65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج3.مواهب الجليل الحطاب الرعيني

ج3.مواهب الجليل

الحطاب الرعيني  [ 1 ]

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفي سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الثالث دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[ 2 ]

جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة الاولى 1416 ه‍ - 1995 م

[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجنائز فصل في الجنائز في وجوب غسل الميت بمطهر. ولو بزمزم والصلاة عليه: كدفنه وكفنه، وشنيهما: كتاب الجنائز فصل في وجوب غسل الميت بمطهر ولو بزمزم والصلاة عليه كدفنه وكفنه وسنيتهما خلاف اشتراطه هنا في غسل الميت أن يكون بمطهر موافق لما مشى عليه من أن الغسل تعبد وقوله في المستحبات وللغسل سدر يحمل على أنه يجعل السدر في غير الاولى كما صرح به ابن حبيب، وتأول بعضهم قوله في المدونة. وأحسن ما جاء في الغسل ثلاثا أو خمسا بماء وسدر وفي الآخرة كافورا إن تيسر على قول ابن حبيب، وأنه يريد في غير الاولى. أو يحمل على أن مراده أن يدلك الميت بالسدر ثم يصب عليه الماء القراح. قال ابن ناجي: وهو اختيار أشياخي والمدونة قابلة له، وعلى هذين الاحتمالين يكون ما في المدونة موافقا لقول ابن حبيب كتاب الجنائز والنظر فيه يتعلق بادبي المحتضر وبغسل الميت وتكفينه وتحنيطه وحمل جنازته والصلاة عليه ودفنه والتعزية والبكاء عليه (في وجوب غسل الميت بمطهر ولو بزمزم والصلاة عليه كدفنه وكفنه وسنيتهما خلاف) اما الخلاف في غسل الميت فقال ابن عرفة: غسل الميت المسلم غير الشهيد. قال الشيخ مع الاكثر: سنته. قال القاضي مع البغداديين: فرض كفاية. واما غسلة بمطهر فقال ابن شعبان: يجوز بماء الورد ونحوه لانه للقاء الملائكة لا للتطهير. قال ابن ابي زيد: الاكتفاء به خلاف قول مالك واهل المدينة، واما غسله بماء زمزم ابن ابي زيد ايضا: لاوجه لقول ابن شعبان لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة. واما الخلاف في الصلاة عليه فقال عياض: الصلاة على الجنائز من فروض

[ 4 ]

وحملها اللخمي على ظاهرها وأخذ منها جواز غسله بالماء المضاف كقول ابن شعبان، وجعل قول ابن حبيب خلافا. وما ذكره ابن نججي عن اختيار أشياخه ظاهر، ويؤخذ منه أن الماء الطهور إذا ورد على العضو طهورا وانضاف فيه لا يضر، وقد تقدم ذلك في الطهارة في كلام الشيخ أبي الحسن. وقال ابن عرفة هنا عن التونسي: خلط الماء بالسدر يضيفه وصبه على الجسد بعد حكه به لا يضيفه انتهى والله أعلم. فائدة: قال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب ما يفعل بالمحتضر عند قول الرسالة وليس في غسل الميت حد ما نصه: اختلف في غسل الميت على قولين: أحدهما أنه سنة مسنونلجميع المسلمين حاشا الشيهد شرعه الله في الاولين والآخرين، وروي أن آدم عليه السلام لما توفي أتى بحنوط وكفن من الجنة ونزلت الملائكة وغسلته وكفنته في وتر من الثياب وحنطوه وتقدم ملك منهم فصلى عليه وصلت الملائكة خلفه ثم أقبروه وألحدوه ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث معهم، فلما فرغوا قالوا له هكذا فاصنع بولدك وإخوتك فإنها سنتكم انتهى. وقوله ولو بزمزم يريد مع كراهة ذلك لنجاسة الميت على المشهور. قال ابن بشير: إن حكمنا بنجاسته كرهنا غسله به لكراهة استعماله في النجاسات، وإن حكمنا بطهارته أجزنا غسله به انتهى. وقال ابن هارون في شرحه على المدونة قالوا: ولو كان في جسد الميت نجاسة كره غسله بماء زمزم انتهى. فرع: ذكر البرزلي في مسائل الطهارة عن ابن عرفة عن بعض شيوخه أنه لا يكفن بثوب غسل بماء زمزم قال: واستشكله ابن عرفة من وجهين: أحدهما أن هذا لا يجري إلا على قول ابن شعبان الذي يمنع غسل النجاسة. الثاني أن أجزاء المساء قد ذهبت حسا ومعنى. قال البرزلي: وفي هذا الاخير نظر لبقاء صفة الماء من حلاوة وملوحة. وبعض شيوخه هو ابن عبد السلام كما صرح به في مختصره والله أعلم. وقوله والصلاة عليه قال سند: ويختلف في حكم هذه الصلاة هل هي فرض أم لا ؟ فذهب جمهور الناس إلى أنها من فروض الكفاية ونص عليه سحنون في كتاب ابنه فقال: الصلاة على الجنازة فرض يحمله بعضهم عن بعض. وقال ابن القاسم في المجموعة فيمن صحب الجنازة: له أن ينصرف عن الصلاة من غير حاجة وليست بفريضة. واحتج عبد الوهاب في المعونة للفريضة بقوله عليه السلام صلوا على من قال

[ 5 ]

لا إله إلا الله وبقوله حق المسلم على المسلم ثلاث فذكر أن يصلي عليه إذا مات. ووجه القول بأنها ليست بفرض وهو مشهور المذهب أن النبي (ص) لما بين فرائض الخمس الصلوات قال له السائل: هل علي غيرهن ؟ قال: لا إلا أن تطوع. ولان الاقامة من شعائر الدين وفرائض الصلاة فلو كانت هذه الصلاة فرضا لشرعت لها الاقامة والاذن كسائر الفرائض، فلما لم تشرع لها الاقامة دل ذلك على انتفاء الفريضة فيها كسائر النوافل. وذكر أشياء أخر احتج بها على عدم الفريضة، فإذا ثبت ما ذكرناه أنها ليست بفرض، فهل هي سنة أو تنحط عن رتبة السنن إلى الرغائب والمندوبات ؟ حكى عبد الوهاب في معونته عن أصبغ وغيره أنها سنة. وظاهر كلام مالك بن أنس أنها ليست سنة وهي من الرغائب. قال ابن حبيب وقال مالك: كان سليمان بن يسار ومجاهد يقولان: شهود الجنازة أفضل من شهود النوافل والجلوس في المسجد. وقال ابن المسيب وزيد بن أسلم: النوافل والجلوس في المسجد أفضل حتى إن سعيدا لم يخرج من المسجد إلى جنازة علي بن الحسين، ورأى أن ما فعل أفضل. قال: وكان مالك يرى ذلك إلا في جنازة الرجل الذي ترجى بركته فإن شهوده أفضل. وذكر ابن القاسم في العتبية عن مالك رحمه الله مثله إلا أن يكون له حق من جوار أو قرابة أو أحد ترجى بركة شهود. وظاهر هذا يقتضي أنها ليست في رتبة صلاة العيدين وغيرها من السنن المؤكدة. ووجهه أن سادات الامة وأهل الفضل لم تزل في سائر الامصار على توالي الاعصار تلازم مساجدهم وزواياهم مع قطعهم بوجود الجنائز في مصرهم، فلو كان حضورها من السنن المؤكدة لكانت الائمة يؤثرونها على سائر النوافل، ولو فعلوه لما اتصل العمل في سائر الآفاق على خلافه انتهى. ففهم من كلامه أن فيها ثلاثة أقوال: الاول أنها فرض كفاية. الثاني أنها سنة. الثالث أنها مستحبة. وظاهر كلامه ترجيح القول بالسنة وأن سنيتها دون سنية صلاة العيد وغيرها من السنن المؤكدات، وقد تقدم في فصل الاوقات ما يرجح القول بالسنية والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في الذخيرة قال في الجواهر: وهي كسائر الصلوات من اشتراط الطهارة لها ويدلنا على اشتراط الطهارة خلافا لقوم قوله (ص) لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا تصلى بالتيمم إلا كسائر الصلوات. قال ابن حبيب: إن كانت تفوت بالتماس الماء فالامر واسع وما علمت أحدا من الماضين كرهه إلا مالك.

[ 6 ]

الثاني: قال في الذخيرة أيضا: ولا يشترط فيها الجماعة. وقال اللخمي: يكفي الواحد والجماعة سنة. وقال صاحب المقدمات: وشرط صحتها الامامة فإن فعلت بغير إمام أعيدت ما لم تفت وهو مخالف لما تقدم انتهى. وما ذكره ابن رشد في المقدمات اقتصر عليه صاحب المدخل والله أعلم. الثالث: قال في الذخيرة قال في الجواهر: إن ذكر منسية فيها لم يقطع ولم يعد. قاله ابن القاسم. لان الجماعة لا تقضي والترتيب إنما يدخل في المؤقتات وهي آكد من النوافل فلا تقطع فإن ذكر الجنازة فيها استخلف أو بعد الفراغ لم يعد وإن لم ترفع الجنازة انتهى. الرابع: قال في الذخيرة قال سند قال أشهب والشافعي وأبو حنيفة: إن صلوا قعودا لا تجزئ إلا من عذر. وهو مبني على وجوبها، وعلى القول بأنها من الرغائب ينبغي أن تجزئهم انتهى. الخامس: قال في الشامل: واستأنف إن قهقه أو تكلم عمدا. وقال أشهب: يستخلف ويتأخر مؤتما. وقيل: الخلاف فيمن أدخله على نفسه فقط انتهى. السادس: قال في الشامل أيضا: وهل يستحب الاعادة إن تبين أنه (ص) عليها لغير القبلة قبل الدفن لا بعده أو تجب فيها أو لا تعاد مطلقا أقوال. السابع: قال في الذخيرة قال في الكتاب: لا يدخل في الثانية في صلاة الاولى لانها لم تنو، ولو أتى بالثانية قبل، إحرام الاولى فسها الامام فنوى إحدى الجنازتين ومن خلفه ينويهما. قال في العتبية: تعاد الصلاة التي لم ينوها الامام دفنت أم لا، لان الامام الاصل وهذه الفروع غالبها في التوضيح خصوصا فروع الشامل. فائدة: قال الفاكهاني في شرح الرسالة في أول باب الوصايا. فائدة: مما اختصت به هذه الامة ثلاثة أشياء: الصلاة على الميت والغنائم وثلث المال انتهى. وقوله وكفنه بسكون الفاء الفعل وبالفتح الثوب. نقله القباب عن عياض، والمراد هنا الاول ولا خلاف في وجوب ما يستر العورة، وما حكاه الشارح عن ابن يونس من أنه سنة يحمل على مزاد على ستر العورة إذ لا خلاف في وجوب سترها والله أعلم. وقوله خلاف أما القول بسنية الغسل فقد شهره ابن بزيزة ولكن الوجوب أقوى، وقد اقتصر ابن الحاجب وغيره على تصحيحه. وأما القول بسنية الصلاة فلم يعزه في التوضيح إلا لاصبغ، وكذلك ابن عرفة. وقال بالوجوب اقتصر عليه في الرسالة وغيرها ورجحه غير واحد والله أعلم. ص: (وغسل كالجنابة) ش: أي يجب تعميم الجسد بالماء والدلك. قال ابن بشير: وأما صفة الغسل فإنه في صب الماء والتدلك على حكم

[ 7 ]

غسل الجنابة انتهى. وظاهر كلامه أن حكمه في الموالاة كحكم غسل الحنابة أيضا، ويؤخذ ذلك من قول ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب: ويغسل كالجنابة يعني الاجزاء كالاجزاء والكمال كالكمال إلا ما يختص به غسل الميت كالتكرار فإنه يبينه والله أعلم. ويسقط الدلك للضرورة كما سيأتي، وصرح في المدخل بأن فرائض غسل الجنابة وسننه وفضائله تأتي في هذا الباب. وفهم من قول المؤلف كالجنابة أنه أول ما يبدأ بغسل النجاسة فيتتبعها ويغسل جميع بدنه ويفيض عليها الماء كغسل الجنابة ثم يغسله حينئذ الغسل الفرض. قاله في المدخل ويستثنى من ذلك النية فإنه لا يحتاج إلى نية كما سيأتي في القولة التي بعد هذه. فرع: فإن غسلت الميتة ثم وطئت لم تغسل. نقله الابي وتقدم في أول فصل الجنابة والله أعلم. ص: (بلا نية) ش: أي وإن كان تعبدا لان التعبد إنما يحتاج إلى النية إذا كان مما يفعله الانسان في نفسه. قاله الباجي وابن رشد وغيرهما. ونقله في التوضيح وغيره. ص: (وقدم الزوجان إن صح النكاح) ش: يريد إلا أن يكون أحدهما محرما. قاله في النوادر في الحج الثاني في وطئ المحرم. قال مالك: ولا ينبغي أن يغسل أحد الزوجين المحرمين الآخر فيرى عورته، فإن فعل وكان عن ذلك مذي فليهد، فإن لم مسألة: قال ابن عرفة في يكن من ذلك مذي فلا شئ عليه ويكره له دلك انتهى. مسالة: قال ابن عرفة في الكلام على سكنى المعتدات: سئلت عمن ماتت فأراد زوجها دفنها في مقبرته وأراد عصبتها دفنها في مقبرتهم. فأجبت بأن القول قول عصبتها أخذا من هذه المسألة لفقد النص فيها انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة عنه بلفظ: وأراد أهلها وزاد ما نصه: وقال الفاكهاني: لم أر لاصحابنا فيها نصا فمن رأى ذلك فليضفه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله الجزيل. ذكر ذلك عند قول الشيخ ابن أبي زيد، واختلف في كفن الزوجة. انتهى كلام ابن ناجي. والمسألة التي أشار إليها ابن عرفة قول المدونة: وتنثوي البدوية حيث انثوى أهلها لا حيث انثوى أهل زوجها، والانثواء العبد والله أعلم. ص: (إلا أن يفوت فاسده) ش: شامل لما يفوت بالدخول ولما يفوت بالطول وهو كذلك. واحترز به مما لم يفت فسخه فإنه لا غسل بين الزوجين فيه. قال في النوادر: وإذا مات أحد الزوجين فظهر أن بينهما

[ 8 ]

محرما فلا يغسل الحي الميت، يريد إذا كان ثم من يلي غسلها انتهى. وكذلك نكح المريض والمريضة لانهما لا يتوارثان. قال اللخمي: وهذا مع وجود من يجوز منه الغسل فإن عدم وصار الامر إلى التيمم كان غسل أحدهما الآخر من تحت الثوب أحسن لان غير واحد من أهل العلم أجازه. انتهى وهو ظاهر. ص: (وإن رقيقا أذن سيده) ش: أي في الغسل كما صرح به في النوادر وابن بشير وابن فرحون. وتوهم بعضهم رجوع الاذن للنكاح وليس كذلك. قال البساطي: وهو عام في الرقيقين والمختلفين، كان الميت هو الرقيق أو الحر انتهى. والذي يظهر أن المراد بالاذن إذن السيد الحي منهما. وقد ذكر اللخمي أن الزوج سواء كان حرا أو عبدا يقضى له بغسل زوجته الحرة، ولم يحك في ذلك خلافا. وذكر عن سحنون أنه لا يقضى له بغسل زوجته إذا كانت أمة قال: وكأنه أجاز للسيد غسلها والاطلاع عليها وليس بالبين والزوج أحق منه انتهى. وهذا الذي ذكره اللخمي من أن الزوج أحق هو الذي يأتي على قول محمد الذي مشى عليه المصنف، ويؤخذ من كلام ابن رشد أنه المشهور لانه صدر به وعطف عليه قول سحنون بضيعة التمريض ونصه: وأما الرجل فإنه يقضى له بغسل زوجته الحرة والامة. وقيل: لا يقضى له بغسل زوجته إذا كانت أمة. وأما ما فهمه عن سحنون من أنه أجاز للسيد غسلها فبعيد لانه نقل عنه في النوادر أن كل من لا يحل له وطؤها لا يغسلها ولا تغسله والله أعلم. ثم ذكر اللخمي عن سحنون أنه لا يقضى للزوجة بغسل زوجها، حرا كان أو عبدا، وإن الحر أولياؤه أحق به، والعبد سيده أحق به. فإن أسقط السيد حقه من الغسل أو كان العبد ملكا لامرأة كان الامر إلى أولياء العبد. قال: وعلى قول محميقضى للزوجة على جميع ما ذكرنا من مولى أو ولي وهو أحسن، والزوجة أستر لزوجها إذ لا يؤمن عليه عند تقلبه أن ينكشف انتهى. ص: (أو بأحدهما عيب) ش: لان موت أحدهما يفيت خيار العيب على المشهور كما سيأتي

[ 9 ]

والله أعلم. ص: (والاحب نفيه أن تزوج أختها أو تزوجت غيره) ش: أما الاستحباب في الاولى فصرح به غير واحد، وأما الثانية ينقله ابن عرفة عن ابن يونس والله أعلم. ص: (وإباحة الوطئ لموت برق يبيح الغسل من الجانبين) ش: يعني أن " من أبيح له الوطئ بسبب الرق واستمرت الاباحة للموت فذلك يبيح الغسل من الجانبين، فيدخل فيه القن وأم الولد والمدبرة ولو كان السيد عبدا كما صرح به في النوادر وغيرها. وتخرج المكاتبة والمعتقة إلى أجل والمعتق بعضها والمشتركة وأمة القراض. قال المازري في شرح التلقين ولا يغسل مكاتبته عندنا ولا المعتق بعضها ولا المعتقة إلى أجل ومن له فيها شرك ولا كل من لا يحل له وطؤها انتهى. قال البساطي: ويعني بالاباحة الاباحة الاصلية، فالمحرم لعارض لا يقدح فيها كالحائض والنفساء والمظاهر منها انتهى. وفي المظاهر منها نظر، والظاهر المنع فيها وفي المولى منها لعدم إباحة الوطئ بدليل ما سنذكره في أمة المديان والله أعلم. ثم قال: وقيد الاباحة بأن تكون مستمرة للموت، فلو زالت بزوال الرق فلا إشكال، ولو زالت مع بقائه كأمة المديان بعد الحجر فالمنصوص أنها لا تغسله ولا يغسلها انتهى. وقد تقدم الكلام في الامة المتزوجة وكلام النوادر شامل لها وللمظاهر منها ولجميع ما تقدم والله أعلم. تنبيه: فهم من قول المصنف إباحة الوطئ أن ذلك كاف وإن لم يجر بينهما شئ من ذلك في حال الحياة، وصرح به اللخمي وغيره. وإنما قال يبيح ولم يقل يقضي لان الموطوءة بالرق لا يقضي لها بذلك على الاولياء اتفاقا ولا تغسل سيدها إلا بإذنهم. ذكره ابن رشد في سماع موسى ونقله في التوضيح. ويفهم من كلامهم أنه إذا لم يكن له أولياء أو كانوا ولم يمكنهم الغسل فهي أحق وهو الظاهر إذا كانت تحسنه والله أعلم.

[ 10 ]

تنبيه: قال سند: إننا قلنا إن الامة تغسل سيدها وإن كان ملكها قد انتقل للوارث لان الغسل حق للمالك ثبت عند انتهاء الملك، وانتقال الملك للوارث لا يمنع من أن توفي سيدها وما وجب له. انتهى بالمعنى. وقريب من ذلك ما ذكره في التوضيح في باب الايمان أن للميت حقا يجري مجرى المالك في بيته، وأنه لا يخرج منه حتى يتم غسله وتكفينه والله أعلم. ص: (ثم أقرب أوليائه) ش: على ترتيب ولاية النكاح وكذلك حكم التقدم للصلاة عليه كما سيأتي والله أعلم. ص: (ثم امرأة محرم) ش: ظاهره أنه لا ينتقل إلى المحارم إلا عند عدم الرجال الاجانب، مسلمين كانو أو كتابيين، وأنه لو وجد كتابي لغسله. قال ابن ناجي: وقد اختلف في ذلك فقال مالك: يعلمه النساء ويغسلنه. وقال أشهب في المجموعة: لا يلي ذلك كافر ولا كافرة. وقال سحنون: يغسله الكافر وكذلك الكافرة في المسلمين ثم يحتاطون بالتيمم والله أعلم. ونقله ابن هارون أيضا وقال: إن الكتابية كذلك إذا كانت مع الاجانب فيعلمونها إلى آخره. ولا فرق بين محارم النسب والصهر على المنصوص، وكذلك إذا كانت مع الاجانب فيعلمونها إلى آخره. ولا فرق بين محارم النسب والصهر على المنصوص، وكذلك محارم المرأة على المشهور. ص: (وهل تستره أو عورته تأويلان) ش: التأويل الثاني هو قول عيسى. قال في التنبيهات: وهو الاصح وعليه اقتصر صاحب الرسالة وغيره. وعلى القول الآخر فقال اللخمي: لا بأس أن تلصق الثوب بالجسد وتحركه فتغسل ما به انتهى. ص: (ثم يمم لمرفقيه) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال ابن عرفة عن سحنون: إن صلين عليه ثم قدم رجل لم يغسله انتهى. ص: (كعدم الماء) ش: يريد وكذلك المرأة تتميم لعدم الماء فإن كان معها نساء أو محارم يممت إلى المرفقين وإلا فإلى الكوعين. قاله في الطراز وهو ظاهر. ص: (وتقطيع الجسد وتزليعه) ش:

[ 11 ]

مراده إذا خشي من الغسل تقطيع الجسد أو تزليعه كما فسره الشارح، وأما الجسد المقطع فإنه إذا اجتمع كله أو جله غسل وصلي عليه كما صرح به في سماع موسى والله أعلم. ص: (ولا يضفر) ش: يشير به إلى قول ابن القاسم في سماع موسى: وأما الشعر فليفعلوا كيف شاؤوا، وأما الضفر فلا أعرفه لكن تأوله ابن رشد فقال: يريد أنه لا يعرف من الامر الواجب وهو إن شاء الله حسن من الفعل. ثم ذكر حديث أم عطية وضفرها شعر بنت رسول الله (ص) انتهى. وهو قول ابن حبيب والله أعلم. ص: (ثم محرم فوق ثوب) ش: هذا مذهب المدونة قال: ولا يفضي بيده لجسدها والله أعلم. ص: (وستر من سرته لركبتيه) ش: وقال في الطراز قال ابن حبيب: ويستر من سرته إلى ركبتيه يريد لان هذا الذي كان يجب ستره حال الحياة انتهى. وقال البرزلي: أجمعا على أن ستر عورة الميت واجب. واستحب ابن سحنون أن يجعل على صدره خرقة. قال اللخمي: وهذا أحسن فيمن طال مرضه ونحل جسمه لان منظره حينئذ يقبح والميت يكره أن يرى ذلك منه في حال الحياة انتهى. وفي المدخل: وينبغي أن يجعل على

[ 12 ]

عورته خرقة غليظة فوق المئزر حتى لا يصف عورته انتهى والله أعلم. ص: (وإن زوجا) ش: هذا مذهب المدونة وهو المشهور. وقال ابن حبيب: يغسل أحدهما صاحبه والميت عريان. قال ابن ناجي: وعلى المشهور فذلك على طريق الاستحباب انتهى. وصرح به البرزلي إلا أن يكون معه معين فإنه يجب ستر عورته باتفاق كما يؤخذ من كلام البرزلي المتقدم، وصرح بذلك الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه والله أعلم. ص: (وركنها النية) ش: قال القباب في شرح قواعد القاضي عياض: الصحيح في النية أنها شرط فصحة الصلاة، والذي يلزم ههنا القصد للصلاة على هذا الميت خاصة واستحضار كونه فرض كفاية، وإن غفل عن هذا الاخير لم يضر كما لا يضر في فرض العين انتهى. ص: (وأربع تكبيرات) ش: والاولى منهن تكبيرة الاحرام صرح به عياض في قواعده. قال القباب: لا فرق بين تكبيرة الاحرام هنا وفي سائر الصلوات صفة وحكما والله أعلم. وما ذكره الشيخ من أن التكبير أربع قال سند: هو قول أبي حنيفة أيضا والشافعي وابن حنبل وجمهور العلماء، وهو مروي عن جماعة من التابعين. وذهب ابن سيرين وأبو الشعثاء إلى أنه يجزئ ثلاث، روى ذلك ابن عباس. وروي عن زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان أنه يكبر خمس تكبيرات. وقال زيد بن أرقم: كان عليه السلام يكبرها. خرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهو في صحيح مسلم. وقال أبو إسحاق: يكبر ما يكبر الامام ولا يزيد على تسع، وذلك مروي عن ابن مسعود أنه قال: كبر النبي عليه السلام على النجاشي تسعا وخمسا وأربعا فكبروا كما كبر الامام. ووجه ما اختاره الجماعة حديث الموطأ وهو في الصحيحين عن أبي هريرة وذكر حديث يعني النجاشي، وهو عمل أهل المدينة المتصل فكان أرجح من كل ما يروى بخلافه انتهى. ص: (وإن زاد لم ينتظر) ش: قال اللخمي: وإن كبر خمسا أجزأت الصلاة ولم تفسد. واختلف في المأموم إذا كان الامام يكبر خمسا فقال مالك: إذا كبر الرابعة يسلم ولم ينتظر تسليمه. وقال ابن وهب وأشهب وعبد الملك: يثبتون بغير تكبير حتى يسلموا بتسليمه. واختلف فيمن فاتته تكبيرة فقال أشهب: لا يكبرها معه وإن فعل لم يعتد بها مما فاته وليمهل، فإذا سلم كبر. وقال أصبغ: يكبر معه الخامسة ويحتسب بها. وعلى أصل مالك لا

[ 13 ]

ينتظر تسليمه ويكبر لنفسه وينصرف انتهى مختصرا. ونحو هذه العبارة لسند وعزا القطع إذا كان الامام ممن يكبر خمسا لرواية ابن القاسم في العتبية عن مالك ولسماع ابن وهب، وعزا القوبسكوته حتى يسلم بسلامه لابن القاسم في الموازية ولاشهب ومطرف لرواية ابن الماجشون عن مالك، ثم وجه كلا من القولين. وعزا القول فيمن فاتته تكبيرة أنه لا يكبرها معه لاشهب في المجموعة، والثاني لاصبغ. قال: وقول أشهب حسن لان موضع قضاء المأموم بعد سلام الامام كما في سائر الصلوات فلا يجزئه ما قضاه قبل سلامه كسائر الصلوات. ويتمشى قول أصبغ على قول ابن القاسم أنهم يسلمون دون الامام فيكون على هذا ذلك المحل محلا لسلام المأمومين ومحل قضاء المسبوقين انتهى. وقال ابن عرفة: وفي اعتداد مسبوق بها فيكبرها ولغوها ولو كبرها قولا أصبغ وابن رشد مع أشهب والاخوين ورواية ابن الماجشون إنتهى. نقله في التوضيح. وقال: قال في البيان: وقول أشهب هو القياس على مذهب مالك، وقول أصبغ استحسان على غير قياس انتهى تنبيه: عد القاضي عياض في قواعده الزيادة على الاربع من الممنوعات. انتهى والظاهر أن مراده الكراهة فإنه عد معها الصلاة على القبر وعلى الغائب وفي المسجد وعلى المبتدع والله أعلم. فرع: قال في الطراز: فلو سها الامام عن بعض التكبير سبحوا به ولا يكبرون دونه إلا إن مضى وتركهم كما في سائر الصلوات انتهى. ص: (والدعاء) ش: ظاهر كلام القاضي عياض أن الدعاء فرض بين التكبيرات الثلاث فإنه قال في فروض صلاة الجنازة والدعاء بينهن. ونحوه للشبيبي وغيره. ويدل عليه كلام ابن رشد الآتي في قول المصنف وصبر المسبوق

[ 14 ]

للتكبير فإنه قال فيه: وأقل ما يجزئ في كل ركعة اللهم اغفر له وارحمه. ونقله ابن ناجي قال: ويحمل نقل عبد الحق عن إسماعيل القاضي قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة على المستحب لا على الوجوب انتهى. ونقل عبد الحق هو قوله في التهذيب في كتاب الصلاة الاول في ترجمة السهو عن القراءة والقراءة بغير العربية عن المبسوط أنه يقال للذي يصلي على الجنازة: ادع بقدر قراءة أم القرآن وسورة بين كل تكبيرتين انتهى. وعلى هذا فيكون قولهم في المسبوق إنه إذا لم تترك الجنازة يوالي التكبير إنما ذلك لئلا تكون الصلاة على غائب. وقال في التوضيح: نقل ابن زرقون عن أبي بكر الوقار أنه قال: يحمد الله في الاولى، ويصلي على النبي (ص) في الثانية، ويشفع للميت في الثالثة انتهى. وقال في الذخيرة قال ابن حبيب: الثناء والصلاة في الاولى، والدعاء للميت في الثانية، ويقول اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخر الدعاء في الثالثة، ثم يكبر الرابعة ثم انتهى. وأصله السند ونصه: قال ابن حبيب: تثني على الله تبارك وتعالى. وتصلي على النبي (ص) في التكبيرة الاولى، ثم تدعو للميت في الثانية، وإذا كبرت الثالثة قلت اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخر الدعاء، ثم يكبر الرابعة ثم يسلم وهذا قول الجمهور. وروى سحنون في الكتاب مسندا عن ابن مسعود رضي الله عنه كيف كان يصنع في ذلك ؟ فذكر دعاءه من غير تحميد ولا صلاة ثم قال في سياق الحديث: يقول هذا كلما كبر فإن كانت التكبيرة الاخيرة قال مثل ذلك ثم تقول: اللهم صل على محمد وساق الصلاة والاستغفار للمسلمين. وهذا كله المقصود به أن يجتهد بالدعاء للميت من غير تحديد فقد يكثر

[ 15 ]

الداعون فلا يحتاج إلى تكرير وقد تقل فيكرر انتهى. وظاهر هذين القولين أنه لا يحتاج إلى إعادة الدعاء بعد كل تكبيرة وهو ظاهر كلام القاضي عياض في قواعده في محل آخر غير المحل الاول. ونصه: من سنن الصلاة على الجنائز أن تحمد الله وتثني عليه في أولها، ثم الصلاة على النبي (ص)، ثم الدعاء في آخرها للمؤمنين انتهى. تنبيهات: الاول: قال سند: ولا تكرر الصلاة ولا التحميد في كل تكبيرة انتهى. الثاني: عد القاضي عياض وغيره من فروضها القيام للتكبير والدعاء والسلام. قال في الذخيرة قال سند قال أشهب: إن صلوا قعودا لا يجزئ إلا من عذر وهو مبني على القول بوجوبها، وعلى القول بأنها من الرغائب ينبغي أن تجزئهم انتهى. ولا تصلي على الراحلة انتهى. ونقل القباب الفرعين عن ابن يونس، ونص سند على فرع الصلاة على الراحلة في أثناء كلامه الذي نقله عنه صاحب الذخيرة وعزاه لاشهب ونصه: وأركان صلاة الجنازة خمس: القيام والتحريم والدعاء والتكبير والتسليم. قال أشهب في المجموعة: إذا صلوا عليها وهم جلوس أو ركوب فلا تجزيهم وليعيدوا الصلاة. وهذا مبني على القول أن من أركانها القيام مع القدرة. وعد القاضي عياض من فروضها طهارة الحدث والخبث واستقبال القبلة وترك الكلام وستر العورة وقال: يشترط في صحتها ما يشترط في سائر الصلوات المفروضة إلا أنه لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا جلوس انتهى. فأما القراءة فالمشهور لانها لا تستحب قراءة الفاتحة، والشاذ استحبابها. وحكى في الجواهر عن أشهب وجوبها بعد الاولى. قال ابن راشد: وكان شيخنا القرافي يحكيه ويقول: إنه يفعله. انتهى من التوضيح. وقال الشيخ زروق: وله أن يفعل ذلك ورعا للخروج من الخلاف انتهى. وعد القاضي عياض قراءتها من الممنوعات والظاهر الكراهة.

[ 16 ]

الثالث: يستخلف الامام إن ذكر في الصلاة أنه جنب أو رعف فيها، وإذا قهقه بطل عليه وعليهم، وإذكر بعد الفراغ أنه جنب لم يعد فإن كان هو ومن خلفه على غير طهارة أعادوا، وإذكروا منسية فيها لم تقطع إذ لا ترتيب بين الجنازة والفرائض. قاله في مختصر الواضحة. فروع: الاول: قال اللخمي: الجماعة سنة ليس بشرط. وقاله في المعونة. وشرط صاحب المقدمات وغيره فيها الجماعة. قال: وإن فعلت بغير إمام أعيدت. الثاني: قال في الشامل: وهل تستحب الاعادة إن تبين أنه صلى لغير القبلة قبل الدفن لا بعده، أو تجب فيهما أو تعاد مطلقا ؟. أقوال. ونقله في التوضيح وأصله في سماع موسى. الثالث: لم يتعرض المؤلف لبيان ما يدعى به، والدعاء المستعمل هو ما قاله صاحب الرسالة. وقال في المدونة قال مالك: يجتهد للميت في الدعاء وليس في ذلك حد ولا يقرأ على الجنازة. وكان أبو هريرة يتبع الجنازة مع أهلها فإذا وضعت كبر وحمد الله وصلى على نبيه ثم قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. قال مالك: هذا أحسن ما سمعت من الدعاء على الجنازة وليس فيه حد معلوم انتهى. قال ابن ناجي: يحمل قوله الاول على نفي الوجوب لان إتيانه بما ذكر عن أبي هريرة وقوله هذا أحسن يقتضي أنه عينه، فيحمل الاول على نفي الواجب، والثاني على ثبوت المستحب وإلا كان تناقضا. قال ابن بشير: ولا يستحب دعاء معين اتفاقا، وتبعه ابن الحاجب وتعقبه ابن عبد السلام بأن مالكا استحب دعاء أبي هريرة ولقول أبي محمد في الرسالة يعني قوله ومن مستحسن ما قيل في ذلك في آخره وذلك يدل على أنهم استحسنوا أدعية معينة ونحوه لابن هارون. وقال الشيخ خليل: قول الرسالة ومن مستحسن ما قيل في ذلك يعارض قول ابن الحاجب ولا يستحب دعاء معين اتفاقا. فالجواب أن الرسالة ليس فيها دعاء مخصوص لقوله فيها ويقال في الدعاء للميت غير شئ محدود. وأيضا فالمستحب ما ثبت بنص والمستحسن ما أخذ من القواعد الكلية، وأما في المدونة فإنما رجحه ولم يعينه انتهى. تنبيه: قال ابن ناجي في شرح الرسالة بعد قوله تقول ذلك بإثر كل تكبيرة ليس العمل على ما قال الشيخ عندنا لطوله. وقال عبد الحق عن إسماعيل القاضي: قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة. قال ابن رشد: أقله اللهم اغفر له انتهى. وقد تقدم كلام عبد الحق في أول القولة وسيأتي كلام ابن رشد والله أعلم. الرابع: إن كان الميت رجلا دعا له بلفظ التذكير والافراد. قال الشيخ حاتم: والاعزب

[ 17 ]

كالمتزوج لانه قابل للتزويج. وإن كانت امرأة دعاء بالتأنيث والافراد، وإن كانوا رجلين أو رجلا واحدا وامرأة دعا بالتثنية والتذكير، وإن كانا امرأتين فبالتأنيث، وإن اجتمع رجال أو رجال ونساء دعاء بلفظ الجمع وغلب الرجال ولو كان النساء عشرة ومعهن رجل واحد، وإن اجتمع نساء دعا لهن بلفظ الجمع والتأنيث، وإن اجتمع رجال وأطفال قدمت الدعاء للرجال وجعلت آخر دعائك للاطفال لان الكبار أحوج للشفاعة من الصغار، أو تشملهم في دعاء واحد وتقول عقب ذلك: اللهم اجعل الاولاد لوالديهم سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل بهم موازينهم وأعظم بهم أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجرهم ولا تفتنا وإياهم بعدهم، ويجزيك ذلك. وكذلك إن كانوا جماعة نساء وأطفالا. قاله الجزولي ونحوه للشيخ يوسف بن عمر، إلا أنه قال في هذا الاخير: وإن اجتمع رجل وصبي أو امرأة وصبية اقتصر لهما بدعاء واحد فاقتصر على شمولهم بدعاء واحد. الخامس: قال الجزولي: والشيخ يوسف بن عمر وإن لم يدر من الميت ذكرا أو أنثى واحدا أو أكثر فإنه يأتي بمن ويدعو ويعى الضمير عليها لان من تقع على الذكر والانثى والجمع والمفرد. السادس: قال في المدخل: فإن كان مأموما ولا يعرف ما هو الميت واحدا أو أكثر، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، فإنه ينوي أن يصلي على من صلى عليه إمامه ثم يدعو بالدعاء المتقدم ذكره انتهى. يعني به قوله الحمد الله الذي أمات وأحيا إلى آخر ما ذكره في الرسالة والله أعلم. السابع: إذا صلى على جنازة على أنها امرأة فوجد الميت ذكرا أو العكس قال التونسي: تجزئ لانه قصد عين ذلك الشخص فلا يضر الجهل بصفته. انتهى من البرزلي من كتاب الاقضية والشهادات ونقله في التوضيح وغيره. الثامن: قال ابن هارون: فإن كان رجل وامرأة فجهل الامام فنوى بالصلاة أحدهما ونوى من خلفه الصلاة عليهما معا أعيدت على التي لم يصل عليها الامام، دفنت أم لا، لا أن تتعين فيصلي على قبرها. انتهى من شرحه على المدونة. التاسع: قال الجزولي في قول الرسالة في الدعاء للطفل: اللهم إنه عبدك وابن عبدك إلى أخره هذا إن كان ثابت النسب، وإن لم يكن ثابت النسب مثل ابن الملاعنة وولد الزنا فقيل: يدعى لهما بأمهما لانهما غير ثابتي النسب لانهما نطفة شيطان. وقيل: يدعى لهما بأبيهما. وقيل: ابن الملاعنة يدعى له بأبيه ولد الزنا بأمه انتهى. العاشر: قال ابن العربي في أول العارضة: والصحيح أن العاصي ينتفع بالدعاء ولذلك يدعى للميت وإن كان عاصيا انتهى بلفظه. الحادي عشر: قال في العمدة: وتستحب أن تصف الجماعة على الجنازة ثلاثة صفوف.

[ 18 ]

انتهى وأصله الحديث والله أعلم. ص: (ودعاء بعد الرابعة على المختار) ش: الظاهر أنه منون على أنه اسم فاعل ويشير لقول اللخمي: ومحل التكبيرة الاخيرة محل ما قبلها إن عقبها الدعاء والله أعلم. وقال سند: وهل يدعى بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام ؟ حكى الباجي فيه خلافا. قال عن سحنون: يقف بعد الرابعة ويدعو كما يدعو بين كل تكبيرتين. قال: وقال سائر أصحابنا: يثبت بعد الرابعة. فوجه قول سحنون حديث ابن مسعود واعتبار بسائر التكبيرات، ووجه قول غيره أن الدعاء في هذه الصلاة بمثابة القراءة في غيرها وفي غيرها لا يقرأ بعد الركعة الرابعة فلا يدعو لها ها هنا بعد التكبيرة الرابعة انتهى. وتقدم في القولة التي قبل هذه عن سند نحو هذا الكلام بأبسط من هذا، وفي أثناء حديث ابن مسعود والله أعلم. ص: (أو سلم بعد ثلاث أعاد) ش: قال ابن الحاجب: فإن سلم بعد ثلاث كبرها ما لم يطل فتعاد ما لم يدفن فتجئ الاقوال. قال في التوضيح: وإذا رجع لاصلاح الصلاة مع القرب اقتصر على النية ولا يكبر لئلا تلزم الزيادة في عدده، فإن كبر حسبه في الاربع. وقوله: فتجئ الاقوال يعني فيمن دفن ولم يصل عليه هل يصلي على قبره أم لا، وعلى النفي هل يخرج أم لا انتهى. والمشهور الصلاة على القبر كما سيقوله المصنف، وعزا ابن ناجي في شرح الرسالة قوله ولا يكبر له لئلا تلزم الزيادة لابن عبد السلام وزاد بعده. قلت: والصواب عندي أن يكبر كما في الفريضة انتهى والله أعلم. ص: (وتسليمة خفيفة) ش: فهي واحدة للامام والمأموم كما قال

[ 19 ]

في الرسالة، لكن ذكر في مختصر الواضحة في أوائل كتاب الصلاة واللخمي وابن ناجي أن من سمع سلام الامام فعليه أن يرد عليه. ونحوه لابن رشد في رسم سن من سماع ابن القاسم في كتاب الجنائز ومن سماع ابن غانم في بعض الروايات أنه يرد على الامام من سلم عليه قياسا على صلاة الفريضة، وهو تفسير لسائر الروايات وبالله التوفيق انتهى. ونص مختصر صاحب الواضحة: وسلام الامام على الجنازة واحدة أن يخفض بها صوته إلا أن يسمع بها نفسه ومن يليه، وكذلك من وراءه يسلمون تسليمة واحدة دون تسليمة الامام في الجهر، وليس عليهم أن يردوا على الامام إلا من سمعه، وكذلك قال مالك في ذلك كله. وقوله إلا من سمعه يعني فعليه أن يرد وقد تقدم عند قوله ورد مقتد كلام ابن ناجي: وظاهره إنه فرض فتأمله والله أعلم. ص: (وصبر المسبوق للتكبير) ش: سواء سبق بواحدة أو بأكثر كما صرح به في المعونة. وفي سماع أشهب: إن كل تكبيرة لا تفوت حتى يكبر الامام ما بعدها. واختاره ابن رشد وقال: ولا تفوت التكبيرة بأخذه في الدعاء ولا بتمامه إذ لو وجب ذلك لوجب أن تفوته بأقل ما يجزئه منه في كل ركعة وهو أن يقول: اللهم اغفر له. ولوجب إذا لم يكبر مع الامام معا وتراخى في ذلك حتى يقول الامام اللهم اغفر له أن يكون قد فاته التكبير، وهذا ما لا يصح أن يقال. فجوابه في المدونة وليس بصحيح وجوابه في هذه الرواية أصح انتهى. وقال في رسم الجنائز من سماع أشهب من كتاب الجنائز: إنه يكبر حين يجئ تكبيرة واحدة ثم يقف عما سبقوه به من التكبير ثم يقضيه بعد سلام الامام. قال ابن رشد: قوله في هذه الرواية أصح مما في المدونة انتهى. واختار سند القول الذي اختاره ابن رشد. وقال: لان ما بعد التكبيرة من توابعها بدليل أن من أحرم مع الامام ثم سها عن تكبيرة فذكرها والامام يدعو فإنه يكبر انتهى والله أعلم. وعلى القول بأنه ينتظره فقال ابن ناجي على المدونة: ويدعو في انتظاره كما صرح به في المجموعة انتهى. وقال سند: إن شاء دعا وإن

[ 20 ]

شاء سكت والله أعلم. ص: (وكفن بملبوسه لجمعة) ش: قال في التوضيح قال في البيان: ويكفن في مثل ما كان يلبسه في الجمع والاعياد في حياته، ويقضي بذلك عند اختلاف الورثة فيه انتهى. ص: (إن فقد الدين) ش: إنما أتى بهذا القيد وإن كان من المعلوم أنه لا ميراث إلا بعد الديخشية أن يتوهم أن هذا الكفن لما لم يكن للغرماء المنع منه ويقدم على ديونهم لا يتعلق لهم به حق ولو استغنى عنه فنبه على ذلك انتهى. ص: (كأكل السبع الميت) ش: قال ابن غازي: نقله المازري عن أبي العلاء البصري وزاد وكأنه عن القابسي: ولو خيف نبشه كانت حراسته من بيت المال. وقد أغفل ابن عرفة هذين الفرعين. ص: (وهو على المنفق بقرابة) ش: قال الجزولي: فإن اجتمع أب وابن ومثال من ذلك إذا هلك هالك وترك أباه وابنه ويتصور هذا فيما إذا كان زمنا بحيث لا تسقط نفقته عن الاب، فهل الكفن على الاب أو على الابن ؟ فقال: الكفن على الابن انتهى. فرع: قال الاقفهسي: ويجوز للشخص أن يستعد للكفن قبل الموت وكذلك القبر وإن احتاج إليه انتفع به انتهى. ومراده بالقبر إذا كان في ملكه، وأما في مقابر المسملين فلا يجوز

[ 21 ]

كما قاله في المدخل وفي التوضيح. وسيأتي الكلام عليه عنقوله وبناء عليه. ص: (أو رق) ش: قال الجزولي عند قوله ويكفنهم. ولو مات السيد والعبد معا ولم يترك السيد إلا كفنا واحدا كفن به العبد ويكفن السيد مثل فقراء المسلمين ولا يكفن فيه السيد ويترك العبد لانه لا حق له في بيت المال انتهى. وذكره ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وعزاه الشارح لقواعد القاضي ولعله القباب ونقله غيرهما. ص: (وندب تحسين ظنه بالله تعالى) ش: في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي. وفي رواية لابن حبان فليظن بي ما شاء وفي رواية إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: سمعت رسول الله (ص) قبل وفاته بثلاث يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله وكذلك رواه أبو داود. تنبيه: وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند الموت وفي المرض فينبغي للمكلف أن يكون دائما حسن الظن بالله. قال الشيخ محي الدين بن العربي: حسن ظنك بربك على كل حال ولا تسئ الظن به فإنك في كل نفس يخرج منك لا تدري هل أنت على آخر أنفاسك، ودع عنك قومن قال: سوء الظن به في حياتك وحسن الظن به عند موتك. ذكره في أول

[ 22 ]

با ب الوصايا من الفتوحات. ص: (وتقبيله عند إحداده على أيمن ثم ظهر) ش: ظاهر كلام المؤلف في التوضيح أن ذلك جار على القولين في صلاة المريض. وإذا كان كذلك فالذي شهره هناك أنه أولا على الايمن ثم على الايسر ثم على الظهر، ولم يفعل ذلك هنا بل أسقط الايسر. وقال سند: ويكون في توجيهه على شقه الايمن إن أمكن وإن لم يقدر فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة. قاله في المختصر وهو قول الجمهور اعتبار بحال صلاته وبحال قبره وبحالة النائم انتهى. فرع: قال في الجواهر: أما في حالة الغسل فيوضع على جنبه الايسر ليبدأ بغسل الايمن، ثم على الايمن وذلك غسله واحد ثم يفعل ذلك ثلاثا. وفي تكرير الوضوء في كل واحدة خلاف انتهى من الذخيرة. ص: (وتجنب حائض وجنب له) ش: قال في الطراز قال مالك في المختصر: لا بأس أن تغمضه الحائض والجنب. وقال ابن حبيب: يستحب أن لا تحضر الحائض ولا الكافرة. قال: ولا يكون عنده وقربه غير طاهر انتهى. وكذا لا يحضره صبي يعبث ولا يكف إذا نهى. قاله في المدخل. وقال أيضا: وينبغي أن يكون طاهرا وما عليه طاهرا، وكذلك من حضره وأن يكون عليه طيب وأن يحضره أحسن أهله وأصحابه سمتا وخلقا وخلقا ودينا فليلقنه كلمة التوحيد برفق، وأن يكثر من الدعاء له وللحاضرين لان الملائكة يؤمنون وهو من المواطن التي يرجى فيها قبول الدعاء، وينبغي أن لا يترك أحد يبكي حوله برفع صوت ومن كان باكيا فليبك بموضع لا يسمعه فيه المحتضر، فإن وقع الامر به فينبغي أن يمتثل السنة ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أؤجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها. وقال (ص): من قال ذلك أبدله الله خيرا منها أي من المصيبة. وينبغي أن يكون النساء بعيدات لقلة صبرهن، وينبغي لمن حضر من الرجال أن لا يظهر الجزع. ص: (وتلقينه الشهادة) ش: يعني أنه يستحب أن يلقن الشهادة عند موته. قال في الرسالة: ويلقن لا إله إلا الله عند الموت. قال في التوضيح قال

[ 23 ]

ابن الفاكهاني: ومراد الشرع والاصحاب الشهادتان معا. ثم قال في التوضيح: وإذا قالها مرة ثم تكلم أعيد تلقينه وإلا ترك لان المقصود أن يكون آخر كلامه. ولا يقال له قل بل يقال عنده لا إله إلا الله انتهى. زاد في المدخل: وإن كانوا جماعة فيفعلون ذلك واحدا بعد واحد ولا يلقنوه جميعا لان ذلك يحرجه ويقلقه انتهى. ونقل الابي عن بعضهم أنه استحب أن يلقن الشهادتين ثم يلقن التهليل وحده، وذكر لي الوالد عن بعض شيوخ شيوخه أنه كان يفعل ذلك في حال احتضاره. قال ابن ناجي: وظاهر الرسالة أنه يلقن الصغير كغيره وهو ظاهر كلام غيره. وقال النووي: ولا يلقن إلا من بلغ. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد بعد ذكره التلقين حال الاحتضار والتلقين بعد الموت: وينبغي أن يلقنه غير وارثه إن وجدوا إلا فأقربهم به. وقال سند قال ابن حبيب: ويستحب أن لا يجلس عنده إلا أحسن أهله وأفضلهم قولا وفعلا انتهى. تنبيه: ولا يضجر من عدم قبول المحتضر لما يلقيه إليه لانه يشاهد ما لا يشاهدون وقال القرافي في الفرق الرابع والثلاثين مسألة: من خرس لسانه وذهب عقله فلم ينطق بالشهادة ولا أحضر الايمان بقلبه ومات على تلك الحال مات مؤمنا ولا يضره عدم الايمان الفعلي عند الموت، كما أن الكافر إذا حضرته الوفاة وأخرس ذاهب العقل عاجزا عن الكفر في تلك الحال لعدم صلاحيته له، لا ينفعه ذلك وحكمه عند الله أحكام الذين استحضروا الكفر في تلك الحال بالفعل، فالمعتبر ما تقدم من كفر وإيمان انتهى. ولم يذكر المؤلف التلقين بعد الدفن. وقال التادلي إثر كلام الرسالة المتقدم ظاهر كلام الشيخ أنه لا يلقن بعد الموت، وبه قال عز الدين وجزم النووي باستحبابه. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة والارشاد: وقد سئل عنه أبو بكر بن الطلاع من المالكية فقال: هو الذي نختاره ونعمل به. وقد روينا فيه حديثا عن أبي أمامة ليس بالقوي ولكنه اعتضد بالشواهد وعمل أهل الشام قديما. وقال المتيوي: يستحب أن يجلس إنسان عند رأ س الميت عقب دفنه ويقول له: يا فلان ابن فلان أو يا عبد الله أو يا أمة الله، اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا وهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة والنار حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد (ص) رسولا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمسلمين إخوانا، ربي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم انتهى. وقال في المدخل: ينبغي أن يتفقد بعد انصراف الناس عنه من كان من أهل الفضل والدين ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه لان الملكين عليهما السلام إذا ذاك يسألانه وهو يسمع قرع نعال المنصرفين. وقد روى أبو داود في سننه عن عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لاخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل. وروى رزين في كتابه عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول بعدما

[ 24 ]

يفرغ من دفن الميت: اللهم إن هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله انتهى. وقد كان سيدي أبو حامد بن البقال وكان من كبار العلماء والصلحاء إذا حضر جنازة عزى وليها بعد الدفن وانصرف مع من ينصرف فيتوارى هنيهة حتى ينصرف الناس ثم يأتي إلى القبر فيذكر الميت بما يجاوب به الملكين عليهما السلام. ويكون التلقين بصوت فوق السردون الجهر ويقول: يا فلان لا تنس ما كنت عليه في دار الدنيا من شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا جاءك الملكان عليهما السلام وسألاك فقل لهما: والله ربي ومحمد نبي والقرآن إمامي والكعبة قبلتي. وما زاد على ذلك أو نقص فخفيف، وما يفعله كثير من الناس في هذا الزمان من التلقين برفع الاصوات والزعقات بحضور الناس قبل انصرافهم فليس من السنة في شئ بل هو بدعة، وكذلك لو فعلوه بعد انصراف الناس على هذه الصفة فهو بدعة أيضا. انتهى كلام صاحب المدخل. واستحب التلقين بعد الدفن أيضا القرطبي والثعالبي وغيرهما. ويظهر من كلام الابي في أول كتاب الجنائز وفي حديث عمرو بن العاصي في كتاب الايمان ميل إليه. ص: (وتغميضه) ش: لحديث أبي داود: دخل رسول الله (ص) على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، وقوله بعد هذا إذا قضى هو قيد في التغميض والشد. قال أبو داود: قال أبو ميسرة: وكان رجلا عابدا غمضت جعفر المعلم وكان رجلا عابدا في حالة الموت فرأيته في منامي ليلة يقول: أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت أو قبل الموت. قال في الطراز: فإذا قضى فأول ما يبدأ بتغميضه. قال ابن حبيب: ينبغي أن يلقن لا إله إلا الله ويغمض بصره إذا قضى ويقال عنده سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين لمثل هذا فليعمل العاملون وعد غير مكذوب. ويقال عند إغماضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله، اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه موته وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه انتهى. وانظر قول الشيخ بهرام، وفي كلام أبي محمد ما يدل على أن التغميض يكون قبل الموت لقوله ويقول حينئذ اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه موته ولا يقال ذلك إذا قضى مع كلام سند. وما ذكره عن ابن حبيب فإنه ذكر الدعاء الذي قاله الشارح وصرح بأنه يقوله عند إغماضه، وصرح بأن التغميض إنما يكون بعد الموت فيحمل ذلك على الدعاء بالتسهيل بما بعد ذلك. فعلى هذا فقوله: إذا قضى راجع إلى قوله وتغميضه وشد لحييه فهو قيد فيهما لانه إنما يغمض إذا انقطع نفسه وانحدر بصره وانفرجت شفتاه ولم تنطبقا وسقطت قدماه ولم تنتصبا فعند هؤلاء الاربع علامات يغمض الميت لا قبل ذلك. قاله الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة. وفي التوضيح: ويستحب إذا قضى لا قبل ذلك انتهى.

[ 25 ]

فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر قال أبو يوسف بن أسباط عن الثوري أنه قال: ومن لم يغمض عند موته وبقي مفتوح الاجفان والشفتين فإنه يأخذ واحد بعضده وآخر بإبهامي رجليه ويجذبانه قليلا فإنه يتغمض وذلك مجرب صحيح انتهى والله أعلم. ص: (وشد لحييه إذا قضى وتليين مفاصله برفق ورفعه عن الارض وستره بثوب ووضع ثقيل على بطنه) ش: قال سند: ثم يشد لحيه الاسفل بعصابة ويربطها فوق رأسه وذلك لئلا يسترخي وينفتح فاه فتدخله الهوام ويقبح بذلك منظره. واستحب بعض الناس أن يفعل به بعد موته سبعة أشياء: إغماض عينيه وشد لحييه وتليين مفاصله وتجريده من ثيابه ووضعه على لوح أو سرير وتثقيل بطنه وتسجيته بثوب. زعم أن تليين مفاصله إسهالا على غاسله وهذا ضعيف، فإن ذلك لا فائدة فيه إذ الغالب أنه لا يبقى لينه لوقت غسله. نعم تمدد فإن كان مرتفع الركب غمزولين ذلك منه. وقال في تجريده: لئلا تحميه ثيابه فلا يأمن معها الفساد. وهذا يختص ببعض الاحوال فلا يجعل سنة لسائر الاموات. وكذلك قوله في رفعه على سرير لئلا يسرع إليه الفساد وتناله الهوام، وتثقيل بطنه لئلا تعلو فيترك عليها حديد وشبه ذلك. وأما التسجية فروى ابن حنبل عن عائشة رضي الله عنها أنه (ص) سجي في ثوب حبرة انتهى. ونقل هذه الاشياء صاحب المدخل ما عدا تجريده بل قال عند ذكر التجسية. ويزيل ما عليه من الثياب ما عدا القميص. ويمكن حمل التجريد في كلام سند على ذلك. وقال في الكلام على وضع ثقيتجعل على بطنه حديدة أو سكينا فإن لم يجد فطينا مبلولا طاهرا لئلا يعلو فؤاده فيخشى أن ينفجر قبل حلوله في قبره انتهى. تنبيه: نقل ابن عبد السلام شد اللحيين عن غير المذهب. وقد ذكره سند كما تقدم ولم يعزه لغير المذهب، وكذلك نقله صاحب المدخل ونقله ابن شعبان إلا أنه علله بخوف دخول شئ من الماء عند غسله لجوفه. وقال ابن غازي: ابن عبد السلام قد وقع في المذهب تجعل حديدة على بطنه. ونص الشافعية على معناه قالوا: لئلا يسرع انتفاخ بطنه. قال ابن عرفة: لا أعرفه في المذهب بل نقل ابن المنذر إباحته عن الشافعي والشعبي انتهى. وقد نقله ابن

[ 26 ]

الفاكهاني في شرح الرسالة ونقله في المدخل كما تقدم والله أعلم. ص: (وإسراع تجهيزه إلا الغرق) ش: في سنن أبي داود أنه (ص) قال لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله انتهى. وقال في المدخل. ثم يأخذ في تجهيزه على الفور لامن إكرام الميت الاستعجال يدفنه، اللهم إلا أن يكون موته فجأة أو بصعق أو غرق أو بسمنه أو ما أشبه ذلك فلا يستعجل عليه ويمهل حتى يتحقق موته، ولو أتى عليه اليومان أو الثلاث أو يظهر تغيره فيحصل اليقين بموته لئلا يدفن حيا فيحتاط له وقد وقع ذلك كثيرا انتهى. فرع: الدفن ليلا جائز نقله في النوادر: قال النووي: في دفن فاطمة ليلا جواز الدفن بالليل وهو مجمع عليه لكن النهار أفضل إذا لم يكن عذر انتهى. انظر العارضة، وفي النسائي من حديث عقبة بن عامر الجهني قال: ثلا ث ساعات كان رسول الله (ص) ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تصيب الشمس للغروب. وفيه أيضا خطب رسول الله (ص) فذكر رجلا من أصحابه أنه مات فقبر ليلا وكفن في كفن غير طويل، فزجر رسول الله (ص) أن يقبر إنسان ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك. ص: (وللغسل سدر) ش: قال في المدونة: وأحسن ما جاء في الغسل ثلاثا أو خمسا بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافورا إن تيسر انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: انظر هذا يقتضي أن غسل الميت نظافة لكونه جعله يغسل بالماء والسدر. وظاهره في الاولى وهذا يرده قوله بعد هذا في الرجل يموت ولا رجال معه المرأة تموت ولا نساء معها أنهما ييممان، ولو كان الغسل نظافة لم يجب أن ييمما في عدم الماء إذ لا نظافة في التيمم، فيحتمل أن يقال بماء وسدر في غير الاولى ولا يخلط الماء والسدر. وقوله بماء وسدر أي يدلكه بالسدر ويصب عليه الماء القراح. وعلى الظاهر حملها اللخمي فقال: اختلف في الماء الذي يغسل به فقال في المدونة: يغسل بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافور، فأجاز غسله بالماء المضاف. ثم ذكر قول ابن حبيب الذي تقدم انتهى. ونص الذي تقدم له عن ابن حبيب قال

[ 27 ]

ابن حبيب يغسل في الاولى بالماء وحده، وفي الثانية بالماء والسدر، وفي الثالثة بغير سدر، ويجعل في الاخيرة كافور انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وقول الشيخ بماء وسدر يعني ورق النبق يطحن ويجعل في الماء ويحرك حتى يكون له رغوة ويغسل به الميت. وقيل: السدر نبات باليمن له رائحة ذكية. ومثله في المدونة. فأخذ منه اللخمي غسله بالمضاف لقول ابن شعبان. وأجيب بأن المراد لا يخلط الماء بالسدر بل يحك الميت بالسدر ويصب عليه الماء، وهذا الجواب عندي متجه، وهذا اختيار أشياخي والمدونة قابلة لذلك لانه فرق بين ورود الماء على الاضافة والنجاسة وورودها عليه، فالاول لا يضر والثاني عكسه يضر. ومنهم من تأولها كقول ابن حبيب الاولى بالماء وحده، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالكافور انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها روى ابن وهب يستحب ثلاثا أو خمسا بماء وسدر في الاخيرة كافور. فأخذ اللخمي منه غسله بالمضاف كقول ابن شعبان تنظف ابن حبيب: الاول بالماء وحده والثانية بغاسول بلده إن عدم السدر، فإن عدما فبالماء فقط، والثالثة بالكافور. وروى ابن عبد الحكم بالنطرون والحرض إن فقد السدر. أشهب: إن غطمت مؤنة الكافور ترك. التونسي: خلط الماء بالسدر يضيفه وصبه على الجسد بعد حكه به لا يضيفه. قلت: إن كان أخذ اللخمي من كلا الامرين كان خلافا. التونسي: وإن كان من الاول كان وفاقا وعليهما طهارة الثوب النجس يصب عليه الماء بعد طليه بالصابون انتهى. وقال ابن الحاجب: اختلف في وجوب غسله بالمطهر مرة دون سدر وكافور وغيرهما يعني بالمطهر الماء الطاهر المطهر وحده دون أن يخالطه شئ، والقول بالوجوب مبني على أنه عبادة، والقول الآخر على أنه للنظافة. انتهى من شرح ابن الحاجب لابن فرحون. فروع: الاول: قال في المدخل: ويستحب البخور حينئذ لئلا تشم من الميت رائحة كريهة ويزاد في البخور عند عصر بطنه انتهى. وسيأتي ذلك أيضا عن صاحب الطراز. الثاني: قال في المدخل: يكره للغاسل أن يقف على الدكة ويجعل الميت بين رجليه بل يقف بالارض ويقلبه حين غسله. الثالث: قال في المدخل أيضا. ينبغي للغاسل أن يشتغل بالتفكر والاعتبار عن هذه الاذكار التي ابتدعوها وجعلوا الكل عضو ذكرا يخصه فإنه بدعة، بل يشتغل بما ذكر عن سائر العبادات ذكرا كان أو غيره. وقال ابن شعبان في الزاهي: ويكثر الغاسل من ذكر الله عزوجل حال الغسل انتهى. فانظره مع ما قال صاحب المدخل والله تعالى أعلم. ص: (وتجريده) ش: قال في الطراز: ويجرد للغسل عند مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، والمستحب عند

[ 28 ]

أصحابه أنه يغسل في قميصه وهو قول ابن حنبل لان النبي (ص) غسل في قميصه والحديث حجة عليهم. قال في كتاب ابن سحنون: وينبغي إذا جرد للغسل أن لا يطلع عليه إلا الغاسل ومن يليه، وتستر عورته بمئزر، ويستحب أن يجعل على صدره ووجهه خرقة أخرى انتهى. ص: (ووضعه على مرتفع) ش: قال في الطراز: وليس عليهم أن يكون متوجها إلى القبلة لان ذلك ليس من سنة الغسل في شئ انتهى. ص: (ولم يعد كالوضوء لنجاسة) ش: وكذا لو وطئت الميتة لم يعد غسلها نقله الابي. ص: (وعصر بطنه برفق) ش: قال في الطراز: وإن كان ثم نجاسة أزالها ويكثر صب الماء لتذهب الرائحة الكريهة، ولهذا استحب أن يكون بقربه مجمرة فيها بخور ليذهب بالرائحة الكريهة انتهى. ص: (وصب الماء في غسل مخرجه بخرقة) ش: قال في الطراز: وأما بقية بدنه إن شاء غسله بيديه وإن شاء غسله بخرقة، وقد استحب الشافعي أن يغسله بخرقة وقال: يعد خرقتين نظيفتين يغسل بإحداهما أعالي بدنه ووجهه وصدره ثم مذاكيره وبين رجليه ثم يلقيها ويفعل بالاخرى مثل ذلك انتهى. ص: (وتوضئته) ش: وفي تكرار الوضوء بتكرار الغسل قولان، ذكرهما ابن الحاجب وصاحب

[ 29 ]

الشامل وغيرهما من غير ترجيح انتهى. قال في التوضيح عن الباجي: وينبغي على القول بتكرار الوضوء أن لا يغسل أولا ثلاثا بل مرة مرة لئلا يقع التكرار في العدد المنهي عنه، وعلى القول بعدم تكراره أن يثلث أولا انتهى. ص: (وعدم حضور غير معين) ش: قال في الطراز: ولا ينبغي أن يكون الغاسل إلا ثقة أمينا صالحا يخفي ما يراه من عيب، وإن استغني عن أن يكون معه أحد فحسن انتهى. ص: (وكافور في الآخرة) ش: وصفة ذلك أن يأخذ شيئا من الكافور فيجعله في إناء فيه ماء ويذيبه فيه ثم يغسل الميت به. قاله في المدخل. قال في النوادر عن كتاب ابن سحنون: والاخيرة بالكافور كانت الثالثة أو الخامسة فإن لم يوجد فغيره من طيب إن وجد انتهى. ص: (ونشف) ش: تصوره واضح. فرع: قال في التوضيح: وفي طهارة الثوب المنشف به الميت قولان مبنيان على الخلاف في نجاسة الميت وطهارته انتهى. وقال في الذخيرة قال ابن عبد الحكم: وينجس الثوب الذي ينشف فيه. قال التونسي: ولا يصلي فيه حتى يغسل وكذلك كل ما أصابه ماؤه. وقال سحنون: طاهر والله أعلم. ص: (وبياض الكفن وتجميره) ش: قال في الطراز: وما كان في الثوب من علم أو حاشية فلا يخرجه ذلك من جنس ثياب البياض. وقال قبله: الاحسن في ذلك التأسي بالنبي (ص) والنبي (ص) إنما كفن في ثياب قطن لا حرير فيها والكتان في معنى القطن، ولا يخرج عن هذين الجنسين والقطن أفضل له وأستر انتهى. وقوله لانه أستر فيه نظر لان من الكتان ميكون أستر من القطن. والظاهر أن يقال لكونه (ص) كفن فيه، وفهم من كلامه أن التكفين بالصوف غير مطلوب انتهى. ص: (وتجميره) ش: قال سند: فرع: فكيف يجمر ؟ قال أشهب في المجموعة: يجمر وترا. وحكاه ابن حبيب عن النخعي. وعن ابن عمر أنه

[ 30 ]

كان يجمر ثيابه يوم الجمعة وترا. وأخذ ذلك بعض المحدثين من قوله عليه السلام ومن استجمر فليوتر وإنما استحبه أشهب لان غسل الميت وتر وكفنه وتر والتجمير يتعلق بذلك فكان وترا. والمقصود عبوق الرائحة فتجعل الثياب على مستجب أو سنابل وهي ثلاث قصبات يقرن رؤوسهن بخيط ينصب وتترك عليها الثياب وتجمر بعود وغيره مما يتجمر به انتهى. وقال في المدخل: ويتبخر الكفن ثلاثا أو خمسا أو سبعا انتهى. وقال الشارح في الصغير: واستحب بعضهم أن يكون بالعنبر والله أعلم. وضبطه البساطي بالخاء المعجمة قال: والمراد منه أن يجعل الثياب بعضها فوق بعض ويدرج فيها الميت لقوله في الحديث أدرج فيها انتهى وهو تصحيف ظاهر والله أعلم. ص: (والزيادة على الواحد) ش: تصوره واضح. قال في الطراز: يجوز أن يخفف في أكفان الصغار. قال مالك في المجموعة: إذا لم تجد المرأة إلا ثوبين لفت فيهما، وكذلك من لم يبلغ من صبي أو صبية. قال أشهب وسحنون: هذا فيمن راهق فأما الصغير فالخرقة تكفيه انتهى. ص: (ولا يقضي بالزائد إن شح الورثة) ش: تصوره واضح. فرع: لو أوصى بأن لا يزاد على ثوب فزاد بعض الورثة آخر لم يضمن لان عليه في الواحد معرة ابن رشد: ولانه أوصى لما لاقربة فيه فلا تنفذ وصيته إذ لا خلاف في استحباب الزيادة على الواحد. انتهى. من شرح الارشاد للشيخ زروق. ص: (إلا أن يوصى ففي ثلثه) ش: قال سند عن سحنون فالذي يكون من الغرباء الذين لا يعرف لهم وارث وترك شيئا يسيرا كالدينار والدينارين فينبغي من مثل هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه وحنوطه وقبره انتهى. وظاهره أنه يصرف كله في ذلك وإن لم يوص به والله أعلم. ص: (وهل الواجب

[ 31 ]

ثوب يستره أو ستر العورة والباقي سنة خلاف) ش: قال ابن غازي: سلم في التوضيح أن الاول ظاهر كلامهم، ونسب الثاني للتقييد والتقسم. ومقتضى كلامه هنا أن الخلاف في التشهير. قال ابن عرفة قال أبو عمر وابن رشد: الفرض من الكفن ساتر العورة والزائد لغيرها سنة. قال ابن بشير: أقله ثوب يستر كله انتهى. وصرح ابن بشير بنفي الخلاف في الميت بخلاف الحي والله أعلم. ص: (ووتره) ش: هذا تكرار مع ما تقدم وكان ينبغي أن يقيده بالثلاث فما فوقها، وأما ما دون الثلاث فالشفع أفضل من الوتر، بل صرح الجزولي بأن الواحد مكروه وكأنه اكتفى بذكر ذلك عقبه فصار كالاستثناء منه والله أعلم. ص: (وتقميصه وتعميمه وعذبه فيها وأزرة ولفافتان) ش: هذه الخمس هي المستحبة للرحل والمرأة هي: القميص والعمامة والازار ولفافتان. ويكره أن يزاد للرجل عليها، وأما المرأة فتجوز زيادتها إلى سبع وذلك بأن تزاد لفافتان كما قاله الجزولي وإلى هذا أشار. ص: (والسبع للمرأة) ش: يعني أن إيتار كفن الرجل ينتهي إلى خمسة والوتر الذي هو السبعة. وقلنا بجواز إيتار الكفن إليه خاص بالمرأة. وقال في العمدة: وغاية الرجل خمسة: قميص وإزار ولفافتان. والمرأة سبع: درع وخمار وحقو وأربع لفائف. ويستحب أن يجمر بالعود والعنبر وتبسط اللفائف بعضها على بعض انتهى. وقوله وحقو يعني الازار، وأما الخرقة التي تجعل على فرج المرأة والعصائب التي يشد بها وجهه فليست داخلآ في هذه الاثواب كما صرح به في المدخل والله أعلم. تنبيه: قال سند: تبسط الاكفان ويجعل أسفلها أحسنها لان أحسن ثياب الحي يكون ظاهرها. قال ابن حبيب: ثم يعطف الثوب الذي يلي جسده بضم الايسر إلى الايمن ثم الايمن إلى الايسر كما يلتحف في حياته. وقاله أشهب في المجموعة قال: وإن عطف الايمن أولا فلا

[ 32 ]

بأس ويفعل هكذا في كل الثوب انتهى. وقال في النوادر: ومن الواضحة ونحوه لاشهب في المجموعة، فإذا فرغت من غسل الميت نشفت بلله في ثوب وعورته مستورة وقد أجمرت ثيابه بعد ذلك وترك، وإن أجمرتها شفعا فلا حرج ثم تسقط الثوب الاعلى. قال أشهب: اللفافة التي هي أوسع أكفانه ثم الاوسع فالاوسع من باقيها. وقال ابن حبيب: فيذر على الاول من الحنوط ثم على الذي يليه هكذا إلى الذي يليه جسمه فيذر عليه أيضا. ثم ذكر صفة جعل الحنوط في مساجده ومراقه ومسامه وسيأتي لفظه في القولة التي بعد هذه. ثم يعطف بالذي يلي سجده ثم يضم الايسر إلى الايمن ثم الايمن عليه كما يلتحف في حياته. وقاله أشهب في المجموعة قال: وإن عطفت الايمن أولا فلا بأس. ويفعل هكذا في كل ثوب ويجعل عليه الحنوط إلى الثوب الاخير، فلا يجعل على ظاهر كفنه حنوطا. ثم يشد الثوب عند رأسه وعند رجليه فإذا ألحدته في القبر حللته. قال في المجموعة قال أشهب: وإن تركت عقده فلا بأس ما لم تتبين أكفانه. وفي كتاب ابن القرطبي: ويخاط الكفن على الميت ولا يترك بغير خياطة انتهى. ص: (وحنوط داخل كل لفافة وعلى قطن يلصق بمنافذه والكافور فيه وفي مساجده وحواسه ومراقه) ش: صفة التحنيط والتكفين باختصار من النوادر والمدخل. قال في النوادر بعد قوله المتقدم قال ابن حبيب: فيذر على الاول من الحنوط ثم الذي يليه هكذا إلى الاعلى الذي يلي جسده فيذر عليه أيضا. قال أشهب: وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور فواسع. قال ابن حبيب: ثم يجعل الكافور على مساجده من وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه ويجعل منه في عينيه وفي فمه وأذنيه ومرفقيه وإبطيه ورفغيه وعلى القطن الذي يجعل بين فخذيه لئلا يسيل منه شئ ويشده بخرقة إلى حجزة مئزره. فقال سحنون: ويشدد بره بقطنة

[ 33 ]

فيها دريرة ويبالغ فيه برفق. قال ابن حبيب: ويسد مسام رأسه بقطن عليه كافور وأذنيه ومنخريه انتهى. وصفة التكفين تقدم في كلامه في القولة التي قبلها. وقال في المدخل: فإذا فرع من غسله فأول شئ يفعله أن يأخذ قطنة ويجعل عليها شيئا من الكافور أو غيره من الطيب، والكافور أحسن لانه يردع المواد، فيجعلها على فمه ثم يأخذ قطنة أخرى فيجعل فيها ما تقدم ويسد بها أنفه، ثم أخرى من الناحية الاخرى ويرسلها في أنفه قليلا ثم يؤخذ خرقة فيشد على الانف والفم ثم يعقدها من خلف عنقه عقدا وثيقا فتبقى كأنها اللثام، ثم يجعل على عينيه وأذنيه خرقة ثانية بعد وضع القطن والكافور على عينيه وأذنيه ويعقدها عقدا جيدا فتصير كالعصابة، ثم يأخذ خرقة ثالثة فيشد بها وسطه، ثم يأخذ خرقة رابعة فيعقدها في هذه الخرقة المشدود بها وسطه أو يخيطها فيها، ثم يلجمه بها بعد أن يؤخذ قطنة وتجعل عليها شيئا من الطيب أو الكافور وهو أحسن لانه يشد العضو ويسده فيجعله على باب الدبر ويرسل ذلك قليلا برفق، ويزيد للمرأة سد القبل بقطنة أخرى، ويفعل فيه كما تقدم في الدبر سواء، ثم يلجمه عليه بالخرقة المذكورة ثم يربطها ربطا وثيقا، وليحذر ما يفعلون من إدخالهم في دبره قطنا وكذلك في حلقه وإبطه لما في ذلك من مخالفة السنة وإخراق حرمة الميت. ثم يأخذ في تكفينه فيشد على وسطه مئزرا أو يلبسه سراويل وهو أستر له، ثم يلبسه القيمص ثم يعممه فيجعل له العمامة ذؤابة وتحنيكا كالحي إلا أنها هنا لا ترخى بل يشد ذلك عليه ويستوثق في عقده لئلا يسترخي ذقنه فيفتح فاه، ثم يعممه بباقي العمامة ويشدها شدا وثيقا ثم يبسط الذؤابة على وجهه فيستر وجهه بها، وكذلك يفعل بما يفضل من المقنعة في حق المرأة يستر بها وجهها دم ينقله إلى موضع الكفن فيجعله عليه ويحنطه. ومواضع الحنوط خمس: الاول: ظاهر جسد الميت. الثاني: بين أكفانه ولا يجعل على ظاهر الكفن. الثالث: المساجد السبعة وهي الجبهة والانف والكفان مع الاصابع والركبتان وأطراف أصابع الرجلين. الرابع: منافذ الوجه المتقدم ذكرها. الخامس: الارفاغ وهي مغابن الجسد خلف أذنيه وتحت حلقه وتحت إبطيه وفي سرته وفيما دون فخذيه وأسافل ركبتيه وقعر قدميه، وذلك بحسب ما يكون معه من الطيب، فإن قل عن استيعاب ذلك فليقتصر على الارفاغ والمساجد السبعة المتقدم ذكرها، ثم يأخذ

[ 34 ]

طرف أحد كميه فيربطه بطرف الكم الآخر ربطا وثيقا، ثم يأخذ خرقة طويلة فيربطها في موضع رباط الكمين ثم يمدها إلى إبهام رجليه فيربطها فيهما ربطا جيدا وثيقا لئلا تتحرك أطرافه وتتعرى. هذا إذا لبس القميص، وأما إذا أدرج فلا حاجة إلى فعل ذلك. فإذا جاء إلى لحده أزال الرباط عنه، وليحذر مما يفعله بعضهم من جعل القطن الكثير على وجه الميت حتى يعلو وعلى ركبتيه وتحت حنكه وتحت رقبته حتى يصير رأسه وكتفاه بالسواء، وكذلك ما يجعلونه من القطن عند ساقه ها هنا ومن ها هنا حتى يصير بطنه ورأسه ورجلاه بالسواء فإنه من محدثات الامور وهو بدعة وفيه محرمان هما إضاعة المال وأخذ مال الغير بغير أمره وهم الورثة إن كان فيهم قاصرون، فإن لم يكن فيهم قاصرون ورضوا بذلك ففيه الاعانة على البدعة. ثم يربط الكفن عن رأسه ومن عند رجليه ربطا وثيقا ثم يأخذ في نقله وإخراجه من البيت إلى النعش وكذلك كله برفق وحسن سمت ووقار انتهى. ص: (ومشى مشيع) ش: في سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام أتى بدابة ليركبها فأبى ثم لما انصرف أتى بدابة فركبها انتهى. ص: (وإسراعه) ش: قال في المدخل قال علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم: السنة في المشي بالجنازة أن يكون كالشاب المسرع في حاجته انتهى والله أعلم. ص: (وتقدمه) ش: أي ومما يستحب للمشيع للجنازة إذا كان ماشيا أن يتقدم أمامها. قال في الطراز. فرع: فإذا ثبت أن المشي أمامها أفضل فلا يكره المشي خلفها قاله أشهب في مدونته قال: أمامها السنة وخلفها واسع. والذي قاله بين ونظيره من قدر أن يجلس في الصلاة في الصف الاول فلم يفعل وجلس في غيره فإنه جائز والاول كان أفضل انتهى. ص: (وتأخر راكب وامرأة) ش: قال في الطراز: ولا يستحب للمرأة أن تمشي أمامها وليمش النساء من وراء الجنازة، وهذا لان ذلك أستر لهن ولان شأنهن التأخير في المقام عن الرجال في الصلاة وغيرها. ثم قال. فرع: فإن ركب معها كان خلفها خلف المشاة أو يتقدمهم ولا يصحبهم وهو قول الجمهور. قال ابن شعبان: ويكون النساء خلف الرجال انتهى. ص: (ويسترها بقبة) ش: ولا بأس بستر النعش للرجل نقله في التوضيح وابن عرفة.

[ 35 ]

فرع: قال في النوادر في ترجمة إنزال الميتة في قبرها بثوب: وكذلك فعل بزينب بنت جحش وهي أول من مات من أزواج النبي (ص). قال أشهب في المجموعة: وأما أكره أن يستر القبر في دفن الرجال، وأما المرأة فهو الذي ينبغي وذلك واسع في الرجل. ومن العتبية قال موسى عن ابن القاسم: وستر قبر المرأة بثوب مما ينبغي فعله انتهى. ص: (وابتداء بحمد الله وصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام) ش: قال في الطراز: ولا تكرر الصلاة ولا التحميد في كل تكبيرة انتهى. قال في المدونة: ولا يقرأ على الجنازة. قال ابن هارون ناقلا عن اللخمي والباجي: ظاهر المذهب فيه الكراهة. قال عبد الحق: لان ثواب القراءة للقارئ والميت لا ينتفع بها. وقال أشهب: اقرؤا بأم القرآن في التكبيرة الاولى فقط انتهى. ومنه إذا تقرر أن الصلاة على الجنازة مأمور بها فهي فيما يفتقر إليه من الشروط كسائر الصلوات، والدعاء فيها كالقراءة في غيرها من سائر الصلوات. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وكونها بغير قراءة هو المشهور. وقال أشهب: يقرأ بالفاتحة كالشافعي وله أن يفعل ذلك ورعا للخروج من الخلاف. ص: (ووقوف أمام الوسط ومنكبي المرأة) ش: قال في المدونة: وكان ابن مسعود يقف عند وسط الرجل وفي المرأة عند منكبيها. قال في التنبيهات: قيدناه عن بعض شيوخنا بسكون السين. قال أبو علي الجياني: كذا رده على القاضي أبو بكر عن صاحب الاحباس. قال ابن دريد: وسط الدار ووسطها سواء انتهى. وقال في الصحاح: يقال جلست وسط القوم بالتسكين لانه ظرف، وجلست وسط الدار بالتحريك لانه اسم وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالتحريك وربما سكن وليس بالوجه انتهى. وقال في النهاية:

[ 36 ]

الوسط بالسكون يقال فيما هو متفرق الاجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك، وإن كان متصل الاجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، وقيل كل ما يصلح فيه بين فهو بالسكون وما لا يصلح فيه بين فهو بالفتح. وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر وكأنه الاشبه انتهى. فرع: قال الشيخ زروق: والقيام فرض فيها فلو صلى جالسا أعاد إلا من عذر انتهى. فرع: ولا تصلى على الراحلة تنقله في الذخيرة عن الجواهر في باب الاستقبال والله أعلم. فرع: قال في المدخل: تقدم المصلي على الامام والجنازة فيه مكروهان: أحدهما تقدمه على الامام، والثاني تقدمه على الجنازة انتهى بالمعنى. فعلى هذا يكون التقدم على الجنازة مكروها فقط وتصح الصلاة سواء كان المتقدم إماما أو مأموما والله أعلم. فرع: قال في المدخل في سنن الصلاة على الجنازة: السادسة أن يكون الميت بين يدي المصلي ورأسه إلى جهة المغرب، وهذا بالنسبة إلى بلده. قال القاضي أبو الفضل عن الطبري أنه قال: أجمعوا أن الامام لا يلاصق الجنازة وليكن بينه وبينها فرجة انتهى. ص: (رأس الميت عن يمينه) ش: قال في الشامل: وأجزأت إن صلى عليها منكوسا رأسه موضع رجليه. انتهى ونقله في التوضيح وابن عرفة. ص: (وحثو قريب فيه ثلاثا) ش: هذا القول اقتصر عليه في

[ 37 ]

العمدة كما فعل المصنف. قال في النوادر: والذي يلون دفنها يلون رد التراب عليها. وقال فيها أيضا: ومن شأنهم صب الماء على القبر ليشتد. روي أنه فعل ذلك بقبر النبي (ص)، وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن زياد بن جبير أنه يكره أن يمس أحد العبر بيده بعد رش الماء عليه والله أعلم. ص: (وتهيئة طعام لاهله) ش: أي ويستحب أن يهيأ لاهل الميت طعام. فرع: قال في الطراز: ويجوز حمل الطعام لاهل الميت في يومهم وليلتهم واستحبه الشافعي. والاصل فيه ما رواه عبد الله بن جعفر أن النبي (ص) قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنهم فاجأهم أمر شغلهم. خرجه أبو داود. لان ذلك زيادة في البر والتودد للاهل والجيران. أما إصلاح أهل الميت طعاما وجمع الناس عليه فقد كرهه جماعة وعدوه من البدع لانه لم ينقل فيه شئ وليس ذلك موضع الولائم، أما عقر البهائم وذبحها على القبر فمن أمر الجاهلية إلا أن أنس بن مالك رضي الله عنه روى أن النبي (ص) قال لا عقر في الاسلام خرجه أبو داود انتهى. قال العلماء: العقر الذبح عند القبر وأما ما يذبحه الانسان في بيته ويطعمه للفقراء صدقة على الميت فلا بأس به إذا لم يقصد به رياء ولا سمعة ولا مفاخرة ولم يجمع عليه الناس. قال الفاكهاني في آخر باب الدعاء للطفل: وعقر البهائم وذبحها عند القبر من أمر الجاهلية. وقد روى أبو داود عن النبي (ص) أنه قال لا عقر في الاسلام انتهى. وقال في المدخل في فصل غسل الميت: وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها بعضهم وهو أنهم يحملون أمام الجنازة الخرفان والخبز ويسمون ذلك بعشاء القبر، فإذا أتوا إلى القبر ذبحوا ما أتو به بعد الدفن وفرقوه مع الخبز ويقع بسبب ذلك مزاحمة وضراب ويأخذ ذلك من لا يستحقه ويحرمه المستحق في الغالب وذلك مخالف للسنة لان ذلك من فعل الجاهلية. روى أبو داود عن أنس عن النبي (ص) أنه قال لا عقر في الاسلام انتهى. والعقر الذبح عند القبر كما تقدم ولما فيه من الرياء والسمعة والمباهاة والفخر لان السنة في أفعال القرب الاسرار بها دون الجهر فهو أسلم، والمشي بذلك أمام الجنازة جمع بين إظهار الصدقة والرياء والسمعة والمباهاة والفخر، ولو تصدق بذلك في البيت سرا لكن عملا صالحا لو سلم من البدعة أعني أن يتخذ ذلك سنة لانه لم يكن من فعل من مضى، والخير كله في اتباعهم رضي الله عنهم انتهى. ص: (وتعزية) ش: عد المصنف

[ 38 ]

التعزية من جملة المستحبات وصرح باستحبابها صاحب الارشاد. قال الشيخ زروق في شرحه: أما استحبابها فلا إشكال فيه انتهى. وعلى استحبابها مشى الشارح في شامله فقال: ويستحب تعزية أهله انتهى. وفي الجواهر: أنها سنة ونصه: التعزية سنة انتهى. ونقله عنه ابن عرفة ونصه ابن حبيب: في التعزية ثواب كثير. ابن شاس: سنة انتهى. والتعزية قال في الجواهر: هي الحمل على الصبر بوعد الاجر والدعاء للميت والمصاب انتهى. وقال ابن رشد في شرح ثاني مسألة من رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز: والتعزية لثلاثة أشياء: أحدها تهوين المصيبة على المعزي وتسليته منها وتحضيضه على التزام الصبر واحتساب الاجر والرضا بقدر الله والتسليم لامره. والثاني الدعاء بأن يعوضه الله من مصابه جزيل الثواب ويحسن له العقبى والمآب. والثالث الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له انتهى. وأما ألفاظ التعزية فقال في الجواهر إثر كلامه المتقدم: ذكر ابن حبيب ألفاظا في التعزية عن جماعة من السلف ثم قال: والقول في ذلك واسع إنما هو على قدر منطق الرجل وما يحضره في ذلك من القول، وقد استحسنت أن أقول: أعظم الله أجرك على مصيبتك وأحسن عزائك عنها وعقباك منها غفر الله لميتك ورحمه وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه انتهى. ونص كلام ابن حبيب

[ 39 ]

على ما نقله عنه في النوادر. وقال ابن حبيب: وقد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير، وجاء أن الله يلبس الذي عزاه لباس التقوى، وروي أن النبي (ص) كان إذا عزى قال: بارك الله لك في الباقي وآجرك في الفاني. وعزى النبي (ص) امرأة في ابنها فقال: إن الله ما أخذ وله ما أبقى ولكل أجل مسمى وكل إليه راجع فاحتسبي واصبري فإنما الصبر عند أول الصدمة. وكان محمد بن سيرين إذا عزى قال: أعظم الله أجرك وجبر مصيبتك وأحسن عزائك عنها وأعقبك عقبا نافعا لدنياك وأخراك. وكان مكحول يقول: أعظم الله أجرك وأحسن عقباك وغفر لمتوفاك. قال ابن حبيب: وكل واسع بقدر ما يحضر الرجل وبقدر منطقه وأنا أقول: أعظم الله أجرك على مصيبتك وأحسن عزاءك عنها وعقباك منها غفر الله لميتك ورحمه وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه. وقال غيره: وأحسن التعزية ما جاء به الحديث: آجركم الله في مصيبتكم وأعقبكم الله خيرا منها إنا لله وإنا إليه راجعون انتهى. وزاد سند عن ابن حبيب: روي عن النبي (ص) لما مات وجاءت التعزية سمعوا صوتا من جانب البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، وإن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك وعوضا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب منحرم الثواب انتهى. قال في المدخل: وقد ورد في التعزية ألفاظ متعددة. وقال بعضهم: وأحسن التعزية ما جاء في الحديث: آجركم الله على مصيبتكم وأعقبكم خيرا منها إنا لله وإنا إليه راجعون انتهى. فروع: الاول: في الجلوس للتعزية. قال سند: ويجوز أن يجلس الرجل للتعزية. وقالت عائشة رضي الله عنها لما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما جلس النبي (ص) في المسجد يعرف في وجهه الحزن خرجه أبو داود انتهى. الثاني: في محل التعزية. ومحلها في البيت وإن جعلت على القبر فواسع غير أنه ليس من الادب. قال في المدخل: والادب في التعزية على ما نقله علماؤنا أن تكون بعد رجوع ولي الميت بعد الدفن إلى بيته، وهي جائزة قبل الدفن إن لم يحصل للميت بسببها تأخير عن مواراته، فإن حصل ذلك منع. وقال بعد ذلك أيضا: وتجوز قبل الدفن وبعده انتهى. ويشير بأول كلامه إلى قول ابن حبيب ونصه على ما في النوادر قال ابن حبيب قال النخعي: كانوا يكرهون التعزية عند القبر. قال ابن حبيب: وذلك واسع في الدين وأما في الادب ففي المنزل انتهى. ونقله ابن عرفة عن النوادر بلفظ ابن حبيب. والتعزية عند القبر واسع في الدين والادب في المنزل. ونقله في مختصر الواضحة والطراز والذخيرة وغيرهم، وتقدم في كلام صاحب المدخل جوازها قبل الدفن. وقاله في الطراز ونصه بعد نقل كلام ابن حبيب المتقدم: وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده وبه قال الشافعي وغيره. وقال الثوري: لا يعزى بعد الدفن لان الدفن خاتمة أمره، وما قلناه أصوب لان عقيب الدفن يكثر الجزع لانه وقت مفارقة شخصه والانصراف عنه انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: ولم أر لأصحابنا تعيين وقت التعزية.

[ 40 ]

وقال الشافعي: حين يموت إلى حين يدفن عقيب الدفن. وقال النووي: لا يعزى بعد الدفن لان خاتمة أمره. قلت: وما قاله النوو رحمه الله مخالف لظاهر الحديث أعني قوله عليه السلام من عزى مصابا كان له مثل أجره فإنه عام غير مختص بوقت معين، ومن جهة المعنى أنه عقيب وقت يكثر الجزع والهلع لانه وقت مفارقة شخص الميت والرجوع عنه بالاياس منه فينبغي أن يستحب التعزية حينئذ لئلا يتسخط المصاب بقضاء الله تعالى فيأثم والله أعلم انتهى. وكان الفاكهاني لم يطلع على كلام ابن حبيب المتقدم والله أعلم. الثالث: فيمن تعزى. قال سند: ويعزى الكبير والصغير ممن يقصد بالخطاب ويفهمه. قال سحنون: ولا تعزى المرأة الشابة وتعزى المتجالة وتركه أحسن. قال: وكذلك السلام عليهن في الطريق. وقال الشافعي: لا أحب أن يعزي الشابة إلا ذو رحم محرم ويخص بالتعزية أجزعهم وأضعفهم عن احتمال المصيبة لان الثواب في تعزيتهم أكثر انتهى. ونقله عنه في الذخيرة بلفظ: ويعزى الكبير والصغير ومن يفهم الخطاب والمتجالة بخلاف الشابة انتهى. ونقله الفاكهاني في شرح الرسالة بلفظ: ويعزي الكبير والصغير المميز والمرأة إلا أن تكون شابة إلا أن يكون ذا رحم انتهى. ونقله الشيخ زروق في شرح الارشاد وزاد الحر والعبد. وسيأتي كلامه في الفرع الخامس. وما عزاه سند لسحنون نقله عنه في النوادر ونقله عنه ابن عرفة عنها ونصه: وفي كتاب ابن سحنون: لا تعزى الشابة وتعزى المتجالة وتركه أحسن كالسلام عليها انتهى. الرابع: فالتعزية بالنساء والقرين الصالح قال في النوادر قال ابن حبيب أصيب عمر بن عبد العزيز بامرأة من أهله فلما دفنت ورجع معه القوم فأرادوا تعزيته عند منزله فدخل وأغلق الباب وقال: إنا لا نعزي في النساء. وفعله عبد الملك فقال لسعد بن سعيد ما أتى بك ؟ فقال: لاشاركك في مصيبتك وأعزيك بابنتك. فقال: مهلا فإنا لا نعزي في النساء. ولغير ابن حبيب عن مالك أنه قال: إن كان فبالام. قال غيره: وكل واسع وقد قال عليه السلام من مات له ثلاث من الولد ولم يذكر ذكرا ولا أنثى وقال الله تعالى * (فأصابتكم مصيبة الموت) * (المائدة: 106) وقال النبي (ص) ليتعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة بي. وجعل المصيبة بالزوجة الصالحة والقرين الصالح مصيبة انتهى. كلام النوادر ونقله ابن عرفة مختصرا ونصه: قال يعني ابن حبيب: وأبي عمر بن عبد العزيز وعبد الملك التعزية في المرأة غير ابن حبيب عن مالك أنه إن كان فبالام غيره كل واسع. وقال (ص) ليتعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة بي وجعل مصيبة الزوجة والقرين الصالح مصيبة انتهى. وقال في المدخل: وينبغي أن يعزي الرجل في صديقه لانه من المصائب وكذلك يعزى الرجل في زوجته الصالحة لانها من المصائب انتهى. وسيأتي في الفرع الخامس في كلام ابن رشد أن الحر يعزى بالعبد. الخامس: في تعزية المسلم بالكافر والكافر بالمسلم أو بالكافر. قال في النوادر: ومن المجموعة قال ابن القاسم: ولا يعزى بأبيه الكافر يقول الله تعالى * (مالكم من ولايتهم من

[ 41 ]

شئ) * انتهى زاد سند بعد قول المجموعة: ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فمنعهم من الميراث وقد أسلموا حتى يهاجروا يريد أن المسلم إذا كان لا يعزى بالمسلم القريب لترك الهجرة فما الظن بالكافر وهو بعيد وهو أبعد وأسحاق إلا أن ذلك خفيف إذا كان للمسلم به منفعة عظيمة في دنياه فيكون فقده مصيبة في حق المسلم من هذا الوجه. وقد قال الشافعي: يعزى به وكما يعزى الذمي بالمسلم والذمي بالذمي. قال في كتاب ابن سحنون: ويعزى الذمي في وليه يقول: أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه. قال الشافعي: وإذا عزى ذميا بمسلم قال: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك انتهى. وما عزاه لكتاب ابن سحنون هو في النوادر بزيادة إن كان له جوار ونصه: وفي كتاب ابن سحنون: ويعزى الذمي في وليه إن كان له جوار يقول له: أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه انتهى. ومسألة تعزية المسلم بأبيه الكافر هي في العتبية أيضا في ثاني مسألة من رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز. وأطال ابن رشد الكلام عليها واختار تعزيته بها ونصه: وسئل مالك عن الرجل المسلم يهلك أبوه وهو كافر، أترى أن يعزى به فيقول آجرك الله في أبيك ؟ قال: لا يعجبني أن يعزيه يقول الله * (ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) * فلم يكن لهم أن يرثوهم وقد أسلموا حتى يهاجروا. قال ابن رشد: ما ذهب إليه مالك رحمه الله في هذه الرواية من أن المسلم لا يعزى بأبيه الكافر ليس بينا لان التعزية تجمع ثلاثة أشياء وذكر الثلاثة الاشياء المتقدمة عنه في الكلام على التعزية في أول القولة ثم قال: والكافر يمنع في حقه الشئ الاخير لقول الله عزوجل * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * وليس منع الدعاء للميت الكافر والترحم عليه والاستغفار له بالذي يمنع من تعزية ابنه المسلم بمصابه به إذ لا مصيبة على الرجل أعظم من أن يموت أبوه الذي كان يحن عليه وينفعه في دنياه كافرا، فلا يجتمع به في أخراه فيهون عليه المصيبة ويسليه منهويعزيه فيها بمن مات للانبياء الابرار عليهم السلام من القرابة والآباء الكفار، ويحضه على الرضا بقضاء الله ويدعو له بجزيل الثواب إلى الله إذ لا يمتنع أن يؤجر المسلم بموت أبيه الكافر إذا شكر الله وسلم لامره ورضي بقضائه وقدره فقد قال رسول الله (ص) لا يزال المسلم يصاب في أهله وولده وحامته حتى يلقى الله وليست له خطيئة ولم يفرق بين مسلم وكافر. وهل يشك أحد في أن النبي (ص) أجر بموت عمه أبي طالب لما وجد عليه من الحزن والاشفاق. وقد روي عن مالك رحمه الله أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر لذمام الجوار فيقول: أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جرى به أحدا من أهل دينه. فالمسلم بالتعزية أولى وهو بذلك أحق وأحرى، والآية التي احتج بها مالك منسوخة. قال عكرمة: أقام الناس بالتعزية أولى وهو بذلك أحق وأحرى، والآية التي احتج بها مالك منسوخة.

[ 42 ]

قال عكرمة: أقام الناس برهة لا يرث المهاجري الاعرابي ولا الاعرابي المهاجري لقول الله عز وجل * (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) * فنزلت * (وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض) * فاحتج بالمنسوخ وذلك إنما يجوز على القول بأن الامر إذا نسخ وجوبه جاز أن يحتج به على الجواز وفي ذلك بين أهل العلم اختلاف وبحث، واعتلاله بامتناع الميراث ضعيف إذ قد يعزى الحر بالعبد وهما لا يتوارثان. ولو استدل بقول الله عزوجل * (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * وبقوله تعالى * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم) * الآية. لكان أظهر وإن لم يكن دليلا قاطعا للمعاني التي ذكرناها والله أعلم وبالله التوفيق انتهى. ونقله صاحب التوضيح وابن عرفة باختصار، ونص ابن عرفة: وفي تعزية المسلم بأبيه الكافر قولان لابن رشد مع تخريجه على قول سحنون ومالك بتعزية الكافر بجوازه بأبيه، وسماع ابن القاسم. وعلى الاول قال مالك: يقول بلغني مصابك بأبيك ألحقه الله بأكابر أهل دينه وخيار ذوي ملته. وسحنون يقول: أخلف الله لك المصيبة وجزاك أفضل ما جزى أحدا من أهل دينه. قلت: في الاول إيهام كون أهل ملته بعد هذه الملة في سعادة وإلا كان دعاء عليه. ابن رشد: تعزية المسلم بأبيه الكافر بالدعاء له بجزيل الثواب في مصابه ويهون مصابه بمن مات للانبياء من قريب وأب كافر لا بالدعاء للميت. قلت: في التعزية بمن مات للانبياء نظر. انتهى كلام ابن عرفة، واستفيد منه أن القولين إنما هما في تعزية المسلم بوليه الكافر الاول منهما أنه يعزى به هو قول ابن رشد، وتخريجه له على قول مالك وسحنون في تعزية الكافر بوليه الكافر جواره، والثاني أنه لا يعزى به وهو قول مالك في سماع ابن القاسم المذكور. وأما المسألة المخرج عليها وهي تعزية الكافر بوليه الكافر بجواره فليس فيها إلا قول مالك وسحنون أنه يعزى به، وكلام الشيخ زروق في شرح الارشاد موافق لكلام ابن عرفة فإنه صدر في أول كلامه بتعزية الكافر في وليه ولم يحك فيه خلافا. ثم حكى في آخر كلامه القولين في تعزية المسلم لوليه الكافر ونصه: ويعزى الكافر والحر والعبد والصغير والكبير، ويعزى من النساء بالام خاصة ولا يعزى مسلم بكافر على الاصح. وقيل: يعزى لان مصيبته بموته كافرا أعظم انتهى. وتبع في التصحيح بعدم تعزيته صاحب الشامل ونصه: ويعزى من النساء بالدم خاصة لا مسلم بكافر على الاصح انتهى. وظاهر كلام سند المتقدم أنه حمل قول سحنون: ويعزى الذمي بوليه لانه لا فرق فيه بين أن يكون وليه المعزى به مسلم أو كافرا، لانه إنما ذكر استحقاق تعزية المسلم بالكافر إذا كان للمسلم به منفعة عظيمة استدل على ذلك بتعزية الذمي بالمسلم وبالذمي انتهى. واستشهد على ذلك بكلام سحنون كما تقدم في كلامه ولا يقال إن قوله وكما يعزى الذمي بالمسلم والذمي بالذمي من بقية قول

[ 43 ]

الشافعي بدليل أنه لم ينقل كيفية تعزيته به في آخر كلامه إلاعنه لانه لو كان من بقية كلام الشافعي لقال: ويعزى به كما يعزى الذمي بالمسلم وليأت بالواو، ولا يلزم من نقل كيفية تعزيته به عن الشافعي أن ذلك من تتمة كلامه لانه لم ير نصا لاهل المذهب في كيفية تعزيته، وقد تقدم أن التعزية لا تختص بلفظ من الالفاظ بل بقدر ما يحضر الرجل وبقدر منطقه، فلما رأى النص في كيفيتها للشافعي نقل ذلك عنه. وما تضمنه كلام سند هو ظاهر إطلاق قول الشيخ زروق المتقدم حيث قال: ويعزى الكافر وهو ظاهر لانه إذا عزى بوليه الكافر فلان يعزى بوليه المسلم من باب أولى والله أعلم. فائدة: قال في النوادر ناقلا عن غير ابن حبيب: وقد أمر الله بالاسترجاع للمصاب فقال * (الذين إذا أصابتهم مصيبة) * الآية وهذا من الاستسلام الله والاحتساب، وإنما المصيبة من حرم الثواب يريد فلم يبق له ما أسلف عليه ولا استفاد عوضا منه انتهى. وقال الباجي في المنتقى في أوائله في شرح قوله (ص) من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله لا يجب الاسترجاع عند المصيبة لقوله تعالى * (الذين إذا أصابتهم مصيبة) * الآية. وإنما يجب الرض والتسليم انتهى. وقال النووي في حديث الافك عن عائشة رضي الله تعالى عنها لما ذكرت وصول صفوان ابن المعطل إليها وهي نائمة: استرجع: فيه استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين أو في الدنيا، سواء كانت في نفسه أو من يعز عليه انتهى. ص: (وضجع فيه على أيمن مقبلا) ش: تصوره واضح. فرع: قال في الطراز بعد أن تكلم على ستر القبر بثوب في حق الرجل والمرأة: إذا ثبت ذلك فإن النعش يوضع على طرف القبر يكون رأس الجنازة على جانبه عند رجل القبر ويسل

[ 44 ]

الميت من قبل رأسه وبه قال الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة: توضع بطول القبر مما يلي القبلة ثم يؤخذ الميت من جهة القبلة فيدخل القبر معترضا، وذكر خبرا احتج به أبو حنيفة ثم رد عليه بأحاديث احتج بها الجماعة. وقال ابن مفلح من الحنابلة في كتاب الفروع: ويدخل الميت من عند رجل القبر وفاقا للشافعي لانه ليس من موضع توجه بل دخول، فدخول الرأس أولى لانه أفضل الاعضاء كلها ولا يدخل الميت معترصا من قبلته خلافا لابي حنيفة ونقل جماعة لاسهل فالاسهل انتهى. وفي سنن أبي داود: أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السنة انتهى. وانظر كلام المدخل. فرع: قاسند إثر كلامه السابق: وهل لمن يدخل القبر بالميت عدد محصور ؟ ظاهر المذهب لا حد في ذلك فهو كقول أبي حنيفة. وقال الشافعي: المستحب أن يكونوا وترا ثلاثة أو خمسة إن احتيج إلى ذلك لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أدخله القبر ثلاثة أنفس. ووجه المذهب أن ذلك لما لم يرد فيه تخصيص وجب أن يعمل بما تيسر. ص: (وتدورك إن خولف بالحضرة كتنكيس رجليه وكترك الغسل ودفن من أسلم بمقبرة الكفار إن لم يخف التغير) ش: قال الشارح في الكبير: قوله إن لم يخف التغير قيد في المسائل كلها والظاهر أنه ليس كذلك وإنما هو قيد في قوله ودفن من أسلم بمقبرة الكفار كما قاله في الصغير، وأما بقية المسائل فإنما يتدارك في الحضرة قبل أن يسووا عليه التراب ويفرغ فإن سووا عليه التراب وفرغ من دفنه ترك انظر ابن عرفة وغيره.

[ 45 ]

فرع: وأما من دفن بغير صلاة فإنه يفوت ذلك بالدفن. واختلف هل يصلى على قبره وهو المشهور، أولا يصلى على قبره ؟ اختلف في ذلك فقيل يدعون وينصرفون من غير صلاة. وقيل: يخرج إلا أن يخاف تغيره. الثالث: إلا أن يطول يخرج. نقل هذه الثلاثة ابن ناجي. وظاهر كلام ابن الحاجب أن أحد الاقوال يخرج مطلقا وإن تغير وليس كذلك. ص: (وسده بلبن) ش: تصوره واضح. قال في النوادر: ويستحب سد الخلل الذي بين اللبن، ولقد أمر به النبي (ص) في ابنه إبراهيم وقال: إن ذلك لا يغني عنه ولكنه أقر لعين الحي وقال: إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحسنه وفي حديث آخر أن يتقنه انتهى. ص: (وسن التراب أولى من التابوت) ش: قال الابي عن عياض في شرح حديث عمرو بن العاصي من كتاب الايمان: وسنوا على التراب سنا. السن والشن الصب وقيل هو بالمهملة الصب بسهولة بالمعجمة التفريق، وهذه سنة في صب التراب على الميت. وكره مالك في العتبية الترميض على القبر بالحجارة والطين والطوب. قلت: سن التراب في القبر صبه فيه دون لحد يمنع من وصوله إلى الكفن، فإن عنى بكونه سنة السنة عرفا فلم يرد فيه إلا وصية عمر وبهذه، وغايتها أنه مذهب صحابي. وقد يريد بالسن أن يصب عليه التراب فوق اللحد لا أن يعقد القبر كله بناء، ويؤيده ما ذكره عن العتبية من كراهية الترميض إلا أن يريد بالترميض رفع البناء فوق القبر وهو بعيد. وفي طرر ابن عات قال بعض الصالحين: ما جنبي الايمن أحق بالتراب من الايسر، وأوصي أن يحثى عليه التراب دون غطاء. وفي العتبية: ولا يكره بناء اللحد باللبن. ابن رشد قال ابن حبيب: وأفضل اللحود اللبن ثم الالواح ثم القراميد ثم القصب ثم السن انتهى. ص: (وجاز غسل امرأة ابن كسبع)

[ 46 ]

ش: قال ابن ناجي قال المغربي: أي وابن ثمان. وهو خلاف قول الرسالة ابن ست سنين وسبع. قال ابن يونس قال أشهب: ما لم يؤمر مثله بستر العورة انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ: روى ابن وهب ابن سبع. اللخمي: والمناهز كالكبير. ص: (ورجل كرضيعة) ش: أي وفوقها بيسير فيجوز ذلك اتفاقا. ص: (والماء السخن) ش: واستحبه أبو حنيفة لزيادة الانقاء، وأجيب بأنه يرخيه والمطلوب شده. ص: (وتكفين بملبوس) ش: إذا لم يكن وسخا ولم يخف نجاسة. قال سند: وكان سالما من القطع. قال ابن حبيب: يستحب أن يكفن في ثيابه التي يشهد بها الجماعات والصلوات وثوبي إحرامه رجاء بركة ذلك انتهى. ص: (ومزعفر ومورس) ش: هكذا قال اللخمي: كل ما صبغ بطيب فجائز للرجال والنساء. قال سند: ظاهر كلام أئمتنا أنه يكره كما يكره كل مصبوغ. ص: (وخروج متجالة أوان لم يخش منها لفتنة) ش: قال في شرح المسألة الاولى من رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز: النساء في شهود الجنازة ثلاثة: متجالة وشابة ورائعة قدرة جسيمة ضخمة. فالمتجالة تخرج في جنازة الاجنبي

[ 47 ]

والقريب، الشابة تخرج في جنازة أبيها وأخيها ومن أشبههما من قرابتها، والمرأة الرائعة القدرة الضخمة الجسيمة يكره لها الخروج أصلا والتصرف في كل حال، وهذا هو المشهور. وقد ذكر ابن حبيب أن خروج النساء في الجنائز مكروه بكل حال انتهى. ص: (وسبقها وجلوس قبل وضعها) ش: تصوره واضح. فرع: قال ابن الحاجب: إذا طلب الرجل بحضور جنائز بمقابر متباعدة فعن ابن القصار أنه يمضي يشهد الافضل منها. قلت: فظاهره أنه لو قربت فإنه يحصل له أجر دفن جميعها، ومعنى ذلك إذا نوى ذلك للجميع وله أصل وهو اجتماع الجنائز فصلاة واحدة يحصل له فضل الجميع. انتهى من البرزلي من كتاب الجنائز. ص: (ونقل وإن من بدو) ش: تصوره واضح. فائدة: قال في النوادر قال ابن حبيب: روي عن أبي هريرة إنه قال: ما من أحد يخلق من تربة إلا أعيد فيها وأن رسول الله (ص) لا غربة على المؤمن ما مات مؤمن بأرض غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والارض وقال إذا مات في غير مولده قيس له في الجنة من وطنه إلى منقطع أثره. انتهى. ص: (بلا رفع صوت) ش: قال الفاكهاني: البكاء جائز من غير نياحة وندب والجزع وضرب الخد وشق الثوب حرام. انتهى من آخر باب الدعاء للطفل. وقال السهيلي في حديث الوسادة: قول السيدة عائشة فمن سفهي وحداثة سني

[ 48 ]

أني وضعت رأسه (ص) على الوسادة وقمت ألتزم مع النساء الالتزام ضرب الخد باليد ولم يدخل هذا في التحريم لان التحريم إنما وقع على الصراخ والنوح ولعنة الحالقة والخارقة والصالقة وهي الرافعة لصوتها ولم يذكر اللزم لكنه وإن لم يذكره فإنه مكروه في حال المصيبة وتركه أحمد إلا على أحمد: لصبر يحمد في المصائب كلها إلا عليك فإنه مذموم انتهى. قلت: وفيما ذكره السهيلي نظر لقوله (ص) ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب متفق على صحته. ص: (وجمع أموات بقبر لضرورة وولى القبلة الافضل) ش: ويكره من غير ضرورة ويجمع بين المرأة والرجل في قبر للضرورة. قاله في النوادر: قال ابن عرفة: وسمع موسى: إن جمعوا في قبر لضرورة فالرجل للقبلة ثم الصبي ثم المرأة. قال ابن عرفة: قلت: يؤخذ منه الترتيب في تعدد قبورهم بمكان واحد وفي تقديم أخيارهم. ونزلت هذه بشيخنا ابن هارون وزوجته وحضره السلطان أبو الحسن المريني رحمه الله فسأل شيخنا السطي أبا عبد الله في تعيين من يقدم منهما فقال: الامر واسع وفيها إن دفن رجل وامرأة في قبر جعل الرجل للقبلة. قيل: أيجعل بينهما حاجز من صعيد ؟ قال: ما سمعت فيه شيئا. الشيخ عن ابن حبيب: لا بأس بحمل منفوس النساء معها إن استهل جعل لناحية الامام إن كان ذكرا وإلا أخر عنها ونويت بالصلاة دونه إن لم يستهل، ولا بأس أن يدفن معها ولو استهل انتهى. قلت: مسألة المدونة التي ذكرها هي في كتاب الغصب في أواخره ونقص رحمه الله منها ونصها: وإذا دفن رجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة. قيل: فهل يجعل بينهما حاجز من الصعيد أو يدفنان في قبر واحد من غير ضرورة ؟ قال: ما سمعت من مالك

[ 49 ]

فيه شيئا وعصبة المرأة أولى بالصلاة عليها من زوجها، وزوجها أحق منهم بغسلها وإدخالها في قبرها من ذوي محارمها، فإن اضطر وإلى الاجنبين جاز أن يدخلوها في القبر. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: ظاهر كلام الشيخ أن دفن الجماعة في قبر واحد جائز للضرورة وغيرها وليس كذلك، وإنما مراده إذا كان للضرورة وأما لغيرها فلا. قاله أصبغ وعيسى انتهى. وقال الجزولي: اختلف في دفن الجماعة في قبر واحد اختيارا. قيل: لا يجوز وهو المشهور. وقيل: يجوز انتهى. وقال الاقفهسي: إن لم تكن ضررة فمكروه قاله الفاكهاني والشيخ داود. وقال الشيخ: ويكره عندنا فن الجماعة في قبر واحد من غير ضرورة فإن احتيج إلى ذلك من ضيق مكان أو تعذر حافر أو نحو ذلك جاز انتهى. أنظر البرزلي في الجنائز في مسائل ابن قداح. فرع: ويجمع بين ميتين في كفن للضرورة قاله في النوادر. انظر البرزلي أيضا في المحل المذكور. ص: (وبصلاة يلي الامام رجل فطفل) ش: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة يعني أن المصلين بالخيار بين أن يفردوا كل جنازة بصلاة أو يصلوا عليها صلاة واحدة. قاله في الجواهر انتهى. ثم قال: ويلي الامام الافضل فالافضل فإن اجتمع العالم والصالح ففي تقديم أحدهما على الآخر قولان. حكاهما ابن رشد:

[ 50 ]

فإن وقع التساوي فالقرعة باتفاق فإن تفاضل الصغار قدم من عرف بحفظ القرآن وشئ من أصول الدين ثم من يحافظ على الصلاة ثم الاسن اه‍. أنظر الفاكهاني ص: (وزيارة القبور بلا حد) ش: قال في المدخل: فصل: وينبغي له أي للعالم أي يمنعهن أي النساء من الخروج إلى القبور وإن كان لهن ميت لان السنة حكمت بعدم خروجهن، وذكر أحاديث وآثارا ثم قال: وقد اختلف العلماء في خروجهن على ثلاثة أقوال: بالمنع والجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم، والثالث الفرق بين الشابة والمتجالة. واعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان، وأما خروجهن في هذا الزمان فمعاد الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجوازه انتهى. ثم قال: وصفة السلام على الاموات أن يقول: السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية ثم يقول: اللهم اغفر لنا ولهم. وما زدت أو نقصت فواسع والمقصود الاجتهاد لهم في الدعاء. ثم يجلس في قبلة الميت ويستقلبه بوجهه، وهو مخير بين أن يجلس في ناحية رجليه إلى رأسه ثم يثني على الله تعالى بما حضره ثم يصلي على النبي (ص) الصلاة المشروعة، ثم يدعو للميت بما أمكنه انتهى. وقال سيدي عبد الرحمن الثعالبي في كتابه المسمى بالعلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة: وزيارة القبور للرجال متفق عليه، وأما النساء فيباح للقواعد ويحرم على الشواب اللواتي يخشى عليهن من الفتنة، وذكر أحاديث تقضي الحث على زيارة القبور من جملتها عن الاحياء. قال: قال رسول الله (ص) من زار أبويه في كل جمعة غفر له وكتب بارا. وعن ابن سيرين قال: قال رسول الله (ص): إن الرجل ليموت والداه

[ 51 ]

وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله عزوجل من البارين ثم قال قال القرطبي: وينبغي لمن عزم على زيارة القبور أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ولا يكون حظه التطواف على الاجداث فإن هذه حالة تشاركه فيها البهيمة بل يقصد بزيارة وجه الله تعالى وإصلاح قلبه ونفع الميت بالدعاء وما يتلو عنده من القرآن، ويسلم إذا دخل المقابر ويخاطبهم خطاب الحاضرين فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. رواه أبو داود. وكنى بالدار عن عمارها. وإذا وصل إلى قبر معرفته سلم عليه أيضا ويأتيه من تلقاء وجهه ويعتبر بحاله. ثم ذكر عن عاصم الجحدري أنه سئل بعد موته: هل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ فقال: نعم به عشية الخميس ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس لفضل يوم الجمعة وعظمها. وعن ابن واسع أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمع ويوما قبله ويوما بعده. ثم قال سيدي عبد الرحمن الثعالبي: قال القرطبي: وقد قيل إن الارواح تزور قبورها كل جمعة على الدوام ولذلك تستحب زيارة القبور ليلة الجمعة ويوم الجمعة وبكرة السبت فيما ذكر العلماء رحمة الله عليهم. وذكر ابن رشد في البيان والتحصيل: وقد جاء في الارواح أنها بأفنية القبور وأنها تطلع برؤيتها وأن أكثر إطلاعها يوم الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت انتهى. ثم ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرؤا الفاتحة والمعوذتين * (وقل هو الله أحد) * واجعلوا ثواب ذلك لاهل المقابر فإنه يصل إليهم. ثم ذكر عن القرطبي من حديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) من مر على المقابر وقرأ * (قل هو الله أحد) * إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للاموات أعطي من الاجر بعدد الاموات انتهى. ثم ذكر عن القرطبي أيضا عن الحسن قال. من دخل المقابر فقال: اللهم رب هذه الاجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا منك وسلاما مني إلا كتب له بعدهم حسنات. انتهى. ص: (وقلم ظفره)

[ 52 ]

ش: قال في المدخل: إذا فرغ من غسله ينظف ما تحت أظفاره بعود أو غيره ولا يقلمها ثم قال: ويسرح لحيته بمشط واسع الاسنان، وكذلك يفعل برأسه ويترفق في ذلك فإن في المشط شعر جمعه وألقاء في الكفن ليدفن معه انتهى. ص: (وقراءة عند موته كتجمير الدار وبعده على قبره) ش: قال ابن الفرات في شرح قول المصنف في باب الحج وتطوع وليه عنه بغيره عن القرافي أنه قال: الذي يتجه أنه يحصل لهم بركة القراءة كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده. ثم قال في مسألة وصول القراءة: وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغي إهمالها فلعل الحق. هو الوصول فإن هذه الامور مغيبة عنا، وليس الخلاف في حكم شرعي إنما هو في أمر هل يقع كذلك أم لا. وكذلك التهليل الذي عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى ومن الله تعالى الجود والاحسان. هذا هو اللائق بالعباد وبالله التوفيق وصلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. انتهى بلفظه. وانظر هل هذا الكلام كله للقرافي أو أوله فقط. ويشير بالتهليل المذكور والله أعلم إلى ما ذكره الشيخ أبو عبد الله محمد السنوسي في آخر شرح عقيدته الصغرى وفي كتاب العلوم الفاخرة.

[ 53 ]

ص: (كتجمير الدار) ش: قال سند: وهل تجمر الدار عند الموت ؟ قال مالك رحمه الله في رواية أشهب في العتبية: ليس هو من عمل الناس. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يقرب إليه الروائح الطيبة من بخور وغيره انتهى. ص: (وحملها بلا وضوء) ش: هكذا قال في سماع ابن القاسم قال ابن رشد: إنما ذكره لانه يحمل ولا يصلي ولو علم أنه يجد في موضع الجنازة ما يتوضأ به لم يكره حملها على غير وضوء انتهى. قال ابن عرفة: وذكر الشيخ ابن أبي زيد أن أشهب روى عن مالك أنه لا بأس أن يحمله على غير وضوء قال: ولم يحك ابن رشد رواية أشهب وجعلهما المازري قولين انتهى. قلت: وكجار على أصله، فعند ابن القاسم يكره لمن يحمل الجنازة أن ينصرف عنها بلا صلاة ويكره ذلك عند أشهب. ص: (وإدخاله بمسجد) ش: تصوره واضح. قال البرزلي قال ابن الحاج: روى أشهب: أكره الدفن في المسجد فيحمل ذلك على أنه إذا دفن في المسجد ربما اتخذ مسجدا فيؤدي إلى أن يعبد ذلك القبر. قلت: ويحتمل أن يكون لان ميتة الآدمي قيل إنها نجسة وهو ظاهر المدونة في الرضاع. وقيل طاهرة مطلقا، وقيل الفرق بين الكافر والمسلم بسبب ذلك اختلف في الصلاة عليه في المسجد. وظاهر المدونة الكارهة وسبب الاختلاف حديث سهل بن بيضاء هل المسجد فيه ظرف للمصلي أو للجنازة، فيكون كراهة الدفن لاجل كراهة دخوله المسجد. وهذا على القول في صرف

[ 54 ]

الاحباس بعضها في بعض وبه عمل الاندلسيين خلافا للقرويين، فعلى قولهم لا يجوز الدفن فيه بوجه. وهذا في المساجد التي بنيت للصلاة فيها، وأما لوبنيت لوضع الموتى فيها صح إدخالها والدفن فيها إن اضطر إلى ذلك، وأما المساجد التي بنيت بالمقابر فقال ابن محرز: اختلف أشياخنا في الصلاة على الجنائز فيها فمنعه أبوعمران وجوزه ابن الكاتب انتهى. ص: (والصلاة عليه فيه) ش: قال في العارضة: ثبت أن النبي (ص) على الميت في المسجد وله صورتان: إحداهما أن يدخل الميت في المسجد وكرهه علماؤنا لئلا يخرج من الميت شئ وحرف الجر يحتمل أن يتعلق بصلى أو باسم فاعل مضمر والاول أولى. وإنما أذنت عائشة في المرور بالميت في المسجد لانها أمنت أن يخرج منه شئ لقرب مدة المرور وإلا أن مالكا لاحتراسه وحسمه للذرائع منع من إدخالهم في المسجد لان الناس كانوا يسترسلون في ذلك. وقد منعت عائشة من دخول النساء فيه، وحسم الذرائع فيما لا يكون من اللوازم أصل في الدين انتهى. وقد استمر عمل الناس على الصلاة على الموتى بالمسجد الحرام. قال شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام في الباب التاسع عشر قال الفاكهاني: كان الناس فيما مضى من الزمان يصلون على الرجل المذكور داخل المسجد الحرام. قال الفاسي: ومراده بالمذكور المشهور، والناس اليوم يصلون على الموتى جميعا بالمسجد الحرام إلا أن المذكور من الناس يصلون عليه عند باب الكعبة. ويذكر أنهم كانوا إنما يصلون عند باب الكعبة على الاشراف وقريش أدركناهم يصلون عند باب الكعبة على غيرهم من الاعيان، وبعض الناس تسامح في ذلك بالنسبة إلى غير قريش والاشراف وفي إخراجهم من باب السلام، ولم أر في خروجهم من باب السلام بالموتى ما يستأنس به. وعندي أن الخروج من باب الجنائز أولا لانه طريق النبي (ص) من منزل زوجه خديجة. وأما الصلاة على الموتى عند باب الكعبة فرأيت فيه خبرا ذكره الازرقي يقتضي أن آدم عليه الصلاة والسلام صلى عليه عند باب الكعبة، وأما من لا يصل عليه عند باب الكعبة فيصلي عليه خلف المقام عند مقام الشافعي وبعضهم يصلي عليه عند باب الحزورة وهم القراء الطرحاء وذلك داخل المسجد الحرام انتهى. ص: (وتكرارها) ش: قال في المدونة: ومن أتى وقد فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها بعد ذلك ولا على القبر، وليس العمل على ما جاء من الحديث في ذلك. قال ابن ناجي: وظاهر الكتاب أنه إذا صلى على الجنازة واحد فقط فإنه

[ 55 ]

يصلي عليها وهو كذلك باتفاق. وإنما اختلف هل ذلك على طريق الوجوب ما لم تفت الصلاة عليه - قال ابن رشد - أم يستحب التلافي فقط قاله اللخمي ؟ انتهى. فالكراهة إنما هو إذا صلى عليها جماعة، وأما إذا صلى عليها واحد فالاعادة مطلوبة إما وجوبا بأعلى قول ابن رشد القائل باشتراط الجماعة فيها، وإما استحبابا على طريقة اللخمي كما تقدم عند قوله والدعاء. قال

[ 56 ]

ابن عرفة: وفي كونها بإمام شرط إجزاء يجب تلافيها ما لم تفت أو كمال يستحب تلافيه طريقا ابن رشد واللخمي انتهى. وظاهر كلام الشامل أن المشهور كراهة تكرارها، ولو صلى عليها منفرد لحكايته هذا بقيل وليس كذلك والله أعلم. وقول المصنف بعد هذا ولا تكرار تكرار مع ما ذكره هنا. وقيل: المراد هنا تكرار الصلاة في غير من صلى عليها، وبالثاني تكريرها ممن قد صلى وفيه تكلف والله أعلم. ص: (وزيادة رجل على خمسة) ش: قال ابن غازي: لم أر من صرح بكراهته وأخذه من قول ابن حبيب أحب إلي مالك: خمسة أثواب لا يلزم انتهى. قلت: صرح بكراهة ذلك صاحب الطراز ونصه في باب التحنيط والتكفين وما زاد على الخمسة مكروه للرجل لانه غلو لقوله عليه الصلاة والسلام لا تغلوا في الكفن وذلك متفق على كراهته في سائر المذاهب. وقال ابن شعبان: المرأة في عدد أثواب الكفن أكثر من الرجل وأقله لها خمسة وأكثره سبعة انتهى. ص: (واجتماع نساء لبكاء ولو سرا) ش: قال البرزلي في مسائل الضرر: لا يجوز اجتماع النساء للبكاء بالصراخ العالي أو النوح، والنهي فيه قائم

[ 57 ]

سواء كان عند الموت أو بعد أو قبل الدفن أو بعده بقرب أو بعد. ثم قال: ومن معنى هذا ما يفعله النساء من الزغرتة عند حمل جنازة الصالح أو فرح يكون فإنه من معنى رفع النساء الصوت. وأحفظ للشيخ أبي علي القروي أنه بدعة يجب النهي عنها وتقدم هذا في الجنائز انتهى. فائدة: اجتماع الناس في الموت يسمى المأتم بهمزة ساكنة ثم مثناة فوقانية. قال في النهاية: المأتم في الاصل مجتمع النساء والرجال في الغم والفرح، ثم خص به اجتماع النساء للموت. وقيل: هو للشواب من النساء لا غير انتهى. وفي الصحاح: المأتم عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر، والجمع المآتم، وعند العامة المصيبة يقولون كنا في مأتم فلان، والصواب أن يقال في مناحة فلان انتهى. وأما المأتم بالثاء المثلثة فقال في النهاية: هو الامر الذي يأثم به الانسان أو هو الاثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم وفي الحديث: أعوذ بك من المأثم والمغرم انتهى. فائدة: قال في فتح الباري في كتاب الجهاد من باب من أتاه سهم غرب: إن تحريم النوح كان عقب غزوة أحد فلا يحتج على إباحته بقول أم الربيع: يا رسول الله حدثني عن حارثة إن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، وأقرها النبي على ذلك انتهى مختصرا. ولا يحتج أيضا بما وقع في قصة حمزة رضي الله عنه. ص:

[ 58 ]

(وقيام لها) ش: قال ابن غازي: هو تصريح بكراهة القيام للجنازة وظاهره مطلقا، والذي لابن رشد في سماع موسى وذكر كلام ابن رشد إلى آخره ثم قال: ففهم ابن عرفة أن في حكم القيام قولين: أحدهما أن وجوبه نسخ للاباحة وهو ظاهر المذهب، والثاني أنه نسخ للندب وهو قول ابن حبيب، وعلى هذا فلا كراهة وهو ظاهر كلام غير واحد. ولعل المصنف استروح الكراهة من قول فلما نه أو بما في النوادر عن علي بن زياد الذي أخذ به مالك أنه يجلس ولا يقوم وهو أحب إلي انتهى. قلت: يفهم من كلام الباجي ومن كلام سند. ونص الاول: الجلوس في موضعين: أحدهما لمن مات به، والثاني لمن يتبع فلا يجلس حتى توضع. واختلف أصحابنا في ذلك فقال مالك وغيره من أصحابنا: إن جلوسه ناسخ لقيامه واختاره أن لا يقوم. وقال ابن الماجشون وابن حبيب: إن ذلك على وجه التوسعة وإن القيام فيه أجر. وحكمة وما ذهب إليه مالك أولى لحديث علي قال فيه: ثم جلس بعده. وذكر سند كلام الباجي ثم قال بعده: ويعضده حديث عبادة وفيه: اجلسوا خالفوهم. وهذا أمر فيجب أن يقتضي استحباب مخالفة اليهود انتهى. فرع: قال في الطراز قال ابن شعبان: لا بأس أن يجلس الماشي قبل أن توضع ولا ينزل الراكب حتى توضع، وظاهر المذهب أنه لا فرق في ذلك ص: (وتطيين قبر وتبيضه وبناء عليه أو تحويز وإن بوهي به حرم وجاز للتمييز كحجر أو خشبة بلا نقش) ش: يعني أنه يكره تطيين القبر أي أن يجعل عليه الطين والحجارة. ويكره تبييضه بالجير والجبس، ويكره البناء على

[ 59 ]

القبر والتحويز عليه، وأن قصد المباهاة بالبناء عليه أو التبييض فذلك حرام. ويجوز التحويز الذي للتمييز كما يجوز أن يجعل عند رأس القبر حجر أو حشبة بلا نقش. قال في المدونة: ويكره تجصيص القبور والبناء عليها. قال في التنبيهات: تجصيص القبور هو تبييضها بالجص وهو الجبس: وقيل: هو الجير. ويروى في غير المدونة أو تجصيص وهما بمعنى تبييضها أيضا بالقصة وهي الجير انتهى. وقال في النوادر: ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وكره مالك أن يرصص على القبر بالحجارة والطين أو يبنى عليه بطوب أو حجارة. ثم قال: ومن كتاب ابن حبيب: ونهى عن البناء عليها والكتابة والتجصيص. وروى جابر أن النبي (ص) نهى أن تربع القبور أو يبنى عليها أو يكتب فيها أو تقصص - وروي تجصيص - وأمر بهدمها وتسويتها. ابن حبيب: تقصص أو تجصص يعني تبيض بالجير أو بالتراب الابيض والقصة الجير وهو الجبس انتهى. وفي رسم العشور من سماع عيسى قال: وسئل ابن القاسم عن قول محمد عند موته ولا تجعلوا على قبري حجرا قال: ما أظنه معنا إلا من فوق على وجه ما يبنى على القبر بالحجارة. وقد سألت مالكا عن القبر يجعل عليه الحجارة ترصص عليه بالطين فكره ذلك وقال: لا خير فيه ولا يجير ولا يبنى عليه بطوب ولا حجارة. ابن رشد: البناء على القبر على وجهين: أحدهما البناء على نفس القبر. والثاني البناء حواليه. فأما البناء على القبر فمكروه بكل حال، وأما البناء حواليه فيكره ذلك في المقبرة من ناحية التضييق فيها على الناس، ولا بأس به في الاملاك انتهى. قال اللخمي: كره مالك تجصيص القبور لان ذلك من المباهاة وزينة الحياة الدنيا وتلك منازل الآخرة وليس بموضع للمباهاة، وإنما يزين الميت علمه. واختلف في تسنيمها والحجارة التي تبنى عليها فكره ذلك مالك في المدونة، وقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس بالحجر والعود يعرف به الرجل قبر ولده ما لم يكتب فيه. وقال أشهب في مدونته: تسنيم لقبر أحب إلي وإن رفع فلا بأس، يريد أن يزاد على التسنيم. وقال محمد بن مسلمة: لا بأس قال: وقبر النبي (ص) وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مسنمة وهو أحسن. وفي البخاري: وكان قبر النبي (ص) مسنما. وقال خارجة بن زيد في البخاري: رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه وهو الذي أراد أشهب قوله وإن رفع فلا بأس يريد ويمنع من بناء البيوت على الموتى لان ذلك مباهاة ولا يؤمن لما يكون فيها من

[ 60 ]

الفساد. وقيل لمحمد بن عبد الحكم في الرجل يوصي أن يبنى على قبره فقال: لا ولا كرامة يريد بناء البيوت - ولا بأس بالحائط اليسير الارتفاع ليكون حاجزا بين القبور لئلا يختلط الانسان موتاه مع غيرهم ليترحم عليهم ويجمع عليهم غيرهم. وليس لاحد أن يدفن في مقبرة غيره إلا أن يضطر إلى ذلك، فإن اضطر لم يمنع لان الجبانة أحبس ليس لاحد فيها شئ، ويمنع مع الاختيار لان للناس أغراضا في صيانة موتاهم وتعاهدهم بالترحم انتهى. وقال الباجي في المنتقى: ومن السنة تسنيم القبر ولا يرفع قاله ابن حبيب. وقد روي عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي (ص) مسنما، فأما بنيانه ورفعه على وجه المباهاة فممنوع. وروى ابن القاسم عن مالك في العتبية: إنما كره أن يرصص على القبر بالحجارة أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات: وقوله في المدونة والبناء عليها بهذه الحجارة أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات: هو رفعها وتعظيمها. ثم قال: وأما الخلاف في بناء البيوت عليها إذا كانت في غير أرض محبسة وفي المواضع المباحة وفي ملك الانسان فأباح ذلك ابن القصار، وقال غيره: ظاهر المذهب خلافه انتهى. وقال ابن بشير: وينهى عن بنائها يعني القبور على وجه يقتضي المباهاة. والظاهر أنه يحرم مع القصد. ووقع لابن عبد الحكم فيمن أوصى أن يبنى على قبره بيت أنه تبطل وصيته. وظاهر هذا التحريم وإلا لو كان مكروها لنفذت وصيته ونهي عنها ابتداء. وأما البناء الذي يخرج عن حد المباهاة فإن كان القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته فجائز، وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره فحكى أبو الحسن عن المذهب قولين: الكراهة وأخذها من إطلاقه في المدونة، والجواز في غير المدونة. والظاهر أنه متى قصد ذلك لم يكره، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به علامة وإلا فكيف يكره ما يعرف به الانسان قبر وليه ويمتاز به القبر حتى يحترم ولا يحفر عليه إن احتيج إلى قبر ثان ؟ انتهى. وقال ابن الحاجب: ويكره البناء على القبور، فإن كان للمباهاة حرم، وإن كان لقصد التمييز فقولان: قال ابن عبد السلام: يعني أن البناء إما أن يقصد به المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شئ من ذلك والاول حرام. وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه من أكل ولباس وركوب وبناء وغيره. والثاني مختلف في كراهته وإباحته. والثالث مكروه. وقد وضع رسول الله (ص) حجرا بيده الكريمة عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أعم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. وأما تجويز موضع الدفن ببناء فقالوا: إنه جائز إذا لم يرفع فيه إلى قدر يأوى إليه بسبب ذلك أهل الفساد، وإن فعل ذلك فإنه يزال منه ما يستر أهل الفساد ويترك باقيه انتهى. وقال في التوضيح: يعني أن البناء إما أن يكون لقصد المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شئ، والاول حرام وهكذا نص عليه الباجي، والثالث مكروه، والثاني مختلف فيه بالجواز والكراهة. ابن بشير: والقولان حكاهما اللخمي واختار الكراهة من إطلاق المدونة والجواز في غيرها قال: والظاهر أن البناء لقصد التمييز غير مكروه وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به العلامة وإلا فكيف يكره

[ 61 ]

ما قصد به معرفة قبر وليه ؟ ولم يجزم ابن بشير بتحريم القسم الاول بل قال: الظاهر أنه يحرم وذكر كلامه المتقدم إلى قوله لنفذ وصيته. ثم قال في التوضيح: وأجاز علماؤنا ركز حجر أو خشبة عند رأس الميت ما لم يكن منقوشا لما روي أنه (ص) وضع بيده الكريمة حجرا عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. وكره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها، وأما تحويز موضع الدفن ببناء وذكر كلام ابن عبد السلام المتقدم ثم قال: وفي التنبيهات اختلف في بناء البيوت عليها إذا كان بغير أرض محبسة وفي المواضع المباحة في ملك الانسان فأباح ذلك ابن القصار وقال غيره: ظاهر المذهب خلافه انتهى. وأما الموقوف كالقرافة التي بمصر فلا يجوز فيها البناء مطلقا ويجب على ولي الامر أن يأمر بهدمها حتى يصير طولها عرضا وسماؤها أرضا. وقال في المدخل في فصل زيارة القبور: البناء في القبور غير منهي عنه إذا كان في ملك الانسان لنفسه، وأما إذا كانت مرصدة فلا يحل البناء فيها. ثم ذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل القرافة بمصر لدفن موتى المسلمين واستقر الامر على ذلك، وأن البناء بها ممنوع، وذكر عن بعض الثقات أنه أخبره أن السلطان الظاهر أمر باستفتاء العلماء في زمنه في هدم ما بها من البناء، فاتفقوا على لسان واحد أنه يجب على ولي الامر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه أن يكلف أصحابه رمي ترابها في الكيمان، ولم يختلف في ذلك أحد منهم. ثم إن الملك الظاهر سافر إلى الشام فلم يرجع انتهى. وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: أما تجصيص القبور فمتفق على كراهته إلا ما روي عن أبي حنيفة انتهى. فتحصل من هذا أن تطيين القبر أي جعل الطين عليه والحجارة مكروه، وكذلك تبييضه وكذلك البناء عليه نفسه، وكذلك التحويز حواليه ببيت ونحوه إذا لم يقصد بذلك المجاهاة ولا التمييز، فإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو حواليه أو تبييضه أو تطيينه حرم، فيكون الضمير في قوله بوهي به راجع إلى المذكور جميعه. قال ابن الفرات في شرحه: ويحسن أن يعود الضمير في قوله وإن بوهي به على المذكور فيه أي وإن قصد المباهاة بالبناء أو التحويز أو التبييض حرم لان زينة الدنيا ارتفعت بالموت انتهى. ويؤيده أيضا كلام ابن عبد السلام المتقدم أعني قوله: وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه. وقوله وجاز للتمييز أي وجاز التحويز للتمييز ويحتمل أي وجاز البناء على القبر والتحويز عليه للتمييز، أما التحويز للتمييز فقد اتفق عليه كلام اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأما البناء على القبر نفسه للتمييز فهو الذي اختاره ابن بشير. وظاهر كلام المصنف أن التحويز للتمييز يجوز مطلقا. سواء كانت الارض مملوكة أو مباحة أو مسبلة للدفن، وهو الذي يفهم مما تقدم عن اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام ومما في نوازل ابن رشد عنه وعن القاضي عياض ونصه. وكتب إليه القاضي عياض يسأله فيما ابتدع من بناء السقائف والقبب والروضات على مقابر الموتى وخولفت فيه السنة، فقام بعض من بيده أمر في هدمها وتغييرها وحط سقفها

[ 62 ]

وما أعلى من حيطانها إلى حدها، هل يلزم أن يترك من جدرانها ما يمنع دخول الدواب أم لا قطعا للذريعة ولا يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار اليسير لتميز به قبور الاهلين والعشائر للتدافن ؟ وكيف إن قال بعضهم لبقاء جداري منفعة لصيانة ميتي لئلا يتطرف إليه للحدث عليه، لا سيما ما كان منها بقرب العمارة، وليس هذا عند من يوجب أن يترك عليها من الجدرات أقل ما يمنع هذا أم لا، لان الضرر العام بظهور البدعة في بنائها أو تعليتها أعظم وأشد مع أنه لا يؤمن استتار أهل الشر والفساد فيها بعض الاحيان وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه، ومراعاة أشد الضررين وأحقهما مشروع بينه، وجاوب عليه مشكورا مأجورا والسلام. فأجاب: تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا وقفت عليه. وما يبنى من السقائف والقبب والروضات في مقابر المسلمين هدمها واجب، ولا يجب أن يترك من حيطانها إلا قدر ما يميز به الرجل قبور قرابته وعشيرته من قبور سواهم لئلا يأتي من يريد الدفن في ذلك الموضع فينبش قبر امرأته. والحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية ولا يفتقر إلى باب. ثم سأله القاضي عياض عن نقض هذه الابنية، هل هي لعامة المسلمين إذا بناها بانيها في الحبس وقد علمت ما وقع في هذا الاصل من الخلاف، أن ترجع إلى ملك صاحبها وهو الاشبه ؟ والصحيح أنه وإن قلنا بذلك الاصل فهذا حبس غير مأذون فيه ولا مشروع بل هو محظور منهي عنه فهو رد فأردت جوابك. فأجاب: النقض لاربابه الذي بنوه لا يكون حبسا كالمقبرة التي جعل فيها، ولا يدخل في ذلك الاختلاف في نقض ما يبنى في الحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الوجهين. وقال في موضع آخر من أجوبته: ونقض ما يبنى في الروضات لا يلحق بالحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الموضعين فإنه صحيح انتهى. وسئل أيضا عن قبر علا بناؤه نحو العشرة أشبار وأزيد، هل يجب هدمه وتغير بدعته، وكيف إن شكى بعض جيرانه أنه يستر باب فندقه عن بعض الوراد ويمنع النظر للجلاس في أسطوانته، هل لصاحب الفندق فيه حجة إذ يقول منعتني منفعتي لغير منفعة بل لما لا يجوز ؟ وهل لاولياء القبر حجة فيجوز لهم بناؤه، وكيف إن كان بناؤه قبل بناء الفندق ؟ فأجاب إن كان البناء على نفس القبر فلا يجوز ويهدم، وإن لم يكن إلا حواليه كالبيت يبنى عليه فإن كان في ملك الرجل وحقه فلا يهدم عليه، وإن كان ما ذكرت من حجة صاحب الفندق المواجه له، وإن كان في مقابر المسلمين فقد تقدم فوق هذا أن هدمه واجب فقد صرح بأن البناء لتمييز القبور جائز في مقابر المسلمين وهو نحو ما تقدم عن الجماعة المذكورين أولا، وظاهر كلام المصنف في التوضيح في آخر كلامه. وأما الموقوف كالقرافة بمصر فلا يجوز البناء بها مطلقا، إنه لا يجوز البناء ولو كان يسيرا لتمييز قبور الاهل إلا أن يقال: إنما كلامه في بناء البيوت والقبب ونحو ذلك بدليل أنه قدم أولا أن البناء للتحويز جائز وقبله ولم يعترض عليه، وكلام ابن الفاكهاني في شرح الرسالة أقوى في المنع من

[ 63 ]

كلام التوضيح. ونصه بعد أن ذكر كلام ابن بشير المتقدم: قلت: هذا في غير المقبرة المحبسة لدفن المسلمين لان في ذلك تضييقا على الناس. قال الشافعي: وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما بنى بها، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك الهدم. قلت: فلا يجوز التضييق فيها ببناء ويجوز فيه قبرا ولا غيره بل يجوز في الارض المحبسة غير الدفن فيها خاصة. وقد أفتى من تقدم من جلة العلماء بهدم ما بني بقرافة مصر وألزم البانين حمل أنقاضها وإخراجه عنها. وذكر عن بعض العلماء أنه دخل إلى صورة مسجد بني بقرافة مصر الصغرى فجلس فقيل له: ألا صليت التحية ؟ فقال: لانه غير مسجد فإن المسجد هو الارض والارض مسبلة لدفن المسلمين. ثم بالغ في إنكار البناء وذكر المفاسد المرتبة على ذلك كما فعل صاحب المدخل فليتأمل، والظاهر ما قاله الجماعة المتقدمون أعني اللخمي وابن رشد وعياضا وابن بشير وابن عبد السلام، بل صريح كلام عياض أن هذا أمر مقرر أباحه العلماء فتأمل ذلك وسيأتي عن المازري أيضا. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما لو بني بيت وحائط جعل للقبر ليصونه فقال ابن القصار: وجائز إلا أن يضيق على الناس في موضع مباح. قال المازري: وهو خلاف المشهور. وفيما ذكره نظر لان المنع لا أعرف من قال به إلا اللخمي. قال: يمنع بناء البيوت لان ذلك مباهاة ولا يؤمن ما يكون فيه من الفساد، ثم ذكر كلام ابن عبد الحكم المتقدم انتهى. قلت: بل في كلام ابن ناجي نظر، لان اللخمي وإن كان هو الذي صرح بالمنع فقد تلقاه أئمة المذهب بالقبول، وكلام ابن عبد الحكم الذي تقدم دليل عليه، ونص كلام المازري في شرح التلقين: ولا بأس بالحائط اليسير الارتفاع يكون حاجزا بين القبور لئلا تختلط على الناس قبورهم. وأشار ابن القصار إلى أن البناء المكروه عليها أو حولها إنما هو في المواضع المباحة لئلا يضيق على الناس التصرف فيه، وأما البناء في ملكه أو ملك غيره بإذنه فذلك جائز وهو الذي حكيناه عن ابن القصار ظاهره خلاف المشهور من المذهب انتهى. وكلام المازري الذي نقله عن ابن القصار مشكل لان ظاهره يقتضي أن البناء في المواضع المباحة مكروه، سواء كان الموضع المباح مواتا أو مقبرة من مقابر المسلمين وليس كذلك، لانه لا يجوز البناء في مقابر المسلمين فتأمله. فتحصل من هذا أن البناء حول القبر لا يخلوا إما أن يكون في أرض مملوكة للباني أو مملوكة لغيره أو في أرض مباحة أو في أرض موقوفة للدفن مصرح بوقفيتها أو في أرض مرصدة لدفن موتى المسلمين مسبلة لهم. فإن كان في أرض مملوكة للباني فلا يخلو البناء إما أن يكون يسيرا للتمييز كالحائط الصغير الذي يميز به الانسان قبور أوليائه، أو يكون كثيرا كبيت أو قبة أو مدرسة. والكثير إما أن يقصد به المباهاة أولا. فإن كان البناء يسيرا للتمييز فهو جائز باتفاق، وإن كان كثيرا وقصد به المباهاة فهو حرام ولا أعلم فيه خلافا، وإن لم يقصد به المباهاة فقد قال ابن القصار: هو جائز. وظاهر كلام اللخمي أنه ممنوع، وظاهر كلام المازري

[ 64 ]

وصاحب المدخل أنه مكروه وهو الذي يقتضيه كلام ابن رشد حيث أفتى أنه لا يهدم. وأما الارض المملوكة لغير الباني فحكمها كالارض المملوكة إذا أذن ربها، وذلك حكم الارض المباحة إذا لم يضر ذلك البناء بأحد. وأما الارض الموقوفة لدفن فلا يخلوا البناء إما أن يكون جدارا صغيرا للتمييز أو بناء كثيرا كالبيت والمدرسة والحائط الكبير. فأما الجدار الصغير للتمييز فقال القاضي عياض في السؤال المتقدم: إنه جائز وأباحه العلماء ووافقه على ذلك ابن رشد فيما تقدم. وقال: الحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية وهو ظاهر كلام اللخمي وابن بشير ابن عبد السلام، وظاهر كلام المصنف في التوضيح أنه لا يجوز، وكذلك ظاهر كلام الفاكهاني في شرح الرسالة. وأما البناء الكثير فلا يجوز باتفاق. وأما الارض المرصدة لدفن موتى المسلمين فظاهر نصوصهم المتقدمة أن حكمها حكم الموقوفة بل هو صريح كلامه في المدخل كما تقدم، ولا أعلم أحدا من المالكية أباح البناء حول القبر في مقابر المسلمين، سواء كان الميت صالحا أو عالما أو شريفا أو سلطانا أو غير ذلك. ولا يؤخذ الجواز مما ذكره ابن عرفة عن الحاكم ونصه: وقال الحاكم في مستدركه إثر تصحيحه أحاديث النهي عن البناء: والكتب على القبر ليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين شرقا وغربا مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذه الخلف عن السلف انتهى. ونقله ابن ناجي في شرحه على المدونة، ونقله البرزلي في مسائل الجنائز وقال عقبه: قلت: فيكون إجماعا فيحمل على أنهم استندوا إلى حديث آخر لقوله عليه الصلاة والسلام لا تجتمع أمتي على ضلالة. وفي فتاوى ابن قداح: إذا جعل على قبر من هو من أهل الخير فخفيف انتهى. لان كلام الحاكم إنما هو في الكتب على القبور كما هو صريح فيه. وكذلك ما نقله البرزلي عن ابن قداح إنما هو في الكتب، ونص ذلك في مسائله: لا يجوز بناء القبور بحجر ولا بجير وإنما يجعل عند رأسه حجر وعند رجليه حجر ليكون علامة عليه. وهل يكتب عليه أم لا ؟ لم يرد في ذلك عن السلف الصالح شئ، ولكن إن وقع وعمل على قبر رجل من أهل الخير فخفيف انتهى. وقال ابن قدامة من الحنابلة في كتاب الفروع قال شيخنا: من بنى ما يختص به يعني في المقبرة المسبلة فهو عاص. قال: وهذا مذهب الائمة الاربعة وغيرهم انتهى. تنبيهات: الاول: علم من كلام ابن رشد والقاضي عياض المتقدم في السؤال والجواب، أن ما بني في مقابر المسلمين من وقفه فإن وقفه باطل وأنقاضه باقية على ملك ربها إن كان حيا أو كان له ورثة ويؤمر بنقلها من مقابر المسلمين، وإن لم يكن له وارث فيستأجر القاضي على نقلها منها ثم يصرف الباقي في مصارف بيت المال انتهى. الثاني: قال في النوادر قال ابن حبيب: ضرب الفسطاط على قبر المرأة أجوز منه على

[ 65 ]

قبر الرجل لما يستر منها عند إقبارها، وقد ضربه عمر على قبر زينب بنت جحش. فأما على قبر الرجل فأجيز وكره ومن كرهه، فإنما كرهه من جهة الريا والسمعة، وكره أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن المسيب، وقد ضربه محمد بن الحنيفة على قبر ابن عباس أقام عليه ثلاثة أيام فأراه واسعا، ولا بأس أن يبقى عليه اليوم واليومين ويبات فيه إذا خيف من نبش أو غيره انتهى. وقال المشذالي: ضرب الخباء على القبر فيه قولان: بالجواز والكراهة. قال ابن عتاب: فإن أوصى به أنفذ للخلاف، وكذلك إذا أوصى بأجرة لمن يقرأ عليه القرآن كالاجرة على الحج انتهى. الثالث: قال في المدخل: وليس له أن يحفر قبرا ليدفن فيه إذا مات لانه تحجير على غيره. ومن سبق كان أولى بالموضع منه، ويجوز له ذلك في ملكه لانه لا غصب في ذلك، وفيه تذكرة لمن حفر له. انتهى من فصل زيارة القبور. وقال في التوضيح: خليل: وانظر هل يجوز ذلك يعني حفر قبر للحي ابتداء ؟ والاقرب عدم جوازه لانه لا يدري هل يموت هنا أم لا، وقد يموت بغيره ويحسب غيره أن في هذا القبر أحدا فيكون غاصبا لذلك، وقد ورد من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين انتهى. وكأنه لم يقف على كلام صاحب المدخل. الرابع: إذا دفن في مقبرة أحد من غير اضطرار ووقع ذلك ونزل فليس له أن يخرجه لانها ليست ملكه بل هي حبس للمسلمين كما قالوا فيمن حفر قبرا للميت فدفن غيره فيه: إنه ينبش وعليه قيمته. فأحرى مسألتنا والله أعلم، وانظر الشبيبي في شرح الرسالة. الخامس: لا شك أن المعلاة والشبيكة من مقابر المسلمين المسبلة المرصدة لدفن الموتى بمكة المشرفة - شرفها الله - وأن البناء بهما لا يجوز ويجب هدمه، يدل لذلك كلام الشافعي الآتي. بل للمعلاة زيادة خصوصية لورود الحديث في فضلها وتسميتها مقبرة فقد روينا في تاريخ الازرقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ص) أنه قال: نعم المقبرة هذه مقبرة أهل مكة. قال: ويروى عن النبي ص) أنه قال: نعم الشعب ونعم المقبرة. وأما ما يقال إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو وقفها فلم أقف له على أصل، بل الظاهر أنه غير صحيح لا نها مسبلة للدفن من قبل ذلك، وكلام الشافعي يقتضي أنها مسبلة، فإن الزركشي لما تكلم في الخادم على البناء على القبور قال الحاوي بعد ذكره: إنه لا يجوز البناء في المسألة ويهدم. قال الشافعي: ورأيت الولاة بمكة يأمرون بهدم ما بني فيها، ولم أر الفقهاء يعيبون عليهم ذلك انتهى. وتقدم كلام الشافعي هذا في كلام ابن الفاكهاني، ثم تكلم الزركشي على القرافة وهل هي موقوفة أو مرصدة ؟ ويظهر من كلام ترجيح الوقفية، وقد صرح بذلك الشيخ خليل في التوضيح به كما تقدم. ص: (كحجر أو خشبة بلا نقش) ش: يعني

[ 66 ]

أنه يجوز أن يجعل على القبر حجرا أو خشبة بلا نقش لتميزه عن غيره، وكلام المصنف يقتضي أن ذلك جائز وهو ظاهر كلام غير واحد. قا المازري: كره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة يكتب فيها ولم ير بالحجر والعود والخشبة بأسا يعرف به الرجل قبر وليه ما لم يكتب فيه انتهى. وجعله صاحب المدخل مستحبا ونصه: ويستحب أن يعلم عند رأس القبر بحجر والاصل في ذلك ما رواه أبو داود بإسناده أن النبي (ص) لما أن دفن عثمان بن مظعون أمر رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليه النبي (ص) فحسر عن ذراعيه ثم حمله فوضعه عند رأسه وقال: أعلم به قبر أخي أزوره وأدفن إليه من مات من أهلي انتهى. وفي مختصر الواضحة: ولا بأس أن يوضع الحجر الواحد في طرف القبر علامة ليعرف به أن فيه قبرا وليعرف الرجل قبر وليه، فأما الحجارة الكثيفة والصخر كما يفعل بعض من لا يعرف فلا خير فيه انتهى. وقوله بلا نقش يشير به إلى ما تقدم وإلى ما في سماع ابن القاسم ونصه: وكره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها، ولم ير بأسا بالحجر والعود والخشبة ما لم يكتب في ذلك يعرف الرجل قبر وليه. وقال ابن رشد: كره مالك البناء وعلى القبر وأن يجعل عليه البلاطة المكتوبة لان ذلك من البدع التي أحدثها أهل الطول من إرادة الفخر والمباهاة والسمعة وذلك مما لا اختلاف في كراهته انتهى. وقال ابن العربي في العارضة: وأما الكتابة عليها فأمر قد عم الارض وإن كان النهي قد ورد عنه، ولكنه لما لم يكن من طريق صحيح تسامح الناس فيه وليس له فائدة إلا التعليم للقبر لئلا يدثر انتهى. ص: (ولا يغسل شهيد معترك فقط ولو ببلد الاسلام) ش: ولا يحنط ويصلى عليه، ولا فرق فيمن قتل في

[ 67 ]

معترك المشركين من سببهم أو من غير سببهم، وسواء قتله المشركون بأيديهم أو حمل عليهم فتردى في بئر أو سقط من شاهق أو عن فرسه فاندق عنقه أو رجع عليه سهمه أو سيفه فقتله، فإنه في جميع ذلك شهيد: قاله في الطراز. قال في الشامل: والشهيد من مات في معترك العدو فقط لا بين لصوص أو فتنة بين المسلمين أو في دفعه عن حريمه وإن صبيا أو امرأة ولو ببلد الاسلام على المشهور، أو ليقاتل أو هو نائم على الاصح، أو سقط عن فرسه أو تردى من شاهق أو رجع عليه سيففقتله أو سهمه، أو وجد في المعركة ميت وليس فيه جراح، أو أنفذت مقاتله وليحيي لحياة بينة، أو رفع مغمورا لم يأكل ولم يشرب على المشهور، وإن حمل لاهله فمات فيهم أو في أيدي الرجال أو وجد في أرض العدو وجهل قاتله أو ترك في المعركة حتى مات فكغير الشهيد إلا من عوجل في المعركة. سحنون: وإن جهل قاتله عند اختلاف الرمي بالنار والحجارة لم يصل عليه انتهى. قال ابن يونس قال ابن القاسم: من قتله العدو بحجر أو بعصا أو خنقوه حتى مات أو قتلوه أي قتلة كانت في معركة أو في غير معركة فهو كالشهيد في المعترك. ولو أغار العدو على قرية من قرى الاسلام فدافعوهم عن أنفسهم كان من قتل منهم كالشهيد في المعركة. قال عنه أصبغ في العتبية: ولو قتلوهم في منازلهم في غير ملاقاة ولا معترك فإنهم يغسلون ويصلى عليهم بخلاف من قتل في المعركة. وقال ابن وهب: هم كالشهداء في المعترك حيثما نالهم القتل منهم. محمد ابن يونس: وبه أقول وسواء كانت امرأة أو صبية أو صبيا. وما قاله سحنون هو وفاق لما في المدونة. ثم قال: ومن المدونة قال مالك: وأما من قتل مظلوما أو قتله اللصوص في المعترك أو مات بغرق أو هدم فإنه يغسل ويصلى عليه، وكذلك إن قتله اللصوص في دفعه إياهم عن حريمه. ابن سحنون: ولو قتل المسلمون في المعترك مسلما ظنوا أنه من العدو أو درسته الخيل من الرجال فإن هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم انتهى. فوائد: الاولى: قال في الموطأ عن النبي (ص) الشهداء سبعة سوى القتلى في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة قال الشيخ جلال الدين الاسيوطي في حاشيته على الموطأ. المطعون هو الذي يموت في الطاعون، والغرق هو الذي يموت غرقا في الماء، وصاحب ذات الجنب هو مرض معروف وهو ورم يعرض في الغشاء المستبطن للاضلاع، والمبطون قال ابن عبد البر: قيل هو صاحب الاسهال، وقيل المجنون. وقال في النهاية، هو الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه. وفي كتاب الجنائز لابي بكر المروزي عن شيخه شريح أنه صاحب القولنج. والحرق الذي يحرق في النار فيموت، والمرأة التي تموت بجمع هو بضم الجيم وكسرها. ابن عبد البر: قيل: هي التي تموت من الولادة سواء

[ 68 ]

ألقت ما في بطنها أم لا. وقيل: هي التي تموت في النفاس وولدها في بطنها. وقيل: هي التي تموت عذراء. والقول الثاني أشهرا وأكثر انتهى. ثم قال: بقي من الشهداء صاحب السل رواه الطبراني وأحمد. والغريب رواه ابن ماجه والبيهقي في الشعب، والدارقطني والصابوني والطبراني. وصاحب الحمى رواه الديلمي واللذيع والشريق الذي تفترسه السباع والخار عن دابته. رواها الطبراني والمتردي. رواه الطبراني والميت على فراشه في سبيل الله رواه مسلم، والمقتول دون ماله أو دمه أو دينه أو أهله رواه أصحاب السنن الاربعة أو دون مظلمة رواه أحمد والميت في السجن وقد حبس ظلما رواه ابن منده والميت عشقا رواه الديلمي، والميت وهو طالب للعلم رواه البزار انتهى. وقال في العارضة في الذي يقتله اللصوص: لا خلاف أنه شهيد وكذلك كل من قتل مظلوما دون مال أو نفس، ومن غرق في قطع الطريق فهو شهيد وعليه ثم معصيته، وكل من مات بسبب معصية فليس بشهيد وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة فله أجر شهادته وعليه إثم معصيته، وكذلك لو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت فلهم الشهادة وعليهم المعصية انتهى. الثانية: ذكر أبو داود في سننه في كتاب الجهاد أن أم خلاد جاءت منتقبة تسأل النبي (ص) عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض الصحابة: جئت تسألي عن ابنك وأنت منتقبة فقالت: إن أرزأ ابني فلن أرزأ أحبائي. فقال (ص): ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال: لانه قتله أهل الكتاب انتهى وفي هذا الحديث أن من قتله أهل الكتاب له أجر شهيدين. وروى أبو داود أيضا الغرق له أجر شهيدين ذكره في كتاب الجهاد. الثالثة: الشهيد فعيل بمعنى مفعول. واختلف فتسميته شهيدا، فعن النضر بن شميل لانه حي فروحه شهدت دار السلام وروح غيره إنما تشهدها يوم القيامة، وقال ابن الانباري: لان الله وملائكته يشهدون له بالجنة. وقيل: لانه شهد عند خروج روحه ما له من الكرامة. وقيل: لان ملائكة الرحمة يشهدونه. وقيل: لان حاله تشهد بصدق نيته. وقيل: لان معه شاهدا وهو الدم فإنه يبعث ودمه يثغب. وقيل: لان دمه يشهد على الالم. وعلى هذا لا اختصاص له بهذا السبب. والشهداء ثلاثة: شهيد حرب الكفار له أحكام الشهيد في الدنيا وفي ثواب الآخرة. والثاني شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا وهم المبطون ومن ذكر معه.

[ 69 ]

والثالث من غل في الغنيمة وشبهه فله حكم الشهيد في الدنيا وليس لهم الثواب الكامل. ص: (وإن أجنب على الاحسن) ش: قال في الطراز: أما إذا كانت عليه نجاسة من غير دمه كالروث وشبهه فإنه يغسل. قال بعضهم: لا يغسل اعتبارا بالجنابة، وما قلناه أظهر لان الاصل في النجاسة الابعاد وإنما جاء الحديث في الدم خاصة، ولانه شاهد على خصمه فترك لذلك بخلاف غيره، واعتبارا بما لو كان علي جلد خنزير أو جلد ميتة فإنه ينزع عنه إجماعا ولا فرق بينهما انتهى. ص: (ودفبثيابه أن سترته) ش: قال في الطراز: وليس للولي أن ينزع ثيابه ويكفنه بغيرها،

[ 70 ]

ويختلف إذا كان عليه ما يستره هل لوليه أن يزيد عليه شيئا. قال مالك في الكتاب: ما علمت أنه

[ 71 ]

يزاد في كفن الشهيد أكثر مما عليه شئ. وقال أشهب وأصبغ: لا بأس بذلك والاول أحق بالاتباع. ص: (ولا يصلى على قبر إلا أن يدفن بغيره ولا غائب) ش: قال ابن عرفة: وفي الصلاة على غريق أو أكيل قولان: ابن حبيب مع ابن مسلمة. والمشهور وفي منعها على قبر من صلى عليه قولا المشهور واللخمي مع نقله رواية ابن القصار وابن عمر، ونقله عن ابن عبد الحكم وابن وهب وزاد ابن رشد في رواية ابن القصار ما لم يطل. وأقصى ما قيل فيه شهرا. ابن رشد: من دفن دون صلاة أخرج لها ما لم يفت، فإن فات ففي الصلاة على قبر قولا ابن القاسم مع ابن

[ 72 ]

وهب وسحنون مع أشهب. وشرط الاول ما لم يطل حتى يذهب الميت بفنساء أو غيره، وفي كون الفوت إهالة التراب عليه أو الفراغ في دفنه. ثالثها: خوف تغيره لاشهب وسماع عيسى ابن وهب وسحنون مع عيسى وابن القاسم وابن بشير. قيل: يخرج للصلاة ما لم يتغير، وقيل لا مطلقا، وقيل إن طال فظاهر نقل ابن الحاجب. ونص ابن عبد السلام: يخرج مطلقا لا أعرفه انتهى. فنص المصنف في مسألة ما إذا دفن بغير صلاة أنه يفوت بالدفن ويصلى على قبره، وما اعترض به ابن عرفة على ابن الحاجب سبقه إليه ابن هارون كما نقله عنه ابن ناجي، ونصه في شرقول الرسالة: ومن دفن لم يصل عليه وروي فإنه يصلى على قبره. مفهومه أنه لو لم يوار فإنه يخرج ويصلى عليه وهو كذلك. وما ذكره من أنه يصلى على قبره هو قول ابن القاسم وابن وهب ويحيى بن يحيى. وقيل: إنه لا يصلى على قبره. وأصحاب هذا القول اختلفا على ثلاثة أقوال: أحدها أنهم يدعون وينصرفون قاله مالك في المبسوط. الثاني يخرج إلا أن يخاف تغيره قاله سحنون، الثالث يخرج إلا أن يطول. وقال ابن حبيب: ثالثها يخرج ما لم يطل. فظاهر كلامه يقتضي أن أحد الاقوال يخرج مطلقا وليس كذلك انتهى. وإنما حكاه ابن بشير وابن شاس كما تقدم ونبه على هذا ابن هارون. انتهى كلامه والله أعلم. ص: (والاولى بالصلاة وصى رجى خيره) ش: قال في التوضيح: إلا أن يقصد يعني الموصي مراغمة الولي لعداوة بينهما ونحوها انتهى. ومراده بالوصي من أوصى الميت أن يصلي عليه، أنظر العتبية. وقال اللخمي: وإن اجتمع ولي ومن أوصاه الميت بالصلاة عليه كان الموصى إليه أولى لان ذلك من حق الميت وهو أعلم بمن يستشفع له. قال مالك في العتبية، إلا أن يعلم أن ذلك كان من الميت لعداوة كانت بينه وبين وليه. وإنما أراد أن يقبضه فلا تجوز وصيته بذلك يريد. إذا كان الولي أولى ممن له دين وفضل وإلا كان الموصى إليه أولى لان الولي إذا لم يكن معروفا بالخير وكانت العداوة بينهم في التقصير له في الدعاء وإذا لم يكن ولد وكان ابن العم مع العداوة، كان ذلك أبين. وأرى إذا كان الولي معروفا بالدين والفضل أن يقدم على الموصى له وإن لم تكن عداوة لان في تقدمة الاجنبي وصما على الولي وإن كان موصى إليه على الصلاة وسلطان، كان الموصى إليه أولى لان ذلك من حق الميت وهو الناظر لنفسه انتهى. وانظر كلام ابن رشد في نوازل سحنون. ص: (ثم الخليفة لا فرغه إلا مع الخطبة) ش: قال في المدونة: ومن كانت الصلاة إليه من

[ 73 ]

قاض وصاحب الشرطة أو وال فهو أحق بالصلاة على الميت إذا حضر من أوليائه، وكذلك كل بلدة كان عندهم قال في النكت: قوله من كانت الصلاة إليه إلى آخره يعني إذا كانت إليه صلاة الجمعة والخطبة وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الاولياء إذا كان وليه سلطان الحكم من قضاء أو شرطة وإلا فهو كسائر الناس. هكذا قال سحنون انتهى. قال في التوضيح: لا يتقدم عند مالك وابن القاسم إذا كانت له خطبة والصلاة دون أن يكون أميرا أو قاضيا أو صاحب شرطة أو أميرا على الجند انتهى. وقال في نوازل سحنون قال مالك: صاحب الصلاة إذا فوض له الصلاة الامير أو صاحب الشرطة أو القاضي فهو كغيره من الناس، وإن كان صاحب المنبر أمير الجند وصاحب الشرطة إذا كان موكلا بالخطبة والصلاة أولى من الاولياء، وليس للقاضي في هذا عمل إلا أن تكون الصلاة إليه. قيل: يوكل أمير الجند على الخطبة والصلاة إذا غاب الامير أو لم يعرف الخطبة في مثل وكيله بالناس وليس إليه شرطة ولا ضرب الحدود ولا شئ من الصلاة. قال: لا أرى لهذا في الصلاة على الجنائز شيئا. قال القاضي ابن رشد: في هذا الكلام التباس ومذهبه أنه لا يكون أحق من الاولياء بالصلاة على ميتهم إلا الامير أو قاضيه أو صاحب شرطة أو مؤمر على الجند إذا كانت الخطبة والصلاة إلى كل واحد منهم، فإن انفرد أحد منهم بالخطبة دون أن يكون له حكم بقضاء أو شطة أو إمارة على الجند أو انفد بالحكم بالقضاء أو الشرطة أو الامارة دون أن تكون الخطبة إليه والصلاة، لم يكن له في الصلاة على الجنائز حق. وكل من كان إليه منهم الحكم بوجه من الوجوه والصلاة عليهما جميعا بمنزلته في أنه أحق، فوكيله من الاولياء بالصلاة على الجنائز. وأما إن كان وكله على الحكم دون الصلاة أو على الصلاة والخطبة دون الحكم فلا حق له في الصلاة على الجنائز. وهذا مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة: وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم أن ذلك لكل من كانت إليه الخطبة والصلاة يريد، وإن لم يكن إليه حكم. ولا يوجد ذلك لابن القاسم نصا، وظاهر ما في سماع أبي الحسن عن ابن وهب أن القاضي أحق بالصلاة على الجنازة من الاولياء وإن لم تكن الصلاة إليه. وقال مطرف وابن الماجشون: ليس لواحد من هؤلاء في الصلاة على الجنازة حق سوى الامير المؤمن الذي تؤدي إليه الطاعة، فهي أربعة أقوال، ولا اختلاف في أنه لا حق في الصلاة على

[ 74 ]

الجنائز لمن انفرد بالصلاة دون الخطبة والقضاء أو بالحكم دون القضاء والخطبة والصلاة، فهذا تحصيل هذه المسألة انتهى. ص: (ثم أقرب العصبة) ش: قال ابن هارون في شرح المدونة: واستحب اللخمي أن يقدم ابن الميت أباه وأخوه جده كصلاة الفرض. فرع: فإن كان الابن عبدا ففي السليمانية لا يتقدم إلا أن يكون الذين معه عبيدا. قال ابن محرز: ينبغي أن يكون أحق بالصلاة على أبيه الميت من الاحرار كصاحب المنزل يوم من غشيه فيه انتهى. ص: (والقبر حبس لا يمشي عليه ولا ينبش ما دام به) ش: قال في المدخل:

[ 75 ]

لما ذكر المفاسد المرتبة على البناء في المقابر: الثالث وهو أكبر وأشنع مما تقدم ذكره، وذلك أن العلماء قد اتفقوا على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شئ موجودا فيه حتى يفنى، فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه، فإن بقي شئ من أعضائه فالحرمة قائمة بجميعه ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه غيره ولا يكشف عنه اتفاقا إلا أن يكون موضع فقره قد غصب انتهى. وفي نوازل ابن رشد: سئل عن رجل دفن أربعة من الاولاد في مقبرة من مقابر المسلمين، فلما كان بعد عشرة أعوام من دفنه إياهم غاب الرجل عن البلد فجاء الحفار فحفر على قبر أولئك الاطفال قبرا لمرأة ودفنها فيه، ثجاء الولد من سفره بعد دفن المرأة بثلاثين يوما ولم يجد لقبر بنيه أثرا غير قبر المرأة، فأراد نبشها وتحويلها إلى موضع آخر ليقيم قبور بنيه على ما كانت عليه، هل لك ذلك أم لا ؟ فأجاب: بأن قال: لا يجوز أن ينبشها وينقلها عن موضعها ولا يحل ذلك لان حرمتها ميتة كحرمتها حية، ولا يحل له أن يكشفها ويطلع عليها وينظر إليها ولو كان ذا محرم لها لما ساغ له ذلك منها بعد هذه المدة إذ لا يشك في تغييرها فيه وبالله التوفيق. وتقدم في كلام اللخمي شئ من ذلك. وقال المازري في شرح التلقين في آخر باب الجنائز: وللميت حرمة تمنع من إخراجه من قبره إلا لضرورة كما ذكرنا من نسيان الصلاة عليه على الاختلاف المذكور فيه، وإلحاق دفن آخر معه بأبواب الضرورة المبيحة لاخراجه يفتقر إلى نظر آخر وبسط طويل. وقال البرزلي في أوائل الجنائز: وسئل اللخمي عن نقل الميت بعد الدفن. فأجاب أنه ليس يحسن ولا يبلغ به تأثيم فاعله انتهى. مسألتان: الاولى: الجلوس على القبر جائز عندنا. قال المازري في شرح التلقين: السؤال الثالث هل يجلس على القبر ؟ والجواب: أن يقال: عندنا الجلوس على القبر جائز. وكره الشافعي أن يجلس عليه أو يطأه أو يتكئ عليه. وقال ابن حبيب: يكره الدخول إلى المقابر بالنعال ولا يكره بالخفاف والشمسكات، وحجة الشافعي الحديث في النهي عن الجلوس على القبر، ونحن نتأول النهي على أنه عن الجلوس لقضاء الحاجة، كذلك قال ابن حبيب: فسره مالك قال: ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا، فأما وهو مسنم والطريق دونه فلا أحب ذلك لان في ذلك تكسير تسنيمه وإباحته طريقا انتهى. ونقله ابن ناجي في شرحه على المدونة وزاد بعده. قلت: ويجوز المشي على القبور بالنعال وغيره ولا يحتاج أن يكون عليه سراويل والله أعلم انتهى.

[ 76 ]

الثانية: قال ابن العربي في العارضة: يكره اتخاذ القبور وطنا وإذا لم يتخذ وطنا فأحرى أن لا يتخذ منه منزلا انتهى. ص: (إلا أن يشح رب كفن غصبه) ش: تصوره واضح. وكذلك إذا احتيج إلى المقبرة لمصالح المسلمين كما فعل سيدنا معاوية رضي الله عنه في

[ 77 ]

شهداء أحد عن جابر رضي الله عنه قال: لما أراد معاوية إجراء العين إلى جانب أحد أمراء مناديا فنادى في المدينة: كل من له قتيل فليخرج إليه ولينبشه وليخرجه وليحوله. قال جابر: فأتيناهم

[ 78 ]

فأخرجناهم من قبورهم رطابا يتثنون، انتهى من شرح ثاني مسألة من الاقضية من العتبية. ص: (والصلاة أحب من النفل إذا قام بها الغيران كان كجار أو صالحا) ش: هذه المسألة في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز غير أنه لم يجعل التفصيل بين الصلاة والنافلة بل جعله بين شهود الجنازة والقعود في المسجد إلا أن ابن رشد حمل ذلك على نحو ما قاله المصنف ونصه: سألت مالكا فقلت: أي شئ أعجب إليك، القعود في المسجد أم صلاة الجنائز ؟ قال: بل القعود في المسجد أعجب إلي إلا أن يكون حق من جوار أو قرابة أو أحد ترجى بركة شهوده يزيد به في فضله فيحضره. قال ابن القاسم: وذلك في جميع المساجد. قال ابن رشد: ذهب سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم إلى أن صلاة النوافل والجلوس في المسجد أفضل من شهود الجنازة جملة من غير تفصيل. فمات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فانقطع الناس لجنازته من المسجد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم يقم من مجلسه فقيل له: ألا تشهد هذا الرجل الصالح من البيت الصالح فقال: لان أصلي ركعتين أحب إلي من أن أشهد هذا الرجل الصالح من البيت الصالح. وخرج سليمان بن يسار فصلى عليه واتبعه وكان يقول: شهود الجنائز أفضل من صلاة التطوع جملة أيضا من غير تفصيل. وتفصيل ما لك رضي الله

[ 79 ]

عنه ورحمه الله هو عين الفقه إذ إنما يرغب في الصلاة على من يعرف بالخير وترجى بركة شهوده، فمن كان بهذه الصفة أو كان له حق من جوار أو قرابة فشهوده أفضل من صلاة التطوع كما قال مالك، لما يتعين من حق الجوار والقرابة، ولما جاء من الفضل في شهود الجنازة فقد روي أن النبي (ص) قال أفضل ما يعمل المرء في يومه شهود جنازة إلا أن مراتب الصلاة في الفضل على قدر مراتبها في الوجوب. فأفضل الصلوات صلاة الفريضة ثم صلاة الوتر في الفضل إذا قيل إنه واجب، ثم الصلاة على الجنازة لانها فرض على الكفاية، ثم ما كان من الصلاة سنة، ثم ما كان منها فضيلة، ثم ما كان منها نافلة انتهى. وتقدم شئ من هذا في كلام سند في أول الباب عند قوله والصلاة عليه كدفنه. فرع: والاشتغال بالعلم أولى من الخروج مع الجنازة قاله في المدخل والله أعلم.

[ 80 ]

كتاب الزكاة فصل في أحكام الزكاة كتاب الزكاة باب تجب زكاة النعم الزكاة في اللغة النمو والبركة وزيادة الخير. يقال زكا الزرع إذا نما، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وفلان زاك أي كثير الخير. ويطلق على التطهير قال الله تعالى * (قد أفلح من زكاها) * أي طهرها من الادناس. ومناسبتها للمعنى الشرعي من حيث كونه سببا لنمو المال المخرج منه وطهرة للمخرج من الاثم. وفي الشرع قال ابن عرفة: الزكاة اسم جزء من المال شرطه لمستحقه ببلوغ المال نصابا ومصدر إخراج جزء إلى آخره. وعلم وجوبها لغير حديث الاسلام ضروري. ابن رشد: جاحدها كافر. قلت: يريد غير الحديث وبطل قول ابن حبيب تاركها كافر انتهى. وعرفها بعضهم بالمعنى الاول أعني كونها اسما فقال: هي اسم لقدر من المال يخرجه المسلم في وقت مخصوص لطائفة بالنية. وسميت زكاة لان المال ينمو ببركة إخراجها ومؤديها يزكو عند الله تعالى. وقدم المصنف كابن شاس زكاة الماشية والحرث على العين مع أنه خلاف ترتيب المدونة وابن الحاجب وغيرهما، لشرف ما ينمو بنفسه. وقدم الحيوان لشرفه على الجماد، وبدئ منها الابل اقتداء بكتاب أبي بكر رضي الله عنه ولانها أشرف أموال العرب. والنصاب بكسر النون في اللغة الاصل. وفي الشرع: القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة. كذا فسره مالك

[ 81 ]

وسمي نصابا لانه كالعلم المنصوب لوجوب الزكاة، أو لان المال إذا بلغ النصاب إليه يبعث السعاة والنصب بالتحريك بمعنى التعب أو بمعنى النصيب لان للمساكين فيه نصيبا حينئذ. والنعم في عرف الشرع اسم للابل والبقر والغنم. قال الدميري: نقل الواقدي الاتفاق على ذلك وبه جزم النووي وخصه ابن دريد والهروي بالابل لقول حسان رضي الله عنه: وكان لا يزال بها أنيس خلال بيوتها نعم وشاء وقيل: يطلق على كل من الابل والبقر ولا يطلق على الغنم انتهى. قلت: وعلى ما قاله الهروي وبن دريد: مشى الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص فقال: وكذلك لا يفرقون بين النعم، والانعام، وقد فرقت بينهما العرب فجعلت النعم اسما للابل خاصة والماشية التي منها الابل وقد تذكر وتؤنث، وجعلت الانعام اسما لانواع الماشي من الابل والبقر والغنم حتى إن بعضهم أدخل فيها الظباء وحمر الوحش تعلقا بقوله تعالى * (أحلت لكم بهيمة الانعام) * انتهى. قلت: وظاهر كلام الصحاح أنه يطلق على غير الابل فإنه قال: ونعم واحد الانعام وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الابل. قال الفراء: هو ذكر لا يؤنث. يقولن هذا نعم وارد والانعام يذكر ويؤنث انتهى. وقال ابن سيده: النعم الابل والشاء يذكر ويؤنث جمعها أنعام وأنا عيم جمع الجمع انتهى. وظاهر كلامه أن النعم اسم للابل والشاء وسمي النعم نعما لكثرة نعم الله فيه على خلقه من النمو وعموم الانتفاع مع كونها مأكولة ولذلك وجبت فيها الزكاة. وقال في الذخيرة: والنعم والنعمة والنعيم والنعماء مأخوذ من لفظ نعم لان الجواب بها يسر غالبا فاشتق منها ألفاظ هذه الامور لكونها سارة. ولفظ الغنم مأخوذ من الغنيمة، والبقر من البقر الذي هو الشق لانها تبقر الارض أي تشقها، والجمال مأخوذة من الجمال لان العرب

[ 82 ]

تتجمل بها انتهى والله تعالى أعلم. ص: (بملك وحول كملا) ش: أي بشرط ملك وحول كاملين. واحترز بالملك الكامل من ملك العبد ومن فيه شائبة رق وعدم كماله من جهة أنه لا يتصرف فيه التصرف التام لا من جهة أن للسيد انتزاعه لعدم شمول العلة للمكاتب ومن في معناه ممن ليس للسيد انتزاع ماله. تنبيه: والمراد بالملك أن يملك عين الماشية ويمر عليها الحول في ملكه، فأما من ملك ماشية في ذمة شخص وحال عليها الحول قبل أن يقبضها فإنه لا تجب عليه زكاتها. قال مالك: فمن وجبت له دية من الابل فقبضها بعد أعوام أنه يستقبل بها. قال في الطراز: هذا متفق عليه لان الدية وجبت دينا مضمونا في الذمة والحمل إنما يراعى في عين الماشية على ملك من يزكى عليه فإذا قبضها تعينت في ملكه، ولانه إذا مر الساعي بأهل الدية زكى بأيديهم من الماشية لان الدين لا يسقط زكاتها. فرع: قال ابن وهب عن مالك في الجزار يشتري الغنم ليذبحها فيحول حولها عنده: أنه يزكيها. انتهى من البساطي. تنبيه: الحول الكامل لا كلام أنه شرط، وأما ملك النصاب فاختلف هل هو سبب وهو الذي اختاره القرافي وهو الظاهر، أو شرط وهو الذي اقتصر عليه ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما ؟ وكلام المصنف هنا محتمل لهما إلا أن ذكره مع الحول يقتضي الثاني والله أعلم. ص: (لا منها ومن الوحش) ش: يعني أنه لا تجب الزكاة فيما تولد من الانعام والوحش كما إذا ضربت فحول الظباء في إناث الغنم أو العكس، أو ضربت فحول بقر الوحش في إناث الانسي منها أو العكس، وهو قول ابن عبد الحكم وصدر به ابن شاس وصححه ابن عبد

[ 83 ]

السلام. والقول بوجوبها مطلقا ذكره ابن بشير وابن الحاجب. قال الشارح: ونسبه بعض الاشياخ لابن القصار. قلت: وهو ضعيف فقد قال اللخمي: لا أعلمهم يختلفون في عدم تعلق الزكاة إذا كانت الام وحشية، وقطع بعضهم بنفي الخلاف. قال في التوضيح: وقد يقال كلام ابن بشير وابن الحاجب أولى لان المثبت أولى ممن نفي. ونسب في الجواهر القول بالتفرقة لابن القصار. وقال الجزولي في شرح الرسالة: إنه المشهور وهو الجاري على ما مشى عليه المصنف في باب الاضحية والله أعلم. ص: (وضمت الفائدة له وإن قبل حوله بيوم لا أقل) ش: المراد بالفائدة هنا ما حصل بشراء أو إرث أو هبة أو صدقة. والمعنى أن الماشية الحاصلة بوجه مما تقدم تضم إلى ما بيد الملك من الماشية إذا كانت الاولى نصابا ويزكي الجميع لحول الاولى، ولو حصلت الثانية قبل حول الاولى بيوم واحد، يريد أو بعد الحول وقبل مجئ الساعي. وقال في المدونة: وأما إن كانت الاولى أقل من نصاب فإنها تضم إلى الثانية ويستقبل بالجميع حولا من يوم أفاد الثانية، وسواء كانت الثانية نصابا أولا، ولو كان نقصان الاولى عن النصاب بموت بعد الحول أو قبل مجئ‌الساعي بيوم أو قبل الحول إذا لم يكن سعاة فإنها تضم إلى الثانية ويستقبل بالجميع حولا. نقله في التوضيح. وقال ابن عرفة: وفائدتها ولو بشراء تضم إلى ما بعدها إن نقصت عن نصاب، ولو بموت بعد الحول قبل مجئ الساعي بيوم انتهى. وأما الفائدة الحاصلة بولادة فإنها تضم إلى أمهاتها وتزكى على حول الامهات أقل من نصاب. قال في التوضيح: وهذا متفق. ولو ماتت الامهات كلها زكى النتاج على حول الامهات إذا كان فيه نصابا. وقاله في الجواهر. تنبيه: من قبض دية وجبت له قبل مجئ الساعي وعنده خمس من الابل حال حولها فإنه يضم الدية إليها ويزكي الجميع. قاله في الطراز وهو ظاهر. ص: (الابل في كل خمسة ضائنة) ش: قال في المحكم: الضائن من الغنم ذو الصوف، ويوصف به فيقال كبش ضائن والانثى ضائنة والجمع ضوائن انتهى. وظاهر قوله في كل خمس ضائنة أن الزائد على الخمس معفولا شئ فيه وهو خلاف ما رجع إليه مالك من أن الشاة مأخوذة عن الخمس وما زاد،

[ 84 ]

ويظهر أثر ذلك في الخلطة. قاله المصنف في التوضيح. ولكن ما ذكره ابن الحاجب والمصنف هو مذهب المدونة قال فيها: ولا شئ في الوقص، وهو ما بين الفريضتين في جمع الماشية انتهى. وسيأتي الكلام على الوقص عند قوله ولو الفرد وقص. ويفهم من قول المصنف ضائنة اشتراط الانثى في الشاة المأخوذة في زكاة الابل. وصرح في الجواهر أن الشاة المأخوذة في زكاة الابل كالشاة المأخوذة في زكاة الغنم، وسيأتي للمصنف أنه يأخذ في ذلك الذكر والانثى وهو مذهب ابن القاسم وأشهب واشترط ابن القصار الانثى في البابين، وأما التفريق بين البابين فلم أقف عليه. قال في الجواهر: اختلف في صفة الشاة الواجبة في الغنم والابل فقال ابن القاسم وأشهب: يجزئ الجذع والشئ من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى. وقال القاضي أبو الحسن يعني ابن القصار: لا يجزئ إلا الانثى جذعة أو ثنية من المعز والضأن. وقال ابن حبيب: الجذع من الضأن والثني من المعز كالاضحية. قال الشيخ أبو محمد: وليس قول مالك وأصحابه فيما علمناه انتهى. وقال في اللباب: الشاة المأخوذة في الغنم. قال ابن القاسم: يجزي الجذع والثني من الضأن والمعز ذكرا كان أو أنثى. وقال ابن حبيب: الجذع من الضأن والثني من المعز كالاضحية انتهى. فائدة: قال سند: يقال لما بين الثلاثة في العشرة ذود. وقال ابن حبيب: إلى تسع وما فوق التسع شنق إلى أربعة وعشرين ولا ينقص الذود عن ثلاثة كالبقر. وقال غيره: لا واحد له من لفظه كالنساء والخيل. وقال عيسى بن دينار: يقال للواحد والجماعة ذود. قال: والاول هو المعروف في اللغة والحديث يؤكده فإنك تقول خمسة رجال ولا تقول خمسة رجل. وقال المطري وغيره من اللغويين: هو اسم للاناث دون الذكور ولذلك حذفت التاء من الخمس في الحديث وتكون الزكاة في الذكور بالاجماع لا بالحديث. انتهى من الذخيرة. وقال النووي: الرواية المشهورة خمس ذود بالاضافة. وروي بتنوين خمس فذود بدل منه. حكاه ابن عبد البر والقاضي عياض. والمعروف الاول ونقله ابن عبد البر والقاضي عن الجمهور. قال أهل اللغة: والذود من الابل من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه أنما يقال في الواحد بعير. فقوله خمس ذوكقولهم خمسة أبعرة وخمسة جمال نوتى. وقال أبو عبيد: الذود ما بين ثنتين إلى تسعه. وأنكر ابن قتيبة أن يقال خمس ذود كما لا يقال خمسة ثور، وغلطه العلماء بل هذا اللفظ شائع في الحديث الصحيح، ومسموع من العرب. وضبطت الخمس بغيرها ورواه بعضهم خمسة ذود بالهاء وكلاهما لرواية كتاب مسلم، والاول أشهر وكلاهما صحيح في اللغة فإثبات الهاء لانطلاقه على المذكر والمؤنت، ومن حذفها أراد أن الواحدة منه فريضة انتهى. ص: (إن لم يكن جل غنم البلد المعز) ش: عبارة المصنف نحو عبارة ابن الحاجب. قال في التوضيح: ومقتضاها أنه إذا تساويا يؤخذ من الضأن لانه عين الضأن بقوله إن لم يكن جل

[ 85 ]

غنم البلد المعز. ابن عبد السلام: والاقرب في هذه الصورة تخيير الساعي. وكذلك قال ابن هارون وزاد: ويخير رب المال انتهى. فرع: فإن فقد الصنفان بمحله فنقل ابن عرفة عن بعض شيوخ المازري أنه يطالب بكسب أقرب بلد إليه انتهى. قلت: والظاهر أنه يراعى في ذلك البلد جل كسبه كما في البلد نفسه كما تقدم وهو الظاهر والله أعلم. فرع: قال ابن يونس محمد قال مالك: ومن وجبت عليه معز وأعطى ضأنا فليقبل منه، وأما معز عن ضأن فلا. قال أشهب: إلا أن تبلغ لرفاهيتها مثل ما لزمه من الضأن فلا بأس بذلك انتهى. فائدة: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: الضأن والمعز معلومان، وهل يلحق غنم الترك بالضأن أو بالمعز ؟ لم أقف على شئ فيه انتهى. ص: (والاصح أجزاء البعير) ش: يعني إذا أخرجه عن الشاة الواجبة في الخمس لا عن الاربع والعشرين فإن ذلك من إخراج الغنم قطعا وهو لا يجزئ. وقال في العارضة: لا يجوز إعطاء بعير من خمسة أبعرة بدلا من شاة. وقال الشافعي: يجوز. واتفقت عبارة أهل المذهب في التبعير بالبعير وهو إنما يطلق في اللغة على الجذع كما قاله في الصحاح، والظاهر أن ذلك غير مراد بل الظاهر أنه إذا أخرج عن الشاة أقل ما يجزئ من الابل وهو بنت المخاض أو ابن المخاض أجزأه. وقيد ابن عرفة الاجزاء بكون البعير يفي بقيمة الشاة وهو ظاهر ونصه: ولو أخرج عن الشاة بعيرا يفي بقيمتها ففي إجزائه قولا عبد المنعم والباجي مع ابن العربي وتخريجه. المازري: على إخراج القيم في الزكاة بعيد لان القيم بالعين انتهى. قلت: وفي قوله بعيد نظر لانه ليس مراده حقيقة القيم وإنما مراده أنه من هذا الباب، ألا ترى أنهم قالوا في باب مصرف الزكاة أنه لا يجوز إخراج القيم وجعلوا منه إخراج العرض عن العين فتأمله. فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم في شرح حديث جواز بيع البعير واستثناء ركوبه: البعير من الابل بمنزلة الانسان يطلق على الذكر والانثى. تقول العرب صرعني بعيري وشربت

[ 86 ]

من لبن بعيري انتهى. ص: (فإن لم تكن له سليمة فابن لبون) ش: أي سليمة من عيب يمنع الاجزاء ومن شرك فيها. وفهم من قوله: فإن لم تكن له أنه إذا وجد معا تعينت بنت المخاض وهو كذلك، فليس لصاحب الابل أن يعطي ابن اللبون ولا للساعي أن يجبره على ذلك. قال في التوضيح: واختلف إذا تراضيا بأخذه، فأجازه ابن القاسم في الموازية ومنعه أشهب. اللخمي: الاول أصوب وقد يكون أخذه نظرا للمساكين انتهى. ونقل ابن عرفة القولين عن اللخمي، ونسب الجواز لابن القاسم في المدونة. ونصه اللخمي عن محمد في أخذه نظرا مع وجودها باختيارها قولا ابن القاسم في المدونة وأشهب انتهى. والضمير في أخذه عائد على ابن اللبون، وقوله نظرا يعني أنه نظر بعين المصلحة في أخذه للفقراء فإن لم يوجد ابن اللبون وبنت المخاض معا في الابل فقال في المدونة: أجبر ربها على أن يأتي ببنت مخاض إلا أن يشاء أن يدفع خيرا منها فليس للساعي ردها، فإن أتاه ابن لبون فقال ابن القاسم: لم يأخذه الساعي إلا أن يشاء ويرى ذلك نظرا، ونقله اللخمي وابن عرفة وغيرهما. فرع: فلو لم يلزم الساعي صاحب الابل بالاتيان ببنت المخاض حتى جاء بابن لبون فقال ابن القاسم: يجبر على قبوله ويكون بمنزلة ما لو كان فيها. وعلى أصل أصبغ لا يجبر. نص عليه اللخمي ونقله ابن عرفة عنه. فرع: لو وجبت بنت اللبون فلم توجد وجد حق لم يؤخذ ابن اللبون عن بنت المخاض، ولو وجبت حقة فدفع بنتي لبون لم تجز خلافا للشافعي. قاله في الذخيرة. أما إذا رضي رب الماشية بإعطاء سن أفضل مما عليه كبنت لبون عن بنت مخاض أو حقة عن بنت لبون فإن ذلك يجزئ اتفاقا فائدة: لفظ الحديث فابن لبون ذكر فورد سؤال عن قوله (ص) فابن لبون ذكر بأن الابن لا يكون إلا ذكرا وكذلك قوله (ص) في المواريث فلاولى رجل ذكر والرجل لا يكون إلا ذكرا. جوابه أنه إشارة إلى السبب الذي زيد لاجله في السن فعدل عن بنت المخاض بنت سنة إلى ابن اللبون ابن سنتين فكأنه يقال: إنما زيد فضيلة السنة لنقيصة وصف الذكورية، وإنما استحق العصبة الميراث لوصف الرجولية التي هي مسمى الحماية والنصرة فهو إشارة إلى التعليل في الصورتين. انتهى من الذخيرة. وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب الفرائض: وقيل أفاد

[ 87 ]

بقوله ذكر وفي ابن اللبون التحرز من الخناثى فلا يؤخذ الخنثى في فريضة الزكاة ولا تجوز المال إذا انفرد وإنما له نصف الميراثين انتهى. ص: (وفي ست وثلاثين بنت لبون) ش: تقدم في الفرع الذي قبله عن الذخيرة أنه لا يؤخذ عنها إن لم توجد عنده حق ولا يؤخذ عن الحقة بنتا لبون. ص: (ومائة وإحدى وعشرين إلى تسع حقتان أو ثلاث بنات لبون والخيار للساعي) ش: لا خلاف أن في مائة وعشرين حقتين، وفي مائة وثلاثين حقة وبنتي لبون، وقول الشارح في مائة وثلاثين ثلاث بنات لبون سهو يبين ذلك ما بعده من كلامه. واختلف في ما بين العشرين والثلاثين، والمشهور عن مالك تخيير الساعي إذا وجد الصنفان أو فقد أو يتعين أحد منهما منفردا، وكذلك في مائتين الخيار للساعي بين أربع حقق أو خمس بنات لبون، وفيها ثلاثة أقوال ذكرها ابن عرفة وغيره ونصه: وفي كون الخيار للساعي أو لربها ثالثها إن وجد انتهى. ثم قال المازري: إن وجد بها أحد السنين تعين. قال: وعلى المشهور لو لم يوجد فأحضر ربها أحد السنين ففي بقاء خيار الساعي ولزومه أخذه كما لو كان فيها قولا أصبغ وابن القاسم. تنبيه: والمعتبر في الزيادة على المائة والعشرين زيادة واحدة كاملة، فلو زادت جزءا من بعير لم يؤثر ذلك خلافا لبعض الشافعية في قوله إن ذلك يؤثر تمسكا بعموم قوله فما زاد وجوابه أن المراد بالزيادة الزيادة المعتادة وقياسا على بقية الاوقاص فإنه لا يتعين فرضها بزيادة جزء. تنبيه: قال ابن الكاتب: لم يرد مالك بتخيير الساعي أنه ينظر أي ذلك أحظى للمساكين فيأخذه، إنما أراد أن الساعي إن كان مذهبه أن الواحدة توجب الانتقال أخذ بنات اللبون، وإن كان مذهبه أنه لا يوجب الانتقال أخذ الحقاق. قال عبد الحق في تهذيبه. ورأيت في كتاب ابن القصار أنه يخير فيما يراه صلاحا للفقراء خلاف ما لابن الكاتب فاعلمه قاله في التوضيح والظاهو هو الثاني والله أعلم. فرع: فإذا اختار الساعي أخذ الصنفين وعند رب المال أن الصنف الآخر أفضل، أجزأه

[ 88 ]

ما أخذ الساعي ولا يستحب له إخراج شئ زائد على ذلك. قاله سند في مسألة المائتين من الابل، والظاهر أن الحكم هنا وهناك سواء. فرع: قال ابن عرفة: ودفع أفضل سنا في توقف قبوله على رضا المصدق طريقا ابن بشير والاكثر انتهى. فرع: لو أخذ المصدق أفضل من الواجب وأعطى من الفضل ثمنا أو أخذ أنقص وأخذ عن النقص فلا يجوز، وأما إن وقع ونزل فالمشهور الاجزاء، وكذلك أخذ القيمة لا يجوز وإذا وقع ونزل فالمشهور الاجزاء. أنظر التوضيح عند قول ابن الحاجب فإن أعطى الفضل والله أعلم. ص: (وتعين أحدهما منفردا) ش: لا إن كان صفة لا تجزئ فإنه كالعدم، وإن وجد وكان من كرائم الاموال فكذلك إلا أن يشاء رب المال دفعه، وإن وجد الصنفان معا وكان أحدهما معيبا كان كالعدم، وكذا إن كان من الكرائم ويتيعن الصنف الآخر إلا أن يشاء رب المال دفع الكرام. قاله سند في مسألة المائتين من الابل والباب واحد والله أعلم. ص: (ثم في كل عشر يتغير الواجب) ش: كذا في بعض النسخ بفي الجارة وفي بعضها بإسقاطها ونصب كل على نزع الخافض وإن كان غير مقيس، ويجوز رفع كل على أنها مبتدأ خبره. يتغير الواجب والعائد محذوف أي يتغير الواجب فيه. قال ابن عرفة: ومعرفة واجبها في مائة وثلاثين فصاعدا قسم عقودها، فإن انقسمت على خمسين فعدد الخارج حقاق، وعلى أربعين

[ 89 ]

بنات لبون، وعليهما هما فيجئ الخلاف وانكسارها على خمسين يلغي قسمها، وعلى أربعين الواجب عدد صحيح خارجه بنات لبون وبدل لكل ربع من كسره حقه من صحيح خارجه انتهى. ومعنى كلامه أن طريق معرفة الواجب في ذلك من مائة وثلاثين فصاعدا أن تقسم العقود على الخمسين والاربعين فإن انقسمت على الخمسين فقط دون كسر فالواجب عدد الخارج حقاقا، وعلى الاربعين فقط دون كسر فعدد الخارج بنات لبون وعليهما معا دون كسر فالواجب عدد خارج أحدهما. ويأتي الخلاف الذي في مائتي الابل وإن انكسرت عليهما فاقسمهما على الاربعين وخذ بعدد الصحيح الخارج بنات لبون، ثم انظر الكسر فإن كان ربعا فأبدل واحدة من بنات اللبون حقة، وإن كان أربعين فأبدل ثنتين، وإن كان ثلاثة أرباع فأبدل ثلاثا. ولا شك أنه يحصل بما ذكره عدد يسقط به الواجب إلا أنه يتأتى في كثير من الصور إسقاط الواجب بعدد آخر خلاف ما حصل بالطريق المذكور لثلاثمائة وخمسين يحصل بطريقته سبع حقاق ويسقط الواجب بخمس بنات لبون وثلاث حقاق. وقد قال في الذخيرة: - وله يعني الساعي - عندنا أن يجمع بين الحقاق وبنات اللبون وأن يفرد إذا بلغت أربعمائة خلافا لبعض الشافعية. ص: (البقر في كل ثلاثين تبيع) ش: ولرب المال أن يدفع عن التبيع أنثى وليس للساعي أن يمتنع منها، قال سند: لا يختلف في أن الذكر يجزئ وأن لرب المال أن يدفع أنثى لانها خير من التبيع لفضيلة الدر والنسل، فلرب المال دفعها وليس للساعي أن يمتنع منها ولا يجبر ربها عليها انتهى. وقال في الذخيرة: ولرب المال أن يدفع عن التبيع الانثى لفضلها عليه انتهى. وقال التلمساني في شرح قول ابن الحاجب: فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع جذع أو جذعة. قال مالك: التبيع ذكر. قال ابن المواز: يجوز أخذ الانثى لفضيلة أخذ اللبن والنسل إذا رضي ربها بدفعها ولا يمتنع الساعي منها انتهى.

[ 90 ]

فرع: فإن وجد عند رب المال التبيع والتبيعة أو لم يوجد عنده إلا التبيعة فقيل: ليس للساعي أن يجبر على التبيعة. وقيل: يجبره. قال في التوضيح: والمشهور ليس للساعي الخيار لما ورد من الرفق بأرباب الماشية، والشاذ لابن حبيب وهو مشكل. أما إن لم يوجد إلا التبيع فلا يجبره عليها اتفاقا انتهى. وفي الشامل ولا يجبر المالك على دفع الانثى ولو موجودة على المشهور انتهى. وعزا ابن عرفة القول بعدم الجبر لرواية ابن القاسم، والقول بالجبر لرواية أشهب. وقول ابن حبيب ونصه: وفي عدم جبره على اخذ أنثاه موجودة معه أو دونه روايتا ابن القاسم وأشهب مع قول ابن حبيب انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وكونه ذكرا شرط على المشهور. فلو أراد الساعي جبره على الانثى من سنه فليس له ذلك عند ابن القاسم. وقال ابن حبيب مع أشهب: له ذلك انتهى. وقول الشيخ زروق وكونه ذكرا شرط على المشهور. يعني به أن السن المأخوذ هنا من رب المال في الثلاثين هو الذكر ولا يجبر على الانثى على المشهور، وليس مراده أنه لا يجوز له دفع الانثى ولا للساعي قبولها لانه مخالف لآخر كلامه وللنصوص المتقدمة والله أعلم. ولم يتكلم المصنف على هذا الفرع، وقد نبه على إسقاط المصنف له الشيخ تقي الدين الفاسي في حاشيته على ابن الحاجب ونصه في شرح قول ابن الحاجب: وفي أخذ الانثى موجودة كرها قولان، حكى خليل في توضيحه وصاحب الشامل أن المشهور عدم الجبر، ومقابله لابن حبيب وسقط هذا الفرع من مختصر خليل انتهى. فائدة: قال الازهري: ابن السنة تبيع، وفي الثانية جذع جذعة، وفي الثالثة ثني وثنية وهي المسنة لانها ألقت ثنيتها، وفي الرابعة رباع لانها ألقت رباعيتها، وفي الخامسة سدس وسديس لالقائها السن المسمى سديسا، وفي السادسة ظالع. ثم يقال ظالع سنة وظالع سنتين. فأما الجذع فليس باعتبار سن يطلع أو يسقط وسمي بيعا لتبعه أمه. وقيل: لتبع أذنيه قرنيه لتساويهما والله أعلم انتهى. ص: (وفي أربعين مسنة) ش: إلى ستين فتبيعان فيكون الوقص هنا تسعة عشر. وطريق معرفة الواجب في ذلك من ستين فصاعدا أن تقسم العقود على الاربعين والثلاثين، فإن انقسمت على الاربعين فقط دون كسر فالواجب عدد الخارج مسنات، وعلى الثلاثين فقط دون كسر فاتبعه، وعليهما معا دون كسر فأحد الصنفين، ويأتي الخلاف. وإن انكسرت عليهما فاقسمها على الثلاثين وخذ بعدد الصحيح الخارج أتبعة، ثم

[ 91 ]

انظر الكسر فإن كان ثلثا فأبدل واحدا من الا تبعة بمسنة، وإن كان ثلاثين فمسنتان. كذا ذكر ابن عرفة أيضا، وفيه ما تقدم، ولابن بشير طريقة اعترضه فيها المصنف وابن عرفة والله أعلم. ص: (ومائة وعشرين كمائتي الابل) ش: لم يذكر حكم مائتي الابل وفيها أربعة أقوال. مذهب المدونة وإنه إن وجد الصنفان أو فقدا، خير الساعي فإن وجد أحدهما تعين. قال فيها: فإذا بلغت مائتين كان الساعي مخيرا إن شاء أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون، كان السنان في الابل أم لا، ويجبر رب المال على أن يأتي بما اختاره الساعي لان الخيار له على رب المال أن يأتيه بما شاء إلا أن يكون في المال سن واحد فليس للساعي غيرها انتهى. وقال في التوضيح: المشهور أن الساعي يخير إن وجد أو فقد، وإن وجد أحدهما وفقد الآخر يخير رب المال وهو قريب مما في المدونة. قلت: وتقدم كلام ابن عرفة في ذلك وتقدمت الفروع التي ذكرها في الطراز، فإن بلغت أربعمائة فالساعي مخير في ثمان حقاق أو عشر بنات لبون أو أربع حقاق وخمس بنات لبون خلافا لبعض الشافعية انتهى. وتقدم نحوه في كلام الذخيرة. ص: (الغنم في أربعين شاة) ش: مبتدأ وخبر وفي بعض النسخ في كل أربعين والصواب إسقاط لفظه كل. ص: (جذع أو جذعة) ش: بالذال المعجمة المفتوحة فيهما. ص: (ولو معزا) ش: مقتضى كلامه أنه يؤخذ الجذع الذكر من المعز وهو مقتضى كلامه في المدونة،

[ 92 ]

والجذع من الضأن والمعز في أخذ الصدقة سواء. ابن يونس: يريد أنه يجوز أخذهما في الصدقة ذكرا كان أو أنثى. لكن قال في المدونة بعده: ولا يأخذ المصدق تيسا ويحسبه على رب الغنم. وقال ابن يونس بعده: ومن المدونة قال مالك: يؤخذ الثني من الضأن ذكرا كان أو أنثى، ولا يؤخذ الثني من المعز إلا الانثى، لان الذكر منها تيس ولا يأخذ تيسا، والتيس دون الفحل إنما يعد مع ذوات العوار انتهى. وقال أبو الحسن عن ابن رشد: التيس المنهي عن أخذه. قيل: هو الذكر من المعز دون سن الفحل فلا يجوز أن يرضى به الساعي لانه أقل من حقه، وهو ظاهر المدونة لعده مع ذوات العوار انتهى. ثقال: وقيل هو الفحل الذي يطرق فينهى عنه لانه فوق السن الواجبة فلا يأخذه إلا ضارب الماشية. قال: وناقض بعضهم هذا بما تقدم لانه قال هنا لا يؤخذ التيس، وقال فيما تقدم يؤخذ الجذع من الضأن والمعز، والجذع من المعز تيس انتهى. واستبعد بعضهم تفسيرا التيس بالفحل بقوله في المدونة: إذا رأى المصدق أخذ التيس والهرمة وذات العوار فله ذلك. فهذا يدل على أنه ليس من كرائم الاموال. وقال في التوضيح: والتيس هو الذكر الذي يعد للضراب انتهى. وبهذا فسره غالب أهل المذهب. وقال القاضي عياض في كتاب المشارق: والتيس هو الذكر الثني من المعز الذي لم يبلغ حد الضرب فلا منفعة فيه. ويمكن أن يقال: الجذع هوما أوفى سنة كما قال المصنف. وكذا قال أهل اللغة: إنه ما دخل في الثانية. وقد قال بعضهم: إنه حينئذ قد يضرب فيصير فحلا إن كان معدا للضراب وإلا فهو من الوسط لانه بلغ إلى حد الضراب فارتفع عن سن التيس لانه الذي لم يبلغ إلى عهد الضراب. وقد نقل القرافي عن الازهري أن التيس ما أتى عليه الحول، والجذع ما دخل في

[ 93 ]

الثانية فيكون التيس الذي هو في آخر الاولى إلا أن هذا مخالف لكلام ابن يونس الثاني فتأمله. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: التيس كبير المعز انتهى. ص: (وضم بخت لعراب) ش: البخت بضم أوله وسكون ثانيه والعراب كجراب. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والبخت إبل ضخمة مائلة إلى القصر لها سنامان، أحدهما خلف الآخر تأتي من ناحية العراق. وقد رأيناها بمصر والحجاز مع الاروام في حجهم فسبحان الخلاف العظيم. ص: (وجاموس لبقر) ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والجواميس بقر سود ضخام صغيرة الاعين طويلة الخراطيم مرفوعة الرأس إلى قدام بطيئة الحركة قوية جدا لا تكاد تفارق الماء بل ترقد فيه غالب أوقاتها. يقال إذا فارقت الماء يوما فأكثر هزلت رأيناها بمصر وأعمالها. ص: (أو الاقل نصاب غير وقص) ش: مراده هنا بالنصاب أن يكون الاقل أربعين فأكثر. ومعنى كونه غير وقص أن يكون الاقل هو الموجب للشاة الثانية بأن يكون أكثر النوعين مائة وعشرين فأقل. والوقص ضبطه عياض في التنبيهات بفتح القاف. قال أبو الحسن: وبعض المتفقهة يقولون بالسكون وهو خطأ. ونقل في التوضيح الاسكان عن النووي. وقال سند: الجمهور على تسكين القاف. ص:

[ 94 ]

(وإلا فكذلك) ش: أي فإن كان الاقل أربعين وكان ير وقص بأن يكون هو الموجب للشاة الثانية فإنه يؤخذ منه شاة واحدة وتؤخذ الشاتان من الاكثر، وإن كان الاقل غير نصاب أو كان وقصا فإنه يؤخذ الجميع من الاكل والله أعلم. تنبيه: هذا الحكم الذي ذكره المصنف في الغنم يأتي مثله في الابل والبقر. قال في المدونة بعد أن ذكر حكم زكاة الغنم: وكذلك يجري هذا في اجتماع الجواميس مع البقر والبخت مع العراب، فإذا وجبت بنتا لبون أو حقتان وتساوى الصنفان أخذ من كل واحدة وإن لم يتساويا فإن كان في أقل عدد ما يجب فيه ينت لبون أو حقة أخذ من كل صنف واحدة وإأخذتا من الاكثر. ويستغنى هنا عن الشرط الثاني وهو كونه غير وقص فإنه لا يتأتى إلا أن يكون الاقل فيه عدد ما تجب فيه بنت اللبون أو الحقة ويكون وقصا فتأمل، وكذلك إذا وجبت ثلاث بنات لبون أو ثلاث حقاق فإن تساويا أخذ من كل واحدة وخير في الثالثة، وإن لم يتساويا بأن كان في الاقل عدد ما تجب فيه بنت اللبون أوالحقة أخذ منه واحد وإلا أخذ الثلاث من الاكثر. ص: (وفي أربعين جاموسا وعشرين بقرة منهما) ش: لان من الستين تقررت النصب واتحد الوقص فيعتبر كل نصاب على حدته كالاربعمائة في الغنم، فيؤخذ من الجواميس تبيع عن ثلاثين ويبقى منها عشرة تضم إلى عشرين من البقر فتكون البقر هي الاكثر فيؤخذ منها تبيع. فرع: قال سند: إذا كانت الماشية من صنفين إلا أن أحدهما فيه السن المفروض والآخر ليس فيه. قال الباجي: يؤخذ ما وجد عنده وليس للساعي أن يلزمه ذلك من الجنس الآخر، فإن عد فليس للساعي أن يكلفه ذلك السن من أي الجنسين شاء، وهذا نظيره في المائتين من

[ 95 ]

الابل. ص: (ومن هرب بإبدال ماشية) ش: قال أبو الحسن الصغير: ويعلم ذلك بإقراره والله أعلم. ص: (وبنى في راجعة بعيب أو فلس) ش: يعني من أن كانت عنده ماشية فأقامت عنده مدة ثم باعها فأقامت عند المشتري مدة ثم رجعت إلى البائع بعيب ظهر فيها أو بتفليس المشتري، فإن البائع يبني على حولها الذي عنده فيزكيها عند تمام حول من يوم ملكها أو من يوم زكاها، بناء عليان الرد بالعيب نقض للبيع من أصله. وفسر في التوضيح البناء بأنه يبني على حونفسه. وفسر الرجراجي البناء بأنه يبني على حول المشتري. والكل صحيح فإنه إن ردت إليه بعد حول من الشراء فقد مضى لها عنده حول، وإن ردت له قبل ذلك بنى على حوله. قال ابن بشير في التنبيه: اختلف في الرد بالعيب، هل هو نقض للبيع من أصله أو نقض له الآن ؟ وكذلك المردود في الفلس. وعلى ذلك اختلف في الماشية ترد بعيب أو بنقص البيع الفاسد فيها، أو يأخذها ربها لفلس المشتري بعد أن قامت بيده حولا أو أحوالا ؟ فهل تزكى على ملك المشتري أو على ملك البائع ؟ وهي يبني ربها على ما تقدم له فيها أو يستقبل بها حولا ؟ وفي كل ذلك قولان انتهى. قلت: والقول الثاني بالاستقبال إنما هو تخريج كما قاله ابن عرفة وغيره، والمنصوص في كتاب ابن سحنون الاول. قال في النوادر عنه: ومن ابتاع غنما فأقامت عنده حولا ثم ردها

[ 96 ]

بعيب قبل مجئ الساعي فزكاتها على البائع، ولو ردها بعد أن أدى فيها شاة فليردها ولا شئ عليه في الشاة التي أخذها المصدق، ولو فلس المشتري فقام الغرماء وجاء الساعي فالزكاة مبدأة، وما بقي للغرماء، ولو طلب رب الغنم أخذها في التفليس وقد أتى المصدق فله أخذ شاة ثم، إن شاء ربها أخذها ناقصة بجميع الثمن انتهى. ص: (كمبدل ماشية تجارة) ش: إذا أبدلها بالعين فإنه يبني على حول الثمن الذي اشتراها به إن لم يكن ترك رقابها، إما لانها دون نصاب أو لم يحل عليها الحول، وإن زكى رقابها وباعها فإنه يبني على حولها، فالمبالغة راجعة إلى إبدالها. قاله صاحب المقدمات وغيره والله أعلم. ص: (ولو لاستهلاك) ش: يعني أن من استهلك ماشيته التي للتجارة فأخذ بدلها نصاب عين أو ماشية من نوعها فإنه يبني على حول الاولى، فالمبالغة راجعة إلى إبدالها بالعين أو بالماشية وصرح به في المدونة. ص: (كنصاب قنية) ش:

[ 97 ]

يعني أن من كان عنده نصاب ماشية للقنية فأبدلها بنصاب عين أو بنصاب من نوعها فإنه يبني على حول الاصل، فالتشبيه في الصورتين أيضا. ولو أبدلها بدون نصاب من العين فإنه لا زكاة عليه اتفاقا. نقله في التوضيح. وكذلك إذا أبدلها بدون نصاب من نوعها. ومفهوم قوله نصاب أنه لو كان عنده دون النصاب للقنية وأبدلها بنصاب أنه لا يبني. وهذا بالنسبة إلى العين صحيح، وأما بالنسبة إلى نوع الماشية فلا، كما صرح به الرجراجي. ولك أن تحمل قوله كنصاب قنية على أنه تشبيه في إبدالها بالعين فقط ويكون سكت عن حكم إبدال نصاب القنية بنوعه، ولكل من المحملين موجب ومسقط والله أعلم. ص: (لا مخالفها) ش: يعني أنه لا يبني إذا أبدل الماشية بمخالفها. سواء كانت للتجارة أو القنية، وسواء أخذت مبادلة أو

[ 98 ]

لاستهلاك، وقد صرح في المدونة بذلك في الاستهلاك وغيره واضح. ص: (وخلط الماشية كمالك) ش: قال ابن عرفة: الخلطة اجتماع نصابي نعم مالكين فأكثر فيما يوجب تزكيتهما على مالك واحد انتهى. ص: (وإن نويت) ش: أي الخلطة يريد ولم يقصد بالخلطة الفرار من تكثير الواجب إلى تقليله. فإن قصدا ذلك فلا أثر للخلطة ويؤخذان بما كان عليه. قال ابن عرفة: ويثبت الفرار بالقرينة والقرب على المشهور، وفي القرب الموجب تهمتهما خمسة. ابن القاسم: اختلاطهم لاقل من شهرين يعتبر ما لم يقرب جدا. ابن حبيب: أقله شهر وما دونه لغو. محمد: أقل من شهر معتبر ما لم يقرب جدا. ابن بشير: في كون موجب التهمة شهرين ونحوهما أو شهرا ثالث الروايات دونه. ولا خلاف عند الاشكال كيمين التهمة. ثالثها يحلف المتهم الباجي: لا يؤخذ بنقض حالهما إلا بتيقن فرارهما وإن شك فيه حملا على ظاهرهما. القاضي: إن اتهما حلفاء وإلا فلا. وأخذ ابن عبد السلام عدم الاحلاف وإن كان متهما من قولها: من قال فيما بيده قراض أو وديعة أو مديان أو لم يحل الحول لم يحلف يريد لانه في العين أمين انتهى. وهذا الشرط الذي ذكره المصنف نقله في الذخيرة عن سند، ومنه مسألة في أول زكاة الماشية من العتبية قال: سئل عن رجل تصدق على ابن له بغنم فجازها له ووسمها،

[ 99 ]

فإن ضمها إلى غنمه كان فيها شاتان، وإن أفردها كان فيها شاة. قال: لا يضمها إلى غنمه. قال: فلو ضمها وقال للمصدق لما جاء ليس إلا كذا وكذا وسائرها تصدقت به على ولدي، أيصدقه الساعي ؟ قال: نعم يصدقه إن كان على صدقته بينة. ابن رشد: يريد صدقه على تعيين الغنم إذا شهدت البينة بالصدقة ولم تعينها. وظاهر قول سحنون أنه مصدق وإن لم تكن له بينة أصلا وهو استحسان على غير قياس لانه أقران الغنم كانت له وادعى ما يسقط زكاتها ثم ذكر الخلاف الآتي. ص: (وكل حر) ش: قال ابن عرفة: وخلطة العبد سيده وشركته كأجنبي. وقال ابن كنانة: يزكي السيد الجميع انتهى. وفي رسم الجواب من سماع عيسى من زكاة الحبوب: وسألته من العبد يكون شريكا لسيده في الزرع فلا يرفعان إلا خمسة أوسق، هل يكون فيها زكاة أو يكون خليطا ؟ وكذلك في الغنم يكون لكل واحد منهما عشرون هل عليهما صدقة ؟ قال ابن القاسم قال مالك: ليس عليهما ولا على أحدهما في ذلك شئ قليل ولا كثير في زرع ولا غنم. قال ابن القاسم: وهذا مما لا شك فيه ولا كلام، واحذر من يقول غير هذا أو يرويه فإن ذلك ضلال. ابن رشد: من يقول إن العبد لا يملك وإن ماله لسيده يوجب الزكاة عليه في الزرع والغنم. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة. وفي المدونة لابن كنانة نحوه قال: يخرج الزكاة من جميع ذلك ثم يصنع هو وعبده ماشاآ انتهى. ص: (ملكا نصابا) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال ابن عرفة: والشريكان كالخليطين ولا تراد بينهما انتهى. وقال في المدونة: يعتبر النصاب في حصة كل واحد من الشركاء في جملة أموال الزكاة، ونصه في كتاب الزكاة الثاني: والشركاء في كل حب يزكى أو تمر أو عنب أو ورق أو ذهب أو ماشية، فليس على من لم يبلغ حظه منهم في النخيل والزرع والكروم مقدار الزكاة زكاة انتهى. وفي المقرب قال مالك: والزكاة واجبة على الشركاء في النخيل والزرع والكروم والزيتون إذا بلغ حظ كل منهم ما فيه الزكاة. ومن لم يبلغ فلا شئ انتهى. وقال في الشامل: ولا زكاة على شريك حصته دون نصاب في عين وماشية وحرث انتهى. ص: (بحول) ش: يعنى أن يتفقا في الحول. وزاد بعضهم: اتحاد نوعي الماشية. وإنما

[ 100 ]

تركه لوضوحه وإلا فلابد منه. ص: (بملك أو منفعة) ش: أي بملك الرقبة أو اشتراك في المنفعة وهو راجع للخمسة كما يظهر من كلام ابن بشير وغيره. ص: (ومراح) ش: ضبطه عياض بضم الميم، والجوهري إن كان بمعنى المبيت فبالضم، وبمعنى موضع الاجتماع للرواح للمبيت فبالفتح، والمعنى الثاني هو المراد في كلام المصنف لذكره المبيت. ص: (برفق) ش:

[ 101 ]

والظاهر رجوعه للجميع. قال في الشامل: فإن خلطوها للرفق فكالمالك الواحد. ص: (ولو انفرد وقص لاحدهما) ش: تقدم في كلام المدونة أن الوقص هو ما بين الفريضتين في جمع الماشية. وقال في التنبيهات: الوقص - بفتح القاف - ما لا زكاة فيه ما بين الفرضين في الزكاة وجمعه أو قاص. وقال أبوعمران: هو ما وجب فيه الغنم كالخمس من الابل إلى العشرين. وقيل: هو في البقر خاصة. قال سند: الجمهور على تسكين القاف. وقيل: بفتحه لان جمعه أو قاص كجمل وأجمال وجبل وأجبال، ولو كانت ساكنة لجمع على أفعل مثل كلب وأكلب وفلس وأفلس. ولا حجة فيه لانهم قالوا حول وأحوال وهول وأهوال وكبر وأكبار انتهى. وفي عده كبر وأكبار في سلك ذلك نصر، لان كبر بفتح الباء فلا ينهض دليلا لانه من باب جمل وجبل والله أعلم. وقال في الجوهري: وقص العنق كسرها ووقصت به راحلته وبفتح القاف قصر العنق. وواحد الاوقاص في الصدقة ما بين الفريضتين، وكذلك الشنق. وقيل: الوقص في البقر، والشنق في الابل. وتقول: توقصت به فرسه إذا نزا نزوا يقارب الخطو. واعلم أن هذه اللفظة معلومة قبل الشرع فيجب أن تكون لمعنى لا تعلق له بالزكاة التي لم تعلم إلا من الشرع، واستعيرت من ذلك المعنى اللغوي لهذا المعنى الشرعي، وذلك يحتمل أن يكون من وقص العنق الذي هو قصره لقصوره عن النصاب، أو من وقصت به فرسه إذا قاربت الخطو لانه يقارب النصاب. قال سند: ولمالك والشافعي في تعلق الزكاة بالوقص قولان. انتهى من الذخيرة. قال في التوضيح: والشنق بفتح الشين المعجمة والنون. قاله في التنبيهات. قال مالك: وهو ما يزكى من الابل بالغنم انتهى. وما ذكره في التوضيح في الشنق عن القاضي عياض مخالف لما ذكره الجوهري وحكاه عنه القرافي في ذخيرته، فإنه جعل الشنق مرادفا للوقص وهو ما بين الفريضتين من كل ما تجب فيه الزكاة وفسره في النهاية بذلك أيضا قال: وإنما سمي شنقا لانه لم يؤخذ منه شئ فأشنق إلى ما يليه أي أضيف وجمع. ثم قال:

[ 102 ]

والعرب تقول إذا وجبت على الرجل شاة في خمس من الابل قد أشنق أي وجب عليه شنق، فلا يزال مشنقا إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وقد زال عنه اسم الاشناق، ويقال له معقل أي مؤد للعقال مع بنت المخاض، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففرض أي وجبت في إبله الفريضة انتهى. فكأنه والله أعلم سمي شنقا لكونه أشنق إلى غيره أي أضيفت الابل إلى الغنم فزكيت بها والله أعلم. ص: (في القيمة) ش: يريد ولو وجب الرجوع بشاة كاملة كما هو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة خلافا لاشهب، وأما إذا كان الواجب جزءا فتتعين القيمة. ابن عرفة: اتفاقا. وشاذ ابن الحاجب. ونقله ابن رشد. وابن شاس: لا أعرفه إلا قول أشهب: ليس لمن أخذت منه حقة عنهما أخذ خليطه بجزء وحقه. ومن قال له أن يعطيه جزءا منها لم أعبه، ولم يؤخذ من هذا لانه لم يجزم به بل جزم بنقيضه سلمناه مدلوله خيار المأخذو منه لا لزومه انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وفي كون القيمة يوم الاخذ أو يوم القضاء. نقل الباجي عن ابن القاسم وتخريج الشيخ على أهل المذهب انتهى. واقتصر في الشامل على الاول والله أعلم. ص: (كالخليط الواحد) ش: هذا جواب عن المسألتين يؤخذ منه حكمها. وقوله بعده عليه شاة إلى آخره زيادة بيان في الاول ولا يمكن جعل بيانا لهما، فإن مذهب المدونة إنما يلزم في الثانية شاة على صاحب الثمانين ثلثاها، وعلى صاحب الاربعين ثلثها. قال في التوضيح: وهو

[ 103 ]

المشهور. ص: (بالقيمة) ش: يحتمل أيريد أن تراجع الخلطاء يكون بالقيمة أيضا في هذه المسألة كما أشار إليه أولا، ولا كبير فائدة فيه حينئذ. ويحتمل أن يشير إلى أن الساعي إذا وجب له جزء من شاة أبعير يأخذ القيمة. قال ابن الحاجب بعد هذه المسألة: وإذا وجب جزء

[ 104 ]

تعين أخذ القيمة لا جزء على المشهور. قال ابن الحاجب بعد هذه المسألة: وإذا وجب جزء تعين أخذ القيمة لا جزء على المشهور. قال ابن فرحون: يعني إذا وجب للساعي على أحد الخليطين جزء شاة أو جزء بعير، فإن على الساعي أن يأخذ منه قيمة ذلك. وهذا معنى قوله تعين أخذ القيمة. وقيل: يأتي بشاة يكون للساعي جزؤها. والاول أصح إذ لا بد للشاة من البيع والثمن هو القيمة، وليس هذا مثل من وجبت عليه شاة فدفع قيمتها إذ لا ضرورة بخلاف هذه والله أعلم. ص: (وخرج الساعي ولو بجدب طلوع الثريا بالفجر) ش: مقتضى كلام غير واحد من أهل المذهب أن زكاة الماشية تؤخذ على هذا الوجه ولو أدى لسقوط عام في نحو ثلاث وثلاثين سنة. قال ابن عبد السلام: الظاهر أنه يطلب منهم في أول السنة وهو المجرم في أي فصل كان، لان الاحكام الشرعية إنما هي منوطة في الغالب بالسنين القمرية ولو قلنا بما قال أهل المذهب لادى إلى سقوط عام في نحو ثلاثين عاما. وما قلناه هو مذهب الشافعي انتهى. وقال في التوضيح: علق مالك الحكم هنا بالسنين الشمسية وإن كان يؤدي إلى إسقاط سنة في نحو ثلاثين سنة لما في ذلك من المصلحة العامة انتهى. وفي الذخيرفي الاحتجاج للشافعي، ولان ربطه بالثريا يؤدي للزيادة في الحول زيادة السنة الشمسية على القمرية. ثم قال في الجواب: إن ذلك مغتفر لاجل أن الماشية تكتفي في زمن الشتاء بالحشيش عن الماء، فإذا أقبل الصيف اجتمعت على المياه فلا تتكلف السعاة كثرة الحركة ولانه عمل المدينة انتهى. وقال ابن عرفة ردا على ابن عبد السلام: البعث حينئذ لمصلحة الفريقين لاجتماع الناس للمياه لا لانه حول لكل الناس بل كل على حوله القمري، فاللازم فيمن بلغت من أحواله من الشمسية ما تزيد عليه القمرية حولا كونه في العام الزائد كمن تخلف ساعيه لا سقوطه انتهى. والظاهر خلاف ما ذكره وإلا لم يظهر لكون الساعي شرط وجوب فائدة. وقد قال في المدونة فيمن مات بعد الحول وقبل مجئ

[ 105 ]

الساعي كأنه مات قبل حولها إذ حولها مجئ الساعي مع مضي عام انتهى. فهذا يعلم قطعا أن عنده حولا فكان اللازم أن يزكيه. وقال مالك في كتاب ابن المواز: له أن يذبح ويبيع بعد الحول قبل مجئ الساعي وإن نقص ذلك من زكاتها إلا من فعل ذلك فرارا فيلزمه ما فر منه. وقال فيه أيضا قال مالك: وإذا تخلف عنه الساعي فلينتظره ولا يخرج شيئا، وكذلك إن حل الحول بعد أن مر الساعي به بيسير إن كان الامام عدلا، فإن لم يكن عدلا فليخرج للحول إن خفي له، فإن خاف أن يؤخذاه انتظره. وقال ابن القاسم: إن عزل ضحايا لعياله قبل مجيئه فإن أشهد عليها يريد أشهد أنها لعياله لفلان كذا ولفلان كذا فلا زكاة فيها، وإن جاء وهي حية بعد إلا أن يكون لم يشهد فليزكها. انتهى من ابن يونس ونقله القرافي عن سند كأنه المذهب. وفي المدونة نحوه إذ فيها على ما نقل ابن يونس: وما ذبحه الرجل بعد الحول أو مات قبل قدوم الساعي ثم قدم لم يحاسبه بشئ من ذلك وإنما يزكي ما وجد بيده حاضرا انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن المواز ونصه: وروى محمد: لربها الاكل منها البيع والهبة بشرط حوزها بعد الحول قبل مجئ الساعي إن لم ير فرارا فيحسب انتهى. وفي الذخيرة: لو مر الساعي بالوارث بعد بعض الحول تركها للحول الثاني. قاله مالك في الكتاب. وقال بعض الشافعية: يوصي بقبضها عند كمال حولها ويصرفها. وهو خلاف المعهود فإن كل شهر يتجدد فيه كمال أحواله ولم تكن السعاة تتجدد في كل ذلك بل كانوا يقتضون مرة في كل عام انتهى. وإنما ذكرت هذه النصوص بلفظها ليستفاد حكمه ويظهر الاخذ منها والله أعلم. تنبيهات: الاول: طلوع الثريا بالفجر. قال في التنبيهات: في منتصف شهر أيار وهو مايه، وقيل لاثنتي عشرة ليلة، وهذا على حساب المتقدمين. وطلوعها ليوم ثاني عشرين من ايار ومايه وهو سابع عشرين بشنس، والشمس في عار درجة من برج الجوزاء، وهو أول فصل الصيف على حساب المغاربة والفلاحين، وعلى حساب غيرهم أواخر الربيع. الثاني: قال في المدونة: ومن نزل به الساعي فقال له إنما أفدت غنمي منذ شهر، صدق ما لم يظهر كذبه. قال مالك: ولا يحلف وقد أخطأ من يحلف الناس من السعاة. وقال محمد: يحلف. قال في الذخيرة: قال عبد الوهاب: المعروف بالديانة لا يطالب ولا يحلف، والمعروف بمنع الزكاة يطالب بها ولا يحلف، والمجهول الحال في الزكاة ولو عرف بالفسق يحلف وفيه خلاف. وذكر ابن رشد في تحليف من ادعى ما يسقط الزكاة ثلاثة أقوال: ثالثها

[ 106 ]

يحلف المتهم. وتأول بعضهم أن الثالث تفسير قال: وهذا التأويل صحيح فيمن ظهر له مال وادعى ما يسقط الزكاة، وأما من ليظهر له مال وادعى عليه الساعي أنه عين ماله، فإن كان لا يتهم لم يحلف باتفاق، وإن كان ممن يتهم فقولان. انتهى من أول سماع ابن القاسم من زكاة الماشية. الثالث: في الرسم الثاني منه: لا يحل للساعي أن يستضيف من يسعى عليه إلا من كان مشهورا بالضيافة لكل أحد فيكره للذريعة وخوفا من الزيادة في إكرامه للسعاية ولا يستعير دوابهم. وقال مالك: وشرب الماء خفيف. ابن عرفة: روي علي وابن نافع وصديقه كغيره، وروى سحنون: لا بأس أن يحمل ما خف على بعير من الصدقة. الرابع: قال ابن رشد في آخر سماع أشهب: لكل أمير إقليم قبض صدقات إقليمه دون من سواه من الامراء، وليس لساعي المدينة أن يأخذ ممن مر به من أهل العراق. قال سحنون في رجل له أربعون شاة في أربعة أقاليم: يأخذ كل أمير ربع شاة يأتيه بشاة يكون له ربعها وإن أخذ منه كل أمير قيمة ربع شاة أجزأ، وإن كان له خمسة أوسق في كل إقليم وسق أعطى لكل أمير زكاة وسق، وإن كان الولاة غير عدول أخرج ما لزمه كما ذكرنا. الخامس: إذا حال الحول والابل في سفر فلا يصدقها الساعي ولا ربها حتى تقدم، فإن ماتت فلا شئ عليه فيها، ولو علم أنها ماتت بعد الحول قال ابن رشد: إنما لم يخرج زكاتها لانه لا يدري ما حدث بها، وإذا ماتت فلا شئ عليه لانه لم يفرط ولا يلزمه أن يخرج زكاتها إلا منها. انتهى. بالمعنى من سماع عيسى وقاله في النوادر. السادس: قال سند: تخرج السعاة للزرع والثمار عند كمالها. نقله في الذخيرة. السابع: لا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ منه الصدقة خلافا لداود. قاله في الذخيرة. وفي القرطبية إنه مستحب. وقال في الذخيرة: واستحسنه الشافعي لقوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * إلى قوله تعالى * (وصل عليهم) * أي ادع لهم. لنا أنه عليه الصلاة والسلام والخلفاء بعده لم يكونوا يأمرون بذلك السعاة بل ذلك خاص به عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى * (إن صلاتك سكن لهم) * فهذا سبب الامر بذلك انتهى والله أعلم. وقوله ولو بجدب مقابله قول أشهب في العتبية والمجموعة: لا تخرج السعاة سنة الجدب. وقال المازري في المعلم في أوائل الزكاة: وللامام تأخير الزكاة إلى الحول الثاني إذا أداه اجتهاده إلى ذلك انتهى. وظاهره أنه يتفرع على المشهور من خروجهم سنة الجدب، ويؤخذ ذلك من كلام ابن رشد في سماع أشهب: وإذا خرجوا سنة الجدب فيأخذون الواجب ولو كانت الغنم عجافا خلافا لما اختاره بعض الشيوخ أنه لا يؤخذ منها. وقال ابن عبد السلام: هو الصحيح والله أعلم. والجدب بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ضد

[ 107 ]

الخصب بكسر الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة. قاله في الصحاح. والقاموس إن كان وبلغ قال ابن عرفة: فإن لم تكن سعاة أخرجت كالعين اللخمي: اتفاقا. الشيخ عن كتاب ابن سحنون: وكذلك من لم تبلغه السعاة انتهى. وقاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: وما حكاه من الاتفاق حكاه اللخمي انتهى. ونقل في الذخيرة عن سحنون أنه يزكي بعد حول من مرور الساعي على الناس ويتحرى أقرب السعاة، وهذا إذا كان ببلده من يصرفها له وإلا نقلوها لحواضر البلاد إن كانت تصل، وإن لم تصل فتباع ويشترى مثلها كما سيقوله المصنف في مصروف الزكاة. قال في سماع ابن القاسم: أو يدفع له قيمتها للضرورة والله أعلم. ص: (وقبله يستقبل الوارث) ش: قال في التوضيح: إذا مات رب الغنم بعد الحول قبل مجئ الساعي لم يجب على الوارث إخراجها عنه لكن يستحب لهم إخراجها. ص: (ولا تبدأ إن أوصى بها) ش: أي في الثلث ويبدأ عليها فك الاسير. قال أبو الحسن: هي مرتبة الوصية بالمال. ذكره في زكاة الثمار. وقال في المدونة: وتفرق على المساكين وفي الاصناف الذين ذكر الله وليس للساعي قبضها لانها لم تجب على الميت. أبو الحسن: كأنه أراد أن يسلك بها مسلك الزكاة فلذلك صرفت مصرفها. قال: وظاهر المدونة سواء كان يعتقد أنها واجبة عليه أم لا. قال بعض الشيوخ: معناه كأن يعتقد أنها لا تلزمه. قال اللخمي: ولو علم أن الوصية من الميت لانه ظن أن الزكاة واجبة عليه مثل أن يقول: أوجبت علي زكاة ماشيتي لان الحول حال علي أو ما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد التطوع لم يكن على الورثة أن ينفذ وصيته على أصل المذهب أن وجوبها معلق بمجئ الساعي. وهذا الجواب فيمن له سعاة، وأما من لا سعاة لهم فإنه يجري الجواب فيها على زكاة الزرع والثمار فتخرج الزكاة منها إذا مات بعد الحول

[ 108 ]

وصي بإخراج الزكاة أو لم يوص انتهى. وما قاله اللخمي ظاهر. ص: (ولا تجزي) ش: أي إذا أخرجها قبل مجئ الساعي وهذا ليس خاصا بالتفريع على المشهور في أن مجئ الساعي شرط وجوب، بل وعلى مقابله أيضا في أنه شرط أداء، لان ما فعل قبل حصول شرط الاداء لغو، وقد بحث هذا البحث ابن عبد السلام والمصنف وجزم به ابن عرفة. تنبيهات: الاول: قال ابن عبد السلام: لا يجزئ إخراجها قبله لانه حينئذ كالآتي بالتطوع عن الواجب، وإذا لم يكن مانع سوى ما ذكر فلا يبعد أن يخرج الخلاف في تقديم الزكاة قبل الحول انتهى. وظاهر إطلاقاتهم عدم الاجزاء، وعلله القرافي بعلة أخرى لانه كدفع مالك السفيه له بغير إذن وليه. الثاني: هذا إذا كان الامام عدلا. قال في المدونة: وإذا كان الامام غير عدل فليضعها مواضعها إن خفي له ذلك وأحب إلي أن يهرب بها عنهم إن قدر، وإن لم يقدر أجزأه ما أخذوا. ابن عرفة: وإن خاف أخذه انتظره. الثالث: لو ذبح الشاة الواجبة عليها وصدقها لحما فقال ابن القاسم: لا يجزيه. وقال أشهب وابن المواز: تجزيه. نقله البساطي عن النوادر. وقال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عمن وجبت عليه شاة في زكاة غنمه فذبحها وتصدق بها على المساكين فقال: لا تجزئه لذبحه إياها فكيف إن أمر رجلا فقال له اذبحها وتصدق بها ؟ قلت: فظاهره لا تجزئه لان يد وكيله كيده

[ 109 ]

بدليل ما في الرهون انتهى. ص: (كمره بها ناقصة ثم رجع وقد كملت) ش: أي بولادة أو بإبدالها بنصاب من نوعها فهذا على الخلاف، وأما لوكملت بفائدة بشراء أو هبة أو صدقة أو إرث فلا خلاف في أنها لا تجب الزكاة حينئذ فرع: لو ضل بغير من النصاب بعد الحول فمر به الساعي ناقصا فلا زكاة. ثم إوجد بعده فهل يزكيه حينئذ ولا ينتظر الساعي وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى ؟ وقال محمد: أحب إلي أن ينظر فإن كان صاحبه أيس منه فليجعل السنة من يوم يجده، وإن كان منه على رجاء فليتركه مع الاربعة للحول الاول كزكاة الفطر عن العبد الآبق يعني يزكيه قبل أن يجده. قال ابن رشد: وفيها نظر. واختار أن ينظر، فإن كان راجيا له زكاه حين يجده، وإن كان يائسا منه استقبل به كالفائدة. قاله في رسم لم يدرك من سماع يحيى. ونقل ابن عرفة الثلاثة الاقوال ونصه: ولو ضل بعض النصاب بعد حوله فمر به الساعي ناقصا ثم وجد بعده ففي زكاته وانتقال حوله ليومئذ لا ينتظر الساعي في الحول الثاني، أو إن أيس منه. والمرجى على حوله الاول ثالثها المرجو على حوله، والميؤس منه فائدة فلا زكاة لابن القاسم ومحمد وابن رشد انتهى. ص: (فإن تخلف وأخرجت أجزأ على المختار) ش: يعني إذا كان السعاة موجودين وشأنهم الخروج وتخلفوا في بعض الاعوام، وليس مراده ما إذا لم تكن سعاة أصلا فإنها تجب بمرور الحول اتفاقا كما تقدم عند قوله إن كان وبلغ واكتفى المصنف عن هذا بمفهوم قوله إن كان وبلغ لانه عنده كالمنطوق وأما إذا كان شأن السعاة الخروج وتخلفوا في بعض السنين، فهل يجوز إخراج الزكاة ابتداء أم لا ؟ لم يصرح المصنف بحكمه. وقال الرجراجي: إن كان ذلك اختيارا لغير عذر فإنهم يخرجون زكاتهم ولا ضمان عليهم فيما فعلوه ولا ينبغي دخول الخلاف في هذا الوجه، وإن كان اضطرارا لفتنة فهل يخرجونها وهو قول القابسي، أو لا يخرجونها وهو قول عبد الملك ؟ انتهى. وذكر ابن عرفة ثلاثة أقوال: الاول جواز التأخير وعزاه لعبد الملك وأنه إن أخرجها لم تجزه، والثالث أنه لا ينتظر ويزكيها أربابها وعزاه لاختيار اللخمي. ونص كلام ابن عرفة في إجازة تأخيرها. ولو أعواما لمجيئه وإيجابه إياها. ثالثها لا ينتظر لرواية اللخمي مع نقله إن أتاه الساعي بعد إخراجها لتخلفه أجزأ. أو نقله عن عبد الملك لا تجزئه واختاره محتجا بأن السعي وكيل.

[ 110 ]

قلت: في النوادر روى محمد: من تخلف ساعيه انتظره، وكذا إن حل حوله بعد نزوله بيسير إن كان الامام عدلا وإلا أخرج لحوله إن خفي له وإن خاف أخذه انتظره. انتهى. وفي الذخيرة إن تأخر الساعي قال مالك: انتظره انتهى. ولعل هذا هو القول الاول في كلام ابن عرفة وهو الظاهر. تنبيه: قال في النوادر: وليس على أهل الحوائض حمل صدقاتهم ولتؤخذ منهم في حوائطهم وكذلك أرباب الزرع، وعلى السعاة أن يأتوا أرباب الماشية على مياههم ولا يقعدون في قرية ويبعثو إليهم، وأما من بعد من المياه التي يمر بها الساعي فعليه جلب ماشية، فإن ضعفت فلا بد من ذلك أو يتفقوا على قيمتها، ولا بأس بالقيمة في مثل هذا انتهى. يريد إذا لم يكن بمحلهم فقراء. قاله اللخمي والرجراجي وغيرهما. ص: (وإلا عمل على الزيد والنقص في الماضي بتبدئة العام الاول إلا أن ينقص الاخذ النصاب أو الصفة فيعتبر) ش: يعني وإن تخلف الساعي يريد ولماشية نصاب بدليل قوله كتخلفه عن أقل ولم تخرج الزكاة في مدة تخلفه فإنه يعمل في الماشية على ما يجدها أي يزكيها الماضي السنين على ما يجدها من النقص والزيادة ابن عرفة: ولا يضمن زكاة مدة تخلفه ولا نقصها ولو بذبح أو بيع الباجي: ما لم يرد فرارا انتهى. قال في المدونة: فإن رجعت إلى ما لا زكاة فيه فلا صدقة فيها انتهى. ويزكيها الماضي السنين على زيادتها. ابن يونس: عرف عددها في كل سنة أم لم يعرف. وقوله بتبدئة العام الاول يعني أنه يزكي ما وجده عن أول سنة ثم عن الثانية ثم عن الثالثة. قال في التوضيح قال اللخمي: ولا خلاف فيمن تخلف عنه الساعي أنه يبتدئ بالعام الاول. واختلف قوله في الهارب قوله إلا أن ينقص الاخذ النصاب أو الصفة فيعتبر مستثنى من قوله عمل

[ 111 ]

على المزيد والنقص لماضي السنين يعني أنه يأخذ الزكاة عما وجده لماضي الاعوام مبتدئا بالاول إلا إذا نقص الاخذ النصاب فيعتبر ذلك النقص وتسقط الزكاة حينئذ، وإذا نقص الاخذ صفة الواجب اعتبر وأخذ غيره. ولو قال فإذا نقص الاخذ النصاب أو الصفة اعتبر كان أوضح. تنبيهات: الاول: لاإشكال أنه إذا وجدها على ما فارقها عليه أنه يزكيها الماضي السنين على ما وجده مبتدئا بالاول، فإذا نقص الاخذ النصاب أو الصفة اعتبر كما لو غاب عن ثلاث وأربعين شاة أربع سنين ثم وجدها كذلك، فإنه يأخذ منها أربعا ولو كانت أربعين حين غاب ووجدها كذلك لاخذ واحدة وتسقط الزكاة في باب السنين. الثاني: إذا غاب عنها الساعي وهي نصاب ثم نقصت عن النصاب ثم عادت إلى النصاب ثم أفاد إليها فائدة أخرى حتى صارت ألفا، فإن كان عودها إلى النصاب بولادة أو بإبدال ففي كتاب محمد: تزكى الالف لجميع الاعوام على ما هي عليه اليوم. وقال محمد: لا آخذ بهذا بل يأخذ منها من يوم تمت ما فيه الزكاة ويسقط ما قبله. قال الرجراجي: والقول الاول أصح. وأما إن كان عوده للنصاب إنما هو بفائدة فإنما تزكى من يوم بلغت النصاب إلى مجئ الساعي اتفاقا. نقله ابن عرفة والمصنف وأبو الحسن وابن يونس. وأصله في النوادر. وسيأتي كلام ابن عرفة في القولة التي بعد هذه. الثالث: قال في المدونة: وإن غاب الساعي عن خمس من الابل خمس سنين ثم أتى فيأخذ منه خمس شياة لان زكاة الابل هنا من غيرها. زاد اللخمي: فلم يتغير الفرض ولو كان فقيرا ولا يجد ما يزكي عنها إلا أن يبيع بعيرا فإنه يزكيها بخمس شياه انتهى. ونحوه في النوادر. الرابع: قال في المدونة أيضا: وإن غاب عن خمس وعشرين من الابل ثم أتى فليأخذ لعام بنت مخاض، ولاربع سنين ستة عشر شاة. أبو الحسن: ظاهر الكتاب أخذ بنت المخاض منها أو من غيرها. وعليه حمله ابن يونس فقال: يريد قوله ستة عشر أي أربع شياه لكل سنة من عشرين من الابل والاربع الباقية وقص، سواء أخذها منها أو من غيرها. وقال عبد الملك: إنما هذا إذا أخذها من عددها وإن لم يكن منها فليأت في العام الثاني بمثل ما أخذ منه في الاولى. الشيخ: وقول عبد الملك خلاف وهكذا قال اللخمي: اختلف في المسألة على قولين، فذكر قول ابن القاسم ثم قال: وقول عبد الملك انتهى. وللخمي فيها قول ثالث اختاره يفرق فيه بين أن تكون بنت المخاض موجودة في الابل في العام الاول وعزلها للمساكين أولا. ابن عرفة: وروى محمد: إن تخلف عن أربعين تيسا وحده سنين فإنما عليه شاة ولا حجة للساعي أن زكاتها من غيرها. قلت: لانها من نوعها فلا يشكل تصورها بأن بقاءها ينقلها عن سنها لجواز بدلها كل

[ 112 ]

عام بأصغر منها انتهى. قال في الذخيرة: ولو تلف من الخمس والعشرين بعير قبل مجئ الساعي لم يزك إلا بالغنم لان الوجوب أو الضمان إنما يتقرر في السنة الاولى بمجيئه انتهى. الخامس: إذا غاب عنه الساعي وعنده نصاب ثم باعه ثم جاء الساعي بعد أعوام، فإن كان باعه بدون نصاب فلا شئ عليه قولا واحدا، وإن كان باعه بنصاب فأكثر فإنه يزكي الثمن عند كل سن كان يلزمه أن يزكي الماشية عنها إلا أن ينقص الثمن عن النصاب. وقيل: إنما يزكيه لعام واحد. وكذا نقل أبو الحسن وغيره، وعزا ابن عرفة الاول للقرينين والثاني لمحمد ونصه: ولو باع من تخلف عنه ساعيه بسنين غنم تجر بنصاب عين، ففي زكاته لعام أو لكل عام تزكى له لو بقيت مسقطا من كل عام زكاة ما قبلما لم ينقص عن نصاب. نقل الشيخ عن القرينين ومحمد انتهى. السادس: قال في النوادر في الاسير بأرض الحرب يكسب مالا وماشية ولا يحضره فقراء مسلمون، فليؤخر العين حتى يخلص أو يمكنه بعثها إلى أرض الاسلام، وهي في الماشية كمن تخلف عنه الساعي لا يضمن، فإن تخلص بها أدى لماضي السنين إلا ما نقصت الزكاة. انتهى ونحوه في الذخيرة. ولم يقيده بالاسير بل قال: لو كان بأرض الحرب فيشمل الاسير ومن أسلم بها ونحوه والله أعلم. السابع: إذا غصبت الماشية وردها الغاصب ولم تكن السعاة تمر بها فإنه يزكيها لما مضى على ما يجدها إلا ما نقصته الزكاة كالذ يغيب عنه الساعي لا كالهارب. ولو غصب بعض الماشية وبقي دون النصاب لم يزكه الساعي، فإذا عادت زكى الجميع لماضي السنين على ظاهر المذهب، وعلى القول بتزكية المغصوب لعام يزكي الجميع لحول واحد. انتهى من الذخيرة. ص: (كتخلفه عن أقل فكمل وصدق) ش: التشبيه في كونه يعتبر هنا وقت الكمال فمن وقت كمالها نصابا يزكيها على ما يجدها، وليس المعنى أنه يزكي كل سنة ما فيها، وذلك كالصريح في كلام اللخمي وهو ظاهر عبارة التوضيح وابن عرفة وغيرهما. ومقابل ما ذكر

[ 113 ]

المصنف أنها تزكى على ما يجدها الساعي لجميع الاعوام الكاملة، وهذا الخلاف إنما هو إذا كملت بولادة أو بإبدالها بماشية من نوعها، وإن كانت أيضا كملت بفائدة فلا خلاف أن المعتبر من حين كمالها نصابا. وفهم من قوله كتخلفه عن أقل أن المراد أنه وقت تخلف الساعي أقل من نصاب ولو كان قبل ذلك نصابا يزكي وهو كذلك. وفي كلامه في النوادر إشارة إلى ذلك ونقل ابن عرفة باختصار ونصه: فلو تخلف عن دون نصاب فتم بولادة أو بدل ففي عده كاملا من يوم تخلفه أو كماله مصدقا بها في وقته قولا اشهب وابن القاسم مع مالك بناء على أن سني تخلفه كسنة أولا، ولو كمل بفائدة فالثاني اتفاقا. وعليه: لو تخلف عن نصاب ثم نقص ثم كمل فكما هو في الصورتين خلافا ووفاقا، والقولان هنا لابن القاسم ومحمد مع اللخمي. وقول الشيخ لعل محمدا عني أنها وإن كانت تزكى قبل ذلك إلا أن الساعي غاب عنها وهي أقل من نصاب بعيد ولذا لم يذكره اللخمي انتهى. تنبيه: قال في النوادر: وإذا أتى الساعي بعد غيبته سنين فقال له رجل معه ألف شاة إنما أخذتها من منذ سنة أو سنتين فهو مصدق بغير يمين ويزكيه لما قال انتهى. يعني يزكيه على ما يجده لما قال من السنين. وقول المصنف وصدق يعني أن صاحب الماشية مصدق في الوقت الذي كملت فيه نصابا. نقله في التوضيح عن الباجي والله أعلم. ص: (لا إن نقصت هاربا وإن زادت فلكل ما فيه بتبدئة الاول) ش: هذا مخرج من قوله عمل على الزيد والنقص يعني هذا فيمن تخلف عنه الساعة لا في الهارب فإنه في النقصان يعمل على ما فارقها الساعي عليه ولا يصدق الهارب في نقصها، وفي الزيادة لكل سنة ما فيها. وقوله بتبدئة الاول راجع للزيادة والنقصان معا وإن وجدها على ما فارقها زكاها كذلك لماضي الاعوام مبتدئا بالاول فالاول، فإن نقص الاخذ النصاب أو الصفة اعتبر.

[ 114 ]

تنبيهات: الاول: قولهم لا يصدق في النقص يريد إذا لم تقم بينة فينبغي أن لا يؤخذ منه كما صرح به في النوادر أيضا فقد قال ابن عبد السلام: هذا بين إذا قدر عليه وأما إن جاء تائبا أو قامت له بينة فينبغي أن لا يؤخذ منه، إلا ما كانت عليه ثم قاله في موضع ثان. قال: وهو ظاهر كلام بعض الشيوخ. فاعترضه ابن عرفة في التائب ولم يعترضه فيمن قامت له البينة. قال: وفيها القدرة عليه كتوبته. ونقل ابن عبد السلام تصديق التائب دون من قدر عليه لا أعرفه إلا في عقوبة شاهد الزور والزنديق، والمال أشد من العقوبة لسقوط الحد بالشبهة دونه. الثاني: قال في النوادر قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: والفار عن الساعي ضامن لزكاة ماشيته، فأما من يتبع الكلا أو تخلف عنه الساعي فلا يؤخذ إلا بزكاة ما وجد انتهى. الثالث: قال ابن الحاجب: وتتعلق بذمة الهارب من السعاة اتفاقا. قال ابن عبد السلام: المراد بتعلقها بالذمة وجوب أدائها الماضي السنين لا تعلق الديون لانه سيأتي أن المشهور تعلقها بأعيان الماشية وقبله في التوضيح. وقال ابن فرحون عن والده: بل تتعلق بالذمة تعلق الديون وهو ظاهر المدونة. وقال ابن القاسم: لو هلكت الماشية بعد ثلاث سنين ضمن زكاتها ولم يضع عند موتها ما وجب عليه، وأما ما ذكره ابن عبد السلام فإنما ذلك بالنسبة إلى القدر الواجب، فإذا علم بالنسبة إلى أعيانها تعلق بالذمة اللهم إلا أن يريد أنها لا تؤخذ من رأس المال إذا مات فليست كالديون من هذا الوجه فصحيح انتهى. ص: (وهل يصدق قولان) ش: ظاهر كلامه أن الخلاف جار حتى في العام الذي فر فيه. وجعل ابن عرفة محل الخلاف غيره فقال: وعلى المشهور لو لم تكن بينة صدق في عدم زيادتها على ما به فر في عام وفي تصديقه في غيره نقلا الباجي عن سحنون مع اللخمي عن ابن القاسم وابن رشد وابن الحارث والشيخ عنه مع

[ 115 ]

اللخمي عن ابن حبيب والباجي عن ابن الماجشون انتهى. وكذلك ظاهر كلام ابن رشد أن الخلاف فيما عدا الاول. تنبيه: القول بتصديقه هو قول ابن القاسم. قال اللخمي: وهو الاحسن فإن قامت له بينة عمل عليها بلا إشكال. قاله في التوضيح. تنبيه: على القول الاول بأن لا يصدق إذا لم تقم له بينة فيؤخذ بما وجد لجميع السنين والله أعلم. ص: (أو صدق ونقصت) ش: قال في التوضيح: اللخمي: وفي معنى التصديق أن يعد عليه ولا يأخذ ثم قال: ولا فرق على المشهور في النقص بين أن يكون بموت أو بذبح إلا أن يقصد به الفرار. نص عليه ابن المواز ونحوه لابن عبد السلام. قال ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام وعلى تصديقه نقصها بذبح غير فاركموتها لا أعرفه إنما ذكر ابن بشير نقصها بالموت وشبهه بضياع جزء من العين، وإنما سوى محمد بينهما بعد الحول قبل مجئ الساعي انتهى. والشيخ نقله عن ابن المواز، فلعله وقف عليه عنه فتأمله. تنبيهان: الاول: لوعدها ثم هلكت كلها بأمر من الله أو بغصب أو بقي ما لا زكاة فيه. قال ابن يونس: لا شئ على ربها لانها ليست في ضمانه ولا هو أتلفها. قال: وقاله أبو

[ 116 ]

عمران، وقد قيل: ما عده المصدق وجبت زكاته وإن هلكت بأمر من الله ويأخذها مما بقي وليس ذلك بشئ. وقد قال في العين تهلك ويبقى بعضها: إن للمساكين عشر ما بقي لانهم شركاء معه فما ذهب فمنهم وما بقي بينهم، ويدخل هذا القول في الماشية وله وجه، الاول أصوب لانهم ليسوا كالشركاء على الحقيقة لان له أن يعطيهم من غير ذلك المال وليس له ذلك مع الشريك فدل أنه لم يتعين حقها فيه انتهى. وذكر ابن عرفة الثلاثة الاقوال ونصه: وفي كون ما هلك إثر عدها قبل أخذ زكاتها كهلاكه قبله ولزوم ما وجب مما بقي. ثالثها: الساعي شريك فيما بقي كشريكه في الجميع وأبي عمران مع اللخمي والصقلي وتخريجه من تلف بعض نصاب العين بعد حوله قبل التمكن انتهى. وما صوبه ابن يونس جزم به اللخمي وقبله في التوضيح وعبر عنه أبو الحسن الصغير بالمشهور، وقال ابن عبد السلام في مقابله الذي نقله ابن يونس: إنه ضعيف خارج عن أصلي ابن القاسم وابن الجهم، والثالث تخريج من ابن يونس. الثاني: قال ابن عبد السلام: ولو عد نصف الماشية ومنعه من عد باقيها حتى تغير المعدود إلى زيادة أو نقص، فهل يستقر الوجوب فيما عد بعده أو لا يستقر في ذلك ؟ قولان. وذكره ابن عرفة وعزاهما للمتأخرين ونصه: ولو تغير شرطها المعدود بنقص وإنما قبل عد الباقي ففي البقاء على عده الاول قولا المتأخرين انتهى. وقد علمت أن المشهور والاصوب إذا عدها كلها ثم هلكت لم يلزمه زكاتها، فأحرى إذا عد بعضها. وإنما يتأتى الخلاف على مقابل المشهور هذا في النقص ويأتي الكلام في الزيادة. ص: (وفي الزيد تردد) ش: هو اختلاف طرق. قال ابن عرفة: الاكثر على أن العبرة بما وجد وخبر ربها لغو. ذكر ابن بشير طريقين: إحداهما أنه يعمل على ما صدقه. الثانية أن في ذلك قولين: أحدهما العمل على ما صدقه. والثاني العمل على ما وجد. فإن عدها وقبل الاخذ منها زادت فيجري على هذا الاختلاف لان عدده بمنزلة تصديقه كما صرح به اللخمي ونقله عنه في التوضيح. فإذا قلنا العمل على ما صدقه فكذلك يكون العمل على ما عده، وإذا قلنا العمل على ما وجده فكذلك يكون العمل على ما وجده بعد العدد، وعلى الاول يأتي القولان اللذان حكاهما ابن عبد السلام فيما إذا عد البعض ومنعه مانع من إكماله حتى تغير المعدود إلى زيادة، فهل يستقر الوجوب فيما عد بعدده أو لا يستقر ؟ واختصر في مختصر الوقار على أنه إذا عد بعضها ثم زاد ذلك البعض فلا

[ 117 ]

تجب به الزكاة ونصه: ولو كان لرجل تسع وثلاثون وحال عليها الحول ونزل به الساعي وشرع في عدها فوضعت منها شاة وهو يعدها، فإن كانت الشاة التي وضعت مما مضى عليها العد فلا زكاة عليه، وإن كانت مما لم يأت عليه العدد فإنه يزكيها انتهى. فرع: لو عزل من ماشية شيئا للساعي فولدت لم يلزمه دفع أولادها للساعي. قاله سند في كتاب الحج في شرح مسألة عدم جواز إبدال الهدي بخلاف الاضحية قال: ولو عين طعاما تعين ولا يبيعه إلا وهو معتمد عليه إلا أنه يضمنه بمثله، ولا يفسخ البيع لان الزكاة في حكم الديون وحقوق الآدميين فيها تغلب فجاز لمن هي له في يده أن يتصرف فيها بشرط الضمان كما تقول له في تسلف الوديعة وتسلف الوصي من مال يتيمه وسفيهه. ص: (وفي خمسة أوسفأكثر) ش: الظاهر أنه متعلق بقوله أول الباب تجب وقوله عبد هذا نصف العشرة إلى آخره معطوف على قوله أول الباب زكاة نصاب النعم. والمعنى: ويجب في خمس أوسق

[ 118 ]

نصف إلى آخره. والاوسق جمع وسق قال في التنبيهات: بالكسر اسم للشئ‌المقدر، وبالفتح فعل الرجل. ونحوه في الصحاح. وقال ابن فرحون: الوسق بكسر الواو وفتحها. قال في التوضيح: ومبلغه كيلا قال القاضي أبو محمد: خمسون ويبة وهو ثمانية أرادب وثلث أردب. وقال ابن القاسم في المجموعة: هي عشرة أرادب خليل: وكان هذا الاردب أصغر من الاردب المصري وإلا فقد حرر النصاب في سنة سبع وأربعين أو ثمان وأربعين وسبعمائة بمد معبر على مد النبي (ص) فوجد ست أرادب ونصفا ونصف ويبة. ولك أن تقول وثلث أردب وربع أردب بأردب القاهرة ومصر، وذلك بحضرة شيخنا عبد الله المنوفي رحمه الله انتهى. فائدة: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أوائل كتاب البيوع الاردب بكسر الهمزة. قاله في المحكم. وقال عياض في السلم الثاني بالفتح انتهى. وقال في تهذيب الاسماء واللغات: بسكر الهمزة وسكون الراء وفتح الدال المهملة مكيال لاهل مصر انتهى ورأيت بخط بعض أهل اللغة أنه رآه بخط ابن القطاع بالفتح، وظاهر كلام القاموس أن فيه لغة بالضم والله أعلم. وقوله فأكثر يريد إلى أن ما زاد على الخمسة أوسق تتعلق به الزكاة وإن قل كما في العين وقد نبه عليه المصنف أيضا. ص: (وإن بأرض خراجية) ش: قال في المدونة: ومن اكترى أرض خراج أو غيرها فزرعها فزكاة ما أخرجت الارض على المكتري، ولا يضع الخراج الذي على الارض زكاة ما خرج منها على الزراع، كانت له الارض أو لغيره انتهى. قال القرافي: والخراج نوعان: أحدهما ما وضعه عمر رضي الله عنه على أرض العراق لما فتحها عنوة وقسمها بين المسلمين ثم رأى أن ينزلوا عنها لئلا يشتغلوا عنها بالجهاد فتخرب أو تلهي عن الجهاد فنزل عنها بعضهم بعوض، وبعضهم بغير عوض، وضرب الخراج عليها ووقفها على المسلمين. قال سند: هو أجرة عند مالك والشافعي ولذلك منع مالك الشفعة فيها. وقيل: بل باعها من أهل الذمة بثمن مقسط يؤخذ في كل سنة وهو الخراج. وجازت الجهالة فيه لكونه مع كافر للضرورة. والنوع الثاني ما يصالح به الكفار على أرضهم فتكون كالجزية تسقط بإسلامهم

[ 119 ]

بخلاف الاول انتهى. وكذلك الحكم في أرض العنوة كلها أنها توقف على المسلمين وتترك بيد أهلها ليعملوا فيها، فإذا أسلموا لم يسقط الخراج لانه أجرة والارض للمسلمين. وقوله في المدونة: كانت الارض له قيل: كيف يصح أن تكون الارض له وعليها الخراج ؟ فيجاب بأنها من أرض العنوة. قال عبد الحق: أو وضعها السلطان عليها ظلما أو اشتراها مسلم من صلحي وتحمل عنه الخراج بعد عقد البيع والله أعلم. فروع: الاول: لو باع المسلم أرضا لاخراج عليها الذمي فلا خراج على الذمي ولا عشر عند مالك والشافعي خلافا لابي حنيفة. قال: لئلا تخلو الارض عن العشر والخراج، وقال أبو يوسف: عليه عشران. ومنع محمد بن الحسن صحة البيع لافضائه إلى الخلو. لنا أن البيع سببا لخراج في غير صورة النزاع فلا يكون سببا فيها بالقياس يبطل قولهم ببيع الماشية من الذمي. قاله في الذخيرة ناقلا له عن سند. الثاني: من منح أرضه صبيا أو ذميا أو عبدا أو كراها فلا زكاة إلا على الصبي لقيام المانع فيما عداه خلافا لابي حنيفة في العبد والذمي انتهى. الثالث: من المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك: ولا زكاة فيما يؤخذ من الجبال من كروم وزيتون وثمر ما لا مالك له، وأما ما أخذ من ذلك في أرض العدو ففيه الخمس إن جعله في المغانم انتهى. ص: (ألف وستمائة رطل) ش: قال النووي: الرطل بكسر الراء وفتحها. ص: (مائة وثمانية وعشرون درهما) ش: هذا أحد الاقوال. وقيل: مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم. وصححه النووي. ونقل ابن فرحون عن الثعلبي أنه صححه أيضا، وقيل مائة وثلاثون درهما. وقوله درهما بكسر الدال وفتح الهاء وكسرها شاذ. ص: (كل خمسون وخمسا حبة) ش: هذا هو الصحيح المعتمد خلاف ما ذكر ابن شاس وتبعه القرافي وابن الحاجب أن الدينار وزنه اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة، والدراهم سبعة وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة، لان الدرهم سبعة أعشار الدينار. قال ابن عبد السلام: ونقله ابن شاس من كلام عبد الحق الازدي على خلل في نقل ابن شاس أظنه في نسخته، ونقله عبد الحق المذكور من كلام ابن حزم. وقد انفرد فيه بشئ شذ فيه على عادته بل خالف الاجما على ما نقله ابن القطان وغيره. وكون وزن الدرهم سبعة أعشار الدينار وهو المثقال الذي ذكره متفق عليه، وأما أن وزن الدينار ما ذكره فهو الذي خالف فيه الناس انتهى. وقال ابن عرفة: وقول القرافي قول ابن حزم وزن الدرهم الشرعي سبعة وخمسون حبة وستة أعشار

[ 120 ]

وعشر العشر، ووزن الدينار اثنان وثمانون حبة خلاف الاجماع صواب واتباعه عبد الحق يعني الازدي صاحب الاحكم وابن شاس وابن الحاجب وهم انتهى. تنبيه: قال في التوضيح: والمعتبر في النصاب معيار الشرع في ذلك الشئ من كيل كالقمح أو وزن كالعنب وإن لم يكن للشرع معيار فبعادة محله انتهى. ص: (من مطلق الشعير) ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ولا يعتبر ذلك بحب القمح لانه أخف عند التفصيل وإن كان أثقل عند التحميل لتداخله. وأفادني الاخ في الله المحقق أو عبد الله بن غازي كان الله له، أن وزن الدينار الشرعي بحب القمح ست وتسعون حبة ولا أدري من أين نقله إلا أنه رجل محقق انتهى. ص: (من حب وتمر) ش: اعلم أن الاجناس التي تتعلق بها الزكاة ثلاثة كما ذكره ابن عرفة: الاول حب لا زيت له، والثاني حب له زيت، والثالث ثمر الشجر. فأشار المؤلف في الاولين بقوله من حب وممن صرح بأن الزيتون يطلق عليه أنه حب ابن يونس في أول كتاب الحبوب. وأشار إلى الثالث بقوله تمر وهو بالمثناة في أكثر النسخ، وأدرج الزبيب فيه لانهما متفق عليهما، ولا زكاة في غيرهما من الثمار. وأطلق في الحب وشرطه كما قال في الشامل: أن يكون مقتاتا مدخرا للعيش غالبا. قال: فتجب في القمح والشعير والتمر اتفاقا والزبيب كالتمر، وفي السلت والعلس والزيتون والجلجلان على المشهور في القطاني

[ 121 ]

كالفول والحمص والعدس والجلبان والبسيلة واللوبيا والترمس على المنصوص، وفي الارز والدخن والذرة وليست من القطاني على المشهور، ولا يحب في كرسنة وقال أشهب: من القطاني ولا في قصب وبقول ولا في فاكهة كرمان وتبين على الاشهر. وفي حب الفجل والعصفر والكتان. ثالثها إن كثر وجبت، ورابعها إلا في الاخير وهي رواية ابن القاسم. انتهى. وهو المشهور. قال في النوادر: ومن العتبية قال أشهب عن مالك في الكرسنة أنها من القطنية. وقال ابن حبيب عن مالك: بل هو صنف على حدته. وقال مالك: وليس في الفواكه كلها رطبها ويابسها زكاة ولا في الخضر زكاة انتهى. قال في البيان: لا خلاف في الترمس أنه من القطاني انتهى. وفي الرسالة: ولا زكاة في الفواكه والخضر. وقال في النوادر: ومن العتبية والمجموعة ابن وهب عن مالك: أن في الترمس الزكاة وليس في الحلبة زكاة ولا في العصفر ولا في الزعفران ولا في العسل ولا في الخل. قال عنه ابن نافع: ولا في شئ من التوابل ولا في الفستق وشبهه ولا في القطن ولا زكاة في يابس الفواكه ولا في قصب السكر انتهى. وفي الجلاب: ولا زكاة في الحلبة ولا وفي شئ من الفواكه كلها رطبها ويابسها ولا في البقول ولا في القطن ولافي القصب ولا الخشب والكولان والاسل وما أشبه ذلك، ولا في العسل وقصب السكر والتين والرمان والجوز واللوز وما أشبه ذلك انتهى. وقال في الذخيرة: لا زكاة في التوابل. وفي كتاب الزكاة الاول من المدونة: ولا زكاة في التوابل وذكروا في باب البيع أنها الفلفل والكزبرة والانيسون والشمار والكمون والحبة السوداء والكراويا ونحو ذلك. فقول البساطي وأما الابازير فلم أر فيما عندنا من الكتب من تعرض لها ويأتي ما في كتاب الربا أنها تزكى يقتضي إنه لم يقف على ما تقدم عن المدونة والنوادر والذخيرة والله أعلم. تنبيه: ما حكاه في الشامل عن أشهب في الكرسنة عليه مشى المصنف في البيوع والله

[ 122 ]

أعلم. (نصف عشره كزيت ماله زيت وثمن غير ذي الزيت وما لا يجف وفول أخضر) ش: هذا بيان للقدر المخرج وصفته وذكر أنه نصف العشر من التمر والزبيب اللذين يجففان والحب الذي لا زيت لجنسه، وأما الذي لجنسه زيت كالزيتون فيخرج من زيته إن كان في بلاده له منها زيت، وإن كان في بلد لا زيت له فيها فيخرج من ثمنه. وكذلك ما لا يجف كرطب مصر وعنبها والفول الذي يباع أخضر. ابن الحاجب: والوسق بالزيتون اتفاقا. قال في التوضيح: ولا يشترط في الزيت بلوغه نصابا، وكذلك ما لا يجف تجب الزكاة في ثمنه إذا كان فيه على تقدير الجفاف خمسة أوسق قل الثمن أو كثر. قال في المدون: ولو كان عنبا لا يزبب وبلحا لا يتمر فليخرج على أنه لو كان فيه ممكنا، فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من ثمنه كان أقل من عشرين دينارا أو أكثر، فإن لم يبلغ خرصه خمسة أوسق فلا شئ فيه وإن كثر ثمنه وهو فائدة. ثم قال في الزيتون: فإن كان لا زيت له كزيتون مصر فمن ثمنه على ما فسرنا في النخل والكرم انتهى. وانظر رسم الزكاة من سماع أشهب فيما لا يتزتبب ولا يتتمر.

[ 123 ]

فرع: قال ابن الحاجب: فلو باع زيتونا له لا زيت له فمن ثمنه، وما لا زيت مثل ما لزمه زيتكما لو باع ثمرا أو حبا يبس. قال الشيخ: هذا ظاهر. ثم قال: وإذا أراد أن يخرج الزيت سأل المشتري عما خرج منه إن كان يوثق به، وإلا سأل أهل المعرفة. ابن راشد: وما ذكره المصنف هو قول ابن القاسم وحكى القاضي أبو محمد قولا بأنه يخرج من ثمنه انتهى. وقال في المدونة: ومن باع زيتونا له بزيت أو رطبا بتمر أو عنبا بزبيب فليأت بمثل ما لزمه زيتا أو تمرا أو زبيبا من عشر أو نصف عشر انتهى. وقال في موضع بعد هذا. فإن كان قوم لا يعصرون الجلجلان وإنما يبيعونه حباللزيت فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفا انتهى. قال ابن ناجي: وأشار بعض الاندلسيين إلى معارضة قولها بقولها. وقال عياض: وقد يفرق بينهما بأن الجلجلان لا يخرج منه زيت إلا ببلاد يعصر فيها انتهى. ص: (إن سقي بآلة وإلا فالعشر)

[ 124 ]

ش: تصوره ظاهر: مسألة: من له زرع يسقيه بآلة فجهل وأخرج منه الشعر وله زرع آخر، فهل يحتسب بما زاد في الاولى جهلا من زكاة الثانية ؟ فقال البرزلي: سئل عنها الصائغ فقال: لا يجتزأ بالاول ويخرج عن الآخر القدر الواجب فيه. قال البرزلي: إن وجد ذلك في أيدي الفقراء أخذه كما إذا دفع الكفارة أو الزكاة لمن لا يستحقها من عبد أو وصي، وإن فاتت فلا يسترجع كما تقدم. وكمسألة من عوض من صدقة ظنا أن ذلك يلزمه وفي هذا الاصل خلاف انتهى. وهذه المسألة من فروع النية. ص: (السيح) ش: بالسين المهملة السيل والعيون والانهار وسقي السماء المطر قال ابن حبيب: والبعل ما يشرب بعروقه من غير سقي سماء ولا غيرها. والسيح ما يشرب بالعيون، والعثرى ما تسقيه السماء، والغرب بسكون الراء الدلو الكبير، والدالية أن تمضي الدابة فيرتفع الدلو فيفرغ ثم يرجع فينزل، والسانية البعير الذي يسنى عليه أن يسقى. قاله الخطابي: والنضح السقي بالجمل ويسمى الجمل الذي يجره ناضحا ومثله الدواليب والنواعير. قال ابن أبي زمنين: وما يسقي باليد بالدلو فهو بمنزلة ما يسقى بالسواني والرزانق. انتهى بالمعنى من ابن يونس والذخيرة والتنبيهات. ص: (وإن سقي بهما فعلى حكمهما وهل يغلب الاكثر خلاف) ش: يعني أن الزرع إذا سقى بعضه بالسيح وشبهه وبعضه بالسواني ونحوها فإن الزكاة على قدرهما أي تقسم على زمنيهما كما صرح به ابن عرفة. وهل هذا الحكم مطلقا أو هذا مع التساوي ؟ وأما في غير التساوي فيغلب الاكثر قولان مشهوران:

[ 125 ]

أحدهما شهره ابن شاس، والثاني شهره صاحب المختصر الارشاد. كذا نقل في التوضيح، ولعله سقطمن نسخة الشارح بهرام من التوضيح فشهر الثاني فاعترض على المصنف والله أعلم ص: (وتضم القطاني) ش: قال في المدونة: وتجمع القطاني كلها في الزكاة كصنف واحد ولا تجمع مع غيرها، فمن رفع من جميعها خمسة أوسق فليخرج من كل صنف بقدره. زاد ابن يونس في نقله في تفسير القطاني الفول والحمص والعدل والجلبان واللوبيا وما يثبت معرفته عند الناس من القطاني ص: (كقمح وشعير وسلت) ش: قال في المدونة: فمن رفع من جميعها خمسة أوسق فليترك ويخرج من كل صنف بقدره انتهى. وكذلك الثمور والاعناب وأنواع الزيتون وكل منها جنس لا يضم للآخر، فالسلت بضم أوله وسكون ثانيه. ص: (وإن ببلدان) ش: انظر رسم الزكاة من سماع أشهب. ص: (إن زرع أحدهما قبل حصاد الآخر) ش: مشى المصنف على هذا القول وهو قول ابن مسلمة وإن كان مخالفا لما روي عن مالك في كتاب ابن سحنون من أن المعتبر اجتماعهما في فصل من فصول السنة لاقتصار ابن رشد في المقدمات عليه وتصدير اللخمي به. وظاهر كلامهم أن ذلك معتبر ولو كان الزرع الثاني قرب حصاد الاول لقول اللخمي إثره: وأرى إن كانت زراعة الثاني عندما قرب حصاد الاول أن لا يضاف، لان الاول في معنى المحصود، وإن يبس ولم يبق إلا حصاده كان ذلك أبين انتهى. فرع: قال في النوادر في ترجمة من عجل إخراج زكاته أو أخرها قال مالك: ومن أخذت منه زكاة زرعه قبل حصاده وهو قائم في سنبله فهو يجزيه ولا أحب أن يتطوع بها من قبل نفسه انتهى. ص: (فيضم الوسط لهما) ش: يعني فإذا كان المعتبر في الضم إنما هو زراعة

[ 126 ]

الثاني قبل حصاد الاول فإذا كان الزرع في ثلاث أزمنة فإن زرع الثالث قبل حصاد الاول والثاني ضم الثلاثة بعضها إلى بعض، وإن زرع الثاني قبل حصاد الاول والثالث بعد حصاد الاول وقبل حصاد الثاني ضم الوسط إلى كل واحد من الطرفين على انفراده، فإن حصل من ضمه إليه نصاب زكي وإلا فلا. فإن حصل من الاول وسقين ومن الثاني ثلاثة فإنه يضمها ويزكيها، فإن حصل من الثالث وسقان زكاه أيضا لانه إذا ضم إلى الوسط حصل منهما نصاب فيزكي الثالث والوسط قدرزكاه مع الثاني. ولو كان كل واحد من الثلاثة وسقين لم تجب الزكاة في الجميع، ولو كان الاول ثلاثة والثاني وسقين والثالث وسقين وجبت في الاول والثاني لا في الثالث، ولو كان الاول وسقين والثاني وسقين والثالث ثلاثة وجبت في الثاني والثالث لا في الاول. وخرج ابن بشير قولا من القول المشهور أن خليط الخليط كالخليط أنه في هذه الصورة يزكى الجميع لان الوسط خليط لكل منهما والله أعلم.

[ 127 ]

تنبيهات: الاول: قال الشارح: انظر كيف اقتصر على هذا القول المخالف لمذهب المدونة وفي خليط الخليط ولم يصرح أحد بأنه المشهور ولا الاصح ولا غير ذلك انتهى. وما عزاه للمدونة ليس فيها لانه يتكلم على خليط الخليط وإنما أخذ منها. وإنما مشى الشيخ على ما ذكره لانه الذي اقتصر عليه ابن رشد وصدر به اللخمي ولم يذكراه على أنه تخريج بل جزما به. وما ذكر ابن بشير إنما هو تخريج منه. انظر هل سلم له أم لا ؟ وإن سلم فلا يعتمد عليه لانه تخريج ليس بقول فتأمله والله أعلم. الثاني: قال ابن رشد: إذا حصل من الاول وسقين ومن الثاني ثلاثة وقلنا إنه يضم، فإنه ينظر إلى ما حصل من الاول، هل هو باق أو أنفقه ؟ فإن كان باقيا زكى الجميع وإن كان أنفقه لم يزك على مذهب ابن القاسم في الفائدتين يحول حول الاولى منهما وهي عشرة دنانير فينفقها ثم يحول حول الثانية وهي عشرة، أنه لا يزكيها، وعلى مذهبه أنه يزكي العشرين يزكيهما. وكذلك إذا حصل من الثلث وسقين وقلنا إنه يضم للوسط فلا تجب فيه زكاة على مذهب ابن القاسم لان الوسط نقص بعد إخراج الزكاة منه عن الثلاثة أوسق فلم يبق فيه ما إذا ضم للثاني حصل منه نصاب فتأمله والله أعلم. الثالث: لو زرع الثاني قبل حصاد الاول ثم زرع الثالث بعد حصاد الثاني وقبل حصاد الاول إذا من القطاني ما يتعجل ومنها ما يتأخر لضم الاول للثاني وللثالث كل واحد على انفراده، ولا يضم الثاني إلى الثالث ويكون الاول بمنزلة الوسط والثاني والثالث كالطرفين. قاله في المقدمات ونقله ابن عرفة. فرع: قال في الجواهر: ولا يضم حمل نخلة إلى حملها في العام الثاني، ونقله في الذخيرة. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: قال في الطراز: إذا كانت الكروم والزيتون تطعم بطونا متلاحقة ضم بعضها إلى بعض إذا كانت البطون في الصيف أو في الشتاء، وأما إن كان بعضها في الشتاء وبعضها في الصيف لم يضم انتهى. ص: (والسمسم وبزر الفجل

[ 128 ]

والقرطم كالزيتون لا الكتان) ش: ليس فيه تكرار مع ما تقدم لان قوله من حب بيان لما فيه الزكاة من الحبوب ودخل تحته الزيتون كما تقدم. وقوله كزيت ماله زيت بين فيه صفة المخرج فقط وهنا تكلم على حكم الذي له زيت غير الزيتون فقال: إن السمسم وبزر الفجل يعني الاحمر والقرطم حكمها كالزيتون لا الكتان فإنه لا زكاة فيه. وكلام الشارح بهرام خصوصا في الشرح الصغير قريب من هذا الكلام. والمعنى أن هذه الاشياء كالزيتون في أنه إذا بلغ كيل حب كل واحد خمسة أوسق، أخرج من زيته العشر أو نصفه قل الزيت أو كثر، ولا يريد أنها كالجنس الواحد فتضم. قال ابن عرفة اللخمي: الزيتون أجناس انتهى.. وقال الرجراجي: وأما الحبوب التي يراد منها الزيت: فإنه أصناف مختلفة ولا يضم بعضها إلى بعض كالزيتون والسمسم وغيرهما انتهى. وقال الجزولي قال اللخمي: لا تجب الزكاة في الجلجلان في المغرب لانه إنما يتخذونه للتداوي، والصحيح أنه تجب فيه الزكاة في كل بلد انتهى. وقال في المدونة: وفي حب الفجل الزكاة إذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته وكذلك الجلجلان. قاله ابن ناجي: ولفظه الكتان تقتضي أنه إذا لم يكن في حب الفجل زيت أنه لا يزكى وهو كذلك. صرح به أبو سعيد ابن أخي هشام ذكره عبد الحق في النكت المغربي: إنما جعله لا شئ عليه ولم يجعله كزيتون لا زيت فيه لانه إذا لم يكن فيه زيت لم يؤكل انتهى. ويعني بالمغربي أبا الحسن الصغير والله أعلم. فيقيد كلام الشيخ بمثل ما قيد فيه كلام المدونة والله أعلم. والسمسم بكسر السينين المهملتين، والبزر بكسر الموحدة وفتحها والاول أفصح. والفجل قال في القاموس: هو بضم الفاء وسكون الجيم وبضمها، والقرطم قال في الصحاح: هو بكسر القاف وضمها وضبطه بعضهم بضم القاف وكسرها مع تشديد الميم وتخفيفها ففيه أربع

[ 129 ]

لغات، والكتان بفتح الكاف قاله في الصحاح. ص: (وحسب قشر الارز والعلس) ش: أي في جملة النصاب ولا يزاد في النصاب لاجله، ونحو هذا للشارفي الشرح الكبير خلاف قوله في الوسط والصغير يحبسان ليسقطان فاعترض عليه. والعلس بفتح أوله وثانيه. ص: (وما تصدق به واستأجر قتا) ش: أي ويحسب أيضا ما تصدق به فما أكله أو علفه دوابه أولى، وكذا ما استأجر به من القت وهو جمع قتة وهي الحزم التي تعمل عند حصاد الزرع. قال في المدونة: ويحسب على رب الحائط ما أكل أو علف أو تصدق به بعد طيبه. ابن يونس قال مالك: ويحسب على الرجل كل ما أهدى أو علف أو تصدق به أو وهبه من زرعه بعد ما أفرك إلا الشئ التافه اليسير، ولا يحسب ما كان من ذلك قبل أن يفرك. قال ابن القاسم: وأما ما أكلت الدواب بأفواهها عند الدرس فلا يحسب انتهى. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة بعد طيبه مفهومه لو كان قبل طيبه فلا يحسب وهو صحيح انتهى. واعلم أن ما أكل من الثمار قبل طيبها كالبلح ومن الزرع قبل أن يفرك. قال ابن رشد: لا اختلاف أنه لا يحسب لان الزكاة لم تجب بعد قال: واختلف فيما إذا أكل من ذلك كله أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالازهاء في الثمار وإلا فراك في الحب على ثلاثة أقوال: أحدها قول مالك أنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله ويخرج زكاته. والثاني ليس عليه ذلك وهو قول الليث والشافعي. والثالث يجب ذلك في الحبوب لا في الثمار. وقد روي عن مالك مثله. قاله في سماع يحيى من زكاة الثمار: وقال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم: وأما ما أكل بعد يبسه أو علفه فلا اختلاف في أنه يجب عليه أن يحصيه وكذا ما تصدق به عند مالك. تنبيهات: الاول: تقدم في كلام ابن يونس استثناء الشئ التافه اليسير أنه لا يحتسب. وكذا قال ابن رشد قال الشيخ أبو الحسن: وهو تفسير المدونة. الثاني: قال أبو الحسن: قوله يحسب ما تصدق به. قالوا: معناه إلا أن ينوي به الزكاة فيجزيه، وقال في الرسم المذكور من البيان: ولا يجوز له أن يحسبه من زكاته إذا نوى به صدقة التطوع، وكذلك لو أعطى ولا نية له في تطوع ولا زكاة انتهى. وهو ظاهر إذا كان يعلم كيله وإلا فيقتصر منه على القدر المحقق.

[ 130 ]

الثالث: يحسب عليه جميع ما استأجر به في حصاده ودراسه وجداده ولقط الزيتون فإنه يحسب ويزكى عليه سواء كان كيلا معينا أو جزءا كالثلث والربع ونحوه. قال في العتبية: ونقله ابن يونس وغيره. قال أبو الحسن: وأما ما لقطه اللقاط فلا يزكى عنه إذا كان ربه قد تركه على أن لا يعود إليه. وأما اللقاط الذي مع الحصاد فإنه يزكى عما لقطه اللقاط لان ما أخذه في معنى الاجارة انتهى. ص: (لا أكل دابة في درسها) ش: ابن رشد: لانه أمر غالب بمنزلة ما أكلته الوحوش أو ذهب بأمر من السماء. انتهى من الرسم المذكور. ص: (والوجوب بإفراك الحب أو طيب الثمر) ش: يعني أن وجوب الزكاة يتعلق بالحبوب بالافراك وفي الثمر والزبيب بطيبها وهذا هو المشهور. قال ابن عبد السلام: اختلف المذهب في الوصف الذي تجب به الزكاة في الثمار والزروع على ثلاثة أقوال: أحدها وهو المشهور أنه الطيب وطيب كل نوع معلوم فيه. والثاني أنه الجذاذ فيما يجذ من الثمرة والحصاد فيما يحصد. والثالث أنه الخرص انتهى. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ويجب بالطيب والازهاء والافراك. وقيل: بالحصاد والجذاذ معا. وقيل: بالخرص فيما يخرص الطيب عام في جميع الثمرة، والازهاء خاص بالثمر وهو طيب أيضا فهو من عطف الخاص على العام. والافراك في الحب خاصة. وحاصل كلامه أن في الحبوب قولين، وفي الثمار ثلاثة. الاول قول مالك: قال: إذا زهت النخل وطاب الكرم وأسود الزيتون أو قارب وأفرك الزرع واستغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة. والقول الثاني أنها لا تجب في الزرع إلا بالحصاد، ولا يجب في الثمر إلا بالجذاذ، ونسبه اللخمي وابن هارون وابن عبد السلام لابن مسلمة. والقول الثالث خاص بالثمرة وأنها لا تجب إلا بالخرص وهو للمغيرة، ورأى الخارص كالساعي. وترتيب هذه الاشياء في الوجود هو أن الطيب أولا ثم الخرص ثم الجذاذ وأن الافراك أولا ثم الحصاد انتهى. وقال ابن عر فة: ومتجب به. اللخمي وابن رشد: المشهور الطيب مبيح البيع. المغيرة: الخرص. ابن مسلمة: الجذ والحصد. انتهى.

[ 131 ]

تنبيهات: الاول: قوله إن الزكاة تجب في الحب بالافراك يخالف قوله إن الزكاة تجب بالطيب المبيح للبيع لان الطيب المبيح للبيع هو اليبس. وقد وقع هذا الاختلاف في كلام ابن رشد فقال في أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الحبوب: إذا أفرك الزرع واستغنى عن المساء فقد وجبت فيه الزكاة على صاحبه، وكذلك الثمرة إذا أزهت. وقال بعد ذلك في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى: أما ما أكل من حائطه بلحا أو من زرعه قبل أن يفرك فلا اختلاف في أنه لا يحسبه لان الزكاة لم تجب عليه بعد إذ لا تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك ولا في الحائط حتى يزهي: واختلف فيما أكل من ذلك أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالازهاء في الثمار أو بالافراك في الحبوب على ثلاثة أقوال: أحدها قول مالك أنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله ويخرج زكاته. والثاني أنه لا تجب عليه زكاته وهو قول الليث ومذهب الشافعي لقوله تعالى * (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) * والثالث تجب عليه في الحبوب ولا تجب عليه في الثمار لقول رسول الله (ص) إذا خرصتم فخذوا واودعوا فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع (1) وهو قول ابن حبيب أن الخارص يترك لاهل الحوائط قدر ما يأكلون ويعطون. وقد روي مثل ذلك عن مالك. وهذا إنما يصح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا بالجذاذ وهو قول محمد بن مسلمة. وفائدة الخرص على هذا مخافة أن يكتم منها شيئا بعد اليبس أو الجذاذ، فإن خشي مثل ذلك في الزرع فقال ابن عبد الحكم، يوكل الامام من يتحفظ بذلك. وقيل: إنه يخرص إن وجد من يحسن خرصه وهو أحسن. والمغيرة يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص. ففي حد وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال: المشهور في المذهب أنها تجب بالطيب. والثاني تجب بالجذاذ. والثالث تجب بالخرص. فإن مات صاحب الثمرة قبل أن يخرص خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة انتهى. وقال بعد ذلك: وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس فلا اختلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز ابتداء، وإنما يختلف الحكم فيه إذا وقع، فقيل: إن العقد فيه فوت. وقيل: القبض. وقيل: لا يفوت بالقبض حتى يفوت بعده. وقال في الرواية في سماع يحيى: إن علم به قبل أن ييبس فسخ، وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس مضى. واختلف العلماء في وقت بيع الزرع فقال بعضهم: إذا أفرك. وقال بعضهم: حتى ييبس. قال ابن القاسم: فأنا أجيز البيع إذا فات باليبس لما جاء فيه من الاختلاف وأرده، إذا علم به قبل اليبس. قال ابن رشد: فهذه أربعة أقوال. وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس أو كان ذلك العرف: وأما إن لم يشترط تركه ولا كان العرف فيه ذلك فالبيع فيه جائز، وإن تركه

[ 132 ]

مشتريه حتى ييبس انتهى. وقال المصنف في فصل الجوائح: ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه انتهى. وقال في الشامل لما ذكر به: والصلاح في الثمار وفي الحنطة ونحوها والقطاني يبسها، فإن بيعت قبله وبعد الافراك على السكت كره ومضى بالقبض على المتأول، وقيل يفسخ. وقيل يفوت باليبس، وقيل بالعقد انتهى. فعلى هذا فيقال: المراد بالافراك إن ييبس الحب ويستغنى عن الماء. قال اللخمي: الزكاة تجب عند مالك بالطيب فإذا أزهى النخل وطاب الكرم وحل بيعه أو أفرك الزرع واستغنى عن الماء وأسود الزيتون أو قارب الاسوداد وجبت الزكاة فيه. وقا المغيرة: تجب بالخرص. وقال ابن مسلمة: تجب بالجذاذ انتهى. ويمكن أن يقال: يكفي الافراك لان البيع إذا وقع بعد الافراك لا يفسخ على الراجح فتأمله. الثاني الحصاد بفتح الحاء وكسرها وقد قرئ بهما، والكسر لغة الحجازيين، والفتح لغو نجد. والجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة على ما ذكره صاحب الصحاح والقاموس، وذكر صاحب المحكم أنه يقال بالذال المعجمة والله أعلم. الثالث: قال ابن عبد السلام: القول الثاني أقرب إلى نص التنزيل لقوله تعالى * (وأتوا حقه يوم حصاده) * إن حملت الآية على الزكاة وقد تقدمت الاشارة إلى أن المفسرين اختلفوا في ذلك انتهى. يشير إلى ما قدمه في أول الكلام على زكاة الحبوب وأنه اختلف في تفسير الحق، هل هو الزكاة أو هو أمر زائد عليها أو أمر آخر نسخ بها ؟ انتهى. الرابع: لو أخرج زكاة الزرع بعد الطيب وقيل الجذاذ أجزأت على المشهور، وعلى قول ابن مسلمة لا تجزئ كما صرح بذلك في النوادر ونقله اللخمي وابن يونس. ص: (فلا شئ على وارث قبلهما لم يصر له نصاب) ش: وكذلك إذا عتق العبد قبلهما أو أسلم الكافر أو وهب الزرع أو بعضه أو تصدق به على معين أو استحق النصف كما في الطلاق، أو انتزع السيد مال عبده فتجب الزكاة، وإذا وقع شئ من ذلك بعدهما لم يتغير الحكم عما كان عليه. وكذلك أيضا لو أخرج زكاة الزرع حينئذ فعلى المشهور يجزئ، وعلى قول ابن مسلمة لا يجزئ، وقد صرح بذلك في النوادر مما نقله عنه ابن يونس وغيره. وفي البيان: لو أخذت منه زكاة زرع لم يبد صلاحه. وقد روى زياد وابن نافع عن مالك أن من أخذت منه زكاة

[ 133 ]

زرعه والزرع قائم في سنبله فإن ذلك يجزيه إذا لم يتطوع بها من نفسه، ومعنى ذلك إذا أخذت منه في الموضع المختلف فيه بعد أن أفرك وقبل يبسه. انتهى من أول زكاة الماشية. وإنه إنما قال في الزرع يجزئه إذا لم يتطوع بها لانه لا يعرف كيل الحب قبل حصده ومراعاة لقول محمد بن مسلمة وإلا فقد تقدم أن ما تصدق به بعد وقت الوجوب يحسبه إلا إذا نواه من الزكاة فإنه يجزئه. وأيضا لما نقل ابن يونس والشيخ أبو الحسن عن ابن مسلمة إذا أخرجها بعد الخرص وقبل الجداد لم يجزئه. قال: لانه أخرجها قبل وجوبها فمقتضاه أو صريحه أنها تجزي على القول بأنها واجبة. فرع: علم من هذا ومن كلام النوادر المتقدم أنه لا يجب أن يخرج من عين الزرع. قال ابن جماعة في فرض العين: ويجوز أن يعطي الزكاة إذا وجبت من عينها أو من غيرها إذا دفع مثلها أو أجود، ولا يجوز أن يدفع أدنى مما عليه انتهى. وسيأتي عند قول المصنف إن قدم معشر زكاة شئ من هذا. تنبيهان: الاول: قال عبد الحق عن بعض شيوخه: من مات قبل الازهاء وعليه دين يغترق ذمته وقام الغرماء بعد طيب الثمر، يلزم أن يزكي عن الميت لانه باق على ذمته لا ميراث لورثته فيه لاجل الدين. قال أبو الحسن: فقف على هذه النكتة فلم يذكرها غيره. ونقلها القرافي عنه أيضا ونقله في الشامل. الثاني: إذا حصل للوارث أقل من نصاب وكان له زرع آخر إذا ضمه لهذا كان في المجموع نصاب فإنه يضمه كما صرح به أبو الحسن وغيره. فرع: إذا وهب الزرع بعد وجوب الزكاة فيه قال ابن رشد: ففي كون الزكاة على الواهب أو من الزرع أو بعد يمين الواهب ما وهب ليزكيها من ماله. رواية أشهب وقول ابن نافع. وروي إن تصدق بزرع يبس على فقير فعشره زكاة وباقيه صدقة. انتهى من ابن عرفة. ص: (والزكاة على البائع بعدهما) ش: ويجوز أن يشترطها على المشتري إذا كان ثقة لا يتهم في إخراجها وعلم أن فيه الزكاة بأمر لا يشك فيه إلا أن يشترط البائع ذلك الجزء، فإن

[ 134 ]

وجبت الزكاة كان للمساكين، وإن لم تجب كان له، وعلم أيضا هل هو العشر أو نصفه. ذكر ذلك اللخمي وغيره. قال في البيان: وله أيؤمن المبتاع في مبلغ ما وقع فيه إن كان مأمونا، وإن لم يكن مأمونا أو كان ذميا فعليه أن يتوخى قدره ويزيد ليسلم. ص: (إلا أن يعدم فعلى المشتري) ش: ويرجع على البائع بما ينوب ذلك من الثمن. ابن رشد: ويرجع عليه بما ينوبه أيضا من النفقة التي أنفقها في عمله وهذا ظاهر والله أعلم. ص: (وإنما يخرص الثمر والعنب) ش: ابن عرفة: وفي خرص الزيتون ثالثها إن احتيج لاكله أو لم يؤمن أهله عليه لرواية أبي عمر والمشهور وابن زرقون عن ابن الماجشون زاد اللخمي عنه وسائر الثمار. ابن بشير: إن احتيج لاكل غير الثمر والعنب في خرصه قولان: ابن عبد الحكم: إن خيف على الزرع خيانة

[ 135 ]

ربه جعل عليه حافظ. ابن رشد: وفي وجوب إحصاء ما أكل اخضر بعد وجوب الزكاة ثالثها في الحبوب لا الثمار لمالك والليث وابن حبيب. الشيخ عن ابن عبدوس: لا يحسب ما أكله بلحا بخلاف الفريك والفول الاخصر. وشبهه. مالك: من قطنية خضراء أو باع خرصه يابسا نصابا زكاه بحب يابس. وروى محمد: أو من ثمنه. أشهب: من ثمنه انتهى. وفي الذخيرة: وإذا احتيج إلى أكل ما قلنا إنه لا يخرص قبل كماله يعني العنب والرطب فقط ففي خرصه قولان مبنيان على علة الخرص، هي حاجة الاكل أو أن الثمر والعنب يتميز للبصر بخلاف غيرهما. ثم قال: قال سند: فإن كان الموضع لا يأتيه الخارص واحتيج إلى التصرف دعا أهل المعرفة وعمل على قولهم، فإن لم يجدهم وكان يبيع رطبا وعنبا في السوق ولا يعرف الخرص قال مالك: يؤدي منه يريد إذا علم أن فيه نصابا أو جهل ما زاد فإن علم جملة ما باع ذكره لاهل المعرفة فحزروه بما يكون من مثله تمرا أو زبيبا، فإن لم يتحقق النصاب لم يجب عليه شئ انتهى. فرع: قال في أسئلة ابن رشد: وأما الزرع فلا يجوز خرصه على الرجل المأمون، واختلف إن لم يكن مأمونا على قولين أصحهما عندي جوازه إذا وجد من يحسنه انتهى. ص: (نخلة نخلة) ش: قال في الذخيرة قال سند: وصفة الخرص قال مالك: يخرص نخلة نخلة ما فيها رطبا فإن كان الحائط جنسا واحدا لا يختلف في الجفاف جمع جملة النخلات وحرزكم ينقص حتى يتمر، وإن كان مختلف المائية واللحم حزر كل واحد على حدته، وكذلك العنب ويكون الخارص عدلا عارا انتهى. ص: (وإلا فمن كل جزء) ش: قال في

[ 136 ]

الذخيرة: من اسم عددهم كثلث من ثلاثة انتهى. ص: (وإن أصابته جائحة اعتبرت) ش: قال اللخمي: فإن سرقت الثمار بعد الخرص أو أجيحت لم يكن عليه شئ، وإن أجيح بعضها زكى عن الباقي إن كان خمسة أوسق فأكثر، فإن كان أقل لم يكن عليه شئ انتهى. فإن بلغت الجائحة الثلث حين يرجع عليه المشتري فلا زكاة عليه، وإن لم تبلغ الثلث ولم يرجع عليه بشئ فعليه الزكاة انتهى. ولو باع الثمرة وتعلقت دلزكاة بذمته ثم أصابتها جائحة نقصتها عن خمسة أوسق، فإن بلغت الجائحة الثلث حين يرجع عليه المشتري فلا زكاة عليه، وإن لم تبلغ الثلث ولم يرجع عليه بشئ فعليه الزكاة. قاله في سماع يحيى. ص: (وإن زادت على تخريص عارف فالاحب الاخراج) ش: فإن نقصت فجزم في الجلاب بأن الزكاة لا تنقص، وظاهر كلام الجواهر أن في ذلك خلافا. وقال ابن جماعة في فرض العين: فإن وجد أكثر أخرج الزائد، فإن وجد أقل منه لزمه الاكثر في ظاهر الحكم ولا شئ عليه فيما بينه وبين الله تعالى انتهى. وهو ظاهر يجمع به بين النقول وما ذكره ابن جماعة نحوه لابن رشد والله أعلم. فرع: قال في الذخيرة قال ابن القاسم: وإذ ادعى رب الحائط حيف الخارص وأتى بخارص آخر لم يوافق لان الخارص حاكم انتهى والله أعلم. ص: (وأخذ من الحب كيف كان كالثمر

[ 137 ]

نوعا أو نوعين وإلا فمن أوسطها) ش: يعني أن الزكاة تؤخذ من الحب كيف كان، فإن كان جيدا أخذت منه، وكذا إن كان رديئا أو وسطا، فإن كانوعين أو أنواعا فإنه يؤخذ من كل نوع عشره أو نصف عشره. قال اللخمي: إذا كان القمح مختلفا جيدا ورديئا أخذ من كل شئ بقدره ولم يؤخذ الوسط، وكذلك إذا اجتمع القمح والشعير والسلت أو اجتمع أصناف القطاني أخذ من كل شئ بقدره ولم يؤخذ من الوسط، وكذلك أصناف الزبيب. واختلف في التمر فقال مالك: إن كان جنسا واحدا أخذ منه ولم يكن عليه أن يأتي بأفضل منه، وإن كان أجناسا أخذ من الوسط. وقال في كتاب محمد: يؤخذ من كل صنف بقدره انتهى. وقال في المقدمات: فأما المكيل مثل القمح والشعير والسلت الذي هو صنف واحد، ومثل القطاني التي هي صنف واحد على اختلافها، ومثل الحائط من النخل يكون فيه أنواع من التمر مختلفة، فالحكم أن يؤخذ من كل شئ منه قل أو كثر ما يجب فيه عشر أو نصف العشر إلا أن تكثر أنواع أجناس الحائط من النخل فيؤخذ من وسطها فيه الزكاة كلها إذ لا يلزمه أن يعطي من أرفعها، ولا يلزمه أن يعطي من أوضعها. وقد قيل: إنه يؤخذ من أوسطها وإن كان الحائط جيدا كله قياسا على المواشي. فهذا يدل على أنه إذا كان في الحائط من الثمر نوع أو نوعان أخذ من كل يحسبه. فقول ابن غازي لم أقف فيه على نص غير ظاهر فتأمله. فرع: قال في المقدمات: فإن أراد أن يخرج من صنف آخر ما وجب عليه منه بالكيل جاز من الا) فع ولم يجز من الادنى، وفي مائتي درهم شرعي أو عشرين دينارا فأكثر أو مجمع منهما بالجزء ربع العشر. قال ابن عرفة: ونصاب الفضة خمس أواق مائتا درهم ووزنه خمسون حبة شعيرا وخمسان، والذهب عشرون دينارا وزنه اثنان وسبعون حبة. وقول ابن حزم وزن الدرهم إلى آخر ما تقدم نقله عند قول المصنف كل خمسون وخمسا حبة. ثم تكلم على معرفة النصاب بغير الدرهم والدينار الشرعيين. ولنذكر كلامه برمته مع زيادة تفسير له ونصه. ومعرفة نصاب كل درهم أو دينار غيرهما - يعني غير الدرهم أو الدينار الشرعيين. بقسم

[ 138 ]

مسطح. أي الخارج من ضرب عدد النصاب المعلوم يعني الشرعي وهو من الذهب عشرون دينارا، ومن الورق مائتا درهم. وحبات درهمه وهي خمسون وخمسا حبة من مطلق الشعير، وديناره يعني وحبات ديناره وهي اثنان وسبعون حبة على حبات المجهول نصابه، يعني على عدد حبات الدرهم المجهول نصابه، أو على عدد حبات الدينار المجهول نصابه، والخارج النصاب لانه أي لان مسطح عدد النصاب المعلوم وحبات درهمه أو ديناره ضرورة أي بالضرورة مسطح عدد حبات الدرهم أو الدينار المجهول نصابه، وعدده أي عدد النصاب المجهول لان نسبة حبات الدرهم الشرعي إلى حبات الدرهم المجهول كنسبة النصاب المجهول إلى النصاب الشرعي. والقاعدة في هذه النسبة أنه متى جهل أحد الوسطين أن تسطح الطرفين وتقسم الخارج على الوسط المعلوم فيخرج الوسط المجهول، ومن خواصها أن مسطح الوسطين كمسطح الطرفين مثاله: نسبة ثلاثة إلى خمسة كنسبة شئ مجهول إلى خمسة عشر مثلا، فأحد الوسطين مجهول، فتسطح الطرفين أي تضرب أحدهما في الآخر. والطرفان في المثال المذكور ثلاثة وخمسة عشر فيحصل خمسة وأربعون تقسمها على الخمسة المعلومة التي هي أحد الوسطين يخرج تسعة، فنسبة الثلاثة إلى الخمسة وهي ثلاثة أخماس كنسبة التسعة إلى الخمسة عشر وهي ثلاثة أخماس أيضا. وإذا ضربت الوسطين وهما خمسة وتسعة حصل خمسة وأربعون وهي الحاصلة من ضرب ثلاثة في خمسة عشر، فتبين أن مسطح الطرفين كمسطح الوسطين. إذا عرفت ذلك فحبات الدينار الشرعي عندنا هي الطرف الاول، وحبات الدينار المجهول نصابه هي الوسط الاول، والنصاب المجهول هو الوسط الثاني، والنصاب الشرعي هو الطرف الثاني، فأحد الطرفين مجهول فتسطح الطرفين وتقسم الحاصل على الوسط المعلوم فيحصل الوسط الثاني. وقد علمت أن مسطح الوسطين كمسطح الطرفين فكأنا قسمنا مسطح الوسطين على أحدهما فخرج الوسط الآخر لان من المعلوم أن ضرب عدد في عدد وقسمة الحاصل على أحد العددين مخرج للعدد الآخر. وهذا معنى قوله وخارج قسم مسطح عددين على أحدهما هو الآخر. وهذا هو المسمى عند أهل الحساب الاربعة أعداد المناسبة وله خواص كثيرة وبه يستخرج غالب المجهولات والله أعلم.

[ 139 ]

قال في التوضيح: لما تكلم على الاوسق فقدر المائتي درهم من دراهم مصر مائة وخمسة ثمانو درهما ونصف درهم وثمن درهم انتهى. وذكر القرافي أن وزن النصاب من دراهم مصر مائة وثمانون درهما وحبتان، وأن وزن الدرهم المصري أربعة وستون حبة وستة أعشار حبة. وهذا بناء من القرافي على ما ماشى عليه تبعا لابن شاس على أن الدرهم الشرعي سبعة وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة كما تقدم. نقله عند قول المصنف كل خمسون وخمسا حبة والله أعلم. قلت: وقد تقدم أن وزن الدرهم المصري ستة عشر قيراطا فيكون وزن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا وثلاثة أرباع قيرا ونصف خمس قيراط، وإن شئت قلت خمسة عشر قيراطا، إلا ثلاثة أرباع خمس قيراط. وقد تقدر أيضا أن الدرهم الشرعي سبعة أعشار الدينار الشرعي فيكون وزن الدينار الشرعي إحدى وعشرين قيراطا وخمس قياط وسبعي ربع خمس قيراط، ويكون وزن النصاب من الذهب ستة وعشرين درهما ونصف درهم وربع قيراط وثمن خمس قيراط وثلاثة أسباع خمس قيراط، فيكون من الذهب السلطاني الجديد والذهب البندقي أربعة وعشرين دينارا لكنها تزيد على النصاب ثمانية قراريط وثمن خمس قيراط وثلاثة أسباع ثمن قيراط، ويكون من الذهب السلطاني القديم والقايتبابي والجقمقي والبيبرسي والغوري خمسة وعشرين دينارا، لكنها تزيد على النصاب ثلاثة أخماس قيراط ونصف خمس قيراط وأربعة أسباع ثمن خمس قيراط. واشتهر أن كل عشر ملحقة من هذه الملحقات وزنها ثلاثة دراهم فيكون النصاب من الفضة ستمائة ملحق وتسعة وخمسين ملحقا. وهذا كله على أن الدرهم المصري الآن قدر الدرهم الذي كان في زمن الشيخ خليل. وينبغي أن يختبر ذلك فقد ذكر الشيخ أنه اعتبر ذلك بالشعير فجاء قريبا من ذلك فيؤخذ من وسط الشعير خمسون وخمسا حبة، فإن جاوزتها عشر قيراطا، إلا ثمن قيراط وربع عشر قيراط أو قريبا من ذلك فهو باق على حاله وإلا فقد تغير وزن القيراط من الشعير ثلاث حبات وثلث حبة وثلث خمس خمس حبة تقريبا والله أعلم. وقوله فأكثر يشير إلى قوله في المدونة بعد ذكره نصاب الذهب والفضة: وما زاد على ذلك قل أو كثر أخرج منه ربع عشرة. قال في مختصر الوقار: ولو قيراطا واحدا. وقال في الرسالة: وما زاد فبحساب ذلك وإن قل. قال ابن ناجي: ظاهره وإكان لا يمكن الاخراج من عينه فيشتري به طعاما أو غيره مما يمكن قسمه على أربعين جزءا. وقال في التلقين: وما زاد بحساب ذلك ما أمكن. وهكذا قال ابن الحاجب. قال ابن عبد السلام: فكان بعض أشياخي يراه خلافا للاول، ويحتمل أن يقال: الامكان المأخوذ من القول الاول هو الذي أوجبه في الثاني لانه ربما زاد النصاب زيادة محسوسة لا يمكن أن يشتري بها ما ينقسم على أربعين جزءا. وحمل ابن عرفة ما في التلقين على الخلاف قال: وقبله المازري ويرد بأن ما وجب وتعذر بذاته وأمكن بغيره تعين ذلك الغير لاجله كغسل جزء من الرأس وإمساك جزء من الليل انتهى. وقال أبو الحسن:

[ 140 ]

حمل الشيوخ كلام عبد الوهاب على التفسير ولم يفسر الامكان ما هو. والاحتمال الذي ذكره ابن ناجي ظاهر وبه يحصل الجمع بين الكلامين، وهذا البحث جارفيما يقتضي من الدين بعد النصاب وما يخرج من المعدن بعد النصاب. قال في المدونة: يخرج منه وإن قل وذكر أبو الحسن فيه تقييد عبد الوهاب قال: وحمله الشيوخ على التفسير والله أعلم. فرع: قال في المدونة: إذا كان عنده فلوس فيها مائتا درهم فلا زكاة عليه انتهى. فائدة: الدنانير في الاحكام خمسة: ثلاثة كل دينار اثنا عشر درهما وهي دينار الدية ودينار النكاح ودينار السرقة وتسمى دنانير الدم، واثنان كل دينار عشرة دراهم وهما دينار الزكاة ودينار الجزية وتسمى دنانير الذمي والله أعلم. ص: (وإن لطفل أو مجنون) ش: يعني أن الزكاة تجب في مال الطفل ومال المجنون، فأما إن كان الوصي يتجر في مال اليتيم فتجب الزكاة فيه قولا واحدا. قاله اللخمي وغيره. وأما إن كان لا يتجر فيه ولا ينميه فالمنصوص في المذهب عن مالك وجوب الزكاة، بل حكى ابن الحاجب الاتفاق على ذلك فقال: ويجب في مال الاطفال والمجانين اتفاقا عينا أو حرثا أو ماشية. وتخريج اللخمي النقد المتروك على المعجوز عن إنمائه ضعيف. قال في التوضيح: يعني أن أموال اليتامى إن كانت تنمو بنفسها كالحرث والماشية أو كان نقدا ينمى بالتجارة وجبت فيه الزكاة ولا تخريج فيه، وإن كان نقدا غير منمى فالمذهب وجوب الزكاة فيه أيضا. وخرج اللخمي أيضا خلافا من مسائل وهي ما إذا سقط المال منه ثم وجده بعد أعوام أو دنه فنسي موضعه أو ورث مالا فلم يعلم به إلا بعد أعوام، فقد اختلف في هؤلاء هل يزكون لسنة أو لجميع الاعوام أو يستأنفون الحول ؟ ورده ابن بشير بما حاصله أن العجز في مسألة الصغير من قبل المالك خاصة مع التمكن من التصرف، والعجز في هذه المسائل من جهة المملوك وهو المال فلا يمكن التصرف فيه، ويلزم اللخمي على تخريجه إسقاط الزكاة عن مال الرشيد العاجز عن التنمية وإليه أشار بقوله ضعيف انتهى. قلت: ولفظ ابن بشير: مذهبنا وجوب الزكاة على من ملك ملكا حقيقيا، مكلفا كان أو غير مكلف، كالصبيان والمجانين. وهذا لا خلاف فيه عندنا في سائر أنواع الزكاة، ثم ذكر كلام اللخمي، ثم قال: وهذا الذي قاله غير صحيح لان المالك ها هنا مهيأ للنماء وإنما العجز من قبل المالك، ولا خلاف‍ أن من كان من المكلفين عاجزا عن التنمية يجب عليه الزكاة فهذا الاجماع عليه وإنما الخلاف إذا لم يقدر على المال انتهى. وقبل ابن الحاجب وابن عبد السلام وابن هارون والمصنف في التوضيح كلام ابن بشير. ورده ابن عرفة بأنه تفريق صوري ثم قال: بل يرد معنى كلام اللخمي بأن فقد المال يوجب فقد مالكه وعجز الصبي والمجنون لا يوجبه انتهى.

[ 141 ]

قلت: قد يقال إن كلام ابن بشير يرجع إليه فتأمله والله أعلم. وقال الشيخ يوسف بن عمر: وجاء عن مالك أنه لا زكاة على الصغار في العين انتهى. قلت: وهذا الذي نقله عن مالك غير معروف له ولم أر من نقله عنوالنقول المتقدمة ترده والله أعلم. تنبيهات: الاول: المخاطب بزكاة مال الصبى والمجنون وليهما ما داما غير مكلفين. قال في النوادر في كتاب الزكاة قال ابحبيب، وليزك ولي اليتيم ماله ويشهد فإن لم يشهد وكان مأمونا صدق انتهى. وأصله لابن حبيب في الواضحة. ونصه: قال ابن الماجشون: وعلى ولي اليتيم أن يزكي ماله وينبغي له أن يشهد على ذلك ويعينه ويقول هذا زكاة فلان. قال عبد الملك: فإن أضاع الاعلان بها فهو مصدق إذا كان مأمونا انتهى. وقال اللخمي في كتاب الزكاة الاول قال ابن حبيب: ويزكي الولي لليتيم ماله ويشهد فإن لم يشهد وكان مأمونا صدق. وهذا يحسن في كل بلد القضاء فيه بقول مالك، ولو كان بلد فيه من يقول بسقوط الزكاة عن أموال الصبيان لرأيت أن يرفع إلى حاكم الموضع، فإن كان ممن يرى في ذلك قول مالك أمره بإخراج الزكاة وحكم له بذلك، وإن كان مملا يرى ذلك لم يزكه هو. وقد قال مالك في كتاب الرهون فيمن مات فوجد في تركت خمر: إن الولي يرفع ذلك للسلطان قال: خوفا أن يتعقب عليه يريد من الاختلاف هل يتخذ خلا، وكذلك الزكاة إلا أن يكون الولي من أهل الاجتهاد وممن يرى في ذلك قول مالك وخفي له إخراجها للجهل بمعرفة أصل ما وضع يده عليه فليخرجها انتهى. وأصله للشيخ أبي محمد في النوادر قال في كتاب الزكاة بعد أن ذكر أن الوصي يزكي ما اليتيم: وهذا إنما هو إذا لم يخف أن يتعقب عليه بأمر وكان يخفى له ذلك، فأما إن لم يخف له وهو لا يأمن أن يتعقب بأمر لاختلاف الناس في زكاة مال الصبي العين فلا يزكي عنه كما قالوا: إذا وجد في التركة مسكر أو خاف التعقب فلا يكسره انتهى. وقال ابن بشير: قال الاشياخ: إن الوصي يحترز في إخراج الزكاة من خلاف أبي حنيفة فإن خفي له وأمن المطالبة أخرج من غير مطالبة حاكم وإن حاذر المطالبة رفع إلى الحاكم. وعولوا على قوله في المدونة في الوصي يجد في التركة خمرا أنه يرفع أمرها إلى الحاكم حتى يتولى كسرها، وهو محاذرة من مذهب المجيز تحليلها انتهى. وقال ابن عرفة في كتاب الزكاة الشيخ واللخمي: إنما يزكي الوصي عن يتيمه إن أمن التعقب أو خفي له ذلك وإلا رفع كقولهم في التركة يجد فيها خمرا انتهى. وقال في كتاب الوصايا وفي الموازية: ويزكي أي ولي اليتيم ماله ويخرج عنه وعن عبده الفطر ويضحي عنه من ماله. الشيخ: إن أمن أن يتعقب بأمر من اختلاف الناس أو كان شيئا يخفى له وفي زكاتها ويؤديها الوصي عن اليتامى وعبيدهم من أموالهم. قلت: ويقول الشيخ المتقدم قال غير واحد من المتأخرين: لا يزكي الوصي ماله حتى يرفع إلى السلطان. فما قاله مالك إذا وجد في التركة خمرا لا يريقها إلا بعد مطالعة السلطان لئلا يكون مذهبه خواز التخليل، وكذا يكون مذهب القاضي سقوط الزكاة عن الصغير. وقال

[ 142 ]

بعضهم: إنما يلزم الرفع في البلاد التي يخشى فيها ولاية الحنفي، وأما غيرها فلا. قاله ابن محرز وابن بشير في آخر ترجمة أحكام نماء المال انتهى. قلت: فتحصل من هذا أن الوصي إذا كان مذهبه وجوب الزكاة في مال الاطفال إما باجتهاده إذا كان مجتهدا أو بتقليد من يقول بوجوبها إنه يجب عليه إخراجها ولا ينظر في ذلك إلى مذهب أبي الصبي لان المال قد انتقل عنه، ولا إلى الصبي لانه غير مكلف ولا مخاطب بها، فإن لم يكن هناك حاكم يقول بسقوطها لزم الوصي إخراجها ولا يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم. نعم يشهد على ذلك فإن لم يشهد صدق إن كان مأمونا. وانظر كان غير مأمون هل يلزم الغرم أو يحلف ؟ لم أر فيه نصا. وإن كان هناك حاكم يرى سقوط الزكاة عن مال الاطفال فإن خفي للوصي إخراج الزكاة لزمه إخراجها ولا يلزمه أن يذكر ذلك للصبي بعد بلوغه كما يفهم من كلامهم السابق فيأمره بإخراجها، وإن لم يخف له إخراجها فإن تعدد الحكام في البلد فكان بعضهم يرى وجوب الزكاة، وبعضهم يرى سقوطها، وكان الوصي يروجوبها. فالذي يظهر من كلامهم أنه يلزمه الرفع للحاكم الذي يرى وجوب الزكاة كميلزمه إذا وجد في التركة خمرا وكان يرى وجوب كسرها كما يظهر من كلام ابن بشير السابق، فيأمره بإخراجها ويحكم له بذلك، وأنه لا يجوز له الرفع للحاكم الذي يرى سقوطها. وإن لم يكن في البلد إلا حاكم يرى سقوطها فالذي يظهر من كلامهم أنه لا يلزمه الرفع إليه ولا يجب عليه ويؤخر إخراجها حتى يبلغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فإن قلد من يقول بسقوط الزكاة عن مال الاطفال لم يلزمه شئ وهذا ظاهر، وإن قلد من يقول بوجوبها في مال الاطفال لزمه إخراجها. قال في النوادر ومن المجموعة قال الشيخ ابن القاسم وأشهب: ويزكي أموال المجانين كالصبيان وإذا كان وصي اليتيم لا يزكي ماله فليزك اليتيم إذا قبضه لماضي السنين ولو كان الوصي تسلفه سنين لم يزكه إلا لعام واحد من يوم ضمنه الوصي انتهى. ولو رفع الوصي الامر لحاكم يرى سقوط الزكاة عن مال الاطفال فحكم بسقوطها، ثم بلغ الصبي وقلد من يقول بوجوبها في مال الاطفال فالذي يظهر أن ذلك لا يسقط الزكاة فتأمل. الثاني: حكم المجنون حكم الصبي. الثالث: السفيه البالغ تجب الزكاة في ماله إجماعا ولا أعلم فيه خلافا، ولا مفهوم لقوله في التوضيح: ويلزم اللخمي إسقاط الزكاة عن مال الرشيد العاجز عن التنمية فتأمله. الرابع: علم من هذا الكلام أن الوصي لا يلزمه أن ينمي مال اليتيم، وقد صرح بذلك اللخمي هنا في أثناء كلامه، وقال في كتاب الوصايا: وحسن أن يتجر له به وليس ذلك عليه. وسيأتي الكلام على ذلك وعلى حكم تسلف الوصي مال يتيمه وتسليفه لغيره مستوفي إن شاء الله تعالى عند قول المصنف في آخر باب الوصايا ودفع قراضا وبضاعة والله أعلم. ص: (أو نقصت) ش: أي في الوزن وراجت برواج الكاملة فلا خلاف في سقوط الزكاة، سواء كان

[ 143 ]

التعامل بالوزن أو بالعدد، كما صرح ابن بشير بجميع ذلك وإن حكى ابن رشد خلافا في ذلك. ومن ضرورة هذا أن يكون النقص يسيرا إذ لا يتصور أن يكثر النقص وتروج برواج الكاملة خصوصا إذا كان التعامل بالوزن، وإن كان النقص في العدد فقط والوزن كامل فتجب الزكاة فيها على ظاهر المذهب، وإن كان النقص في العدد أو الوزن فإن كان التعامل بالعدد فلا شك أن ذاك حاط لها عن الكاملة إذ لا يتصور أن يكون عددها ناقصا ووزنها ناقصا والتعامل بالعدد وتروج برواج الكاملة، ولذا صرح ابن بشير بأنه إذا كان النقص في العدد والتعامل بالعدد فلا خلاف في سقوط الزكاة، وإن كان التعامل بالعدد فعلى ما تقدم إن حطها عن الكاملة فلا زكاة وإلا وجبت الزكاة، وبالضرورة يكون ذلك يسيرا والله أعلم. ص: (أو برداءة أصل) ش: معطوف على المحذوف الذي قدرناه والمعنى أو نقصت في الوزن أو نقصت برداءة أصل، يريد وراجت كرواج الكاملة أي الطيبة الاصل، وأطلق عليها كاملة تجوزا. واعلم أن رداءة الاصل إن كانت لا تنقص بسببها في التصفية فتجب الزكاة فيها كما تجب في الطيب، وإن كانت تنقص قال الباجي: لا نص وأرى إن قل وجرى كخاص وجبت الزكاة وإلا اعتبر الخالص فقط. قال ابن عرفة: والمعتبر خالصهما ورديئهما برداءة معدنه لا لنقص تصفيته مثله وبنقص تصفيته. الباجي: لا نص وأرى إن قل وجرى كخالص وجبت الزكاة وإلا اعتبر الخالص فقط، وبه فسر ابن بشير المذهب انتهى والله أعلم. ص: (أو إضافة) ش: يعني أو كان النقص بإضافة. ص: (وراجت ككاملة) ش: راجع إلى المسائل الثلاث لكن في الرديئة الاصل إنما يعتبر رواجها برواج الطيبة الاصل إذا كانت الرداءة تنقصها في التصفية والله أعلم. ص: (وإلا حسب الخالص) ش: أي وإن لم ترج برواج الكاملة فيحسب الخالص فقط في الرديئة بالاضافة أو بأصلها وكان ذلك ينقصها، وأما الناقصة فتسقط الزكاة منها.

[ 144 ]

تنبيه: وإذا اعتبر الخالص فيعتبر ما فيها من النحاس اعتبار العروض. قاله في التوضيح. وقال اللخمي: وإذا كانت الدراهم غير خالصة مختلطة بالنحاس مثل الدراهم الجائزة اليوم فإنه ينظر إلى وزن الفضة وقيمة ما فيها من النحاس انتهى. ومعنى ذلك أن ينظر قيمة ذلك النحاس فيقومه المدير ويزكيه المحتكر إذا باع ذلك والله أعلم. ص: (إن تم الملك) ش: جعل الملك التام للنصاب شرطا، وكذا ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم، والظاهر أنه سبب كما قاله القرافي لان

[ 145 ]

حده صادق عليه بخلاف حد الشرط، والسبب والشرط الشرعيان وإن اتفقا في أن كلا منهما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده ولا عدم لذاته، والفرق بينهما ما قاله القرافي أن السبب مناسبته في ذاته والشرط مناسبته في غير ذلك، فملك النصاب مشتمل على الغنى، ونعمة الملك في نفسه، والحول ليس كذلك بل مكمل لنعمة الملك بالتمكن من التنمية في جميع الحول. انتهى فتأمله. تنبيه: ذكر القرافي شرطين آخرين: أحدهما التمكن، والثاني قرار الملك. والاول يؤخذ مما يأتي للمصنف في قوله ولا زكاة في عين فقط ورثت إلى آخره والثاني من قوله أو من لكأوجر نفسه وسيأتي. ص: (وحول غير المعدن) ش: يرد عليه الركاز في الصورة التي يؤخذ منه الزكاة فيها فإنه لا يشترط فيها الحول ولم ينبه عليه لندوره، ولانه حينئذ شبيه بالمعدن. ص: (في مودعة) ش: سواء كان المودع حاضرا بها أو غاب عنه فقد قال ابن رشد في أول سماع عيسى في رواية ابن نافع في الوديعة: إنه يزكيها لعام واحد إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها. هذا اعتراف إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع غائب عنه فيكون لذلك وجه، فظاهره أن الرواية الاولى لا فرق فيها بين أن يكون المودع غائبا عنه أم لا. تنبيه: وكذلك الحكم في البضاعة قال في سماع أشهب في الرجل يقطع قطعة من ماله قبل أن يحول عليها الحول فيبعث بها إلى مصر يبتاع له بها طعاما يريد أكله لا يريد بيعا قال: ما أرى الزكاة إلا عليه. ابن رشد: لان العين في عينه الزكاة ولا تأثير لما نواه من صرفها لقوته في إسقاط الزكاة. وفي آخر سماع أصبغ: من بعث دنانير يشتري لعياله بها كسوة فإن له مثلها كأن لم يكن عليه فيها زكاة، أشهد أم لم يشهد، لان ذلك فيما بينه وبين الله، وإن لم ينو تبتلها وجبت عليه زكاتها لانها باقية على ملكه، فإن بعث بها ليشتري بها ثوبا لزوجته لان ذلك من ناحية العدة فله أن يرجع فيها ما لم يوجبها على نفسه بالاشهاد انتهى. ويأتي في المدير أنه إذا بعث بمال أنه إن علم قدره وحاله زكاة وإلا أخر وزكاه لكل عام. وفي الشامل: ولو بعث بماله يشتري به ثيابا له أو لاهله فحال حوله قبل الشراء زكاه انتهى. يعني إذا عرف قدره وأنه باق والله أعلم. تنبيه: فإن تسلف المودع الوديعة أو أقرضها لغيره فما أقامت قبل ذلك فعلى ربها زكاتها لكل سنة، وأما من يوم تسلفها أو أسلفها فإنما يزكيها ربها لعام واحد. قال في النوادر: ويقبل

[ 146 ]

قول المودع والملتقط أنه تسلف ذلك أو تركه، وأما المودع فإن تسلفها فيزكيها لكل عام إن كان عنده وفابها، وإن أسلفها لغيره فحكم الغير كحكمه ويجب على المودع إذا ردها من اقترضها أن يزكيها لعام إن كان عنده وفاء. قاله في سماع أصبغ وغيره. ص: (ومتجر فيها بأجر) ش: قال في التوضيح: (إعطاء المال للتجر على ثلاثة أقسام: قسم يعطيه قراضا، وقسم يعطيه لمن يتجر فيه بأجر وهذا كالوكيل فيكون حكمه حكم شرائه بنفسه، وقسم يدفعه على أن الربح كله للعامل ولا ضمان فهو كالدين عند ابن القاسم يزكيه لعام واحد، وعند ابن شعبان يزكيه لماضي الاعوام ولا شئ على العامل انتهى. وهذا القسم الثالث هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله ومدفوعة على أن الربح للعامل بلا ضمان وهي في رسم استأذن من سماع عيسى زاد فيه فقال: إلا أن يكون صاحبها مديرا فيزكيها مع ماله إذا علم أنها على حالها ونصه. مسألة: وإذا قال رجل لرجل هذه مائة دينار اتجر فيها ولك ربحها وليس عليك ضمان، فليس على الذي هي في يده ولا على الذي هي له زكاتها حتى يقبضها فيزكيها زكاة واحدة لسنة إلا أن يكون صاحبها ممن يدير فيزكيها مع ماله إذا علم أنها على حالها. قال ابن رشد: وقول ابن القاسم إنها لا زكاة فيها على الذي هي في يده صحيح، لانها ليست له ولا هي في ضمانه، فسواء كان له بها وفاء أو لم يكن بخلاف السلف. قال ابن حبيب: فإن ربح فيها عشرين دينارا استقبل بها حولا وهو صحيح أيضا لانه فائدة إذ لا أصل له فيزكيه عليه، فلا خلاف في أنه يستقبل بها حولا. وقوله: لا زكاة على صاحبها لانه لا يقدر أن يحركها بنفسه فأشبهت اللقطة انتهى. وقال اللخمي في باب زكاة القراض: لم يختلف في أنه إذا كان المال بيد العامل بإجارة بدنانير معلومة أنه يزكى قبل رجوعه إلى ربه. انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (لا مغصوبة) ش: أي فلا تتعدد الزكاة فيها بل يزكيها لعام واحد على المشهور، وأما الغاصب فإنها في ضمانه يلزمه أن يزكيها إن كان عنده من العروض ما يجعله فيها كما قاله في رسم

[ 147 ]

استأذن من سماع عيسى. وقوله في التوضيح إنه ليس على الغاصب زكاة يحمل على ما إذا لم يكن عنده وفاء بها فتأمله والله أعلم. قال ابن عرفة: والنعم المغصوبة ترد بعد أعوام. ففيها لابن القاسم يزكي لعام فقط، وله مع أشهب لكل عام، فخرج اللخمي الاول على عدم رد الغلات، وخرج عليه أيضا استقباله بها عليه في العين ثم فرق برد الولد وهو عظم غلتها. ابن بشير: لم يقل أحد باستقباله للاتفاق على رد الولد إلا على قول السيوري إنه غلة، فنقل ابن الحاجب استقباله نصا وهم. اللخمي: وعلى رد الغلات الثاني اتفاقا، وعلى عدم الرد لو زكيت عند الغاصب يختلف في رجوع ربها عليه زكاتها لانه يقول لو ردت على قبل زكاتها لم أزكها ولا يأخذها الساعي منك لو علم أنك غاصب. الصقلي: وعلى الثاني لو اختلف قدرها في أعوامها فكمختلف عنه وفيها لو زكيت لم تزك. عبد الحق: اتفاقا. وقول بعض القرويين فيه الخلاف لانه ضمنها فيغرم لربها ما يؤديه الساعي غير صحيح، لان ما دفع له واجب عليه والنخل المغصوبة ترد مع ثمرها تزكى إن لم تكن زكيت عبد الحق: بخلاف النعم في قول، لان لربها أخذ قيمتها لطول حبسها فأخذها كابتداء ملكها. ولو أخذ قيمة الثمر لجذه الغاصب قبل طيبه أو لجهل ملكيتها زكى قيمتها انتهى. قلت: لا يصح الاول لانه كبيعها قبل طيبها، فلو رد مما بلغ كل سنة نصابا ما إن قسم على سنيه لم يبلغه لكل سنة وهو نصاب فأكثر ففي زكاته استحسان ابن محرز: وقياسه مع التونسي وعزا أبو حفص الاول لابي عبد الرحمن واختاره، والثاني لابن الكاتب قال: ثم إنه رجع إلى أنه لو قبض ثمانية أوسق زكى خمسة وترك الثلاثة حتى يقبض وسقين انتهى. ص: (وضائعة) ش: ش ولو أقامت أعواما سواء حبسها لصاحبها أو ليتصدق بها وإن حبسها ليأكلها فليزكها العام واحد ولا شئ على الملتقط إلا أن ينوي حبسها لنفسه فيزكيها لحول من يوم نوى ذلك. وقيل: يحركها والاول هو الجاري على ما مشى عليه المصنف في باب اللقطة. وقال ابن عرفة: وفي صيرورتها دينا على ملتقطها بإرادة أكلها أو بتحريكه لها نقلا الشيخ عن سحنون مع المغيرة وعن ابن القاسم في المجموعة، وعزا ابن رشد الاول لروايتي ابن القاسم وابن وهب. انتهى والله أعلم. وعبر المصنف بالضائعة ليعم الملتقطة وغيرها لان حكمهما واحد كما صرح به ابن رشد في رسم استأذن سيده من سماع عيسى ابن دينار. وعلى هذا فقول البساطي إن من شرط الضائعة أن تلتقط ليس

[ 148 ]

بجيد والله أعلم. ص: (ومدفوعة على أن الربح للعامل بلا ضمان) ش: قد تقدم الكلام عليها فوق هذا. واحترز بقوله بضمان مما لو كان ضامنا لها فإنها حينئذ تصير سلفا في ذمته والله أعلم. فرع في ما لا تجب فيه الزكاة: ص: (ولا زكاة في عين فقط ورثت إن لم يعلم بها أو لم توقف إلا بعد

[ 149 ]

حولها) ش: عبارة صاحب الشامل أحسن من عبارة المصنف حيث قال: وإن ورثت عينا استقبل بها حولا من قبضه أو قبض رسوله، ولو أقام أعواما أو علم به أو وقف له على المشهور ويزكي الحرث والماشية مطلقا انتهى. كأن القيود التي في كلام المصنف رحمه الله غير معتبرة على المشهور ونبه على ذلك ابن غازي. ص: (بعد قسمها أو قبضها) ش: قال ابن عرفة: وفيها حول إرث الاصاغر من يوم قبض وصيهم معينا لهم، وإن كانوا كبارا أو صغارا لم يكن قبض الوصي قبضا لهم حتى يقسموا فيستقبل الكبار بحظهم حولا ويستقبل الوصي للصغار بحظهم حولا من يوم القسم. انتهى ابن فرحون. والمشهور أن قبض وكيله كقبضه انتهى. وصرح به في المدونة وابن عرفة ونص: وقبض رسول الوارث كقبضه، ومدة تحلفه لعذر كمدته قبل قبضه، ويختلف في لغو مدة حبسه الوكيل تعديا وكونه كذلك انتهى،. وفي لفظه إجحاف. ولفظ اللخمي: ويختلف إذا حبسه الوكيل تعديا هل يستأنف به حولا أو يزكيه لعام واحد ؟ ولا خلاف أنه لا يزكيه لكل عام لانه صار دينا عليه انتهى. ص: (ولا موصى بتفرقتها) ش: الظاهر أنه أراد العين ويحتمل أن يريد معها الماشية والحكم فيها كذلك سواء كانت على مجهولين أو في السبيل أو على معينين على مذهب ابن القاسم خلافا لاشهب يعني في الماشية. قاله الرجراجي في شرحه على المدونة. وقال اللخمي: وكذلك النخل. قال في النوادر في ترجمة زكاة الاموال: توقف لتفرق أعينها. ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن عبدوس ومن رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك: وإذا كانت دنانير يعرف أصلها فلم تفرق حتى أتاها الحول فلا زكاة فيها. قال في كتاب ابن المواز: كانت على معينين أو مجهولين أو في السبيل كانت وصية أو في الصحة. قال ابن القاسم: وكذلك الابل والبقر والغنم تفرق رقابها في السبيل أو تباع لتفرق أثمانها فيأتي عليها الحول قبل أن تفرق فلا زكاة فيها كالعين. قاله مالك: قال أشهب في المواشي: إذا كانت تفرق على غير معينين فهي كالعين، وإن كانت تفرق على معينين فهم كالخلطاء والزكاة على من في حظه منهم ما فيه الزكاة منها، وأما العين تفرق على معينين فلا شئ عليهم وإن كان نصيب كل واحد ما فيه الزكاة، وإن كانت تفرق على

[ 150 ]

مجهولين فالعين والماشية سواء لا زكاة في ذلك، ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في العين. انتهى كلام النوادر والله أعلم. ص: (ولا مال رقيق) ش: قال في الشامل: ولا تجب على عبد وإن بشائبة إذ ملكه لم يكمل، ولا على سيده عنه فإن عتق استقبل حولا بالنقد والماشية كسيده إن انتزعهما وأما غيرهما فعلى حكمه انتهى. ص: (وحلي) ش: يعني لا زكاة في الحلي إذا سلم مما سيأتي ذكره، سواء كان لرجل أو امرأة. واعلم أن الزكاة تسقط عن حلي الرجل في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا اتخذه لزوجته أو أمته أو ابنته أو خدمه أو ما أشبه ذلك إذا كانت موجودة واتخذه لتلبسه الآن، وكذلك خاتمه الفضة وحلية لسيفه ومصحفه، وتجب في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا اتخذه للتجارة ويختلف فيماعدا ذلك مما سيأتي. وتسقط الزكاة عن حلي المرأة في وجهين باتفاق وهو ما إذا اتخذته للباسها أو لابنة لها لتلبسه الآن، وتجب في وجه باتفاق وهو ما إذا اتخذته للتجارة. ص: (إن لم يتهشم) ش: فإن تهشم

[ 151 ]

فتجب الزكاة فيه بعد حول من يوم تهشم. هذا تأويل ابن يونس على المدونة. قال: وقاله بعض أصحابنا. وقال ابن عرفة الباجي: روى محمد لا زكاة في التبر والحلي المكسور يريد أهله

[ 152 ]

إصلاحه انتهى. فلعله يريد بالتبر الحلي المتهشم وأما التبر المأخوذ من المعدن فيبعد أن يكون مرادا والله أعلم. ص: (ولم ينو عدم إصلاحه) ش: هذا أعم من قوله في المدونة ولا زكاة فيما انكسر من الحلي فحبس لاصلاحه ومن قوله في النوادر ولا زكاة في الحلي من ذهب أو فضة يتخذه الناس وكذلك ما انكسر منه مما يريد أهله إصلاحه انتهى. وكان المصنف رحمه الله تعالى يرى أنه إذا لم يتهشم ولو ينو صاحبه عدم إصلاحه فكأنه حبسه لاصلاحه فتأمله والله أعلم. ص: (أو كراء) ش: كذلك ما اتخذ للعارية قاله اللخمي. ص: (إلا محرم اللبس) ش: قال البساطي: وفي بعض النسخ إلا محرما بغير لبس. قال: هي التي نشرح عليها وهي الاحسن لانها تشمل الحلي المحرم، سواء كان ملبوسا أو لا. انتهى بالمعنى. ودخل في كلام المصنف حلي الصبيان فإنه على ما شهره أول الكتاب محرم اللبس إذ قال: وحرم استعمال ذكر محلي أعم من أن يكون صغيرا أو كبيرا. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وحلية الصبيان من المباح على المشهور انتهى. وما ذكره الشيخ زروق في حلي الصبيان تبع فيه صاحب الشامل وهو تابع للخمي، فالخلاف في الزكاة جار على الخلاف في جواز لبسه، ورجح في التوضيح في الحج عدم الجواز. فرع: قال في النوادر: ومن اتخذ أنفا من ذهب أو ربط به أسنانه فلا زكاة فيه انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال في الجواهر قال ابن شعبان: وما جعل في ثياب الرجل أو الجدر من الورق فإن كان يمكن أن يخرج منه قدر يفضل عن أجرة عامله زكي إن كان فيه نصاب أو كمل به النصاب ذهبا كان أو ورقا، وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز أصلا انتهى. وقال قبله: فرع: وأما تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل وعلائقها والصفائح على الابواب والجدر وما

[ 153 ]

أشبه ذلك بالذهب والورق فقال ابن شعبان: يزكيه الامام لكل عام كالمحبس الموقوف من الانعام والموقوف من الماء المعين للقرض. قال عبد الحق: وأعرف في المال لاصلاح المساجد والغلات المحبسة في مثل هذا اختلافا بين المتأخرين في زكاة ذلك. قال: والصواب عندي في ذلك أن لا زكاة في شئ موقوف على من لا عبادة عليه من مسجد ونحوه والله أعلم انتهى. وقا الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويزكي ما اتخذ لتجر أو حلية كعبة ولو قنديلا ونحوه أو صفيحة بجدار ونحوه انتهى. ص: (أو صداقا) ش: قال اللخمي: وكذلك إذا اتخذه ليلبسه لزوجة لم يتزوجها الآن لجارية يشتريها بعد ذلك أو لابنة له إذا كبرت أو إذا وجدت فتجب الزكاة عند مالك وابن القاسم خلافا لاشهب. ص: (أو منويا به التجارة) ش: ولو كان أصله للقنية وينتقل للتجارة كما قاله ابن الحاجب وغيره. فرع: ولو ورث حليا ولو ينو به تجارة ولا قنية قال اللخمي في تبصرته: يزكيه على مذهب ابن القاسم: ولا يزكيه على مذهب أشهب. فرأى ابن القاسم أنه كالعين تجب فيه الزكاة ما لم تكن بنية القنية وهي استعمال، ورأى أشهب أنه كالعرض لا زكاة فيه حتى ينوي به التجارة، وإلى هذا ذهب مالك في مختصر ما لبس في المختصر انتهى. ص: (وإلا تحرى) ش: أي وإن لم يكن نزعه بلا ضرر فيتحرى زنة ما فيه من النقد فيزكيه، وأما الجوهر الذي معه أو السيف ونحو ذلك فإنه كالعرض إن كان مديرا قومه وزكاه لكل عام وإن كان محتكرا فإذا باعه فض الثمن على قيمة النصل وقيمة الحلي مصوغا فيزكي ما ناب النصل من ذلك أو يزكي ما زاد من الثمن على ما زكى تحريكا. قاله ابن رشد في سماع أشهب والله أعلم. وقال في النكت: إنما يفض الثمن على قيمة الحجارة وقيمة ما فيها من الحلية لا على وزن ذلك فيصير زكاته أولى على تحري الوزن وفضه الثمن حين المبيع لاعلى الوزن. انتهى وهو ظاهر والله أعلم. وهذا إذا كان للتجارة وإن لم يكن للتجارة فلا يجب في ثمن العرض زكاة والله

[ 154 ]

أعلم. ص: (وضم الربح لاصله) ش: الربح ما زاد من ثمن سلع التجارة على ثمنها الاول ذهبا أو فضة. قال ابن الحاجب: وإنما النقد ربح وفائدة وغلة. ص: (ولو ربح دين لا عوض له عنده) ش: يعني أن الربح يزكى لحول أصله ولو كان نشأ عن دين لا عوض له عنده، إما بأن يكون استلف دنانير وتجر فيه حولا. قال ابن رشد: إلا أن حول الذي تسلف الدنانير وتجر فيها محسوب من يوم تسلف الدنانير لانه ضامن لها بالسلف وفي عينها الزكاة، وحول ربح الذي تسلف العرض ليتجر فيه محسوب من يوم تجر في العرض لا من يوم استلف من أجل أن العرض لا زكاة في عينه، وحول ربح الذي اشترى فتجر فيه محسوب من يوم اشتراه إن كان اشتراه للتجارة، وإن كان اشتراه للقنية ثم بدا له فتجر فيه فهو محسوب من يوم باعه. وقيل: من يوم نض ثمنه في يده. انتهى من رسم أوصى من سماع عيسى. وقول المصنف في التوضيح ولا صورة المسألة فيمن تسلف عشرين دينارا فاشترى بها سلعة أقامت حولا ثم باعها بأربعين ولم يكن عنده عوض للعشرين يوهم أنه يشترط في السلعة المشتراة مرور حول عليها أو أن الربح يزكى لحول الشراء وليس كذلك كما تقدم في كلام ابن رشد، نعم ذكر ابن عرفة قولا في المسألة أن الربح يزكى لحول من الشراء، وذكر ابن فرحون أن الباجي وابن شاس وابن راشد قالوا في فرض المسألة رجل تسلف عشرين دينارا فبقي المال بيده حولا ثم اشترى به سلعة أقامت عنده حولا ثم باعها بأربعين. ثم قال والدي: وهذا ليس بشرط بل لو اشترى به من يومه وحال الحول على السلعة كان الحكم سواء انتهى. وقد علمت أن مرور الحول على السلعة ليس شرطا أيضا. تنبيهات: الاول، نص في العتبية على أن الربح هنا لا بد أن يكون نصابا فأكثر وهو ظاهر، لان الفرض أن الاصل لا ملك له فيه ولا عوض له عنده ولا تجب الزكاة على أحد فيما

[ 155 ]

دون النصاب. قال في رسم أوصى من السماع المذكور فيمن تسلف عرضا فتجر فيه حولا ثم رد ما استسلف من ذلك وفضل له ما يجب فيه الزكاة: إنه يزكي هذه الفضلة. وقال في رسم: أوله لم يدرك من السماع المذكور. وقال مالك في الذي يتسلف مائة دينار وليس له مال غيرها فيشتري سلعة فيربح فيها ما تجب فيه الزكاة فقال: إذا باع السلعة قضى المائة وزكى ما بقي إن كان بقي تجب فيه الزكاة إذا كان قد حال على المائة الحول. قال ابن رشد: يريد من يوم تسلفها انتهى. وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الزكاة ما يدل على ذلك أيضا والله أعلم. الثاني: هذا إذا كان المال دينا وأما لو أعطى له مال على أن يتجر فيه ولا ضمان عليه فيه فإنه يستقبل بالربح حولا اتفاقا كما تقدم في كلام ابن رشد. الثالث: يفهم من كلام المصنف بالاحروية أنه لو كان عنده مثل الثمن الذي اشترى به ولم ينقده حتى حال الحول أنه يزكي الربح لحول الاصل وهذا هو المشهور. وقيل: لحول الشراء. وقيل: يستقبل به حولا. الرابع: إذا كان بيده دون النصاب وحال عليه الحول ثم اشترى به سلعة وباعها بعد يوم أو شهر أو شهرين فإنه يزكي الجميع يوم يبيع ويكون حوله من يومه، وأما لو كان عنده نصاب وحال عليه الحول ولم يزكه ثم اشترى به سلعة فباعها بعد الحول بيوم أو شهر أو شهرين فإنه يزكي المال الذي حال عليه ولا يزكي الربح إلا لحول من يوم وجبت الزكاة في أصله. قاله في سماع ابن القاسم من كتاب الزكاة والله أعلم. ص: (ولمنفق بعد حوله مع أصله وقت الشراء) ش: قال الشارح في الكبير: يتعلق وقت الشراء بضم وليس بظاهر، لان الضم إنما وقع

[ 156 ]

بعد بيع السلعة ولانه لا يفيد حينئذ أن الانفاق وقع بعد الشراء وهو المقصود لانه شرط الضم عند ابن القاسم، وعلقه البساط بمنفق لانه قال: والمال المنفق وقع إنفاقه بعد الشراء بأصل الربح أو مع الشراء انتهى. وفي تصور الانفاق والشراء في وقت واحد بعد ودخول في عهدته إذ المنقول إنما هو في حكم الانفاق بعد الشراء أو قبله، ولا بد من تكلف بأن يقول يريد أو بعده. وقال ابن غازي، وقت الشراء بمعنى بعد الشراء وهو ظاهر إلا أن كون وقت بمعنى بعد بعيد، والظاهر أن يعلق بمحذوف ويكون حالا من الربح والتقدير: وضم الربح لمال منفق بعد أن حال عليه الحول مع أصل الربح حالة كون الربح مقدرا حصوله وقت الشراء. فيفهم منه أنه إن حصل الانفاق بعد الشراء ضم الربح للمنفق لانه يقدر حصول الربح حينئذ، وإن حصل الانفاق قبل الشراء فلا يضم لان الربح حينئذ لم يقدر حصوله. ويقيد أيضا أن هذا القول مبني على تقدير الربح موجودا من يوم الشراء وهذا مذهب المدونة. قال في تصحيح ابن الحاجب: وهو المشهور والله أعلم. تنبيه: لو كان الانفاق قبل الحول لم يضم للمنفق اتفاقا. نقله ابن عرفة. ص: (واستقبل بفائدة تجددت لا عن مال كعطية) ش: تصوره واضح.

[ 157 ]

فرع: قال في البيان في سماع سحنون من كتاب الزكاة قال: سئل سحنون عن الذي يتصدق على الرجل بألف درهم وعزلها المتصدق فأقامت سنين فلم يقبلها المتصدق عليه أو قبلها قال: إن قبلها استقبل بها حولا وسقط ما مضى من السنين، وإن لم يقبلها رجعت إلى صاحبها وأدى عنها زكاة ما مضى من السنين. قال ابن رشد: وفي النوادر لابن القاسم من رواية سحنون عنه إن قبلها المتصدق عليه استقبل بها حولا ولم تسقط عنه الزكاة. وجه قول سحنون أنه لما تصدق المتصدق بالدنانير وللمتصدق عليه أن لا يقبلها صارت الصدقة موقوفة على قبوله، فإن قبل خرجت من ملك المتصدق يوم تصدق بها فلم يجب عليه زكاتها. ووجه قول ابن القاسم أن المتصدق عليه لما كان له أن يقبل ويرد بما أوجب له المتصدق على نفسه وكان إن قبل وجبت له الصدقة بالقبول، وجب أن لا يخرج عن ملك المتصدق إلا بالقبول فكان عليه زكاتها. ثم قال: ولو كانت هذه الصدقة من ماله غلة لكانت الغلة على قول ابن القاسم للمتصدق إلى يوم القبول إن قبل، وعلى قول سحنون تكون للمتصدق عليه إن قبل انتهى. ونقله ابن عرفة إثر كلامه على زكاة الدين الموهوب. فرع: قال في الشامل: ولا زكاة في الغنيمة على المشهور انتهى. ص: (أو غير مزكى) ش: يعني أو تجددت عن غير مزكى كثمن عروض القنية. ص: (وتضم ناقصة وإن بعد تمام

[ 158 ]

الثانية أو ثالثة لا بعد حولها كاملة فعلى حولها كالكاملة أولا) ش: يعني أن الفوائد إذا تعددت فإن كانت الاولى ناقصة عن النصاب فإنها تضم للثانية ولو كان النقص عارضا لها بعد أن كانت نصابا تاما إذا لم يحل عليها الحول وهي نصاب، فإذا ضمت الاولى للثانية صارتا كأنهما فائدة واحدة، فإن حصل منهما نصاب كان حكمه حكم ما إذا كانت الاولى نصابا، وإن كان مجموع الاولى والثانية أقل من نصاب ضم إلى الثالثة وهكذا. قال في النوادر: ومن قول مالك وأصحابه أن من أفاد مالا بعد مال فإنه إن كان الاول ليس فيه ما يزكى فإنه يضم إلى ما بعده حتى يبلغ عدد مال الزكاة، ثم ما أفاد بعد ذلك كان له حول مؤتنف، وإن كان المال الاول فيه الزكاة فلكل ما أفيد بعده حول مؤتنف انتهى. وقوله إلا بعد حولها كاملة يعني أن الاولى إذا عرض لها النقص تضم للثانية إلا إذا كان النقص إنما عرض لها بعد أن حال عليها الحول كاملة فإنها حينئذ لا تضم لما بعدها بل تزكي على حولها، يريد إذا كان فيها وفيما بعدها نصاب. قال في المدونة: فإن رجعا معا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعتا بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه، ثم إن أفاد من غيرهما مما يتم به معهما ما فيه الزكاة استقبل بالجميع حولا من يوم أفاد المال الثالث انتهى. وقوله كالكاملة أولا يعني أن الفائدة الاولى إذا كانت كاملة من أول الامر فإنها لا تضاف إلى ما بعدها ولا يضاف إليها وكمالها إما من أصلها كما إذا استفاد عشرين دينارا واستمرت في يده حتى حال عليها الحول وزكاها، أو كانت دون النصاب وربح فيها ما كملت به نصابا قبل حول لان الربح يضم إلى أصله كما تقدم. قال في المدونة قال مالك: من أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد خمسة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الاولى فصارت تربحها نصابا زكى كل فائدة لحولها، ولو تجر في الخمسة الثانية قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر فأكثر أضاف الخمسة الاولى إلى حول الثانية انتهى.

[ 159 ]

تنبيه: قد علم مما تقدم أن الاولى إذا أتى عليها حولها وهي نصاب إما من الاصل أو بربحها زكيت كل فائدة على حولها، وإن استمرت ناقصة من أصلها أو نقصت قبل الحول واستمر بها النقص حتى أتى حول الثانية أنها تضم إليها. وبقي صورة وهي ما إذا أتى الحول على الاولى وهي ناقصة ثم كملت بربحها قبل حول الثانية، والحكم فيها أن تزكى الاولى حين كمالها ويكون حولها من يومئذ، وتكون الثانية على حولها. ص: (وإن نقصتا فربح فيهما أو في إحداهما تمام نصاب عند حول الاولى أو قبله فعلى حوليهما وفض ربحهما وبعد شهر فمنه والثانية على حولها وعند حول والثانية أوشك فيه لايهما فمنه كبعده) ش: أي نقص مجموع الفائدتين عن النصاب يريد بعد أن حال الحول على الاولى وهي كاملة وكانت كل

[ 160 ]

فائدة تزكى على حولها. وقد تقدم عن المدونة أنهما صارا بمنزلة مال واحد ويضمان لما بعدهما من الفوائد. هذا إذا لم يحصل فيهما ربح، وأما إن اتجر فيهما أو في أحدهما فربح ما يكمل به معهما نصاب فإنه ينظر في وقت كمالها بالربح، ولا يخلو الحال فيه إما أن يكون قبل حول الاولى أو عنده أو بعده وقبل حول الثانية أو عند حول الثانية أو بعده وقد تكلم المصنف عليها جميعها. تنبيهات: الاول: قوله وفض ربحهما يعني أن الربح إذا كان فيهما جميعا يريد وقد خلطهما فإنه يفض عليهما بقدر عدديهما ويزكي مع كل واحدة ما يخصها، وإن لم يخلطهما زكى كل واحدة بربحها، وإن كان الربح في إحداهما فقط زكاها بربحها وزكى الاخرى بغير ربح، وهذا جار في جميع وجوه هذه المسألة أعني قوله وإن نقصتا إلى آخره. وصرح به في رسم الثمرة من سماع عيسى الثاني. قوله وبعد شهر فمنه لا خصوصية للشهر بل المراد أن يكون بعد حول الاولى وقبل حول الثانية، وأشار إلى ذلك في التوضيح. الثاني: قوله أو شك فيه لايهما المتبادر أن المراد إذا شك في الربح لاي الفائدتين هو فإنه يزكي لحول الثانية ويزكي الجميع لحولها، وهذا والله أعلم كما قال ابن غازي: إنما يتصور في الفائدتين الناقصتين من الاصل لا في الراجعتين للنقص بعد التمام، وذلك لان الراجعتين لو تحققنا أن الربح إنما نشأ عن الثانية لم يجعل حول الجميع من حولها بل ننظر متى حصل الربح بحسب الاوجه المتقدمة، وأما الناقصتان من الاصل فقد تقدم أنه لو حصل في الاولى ربح كملت به نصابا زكيت كل واحدة على حولها، وإن لم يحصل في الاولى وحصل في الثانية ضمت الاولى إليها. فإذا شك هل هو للاولى أو للثانية فيجعل للثانية وتضم الاولى إليها لانا لو جعلناه للاولى أو قسمناه بينهما وزكينا الاولى لذلك على حولها لاحتمل أن يكون إنما نشأ عن الثانية ونكون زكينا الاولى قبل الحول وهذا ظاهر. ولم يذكر أحد ممن رأيت هذا الفرع إلا في الناقصتين من الاصل، ويحتمل أن يكون معنى قوله أوشك فيه لايهما أي شك في الربح لاي الحولين حصل هل عند حول الاولى أو عنحول الثانية. وهذا إذا فرض على هذا الوجه فالظاهر أنه يجعل عند حول الثانية ولم أقف عليه منصوصا والله أعلم. الثالث: ولو زكاهما على حوليها ما شاء الله ثم رجعا بعد أن زكى أحدهما إلى ما لا تجب فيه الزكاة ثم بالربح فيهما أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني بقيا جميعا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما، يزكي كل مال منهما على حوله بربحه إن كان الربح فيهما جميعا، وقد خلطهما أو لم يخلطهما، غير أنه إن لم يخلطهما زكى كل مال منهما على حوله بربحه الذي ربحه فيه، لا إن كان قد خلطه فض الربح عليهما فزكى مع كل واحد منهما ما ينو به من الربح، وإن كان الربح في أحدهما زكاه بربحه وزكى الآخر بغير ربح. انتهى من البيان من رسم الثمرة من سماع عيسى. فرع منه أيضا: ولو زكاهما على حوليهما ما شاء الله ثم رجع إلى ما لا زكاة فيه إذا

[ 161 ]

جمعا ثم أتى حول الاولى وهما ناقصتان عما تجب فيه الزكاة فترك تزكيتهما ثم بعد أشهر وقبل أن يأتي حول المال الثاني ربح فيهما أو في أحدهما ما فيه النصاب، فإنه يزكي الاولى حينئذ ويترك الثانية إلى حولها، ثم بعد أن ترك الثانية إلى حولها نقصت عما تجب فيه الزكاة وأتى حول الثانية وهي ناقصة فترك تزكيتهما، ثم بعد أشهر رجعتا بالربح فيهما أو في أحدهما إلى ما فيه الزكاة، فإنه يزكي الثانية الآن أيضا وتبقى الفائدتان على هذين الحولين انتهى. فرع: وإن حل حول الاولى وفيها ما تجب فيه الزكاة فزكاها فنقصتا عما في الزكاة فحل حول الثانية وهما حينئذ ناقصتان فلم يزك شيئا، ثم رجعا قبل أن يحول حول الاولى يعني الحول الثاني إلى ما فيه الزكاة، فإنه يصير يومئذ حولا للثانية وتبقى الاولى على حولها ويصنع في الربح كما وصفنا. انتهى بالمعنى من ابن يونس. فرع: قال في النوادر: ومن كتاب ابن سحنون: ومن أفاد خمسة عشر دينارا ثم إلى ستة أشهر أفاد ثلاثة دنانير فخلط المالين ثم أخذ من جملتهما ثلاثة فتجر فيها فربح ثلاثة، فليقسم الربح على المالين فينوب الخمسة عشر ديناران ونصف والثلاثة نصف دينار ويبقى المالان على حوليهما. يريد حول آخرهما ولو ربح ستة دنانير وقع للمال خمسة فيصير بربحه ما فيه الزكاة فيزكيه لحوله والمال الثاني لحوله، يريد إذا كان هذا الربح قبل أن يضمهما حول آخرهما. قال: ولو ضمهما حول آخرهما قبل الربح لم يرجعا إلى حولين ويبقى حولهما واحدا. ولو تجر في المالين فربح فيه ستة دنانير ثم لم يدر أيهما. هو فليزكهما على حول آخرهما ولا يفضه بالشك فقد يزكي المال الاول قبل حوله. انتهى والله أعلم ص: (وإن حال حولها فأنفقها ثم حال حول الثانية ناقصة فلا زكاة) ش: يعني أنه إذا حال حول الفائدة الاولى ثم أنفقها بعد حولها ثم حال حول الفائدة الثانية ناقصة عن النصاب فلا زكاة فيها. وهذا هو المشهور. وقول ابن القاسم وسواء كانت الفائدة الاولى نصابا وزكاها أو دون نصاب قال في المدونة: ومن أفاد ما فيه الزكاة ثم أفاد بعده ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الاول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني، فإذا حل حول الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده معه أو قبله وبعد الاول ولم يتلفه وفي هذا الاوسط مع المال الثالث ما فيه الزكاة فليزكهما لحول آخرهما انتهى. وقال في التوضيح، لو ملك عشرة في المحرم وعشرة في رجب وحال حول المحرمية ثم أنفقها وضاعت،

[ 162 ]

ثم حال حول الثانية ناقصة عن النصاب، فهل تسقط الزكاة عنها أم لا ؟ قال بالسقوط ابن القاسم لانه يشترط اجتماعهما في الملك وكل الحول ولم يصل الاجتماع في كل الحول وقال أشهب بوجوب الزكاة لانه إنما يشترط اجتماعهما في بعض الحول قال: واحترز بقوله ضاعت الاولى مما إذا ضاعت الثانية فإنهما يتفقان على سقوط الزكاة، وبقوله بعد حولهما مما لو أنفق الاولى قبل حولها فإنه لا خلاف إذ ذاك في سقوط الزكاة وينقصان الثانية مما إذا حال حول الثانية كاملة فإنهما حينئذ يتفقان على وجوب الزكاة في الثانية ويختلفان في الاولى انتهى. ص: (وبالمتجدد عن سلع التجارة بلا بيع لها كغلة عبد) ش: أي واستقبل بالمتجدد عن سلع التجارة إن كان في عينه الزكاة كالدنانير والدراهم وإلا استقبل بثمنه حولا كما صرح به في المدونة، وكان ذلك فائدة أفادها. وفهم منه من باب أحرى أنه يستقبل بالمتجدد عن السلع المشتراة للقنية، وهو كذلك أيضا يستقبل بالمتجدد عن السلع المكتراة للقنية، وأما السلع المكتراة للتجارة فإن غلتها كالربح. وعلى قول ابن القاسم الذي مشى عليه المؤلف ولو قال: عن رقاب التجارة عوض قوله سلع لكان أوضح لان الحكم في علة الرقاب هو الحكم في علة السلع. أو لو قال عن رقاب التجارة وسلعها أو نحو ذلك والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن الصغير في الشرح الكبير: وأما منافع الرقاب فلا يخلو أن تكون متولدة عما اشترى للقنية أو عما اشترى للتجارة أو عما اكترى للتجارة. فإن كانت متولدة عما اشترى للقنية فلا زكاة فيها إذ هي تبع للاصل حتى يمضي لها حول من يوم قبضها قولا واحد انتهى. وقوله من يوم قبضها لا يريد أو قبض ثمنها إن كانت ثمرة. هذا حكم منافع السلع المشتراة للقنية، وأما السلع المكتراة للقنية فصرح به ابن الحاجب والمصنف، أما المصنف فمهفوم قوله قبل هذا وضم الربح لاصله كغلة مكترى للتجارة. وصرح بالمفهوم في التوضيح. وقوله بعد هذا إلا إن لم يكن أحدهما للتجارة والله أعلم. وهذا حكم سلع القنية مشتراة أو مكتراة أو التي ليست للتجارة ولا للقنية، وأما المتجدد عن سلع التجارة فلا يخلو إما أن تكون تلك السلع مكتراة أو مشتراة فهي المرادة هنا بقول المصنف وبالتجدد عن سلع التجارة إلى أن قال: وثمرة مشتري وأطلق رحمه الله في أن ثمن ثمرة المشتري للتجارة يستقبل به حولا، سواء وجبت الزكاة في عين الثمرة أم لم تجب، وهو كذلك على المشهور بل المنصوص وأما قوله: وإن وجبت زكاة في عينها فرجع إلى ما قبله وهو قوله ولو اكترى وزرع إلى آخره. وما ذكرت أنه المشهور قاله ابن عبد السلام وابن عرفة، ولم يجعل ابن عرفة مقابله إلا تخريج ابن بشير. ونص ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب كمن اشترى أصولا للتجارة فأثمرت

[ 163 ]

فالمشهور كفائدة يعني أن مثال الغلة ما ذكره وهو أن من اشترى أصولا للتجارة ولا ثمرة فيها فأثمرت فالمشهور من المذهب أن هذه الثمرة فائدة فإن كان في عينها زكاة زكاها، وإن لم يكن في عينها الزكاة كالتفاح والرمان أو كانت ولكنها قصرت عن نصاب فلا زكاة، ثم إن باع الغلة في الجميع استقبل حولا، والشاذ أنه يزكي الثمن على حول الاصل إلا فيما في عينه الزكاة وكان نصابا، فإن حل ثمنه. من يوم زكى عين الغلة انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون ثمن غلة ما ابتيع لتجر ولا زكاة فيها لحبسها أو عدم نصابها فائدة أو ربحا قولا، المشهور. ونقل ابن بشير مع الصقلي وهي رواية زياد: ولو كانت مزكاة ففي تزكية ثمنها لحول من يوم بيعها أو زكاتها. نقل الشيخ عن رواية محمد مع ظاهرها، وتخريج ابن بشير على كون ثمن غير زكاها ربحا، فجعله ابن الحاجب المشهور وهم انتهى. وما عزاه من القول الثاني لتخريج ابن بشير فقط نقله الشيخ أو الحسن الصغير قولا فإنه نقل في منافع ما اشترى التجارة أو اكترى لها ثلاثة أقوال. وأطلق في تلك فقال: الاول أنها ليست بفائدة ويزكي ذلك لحول من يوم أفاد الثمن الذي اشترى قبضه وهو قول أشهب به واكترى به أو زكاه، وهي رواية زياد عن مالك الثاني أن ذلك كله فائدة يستقبل بها حولا بعد قبضه الثالث غلة ما اشترى للتجارة فائدة، وغلة ما اكترى للتجارة ليست بفائدة، وهو قول ابن القاسم وهو أشد المذاهب، ولا فرق بين ما اشترى ليباع فيربح فيه، أو اكترى ليكرى فيربح فيه، ومن غلة ما اكترى للتجارة مسألة المدونة هذه انتهى. وهي المسألة الآتية في قول المصنف ولو اكترى والله أعلم. وقوله: أشد المذاهب كأنه استضعفه من جهة النظر عنده، وإلا فهو المشهور. ويمكن أن يحمل كلام الشيخ أبي الحسن ورواية ابن زياد على ما إذا لم تجب الزكاة في عين الثمرة، وكلام ابن الحاجب الذي أشار إليه ابن عرفة بالتوهيم هو ما ثبت في بعض نسخه ونصه: فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن بعد حول من تزكيته على المشهور. قال في التوضيح: وقع هذا في بعض النسخ ولو قال بعد تزكيتها لكان أحسن، والمشهور نقله لابن يونس عن مالك لكنه إنما نقله فيما إذا اكترى فزرع فيها للتجارة. وقيده هو فقال: يريد إذا اكترى الارض للتجارة واشترى طعاما للتجارة وزرع فيها للتجارة، وكان الاحسن على تقدير ثبوت هذه النسخة أن تؤخر عن قوله ولو اشترى أو اكترى للتجارة وزرعها للتجارة. وكذلك وقع في بعض النسخ انتهى. وأنت ترى أن هذا الذي ذكره ابن الحاجب على تقدير ثبوته إنما محله في المسألة الآتية وهي من اكترى للتجارة ولذلك ذكره المصنف في هذا المختصر بعدها، فعلم من هذا أن من اكترى للتجارة فعلته ربح تزكى على حول الاصل إلا أن تجب الزكاة في عين الثمرة أو الزرع فإنه يزكى لحول التزكية، وإلى هذا أشار المؤلف بقوله أولا وضم الربح لاصله كغلة مكترى للتجارة وبقوله بعد وإن اكترى وزرع للتجارة زكى، يعني يزكي الثمن لحول الاصل يريد إذا لم يكن في عين ما خرج زكاة بدليل قوله بعد وإن وجبت زكاة في عينها زكى ثم زكى الثمن لحول التزكية فهو إنما يرجع إلى هذا الفرع فقط. ومن رده إلى الغلة من

[ 164 ]

حيث هي فقد حمل كلام المصنف على خلاف المشهور بل على التخريج، فإنه قد صرح في التوضيح بأنه يستقبل بالثمن اتفاقا. ونصه في شرح قول ابي الحاجب: وفي إلحاق سلع التجارة بالربح أو بالفوائد إذا لم يكن في عينها زكاة قولان. احترز بقوله إذا لم يكن في عينها زكاة مما لو اغتل نصابا من الثمرة أو الحب فإنه يزكيه زكاة الثمرة اتفاقا، ثم إن باعه استقبل بثمنه اتفاقا انتهى. وكذلك قاله ابن رشد فيما نقل عنه ابن فرحون، وما حملناه عليه يوافق ما في المدونة فإنه فيها كذلك ونصها: ومن اكترى أرضا وابتاع طعاما فزرعه فيها للتجارة، أخرج زكاته يوم حصاده، فإذا تم له عنده حول من يوم زكاه قومه إن كان مديرا وله مال عين سواه، وإن لم يكن مديرا فلا يقومه، فإذا باعه بعد حول من يوم أدى زكاته زكى الثمن، وإن باعه قبل حول التربص فإذا تم حول والثمن في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكاه انتهى. وفي الجواهر: ومن اكترى ليكري زكيت أجرته لحول أصله وغلة ما اشترى للكراء والقنية فائدة يستقبل بها الحول، وكذلك غلة ما اشترى للتجارة. وروي أنها تزكي لحول أصلها. وأما غلة الاراضي فإن كانت الارض مكتراة للتجارة والزرع للتجارة زكى ما يخرج منها إن كان نصابا، وإن كان دونه زكى ثمنه ثم يستقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه أو ثمنه، وإن كانت للقنية استقبل بالثمن حولا، كان المبيع نصابا أو دونه. وإن كان أحدهما للتجارة والآخر للقنية فذكر الخلاف الذي فيه. ثم قال: ولو اشترى أصولا للتجارة فأثمرت فإن قلنا بأن الغلات فوائد استقبل بالثمن حولا، كانت مما تجب الزكاة في عينها أم لا. وإن أوجبنا الزكاة على حكم الاصول بين أثمانها إذا باعها على حول الاصول إن لم تجب الزكاة في عينها، وإن وجبت عند ابتداء الحول يوم زكاها انتهى. وكلامه كله موافق لما قلناه إلا قوله في اكتراء الارض للتجارة وإن كان دون النصاب زكى ثمنه ثم استقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه أو ثمنه. ولو قال زكى ثمنه بعد حول الاصل المكتري به ثم استقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه فيما إذا كان نصابا أو ثمنه إن لم يكن نصابا لكان أحسن والله أعلم. تنبيهات: الاول: ما وقع في نسخة الشيخ خليل من ابن الحاجب بعد الكلام على زكاة الغلات من قوله: فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن لحول من تزكيته على المشهور فرجعه لثمرة الاصول المشتراة للتجارة. وقال الشيخ في التوضيح: المشهور نقله ابن يونس لكنه إنما نقله فيما إذا اكترى أرضا للتجارة وزرعها للتجارة انتهى. فكأنه لم يقف على ما في ابن عبد السلام ولا على ما في الجواهر فتأمله. ومن رأى كلامه واقتصر عليه حمل كلامه في هذا لمختصر على مثل ذلك، والظاهر أنه ليس مرادا وإلا كان قدمه على قوله ولو اكتركما تقدم بيانه فتأمله والله أعلم. الثاني: هذا الذي تقدم حكم ما إذا اشترى الاصول بلا ثمرة وأثمرت عنده وباع الثمرة مفردة، وأما لو ابتاع الاصول بثمرتها فإن كانت مؤبرة فحكمها ما سيذكره المصنف، وإن لم تكن مؤبرة فهي أيضا غلة على المشهور يستقبل بثمنها إلا أن يبيعها قبل طيبها مع أصولها فتكون تبعا لاصلها. قاله ابن الحاجب. وأما إن اشترى الاصول بلا ثمر ثم أثمرت عنده إن

[ 165 ]

جذا الثمرة وباعها فلا كلام أنها غلة، وإن باعها مع أصلها فلا يخلو ذلك إما أن يكون بعد طيب الثمرة أو قبل طيبها، فإن كان ذلك قبل طيبها فهو تبع فيضم ثمنها إلى ثمن الاصل وكان الجميع ربحا يزكي على حول الاصل، سواء اشترى الاصول بلا ثمرة أو اشتراها بثمرة قبل طيبها وباع الاصول بثمرتها أيضا قبل طيبها، وأما إن باع الاصول بثمرتها بعد الطيب فلا يخلو إما أن تكون قد وجبت الزكاة في عين الثمرة أو لا، فإن كانت الزكاة تجب في عينها فض الثمن على الاصل الثمرة، فما ناب الاصل زكاه على حوله، وما ناب الثمرة زكاه زكاة الحرث، وإن لم تجب الزكاة في عينها ما لانها مجنس ما لا زكاة فيه أو كانت من جنس ما فيه الزكاة ولكنها قاصرة عن النصاب، فاختلف فيها هل هي غلة أو تكون تابعة لاصلها على الخلاف في الثمرة بماذا تكون غلة، هل بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ ؟ ثلاثة أقوال ذكرها اللخمي ولم يعزها. قال ابن عرفة: وعزا في النوادر كون ثمرة النخل غلة بالزهو لعيسى عن ابن القاسم مع ابن عبدوس عنه مع أشهب، ونقل ابن المواز أن ثمن الثمرة يضم إلى ثمن الاصل ويزكى الجميع لحول أصل الثمن. كذا نقل ابن عبد السلام وابن عرفة، وقال ابن عبد السلام: الجاري على قول ابن القاسم خلاف ما قاله ابن المواز وأنه يفض الثمن على الاصول والثمرة، فثمن الاصول ربح، وثمن الثمرة فائدة، وكلام ابن المواز إنما هو إذا لم يجذ الثمرة، أما لو جذها فإن ثمنها فائدة بلا كلام كما تقدم. انظر ابن عبد السلام وابن عرفة والله أعلم. الثالث، علم مما تقدم أن الغلات إما أن تكون متولدة عن السلع المشتراة للقنية أو المشتراة للتجارة أو المشتراة للكراء أو عن السلع المكتراة للقنية أو للتجارة، والحكم في الجميع يستفاد من كلام المصنف لانه قد ذكر أن غلات السلع المشتراة للتجارة يستقبل بها، فيستقبل بغلات سلع القنية من باب أولى، وأما المشتراة للكراء فهي كالمشتراة للتجارة أو للقنية. وقال في النوادر من قول مالك وأصحابه، إن غلة ما اشترى للتجارة أو للكراء أو للقنية أو ورثت فذلك كله فائدة انتهى. وأما غلات السلع المكتراة للتجارة فذكر حكمها في قوله كغلة مكترى للتجارة وقوله وإن اكترى وزرع للتجارة وأما غلات السلع المكترا للقنية فمن مفهوم ما ذكره والله أعلم. ص: (وكتابة) ش: هذا

[ 166 ]

هو المشهور ولو باع الكتابة. قال ابن عرفة: في كون ثمنها غلة أو ثمنا قولان انتهى. ولاظاهر أنه غلة يستقبل بها حولا لانه إذا جعلنا الكتابة غلة فقيمتها بمنزلتها كثمن العروض المأخوذة في منافع سلع التجارة والعروض الناشئة عنها والله أعلم. ص: (إلا المؤبرة) ش: يعني أن سلع التجارة إذا اشتراها وفيها ثمرة مؤبرة فليس غلة بل هي كسلعة مشتراة للتجارة. كذا ذكر في التوضيح عن عبد الحق. قال فيه فيزكي ثمنها لحول الاصل انتهى. وهذا إذا لم تجب الزكاة في عينها لكونها من جنس ما لا يزكى أو دون النصاب، فإن وجبت الزكاة في عينها فإنه يزكيها. ثم هل يستقبل به أو يزكيه لحول التزكية ؟ الجاري على قولهم أيضا كسلعة مشتراة أن يزكيه بحول التزكية. هذا على ما تبع المصنف فيها صاحب النكت. قال في التوضيح: وذكر ابن محرز أن أهل المذهب قالوا: يستقبل بثمن الثمرة المؤبرة وإن كانت مؤبرة يوم شراء الارض. قال: والقياس أن يزكيه على مذهب ابن القاسم انتهى. وقال في النوادر قال علي وابن نافع عن مالك ابتاع زرعا للتجارة مع أرضه فزكاه ثم باعه فليأتنف بثمنه حولا من يوم قبضه. قال ابن نافع: وهذا إذا كان حين ابتاعه مع الارض لم يبد صلاحه انتهى. فظاهر إطلاق الرواية كما قال ابن محرز وعلي ما قيدها به ابن نافع يأتي كلام عبد الحق، وما ذكرنا أنه الجاري عليه فيما إذا زكى الثمرة ثم باعها والله أعلم. ص: (والصوف التام) ش: قال اللخمي، اختلف إذا اشترى الغنم وعليها صوف تام فجزه ثم باعه، فقول ابن القاسم إنه مشتري يزكيه على الاصل في المال الذي اشتريت به الغنم. وعند أشهب أنه غلة. والاول أبين لانه مشترى يزاد في الثمن لاجله، ولو ثبت أن بائع الغنم باع الصوف قبل بيعه إياها لرجع المشتري فيما ينوب ذلك الصوف انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن القولين في ذلك منصوصان، وظاهر كلام عبد الحق أنهما مأخوذان من مسألة كتاب العيوب. ولو اشترى الغنم وليس صوفها تاما وتم عنده، فإن جزه وباعه فهو غلة، وإن باعه مع الغنم فهل يكون غلة أم لا ؟ يجري ذلك على الخلاف في الصوف

[ 167 ]

بما يكون غلة، وهو كالخلاف في الثمرة تمامه كالطيب، وتعسيله كاليبس، وجزه كالجذاذ. ذكر ذلك اللخمي. قال ابن عرفة: وعزا في النوادر كونه غلة يجزه لمحمد عن ابن القاسم وسحنون والله أعلم. ص: (وإن اكترى وزرع للتجارة زكى) ش: تصوره ظاهر ولم يتبع المؤلف ابن الحاجب في قوله لو اشترى أو اكترى لقول ابن عبد السلام ما ذكره من فرض المسألة فيمن اشترى أرضا للتجارة ليس بصحيح، لان غلة ما اشترى للتجارة فائدة انتهى. وكذلك المصنف قد اعترض عليه وقال: ما رأيت من فرض المسألة في الشراء وإنما فرضها في الكراء. فرع: قال المغيرة فيمن بنى دارا ثم باعها بعد حول: فإن بناها للتجارة وابتاع القاعة للتجارة زكى الثمن كله لحول إن بلغ ما فيه الزكاة، وإن كانت القاعة للقنية زكى ما قبل البنيان من الثمن إن بلغ ما فيه الزكاة انتهى. وقوله زكى أي زكى ثمن ما يخرج لحول الاصل يريد إذا كان الخارج لا زكاة في عينه كما تقدم بيانه عند قوله وبالمتجدد عن سلع التجارة. واعلم أن المراد بقوله زكى تزكية الثمن من أن فرض المسألة أن الخارج لا زكاة في عينه وأنه لحول الاصل لا لحول مستقبل لمخالفته بنيه وبين المتجدد عن سلع التجارة. ص: (لا إن لم يكن أحدهما للتجارة)

[ 168 ]

ش: ضمير التثنية راجع لاكترى الارض والزراعة وهو مشكل فإنه يقتضي بمفهومه أنه إذا كان أحدهما للتجارة وجبت الزكاة لحول الاصل وليس كذلك، بل هو مخالف لاول كلامه لانه إنما جعله يزكى لحول الاصل بشرط أن يكون الاكتراء للتجارة والزراعة للتجارة. ولو قال لا إن لم يكونا للتجارة لكان أحسن. قال ابن عرفة: ولو زرع للقنية والارض والحب للتجر فلا نص، ومقتضى المذهب فائدة انتهى. كأنه يعني لا نص مع تقييده الفرض يكون الحب للتجارة وإلا فهي داخلة في قولهم إن لم يكن أحدهما للتجارة وعلى التقييد المذكور فالظاهر أن الحب عند زرعه انتقل للقنية بالنية فتأمله. ص: (وإن وجبت زكاة في عينها) ش: هذا خاص بمسألة المكتري للتجارة ولا يرجع لجميع ما تقدم والله أعلم. ص: (وإنما يزكى دين إن كان أصله عينا بيده

[ 169 ]

أو عرض تجارة وقبض عينا) ش: لما ذكر حكم الفوائد والغلات والارباح أتبع ذلك بحكم زكاة الدين. وقوله بيده متعلبأصله. واحترز مما إذا لم يكن أصله بيده وإنما كان في يد مورثه أو من وهب له أو نحو ذلك. ويد وكيله كيده. وقوله أو عرض تجارة أي احتكار لان الكلام هنا فيه وسيتكلم على دين المدير. وكذا خصص في التوضيح قول ابن الحاجب أو عرض زكاة بذلك. فقال: أي عرض

[ 170 ]

احتكار، وأما دين المدير فسيتكلم عليه في بابه، وكذلك ابن عبد السلام ونصه في شرح قول ابن الحاجب زكاة واحدة، وكلام المؤلف يدل على أنه إنما تكلم على دين المحتكر، وأما دين المدير فلا شك أنه لا يشترط في تزكيته القبض بل يزكيه في كل حول، إما عددا أو قيمة على ما سيأتي انتهى. وصدر ابن عرفة البحث بقوله ودين المحتكر واحترز به مما لو كان أصله عرض قنية أو ميراث أو هبة وعن مهر المرأة وأرش الجناية ونحو ذلك. وقوله وقبض عينا فيه شرطان: أحدهما قبضه فلا زكاة عليه قبل قبضه خلافا للشافعي. والثاني أن يكون المقبوض عينا فلو قبضه عرضا لم تجب الزكاة إلا أن يكون مدبرا. ص: (ولو بهبة) ش: أي تجب الزكاة في الدين إذا قبض ولو كان القبض بهبة بأن يكون وهبه صاحبه لشخص غير من هو عليه وقبضه فيزكيه الواهب منه وهذا هو المشهور. وقيل: لا تجب عليه زكاته. وكذا حله ابن غازي ونصه: قوله ولو بهبة أي لغير من هو عليه لان قبض الموهوب كقبض الواهب وجعله إغياء للقبض يدل على مراده، فإن الموهوب للمدين لا قبض فيه أصلا انتهى. وفهم منه أيضا أنه إنما يزكيه بعد أن يقبضه الموهوب له وهو كذلك. قال ابن الحاجب: فلو وهب الدين لغير المدين فقبضه ففي تزكية الواهب قولان انتهى. قال ابن عبد السلام: وهما جاريان على الخلاف في الزكاة، هل هي واجبة في الدين وإنما يمنع من إخراجها خشية عدم الاقتضاء، أو إنما تجب بالقبض وإنما وهب الدين للمدين فلا زكاة على الواهب. قال في المدونة: ومن كان له على رجل دين له أحوال وهو قادر على أخذه منه فوهبه له فلا زكاة فيه على ربه ولا على الموهوب له حتى يتم له عنده حول من يوم وهب له. وهذا إذا لم يكن له مال غيره، فإن كان له عرض سواه فعليه زكاته وهب له أولا. وقال غيره: عليه زكاته إذا وهب له كان له مال أو لم يكن له انتهى. ونقله في التوضيح. تنبيه: قولنا يزكيه الواهب منه أي من الدين الموهوب. قال ابن عرفة: وفي زكاة واهب دين لغير مدينه بقبضه وسقوطها قولا ابن القاسم وأشهب انتهى وقال في التوضيح: وتؤخذ الزكاة منها أي الهبة لا من غيرها ابن محرز قال شيخنا أبو الحسن: إنما تؤخذ الزكاة منها إذا قال الواهب أردت ذلك وإن لم يكن أراد ذلك فقد قال ابن القاسم في بائع الزرع بعد وجوب الزكاة. إن الزكاة على البائع إن لم يشترط ذلك على المشتري. وقال أشهب بنقض البيع في حصة الزكاة يريد إذا عدم البائع إن لم يشترط ذلك على المشتري. وتأمل ما حكاه عن أشهب

[ 171 ]

فإنه مخالف لما حكاه في التوضيح في زكاة الحرث، فإنه حكى عنه أن البيع ماض ولا رجوع على المبتاع بشئ، وينبغي أن يجري على ما تقدم من الخلاف فيمن وهب زرعه بعد وجوب الزكاة فيه، فهل تجب الزكاة على الواهب أو من الزرع الموهوب بعد يمين الواهب أنه ما وهبه ليزكيه ؟ والله أعلم. ص: (أو بإحالة) ش: ولا يشترط قبض المحال الدين. قاله ابن رشد. وتجب على المحيل الزكاة بنفس الاحالة. وتأول ابن لبابة أنها لا تجب حتى يقبضها وهو تأويل فاسد ولا وجه له انتهى. ونقله ابن عرفة وصاحب التوضيح. ونص ابن عرفة: وفي زكاة المحيل الملئ ما أحال ببالحوالة أو قبض المحال. قول ابن القاسم وتأويل ابن لبابة قول أصبغ، وضعفه ابن رشد انتهى. وعلى المحال زكاتها إذا قبضها أيضا وكذلك المحال عليه أيضا أدائها لان الانسان إذا كان عليه دين وعنده مال حال عليه الحول وهو ملئ فلا يعطيه في دينه حتى يزكيه. قال ابن الحاجب: وعلى تزكيته فهو مال يزكيه ثلاثة إن كانوا أملياء انتهى. يعني المحيل والمحال به والمحال عليه. قال في التوضيح: فإن قلت: لا تسلم إنه يزكيه ثلاثة وإنما يزكيه المحال والمحال عليه، وأما المحيل فإنما يزكى عنه. فجوابك أن معنى زكاة الثلاثة أي خوطب بزكاته ثلاثة انتهى. ولووفي قول المصنف ولو بهبة أو إحالة إشارة لقول أشهب في الهبة وتخريج اللخمي في الحوالة من قول أشهب في الهبة، ورده ابن عرفة بانتفاع المحيل في الحوالة. قال: ونقله ابن الحاجب وابن بشير نصا لا أعرفه. انتهى فتأمله. تنبيه: وهذا إذا كانت الهبة والحوالة بعد تمام حول وإلا لم تجب على الواهب والمحيل زكاة وهو ظاهر، وفي كلام ابن يونس وابن عبد السلام إشارة إلى ذلك والله أعلم. ص: (كمل بنفسه) ش: كما إذا اقتضى عشرين دينارا دفعة أو عشرة بعد عشرة ونحو ذلك. ولو كان الدين أصله نصابا عشرون دينارا فأخذ عنها مائة درهم لم تجب عليه زكاة، وكذا لو كان أصلها مائتي درهم فأخذ عنها عشرة دنانير، وأما إذا كان أصل الدين أقل من نصاب وأخذ عنه نصابا فإنه يزكيه على المشهور من أن الربح يزكى على حول أصله. قاله في سماع أصبغ. ص: (ولو تلف

[ 172 ]

المتم) ش: أي المقتضي أولا بإنفاق أو ضياع على المشهور في الضياع، ومقابله وهو المشار إليه بلو أنه إذا تلف من غير سببه لم يضمنه وتسقط زكاة في باقي الدين إن لم يكن فيه نصاب. وهذا القول لابن المواز واستظهره ابن رشد، وأما التلف بإنفاق فهو كذلك بلا خلاف. قال في المقدمات: وهذا الاختلاف إنما يكون إذا تلف بعد أن مضى من المدة ما لو كان ما تجب فيه الزكاة يضمنه، وأما إن تلف بفور قبضه فلا اختلاف أنه لا يضمن ما دون النصاب كما لا يضمن النصاب. وقول ابن المواز أظهر يعني مقابل المشهور لان ما دون النصاب لا زكاة فيه فوجب أن لا يضمنه في البعد كما لا يضمنه في القرب، ووجه قول ابن القاسم وأشهب مراعاة من يوجب الزكاة في الدين وإن لم يقبض فهو استحسان انتهى. وسيأتي كلامه برمته عند قول المصنف في زكاة العروض فكالدين. ص: (أو فائدة جمعهما ملك وحول) ش: أي كمل بفائدة جمعهما والدين ملك وحول فإن حال الحول على الفائدة وهي في ملك صاحب الدين، سواء كمل حولها قبل الاقتضاء أو معه. ومعلوم أن الدين لا يزكى حتى يكون قد مضى لاصله حول، فقد جمعهما الملك والحول. واحترزنا بقولنا قبل الاقتضاء أو معه مما إذا كان لا يكمل حول الفائدة إلا بعد الاقتضاء فإنه لا يزكى الدين حينئذ بل تؤخر الزكاة حتى يكمل حول الفائدة فتزكى حينئذ. قال ابن عبد السلام: إن بقي المقبوض إلى حين حول الفائدة. ولذا اعترض على ابن الحاجب قوله أو

[ 173 ]

بعده مع قوله زكاة عند قبضه والله أعلم. ص: (على المقول) ش: مقابله وهو عدم ضم المعدن. عزاه ابن عرفة للصقلي عن المدونة. وقال في التوضيح: لم أر القول بعدم الضم لكنه يأتي على ما فهمه ابن يونس في المدونة أن المعدن لا يضم إلى عين حال حوله انتهى. وقال ابن عبد السلام: لا خصوصية لهذا الفرع بباب زكاة الدين بل الخلاف في ضم العين التي حال حولها للمعدن، ولذلك شرط اجتماع المالين الملك والحول عام في باب زكاة العين بل في سائر أبواب الزكاة انتهى. ولذلك قال ابن عرفة: وفي ضم المعدني لغيره مقتضى أو غيره قولا القاضي والصقلي عنها انتهى. ص: (لسنة من أصله) ش: أي يزكي الدين بعد مضي حول على أصل الدين لا على الدين فلو كان عنده نصاب ثمانية أشهر ثم داينه لشخص فأقام عنده أربعة أشهر ثم اقتضاه زكاه إذا ذاك انتهى. وما اقتضاه قبل كمال الحول لا يزكيه ولا يضمنه لما يقتضيه بعده. قال في المدونة: وكذا إذا أنفق قبل الحول أيضا. ص: (ولو فر بتأخيره) ش: قال ابن عرفة: ولو أخره فارا ففيها زكاة لعام واحد. وسمع أصبغ ابن القاسم: لكل عام انتهى. ص: (إن كان عن كهبة وأرش لا عن مشتري للقنية وباعه لاجل فلكل) ش: هذا الشرط لا محل

[ 174 ]

له لان كلامه في دين القرض أو دين عرض التجارة الذي للاحتكار، وهذا الذي ذكر، إنما هو في دين الفوائد. كذا جعله ابن رشد. وجعل المصنف في التوضيح مثل جعله في المختصر، وأدخل كلام ابن رشد في دين الفائدة في شرح كلام ابن الحاجب في دين القرض والتجارة فتأمله. ولو قال المصنف لا إن كان عن هبة أو أرش فيستقبل به حولا ولا عن مشتري للقنية لصح الكلام. واعلم أن المصنف حاول على اختصار كلام ابن رشد في المقدمات فلم يتيسر له الاتيان على وجهه. قال في المقدمات: الدين على أربعة أقسام: دين من فائدة. ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة انتهى. فهذه الثلاثة الاخيرة الحكم فيها سواء على المشهور، تجب الزكاة فيها لسنة واحدة على حول أصل المال، ويؤخذ حكمها من كلام المصنف أما دين الغصب فقد قدم أن الغصوبة يزكيها العام واحد في قوله لا مغصوبة. وأما دين التجارة والقرض فمن هنا، وهذا في غير المدير وسيأتي حكم المدير. فإن فر بالتأخير فالذي مشى عليه المصنف إنما يزكيه لعام واحد أيضا. وأما دين الفائدة فقال ابن رشد: ينقسم أيضا على أربعة أقسام: أحدها: أن يكون من ميراث أو عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع وما أشبه ذلك فهذا لا زكاة فيه إلا بعد حول من يوم قبضه حالا كان أو مؤجلا. ولو فر بتأخيره. وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله إن كان عن كهبة أو أرش. ولهذا قلنا إنه لو قال لا إن كان عن كهبة فيستقبل يصح كلامه، وفي بعض النسخ المصلحة ولو فر بتأخيره إن كان عن كهبة أو أرش استقبل. الثاني:

[ 175 ]

أن يكون من ثمن عرض أفاده بوجه من وجوه الفوائد: فإن كان حالا يستقبل به حولا من يوم قبضه اتفاقا، وإن كان مؤجلا ففيه قولان: المشهور أنه كالحال والثاني لابن الماجشون والمغيرة يزكيه لحول من يوم بيعه ولو فر بتأخيره، فيتخرج فيه قولان: أحدهما أنه يزكيه لكل عام، والثاني أنه يبقى على حاله كما لم يتركه فرارا. وقال الرجراجي: إن القول بزكاته هنا لعام واحد لابن القاسم ومقابله لابن الماجشون. والقسم الثالث أن يكون الدين من كراء أو إجارة. فهذا إن قبضه بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه كالقسم الثاني، وإلى هذين القسمين أشار المصنف بقوله وعن إجارة أو عرض مفاد قولان وإنما تكلم على حكم الفرار فقط واستغنى عن أن يذكر الاستيفاء لانه إذا لم يحصل الاستيفاء لم يتحقق الدين، واستغنى عن ذكر كون القولين مخرجين وأنه لا يأتي فيه قول آخر بالاستقبال كما في كلام ابن رشد، لان الرجراجي نقل هنا القولين نصا كما تقدم عنه ولم يذكر الثالث والله أعلم. وإن كان قبل الاستيفاء ففي ذلك ثلاثة أقوال يأتي ذكرها والكلام عليها عند قول المصنف أو لكمؤجر نفسه بستين دينارا ثلاث سنين حول. والقسم الرابع أن يكون الدين عن ثمن عرض اشتراه للقنية بناض كان عنده فإن كان حالا لم تجب زكاته إبعد حول من يوم قبضه اتفاقا، وإن كان مؤجلا ففيه طريقان: طريقة اللخمي فيه قولان والمشهور أنه كالحال، والثاني يزكيه لحول من يوم باعه. وطريقة ابن رشد يزكيه لحول من يوم بيع اتفاقا، وإن فر بتأخيره زكاه لماضي الاعوام اتفاقا، وإلى هذا أشار المصنف بقوله لاعن مشتري للقنية وباعه لاجل فلكل إلا أن في كلام المصنف رحمه الله إنما يزكيه لكل عام إذا كان باعه لاجل ثم فر بالتأخير. وظاهر كلام ابن رشد أنه إذا فر بتأخيره مطلقا، سواء كان باعه بحال أو مؤجل، يزكيه لكل عام. ولعل المصنف فهمه من ذكر الفرار بعد بيعه لاجل، وظاهر كلامه أنه لا فرق والله أعلم. وما ذكرته من التصريح بالاتفاق وبالمشهور في هذا القسم والذي قبله فهو من نقل ابن عرفة والله أعلم. فرع: ابن رشد في المسألة الثانية من سماع أصبغ: من كان له دنانير تجب فيها الزكاة فاشترى عرضا لا غرض له فيه إلا الهروب من الزكاة لم يجب عليه شئ بإجماع انتهى. ص: (لا إن نقص بعد الوجوب) ش: يعني أنه إذا اقتضى من دينه نصابا وزكاة ثم نقص بعد

[ 176 ]

عن النصاب فإنه يزكي على حوله ولا يضم لما بعده والله أعلم. ص: (ثم زكى المقبوض وإن قل) ش: يعني فإذا كمل المقتضي نصابا إما في مرة أو مرات، فما اقتضاه بعد ذلك زكاه وإن قل ويكون حول ما اقتضاه بعد النصاب ممن قبضه كما صرح به المازري وأبو الحسن وغيرهما، ولا يضلما قبله إلا في الاختلاط كما سيأتي. تنبيهان: الاول: إذا قبض نصابا وزكاه استمفي يده أو لم يزكه أو ضاع بتفريط أو أنفقه في حوائجه فلا كلام في تزكية ما يقتضي بعده. وإن تلف النصاب منه بغير تفريط، فهل يزكي ما اقتضى أيضا بعده من قليل وكثير وهو قول ابن القاسم وأشهب، أو لا يزكيه حتى يقتضي نصابا وهو قول ابن المواز نقله الرجراجي ؟ وحاصله أن عند ابن القاسم وأشهب يزكي ما اقتضاه بعد النصاب، سواء كان باقيا أو ضاع بسببه أو بغير سببه. وقال اللخمي: إنه إذا أنفق المقتضي فهو بمنزلة مالو كان في يديه قال: وهذا في الانفاق. ويفترق الجواب في الضياع فإن اقتضى عشرين فزكاها ثم ضاعت ثم تقتضي عشرة زكاها وإن ضاعت العشرين قبل أن يزكيها وبعد أن فرط فيها فكذلك يزكيها، وما اقتضى بعدها وإن ضاعت الاولى قبل أن يفرط في زكاتها لم يكن عليه فيها زكاة ولا فيما اقتضى بعدها إلا أن يكون في الاقتضاء الثاني في نصاب انتهى والله اعلم الثاني: قوله وإن قل أنظر هل يقيد بالامكان كما تقدم ؟ قال الاقفهسي في شرح المختصر في قوله وإن قل. ولو درهما أو دونه إن أمكن انتهى. ص: (وإن اقتضى دينارا فآخر فاشترى بكل سلعة باعها بعشرين فإن باعها أو إحداهما بعد شراء الاخرى زكى الاربعين وإلا إحدى وعشرين) ش: يعني أن من كان له دين لا يملك غيره أو يملك ما لا

[ 177 ]

يكمل به فاقتضى من دينه دينارا ثم دينارا فاشترى بكل واحد منهما سلعة وباعهما بربح فلذلك إحدى عشرة صورة: لانه إما أن يشتري بالاول قبل الثاني، أو بالثاني قبل الاول أو بهما معا فإن اشترى بالاول قبل الثاني أو بالثاني قبل الاول أو بهما معا، فإن اشترى بالاول قبل الثاني، فإما أن يبيع ما اشتراه بالاول قبل أن يشتري بالثاني أو بعد ان اشترى به وقبل أن يبيع ذلكو أو بعد أن باع ذلك أو يبيع ما اشتراه بهما معا، فهذه أربع صور. وكذلك إذا اشترى بالثاني قبل أن يشتري بالاول فيه أربع صور. وإن اشترى بهما معا فإما أن يبيع ما اشتراه بالاول قبل أن يبيع ما اشتراه بالثاني أو بعده، أو يبيعه معه، فاصورة الاولى والخامسة يؤخذ من كلامه أنه يزكي فيها إحدى وعشرين لانه باع ما اشترى بأحدهما قبل أن يشتري بالآخر. ومبنى ذلك أن الربح بقدر حصوله عند ابن القاسم يوم الشراء فإذا اشترى بأحدهما سلعة وباعها قبل أن يشتري بالآخر فيزكي الدينار الاول وربحه لانه يضم إليه، والدينار الآخر لانه كمن اقتضى دينارا بعد نصاب فيضمه إليه ثم يصير ربح الآخر ربح مال وجبت فيه الزكاة فلا يزكي إلا لحول آخر. وبقية الصور مقتضى كلامه هنا وكلام ابن الحاجب أنه يزكي الاربعين وهو ظاهر كلام الجواهر والقرافي واللخمي، وهذا ظاهر على الاصل الذي ذكرنا وهو تقدير وجود الربح يوم الشراء في ثلاث مسائل وهي: إذا اشترى بالدينارين معا ثم باعهما معا أو باع إحداهما قبل الاخرى لان ربحهما يقدر وجوده يوم اشترى بهما ويضم الدينارين فيزكي للجميع، فإن كان باعهما معا زكى الاربعين، وإن باع إحداهما قبل الاخرى زكى ما باع به أولا مع الدينار الآخر

[ 178 ]

ثم يزكي ربحه يوم بيع سلعته، وأما بقية الصور فالجاري على المذهب أنه إنما يزكي إحدى وعشرين لانه لما اشترى بأحدهما قبل الآخر يقدر وجود ربحه معه يوالشراء. والفرض أن فيه وفي ربحه النصاب فيضم له الدينار الآخر ويزكي عن إحدى وعشرين، ويصير ربح الثاني ربح مال وجبت فيه الزكاة فلا يزكي عنه. فهذا هو الجاري على مذهب ابن القاسم في الصور الباقية وهي ست، وقد صرح بذلك ابن عرفة فيها واعترض إطلاق ابن الحاجب وكلام ابن بشير وكلام ابن شاس في بعضها. وما ذكره ابن عرفة أصله في ابن يونس والنوادر وهو الظاهر الذي لا شك فيه لمن تأمل وأنصف والله الموفق. تنبيه: لو كان الاصل مع ربحه دون النصاب ضم للثاني مع ربحه وزكى الجميع يوم

[ 179 ]

بيع الثاني. نقله ابن يونس وابن عرفة وصاحب الشامل وغيرهم. ص (والاقتضاء لمثله مطلقا والفائدة للمتأخر منه فإن اقتضى خمسة بعد حول ثم ست عشرة فأنفقها فعلى حولها ثم اقتضى عشرة زكى العشرين والاولى إن اقتضى خمسة) ش: الضم في قوله وضم لاختلاط أحواله الجيمع الاحوال. والضم هنا لايجاب الزكاة وإسقاطها. فالاقتضاء أن يضم بعضها لبعض مطلقا أي لما تقدم وما تأخر، وسواء أنفق المتقدم أو كان باقيا، وسواء تخللتهما فوائد أم لا. وأما الفوائد فإن كانت مفردة عن الاقتضاءات فقد تقدم كيفية زكاتها وما يضم منها وما لا يضم. وذكر هنا أيضا أنها إذا اختلطت أحوالها تضم الاولى منها للاخيرة، وأما إذا تخللت بين الاقتضاآت فما اقتضى وأنفق قبل حصولها ولم تجتمع هي فائدة فلا تضم إليه اتفاقا وما اقتضى وأنفق بعدها حصولها وقبل حلول حولها لم تضم إليه عند ابن القاسم لانه

[ 180 ]

يشترط في الضم اجتماعهما في ملك حولا كاملا، وتضم عند أشهب. وما اقتضى بعد حلول حولها أو عند حلوله تضم له، وهذا معنى قول المصنف والفائدة للمتأخر منه أي للاقتضاء المتأخر عن حولها، وسواء كانت باقية أو أنفقت. تنبيهات: الاول: قولنا ما اقتضى بعد حصولها وقبل حلول حولها لا تضم له عند ابن القاسم أي إذا أنفق المقتضي قبل حلول حول الفائدة، وأما لو استمر المقتضي باقيا بيده حتى حل حولها فإنه يضمها له ويزكيها وذلك واضح لانه قد حصل الشرط وهو اجتماعهما في الملك حولا كاملا. وقد قال في المدونة: وإن كان معه عشرون دينارا لم يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين لم يزك شيئا من المالين حتى يتم به حول العشرين، فإذا تم حول العشرين زكاها وزكى ما كان اقتضى جميعا. قال أبو الحسن: يريد إذا كان ما اقتضى قائما بيده لانهما يصيران كمال واحد، ولو أتلف قبل تمام حول العشرين لم يزكه حتى يقتضي تمام عشرين فيزكي حينئذ ما اقتضى وما أتلف انتهى. ثم قال أبو الحسن في الكبير: وتحصيل هذا إن كل ما اقتضى من الدين بعد حصول الفائدة وكان إذا أضافه إليها كان فيها النصاب فإنه يضيفه إليها، وكل ما اقتضى من الدين قبل حصول الفائدة أو قبل حلول حولها فلا يضمه إليها. الشيخ: وكلامنا فيما يضم وما يضم إنما ذلك إذا كان أنفق، وأما إذا كان باقيا فإنه يضم. انتهى. وهذا ظاهر. وما في التوضيح في قول ابن الحاجب: ويضم الاقتضاء إلى الفائدة قبله أو بعده. ما نصه: كما لو كان عنده عشرة فائدة حال حولها ثم اقتضى عشرة وهذا ضم الاقتضاء إلى الفائدة قبله أي حال حولها قبل الاقتضاء. وقوله أو بعده كما لو اقتضى عشرة ثم استفاد عشرة أو كانت لم يحل حولها فإذا حل حولها والمقتضي باق يزكي المجموع انتهى. ثم ذكر فيه أنه لو أنفق المقتضي قبل حلول حولها لم يضمها إليه والله أعلم. الثاني: حمل الشارح في الكبير كلام المصنف على أن الخمسة المقتضاة أولا لم تنفق وهذا غير ظاهر، لانك قد علمت أن المقتضي إذا كان باقيا حتى حال الحول على الفائدة فإنه يضم إليها وهذا ظاهر لانهما قد اجتمعا في الملك والحول فيصيران كما قال أبو الحسن مالا واحدا، ولا يضرنا بعد ذلك إنفاق أحدهما فتأمله، وأما في الوسط والصغير فلم يتعرض لكونها منفقة أو باقية، ويتعين حمل كلام المصنف على أن مراده إذا أنفقت، وأما لو كانت باقية فإنها تضم إلى ما بعدها من الفائدة والاقتضاء إذا كمل النصاب ويزكى والله أعلم. الثالث: قولنا ما اقتضى بعد حلول حولها يضم لها أي سواء كانت باقية أو أنفقها، ولذا فرض المصنف رحمه الله الفائدة في مسألة منفقة. فقوله: ثم استفاد عشرة فأنفقها قصد به بيان ما يتوهم فيه عدم الضم وهي ما إذا أنفقت ولم يحترز به من شئ والله أعلم. وإذا علمت ما تقدم ظهر لك المثال الذي فرضه المصنف فإنه قال: اقتضى خمسة بعد حولها

[ 181 ]

يعني بعد مرور حول على الدين يريد وأنفقها ثم استفاد عشرة فأنفقها بعد حولها ثم اقتضى عشرة، فيضم العشرة الفائدة المنفقة للعشرة المقتضاة بعدها ويزكي العشرين ولا يزكي الخمسة المقتضاة أولا لانها أنفقت قبل حلول حول الفائدة فلا يضم لها ولا يكمل من الاقتضاءات نصاب، فكذلك إذا اقتضى خمسة أخرى زكى الخمسين لانه حينئذ كمل من الاقتضاءات نصاب، وقد علمت أن الاقتضاءات تضم لبعضها ولو أنفق المتقدم والله أعلم. ص: (لا زكاة فيه عينه) ش: هذا هو الشرط الاول كما قال في الشرح الاصغر. واحترز به مما في عينه الزكاة كنصاب الماشية فإن الزكاة تؤخذ منه، فإن باع الماشية زكى الثمن بعد حول من يوم زكى الرقاب. وأما الحبوب والثمار إذا كانت مشتراة وحدها فلا تتعلق الزكاة بعينها وإنما تتعلق الزكاة بها إذا خرجت من الحرث، وقد تقدم حكمها في قوله: وإذا اكترى إلى آخره. ص: (أو

[ 182 ]

قنية على المختار والارجح) ش: يعني إذا نوى بالعرض التجارة والقنية بأن يشتريه وينوي الانتفاع بعينه وهي القنية وإن وجد فيه ربحا باعه وهو التجارة. كذا فسره ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح، فتعلق الزكاة به على المختار والارجح. ص: (وكان كأصله أو عينا) ش: يعني أنه يشترط في زكاة عروض التجارة أن يكون أصلها عروض تجارة أو عينا. قال البساطي وابن غازي: حق العبارة أن يقول: وكان أصله كهو. وهذا ظاهر. وقال بعضهم: المراد أن يكون أصله عينا أو عرضا. سواء كان عرض تجارة أو قنية انتهى. وتأمله فإنه لا يصير لقوله: وكان كأصله أو عينا فائدة. وقال الشارح في شروحه الثلاثة: فاحترز بهذا الشرط مما لو كان أصله عرض قنية فإنه يستقبل بثمنه انتهى. وما ذكره الشارح هو المفهوم من كلام المصنف إلا أنه خلاف المشهور من المذهب كما صرح به المصنف في التوضيح وابن عبد السلام، بل قال ابن عبد السلام: لا يكاد يقبل لشذوذه، ونص كلام التوضيح عند قول ابن الحاجب: وإن كان بمعاوضة للتجارة بعرض القنية فقولان الباء في بعرض تتعلق بمعاوضة يعني فإن كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة ثم باعه ففي ثمنه إذا بيقولان: يزكي لحول أصله وهو المشهور. وقيل: يستقبل به حولا بناء على أن

[ 183 ]

الثمن هيعطى حكم أصل الثاني فيزكي أو أصله الاول فلا زكاة لانه عرض قنية انتهى. وقال لما أن عد الشروط: ثالثها أن يكون أصل هذا العرض المحتكر إما عينا أو عرض تجارة، فلو كان أصله عرض قنية استقبل بثمنه انتهى. ونص ابن عبد السلام هنا الشرط الثالث وهو أحد أمرين على البدل أن يكون أصل هذا العرض المحتكر عينا أو يكون عرض تجارة احتراز من أن يكون أصله عرض قنية، فإن كان كذلك فذكر المؤلف فيه قولين انتهى. ثم قال عند قول ابن الحاجب المتقدم يعني فإن باع عرض القنية بعرض ينوب به التجارة، فهل يكون ثمن هذا العرض الاخير كالدين أو يستقبل به حولا بعد قبضه ؟ في ذلك قولان، والمشهور منهما أنه كالدين، ويكاد لا يقبل القول الآخر لشذوذه وضعفه والله أعلم انتهى. وصرح بذلك ابن فرحون أيضا ونصه: المشهور أنه إذا كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة ثم باع هذا العرض فإنه يزكي ثمنه كسائر عروض التجارة. وقيل: إنه يستقبل به كثمن عروض القنية انتهى. وذكر ابن عرفة فيه طريقين: الاولى للخمي فيه قولان الثانية لابن حارث إن كان أصله عروض القنية من شراء. فالقولان وإن كان بإرث فيكون العرض المشتري عرض قنية أيضا اتفاقا ونصه: وفي كون ما ملك لتجر بعرض قنية تجر أو قنية طريقا للخمي قولان ابن حارث: إن كان عرض القنية من شراء فقولا ابن القاسم مع أحد قولي أشهب، وقوله الآخر: وإن كان بإرث فقنية اتفاقا انتهى. إلا أن عزوه الطريق الاولى للخمي يقتضي أنها له وحده. وقال المازري في شرح التلقين: إن الاختلاف في هذه المسألة ينقله شيوخنا نقلا مطلقا. وصرح بعضهم بكون السلعة الثانية للتجارة وإن كانت عوضا عن سلعة مورثة. ورأيت ابن حارث ينكر الاختلاف فيها إذا كانت عوضا عن سلعة موروثه انتهى. فلم يجعل الطريقة الاولى خاصة باللخمي. وعزا المازري القول بأن العرض الثاني يكون للتجارة لابن القاسم وأحد قولي أشهب، والقول الثاني لقول أشهب الثاني كما عزاه ابن عرفة واختصر في الذخيرة على القول الثاني وحكاه سند كأنه المذهب. ونص كلام سند في الطراز: إذا ابتاع العرض يعني عرض التجارة بعرض مقتنى فإنه يتنزل على حكم القنية ولا تؤثر فيه نية التجارة ويستقبل بثمنه إذا باعه بالعين حولا بعد قبضه. هذا قول مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل: يجري في الحول من غير ملك عرض التجارة اعتبارا بما لو اشتراه بالعين انتهى. وعلى ما ذكره في الطراز اعتمد المصنف رحمه الله هنا وتبع في التوضيح كلام ابن عبد السلام. ص: (وإن قل) ش: قال الشيخ بهرام: هذا راجع إلى قوله: أو عينا. وقال البساطي: ولو رجع إلى مجموع الشرط لم يلزم عليه شئ وهو كذلك إلا أنه لا فائدة فيه والله أعلم. ص: (وبيع بعين) ش: هذا الشرط وما قبله يعم المدير والمحتكر. فأما المدير فالمشهور أنه لا يجب عليه أن

[ 184 ]

يقوم عروضه ويزكيها كما سيأتي إلا إذا نض له شئ ما ولو درهم خلافا لابن حبيب، ولا يشترط أن ينض له نصاب خلافا لاشهب. وعلى المشهو فلا فرق بين أن ينض له في أول الحول أو وسطه أو آخره. قال في المدونة: وإذا نض للمدير في السنة درهم واحد في وسط السنة أو في طرفيها، قوم عروضه لتمام السنة فزكى السنين. ابن يونس: وإذا نض للمدير شئ في وسط السنة أو في طرفيها إلا أنه لم يتم الحول لم يكن عنده من الناض شئ وكان جميع ما بيده عروضا فليقومها لتمام الحول ويزكي. قال ابن نافع عن مالك: ويبيع عرضا منها ويقسمه في الزكاة أو يخرج عرضا بقيمته إلى أهلها من أي صنف شاء من عروضه. وقال سحنون: بل يبيع عروضه ويخرج عينا انتهى. وفرع ابن الحاجب هذين القولين على قول ابن حبيب أنه يزكي ولو لم ينض له شئ، ويأتي تفريعهما على المشهور كما في هذه الصورة، وفيما إذا كان ما بيده من العين لا يفي بزكاة قيمة ما معه من العروض، فالصواب ذكرهما مطلقين كما فعل ابن يونس والمازري على ما نقل عنه ابن عرفة. وشهر في الشامل القول الثاني إلا أنه إنما ذكر القولين على الشاذ كابن الحاجب، ولكن المقصود أن الثاني هو الراجح. وفي الذخيرة: فإن لم يكن له ناض أوله ولكنه أقل من الجزء الواجب قال مالك: يبيع العرض لان الزكاة وإنما تجب في القيم. فلو أخرج العرض كان كإخراج القيمة وهو المشهور. وقال أيضا: يخير بين البيع وإخراج الثمن وبين إخراج العرض انتهى. وذكر ابن القاسم في سماع يحيى أنه يجب عليه أن يبيع عروضه كما يبيع الناس لحاجاتهم. ولم يذكر ابن رشد خلافه ونصه: وسئل عن رجل حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة فأتى شهره الذي يقوم فيه، هل يجب عليه أن يبيع عروضه بالغة ما بلغت ؟ قال: عليه أن يبيع كما يبيع الناس لحاجاتهم ويؤدي زكاة ماله. قيل له: فإن لم يبع من العروض حتى تلفت بعد ما حال عليها الحول، هل يكون ضامنا للزكاة ؟ قال: نعم. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لان للرجل أن يستقصي في سلعته ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة دون تفريط ولا تأخير، ولا يلزمه

[ 185 ]

أن يبيعها من حينه بما يعطي فيها من قليل أو كثير لان ذلك من إضاعة المال، فإن فرط في بيعها حتى تلفت لزمه ضمان، وإتلفت قبل أن يفرط لم يلزمه ضمان ما تلف ويزكي الباقي إن كان مما تجب فيه الزكاة. وقيل: يلزمه الزكاة وإن لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة لان المساكين تنزلوا معه لحول الحول منزلة الشركاء، فما تلف فمنه ومنهم، وما بقي بينه وبينهم انتهى. وعزا ابن عرفة هذه المسألة لسماع عيسى، وإنما هي في سماع يحيى والله أعلم. ثم قال في المدونة: فإن لم ينض له شئ في سنته فلا تقويم ابن يونس: ولا زكاة. ثم قال فيها: فإن نض له شئ بعد ذلك وإن قل قوم وزكاة وكان حوله من يومئذ وألغى الوقت الاول. ابن يونس: قال ابن مزين: هذا قول ابن القاسم وغيره. وقال أشهب: لا يقوم حتى يمضي له حول من يوم باع بذلك العين لانه يومئذ دخل في الادارة انتهى. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: وإذا قلنا بالمشهور أنه لا تجب الزكاة إلا بالنضوض وأنها لا تجب عليه إذا باع العرض بالعرض. فهل يخرج بيع العرض بالعرض عن حكم الادارة ؟ قال في الجواهر: لا يخرجه ذلك عن حكم الادارة. وروى أشهب وابن نافع أن ذلك يخرجه عن حكمها انتهى. الثاني: قال الرجراجي في المدير إذا كان يبيع العرض بالعرض ذريعة لاسقاط الزكاة فلا يجوز له ذلك باتفاق المذهب ويؤخذ بزكاة ما عنده من المال انتهى. وقال ابن جزي بعد ذكره المدير والمحتكر. فرع: من كان يبيع العرض بالعرض ولا ينض له من ثمن ذلك عين فلا زكاة عليه إلا أن يفعل ذلك فرارا من الزكاة فلا تسقط عنه انتهى. فيعم المدير والمحتكر وذلك ظاهر ولله أعلم. وأما المحتكر فلا زكاة عليه أيضا في شئ من عروضه حتى يبيعه بالعين، وسيأتي بيان القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا بابه وكيفية ذلك عند قول المصنف: كالدين. فإن كان يبيع العرض بالعرض فلا تجب عليه الزكاة بل قال في المدونة: ومن باع سلعة للتجارة بعد حول بمائة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوبا قيمته عشرة دنانير فلا شئ عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة فلا شئ عليه إلا أن يكون عنده مال وقد جرت فيه الزكاة إذا أضافه إليه كانت فيهما الزكاة، وإن باعه بعشرين أخرج نصف دينار انتهى. وذكره القرافي وقال: لان القيم أمور متوهمة وإنما يحققها البيع انتهى. فرع: لو أخرج المحتكر زكاته قبل بيع العرض لم يجزه على المشهور. نقله ابن بشير وسيصرح به المصنف ص: (فكالدين إن رصد به السوق) ش: وأما دين التجارة فلا اختلاف في أن حكمه حكم عروض التجارة، يقومه المدير ويزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى

[ 186 ]

من الاعوام كما يقوم المدير عروض التجارة ولا يزكيها غير المدير حتى يبيعها فيزكيها زكاة واحدة لما مضى من الاعوام ص: (فكالدين) ش: جواب شرط محذوف يعني أن العرض إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدمة مع الشرط السادس وهو أن يرصد به السوق فإنه يزكى زكاة الدين. ابن فرحون: يعني أنه يعتبر النصاب في الثمن. فإن قبض دون نصاب دون ضم إلى ما يقبض بعده وإن أنفقه على حكم الدين سواء انتهى. وقال في المقدمات: وإذا قبض من الدين أقل من نصاب أو باع من العروض بعد أن حال عليها الحول بأقل من نصاب، فلا زكاة عليه حتى يقبض تمام النصاب أو يبيع بتمامه، فإذا كمل عنده تمام النصاب زكى جميعه، كان ما قبضه أولا قائما أو كان قد أنفقه. واختلف إن كان تلف بغير سببه فقال ابن المواز: لا ضمان عليه لانه بمنزلة مال تلف بعد حلول الحول من غير تفريط. فعلى قياس قول مالك في هذه المسألة التي نظرها بها تسقط زكاة باقي الدين إن لم يكن فيه نصاب، وعلى قول ابن الجهم يزكي الباقي إذا قبضه وإن كان أقل من النصاب وهو الاظهر. وقول ابن القاسم وأشهب يزكي الجميع، ثم ذكر ما تقدم عند قوله: ولو تلف المتم فالمقصود أن حكم ما يقبض من ثمن العرض حكم ما يقتضي من الدين، فإذا اقتضى بعد تمام النصاب شيئا زكاه، وإن قل ويكون حوله من ذلك اليوم، فإن كثر عليه واختلط ضم الآخر منها للاول. قال في النوادر في ترجمة زكاة الدين: ومن كتاب ابن المواز والمختصر قال مالك: ومن له دين ليس له غيره وقد مضى له حوله فأكثر فكان يأخذ منه دينارا بعد دينار فينفقه أو يتلفه، فلا يزكي حتى يقبض تمام عشرين دينارا، ثم يزكي كل ما اقتضى وإن قل. وحول ما يقبض بعد العشرين من يوم قبضه فإن كثر عليه فلم يحصه فليرد ما شاء منه إلى ما قبله، قال في المختصر: وكذلك فيما يبيع من عرضه شيئا بعد شئ يكثر ذلك عليه فليضم ما شاء من ذلك إلى ما قبله فكالدين. وقال عبد الملك في المجموعة: إذا كثر عليه ما يقتضي من الدين بعد العشرين التي زكى منه فليرد الآخر إلى الاول. وقاله ابن نافع وعلي عن مالك، وكذلك قال ابن القاسم في العرض يبيع منه بعد الحول شيئا بعد شئ فكثر ذلك فليرد الآخر إلى ما قبله. قال سحنون: فيكثر كثر الفوائد فليرد الاول إلى الآخر. وقال ابن حبيب: يرد الآخر إلى الاول. وفي الفوائد والديون قال أبو محمد: وقول مالك وسحنون أصح لئلا يؤدي زكاة قبل حولها والدين قد حل حوله إلا أنا لا نعلم أيقبض أم لا وقد اختلف في زكاته قبل قبضه انتهى. وقال أشهب وابن نافع عن مالك فيمن قبض من دين له تسعة عشر دينارا ثم قبض بعد شهر دينارا فليزك العشرين يوم قبض الدين ويكون من يومئذ حولها فليزكها لحولها، وإن نقصتها الزكاة إذا كان بيده مما اقتضى بعدها ما انضم إليها وجبت فيه الزكاة كالفائدتين، يريد يصير ما بعد العشرين منفرد الحول فيزكي ذلك لحوله والعشرين لحولها ما دام في جميعها ما تجب فيه الزكاة كالفائدتين انتهى. وقال قبله: فإن كثرت الفوائد حتى يضيق عليه أن يحصي أحوالها فليضم الاول إلى ما بعده من الفوائد حتى يخف عليه إحصاء أحواله حتى يصيرها إلى حولين أو ثلاثة ونحو مما يقدر أن يحصيه، فإن

[ 187 ]

لم يمكن ذلك وصعب عليه ضم جميعها إلى آخرها، وأما فيما يكثر من تقاضي الديون فليضم آخر ذلك إلى أوله انتهى. وقال في المعونة بعد ذكر أحكام زكاة الدين: وحكم ما يقبض من ثمن الروض المشتراة للتجارة حكم ما يقبض من الدين في اعتبار النصاب وما يتم به إن كان المقبوض دونه انتهى. وقوله: إن رصد السوق. ابن عبد السلام: معناه أن يمسكه حتى يجد ربحا معتبرا عادة، فإن المدير لا يرصد السوق بل يكتفي بما أمكنه من الربح وربما باع بغير ربح انتهى. قال في المقدمات: المدير هو الذي يكثر بيعه وشراؤه ولا يقدر أن يضبط أحواله. وفي المدونة: والمدير الذي لا يكاد يجتمع ماله كله عينا كالحناط والبزاز والذي يجهز الامتعة للبلدان انتهى. وقال ابن يونس قال مالك: ومن كان يدير ماله في التجارة، كل ما باع اشترى مثل الحناطين والفرانين والبزازين والزياتين ومثل التجار الذين يجهزون الامتعة وغيرها إلى البلدان - يريد ممن لا يضبط أحواله. فليجعل لنفسه من السنة شهرا يقوم فيه عروضه للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين انتهى. وفي الذخيرة في زكاة الدين ما نصه: ويكون المقبوض بعد ذلك يعني بعد قبض النصاب تبعا لعروض التجارة إذا باع منها بنصاب زكاه ويزكي بعد ذلك يعني بعض قبض ما يبيع به تبعا انتهى. وانظر أيضا مسائل ابن قداح. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: الحاصل من كلامه أنه لا زكاة في دين حتى يقبض نصاب منه، ولا في عرض تجارة أي احتكار حتى يباع فإذا قبض الدين أو بيع العرض وجبت زكاته يوم قبضه لعام واحد إن تم حوله ونصابه، ثم يكون ما يقتضي من الدين أو يباع بعد تبعا لما قبض أو بيع يزكي معه كربح المال مع أصله، وسواء بقي الاول وأتلفه بنفقة أو غيرها ولو لم يكمل الحول امتنانا إليه انتهى. ص: (وإلا زكى عينه) ش: وإن كان يدير سلعا وحليا فإنه يقوم العروض ويزكي الحلي بالوزن ولا يعتبر قيمة الصياغة، قاله في

[ 188 ]

التوضيح. وتقدم حكم ما إذا كان مرصعا بالجواهر أو حلية لسيف ونحوه والله أعلم. ص: (ولو طعام سلم) ش: هكذا قال أبو بكر بن عبد الرحمن وصوبه ابن يونس. وحكي عن الا بياني عدم التقويم لانه رأى أن ذلك كبيع الطعام قبل قبضه وهو ممنوع. قال المصنف: وفيه نظر، لانا نقوم أم الولد إذا قتلت والكلب إذا قتل وغير ذلك. وقال أبوعمران: لا يزكي هذا الطعام لانه لا يقدر على بيعه. انتهى بالمعنى من الكبير. ص: (كسلعة) ش: يعني أنه يقوم سلعة. قال ابن رشد: والحكم وجوب تقويم سلعة بغير إجحاف، فإذا اجتمع في تلك القيم ما تجب فيه الزكاة زكاه انتهى. وظاهره وجوب التقويم، وفي الذخيرة: وروى ابن القاسم: في مدير لا يقوم بل متى ما نض له شئ زكاه ما صنع الاخير وما أعرفه من عمل الناس. قال ابن القاسم: والتقويم أحب إلي انتهى. فظاهره أنه لا يجب التقويم والاول مقتضى عبارة المدونة وغيرها. ثم قال في الذخيرة: وإذا قلنا بالتقويم فيقوم ما يباع بالذهب وما يباع غالبا بالفضة لانها قيم الاستهلاك، فإذا كانت تباع بهما واستويا بالنسبة إلى الزكاة يخير، وإلا فمن قال الاصل في الزكاة الفضة قوم بها، إن قلنا إنهما أصلان فيعتبر الافضل للمساكين لان التقويم لحقهم انتهى. وقال في الشامل: وقوم بالذهب ما يباع به غالبا كورق وخير فيما يباع بهما انتهى. تنبيهات: الاول: قال أبو الحسن: لم يذكر في المدونة صفة التقويم. وقال عبد الحق قال بعض شيوخنا: ليس على المدير إذا نض شهره أن يقوم عروضه بالقيمة التي يجدها المضطر في بيع سلعه وإنما يقوم سلعته بالقيمة التي يجدها الانسان إذا باع سلعته على غير الاضطرار الكثير انتهى. ومقتضى العبارة أن يقول ليس له أن يبيعها على الاضطرار الكثير إلى آخره والله أعلم. الثاني: قال في كتاب الزكاة الاول من المدونة: ويقوم المدير رقاب النخل إذا ابتاعها للتجارة ولا يقوم الثمرة لان فيها زكاة الخرص ولانها غلة كخراج الدور وغلة العبيد وصوف الغنم ولبنها وذلك كله فائدة وإن كانت رقابها للتجارة انتهى. وقال أبو الحسن: معناه إذا

[ 189 ]

كانت الثمرة قد طابت وفيها خمسة أوسق، فإن كانت لم تطب وهي مأبورة أو غير مأبورة أو كانت دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق وهي مما لا تجب فيه الزكاة جرت على قولين. فمن قال: إنها لا تكون غلة بالطيب قومت مع الاصل، ومن قال: إنها بالطيب تكون غلة لم تقوم مع الاصل إلا على قول من يقوم غلات ما اشتر للتجارة مزكاة كالاصل انتهى. وقوله: أو كانت دون خمسة أوسق يريد وقد طابت. الثالث: ما باعه من هذه الفوائد ومن عروض القنية يستقبل بثمنه من يوم بيعه، فإن أدار بها فيعتبر لها حول من ذلك اليوم، فإن اختلطت أحواله فكاختلاط أحوال الفوائد. قاله في الذخيرة. الرابع: سئل الشيخ ناصر الدين اللقاني عما يباع من السلع عند قدومها من الهند ونحوه بجدة لاجل أن يعطي ثمنها في المكوس، هل فيه زكاة أم لا، ويحسب على أرباب السلع أم تسقط الزكاة عنهم في ذلك ؟ فأجاب: ما ألحق إلى بيعه المكس عليه لا تسقط الزكاة عنه بذلك وأجره فيما ظلم فيه عند اللتعالى. وسئلت عن هذه المسألة وفي السؤال: أنهم قد يأخذون في العشور سلعا فأجبت أنهم إن أخذوا سلعا فلا يلزمه أن يقومها، وأما إن ألزم ببيع السلع وقبض ثمنها ودفعه إليهم فيلزمه أن يزكي عن ذلك والله أعلم. ص: (أو كان قرضا)

[ 190 ]

ش: قال في التوضيح: فإن أخر المدير قرضه فرارا من الزكاة فإنه يزكيه لكل سنة اتفاقا. قاله عبد الحق في تهذيبه انتهى. ص: (ولا تقوم الاواني) ش: قال ابن عرفة: ابن رشد في تقويم آلة

[ 191 ]

الحائك وماعون العطار قولا المتأخرين بناء على اعتبار إعانتهما في التجر وبقاء عينهما انتهى. وقال قبل هذا اللخمي: وبقر حرث التجر وماعون التجر قنية انتهى. فرع: قال في الشامل: ولا تقوم كتابة مكاتب وخدمة مخدم انتهى. فرع: قال ابن رشد في سماع سحنون: إذا بعث المدير بضاعة وجاء شهور زكاته فإن كان يعلم قدره أو يتوخى ذلك قومه وزكاه مع ما يزكي وإلا أخر لقدومه فيزكيه لما مضى من الاعوام على ما يخبره به الذي هو في يديه. وهذا ما لاأعلم فيه خلافا لانه ماله منه ضمانه وله ربحه فلا تسقط عنه زكاة بمغيبه انتهى. فرع: فلو كان المدير له مال غائب فحال حوله وزكى ما بيده ثم قدم ماله الغائب سلعا، فهل يقومها ويزكي قيمتها حين وصولها أم لا زكاة عليه حتى يبيعها ويقبض ثمنها ؟ سئل عن ذلك الشيخ ناصر الدين اللقاني فأجاب: إذا قدم المال الغائب سلعا قومها وزكاها حينئذ لحول مضى أو أحوال والله أعلم. فرع: قال ابن رشد: إذا كانت للمدير سفينة فإن اشتراها للتجارة قومها وإن اشتراها للكراء لم يقومها انتهى. ورأيت نسختين من ابن عرفة عزا فيهما هذه المسألة لسماع يحيى. وكذلك البساطي في المغني ناقلا عنه ولم أجدها فيه بعد التفتيش الزائد والله أعلم. ص: (وفي تقويم الكافر) ش: قال ابن عرفة قال ابن حارث: من أسلم وله عرض تجراحتكار استقبل بثمنه حولا وفي كون المدير كذلك. أو يقوم لحول من يوم أسلم قولا يحيى بن عمر ومحمد بن عبد الحكم انتهى. ص: (والقراض الحاضر يزكيه ربه إن أدار أو العامل) ش: القراض مأخوذ من القرض الذي هو القطع كان رب المال اقتطع ماله الذي عند العامل. والمعنى أن رب المال القراض يزكيه لكل سنة إذا كانا مديرين أو العامل فقط، فظاهره أنه يزكي جميع المال، ربحه ويزكيه من مال نفسه ولا ينقص من مال القراض.

[ 192 ]

فرع: قال ابن يونس: فلو أخر الزكاة انتظارا للمحاسبة فضاع لضمن زكاة كل سنة انتهى. ص: (وصبر إن غاب) ش: ابن عرفة: وسمع ابن القاسم والشيخ عن الواضحة. وروي عن اللخمي: إن بعدت غيبة العامل عن ربه لم يزكه حتى يعلم حاله أو يرجع إليه فإن تلف فلا زكاة انتهى. وقال في النوادر ومن المجموعة قال ابن القاسم: ولا يزكي العامل في غيبته عن رب المال شيئا، قال أشهب: إلا أن يأمره بذلك أو يأخذ بذلك فيجزيه ويحسب عليه في رأس ماله انتهى. وقال في الكافي: ولا يجوز للعامل أن يزكي المال إذا كان ربه غائبا لانه ربما كان عليه دين يمنع الزكاة ولعله قد مات، ولا يزكي مال القراض حتى يحضر جميعه ويحضر به إلا أن يكون مديرا فيزكيه زكاة المدير بحضرة ربه، انتهى ونحوه في الذخيرة. ص: (وسقط ما زاد قبلها إلى آخره)

[ 193 ]

ش: ويعتبر نقص الزكاة في ذلك كله كما صرح به اللخمي وابن يونس. ص: (وإن احتكرا) ش: تصوره واضح. فرع: إذا تم الحول على المال بيد العامل وهو عين قبل أن يستغله قال سحنون: يزكيه ربه، وإن استغل منه شيئا فلا يزكيه حتى يقبه، وإن كان معه في البلد وهو مدير قوم لتمام حوله على سنة الادارة، وإن كان محتكرا ورب المال مديرا قال ابن القاسم: يقومه مع حصة ربحه دون حصة العامل. انتهى من الذخيرة. وهذا مخالف لقول المصنف: أو العامل فإنه يقتضي أن العامل إذا كان محتكرا فإنه يزكي كالدين. وهذا إن كان أكثر أو مساويا فهو جار على ما تقدم من اجتماع الادارة والحكرة والنصوص الصريحة هكذا ونحوه في ابن يونس. ص: (وحسبت على ربه) ش: يلزم على هذا القول أن تكون زيادة في مال القراض جائزة وهي لا تجوز، وعلى مقابله يلزم أن ينقص من رأس مال القراض وهو لا يجوز انظر الرجراجي. ص: (وهل عبيده كذلك أو تلغى كالنفقة تأويلان) ش: يشير إلى ما قاله في التوضيح.

[ 194 ]

فرع: وأما عبيد القراض فيخرج زكاة فطرهم. ابن حبيب: وهي كالنفقة ورأس المال هو العدد الاول. قال: وأما الغنم فمجمع عليها في الرواية عن مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال من هذه الغنم لا من غيرها، وتطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس المال. قال: وهي تفارق زكاة الفطر لان هذه تزكى من رقابها والفطرة مأخوذة من غير العبيد. ابن يونس: واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال أكثرهم وفاقا للمدونة، وظهر لي أنه خلاف والدليل على ذلك مساواة الامام أبي محمد بين ماشية القراض وعبيده في المختصر والنوادر انتهى. فكلام المصنف في المختصر والتوضيح يدل على أن شيوخ المدونة اختلفوا في زكاة الفطر عن عبيد القراض، هل هي محسوبة على رب المال كزكاة ماشيته فيكون قول ابن حبيب خلافا، أو زكاة فطرهم ملغاة كالنفقة بناء على أن قول ابن حبيب وفاق ؟ وهذا غير صحيح لانه صرح في المدونة في باب زكاة الفطر بأن زكاة الفطر عن عبيد القراض على رب الدين خاصة ونصها: وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال خاصة، وأما نفقتهم فمن مال القراض انتهى. فهذا صريح لا يقبل التأويل، وإنما التأويلان في زكاة ماشية القراض فهل يزكيها ربها منها أم من ماله ؟ فتقدم في كلام ابن حبيب أنه يزكيها منها فقال ابن يونس: اختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا، هل هو وفاق أو خلاف. ونصه في كتاب الزكاة الثاني قال مالك: ومن أخذ مالا قراضا فاشترى به غنما فتم حولها وهي بيد المقارض فزكاتها على رب المال في رأس ماله ولا شئ على العامل. قال أبو بكر قال أبو محمد: وكذلك زكاة الفطر عن عبيد القراض، فساوى بين عبيد القراض وبين الماشية وهو ظاهر المدونة لانه قال في باب زكاة الفطر: وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال في رأس ماله وليس من مال القراض، فأما نفقتهم فمن مال القراض، ونحوه في كتاب ابن المواز. وظاهر ذلك المساواة بين الماشية وعبيد القراض وأن ذلك على رب المال في رأس ماله وليس في مال القراض. وقال ابن حبيب في عبيد القراض: إن زكاتهم كالنفقة تلغى ورأس المال هو العدد الاول. قال: وأما في الغنم فمجمع عليها في الرواية عن مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال من هذه الغنم لا من غيرها، وتطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس مال. قال: وهي تفارق زكاة الفطر لان هذه تزكى من رقابها والفطرة مأخوذة من غير العبيد. ابن يونس: واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال أكثرهم: هو وفاق للمدونة. وظهر لي أنه خلاف لما في المدونة والدليل على ذلك مساواة الامام أبي محمد في المختصر والنوادر ولا مدخل للتأويل في كلامه مع ما يساعده من ظاهر المدونة وكتاب محمد والقياس، وذلك إن اتفقنا أن المقارض إذا شغل بعض المال لم يكن لربه أن ينقص شيئا منه إذ عليه عمل العامل فله شرطه، ولا خلاف أعلمه بين أصحابنا في هذا. فإذا ترك الساعي رب المال وأخذها من العامل كان النقص من المال بعد إشغاله. فإن قيل: إنه إذا أداها ر ب المال من عنده كان ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال وذلك لا يجوز. قيل: إنما الزيادة

[ 195 ]

التي لا تجوز ما وصل ليد العامل وانتفع به، وهذا لا يصل إلى يده، ولو كان ذلك زيادة في القراض لكان في زكاة الفطر عن عبيد القراض زيادة. فإن قيل: إن الغنم زكاتها من رقابها فلذلك أخذ منها، والعبيد زكاتهم من غيرهم فلذلك أخذ من رب المال. قيل: والدنانير زكاتها منها فيلزمك أن تقول: إذا كان رب المال يدير والعامل لا يدير وبيده سلع ومال عين أن يزكي عن العين من مال القراض. وهذا خلاف النص فقد قال محمد وغيره: إن زكاة ذلك على رب المال يقوم ما بيد العامل ويزكي من عنده ولا يزكي العامل ما بيده إلا بعد المفاصلة لعام واحد. وأيضا يلزمك أن تكون زكاة الشنق على رب المال لان زكاتها من غيرها. فإن قلت ذلك فقد خالفت ابن حبيب وانفردت بذلك، وإن قلت على العامل فقد نقصت حجتك أن كل ما يزكى من غيره فهو على رب المال، وأيضا فإنا نقول: الشاة المأخوذة عن الاربعين زكاة عن رقابها، والفطرة زكاة عن رقاب العبيد فاستويا، ووجب أن تكون زكاتها على من له الرقبة والمقارض ليس له شئ في الرقاب وإنما الذي يأخذه كإجارة فلا ينبغي أن يكون عليه من زكاة الرقبة شئ. فإن قلنا: إذا سقطت قيمة الشاة من أصل مال القراض لم يدخل على العامل في ريحه نقص. قيل: يدخل عليه ذلك إذا حالت أسواق الغنم بزيادة بعد ذلك. وهذا كله إذا كان رب المال والمقارض بحضرة الساعي، وأما إن غاب رب المال والمقارض فللساعي أخذ الشاة من العامل إذ قد لا يجيب رب المال فيؤدي إلى إسقاط الزكاة، فإذا أخذها سقطت قيمة الشاة من مال القراض وكان ما بقي رأس المال ويكون أخذ الشاة كالاستحقاق، ولا يجوز لرب المال أن يدفع قيمة الشاة إلى العامل فيكون ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال، ويكون القول في هذا ما قاله ابن حبيب لما يدخل على الساعي من الضرر من مطالبة رب المال انتهى. وقال ابن عرفة: وعلى الثاني يعني على القول الثاني بأن الزكاة على رب القراض إن غاب ربه أخذه منها وإلا ففي كونه كذلك أو من مال ربه نقل ابن حبيب عن رواية المصريين والمدنيين وأكثر أصحاب مالك والصقلي عن ظاهرها مع نقله عن ظاهر قولي الشيخ ومحمد انتهى والله أعلم. ص: (وزكي ربح العامل وإن قل) ش: يعني أن العامل يزكي ربحه ولو كان دون النصاب. هذا مذهب المدونة: والقول بأن زكاته على رب المال ليس بالمشهور. ص: (إن أقام بيده حولا) ش: قال في

[ 196 ]

التهذيب: وإذا عمل المقار ض بالمال أقل من حول ثم اقتسما فزكى رب المال لتمام حوله فلا يزكي العامل ربحه حتيحول حول من يوم اقتسمه وفيما نابه الزكاة انتهى. ص: (بلا دين) ش: قال في المدونة: وإن سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه فلا زكاة على العامل في حصته وإن نابه ما فيه الزكاة، وإن كان على العامل وحده دين يغترق ربحه فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده عرض يجعل دينه فيه انتهى. ص: (وحصة ربه بربحه نصاب) ش: قال ابن يونس: وإن لم يكن في رأس المال وحصة ربه من الربح ما فيه الزكاة فلا زكاة على العامل انتهى. فرع: قال أبو محمد قال ابن القاسم: ولا يضم العامل ما ربح إلى مال له آخر ليزكي بخلاف رب المال. قال في العتبية قال أصبغ: إذا عمل العامل في المال سنة ثم أخذ ربحه فزكاه وله مال لا زكاة فيه له عنده حول فلا يزكيه ولا يضمه إلى ربح القراض وإن كان فيه مع ربح القراض عشرون دينارا، وكذلك العامل في المساقاة إن أصاب وسقين وأصاب في حائط له ثلاثة أوسق فلا زكاة عليه فحائطه بخلاف رب المال، وليزك ما أصاب في المساقاة إن كان في نصيبه ونصيب رب الحائط ما فيه الزكاة. انتهى من ابن يونس. قال عبد الحق: والفرق بين المساقاة والقراض أن الثمرة في المساقاة عينها لرب المال، وما يأخذه العامل منها فإنما يأخذه بعد توجه الزكاة على رب الثمرة بطيبها، فالذي يستحقه العامل بعد القسمة إنما هو ضرب من الاجرة، وأما مال القراض فالعامل قد تقلب فيه وتصرف فيه لنفسه لرب المال وذهبت عينه واعتاض بدلا منه، فلما طلب منه الثمن بالتصرف والذي فعله في عين المال أشبه الشريك والله أعلم. ونحو هذا حفظت عن بعض شيوخنا القرويين. انتهى من النكت. فرع: قال ابن المواز وقال أشهب: وإن أخذ أحد عشر دينارا فربح فيها خمسة ولرب المال مال حال حوله إن ضمه إلى هذا صار فيه الزكاة. ابن يونس: يريد وقد مر على أصل هذا حول فليزك العامل حصته لان المال وجبت فيه الزكاة. ولو أصاب أربعة أوسق ولرب المال حائط آخر أصاب فيه وسقا فليضم ذلك ويزك ويقتسما ما بقي وبه أخذ سحنون. انتهى من ابن يونس.

[ 197 ]

فرع: يجوز اشتراط زكاة المال وحده أو مع ربحه على رب المال، ولا يجوز اشتراط ذلك على العامل. وأما زكاة الزرع فيجوز اشتراطها على رب المال وعلى العامل، وأما المساقاة فيجوز اشتراط الزكاة على رب الاصل وعلى العامل لان المزكى هو الثمرة وهو بمنزلة الربح. نقله ابن يونس والقرافي في الذخيرة. فرع: قال مالك: يكره أن تقارض النصراني. نقله ابن يونس. ص: (ولا تسقط زكاة حرث ومعدن وماشية بدين) ش: قصره عدد الاسقاط على الثلاثة يوهم أن غيرها يسقط بما ذكر وليس على عمومه، فإن الركاز لا يسقط بما ذكر، وكذلك زكاة الفطر على أحد القولين اللذين حكاهما اللخمي. لكن الركاز إنما سكت عنه لانه حالة الزكاة شبيه بالمعدن وزكاة الفطر. قال في بابها: وإن بتسلف. فرع: لو كان إنما تسلف فيما أحيا به الزرع والثمرة وقوي به المعدن والركاز لم يسقط ذلك عنه شيئا من ذلك. نقله ابن يونس والله أعلم. ص: (أو فقد أو أسر) ش: قال في النوادر قال ابن القاسم في المجموعة: وتزكى ماشية الاسير والمفقود وزرعهما ونخلهما ولا يزكى ناضهما، يريد لما عسى أن يكون لهما عذر يسقطها لا يسقط بذلك في غير العين انتهى. ص:

[ 198 ]

(أو كمهر) ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: والاشهر سقوطها بدين مهر المرأة وإن كان يتأخر لموت أو فراق. وقاله ابن القاسم خلافا لابن حبيب واللخمي انتهى. ص: (وهل إن لم يتقدم يسر تأويلان) ش: هذا الاستفهام راجع إلى المفهوم أعني مفهوم الشرط لانه كالمنطوق وهذا كثير في كلامه رحمه الله كقوله في فصل الاستقبال: وهل إن أومأ إلى آخره. وقوله في فصل الجماعة: إلا مدرك التشهد. والمعنى إن لم يحكم بنفقته فهل لا تسقط مطلقا وهو تأويل عبد الحق، أو لا تسقط إلا إن حدث عسر بعد يسر وهو تأويل بعض شيوخه ؟ والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: اللخمي عن محمد: أجر رضاع الولد حيث يجب على الام في

[ 199 ]

عدم الاب والولد ومثلها لا يرضع أو في موت الاب ولا مال للولد سقط. قال: هو أحسن إن كانت استرضعت لهم أو امتنعت من رضاعه لشرفها. قال ابن عرفة: وقوله: تسقط هو خبر قوله: أجر رضاعها إلى آخره. وإلا فلا بد من الزكاة تتوجه المطالبة به من الامام العادل. قاله في التوضيح. فرع: قال ابن عرفة: وفيها أجر الاجير والجمال مسقط إن عملا. اللخمي: وإلا فلا إن لم تكن في الاجارة محاباة لجعله دينه فيه بعض شيوخ عبد الحق: ما لم يعملا أجرة في قيمته وما بقي منه مسقط انتهى. ص: (لا بدين كفارة أو هدي) ش: ابن عرفة: المازري: الكفارة والهدي لغو. انتهى والقرق بين دين الكفارة والهدي وكذلك الفرق بين دين الكفارة وبين دين الزكاة، أن الزكاة تدفع للامام العادل فدين الزكاة تتوجه المطالبة به من الامام العادل. قاله في التوضيح والله أعلم. فرع: لا تجب الزكاة على المساكين عند ابن القاسم نص عليه في الذخيرة. ص: (إلا أن يكون عنده معشر زكي) ش: ابن غازي: فأحرى عليه إن لم يزك، وكذلك الماشية المزكاة فلو قال: إلا أن يكون عنده نعم أو معشر وإن زكيا لكان أبين وأشمل انتهى. وانظر المعشر غير المزكى وكذلك نعم الغير المزكاة، هل يشترط فيها ما يشترط في العرض أم لا ؟ ابن عرفة: وخرج المازري الزرع قبل بدو صلاحه على خدمة المدير انتهى. ص: (أو قيمة كتابة) ش: قال ابن يونس: فإن عجز المكاتب وفي رقبته فضل على مذهب ابن القاسم فذكر عن أبي عمران

[ 200 ]

أنه يزكي من ماله مقدار ذلك الفضل. ابن يونس: صواب لانه كعرض أفاده ولا خلاف في ذلك انتهى. ابن عرفة: وفيه في قيمة طعام سلم أو في رأس ماله نقلا المازري عن عبد الحميد

[ 201 ]

وابن شعبان انتهى. ومنه اللخمي إن كان غريمه موسرا بنصف دينه جعل نصف ما عليه في نصف ماله وزكى، وإن جعل منابه في حصاصه جعل في قيمة دينه والقياس لغوه لانه لا ينبغي بيعه لجهله انتهى. ص: (أو لكمؤجر نفسه) ش: انظر ما أفاد بالكاف واحترز بنفسه مما لو أجره عبده أو دابته فإنه يكون عنده ما يجعل فيه، وإذا حال الحول الثاني فإنه يزكي العشرين

[ 202 ]

الاولى باتفاق وينتقل الخلاف إلى العشرين أجرة الحول الثاني والله أعلم. ص: (وزكيت عين وقفت للسلف) ش: سواء كانت على معينين أو مجهولين. فرع: إذا أوصى بمال أو دفعه لشخص يشتري به أصل ويوقف، فحال الحول على المال

[ 203 ]

قبل الشراء زكي. قال في النوادر في ترجمة الرجوع في الحبس: ولو أوجب التحبيس في مال ناض فأوقفه إلى أن يشتري به أصلا محبسا فذلك جائز إذا اشترط فيها ذلك وجعلها بيد غيره. قال: وفيها الزكاة يريد منها إذا أتى لها حول انتهى. وأصله من كتاب ابن المواز: ويريد بقوله - والله أعلم - فذلك جائز أي إذا أشهد بذلك كما قال في كتاب الصدقة من المدونة والله أعلم. فرع: إذا وقفت الدور فلا تجب الزكاة في غلاتها لانها لو كانت ملكا لم تجب في غلاتها زكاة إلا أن يقبضها ربها ويقيم في يده سنة فكذلك المحبسة والله أعلم. ص: (كنبات وحيوان أو نسله ش: أما النبات فواضح، وأما الحيوان فمراده إذا وقف لينتفع بغلته كلبنه وصوفه أو يحمل عليها أو على نسلها كما قال في المدونة وأما إن وقف لتفرق عينه فقد تقدم حكمه عند قول المصنف: ولا موصي بتفرقتها. وأما قوله أو نسله فمعناه أنه إذا حبس لينتفع بصوفها أو لبنها أو يحمل عليها وإن أوقف ليفرق، فإن كان على معينين فلا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاة، وإن كان على مجهولين فالزكاة في جملة الاولاد إذا تم لها حول من وقت الولادة، كذا ذكره ابن يونس. ص: (على مساجد أو غير معينين كعليهم إن تولى

[ 204 ]

المالك تفرقته وإلا فإن حصل لكل نصاب) ش: هذا إنما يرجع إلى النبات فقط لانه هو الذي يطابق تفصيله في المنقول وهو قوله كعليهم إن تولى المالك تفرقته. قال الرجراجي في شرح المدونة: وما تجب الزكاة في غلته دون عينه كالحوائط المحبسة فلا يخلو من أن تكون محبسة على الحبس وأن الزكاة تجب في ثمرتها إذا بلغت جملة ما تجب فيه الزكاة. وإن كان الحبس على معينين مثل أن يحبس ثمر حائطه وجنانه على قوم بأعيانهم، فلا يخلو من أن يكون رب الحائط هو الذي يتولى السقي والعلاج دونهم ويقسم الثمرة عليهم، فإن الثمرة تزكى على ملك المحبس قولا واحدا من غير اعتبار ما يحصل كل منهم. فمن حصل عنده نصاب من المحبس عليهم وإن كان المحبس عليهم هم يسقون ويعملون لانفسهم فهل هم كالشركاء ويعتبر ما ينوب كل واحد منهم، فالمذهب على قولين قائمين من المدونة: أحدهما أنهم كالشركاء ويعتبر النصاب في حق كل واحد منهم، فمن حصل عنده نصاب إما من ثمر الحبس بانفرادها أو بإضافتها إلى ثمر جنان له فإنه يزكي دون من لم يحصل له نصاب وهو قول أشهب في كتاب الحبس من المدونة، والثاني أنه يعتبر خمسة أوسق في جميع ثمرة الحائط فإذا كان فيها خمسة أوسق أخذت منها الزكاة من غير اعتبار بما يصح لكل واحد من المحبس عليهم ويزكي على ملك المحبس الذي هو رب الحائط، فإن كان ثمرة الحبس دون النصاب أضافها إلى ما يتم به النصاب إن كان عنده وهو قول ابن القاسم في كتاب الحبس من المدونة وهو ظاهر قول مالك في كتاب الزكاة الثاني من المدونة انتهى. وقال ابن رشد في المقدمات: وأما ما تجب الزكاة في غلته ولا تجب في عينه وذلك حوائط النخل والاعناب. فإن كانت موقوفة على غير معينين مثل المساكين في بني زهرة أو بني تميم، فلا خلاف أن ثمرتها مزكاة على ملك المحبس، وأن الزكاة

[ 205 ]

تجب في ثمرتها إذا بلغت جملتها ما تجب فيه الزكاة. واختلف إن كانت محبسة على غير معينين فقال ابن القاسم في المدونة: إنها أيضا مزكاة على ملك المحبس. وفي كتاب ابن المواز، إنها مزكاة على ملك المحبس عليهم، فمن بلغت حصته منهم ما تجب فيه الزكاة زكى عليه، ومن لم تبلغ حصته منهم ما تجب فيه الزكاة لم تجب عليه زكاة. وقول ابن القاسم هذا على أصل قوله في كتاب الحبس أن من مات من المحبس عليهم قبل طيب الثمرة لو يورث عنه نصيبه منها ورجع إلى أصحابه. وما في كتاب ابن المواز على أصل قول أشهب في كتاب الحبس المذكور أن من مات من المحبس عليهم بعد إبارها فحقه واجب لورثته انتهى. تنبيهات: الاول، التفصيل المذكور في الموقوف عليهم بين أن يكونوا مجهولين أو معينين إنما هو إذا حيز المحبس، وأما إذا لم يجز فإنه يزكي على ملك ربه قولا واحدا من غير تفصيل. قال ابن عرفة: والحبس غير محوز كمال ربه، والمحوز إن كان ذا نبات على مجهول زكي على ملكه، وأما على معين في كونه كذلك أو على ملك المحبس فيشترط بلوغ حظ مستحقه نصابا قولا ابن القاسم وكتاب محمد التونسي والصقلي عن ابن الماجشون، وإن كانت على مستحقها سقطت انتهى. الثاني: استفيد من كلام الرجراجي أنه إذا لم يتول المالك التفرقة وحصل لكل واحد من المعينين ما لا زكاة فيه وكان في ملك جنان في ثمره ما يكمل له به نصاب، أنه يضم ما حصل من ثمر الوقف إلى ثمر جنانه ويزكي الجميع، وإضافته إلى وقف عليه آخر مثل إضافته إلى ملكه فيكون مثله فتأمله والله أعلم. الثالث: استفيد من كلام المقدمات أنه حيث كانت الزكاة على ملك الواقف وأنه يضم ثمر ما أوقفه إذا لم يكن فيه نصاب إلى ثمر ما يملكه من الحوائط، أن ذلك إنما هو إذا أثمرت الحوائط في حياة المحبس، وأشار إليه ابن غازي في مسألة الموقوف على المساجد وسيأتي لفظه في التنبيه الخامس. الرابع: تحصل مما تقدم أن الحبس إذا كان على غير معينين أو على معينين إلا أن الواقف هو المتولي للحبس أن يزكي على ملك واقفه قولا واحدا من غير خلاف. وإن كان على معينين وهم المتولون له ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها وهو الذي اقتصر عليه المصنف أنه يزكي على ملك المحبس عليهم. والثاني يزكي على ملك المحبس. والثالث إذا كان الوقف على مستحق الزكاة سقطت زكاته والله أعلم. الخامس: هذا تحصيل القول فيما إذا كان الوقف عليهم مجهولين أو معينين. وأما الموقوف على المساجد فحصل ابن عرفة فيه ثلاثة طرق: الاولى للتونسي وهي التي اقتصر عليها المصنف أنه يزكي على ملك الواقف. والثانية للخمي أنه لا زكاة. والثالثة لابي حفص أن ما

[ 206 ]

على المساجد من الاوقاف يضم بعضه لبعض وإن تعدد واقفوه ونصه: وفيما على المساجد طرق. التونسي: ينبغي زكاتها على ملك ربها ينضاف لماله غيرها. اللخمي: قوله مالك زكاتها على ملك ربها للعامل، والقياس قول مكحول: لا زكاة فيها لان الميت لا يملك والمسجد لا زكاة عليه ككونها لعبد. أبو حفص: لو حبس جماعة كل نخلا له على مسجد، فإن بلغ مجموعها نصابا زكي انتهى. ونقله ابن غازي وزاد إثره: وقول التونسي يضاف لاصل ماله يريد إذا كان عينا كالمسألة المذكور في المقدمات انتهى. ويشير بذلك لكلامه المتقدم. ثم اعترض على ابن عرفة في اقتصاره على ما نقله اللخمي فقط ونصه: وقد أغفل ابن عرفة قول عبد الحق في التهذيب أعرف في المال الموقوف لاصلاح المساجد والغلات المحبسة في مثل هذا اختلافا بين المتأخرين في زكاة ذلك، والصواب عندي أن لا زكاة في كل شئ يوقف على ما لا عبادة عليه من مسجد ونحوه، وقد نقله صاحب الجواهر والتقييد انتهى. وبالطريقة الاولى أفتى أبو عمر ونصه على ما نقله أبو الحسن الصغير ومن التعاليق، سئل أبوعمران عن جماعة حبسوا حبسا على مسجد أو على حصن نخلا أو زيتونا، كل حبسه على حدته، وفي جميع ما حبسوا ما تجب فيه الزكاة وليس في حبس كل واحد منهم على انفراده ما تجب فيه الزكاة، هل تزكى هذه الاحباس أم لا ؟ فقال: لا زكاة فيها إلا أن يكون في حبس كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة، وإن كان في بعضها ما تجب فيها الزكاة وفي بعضها ما لا تجب فيه الزكاة فلا يزكى إلا ما تجب فيه الزكاة انتهى. وذكر البرزلي في أواخر مسائل الصلاة في مسائل مساجد قصر المسير مثل قول أبي حفص أنها تجمع ونصه: وفي تعليقة ابن العطار: إذا حبس جماعة على مسجد حوائط كل إنسان حبس نخلا وجملة ذلك للمسجد، فإن خرج من الجميع خمسة أوسق زكاة على المسجد، وإنما كانت الحوائط المحبسة تزكى لان مصارف الزكاة غير الفقراء مع الفقراء فلا يمسك لاجل أن الثمرة للفقراء لان الساعي قد يرى صرفها في غيرهم من الاصناف، فإن كان هناك خوف من العدو صرفت في السبيل وإن كان الامن والرخاء أعتق الرقاب، وإن كان زمن شدة أطعم المساكين، وإن كان الحبس على المساكين فلا يصرف ما سوى الزكاة إلا على المساكين. وأما ابن رشد فقال: إن كان الحبس على قوم معينين فلا خلاف أنها تزكى على ملك المحبس، وذكر كلام ابن رشد لمتقدم برمته فتأمله والله أعلم. السادس: قول المصنف كعليهم قال ابن غازي: أدخل أداة الجر على أداة الجر إيثارا للاختصار ومثله قول الشاعر: غدت من عليه بعد ما تم ظمؤهاتصل وعن قيظ بزيزاء مجهل انتهى. وفيه نظر لان على في البيت اسم بمعنى فوق كما صرح به أكثر النحاة، وأما كلام المصنف فإما أن يحمل على قول من يجيز دخول حرف على حرف وهذا القول نقله

[ 207 ]

المحلي في شرح جمع الجوامع، وإما أن تكون الكاف هنا اسما أو داخلة على اللفظ لا من حيث إنها فيه حرف فتأمله والله أعلم. ص: (وإنما يزكى معدن عين) ش: أفاد قوله: يزكى أن المأخوذ منه زكاة فيشترط فيه شروطها من الاسلام والحرية على ما اقتصر عليه ابن الحاجب وصاحب الشامل وغيرهما، ونقل ابن عرفة في اشتراطهما قولين. وقال الجزولي في الكبير في أول باب زكاة العين: إن الشركاء في المعدن كالواحد، والعبد كالحر، والكافر كالمسلم على المشهور فتأمله، ويشترط النصاب. وأما الحول فقد نبه على استثناء المعدن من اشتراطه فيما تقدم، وكذلك نبه على أن الدين لا يسقط زكاته. وعلم أيضا أن المأخوذ منه ربع العشر وأن يصرفه مصرف الزكاة إلا في الندرة كما صرح به ابن الحاجب وغيره، وأفاد كلامه أن معدن غير العين لا زكاة فيه. ص: (وحكمه للامام ولو بأرض معين إلا مملوكة لمصالح فله) ش: علم من كلامه رحمه الله وبما أتى به من المبالغة أن المعدن إذا كان في أرض غير مملوكة كالفيافي وما انجلى عنه أهله، فحكمه للامام، وكذا إن كان في أرض مملوكة لغير معين كأرض العنوة على القول بأنه ملك الجيش فحكمه للامام، وكذلك إن كان مالكه معينا. ثم استثني من هذا الحكم ما إذا كانت الارض للمصالحين فإن المعدن يكون لهم. قال في المدونة: وما ظهر من المعادن في أرض العرب أو البربر فالامام يليها ويقطعها لمن رأى ويأخذ زكاتها، سواء ظهرت في الجاهلية أو في الاسلام. وما ظهر منها في أرض الصلح فهي لاهل الصلح دون الامام، ولهم أن يمنعوها من الناس أو يأذنوا لهم فيها. وما ظهر منها بأرض العنوة فهي إلى الامام ابن يونس: لان الارض للذين أخذوها عنوة انتهى. وقد لخص الرجراجي الكلام في ذلك وقال: المعدن ما أن يظهر في أرض العنوة أو في أرض الصلح أو في أرض الاسلام. فالاول لا

[ 208 ]

خلاف أن الحكم فيه للامام، والثاني فيه قولان: أحدهما أنه للامام وهو قوله في الواضحة، والثاني أالنظر فيه لاهل الصلح وهو قول ابن القاسم في المدونة وقول ابن نافع وهو الصحيح. وعليه فمن أسلم منهم وفي أرضه معدن هل يستمر له ملكه وهو ظاهر قول ابن القاسم ونص ابن المواز عن مالك، أو يكون النظر فيه للامام وهو ظاهر قول ابن القاسم أيضا رواية يحيى بن يحيى ؟ والثالث أعني إذا ظهر في أرض الاسلام فإن ظهر في الفيافي فلا خلاف أن النظر فيه للامام، وإن ظهر في مملوكة محوزة فقال ابن القاسم، النظر فيه للامام. وقال ابن سحنون: النظر لمالكه انتهى. تنبيهات: الاول: التمثيل بما انجلى عنه أهله للارض غير المملوكة. قاله ابن عبد السلام وصاحب التوضيح وغيرهم. ويريدون به ما انجلى عنه أهله الكفار، وأما المسلمون فهو باق على ملكهم والله أعلم. الثاني: ما ذكره المصنف من أن المعدن إذا كان في أرض معين فحكمه للامام ليس خاصا بما كان في أرض العنوة كما فرضه الشارح، بل هو أعمن ذلك كما هو ظاهر كلام المدونة المتقدم وظاهر عبارة ابن الحاجب وابن بشير واللخمي. قال ابن بشير: وإن وجد في أرض مملوكة لمالك معين ففيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه للامام والثاني لمالك الارض، والثالث إن كان عينا للامام، وإن كان غير ذلك في الجواهر فلمالك الارض انتهى. وقال اللخمي: اختلف في معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص تظهر في ملك الرجل فقال مالك: الامر فيها للامام يقطعه لمن رآه قال: لان المعادن يجتمع إليها شرار الناس. وقال في كتاب ابن سحنون: وهو باق على ملك ربه انتهى. بل فرضه في أرض العنوة بعيد على المشهور فيها أنها وقف. الثالث: زاد الشارح في شروحه وشامله في مواضع المعدن ما وجد بأرض الحرب وقال: حكمه للامام ولم أر أحدا ذكره ولا معنى له لان أرض الحرب إن كان الحكم عليها لاهل الحرب فكيف يتصور أن يحكم فيها للامام ؟ وإن زال حكم أهلها فهي عنوة أو صلح أو ما انجلى عنه أهله فلا وجه لزيادة هذا القسم، وإنما ذكره أهل المذهب في مواضع الركاز وهذا ظاهر والله أعلم. الرابع: إذا أسلم أهل الصلح. قال في المقدمات: رجع أمر المعادن إلى الامام. هذا مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. ومذهب سحنون أنها تبقى لهم. انتهى مختصرا. الخامس: لم يفهم من كلام المصنف حكم معدن غير العين، وقد علم من كلام ابن بشير المتقدم والقول الثالث الذي ذكره أن الكلام فيما هو أعم من العين. وعلم ذلك أيضا من

[ 209 ]

كلام اللخمي المتقدم وعلى ذلك فهم من شراح ابن الحاجب كلامه. وقال أبو الحسن في قول المدونة: فالامام يليها ظاهره كانت المعادن مما يزكى أو مما لا يزكى. وقيل: أما معادن ما لا يزكى فهي لمالكها انتهى. وفي الجواهر في كتاب إحياء الموات، القسم الثاني من المعادن ما لا زكاة فيه كمعادن. النحاس والرصاص والقزدير والكحل والزرنيخ والجوهر ونحو ذلك فقال ابن القاسم: وهي مثل معادن الذهب والفضة، والسلطان يقطعها لمن يعمل فيها. وقال سحنون، لا يليها كالعنبر وما يخرج من البحر. انتهى القول الاول باللفظ والقول الثاني بالمعنى. السادس: حيث يكون نظر المعدن للامام فإنه ينظر فيه بالاصلح جبابة وإقطاعا. الباجي: إنما يقطعه انتفاعا لا تمليكا فلا يجوز بيعه من أقطعه. ابن القاسم: ولا يورث عمن أقطعه لان ما لا يملك لا يورث وفي إرث نيل أدرك قول أشهب: ونص شركتها. انهى من ابن عرفة. ص: (وضم بقية عرقه وإن تراخى العمل) ش: العرق هو النول والنيل والنوال قال عياض: وهو ما خرج من المعدن. واعلم أن هذه المسألة على أربعة أوجه. الاول أن يتصل العرق والعمل فيضم بعضه إلى بعض حتى يجتمع منه نصاب فيزكيه ثم يزكي ما خرج بعد ذلك وإن قل قال في التوضيح اتفاقا. الثاني: أن يتصل العرق دون العمل. قال في التوضيح عن المازري: فإن انقطع العمل لطارئ كفساد آلة ومرض عامل فلا شك في الضم، فإن انقطع اختيارا لغير عذر فالظاهر عندي من مذهبنا أنه يبنى بعضه على بعض لان النيل إذا ظهر أوله فكأنه كله ظاهر ومحوز. وقد أطلق أصحاب الروايات أن النيل المتصل يضم بعضه إلى بعض حتى يجتمع من غير تفصيل انتهى. وفي الذخيرة: إن اتصل النيل وحده فظاهر قول مالك أن الاعتبار بالنيل دون العمل، وعند الشافعي إن انقطع العمل بغير عذر استأنف. وإن اتصل النيل لنا أن النيل هو المقصود دون العمل فإن انقطع النيل فلا زكاة، وإذا اتصل لم يضر انقطاع العمل انتهى، ونقل الجزولي أيضا عن غيره أن ظاهر الرسالة والموطأ في هذا الوجه الضم ولم يذكر خلافه فأشار

[ 210 ]

المصنف إلى هذين الوجهين بقوله: وضم بقية عرقه وإن تراخى العمل يعني أن عرق المعدن يضم بعضه إلى بعض حتى يجتمع منه نصاب فيزكيه ثم يزكي ما يخرج بعد ذلك وإن قل. قال في التوضيح اتفاقا. الثاني أن يتصل العرق ما دام موجودا ولو تراخى العمل بعضه عن بعض وحصل فيه انقطاع فقول الشارح يريد بقوله: وإن تراخى العمل أن يكون مسترسلا على هبة العامل، وليس المراد أن يعمل تارة ويبطل أخرى فإنه لا يضم بعضه إلى بعض ليس بظاهر، ويتعين حمل كلام المصنف على ما تقدم. والوجه الثالث أن ينقطع العرق ويتصل العمل. قال في التوضيح: فالمذهب عدم الضم، وعن ابن مسلمة يضم، ولم يحك القرافي خلافا في عدم الضم. والرابع: أن ينقطع العرق والعمل فلا ضم اتفاقا وإلى هذين الوجهين أشار بقوله: لا عرق لآخر فإنه لا يضم عرق إلى عرق آخر اتصل العمل أو انقطع. فرع: لو تلف ما خرج من النيل بغير سببه فهل يضم ما خرج بعد ذلك إليه ؟ فيه قولان لابن القاسم ومحمد، وإنما هذا الخلاف إذا تلف لوقت لو تلف فيه المال بعد حوله لم يضمنه. نقله ابن عرفة. تنبيهات: الاول: فسر في الذخيرة العلم بالتصفية والظاهر من عبارة أهل المذهب أنه الاشتغال بالاخراج من المعدن فتأمله والله أعلم. الثاني: قال في التوضيح: وحد الانقطاع هو ما نقله صاحب النوادر ولفظه ومن الواضحة: وإذا انقطع عرق المعدن قبل بلوغ ما فيه الزكاة وظهر عرق آخر فليجر الحكم فيه. قاله مالك وابن الماجشون انتهى. وفي الموطأ نحوه. وظاهره أنه لو انقطع العرق ثم وجد في تلك الساعة عرق آخر أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر انتهى. الثالث: إذا وجد عرقا قبل انقطاع الاول فظاهر إطلاقاتهم أنه لا يضم ما حصل من عرق إلى عرق آخر، وأما على القول بضم ما حصل من المعدن إلى معدن آخر ابتدأ في الثاني قبل انقطاع الاول فيضم هنا من باب أولى وفي الشرح الكبير عن المقدمات كلام يوهم أنه يضم الاول للثاني، وكلام المقدمات إنما هو في ضم المعادن لا في ضم العروق، ويظهر ذلك بمراجعة المقدمات ويتأمل آخر الكلام وأوله والله أعلم. ص: (لا معادن) ش: يعني أن ما خرج

[ 211 ]

من معدن لا يضم لما خرج من معدن آخر إذا كان كل واحد منهما في وقت بلا خلاف. وإن كان في وقت واحد فقال ابن الحاجب: في ذلك قولان. قال في التوضيح: القول بالضم لابن مسلم. ابن رشد، وهو عندي تفسير للمدونة لان المعادن بمنزلة الارضين، فكما يضيف زرع أرض ألى أرض أخرى فكذلك المعادن ابن يونس: وهو أقيس وعدم الضم لسحنون. قال في الذخيرة: وهو المذهب خلافا لابن القاسم لانه إذا لم يضم نيل إلى نيل فأولى معدن إلى معدن والفرق للمذهب بين المعدنين وزرع الفدادين إن أبان الزرع واحوال ملك شامل قبل وجوب الزكاة فيه، والملك في المعدن إنما ثبت بالعمل، ولكانا في وقتين لم يضما اتفاقا انتهى. وظاهر إطلاقه أنه اعتمد ما نسبه القرافي للمذهب. فتقييد الشارح كلامه وقصره على المتفق عليه فيه نظر والله أعلم. وقال في الشامل: ولا يضم معدن لآخر إلا في وقته على الاظهر انتهى. والاظهر اختيار ابن رشد ويقابله ما نقله في الذخيرة أنه المذهب والله أعلم. تنبيه: قال في التوضيح قال في الجلاب: ومن كان له معدنان ذهب وورق ضم ما يخرج من أحدهما إلى الآخر وزكاه الباجي: وهو الجاري على قول ابن مسلمة. وأما قول سحنون فلا يبعد أن يوجد في معدن. انتهى ونحوه في الذخيرة. ولا بد أن يكونا في عرق واحد على ما تقدم إذ لا يضم عرق لعرق والله أعلم. ص: (وفي ضم فائدة حال حولها) ش: أي وفي ضم الفائدة التي حال حولها نصابا كانت أو غيره إلى ما خرج من المعدن دون نصاب تردد. فحكى عبد الوهاب واللخمي أيضا الضم، وخرج اللخمي من القول بعدم ضم المعدنين قولا بعدم الضم. وفهم ابن يونس المدونة عليه قاله في التوضيح. قال عنه: وقول عبد الوهاب خلاف المدونة لانه يلزم عليه لو أخرج من المعدن عشرة دنانير ثم انقطع ذلك النيل وابتدأ آخر فخرج له عشرة أخرى والعشرة الاخرى بيده أن يضيف ذلك ويزكي لانه يقول: لو كانت له عشرة دنانير حال حولها لاضافها إلى هذه العشرة التي خرجت له أخيرا وزكى، فإضافتها إلى هذه المعدنية أولى انتهى. ومقتضى كلامه في المقدمات أن هذه الصورة التي ألزمها ابن يونس لعبد الوهاب أنه يتفق على الزكاة فيها فإنه قال: إذا انقطع النيل بتمام العرق

[ 212 ]

ثم وجد عرق آخر في المعدن نفسه فإن يستأنف مراعاة النصاب. وفي هذا الوجه تفصيل إذ لا يخلو ما نضله من النيل الاول أن يتلف من يده قبل أن يبدو النيل الثاني، فلا خلاف أنه لا زكاة عليه لانه بمنزلة فائدة حال حولها وتلفت ثم أفاد ما يكمل به النصاب، أو يتلف بعد إن بدا في النيل الثاني وقبل أن يكمل عنده بما كان من النيل الاول نصاب فيتخرج على قولين. والحالة الثانية أن يبقى بيده ما حصل من الاول إلى أن كمل عليه من النيل الثاني تمام النصاب ولم يذكر لها جوابا. قال في التوضيح: ومقتضى كلامه أنه يزكي باتفاق. والذي يدل عليه كلام أهل المذهب بل صريحه ما ذكره ابن يونس أنه لا يضم نيل إلى نيل لكن في قوله: وإنما قاله عبد الوهاب خلاف المدونة. انظر وقد فرق المازري بين المسألتين بما حاصله أنه إذا كانت بيده فائدة قد حال حولها لا سبيل إلى إنكار الحول عليها لانه أمر محسوس، وإذا أخرج من يده مائة وهي في حكم ما حال عليه الحول صار الجميع مالا واحدا حال حوله بخلاف ما إذا أخرج مائة معدنية أولا فإنه لم يمر عليها حول وإنما جعلت في حكم ما مر عليه حول تقديرا، وهذا التقدير إنما قدره الشرع فيما توجه الخطاب بالاخراج منه وههنا لم يتوجه لقصوره عن النصاب انتهى. وقال أبو الحسن: ذكر ابن رشد هنا كلاما مشكلا ثم ذكره قال: وسكت عن الوجه الثالث، ومقتضى كلامه أنه يزكي باتفاق وليس كذلك إذ ظاهر قوله في الكتاب فيكون كابتدائه أنه بقي في يديه ما نض له من النيل الاول وتلف، فإذا نوزع في هذه الصورة فهو منازع في الثانية من باب أولى وسيأتي في كلام الذخيرة ما يدل على أنه لا يزكي في الصورة التي ذكرها ابن رشد والتي فهمت من كلامه والله أعلم. ثم ذكر الشيخ أبو الحسن كلام عبد الوهاب وكلام ابن يونس بعده، وحاصله أن القول بضم الفائدة لما يكمل بها نصابا من المعدن هو الذي نص عليه عبد الوهاب واللخمي ومقابله تخريج اللخمي وفهم ابن يونس، ولذلك ذكر القرافي عن سند ما قاله عبد الوهاب ثم ذكر عنه قولا آخر بعدم الضم. فالقول بالضم هو المنصوص فكان ينبغي للمصنف الاقتصار عليه ولذلك قال في الشامل: ويضم ناقص لغير حوله وإن ناقصا على المنصوص انتهى. وقد تقدم في زكاة الدين ذكر كلام ابن عرفة وابن عبد السلام. تنبيه: ما تقدم أول الكلام عن التوضيح أنه يضم المعدن للفائدة كانت نصابا أو دونه وهو المفهوم من كلام الشامل ومن كلام جماعة غيره خلاف ما صرح به في الذخيرة عن سند من أن عبد الوهاب إنما يقول بالضم إذا كان المال الذي حال عليه الحول عنده دون النصاب قال: ولو كان معه نصاب حال عليه الحول ثم استخرج من المعدن دون النصاب لا يزكيه خلافا للشافعية، وهو نقض على عبد الوهاب ولو استخرج دون النصاب وبعد مدة دون النصاب لا يضم عند الجميع انتهى فتأمله. ص: (وتعلق الوجوب بإخراجه أو تصفيته تردد)

[ 213 ]

ش: أي اختلف المتأخرون في ذلك فنقل الباجي أن الوجوب يتعلق بنفس خروجه من المعدن، ونقل غيره إنما يتعلق به الوجوب بالتصفية. وفائدة الخلاف فيما إذا أنفق شيئا قبل التصفية هل يحسب جملته أم لا. وعن الجزولي الاول لظاهر الرسالة والثاني للسليمانية قال: ويبني عليه إذا أخرجه ولم يصفه وبقي عنده أعواما ثم صفاه. فعلى ما في السليمانية يزكيه زكاة واحدة، وعلى ظاهر الرسالة يزكيه لكل عام والله أعلم. ص: (وجاز دفعه بأجرة غير نقد) ش: مراده بأجرة شئ معلوم ويكون ما يخرج منه للعامل بمنزلة من أكرى أرضه بشئ معلوم. قال ابن زرقون: وروى ابن نافع عن مالك في كتاب ابن سحنون جوازه ومنعه سحنون. وروي أيضا عن سحنون الجواز. وعلى هذا لا يجوز أن يكرى بذهب وفضة كما لا تكرى الارض بما يخرج منها ولا بطعام في المشهور. هكذا قال في التوضيح وعليه حمل الشارح. وحمل قوله وعلى أن المخرج للمدفوع له. واعتبر مالك كل على الفرع الذي في كلام ابن الحاجب وهو ما إذا أعطى المعدن لجماعة يعملون على أن ما يخرج منه لهم فقال سحنون، كالشركاء لا تجب الزكاة إلا على حر مسلم بالغة حصته نصابا. وحمل كلام المصنف على هذين الفرعين، ويكون سكت عن فرع وهو الاستئجار عليه بأجر معلوم لوضوحه، أولى من حمل ابن غازي كلامه على هذا الفرع. وعلى الفرع الاول، ويكون الفرع الذي في كلام ابن الحاجب وهو ما إذا أعطى المعدن لجماعة مسكوتا عنه لان الحاجة إلى ذكر فرع ماذا أعطى لجماعة أمس من ذكر فرع ما إذا استؤجر عليه بأجر معلوم لوضوحه والله أعلم. ص: (واعتبر ملك كل) ش: هذا أحد القولين اللذين ذكرهما ابن الحاجب ونصه، ولو أذن لجماعة ففي ضم الجميع قولان. قال ابن عبد السلام: معناه إذا دفع المعدن لجماعة يعملون فيه إما على أن يكون جميع ما يخرج منه لهم، أو على أن له جزءا مما يخرج منه ولهم بقية ذلك على أحد القولين يعني في دفعه بجزء، فهل يكونون كالشركاء يعتبر نصيب كل واحد منهم وهو الظاهر، أو يكون ما يأخذونه منه كالعامل في المساقاة ويزكي الجميع على ملك ربه ؟ في ذلك قولان انتهى. ص: (وبجزء كالقراض قولان) ش: القول بالجواز لمالك ونسب لابن القاسم وهو اختيار الفضل بن مسلمة وصدر به في الشامل

[ 214 ]

ومقابله لاصبغ واختاره ابن المواز. قال في المقدمات: وهو قول أكثر أصحاب مالك والله أعلم. وإذا قلنا بالجواز فانظر هل يزكي هنا على ملك ربه أو يعتبر ما يحصل لكل واحد ؟ فتأمله والله أعلم. ص: (وفي ندرته الخمس) ش: قال في التوضيح: المعتبر في تمييز الندرة من غيرها هو التصفية للذهب والتخليص لها دون الحفر والطلب. فإذا كانت القطعة خالصة لا تحتاج إلى تخليص فهي القطعة المشبهة بالكاز وفيها الخمس، وأما إذا كانت ممازجة للتراب وتحتاج إلى تخليص فهي المعدن وتجب فيها الزكاة. حكاه الباجي عن الشيخ أبي الحسن انتهى. وظاهره سواء كانت الندرة نصابا أو دونه. وكذا قال ابن يونس وقال: ولو قال قائل لا تكون ندرة ولا يؤخذ منها الخمس حتى يكون نصابا لم أعبه انتهى. ص: (كالركاز وهو دفن جاهلي) ش: قال

[ 215 ]

البخاري في كتاب الزكاة قال مالك وابن إدريس، الركاز فن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس وليس المعدن بركاز. قال ابن حجر: الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي: المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه إذا دفنه ثم قال: وقوله دفن الجاهلية بكسر الدال وسكون الفاء الشئ المدفون كالذبح بمعنى الذبوح، وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا انتهى. ومثله الخرص بمعنى المخروص. ص: (أو وجده عبد أو كافر) ش:. فرع: قال في التوضيح في باب الجهاد في مسألة ما غنمه العبد والذمي قال التونسي: ولا نعلم نص خلاف أن ما أصابه النساء والصبيان من ركاز يخمس. انتهى بالمعنى. ونقله ابن عرفة أيضا هنا ونصه التونسي لا خلاف في تخميس ركاز وجده صبي أو امرأة انتهى. ص: (إلا لكبير نفقة أو عمل في تخليصه فقط فالزكاة) ش: في بعض النسخ في تحصيله وهو المراد بالتخليص أي تخليصه من الارض. وقوله: فقط أي كبير العمل أو النفقة يعتبر في تحصيله وإخراجه فقط لا في تصفيته إذ الفرض أنه ركاز والتصفيه إنما هي في المعدن والله أعلم. فرع: قال في النوادر: وما كان في جدار من ذهب أو فضة لو تكلف إخراجه أخرج منه بعد أجرة من يعمله شيئا فليزكه. وإن لم يخرج منه إلا قدر عمله فلا شئ فيه انتهى. ص:

[ 216 ]

(وكره حفر قبره) ش: أي قبر الجاهلي. قال في الشامل: وما وجد فيه من مال ففيه الخمس انتهى. وباقيه لمالك الارض وإن جيشا: قال في الشامل: ثم لورثتهم وقيل للواجد. وعلى المشهور: لو انقرضوا فللمسلمين، وقيل للفقراء انتهى ص: (فلواجده) ش: أي وإن لم يوجد في أرض مملوكة بل وجد في الفيافي والقفار فهو لواجده. ص: (وإلا دفن المصالحين فلهم) ش: قال في الشامل: ثم لورثتهم فإن انقرضوا فكمال جهل ربه، فإن وجده من ملكها عنهما فله، وقيل لهم. وفي الاخير ثالثها لواجده فإن كان دفن صلحي فله إن علم وإلا فلهم وذو علامة إسلام وغيره فلواجده ويخمس، وما جهل لعدم علامة أو طمسها فلواجده وشهر. وقيل: إن وجد بفيافي الاسلام فلقطة، أما من وجده في ملكه فله اتفاقا انتهى. وقال في التوضيح لو وجد الركاز في موضع جهل حكمه فقال سحنون: هو لمن أصابه ويخمس انتهى. قال في التوضيح. فرع: وحيث حكمنا به لاهل الصلح فقال في الجلاب: يخمس وقال في المدونة: لا يخمس انتهى. ص: (إلا أن يجده رب دار بها فله) ش: مراده من أهل الصلح وإن لم يكن منهم فهو لهم نقله غير واحد كابن عرفة وغيره.

[ 217 ]

فرع: قال ابن عرفة في كون ركاز الارض: إذا بيعت لمشتريها أو لبائعها قولان: لابن القاسم ومالك واللخمي وقول مالك هو الصواب انتهى. ص: (ودفن مسلم أو ذمي لقطة) ش: قال في التوضيح قال ابن عبد السلام: وما لم تظهر عليه علامة الاسلام والكفر حمل على أنه من دفن الكفر لان الغالب أن الدفن والكنز من شأنهم أي فيكون لواجده وعليه الخمس. وقال ابن رشد: إن لم يوجد عليه علامة الاسلام والكفر أو كانت عليه وطمست فقال سند: إنه يكون لمن وجده قياسا على قول سحنون المتقدم فيما إذا أوجده في أرض مجهولة بجامع أنه لا يعرف الملك فيهما. قال سند: وقال بعض أصحابنا: هو لقطة إذا وجد بأرض الاسلام تغليبا للدار. قال: والاول هو المشهور. وقد اتفقوا على أنه يخمس ولو كان لقطة ما خمس. قال: وهذا إذا وجد في الفيافي في بلاد المسلمين، وأما إذا وجد في ملك أحد فإنه له عندهم اتفاقا، ولو كان لقطة لاختلف حكمه في البيان. انتهى. كلام ابن راشد. خليل: وانظر كيف ذكر سند أولا أن كونه للواجد مخرج على قول ابن سحنون ثم قال: إنه المشهور انتهى. وتقدم كلام الشامل في ذلك والله أعلم. ص: (وما لفظه البحر كعنبر فلواجده بلا تخميس) ش: قال ابن عرفة. وفيها: وما لفظه البحر ولم يملك كعنبر ولؤلؤ لآخذه دون تخميس كصيد. وما وجد مما لفظه البحر إن كان لمسلم لقطة ولمشرك لقطة الامام لا لواجده. وزاد في سماع عيسى: وما شك فيه لقطة ابن رشد: ما لفظه من مال مغصوب لقطة اتفاقا بخلاف ما ألقاه ربه لنجاة نفسه. وفيها: ما وجد على وجه الارض من مال جاهلي أو ساحل البحر من تصاوير الذهب والفضة فلواجده مخمسا. ونقل ابن بشير: ما لفظه البحر من مملوك مسلم أو ذمي لواجده مطلقا خلاف تفصيل ابن رشد: بين ما ألقي لنجاة أو كان عطبا. ابن بشير: وما لفظه لحربي إن كان معه وأخذه بقتال أو لخوفه من أخذه لعدم حصوله في قبضة الاسلام فله

[ 218 ]

مخمسا وإن لم يخفه فلواجده. وقول ابن الحاجب إن أخذ بقتال خمس وإلا فلا. وقال في الشامل: فلورآه أحد فبادر إليه غيره أو جماعة فللسابق. فإن كان مملوكا فهل لمالكه أو لواجده ؟ قولان إلا لحربي فلواجده كأن أخذه منه بقتال هو السبب وإلا ففئ. انتهى والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: وفيها ما غسل من تراب ساحل بحر وجد به ذهب أو فضة معدن. اللخمي: إن كان من بقية مال جاهلي. وقلت مؤنة غسله فركاز واختلف فيه. قول مالك: إن كثرت وإن أتت به سيول من معدن احتمل كونه معدنا والاظهر فائدة كقول مالك في زيتون جبلي لم يجن حيز منه نصاب. قلت: الاظهر تخميسه لندرة لقوة الشبهة انتهى. فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم لمن أسلم دابته في سفر آيسا منها أخذها من أخذها وأنفق عليها فعاشت. ابن رشد: لمسلمها إتيانها بنية ردها أخذها ممن أخذها إن كان أشهد بذلك أو لم يشهد وتركها بأمن وماء وكلا أو إلا ففي تصديقه ثالثها بيمين، وبينة عدم ردها لا يأخذها وبغير بينة في حمله على الاول أو الثاني قولان، وعلى الاخذ فعلى ربها نفقة آخذها لا أجر قيامه عليها إن أقام عليها لنفسه. ولو أقام عليها لربها فله أجره إن أشهد بذلك وإلا ففي تصديقه ثالثها بيمين. وسمع أيضا لمن طرح متاعه خوف غرقه أخذه ممن غاص عليه وحمله يغرم أجرها. ابن رشد: هي كالتي قبلها وفاقا وخلافا. ولسحنون من أخرج ثوبا من جب وأبى رده لربه فرده فيه فطلبه ربه فعليه إخراجه ثانية وإلا ضمنه محمد: إن أخرجه فله أجره إن كان ربه لا يصل إليه إلا بأجر. وسمع أيضا لمن أسلم متاعه بفلاة لموت راحلته أخذه ممن احتمله بغرم أجر حمله. ابن رشد: أخذه حفظا لربه أو تملكا لظنه تركه وإن أخذه اغتفالا فلا حمل له. ابن شاس: وما ترك بمضيعة فقام عليه غيره فأحياه ففي كونه لربه أو أخذه روايتان والثانية أصح انتهى. والسماعات المذكورة كلها في كتاب اللقطة. فائدة: ورد في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا ومعنى يحسر أي ينكشف. قال القرطبي: نهى عن أصله من التحريم لانه ليس ملكا لاحد وليس بمعدن ولا ركاز فحقه أن يكون في بيت المال انتهى. وقوله: عن أصله لعله على أصله فتأمله والله أعلم.

[ 219 ]

فصل في مصارف الزكاة فرع: إذا لم يوجد إلا صنف واحد من الاصناف الثمانية فالاجماع على أنها تعطى لهم وتجزئ، وإذا اجتمعت الاصناف فالمذهب أنه لا يجب استيعابها بل لو أعطيت لصنف واحد أجزأ. نقله القرافي في الذخيرة. وقول ابن عرفة: صرفها في أحدها غير العامل مجزئ على إطلاق ابن الحاجب والشامل والقرافي وغيرهم. وسيأتي الكلام على ذلك في التنبيه الرابع في شرح قول المصنف: وندب إيثار المضطر دون عموم الاصناف والله أعلم. ص: (وصدقا إلا لريبة) ش: قال في الشامل: وصدق من ادعاهما أي الفقر والمسكنة إلا لريبة وبين ذهاب مال

[ 220 ]

عرف به وإن ادعى عيالا ليأخذ لهم وهو من أهل المكان كشف عنه إن أمكن. وإن ادعى دينا ببينة مع عجزه عنه انتهى. وفي الذخيرة في الحكم الثالث من أحكام الصرف في الاثبات وفي الجواهر ما خفي من هذه الصفات كالفقر والمسكنة صدما لم يشهد ظاهره بخلافه أو يكون من أهل الموضع ويمكن الكشف عنه فيكشف. والغازي معلوم بفعله فإن أعطي بقوله ولم يوف استرد، ويطالب الغارم بالبينة على الدين والعسر إن كان من مبايعة إلا إذا كان طعام أكله، وابن السبيل يكتفي فيه بهيئة الفقر انتهى. وما ذكره صاحب الشامل أصله للخمي وقبله في التوضيح وابن عرفة والله أعلم. ص: (وعدم كفاية بقليل أو إنفاق أو صنعة) ش: يعني أنه

[ 221 ]

يشترط في كل واحد من الفقراء والمساكين أن يكون عادما للكفاية إما بأن لا يكون له شئ أصلا ولا له من ينفق عليه ولا له صنعة أو يكون له شئ قليل لا يكفيه أو له من ينفق عليه نفقة لا تكفيه أو له صنعة لا كفاية له فيما يحصل منها. قال ابن الحاجب: ويشترط فيهما - أي الفقير والمسكين - الاسلام والحرية اتفاقا، وأن لا يكون ممن تلزم نفقته مليا، وكذلك إن كانت لا تلزم ولكنه في نفقته وكسوته. قال في التوضيح: يعني أنه يلحق الملتزم النفقة والكسوة بمن تلزمه في الاصل، وسواء كان التزامه لها صريحا أو بمقتضى الحال، وسواء كان من قرابته أولا. قاله أبو عبد السلام انتهى. ثم قال: فإن انقطعت النفقة أو الكسوة عن أحد الشخصين فإنه يجوز أن يدفع له من الزكاة ما يقدر عليه من النفقة والكسوة انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن فرحون: ظاهر كلام المؤلف أنه سواء كان الملئ يجريها عليه أم لا، لانه قادر على أخذها منه بالحكم. وينبغي أن يستثني من هذا ما لو كان الملئ لا يمكن الدعوى عليه أو تعذر الحكم انتهى. وفي البرزلي عن السيوري: من له ولد غني وأبى من طلب نفقته منه يعطى من الزكاة البرزلي: لانها لا تجب إلا بالحكم فكأنه لم يكن له ولد. فلو كان الامر على العكس ففيه نظر على مذهب ابن القاسم وأشهب انتهى. وفي المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان رجل فقير وله أب غني لا يناله رفقه فلا بأس أن يعطى من الزكاة، فإن كان يناله رفقه فغيره ممن لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر انتهى. فقوله: أولى أن يؤثر يدل على أنه يعطى وهو موافق لما تقدم عن التوضيح لان قوله: يناله رفقه يفهم منه أنه ليس ملتزما له بالكفاية فلو التزم له بالكفاية لم يعط. الثاني: ظاهر ما تقدم في التوضيح أن من له من ينفق عليه ويكسوه لا يعطى من الزكاة ولو احتاج إلى ضروريات أخر لا يقوم بها المنفق. والظاهر أنه يعطى بقدر ما يسد به ضرورياته الشرعية فقد قال البرزلي: وسئل السيوري عن كافل يتيمة تخدمه وهو يطعمها ويكسوها. هل تعطى من الزكاة ما ترتفق به في كسوتها أو تتجمل به في العيد أو متى تزوجت ؟ فقال للسائل: ليس عن مثل هذا تسألني مع كثرة المسائل التي عندك فعلها معلومة وما ينبني عليه موجود عندك. البرزلي: لم يعطه جوابا وأحاله على ما قيده. والذي سمعت عن بعض شيوخنا وأظن أني قيدته منه أنها تعطى من الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح والامر الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور. قال: والصواب في هذه المسألة المفروضة أنه إن قابل بشئ من الزكاة خدمتها فلا تجزئ لانه صون بها ماله، وإن لم يقابل ويعلم أنه لو لم تخدمه لم يعطها شيئا فلا تعطى أيضا، وإن لم يكن شئ من ذلك بأن كان غيرها أشد حاجة منها فلا يعطيها، وإن استوت الحاجة فغيرها ممن يصرفها في أهم مما تصرفه هي فيه خير، وإن اشتدت حاجتها من غيرها أعطيت ما تدعو الضرورة إليه من أسباب النكاح انتهى. ويؤخذ مما يأتي عن النوادر في قوله: ودفع أكثر منه.

[ 222 ]

الثالث: يعطى المحجور من الزكاة وتدفع لوليه ويدفع له القدر الذي يحتاج إليه في وقته. قال البرزلي: وسئل السيوري عن فقير خالط عقله شئ، هل يعطى من الزكاة ؟ وكذا قليل الصلاة ؟ فأجاب: من فقد عقله سقطت الصلاة عنه ويعطى لوليه من الزكاة ما ينفقه عليه، وإن لم يكن كذلك في عقله فيعاد السؤال عليه، وقليل الصلاة لا يعطى من الزكاة. البرزلي: لم تجب على من يفقد عقله في وقت دون وقت. وجوابه إن كانت حالته وقت الصحو كحالة الصحيح الرشيد فيعطى من الزكاة ولا يضرب على يديه، وإن كان بحيث لا يضبط ماله فحكمه حكم المحجور يعطى القليل الذي يضطر إليه في الحال ولوليه الكثير يصرفه إليه في أوقات الضرورة. وأما جوابه في مضيع الصلاة فعلى وجه الشدة ولو أعطاه لمضى انتهى. الرابع: قال البرزلي: وروى المغيرة لا يجريها على الايتام. البرزلي: قيدنا عن شيخنا الامام أن معناه أن يخرجها لهم كسوة وطعاما لانه من باب إخراج القيم في الزكاة، وأما لو أخرجها بعينها وعينها لهم صح له صرفها عليهم انتهى. الخامس: قال في سماع عيسى: يعطى من الزكاة أهل الهوى الخفيف الذي يبدع صاحبه ولا يكفر كتفضيل علي على سائر الصحابة وما أشبه ذلك. وأما أهل الاهواء المضلة كالقدرية والخوارج وما أشبههم فمن كفرهم بمقتضى قولهم لم يجز أن يعطوا من الزكاة، ومن لم يكفرهم أجاز أن يعطوا منها إذا نزلت بهم حاجة وهو الاظهر. ومن البدع ما لا يختلف في أنه كفر كمن يقول: إن عليا هو النبي وأخطأ جبريل، ومن يقول: في كل أمة رسولان ناطق وصامت وكان محمد (ص) ناطقا وعلي صامتا، ومن يقول: الائمة أنبياء يعلمون ما كان وما يكون فهؤلاء ومن أشبههم لا يعطون من الزكاة بإجماع لانهم كفار. وقد قال ابن حبيب: لا يعطى تارك الصلاة من الزكاة وقال: إن ذلك لا يجزئ من فعله وهذا على أصله أنه كافر وهو بعيد انتهى. وقال في النوادر: ولم يجز ابن حبيب أن يعطاها تارك الصلاة وقال: إن ذلك لا يجزئ من فعله. وهذا قول انفرد به وإن كان غيرهم أولى فلا بأس أن يعطوا إذا كان فيهم الحاجة البينة انتهى. ونقل ابن عرفة جميع ذلك مختصرا ونصه الشيخ عن محمد عن أصبغ: لا يعجبني إعطاؤها ذا هوى إلا خفيفه. الاخوان: لا يعطى ذا هوى ومن فعل أساء وأجزأته. وسمع عيسى ابن القاسم: يعطى أهل الاهواء إن احتاجوا من المسلمين. ابن رشد: إن خف هواهم كتفضيل علي على الصحابة والقدري والخارجي على القولين في تكفيرهم. ومنعها ابن حبيب غير المصلي على أصله. الشيخ: المصلي أولى منه ويعطى إن كان ذا حاجة بينة. وتقدم قول البرزلي في جواب السيوري في التنبيه الثالث في قليل الصلاة: إنه لا يعطى على وجه الشدة ولو أعطي لمضى. وقال البرزلي إثر هذا الكلام: ومثله أهل المجون والمعاصي إذا كانوا يصرفون الزكاة في محلها من ضرورياتهم، ولو كانوا يصرفونها حيث لا ترضى غالبا فلا تعطى لهم ولا تجزئ من أعطاهم لانه يتوصل بذلك إلى المعصية ولا يخل ما أمر الله به ما نهى عنه.

[ 223 ]

وهذا على القول بأنهم مسلمون، وعلى مذهب من يكفر تارك الصلاة فلا تجزئ. ونص عليه ابن حبيب: وهل الاهواء يسلك بهم هذا المسلك الذي أصلناه. وفي النوادر عن أصبغ: ونقل ما تقدم عنه. ثم قال فيه بعد هذا: ودفع الزكاة إلى الاصلح حالا أولى من دفعها إلى سيئ الحال إلا أن يخشى عليه الموت فيعطى، وإذا غلب على الظن أن المعطى ينفقها في المعصية فلا يعطى ولا تجزئ إن وقعت انتهى. وقال في مسائل بعض القرويين في أيتام تحل لهم زكاة لهم خادغير مصل ولا منفق فيحرمون من أجله فأجاب: يعطون من الزكاة ويأكل خادمهم منها بالاجارة وقد بلغت محلها يتصرفون فيها كيف شاؤا انتهى. السادس: قال في النوادر في ترجمة وجه إخراج الصدقة في الاصناف: روى علي وابن نافع عن مالك في المرأة يغيب عنها زوجها غيبة بعيدة فتحتاج ولا تجد مسلفا فلتعط منها انتهى يعني من الزكاة وهو ظاهر. وهذا إذا كان يعلم أن زوجها موسر وإلا فتعطى ولو وجدت من يسلفها لان الزوج إذا كان معسرا لم تلزمه النفقة والله أعلم. السابع: تقدم في كلام البرزلي حكم أهل المجون ومن يصرف الزكاة في المعاصي. قال اللخمي: ولو أتلف ماله فيما لا يجوز لم يعط بالفقر لانه يصرفه في مثل الاول إلا أن تعلم منه توبة أو يخاف عليه انتهى. ص: (وعدم بنوة لهاشم والمطلب ش: يعني أنه يشترط في الذي يحل له أخذ الزكاة أن يكون عادما لبنوة هاشم والمطلب أي لا يكون من بني هاشم ولا من بني المطلب. وعممنا هذا الشرط وإن كان كلام المصنف في الفقير والمسكين لانه قد ذكر القرافي وغيره أن هذا الشرط عام في جميع الاصناف، وكذلك الحرية والاسلام إلا المؤلفة على القول المشهور فيهم. ويعني بقوله: المطلب المطلب بن عبد مناف وهو أخو هاشم وليس المراد

[ 224 ]

به عبد المطلب ابن هاشم حتى اعترض عليه بأن بنوة هاشم كافية عنده لان من كان من بني عبد المطلب فهو من بني هاشم بل قال ابن رشد في الاجوبة: ثم يعقب أحد من بني هاشم إلا عبد المطلب. وما مشى عليه المصنف من أن الآل هم بنو هاشم وبنو المطلب هو قول عزاه في الاكمال لبعض شيوخ المالكية وذكره الرجراجي ولم يعزه، واقتصر عياض عليه في قواعده. وقال الشيخ زروق في شرح الوغليسية: هو الرجراجي ولم يعزه، واقتصر عياض عليه في قواعده وقال الشيخ زروق في شرح الوغليسية: هو المذهب. وكأنه اعتمد كلام المصنف هنا، ولكن الذي عليه مالك وأكثر أصحابه أنهم بنو هاشم فقط. تنبيه: قال الوانشريسي في المعيار: وسئل سيدي محمد بن مرزوق عن رجل شريف، هل يواسى بشئ من الزكاة أو صدقة التطوع وقد علمتم ما في ذلك من الخلاف، وحالة هذا الرجل وغيره من الشرفاء عندنا لا سيما من له عيال تحت فاقة. فالمراد ما نعتمده في ذلك من جهتكم فإني وقفت على جواب للامام ابن عرفة. قيل فيه: المشهور من المذهب أنهم لا يعطون من الزكاة وبذلك احتججت على من تكلمت معه في ذلك من طلبة بلدنا فقالوا لي: إن وقفنا على هذا وشبهه مات الشرفاء وأولادهم وأهاليهم هزالا، فإن الخلفاء قصروا في هذا الزمان في حقوقهم ونظام بيت المال وصرف ماله على مستحقيه فسد. والاحسن عندي أن يرتكب في هذا أخف الضررين ولا ينظر في حفدة رسول الله (ص) حتى يموتوا جوعا، فعارضني بما قلت لكم وبما قاله الشيخ ابن بشير في ذلك في الاجوبة. فأجاب: المسألة اختلف العلماء فيها كما علمتم والراجح عندي في هذا الزمان أن يعطى وربما كان إعطاؤه أفضل من إعطاء غيره والله أعلم. ونقله في المازونية عنه باللفط المذكور. وعبد مناف اسمه المغيرة، ومناف اسم صنم أضيف عبد إليه. وله من الاولاد الذكور أربعة: هاشم بن عبد مناف، والمطلب بن عبد مناف - وهؤلاء الثلاثة أشقاء - والرابع نوفل بن عبد مناف والله أعلم ص: (كحسب على عديم) ش: قال في المدونة: ومن كان له دين على رجل فقير فلا يعجبني أن يحسبه عليه في زكاته. قال غيره: لانه تاو ولا قيمة له أو قيمة دون. قال في التوضيح: وقد صرح ابن القاسم بعدم الاجزاء. وقال أشهب يجزئه انتهى. وقال أبو الحسن: قوله لا يعجبني على المنع وقول الغير تفسير وتتميم. قال: وفي الحواشي عن بعض الشيوخ يلزم على قول الغير أن الدين إذا لم يكن تاويا يحسب عليه في زكاته مثل أن يكون له دار وخادم إذ لو قام رب الدين على الغريم لبيعت له الدار والخادم. وكذلك قوله على يتيمة

[ 225 ]

ربع دينار يحتسب به في مهرها ويتزوجها. الشيخ: وهذا غير بين لانه إذا لم يكن تاويا فإن قيمته دون لان الدين إنما يعتبر قيمته وقيمته دون إذ هو كالعرض فلا يحسبه عليه. وكذلك من له على يتيمة ربع دينار لا يحتسب به عليها في مهرها لانه يؤدي إلى أن يتزوج بغير النصاب انتهى. فعلى هذا لا يكون لقوله على عديم مفهوم لما ذكره أبو الحسن. والتاوي الهالك. وقال المشذالي: أخذ منه أن من له دين على رجل وقد أخذ به رهنا أنه يجوز أن يعطيه له في زكاته لانه ليس بتاو. وقال ابن عرفة: وكذا عندي لو أعار رجل شيئا لمن يرهنه في دين عليه أنه يجوز له أن يعطيه ما يفك به ما أعاره ولايتهم أنه قصد نفعا لانه فعل معروفين انتهى. وهو ظاهر عندي والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ولا يحسب في دين على فقير ومن فعل لم يجزه خلافا لاشهب بناء على الكراهة أو المنع، وبه أفتى ابن رشد انتهى. ص: (وجاز لمولاهم) ش: قال في التوضيح: هذا هو المشهور، والشاذ لمطرف وابن الماجشون وابن نافع وأصبغ. ثم قال: وأخذ اللخمي بقول أصبغ لحديث أبي رافع قال: بعث رسول الله (ص) رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لابي رافع مولى رسول الله (ص): اصحبني فيما نصيب منها فقال: لا، حتى آتي رسول الله (ص) فأسأله فسأله فقال: إن الصدقة لا تحل لنا ولا لموالينا. وهو صحيح ذكره الترمذي في مسنده. انتهى كلامه في التوضيح. وبقول أصبغ قطع ابن عبد البر في التمهيد في شرح حديث بريد وهو الثالث لربيعة ونصه: قال أبو عمر: أما الصدقة المفروضة فلا تحل للنبي (ص) ولا لبني هاشم ولا لمواليهم، لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك إلا أن بعض أهل العلم قال: إن مولى بني هاشم لا يحرم عليه شئ من الصدقات. وهذا خلاف الثابت عن النبي (ص) وذكر الحديث المتقدم إلا أنه قال: فقال رسول الله (ص): إن الصدقة لا تحل لنا وإن موالي القوم منهم انتهى. فهذا من إجماعاته وقد حذروا منها والله أعلم. ص: (وقادر على الكسب) ش: هذا هو المشهور ومقابله ليحيى به عمر. ومحل الخلاف في القادر على الكسب الذي له صنعة غير كاسدة، وأما العاجز ومن لا صنعة له أو له صنعة وكسدت فهو خارج عن القولين كما قاله اللخمي ونقله في الخوضيح. ص: (ومالك النصاب) ش: هذا هو

[ 226 ]

المشهور قاله في التوضيح. قال في المدونة: ومن له دار وخادم ولا فضل في ثمنهما ممن سواهما أعطي من الزكاة وإن كان فيهما فضل لم يعط ويعطى منها من له أربعون درهما إن كان أهلا لذلك لكثرة عيال أو نحوه. أبو الحسن قوله: فيهما فضل يريد فضل يغنيه لو باعهما واشترى غيرهما. وقال المغيرة: إن كان يفضل من ثمنهما عشرون دينارا لم يعط انتهى وهذا على أصله في أن مالك النصاب لا يعطى. أبو الحسن: انظر جعله هنا إن كان له دار وخادم يعطى من الزكاة. وفي الايمان، من له دار وخادم عليه أن يكفر ولا يجزئ الصوم. والفرق أن الكفارة حق عليه وأخذ الزكاة حق له، والغني المراعي العين وعروض التجارة أو فضلة بيته على القنية، فإن كانت له دار وخادم لا فضلة فيهما أو كان فيهما فضلة يسيرة أعطي من الزكاة، وإن كان فضلة بينة لم يعط انتهى. وقال في النوادر في آخر كتاب الهبات قال مالك: لا بأس أن يعطى من الزكاة من له المسكن والخادم إلا أن يكون كثرة الثمن فيه فضل انتهى. وفي ابن يونس عن المدونة قال عمر بن عبد العزيز: لا بأس أن يعطى منها من له الدار والخادم والفرس. أبو الحسن عن بعض الشيوخ: هذا في بلد يحتاج فيه للفرس انتهى. فرع: قال أبو الحسن الصغير: وهل يعطى منها الفقيه إذا كانت له كتب يحتاج إليها كما يحتاج المجاهد للفرس وهذا الذي يقتضيه النظر انتهى. وفي التوضيح: خليل: والظاهر أنه يجوز الاعطاء للفقيه الذي عنده كتب قياسا على قول عمر. وقاله أبو الحسن انتهى. ويعني به أبا الحسن الصغير وبعده في التوضيح اللخمي. ونقل عنه كلاما آخر فيتوهم كثير أنه عزاه للخمي وليس كذلك. وفي البرزلي في جملة سؤال سألت ابن أبي زيد ما نصه: فلو كانت له كتب فقه قيمتها كثيرة فقال: هذا لاغنى له عنها. البرزلي: كان شيخنا الامام يقول: إذا كانت فيه قابلية فيأخذها ولو كثرت كتبه جدا، وإن لم تكن له قابلية فلا يعطى منها شيئا إلا

[ 227 ]

أن تكون كتبه على قدر فهمه خاصة فتلغى. وهذا كله على القول بجواز بيعها، وعلى المنع فهي كالعدم. وعلى مذهب المدونة من الكراهة فقال بعض المغاربة: فلا نمنعه من أخذ الزكاة ولا تباع عليه في الدين لانه مكروه والشرع لا يجبر على مكروه. البرزلي: ولعلها تجري على مسألة تزويج أم ولده في غيبته وعدم وجود ما ينفق عليها انتهى. وفي شرح الرسالة للجزولي الشيخ: وإذا كانت عنده هل يعطى أو تباع عليه فإن كانت كتب التاريخ تباع عليه، وإن كانت للطب نظر. فإن كان في البلد طبيب غيره بيعت عليه ولا يعطى من الزكاة، وإن لم يكن في البلد طبيب لا تباع عليه ويعطى من الزكاة، وإن كانت للفقه نظر. فإن كان ممن ترجى إمامته أعطي من الزكاة ولا تباع عليه، وإن كان ممن لا ترجى إمامته تباع على القول بجواز بيعها. وعلى القول بالمنع لا تباع ويعطى من الزكاة انتهى. وقال الثعالبي بعد ذكره كلام أبي الحسن: وقد اختلف ذكر الخلاف فيه. ابن رشد. والقياس على من له دار وخادم وفرس أنه يأخذ، وهذا فيمن كانت في عقله فضله وكان مدرسا فقيها لا يستغني عنها، والاحسن في هذا أن يأخذ. وأما كتب النحو والادب فليست مثلها انتهى. ثم ذكر كلام الغزالي في الاحياء بلفظه وقال في آخره: وهو حسن موافق لما قدمناه من أصول المذهب. فرع: تقدم عن البرزلي أن اليتيمة تعطى من الزكاة ما تصرفه في ضروريات النكاح والامر الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور. فعلى هذا فمن ليس معها من الامتعة والحلي ما هو من ضروريات النكاح تعطى من الزكاة من باب أ ولى فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال في التمهيد في شرح الحديث الثاني عشر لزيد بن أسلم في قوله عليه الصلاة والسلام: من سأل وله أوقية الحديث فيه أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة، والاوقية إذا أطلقت فإنما يراد بها الفضة دون الذهب وغيرها هذا قول العلماء. والاوقية أربعون درهما، فمن سأل وله هذا الحد والعدد من الفضة أو ما يقوم مقامها فهو ملحف والالحاف في كلام العرب الالحاح لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، وإلالحاح على غير الله مذموم. فقال: مدح الله قوما فقال (لا يسألون الناس الحافا) * ولهذا قلت: إن السؤال لمن ملك هذا القدر مكروه ولم أقل إنه حرام لا يحل لان ما لا يحل يحرم الالحاح فيه وغير الالحاح ويحرم التعرض له، وما جاء من غير مسألة فجائز له أن يأكله إن كان من غير الزكاة وهذا ما لا أعلم فيه خلافا. ولا تحل الزكاة لغني إلا لخمسة على ما ذكرنا من حديث ربيعة، وأما غير الزكاة من التطوع فجائز للغني والفقير. ثم قال: المعروف من مذهبه يعني مالكا أنه لا يحد في الغني حدا لا يتجاوز إلا على قدر الاجتهاد المعروف من أحوال الناس، وكذلك يرد ما يعطى للمسكين الواحد من الزكاة إلى الاجتهاد من غير توقيت، ثم أطال في ذلك فانظره. وانظر حديث زيد بن أسلم أيضا: اعطوا السائل وإن جاء على فرس وهو الحديث السابع والاربعون لزيد بن أسلم. وقال في شرح الحديث الثالث من أحاديث ربيعة في قوله (ص): لا تحل الصدقة لغني

[ 228 ]

إلا لخمسيريد الصدقة المفروضة، وأما التطوع فغير محرمة على أحد غير من ذكرنا على حسبما وصفنا في هذا الباب إلا أن التنزه عنها حسن وقبولها من غير مسألة لا بأس به ومسألتها غير جائزة وإلا لمن لم يجد بدا انتهى. وفي تبصرة ابن محرز قال أبو الحسن القصار: من كان معه ما يقوم به لادنى عيش لم يجز له أن يسأل، وإن لم يكن له شئ‌فالمسألة له حلال، ويجوز أن يعطى في دفعة واحدة ما يقوم بعيشه إلى آخر عمره. قلت: والاصل في هذا حديث: من سأل وله أوقية فقد سأل إلحافا فمنع (ص) من كان عنده أوقية من السؤال ولعلها لا تكون غنى فلمثله، وأما إعطاؤه من الزكاة فإن الزكاة تجب لكل فقير ولا تحل للاغنياء، فمن كان غنيا متكففا لم يجز أن يعطى منها، والغني في الناس مختلف، فمنهم من يغنيه القليل لقلة عياله وخفة مؤنته، ومنهم من لا يغنيه إلا الكثير لكثرة عياله وشدة مؤنته فهذا مما يجتهد فيه. وأما إعطاء الفقير ما يغنيه أو يزيد على غناه فإن ذلك سائغ لانه في حال ما أخذ كان فقيرا والصدقة مباحة للفقراء ولم يؤخذ علينا فيها حد معلوم وبالله التوفيق انتهى. ونقله البرزلي وقال في العارضة في باب من تحل له الزكاة ما نصه: المسألة الخامسة: وقد يكون السؤال واجبا أو مندوبا. أما وجوبه فللمحتاج، وأما المندوب فأن يعينه وتتبين حاجته إن استحبا هو من ذلك أو رجاء أن يكون بيانه أنفع وأنجح من بيان السائل كما كان النبي (ص) يسأل لغيره في أحاديث كثيرة انتهى. ورأيت بخط بعض المغاربة ما صورته: قال بعضهم: الانسان بالنسبة إلى أخذ الصدقة على قسمين: طالب لها وغير طالب فالطالب لها على قسمين: محتاج وغير محتاج. فالمحتاج يجوز له الاخذ مطلقا، وغير المحتاج يحرم عليه الاخذ مطلقا. وأعني بالمطلق سواء كان يأخذه من المتصدق واجبا عليه كالزكاة أو تطوعا، وأعني بغير المحتاج من عنده قوت يومه بالنسبة إلى طلب التطوع أو قوت سنة بالنسبة إلى طلب الواجب، والمحتاج على عكسه. والقسم الثاني وهو غير الطالب لها على قسمين أيضا: محتاج وغير محتاج. فالمحتاج يجوز له الاخذ، وغير المحتاج يجوز له الاخذ من التطوع دون الواجب. وأما قدر المأخوذ لمن يجوز له الاخذ فلا حد له ولا غاية. انتهى. ما رأيته وهو حسن إلا أنه غير معزو والله أعلم. ص: (ودفع أكثر منه وكفاية سنة) ش: قال في الذخيرة:

[ 229 ]

وإذا أعطى المحتاج فروى ابن نافع ذلك غير محدود ويعطيه قوت سنة بقدر المقسوم وقد تقل المساكين وتكثر. وروى المغير لا يعطى نصابا وقاله أبو حنيفة لان الدفع لوصف الفقر فلا يخرج به عنه. وعلى الاول يعطيه قوت السنة وإن اتسع المال زاده ثمن العبد ومهر الزوجة. وفي الجواهر: يعطى الغارم قدر دينه. والفقير والمسكين كفايتهما وكفاية عيالهما، والمسافر قدر ما يوصله إلى مقصده أو موضع ماله، والغازي قدر ما يقوم به حالة الغزو، والمؤلف بالاجتهاد، والعامل أجرة مثله، ومن جمع صنفين استحق سهمين. وقال القاضي أبو الحسن بالاجتهاد. قال سند قال ابن القاسم: يعطى منها العامل بقدر كثرة عمله وقلته وكثرة التحصيل وقلته انتهى. ويأتي الكلام في دفعها جميعها للعامل عند قوله: وندب إيثار المضطر وفي النوادر: روى علي وابن نافع كم أكثر ما يعطى الفقير منها والصدقة واسعة ؟ قال: لا حد فيه وذلك على قدر اجتهاد متوليها. قيل: فيعطي قاسمها للفقير قوت سنة ثم يزيده الكسوة. قال: ذلك بقدر ما يرى من كثرة الحاجة وقلتها، ثم سئل عنها والمسدد له قوت شهر يعطي تمام قوت سنة قال: يعطي بالاجتهاد وقد يكون أفقر من يوجد فيعطى، وقد يكون غير أحوج فيؤثر الاحوج. ثم سئل عنها قيل: والفقير يعطى منها الشئ الكثير مثل العبد أو ما ينكح به قال: إن كان يبيع ذلك للمساكين فيعانوا بذلك لم أر به بأسا، ولكن أكره أن يأخذ هذا حظ مساكين كثيرة بهذا التفصيل الواسع انتهى. وفي البرزلي سئل اللخمي عن شيخ زمن له بيت يكريه ينحو الدرهمين في الشهر وغرفة تصدق بها على ولده وهو يسكن معه، أترى أن يعطى من الزكاة والكفارة وليس له ما يعيش به إلا من كراء ذلك البيت ولا يكفيه ؟ فأجاب إذا كان كسب الشيخ ما ذكرت فهو في عداد الفقراء فيأخذ الزكاة والكفارة والفطرة. البرزلي: لم يوجب عليه بيع البيت وأكلها لانه عنده لا يكفيه فأشبه الفقير الذي له القليل انتهى. ويأتي عن النوادر فرع من هذا عند قوله: جاز إخراج ذهب عن ورق. ص: (وفي جواز دفعها لمدين ثم أخذها تردد) ش: هذا إذا لم يواطئه على ردها فإن واطأه لم يجز كما جزم به ابن عرفة والمصنف في التوضيح. وأما مع عدم التواطؤ فهو محل التردد. قال ابن عبد السلام: يجوز والمفهوم من كلام الباجي المنع لكن الجواز أظهر كما رجحه المصنف في التوضيح وابن عرفة. قال ابن عبد السلام: لو دفع إليه الزكاة جاز له أن يأخذها من دينه. خليل: وانظر هل هذا مع التواطؤ على ذلك أولا وهو الظاهر، وأما مع التواطؤ فلا ينبغي أن يقال بالاجزاء لانه كمن لم يعط شيئا

[ 230 ]

انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام: لو أعطاه إياها جاز أخذها منه في دينه خلاف تعليل الباجي، ورأيت ابن حبيب منع إعطاء الزوجة زوجها بأنه كمن دفع صدقته لغريمه ليستعين بها على أداء دينه. قلت: الاظهر أن أخذه بعد إعطائه له طوع الفقير دون تقدم شرط إجزاؤه. وكره ذلك إن كان له ما يواريه من عيشه الايام وإلا فلا كقولها في قصاص الزوجة بنفقتها في دين عليها ويشترط لمن لم يعطها انتهى. ونقله الشيخ زروق في شرح الارشاد ونصه: قال ابن عبد السلام: فلو أعطاها له جاز أخذها منه في دينه. ابن عرفة: إن أخذها منه كرها وهو مكفي جاز. وكذا إن أعطاها له طوعا من غير شرط، وإن أعطاها له بشرط ردها إليه لم يجز انتهى. ص: (وجاب ومفرق) ش: قال في الشامل: والكاتب والخارص والقاسم مثله انتهى. وهذا هو الذي ذكره ابن العربي خلاف ما ذكره الباجي أنه يجوز أن يستعمل في الخراصة العبد والذمي لانها إجارة محضة ونقلها في التوضيح. فروع: الاول: قال في الشامل: ولا ينبغي له أن يأكل ولا أن ينفق إن كان الامام غير عدل وإلا جاز انتهى. الثاني: قال في النوادر في ترجمة إخراج الصدقة في الاصناف: قال ابن القاسم: لا يستعمل على الصدقة عبد ولا نصراني فإن فات ذلك أخذ منهما ما أخذا وأعطيا من غير

[ 231 ]

الصدقة بقدر عنائهما انتهى. وقال في الشامل: ولو استعمل عبدا أو نصرانيا فأجرتهما من الفئ لا منها على الاصح ويرد ما أخذا منها. الثالث: قاتل في العتبية قلت: فإن كان العامل له عليها مديانا أيأخذ منها مثل ما يأخذ الغارمون ؟ قال: لا إلا أن يعطيه السلطان منها على وجه الاجتهاد. قال ابن رشد: إنما قال أو العامل على الزكاة إذا كان مديانا لا يجوز له أن يأخذ منها كما يأخذ الغارمون من أجل أنه هو الذي يقسمها فلا يحكم لنفسه، ويجوز للامام أن يعطيه من أجل دينه سوى ما يجب له بعمالته. انتهى من سماع سحنون من زكاة الماشية. ص: (وأخذ الفقير بوصفيه) ش: وكذا كل من جمع وصفين أخذ بهما كما تقدم في كلام الذخيرة.

[ 232 ]

تنبيه: إنما يعطى العامل بوصفيه إذا لم يكن في حظه لاجل العمل ما يصير به غنيا والله أعلم. ص: (لا عقد حرية فيه) ش: تصوره واضح. قال في النوادر: ومن ابتاع مدبرا أو مكاتبا من الزكاة فأعتقه فعلى قول مالك الاول لا يجزئ ويرد، وعلى قول الآخر لا يرد ولا يجزئه. ص: (وإن اشترطه له) ش: هذا هو المشهور أن العتق صحيح ولا يجزئه. وقال أشهب: يجزئه وشرطه باطل وولاؤه للمسلمين. وجعل اللخمي المسألة على ثلاثة أوجه فقال: ومن اشترى رقبة من زكاته ثم قال هي حرة عن المسلمين وولاؤها لي كان ولاؤها للمسلمين وشرطه باطل وهو مجزئ عنه. واختلف إذا قال: حر عني وولاؤه للمسلمين. ثم ذكر القولين واختار الاجزاء ثم قال: ولو كان له عبد يملكه فقال: هو حر عني وولاؤه للمسلمين لم يجزه قولا واحدا انتهى. ص: (أو فك أسيرا) ش: هذا هو المشهور ومقابله لابن حبيب قائلا هو أحق وأولى من فك الرقاب التي بأيدينا ووافقه ابن عبد الحكم. فرع: لو أخرجها فأسر قبل صرفها جاز فداؤه بها ولو افتقر لم يعطها وفرق بعودها له وفي الفداء لغيره. قاله في الشامل ونقله ابن يونس وغيره.

[ 233 ]

تنبيه: قال ابن عرفة ابن حارث: لو أطلق أسير بفداء دين عليه أعطي اتفاقا لانه غارم انتهى. ونقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ونصه: قال ابن قداح: أما إن قاطع الاسير على نفسه وخرج إلى أرض المسلمين وطلب منهم فإنه يعطى من الزكاة لانه غارم انتهى. والظاهر أنه إذا أطلق في بلاد الكفار وطلبها من المسلمين المتأخرين في تلك البلاد أنه يعطى كما يؤخذ من لفظ ابن عرفة ومن التعليل بأنه غارم. فرع: قال ابن الحاجب: ولا تصرف في كفن ميت ولا بناء مسجد ولا لعبد ولا لكافر. قال ابن فرحون في شرحه: نبه على ذلك لئلا يتوهم أن صرفها في هذه الوجوه جائز لان الميت لا يوصف بالفقر ولا بالغنى ولا تصرف لقاض ولا لامام مسجد ولا لفقيه ولا لغاز لان أرزاقهم من بيت المال. فعلى هذا التعليل إذا انقطع ذلك عنهم من بيت المال يجوز صرفها لهم انتهى. ص: (يحبس فيه) ش: قال في الشرح الاصغر: واحترز به مما لا يحبس فيه كدين الزكاة والكفارة. وقال البساطي فلا يعطى من عليه دين لولده على قول من لا يحبسه. واعلم أنه إن أريد أن يكون من شأنه أن يحبس فيه خرجت هذه الصورة، وإن أراد يحبس بالفعل خرج من ثبت عدمه انتهى. وانظر قوله: إن دين الزكاة لا يحبس فيه مع ما نقله صاحب الشامل وغيره ونصه: وإن عرف بمنعها ولم يظهر له مال حبس انتهى. فرع: قال ابن فرحون: وانظر هل يدخل في الغارمين المصادر ؟ وقال بعضهم: لا يعطى لان الاعطاء والحال هذه للسلطان لا له وفيه نظر، لان الاعطاء للاسير للكفار لا له، وفي الوجهين تخليص من الاسر والظلم وربما كان المصادر مستمر العقوبة بخلاف الاسير. انتهى والظاهر أنه غارم والله أعلم. ص: (وآلته) ش: قال اللخمي: قال ابن عبد الحكم: وفي صلح

[ 234 ]

العدو انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله والشيخ بهرام والشيخ زروق في شرح الارشاد وغيرهم والله أعلم. ص: (وغريب محتاج لما يوصله في غير معصية) ش: هذا هو الصنف الثامن وهو ابن السبيل وفسره المصنف بأنه الغريب المحتاج لما يوصله إلى بلده إذا كان سفره في غير معصية يريد ولو كان معه شئ ينفقه على نفسه كما يؤخذ ذلك من قوله: إن جلس نزعت منه فإنه إذا كان فقيرا لا ينزع منه ما يستحقه بوصف الفقر. قاله اللخمي. وقال ابن يونس قال أصبغ عن ابن القاسم: يعطى منها الغازي وابن السبيل وإن كانا غنيين بموضعهما ومعهما ما يكفيهما

[ 235 ]

ولا أحب لهما أن يقبلا ذلك فإن قبلا فلا بأس. قال أصبغ: أما الغازي فلا بأس أن يعطى وإن كان مليا وهو له فرض، وأما ابن السبيل فلا يعطى إذا كان معه ما يكفيه لانه حينئذ لا يعد من أبناء السبيل. قال ابن القاسم: وابن السبيل هو الذي في غير بلده وقد فرغت نفقته وليس معه ما يتحمل به إلى بلده وإن كان في غير غزو ولا تجارة فهو ابن السبيل كائنا كان من المسلمين انتهى. ص: (وإن جلس نزعت منه) ش: قال اللخمي: ومن أخذ زكاة لفقره لم يردها إن استغنى قبل إنفاقها ثم ذكر الغازي وابن السبيل كما قال المصنف وقال فيه: إلا أن يكون ذلك القدر يسوغ له لفقره وإن لم يكن ابن سبيل قال: وفي الغازي يأخذ ما يقضي به دينه ثم يستغني قبل أدائه إشكال ولو قيل: ينزع منه لكان وجها انتهى. ص: (وندب إيثار المضطر دون عموم الاصناف) ش: قال في المدونة: ومن لم يجد إلا صنفا واحدا مما ذكر الله تعالى في كتابه أجزأه أن يجعل زكاته فيهم، وإن وجد الاصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم وليس في ذلك قسم مسمى انتهى. وقال في الذخيرة: وإن لم يوجد إلا صنف واحد أجزأ الاعطاء له إجماعا، وإن وجد الاصناف كلها أجزأه صنف عند مالك وأبي حنيفة. وقال الشافعي: يجب استيعابهم إذا وجدوا واستحبه أشهب لئلا يندرس العلم باستحقاقهم ولما فيه من الجمع بين مصالح سد الخلة والاعانة على الغزو ووفاء الدين وغير ذلك، ولما يرجى من بركة دعاء الجميع ومصادفة ولي فيهم، وانعقد الاجماعلى عدم استيعاب آحادهم انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن عبد السلام: وأما أجزاؤها إذا دفعت إلى صنف واحد من الثمانية أو إلى شخص واحد من ذلك الصنف ففيه الاضطراب المعلوم بين علماء الامصار، والذي تسكن النفس إليه هو تعميم الاصناف بحسب الامكان وقد استقر ذلك من المذهب انتهى. ففهم منه أن دفعها إلى الشخص الواحد من الصنف كدفعها إلى الصنف في جري الخلاف فيه فيكون المذهب فيه الاجزاء وهو ظاهر.

[ 236 ]

الثاني: قال اللخمي: يبدأ في الزكاة بأجر العاملين ثم بالفقراء والمساكين من العتق لان سد خلة المؤمن أفضل من ذلك لان من حق من وجبت عليهم الزكاة أن لا تصرف زكاتهم لغير الفقراء إلا بعد سد خلتهم لان صرفها إلى غير هم يوجب عليهم المساواة لاولئك قبل العام التالي، وإن كان هناك مؤلفة بدأ بهم لان استنقاذهم من النار بإدخالهم في الاسلام أو تثبتهم عليه إن كانوا قد أسلموا أفضل الاعمال، وذلك أولى من إطعام فقير. وقد يبدأ بالغزو وإذا خشي على الناس ويبدأ بابن السبيل على الفقير إذا كان يدركه في بقائه وتأخره ضرر، والفقير في وطنه أقل ضررا انتهى. وذكره القرافي وصدره بقوله: الحكم الثاني الترتيب. ولا شك أن هذا البيان ما هو الاولى أن يعمل ولعله مراد المؤلف بقوله: وندب إيثار المضطر ولم يذكر اللخمي تبدئة المساكين على الفقراء لان المشهور أن المسكين أحوج، ومعلوم أن الاحوج مقدم ولم يذكر أيضا رتبة الغارمين. الثالث: قال سند: إن استوت الحاجة قال مالك: يؤثر الا دين ولا يحرم غيره وكان عمر يؤثر أهل الحاجة ويقول: الفضائل الدينية لها أجور في الآخرة والصديق رضي الله عنه يؤثر بسابقة الاسلام والفضائل الدينية لان إقامة بنية الابرار أفضل من إقامة بنية غيرهم لما يترتب على بقائها من المصالح. انتهى ونحوه في النوادر. وما ذكره عن العمرين رضي الله عنهما عكس ما نقل ابن يونس وأبو الحسن وغيرهما عنهما إلا أنهما نقلا عن عمر أنه قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقسمت ذلك قسما واحدا، ولئن بقيت إلى قابل لالحقن الاسفل بالاعلى والله أعلم. الرابع: أطلق القرافي وابن الحاجب وصاحب الشامل وغيرهم القول بأن دفعها لنصف مجزئ. وقال في التوضيح: وقيد ذلك ابن عبد السلام وابن هارون بما عدا العامل قال: إذ لا معنى لدفعها جميعها له. قال المصنف: ولعل هذا إنما هو إذا أتى بشئ له بال، وأما إن حصلت له مشقة وجاء بالشئ اليسير فينبغي أن يجوز إعطاؤه الجميع وهو مقتضى كلام الباجي ثم ذكره. وما قاله ظاهر وجزم به الشارح في شرحه الكبير وقال: الاشكال في تبدئة العامل لانه المحصل لها فهو مقدم على غيره حتى إنه لو حصلت له مشقة وجاء بالشئ اليسير الذي يرى أنه لا يساوي مقدار أجرته لاخذه جميعه ولا شئ لغيره انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذكره الاصناف الثمانية وصرفها في أحدها غير العامل مجزئ انتهى. ويقيد بما قاله صاحب التوضيح. والحاصل أنها لو دفعت لصنف واحد أجزأ إلا العامل فلا تدفع إليه إلا أن تكون قدر

[ 237 ]

عمله والله أعلم. ص: (والاستنابة وقد تجب) ش: قال في المدونة: ولا يعجبني أن يلي أحد تفرقة صدقة ماله خوف المحمدة والثناء وعمل السر أفضل ولكن يدفع ذلك إلى رجل يثق به فيقسمه. أبو الحسن: قال صاحب التقريب: لا أحب وهذا بين أن لا يعجبني على معنى الكراهة، وأراد خوف قصد المحمدة، ولو جزم أنه قصد المحمدة لصرح بالمنع، ولو جزم أنه يسلم من ذلك لصرح بالجواز انتهى. ولا بد أن يكون عالما بأحكامها ومصرفها وإلا وجب عليه أن يعلم ذلك أو يستنيب من يعلم ذلك. تنبيه: قال عياض في قواعده: من آداب الزكاة أن يسترها عن أعين الناس. قال: وقد قيل الاظهار في الفرائض أفضل. قال شارحه: قال ابن بطال: لا خلاف بين أئمة العلم أن إعلان صدقة الفرض أفضل من إسرارها وإن الاسرار بصدقة النوافل أفضل من إعلانها. ثم ذكر عن ابن عطية وغيره خلافا في صدقة الفرض لكن ضعف القول بإسرارها ثم قال: وما بدأ به المؤلف هو القول المرجوح المطعون عليه، وإنما قدمه لانه مذهب مالك انتهى. وقال الشيخ زروق في شر القرطبية: فأما سترها فمستحب لما يعرض من الرياء إلا أن يكون الغالب على الناس تركها فيستحب الاظهار للاقتداء انتهى، وهذا عكس ما قال ابن عطية على ما نقل القباب فإنه قال: كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء انتهى. وهذا والله أعلم يختلف باختلاف الاحوال. فمن أيقن بسلامته من الرياء وحسن قصده في الاظهار استحب له ذلك، ومن غلب عليه خوف الرياء استحب له الاسرار، ومن تحقق وقوع الرياء وجب عليه الاخفاء والاستنابة والله أعلم.

[ 238 ]

فرع: عن عياض: في آدابها أيضا دفعها باليمين وقال: يستحب للمصدق والامام الدعا والصلاة على دافعها. انتهى. ونحوه في القرطبية وغيرها. وفي الذخيرة: ولا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ منه الصدقة خلافا لداود واستحبه الشافعي انتهى. وفي الجواهر: ولا يجب على الامام ولا على نائبه أن يدعو لصاحب الصدقة إذا أخذها منه لكن يندب إلى ذلك انتهى. فائدة: قال في التمهيد في شرح الحديث الثاني عشر لزيد بن أسلم لما أن قال الاعرابي لرسول الله (ص): إنك لتعطي من شئت. يحتمل أن يكون هذا من الاعراب الجفاة الذين لا يدرون حدود ما أنزل الله على رسوله. وفي هذا الحديث دليل على ما قال مالك أن من تولى تفريق الصدقات لم يعدم من يلومه. قال: وقد كنت أتولاها بنفسي فأوذيت فتركت ذلك انتهى. فرع: قال سند في الكلام على مصرف الزكاة: من دفعت إليه زكاة ليفرقها في أهلها وكان هو من أهلها جاز أن يأخذ منها بالمعروف. قال مالك: من أعطي مالا في خروجه لحج أو غزو ليصرفه على من قطع به فقطع به فليأخذ منه بالمعروف وهو بين، لان علة الاستحقاق قائمة فلا فرق بينه وبين غيره من المستحقين انتهى. وما ذكره في الموازية نحوه في النوادر في كتاب الزكاة وفي كتاب الحج الثاني فيمن بعث معه جزاء أو فدية أو جزاء صيد أنه لا يأكل منه قال: إلا أن يكون الرسول مسكينا فجائز أن يأكل. قال في الطراز في شرحه: ونظيره الكفارة والزكاة تدفع لبعض المساكين ليفرقها على المساكين فله أن يأخذ نصيبه منها بالعدل انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: يؤخذ من شرح هذه المسألة أن من أعطيت له صدقة يفرقها أنه يجوز له أن يأخذ مقدار حظه إذا كان مسكينا. وهي مسألة فيها قولان وسببهما الوكيل، هل هو معزول عن نفسه أم لا ؟ وهل المأمور بالتبليغ داخل تحت الخطاب أم لا ؟ ويقوم منه أن من جعل ماله في العطاش أنه يشرب منه إن عطش انتهى. وفي رسم البرزلي من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات. ابن بشير: أجاز لمن بعث معه بمال في غزو أو حج ليفرقه على المنقطعين أن يأخذ منه إذا احتاج بالمعروف، والمعروف أن لا يحابي نفسه فيأخذ أكثر مما يعطي غيره، واستحب له إن وجد من يسلفه أن يتسلف ولا يأخذ منه شيئا، واستحب له إذا رجع أن يعلم ربه بذلك فإن لم يمضه وجب غرمه له، وإن فات ولم يمكنه إعلامه لم يكن عليه أن يتحاشى منه لانه أجاز له الاخذ ابتداء، وإن قال صاحبه إن احتجت فخذ جاز له أن يأخذ باتفاق مثل ما يعطي غيره ولا يجوز له أن يأخذ لنفسه أكثر إلا أن يعلم أن صاحب المال يرضى بذلك انتهى. تنبيه: تقدم عند قول المصنف: أو فك أسيرا أنه لو افتقر صاحب الزكاة لم يعط منها. ونقله اللخمي أيضا عن محمد بن عبد الحكم بإثر الفرع المتقدم أعني من أخرج زكاته فلم تنفذ حتى أسر. فقال قال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يفدي منها ولو افتقر لم يعط منها. فرع: وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس فيمن حبس على ذوي

[ 239 ]

الحاجة أنه بعطي منها ورثته إن احتاجوا والله أعلم. ص: (وهل يمنع إعطاء زوجة زوجها أو يكره تأويلان) ش: تصور التأويلين واضح. قال اللخمي: وإذا أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي به دينه جاز لان منفعة ذلك لا تعود للمعطي انتهى. قال ابن فرحون إثر نقله هذا: وفي التبصرة أن الرجل إذا أخرج من زكاته ما يقضي به دين أبيه وأبوه فقير تلزمه نفقته جاز لان المنفعة لا تعود على المعطي انتهى. وانظر ما مراده بالتبصرة فإني لم أره في اللخمي. وقال الشيخ أبو الحسن في شرح هذه المسألة في المدونة: ويؤخذ منه أن من دفع زكاته لابويه الفقيرين لقضاء دين عليهما أن ذلك يجزئه، وذكر كلام اللخمي المتقدم والله أعلم. ص: (وجاز إخراج ذهب عن ورق وعكسه) ش: قال في النوادر وفي ترجمة قدر ما يعطى من الزكاة: ولا بأس أن يجمع النفر في الدينار أو يصرفه دراهم إذا كانت الحاجة كثيرة، وإن زكى دراهم فلا يصرف ما يخرج منها دنانير ولا يصرفها بفلوس لكثرة الحاجة ليعمهم ولكن ليجمع النفر في الدرهم أن شاءوإن صرفها فلوسا وأخرجها فقد أساء وأجزأه انتهى، فقوله في الذهب على مقابل المشهور، قوله في الفلوس على المشهور من أن من أخرج القيمة أساء وأجزأته كما شهره غير واحد، ونقله في التوضيح خلاف ما يفهم من كلام المصنف الآتي من أن القيمة لا تجزئ حيث قال في آخر الفصل: أو طاع بدفعها لجائر في صرفها أو بقيمة لم تجز والله أعلم. ص: (بصرف وقته مطلقا) ش: أي سواء كان مساويا للصرف الاول أو أنقص أو أزيد. ص: (بقيمة السكة) ش: يعني أذا أخرج ذهبا عن ورق مسكوك أو ورقا عن ذهب

[ 240 ]

مسكوك فإن قيمة السكة معتبرة اتفاقا. ص: (ولو اتحد نوع) ش: يعني أن إخراج قيمة السكة معتبرة ولو اتحد نوع المخرج والمخرج منه. ص: (لا صياغة فيه) ش: يعني لا بقيمة الصياغة في النوع الواحد. ص: (وفي غيره تردد) ش: يعني وفي اعتبار قيمة الصياغة في غير النوع تردد. هذا حل كلامه الذي يساعده كلامه في التوضيح وكلام غيره. فروع: الاول: إذا وجب جزء ذهب أو فضة فأخرج أدنى أو أعلى بالقيمة فقال ابن الحاجب: فيه قولان تبعا لابن شاس وقبلهما ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. وقال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب جواز إخراج أدنى أو أعلى بالقيمة لا أعرفه بل قال محمد: لا يخرج عن رد قيمته من نوعه جيدا بل قيمة ردئ الذهب فضة وعكسه أو منه انتهى.

[ 241 ]

الثاني: لا يجوز إخراج العرض والطعام عن الورق أو الذهب لانه من باب إخراج القيمة، ولا يجوز إخراجها ابتداء، فلو أخرج عرضا أو طعاما رجع على الفقير به ودفع له ما وجب عليه، فإن فات في يد الفقير لم يكن له عليه شئ لانه سلطه على ذلك وذلك إذا أعلمه أنه من زكاته، وإن لم يعلمه لم يرجع مطلقا فات أو لم يفت لانه متطوع. قاله مالك. نقله في التوضيح وابن يونس وقال ابن عرفة: ولا يخرج غيرهما عن أحدهما فإن وقع فالمشهور لا يجزئ. ابن حارث: قاله أصبغ عن ابن القاسم. وقال أشهب: إن أعطى عرضا أجزأه انتهى. وأعاده في باب المصرف بلفظه. وفي إجزاء عرض عن عين كقيمته نقلا ابن حارث عن أشهب وابن القاسم. الثالث: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن وجبت عليه زكاة فاشترى بها ثيابا أو طعاما وتصدق به فقال ابن القاسم: لا يجزئه. وقال أشهب: يجزئه. قلت: أجزأها على لو أخرج ذلك من عنده لانه يد وكيله كيده. واختار اللخمي فيما إذا كان ذلك خيرا للفقراء جوازه بل هو محسن. ص: (لا كسر مسكوك) ش: إنما لم يجز كسر المسكوك لانه من الفساد في الارض، وظاهره سواء كان كاملا أو رباعيا، أما الكامل فباتفاق، وأما الرباعي ففيه قولان وكأنه رجح خلمنع في توضيحه. واحترز بالمسكوك من غيره فإنه يجوز. قال ابن عرفة: وسمع القرينان له إخراج زكاة حلي التجر منه. ابن رشد: لاكراهة في قطعه. قلت: إن كان فيه فساد ففيه نظر والله أعلم. ص: (ووجب نيتها) ش: يعني أنه يجب

[ 242 ]

عند إخراج الزكاة أن ينويها وهذا هو المشهور. واحترز بذلك مما يعطى وقت الدراس أو الجذاذ لبعض المستحقين. فروع: الاول: لو أخرج الزكاة عنه غيره بغير علمه وغير إذنه فقال القرافي في الفرق الحادي والسبعين والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه: اعلم أن الافعال المأمور بها ثلاثة أقسام: قسم اتفق الناس على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور كدفع المغصوب للمغصوب منه ودفع النفقات للزوجات والاقارب والدواب. وقسم اتفق على عدم إجزاء فعل غير المأمور به وهو الايمان والتوحيد والاجلال والتعظيم لله تعالى. وقسم اختلف فيه هل يجزئ فعل غير المأمور به عن المأمور ويسد المسد أم لا وفيه أربع مسائل: المسألة الاولى: الزكاة. فإن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه وغير إذنه في ذلك، فإن كان غير الامام فمقتضى قول أصحابنا في الاضحية يذبحها غير ربها بغير علمه وإذنه إن كان الفاعل لذلك صديقه ومن شأنه أن يفعل ذلك له بغير إذنه لانه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أجزأت الاضحية إن كان مخرج الزكاة من هذا القبيل فمقتضى قولهم في الاضحية أن الزكاة مجزئة لان كليهما عبادة مأمور بها تفتقر للنية، وإن كان ليس من هذا القبيل لا تجزئ عن ربها لافتقارها للنية على الصحيح من المذهب لاجل شائبة العبادة، وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها ينبغي أن يجزئ فعل الغير مطلقا كالدين والوديعة ونحوهما مما تقدم في القسم المجمع عليه. وهذا القول أعني عدم اشتراط النية قاله بعض أصحابنا وقاسه على الديون، واستدل بأخذ الامام لها كرها على عدم اشتراط النية. وباشتراطها قال مالك والشافعي وأبو حينفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم لما فيها من شائبة التعبد من جهة مقاديرها في نصبها والواجب فيها وغير ذلك انتهى. ولا يقال في كلام القرافي في الفرق بين الاضحى والزكاة أن الاضحية تعينت لان المشهور أنها لا تتعين إلا بالذبح والنذر فتأمله. وقال المازري في شرح التلقين في أول كتاب الوكالة لما أن تكلم على الاشياء التي تجوز فيها الوكالة: وأما الزكاة فإنها تصح النيابة فيها من مال من ينوب عنه ومن مال من وجبت عليه الزكاة، وإن كانت من القربات فهي عبادة مالية وقد استناب النبي (ص) عليا على نحر البدن ونحرها قربة انتهى. وسيأتي في زكاة الفطر عند قول المصنف: وإخراج أهله شئ من هذا المعنى والله أعلم. الثاني: قال في الذخيرة قال سند: لو تصدق بجملة ماله فإن نوى زكاة ماله وما زاد تطوع أجزأ وإلا فلا خلافا لابي حنيفة محتجا بأنه لم يبعد عن المقصود. ويشكل عليه بما لو صلى ألف ركعة ينوي اثنين للصبح والبقية للنفل بأنها لا تجزئ انتهى. ولفظ سند: من وجبت عليه زكاة في ماله فتصدق بجميعه، فإن نوى أداء زكاته وما زاد فهو تطوع أجزأه وله الفضل

[ 243 ]

كمن أطعم في كفارته مائة مسكين وإن لم ينو بشئ منه الزكاة لم يجز وهو قول أصحاب الشافعي. وقال أصحاب أبي حنيفة: يجزئه، واعتلوا بأنه تصرف فيه تصرفا لم يتعد فيه فوجب أن لا يضمنه وهو فاسد. لانه يجب عليه فعل الفرض وهو لم ينوه فأشبه ما لو صلى مائة ركعة بنية التطوع فإنه لا يجزئه عن فرض، ولا يسلم أنه لم يتعد بل تعدى تصرفه القدر الواجب بنية التطوع انتهى. فتأمل آخر كلام سند مع ما نقله عنه في الذخيرة والله أعلم. ونحو هذا ما ذكره البرزلي عن بعض الافريقيين أنه لو دفع مستغرق الذمة حائطه بعد الخرص للمساكين عن تبعاته وليست التبعات لشخص معين ونوى دخول الزكاة فيه أن ذلك يجزئه. الثالث: قال القرافي في كتاب الامنية في الباب السابع قال سند: لو عزل زكاته بعد وزنها للمساكين ودفعها لهم بعد ذلك بغير نية أجزأه اكتفاء بالنية الاولى الفعلية. انتهى كلامه بلفظه، وقال في الذخيرة قال سند: وينوي المزكي إخراج ما وجب عليه في الزكاة، ولو نوى زكاة ماله أجزأه وتجب بالتعيين، فلو تلفت بعد عزلها أجزأت، وإذا عينها لم يحتج إلى نية عند دفعها للمساكين، وإن لم يعينها ويعزلها عن ملكه وجبت النية عند التسليم لان صورة الدفع مشتركة بين دفع الودائع والديون وغيرها انتهى. ولفظ سند: والنية واجبة في أداء الزكاة عند كافة الفقهاء. وقال الاوزاعي: لا تجب لان ذلك دين كسائر الديون فينوي إخراج ما وجب عليه من الزكاة في ماله، ولو نوى زكاة ماله أجزأه وينصرف ذلك إلى الحق المستحق منه، وتجب الزكاة عند تعيينه لانه مؤتمن على إخراجها دفعها فتعينت بتعيينه كالامام، فإذا قلنا تتعين بتعيينه فسواء نوى عند دفعها للمساكين أنها زكاة أو لا يجزئه ذلك، لان الحق لما تعين لم يلزم فيه نية عند تسليمه كما في رد الوديعة والعارية والرهن وشبه ذلك. إن لم يعين الزكاة أو يعزلها عن ماله وجب مراعاة النية عند أدائها لان دفع المال قد يكون فرضا وقد يكون تطوعا وقد يكون وديعة وغير ذلك انتهى. ص: (وتفرقتها بموضع الوجوب أو قربه) ش: يعني أن الزكاة يجب أن تفرق في الموضع الذي وجبت فيه أو قربه كما لو كان زرعه على أميال من البلد فإنه يجوز له أن يحمله إلى فقراء الحاضرة. انظر التوضيح وانظر فرض

[ 244 ]

العين لابن جماعة فإنه ذكر أنه يستأجر على نقلها منها، وقد ذكر هذا صاحب الطراز عن ابن حبيب فانظره. مسألة: وسئل السيوري عن قادمين إلى بلد، هل يعطون من الزكاة كما يعطى فقراء البلد أو يخص بها أهل البلد ؟ فأجاب: أهل بلدهم هم الذين يعطون. البرزلي: كان أكثر من لقيناه من الشيوخ يقول: يعطون كأهل البلد وبعضهم يفرق بين أن يقيم أيام فأكثر يعطى، والمختار لا يعطى ويجريها على مسألة قرطبة إذا حبس على مرضاها هل يعطى منها من أقام بها أربعة أيام فأكثر أم لا، والصواب الاعطاء مطلقا لانه إما من أهلها أو ابن السبيل وكل واحد منهما له حق بنص التنزيل. انتهى من البرزلي. ص: (كعدم مستحق) ش: تصوره ظاهر. مسألة: إذا فاض المال ولم يوجد من يقبله بعد نزول السيد عيسى قال الابي قال الشيخ يعني ابن عرفة: إذا أفضى الحال في المال إلى أن لا يقبله أحد لا تسقط الزكاة وإذا لم يجد الانسان من يستأجر لعمله عمل بنفسه فإن عجز وجبت إعانته لان المواساة كما تجب بالمال تجب بالنفوس. الابي: وما تقدم للنووي من نسخ الجزية حينئذ لا يبعد أن تكون الزكاة كذلك وهو في الزكاة أبين لانها إنما شرعت لارفاق الضعفاء. فإن قلت: إنما سقط قبول الجزية نسخها لما ذكر من الاحاديث. قلت: وهذه أيضا كذلك لقوله: ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها أحد انتهى. ثم

[ 245 ]

قال في شرح هذه الجملة عن عياض أنه لا بيعة لاخذ زكاتها سعاة زهادة فيها لفيض المال مع أنها أنفس مال العرب. والقلاص جمع قلوص وهي من الابل كالفتاة من النساء والحدث من الرجال انتهى. ص: (وإن قدم معشرا أو دينا أو عرضا قبل القبض الخ) ش: ذكر رحمه الله سبع مسائل لا تجزئ فيها الزكاة. الاولى: إذا قدم زكاة المعشرات والمعنى أن من قدم زكاة زرعه فإنها لا تجزيه يريد إذا قدمها قبل وقت الوجوب. قال في التوضيح لما ذكر تقديم الزكاة قبل الحول: وهذا خاص بالحيوا والعين، وأما الزرع فلا يجوز تقديمها لانه لم يملك بعد. نقله في الجواهر انتهى. قلت: وقد صرح به اللخمي فقال في تبصرته لما ذكر الخلاف في تقديم الزكاة: وهذا في العين ولا يصح في زكاة الحرث والزرع والثمار لانها زكاة عما لم يملك بعد، ولا يدري ما قدره، ويجوز في المواشي إذا لم يكن ثم سعاة على مثل ما يجوز في العين، وسيأتي لفظه في تعجيل زكاة الماشية. فرع: أما إذا أخرج الزكاة بعد قوت الوجوب وهو إفراك الحب وطيب الثمار وقبل الحصاد والجذاذ فإنها تجزيه قال في الطراز: لو عجل زكاة زرعه قبل حصاده وهو قائم في سنبله قال مالك عن ابن سحنون: يجزيه ولا أحب له أن يتطوع بها من قبل نفسه يقول لا يفعله أحد إلا أن يلجئه الساعي إلى ذلك، وإن فعل جاز لان الزكاة قد وجبت بطيب الزرع انتهى. ونقله في الذخيرة وتقدم عند قول المؤلف: والوجوب بإفراك الحب ما يدل على ذلك والله أعلم. وقوله: أو دينا أو عرضا قبل القبض يعني أن من زكى دينا قبل قبضه فإنه لا يجزئه، وكذلك إذا زكى عن ثمن عرض الاحتكار قبل قبضه لم يجزه. قال بهرام في الاوسط: قوله: قبل القبض أي قبض الدين وقبض ثمن العرض انتهى. وقال البساطي: قبل القبض طرف لهما والمراد في العرض قبل قبض ثمنه انتهى. ونقل سند عن المدونة: لما احتج لمالك على أن الدين لا يزكى قبل قبضه فإنه لو وجب عليه زكاته قبل قبضه لم يجب عليه أن يخرج من صدقته إلا دينا يقطع به لمن يلي ذلك على الغرماء من أجل أن السنة أن تخرج زكاة كل مال منه، وبذلك احتج أيضا في عرض التجارة أنه لا يزكى حتى يباع ويقبض ثمنه انتهى. وقال بعده أيضا: إن ابتاع العرض بثمن فلم يقبضه حتى أخذ به عرضا لم تلزمه زكاة الثمن لانه كان دينا فما لم ينض فهو كالعرض فكأنه ابتاع عرضا بعرض انتهى. وقال المشذالي أيضا في قوله: ولو أخذ بالمائة قبل قبضها ثوبا وذكر أنها معارضة لمسألة كتاب العيوب والاستحقاق

[ 246 ]

قال: والجواب أن القبض الحسي هنا مطلوب وعدمه مؤثر، لان الدين قبل قبضه عرض مبيع يعرض انتهى. فعلم من هذا أن الثمن لا يزكى حتى يقبض، وأنه إن زكاه قبل قبضه لم يجزه وذلك واضح، لانه ما لم يقبض فهو دين والدين لا يزكي قبل قبضه، وقد تقدم في شروط زكاة الدين أن يكون أصله عينا أو عرض تجارة وليس له صورة إلا أن يبيع العرض ولم يقبض ثمنه، وسواء كان حالا أو مؤجلا. في الذخيرة قال في الكتاب: إذا باع سلعة للتجارة بعد الحول فإنه يزكي حينئذ بعد القبض انتهى. وقال سند أيضا عن المدونة: قال ابن القاسم فيمن كانت عنده سلعة للتجارة فباعها بعد الحول بمائة دينار: إذا قبض المائة دينار زكاها مكانه ثم قال: فرع: فلو باعها بمائة إلا أنه أخذ بها عرضا قيمته عشرة لم يكن عليه شئ لان الدين لا يزكى والعرض لا يزكى، فإن باع العرض بأقل من عشرين لم يكن عليه زكاة إلا أن يكون عنده ما يكمل به النصاب انتهى. ونقله في الذخيرة وقال فيه: لان القيم أمور متوهمة والبيع يحققها والله أعلم. ص: (أو نقلت لدونهم) ش: قال البرزلي: تقدم للباجي أن كل ما دون ما تقصر فيه الصلاة كالبلد الواحد وقد تقدم ما فيه انتهى. والذي تقدم هو قوله في الكلام على نقل الزكاة. الباجي: وهذا إذا نقل ذلك لمسافة القصر، وأما دونهم فهم في حكم البلد الواحد. وعندي أن هذا يجري على الخلاف في مسمى قوله تعالى: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * وفيه ثلاثة أقوال انتهى. وانظر التوضيح في قوله: وتفرقتها بموضع الوجوب أو قربة وانظر البيان في نوازل سحنون، وانظر النوادر في ترجمة نقل الزكاة من بلد إلى بلد. ص: (أو دفعت باجتهاد لغير مستحق) ش: قال ابن رشد في نوازله في مسائل الحبس في أول الورقة الرابعة من مسائل الحبس: وأما الذي زكى مال يتيمه ثم انكشف أنه أعطاه غينا وهو يظنه فقيرا فلم يكن عليه أكثر مما صنع لان الذي تعبد به إنما هو الاجتهاد في ذلك ألا ترى أن من أهل العلم من يقول: إنه إذا أعطى زكاته لغني وهو لا يعلم أجزأته زكاته. ولا خلاف في أنه يجب أن تسترد من عنده إذا علم به وقدر عليه انتهى. فرع: فإن دفعها لشخص يظنه غنيا ثم تبين أنه فقير فإنها تجزئه إلا أنه لا ثواب له لانه آثم انتهى. من عارضة الاحوذي لابن العربي وانظر الذخيرة. ص: (أو طاع بدفعها لجائر في صرفها)

[ 247 ]

ش: قال ابن الحاجب: وإذا كان الامام جائزا فيها لم يجزه دفعها إليه. قال في التوضيح: أي جائزا في تفرقتها وصرفها في غير مصارفها لم يجزه دفعها إليه لانه من باب التعاون على الاثم،

[ 248 ]

والواجب حينئذ جحدها والهروب فيها ما أمكن، وأما إذ كان جوره في أخذها لا في تفرقتها بمعنى أنه يأخذ أكثر من الواجب فينبغي أن يجزي ذلك على كراهة دفعها إليه انتهى. ص: (لا إن أكره) ش: قال ابن الحاجب فإن أجبره أجزأ على المشهور. قال في التوضيح: أي فإن كان الامام جائرا أو أجبره على أخذها قال في الجواهر: فإن عدل في صرفها أجزأته، وإن لم يعدل ففي أجزائها قولان، وعين المصنف المشهور من القولين بالاجزاء وهذا بين إذا أخذها أولا ليصرفها في مصارفها، وأما لو علم أنه إنما أخذها لنفسه فلا انتهى. وأصله لابن عبد السلام قال بعد أن شرح كلام ابن الحاجب: وهذا إن صح فيكون مقصورا على ما إذا أخذها ليصرفها في مصارفها، أما إذا كان أخذه أولا إنما هو لنفسه كما يعلم قطعا من بعضهم وكما هو في عامة أعراب بلادنا فلا يتمشى ذلك فيهم انتهى. قلت: وظاهر كلام أبي الحسن أن الخلاف جار ولو أخذها وأكلها ونقله عن أبي إسحاق التونسي فتأمله والله أعلم. ص: (أو قدمت في عين وماشية) ش: يعني أن زكاة العين

[ 249 ]

والماشية إذا قدمت قبل الحول فإنها تجزئ وهذا هو المشهور، إذا قدمت قبل الحول بيسير. وقال أشهب: لا تجزئ قبل محلها كالصلاة ورواه عن مالك. نقله ابن رشد قال في التوضيح: ورواه ابن وهب. قال ابن يونس: وهو الاقرب وغيره استحسان. قال في البيان: وحمل ابن نافع قول مالك عليه وهو رأى أنها لا تجزئ قبل محلها بيوم واحد ولا بساعة واحدة وهو ضامن لها حتى يخرجها بعد محلها. انتهى من أول رسم من سماع أشهب. والمشهور هو مذهب المدونة. وقال ابن رشد في الرسم المذكور: إنه الاظهر. قال في كتاب الزكاة الاول من المدونة: ولا ينبغي إخراج زكاة شئ من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن يكون قبل الحول بيسير فيجزئه ولا يجزئه فيما بعد. قال أبو الحسن: قوله هنا: لا ينبغي هنا بمعنى لا يجوز ثم قال: وقوله: إلا أن يكون قبل الحول راجع إلى ما يشترط فيه العين والماشية انتهى. تنبيهات: الاول: لم أر في شئ من النسخ تقييد التقديم بالزمن اليسير ولا بد منه كما تقدم في لفظ المدونة. ونقل أبو الحسن الاتفاق على أنها لا تجزئ فيما بعد وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال: من عجل زكاة ماله لعام أو لعامين أو في العام بنفسه قبل أن يقرب الحول لم يجزه. واختلف إذا قرب الحول انتهى. ولا اعلم في عدم الاجزاء اذا قدمت قبل الحول بكثر خلافا في المذهب كما صرح بذالك الجراحي في شرح المدونة. لثاني: لم يبين في المدونة حد اليسير. وذكر ابن رشد في المقدمات وفي الرسم المذكور من سماع أشهب في حده أربعة أقوال: أحدها أنه اليوم واليومان ونحو ذلك وهو قول ابن المواز: الثاني أنه العشرة الايام ونحوها وهو قول ابن حبيب في الواضحة. الثالث أنه الشهر ونحوه وهو رواية عيسى عن ابن القاسم. الرابع أن الشهران ونحوهما وقع ذلك في المبسوط هكذا قال في البيان. وقال في المقدمات: الرابع أنه الشهران فما دونهما وهو رواية زياد عن مالك انتهى. ونقل اللخمي الاقوال الثلاثة الاول ولم يقل فيها ونحو ذلك كما قال ابن رشد قال في قوله محمد: إذا كان مثل اليوم واليومين أجزأه ولا يجزئه ما فوق ذلك. ونقل الاقوال الثلاثة عياض وزاد هو واللخمي خامسا ولم يعزواه وهو نصف شهر. ونقل ابن بشير وابن الحاجب في حد اليسير قولين آخرين: أحدهما أنه خمسة أيام، والثاني أنه ثلاثة أيام. قال ابن عرفة: ولا أعرفها انتهى. قلت: القول بالثلاثة الايام يشبه قول ابن المواز واليومان ونحوهما، ويؤيد ذلك أن ابن

[ 250 ]

بشير وابن الحاجب لم ينقلا قول ابن المواز وكلام ابن بشير صريح في أنه هو الثالث. وجه صاحب الطراز قول ابن القاسم أن حد اليسير الشهر فإنه إذا بقي لحولها ثلاثون يوما ونحوها فقد دخل شهر زكاته وكان ذلك أول وقت الاداء وقد يكون بالفقراء حاجة مفدحة فيتسامح في إخراجها ويكون ذلك أصلح للفقراء. وفي كلامه ميل إلى ترجيح هذا القول فإنه فرع عليه وهو الظاهر. وقال الشريف الفاسي في تصحيح ابن الحاجب: وعليه اقتصر خليل في مختصره فلعله وقع في نسخة من المختصر كذلك. ولو قال المصنف: أو قدمت بكشهر في عين وماشية لافاد المسألتين أعني التقييد باليسير وتحديده والله أعلم. الثالث: ماذ كره في الماشية محله إذا لم يكن سعاة وأما إذا كان الساعي يخرج ويصرفها في مصارفها فقد تقدم أنها تجزئ من أخرجها قبل مجيئه، ولو كان ذلك بعد كمال الحول على المشهور. وصرح بذلك اللخمي هنا فقال لمذكر التقديم: ويجوز في المواشي إذا لم يكن سعاة على مثل ما يجوز في العين، أو كان سعاة على القول: إنها تجزئ إذا أخرجها قبل مجئ الساعي انتهى. وقاله في الطراز ونقله في الذخيرة والله أعلم. الرابع: قال الشارح في الكبير، الذي يظهر لي أن حرف الجر في قوله: في عين وماشية للسببية كقوله عليه الصلاة والسلام: دخلت امرأة النار في هرة والتقدير إن قدمت إذا وجبت بسبب عين وماشية انتهى. قلت: الذي يظهر أنه للظرفية أي قدمت في زكاة عين وماشية فهي ظرف للتقييد، ثم رأيت البساطي أنها للظرفية والله أعلم. الخامس: يفهم من كلام المصنف أن الخلاف إنما هو في الاجزاء بعد الوقوع لا في الجواز ابتداء وهو كذلك، فقد اعترض المصنف على ابن هارون في قوله المشهور الجواز أنه إنما نقل صاحب الجواهر والتلمساني الخلاف في الاجزاء. قال في التوضيح: وهو الاقرب لانه لا شك أن المطلوب ترك ذلك ابتداء انتهى. وقد تقدم في لفظ المدونة أنه لا ينبغي. وقال أبو الحسن: إن معناه أنه لا يجوز. وفي سماع عيسى: وأرى الشهر قريبا على زحف وكره. وقوله على زحف بالزاي والحاء المهملة أي استثقال والله أعلم. ص: (فإن ضاع المقدم فعن الباقي) ش: يعني فإن قدم زكاة ماله قبل الحول وضاع المقدم قبل وصوله إلى مستحقه فإنه يخرج الزكاة عن الباقي إن كان

[ 251 ]

الباقي نصابا. وظاهر كلامه سواء قدمها قبل الحول بكثير أو بالزمن اليسير الذي يجوز تقديمها فيه، وهذا هو الذي ذكره القاضي عياض في التنبيهات عن ابن رشد وقبله، ونقله المصنف عنه في التوضيح ونصه: وإذا أخرجها قبل الحول فضاعت فإنه يضمن. قاله مالك في الموازية. قال مالك: ما لم يكن قبله باليوم واليومين وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه لاجزأته. قال في التنبيهات، قيل معناه تجزئ ولا يلزمه غيرها بخلاف الايام. وذهب ابن رشد إلى أنه متى هلكت قبل الحول بيسير أنه يزكي ما بقي إن كان فيه زكاة، قال ابن رشد: كذا يأتي عندي على جميع الاقوال، إنما تجزئه إذا أخرجها ونقدها كالرخصة والتوسعة، فأما إذا هلكت ولم تصل إلى أهلها ولا بلغت محلها فإن ضمانها ساقط عنه ويؤدي زكاة ما بقي عند حوله إلا على ما تؤول على ما قاله ابن المواز كاليوم واليومين. انتهى كلامه في التنبيهات. انتهى كلام التوضيح. وقوله: بخلاف الايام أي بخلاف ما إذا أخرجها قبل الحول بأيام كثيرة فضاعت فإنها لا تجزئ، فإنه تقدم عن ابن المواز أنها إذا قدمت على الحول لا تجزئ إلا باليوم واليومين فقط كما قال اللخمي، أو نحوهما كالثلاثة كما قال ابن رشد واقتصر في التوضيح في أول كتاب الزكاة لما تكلم على الحول على تقييد ابن الموازولم يذكر كلام ابن رشد. وذكر الرجراجي كلام ابن رشد وتقييد ابن المواز وجعله مخالفا له. وما ذكره عن ابن رشد هو معنى ما في المقدمات ونصها. فصل فيما أنفق الرجل من ماله قبل الحول بيسير أو كثير أو تلف منه فلا زكاة عليه فيهي ويزكي الباقي إذا حال عليه الحول وفيه ما تجب فيه الزكاة، وكذلك إذا أخرج زكاة ماله قبل الحول بيسير أو كثير فتلفت أو أخرجها فنفذها في الوقت الذي لا يجوز له تنفيذها فيه يزكي الباقي إن كان فيما بقي منه ما تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول انتهى.

[ 252 ]

قلت: وما ذكره ابن رشد خلاف ما يقتضيه كلام صاحب الطراز ونصه: إذا جوز دفعها قبل الحول بنحو الشهر على قول ابن القاسم في العتبية فدفع نصف دينار عن عشرين دينارا أو شاة عن أربعين وبقي بقية ماله بيده حتى تم الحول، فهل يكون ذلك زكاة مفروضة أم لا ؟ ظاهر كلام ابن القاسم أنها زكاة وهو قول الشافعي في الزكاة المعجلة. وقال أبو حنيفة: لا تكون زكاة. ثم قال: فلو تلف ذلك من يد الساعي قبل كمال الحول وقبل أن يدفعه للمساكين لم يضمنه على مقتضى المذهب لانها زكاة وقعت موقعها، وذلك الوقت في حكم وقت وجوبها. وعند المخالف لا يقع ذلك موقع الزكاة بنفسه بل يقع على مراعاة شرائط الاداء عند انغلاق الحول. ثم قال: واختلفوا إذا تغيرت أحوال رب المال قبل الحول فمات أو ارتد أو تلف ماله هل له أن يسترد ما دفع ؟ فقال أبو حنيفة: إن كان ذلك قائما بيد الامام استرجعه، وإن وصل إلى الفقراء لم يكن له إليه سبيل. وقال الشافعي وابن حنبل: له استرجاعه بكل حال. وهذا إذا بين عند الدفع أنه زكاة معجلة. ثم قال: ولو تغير حال الفقير عند الحول فارتد أو مات أو استغنى بغير الزكاة قال أبو حنيفة: قد وقعت موقعها ولا يسترد منه وهو مذهب ابن القاسم في العتبية. ثم ذكر مذهب الشافعي وابن حنبل وفيه تفصيل فليراجعه من أراده. وقال ابن العربي في عارضته: فإن قدمها لشخص فقير ثم استغنى عند الحول فإن كان غناه من الزكاة فلا كلام في الاجزاء، وإن كان من غيرها فيتخرج فيها القولان فيما إذا أعطى لشخص ظنه فقيرا فتبين غنيا. قال ابن القاسم في الاسدية: يجزئه. وقال في الموازية، لا يجزئه انتهى. قلت: الجاري على قول صاحب الطراز أنها زكاة أنه لا ينظر إلى تغير الاحوال والجاري على ما قاله ابن رشد أن ينظر إلى تغير حال المال وربه والفقير. وقد جزم في الجواهر بأنه إذا قدمها قبل الحول ثم تلف المال أنه يستردها ونصه: ولو عجل الزكاة قبل الحول بالمدة الجائزة على الخلاف فيها ثم هلك النصاب قبل تمام الحول أخذها إن كانت قائمة بعينها وعلم أي هلاك النصاب أو بين أنها زكاة معجلة وقت الدفع، وإن لم يبين ذلك لم يقبل قوله. وأما لو دفع الزكاة معجلة ثم ذبح شاة من الاربعين فجاء الحول ولم ينجبر النصاب لم يكن له الرجوع لانه يتهم أن يكون ذبح ندما ليرجع فيما عجل انتهى. ونقله في الذخيرة بلفظ: لو عجل بالمدة الجائزة فهلك النصاب قبل تمام الحول أخذها إن كانت قائمة إن ثبت ذلك وإلا فلا يقبل قوله انتهى. ونقل كلام صاحب الطراز. وقال ابن العربي في عارضته: إذا قدم زكاة العين في الوقت الجائز ثم هلك المال قبل الحول فإنه يرجع في زكاته إن كانت قائمة وبين أنها زكاة، ولو قدم زكاة الغنم ثم ذبح منها ما نقصها عن النصاب لم يرجع لانه يتهم. نعم لو ضاعت بأمر من الله رجع انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا عجل الزكاة بالزمان اليسير وضاع ما عجله قبل وصوله لمستحقه. فهل يجزئ وهو ظاهر كلام الطراز وكلام ابن المواز لان اليسي عند ابن المواز اليومان والثلاثة كما تقدم، والظاهر كلام صاحب الطراز أنه على الخلاف السابق فيه، أو

[ 253 ]

لا تجزئه وهو الذي جزم به ابن رشد وظاهر كلام المصنف أنه مشى عليه ؟ والله أعلم. ص: (كعزلها فضاعت) ش: أي فإنه لا يضمنها إذا عزلها عند وجوبها فضاعت من غير تفريط. فرع: فإن وجدها لزمه إخراجها ولو كان حينئذ فقيرا مدينا. انتهى من ابن عرفة. والمسألة في سماع أبي زيد. ص: (وضمن إن أخرها عن الحول) ش:

[ 254 ]

مسألة: قال في المعلم: للامام تأخير الزكاة إلى الحول الثاني إذا أداه اجتهاده إليه. قاله في أوائل الزكاة من المعلم في حديث العباس رضي الله عنه. والله أعلم. ص: (وكرها وإن بقتال) ش: ابن عرفة: وفي تصديق من قال ما معي قراض أو بضاعة أو علي دين أو لم يحل حولي دون يمين طرق. اللخمي وعبد الحق: في المتهم روايتان لها ولغيرها. الصقلي: ثالثها غير المتهم لها ولنقله. وابن مزين وغيرهما: ثالثها مفسرهما اللخمي: يسأل أهل رفقة القادم فإن لم يوجد مكذب صدق ولا يصدق مقيم في دعوى حدوث عتقه أو إسلام لظهوره ويكشف في دعوى القراض والدين ويصدق في دعوى عدم الحلول انتهى. فرع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: واختلف فيمن أخذت منه كرها ثم تاب هل تلزمه إعادتها لفقد النية أم لا. ص: (ودفعت للامام العدل) ش: ابن عرفة: وفيها إن غلبوا على بلد وأخذوا زكاة الناس والجزية أجزأتهم. الصقلي: روى محمد والمتغلبون كالخوارج. قلت: ولذا قال ابن رشد عن سحنون في ذي أربعين شاة عشرة تحت كل أمير بالاندلس وأفريقية ومصر والعراق إن كانوا عدولا أخبرهم وأتى كل منهم بشاة للامير ربعها،

[ 255 ]

فإن أخذه كل منهم بربع قيمتها أجزأته. الشيخ عن ابن عبدوس عن أشهب، إن طاع بها الخارجي أجزأه. التونسي: إن طاع لوال جائر لا يضعها موضعها لم تجزه انتهى. وقال ابن الحاجب: وإذا كان الامام جائرا فيها لم يجزه دفعها إليه طوعا فإن أجبره أجزأته على المشهور. وكذلك الخوارج قال ابن فرحون في شرح قوله فإن أجبره أجزأته على المشهور. قال ابن عبد السلام: وهذا الخلاف إن صح كما قال المؤلف فيكون مقصورا على ما إذا أخذها ليصرفها في مصارفها، أما إن أخذها لنفسه كما هو الغالب في هذا الزمان فلا يتجه أن يكون المشهور الاجزاء، وكذلك الحكم في الخوارج على الخلاف المذكور ولو كانوا يضعونها في مواضعها فهم أحق انتهى. ونحوه في التوضيح. ويؤخذ منه أنه يجوز أخذ الزكاة من الخوارج فمن الولاة المتغلبة أولى والله أعلم. فصل في زكاة الفطر لما فرغ رحمه الله من الكلام على زكاة الاموال أتبع ذلك بالكلام على زكاة الابدان وهي زكاة الفطر، وسميت بذلك لوجوبها بسبب الفطر. ويقال لها صدقة الفطر وبه عبر ابن الحاجب. قال بعضهم: كأنها من الفطرة بمعنى الخلقة وكأنه يعني أنها متعلقة بالابدان، ويمكن أن يوجه بكونها تجب بالفطر كما تقدم. واختلف في حكمها فالمشهور من المذهب أنها واجبة لحديث الموطأ عن ابن عمر: فرض رسول الله (ص) صدقة الفطر من رمضان. وقيل: سنة وحمل قوله: فرض على التقدير أي قدر وهو بعيد لا سيما وقد خرج الترمذي: بعث رسول الله (ص) مناديا ينادي في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر من رمضان واجبة على كل مسلم. وعلى

[ 256 ]

القول المشهور بوجوبها فاختلف في دليل الوجوب، فالمشهور أنها واجبة بالسنة كما تقدم. وقيل بالقرآن. وعلى وجوبها بالقرآن فقيل بعموم آية الزكاة، وقيل بآية تخصها وهي قوله * (قد أفلح من تزكى) * أي أخرج زكاة الفطر * (وذكر اسم ربه فصلى) * أي صلاة العيد. والظاهر أن المراد بقوله: تزكى في الآية أي تزكى بالاسلام وصلى الصلوات الخمس. قال اللخمي: وهو الاشبه لقوله: تزكى. إنما يقال لمن أدى الزكاة زكى على أنه ليس في الآية أمر وإنما تضمنت مدح من فعل ذلك ويصح المدح بالمندوب وإلى تشهير القول بوجوبها والقول بأن دليل الوجوب السنة أشار المصنف بقوله: يجب بالسنة. فرع: قال ابن يونس: لا يقاتل أهل البلد على منع زكاة الفطر انتهى. وحكمة مشروعيتها الرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال يوم الفطر. وأركانها أربعة:، المخرج بفتح الراء والمخرج بكسرها والوقت المخرج فيه ومن تدفع إليه. وتكلم المصنف على جميعها فبدأ بالكلام على الركن الاول وهو المخرج بفتح الراء. ويتعلق الكلام باعتبار قدره وجنسه ونوعه فبدأ بالكلام على قدره فقال: إنه صاع أو جزؤه يعني أن الواجب في زكاة الفطر قدره صاع بصاع النبي (ص) أو جزء صاع ولا يجب أكثر من ذلك. أما الصاع ففي حق المسلم الحر القادر عليه عن نفسه وعن كل واحد ممن تلزمه نفقته بسبب من الاسباب الآتية. وأما جزء الصاع ففي العبد المشترك والمعتق بعضه كما سيأتي وفي حق من لم يجد إلا جزء صاع. قاله في الطراز. ومن قدر على بعض الزكاة خرجه على ظاهر المذهب لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم انتهى. وحمل الشارح والبساطي والاقفهسي كلام المصنف على هذا الاخير. وقال ابن غازي، حمله على الواجب على سيد العبد المشترك والمبعض أولى من حمله على ما قاله سند ولو أراده المصنف لقال أو بعضه. قلت: وحمله على ما ذكرناه أولى فيكون مراده بيان قدر الواجب في زكاة الفطر. تنبيهات: الاول: لو قدر على إخراج صاع عن نفسه وعلى إخراج بعض صاع عمن تلزمه نفقته فالظاهر أنه يلزمه ذلك قياسا على ما قاله سند. الثاني: إذا تعدد من تلزمه نفقته ولم يجد إلا صاعا واحدا أو بعض صاع، فهل يخرجه عن الجميع أو يقدم بعض من تلزمه نفقته على بعض كما سيأتي في باب النفقات أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الولد والوالدين ؟ واختلف هل تقدم نفقة الابن على نفقة الابوين وهما سواء ؟ على قولين لم أر في ذلك نصا والظاهر أنها تابعة للسنة والله أعلم.

[ 257 ]

الثالث: قدر الصاع أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام. وتقدم أن المد وزن رطل وثلث، وتقدم بيان الرطل في زكاة الحبوب. وقال الرجراجي في آخر كتاب الزكاة عن الشيخ أبي محمد أنه قال: بحثنا عن مد النبي (ص) فلم نقع على حقيقته يعني حقيقة قدره. وأحسن ما أخذناه عن المشايخ أن قدر مد النبي (ص) الذي لا يختلف ولا يعدم في سائر الامصار أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط لا بالطويل جدا ولا بالقصير جدا، ليست بالمبسوطة الاصابع جدا ولا بمقبوضتها جدا لانها إن بسطت فلا تحمل إلا قليلا، وإن قبضت فكذلك. قال الرجراجي: وقد عارضنا ذلك بما يوجد اليوم بأيدي الناس مما يزعمون أنه مد النبي (ص) فوجدناه صحيحا لا شك فيه، وكان عند سيدنا وقدوتنا شيخ الطريقة وإمام الحقيقة أبي محمد صالح الدكالي مد عبر بمد زيد بن ثابت رضي الله عنه بسند صحيح مكتوب عنده فعايرناه على هذا التعبير فكان ملؤه ذلك القدر انتهى. وقال في القاموس: الصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث. قال الداودي: معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكف الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي (ص) انتهى. وجربت ذلك فوجدته صحيحا. انتهى كلام القاموس. الرابع: تقديرها بالصاع في جميع الانواع هو المعروف من المذهب لان ظاهر الحديث العموم. وقال ابن حبيب: تؤدي من البر نصف صاع وبه قال أبو حنيفة وجماعة من الصحابة. الخامس: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: ويقال للمخرج بفتح الراء فطرة بكسر الفاء لا غير وهي لفظة مولدة لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية للفقهاء. ومعنى المعربة أن تكون الكلمة عجمية فساقتها العرب على منهاجها وكأنها من الفطرة التي هي الخلقة أي زكاة الخلقة انتهى. ونحوه للدميري من الشافعية قال: ووقع في كلام بعض أصحابنا ضمهما انتهى. وقال ابن عرفة: زكاة الفطر مصدر إعطاء مسلم فقير لقوت يوم الفطر صاعا من غالب القوت أو جزئه المسمى للجزء والمقصور وجوبه عليه، ولا ينقص بإعطاء صاع ثان لانه زكاة كالاضحية ثانية وإلا زيد مرة واحدة واسما صاع إلى آخره يعطي مسلما إلى آخره. ص: (فضل عن قوته وقوت عياله) ش: لما فرغ من ذكر قدر المخرج ذكر المخرج عنه والضمير المجرور بعن عائد إلى

[ 258 ]

المخرج عنه المفهوم من سياق الكلام في قوله: يجب إذ الوجوب لا بد له من مأمور به، ولو قال: على حر مسلم فضل عن قوته وقوت عياله لكان أحسن وأوضح. قال في الذخيرة: الفصل الثاني في الواجب عليه. وفي الجواهر: وهو الحر المسلم الموسر فلا زكاة على معسر وهو الذي لا يفضل عن قوته ذلك اليوم صاع ولا وجد من يسلفه وقال في التوضيح: المشهور أنها تجب على من فضل عن قوته إن كان وحده، وعن قوته وقوت عياله إن كان له عيال، صاع وهو الذي في الجلاب وغيره. اللخمي: وهو موافق للمدونة. وقيل: يجب على من لا يجحف به في معاشه. قال في التوضيح: فعلى هذا لو فضل عن قوته صاع أو أكثر وكان إذا أخرجها يحصل له الاجحاف في معاشه لا يجب عليه إخراجها. وقيل: تجب على من لا يحل له أخذها. وسيأتي الكلام على من يحل له أخذها. حكى هذه الثلاثة ابن الحاجب وغيره وزاد ابن عرفة رابعا وهو وجوبها على من ملك قوت خمسة عشر يوما. قال في التوضيح: وذكر صاحب اللباب أن المذهب لم يختلف في أنه ليس من شرطها أن يملك المخرج نصابا. ونحوه للخمي انتهى. وعن اللخمي نقله ابن عرفة ولفظه في تبصرته: ولم يختلف المذهب في أنه ليس من شرط الغناء أن يملك نصابا. وعلم من هذا أن المذهب لا يعتبر ما قالته الحنفية من أنها لا تجب إلا على من يملك نصابا خارجا عن مسكنه وأثاثه بل تجب على من له دار محتاج إليها أو عبد محتاج إليه أي لخدمته أو كتب محتاج إليها أن يبيع ذلك لاداء زكاة الفطر فتأمله والله أعلم. وقال اللخمي: واختلف هل تجب على من له عبد ولا شئ له سواه أو يعطاها ؟ فقال مالك في المبسوط فيمن له عبد لا يملك غيره: عليه زكاة الفطر ورآه موسرا بالعد، وقال في موضع آخر: لا شئ عليه. وقاله أشهب في مدونته ورأى أنها مواساة وسبيل المواساة أن لا يكلفها من هذه صفته انتهى. ونقله عنه ابن عرفة ويأتي ذكر الخلاف في إعطائها لمالك العبد والله أعلم. ص: (وإن بتسلف) ش: يعني أن زكاة الفطر تجب على من قدر عليها ولو كان ذلك بأن يتسلف. قال في المدونة: ويؤديها المحتاج إن وجد من يسلفه فإن لم يجد لم يلزمه إن أيسر بعد أعوام قضاؤها لماضي السنين وهذا هو المشهور. وقال ابن المواز وابن حبيب: لا يلزمه أن يتسلف لانه ربما تعذر وجود القضاء فبقي في ذمته وذلك من أعظم الضرر. ولو قال: بتسلف لكان أجرى على عادته لان الخلاف مذهبي. تنبيه: إنما يلزمه أن يتسلف إذا كان يرتجي وجود القضاء. قال أبو الحسن: قوله في المدونة: أو وجد من يسلفه معناه إذا كان يرتجي القضاء. قال ابن حبيب وابن المواز: ولعل

[ 259 ]

المحتاج على قول مالك إذا كان له شئ‌يرجوه أن يتسلف. قال ابن محرز: قال ابن القصار: سمعت من يقول: إنه إنميتسلفها من كان له من حيث يؤديها ويسن لمن يستلفها منه أنه يخرجها زكاة عنه فمتى فتح له رد صح من تبصرة ابن محرز. انتهى كلام أبي الحسن. فرع: واختلف في زكاة الفطر هل يسقطها الدين ؟ قال اللخمي قال أشهب: لا تسقط بخلاف العين انتهى. والقول الثاني لعبد الوهاب. وقال الشبيبي: الظاهر أن الدين لا يسقطها انتهى. وقال سند: ظاهر الكتاب يسقطها الدين انتهى. من الذخيرة: وقال ابن فرحون: القول بالسقوط لابن القاسم. وقال أبو الحسن: اختلف هل يسقطها الدين أم لا قولان مشهوران انتهى والله أعلم. ص: (وهل بأول ليلة العيد أو بفجره خلاف) ش: هذا بيان للوقت الذي يتعلق به الخطاب بزكاة الفطر وذكر في ذلك قولين مشهورين: الاول منهما أن الخطاب بها يتعلق بأول ليلة العيد وذلك إذا غربت الشمس من آخر يوم من رمضان، فمن كان موجودا في ذلك الوقت تعلق به الخطاب بها، فلو مات بعد ذلك أخرجت عنه، ومن ولد بعد الغروب أو أسلم أو أيسر لم يجب عليه، وشهر هذا القول ابن الحاجب وغيره. والثاني أن الخطاب بها إنما يتعلق بطلوع الفجر من يوم العيد فمن كان موجودا في ذلك الوقت تعلق به الوجوب، ومن مات قبل طلوع الفجر أو ولد بعده أو أسلم أو أيسر لم يجب عليه، وهذا القول شهره الابهري. وقال ابن العربي: أنه الصحيح ورواه ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون عن مالك. وفي المسألة قولان آخران بل ثلاثة: أحدها أن الواجب الذي يتعلق به الخطاب طلوع الشمس من يوم العيد وصححه ابن الجهم وأنكره بعضهم وقال: لا خلاف إن من مات بعد الفجر يجب عليه الزكاة. وصوب القاضي عياض قول هذا المنكر. والثاني أنه يمتد من غروب الشمس ليلة الفطر إلى غروب الشمس من يوم الفطر. والثالث أنه يمتد من غروب الشمس ليلة العيد إلى زوال يوم العيد. ذكره في التوضيح وعزاه لابن الماجشون. وفائدة هذا الخلاف أن من مات قبل دخول وقت الوجوب لا تتعلق به

[ 260 ]

الزكاة، وكذلك من باع رقيقا قبل وقت الوجوب سقطت زكاته عن البائع، وكذلك من طلق زوجته قبله، وكذلك تسقط عمن ولد بعد وقت الوجوب أو أسلم أو أيسر وجبت عليه، وكذلك من استجد ملك رقيق أو استجد زوجة والله أعلم. ويتعلق الكلام بالوقت في زكاة الفطر من أربع حيثيات: الوقت الذي يتعلق به الوجوب، والوقت الذي يستحب إخراجها فيه، والوقت الذي يحرم تأخيرها إليه وتكلم المصنف على جميع ذلك والله أعلم. ص: (من أغلب القوت من معشر أو أقط غير علس إلا أن يقتات غيره) ش: هذا بيان للجنس الذي تخرج منه زكاة الفطر فذكر أنها تؤدى من أغلب القوت يعني أغلب قوت البلد الذي يكون فيه المخرج لها إذا كان ذلك الاغلب من المعشرات أو من الاقط إلا العلس فلا تؤدي منه. فإن اقتات أهل بلد غير المعشرات أخرجت زكاة الفطر مما يقتاتونه. هذا جل كلامه رحمه الله وتبع رحمه الله فيه كلام صاحب الحاوي وهو مشكل على مذهبنا لانه يقتضي أن كل معشر إذا كان غالب قوت أهل بلد تؤدى منه زكاة الفطر فتؤدي من القطاني والجلجلان وغير ذلك، ولو وجد أحد الاصناف التسعة الآتي ذكرها. وظاهر كلام أهل المذهب خلاف ذلك. وظاهره أيضا أنه إذا اقتيت غير المعشر يخرج منه ولو وجد المعشر وحينئذ فلا حاجة للاستثناء، فلو اقتصر على قوله: من أغلب القوت لكان أخصر. والذي يظهر من كلام أهل المذهب خلاف هذا وأنها تؤدى من أغلب القوت من هذه الاصناف التسعة التي هي: القمح والشعير والسلت والتمر والزبيب والاقط والدخن والذرة والارز فإن كان غالب القوت في بلد خلاف هذه الاصناف التسعة من علس أو قطنية أو غير ذلك وشئ من هذه الاصناف موجود لم تخرج إلا من الاصناف التسعة، فإن كان أهل بلد ليس

[ 261 ]

عندهم شئ من الاصناف التسعة، وإنما يقتاتون في غيرها فيجوز أن تؤدى حينئذ من عيشهم ولو كان من غير الاصناف التسعة. قال في المدونة: قال مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والارز والتمر والزبيب والاقط، صاع من كل صنف منها، ويخرج ذلك أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك، والتمر عيش أهل المدينة ولا يخرج أهل مصر إلا القمح لانه جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزئهم. قال مالك: ولا يجزئ في زكاة الفطر شئ من القطنية وإن أعطى في ذلك قيمة صاع من حنطة أو شعير أو تمر. مالك: ولا يجزئه أن يخرج فيها دقيقا ولا سويقا. وكره مالك أن يخرج فيها تينا، وأنا أرى أنه لا يجزئه. وكل شئ من القطنية مثل اللوبيا أو شئ من هذه الاشياء التي ذكرنا أنها لا تجزئ إذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس به أن يؤدوا من ذلك ويجزئها انتهى. قال ابن ناجي في شرح كلام ابن القاسم الاخير: هذا تفسير لقول مالك المتقدم وما ذكره ابن القاسم هو المشهور. وقيل: لا تؤدي من القطنية وإن كانت عيش قوم. قاله محمد ورواه حكاه اللخمي. ولا خصوصية لما ذكره بل الخلاف في كل ما يقتات حتى لو كان لحما أو لبنا انتهى. فقوله في المدونة: أنها لا تؤدى من القطنية إن حمل على أن مراده إن لم يكن جل عيش فلا خصوصية لها بذلك لان الاصناف التسعة التي ذكرها كذلك ويصير كلامه الاخير ليس فيه كبير فائدة، فيتعين أن يحمل كلامه أولا على أن المراد إذا كانت هي جل عيشهم وغيرها موجودا لا أنه ليس محل العيش. ويدل على ذلك قوله: أجزأ إذا كان ذلك عيش قوم فإن الظاهر أن معناه أنه ليس عيشهم إلا ذلك ولا يوجد شئ عندهم من الاصناف التسعة فيجزئهم حينئذ الاخراج منه فتأمله. وقال ابن الحاجب: وقدرها صاع من المقتات في زمانه (ص) من القمح والشعير والسلت والزبيب والتمر والاقط والذرة والارز والدخن. وزاد ابن حبيب العلس. وقال أشهب: من السنة الاول خاصة. قال في التوضيح: تقديرها بالصاع في جميع الانواع هو المعروف. وقال ابن حبيب: تؤدى من البر مدين إلا صاعا. وقوله: في زمانه أي في سائر الاقطار ولم يرد بلدا معينا كما فهم ابن عبد السلام. واعترض ثم قال: والظاهر أن محل الخلاف بين ابن حبيب والمذهب في العلس، وبين أشهب المذهب في الثلاثة إذا كان العلس والثلاثة غالب عيش قوم وغير ذلك موجود أو كان الجميع سواء فابن حبيب يرى الاخراج من العلس في الصورة الاولى والمشهور يخرج من التسعة، وأشهب يرى الاخراج من الستة انتهى. ثم قال ابن الحاجب: فلو اقتيت غيره كالقطاني والتين والسويق واللحم واللبن فالمصهور أن يجزي. قال في التوضيح: أي فلو اقتيت غير ما ذكر فهل يجزئ الاخراج منه ؟ المشهور أنه يجزئ لان في تكليفه غير قوته حرجا عليه. ورأى في القول الآخر الاقتصار على ما ورد في الحديث، ورواه ابن القاسم في القطاني أنها لا تخرج وإن كانت قوته انتهى. فيتعين أن يحمل قول ابن الحاجب: فلو اقتيت غيره على أن المراد أنه لم يكن لهم قوت غير ذلك بدليل ما ذكره في التوضيح أنه إذا كان العلس جل عيش قوم وغيره من

[ 262 ]

الاصناف التسعة موجود، فالمشهور أنها تخرج من الاصناف التسعة فتأمله منصفا. وذكر في التنبيهات أن جماعة من القرويين رووا المدونة على القول الثاني قال: واختصرها عليه حمديس. تنبيهات: الاول: قال الشيخ أبو الحسن الصغير: ما تؤدى منه زكاة الفطر على ثلاثة أقسام: تؤدى منه زكاة الفطر سواء كان جل العيش أو لا، وهو القمح والشعير والسلت، إذا كان جل عيشهم جل هذه الثلاثة تؤدى من هذه الثلاثة وتجزئه والثلاثة فيها بينها يخرج الاعلى عن الادنى ولا نعكس، وغير هذه الثلاثة التي هي السبعة الباقية من العشرة لا يخرج منها إلا إذا كانت جل عيش أهل البلد، وغيره هذه العشرة لا يخرج منه إذا لم يكن جل العيش، واختلف هل يخرج منها إذا كانت جل العيش أم لا على قولين انتهى. الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة قال بعض شيوخنا: المعتبر بالغالب ما يأكلونه في شهر رمضان لا ما قبله، وكان شيخنا يعجبه ذلك وهو كذلك لان زكاة الفطرة طهرة للصائمين فيعتبر ما يؤكل فيه لانه سبب ولانه بفراغه تجب. وعارضني بعض أصحابنا بما ذكروه في الخليطين وأنه لا يعتبر اجتماعهما وافتراقهما قرب الحول، وأجبته بأن ذلك معلل بالتهمة على الفرار من الزكاة واتهامهما أقرب من اتهام أهل البلد، وبأن رمضان هو السبب بذاته في زكاة الفطر لا جميع العام، وفي مسألة الخليطين السبب جميع العام لا قلت: وما ذكره عن بعض شيوخه ظاهر وكذلك‍ الشهر الذي وقعت فيه الخلطة انتهى ما أجاب به واصطلاحه أنه يعبر ببعض شيوخه عن ابن عرفة ولم أقف له في مختصره على ما ذكره عنه فلعله سمعه منه أو سمعه من شيخه البرزلي يحكيه عن شيخه ابن عرفة أو وقف له عليه في فتيا أو غير ذلك. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة: والمعتبر في الجل العام كله. وقال بعض الفقهاء: إنما يراعى يوم الوجوب انتهى. قلت: ما ذكره من اعتبار العام كله مخالف لما ذكره ابن ناجي عن ابن عرفة، والظاهر ما قاله ابن عرفة. وأما ما ذكره عن بعض الفقهاء من اعتبار يوم الوجوب فبعيد جدا لان من المعلوم الذي جرت به العوائد أن غالب الناس يأكلون يوم العيد خلاف ما يأكلونه في بقية الايام والله أعلم. وقال الشيخ يوسف بن عمر: لان بعض الشيوخ يقول: يعتبر الجل بالفرن انتهى. قلت: هذا إذا كان الفرن متحدا في البلد وعلم أنهم لا يخبزون في بيوتهم وإلا فيختلف الجل بحسب الحارات والله أعلم. الثالث: إذا كان اللحم واللبن قوت قوم وقلنا يخرجون فقال ابن ناجي في شرح المدونة، إذا فرعنا على المشهور فكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يفتي بأنه يخرج من اللحم واللبن وشبههما مقدار عيش الصاع، وكان شيخنا يعني البرزلي لا يرتضيه ويقول: الصواب أنه يكال كالقمح وهو بعيد لان اللحم وشبهه لا يكال ولا يعرف فيه انتهى. قلت: وما قاله الشبيبي ظاهر والله أعلم.

[ 263 ]

الرابع: إذا اقتات أهل بلد نوعين أو ثلاثة على حد سواء ولم يكن في البلد جله فالظاهر أنه يخرج كل أحد من قوته ولم أر فيه نصا والله أعلم. الخامس: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: اختلف في القطنية فقاابن القاسم: إذا كانت جل عيش قوم أجزأتهم. وقال ابن حبيب: لا تجزئ انتهى قلت: ما نقله عن ابن القاسم مخالف لما تقدم في كلامه في المدونة وإنه لم يقل بالاجزاء إلا إذا كان ذلك عيشهم ولم يقل إذا كان جل عيشهم فتأمله. السادس: ظاهر ما ذكروه عن ابن حبيب أنها تخرج من العلس يتقضي أنه اختص بذلك وهو قد رواه عن مالك في مختصر الواضحة، وما ذكره عنه في قدر الصاع ظاهره أنه اختاره وقال به، وهو إنما ذكره في مختصر الواضحة عن بعض العلماء. السابع: قال ابن عرفة وفيها: لا تخرج من دقيق ابن حبيب: يجزئ بزيفه وكذا الخبز الصقلي وبعض القرويين: قول ابن حبيب تفسير الباجي خلاف انتهى. الثامن: قال القرافي عن التنبيهات: والاقط بفتح الهمزة وكسر القاف خثر اللبن المخرج زبده. ويقال أيضا بكسر الهمزة وسكون القاف انتهى. التاسع: قال في الطراز في شرح قوله في المدونة وتؤدى من القمح والشعير والسلت والدخن والذرة والارز والتمر والزبيب والاقط بعد أن تكلم على الخلاف فيما تؤدى منه ما نصه: إذا ثبت ذلك فالقمح أفضل ذلك انتهى. وظاهره أنه أفضل من الارز وهو الذي يفهم من كلام أبي الحسن المتقدم، ويؤيده أنهم لم يختلفوا في إجزاء القمح واختلف في إجزاء الارز. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: والافضل القمح وقاله الائمة. والسلت يلحق به لانه من جنسه وأفضل من الشعير. ص: (وعن كل مسلم يمونه بقرابة أو زوجية وإن لاب

[ 264 ]

وخادمها أو ورق ولو مكاتبا وآبقا رجي) ش: يعني أنه يجب على الشخص أن يخرج زكاة الفطر عنه وعن كل مسلم يمونه وتلزمه نفقته لحديث أبي عمر: فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين. متفق عليه. وقوله: من المسلمين قال ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: اشتهرت هذه الرواية عن مالك. وقال أبو قلابة، ليس أحد يقولها غير مالك وليس

[ 265 ]

كذلك بل تابعه جماعة وذكرهم. وإنما قال: يمونه لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه أمر رسول الله (ص) بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون. رواه الدارقطني والبيهقي. وإنما تجب زكاة الفطر عمن تلزمه نفقته بسبب من الاسباب الثلاثة التي ذكرها. الاول: القرابة وذلك في الاولاد والابوين. الثاني: الزوجية وذلك في زوجة الشخص فيخرج عنها وإن كانت مليئة، وكذلك عن زوجة أبيه ويستتبع ذلك أيضا خادم الزوجة وخادم زوجة الاب كما قال: وإن لاب وخادمها ولا يلزمها أن يخرج عن أكثر من خادم واحدة إلا أن تكون ذات قدر. وقال ابن يونس وأبو الحسن: وإنما تجب عن الزوجة إذا دخل الزوج بها أو دعي إلى الدخول بها، وأما إن كان ممنوعا على الدخول بها فلا تجب عليه. قال أبو الحسن: وأما مع المساكنة ففيه قولان: أحدهما أنه كالمدعو للدخول فتجب عليه النفقة والفطرة. والثاني أنه كالممنوع فلا تجب عليه. ونقله ابن بشير: وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويخرج عن زوجته المدخول بها أو المتهيئة له على المشهور، وسيأتي في باب النفقات المشهور أن النفقة إنما تجب على الزوج إذا دعي إلى الدخول. السبب الثالث: الرق فتجب زكاة الفطر عن عبده وإن كان زمنا أو مهروما. قاله في المدونة. وتجب عن مدبره وعن المعتق إلى أجل وعن المكاتب على المشهور. وقيل: لا تجب عنه. وقيل: تجب على المكاتب نفسه وتجب على العبد المرهون والاعمى والمجنون والمجذوم. قاله في الطراز. قال: ولو غاب العبد غيبة طويلة في سفر من غير إباق ولم يعرف موضعه قال في الموازية: فليؤد عنه زكاة الفطر انتهى. وقال في الذخيرة: وتجب على العبد الموروث إذا لم يقبض إلا بعد يوم الفطر انتهى. وقوله وآبقا رجي قال سند في الطراز: كعبد خاف من سيده لجريمة ارتكبها فهرب منه ولم يعرف له بذلك سابقة ولا بمن يتغرب ويصبر على الاسفار، أو يكون ذلك فعله كل حين يهرب ثم يعود، فهذا على حكم المسافر والغائب الذي ينتظر قدومه والله أعلم. وحكم المغصوب حكم الآبق إن رجي خلاصه وجبت وإلا فلا انتهى. تنبيهات: الاول: يدخل في كلام المصنف من أعتق صغيرا فإنه تلزمه نفقته والزكاة عنه وذلك بسبب الرق السابق. قال في مختصر الوقار: ويخرج الفطرة عن المرضع إذا أعتقه حتى يبلغ الكسب على نفسه فتسقط عنه نفقته انتهى. ومثله من أعتق زمنا فقد ألزموه النفقة عليه. واختار سند سقوط النفقة بعتق الزمن. قاله في باب زكاة الفطر. واختلف هل هي واجبة على السيد أصالة، أو نيابة عن العبد ؟ قال سند: مقتضى المذهب أنها واجبة على السيد في الاصل. وفهم من كلام المصنف أنه لو كان يمونه بغير هذه الاسباب الثلاثة لا تلزمه زكاة الفطر عنه كمن التزم ربيبه أو غيره، وكمن استأجر بنفقته من حر أو عبد. قال ابن ناجي في شرح الرسالة عند قوله: ويخرج الرجل زكاة الفطر على كل مسلم تلزمه نفقته. هو كلام عام أريد به الخصوص فإن من التزم نفقة من ليس بقريبه كالربيب أو قريب لا تلزمه نفقته بالاصالة فإنه لا

[ 266 ]

يلزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر باتفاق انتهى. ونقله الجزولي وغيره أيضا. والمستأجر بنفقته نص عليه صاحب الذخيرة وغيره، وكذلك البائن إذا كانت حاملا بخلاف الرجعية فإنه يلزمه أن يخرج عنها لان الطلاق الرجعي كما قال ابن بشير في كتاب العدة لا يمنع العصمة وإنما يهيئها للقطع فالعصمة باقية. قال ابن يونس: ولو طلق المدخول بها طلقة رجعية لزمته النفقة عليها وأدى الفطرة عنها لان أحكام الزوجية باقية عليها، وأما لو طلقها طلاقا بائنا وهي حامل فلا يزكي عنها الفطرة وإن كانت النفقة عليه لها لان النفقة للحمل لا لها. انتهى. من باب زكاة الفطر ونقله أيضا عنه أبو الحسن. الثاني: يستثنى من قوله: يمونه المكاتب والمخدم فإنه يخرج عنهما زكاة الفطر ولا يجب عليه نفقتهما، أما المكاتب فنفقته على نفسه، وأما المخدم فنفقته على من له الخدمة. قاله ابن يونس. وحكى أبو الحسن فيه قولين: قيل على مالك الرقبة، وقيل على المخدم. وقال ابن عرفة: وروى الباجي: المخدم يرجع لحرية على ذي خدمته ولربه في كونها عليه أو على المخدم، ثالثها إن قلت خدمته وفي نفقته الثلاثة انتهى. وعلى الاول مشى المصنف حيث قال: ومخدما إلا لحرية فعلى مخدمه. الثالث: لا يؤديها عن عبدعبده ولا عبد مكاتبه قاله في المدونة. قال في الطراز: وتسقط أيضا عن العبد والمكاتب. الرابع: لو كان للكافر عبد مسلم مثل أن يسلم في يده في مهل شوال قبل أن ينزع من يده أو تسلم في يده أم ولده فتوقف في قوله، أو يكون له قرابة مسلمون تجب عليه نفقتهم مثل الاب والام والابن الكبير يبلغ زمنا ثم يسلم فمقتضى المذهب أنه لا يجب عليه وهو قول أبي حنيفة. وقال أحمد: تجب وللشافعي قولان. انتهى من الطراز. الخامس: لو ارتد مسلم فدخل وقت الزكاة وهو مرتد ثم تاب بعده وله رقيق مسلمون، فالمذهب أن الزكاة تسقط عنه وعنهم. وكذلك لو كان مسلما وقت الوجوب ثم ارتد ثم تاب سقط عنه ذلك انتهى منه أيضا. السادس: قال في الشامل: وإن جنى عبد جناية عمدا فيها نفسه فلم يقتل إلا بعد الفطر ففطرته على سيده انتهى. السابع: قال في الطراز: لو كان الزوج فقيرا لا يقدر على نفقة الزوجة فلا نفقة عليه حال عسره ولها الخيار في المقام معه أو فراقه. فإن أقامت معه فنفقتها عليها وكذلك فطرتها حتى يوسر، فإن قدر على النفقة فقط لم يلزمها الفطرة إذ لا تلزمها نفقة وتسقط عنه كما تسقط عنه فطرته ويستحب لها ذلك. فإن أرادت المرأة أن تخرج عن نفسها وأبى ذلك زوجها وهو موسر لم يجز لان الخطاب متوجه عليه دونها. ويختلف في هذا الفرع والذي قبله وهو فرع من قدر على النفقة فقط في ابتداء وجوبها، هل هي على مخرجها أو المخرج بسببه حسبما

[ 267 ]

تقدم في الزكاة عن العبد ونص ما قدمه هو قوله: إذا ثبت وجوبها على السيد فتنافس أهل العلم في أصل وجوبها، هل هو على السيد ويكون العبد سبب وجوبها، أو تجب على العبد ويتحملها السيد ويكون الرق والملكية سبب تحملها ؟ فمقتضى المذهب أنها واجبة في الاصل على السيد، واختلف فيه أصحاب الشافعي رضي الله عنهم انتهى. ومفهوم قوله: وأبى ذلك زوجها وهو موسر لم يجز أنه لو لم يأب ذلك لجاز، ويأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف. وإخراج أهله والله أعلم. الثامن: إذا كانت الزوجة حنفية والزوج مالكيا، فهل يخرج عنها مدان من القمح على مذهبها، أو أربعة أمداد على مذهبه ؟ ذكر الشيخ سليمان البحيري في شرح الاعشاد في ذلك قولين. التاسع: لو كان صبي في حجر رجل بغير إيصاء وله بيده مال رفع أمره إلى الحاكم، فإن لم يرفع وأنفق عليه وأخرج عنه زكاة الفطر فهو مصدق في الزكاة وفي نفقة المثل. نقله ابن راشد وبهرام في الشامل. زاد في الشامل: ويؤديها الوصي عن اليتامى وعن رقيقهم من أموالهم انتهى. العاشر: قال في الذخيرة قال في الكتاب: إذا أمسك عبيد ولده الصغار لخدمتهم ولا مال للولد سواهم، أدى الفطرة عنهم مع النفقة ثم يكون له ذلك من مال الولد وهو العبيد لانهم أغنياء انتهى. ص: (قبل الصلاة) ش: الظاهر أن مراده قبل صلاة العيد. قال في المدونة: ويستحب أن تؤدى بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، فإن أداها بعد الصلاة فواسع انتهى. ونحوه في ابن الجلاب واللخمي وعياض وابن الحاجب وغيرهم. وقال في الشامل: واستحب إخراجها بعد الفجر وقبل صلاة العيد إن وجبت انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب: وأما الوقت الذي يستحب إخراجها فيه فمن طلوع الفجر إلى الغدو إلى المصلى انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قوله في المدونة: قبل الغد وإلى المصلى هو صفة الفعل، ومحل الاستحباب إنما هو قبل الصلاة، فلو أدى قبل الصلاة بعد الغدو إلى المصلى فهو من المستحب. انتهى بالمعنى. وقال اللخمي: وقوله الاول في المدونة أحسن. قال القباب: فجعله اللخمي اختلافا، والظاهر أنه ليس باختلاف وأن الاول عنده قبل الصلاة وإن أداها بعدها فليس بآثم لان وقت الاداء باق انتهى. وعند الجزولي والوقار: أن

[ 268 ]

الافضل إخراجها بعد الفجر وقبل صلاة الصبح. قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر وإخراجها بعد الفجر وقبل صلاة الصبح أحسن انتهى. وقال في مختصر الوقار: أفضل الاوقات لاخراجها في صبيحة الفطر بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح انتهى. فروع: الاول: قال أبو الحسن: المستحب إخراجها قبل الغدو إلى المصلى وبعد الفجر، وإن لم يعطها حتى طلعت الشمس فقد فعل مكروها. ثم قال في موضع آخر: قال القاضي أبو بكر: ولا تكون طهرة للصائم إلا إذا أديت قبل الصلاة انتهى. الثاني: قال في الذخيرة قال سند: ولا يأثم بالتأخير ما دام يوم الفطر قائما، فإن أخرها عنه أثمع القدرة انتهى. ونقله في الشامل وغيره. الثالث: قال في المدونة: ومن ماتليلة الفطر أو يومه ممن يلزمك أداء الفطرة عنه لم يزلها موته، وإن مات رجل يوم الفطر أو ليلة الفطر فأوصى بالفطرة عنه كانت من رأس ماله، وإن لم يو ص بها لم تجبر ورثته عليها ويؤمرون بها كزكاة العين تحمل عليه في مرضه فإنما يكون في الثلث من ذلك كله ما فرط فيه في صحته ثم أوصى به فإنه يبدأ من ثلثه على سائر الوصايا إلا المدبر في الصحة. انتهى ونحوه في مختصر الوقار قال: وإن أوصى بإخراجها عنه وعمن يلزمه إخراجها عنه أخرجت من ماله وقضى بذلك عليهم انتهى. ص: (ومن قوته الاحسن) ش: يعني من كان يقتات أحسن غالب قوت البلد فإنه يستحب له أن يخرج من قوته الاحسن ولا يجب عليه ذلك، فإذا كان غالب القوت الشعير وهو يقتات القمح فالمستحب أن يخرج من قوته. تنبيه: قال في مختصر الوقار: ومن كان عنده قمح في منزله وأراد شراء الفطرة من السوق، فإن كان إبقاء القمح الذي في منزله صيانة لجودته فلا يفعل ذلك وفيه الفضل والخيار، وإن كاإبقاؤه لانه قوت أهله فلا بأس بذلك. ص: (إلا الغلث) ش: بالثاء المثلثة أي فتجب غربلته. قال القرافي: ولا يجزئ المسوس الفارغ بخلاف القديم المتغير الطعم عندنا وعند الشافعية انتهى. ص: (ودفعها لزوال فقر ورق يومه) ش: وكذا يستحب لمن أسلم بعد وقت

[ 269 ]

الوجوب. قاله في المدونة. وكذا يستحب له أن يخرج عن المولود بعد وقت الوجوب قاله في الطراز. ص: (وللامام العدل) ش: قال في المدونة: ويفرقها كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو أو عمود ولا يدفعونها إلى الامام إذا كان لا يعدل، وإن كان عدلا لم يسع أحد أن يفرق شيئا من الزكاة وليدفعها إلى الامام فيفرقها في مواضعها ولا يخرجها منها إلا أن يكون بموضعهم محتاج فيخرجها إلى أقرب المواضع إليهم فيفرقها هناك انتهى. ونحوه في مختصر الوقار. وزاد: وأهل السفر في سفرهم. قال في الذخيرة: وليس للامام أن يطلبها كما يطلب غيرها انتهى. ص: (وعدم زيادة) ش: يحتمل أن يكون مراده عدم زيادة على الصاع ويشير بذلك لقول القرافي قيل لمالك: أترضى بالمد الاكبر ؟ قال: لا بل بمده عليه السلام فإن أراد خيرا فعلى حدة سد الذريعة تغيير المقادير الشرعية انتهى. ويحتمل أن يكون مراده عدم زيادة المسكين على صاع كما ذكر ابن يونس، ولا يعارضه قوله بعد: ودفع صاع لمساكين وآصع لواحد لان المراد هنا بيان المستحب وهناك بيان الجواز. ويمكن أن يكون المصنف أرادهما معا فيحمل كلامه على عدم الزيادة على الصاع وعلى عدم زيادة المسكين على صاع مشيرا به لكلام القرافي وابن يونس. ص: (وإخراج المسافر وجاز إخراج أهله عنه) ش: ابن رشد في لب اللباب: المخرج فيه موضع المال وإن أدى أهل المسافر عنه أجزأته، فإن لم يكن بمكانه محتاج ففي أقرب المواضع إليه انتهى. قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وإن أدى أهل المسافر عنه أجزأ. هذا ظاهر إذا كانت عادتهم أو أوصاهم وإلا فالظاهر عدم الاجزاء لفقد النية انتهى. ونقل كلامه هذا عند قوله: وعن كل مسلم بموته بقرابة. وقال ابن عرفة: وفيها يؤديها المسافر حيث هو وإن أداها عنه أهله أجزأه. وسمع القرينان يؤديها عن نفسه إذ لا يدري أتؤدى عنه أم لا، لا عن أهله لعلهم أدوا. قلت: فيلزم الاول ويجاب بالمشقة. ابن رشد: وهذا إن تر ك ما يؤدونها منه ولم يأمرهم بأدائها عنه، ولو أمرهم بأدائها عنه لم يؤدها ولو ليترك ما يؤدونها منه لزمه أداؤها عنه وعنهم

[ 270 ]

انتهى. وما عزاه لسماع القرينين هو في سماع أشهب في الرجل يغيب عن أهله أرى أن يؤدي زكاة الفطر عن نفسه لانه لا يدري أتؤدى عنه أم لا. وأما أهله فأرى أن يؤخر لعلهم أدوا عن أنفسهم. قال ابن رشد: هذا إن ترك عند أهله ما يؤدون منه الزكاة ولم يأمرهم فهو إذا لم يدر ما يفعلون فيؤدي عن نفسه ولا يؤدي عنهم لان الاقرب أن يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه، ولو أمرهم أن يؤدوا عنه في مغيبه لم يكن عليه أن يؤدي عن نفسه، لو لم يترك عندهم ما يؤدون منه الزكاة لزمه أن يؤدي بموضعه عنه وعنهم لان الزكاة عليه في هذا الوجه في هذه المسألة. وفي مختصر الوقار: ويخرجها عنه لو لم يؤدها المسافر عنفسه وعمن يلزمه إخراجها عنه بالموضع الذي هو فيه إلا أن يكون أمر أهله بأدائها عنه وعنهم فيجزي ذلك عنه وعنهم إن كان أهله موضع الثقة بما أمرهم به انتهى. وقول المصنف: وجاز إخراج أهله أطلق فيبقى جواز إخراج الاهل كما هو مطلق في كلام المدونة المتقدم في كلام ابن عرفة، وكذلك ابن الحاجب ونصه: وإذا أدى أهل المسافر عنه أجزأ. وقال أبو الحسن إثر كلام المدونة المتقدم: قوله: وإن أداها أهله عنه أجزأ. أبو الحسن: ويعلم أن أهله أدوها عنه بأن يوصيهم بإخراجها ويترك ما يخرج منه ويثق بهم انتهى. وقال في التوضيح إثر كلام ابن الحاجب المتقدم: هذا ظاهر إذا كانت عادتهم وأوصاهم وإلا فالظاهر عدم الاجزاء لفقد النية انتهى. واستحسن في الطراز الاجزاء وإن لم يعلم به ولم يأمرهم بذلك ولم يكن ذلك عرفه معهم ونصه: فإن لم يخرجها المسافر وأخرجها عنه أهله فقال في الكتاب: يجزئه وذلك له صورتان: إحداهما أن يكون أمرهم بذلك أو كان هو عرفهم معه فيجزئ بلا إشكال وكأنه استنابهم. والثانية لم يأمرهم ولم يكن ذلك عرفه معهم، فهذا يختلف فيه على الخلاف فيمن كفر عن غيره من غير علمه وإذنه، وأن يجزيه أحسن لانه حق مالي فيسقط عنه إذا أدى عنه وإن لم يعلم به كالدين. ولا يجوز للملتقط أن يتصدق باللقطة عن ربها ثم إذا علم بها بعد ذلك ورضي جاز. وإن لم يستحق الصدقة عليه ففيما هو مستحق أولى، واعتبارا بمن يضحي عنه أهله بأضحية ليكفوه مؤنة ذلك فإنه يجزئه انتهى. فرع: قال ابن فرحون في ألغازه: فإن قلت: هل يجزئ إخراج الاب زكاة الفطر عن ولده الغني أم لا ؟ قلت: الجواب فيها بالاجزاء أو النفي خطأ. والجواب إن كان الولد صغيرا جاز، وإن كان كبيرا لم يجز على القول باشتراط النية في الزكاة، والمذهب اشتراطها قاله ابن الحاجب انتهى. يريد والله أعلم إذا لم يعلمه الاب بذلك وهو ظاهر من قولهم لم يجز على القول باشتراط النية في الزكاة فتأمله والله أعلم. ومثل ذلك من تطوع عنه بزكاة الفطر غيره وهو موسر، ومسألة سند المتقدمة في التنبيه السابع من شرح قول المصنف: وعن كل مسلم يمونه بقرابة أو زوجية وهي مسألة الزوجة إذا أرادت أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها وأبى زوجها ذلك وهو موسر، ومسألة سند المتقدمة. والظاهر في جميع ذلك الاجزاء وسقوط الزكاة

[ 271 ]

عن المخرج عنهم إذا أعلمهم المخرج بذلك، وأما إن لم يعلمهم بذلك فلا تجزئ لفقدان النية كما تقدم في كلام التوضيح والله أعلم. وتقدم في باب الزكاة عند قول المصنف: ووجب نيتها في كلام القرافي فيمن أخرج الزكاة عن غيره بغير علمه وغير إذنه في ذلك وكلام المازري أيضا والله أعلم. فرع: قال اللخمي في تبصرته: وإن أخرج عن أهله أخرج من الصنف الذي يأكلونه، وإن أخرجوا عنه فمن الصنف الذي يأكله انتهى. وقال الاقفهسي في شرح الرسالة: ولو كان مسافرا أخرج عنه نفسه من الصنف الذي يأكل منه أهل البلد أو يأكله هو لا الشيخ. واختلف إذا أراد أن يزكي عن أهله أو أراد أهله أن يزكوا عنه، هل المعتبر موضعه أو موضع أهله ؟ قولان انتهى. ص: (وآصع لواحد) ش: آصع بهمزة ثم ألف ثم صاد مهملة مضمونة ثم عين مخففة جمع صاع. ولم أقف على هذا الجمع في القاموس ولا في الصحاح فقد قال في القاموس: الصاع والصواع بالضم والكسر والصوع وبضم، الذي يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين. ثم قال: الجمع أصوع وأصوع وأصواع وصوع بالضم وصيعان وهذا جمع صواع انتهى. وقال في الصحاح: جمعه أصوع وقد تبدل الواو المضمومة همزة. لكن وقعت في كلام النووي في كتاب تحرير ألفاظ التنبيه على أن هذا الجمع صحيح وأنه من باب القلب، فإن جمع صاع أصوع ثم قلبت الواو همزة ثم نقلت إلى موضع الالف فصار أأصع ثم أبدلت الهمزة الثانية ألفا فصار آصع. قال: وأنكر ابن مكي هذا الجمع، وقال: إنه من لحن العوام. قال: وهذا الذي قاله ابن مكي خطأ صريح وذهول بين، لفظة آصع صحيحة فصيحة مستعملة في كتب اللغة والاحاديث الصحيحة. انتهى مختصرا. وإنما قلبت الواو همزة في أصوع لثقل الضمة على الواو قاله ابن مكي. ص: (ومن قوته الادون إلا الشح) ش: يعني أن الواجب إخراجها من أغلب قوت أهل بلده، ويستحب إخراجها من قوته إن كان أغلا، فإن كان قوته أدون فإن كان لغير شح فيجزيه، وإن كان لشح فلا يجزيه. وظاهر كلامه أنه يجوز إخراجها من قوته الادون إذا لم يكن يقتات الادون لشح. سواء كان يقتاته لفقر أو لعادة. قال في التوضيح: كالبدوي يأكل الشعير بالحاضرة وهو ملئ قال: ففيه قولان ولم يحك في الوجه الاول وهو من اقتات الادنى لفقر خلافا فيكون المصنف ترجح عنده أحد القولين فلذلك أطلق هنا والله أعلم.

[ 272 ]

ص: (وهل مطلقا أو لمفرق تأويلان) ش: كل واحد من هذين التأولين قول مشهور والارجح الاجزاء مطلقا لانه ظاهر لفظ المدونة. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: قيل وعليه الاكثر انتهى. وقال صاحب الشامل بعد أن ذكر تشهير القولين: وعلى الاجزاء مطلقا الاكثر. وقاله القرافي أيضا وفي كلامه تضعيف لمن تأمل المدونة على الاجزاء للمفرق فقط وهو ظاهر والله أعلم. تنبيه: وهذا الخلاف إنما هو إذا أتلفها الفقير قبل وقت الوجوب. قال اللخمي بعد ذكره الخلاف: وإن علم أنها قائمة بيد من أخذها إلى الوقت الذي تجب فيه أجزأت قولا واحدا، لان لدافعها إن كانت لا تجزئ أن ينتزعها فإذا تركها كان كمن ابتدأ دفعها حينئذ، ولانه مستغن ببقائها عن طواف ذلك اليوم انتهى والله أعلم. ص: (ولا تسقط بمضي زمنها) ش: قال في المدونة: وإن أخرها الواجد فعليه قضاؤها لماضي السنين انتهى. وقال في مختصر الوقار: ومن فرط فيها سنين وهو واجد لها أخرجها عما فرط من السنين عنه وعمن كان يجب عليه إخراجها عنه في كل عام بقدر ما كان يلزمه من ذلك ولو أتى ذلك على ماله إذا كان صحيحا، وإن كان مريضا وأوصى بها أخرجت من ثلثه انتهى. وقال ابن راشد: ويجب قضاء ما افت بخلاف الاضحية فإذا أخرجها في وقتها فضاعت لم يضمن، وإن أخرجها في غير وقتها ضمن انتهى. وقال ابن يونس: ولو تلف ماله وبقيت لزمه إخراجها انتهى. وقال القرافي: وحيث تعينت ثم ذهبت أو ذهب ماله أو لحقه دين ثم وجدها قال سند قال ابن المواز: ينفذها ولا شئ عليه لاهل الدين كمن أعتق بعده ثم لحقه دين انتهى. تنبيه: فإن قيل: ما الفرق بين زكاة الفطر والاضحية في أن من أخر الاولى وجب عليه قضاؤها بخلاف الثانية ؟ فالجواب أن المقصود في زكاة الفطر سد الخلة وهو حاصل في كل وقت، والمقصود في الاضحية إظهار الشعائر وقد فات، ولان القضاء من خواص الواجب والله أعلم. ص: (وإنما تدفع لحر مسلم فقير) ش: ختم الباب ببيان مصرف زكاة الفطر فقال: وإنما

[ 273 ]

تدفع لحر مسلم فقير. يعني أنه يشترط فيمن تدفع له زكاة الفطر ثلاثة شروط: الاول: الحرية. والثاني: الاسلام. والثالث الفقر. ولا خلاف في ذلك عندنا. فلا تدفع لعبد ولا لمن فيه شائبة رق ولا لكافر ولا لغني. قال في المدونة: ولا يعطاها أهل الذمة ولا العبد. قال أبو الحسن: يريد ولا الاغنياء. فإن أعطاها من لا يجوز له أخذها عالما بذلك لم يجزه ولا ضمان عليهم، وإن لم يعلم نظر. فإن كانت قائمة بأيديهم استرجعها، وإن أكلوها وصونوا بها أموالهم ضمنوها، وإن هلكت بسبب من الله نظر فإن غروا ضمنوا وإن لم يغروا لم يضمنوا انتهى. تنبيهات: الاول: قال اللخمي: واختلف في صفة الفقير الذي تحل له: فقيل هو من تحل له زكاة العين. وقال أبو مصعب: لا يعطاها من أخرجها ولا يعطى فقير أكثر من زكاة إنسان وهو صاع. وهذا هو الظاهر قوله عليه السلام: أغنوهم عن طواف هذا اليوم فالقصد غناء ذلك اليوم، والقصد بما سواها من الزكاة ما يغنيه عما يحتاجه من النفقة والكسوة في المستقبل. وقد قيل: يعطى ما فيكفاف لسنة ولذا قيل: لا بأس أن يعطى الزكاة من له نصاب لا كفاية فيه، ولا أعلمهم يختلفون أنه لا يعطى زكاة الفطر من يملك نصابا انتهى. فأول كلامه يخالف آخره لان قوله: من تحل له زكاة العين يقتضي جوز دفعها لمالك النصاب. وقال في آخر كلامه: لا أعلمهم يختلفون أنها لا تعطى لمن يملك نصابا إلا أن يقيد أول كلامه بآخره. والظاهر من كلام ابن بشير أنه لم يعتبر ما قاله اللخمي آخرا فإنه قال: واختلف في صفة من يحل له أخذها على قولين: أحدهما أنه من يحل له أخذ الزكاة، والثاني أنه الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه ذلك. وعلى الاول يجوز أن يعطى أكثر من صدقة إنسان واحد، وعلى الثاني لا يجوز أن يأخذ أكثر من ذلك انتهى. ونحوه في الجواهر والذخيرة وهو ظاهر كلام ابن راشد في الباب الآتي. وقال ابن عرفة: وفي كون مصرفها فقير الزكاة أو عادم قوت يومه نقل اللخمي وقول أبي مصعب وخرج عليها إعطاؤها من ملك عبد فقط، ولا يتم إلا بعجز قيمته عن نصاب أو كونه محتاجا إليه انتهى، فانظره. فالذي تحصل من كلامهم أن الفقير الذي تصرف له الفطرة وهو فقير الزكاة على المشهور على ما قاله الجماعة. وقيل: ما قاله اللخمي بأن لا يكون مالكا للنصاب والله أعلم. الثاني: قال ابن الحاجب: ومصرفها مصرف الزكاة. وقيل: الفقير الذي لم يأخذ منها وعلى المشهور يعطى الواحد عن متعدد. قال في التوضيح: ظاهر كلامه أنها تصرف في الاصناف الثمانية وليس كذلك، فقد نص في الموازية على أنه لا يعطى منها من يليها ولا من يحرسها. وظاهر كلامهم أنه لا يعطى منها المجاهدون، وأكثر كلامهم أنها تعطى للفقراء والمساكين. انتهى ونحوه لابن عبد السلام. وقال الشارح في الكبير: ظاهر كلام الشيخ هنا أنها لا تعطى للمؤلفة قلوبهم ولو احتيج إليهم وهو أيضا ظاهر المدونة إذا قلنا: إنهم كفار على ما تقدم ويعطى منها ابن السبيل إذا كان فقيرا بموضعه ولو كان غنيا ببلده لقوله عليه الصلاة والسلام: أغنوهم عن طواف

[ 274 ]

هذا اليوم. وهذا إذا كان محتاجا لم يستغن عن ذلك. وانظر هل يجوز أن يشتري منها الرقيق ويعطي إذا فضل عن حاجة فقراء بلدها أو لم يوجد به فقير أم لا وينقل ما فضل إلى غيرهم ؟ وهل يعطى الغارم منها أم لا ؟ وظاهر كلام ابن الحاجب إجازة جميع ذلك لانه قال: ومصرفها كالزكاة أي فتصرف في الاصناف الثمانية. واعترض الشيخ خليل بما تقدم عن الموازية وغيرها وظاهر كلامه في المدونة أن المنع مقصور على أهل الذمة والعبيد والغني على تقييد أبي الحسن الصغير، وأنه يجوز دفعها لغيرهم فانظره مع كلاالشيخ. انتهى كلام الشارح. قلت: أما ما ذكره في ابن السبيل فلا إشكال فيه لانه إنما أخذ حينئذ بوصف الفقر، وأما لو كان معه ما يكفيه وهو محتاج إلى ما يوصل إلى بلده فظاهر كلام ابن عرفة المتقدم أو صريحه أنها لا تصرف له وأنها لا تصرف في شراء رقيق ولا لغارم وهو ظاهر كلام ابن عبد السلام والمصنف. وكذلك قال ابن راشد في اللباب ونصه: والمخرج إليه من له أخذ الزكاة من الفقراء على المشهور. وقيل: الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه انتهى. قال في الجلاب: ولا تدفع إلا إلى حر مسلم فقير. وأما كلام المدونة فليس فيه ما يقتضي صرفها لغير الفقير، وأما كلام ابن الحاجب فمعترض كما تقدم. وقد اعتمد الشارح في شامله على نحو ما ذكره هناك لكنه حكه بقيل فقال: ومصرفها حر مسلم فقير وقيل: مصرف الزكاة وهو ظاهرها لا لغني وعبد ومؤلف انتهى. فأشار بقوله: وقيل إلى ما قاله أنه ظاهر كلام ابن الحاجب فتأمله والله أعلم. الثالث: قال الشارح في الكبير: ونبه المصنف بقوله: فقير على أنها تدفع للمساكين من باب أولى لما علمت أنه على المذهب أنه أشد حاجة من الفقير انتهى. وما قاله ظاهر وقد تقدم في كلام التوضيح أنه قال: أكثر عباراتهم أنها تعطى للفقراء والمساكين، وهكذا قال ابن عبد السلام والله أعلم. الرابع: قال في الشامل: ولا بأس بدفعها لاهله الذين لا تلزمه نفقتهم على الاظهر، وللمرأة دفعها لزوجها الفقير ولا يجوز له دفعها لها ولو كانت فقيرة لان نفقتها تلزمه، ومن أيسر بعد أعوام لم يقبضها انتهى. ونقله الشيخ زروق في شرح الارشاد. الخامس: الحديث المذكور أعني قوله (ص): أغنوهم - يعني المساكين - عن طواف هذا اليوم رواه البيهقي وابن سعد في الطبقات بهذا اللفظ، وروي: أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم وروي: أغنوهم في هذا اليوم والله أعلم انتهى.

[ 275 ]

كتاب الصيام والاعتكاف فصل في الصيام قال في المقدمات: الصيام هو الامساك والكف والترك. وأمسك عن الشئ وكف عنه وتركه فهو صائم. قال الله * (إني نذرت للرحمن صوما) * أي صمتا وهو الامساك عن الكلام والكف عنه قال النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما يريد بصائمة واقفة ممسكة عن الحرة والجولان. وقولهم: صام النهار معناه إذا انتصف لان الشمس إذا كانت في وسط السماء فكأنها واقفة غير متحركة لابطاء مشيها. والعرب قد تسمي الشئ باسم ما قرب منه انتهى. ونحوه قول القاضي عياض: الصيام في اللغة الامساك قال تعالى: * (إني نذرت للرحمن صوما) * أي إمساكا انتهى. وقال في الصحاح: قال الخليل: الصيام قيام بلا عمل والصوم الامساك عن الطعام. وصام الفرس أي قام على غير اعتلاف وأنشد بيت النابغة المتقدم. وصام النهار صوما إذا قام قائم الظهيرة واعتدل والصوم ركود الريح. والبكرات شرهن الصائمة. يعني التي لا تدور. وقوله تعالى: * (إني نذرت للرحمن صوما) * قال ابن عباس: صمتا. وقال أبو عبيد: كل ممسك عن كلام أو طعام أو سير فهو صائم والصوم ذرق النعامة، والصوم البيعة، والصوم الشجر في لغة هذيل انتهى. وقال غيره: الصوم شجر على شكل شخص الانسان كربه المنظر انتهى. وقال غيره: البيعة بكسر الموحدة واحدة بيع اليهود. وقال البيضاوي: الصوم في اللغة الامساك عما تنزع إليه النفس انتهى. يسمى الصائم سائحا قال في جمع الامهات للسنوسي وعنه عليه الصلاة والسلام أنه يقال السائحون الصائمون لان الله تعالى إذا ذكر الصائمين لم يذكر السائحين، وإذا ذكر السائحين لم يذكر الصائمين انتهى. والصوم في الشرع قال في الذخيرة: الامساك عن شهوتي الفم والفرج وما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار وبنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الاعياد. وقال ابن عرفة: الصوم

[ 276 ]

رسمه عبادة عدمية وقت طلوع الفجر حتى الغروب فلا يدخل ترك ما تركه ورع لعدم اقتضائه لذاته الوقت المخصوص. وقد يحد بأنه كف بنية عن إنزال يقظة ووطئ وإنعاظ ومذي ووصل غذاء غير غالب غبار وذباب وفلقة بين الاسنان لحلق أو جوف، زمن الفجر حتى الغروب دون إغماء أكثر نهاره. ولا يرد بقول ابن القاسم فيمن حلف ليصومن غدا فبيت وأكل ناسيا فلا شئ عليه لقول ابن رشد: هذا رعي للغو الاكل ناسيا وإلا زيد إثر جوف غير منسية في تطوع. وقال ابن رشد: إمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية يبطل طرده قولها فيمن صب في حلقه ماء ومن جومعت نائمة ومن أغمي عليه أكثر نهاره وأمذى أو أمنى يقظة انتهى. فائدة: أجمعت الامة على وجوب صيام رمضان، فمن جحد وجوبه فهو مرتد، ومن امتنع من صومه مع الاقرار بوجوبه قتل حدا على المشهور من مذهب مالك. قال ابن عرفة: صوم رمضان واجبجحده وتكره كالصلاة انتهى. وقال في فرض العين: والممتنع من صومه يقتل وكذلك‍ الممتنع من الصلاة والوضوء وغسل الجنابة ولا يقتله إلا السلطان. وقال في التوضيح: وقول ابن حبيب بالقتل كفرا في تارك الصلاة أقوى منه في الصوم لانه لا يوجد له من الادلة ما يوجد للصلاة لانا لا نعلم أحدا يوافقه على ذلك الصوم إلا الحكم بن عيينة بخلاف الصلاة، فإنه وافق فيها جماعة من الصحابة والتابعين انتهى. قلت: فعلم منه أن المشهور أنه يقتل حدا. فقول عياض في قواعده أنه يحبس ومنع من الافطار مخالف للمشهور، فقد صرح بقتله لترك الصوم ابن يونس وغيره والله أعلم. واختلف في الصوم الواجب في أول الاسلام فقال في الذخيرة: قيل عاشوراء، قيل ثلاثة أيام من كل شهر انتهى. وذكر المهدوي عن معاذ أن الواجب في أول الاسلام عاشوراء وثلاثة أيام. وذكر عن عطاء أنه عاشوراء. واختلف في قوله تعالى: * (كما كتب على الذين من قبلكم) * فقيل: المراد به رمضان والذين كتب عليهم الانبياء وأممهم وأنه كان واجبا على من قبلنا فجاء في الحر فحولوه وزادوا فيه. قال الشافعي. وقال: التشبيه في مطلق الصوم وإن اختلف العدد، وقيل غير ذلك والله أعلم. تنبيه: أول ما فرض رمضان خير بين صومه وبين الاطعام لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وكان في أول الامر إنما يباح الشرب والاكل والجماع بعد الغروب إلى أن ينام المكلف أو يصلي العشاء فيحرم عليه جميع ذلك، ثم وقع لقيس بن صرمة - بكسر الصاد المهملة وسكون الراء - أنه طلب من امرأته ما يفطر عليه فذهبت لتأتي له به فوجدته قد نام فأصبح صائما فغشي عليه في أثناء النهار فنزل قوله تعالى: * (علم الله أنكم) *

[ 277 ]

الآية. وروي أن عمر رضي الله عنه أراد وطئ امرأته فزعمت أنها نامت فكذبها ووطئها ثم خون نفسه وذكر ذلك للنبي (ص). وذكر ذلك جماعة من الصحابة عن أنفسهم فنزل قوله تعالى * (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * الآية. ويحتمل أن الامرين سبب لنزولها فأبيح جمع ذلك من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وحكمة مشروعية الصوم هو مخالفة الهوى لانه يدعو إلى شهوتي البطن والفرج وكسر النفس وتصفية مرآة العقل والاتصاف بصفة الملائكة والتنبيه على مواساة الجائع والله أعلم. باب يثبت رمضان بكمال شعبان يعني أن رمضان يثبت بأمرين: أحدهما الرؤية وسيأتي الكلام عليها، والثاني إكمال شعبان ثلاثين يوما وذلك إذا لم ير الهلال لغيم أو نحوه، وكذلك الحكم في غير رمضان من الشهور ولو توالى الغيم في شهور متعددة فقال مالك: يكملون عدة الجميع حتى يظهر خلافه اتباعا للحديث، ويقضون إن تبين لهم خلاف ما هم عليه. فإن حصل الغيم في رمضان وما قبله من الشهور فكملوها ثلاثين ثلاثين، ثم إن رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين من رمضان لم يقضوا شيئا لجواز أن يكون رمضان ناقصا، فإن رأوا شوالا ليلة تسع وعشرين من رمضان قضوا يوما واحدا، وإن رأوه ليلة ثمان وعشرين قضوا يومين، وإرأوه ليلة سبع وعشرين قضوا ثلاثة أيام والله أعلم ونقله في الذخيرة. تنبيهان: الاول: في كلام المصنف جواز استعمال رمضان من غير ذكر الشهر وهو الصحيح كما صرح بذلك القرطبي في تفسيره، وابن الفرس في أحكام القرآن، كما يفهم من كلام صاحب الطراز والقرافي والجزولي. وقال في الاكمال في كتاب الايمان في شرح قوله (ص): وتصوم رمضان أنه يرد قول من كره أن يقال صمنا رمضان حتى يقال شهر وقال: إنه اسم من أسماء الله تعالى وهو لا يصح. وحكى الباجي عن القاضي أبي بكر بن الطيب أنه قال: إنما يكره ذلك فيما يلبس مثل جاء رمضان ودخل رمضان، وأما صمنا رمضان فلا بأس به انتهى. وقال القرطبي: قوله وتصوم رمضان فيه دليل على جواز قول القائل رمضان من غير إضافة الشهر إليه خلافا لمن يقول لا يقال إلا شهر رمضان تمسكا في ذلك بحديث لا يصح ثم ذكر كلام الاكمال. قال في المتيطية: اختلف هل يقال جاء رمضان، فذهبت طائفة إلى أن ذلك لا يجوز. وقال بعضهم: بجوازه لحديث أبي هريرة: إذا دخل

[ 278 ]

رمضان انتهى. وظاهر كلامه أن الخلاف في الجواز وعدمه والذي يقتضيه كلام الاكمال أن الخلاف إنما هو في الكراهة وهو الظاهر كما سيأتي في كلا النووي. وقال في الاكمال في كتاب الصوم نحو ما تقدم عنه في كتاب الايمان. وذكر الدميري من الشافعية في شرح سنن ابن ماجه وابن حجر في شرح البخاري أن مذهب مالك أنه لا يجوز أن يقال رمضان وتبعا في ذلك النووي فإنه قال في شرح مسلم في كتاب الصوم: في هذه المسألة ثلاثة مذاهب: قالت طائفة: لا يقال رمضان على انفراده بحال وإنما يقال شهر رمضان وهذا قول أصحاب مالك وغيرهم. وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني: إن كان هنالك قرينة تصرف إلى الشهر فلا كراهة وإلا فتكره، والمذهب الثالث مذهب البخاري والمحققين أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة، وهذا المذهب هو الصواب والمذهبان الاولان فاسدان انتهى. إلا أن كلام النووي ليس فيه تصريح بأن ذلك لا يجوز بل ظاهر عبارته أن ذلك مكروه، والعجب من الابي في نقل كلامه وسكوته عليه وعدم ذكره كلام القاضي عياض، ومن ابن الفاكهاني في شرح العمدة في نقله كلام النووي وعدم تنبيهه على ما نسبه لاصحاب مالك مع أنه اعترض عليه بأن في كلامه مؤاخذة عليه في أربعة مواضع وذكرها. قلت: وما نسبه لاصحاب مالك غريب غيره معروف في المذهب وقد تكرر في لفظ مالك في الموطأ في المدونة لفظ رمضان من غير ذكر الشهر والله أعلم. ونقل المسألة النوو أيضا في تهذيب الاسماء واللغات إلا أنه لم يصرح بنسبة ذلك لاصحاب مالك ونصه: اختلف العلماء هل يكره أن يقال رمضان من غير ذلك الشهر: فذهب بعض المتقدمين إلى كراهته. وقال أصحابنا: إن كانت هناك قرينة تدل على أن المراد الشهر كقوله: صمت رمضان وجاء رمضان الشهر المبارك لم يكره إفراده، وإن لم تكن هناك قرينة كره كقوله: جاء رمضان ودخل رمضان. قال: واحتجوا بحديث أبي هريرة: لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان وهذا الحديث رواه البيهقي وضعفه والضعف بين عليه. قال: وروي الكراهة في ذلك عن مجاهد والحسن البصري. قال البيهقي: والطريق إليها في ذلك ضعيف، والصحيح ما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين أنه لا كراهة في ذلك مطلقا كيفما قيل، لان الكراهة لا تثبت إلا بالشرع ولم يثبت في ذلك شئ. وقد صنف جماعة لا يحصون في أسماء الله تعالى فلم يثبتوا هذا الاسم، وقد ثبت في الاحاديث الصحيحة جواز ذلك. ففي الصحيحين: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة الحديث. وفي بعض الروايات: إذا دخل رمضان وفي رواية مسلم إذا كان رمضان انتهى. وقال الجزولي في شرح الرسالة: اختلف في رمضان هل هو اسم للشهر وهو المشهور، أو اسم من أسماء الله تعالى قاله مجاهد وجماعة ؟ انتهى.

[ 279 ]

الثاني: قال الجزولي: لا يجوز أن يضاف الشهر إلى اسمه ويقال شهر كذا إلا رمضان وربيعان فيقال شهر رمضان وشهر ربيع الاول، ولا يقال شهر رجب وشهر شوال، وإنما يقال رجب وشوال انتهى. ومراده بعدم الجواز - والله أعلم - من حيث اللغة فقد ذكر النووي وغيره عن الفراء أنه يقاهذا شهر رمضان وهما شهرا ربيع ولا يذكر الشهر مع أسماء سائر الشهور العربية. وقال في المتيطية: الشهور كلها مذكرة إلا جمادي. وقال ابن درستويه: ليس منها شئ يضاف إليه شهر إلا رمضان والربيعان وما كان منها اسما للشهر أو صفة قامت مقام الاسم فهو الذي لا يجوز أن يضاف الشهر إليه كالمحرم وصفر. انتهى باختصار. ونقل الجلال السيوطي في همع الهوامع أن سيبويه أجاز إضافة شهر إلى سائر أعلام الشهور ومنع ذلك المتأخرون فقال أبو حيان: لم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافا إلى شهر إلا رمضان وربيع الاول وربيع الآخر، ولا يقال شهر المحرم ولا شهر جمادي. انتهى. وهذا والله أعلم مبني على القول الضعيف أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، وأما على القول المشهور أنه اسم الشهر فلا فرق بين رمضان وغيره. وفي مختصر المتيطية إشارة إلى هذا فإنه قال: والعلة في اختصاص هذه الثلاثة بذلك أن رمضان قد جاء أنه اسم من أسماء الله تعالى، وأما ربيع فلزمه الشهر لئلا يلتبس بفصل الربيع لان العرب كانت تسميه ربيعا أول والخريف ربيعا ثانيا انتهى.. وقال القباب قال أهل اللغة: والمشهور في التلفظ باسم الشهر مع الشهر على ثلاثة أقسام: قسم لا بد فيه من الجمع بينهما وهو شهر ربيع، لا تقول جاء ربيع الاول أو الآخر وإنما تقول جاء شهر ربيع الاول أو الآخر، ورمضان أنت فيه مخير إن شئت أثبته وإن شئت تركته، وسائر الشهور لا يجوز أن تلفظ منعها باسم الشهر وإنما تقول جاء المحرم وكذلك سائرها. هذا نقل أهل اللغة انتهى. وفهم من كلامه أن عدم الجواز إنما هو بحسب اللغة ولعل هذا في الاكثر والله أعلم. ص: (أو برؤية عدلين) ش: هذا هو الامر الثاني الذي يثبت به رمضان وهو الرؤية وهي على وجهين: مستفيضة وسيأتي الكلام عليها، وغير مستفيضة ولا بد فيها من شهادة عدلين. وهذا في حق من لم ير الهلال بنفسه، وأما من رآه فإنه يلزمه الصوم كما سيأتي. وعلى هذا فينبغي أن يقال كما قال اللخمي: الصوم والافطار يصح بثلاثة أشياء: الرؤية، فإن لم تكن

[ 280 ]

فالشهادة، فإن لم تكن شهادة فبكمال العدة ثلاثين انتهى. ثم يفصل في الشهادة إلى مستفيضة وغير مستفيضة، بل يأتي في كلام صاحب المقدمات أن الصوم يجب بأحد خمسة أشياء، وما ذكرناه أولا وهو طريقة ابن شاس وابن الحاجب، وما ذكره المصنف من اشتراط عدلين في الشهادة هو المشهور. قال في المدونة: لا يصام رمضان ولا يفطر فيه ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين انتهى. فلا يثبت بشهادة رجل وامرأة خلافا لاشهب، ولا بشهادة رجل وامرأتين خلافا لابن مسلمة. قال في النوادر: ولا يصام ولا يفطر بشهادة صالحي الارقاء ولا من فيه علقة رق ولا بشهادة النساء والصبيان، ولا فرق في ذلك بين رمضان وغيره من الشهور، فلا يثبت شوال وذو الحجة وغيرهما من الشهور إلا برؤية عدلين، وهذا هو المعروف. وقال في النوادر أيضا: قال ابن عبد الحكم: رأيت أهل مكة يذهبون في هلال الموسم في الحج مذهبا لا ندري من أين أخذوه، أنهم لا يقبلون في الشهادة في هلال الموسم إلا أربعين رجلا، وقيل عنهم خمسين، والقياس أن يجوز فيه شاهدا عدل كما يجوز في الدماء والفروج ولا أعلم شيئا فيه أكثر من شاهدين إلا الزنا انتهى. ونقله اللخمي فقال: واختلف في موسم الحج هل

[ 281 ]

يكتفي في ذلك بشهادة شاهدين ؟ فالظاهر من قول مالك وغيره من أصحابه الجواز. ثم ذكر كلام ابن عبد الحكم وقال بعده: وهو موافق لقول سحنون في أنه لا يكتفي بشاهدين انتهى. ويعني قول سحنون في مسألة شهادة الشاهدين في الصحو بالمصر الكبير. ونقل ابن الحاج في مناسكه كلام ابن عبد الحكم ونقله التادلي وذكر بعده كلام اللخمي، لكنه يوهم أن قول سحنون في هلال الموسم وليس كذلك. وقال سند بعد أن ذكر كلام ابن عبد الحكم: وعندي أنهم رأوا شأن الحج من أعظم العبادات البدنية وأعظم الحقوق يعتبر فيه خمسون رجلا وهو القسامة في الدم انتهى. تنبيهان: الاول: علم مما ذكرناه أنه ليس المراد بقولهم يثبت رمضان بكذا خصوصية الثبوت عند القاضي وغيره وسيأتي في كلام ابن رشد وابن عبد السلام ما يدل على ذلك. الثاني: قال ابن فرحون في الالغاز: إذا تعلق برؤية الهلال فرض كالصوم والفطر فلا بد من اثنين، وأما إذا أريد بذلك علم التاريخ فإنه يقبل في ذلك رؤية الرجل الواحد والعبد والمرأة لانه خبر فيقبل منهم، ونقله عن الطرطوشي في أول تعليقه الخلاف. ودخل في قوله: إذا تعلق برؤية الهلال فرض كل حكم شرعي، فإذا تعلق برؤية الهلال حلول دين أو إكمال معتدة عدتها فلا بد في ذلك من شاهدين والله أعلم. فائدة: قال في الاذكار: روينا في مسند الدارمي وكتاب الترمذي أن النبي (ص) كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والايمان والسلامة والاسلام ربي وربك الله. قال الترمذي: حديث حسن. وفي سند الدارمي أيضا كان رسول الله (ص) إذا رأى الهلال قال: الله أكبر اللهم أهله علينا باليمن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله. وفي سنن أبي داود كان نبي الله (ص) إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد هلال خير ورشد. آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ثم يقول: الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا. انتهى. وقوله: هلال خير ورشد هكذا ذكره في الاذكار مرتين وصرح بذلك الدميري في شرح المنهاج فقال: وفي أبي داود كان يقول: هلال رشد وخير مرتين انتهى. ورأيته في نسخة مصححة من أبي داود مكررا ثلاثا. قال الدميري بعد أن ذكر ما تقدم: ويستحب أن يقرأ بعد ذلك سورة الملك لاثر ورد فيه ولانها المنجمة الوافية. قال الشيخ يعني تقي الدين السبكي: وكان ذلك لانها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر ولان السكينة تنزل عند قراءتها وكان (ص) يقرؤها عند النوم. فائدة أخرى: قال في النهاية في حرف السين: كان (ص) يقول إذا دخل شهر رمضان: اللهم سلمني من رمضان وسلم رمضان لي وسلمه مني. قوله: سلمني من رمضان أي لا يصيبني فيه ما يحول بيني وبين صيامه من مرض أو غيره. وقوله: سلمه لي هو أن لا يغم

[ 282 ]

عليه الهلال في أوله أو آخره فيلتبس عليه الصوم والفطر. وقوله: وسلمه مني أي يعصمه من المعاصي فيه انتهى. وانظر قوله: هو أن لا يغم عليه الهلال في أوله مع قوله: إذا دخل شهر رمضان ولعل المراد بذلك أنه كان يقوله في الوقت الذي يتراءى الناس فيه الهلال قبل حصول الرؤية. ص: (ولو بصحو بمصر) ش: أشاربلو لقول سحنون لا تقبل شهادة الشاهدين إذا لم يشهد غيرهما في المصر الكبير والصحو قال: وأي ريبة أكبر من هذا ؟ نقله في النوادر وغيرها. قلت: ولم أر من نقل عنه كم يكفي في ذلك وهكذا قال اللخمي بعد أن حكى كلامه ما نصه: ولم يرو عنفي العدد الذي يكتفي به في ذلك شئ انتهى. ص: (فإن لم ير بعد ثلاثين صحوا كذبا) ش: تصوره واضح. قال ابن غازي: ليس بمفرع على شهادة الشاهدين في الصحو والمصر كما قيل بل هو أعم من ذلك انتهى. قلت: وما قاله ظاهر. قال في النوادر ومن المجموعة من رواية ابن نافع وهو في سماع

[ 283 ]

أشهب في شاهدين شهدا على هلال شعبان فيعد لذلك ثلاثين يوما ثم لم ير الناس الهلال ليلة إحدى وثلاثين والسماء مصحية. قال: هذان شاهدا سوء انتهى، وهو ظاهر لان الحكم عليهما بكونهما شاهدا سوء إنما يظهر حينئذ، وأما مع وجود الغيم أو صغر المصر وقلة الناس فيحمل أمرهما على السداد، ولم أقف على هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب الصيام ولا من كتاب الاقضية ولا من كتاب الشهادات، ولعلها في سماعه في غير هذا الكتاب. ويشير ابن غازي بقوله كما قيل لابن الحاجب وشارحه وابن ناجي والشارح فإنهم فرعواهذه المسألة على المشهور في المسألة السابقة، ويوجد في بعض نسخ ابن الحاجب نسبتها للمدونة وليست فيها ولهذا قال في التوضيح: قوله فيها عائدا للمسألة. حكاية: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وقعت هذه المسألة بالقيروان وجلس شيخنا أبو مهدي لرؤية هلال شوال بجامع الزيتونة ليلتين ولم ير. وانحرف على قاضي القيروان في تسرعه لقبول الشهادة ولو كان تثبت ما وقع في المسألة. وقال مالك في شهودها ما قال ولم يقع في عصرنا قط ولا بلغنا أنها وقعت في غيره. فرع: قال ابن عبد السلام بعد أن تكلم على المسألة: وعلى هذا فيجب أن يقضي الناس يوما إذا كانت الشهادة على رؤية هلال شوال وعد الناس ثلاثين يوما ولم يروا هلال ذي العقدة، وكذلك يفسد الحج إذا شهدوا برؤية هلال ذي الحجة انتهى. ونقله في التوضيح وابن فرحون. قلت: وقد أخبرني والدي رحمه الله أنه وقع لهم في سنة من السنين أن جماعة شهدوا بمكة بهلال ذي الحجة ليلة الخميس حرصا على أن تكون الوقفة بالجمعة، ثم عد الناس ثلاثين يوما من رؤيتهم ولم ير أحد الهلال لكن لطف الله بالناس ولم يفسد حجهم بسبب أنهم وقفوا بعرفة يومين فوقفوا يوم الجمعة ثم دفع كثير منهم حتى خرجوا من بين العلمين ثم رجعوا وبانوا بها ووقفوا بها في يوم السبت ويقع بمكة في مثل هذا الحال أعني إذا وقع الشك في وقفة الجمعة خباط كثير غالبا والله أعلم. ص: (أو مستفيضة) ش: هذا هو الوجه الثاني من وجهي الرؤية وهي الرؤية المستفيضة وفي الجواهر: أما سببه أي الصوم فاثنان: الاول رؤية الهلال وتحصل بالخبر المنتشر وهذا الكلام ونحوه لابن الحاجب. وقال في العمدة: فيلزم برؤية ظاهرة ونحوه في الارشاد وثبوت الهلال بالاستفاضة من باب الثبوت بالخبر المستفيض لا من باب الثبوت بالشهادة. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: إما بالخبر المنتشر أو بالشهادة.

[ 284 ]

الخبر المنتشر هو المستفيض المحصل للعمل أو الظن القريب منه انتهى، وقاله ابن عبد السلام وقال الابي في شرح مسلم قال المازري: يثبت الهلال بالرؤية المستفيضة. ثم قال الابي فسر: ابن عبد الحكم الاستفاضة بأنها خبر جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وإن كان فيهم عبيد ونساء، وهذا الذي فسرها به إنما هو في الحقيقة التواتر. وفسر الاصوليون الاستفاضة بأنها ما زاد نقلته على ثلاثة وهي بهذا التفسير أعم مما فسرها به انتهى. قلت: لفظ النوادر: قال محمد بن عبد الحكم: وقد يأتي من رؤيته ما يشتهر حتى لا يحتاج فيه إلى الشهادة والتعديل مثل أن يكون قرية كبيرة فيراه الرجال والنساء والعبيد ممن لا يمكن فيهم التواطؤ على باطل، فيلزم الناس الصوم بذلك من باب استفاضة الاخبار لا من باب الشهادة انتهى. قلت: وما ذكره الابي في تفسير الاستفاضة عن الاصوليين، قاله ابن الحاجب ونصه: والمستفيض ما زاد نقلته على ثلاثة، وقال ابن السبكي من الشافعية: وأقله اثنان. وقيل: ثلاثة. وظاهر كلام ابن عبد الحكم بل صريحه وظاهر ما تقدم عن ابن عبد السلام والمصنف أن مرادهم بالاستفاضة هنا خلاف ما قاله الاصوليون وأنه لا بد من جماعة يحصل بهم العلم أو الظن القريب منه وإن لم يبلغوا عدد التواتر فتأمله. ص: (وعم إن نقل بهما عنهما) ش: يعني أن الحكم بثبوت رمضان يعم كل من نقل إليه إذا نقل بهما أي بشهادة عدلين أو نقل باستفاضة. وقوله: عنهما سواء كان المنقول عنه بشهادة عدلين أو استفاضة فالاقسام أربعة، وسواء كانت الشهادة المنقول عنها تثبت عند حاكم عام كالخليفة أو خاص على المشهور. وقال عبد الملك: إذا كانت الشهادة عند حاكم خاص فلا تعم الامن في ولايته. قال ابن عبد السلام: وهذا الخلاف فيما نقل عن الحاكم المخصوص، وأما ما ينقل عن الشهود أو الخبر المنتشر فلا تختص به جهة دون جهة ونقله في التوضيح. تنبيه: قال ابن عرفة قال أبو عمر: وأجمعوا على عدم لحوق حكم رؤيته ما بعد كالاندلس من خراسان انتهى. ص: (لا بمنفرد) ش: يحتمل أيكون مخرجا من قوله: برؤية عدلين والمعنى أنه لا يثبت الهلال برؤية العدل الواحد وهذا هو المذهب، قال ابن عرفة: والمذهب لغو رؤية العدل لغيره. ابن حارث اتفاقا انتهى. وظاهر كلامه أنه لا خلاف فيه. وقال اللخمي: منع مالك أن يصام بشهادة الواحد لا على وجه الوجوب ولا على وجه الندب ولا الاباحة. قال سحنون: لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت بقوله ولا أفطرت. ثم نقل عن ابن الماجشون إجازة الصوم لرؤية الواحد، ويحتمل أن يكون مخرجا مما يليه والمعنى أنه لا

[ 285 ]

يثبت الهلال بنقل العدل عن رؤية العدلين أو عن الرؤية المستفيضة، ويحتمل أن يكون راجعا لهما معا فلا يثبت برؤية العدل ولا بنقله. أما رؤية العدل فالحكم فيها كذلك على ما تقدم، وأما نقل العدل فاختلف في ثبوته به فأجازه ابن ميسر وأباه أبوعمران ورجح الشيخ ابن أبي زيد وابن يونس وابن رشد قول ابن ميسر بل قال ابن عرفة: وفي نقل بينة بخبر الواحد قولا الشيخ مع نقله عن ابن ميسر وأبي عمران قائلا: إن ما قاله ابن ميسر فيمن بعث لذلك وليس كنقل الرجل لاهله لانه القائم عليهم. وصوب ابن رشد والصقلي قول الشيخ وقال: لا فرق بينه وبين نقله لاهله ولم يحك اللخمي والباجي غيره انتهى، فإذا حملنا كلام المصنف على أنه راجع لنقل العدل أو راجع للرؤية والنقل فيكون مخالفا لما رجحه هؤلاء الشيوخ لكنه قال في توضيحه: قيوالمشهور خلاف ما قاله ابن ميسر فلعله اعتمد على ذلك. وقد مشى على ذلك صاحب الشامل فقال بعد أن ذكر النقل عن الشهادة: والاستفاضة بأحدهما لا بمنفرد عنهما على المشهور. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: والقول الثاني لا بد من شاهدين وهو المشهور قاله في التوضيح. تنبيهات: الاول: على القول بقبول النقل بخبر الواحد الذي رجحه الشيخ فلا فرق بين أن يخبرهم بذلك ابتداء من نفسه أو يبعثوه ليكشف لهم عن ذلك ويخبرهم. قال في المقدمات: وإنما يفترق ذلك في حق الامام فإنه إن بعث رجلا إلى أهل بلد ليخبره عن رؤيتهم فأخبره أنهم صاموا برؤية مستفيضة أو بثبوت الهلال عند قاضيهم، وجب عليه أن يأمر الناس بالصيام لذلك‍ اليوم. وإن أخبره بذلك من غير أن يرسله وجب على الامام الصيام في نفسه خاصة ولم يصح له أن يأمر الناس بالصيام حتى يشهد عنده بذلك شاهد آخر لانه حكم فلا يكون إلا بشاهدين انتهى. وظاهره أن الذي يبعثه الامام يكتفي بقوله بلا خلاف، بل يفهم من كلام أبي عمران أن غير الامام إذا بعث من يكشف له عن رؤية الهلال إنما يلزمه العمل بما يخبره كما تقدم في كلام ابن عرفة الذي نقله عن أبي عمران ونقله عنه أيضا المصنف في التوضيح وغيره، وعلى هذا فيستثنى من قول المصنف: لا بمنفرد من يرسله الشخص ليكشف له عن الهلال فيلزمه الصوم بأخباره. الثاني: قال ابن عبد السلام: ظاهر كلام ابن الحاجب أن الخلاف في الواحد عن الشاهدين وليس كذلك فإن الخلاف إنما هو في النقل عما يثبت عند الامام أو عن الخبر المنتشر لاعن الشاهدين. انتهى وهو ظاهر. فإن النقل عن الشاهدين نقل عن شهادة ولا يكفي في نقل الشهادة واحد فتأمله والله أعلم. الثالث: قال في المقدمات: صيام رمضان يجب بأحد خمسة أشياء: إما أن يرى الهلال، أو يخبر الامام أنه قد ثبتت رؤيته عنده، وإما أن يخبر العدل بذلك أو عن الناس أنهم رأوه رؤية

[ 286 ]

عامة وكذلك إذا أخبره عن أهل بلدانهم صاموا برؤية عامة أو بثبوت رؤية عند قاضيهم، وإما أن يخبره شاهدان عدلان أنهما قد رأياه، وإما أن يخبر بذلك شاهد واحد عدل في موضع ليس فيه إمام يتفقد أمر الهلال بالاهتبال به انتهى. ففيه إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام. وأما قوله أنه إذا قال له الامام ثبتت رؤية الهلال عندي أنه يلزمه فذلك ظاهر وليس هو من خبر العدل الواحد والله أعلم. قال البساطي في المغني: وهذا ظاهر إذا كان الحاكم موافقا للمخبر، وأما لو أخبر شافعي مالكيا ففيه نظر انتهى. قلت: ينبغي أن يسأله بماذا ثبت عنده فإن أخبره أنه ثبت بشاهدين فلا إشكال، وإن أخبره أنه ثبت بعدل جرى على الخلاف في المسألة الآتية والله أعلم. أما لو رآه القاضي أو الخليفة وحده لم يلزم الناس الصوم برؤيته لانه من رؤية المنفرد كما في التوضيح ونقله ابن عرفة وغيره. الرابع: إذا قال شخص رأيت النبي (ص) وأخبرني أن الليلة أول رمضان لم يصح بذلك الصوم لصاحب المنام ولا لغيره بالاجماع كما قال القاضي عياض، وذلك لاختلال ضبط النائم لا للشك في رؤيته (ص). نقله النووي في شرح المهذب عن القاضي عياض ونقله الدميري وغيره. الخامس: إن قيل ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ولا خلاف أنه إذا شهد عدلان ليلة ثلاثين من رمضان أو من ذي الحجة قبلا. فالجواب: أنه ليس المراد أنه لا يتصور نقصهما فقد قال ابن مسعود: صمنا مع رسول الله (ص) تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين. وقال بعض الحفاظ: إن النبي (ص) صام تسع رمضانات اثنان ثلاثون ثلاثون، وسبعة تسعة وعشرون تسعة وعشرون، وقيل في معنى الحديث إنهما لا ينقصان من عام واحد، وقيل لا ينقص أجرهما والثواب الملتزم عليهما وإن نقص عددهما وهذا هو الاصح في معنى الحديث والله أعلم. ص: (إلا كأهله ومن لا اعتناء لهم بأمره) ش: إن جعلنا قول المصنف: لا بمنفرد مخرجا من مسألة النقل صح الاستثناء ويكون المعنى: إن نقل المنفرد عن ثبوت الهلال عند القاضي أو عن الرؤية المستفيضة له يثبت به الهلال إلا إذا نقل ذلك الرجل إلى أهله ومن في عياله كالاجير والخادم أو إلى أهل بلد ليس لهم قاض

[ 287 ]

أو جماعة لا يعتنون بأمر الهلال وضبط رؤيته، ونقل في التوضيح في ذلك قولين عن ابن الماجشون وسحنون، وكأنه ترجح عنده قول ابن الماجشون وهو الظاهر. وأما مسألة النقل إلى الاهل فمقتضى كلام ابن الحاجب أن فيها قولا بأنه لا يكفي ونصه: ويقبل النقل بالخبر إلى الاهل ونحوهم على الاصح. قال ابن راشد: ولم أقف عليه. وقال ابن عرفة: لا أعرفه. وقال ابن فرحون: فمقتضى قوله: على الاصح أن مقابله لا يكفي ولم يذكر أهل المذهب في قبوله خلافا. ويبقى على المصنف الكلام على ثبو ت الهلال برؤية العدل الواحد إذا لم يكن هناك من يعتني بأمر الهلال فإن المشهور حينئذ ثبوت الهلال برؤية العدل الواحد، ويمكن أن يقال: يؤخذ ذلك من قوله: أنه يكتفي حينئذ بنقل العدل فيكتفي أيضا برؤية العدل الواحد إما بطريق القياس أو من باب الاولى. قال في التوضيح: وظاهر قول سحنون إنه لا بد من الشهادة بشرطها كان ثم حاكم أو لم يكن لانه قال: لما قيل له إن أخبرك الرجل الفاضل بأنه رآه قال: لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت ولا أفطرت انتهى. قال الشارح في الكبير: وفي هذا الاخذ نظر ولعل سحنونا إنما قاله حيث كان هناك من يعتني بأمرالهلال، وأما إذا جعلنا قول المصنف لا بمنفرد مخرجا من رؤية العدلين أو راجعا للرؤية والنقل جميعا فيشكل قوله: إلا كأهله فإنه يقتضي أنه إذا رأى الشخص الهلال وحده في بلد بها قاض يعتني بالهلال أو جماعة يعتنون به أن يلزم أهله الصوم برؤيته وليس كذلك، إنما يلزم أهله الصوم برؤيته إذا لم يكن هناك من يعتني بأمر الهلال. تنبيهان: الاول: المراد بقوله: ومن لا اعتناء لهم بأمره قال في التوضيح: إما بأن لا يكون لهم إمام ألبتة أو لهم إمام وهو يضيع أموالهم ولا يعتني انتهى. وقال الابي: إنما تعتبر البينة في بلد بها قاض لانه الذي ينظر في أمر البينة وعدالتها، ويتنزل منزلة القاضي جماعة المسلمين ينظرون كنظره فإن لم يكن في البلد معتن بالشريعة من قاض أو جماعة فذلك عذر يبيح الاكتفاء بالخبر بشرطه من الضبط والعدالة انتهى. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وإن لم يكن معتنون بالشريعة كفى الخبر يعني على شرطه من الضبط والعدالة، وعلى هذا يقبل فيه قول المرأة والعبد وتكون هذه ضرورة تبيح الانتقال من الشهادة إلى الخبر كما ينقله الرجل إلى أهل داره بل هو أولى. وفي المنتقى: إذا لم يكن بالموضع إمام أو كان وضيع فمن ثبت عنده برؤية نفسه أو برؤية من يثق به فيصوم جذلك ويفطر، ويحمل عليه من يقتدي به نقله الباجي وغيره عن عبد الملك انتهى. الثاني: سئل أبو محمد عن قرى بالبادية متقاربة يقول بعضهم لبعض: إذا رأيتم الهلال فنيروا فرآه بعض أهل القرى فنيروا فأصبح أصحابهم صوما، ثم ثبتت الرؤية بالتحقيق، فهل يصح صومهم ؟ قال: نعم قياسا على قول عبد الملكبن الماجشون في الرجل يأتي القوم فيخبرهم أن الهلال قد رؤي. نقله عنه المشذالي في حاشية المدونة.

[ 288 ]

قلت: أما إذا كان يعلم أن المحل الذي فيه النار يعلم به أهل ذلك البلد ويعلم أنهم لا يمكنون من جعل النار فيه إلا إذا ثبت الهلال عند القاضي أو برؤية مستفيضة، فالظاهر أنه ليس من باب نقل الواحد. وهذا كما جرت العادة بأنه لا يوقد القناديل في رؤوس المنائر إلا بعد ثبوت الهلال فمن كان بعيدا أو جاء بليل ورأى ذلك فالظاهر أن هذا يلزمه الصوم بلا خلاف فتأمله والله أعلم. ص: (وعلى عدل أو مرجو رفع رؤيته) ش: المراد بالمرجو من يرتجى قبول شهادته بأن يأتي بمن يزكيه. قال ابن عرفة: الشيخ عن أشهب: يجب رفع المرجو ولو علم جرحة نفسه انتهى. ونقله ابن يونس ونقله ابن ناجي في شرح المدونة وقال: إنه ظاهر المدونة ونصه: وظاهر الكتاب يرفع للامام ولو علم عن نفسه أنه ليس من أهل القبول وهو كذلك. قاله أشهب في المجموعة نقله ابن يونس انتهى. ولم أر من ذكر في هذا خلافا بخلاف مسألة من شهد على عدوه فإنه اختلف، هل يخبر بالعداوة وعليه مشى المصنف في باب الشهادات. أو لا يخبر بها وصححه ابن رشد وهي في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات ؟ وقال المشذالي: ولو علم الشاهد من نفسه ما لو أظهره بطلت شهادته هل يرفع ؟ قال بعض المشارفة: يجري على من شهد بحق وهو عدو للمشهود عليه هل يخبر بالعداوة فتبطل أولا لئلا يضيع الحق ؟ فيه الخلاف والمسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وتكررت في نوازل سحنون انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على النص المتقدم في المسألة والله أعلم. ص: (والمختار وغيرهما) ش: يعني أنه اختلاف في وجوب رفع الشهادة على غير العدل وهو الفاسق المعلوم فسقه والمرجو وهو المجهول الحال. واختار اللخمي القول بوجوب الرفع، وهذا القول نقله ابن بشير وابن الجلاب وعزاه في التوضيح لابن عبد الحكم. وقال ابن عرفة: إن لم يذكر عدلا ولا مرجوا ففي استحباب رفعه وتركه نقلا اللخمي عن أشهب والقاضي. ونقل ابن بشير بدل استحبابه وجوبه لا أعرفه انتهى. تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن اللخمي اختار القول بالوجوب والذي في كلامه في التبصرة إنما هو اختيار القول بالاستحباب، وقد نبه الشارح على هذا في الوسط والله أعلم. ص: (وإن أفطروا فالقضاء والكفارة إلا بتأويل فتأويلان) ش: يعني أن من رأى هلال رمضان وحده وسواء كان عدلا أو مرجوا أو نحوهما فإنه يجب عليه الصوم. فإن أفطر متعمدا أو

[ 289 ]

منتهكا لحرمة الشهر فعليه القضاء والكفارة، وإن أفطر متأولا فظن أنه لا يلزمه الصوم برؤيته منفردا ففي وجوب الكفارة تأويلان، والقول بوجوب الكفارة هو المشهور ولذلك جزم به المصنف بعد ذلك لما ذكر التأويل البعيد والله أعلم. فرع: قال في التوضيح: فإن صام هذا الرائي وحده ثلاثين يوما ثم لم ير أحد الهلال والسماء مصحية فقال محمد بن عبد الحكم وابن المواز: هذا محال ويدل على أنه غلط. وقال بعضهم: الذي ينبغي أن يعمل في ذلك على اعتقاده الاول ويكتم أمره انتهى. قلت: والقول الثاني بعيد لانه قد تقدم أن الشاهدين يكذبان فكيف بالمنفرد ؟ والعجب من اقتصار صاحب الشامل على القول الثاني وظاهر كلامه في التوضيح أنه لو كان غيم يعمل على رؤيته وهو ظاهر والله أعلم. ص: (لا بمنجم) ش: يعني أن الهلال لا يثبت بقول المنجم أنه يرى بل ولا يجوز لاحد أن يصوم بقوله، بل ولا يجوز له هو أن يعتمد على ذلك كما سيأتي عن المقدمات. وسواء في ذلك العارف به وغيره. وقد أنكر ابن العربي في العارضة عن ابن سريج الشافعي في تفريقه بين من يعرف ذلك ومن لا يعرفه. قال في التوضيح: وروى ابن نافع عن مالك في الامام الذي يعتمد على الحساب أنه لا يقتدى به ولا يتبع انتهى. تنبيهات: الاول: ظاهر كلام أصحابنا أن المراد بالمنجم بالحساب الذي يحسب قوس الهلال ونوره. ورأيت في كلام بعض الشافعية أن المنجم الذي بقول الحاسب فمن باب أحرى أن لا يعمل بقول المنجم. الثاني: قال ابن الحاجب: ولا يلتفت إلى حساب المنجمين اتفاقا وإركن إليه بعض البغداديين. قال في التوضيح: قوله: وإن ركن إليه بعض البغداديين يشير به إلى ما روي عن ابن سريج وغيره من الشافعية وهو مذهب مطرف بن عبد الله ابن الشخير من كبار التابعين. ابن بزيزة: وهي رواية شاذة في المذهب رواها بعض البغداديين عن مالك انتهى. وقال ابن

[ 290 ]

عرفة: وحساب المنجمين لقول ابن بشير ركون بعض البغداديين له باطل. قال ابن عرفة قلت: لا أعرفه لمالكي. بل قال ابن العربي: كنت أنكر على الباجي نقله عن بعض الشافعية لتصريح أئمتهم بلغوه حتى رأيته لابن سريج وقاله بعض التابعين انتهى. وقد رد ابن العربي في عارضته على ابن سريج وبالغ في ذلك وأطال. وظاهر كلام المصنف في التوضيح أن ابن الشخير يقول: يعتمد على حساب المنجمين وليس كذلك، إنما يقول له: إنه يعمل على ذلك هو في خاصته كما سيأتي بيانه في كلام المقدمات. وقال القرافي في الفرق الثاني والمائة بين قاعدة أوقات الصلاة: يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها، وقاعدة رؤية الاهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب وفيه قولان عندنا وعند الشافعية، والمشهور في المذهب عدم اعتبار الحساب. قال سند: إن كان الامام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لاجماع السلف على خلافه مع أن حساب الاهلة والخسوف والكسوف قطعي، فإن الله سبحانه أجرى عادته بأن حركات الافلاك وانتقالات الكواكب السبعة على نظام واحد طول الدهر وكذلك الفصول الاربعة، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا تجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلا للعادة وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك. فالقطع الحاصل فيه إنما هو لاجل العادة وإذا حصل القطع بالحساب فينبغي أن يعتمد عليه كأوقات الصلوات. والفرق ههنا وهو عمدة الخلف والسلف أن الله تبارك وتعالى نصب زوال الشمس سببا لوجوب الظهر، وكذلك بقية الاوقات، فمن علم شيئا بأي طريق لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد القطع. وأما الاهلة فلم ينصب خروجها من شعاع الشمس سببا للصوم بل نصب رؤية الهلال خارجا عن شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي ولا يثبت الحكم، ويدل لذلك قوله (ص): صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس، قال في الصلاة: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * أي ميلها انتهى. أكثره بلفظه. وفيه إثبات القول بالاعتماد على حساب المنجمين كما نقله صاحب التوضيح وغيره. وما فرق به بين أوقات الصلاة ورؤية الاهلة حسن، وقد قبله ابن الشاط وله في الذخيرة نحو ذلك. الثالث: لو شهد عدلان برؤية الهلال وقال أهل الحساب: إنه لا يمكن رؤيته قطعا فالذي يظهر من كلام أصحابنا أنه لا يلتفت لقول أهل الحساب، وقال السبكي وغيره من الشافعية: إنه لا تقبل الشهادة لان الحساب أمر قطعي والشهادة ظنية والظن لا يعارض القطع. ونازع في ذلك بعض الشافعية والله أعلم.

[ 291 ]

الرابع: ذكر ابن ناجي في شرح المدونة إن ابن هارون اعترض على ابن الحاجب في حكاية الاتفاق بأن مطرفا يخالف في ذلك ورد عليه بأن مطرفا المذكور ليس هو مطرفا المالكي وإنما هو من كبار التابعين انتهى. الخامس: يكره الاشتغال بما يؤدي إلى معرفة ناقص الشهور وكاملها. قال ابن رشد في كتاب الجامع من المقدمات بعد أن ذكر أن الاشتغال بالنجوم فيما يعرف به سمت القبلة وإجراء الليل جائز بل مستحب: وأما النظر في أمرها فيما زاد على ذلك مما يتوصل به إلى معرفة نقصان الشهور من كمالها دون رؤية أهلتها فذلك مكروه لانه من الاشتغال بما لا يغني إذ لا يجوز لاحد أن يعول في صومه وفطره على ذلك فيستغني عن النظر إلى الاهلة بإجماع من العلماء. وإنما اختلف أهل العلم فيمن كان من أهل هذا الشأن إذا أغمي الهلال هل له أن يعمل على معرفته بذلك أم لا ؟ فقال مطرف ابن الشخير: إنه يعمل في خاصته على ذلك وقاله الشافعي أيضا في رواية. والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور من أنه لا يعمل على ذلك وكذلك ما يعلم به الكسوفات لانه لا يعني، وقال (ص): من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولانه يوهم العوام أنه يعلم الغيب ويزجر عن ذلك ويؤدب عليه انتهى باختصار. قلت: ولا يحرم الاشتغال به لانه ليس من علم الغيب وإنما هو من طريق الحساب والله أعلم. السادس: قال ابن رشد في المقدمات إثر كلامه السابق: اختلف أهل العلم في معنى قول النبي (ص): فاقدروا له فذهب مالك إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني فأكملوا العدد مفسر له، وذهب الطحاوي إلى أنه ناسخ له وإلى أن معنى التقدير كان قبل النسخ بأن ينظر إذا غم الهلال ليلة الشك إلى سقوط القمر في الليلة الثانية، فإن سقط لمنزلة واحدة وهي ستة أسباع ساعة علم أنه من تلك الليلة، وإن غاب لمنزلتين علم أنه من الليلة الماضية فقضوا اليوم. وهذا قول خطأ إذ لا يسقط القمر في أول كل ليلة من جميع الشهر، كان الشهر كاملا أو ناقصا، لستة أسباع ساعة. هذا يعلم يقينا بمشاهدة بعض الاهلة أرفع وأبطأ مغيبا من بعض. وأيضا فإنه خلاف ظاهر الحديث ومقتضاه في أن التقدير إنما أمر به ابتداء قبل الفوات ليصوم أو ليفطر لا في الانتهاء بعد الفوات ليقضي أو لا يقضي. والذي أقول به في معنى التقدير المأمور به في الحديث: إذا غم الهلال أن ينظر إلى ما قبل هذا الذي غم الهلال عند آخره من الشهور، فإن كان توالى منها شهران أو ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح الناس صياما، وإن كانت توالت ناقصة عمل على أن هذا الشهر كامل فأصبح الناس مفطرين إذ لا تتمادى أربعة أشهر ناقصة ولا كاملة على ما علم بما أجرى الله به

[ 292 ]

العادة، ولا ثلاثة أيضا ناقصة ولا كاملة إلا في النادر. وإن لم يتوال قبل هذا الشهر الذي غم الهلال في آخره شهران فأكثر كاملة ولا ناقصة، احتمل أن يكون هذا الشهر ناقصا أو كاملا احتمالا واحدا يوجب أن يكمل ثلاثين يوما كما في الحديث الآخر، فيكون على هذا الحديثان جميعا مستعملين كل واحد منهما في موضع غير موضع صاحبه. وهذا في الصوم وأما في الفطر إذا غم هلال شوال فلا يفطر بالتقدير الذي يغلب فيه على الظن أن رمضان ناقص انتهى. وتفسير مالك هو الحق الذي لا غبار عليه وما عداه فيه ما فيه. وقد قال ابن رشد في المقدمات في كتاب الصيام: والصواب ما ذهب إليه مالك من تفسير حديث ابن عمر بحديث ابن عباس، لان التقدير يكون بمعنى التمام قال الله تعالى: * (قد جعل الله لكل شئ قدرا) * أي تماما انتهى الله تعالى أعلم. السابع: قال ابن عرفة: ابن حبيب: يجوز تقليد المؤذن العدل العارف فإن أكل في أذان سأله إن كان كذلك وإلا قضى. الباجي: من يحضر يؤذن مؤذنه عند الفجر في وجوب كفه بأذانهم وهو يرى أن الفجر ما طلع، وبعد أذانهم وهو يرى أن الشمس غربت، رواية ابن نافع وعيسى عن ابن القاسم في المدونة انتهى. وقال في النوادر قال ابن حبيب: ويجوز له تصديق المؤذن العدل العارف، فإن سمع الاذان وهو يأكل ولا علم له بالفجر فليكف وليسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله. فإن لم يكن عنده عدلا ولا عارفا فليقض، وإن كان في قضاء رمضان فليقض ويباح له فطر ذلك اليوم والتمادي، وإن كان في تطوع أتمه ولا قضاء عليه انتهى، وقول ابن حبيب: ولا علم عنده بالفجر يفهم منه أنه لو كان له علم اعتمد عليه فهو موافق لرواية عيسى عن ابن القاسم وهو الظاهر إذا أمن من الاطلاع عليه والاقتداء به والله أعلم. ص: (ولا يفطر منفرد بشوال ولو أمن الظهور إلا بمبيح) ش: يعني أن من انفرد برؤية هلال شوال فلا يجوز له الفطر، سواء خاف أن يظهر عليه أو أمن من الظهور عليه إلا أن يحصل له عذر يبيح الافطار من مرض أو سفر أو حيض فيجوز له الفطر. قال ابن ناجي في شرح المدونة: ولا خلاف في جوازه إذا كان العذر مما يخفى معه الفطر ونصه بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا أمن من الظهور: وكل هذا ما لم يكن عذر يخفى معه الفطر، فإن كان فلا خلاف في جوازه انتهى. قال ابن عبد السلام: ولو كان مرض يمكنه معه الصوم بلا مشقة فلير هو من نفسه المشقة ويفطر، وأما إذا لم يحصل عذر يبيح الافطار فلا يجوز له أن يفطر إذا

[ 293 ]

خاف أن يظهر عليه اتفاقا، وأما إذا أمن من الظهور فقال مالك في العتبية وغيرها: لا يجوز له الفطر وهو الصحيح لما قد يتطرق إليه من الاذى مع تحصيل غرض الشرع بالفطر بالنية، وقيل: إنه جائز قاله ابن الجلاب وحكاه ابن الحاجب فقال: لم يجز إفطاره على الاصح. واعترضه المصنف في توضيحه بقوله: لم أره منصوصا وإنما أخرجه اللخمي من مسألة الزوجين يشهد عليهما شاهدان بالطلاق ثلاثا والزوجان يعلمان أنهما شهدا بزور فقد قيل: إنه لا بأس أن يصيبها خفية، فالاكل مثله من باب أولى لان التخفي في الاكل أكثر من الجماع، وكذلك ابن عرفة لم ينقله إلا عن اللخمي وكأنهما لم يقفا على كلام ابن الحاجب. تنبيهات: الاول: هذا كله في الافطار بغير النية وأما الافطار بالنية فحكى ابن عرفة عن ابن رشد أن المذهب وجوبه، وعن ابن حبيب استحبابه وضعفه ونصه: والمنفرد بشوال في استحباب فطره حضرا بنية ووجوبه نقلا ابن رشد عن ابن حبيب مضعفا قوله والمذهب ويمنع بالاكل ولو أمن. اللخمي: لا يمنع أن أمن بحضر ولا بسفر مطلقا انتهى. وما ذكره عن ابن رشد هو في سماع أبي زيد ونصه: وأما إذا رأى هلال شوال وحده دون الناس وهو في جماعة فقال: إنه لا يجوز له أن يفطر إلا باجتماع من الناس، والفطر له فيما بينه وبين الله جائز بل هو الواجب عليه لنهيه عليه السلام عن صيام يوم الفطر لكنه حظره عليه لما فيه من تعريض نفسه للتهمة والعقوبة، ومثل هذا في المدونة والموطأ وغيرهما من الدواوين، وأبينه سماع أصبغ من طلاق السنة. واستحب ابن حبيب أن ينوي الفطر ولا يظهره، والصحيح أنه هو الواجب عليه وإن كان ذلك مخالفا للروايات، لان الصوم من أفعال القلوب فلا يجوز له أن يعتقده وهو يعلم أنه حرام انتهى. وقال ابن ناجي في شرحه الكبير: ونقل ابن يونس عن أشهب ولينو الفطر وهو محتمل للقولين انتهى. وقول ابن رشد وإن كان ذلك مخالفا للروايات يعني لظاهر الروايات في قولهم لا يجوز له الفطر وإلا فليس في الروايات ما يقتضي وجوب الامساك بالنية بل قالوا: إذا حصل عذر يبيح له الفطر أفطر بلا خلاف. وسيأتي في كلام ابن عبد السلام أن ذلك واجب، فدل على هذا على أن الامر بالامساك إنما هو في الظاهر فقط والله أعلم. الثاني: قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: وإن أمكنه أن يأكل عند طلوع الفجر أو عند الغروب فحسلانه إن ظهر عليه حينئذ لم ينسب إلى الغلط. الثالث: قال ابن عرفة: قال الباجي: يفطر المسافر وحده لاحتمال رؤية غيره، ولو علم عدم رؤية غيره وجب صومه. ابن زرقون: هذا وهم لان للمسافر الفطر إلا أن يريد سفر غير القصر، قال ابن عرفة: لعله تبع سماع أبي زيد لا يفطر مسافر في جماعة وإن كان بمغارة وحده أفطر. قلت: ما ذكره ابن زرقون ظاهر، وأما ما في سماع أبي زيد فيتعين حمله على أنه يريد أنه لا يجوز له أن يفطر على أن فطره للعيد، وأما إذا أصبح مفطرا على أن فطره للسفر فهذا هو الواجب عليه. قال ابن الحاجب: فإن كان عذر يخفيه كالسفر ونحوه أفطر. قال ابن عبد

[ 294 ]

السلام في شرحه: والحاصل أن الاصل وجوب الفطر عليه والمانع منه خشية نسبته إلى الفسق، فإذا زال المانع بقي الوجوب على ما كان عليه. ولم يتكلم ابن رشد على ما في سماع أبي زيد من جهة فطره للسفر بل تكلم على حكم من انفرد بهلال رمضان أو شوال وذكر كلامه الذي ذكرناه أولا والله أعلم. الرابع: فهم من كلام ابن عبد السلام أنه إذا حصل العذر وجب الافطار وهو ظاهر. الخامس: قال في التوضيح: فإن ظهر على من يأكل وقال رأيت الهلال فقال أشهب: يعاقب إن كان غير مأمون إلا أن يكون ذكر ذلك قبل وأودعه، وإن كان مأمونا لم يعاقب وتقدإليه أن لا يعود فإن فعل عوقب إلا أن يكون من أهل الدين والرضا. نقله اللخمي انتهى. وفي تبصرة اللخمي: إلا أن يكون من أهل الدين والرضا فلا يعاقب ويغلظ عليه في الموعظة انتهى. ص: (وفي تلفيق شاهد أوله لآخر آخره ولزومه بحكم المخالف بشاهد تردد) ش: ذكر مسألتين تردد المتأخرون في كل واحدة منهما. الاولى إذا شهد شاهد واحد في أول شهر من الشهور فلم يثبت ذلك الشهر بشهادته لانفراده، وشهد آخر في آخره برؤية الشهر الذي بعده على وجه يتضمن تصديق أحدهما للآخر، فهل تضم شهادة أحدهما للآخر أو لا تضم ؟ وذلك له صورتان، لان الشاهد الثاني إما أن يشهد بعد تسعة وعشرين من رؤية الاول أو بعد ثلاثين، فإن شهد بعد تسعة وعشرين يوما من رؤية الاول فشهادته مصدقة لشهادة الاول إذ لا يمكن رؤية الهلال بعد ثمانية وعشرين يوما، فإن كان ذلك في رمضان فقد اتفقت شهادتهما على أن اليوم الاول من رمضان فيلزم قضاؤه ولا يفطرون لان شهادة الاول لا توجب كون هذا اليو من شوال لجواز كون الشهر كاملا، وإن شهد الثاني بعد ثلاثين يوما من رؤية الاول فقد اتفقا على أن هذا اليوم من الشهر

[ 295 ]

الثاني فيجب الفطر إن كان ذلك في شوال، ولا يلزم قضاء اليوم الاول لانهما لم يتفقا على أنه من رمضان. إذا علم ذلك فقال يبن عمر: لا تلفق الشهادتان بحال. وقال بعضهم: تلفق الشهادة في الصورتين على قول من يلفق الشهادة في الافعال. وقال بعضهم: تلفق في الصورة الاولى دون الثانية. وقال بعضهم: بعكسه إن كانت رؤية الثاني في غيم وإلا بطلتا. قال ابن عرفة: وفي ضم منفرد لآخر فيما يليه ثالثها إن رآه ليلة ثلاثين لرؤية الاول لا أحد وثلاثين ورابعها عكسه، إن كانت رؤية الثاني في غيم وإلا بطلتا، وعزا القول الاول في كلامه وهو الضم مطلقا لتخريج ابن رشد على ضم الشهادتين الملفقتين فيما يوجبه الحكم، والقول الثاني وهو عدم الضم مطلقا ليحيى بن عمر، والقول الثالث لنقل ابن رشد عن بعضهم، والقول الرابع للخمي، وذكر المصنف في التوضيح عن ابن زرقون أنه قال: والصواب قول يحيى بن عمر: لا تلفق الشهادتان بحال. وقال في المقدمات: الصحيح عندي أنه لا فرق بين الصورتين وأنهما يتخرجان على القول في الشاهدين إذا اتفقا على ما يوجبه الحكم، واختلفا فيما شهدا به والمشهور أن شهادتهما لا تجوز. انتهى مختصرا ونقله في التوضيح. قلت: إذا علم فكان ينبغي للمصنف أن يقتصر على قول يحيى بن عمر لترجيح ابن رشد وابن زرقون له والله أعلم. . المسألة الثانية: إذا حكم المخالف في الصوم بشهادة واحد كالشافعي، فهل يلزم ذلك جميع الناس ولا يجوز لاحد مخالفته لانه حكم وافق محل الاجتهاد وقاله ابن راشد القفصي، أو لا يلزم المالكي الصوم في هذا لان ذلك فتوى وليس بحكم وقاله القرافي في الفرق الرابع والعشرين والمائتين ؟ وقال سند: لو حكم الامام بالصوم بشهادة واحد لم يسع العامة مخالفته لان حكمه صادف محل الاجتهاد، فوجب أن لا يخالف وفيه نظر يرجع إلى تحقيق الحكم، فإن الحاكم إنما حصل منه إثبات الشهادة فقط من غير زائد. وإذا قال الحاكم شهد عندي فلان وحده وقد أجزت شهادته وحكمت بالصوم تنزل ذلك منزلة فتوى لا حكم. انتهى باختصار. قال في التوضيح: ولم يقل ابن عطاء الله في هذا الفرع شيئا بل تردد فيه انتهى. قلت: وكلام سند يقتضي أنه متردد في ذلك أيضا انتهى. تنبيه: وانظر إذا قلنا يلزم المالكي الصوم كما قال ابن راشد فصام وأكملوا ثلاثين ولم ير الهلال فحكم الحاكم الشافعي بالفطر على الراجح عندهم، فهل يجوز للمالكي أن يفطر معهم ولو لم ير أحد الهلال أو يخالفهم في الفطر ويصبح صائما ؟ والذي يظهر أنه لا يجوز له الفطر وقد قال مالك في المدونة: ويقال لمن قال يصام بشهادة واحد أرأيت إن أغمي آخر الشهر كيف يصنعون أيفطرون أم يصومون واحدا وثلاثين ؟ فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان انتهى. وقد وقعت هذه المسألة وصمنا بحكم المخالف، فلما كانت ليلة أحد وثلاثين لم

[ 296 ]

ير الناس الهلال بعد الغروب فلم يلتفت الشافعية إلى ذلك وكبروا وصار العامة يسألون عن الفطر مع عدم رؤية الهلال فأقول لهم: قال الشافعية: يجوز الفطر. وعند المالكية لا يجوز الافطار فيقولون نحن لا نعمل، إلا على مذهب المالكية ثم لطف الله سبحانه فرؤي الهلال حين حصل ابتداء الظلام. ص: (ورؤيته نهارا للقابلة) ش: يعني أنه إذا رؤي الهلال نهارا فإنه إنما يحكم به لليلة القابلة فيستمر الناس على ما هم عليه من فطر إن وقع ذلك في آخر شعبان، أو صوم إن وقع في آخر رمضان، وسواء رؤبعد الزوال أو قبله على المشهور. وقيل: إن رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية فيمسكون إن وقع ذلك في شعبان، ويفطرون إن وقع في رمضان، ويصلون العيد رواه ابن حبيب عن مالك وقال به هو وغيره. قال: إذا رؤي بعد الزوال فهو للآتية سواء صليت الظهر أم لم تصل. تنبيه: فإذا رؤي الهلال نهارا ثم لم ير بعد الغروب لغيم أو غيره، فإن كان ذلك من يوم ثلاثين كما هو الغالب فلا يلتفت حينئذ إلى رؤيته ليلا لاكمال العدة، وإن وقع ذلك في يوم تسعة وعشرين فالظاهر من كلام أصحابنا أن الهلال يثبت برؤيته نهارا. وكلام القرافي في شرح الجلاب كالصريح في ذلك ويمكن أن يقال كلامهم إنما هو إذا وقع ذلك في يوم ثلاثين بدليل اختلافهم في كونه للقابلة أو للماضية، وإذا وقع في يوم تسعة وعشرين فلا قائل بأنه للماضية إذ لا يكون الشهر ثمانية وعشرين. وصرح الشافعية بأن ذلك لا يكفي عن رؤيته ليلة الثلاثين وأنه لا أثر لرؤيته نهارا فتأمله. ثم رأيت في مختصر الواضحة لابن حبيب أنه لا يرى في يوم تسع وعشرين إلا بعد الزوال ونصه: وهو يرى بعد الزوال يوم ثلاثين ويوم تسع وعشرين، ولا يرى قبل الزوال في يوم تسع وعشرين لانه للماضية ولا يكون هلالا قبل تمام تسع وعشرين. وإذا رؤي بالعشي يوم تسع وعشرين فإنما أهل ساعته انتهى وهو يقتضي أنه ثبتت رؤيته بذلك ولو لم ير بعد الغروب والله أعلم. ص: (وإن ثبت نهارا أمسك وإلا كفر إن انتهك) ش: يعني إذا لم يثبت الهلال ليلا وإنما ثبت نهارا فإنه يجب الامساك في ذلك اليوم على من أكل وعلى من لم يأكل وإن صومه غير صحيح لعدم النية المبيتة لحرمة رمضان ويجب قضاء ذلك اليوم. وإن بيت الصوم فيه على أنه من رمضان لعدم الجزم فإن أكل وشرب

[ 297 ]

أو جامع بعد ذلك، فإن كان عالما بحرمة ذلك وانتهك حرمة الشهر فعليه الكفارة. قاله في المدونة: وحكى ابن بشير وابن الحاجب قولا بعدم الكفارة وأنكره ابن عرفة وقال: لا أعرفه وإن فعل ذلك غير منتهك بل تأول أنه لما لم يصح صوم ذلك اليوم لعدم النية جاز له الفطر فلا كفارة عليه، ولم أقف على خلاف فيه وإلى هذا أشار بمفهوم الشرط، فهذا من التأويل القريب فيضم إلى المسائل التي يذكرها المصنف من التأويل القريب بعد هذا والله أعلم. ص: (وإن غيمت ولم ير فصبيحة يوم الشك) ش: غيمت بالبناء للفاعل يعني أنه إذا كانت السماء مغيمة ليلة ثلاثين ولم تثبت رؤية الهلال فصبيحة ذلك اليوم هو يوم الشك الذي ورد النهي عن صيامه، وأما إذا لم تكن السماء مغيمة فليس ذلك بيوم شك. وقال الشافعية: إذا أطبق الغيم فليس ذلك بيوم شك وإنما يوم الشك إذا لم يطبق الغيم وتحدث الناس برؤية الهلال ومال ابن عبد السلام إلى هذا. ص: (وصيم عادة) ش: يعني أنه يجوز صوم يوم الشك لمن كانت عادته سرد الصوم أو صوم يوم بعينه كالخميس والاثنين فوافق ذلك، وقاله في التوضيح. ص: (وتطوعا) ش: يعني أنه يجوز أن يصومه وحده بنية التطوع كما قال في الرسالة: ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل وهذا هو المشهور. وعن ابن مسلمة كراهة ذلك ونقل عنه اللخمي الجواز فلعل له قولين، وقال الشارح: إن ظاهر كلام الكافي أنه لا يجوز. وقال ابن ناجي إثر كلام صاحب الرسالة المتقدم: ظاهر كلامه سواء كان من شأنه أن يسرد الصوم أم لا انتهى. ص: (وقضاء) ش: أي كمن عليه صوم من رمضان فقضاه فيه فإنه يجوز، ثم إن لم يثبت كونه من رمضان فقد أجزأه، وإن ثبت أنه من رمضان لم يجزه عن القضاء ولا عن رمضان الحاضر وعليه قضاء يوم رمضان الحاضر وقضاء ما في ذمته. قال ابن عرفة: وفي إجزائه قضاء وإن ثبت كونه من رمضان خلاف يأتي انتهى. وكأنه يشير إلى مسألة صوم رمضان قضاء عن رمضان آخر وفيه ثلاثة أقوال، والمشهور أنه لا يجزئ عن واحد منهما وحكم كل صوم واجب كحكم القضاء. فلو نواه للكفارة أو نذر غير معين أجزأه إلا أن يثبت أنه من رمضان فلا يجزئه عن رمضان الحاضر ولا عما نواه وعليه قضاء يوم عن رمضان الحاضر ويقضي ما في ذمته من كفارة أو نذر أو فدية أو هدي كما صرح به صاحب التلقين وغيره، وإن كان النذر

[ 298 ]

معينا فهي التي أشار إليها المؤلف بقوله: ص: (ولنذر صادف) ش: والمعنى أنه يجوز صومه أيضا لنذر صادفه كمن نذر أن يصوم يوما أياما فوافق بعضها. كمن نذر أن يصوم يوم الاثنين أو الخميس فيوافق ذلك، أنذر أن يصوم يوم قدوم زيد فقدم ذلك اليوم فلا يجوز له صومه ويجزيه إن لم يثبت كونه من رمضان، فإن ثبت كونه من رمضان فإنه لا يحزئ عن النذر ولا عن الفرض وعليه قضاء يوم لرمضان الحاضر ولا قضاء عليه للنذر لكونه معينا وقد فات. قاله في التلقين واحترز بقوله: صادف مما لو نذر من حيث إنه يوم الشك فإنه لا يلزم لكونه نذر معصية. هكذا قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. قلت: وظاهره أنه لا يجوز له ذلك ويحرم عليه صومه كذلك لقوله: إنه معصية. ولعل هذا على القول بأن صوم يوم الشك احتياطا حرام وإلا فسيأتي أنه إذا صامه للاحتياط اختلف فيه، هل هو مكروه أو حرام فينبغي أن يكون صومه لنذره إياه كذلك مختلفا فيه، وأما عدم لزومه فلا إشكال فيه لكونه مكروها، ونذر المكروه غير لازم لكنه. لا يصير فعل ذلك المكروه حراما على أنه يشكل برابع النحر فإنه يكره صيامه تطوعا ويلزناذره بالتعيين، وكأنهم راعوا فيه الخلاف فتأمله والله أعلم. وهذا أيضا إذا قصد النذر من حيث كونه يوم الشك ليحتاط به. فلو قصد نذره بخصوصه من حيث كونه يجوز صومه تطوعا، فالظاهر أنه يلزمه ولهذا قال ابن عرفة لما نقل قول ابن عبد السلام: لو نذر يوم الشك من حيث هو يوم شك سقط لانه معصية. قلت: كون معصيت يرد بأن المشهور عدم كراهة صومه انتهى. يعني تطوعا. وكذلك نقله عنه ابن ناجي لكن يقال: مراد ابن عبد السلام إذا قصد نذره من حيث كونه يوم الشك ليحتاج به، والحاصل أنه يرجع في ذلك إلى نية الناذر. فإن نذر صوم يوم الشك من حيث كونه يوم الشك احتياطا فلا يلزمه لانه إما حرام أو مكروه وكلاهما لا يلزمه نذره، وإن نذره لا من تلك الحيثية أعني نذره لا للاحتياط فإنه يلزمه ويصح صومه، فإن تبين أنه من رمضان فالحكم ما تقدم عن التلقين والله أعلم. ص: (لا احتياطا) ش: راجع إلى أصل صيام يوم الشك لا لمسألة النذر وإن كان ذلك صحيحا في نفسه كما بيناه لكنه ليس مراد المصنف، وإنما مراده أن يكون الشك لا يصام لاجل الاحتياط للنهي عن ذلك وهو ما صححه الترمذي من

[ 299 ]

حديث عمار بن ياسر من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. ولم يبين المصنف كابن الحاجب حيث قال: والمنصوص النهي عن صيامه احتياطا للعمل هل النهي على الكراهة أو التحريم. قال في التوضيح: وظاهر الحديث التحريم وهو ظاهر ما نسبه اللخمي لمالك لانه قال: ومنعه مالك. وفي المدونة: ولا ينبغي صيام يوم الشك. وحملها أبو الحسن على المنع. وفي الجلاب: يكره صوم يوم الشك. وقال ابن عطاء الله: الكافة مجمعون على كراهة صومه احتياطا انتهى. ونحوه في ابن فرحون وزاد: وأجازت صومه احتياطا عائشة وأسماء، وأجازه ابن عمر وابن حنبل في الغيم دون الصحو. وقال ابن مسلمة: يكره أن يؤمر الناس بفطره لئلا يظن أنه يجب عليهم فطر قبل الصوم كم وجب بعده انتهى. وقال ابن عبد السلام: الظاهر أن النهي على التحريم لقوله: عصى أبا القاسم انتهى. وزاد أبو الحسن عن ابن يونس من الواضحة: ومن صامه حوطة ثم علم أن ذلك لا يجوز فليفطر متى ما علم انتهى. ونقله ابن عرفة عن الشيخ بلفظ آخر النهار. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وحمل أبو إسحاق المدونة على المنع انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: صوم يوم الشك في الحياطة من رمضان مكروه ولا يكره صومه تطوعا. وقال بعده: فقول المصنف: ولا يصام يوم الشك يريد على الكراهة لا على التحريم انتهى. ثم قال: وقيل يصام احتياطا ولا أعلمه في المذهب انتهى. وخرج اللخمي وجوب صوم يوم الشك من مسألة الشاك في الفجر ومن الحائض إذا جاوزت عادتها. ورد عليه ذلك ابن بشير وغيره وبحث في ذلك ابن عرفة فلينظره من أراده. فرع: قال الفاكهاني: اتفقوا إذا كانت السماء مصحية على كراهة صومه احتياطا إذ لا وجه للاحتياط في الصحو وإنما الخلاف المتقدم إذا كان الغيم انتهى. ص: (وندب إمساكه ليتحقق) ش: يعني أنه يستحب الامساك عن الافطار في يوم الشك إلى أن يتحقق الامر بأن يأتي المسافرون من نواحي البلد وينتشر الناس وتسمع الاخبار. قال ابن عبد السلام: فإن ارتفع النهار ولم يظهر موجب الصيام أفطر الناس. ووقع في الرواية ما ظاهره الكف جميع النهار وهو بعيد إذ ذاك في صورة صيام يوم الشك احتياطا بأنه من رمضان وهو خلاف المذهب انتهى. قال

[ 300 ]

ابن عرفة: قول ابن عبد السلام: الرواية ظاهرها الكف جميع النهار لا أعرفه انتهى. قلت: قال القرطبي في شرح مسلم: يستحب إمساك جميع النهار والله أعلم. ص: (لا لتزكية شاهدين) ش: يعني أنه إذا شهد برؤية الهلال شاهدان واحتاج الحال إلى تزكيتهما فلا يستحب الامساك لذلك‍. وهذا الفرع نقله في النوادر عن ابن عبد الحكم ولفظه: قال ابن عبد الحكم: ولو شهد شاهدان في رؤية الهلال فاحتاج القاضي إلى الكشف عنهما وذلك يتأخير، فليس على الناس صيام ذلك اليوم، فإن زكوا بعد ذلك أمر الناس بالقضاء، وإن كان في الفطر فلا شئ عليهم فيما صاموا انتهى. تنبيه: تأمل هذا الكلام فإن الذي يتبادر منه عندي أنه إذا شهد عند القاضي عدلان في الليل واحتاج الحال إلى تزكيتهما وكان ذلك يتأخر إلى النهار، فليس على الناس أن يبيتوا الصيام. وعلى تقدير كون ذلك فيما إذا شهد الشهود نهارا فظاهر الرواية أن المنفي وجوب الصيام لا استحباب الامساك. وعلى تسليم أن المراد نفي الوجوب والاستحباب فقيد ذلك في الرواية بأن يتأخر ذلك. والذي يفهم منه أنه إذا كان ذلك يحتاج إلى طول، وأما لو شهد شاهدان عند القاضي برؤية الهلال نهارا فطلب القاضي تزكيتهما وكان ذلك أمرا قريبا فاستحباب الامساك متعين بل هو أوكد من الامساك في الفرع السابق، لانه إذا أمر بالامساك لاحتمال أن يأتي من يشهد بالهلال فمن باب أحرى إذا شهد به وتوقف الحال على تزكية الشاهدين وكان ذلك أمرا قريبا قدر ما يستحب الامساك إلى أن يرتفع النهار ويأتي الناس. وعلى هذا فيتعين حمل كلام المصنف على ما إذا كان في تزكيتهما طول كما في الرواية، وقد أشار إلى ذلك الشارح في الكبير فقال: ظاهر كلام المصنف الاطلاق وينبغي أن يقيد بما إذا كان أمر الشاهدين في التزكية يتأخر ليوافق المنقول والله أعلم. ص: (أو زوال عذر مبيح له الفطر مع العلم برمضان) ش: يعني أن من كان له عذر يبيح له الافطار مع العلم برمضان

[ 301 ]

فأصبح مفطرا لذلك ثم زال عذره فإنه لا يستحب له الامساك في بقية يومه كالحائض تطهر، والمسافر إذا قدم مفطرا، والمجنون إذا أفاق، والصبي إذا احتلم وكان مفطرا فإنه لا يستحب لهم الامساك في بقية يومهم. واختلف في المغمى عليه يفيق بعد الفجر فقال ابن حبيب: لا يمسك بقية يومه ذلك، والذي يقتضيه المذهب أنه يمسكه لانه صوم مختلف فيه هل يجزئه أم لا انتهى. تنبيهان: الاول: إذا أصبح الصبي صائما ثم احتلم فإنه يتمادى على صومه لانه قد انعقد نافلة. قاله في الطراز. الثاني: يدخل في كلام المصنف من أكره على الافطار وقد صرح صاحب الطراز وابن يونس وصاحب النوادر بأنه يجب عليه الكف بعد زوال الاكراه. ص: (كمضطر) ش: يعني أن من أصبح صائما ثم حصلت له ضرورة اقتضت فطره من جوع أو عطش، فهل له أن يستديم الفطر بقية يومه ولو بالجماع ؟ أجاز ذلك سحنون. وقال ابن حبيب: يزيل ضرورته فقط. قال اللخمي: والاول أقيس لانه أفطر لوجه مباح قياسا على المستعطش إذا كان يعلم أنه لا يوفي بصيامه إلا أن يشرب في نهاره مرة واحدة فإن له أن يبيت الفطر ويأكل ويصيب أهله. ولو كان برجل مرض يحتاج من الدواء في نهاره إلى الشئ اليسير يشربه لم يؤمر بالصيام ولا بالكف عما سوى ما يضطر إليه انتهى. والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في مسألة المضطر لاكل الميتة. قال في التوضيح: أي إن قلنا له أن يشبع ويتزود وهو المشهور جاز له التمادي يعني في هذه المسألة، وعلى قول ابن حبيب: إنه إنما يأكل قدر سد رمقه يريد هنا ضرورته انتهى. وقال البرزلي: والمشهور في مسألة الميتة أنه يأكل ويشبع ويتزود وكذا هنا يشرب حتى يشبع ويأكل ويجامع إن شاء انتهى. ذكر ذلك إثر سؤال سئل عنه ابن رشد ونصه: سئل ابن رشد عمن يصيبه العطش الشديد فيشرب هل يأكل بعده ويجامع في بقية يومه أم لا ؟ فأجاب:

[ 302 ]

اختلف فيه والصحيح أن عليه القضاء والكفارة إلا أن يتأول ويرى جوازه. قال البرزلي قلت: ما اختاره هو قول ابن حبيب فيه. وفمسألة الميتة أنه يأكل ما يسد رمقه خاصة والمشهور أنه يأكل ويشبع ويتزود. وكذا هنا يشرب حتى يشبع ويأكل ويجامع إن شاء. وفي المدونة: إذا احتاج لركوب الهدية ركبها وليس عليه أن ينزل إذا استراح، وكذا إذا أبيح له تزويج الامة بالشرطين فالمشهور أنه صار أهلا لتزويجها، وكذا من حلف بطلاق من يتزوج إلى سنين يدركها ثم خاف العنت فإنه إذا أبيح له مرة فقد سقطت يمينه انتهى. قلت: وعلى المشهور من أن له أن يجامع فليشترط أن يكون التي يجامعها كتابية أو طهرت في ذلك اليوم أو صغيرة ولم تكن صائمة، وهذا ظاهر كما سيأتي والله أعلم. ص: (فلقادم وطئ زوجة طهرت) ش: يعني أن القادم من سفر قصر نهارا إذا بيت الافطار ووجد زوجته قد طهرت في ذلك اليوم من حيضها فله وطؤها في نهار رمضان لان كل واحد منهما زال عذره المبيح له الفطر مع العلم برمضان. ومثل ذلك ما إذا كانت زوجته صغيرة ولم تصم كما صرح بذلك اللخمي. وانظر إذا كانت صغيرة وبيتت الصوم، هل يجوز له إبطال صومتها ؟ وإذا كانت زوجته كبيرة جاز له وطؤها على ظاهر المذهب سواء كانت طاهرة قبل ذلك أو طهرت يوم قدومه. قال في التوضيح: واختلف إذا كانت زوجته نصرانية وظاهر المذهب الجواز لانها ليست بصائمة. وقال ابن شعبان، لا يجوز وإن وجدها بإثر الطهر لانها متعدية بترك الاسلام وقال بعض فقهائنا: يجوز أن يطأها إذا كانت كما طهرت كما لو كانت مسلمة ولا يطؤها إذا كانت طاهرا قبل قدومه. قال في الكبير: وفي كلام مناقشة لانه إن أراد بقوله: زوجته المسلمة فلا وجه لتخصيصها بالحكم لما علمت أن ظاهر المذهب التساوي بين المسلمة والكتابية، وإن أراد الاطلاق فلا يستقيم التقييد بالطهر حين قدومه لان ظاهر المذهب جواز وطئها، وإن أراد التخصيص في قوله: طهرت دون ما قبله فبعيد وفيه تكلف انتهى. ص: (وكف لسان) ش: يعني أنه يستحب للصائم أن يكف لسانه عن الاكثار من الكلام المباح والكلام بغير ذكر الله سبحانه. وأما كف اللسان عن الغيبة والنميمة والكلام الفاحش فواجب في غير الصوم ويتأكد وجوبه في الصوم ولكنه لا يبطل به الصوم والله أعلم.

[ 303 ]

تنبيهات: الاول: لا يقال مراد المصنف أنه مستحب بالنسبة إلى الصوم إذا يصح الصوم بدونه، ولكنه غير كامل أو لا يترتب عليه ثواب كما سيأتي. وبالكف يحصل كمال الصوم لانا نقول صحة الصوم مع عدم الكف لا تصيره مستحبا بل هو باق على وجوبه لكنه ليس بشرط في صحة الصوم. وقد قال ابن ناجي وغيره في شرح الرسالة: ينبغي هنا للوجوب قال: وإنما خص رمضان وإن كان غيره كذلك لان المعصية تغلظ بحسب الزمان والمكان انتهى. وأما ما ذكره الشيخ يوسف بن عمر عن بعض الشيوخ فغير ظاهر فتأمله. ونص ما ذكره عن بعض الشيوخ أنه قال في شرح قول الرسالة: وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ينبغي على بابه لان كف اللسان عن المعصية والنميمة وغير ذلك وإن كان واجبا إلا أنه لما كان لا تأثير له في فساد الصوم حمل على الاستحباب. الثاني: روي عن أنس عن رسول الله (ص): قال: خمس يفطرن الصائم: الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة ذكره في الاحياء: قال العراقي في تخريجه: رواه الازدي في الضعفاء. وقال في الاحياء: قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم وعن مجاهد: خصلتان يفسدان الصوم الغيبة والكذب انتهى. قال الفسطلاني في شرح البخاري: والجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم ثم ذكر ما ذكره في الاحياء عن سفيان ومجاهد ثم قال: والمعروف عن مجاهد: خصلتان من حفظهما سلم له صومه الغيبة والكذب. رواه ابن أبي شيبة. ثم نقل عن السبكي أن ملابسة المعاصي تمنع ثواب الصوم إجماعا. قال: وفيه نظر لمشقة الاحتراز. نعم إن كثر توجهت المقالة انتهى. قلت: يشهد لما حكاه السبكي حديث البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه وروى أصحاب السنن ورواه الطبراني بلفظ: من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه ذكره في الترغيب والترهيب. وحديث ابن ماجه والنسائي: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرط البخاري وابن حبان في صحيحه ذكره في الترغيب أيضا. الثالث: ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم هذا لفظ

[ 304 ]

البخاري. والرفث يراد به الجماع والفحش من القول. وخطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع. قال صاحب الترغيب: وقال كثير من العلماء: المراد به في هذا الحديث الفحش وردئ الكلام انتهى. والصخب الصياح. واختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: فليقل إني صائم فقيل إنه يقوله بلسانه ويسمع ذلك للذي شتمه لعله ينزجرر. وقيل: بقوله بقلبه لينكف به عن المشاتمة. قال النووي في الاذكار: والاول أظهر انتهى. قلت: وهو الذي يظهر من كلام ابن حبيب في الواضحة فإنه قال بعد أن ذكر الحديث بلفظ: فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم قال عبد الملك: يعني أن الصيام يحجرني عن الرد عليك انتهى. قال النووي: ومعنى شاتمه أظهر شتمه متعرضا لمشاتمته. وقال في العارضة في قوله عليه السلام: إن جهل على أحدكم جاهل فليقل إني صائم لم يختلفوا أنه يصرح بذلك في الفريضة واختلفوا في التطوع. والاصح أنه لا يصرح به وليقل لنفسه إني صائم فكيف أقول الرفث انتهى. وانظر حاشية الموطأ للجلال السيوطي. وقال في جامع الامهات للسنوسي: روى أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم إني قمت رمضان كله وصمته كله فلا أدري أكره التزكية أو قال لا بد من نومة أو رقدة. ولا بأس أن يقول الرجل إني صائم معتذرا ولا يقوله متحدثا ولا متزينا انتهى. ص: (وتعجيل فطر وتأخير سحور) ش: قال في التنبيهات: السحور والفطور بفتح أولهما اسم لما يتسحر به ويفطر عليه كالسعوط والوقود. وبالضم للفعل. قال ابن الانباري: وأجاز بعضهم الفتح في الوجهين والاول هو المعروف الذي عليه أهل اللغة. انتهى. وقال النووي: السحور في سينه الفتح والضم. وقال الابي: بالفتح اسم لما يتسحر به من الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل، والصواب الفتح لان البركة في الفعل لا في الطعام يشير إلى قوله (ص): تسحروا فإن في السحور بركة ومعنى كلام المصنف أنه يستحب للصائم أن يعجل الفطر وأن يؤخر السحور وما ذكره المصنف من الاستحباب صرح به اللخمي وغيره وجعل ذلك في الرسالة سنة فقال: ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور. قال أبو الحسن في الكبير قال الحفيد: أجمعوا على أن من سنن الصوم

[ 305 ]

تأخير السحور وتعجيل الفطر انتهى. وقال صاحب الجواهر: تعجيل الفطر سنة وتأخير السحور مستحب والامر فذلك قريب والاصل في ذلك ما ورد في الصحيحين أن رسول (ص) قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. وفي سنن الترمذي قال رسول الله (ص): قال الله تعالى: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا وروى مالك في الموطأ: من عمل النبوة تعجيل الفطر والاستيناء بالسحور. وفي صحيح البخاري ومسلم أنه كان بين فراغه من سحوره ودخوله في صلاة الصبح قدر قراءة خمسين آية. وروى الامام أحمد بسنده من حديث أبي ذر أن رسول الله (ص) قال: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور. والمراد بتعجيل الفطر أن يكون ذلك بعد تحقق الغروب وعدم الشك فيه لانه إذا شك في الغروب حرم عليه الفطر اتفاقا. وفي النوادر قال ابن نافع عن مالك: وإذا غشيتهم الظلمة فلا يفطروا حتى يوقنوا بالغروب انتهى. وكذلك يستحب تأخير السحور ما لم يدخل إلى الشك في الفجر. قاله في المجموعة. تنبيهات: الاول: هل المطلوب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب أو بعدها ؟ قال الباجي في المنتقى لما تكلم على وقت المغرب في شرح قول عمر رضي الله عنه المغرب إذا غربت الشمس: لا خلاف بين أهل السنة أن تعجيلها في أول الوقت مستحب لانها تصادف الناس متهيئين لها ورفقا بالصائم الذي شرع له تعجيل الفطر بعد أداء صلاته انتهى. وفي كتاب الصيام من الموطأ مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حيث ينظران إلى الليل الاسود قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان انتهى. وفي النوادر عن ابن حبيب: ولا ينبغي تأخير الفطر حتى يرى النجوم، ولا بأس لمن رأى سواد الليل أن يفطر قبل أن يؤذن ويصلي إذا رأى سواد الليل قد طلع من موضع يطلع منه الفجر تنبعث منه الظلمة انتهى. وفي سنن أبي داود عن أنس قال: كان رسول الله (ص) يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء، فهذا الحديث يخالف كلام الباجي وما تقدم عن الموطأ إلا أن يحمل هذا على الفطر بالشئ اليسير. وكلام الباجي وما في الموطأ على أن المراد به العشاء وهذا هو الظاهر. وقد قال في العارضة: كان النبي (ص) يفطر قبل أن يصلي على شئ يسير لا يشغله عن الصلاة. وقال الجزولي: إنه يفطر بالشئ اليسير ويصلي وحينئذ يأكل لانه يستحب له تعجيل الفطر قبل الصلاة ولو بالماء انتهى. وروى ابن عبد البر في التمهيد عن أنس قال: ما رأيت رسول الله (ص) يصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء. ذكره في شرح

[ 306 ]

الحديث الخامس لعبد الرحمن بن حرملة هذا هو الظاهر الذي عليه عمل الناس والله أعلم. الثاني: تقدم في الحديث ما يفط عليه وهكذا قال القرطبي في تفسيره إنه يستحب الفطر على رطبات أو تمرات أو حسوات من ماء وذكر الحديث. وعد القاضي عياض والشبيبي وغيرهما من مستحبات الصوم: ابتداء الفطر على التمر أو الماء. وقال في القرطبية من سنن الصوم وقت الفطر تعجيله بالماء أو بالتمر قال الشيخ زروق في شرحها: من سنن الصوم تعجيل رفقا بالضعفاء واستحبابا للنفس ومخالفة لليهود، وكونه بالتمر أو ما في معناه من الحلاوات لانه يرد للبصر ما زاغ منه بالصوم كما حدث به وهب، فإن لم يكن فالماء لانه طهور انتهى. فتقديم الماء على التمر في قول الناظم تعجيله بالتمر أو بالماء إنما هو لاجل الوزن. وقال الدميري من الشافعية في شرح المنهاج، ظاهر الحديث أنه لا بد من ثلاث تمرات وبذلك صرح القاضي أبو الطيب ونقله عز الدين ونق له عن الشيخ محب الدين الطبري القصد أن لا يدخل جوفه شيئا قبله قال: ومن بمكة استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته فإن جمع بينه وبين التمر فحسن. قال: والحكمة في التمر أن الصوم يفرق البصر والتمر يجمعه ولهذا قال الروياني: فإن لم يجد التمر فعلى حلاوة أخرى، فإن لم يجد فعلى الماء. قال القاضي حسين: والاولى في زماننا أن يفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر لان الشبهات قد كثرت في أيدي الناس. قال النووي: وما قاله الروياني والقاضي شاذ والصواب التمر ثم الماء. قال الحليمي: الاولى أن لا يفطر على شئ مسته النار وذكر فيه حديثا انتهى. كلام الدميري. وقال الجزولي: إن كان عنده حلال ومتشابه أفطر بالحلال ولا يفطر بالمتشابه لانه جاء في الحديث: إن لله في كل ليلة من رمضان سبعمائة عتيق من النار إلا من اغتاب مسلما أو آذاه أو شرب خمرا أو أفطر على حرام انتهى. الثالث: في سنن أبي داود أنه (ص) كان يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وأنه كان يقول: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الاجر إن شاء الله وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية ويقول عند الفطر: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت أو غير ذلك فإن للصائم دعوة مستجابة قيل: بين رفع اللقمة ووضعها في فيه والله أعلم. قلت: ولم أقف على الزيادة التي ذكرها الشيخ زروق أعني قوله: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت قال في الاذكار: والظمأ مقصور مهموز وهو العطش قال الله تعالى: * (لا يصيبهم ظمأ) * قال: وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرا لاني رأيت من أشتبه عليه فتوهمه ممدودا قال: وروينا في سنن أبي داود وابن السني عن معاذ بن زهرة قال: كان رسول الله (ص) إذا أفطر قال: الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت. قال: وروينا في كتاب ابن

[ 307 ]

السني عن ابن عباس قال: كان النبي (ص) إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم. وأما حديث للصائم دعوة مستجابة فقال النووي: روينا في كتابي ابن ماجة وابن السني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله (ص) إذا أفطر يقول: إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله ابن عمر وإذا أفطر يقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ أن تغفر لي انتهى. زاد في الترغيب في رواية: أن تغفر لي ذنوبي. وقال: رواه البيهقي قال في الاذكار: وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والامام العادل ودعوة المظلوم. قال الترمذي: حديث حسن. قال النووي: الرواية حتى بالمثناة فوق. قلت: ذكره في الترغيب وذكر فيه رواية حين بالمثناة والنون والله أعلم. الرابع: قال في العارضة في قوله عليه الصلاة والسلام: للصائم فرحتان فرحو عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه الفرحة عند إفطاره بلذة الغذاء عند الفقهاء، وبخلوص الصوم من الرفث واللغو عند الفقراء.، وفرحة عند لقاء ربه بما يرى من الثواب وليس هذا لمن أدى الفرض وإنما هو لمن أكثر من التطوع انتهى. وما قاله من التخصيص غير ظاهر ولا يوافق عليه والله أعلم. الخامس: قال ابن ناجي في شرح الرسالة قال الباجي: تعجيل الفطر هو أن لا يؤخر بعد الغروب على وجه التشديد والمبالغة واعتقاد أنه لا يجوز الفطر عند الغروب على حسب ما يفعله اليهود، وأما من أخره لامر عارض أو اختيارا مع اعتقاد أنه لا يجوز الفطر عند الغروب على حسب ما يفعله اليهود، وأما من أخره لامر آخر اختيارا مع اعتقاد أن صومه قد كمل بغروب الشمس فلا يكره له ذلك. رواه ابن نافع في المجموعة انتهى. وقال في النوادر قال أشهب: وواسع تعجيل الفطر وتأخيره للحاجة تنوب ويكره أن يؤخره تنطعا يتقي أن لا يجزئه وهو معنى الحديث في أن لا يؤخر ثم قال: وإنما يكره تأخير الفطر استنانا وتدينا فأما لغير ذلك فلا. كذلك قاله أصحاب مالك انتهى. السادس: قال ابن ناجي في شرح المدونة: اختلف في التأخير إذا أراد الوصال فقيل جائز

[ 308 ]

وقيل لا. وكلاهما حكاه اللخمي، واختار جوازه إلى التسحير وكراهيته إلى الليلة القابلة انتهى. وقال ابن عرفة: وكره مالك الوصال ولو إلى السحر. اللخمي: هو إليه مباح للحديث من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحور انتهى. وقال في الاكمال قال بعض العلماء: الامساك بعد الغروب لا يجوز وهو كالامساك يوم الفطر ويوم النحر وقال بعضهم: هو جائز وله أجر الصائم واحتج هؤلاء بأن في أحاديث الوصال ما يدل على أن النهي عن ذلك تخفيف. ثم ذكر عن ابن وهب إجازته وعن مالك كراهته. وقال اللخمي: اختلف في الامساك بعد الغروب بنية الصوم فقيل غير جائز وهو بمنزلة الامساك يوم الفطر ويوم النحر. وقيل ذلك جائز وله أجر الصائم انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن القول الاول يقول: إن الامساك حرام فيكون مخالفا لقول مالك بأن الوصال مكروه والله أعلم. السابع: قال ابن ناجي في شرح المدونة قال عياض: اختلف إذا حضرت الصلاة والطعام فذهب الشافعي إلى تقديم الطعام وذكر نحوه ابن حبيب. وحكى ابن المنذر عن مالك أنه يبدأ بالصلاة إلا أن يكون الطعام خفيفا. قلت: الاقرب ردهما إلى وفاق وهو البداءة بالصلاة إن لم يكن بتشوق للطعام فيكون الخلاف خلافا في حال. وبهذا التفصيل كان شيخنا الشبيبي يفتي انتهى. قلت: ما ذكره عن عياض ذكره في الاكمال في شرح قوله (ص): لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافع الاخبثين وقوله عليه الصلاة والسلام: إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب قال القاضي عياض: ووقع في غير مسلم في غير هذا الحديث زيادة حسنة تفسر المعنى. وقوله (ص): إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدؤا به قبل أن تصلوا وألزم الدارقطني مسلما إخراجه قال: إلا أن يكون لم يبلغ مسلما. وما ذكره الابي عن شيخه ذكر المازري نحوه فقال لما ذكر الحديثين المتقدمين: معناه أن به من الشهوة إلى الطعام ما يشغله عن صلاته فصار ذلك بمنزلة الحقن الذي أمر بإزالته قبل الصلاة انتهى. وقال في الطراز في باب الصلاة بالحقن: ومن بلغ به الجوع ثم حضر الطعام والصلاة

[ 309 ]

فليبدأ بقضاء حاجته من الطعام لانه يتفرغ بذلك للصلاة، فإن بدأ بالصلاة فإن كان باله مشغولا بحيث لا يدري ما صلى يعيد ذلك أبدا، وإن كان دون ذلك ولكن يقلقه ويعجله فحسن أن يعيد في الوقت وإن كان إنما تتوق نفسه إلى الطعام من غير أن يشغله فلا شئ عليه. انتهى باختصار. وقال الجزولي: إذا حضر الطعام والصلاة فإن كان يخاف أن يشغله قدم الطعام، وإن علم أنه لا يشغله أفطر منه بشئ يسير وصلى لانه يستحب الفطر قبل الصلاة ولو بالماء انتهى. الثامن: ذكر المصنف حكم تعجيل السحور ولم يذكر حكم السحور، وقد عده القاضي عياض في قواعده في سنن الصوم. وقال في الاكمال: أجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب انتهى. وقال اللخمي: السحور الاكل عند السحر ولا خلاف أن السحور مستحب غير واجب انتهى. ونقله الشيخ أبو الحسن في الكبير وقد ورد في الحث عليه أحاديث كثيرة ففي الصحيحين قال رسول الله (ص): تسحروا فإن في السحور بركة وفي صحيح مسلم فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر. التاسع: قال في الاكمال: قوله فإن في السحور بركة أصل البركة الزيادة وقد تكون هذه البركة القوة على الصيام وقد جاء كذلك مفسرا في بعض الآثار، وقد تكون الزيادة في الاكل على الافطار وهو مما اختصت به هذه الامة في صومها، وقد تكون البركة في زيادة الاوقات المختصة بالفضل وهذا منها لانه في السحر، وقد جاء في فضل ذلك الوقت وقبول الدعاء والعمل فيه وتنزل الرحمة ما جاء. وقد تكون البركة ما يتعلق بالسحر من ذكر وصلاة واستغفار وغيره من زيادات الاعمال التي لولا القيام للسحور لكان الانسان نائما عنها وتاركا لها. وتجديد النية للصوم ليخرج من الخلاف والسحور نفسه بنية الصوم وامتثال الندب طاعة وزيادة في العمل انتهى. العاشر: قال في الاكمال أيضا. وقوله: فصل ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحر صوابه بفتح الهمزة والرواية فيه بضمها. وبالضم إنما هو بمعنى اللقمة الواحدة، وبالفتح الاكل مرة واحدة وهو الاشبه هنا والفصل بالصاد المهملة الفرق بين الشيئين انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة والرسالة قال التادلي: فيما قاله نظر والاشبه ما في الرواية لما فيه من التنبيه على قلة الاكل باللقمة الواحدة بخلاف الاكل مرة واحدة فإنه قد يكون فيها الطعام

[ 310 ]

الكثير والشبع المذموم انتهى. وقال النووي: ضبطه الجمهور بفتح الهمزة وهي الرواية المشهورة في رواية بلادنا. وقال القاضي عياض: إن الرواية فيه بالضم ولعله يريد في رواية بلادهم انتهى. الحادي عشر: قد تقدم أن السحور الاكل وقت السحر. قال النووي في شرح المهذب: ووقته من نصف الليل إلى طلوع الفجر انتهى. وقال في النوادر: ويستحب تأخير السحور ما لم يؤخر إلى الشك في الفجر، ومن عجله فواسع يرجى له من الاجر ما يرجى لمن أخره إلى آخر أوقاته انتهى. ويحصل السحور بقليل الاكل وكثيره ولو بالماء لما روى ابن حبان أن النبي (ص) تسحروا ولو بجرعة من ماء والله أعلم. فائدة: قال ابن ناجي: وقعت نازلة ببغداد في رجل حلف بالطلاق وهو صائم أن لا يفطر على حار ولا بارد فأفتى ابن الصباغ أمام الشافعية بحنثه إذ لا بد له من أحدهما. وأفتى الشيرازي بعدم حنثه قائلا إنه يفطر على غيرهما وهو حصول الليل لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم وفتوى ابن الصباغ أشبه بمذهب مالك لانه يعتبر المقاصد، وفتوى الشيرازي صريح مذهب الشافعي انتهى. ص: (وصوم بسفر وإن علم دخوله بعد الفجر) ش: يعني أن الصوم في السفر الذي يجوز فيه الافطار أفضل من الافطار، يريد لمن قوي على ذلك وهذا هو المشهور لقوله تعالى: * (وإن تصوموا خير لكم) * ولان الصوم في رمضان أكثر أجرا لانه أشد حرمة بدليل أن من أفطر في رمضان عليه الكفارة ولا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان. وقد صرح في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم بأن مالكا يستحب الصوم في السفر ويكره الافطار. وقوله وإن علم دخوله بعد الفجر يعني به أن المسافر لا يجب عليه الصوم وإن علم أنه يدخل إلى بلده بعد الفجر في أول النهار بل هو باق على استحباب الصوم. تنبيه: لا فرق على المشهور بين أن يدخل بلده في أول النهار أو في آخره. وقال في الطراز: إن علم أنه يدخل في آخر النهار لم يكن عليه أن يبيت الصوم ولا يندب إلى ذلك

[ 311 ]

كما يندب إليه الاول. قاله مالك في المختصر وقاله في المجموعة. ابن الماجشون وأشهب وابن وهب وابن نافع انتهى. قلت: وهذا يأتي على مقابل المشهور الذي يستحب الافطار في السفر، ولعل هذا مراد صاحب الطراز كما يفهم من قوله: كما يندب إليه الاول فيفهم من كلامه أن الذي يدخل في أول النهار يندب له الصوم حتى على قول ابن الماجشون فتأمله. وسيأتي بيان السفر الذي يجوز فيه الافطار. واستحب ابن الماجشون الفطر لقوله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ولحديث أبي داود وليس من البر الصيام في السفر ولحديث أن الله يحب أن تؤتى رخصه ولمالك في المختصر: ذلك واسع صام أو أفطر. وعن ابن حبيب يستحب الافطار إلا في سفر الجهاد، وذكره ابن عرفة. فتحصل في ذلك أربعة أقوال. والفرق على المشهور بين الافطار والقصر أن القصر تبرأ معه ذمة المكلف بخلاف الفطر وأيضا فإن صومه مع الناس أسهل من الانفراد في صومه غالبا. وأما الآية والحديث فمحمولان على من كان يحصل له من الصوم مشقة شديدة بدليل أن في صدر الحديث أنه رأى رجلا يظلل عليه فقال عليه الصلاة والسلام ذلك. فائدة: روي الحديث المذكور بإبدال لام التعريف في قول البر والصيام والسفر ميما وهي لغة حمير. ص: (وصوم عرفة إن لم يحج) ش: يعني أنه يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج لقوله (ص): يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده رواه مسلم وأبو داود. وأما إن حج فيكره له صومه لحديث أبي داود. نهى عليه الصلاة والسلام عن صيام عرفة بعرفة ولانه صح أنه عليه الصلاة والسلام كان فيه مفطرا. قال في المتيطية: ويكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا وهو حسن لغير الحاج لان بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف، وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه فلذلك كره انتهى. وقوله في المتيطية: بمنى يعني في يوم التروية يسمى عند المغاربة

[ 312 ]

يوم منى، وصومه مستحب كما قاله في الرسالة وغيرها فإنه قال ابن يونس وصاحب الذخيرة: ورد أنه كصيام سنة. ونحوه في المقدمات قال: وصيام عشر ذي الحجة ومنى وعرفة مرغب فيه. وروي أن صيام يوم عرفة كصيام سنتين وأن صوم يوم منى كصوم سنة، وأن صوم يوم من سائر أيام العشر كصيام شهر انتهى. وقال في التوضيح: روى ابن حبيب في واضحته عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال صوم يوم التروية كصوم سنة وهو حديث مرسل. وأما غير التروية من أيام منى فالمطلوع فيه الافطار كما سيأتي. ص: (وعشر ذي الحج) ش: يعني أنه يستحب صيام عشر ذي الحجة لانه روي أن صيام يوم منها كصيام شهر هكذا قال في المقدمات. وقال في الذخيرة: روي أن صيام كل منها يعدل سنة. قال في المقدمات: وقيل في قوله تعالى * (وليال عشر) * أنها عشر ذي الحجة وأن الشفع يوم النحر وأن الوتر يوم عرفة. وفي قوله * (وشاهد ومشهود) * أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، والمراد بعشر ذي الحجة التسعة الايام من أول الشهر. قاله في الشرح الكبير وهو ظاهر إذ لا يصام يوم النجر. وعطفه على يوم عرفة من عطف الكل على الجزء عكس ما فعل القاضي عياض في قواعده فإنه قال في الصيام المستحب: والعشر الاول من ذي الحجة وصوم يوم عرفة. قال القباب: هو من باب عطف الجزء على الكل لانه آخره وهو آخر ما يصام منها. ومراده بقوله صوم يوم العشر التسع خاصة وهو معظم العشر ويجوز إطلاق الكل والمراد البعض انتهى. وهذا لغير الحاج وأما الحاج فيصوم سبعة فقط لانه قد تقدم في كلام المتيطي أنه يكره الصوم بعرفة ومنى للحاج وأن المراد بمنى يوم التروية. تنبيه: قال في المواهب اللدنية عن هبة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي (ص) قالت: كان رسول الله (ص) يصوم تسع ذي الحجة. رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله (ص) صائما في العشر قطا. رواه مسلم والترمذي. وهذا يوهم كراهة صوم العشر وليس فيها كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد ثبت في صحيح البخاري أنه (ص) قال ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني العشر الاول من ذي الحجة. ثم قال: وقد ثبتت الفضيلة لايام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة. وتظهر فضيلة ذلك فيمن نذر الصيام أو عملا من الاعمال بأفضل الايام فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لانه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور. ثم قال: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة إمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصوم والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها. وقال أبو أمامة بن النقاش: فإن قلت: أيما أفضل عشر ذي الحجة أو العشر الاخير من رمضان ؟ فالجواب أن أيام عشر ذي الحجة أفضل لاشتمالها على اليوم الذي ما رؤي الشيطان في يوم غير يوم بدر أدحر ولا أغيظ

[ 313 ]

منه فيه وهو يوم عرفة، ولكونه يكفر بصيامه سنتين، ولاشتماله على أعظم الايام حرمة عند الله وهو يوم النحر الذي سماه الله تعالى يوم الحج الاكبر، وليالي عشر رمضان الاخير أفضل لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ومن تأمل هذا الجواب وجده شافيا كافيا أشار إليه الفاضل المفضل بقوله: ما من أيام دون أن يقول ما من عشر ونحوه. ومن أجاب بغير هذا لم يدل بحجة صحيحة صريحة انتهى. قلت: ولا يفهم من هذا الجواب أن ليالي عشر ذي الحجة لا فضيلة فيها فإن أكثر المفسرين على المراد بقوله تعالى: * (وليال عشر) * العشر الاول من ذي الحجة، ولا شك أن الاقسام بها يقتضي اختصاصها بمزيد فضل وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وعاشوراء) ش: يعني أنه يستحب صيام عاشوراء لقوله عليه الصلاة والسلام: صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله رواه مسلم وغيره. قال ابن حبيب: ويقال: فيه تيب على آدم عليه الصلاة والسلام، واستوت السفينة على الجودي، وفلق البحر لموسى عليه الصلاة والسلام، وأغرق فرعون، وولد عيسى عليه الصلاة والسلام، وخرج يونس عليه الصلاة

[ 314 ]

والسلام من جوف الحوت، وخرج يوسف عليه الصلاة والسلام من الجب، وتاب الله سبحانه فيه على قوم يونس، وفيه تكسى الكعبة كل عام. تنبيهات: الاول: قال في الذخيرة: وهو عاشر المحرم. وقال الشافعي: التاسع لانه مأخوذ من إظماء الابل وعادتهم يسمون الثالث ربعا والرابع خمسا. قلت: ظاهر كلامه في المقدمات أن الخلاف في المذهب ونصه: واختلف فيه فقيل العاشر وقيل التاسع. فمن أراد أن يتحرى صامهما. انتهى. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائما. فقيل له: أهكذا كان رسول الله (ص) يصوم ؟ قال: نعم. لكن يعارضه ما رواه مسلم أيضا أنه عليه السلام قال: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي. قال في الاكمال: قيل في عاشوراء إنه التاسع. وقال مالك: والاكثر هو العاشر وهو الذي تدل عليه الاحاديث كلها. وقوله لئن بقيت لاصومن التاسع يدل على أنه كان يصوم العاشر وهذا لم يصمه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: اختلف فيه: فقيل التاسع، وقيل العاشر. واستحب بعض العلماء يوم قبله ويوم بعده وهذا الذي ذكره عن بعض العلماء غريب لم أقف عليه والله أعلم. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ويستحب صيام التاسع. وقال بعضهم: وكذلك الحادي عشر احتياطا لعله نقص الشهر. وقال فيه أيضا: قيل سمي عاشوراء لان عشرة من الانبياء أكرمهم الله فيه بعشر كرامات. الثاني: قال في المقدمات: أفضل الايام للصيام بعد رمضان يوم عاشوراء وقد كان هو الفرض قبل رمضان. قال الفاكهاني في شرح الرسالة: انظر تفضيله عاشوراء على يوم عرفة وقد جاء في الصحيح أن عرفة تكفر السنة التي قبله والتي بعده، وأن عاشوراء تكفر التي قبله. والتكفير منوط بالافضيلة، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل انتهى. قلت: ففي كلامه ميل إلى تفضيل يوم عرفة وهو الظاهر. الثالث: قال في التوضيح: وإنما كان يوم عرفة يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة لان يوم عرفة يوم محمدي ويوم عاشوراء يوم موسوي. الرابع: قال ابحبيب: يستحب في يوم عاشوراء التوسعة على العيال. وقال في المدخل: الموسم الثالث من المواسم الشرعية يوم عاشوراء والتوسعة فيه على الاهل والاقارب واليتامى والمساكين وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها بحيث لا يجهل ذلك لكن بشرط عدم التكلف وأن لا يصير ذلك سنة يستن بها لا بد من فعلها، فإن وصل إلى هذا الحد لا بد أن يفعلها سيما إن كان من أهل العلم وممن يقتدى به ولم يكن لمن مضى فيه طعام معلوم لا بد من فعله، وكان بعض العلماء يتركون النفقة فيه قصدا لينبهوا على أنها ليست بواجبة، وأما ما يفعلونه اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيرها وطبخ الحبوب وغيره فلم يكن السلف يتعرضون في هذه المواسم ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير لا في

[ 315 ]

المأكول. ثم قال: ومما أحدثوه فيه من البدع زيارة القبور وزيارة القبور في هذا اليوم المعلوم بدعة مطلقا للرجال والنساء. ومن البدع التي أحدثها النساء فيه دخول الجامع العتيق بمصر واستعمالهن الحناء في هذا اليوم على كل حال فمن لم تفعلها فكأنها ما قامت بحق عاشوراء. ومن ذلك محرهن الكتان فيه وتسريحه وغزله وتبييضه ويشلنه ليخطن به الكفن ويزعمن أن منكرا ونكيرا لا يأتيان من كفنه مخيط بذلك العزل، وهذا فيه من الافتراء والتحكم في دين الله ما هو ظاهر. ومما أحدثوا فيه من البدع البخور فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم ويتبخر به فكأنه ارتكب أمرا عظيما، وكونه سنة عندهم لا بد من فعلها وادخارهن له طول السنة يتبخرن به إلى أن يأتي عاشوراء الثاني ويزعمن أنه إذا تبخر به المسجون خرج من سجنه وأنه يبرئ من العين والنظرة والمصاب والموعوك، وهذا أمر خطر لانه يحتاج إلى توقيف من صاحب الشريعة فلم يبق إلا أنه أمر باطل فعلنه من تلقاء أنفسهن. قلت: وقد سئل الحافظ عبد الرحيم العراقي الشافعي عن أكل الدجاج والحبوب يوم عاشوراء أهو مباح أو محرم ؟ فأجاب بأنه من جملة المباحات فإن اقترنت به نية صالحة فهو من الطاعات. قال: وذكر أن بعض أهل العصر أفتى بتحريم ذلك في هذا اليوم وأنه لا يستحب فيه شئ غير الصوم. قال: فسألت عنه فإذا هو ممن ينتحل فتاوى الشيخ تقي الدين بن تيمية فنظرت بعض فتاوي الشيخ تقي الدين المتعلقة بذلك فوجدته سئل عن أشياء تتعلق بيوم عاشوراء. ومن المسؤول عنه ذبح الدجاج وطبخ الحبوب في هذا اليوم فأجاب: ليس شئ من ذلك سنة في هذا اليوم بل هو بدعة لم يشرعها رسول الله (ص) ولا فعلها هو ولا أصحابه. ثم ذكر حديثا عن أبي هريرة يتضمن الامر بصيامه والتوسعة فيه على العيال وإحياء ليلته والصلاة فيه، وأن من اغتسل فيه لم يمرض إلا مرض الموت، ومن اكتحل فيه لم ترمد عينه في تلك السنة. ثم قال: وقد علم أنه لم يستحب أحد من أئمة الاسلام ولا روى أحد من أئمة الحديث ما فيه استحباب الاغتسال في يوم عاشوراء ولا الكحل والخضاب وتوسيع النفقة ولا الصلاة المذكورة ولا إحياء ليلة عاشوراء ولا أمثال ذلك مما تضمنه هذا الحديث، ولا ذكروا في ذلك سنة عن أصحاب رسول الله (ص). وأعلى ما بلغني في ذلك رواه ابن عيينة عن محمد بن المنتشر أنه: من وسع على أهل يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال ابن المنتشر: جربناه ستين سنة فوجدناه حقا. ثم اعترض على ابن المنتشر فيما ذكره. ثم قال العراقي: ولقد تعجبت من وقوع هذا الكلام من هذا الامام الذي تقول أصحابه أنه أحاط بالسنة علما وخبرة. وقوله: لم يستحب أحد من أئمة الاسلام توسيع النفقة على الاهل يوم عاشوراء وقد قال بذلك عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله ومحمد بن المنتشر وابنه وأبو الزبير وشعبة ويحيى بن سعيد وسفيان بن عيينة وغيرهم من المتأخرين. وأما قوله: ولا روى أحد من أئمة الحديث ما فيه استحباب ذلك فليس كذلك فقد رواه من أئمة الحديث في كتبهم المشهورة الطبراني

[ 316 ]

في الكبير. والبيهقي في الشعب. وابن عبد البر في الاستذكار وغيرهم من أئمة الحديث. وأما قوله: ولا ذكروا في ذلك سنة من أصحاب رسول الله (ص) فليس كذلك فقد رواه ابن عبد البر في الاستذكار عن عمر بن الخطاب بإسناد جيد. ثم ذكر من حديث شعبة عن ابن الزبير عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال جابر: جربناه فوجدناه كذلك وقال ابن الزبير مثله، وقال شعبة مثله. رواه ابن عبد البر في الاستذكار ورجاله رجال الصحيح. ثم ذكر من حديث ابن مسعود نحوه وقال: رواه الطبراني في الكبير ثم ذكر حديث ابن مسعود من طريق آخر بزيادة فيه وهي أنا الضامن له كل درهم ينفق يوم عاشوراء يريد به ما عند الله حسب بسبعمائة ألف في سبيل الله وكان عند الله أكثر ثوابا ممن في السموات والارض، ومن تصدق في يوم عاشوراء فكأنما تصدق علذرية آدم صلوات الله عليه وسلامه. قال ابن عساكر: حديث غريب جدا. قال العراقي: هو حديث منكر. ثم قال العراقي: واعلم أن حديث ابن مسعود في التوسعة ليس في شئ من الكتب الستة فلا يغتر بذكر ابن الاثير له في جامع الاصول فإن ذلك وهم عجيب. قال: وهذا الكتاب كأنه ليس بمحرر فإن فيه عدة أوهام وأعجب من ذلك أن أخاه ذكر في اختصاره لجامع الاصوال هذا الحديث وعلم عليه علامة البخاري ومسلم وهذا غلط فاحش منهما، والحديث ليس في شئ من الكتب الستة ألبتة. ثم ذكر من حديث أبي هريرة نحو حديث جابر المتقدم وقال: رواه البيهقي في الشعب. ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي ذكره ابن تيمية وقال: إن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات وقال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه. وأن ابن تيمية قال: لا يجوز أن يقال هذا مؤمن فضلا عن أن يقوله رسول الله (ص). ثم قال العراقي: والحق ما قاله ابن الجوزي وابن تيمية من أنه حديث موضوع. ثم ذكر من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر نحو حديث جابر المتقدم. ثم قال: هذا ما وقع لنا من الاحاديث المرفوعة وأصحها حديث جابر من الطريق الاولى. ثم روي بسنده عن عمر بن الخطاب موقوفا: من وسع على أهله ليلة عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة. قال يحيى بن سعيد: جربنا ذلك فوجدناه حقا. قال: وإسناده جيد انتهى ملخصا من جزء للحافظ العراقي نحو الكراس. وذكر السخاوي عن العراقي في أماليه أنه قال في طريق جابر التي ذكرها في الاستذكار: إنها على شرط مسلم. قلت: وقد علم من هذا أنه لم يقف على شئ في الخصال التي يذكر أنها تفعل في يوم عاشوراء غير الصوم والتوسعة على العيال. وقد روى الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا: من اكتحل يوم عاشوراء بالاثمد لم ترمد عينه أبدا. قال الحاكم: إنه منكر. قال ابن حجر: هو موضوع أورده ابن الجوزي في الموضوعات. قال الحاكم: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي (ص) فيه أثر وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين. ذكر ذلك السخاوي في

[ 317 ]

المقاصد الحسنة. وفي الاثر الذي ذكره عمر التوسعة على الاهل في ليلة عاشوراء وفي الاحاديث السابقة التوسعة على الاهل في يوم عاشوراء، فينبغي أيوسع على الاهل فيهما. وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية: فيوسع يومه وليلته من غير إسراف ولا مرآة ولا مماراة، وقد جرب ذلك جماعة من العلماء فصح انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في باب جمل من الفرائض: ويستحب التوسعة في النفقة على العيال ليلة عاشوراء، واختلف هل هي ليلة العاشر أو ليلة الحادي عشر انتهى. قلت: وقد ذكروا فيما يفعل يوم عاشوراء اثني عشر خصلة وهي: الصلاة والصوم والصدقة والاغتسال والاكتحال وزيارة عالم وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم والتوسعة على العيال وتقليم الاظفار وقراءة سورة الاخلاص ألف مرة وصلة الرحم. وقد نظمها بعضهم فقال: في يوم عاشوراء عشر يتصل بها اثنان لها فضل نقل صم صل صل زر عالما عد واكتحل رأس اليتيم امسح تصدق واغتسل وسع على العيال قلم ظفراوسورة الاخلاص ألفا تقرا الخامس: قال في المقدمات: وقد خص عاشوراء لفضله بما لم يخص به غيره من أن يصومه من لم يبيت صيامه ومن لم يعلم به حتى أكل وشرب، وقد قيل إن ذلك إنما كان حين كان صومه فرضا انتهى. قلت: ظاهر كلامه أن ما قاله هو المذهب وليس كذلك بل هو قول ابن حبيب. قال ابن الحاجب: والمشهور أن عاشوراء كغيره. قال في التوضيح: أي في أنه لا يجزئ إلا بنية من الليل. والشاذ لابن حبيب صحة صومه بنية من النهار انتهى. وقال ابن عرفة: والمشهور أن عاشوراء كغيره. الباجي عن ابن حبيب: خص بصحته من لم يبيته أو أتمه بعد أكل انتهى. وسيأتي الكلام على صومه قضاء أو تطوعا لمن عليه قضاء رمضان عند قول المصنف: وتطوع قبل نذر أو قضاء والله أعلم. فائدة: قال القباب قال القاضي أبو الفضل في المشارق: عاشوراء اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية. قاله ابن دريد انتهى. ولفظ المشارق يوم عاشوراء ممدود. قال ابن دريد: سمي في الاسلام لم يعرف في الجاهلية وليس في كلامهم فاعولاء. وحكي عن ابن الاعرابي أنه سمى خابوراء ولم يثبته ابن دريد ولا عرفه. وحكى أبو عمر والشيباني في عاشوراء القصر انتهى. ص: (وتاسوعاء) ش: يعني أنه يستحب صوم تاسوعاء لما تقدم عن صحيح مسلم أنه عليه الصلا والسلام قال: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع

[ 318 ]

ولانه قد تقدم أن العلماء اختلفوا في يوم عاشوراء، هل هو التاسع أو العاشر، وقال ابن رشد: من أراد أن يتحرى صامهما. تنبيهات: الاول: قال القرطبي في تفسيره: ولم يصم النبي (ص) التاسع قط ببينة قوله: لئن بقيت إلى قابل الحديث. قلت: حديث ابن عباس السابق يدل على أنه كان يصومه فتأمله. الثاني: بقي من الايام التي ورد الترغيب في صيامها أيام أخر لم يذكرها المصنف منها: ثالث المحرم والسابع والعشرون من رجب ونصف شعبان والخامس والعشرون من ذي القعدة. قال في التوضيح: واستحب ابن حبيب وغيره صوم السابع والعشرين من رجب لان فيه بعث الله محمدا (ص)، والخامس والعشرين من ذي القعدة لان فيه أنزلت الكعبة على آدم عليه الصلاة والسلام ومعها الرحمة، وثالث المحرم فيه دعا زكريا ربه فاستجيب له. انتهى من آخكتاب الصيام من التوضيح وذكرها في الشامل وعزاها لابن حبيب فقط. وفي شرح الارشاد للشيخ زروق ولابن حبيب استحباب السبعة الايام التي منها ثالث المحرم والسابع والعشرون من رجب والخامس والعشرون من ذي القعدة انتهى. وبقية السبعة تاسوعاء وعاشوراء ويوم التروية ويوم عرفة، وأما نصف شعبان فذكره ابن عرفة لما ذكر أن ما ورد الترغيب في صومه شعبان فقال: خصوصا يوم نصفه فتصير الايام المرغب في صيامها في السنة ثمانية أيام. الثالث: من الايام المرغب في صيامها في الجمعة يوم الخميس ويوم الاثنين نص على ذلك اللخمي وابن رشد. قال في المقدمات: كان رسول الله (ص) يصوم الاثنين والخميس وقال: إن الاعمال تعرض على الله سبحانه وتعالى فيهما وأنا أحب أن يعرض عملي على الله سبحانه وأنا صائم فصيامهما مستحب انتهى. الرابع: عد القاضي عياض في قواعده من الصوم المستحب صوم العشر الاول من المحرم. قال القباب في شرحها: تقدم الحديث في فضل صيام المحرم وعاشوراء، وأما العشر الاول منه فلم أقف فيه على شئ فلعل المؤلف علم في ذلك شيئا والله أعلم. الخامس: قال الشيخ زروق في شرح القرطبية: صيام المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه وورعه قال: إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا يصام فيه، وكان شيخنا أبو عبد الله القوري يذكر ذلك كثيرا ويستحسنه انتهى. قلت: لعله يعني ابن عباد فقد قال في رسائله الكبرى ما نصه: وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه ما يقتضيه وجود الفرح

[ 319 ]

والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع وإمتاع البصر والسمع والتزين بلبس فاخر الثياب وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر على أحد قياسا على غيره من أوقات الفرح، والحكم بكون هذه الاشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود وارتفع فيه علم الشهود وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لاهل الايمان ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه القلوب السليمة وتدفعه الآراء المستقيمة، ولقد كنت فيما خلا من الزمان خرجت في يوم مولد إلى ساحل البحر فاتفق أن وجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه، وقد أخرج بعضهم طعاما مختلفا ليأكلوه هنالك، فلما قدموه لذلك أرادوا مني مشاركتهم في الاكل وكنت إذ ذاك صائما فقلت لهم: إنني صائم فنظر إلي سيدي الحاج نظرة منكرة وقال لي ما معناه: إن هذا اليوم يوم فرح وسرور ويستقبح في مثله الصيام بمنزلة يوم العيد. فتأملت كلامه فوجدته حقا وكأنني كنت نائما فأيقظني انتهى. ص: (والمحرم ورجب وشعبان) ش: هكذا قال اللخمي: الاشهر المرغب في صومها ثلاثة: المحرم ورجب وشعبان. ثم قال: والاصل في هذا قوله (ص) أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم أخرجه مسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله (ص) أكثر منه صياما في شعبان. اجتمع عليه الصحيحان انتهى. وقال في المقدمات: وصيام الاشهر الحرم أفضل من غيرها وهي أربعة: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة انتهى. وقال في التوضيح قال ابن يونس: روي أنه عليه الصلاة والسلام صام الاشهر الحرم انتهى. ولم أره في شئ من كتب الحديث بل يعارضه ما رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله (ص) يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله (ص) استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. وهذا لفظ الموطأ. والذي جاء في الاشهر الحرم ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة أن النبي (ص) قال: صم من المحرم واترك صم من المحرم واترك صم من المحرم

[ 320 ]

واترك وقال بأصابعه الثلاثة فصمها وأرسلها. وفي مسلم عنه عليه الصلاة والسلام: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأما شعبان فروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله (ص) يصومه شعبان ثم يصله برمضان. وعنها أيضا أنها قالت: ما رأيت رسول الله (ص) في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا. وفي رواية لمسلم بعد إلا قليلا. بل كان يصومه كله. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله (ص) يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. انتهى. كلام التوضيح. وما ذكره عن ابن يونس ذكره صاحب النوادر. وقوله: إنه يعارضها ما ذكره الجماعة المذكورون ظاهر لكن يعارض ما رواه الجماعة أيضا حديث مسلم وحديث أم سلمة السابقان انتهى. تنبيهات: الاول: لم يذكروا شيئا يدل على فضل صوم رجب بخصوصه إلا قوله: صم من المحرم واترك وقد ذكر جماعة أحاديث في فضل صومه وفي النهي عن صومه، وقد تكلم العلماء في ذلك وأطالوا. وقد جمع في ذلك شيخ شيوخنا الحافظ شيخ الاسلام ابن حجر جزأ سماه، تبيين العجب بما ورد في فضل رجب فرأيت أن أذكر ملخصه هنا. وقد افتتحه رحمه الله بذكر أسمائه فذكر له ستة عشر اسما وهو: رجب لانه كان يرجب في الجاهلية أي يعظم، أو لترك القتال فيه يقال أقطع الرواجب، والاصم لانه لا تسمع فيه قعقعة السلاح، والاصب بموحدة لانهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه، ورجم بالجيم لان الشياطين ترجم فيه، والشهر الحرام لان حرمته قديمة، والمقيم لان حرمته ثابتة، والمعلى لانه رفيع عندهم. والفرد وهو اسم شرعي. ومنصل الاسنة، ومنصل الآل أي الحراب، ومنزع الاسنة، وشهر العتيرة لانهم كانوا يذبحونها فيه، والمبدي، والمعشعش وشهر الله. قال ابن دحية: ذكر بعض القصاص أن الاسراء كان في رجب قال وذلك كذب. قال الحربي: كان الاسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الاول ثم قال: فصل: لم يرد في فضله ولا في صيامه ولا في صيام شئ منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الامام الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذا رويناه عن غيره ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الاحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعيف ما لم تكن موضوعة انتهى. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. وقد صرح بمعنى ذلك الاستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قو له (ص): من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين فكيف بمن عمل به ؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الاحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع.

[ 321 ]

ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد فيه ما رواه النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان. ففيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به في رمضان ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان ولذلك كان يصومه. وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم، ومن ذلك ما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال لبعض أصحابه: صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك فقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها. ففي هذا الخبر وإن كان في إسناده من لا يعرف، ما يدل على استحباب صيام بعض رجب لانه أحد الاشهر الحرم. وأما حديث أنس عن النبي (ص): من صام من كل شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سبعمائة سنة فرويناه في فوائد تمام الرازي وفي سنده ضعفاء ومجاهيل. وأما الاحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه أو صيام شئ منه صريحة فهي على قسمين: ضعيفة وموضوعة. فمن الضعيف ما رواه النقاش في كتاب فضل الصيام له والبيهقي في فضائل الاوقات له وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفا قال: إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر. قال الحافظ ابن حجر: وجدت له شاهدا إلا أنه باطل. وقرأت بخط الحافظ السلفي بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه الرحيق من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أعده الله لصوام رجب وهو من وضع السقطي. قلت: وظاهر كلام البيهقي في الشعب أن الحديث مرفوعا فيحرر ذلك. ومن ذلك ما رواه الطبراني في الاوسط والبيهقي من حديث أنس أن النبي (ص) كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. قال: وقد وجدت لهذا الخبر إسنادا ظاهره الصحة فكأنه موضوع فأردت التنبيه عليه لئلا يغتر به. ومن ذلك ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة أن رسول الله (ص) لم يصم بعد رمضان إلا رجبا وشعبان. وهو حديث منكر ثم قال: وورد في فضل رجب من الاحاديث الباطلة أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها منها حديث رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي رواه النقاش المفسر ورواه ابن ناصر في أماليه عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (ص): إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الاشهر أحد ولذلك يقال له شهر الله الاصم، وثلاثة أشهر متواليات يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم. ألا

[ 322 ]

وإن رجبا شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي، فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوا الله الاكثر وأسكنه الفردوس الاعلى، ومن صام من رجب يومين فله من الاجر ضعفان وإن كان كل ضعف مثل جنان الدنيا، ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا طول مسيرة ذلك سنة، ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاءات، من الجنون والجذام والبرص ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب القبر. وهو حديث طويل ذكره من طرق وفي بعضها زيادة على بعض. ففي بعض طرقه: خيرة الله من الشهور شهر رجب ومن الاحاديث الباطلة ما ذكره أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي عن أنس مرفوعا: فضل رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الاذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور كفضل محمد (ص) على سائر الانبياء، وفضل رمضان على سائر الشهور كفضل الله على عباده ومنها حديث رجب شهر الله ويدعى الاصم وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم الحديث قال: وهو إن كان معناه صحيحا فإنه لا يصح عن رسول الله (ص). ومنها حديث: رجب شهر الله الاصم من صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الاكبر وهو متن لا أصل له بل اختلقه أبو البركات السقطي. ومنها حديث: من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر، ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب النار، ومن صام ثمانية أيام فتح الله له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام نصف رجب كتب الله له رضوانه ومن كتب الله له رضوانه لم يعذبه، ومن صام رجبا كله حاسبه حسابا يسيرا ومنها حديث: من فرج عن مؤمن كربة في رجب أعطاه الله في الفردوس قصرا مد بصره. أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة وهو متن لا أصل له بل اختلقه السقطي. ومنها حديث: رجب من أشهر الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يوما وجود صيامه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم فقالا: يا رب اغفر له وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفر له رواه النقاش في فضائل الصيام له. ومنها حديث: من صام يوما من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله، وفي شهر رجب حمل نوح في السفينة فصام وأمر من معه أن يصوموا رويناه في فضائل الاوقات للبيهقي. ثم ذكره من طريق أخرى وزاد فيه بعد قوله: فصام وأمر من معه أن يصوموا شكر الله، وجرت السفينة بهم فاستقرت على الجودي في يوم عاشوراء. وفي رجب تاب الله على آدم وعلى أهل مدينة يونس، وفيه فلق البحر لموسى، وفيه ولد إبراهيم وعيسى. ومنها حديث في فضل الصلاة بعد المغرب في أول ليلة من رجب عن أنس مرفوعا قال: من صلى المغرب في أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب

[ 323 ]

وقل هو الله أحد مرة ويسلم فيهن عشر تسليمات، أتدرون ما ثوابه ؟ فإن الروح الامين جبريل علمني ذلك. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده وأجير من عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عقاب. وهذا حديث موضوع. ومنها أيضا حديث عن ابن عباس مرفوعا: من صام يوما من رجب وصلى فيه أربع ركعات يتمرأ في أول ركعة مائة مرة آية الكرسي، وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد مائة مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة أو يرى له وهذا حديث موضوع. ثم ذكر عن ابن عباس موقوفا أنه قال: من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب سبع مرا ت وهو جالس ثم قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم أربع مرات ثم أصبح صائما، حط الله عنه ذنوب ستين سنة، وهي الليلة التي بعث فيها محمد (ص). ومنها حديث صلاة الرغائب وفيه عن أنس مرفوعا: رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي. قيل: يا رسول الله ما معنى قولك رجب شهر الله ؟ قال: لانه مخصوص بالمغفرة، وفيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أنبيائه، وفيه أنقذ أولياءه من يد أعدائه. من صامه استوجب على الله مغفرة بجميع ما سلف من ذنوبه وعمره فما بقي من عمره وأمانا من العطش يوم الفزع الاكبر. فقام شيخ ضعيف فقال: إني يا رسول الله لاعجز عن صيامه كله. فقال (ص): صم أول يوم منه فإن الحسنة بعشر أمثالها، وأوسط منه وآخر يوم منه فإنك تعطى ثواب من صامه كله. ثم ذكر صلاة الرغائب الحديث بطوله ثم قال الحافظ: وهذا حديث موضوع على رسول الله (ص). ومنها حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إن شهر رجب شهر عظيم من صام يوما منه كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام منه يومين كتب الله له صوم ألفي سنة، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله له صوم ثلاثة آلاف، ومن صام منه سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخل من أيها شاء، ومن صام منه خمسة عشر يوما بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمر ومن زاد زاده الله قال الحافظ: وهو حديث موضوع لا شك فيه. ثم ذكر أحاديث أخر كلها باطلة. وقد ذكر البيهقي في الشعب بعض هذه الاحاديث وكذلك الجزولي في شرح الرسالة، وذكر الدميري في شرح سنن ابن ماجة عن الحليمي أنه لم يوجد لصوم رجب ذكر في الاصول المعروفة سوى ما روي أن النبي (ص) سئل عن صوم رجب فقال: أين أنتم من شعبان. وهذا يحتمل أن معناه أن رجبا قد ظهر فضله فإنه من الحرم وكان معظما في الجاهلية فلا تسألوا عنه واسألوا عن شعبان. وحينئذ يجوز أن يكون صومه مستحبا، ويحتمل أن يكون معناه أنه منفصل عن رمضان فهو كالاشهر التي قبله وإنما المتصل برمضان والتنبيه به عن بعض الوجوه شعبان فإن فيه ليلة النصف كما في

[ 324 ]

رمضان ليلة القدر فاسألوني عنه لا عن رجب. قال الحليمي: وهذا أشبه لان ذا القعدة من الحرم ولم يرد في صيامه شئ. الثاني: أخرج ابن ماجة في سننه عن ابن عباس أن النبي (ص) نهى عن صيام رجب. قال الدميري في شرحها: انفرد به المصنف وهو ضعيف. وذكره الحافظ ابن حجر عن سنن ابن ماجة بلفظ: نهى عن صوم رجب كله، وقال: رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في فضائل الاوقات. وقال: إن فيه داود بن عطاء لينه ابن معين. ورواه البيهقي في فضائل الاوقات من هذا الوجه. وقال داود بن عطاء: ليس بالقوي وإنما الرواية فيه من فعل النبي (ص) فحرف الراوي الفعل إلى النهي. ثم إن صح فهو محمول على التنزيه والمعنى فيه ما ذكره الشافعي في القديم قال: أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور كما يكمل رمضان قال: وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوما من بين الايام وإنما كرهت ذلك لئلا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب. قال الحافظ ابن حجر: والحديث أشار إليه البيهقي في رواية ابن عباس أخرجه من طريق عنان ابن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله (ص) كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، رويناه في كتاب أخبار مكة للفاكهي بإسناد لا بأس به عن ابن عباس أنه قال: لا تتخذوا رجبا عيدا ترونه حتما مثل رمضان إذا أفطرتم منه صمتم وقضيتموه. وقال عبد الرزاق في مصنفه: كان ابن عباس ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيدا وإسناده صحيح. ومثل هذا ما رويناه في مسند سعيد بن منصور أن عمر كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذ رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه ويقول: إنما هو موسم كان أهل الجاهلية يعظمونه. قال الحافظ ابن حجر: فهذا النهي منصرف لمن يصومه معظما لامر الجاهلية، أما من صامه لقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها أو ليالي معينة يواظب على قيامها بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به. فإن خص ذلك أو جعله حتما فهذا محظور وهو في المنع بمعنى قوله (ص): لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام رواه مسلم. وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شئ منه أفضل من صيام غيره ففي هذا نظر، ويقوي جانب المنع ما في الصحيح عن ابن عباس: ما رأيت رسول الله (ص) يتحرى صوم يوم يفضله عى غيره إلا يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني رمضان، وعن أزهر بن سعيد عن أمه أنها كانت دخلت على عائشة فذكرت لها أنها تصوم رجب فقالت عائشة: صومي شعبان فإن فيه الفضل فقد ذكر لرسول الله (ص) أناس يصومون رجبا فقال رسول الله (ص): وأين هم من صيام شعبان. رواه عبد الرزاق عن زيد بن أسلم وقال بعده: قال زيد: وكان أكثر صيام رسول الله (ص) بعد

[ 325 ]

رمضان شعبان. ويحتمل أن تحريه (ص) يوم عاشوراء بعينه كان لغير هذا المعنى لانه صدر أن صومه كان مفترضا قبل رمضان، وكان النبي (ص) إذا فعل شيئا من الطاعات واظب عليه، وأما حديث عائشة ما رأيت رسول الله (ص) أكمل شهرا قط إلا رمضان، وما رأيت أكثر منه صياما في شعبان فظاهره فضيلة الصوم في شعبان على غيره لكن ذكر بعض أهل العلم أن السبب في ذلك أنه كان (ص) ربما حصل له الشغل عن صيام الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فيقضيها في شعبان فلذلك كان يصوم في شعبان أكثر مما يصوم في غيره، لان لصيام شعبان فضيلة على صيام غيره. ومما يقوي هذا التأويل ما رواه أبو داود وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا دخل النصف من شعبان فلا تصوموا وفي رواية: فلا يصومن أحد وفي رواية: إذا دخل النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام وقد ذكر بعض أهل العلم أن معنى هذا النهي للمبالغة في الاحتياط لئلا يحتاط لرمضان ما ليس لغيره ويكون هذا بمعنى نهيه عن أن يتقدم أحد رمضان بيوم أو يومين، قال أبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع: يكره صوم رجب وهي على ثلاثة أوجه: أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام أنه فرض كشهر رمضان وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة وإما لان الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على ثواب باقي الشهور، ولو كان من هذا شئ لبينه (ص). قال ابن دحية: الصيام عمل بر لا لفضل صوم رجب فقد كان عمر ينهى عن صيامه والله أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وقال الدميري، سئل الحافظ أبو عمر بن الصلاح عن صوم رجب كله هل على صائمه إثم أم له أجر ؟ وفي حديث يرويه ابن دحية أنه قال: قال رسول الله (ص): إن جهنم تسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب، هل يصح ذلك ؟ فأجاب: لا إثم عليه في ذلك ولم يؤثمه بذلك أحد من علماء الامة فيما نعلمه بل قال حفاظ الحديث: لم يثبت في صوم رجب حديث أي فضل خاص وهذا لا يوجب زهدا في صومه بما ورد من النصوص في فضل الصوم مطلقا، والحديث الوارد في سنن أبي داود في صوم الاشهر الحرم كاف في الترغيب. وأما حديث تسعر جهنم لصوامه فغير صحيح ولا تحل روايته. وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيما نقل بعض المحدثين عن منع صوم رجب وتعظيم حرمته، وهل يصح نذر صوم يوم جمعة أم لا ؟ فأجاب نذر صوم رجب لازم لانه يتقرب إلى الله بمثله، والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشريعة، وكيف يكون منهيا عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه، بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى لما جاء في الاحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم مثل قوله (ص): كل عمل ابن آدم

[ 326 ]

له إلا الصوم وقوله لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وقوله (ص): إن أفضل الصيام صيام أخي داود وقد كان يصوم يوما ويفطر يوما من غير تقييد بما عدا رجب من الشهور. ومن عظم رجبا بغير الجهة التي كان أهل الجاهلية يعظمونه لها فليس بمقتد بالجاهلية، وليس كل ما فعلته الجاهلية منهيا عن ملابسته إلا إذا نهت الشريعة عنه ودلت القواعد على تركه، ولا يترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه. والذي نهى عنه من أهل الحديث جاهل معروف بالجهل لا يحل لمسلم أن يقلده في دينه إذ لا يجوز التقليد إلا لمن اشتهر بالمعرفة بأحكام الله تعالى وبمأخذها، والذي يضاف إليه ذلك بعيد عن معرفة دين الله تعالى فلا يقلد ومن قلده فقد غر بدينه انتهى. وقال الدميري في منظومته: تتميم الاصب صومه ندب لكل قادر وبالنذر يجب وأحمد كرهه إذا انفرد والمانع المطلق قوله يرد والنهي عنه قد روى ابن ماجه وضعفه النسائي في الديباجة والشيخ عز الدين قال من نهى عن صومه في كل حالة سها وشد النكير في الرد عليه وقال لا يرجع في الفتوى إليه إذ الذين نقلوا الشريعه ما كرهوا صيامه جميعه وفي عموم طلب الصوم اندرج وزال عن صائمه به الحرج وابن الصلاح قال من روى رجب فيه عذاب صائميه قد وجب غير صحيح لا تحل نسبته إلى رسول الله ضل مثبته ففي عموم الفضل للصوم نصوص تدل لاستحبابه على الخصوص الثالث: قال ابن عرفة: لما ذكر ما ورد الترغيب في صيامه من الايام والشهور وفي صوم الاشهر الحرم المحرم ورجب وذي القعدة وذي الحجة وهذا أولى من عدها من عامين انتهى. قلت: قال السهيلي في أوائل الروض الانف لما تكلم على النساة الذين نسؤوا الاشهر الحرم: قول ابن هشام أول الاشهر الحرم المحرم هذا قول. وقد قيل إن أولها ذو القعدة لان رسول الله (ص) بدأ به حين ذكر الاشهر الحرم. ومن قال المحرم أولها احتج بأنه أول السنة. وفقه هذا الخلاف أن من نذر صيام الاشهر الحرم فيقال له على القول الاول ابدأ بالمحرم ثم برجب ثم

[ 327 ]

بذي القعدة وذي الحجة، وعلى القول الآخر يقال له ابدأ بذي القعدة حتى يكون آخر صيامك في رجب من العام الثاني. انتهى. قلت: هذا لازم إن نذر أن يصومها مرتبة وإلا فالظاهر أنه على جهة الاولى والله أعلم. الرابع: ذكر ابن عرفة في الاشهر المرغب في صيامها شوالا ولم أره في كلام غيره من أهل المذهب لكن وقفت في جمع الجوامع للجلال السيوطي على حديث ذكر فيه ونصه: من صام رمضان وشوالا والاربعاء والخميس دخل الجنة وقال عقبه: أخرجه البغوي والبيهقي في الشعب عن عكرمة عن خالد عن عريف من عرفاء قريش عن أبيه انتهى. وذكر هذا الحديث أيضا ابن العماد في كشف الاسرار والله أعلم. ص: (وإمساك بقية اليوم لمن أسلم وقضاؤه) ش: يعني أن الكافر إذا أسلم في أثنا نهار رمضان فإنه يستحب له الامساك في بقية ذلك اليوم ولا يجب عليه الامساك في بقيته ويستحب له قضاؤه. قال في التوضيح: اختلف في الكافر إذا أسلم في أثناء نهار رمضان، هل يجب عليه الامساك أو يستحب ؟ عياض: والاستحباب لمالك في المدونة وهو قول ابن القاسم وأشهب وعبد الملك وابن حبيب وابن خويز منداد لانه لما غفر الله له ما تقدم ساوى المجنون يفيق. قال الباجي: ومن قال من أصحابنا بخطاب الكفار وهو مقتضى قول مالك وأكثر أصحابه، أوجب عليه الامساك. وعلى هذا فيكون ظاهر المذهب وجوب الامساك لكن قال عياض: وهو تخريج بعيد ولو كان كذلك لما اختص باليوم الذي أسلم فيه مما قبله، ولا فرق بينه وبين ما سبقه لفوات صومه شرعا كاليوم السابق، ولو كان على ما قاله لكان القضاء والامساك واجبين على القول بخطابهم ولم يقل بوجوب ذلك أحد من شيوخنا، وإنما استحب ليظهر عليهم صفات المسلمين في ذلك اليوم انتهى. ونقل اللخمي عن أشهب في المجموعة أنه قال: لا يمسك بقية اليوم قال: وعلى قوله: لا يقضيه وهو أحسن لان الاسلام يجب ما قبله. عياض: وتخريج اللخمي ترك القضاء على القول بترك الامساك واستحبابه على استحباب الامساك فيه نظر، فإنه لا يطرد إذ الحائض ممنوعة من الامساك والقضاء عليها واجب، والناسي في الفرض مأمور بالامساك وعليه القضاء، والمغمى والمحتلم لا يمسكان ولا قضاء، والناسي لصومه يفطر في التطوع مأمور بالامساك ولا قضاء، فلا ملازمة بينهما. انتهى كلام التوضيح.

[ 328 ]

فرع: قال في مختصر الوقار: وكذلك الصبية تحيض أول حيضتها في يوم من شهر رمضان فإنه يستحب لها قضاء ذلك اليوم انتهى. وإذا بلغ الصبي أو الصبية وهو صائم فإنه يتمادى لان صومه انعقد نافلة ظاهرا وباطنا، فإن كان مفطرا فهو كالحائض - قال سند - أي فلا يستحب له الامساك ولا يجب عليه قضاء ما مضى من رمضان ولا قضاء اليوم الذي بلغ فيه. وانظر اللخمي في كتاب الصيام. ص: (وتعجيل القضاء) ش: تصوره ظاهر. مسألة: قال في النوادر: وإذا لم يزل مريضا من الاول إلى انقضاء الثاني فليبدأ إذا أفاق بالاول فإن بدأ بالثاني أجزأه انتهى. ص: (وبدء بكصوم تمتع إن لم يضق الوقت) ش: قال في النوادر: وإن كان عليه صيام ظهار وقضاء رمضان بدأ بأيهما شاء إلا أن لا يدركهما قبل رمضان فليبدأ بقضاء رمضان قبل نذره انتهى. ص: (وفدية لهرم وعطش) ش: المراد بالهرم الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم بوجه من الوجوه، وأما الذي يقدر عليه في زمن دون زمن فيؤخر للزمن الذي يقدر فيه على الصوم، ولا قائل في المذهب بأنه يطعم انظر الجزولي. فرع: قال في مختصر الوقار في المستعطش: ولا بأس أن يشرب إذا بلغ الجهد منه ولا

[ 329 ]

يعد الشرب إلى غيره ولا قضاء عليه. ص: (وصيام ثلاثة من كل شهر وكره كونها البيض كستة من شوال) ش: قال في المقدمات: روي عن النبي (ص) أنه قال: من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله فكره مالك رحمه الله ذلك مخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها. وكذلك كره مالك رحمه الله أن يتعمد صيام الايام البيض وهو يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشرة على ما روي فيها مخافة أن يجعل صيامها واجبا. وروي أن صيام الايام الغر وهي أول يوم ويوم عشر ويوم عشرين صيام الدهر وأن ذلك كان صوم مالك رحمه الله انتهى. وقال في فرض العين: المرغب فيه من الشهور: والمحرم ورجب وشعبان. ومن الايام: ست من شوال. ويستحب أن لاتوصل بيوم الفطر انتهى. وقال في الذخيرة: وفي مسلم: من صام رمضان وأتبعه بست من شوال الحديث. واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها رمضان عند الجهال، وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف بقربه من الصوم وإلا فالمقصود حاصل من غيره فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين. ومعنى قوله: فكأنما صام الدهر لان الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة أشهر والستة بستين كملت السنة، فإذا تكرر ذلك في السنين فكأنما صام الدهر. واستحب مالك صيام ثلاثة من كل شهروكان يصومها أوله وعاشره والعشرين وهي الايام الغر. واختار أبو الحسن تعجيلها أوله وهي صيام الدهر انتهى. وفي العمدة لابن عسكر: ويستحب صيام البيض وثلاثة أيام من كل شهر ويوم الاثنين والخميس انتهى. وقال الشبيبي: إنما كرهها مالك مخالفة أن تلحق برمضان، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها، واستحب صيامها في غير شوال لحصول المقصود من تضاعف أيامها وأيام رمضان حتى تبلغ عدة الايام كما قال النبي (ص): من صام رمضان

[ 330 ]

وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله وصيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام من شوال بشهرين فذلك صيام سنة. ومحل تعيينها في شوال على التخفيف في حق المكلف لاعتياده الصيام لا لتخصيص حكمها بذلك إذ لو صامها في عشر ذي الحجة لكان ذلك أحسن لحصول المقصود مع حيازة فضل الايام المذكورة والسلامة مما اتقاه مالك انتهى. ونقل في التوضيح قوله: لو صامها في عشر ذي الحجة الخ عن الجواهر. وقال في العارضة: وصل الصوم بأوائل شوال مكروه جدا لان الناس صاروا يقولون تشييع رمضان، وكما لا يتقدم لا يشيع. ومن صام رمضان وستة أيام كمن صام الدهر قطعا لقوله: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * كان من شوال أو من غيره. وإنما كان من غيره أفضل ومن أوسطه أفضل من أوله وهذا بين وهو أحوط للشريعة وأذهب للبدعة. وروى ابن المبارك والشافعي أنها من أول شوال ولست أراه، ولو علمت من يصومها من أول الشهر وملكت الامر أدبته وشردت به وأن أهل الكتاب بمثل هذه الفعلة غيروا دينهم انتهى. وقال في الذخيرة إثر كلامه السابق سؤال في قوله: فكأنما صام الدهر: يشترط في التشبيه المساواة أو المقاربة وهاهنا ليس كذلك، والاجر على قدر العمل ولا مداناة بين عشر الشئ وكله. جوابه: معناه فكأنما صام الدهر لو كان من غير هذه الامة. تنبيه: هذا الاجر مختلف فخمسة أسداسه الناشئة عن رمضان أعظم أجرا لكونها ثواب الواجب وسدسه ثواب النفل. وإنما قال بست ولم يقل بستة وهو الاصل لوجوب تأنيث المذكر في العدد لان العرب تغلب الليالي على الايام لسبقها. انتهى كلام الذخيرة. فرع: من المكروه الوصال والدخول على الاهل والنظر إليهن وفضول القول والعمل وإدخال الفم كل رطب له طعم والاكثار من النوم بالنهار. نقلها القاضي عياض وابن جزي والله أعلم. ص: (وذوق ملح وعلك ثم يمجه) ش: قال في المدونة: ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه وإن لم يدخل إلى جوفه ومضغ العلك أبو الحسن: يعني ليداوي به شيئا يدل عليه مقارنته مع ما قبله، ويعني أيضا إذا مضغه مرة واحدة وأما لو مضغه مرارا وابتلع ريقه فلا شك أنه يفطر لانه يبتلع بعض أجزائه مع ريقه، ويدل على ذلك أيضا مقارنته مع الملح والطعام. انتهى من أبي الحسن الكبير. وفي الصغير: يعني إذا مضغه ليجعله في موضع وأما ليبتلع الريق فإنه يفطر لان الكراهة إنما هي مرة واحدة انتهى. وقال في الكبير قبل ما تقدم: الكراهة على التنزيه وإنما كره مخافة أن يصل إلى حلقه شئ من ذلك. فحاصله إذا ابتلع ريقه فإنه يفطر

[ 331 ]

والله أعلم. وفي النوادر عن المجموعة قال ابن نافع عن مالك: وأكره للصائم مضغ الطعام للصبي ولحس المداد، فإن دخل جوفه منه شفليقض، ومن صام من الصبيان فليجتنب ذلك كله. ولا يذوق الصائم الملح والعسوإن لم يدخل جوفه. قال عبد الملك: وإن وصل منه إلى جوفه من غير تعمد فليقض وإن تعمد فليكفر. قال أشهب وأكره له لحس المداد ومضغ العلك وذوق القدر والعسل في الفرض والنافلة، ومن كتاب ابن حبيب: ويكره له ذوق الخل والعسل ومضغ اللبان والعلك ولمس العقب ولحس المداد والمضغ للصبي، فإن فعل شيئا من ذلك ثم مجه فلا شئ عليه، فإن جاز منه شئ إلى حلقه ساهيا فليقض وإن تعمد فليكفر ويقض، وكل ما يلزم فيه الكفارة في رمضان من هذا أو غيره ففيه التطوع القضاء، وكل ما ليس فيه إلا القضاء في رمضان فليس فيه في التطوع قضاء، وأما قضاء رمضان ولك صوم واجب ففيه القضاء في هذين الوجهين انتهى. وقوله: ولمس العقب مثل قوله في المدونة بعدما تقدم: أو يلمس الاوتار بفيه أو يمضغها قال في الصحاح: والعقب بالتحريك العصب الذي يعمل منه الاوتار الواحدة عقبت. تقول منه عقبة السهم والقدح والقوس إذا لويت شيئا منه عليه انتهى. وقال بعضهم: والفرق بين العقب والعصب أن العصب يضرب إلى الصفرة والعقب يضرب إلى البياض. ص: (ومداواة حفر زمنه) ش: قال في المدونة إثر الكلام المتقدم: أو يداوي الحفر في فيه ويمج الدواء انتهى. وقال ابن عرفة: ويها كراهة مداواة الحفر في فيه الشيخ عن أشهب: إن كان في صبره لليل ضرر فلا بأس به نهارا. ابن حبيب: عليه القضاء لان الدواء يصل لحلقه. الباجي: لا شئ عليه عندي كالمضمضة ولو بلغ جوفه غلبة قضى وعمدا كفر. وكذا ماذ كره ابن زرقون فيصير المباح والمكروه سواء إن سلم فلا شئ عليه، وفي الغلبة القضاء، وفي العمد الكفارة. ابن حبيب: إن وصل حلقه قضى انتهى. وقال في الذخيرة: كره مالك ذوق الاطعمة ووضع الدواء في الفم للحفر أو عقبا أو غيره، قال سند: فإن وجد طعمه في حلقه ولم يتيقن الازدراد فظاهر المذهب إفطاره خلافا للشافعية، وقاسوا الطعم على الرائحة. والفرق أن الرائحة لا تستصحب من

[ 332 ]

الجسم شيئا بخلاف الطعم انتهى. قال أبو الحسن: الحفر بسكون الفاء وفتحها وحكاهما في الصحاح وهو تزليع في أصول الاسنان. قال في الصحاح: يقال حفر أسنانه إذا فسدت أصولها. ص: (ومقدمة جماع كقبلة وفكر إن علمت السلامة وإلا حرمت) ش: ذكر أدناها وهو الفكر وواحدا من أعلاها وهو القبلة ليعلم الحكم في بقيتها، فلو اقتصر على الاعلى لتوهم أن الادنى جائز، ولو اقتصر عليه توهم أن الاعلى محرم مطلقا. ومعنى قوله: إن علمت السلامة قال في التوضيح: من المذي والمني، وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: في قوله والقبلة والملاعبة وما ذكره من كراهة القبلة وما في معناها هو المشهور إن علمت السلامة من المني والمذي والانعاظ، وإن علم نفيها أو اختلف حاله حرمت. وكذا إن شك على الارجح من قولين حكاهما ابن بشير بالكراهة والتحريم ولا قضاء في مجردها. فإن أنعظ أو أمذى قضى على المشهور، وإن أمنى قضى وكفر على المشهور انتهى. وما ذكره في الفكر هو الذي ارتضاه في توضيحه آخرا فإنه قال في قول ابن الحاجب والمبادئ كالفكر، والنظر والقبلة والمباشرة والملاعبة إن علمت السلام لم تحرم، وإن علم نفيها حرمت، وإن شك فالظاهر التحريم. قال: لم يذكر اللخمي وابن بشير التفصيل الذي ذكره المصنف إلا في الملاعبة والمباشرة والقبلة، وأما النظر والفكر فنص ابن بشير على أنه إذا لم يستداما لم يحرما اتفاقا. وقد يجاب بأن كلام ابن بشير محمول على ما إذا علمت السلامة وإلا فبعيد أن يقال بالجواز مع كونه يعلم أنه يمني أو يمذي انتهى. وقال قبله: قوله لم تحرم نفيه التحريم لا يقتضي الكراهة ولا الاباحة وقد كرهوا ذلك في المشهور، وقد جعلوا مراتب الكراهة

[ 333 ]

تتفاوت بالاشدية على نحو ما رتب المؤلف المبادئ فالفكر أخفها وأشدها الملاعبة انتهى. ص: (وحجامة مريض فقط) ش: ومثلها الفصادة. قال في الارشاد: وتكره الفصادة والحجامة. قال الشيخ زروق: العلة في كراهتها واحدة وهي التغرير انتهى. وهذا فيمن يجهل حاله، وأما من يعلم من نفسه السلامة فهي جائزة باتفاق وعكسه عكسه. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: ولا بد من تقييد هذا أعني إذا لم يعلم من نفسه السلامة بأن لا يكون التأخير يضر به وإلاوجب عليه فعل ذلك وإن أدى إلى الفطر والله أعلم. تنبيه: قال في التوضيح: الباجي: فإن احتج أحد على تغرير ثم احتاج إلى الفطر فلا كفارة عليه لانه لم يتعمد الفطر انتهى. ص: (وتطوع قبل نذر أو قضاء) ش: يعني أنه يكره التطوع بالصوم لمن عليه نذر من الصيام أو عليه قضاء رمضان، وهذا في النذر المضمون، وأما

[ 334 ]

النذر المعين فإذا جاء زمنه لم يجز له التطوع فيه، فإن فعل أثم ولزمه القضاء. قاله في جامع الامهات للثعالبي ناقلا له عن المنتقى. ويفهم منه أن التطوع بالصوم قبل النذر المعين إذا لم يجئ زمنه لا يكره وهو ظاهر. تنبيهات: الاول: الظاهر أن كل صوم واجب في معنى النذر كما يفهم من كلام اللخمي ومن كلام صاحب الطرا الآتي. الثاني: قال في الطراز: فإن تطوع صح صومه. قال ابن نافع في المجموعة: يتم تطوعه ثم يقضي ما عليه وقد أخطأ في تطوعه قبله وهذا بين، فإن الزمان صالح للتطوع وغيره فأيهما وقع صح، وإنما كان القضاء أوجب لان الذمة مرتهنة به فيسعى في براءتها ثم يتطوع بما احب انتهى. وهذا كلام صاحب الطراز الذي اشرنا اليه لان الثالث: قال في التوضيح: واختلف في المتأكد من نافلة الصوم كعاشوراء، هل المستحب أن يقضي فيه رمضان ويكره أن يصومه تطوعا وهو قوله في سماع ابن وهب، أو هو مخير ؟ ثلاثة أقوال حكاها في البيان أما دون ذلك من تطوع الصيام فالمنصوص كراهة فعله قبل القضاء انتهى. قلت: والمسألة في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام وأطال ابن رشد فيها الكلام وقال: إن هذا كله على القول بأن قضاء رمضان على التراخي، وأما على القول بأنه على الفور وهو ظاهر المدونة في كتاب الصيام، فلا يجوز له أن يصوم يوم عاشوراء إذا كان عليه قضاء رمضان. قال: فيأتي في المسألة أربعة أقوال انتهى. وقال في المدونة: وجائز أن يقضي رمضان في العشر الاول من ذي الحجة انتهى. قال أبو الحسن: استحب عمر بن الخطاب أن يقضي رمضان في عشر ذي الحجة. وقاله ابن القاسم وسالم قال: ويقضي في يوم عاشوراء. قال ابن يونس: إنما استحبوا ذلك لفضلها فإذا لم يكن التطوع قضى فيها الواجب انتهى. ص: (وإلا تخير) ش: هذا القول الذي صدر به في الشامل وفرع عليه ابن الحاجب ومقابله يصوم السنة كلها. قال أبو الحسن في شرحه الكبير: ثم إذا فرعنا على القول بأنه إنما يصوم شهرا واحدا، فلو شك في الشهر الذي هو فيه هل هو شعبان أو رمضان فإنه يصوم شهرين، الذي هو فيه لاحتمال كونه رمضان، والذي يليه لاحتمال أن يكون الاول شعبان، وإن شك

[ 335 ]

في الشهر الذي هو فيه هل هو رمضان أو شوال صام الذي هو فيه لا أكثر، فإن كان رمضان فقد صامه، وإن كان شوالا كان قضاء. وإن شك هو شعبان أو رمضان أو شوال صام شهرين الذي هو فيه والذي يليه انتهى. وأصله للخمي ونقله ابن عرفة وقال: فيما إذا شك هل هو رمضان أو شوال. وقلنا يصوم الذي هو فيه فقط، يريد فإن ساوى عدده عدد ما قبله قضى يوما، وإن كان شهره أقل قضى يومين وإلا فلا قضاء انتهى. ص: (أو بقي على شكه) ش: الذي جزم به اللخمي أنه إذا لم يتبين له شئ ولا حدث أمر يشككه سوى ما كان عليه أجزأه. وإن شك هل كان رمضان أو بعده أو شك هل كان رمضان أو قبله قضاه انتهى. فرع: قال اللخمي: وإن صام الاسير شهرا تطوعا ثم تبين أنه رمضان لم يجزئه عند ابن القاسم ويجري فيه قول آخر أنه يجزئه قياسا على قول فيمن صام رمضان عن عام فرط فيه أنه يجزئه عن العام الذي هو فيه ولا يضر ما نوى لانه مستحق العين انتهى. ورده ابن عرفة بأن نية قضاء الواجب أقرب لادائه من نية تطوعه انتهى. والاول مذهب المدونة. وسمع عيسى ابن القاسم من كان في أرض العدو فعمي عليه رمضان وكان عليه صيام شهر نذر فصام رمضان لنذره وهو لا يراه رمضان، ثم تبين له قال: لا يجزيه لرمضان ولا لنذره. ابن رشد: أما رمضان فلانه لم ينوه، وأما نذره فيدخل فيه الخلاف من مسألة من صام رمضان قضى عن غيره انتهى. ص: (وفي مصادفته تردد) ش: الذي قطع به اللخمي الاجزاء وحكاه كأنه المذهب وهو الذي

[ 336 ]

جزم به في الطراز، وعزا مقابله للحسن بن صالح ورده وقال: إنه فاسد. وليس شكه في رمضان كشكه في يوم الشك وقال: ألا ترى أنه إذا شك في هلال شوال أنه يصومه ويجزيه ؟ ص: (وصحته مطلقا بنية مبيتة أو مع الفجر) ش: يعني أن شرط صحة الصوم مطلقا أي فرضا كان أو نفلا، معينا أو غير معين، أن يكون بنية لقوله (ص): إنما الاعمال بالنيات رواه الشيخان. وقوله: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل رواه أصحاب السنن الاربعة. ولا يقال الصوم ليس بعمل فلا يتناوله الحديث وإنما هو كف لانا نقول الكف عمل ولقوله (ص) حكاية عن ربه كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وقول الطحاوي إن الاستثناء منقطع بعيد قاله في التوضيح. ويشترط في صحة الصوم أيضا أن تكون النية مبيتة من الليل للحديث المتقدم، ويصح أن يكون اقترانها مع الفجر لان الاصل في النية أن تكون مقارنة لاول العبادة، وإنما جوز الشرع تقديمها لمشقة تحرير الاقتران وحكى في البيان قولا بأنه لا يصح إيقاعها مع الفجر. وقال في فرض العين: وصفتها أن تكون مبيتة من الليل للحديث المتقدم، ويصح أن يكون اقترانها مع الفجر للصوم سواء كان صوم واجب أو تطوع أو نذر أو كفارة، وأن تكون مبيتة من الليل أو مقارنة للفجر، وأن تكون جازمة من غير تردد وينوي أداء فرض رمضان انتهى. قال ابن جزي: أما الجزم فيتحرز به من التردد فمن نوى ليلة الشك صيام غد إن

[ 337 ]

كان من رمضان لم يجزه لعدم الجزم، ولا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو باستصحاب كآخر رمضان أو باجتهاد كالاسير انتهى. وقال في النوادر فكتاب الصيام في ترجمة التبييت في الصيام ومن المختصر قال مالك: والتبييت أن يطلع الفجر وهو عازم على الصيام وله قبل الفجر أن يترك ويعزم فإذا طلع الفجر فهو على آخر ما عزم عليه من فطر أو صيام. وقال في موضع آخر: وإذا بيت أول الليل الصوم فليس عليه أن يكون ذاكرا لذلك إلى الفجر. قال ابن حبيب: ومن نوى أن يصبح صائما فهو بالخيار إن شاء تمادى وإن شاء ترك ما لم يطلع الفجر انتهى. ولا تكفي النية نهارا خلافا لمن أجاز ذلك إذا لم يأكل. قال في العارضة: أخبرنا الخطيب أو المطهر عن أبي بكر الحجندي في تعليل هذه المسألة أن النية هي القصد والقصد إلى الماضي محال عقلا، وانعطاف النية معدوم وشرعا. ثم ذكر عن الحجندي أنه أجاز لمن أكل في يوم من الايام أن ينوي بعد ذلك النفل صوما. قال: وهذا خرق للاجماع انتهى. وقال في التوضيح. فرع: ولا يجوز تقديم النية قبل الليلة وهو قول الكافة انتهى. وقال في البيان في سماع عيسى: والذي يوجبه النظر أن إيقاع النية قبل غروب الشمس من ليلة الصوم لا يصح لقوله (ص): لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل. تنبيه: قال في المقدمات: الذي يلزم من النية في صيام رمضان اعتبار القرية إلى الله بأداء ما افترض عليه من استغراق طرفي النها بالامساك عن الطعام والشراب والجماع انتهى. وله نحو ذلك في الصلاة وقال فيه: واستشعار الايمان شرط في صحة ذلك كله. ثم قال: فإن سها عن استشعار الايمان لم يفسد عليه إحرامه لتقدم علمه به قال: وكذلك إن سها عن أن ينوي الوجوب ووجوب الصلاة والقصد إلى أدائها والتقرب بها إلى الله لم يفسد إحرامه إذا عين الصلاة، لان التعيين لها يقتضي الوجوب والقربة والاداء لتقدم علمه بوجوب تلك الصلاة، فكذلك هنا إذا نوى صوم رمضان أجزأه لان تعيينه يقتضي الوجوب لتقدم العلم به إلى آخر ذلك والله أعلم. فرع: قال البرزلي: من بيت على صوم التطوع فاستيقظ فظن طلوع الفجر فواقع أهله ثم تبين أنه لم يطلع فالاولى إمساك ذلك اليوم. قلت: إن كان قطع النية قبل الفجر فالاستحباب واضح إذا أعاد النية قبله لانه نوى عبادة فالاولى تمامها، وإن لم يعد النية حتى طلع الفجر فلا فائدة في تمام النهار لانه غير منوي، وأما لو تم على نية أول النهار وفعل الوطئ نسيانا أو عمدا واعتقد أنه غير ضار فالصواب في هذا إن تمادت هذه النية حتى طلع الفجر أنه يجب تمامه.

[ 338 ]

ص: (وكفت نية لما يجب تتابعه) ش: يعني أن الصوم الذي يجب تتابعه يكفي فيه نية واحدة في أول ليلة من بعد الغروب، والصوم الذي يجب تتابعه هو رمضان في حق الصحيح. وكفارة القتل والظهار والفطر في رمضان والصوم المنذور فتكفي في ذلك كله نية واحدة في أول ليلة منه على المشهور. وعن مالك: وجوب التبييت كل ليلة. قال في البيان: وهو شذوذ في المذهب انتهى. تنبيهان: الاول: فهم من قول المصنف لما يجب تتابعه أن المسافر والمريض لا بد لهما من التبييت كل ليلة لان التتابع لا يجب عليهما وهو كذلك كما سيأتي بيانه عند قول المصنف: لآ إن انقط تتابعه. الثاني: قوله وكفت يشعر بأن المطلوب التبييت كل ليلة وهو كذلك وقد صرح القاضي عياض في قواعده والشبيبي وغيرهما بأنه يستحب تجديد النية لكل يوم من رمضان والله أعلم. ص: (لا مسرود ويوم معين ورويت على الاكتفاء فيهما) ش: سرد الصوم تتابع قاله في الصحاح. والمعنى أن من عزم على سرد صوم أيام أو نوى صوم يوم معين كيوم الاثنين أو الخميس دائما، ونذر ذلك فإنه لا يصح صومه إلا بنية مجددة كل ليلة، ولا يكتفي بنية واحدة. ودخل في ذلك من أراد قضاء رمضان متتابعا ومن عزم على صوم رمضان في السفر أو في المرض، فلا بد له من تجديد النية كل ليلة، وعن مالك أنه يجزئه نية واحدة في الصوم الذي عزم على تتابعه، وكذلك اليوم الذي نوى صومه أو نذره.

[ 339 ]

تنبيه: تأمل قول المصنف رويت عليها فإنه لم يذكر في التوضيح من رواها على القولين ولم أقف على ذلك في شرح المدونة. ص: (لا إن انقطع تتابعه بكمرض أو سفر) ش: هذا مخرج من قوله: وكفت نية لما يجب تتابعه فيحتمل أن يكون على حذف مضاف والتقدير لا إن انقطع وجوب تتابعه والمعنى أن النية إنما تكفي فيما يجب تتابعه ما لم يحصل فيه ما يقطع وجوب التتابع كالمرض والسفر، فإن حصل ذلك فيه فلا تكفي النية السابقة، ولو أراد المكلف استمراره على الصوم ومتابعته فلا بد له من التجديد كل ليلة. قال في التوضيح: وما ذكره - يعني ابن الحاجب - من الاكتفاء بنية واحدة إنما هو في حق الحاضر، وأما المسافر فلا بد له من التبييت كل ليلة، قاله في العتبية. والمريض ملحق بالمسافر. وحكى سند قولا ثانيا في المسافر بالاكتفاء بنية واحدة، وأشار اللخمي إلى أنه يتخرج على القول بالاكتفاء بالنية الواحدة في السرد انتهى. قلت: وتخريج اللخمي ظاهر. وصرح ابن رشد في البيان بأن الاكتفاء بالنية الاولى هو قول مالك في المبسوط، وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: من نوى جميع رمضان من أوله ثم سافر في أثنائه اختلف فيه قول مالك. فقال في المبسوط: لا يحتاج إلى تجديد نية. وقال في العتبية: يحتاج إلى تجديد النية. واستظهر في البيان الاكتفاء بنية واحدة من أوله ونصه في رسم حلف من سماع عيسى: وأما ما كان من الصيام يجوز تفريقه كقضاء رمضان وصيامه في السفر وصيام كفارة اليمين وفدية الاذى، فاختلف إذا نوى متابعة ذلك هل تجزيه واحدة في أوله أو يلزمه تجديد النية لكل يوم لجواز الفطر ؟ على قولين الاظهر منهما أنه تجزئه نية واحدة في أوله يكون حكمها باقيا ولو زال عينها ما لم يقطعها بنية الفطر عامدا، وأما لو لم ينو

[ 340 ]

متابعته من ذلك فلا اختلاف في أن عليه تجديد النية لكل يوم انتهى. والذي أشار إليه صاحب التوضيح في العتبية هو في سماع موسى ونصه: قال مالك: لا يجزيه الصيام في السفر إلا أن يبيته في صيام رمضان. ابن رشد: معناه أنه لا يجزئه الصيام في السفر في رمضان إلا أن يبيته كل ليلة وإن نوى أن يتابع الصيام في سفره، وأما إن لم ينو متابعة الصيام فلا خلاف أنه لا بد له من التبييت في كل ليلة. وفي المبسوط لمالك: أنه لا تبييت على من شأنه سرد الصيام ومثله في الواضحة. وقال أبو بكر الابهري ومحمد بن الجهم: وهذا استحسان، والقياس أن عليه التبييت في كل ليلة لجواز الفطر، فما له في المبسوط لمالك خلاف قول مالك في هذه الرواية، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم سلف من سماع عيسى وبالله التوفيق انتهى وعلم من كلام المصنف أن المسافر إذا فرغ من سفره وأقام فلا بد له من تجديد النية لما بقي من صومه الذي يجب عليه فيه التتابع من باب أحري، وكذلك المريض إذا صح لان ما بعد السفر والمرض كصوم مبتدأ، وكذلك الحائض وكل من أفطر لعذر أو لغير عذر فلا تكفيه النية الاولى لانه إذا كانت النية الاولى ينقطع حكمها بارتفاع وجوب التتابع، ولو كان التتابع حاصلا فأحرى أن يرتفع حكمها بانقطاع التتابع حسا. قال في التلقين: وأما قطع النية فهو بإفساد الصوم أو تركه على الاطلاق لعذر أو لغير عذر أو لحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض أو لا ينقطع استدامتها وإنما ينقطع استصحاب ابتدائها انتهى. ففهم من قوله: بإفساد الصوم أنه لو فسد صوم يوم من رمضان أو من الصيام الذي يجب تتابعه فإن حكم النية ينقطع ولو كان بالفطر فيه ناسيا، ولا بد من تجديدها لما بقي منه. وقد صرح بذلك في التوضيح وقال: إنه إذا انقطع التتابع بفطر لمرض أو حيض أو سفر أو نسيان فإنه يلزمه تجديد النية على المشهور. قال: وعبر عنه في التنبيهات بالمعروف انتهى. مع أن الفطر ناسيا لا يقطع التتابع بلا خلاف كما سيأتي تحقيقه في كتاب الظهار. أن كلام المصنف يقتضي أن فيه خلافا. وفهم من قول التلقين: أو بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام ما تقدم في حق المسافر والمريض وقوله: ولا يقطع استدامتها إلى آخره يعني به أن حصول المرض والسفر في أثناء النهار لا يقطع استدامة النية حكما في ذلك اليوم، وإنما يقطع استصحابها في ابتداء الصوم فيما بعد ذلك والله أعلم. وقال في التوضيح: وانظر إذا أفطر متعمدا لغير عذر، هل يلزمه التجديد اتفاقا ويجري فيه الخلاف ؟ وعبارة ابن بشير لو طرأ في رمضان ما أباح الفطر هل يفتقر إلى إعادة التبييت في المذهب قولان انتهى. قلت: قال في الذخيرة: الحكم السابع من أحكام الافطار قطع النية الحكمية. وفي الجواهر: تنقطع بإفساد الصوم أو تركه على الاطلاق لعذر أو لغير عذر أو بزوال التحتم كالسفر والمرض انتهى. وأصله في التلقين كما تقدم فتأمله والله أعلم. ويحتمل أن يريد المصنف بقوله:

[ 341 ]

لا إن انقطع تتابعه أن الصوم الذي يجب تتابعه وتكفي فيه النية الواحدة إذا انقطع التتابع فيه بحصول الفطر بوجه من الوجوه المتقدمة فلا بد من تجديد النية لما بقي منه، وأما إذا حصل ما يقطع وجوب التتابع ولم ينقطع التتابع بالفعل فيستفاد حكمه من مفهوم قول المصنف أولا: وكفت نية لما يجب تتابعه كما تقدم بيان ذلك والله أعلم. ص: (وبنقاء) ش: يعني أن شرط صحة الصوم النقاء من دم الحيض والنفاس، يريد في جميع النهار. وإنما ذكر هذا الشرط هنا مع أنه قد قدم في باب الحيض أن الحيض والنفاس يمنعان صحة الصوم ووجوبه به ليفرع عليه ما سيذكره ولا يقال قوله هنا إن النقاء من دم الحيض والنفاس شرط في صحة الصوم يقتضي أنه مشى على القول بأنه شرط في الصحة لا في الوجوب وهو خلاف ما قدمه في فصل الحيض وخلاف مذهب الاكثر لانا نقول: قوله إنه شرط في الصحة لا ينفي أنه شرط في الوجوب، وقول الشارح في الكبير: إن الاكثر على أنه شرط في الوجوب لا في الصحة ليس بظاهر إذ لا خلاف في أنه شرط في الصحة، ونقله عن ابن عبد السلام، وليس في كلام ابن عبد السلام ولا المصنف في التوضيح ما يدل على ذلك. ص: (ووجب إن طهرت قبل الفجر وإن لحظة) ش: هذا هو المشهور كما صرح به غير واحد. وقال ابن الماجشون: إن طهرت قبل الفجر بزمن يسع الغسل فلم تغتسل حتى طلع الفجر أجزأها صومها، وإن كان الوقت ضيقا لا يسع الغسل لم يجزها صومها. انتهى من التوضيح. وظاهره أنه يجوز لها الاكل عنده فإنه قال

[ 342 ]

بعد: وقال محمد بن مسلمة: تصوم وتقضي. وفي كلامه في الطراز ما يدل على ذلك والله أعلم. ص: (وإن جن ولو سنين كثيرة) ش: يعني أن من جن في رمضان فعليه قضاؤه، وسواء طرأ عليه الجنون بعد البلوغ أو بلغ مجنونا، وسواء كانت السنون كثيرة أو قليلة، وهذا مذهب المدونة. وقيل: إن قلت السنون فعليه القضاء وذلك كالخمسة الاعوام، وإن كثرت فلا قضاء. ذكره اللخمي عن ابن حبيب عن مالك وإليه أشار بقوله: ولو سنين كثيرة. وقيل: إن بلغ مجنونا فلا قضاء عليه، وإن طرأ عليه الجنون فعليه القضاء. ص: (أو جله أو أقله ولم يسلم أوله) ش: هذا هو المشهور في المذهب قاله في الطراز. وقال ابن حبيب: ولا يؤمر بالكف بقية نهاره انتهى. ولم ينقل خلافه ذكره في باب المغمى وفي مسألة من قدم من السفر. ص: (لا إن سلم ولو نصفه) ش: انظر إذا طرأ الجنون بعد الفجر ولم يطل. هل هو كالاغماء أم لا ؟ ظاهر كلام ابن عبد السلام أنه ليس كالاغماء فإنه قال في شرح قول ابن الحاجب: وإن كان في أقله وأوله سالك فكالنوم يريد إن كان الاغماء في أقل النهار مع سلامة أوله فلا أثر له كالنوم وذلك لكثرته في الناس، ولا يلزم على هذا إلحاق الجنون به في هذا لقتله انتهى. وظاهر كلام صاحب الطراز أن حكم الجنون والاغماء سواء فإنه قال في باب الاعتكاف: إذا أغمي عليه أو جن وكان في عقله حين الفجر أو أكثر النهار ولم يخرج

[ 343 ]

من المسجد حتى دخل الليل، يجزئه عكوفه ذلك اليوم على ما مر في صحة صومه انتهى. ص: (وبترك جماع وإخراج مني ومذي وقئ) ش: ظاهر كلامه أن هذا شرط رابع. وقال الشارح: الاحسن أن بعد هذا من الاركان إلا أن يكون المراد بالشرط ما لا تصح الماهية بدونه كان داخلا أو خارجا، وهذا جار في أكثر الشروط التي ذكرها في هذا الباب. وفي الشامل: وركنه إمساك من طلوع الفجر الصادق للغروب عن إيلاج حشفة أو مثلها من مقطوعها ولو بدبر أو فرج ميتة أو بهيمة وإخراج مني، ولا أثر للمستنكح منه ومن المذي انتهى. ولاجل إخراج المستنكح من المني والمذي والقئ الغالب والاحتلام، قال المصنف: وإخراج مني الخ. وخرج به أيضا من أمذى بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة فإنه يصدق عليه أنه ما أخرج المذي كما سيأتي في كلام ابن بشير فتأمله. تنبيه: لم يذكر المصنف الانعاظ وذكر في المدونة فيه قولين. قال فيه: روى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها في رمضان فلا شئ عليه إلا أن يمذي فيقضي انتهى. فهذا يقتضي أنه لا قضاء في الانعاظ. ثم قال: قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو باشرها فأنزل فالقضاء عليه والكفارة، وإن باشرها فأمذى أو أنعظ وحرك منه لذة وإن لم يمذ فليقض، وإن لم ينزل ذلك منه شيئا ولا أنعظ ولا حرك ذلك منه فلاشئ عليه انتهى. فقول ابن القاسم يقتضي أنه يلزمه القضاء في الانعاظ على المباشر. وقال في البيان في رسم طلق من سماع ابن القاسم: إن نظر قاصدا إلى التلذذ بالنظر أو

[ 344 ]

تذكر قاصدا إلى التلذذ بذلك أو لمس أو قبل أو باشر فسلم فلا شئ عليه وإن أنعظ ولم يمذ ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن عليه القضاء وهي رواية ابن القاسم هذه. والثاني لا شئ عليه وهي رواية أشهب عن مالك في المدونة. والثالث الفرق بين المباشرة وما دونها من قبلة أو لمس. فإن أنعظ عن مباشرة فعليه القضاء، وإن أنعظ مما دونها فلا قضاء عليه وهو قول ابن القاسم الذي أنكره سحنون انتهى. وقال ابن الحاجب: وفي المذي والانعاظ قولان. قال في التوضيح: والقول بالقضاء في الانعاظ رواه ابن القاسم في الحمديسية. ابن عبد السلام: وهو الاشهر وبعدمه رواه ابن وهب. قال في التنبيهات: وإنما الخلاف عند بعضهم إذا حصل عن ملاعبة أو مباشرة، وأما إن كان عن نظر أو لمس فلا شئ عليه. وأطلق في البيان الخلاف انتهى. ثم ذكر كلامه المتقدم. ولفظ عياض على كلام المدونة المتقدم: قوله: وإن لم ينزل ذلك منه شيئا وفي رواية ابن عتاب: لم ينزل ذلك منه شيئا وعلى الروايتين فقد تبين أنه إذا أنعظ ولم يمذ عليه القضاء. ومثله لمالك في العتبية والحمديسية في المباشرة والقبلة. وعبد الملك ومطرف لا يريان في الانعاظ شيئا من مباشرة أو قبلة. ووافقهما ابن القاسم من رأيه في العتبية في القبلة. وظاهر رواية أشهب وابن وهب في الكتاب لا قضاء فيهما لقوله: وإن لم يمذ فلا شئ عليه وكذا نقلها الباجي من رواية ابن وهب عن مالك نصا. وقيل: إنما الخلاف إذا أنعظ عن مباشرة أو قبلة، وإما عن نظر ولمس فلا قضاء عليه إلا أن يمذي انتهى. ثم قال ابن الحاجب: فإن نظر أو فكر فلم يستدم فلا قضاء. أنعظ أو أمذى للمشقة. قال في التوضيح: تقييده هنا بعدم الاستدامة يقتضي أن الخلاف الذي قدمه في المذي والانعاظ مع استدامته. فإن قلت: هل يمكن حمل كلامه الاول على ما إذا حصل من ملاعبة أو مباشرة، والثاني ما إذا كان عن نظر ويكون كلامه مبنيا على الطريقة التي ذكرها عياض ؟ قيل: لا، لان المصنف لما قيد كلامه بنفي الاستدامة دل على أنه لو استدام لكان الحكم خلاف ذلك، وتلك الطريقة ليس فيها تفضيل، وما ذكره من انه إذا أمذى من غير استدامة لا قضاء عليه يخالف المدونة. نعم يوافق ما ذكره المصنف في مختصر الواضحة انتهى. وفي التنبيه لابن بشير: تبدأ بأوائل الجماع ومقتضيات الشهوة على الترتيب، ونذكر ما يكون عليها الاول فالاول فنقول: إن من فكر فالتذ بقلبه فلا حكم للذة وهذا مما تسقطه الشريعة لان تكليفه حرج. فإن أنعظ بذلك أيضا فإن أمذى نظرت، هل استدام أم لا ؟ فإن استدام كان بمنزلة من أمذى قصدا فيؤمر بالقضاء، وهل يجب أولا ؟ قولان. وإن لم يستدم فلا شئ عليه لانه لو كلف القضاء لادى إلى الحرج الذي تسقطه الشريعة السمحة. وإن أمنى فإن استدام قضى وكفر، وإن لم يستدم فالقضاء بلا كفارة وأن يكون ذلك علة فيسقط القضاء للمشقة وإن نظر فالتذ بقبلة فلا حكم لما قدمناه، وإن أنعظ فكذلك، وإن أمنى استدام فالقضاء على ما تقدم. وإن لم يستدم

[ 345 ]

النظر استحب القضاء ولم يجب، وإن أمذى فإن استدام قضى وكفر، وإن لم يستدم فالقضاء. وهل يكفر ؟ جمهور أهل المذهب أنه لا يكفر، وألزمه الكفارة أبو الحسن القابسي. فإن قيل: فالتذ بقلبه فلا شئ عليه وإن أنعظ فقولان. ثم قال: فإن باشر أو لاعب ولم يمذ فلا شئ عليه إلا أن ينعظ فقولان على ما تقدم انتهى. وكلام ابن بشير هذا موافق للطريقة التي ذكرها عياض في عدم تقييد بالاستدامة في النظر والفكر وهي الظاهرة، ويؤخذ من كلام صاحب الشامل فإنه بعد أن ذكر القبلة والمباشرة والملاعبة قال: فإن أمذى وأنعظ قضى على المشهور لكنه لم يتعرض لحكم ما إذا كان ذلك عن نظر وفكر والله أعلم. وقال ابن عبد السلام إثر قوله والاشهر وجوب القضاء والاقرب سقوطه لعدم الدليل الدال على وجوبه والله أعلم. ص: (وإيصال متحلل أو غيره على المختار لمعدته) ش: وعلى ما اختار اللخمي اقتصر في الجلاب والتلقين فانظره ورجحه ابن يونس أيضا. فرع: إذا ابتلع الصائم في النهار ما يبقى بين أسنانه من الطعام ولم يجب عليه قضا لانه أمر غالب. وقال ابن الماجشون: وإن كان متعمدا لانه ابتدأ أخذه في وقت يجوز له وهو بعيد قاله ابن رشد في الرسم الاول من سماع أشهب من كتاب الصلاة في مسألة من خرج من المسجد وفي يده حصباء والله أعلم. ص: (بحقنة بمائع) ش: قال في المدونة: وتكره الحقنة والسعوط للصائم فإن احتقن في فرض أو واجب بشئ يصل إلى جوفه فليقض ولا يك ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...