ استشعارًا للكبرياء

[ج 1 ص 760]

لله عندما تقع عليه العين من عظيم خلقه أنَّه أكبر من كلِّ شيء، وليس ذلك على أنَّ غيره كبير، وإنَّما معنى قولهم: اللهُ أكبرُ؛ أي: الله الكبير، وأمَّا تسبيحه في بطون الأودية؛ فإنَّه مُستنبَط مِن قصَّة يونس وتسبيحه في بطن الحوت، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143]؛ الآية، فنجَّاه الله بذلك من الظُّلمات، فامتثل الشَّارع هذا التَّسبيح في بطون الأودية؛ ليُنجِّيَه الله منها، ومِن أن يدركَه عدوٌّ، وقيل: إنَّ تسبيح يونسَ كان صلاةً كانتْ قبل أن يبتلَعه الحوت، فرُوعيَ فيه فضلُها، قال شيخنا [3]: (والأوَّل أولى؛ بدليل التَّسبيح مِن الشارع في بطون الأودية وكلِّ منخفض)، قال: (وقيل: معنى تسبيحِه هنا في ذلك: أنَّه لمَّا كان التكبير لله تعالى عند رؤية عظيم مخلوقاته؛ وجب أن يكون فيما انخفض مِن الأرض تسبيحٌ لله تعالى؛ لأنَّ التَّسبيح في اللُّغة [4]: تنزيهُ الله تعالى مِن النَّقائص؛ كالولد والشَّريك والصاحبة؛ فـ «سبحان الله»: براءته من ذلك)، انتهى.

==========

[1] (هو): سقط من (ب).

[2] هذه الفقرة جاءت في النُّسختين بعد الفقرة اللَّاحقة، والصَّواب تقديمها.

[3] (قال شيخنا): سقط من (ب).

[4] (في اللغة): سقط من (ب).

(1/5759)

[باب التكبير إذا علا شرفًا]

قوله: (إِذَا عَلَا شَرَفًا): هو بفتح الشين المعجمة والرَّاء، وبالفاء؛ ما علا من الأرض.

(1/5760)

[حديث: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا تصوبنا سبحنا]

2994# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة وتشديد الشين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، وتَقَدَّم ما البُنْدار، و (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): تَقَدَّم أنَّه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ، أبو عمرو، البصريُّ، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، و (حُصَيْنٍ): تَقَدَّم أعلاه [1] أنَّه بضَمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرَّحمن، و (سَالِم): هو ابن أبي الجعْد.

قوله: (كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا): (صعِد): بكسر العين في الماضي، وفتحها في المستقبل، وهذا ظاهرٌ.

قوله: (وَإِذَا تَصَوَّبْنَا؛ سَبَّحْنَا): أي: نزلنا.

==========

[1] (أعلاه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 761]

(1/5761)

[حديث: كان النبي إذا قفل من الحج أو العمرة ولا أعلمه إلا قال .. ]

2995# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ [1]: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ): ذكر الجيَّانيُّ هذا المكان في «تقييده»، ثمَّ قال: (هكذا أتى إسنادُ هذا الحديث: «حدَّثنا عبد الله»؛ غير منسوب عن أبي زيد وأبي أحمد، ونسبه ابن السَّكن فقال: «حدَّثنا عبد الله بن يوسف»، وذكره أبو مسعود الدِّمشقيُّ عن البخاريِّ: «عن عبد الله» غير منسوب، ثمَّ قال: وهذا الحديث رواه الناس عن عبد الله بن صالح، وقد رُوي أيضًا عن عبد الله بن رجاء البصريِّ، والله أعلم أيُّهم هو) انتهى، وقد ذكر المِزِّيُّ كلام أبي مسعود عقب تطريف الحديث.

قوله: (إِذَا قَفَلَ): أي: رجع، وهو بفتح القاف والفاء، وباللَّام، وكذا تَقَدَّم (الثَّنِيَّة): أنَّها الطريق في الجبل.

[قوله: (إِلَّا قَالَ: الْغَزْو): يجوز في (الغزو): النَّصب والجرُّ، والله أعلم] [2].

قوله: (أَوْ فَدْفَدٍ): هو بفاءَين مفتوحتين، بعد كلِّ فاء دالٌ مهملةٌ؛ الأولى ساكنة، وهي الفلاة من الأرض لا شيء فيها، وقيل: الغليظة من الأرض ذات الحصى، وقيل: الجلد من الأرض في ارتفاع.

قوله: (وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ): تَقَدَّم أنَّهم الذين جاؤوا من الكفَّار لحرب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الخندق، وتَقَدَّم متى كانت غزوة الخندق، وكم كان عددُ المشركين، وكم كان عدد المسلمين في الخندق، والله أعلم.

قوله: (قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ): (صالح) هذا: هو ابن كيسان المذكور في السَّند.

[قوله: (أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللهِ [3]): يعني: عبد الله بن عمر المذكور في السَّند] [4].

قوله: (إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: لَا): يعني: عند قوله: (آيِبُون).

(1/5762)

[باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة]

قوله: (بَابٌ يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (حمله بعضهم على النَّوافل وحجَّر واسعًا، بل يدخل فيه الفرائض التي شأنه أن يعمل بها، وهو صحيح، إذا عجز عن جملتها أو عن بعضها لمرض؛ كُتِب له أجرُ ما عجز عنه فِعْلًا؛ لأنَّه قام به عزمًا إن لو كان صحيحًا، حتَّى صلاة الجالس في الفرض لمرضه؛ يُكتَب له عنها أجرُ صلاة القائم، والله أعلم، وظاهر التَّرجمة أنَّه نزَّله على إطلاقه) انتهى، وما قاله حسنٌ ظاهرٌ صحيحٌ.

==========

[ج 1 ص 761]

(1/5763)

[حديث: إذا مرض العبد أو سافر]

2996# قوله: (حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ): هذا هو ابن حَوْشب؛ بالحاء المهملة المفتوحة، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ شين معجمة مفتوحة، ثمَّ موحَّدة، و (العوَّام): واسطيٌّ، أحد الأعلام، أخرج له الجماعة، وهو ثقة.

قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ): هو بفتح السِّينَين المهملتين، بعد كلِّ سينٍ كافٌ؛ الأولى ساكنة، و (السَّكاسك): قبيلةٌ من اليمن، وهو السكاسك بن وائلة بن حِمير بن سبأ، وقد تَقَدَّم.

قوله: (سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ اسمه الحارث _أو عامر_ ابن أبي موسى عبدِ الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، تَقَدَّم مُتَرجَمًا [1].

[ج 1 ص 761]

قوله: (بَابُ السَّيْرِ وَحْدَهُ): وفي بعض النُّسخ: (باب السَّير باللَّيل وحده)، ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (سُيِّر الزُّبير؛ ليتجسَّس للمسلمين، فالوحدة فيه مطلوبة، بخلافها في السَّفر) انتهى، قال السُّهيليُّ في «روضه» في (غزوة الحديبية): (وفيه: أنَّه بعث عينًا له من خزاعة إلى مكَّة؛ فدلَّ على أنَّه يجوز للرَّجل أن يسافر وحده إذا مسَّتِ الحاجة إلى ذلك، أو كان في ذلك صلاحٌ للمسلمين) انتهى.

==========

[1] (مُتَرجَمًا): سقط من (ب).

(1/5764)

[باب السير وحده]

(1/5765)

[حديث جابر: إن لكل نبي حواريًا وحواري الزبير]

2997# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبير، وتَقَدَّم الكلام على هذه النِّسبة لماذا، وتَقَدَّم أيضًا مرارًا أنَّ (سُفْيَان) بعده هو ابن عيينة.

قوله: (نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى قوله: (فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ): أي: دعاهم؛ فأجابه الزُّبير.

تنبيهٌ: تَقَدَّم أنَّ [1] قوله يوم الخندق: (بَعَثَ الزُّبير)؛ فيه نظر، وقد تَقَدَّم ما في ذلك، وسيجيء أيضًا، والمعروف: إنَّما أرسل حذيفةَ، وقَدَّمتُ جمعًا، وسأذكره أيضًا.

قوله: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا): تَقَدَّم الكلام على (الحواريِّ)، وأنَّه مصروف، وما هو الحواريُّ، وتَقَدَّم أنَّ الحواريِّين من الصَّحابة اثنا عشر؛ تسعة من العشرة، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليس منهم، والثلاثة؛ حمزة، وجعفر، وعثمان بن مظعون، والله أعلم.

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: والْحَوَارِيُّ [2]: النَّاصِرُ): (سفيان) هذا: هو ابن عيينة، وهو المذكور في السند.

(1/5766)

[حديث: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

2998# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ.

قوله: (ح [1]): تَقَدَّم الكلام عليها كتابةً والنُّطق بها [2] في أوَّل هذا التَّعليق.

قوله: (وحَدَّثَنَا [3] أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، كذا في أصلنا الذي سمعنا فيه على العراقيِّ، وكذا في أصلنا الدِّمشقيِّ، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه» بعد أن طرَّف طريق أبي الوليد ما لفظه: (وقال عقبة: وأبو نعيم عن عاصم بن مُحَمَّد؛ فذكره، ولم يقل: حدَّثنا أبو نعيم، ولا قال في كتاب «حمَّاد بن شاكر»: حدَّثنا أبو نعيم) انتهى، وقد علمتَ ما في أصلنا، ونقل شيخنا عن نسخة الدِّمياطيِّ كما في أصلنا، قال: وكذا ذكره أبو نعيم في «مستخرجه» انتهى.

قوله: (مَا فِي الْوَحْدَةِ): هي بفتح الواو [4]، وإسكان الحاء المهملة، معروفةٌ، وقال شيخنا: (وقال ابن التِّين: ضُبِطَت بفتح الواو وكسرها، فأنكر أهل اللُّغة الكسرَ) انتهى.

(1/5767)

[باب السرعة في السير]

قوله: (وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ): هو بضَمِّ الحاء، وفتح الميم، وهو عبد الرَّحمن بن عمرو بن سعد الساعديُّ، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجيُّ، مدنيٌّ، تُوُفِّيَ في آخر خلافة معاوية، روى عنه جماعةٌ، ووصف صلاتَه عليه الصَّلاة والسَّلام، وقد تَقَدَّم ببعض ترجمة، ولا أعلم في الصَّحابة مَن يقال له: أبو حُمَيد مشتهرًا بذلك غيرَه، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند».

==========

[ج 1 ص 762]

(1/5768)

[حديث: فكان يسير العنق فإذا وجد فجوةً نص]

2999# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيدٍ القطَّان، شيخ الحُفَّاظ، تَقَدَّم مرارًا، وكذا قوله: (قَالَ [1] يَحْيَى: يَقُولُ): هو ابن سعيد القطَّان المذكورُ في السند.

قوله: (كَانَ [2] يَسِيرُ الْعَنَقَ): هو بفتح العين والنون، وبالقاف، وهو سيرٌ سهلٌ في سرعةٍ، ليس بالشديد، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (الفَجْوَةَ)؛ وهو المتَّسع من الأرض، وفي «المُوَطَّأ»: (فرجة)، وكذا (النَّصُّ) ضبطًا ومعنًى، وهو منتهى الغاية في كلِّ شيء.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (كَانَ).

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فَكَانَ).

[ج 1 ص 762]

(1/5769)

[حديث: إني رأيت النبي إذا جد به السير أخر المغرب.]

3000# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه سعيد بن أبي مريم الحكمِ بن مُحَمَّد.

قوله: (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ): هذا هو مُحَمَّد بن جعفر بن أبي كثير المدنيُّ، عن زيد بن أسلم وطبقتِه، وعنه: سعيد بن أبي مريم، والأويسيُّ، وطائفةٌ، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين، وقال ابن المدينيِّ: معروفٌ، وقال النَّسائيُّ: صالح.

قوله: (فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ): تَقَدَّم أنَّ هذه زوجُ ابن عُمر، وأنَّها أختُ المختار بن أبي عُبيد الكذَّاب، وتَقَدَّم بعض ترجمتها، وقد وثَّقها أحمدُ العجليُّ، كما رأيته في «ثقاته»، وأخرج لها مسلمٌ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وعلَّق لها البخاريُّ.

قوله: (شِدَّةُ وَجَعٍ): (شدَّةُ): مَرْفوعٌ فاعل (بَلَغَ)، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

==========

[ج 1 ص 762]

(1/5770)

[حديث: السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه]

3001# قوله: (عَنْ سُمَيٍّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بوزان (عُلَيٍّ) المصغَّر، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات.

قوله: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ): تَقَدَّم الكلام عليه من عند المحبِّ الطبريِّ، وأنَّه قطعة من عذاب الزاني غيرِ المُحصَن؛ وهو تغريبُه، وذكرت فيه غيرَ ذلك عن إمام الحرمين، وذكرتُ أنَّ بعض مشايخي قال لي: مرَّ بي في بعض الأجزاء عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: لولا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «السَّفَر قطعةٌ من العذاب»؛ لقلتُ: إنَّ العذابَ قطعةٌ من السَّفَر، والله أعلم.

قوله: (نَهْمَتَهُ): هي بفتح النون، الشَّهوة والشغل، وقال شيخنا: بفتحها وكسرها، ونقله بعضُهم عن السَّفاقسيِّ _أعني: الكسر_، وهو [1] ابن التِّين.

==========

[1] في (ب): (والسفاقسي هو).

[ج 1 ص 762]

(1/5771)

[باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع]

قوله: (حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ): تَقَدَّم أنَّ معناه: أعطاها لمن يجاهد عليها في سبيل الله، وتَقَدَّم أنَّ هذه الفرسَ اسمُها الوردُ، وأنَّ تميمًا الداريَّ أهداها للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعُمرَ، فأعطاها عُمرُ لمن يجاهد عليها، وتَقَدَّم أنَّ الذي حمله عمر عليها لا أعرفُ اسمه، والله أعلم.

[ج 1 ص 762]

(1/5772)

[حديث: لا تشتره وإن بدرهم فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه]

3003# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي أويسٍ عبدِ الله، ابن أخت مالكٍ الإمامِ.

قوله: (وَإِنْ بِدِرْهَمٍ): (إِنْ): بكسر الهمزة، وسكون النون؛ أي: وإن أعطاكه بدرهم.

قوله: (فِي قَيْئِهِ): تَقَدَّم أنَّ (القيء) مهموز الآخر.

==========

[ج 1 ص 763]

(1/5773)

[باب الجهاد بإذن الأبوين]

قوله: (بَابُ الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (وجه التَّرجمة: أنَّه أثبت لهما حقًّا يتقدَّم على الجهاد، والقاعدة: أنَّ ذا الحقِّ إذا أسقط حقَّه؛ سقط) انتهى.

==========

[ج 1 ص 763]

(1/5774)

[حديث: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد]

3004# قوله: (حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، وهذا معروفٌ عند أهله.

قوله: (سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ): تَقَدَّم أنَّ اسمَ أبي العبَّاس السَّائب بن فَرُّوخَ، وفَرُّوخ: بفتح الفاء، وتشديد الراء مضمومة، وفي آخره خاء معجمة، غير منصرفٍ؛ للعجمة والعلميَّة، ثقةٌ مشهورٌ، أخرج له الجماعة.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ ... ) إلى آخره: هذا (الرجل) ووالداه لا أعرفهم، وكذا قال ابن شيخِنا البلقينيِّ: لم أقف على تعيين هذا _يعني: الرجل_ لكن في «أُسْد الغابة» في ترجمة طلحة بن معاوية بن جاهمة السُّلَمِيِّ، قال: وقد رُويَ هذا الحديث لجاهمة أَبيه، وهو في «البيهقيِّ»، وفي «الأُسْد» ساق الحديثَ في ترجمة جاهمة بن العبَّاس بن مرداس السُّلَميِّ، ثمَّ ذكره في معاوية؛ يعني: ابن جاهمة، فذكر نحوه، قال: فظهر من ذلك الخلافُ فيمَن وقعت هذه الواقعةُ له؛ هو طلحة، أو هو أبوه معاوية، أو جدُّه جاهمة، وما ذكره ابن جريج أثبتُ؛ وهو الذي أخرجه البيهقيُّ، انتهى، وقال بعضُ حُفَّاظ مصر من المتأخِّرين: (يحتمل أن يُفَسَّر بجاهمة، أو بمعاوية بن جاهمة، رواه البيهقيُّ وغيره) انتهى.

(1/5775)

[باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل]

قوله: (بَابُ مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ): إن قلت: لا ذكر للجرس في الحديث؛ قلت: تمحَّل [1] له بعضُهم بقول الخطَّابيِّ: (أمر بقطع القلائد؛ لأنَّهم كانوا يُعلِّقون فيها الأجراسَ)، وليس بجيِّد، ففي «المُوَطَّآت» للدراقطنيِّ من رواية عثمان بن عمر [2]، عن مالكٍ به، وفيه: (ولا جرسَ في عنق بعيرٍ إلَّا قُطِع)، ومن عادته الإحالة على أطراف الحديث في التبويب، قاله شيخنا، انتهى، ثمَّ ذكر بعد هذا بقليل من عند ابن حِبَّان حديثًا من طريق أنسٍ رضي الله عنه [3]: (أمرَ بقطع الأجراس)، فيحتمل أنَّه أراد هذا، ولكنَّ الأوَّل أظهرُ في إرادته، والله أعلم، انتهى، ولكن في «مسلم»: (قال مالكٌ عَقيبه: أُرى ذلك من العين)، وفي «المُوَطَّأ» إثر [4] الحديث المخرَّج هنا: (إنَّما كُرِه؛ من أجل أنَّهم يزعُمون أنَّها تدفع العين)؛ يعني: أنَّ النهي مختصٌّ بمَن فعل ذلك بسبب [5] دفع ضرر العين، وأمَّا مَن فعله لغير ذلك من زينةٍ أو غيرِها [6]؛ فلا بأسَ به.

تنبيهٌ: قال ابن الصلاح في «فتاويه» [7]: (كتابة الحروف واستعمالها مكروهٌ، وترك تعليقها هو المختار)، وقال في فتوى أخرى: (يجوز تعليق الحروز [8] التي فيها قرآنٌ على النساء والصبيان والرجال، ويُجعَل عليها شمعٌ ونحوُه، ويُستوثَق من النساء وشبههنَّ من التحذير من دخول الخلاء بها، والمختار: أنَّه لا يُكرَه إذا جُعِل عليه شمعٌ ونحوه؛ لأنَّه لم يرد فيه نهيٌ)، ونقل ابن جرير الطبريُّ عن مالكٍ نحوَ هذا، فقال: (قال مالكٌ: لا بأس بما يُعلَّق على النساء الحُيَّض والصبيان من القرآن إذا جُعِل في كنٍّ؛ كقصبة حديد أو جلد، يُحرَز عليه)، قال النَّوويّ: (وقد يُستَدلُّ للإباحة بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُعلِّمهم من الفزع: «أعوذ بكلمات الله التامَّة، من غضبه، وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين، وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون»، قال: وكان عبد الله بن عمرو يُعلِّمهن مَن عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه، فأعلقه عليه، رواه أبو داود، والتِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ) انتهى.

(1/5776)

قوله: (فِي الْجَرَسِ): هو بفتح الجيم والراء، وبالسين المهملة، قال ابن قُرقُول: والجرس: الجلجل، وأصله: صوتٌ متدارك، ويُقال للصوت: جَرْسٌ، وجِرْسٌ، قال القاضي عياض: وقيَّدناه في قوله: «لا تصحب الملائكة رفقةً فيها جرْس»؛ بإسكان الراء، انتهى، وفي «البخاريِّ»: (الجَرْس والجَرَس واحدٌ: الصوت الخفيُّ)، وهذا صحيحٌ، واختار ابن الأنباريِّ الفتحَ إذا لم يتقدَّمه حسٌّ، فإن تقدَّمه؛ فالكسر، قال ابن قرقول: وهذا قول فصحاء العرب، انتهى.

والذي رأيته في «البخاريِّ»: (الحسيس والحِسُّ والجَرْسُ والهَمْسُ واحد، وهو من الصوت الخفيِّ)، كذا رأيته في (سورة الأنبياء) عليهم الصَّلاة والسَّلام، والله أعلم.

(1/5777)

[حديث: أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت]

3005# قوله: (أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ [1]): هو بفتح الموحَّدة، وكسر الشين المعجمة، وهو أنصاريٌّ مدنيٌّ، له صحبة ورواية، عنه: عبَّاد بن تميم، وضمرة بن سعيد، وغيرُهما، له ثلاثةُ أحاديثَ، قال الذهبيُّ في «تجريده» في (الكنى): (أبو بَشِير الأنصاريُّ المازنيُّ، وقيل: الساعديُّ، روى عنه عبَّاد بن تميم وغيرُه، شهد بيعة الرضوان، قيل: اسمه قيس بن عبيد، شهد الحديبية، وبقي [2] بعد الحرَّة، وقد جُرِح يومئذٍ)، وقال في (الأسماء): (قيس بن عبيد النجَّاريُّ المازنيُّ، أبو بَشِير، غزا أُحُدًا وما بعدها، وقُتِل باليمامة) انتهى؛ انظر ما هذا؟! وقال في «التذهيب»: قال الواقديُّ: (مات بعد الحرَّة، وكان قد عُمِّر عمرًا طويلًا، وقال غيره: مات سنة أربعين) انتهى، أخرج لأبي بَشِير البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، وأحمد في «المسند»، وفي حاشية أصلنا المصريِّ: ليس لأبي بَشِير [3] في هذا الكتاب مسندٌ سوى هذا الحديث، واسمه [4] قيس الأكبر، قاله الحافظ عبد الغني المقدسيُّ، انتهى، ولم يذكر المِزِّيُّ له في «أطرافه» سوى هذا الحديث الواحد، وهو في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «أبي داود»، والنَّسائيِّ»، إلَّا أنَّ في رواية النَّسائيِّ: (عن عبَّاد بن تميم، عن رجلٍ من الأنصار)، ولم يقل: أبا بَشِير، والله أعلم.

قوله: (فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ [5]: أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ ... )؛ الحديث: هذا (الرسول) هو زيدٌ مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قاله ابن بشكوال في «مبهماته»، انتهى، والحجة له في «مسند الحارث بن أبي أسامة»، وفي «مسند الجوهريِّ»، انتهى، وقال شيخنا عن ابن عبد البَرِّ: وهو عندي ابنُ حارثة.

قوله: (أَنْ لَا يُبَقَّيَنَّ): هو بضَمِّ أوَّله، وفتح الموحَّدة ثانيه، وبعد القاف [المشدَّدة] مثنَّاة تحت، [ثمَّ نون] مشدَّدة، وهو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، وفي أصلنا: (يَبْقَيَنَّ): بفتح أوَّله، وسكون ثانيه [6].

قوله: (قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ): هو بفتح الواو والمثنَّاة فوق، وقال ابن الجوزيِّ: وربما صحَّف مَن لا علم له بالحديث فقال: (من وَبَر)؛ بالموحَّدة، قاله شيخنا رحمه الله.

(1/5778)

[باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟]

قوله: (بَابُ مَنِ اكْتُتِبَ [1]): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه.

==========

[1] في (ب): (البيت)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 763]

(1/5779)

[حديث: لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم]

3006# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن عُيَينة فيما يظهر، و (عَمْرو) بعده: هو ابن دينار، و (أَبُو مَعْبَدٍ): هو نافذ _بالفاء والذال_ مولى ابن عبَّاس، تَقَدَّم مُتَرجَمًا.

قوله: (فَقَامَ رَجُلٌ): هذا (الرجل) لا أعرفه [1]، كما لا أعرف (امرَأَتَهُ).

[ج 1 ص 763]

==========

[1] في (أ): (أعرف)، وهو تحريفٌ.

(1/5780)

[باب الجاسوس]

==========

[ج 1 ص 764]

(1/5781)

[حديث: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنَّ بها ظعينة ومعها كتاب]

3007# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: هو ابن عيينة.

قوله: (أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو الحسن بن مُحَمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، أبوه ابن الحنفيَّة، وقد تَقَدَّم في أوائل هذا التَّعليق مُتَرجَمًا، وأنَّه أوَّل المرجئة، وله في ذلك تصنيفٌ، أخرج له الجماعة، تُوُفِّيَ سنة (95 هـ)، وقيل بعد ذلك، وقد تَقَدَّم في (الإيمان) تنبيهٌ [1]؛ فانظره إن أردته.

قوله: (أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ): (الزبيرَ): مَنْصوبٌ، ونصبه معروفٌ، و (المقدادَ): معطوف [2] عليه، وفي بعض طرقه: (أنا والزبير)، وفي بعضها: (بعث عليًّا والمقدادَ)، وفي بعضها: (بعثَ عليًّا والزبير وأبا مرثد)، فالظاهر أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بعث المجموع؛ عليًّا، والزبير، والمقداد، وأبا مرثد، وهو الغَنَويُّ، ونقل شيخنا عن الواحديِّ: (فبعث عليًّا، وعمَّارًا، وعمر، والزبير، وطلحة، والمقداد، وأبا مرثد) انتهى، وما نقله شيخنا عن الواحديِّ هو في («تفسير البغويِّ» بلا عُمر، وفي) [3] «زوائد المعجَمين [4] الأوسط والأصغر [5] للطبرانيِّ»: (أنَّه بعث عُمر وعليًّا).

قوله: (رَوْضَةَ خَاخٍ): هي بخاءين معجمتين، بينهما ألف، وهي بقرب حمراء الأسَد من المدينة، وذكره البخاريُّ من رواية أبي عوانة: (حاج)؛ بحاء مهملة وفي آخره جيم، وهو وَهَمٌ من أبي عوانة، وحكى الصائديُّ: (أنَّه موضعٌ قريبٌ من مكَّة)، والأوَّل أصحُّ، قال بعضَ ذلك ابنُ قُرقُول، وقال شيخنا: قال السُّهيليُّ: وكان هشيم يصحِّفها فيقول: (حاج)؛ بحاء وجيم، انتهى، يعني: كما يقولها أبو عوانة.

قوله: (فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً): (الظعينة): المرأة، وأصله: الهودج الذي تكون فيه الظعينة، ثمَّ سُمِّيَت المرأةُ ظعينةً به، وقد لا يُقال: ظعينة إلَّا للمرأة إذا كانت راكبةً، وكثر حتَّى استُعمِل في كلِّ امرأةٍ، وحتَّى سُمِّيَ الجملُ الذي تركبُ عليه المرأة ظعينةً، ولا يُقال ذلك إلَّا للجمل الذي عليه هودجٌ، وقيل: سُمِّيَت المرأة ظعينةً؛ لأنَّها يُظعَن بها ويُرحَل.

(1/5782)

فائدةٌ: هذه المرأة اختُلِف في اسمها، فقال الخطيب: (أمُّ سارة، مولاةٌ لعِمران بن أبي صيفيٍّ [6] القرشيِّ) انتهى، ويقال: سارة، انتهى، وسمَّاها مغلطاي: كنودَ [7]، ونسبها: المزنيَّة، انتهى، وفي كلام بعضهم: أنَّها مولاة العبَّاس بن عبد المطَّلب، وسمَّاها: سارة، انتهى، وفي الصَّحابة امرأة يقال لها: أمُّ سارة، مولاةٌ لقريش، شكت الحاجة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، رواه قتادةُ عن أنس، فالله أعلم.

قوله: (أَخْرِجِي): هو بقطع الهمزة، رُباعيٌّ.

قوله: (أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ): قال شيخنا: قال ابن التِّين: صوابه في العربيَّة: (لنُلْقِنَّ) [8]؛ بحذف الياء؛ لأنَّ النون المشدَّدة تجتمع مع الياء الساكنة، فتُحذَف الياء؛ لالتقاء الساكنين، انتهى.

قوله: (فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا): (العِقاص): بكسر العين، جمع (عِقْصة)؛ بكسر العين، ولها جمع آخر وهو: عِقَصٌ، قال الجوهريُّ: (العقيصة: الضَّفيرة، وعَقْصُ الشَّعر: ليُّه على الرأس)، قال أبو عُبيد: ولهذا تقول النِّساء [9]: لها عِقْصة، وجمعها: عِقَصٌ وعِقَاصٌ، ويقال: هي التي تتَّخذ مِن شعرها مثل الرُّمانة، وكلُّ خصلة منها: عِقْصة، والجمع: عِقاص وعقائص)، قال شيخنا: (قال المنذريُّ: ويقال في الخيط الذي يجتمع به أطرافُ الذَّوائب، وبه جزم ابن التِّين) انتهى.

تنبيهٌ: هنا أنَّها أخرجته من عِقاصها، وسيأتي أنَّها أخرجته من حُجْزتها، وهي مُحتجِزة بكساء [10]، والحجزة: معقِد الإزار والسَّراويل، والجمع بينهما: أنَّ ضفائرها كانت طوالًا، فجعلت الكتاب في عقِاصها، وجعلت عِقاصَها في حجزتها، والله أعلم.

(1/5783)

قوله: (فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ): هو حاطب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيُّ، من ولد لخم بن عديِّ، في قول بعضهم، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا مُحَمَّد، واسم (أبي بلتعة): عمرو، قيل: حاطب بن عمرو بن راشد بن معاذ اللَّخْميُّ، حليفُ قريش، ويقال: إنَّه من مذحج، وقيل: حليف للزُّبير بن العوَّام، وقيل: بل كان عبدًا لعُبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزَّى بن قصيٍّ، وكاتَبه، فأدَّى كتابته يوم الفتح، وهو من أهل اليمن، والأكثر أنَّه حليف لبني أسد [11] بن عبد العزَّى، شهد بدرًا والحديبية، ومات سنة (30 هـ) بالمدينة، وهو ابن خمس وستِّين سنة، وصلَّى عليه عثمان، شهد الله له بالإيمان في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، ترجمته معروفة، فلا نُطوِّل بها رضي الله عنه، قال السُّهيليُّ: (وقد قيل: إنَّه كان في الكتاب الذي كتبه حاطبٌ: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد توجَّه إليكم بجيش كاللَّيل يسير كالسَّيل، وأُقسمُ بالله لو صار إليكم وحده؛ لنصره الله عليكم، فإنَّه مُنجِز له ما وعدَه)، وقيل: كان فيه: إنَّ مُحَمَّدًا قد نفر، فإمَّا إليكم، وإمَّا إلى غيركم، فعليكم الحذرَ، عزاه السُّهيليُّ لـ «تفسير ابن سلَّام»، وهو يحيى بن سلَّام _بتشديد اللَّام_ البصريُّ، حدَّث بالمغرب، عن سعيد بن أبي عَروبة، ومالك، وجماعة، ضعَّفه الدَّراقطنيُّ، وقال ابن عديٍّ: (يُكتَب حديثه مع ضعفه)، انتهى، وقد ذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» عن أبيه: (أنَّه صدوق)، انتهى، وذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، وله في «الميزان» ترجمةٌ، وقال شيخنا عن الواحديِّ: (إنَّه كتب في الكتاب: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يريدكم، فخذوا حذركم) انتهى، وهو قريب ممَّا عند ابن سلَّام، ونقل شيخنا أيضًا بعدما ذكر ما عند السُّهيليِّ وعند ابن سلَّام، وقيل: كان فيه أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أذَّن في النَّاس بالغزو، ولا أُراه يريد غيركم، فقد أحببتُ أن يكون لي عندكم يدٌ بكتابي إليكم، قال القرطبيُّ: (ويحكى أنَّه كان في الكتاب يفخِّم جيش رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّهم لا طاقة لهم به) انتهى، وهذا معنى ما نقله السُّهيليُّ [12]، وهو القول الأوَّل.

(1/5784)

قوله: (إِلَى نَاسٍ [13] مِنَ الْمُشْرِكِينَ): قال شيخنا: (وكان كتب إلى ثلاثةٍ من قريش: صفوان بن أميَّة، وسُهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل) انتهى.

قوله: (وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا): هو بضَمِّ الفاء، وقد قَدَّمتُ أعلاه أنَّه حليفٌ لبني أسد بن عبد العزَّى من قريش، وما قيل فيه.

قوله: (يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي): في حفظي: أنَّه كان له فيهم والدةٌ، والله أعلم، ورأيت [14] في كلام بعضهم: أنَّه كان له فيهم أهلٌ وولدٌ، هذا معنى كلامه لا لفظُه.

(1/5785)

قوله: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ): هذا مُشكِل؛ لأنَّه إباحةٌ مطلقةٌ، وهو خلاف الشرع، وقيل: ليس هو للاستقبال؛ بل للماضي، وتقديره: أيُّ عمل كان لكم فيه؛ فقد غفرته، وهو ضعيف؛ لأنَّه خاطب به مَن فعله بعد بدر، وقيل: بل خطابُ إكرامٍ وتشريف؛ أي: أنَّ هذا القوم حصلت لهم حالةٌ غفرتُ بها ذنوبهم السَّابقة، وتأهَّلوا بها أن يُغفَر لهم ذنوبٌ إن وقعت منهم، وينبغي أن يُغفَر لهم ما تَقَدَّم مِن ذنوبهم وتأخَّر [15]؛ لظاهر اللَّفظ، ولأنَّ المنذريَّ صحَّح حديثًا في جزء [16] جَمَع فيه غفرانَ ما تَقَدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، وليس هو حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّها سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «مَن أهلَّ بحجَّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غُفِر له ما تَقَدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، أو وجبت له الجنَّة»، شكَّ عبد الله أحدُ رواته، رواه أبو داود واللَّفظ له، وابن ماجه، وصحَّحه ابن حِبَّان، وخالف ابن حزم فوهاه، قال شيخنا المؤلِّف في «تخريج [17] أحاديث التُّحفة» بما يثبت غلطه في «تخريج أحاديث الرَّافعيِّ»، انتهى، فإذا كان يغفر له بهذا _إن كان قاله عليه الصَّلاة والسَّلام، وهي مسألة اختُلِف في استحبابها وكراهيتها بين السَّلف وغيرهم_؛ فكيف لا يُغفَر لأهل بدر ذلك؟ [وقد أخرج أبو داود حديثًا في (اللِّباس)، وسكت عليه، فيه غفران ما تَقَدَّم وتأخَّر [18]، ومتنه: عن معاذ بن [19] أنس عن أبيه [20]: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من أكل طعامًا [21] ثمَّ قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطَّعامَ ورزقنيه من غير حول منِّي ولا قوَّة؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّم مِن ذنبه، ومَن لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منِّي ولا قوَّة؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر»] [22]، نعم؛ إذا أصاب أحدهم حدًّا؛ أُخِذَ به في الدُّنيا، وقد جلد عليه الصَّلاة والسَّلام مسطحًا حدَّ القذف على الصَّحيح، وجلد [23] النُّعمان حدَّ الخمر، والله أعلم.

(1/5786)

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا): أمَّا (سفيان)؛ فقد تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة، وأمَّا (الإسناد)؛ فهو عمرو بن دينار أحد أعلام التابعين، وشيخه فيه الحسن بن مُحَمَّد ابن الحنفيَّة، قال عمرو بن دينار: (أخبرنا الحسن بن مُحَمَّد)، ولم أر أحدًا قطُّ أعلمَ منه، وأمَّا (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ) مولى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فكان من علماء المدينة، وأمَّا (عَلِي)؛ فعليُّ بن أبي طالب، ومحلُّه من العلم والفضل ما هو معروفٌ مشهورٌ عند الموافِق والمخالِف.

[ج 1 ص 764]

==========

[1] في (ب): (بيسير).

[2] في (ب): (معروف)، وهو تحريفٌ.

[3] ما بين قوسين سقط من (ب).

[4] في (ب): (رواية المعجم).

[5] في (ب): (والأصمعي)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (ضبعي)، وهو تحريف.

[7] في (ب): (الكنود).

[8] زيد في (ب): (الثياب).

[9] في (ب): (يقول الناس).

[10] في (ب): (بنساء)، وهو تحريفٌ.

[11] في (ب): (الأسد).

[12] زيد في (ب): (انتهى)، ولعلَّه تكرارٌ.

[13] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أناس).

[14] في (ب): (واعلم أني رأيت).

[15] في (ب): (وما تأخر).

[16] في (ب): (أجر)، وهو تحريفٌ.

[17] (تخريج): سقط من (ب).

[18] في (ب): (وما تأخر).

[19] (معاذ بن): سقط من (ب).

[20] (عن أبيه): سقط من (ب).

[21] زيد في (ب): (عن أبيه)، وليس بصحيحٍ.

[22] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله لاحقًا: (حد الخمر، والله أعلم).

[23] في (ب): (وحد).

(1/5787)

[باب الكسوة للأسارى]

قوله: (بَابُ الْكسْوَةِ لِلأُسَارَى): (الكسوة): بضَمِّ الكاف وكسرها؛ لغتان معروفتان.

==========

[ج 1 ص 765]

(1/5788)

[حديث: لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب]

3008# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المُسنديُّ، كما نصَّ عليه المِزِّيُّ في «أطرافه»، و (عَمْرو) هذا: هو ابن دينار الإمامُ.

قوله: (وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ): (أُتِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهو العبَّاس بن عبد المطَّلب الهاشميُّ عمُّ رسول الله، وهذا معروفٌ، وفي الصَّحابة مَن اسمه العبَّاس بالعمِّ [1] ثمانية، والله أعلم.

قوله: (عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ): تقدَّمت ترجمته، وأنَّه رأس المنافقين، فلا حاجة إلى إعادتها.

قوله: (يقْدرُ عَلَيْهِ): هو بفتح المثنَّاة تحت وضمِّ الدَّال المهملة، وبضَمِّ الياء أيضًا وفتح الدَّال، قال ابن قُرقُول: (وبالوجهين ضبطها الأصيليُّ؛ أي: على قدره)، وكان العبَّاس طويلًا كأنَّه مسطح، وكذا والده وابنه عبد الله، ورأيت بعضهم قال [2]: بضَمِّ الدَّال المخفَّفة، وقد تُفتَح وتُشدَّد.

قوله: (أَنْ يُكَافِئَهُ): هو بهمزة مفتوحة قبل الهاء، وهذا ظاهرٌ.

(1/5789)

[باب فضل من أسلم على يديه رجل]

(1/5790)

[حديث: لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح على يديه]

3009# قوله في نسبة يعقوب: (الْقَارِيُّ): هو بتشديد الياء، منسوب إلى القارَة؛ بتخفيف الرَّاء، وهو مَرْفوعٌ، وليس [1] منسوبًا للقراءة.

قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّه سلمة بن دينار.

قوله: (يَوْمَ خَيْبَرَ): تَقَدَّم متى كانت (خيبر)، ومدرك القولين، وهو في آخر السادسة أو في أوَّل السابعة.

قوله: (فَبَرَأَ): هو بفتح الرَّاء، وهمزة مفتوحة في آخره، وفيه لغة أخرى، وهي: (بَرِئَ): بكسر الرَّاء وبالهمزة المفتوحة.

قوله: (فَقَالَ: انْفُذْ): هو بهمزة وصل، وضمِّ الفاء، وبالذَّال المعجمة، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): تَقَدَّم الكلام [على] رائه أنَّها بالكسر والفتح، باختلاف المعنى، غيرَ مرَّةٍ.

قوله: (حُمْرُ النَّعَمِ [2]): تَقَدَّم أنَّه بإسكان الميم، جمع (أحمر)، وقد تَقَدَّم أنَّه [3] في أصلنا مضبوطٌ بالقلم؛ بالسُّكون والضَّمِّ، والضَّمُّ لا أعرفه، وهو يغيِّر المعنى، و (النَّعم): قد تَقَدَّم الكلام [عليها]، كما تَقَدَّم الكلام على (حمر)، ومعناه: أن يتَّصدق بها، وقيل غير ذلك.

==========

[1] في النُّسختين: (وليسا)، والمثبت هو الصَّواب.

[2] في هامش (ق): (تنبيه: قوله: «حمر»: هو جمع «أحمر»، وهو بسكون الميم؟؟؟ بالإسكان والضَّمِّ، وهو به تغيير للمعنى، ولعلَّ الضمة أن تكون على؟؟؟ الميم، وصارت كذلك؟؟؟ فيكون صوابًا، وهذا الظَّاهر).

[3] في النُّسختين: (أن)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

[ج 1 ص 765]

(1/5791)

[باب الأسارى في السلاسل]

قوله: (بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (إن كان المراد حقيقة وضع السَّلاسل في الأعناق؛ فالتَّرجمةُ مطابقةٌ، وإن كان المراد مجازًا عن الإكراه؛ فليست مطابقة) انتهى، وقد روى أبو داود حديث أبي هريرة المذكور هنا في (بَاب الأسير [1] يُوثق)، وذكر معه حديث ثمامة بن أثال، وحديث الحارث ابن البرصاء، وأنَّهما أُوثِقا، وجيء بهما إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيه حديث ثالث؛ وهو (وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبلٍ) انتهى، فأراد: الحقيقة، والله أعلم [2].

==========

[1] في (ب): (الأسر)، وهو تحريفٌ.

[2] هذه الفقرة جاءت في النُّسختين لاحقًا بعد فقرتين، وهي مستدركةٌ في هامش (أ)، والمُثبت موافقٌ لترتيب «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 765]

(1/5792)

[حديث: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

3010# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، وبُنْدار لقب له، وتَقَدَّم ما البُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدرٌ): أنَّه مُحَمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم ضبطه، ومن لقَّبه بذلك.

قوله: (عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ): معنى (عجب) _كما قاله ابن الأثير_: (عَظُم ذلك عنده، وكبُرَ لديه، واعلم أنَّه إنَّما يتعجَّب الآدميُّ من الشيء؛ إذا عظم مَوقِعه عنده، وخفي عليه سببُه، فأخبرهم بما يعرفون؛ ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقيل: معنى «عجب ربُّك»: أي: رضي وأثاب، فسمَّاه عجبًا مجازًا، وليس لعجب في الحقيقة، والأوَّل الوجهُ).

قوله: (فِي السَّلَاسِلِ): معناه: يدخلون الإسلام كارهين، ثمَّ إنَّهم يحسُن إسلامُهم، فالمراد بـ (الجنَّة) هنا: الإسلامُ، قلت ذلك تفقُّهًا، ثمَّ رأيته منقولًا، وقال ابن الأثير: (يُقادُون إلى الإلام مُكرَهين، فيكون ذلك سبب دخولهم الجنَّة، ليس أنَّ ثَمَّ سلسلةً يدخل فيها كلُّ مَن حُمِل على عمل مِن أعمال الخير) انتهى، وقال النَّوويُّ في «رياضه»: (معناه: يُؤسَرون ويُقيَّدون، ثمَّ يُسلِمون، فيدخلون الجنَّة) انتهى، وقد تَقَدَّم ما بوَّب عليه أبو داود، فعلى ما فهمه البخاريُّ: يكون المراد به: الحقيقة، والله أعلم.

(1/5793)

[باب فضل من أسلم من أهل الكتابين]

قوله: (بَابُ فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (إن قيل: مؤمن أهل الكتاب لا بدَّ أن يكون مؤمنًا به صلَّى الله عليه وسلَّم؛ للعهد المُتقدِّم والميثاق، فإذا بُعِث صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإيمانه الأوَّل مُستمرٌّ، فكيف تعدَّد حتَّى يتعدَّد أجرُه؟ قيل: إيمانه الأوَّل بأنَّ الموصوفَ كذا رسولُ الله، وثانيًا: أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم هو الموصوف، وهما معلومان متباينان) انتهى، وفي «شرح مسلم» للنَّوويِّ: (له أجران؛ أحدهما: لإيمانه بنبيِّه قبل النَّسخ، والثاني: لإيمانه بنبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وقال شيخنا: (قال المُهلَّبُ: فيه: أنَّ مَن أحسن في معنيين مِن أيِّ فعل كان من أفعال البِرِّ؛ فله أجره مرَّتين، والله يضاعف لمن يشاء، وإنَّما جاء النَّصُّ في هؤلاء؛ ليستدلَّ بذلك في سائر النَّاس وسائر الأعمال) انتهى، وقال شيخنا أيضًا: ومؤمن أهل الكتاب؛ يعني: مَن بُعِث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على دين عيسى، وأمَّا اليهود وغيرهم ممَّن كان على غير الإسلام؛ فإنَّما وُضِع عنه ما كان عليه مِن كُفرٍ، ويُؤتَى ثواب ما كان يفعله لله في حال كفره، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أسلمتَ على ما أسلفتَ مِن خير»، قاله الدَّاوديُّ، وتعقَّبه ابن التِّين، فقال: هذا الذي ذكره إنَّما يصحُّ لو كان عيسى أُرسِل إلى سائر الأمم، لكن مَن كذَّب به كان كافرًا، فإن لم يكن أحدٌ لم يكذِّب به، أو لم يعلم برسالته، وبقي على دِينه يهوديًّا أو غيره؛ فله أجران إذا أسلم، وهو معنى قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54])، انتهى.

==========

[ج 1 ص 765]

(1/5794)

[حديث: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة فيعلمها]

3011# قوله: (حَدَّثَنَا صَالِحُ ابْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ): (حَيٌّ): بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء، وهو صالح بن صالح بن حيٍّ، ويقال له: صالح بن حيٍّ وصالح بن حيَّان، أخرج له الجماعة، وهو مشهور، وله ترجمة في «الميزان»، فأمَّا صالح بن حيٍّ القرشيُّ صاحب بُريدة؛ فكوفيٌّ أيضًا، ضعيف، لا شيء له في الكتب السِّتَّة.

قوله: (سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه عامر بن شَراحيل، وأنَّه ثقة، وأنَّه بالشين المعجمة، وتَقَدَّم (أَبُو بُرْدَةَ): أنَّه الحارث، أو عامر، وتَقَدَّم (والده): أنَّه أبو موسى الأشعريُّ عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار مترجمَين.

قوله: (وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ): تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه [1].

قوله: (قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَعْطَيْتُكَهَا [2] بِغَيْرِ شَيْءٍ): (الشَّعبيُّ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عامر بن شَراحيل، وقولُه هذا هو لصالح ابن حيٍّ أبي حسنٍ.

قوله: (يَرْحَلُ): هو بفتح أوَّله، وبإسكان الرَّاء، وبالحاء المهملة، وهذا ظاهرٌ جدًّا، والله أعلم [3].

==========

[1] في (ب): (قريبًا).

[2] كذا في النُّسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (وَأَعْطَيْتُكَهَا)؛ بزيادة واو.

[3] (والله أعلم): سقط من (ب).

[ج 1 ص 765]

(1/5795)

[باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري]

[ج 1 ص 765]

قوله: (بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ ... ) إلى آخرها؛ وهو ({بَيَاتًا} [الأعراف: 4]: لَيلًا)، انتهت: ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (العجب لزيادته في التَّرجمة: «نيامًا: ليلًا»)، كذا وجدت في النُّسخة التي عندي بـ «التراجم» له، والظاهر صحَّة ذلك عنه، وإن لم تكنِ النُّسخة صحيحة في نفسها، ويدلُّ لذلك: ما بعده، والمعروف الموجود في نسخ البخاريِّ التي وقفت عليها ({بَيَاتًا}: ليلًا)، قال ابن المُنَيِّر: والعجب من زيادته في التَّرجمة: (نيامًا)، وما هو في الحديث إلَّا ضمنًا؛ لأنَّ الغالب أنَّهم إذا أوقع بهم في اللَّيل لم يخلوا من نائم، وما الحاجة إلى كونهم نيامًا أو أيقاظًا وهما سواء؟ إلَّا أنَّ قتلهم نيامًا أدخلُ في الغِيلة، فنبَّه على جوازها في مثل هذا، ثمَّ رأيت شيخنا في «شرحه» قال: (صحَّف ابن المُنَيِّر [1] «{بَيَاتًا}» بالباء الموحَّدة بـ «نيامًا»، ثمَّ ساق كلامه، ثمَّ قال: وهو عجيب وتصحيف غريب؛ فاحذره) انتهى، واعلم أنِّي كتبت التعليقة التي هي أصل هذه من (الجهاد) إلى آخر الكتاب، ولم أكن وقفت على «شرح شيخنا»؛ لأنِّي إنَّما كتبت في حياته إلى (الجهاد)، وقرأتُه عليه، ثمَّ إنِّي لما قَدِمتُ حلب؛ علَّقت أصل هذه، ثمَّ إنِّي وقفت على النصف الأخير بعد وفاةِ شيخنا بزمن طويل، فكتبته [2] فصار عندي جميعُ «شرحه»، والله أعلم.

قوله: (وَالذَّرَارِيُّ): هو بتشديد الياء وتخفيفها؛ لغتان، وقد ذكرت لك قبل ذلك أنَّ المفرد إذا كان بالتشديد؛ فأنت في جمعه بالخيار بين التشديد والتخفيف؛ كسُرِّيَّة وسراري، وأثفيَّة وأثافي، وذُرِّيَّة وذراري، والله أعلم.

قوله: ({بَيَاتًا}: لَيْلًا): تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه، وكيف صحَّفه ابن المُنَيِّر.

==========

[1] زيد في (ب): (في).

[2] في (ب): (فانتبه).

(1/5796)

[حديث: لا حمى إلا لله ولرسوله.]

3012# 3013# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا كثيرة [1] أنَّه ابن المدينيِّ، الحافظ المشهور الجهبذ، وتَقَدَّم [2] أيضًا أنَّ (سُفْيَان): هو ابن عيينة، وأنَّ (الزُّهْرِي): هو مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، وأنَّ (عُبَيْد اللهِ) هذا: هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهُذليُّ، وتَقَدَّم أيضًا (الصَّعْب بْن جَثَّامَةَ)، وأنَّه بفتح الصاد، وإسكان العين المهملتين، وبالموحَّدة، وأنَّ (جَثَّامة) بفتح الجيم، وتشديد الثاء المثلَّثة، وبعد الألف ميمٌ، ثمَّ تاء التأنيث، وأنَّ اسم جَثَّامة يزيدُ بن قيس، وأنَّه أَخرَج للصَّعب الجماعةُ وأحمد في «المسند» رضي الله عنه.

قوله: (بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ): تَقَدَّم الكلام عليهما، وعلى ما وقع في ذلك حيث كان ذلك؛ فانظره في (الحجِّ).

قوله: (فَسُئِلَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (عَنْ أَهْلِ الدَّارِ): (الدَّار) هنا: المحلَّة المجتمعة من القوم، يقال: هذه دار القوم، فإذا أردت محلَّتهم؛ قلت: داره، قاله ابن قُرقُول.

قوله: (وَذَرَارِيِّهِمْ): تَقَدَّم أعلاه [3] وقبله أنَّ فيها لغتين.

قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى آخره: أي: بالسَّند المُتقدَّم قبله، هذا ما ظهر لي، ولم أر هذه الطريق الثانية في «أطراف المِزِّيِّ» في نسختي وهي مُقابَلة، وأمَّا طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب، عن عبيد الله؛ فأخرجه مسلم والنَّسائيُّ، والله أعلم.

قوله: (كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ... ) إلى آخره: قال شيخنا: (وبيَّن الإسماعيليُّ هذا بقوله: «قال سفيان: وكان عمرٌو حدَّثناه أوَّلًا عن الزُّهريِّ قبل أن نلقاه، فقال: هم من آبائهم، فلمَّا حدَّثنا الزُّهريُّ؛ فلم يقل: من آبائهم، قال [4]: هم [5] منهم.، ورواه الطَّبرانيُّ من حديث حمَّاد بن زيد، عن عمرو، عن ابن عبَّاس بلفظ: «هم من آبائهم»، لم يذكرِ الزُّهريَّ ولا عبيد الله ولا الصعب، رواه عن عليِّ بن عبد العزيز: حدَّثنا حجَّاج بن منهال، وعارم عنه)، انتهى كلام شيخنا، و (عمرو) المشار إليه: هو ابن دينار.

==========

[1] في (ب): (مرارًا الكلام عليه).

[2] في (ب): (وقد تَقَدَّم).

[3] في (ب): (بظاهرها).

[4] (قال): سقط من (ب).

[5] في (ب): (فإنَّهم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...