65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج5.مواهب الجليل الحطاب الرعيني

ج5.مواهب الجليل

الحطاب الرعيني ج 5 .  [ 1 ]

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعينى المتوفى سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته وأحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء الخامس دار الكتب العلمية بيروت - لبنان [ 2 ]

جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1416 ه‍ 1995 م

________________________________________

[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح هذه طريقة المتأخرين من المالكية أنهم يجعلون النكاح وتوابعه في الربع الثاني، والبيع وتوابعه في الربع الثالث. وابتدأ المصنف رحمه الله كتاب النكاح بالخصائص تبعا لابن شاس، وتبع ابن شاس في ذلك الشافعية قالوا: وذلك لانه (ص) خص في باب النكاح بخصائص متعددة لم يجمع مثلها في باب من أبواب الفقه. وفائدة ذكر الخصائص وإن كان أكثرها قد مضى حكمه التنبيه على خصوصها لئلا يعتقد فيما يخص به (ص) أنه مشروع لنا مع ما في ذلك من التنويه بعظيم فضله وشريف قدره، فذكرها مطلوب إما ندبا أو وجوبا وهو الظاهر لما تقدم. واعتمد ابن شاس فيما عده من الخصائص كلام القاضي أبي بكر بن العربي في أحكام القرآن، وعليه اعتمد القرطبي في تفسيره وزاد عليه بعض زيادة، وكذلك المصنف. وقد ألف الناس في الخصائص كتبا متعددة والذي خص به (ص) خمسة أنواع. الاول: ما وجب عليه (ص) دون غيره تشريفا له وتكثيرا لثوابه. قال إمام الحرمين: قال بعض العلماء: ثواب الواجب يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة. الثاني: ما وجب له (ص) على غيره. الثالث: ما حرم عليه (ص) دون غيره تشريفا له أيضا. الرابع: ما حرم على غيره لاجله. الخامس: ما أبيح له (ص) دون غيره. وهذه الخصائص منها ما ورد في القرآن، ومنها ما ورد في السنة، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه. فإن قيل: التعظيم والتشريف إن كان مقتضيا لزيادة التشديد وإيجاب ما لم يجب على غيره، فلماذا أبيح له أيضا ما لم يبح لغيره ؟ وإن كان موجبا للتسهيل وإباحة ما لم يبح لغيره، فلماذا وجب عليه ما لم يجب على غيره وحرم عليه ما لم يحرم على غيره. فالجواب: أن التعظيم والتشريف يوجب جميع ذلك بحسب ما يقتضيه المقام، فبعض الاشياء إنما سومح فيه الغير ولم يوجب عليه ولم يحرم عليه خشية أن لا يقدر على القيام بها، ولقوته (ص) كلف بها. وبعض الاشياء حرمت على الغير حماية له أن يتجاوز الحد المأذون فيه كصفي المغنم ونحوه. أو خشية أن لا يقوم بالواجب عليه فيها كزيادة على أربع وهو (ص) مأمون من ذلك فتأمله والله أعلم.

________________________________________

[ 4 ]

كتاب خصائص النبي (ص) باب في خصائص النبي (ص) ص: (خص النبي (ص) بوجوب الضحى والاضحى والتهجد والوتر بحضر) ش: صرح بوجوب هذه الاربعة (ص) ابن العربي والقرطبي وابن شاس. ودليل ذلك والله أعلم حديث: ثلاث علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى رواه البيهقي وضعفه. ويؤخذ من الحديث أن الواجب من الضحى أقله ركعتان. ودليل وجوب التهجد قوله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وقوله سبحانه: * (قم الليل إلا قليلا) * وقد اختلف العلماء في ذلك وسيأتي شئ من ذلك. والاضحى جمع أضحاة ويجمع على أضاحي أيضا. قاله في التنبيهات. وقوله: والوتر بحضر قاله في الجواهر عن ابن العربي لما ذكر وجوب الوتر وهو داخل في قسم التهجد انتهى. فيحتمل أن يكون قوله: بحضر راجعا لهما معا، ويدل لذلك أنهم استدلوا لعدم وجوب الوتر في السفر بكونه (ص) كان يوتر على الراحلة، وكان (ص) يتهجد على الراحلة أيضا، وانظر قول السيوطي بعد في المباحات. تنبيهان: الاول: اختلف في التهجد على ثلاثة أقوال: فقيل إنه النوم ثم الصلاة، وقيل إنه الصلاة بعد النوم، والثالث إنه الصلاة بعد العشاء. انتهى. من الاقفهسي. وقال الثعلبي في قوله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * أي قم بعد نومك وصل. قال المفسرون: لا يكون التهجد إلا بعد النوم. يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام. وقال بعض أهل اللغة: تهجد إذا نام وتهجد إذا سهر وهو من الاضداد. روى حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من الانصار أنه كان مع رسول الله في سفر فقال: لانظرن كيف يصلي النبي (ص) قال: فنام رسول الله (ص) ثم استيقظ فرفع رأسه إلى السماء فتلا أربع آيات من آخر سورة آل عمران: * (إن في خلق السموات والارض) * الآيات. ثم أهوى بيده إلى

________________________________________

[ 5 ]

القربة وأخذ سواكا فاستاك به ثم توضأ ثم نام ثم استيقظ فصنع كصنعه أول مرة ويرون أنه التهجد الذي أمره الله عزوجل به. انتهى بلفظه. الثاني: قال أبو عمر بن عبد البر في باب صلاة الليل من الاستذكار: وقد قال قوم إن صلاة الليل واجبة على النبي (ص) وسنة لامته، وهذا لا أعرف وجهه لان الله تعالى يقول ومن الليل تهجد به نافلة لك انتهى. وليس في الآية ما يدل على عدم الوجوب لان النافلة من النفل الذي هو الزيادة. فيحتمل أن يكون المراد أنه (ص) زيد عليه دون غيره وجوب التهجد كما قال ابن عبد السلام فتأمله. وفي المسألة أقوال جمهور العلماء على أن الامر بقيام الليل أمر ندب لجميع الناس. وقيل: للوجوب على جميع الناس ثم نسخ. وقيل: كان فرضا على النبي (ص) خاصة وبقي كذلك حتى توفي. وقيل غير ذلك. ذكر ذلك ابن عطية وغيره والله أعلم. ص: (والسواك) ش: لم يبين المصنف وغيره من المالكية فيما علمت ما هو الذي كان فرضا عليه من السواك، ورأيت للشافعية أنه كان فرضا عليه لكل صلاة والله أعلم. ص: (وتخيير نسائه فيه) ش: الذي في الصحيح أن آية التخيير نزلت وعنده تسع نسوة وهن اللواتي توفي عنهن. وذكر أبو إسحاق أن آية التخيير نزلت وكانت عنده فاطمة بنت الضحاك في عصمته (ص) فاختارت الدنيا ففارقها عليه الصلاة والسلام فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول: هي الشقية اختارت الدنيا. قال في المواهب اللدنية: هكذا رواه ابن إسحق. قال أبو عمر: هذا عندنا غير صحيح لان ابن شهاب يروي عن عروة عن عائشة أنه (ص) حين خير في نسائه بدأ بها فاختارت الله ورسوله وتابع أزواج النبي (ص) على ذلك انتهى. تنبيه: الاقفهسي: اختلف العلماء فيمن اختارت منهن الدنيا مثلا، هل كانت تبين بنفس الاختيار أولا ؟ أصح القولين أنها تبين انتهى. ص: (وطلاق مرغوبته) ش: هذا من القسم الثاني.

________________________________________

[ 6 ]

قال في الشامل: ولزم غيره له طلاق مرغوبته ثم قال: كإذعان مخطوبته انتهى. وعد فيه أيضا من المحرمات على غيره خطبة خلية رغب فيها. قال النووي: فإن كانت خلية لزمتها الاجابة على الاصح وحرم على غيره خطبتها انتهى. فرع: قال القرطبي: أبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام والشراب من الجائع والعطشان وإن كان من هو معه يخاف على نفسه التلف لقوله تعالى: * (والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * وعلى كل أحد أن يقي النبي (ص) بنفسه انتهى. وقال تعالى: * (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) * ص: (وإجابة المصلي) ش: فأحرى غيره لحديث الموطأ أو مسلم لما دعا أبيا في الصلاة ولم يجبه فقال له عليه السلام: ألم يقل الله: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * ومثله في البخاري عن أبي سعيد رافع بن المعلى. قال ابن العربي في أحكامه: قال الشافعي: في حديث أبي دليل على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلاة لا يبطلها لامره عليه الصلاة والسلام بالاجابة. وإن كان في صلاة. وبينا في غير موضع أن هذه الآية دليل على وجوب إجابته عليه السلام وتقديمها على الصلاة. وهل تبقى الصلاة معها أو تبطل ؟ مسألة أخرى انتهى. وذكر القرطبي كلام الشافعي وأقره ولم يذكر كلام ابن العربي بل قال: قلت: وفيه حجة لقول الاوزاعي أن المصلي لو أبصر غلاما يريد أن يسقط في بئر فصاح به وانتهره وانصرف إليه لم يكن بذلك بأس انتهى. وقال الشارح بهرام والاقفهسي: يجب على المصلي إذا دعاه أن يجيبه ولا تبطل صلاته وأما ابتداء فذكر النووي أن من خصائصه (ص) أن المصلي يخاطبه بقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا يخاطب سائر الناس انتهى. وقال ابن عبد السلام في السهو في مسألة الكلام لاصلاح الصلاة لما ذكر حديث ذي اليدين وسؤال النبي (ص) للصحابة وإجابتهم له ما نصه: وأيضا لو نطقوا بنعم لما روى لما ضرهم لمخالفتهم إيانا في الكلام إذ مجاوبته (ص) واجبة ولا تمنع منها الصلاة كما في حديث أبي سعيد بن المعلى انتهى. وقال الابي في شرح مسلم ناقلا عن المازري: وأجيب بأنهم تكلموا لتعين إجابته لوجوب طاعته وذلك خارج عن الكلام. ثم قال: قلت: ويدل على أن إجابته لا تبطل الصلاة حديث أبي، وقوله في الصلاة والسلام عليك أيها النبي، ولو خاطب غيره بذلك لفسدت كما تقدم لابن شعبان. انتهى والله أعلم. وقال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الفضائل: في حديث أبي سعيد بن المعلى دليل على أنه لم يقبل اعتذاره بأنه كان في الصلاة. وقد قال بعض الحذاق بأن هذا من خواصه أن يجيبه في الصلاة ولا تبطل صلاته بذلك وهو قول ابن كنانة، هكذا قال السفاقسي انتهى.

________________________________________

[ 7 ]

تنبيه: قال ابن حجر في أول كتاب التفسير: نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما البيضاوي هذه القصة لابي سعيد الخدري وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى ص: (والمشاورة) ش: قال المتيطي: إنما كان (ص) يشاور في الحروب وفيما ليس فيه حكم بين الناس. وقيل: له أن يشاور في الاحكام. قال أحمد بن نصر: وهذه غفلة عظيمة انتهى. ولفظ الجواهر: ومشاورة ذوي الاحلام في غير الشرائع انتهى. وذكر القرطبي القول الاول عن قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي قال: وأمره بذلك تطييبا لنفوسهم ورفعا لاقدارهم وتألفا على دينهم وإن كان الله أغناه عن رأيهم، وليقتدى به ولم يذكر القول الثالث لكنه قال: وقال الآخرون ذلك فيما لم يأته فيه وحي وروي ذلك عن الحسن البصري والضحاك. انتهى بالمعنى. ووجه خصوصيته (ص) بوجوب المشاورة - والله أعلم - أنه وجب عليه ذلك مع كمال علمه ومعرفته وإلا فقد قال القرطبي: قال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحروب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح العباد وعمارتها انتهى. ولعله البلاد عوض العباد وهو الظاهر. وقال قبله: قال ابن عطية: الشورى من قواعد الدين وعزائم الاحكام ومن لا يستشر أهل العلم والدين فعزله واجب هذا مما لا اختلاف فيه. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (وقضاء دين الميت المعسر) ش: اختلف العلماء هل كان القضاء واجبا عليه (ص) أو تطوعا ؟ وهل كان يقضيه من خالص مال نفسه أو من مصالح مال المسلمين ؟ وظاهر كلام ابن بطال أنه كان يقضيه من المصالح وأنه واجب عليه وعلى من بعده من الائمة. قال ابن حجر في شرح حديث البخاري في كتاب الكفالة في قوله: من ترك دينا فعلي قضاؤه قال ابن بطال: هذا ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين. وقوله: فعلي قضاؤه أي مما يضئ الله عليه من الغنائم والصدقات. قال: وهذا يلزم المتولي لامر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين، فإن لم يفعل فالاثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه من الدين وإلا فيسقطه. انتهى كلام ابن حجر. وهذا الكلام كله لابن بطال. وذكر الابي عن القاضي عياض في شرح قوله (ص): من ترك دينا وضياعا فعلي وإلي أي فعلي قضاؤه وإلي كفاية عياله، وهذا مما يلزم الائمة من مال الله فينفق منه على الذرية وأهل الحاجة ويقضي ديونهم. انتهى من شرح مسلم في أحاديث صلاة الجمعة. وقد صرح بوجوب قضاء دين الميت المعسر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في شرح الحديث السابع

________________________________________

[ 8 ]

عشر ليحيى بن سعيد، وابن رشد في كتاب المديان من المقدمات. ونقله القرافي وقبله وقال: الاحاديث الواردة في الحبس عن الجنة بالدين منسوخة بما جعله الله من قضاء الدين على السلطان وكان ذلك قبل أن تفتح الفتوحات انتهى. وذكر البرزلي أيضا عن جماعة من المالكية. فإذا علم هذا فعلى القول بأنه (ص) كان يقضي هذا الدين من مال نفسه فوجه الخصوصية ظاهر، وعلى القول بأنه كان يقضيه من مال المصالح فالظاهر أنه لا خصوصية حينئذ فتأمله والله أعلم. تنبيه: لا بد من تقييد الميت المعسر بكونه مسلما كما قيده في الشامل وهو ظاهر من الحديث في كونه يصلى عليه ص: (وإثبات عمله) ش: يعني به المداومة على العمل يعني إذا عمل عملا أثبته أي دوام عليه ص: (ومصابرة العدو الكثير) ش: تصوره واضح. وذكر ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم أن من خصائصه (ص) أنه فئة للمسلمين ولو كان مقيما بالمدينة فيجوز للجيش أن ينحاز إليه ولا يكون ذلك فرارا بخلاف غيره من الائمة إنما يكون فئة إذا برز مع الجيش فيكون فئة لمن خرج من السرايا. انتهى والله أعلم. ص: (وتغيير المنكر) ش: لم يذكره ابن العربي في سورة الاحزاب ولا ابن شاس. وقال القرطبي: كان يجب عليه (ص) إذا رأى منكرا أنكره وأظهره لان إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه. وذكر صاحب البيان انتهى. وقد استوفى الكلام على تغيير المنكر في حق سائر الناس في رسم الاقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب السلطان. وفي إرشاد أبي المعالي: لا يكترث بقول الروافض أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الامام انتهى. فيكون وجه الخصوصية أنه كان (ص) فرض عين، ولا يشترط فيه ما يشترط في حق غيره من أمنه على نفسه وظنه تأثير ذلك والله أعلم. نعم قيده الغزالي في الاحياء بما إذا لم يعلم أو يظن أن فاعله يزيد فيه عنادا. وقال الشيخ جلال الدين الاسيوطي في أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب لما عد من الواجبات تغيير المنكر قال: ووجه الخصوصية فيه من وجوه: أنه في حقه من فرائض الاعيان وفي حق غيره من فرائض الكفايات. ذكره الجرجاني في الشافي: وأنه يجب عليه إظهار الانكار ولا يجب الاظهار على أمته. ذكره صاحب الذخائر: وأنه لا يسقط عنه للخوف فإن الله وعده بالعصمة بخلاف غيره. ذكره في الروضة. ولا إذا كان المرتكب يزيده الانكار إغراء لئلا يتوهم إباحته بخلاف سائر

________________________________________

[ 9 ]

الامة. ذكره السمعاني في القواطع انتهى. وهذا الاخير مخالف لما قاله الغزالي إلا أن يكون المراد بالتغيير إظهار ذلك لغير المرتكب للمنكر والله أعلم. ص: (وحرمة الصدقتين عليه وعلى آله) ش: لا خلاف في حرمة الصدقة المفروضة عليه (ص) وعلى بني هاشم الذين هم آله على المشهور على مواليهم كما صرح به القرطبي في سورة براءة وغيره. وأما صدقة التطوع فأكثر أهل العلم على تحريمها عليه أيضا. وقالت طائفة: كان يتنزه عنها ولم تكن محرمة. وأما آله (ص) ومواليهم فقد اختلف في حرمتها عليهم، ومذهب مطرف وابن الماجشون وابن نافع التحريم وشهره ابن عبد السلام فلذلك جزم به المصنف هنا. ومذهب ابن القاسم أنها لا تحرم عليهم. قاله ابن عبد البر في التمهيد، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصحيح عندنا. انتهى من شرح الحديث الثالث لربيع من التمهيد، وصرح القرطبي أيضا في سورة براءة بأنه الصحيح، وتقدم في مصرف الزكاة عن ابن مرزوق أنهم إذا لم يعطوا ما يستحقونه من بيت المال وأضربهم الفقر أنهم يعطون من الزكاة، وأن إعطاءهم أفضل من إعطاء غيرهم. تنبيه: قال الشيخ جلال الدين الاسيوطي: قال البلقيني: وخرجنا على حرمة الصدقة عليه والكفارة والنذورات أنه يحرم أن يوقف عليهم معينا لان الوقف صدقة تطوع. ثم قال: وعن أبي هريرة أن صدقات الاعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار انتهى. ثم قال: وتحرم الزكاة على آله. قيل والصدقة أيضا وعليه المالكية، وعلى موالي آله في الاصح، وعلى زوجاته بالاجماع. قاله ابن عبد البر. وتحريم كون آله عمالا على الزكاة في الاصح. تنبيه: أبيحت له (ص) الهدية. قال في الذخيرة في كتاب الاقضية: من خصائصه (ص) قبول الهدية انتهى. قال السهيلي في شرح غزوة حنين: إذا أهديت له في بيته لا في الغزو ونصه: أموال النبي (ص) على ثلاثة أوجه: منها الصفي والهدية تهدى إليه في بيته لا في الغزو من بلاد الحرب ومن خمس الخمس انتهى. تنبيه: قال القرطبي: ويحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس لقوله تعالى: * (ولا تمدن عينيك) * الآية انتهى. ص: (وأكله كثوم) ش: قال في الجواهر: وغيره من الاطعمة الكريهة الرائحة انتهى. كالبصل والكراث والفجل وهذا في النئ، وأما في المطبوخ فقد صح أنه (ص) أكل طعاما طبخ ببصل ذكره الزركشي من الشافعية في الخادم والله أعلم. ص: (أو متكئا) ش: لحديث البخاري: أما أنا فلا آكل متكئا قال عياض: الاتكاء هو التمكن من الارض والتقعد في الجلوس كالتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها على ما تحته

________________________________________

[ 10 ]

فإن الجالس على هذه الهيئة يستدعي الاستكثار منه ورسول الله (ص) إنما كان جلوسه جلوس المستوفز وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. وليس معنى الاتكاء المذكور في الحديث الميل على شق عند المحققين انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: واعترضه الفاكهاني وقال: التحقيق أنه الميل على الشق لانه الذي يسبق إلى الذهن من لفظ الاتكاء ولانه غير الجلوس، ولذلك قال الراوي في الحديث: وكان متكئا فجلس. فيلزم على ما قال عياض أن يكون معنى الكلام وكان جالسا فجلس انتهى. وهذا لا يلزم لان القاضي لم يقل إن الاتكاء لا يطلق إلا على الجلوس وإنما قال: المراد منه في هذا الحديث كذا. وبما فسره عياض فسره الخطابي قبله وأقره عليه البيهقي في سننه وأنكره عليه ابن الجوزي وفسره بما قال الفاكهاني فتأمله والله أعلم. ص: (وتبدل أزواجه) ش: هذا قريب من لفظ الآية وهو قوله: * (ولا إن تبدل بهن من أزواج) * وفي معناها ثلاثة أقوال. أصحها قول ابن عباس إنه لا يحل لك أن تطلق امرأة من أزواجك وتنكح غيرها. والثاني لا يحل لك أن تبدل المسلمة التي عندك بمشركة. قاله مجاهد. والثالث لا تعطى زوجتك في زوجة أخرى كما كانت تفعله الجاهلية. انتهى بالمعنى من أحكام ابن العربي. تنبيه: أول الآية: * (لا يحل لك النساء من بعد) * واختلف في معناها على أقوال أصحها قول ابن عباس أيضا أن معناه لا يحل لك النساء من بعد من عندك منهن. قاله في الاحكام أيضا. قال الاقفهسي: واختلف هل نسخ هذا التحريم أم لا ؟ وحمل كلام المصنف على هذا الاخير أعني قوله: * (لا يحل لك النساء) * والظاهر أن المراد الاول والله أعلم. وحرم تبدل أزواجه والتزويج عليهن مكافأة لهن على حسن صنعهن لما خيرهن فاخترنه والله أعلم. وذكر الشيخ جلال الدين أن من الواجبات عليه إمساكهن بعد أن اخترنه في أحد الوجهين قال: وترك التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن ثم نسخ ذلك لتكون المنة له (ص). ص: (ونكاح الكتابية) ش: وكذا وطؤها بملك اليمين على ما اختاره ابن العربي. وقال الشارح: إن التسري بها حلال على الاصح. ص: (والامة) ش: يعني وحرم عليه نكاح الامة سواء كانت مسلمة أو كافرة وإلا فلا خصوصية ولا فائدة في ذكرها، لانه إذا حرم نكاح الحرة الكتابية فأحرى الامة، وأما وطئ الامة بملك اليمين فحلال له والله أعلم. ص: (ومدخولته لغيره) ش: وأما من لم يدخل بها فلا تحرم على غيره. قاله القرطبي في سورة الاحزاب.

________________________________________

[ 11 ]

فرع: قال في الشامل وأصله في الجواهر: وفي بقاء نكاح من مات عنها قولان، وعلى انقطاعه ففي وجوب العدة ونفيها قولان بناء على أنها متوفى عنها، أو لانها لا تنتظر الاباحة، وفي مطلقته خلاف انتهى. يعني هل ثبت لها حرمة نسائه اللاتي مات عنهن أولا. ذكر القرطبي الخلاف في ذلك ونقله في الجواهر وقال القرطبي: الصحيح جواز نكاحها. وقال أيضا: الصحيح أنه لا عدة على من مات عنهن وبقاء نكاحهن. وقال ابن العربي: وببقائه أقوال والله أعلم. تنبيه: انظر هل يدخل في قولهم مدخولته الامة التي وطئها قال ابن أبي شريف من الشافعية في شرح الارشاد: وفي الميمن تبعا لتعليقه أن أمته الموطوءة إذا فارقها بالموت أو العتق أو البيع تحرم وهو ظاهر إطلاق الحاوي ومدخولته انتهى. قلت: وهو ظاهر. وإذا حرمت موطوءته فأحرى أم ولده. وقد قال ابن القطان من أصحابنا في كتاب الاقناع في مسائل الاجماع: اتفقوا على أن إبراهيم ابن رسول الله (ص) خلق حرا وأمه مارية أم ولد رسول الله (ص) محرمة على الرجال بعده غير مملوكة، وأنه (ص) كان يطؤها بعد ولادتها، وأنها لم تبع بعده ولا تصدق بها وإنما كانت بعده عليه السلام حرة انتهى. تنبيه: وقع بين بعض طلبة العلم بحث في أم ولده إبراهيم عليه السلام هل هي من أمهات المؤمنين أم لا ؟ والذي يظهر لي أنها ليست من أمهات المؤمنين لما في صحيح البخاري من كتاب الجهاد وكتاب النكاح أنه (ص) لما بنى بصفية قال أصحابه: هل هي إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه ؟ ثم قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فمن ما ملكت يمينه فتأمله. وانظر شراحه والله أعلم. لكن ربما يقال هذا في حال حياته لماله من الرق وبعد موته فهي حرة فقد يقال صارت من أمهات المؤمنين. فوائد الاولى: قال الشيخ جلال الدين الاسيوطي في حاشية البخاري في كتاب الوضوء في باب خروج النساء إلى البراز: ذكر القاضي عياض وغيره أن من خصائص النبي (ص) تحريم رؤية أشخاص أزواجه ولو في الازر تكريما له، ولذا لم يكن يصلي على أمهات المؤمنين إذا ماتت الواحدة منهن إلا محارمها لئلا يرى شخصها في الكفن حتى اتخذت القبة على التابوت انتهى. والظاهر أن هذا ليس متفقا عليه فقد حكى القرطبي في كون نسائه عليه السلام كالامهات في الحرمة وإباحة النظر أو في الحرمة فقط قولين، ولكن الظاهر منهما الثاني والله أعلم. الثانية: قال في الطرر لابن عات في أواخر الجزء الثالث في ترجمة الطلاق وما يلزم من ألفاظه ومن الاستغناء قال في المشارق: وجبت نفقة أزواج النبي (ص) في ماله بعد وفاته إلى أن

________________________________________

[ 12 ]

متن لقوله: إنا معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولقوله: ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة ولانهن كن محبوسات عليه بعد موته لقوله تعالى: * (وما كان لكن أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنحكوا أزواجه من بعده أبدا) * انتهى. الثالثة: قال القرطبي في شرح مسلم في فضائل السيدة فاطمة رضي الله عنها: وقوله (ص): يريبني ما يريبها أي يؤذيني: وتظهر فائدة ذلك بأن من فعل منا ما يجوز فعله لا يمنع منه وإن تأذى بذلك الفعل غيره، وليس كذلك حالنا مع النبي (ص) بل يحرم علينا كل فعل يؤذيه وإن كان في أصله مباحا لكنه إذا أدى إلى أذى النبي (ص) ارتفعت الاباحة وحصل التحريم انتهى. وتقدم عن الشامل والنووي أن من المحرمات له على غيره خطبة خلية رغب فيها. ص: (ونزع لامته حتى يقاتل) ش: لامته مهموز كذا قيده جماعة عن عياض في المشارق وهي الدرع. قال في الصحاح وغيرها. وفي قول المصنف: حتى يقاتل مسامحة والاولى أن يقول حتى يلقى العدو، أو يقول حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين محاربه، ولهذا قال ابن غازي أنه خطأ من مخرج المبيضة، وإنما الصواب ونزع لامته حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين محاربه، قال: وهو كذلك في بعض النسخ المصححة ولا يصح غيره. ولفظ ابن العربي وابن شاس: وحرم عليه إذا لبس لامته أن يخلعها أو يحكم الله بينه وبين محاربه أي حتى يحكم الله. ف‍ أو بمعنى حتى وكذا هو في الحديث بلفظ أو وبهذا يظهر لك أن حكم الله بينه وبين محاربه أعم من القتال، فلو أسقط المصنف لفظة القتال كان أولى انتهى. ويأتي لقوله بعد هذا والحكم بينه وبين محاربه معنى يحمل عليه والله أعلم. قال الشيخ جلال الدين الاسيوطي: وكذلك الانبياء. قال أبو سعيد وابن سراقة، وكان لا يرجع إذا خرج للحرب ولا ينهزم إذا لقي العدو ولو كثر العدو انتهى. ص: (والمن ليستكثر) ش: هو قريب من لفظ الآية وفي معناها ستة أقوال: الاول: لا تعط عطية لتطلب أكثر منها. الثاني: لا تعط الاغنياء فتصيب منهم أضعافها.

________________________________________

[ 13 ]

الثالث: لا تعط عطية تنظر ثوابها. الرابع: لا تمنن بعملك على ربك. الخامس: لا تمنن على الناس بالنبوة تأخذ أجرا منهم عليها. السادس: لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه والله أعلم. ص: (وخائنة الاعين) ش: لحديث أبي داود: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الاعين وصححه الحاكم على شرط مسلم. قال في الجواهر: وهو أن يظهر خلاف ما يضمر أو ينخدع عما يجب انتهى. وقال النووي: هي الايماء إلى المباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال انتهى. وأبيح له (ص) إذا أراد السفر أن يوري بغيره وسمى ما تقدم خائنة الاعين لشبهه بالخيانة بإخفائه ولا يحرم على غيه إلا في محظور والله أعلم. ص: (والحكم بينه وبين محاربه) ش: قال في المقصد الجليل: أي حرم على غيره أن يحكم بينه وبين محاربه لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سمع عليم) * أي اتقوه في التقدم السلمي في إهمال حقه وتضييع حرمته انتهى. ويكون المراد بالمحارب من يكون بينه وبين النبي (ص) خصومة. قال مجاهد في تفسير الآية: لا تفتاتوا على رسول الله حتى يقضي الله على لسان رسوله. ذكره البخاري انتهى من ابن العربي. وقال البساطي: لما عد المحرمات عليه (ص) وأن يحكم بين نفسه وبين محاربه وهذا ليس مرادا قاطعا قال الاقفهسي: لعل معناه أنه (ص) يحكم بين محاربه وبين الغير لانه لا يتهم انتهى. وهذا وإن كان صحيحا في نفسه لكنه بعيد من السياق لانه المصنف يعد المحرمات وهذا من المباحات له دون غيره فتأمله والله أعلم. ص: (ورفع الصوت عليه وندائه من وراء الحجرات وباسمه) ش: قال الاقفهسي: يعني أن من خصائصه (ص) أنه لا يجوز لاحد أن يرفع صوته عليه، ولا أن يناديه من وراء الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول يا محمد بل يقول يا نبي الله يا

________________________________________

[ 14 ]

رسول الله، وحرمته (ص) ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة كالمسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر أن لا يرفع صوته ولا يعرض عنه، وقد نبه الله على ذلك بقوله: * (وإذا قرئ القرآن) * الآية. وكلامه من الوحي وله من الحرمة مثل ما للقرآن إلا في معان مستثناة. انتهى ونحوه والقرطبي عن ابن العربي. وقال في المدخل في فضل العالم: لا فرق بين رفع الصوت في حياته عليه السلام وبين رفعه على حديثه بعد مماته. وكذا قال إمام الحرمين عن مالك بن أنس انتهى. وقال في فصل اللباس: فيرفعون أصواتهم في مجلس الحديث وذلك مكروه انتهى. ويريد والله أعلم بالمكروه الحرام كما يؤخذ من كلامه الاول الذي نقله عن مالك فتأمله. قال القرطبي: وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه الصلاة والسلام، وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجلس العلماء تشريفا لهم إذ هم ورثة الانبياء. فرع: وصرح في المواهب اللدنية في المقصد الرابع بأنه يكره لقارئ حديثه (ص) أن يقوم لاحد، وهو الذي يؤخذ من كلام صاحب المدخل في أول فصل القيام، لكنه يدل على كراهة ذلك كراهة شديدة. ونقل ابن الصلاح في النوع السابع والعشرين من علوم الحديث. روينا أو بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال القارئ لحديث رسول الله (ص) إذا قام لاحد فإنه يكتب عليه خطيئة انتهى. وقوله: وندائه باسمه قال الشيخ السمهودي في تاريخ المدينة المسمى بخلاصة الوفا في أثناء الفصل الثاني في توسل الزائرين به من الباب الثاني: والذي ينهى عنه من ذلك في النداء أن لا يقرن به الصلاة والسلام ونصه: وليقدم ما تضمنه خبر ابن أبي فديك عن بعض من أدركه قال: بلغنا أن من وقف عند قبر النبي (ص) فقال: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * صلى الله عليك يا محمد يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك اليوم حاجة. قال بعضهم: والاولى أن يقول صلى الله عليك يا رسول الله إذ من خصائصه أن لا يناديه باسمه. والذي يظهر أن ذلك في النداء الذي لا تقترن به الصلاة والسلام انتهى. والحجرات جمع حجرة وهي الموضع المحجور من الارض بحائط أو غيره. وسبب النهي أنه (ص) كان لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه، فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الادب. انتهى بالمعنى من القرطبي. ص: (وإباحة الوصال) ش: قال الابي: قال النووي: الوصال صوم يومين فأكثر دون فصل بينهما بفطر. وقال القاضي عياض: كرهه مالك والجمهور لعموم النهي، وأجازه جماعة قالوا: والنهي رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج. وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر. قال الخطابي: هو من خصائصه وحرام على أمته انتهى. ثم قال الابي: وقال النووي: الاصح عندنا أن النهي عنه على التحريم. وقيل

________________________________________

[ 15 ]

على الكراهة. الابي: كرهه مالك ولو إلى السحر. واختار اللخمي جوازه إلى السحر لحديث: من واصل فليواصل إلى السحر (1) وقول أشهب من واصل أساء ظاهره التحريم انتهى. وقال ابن عرفة: وكره مالك الوصال ولو إلى السحر. اللخمي: هو إليه مباح ولحديث: من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر اه‍. قلت: انظر عزو ابن عرفة جوازه إلى السحر للخمي مع أن القاضي عياضا عزاه لابن وهب ونقله عنه الابي وذكر أن اللخمي اختاره. ولفظ الاكمال: اختلف العلماء في أحاديث الوصال، فقيل النهي عنه رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف الايام، وأجازه ابن وهب وإسحاق وابن حنبل من سحر إلى سحر، وحكى ابن عبد البر عن مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي وجماعة من أهل الفقه والاثر كراهة الوصال للجميع لنهي النبي (ص) ولم يجيزوه لاحد. قال الخطابي: الوصال من خصائص ما أبيح للنبي (ص) وهو محظور على أمته انتهى. والله أعلم. ص: (وصفي المغنم والخمس) ش: الخمس معطوف على صفي قال ابن غازي: قال الهروي: إن أعطيتم الخمس وسهم النبي (ص) والصفي فأنتم آمنون. الشعبي: الصفي علق بتخييره (ص) من المغنم ومنه صفية. ابن العربي: من خواصه عليه الصلاة والسلام صفي المغنم والاستبداد بخمس الخمس أو الخمس. ومثله لابن شاس وكأنه إشارة إلى قولين فاقتصر المصنف على الثاني، ولو اقتصر على الاول لكان أولى لانه أشهر عند أهل السير. وفي سماع أصبغ: إنما والي الجيش كرجل منهم له مثل الذي لهم، وعليه مثل الذي عليهم. ابن رشد: لا حق للامام من رأس الغنيمة عند مالك وجل أهل العلم والصفي مخصوص به عليه السلام بإجماع العلماء إلا أبا ثور فرآه لكل إمام، وكذا لا حق للامام في الخمس إلا الاجتهاد في قسمه لقوله عليه السلام، مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود عليكم ومن أهل العلم من

________________________________________

[ 16 ]

ذهب إلى أن الخمس مقسوم على الاصناف المذكورة بالسواء وأن سهمه عليه السلام للخليفة بعده انتهى. قال السهيلي في شرح غزوة حنين: كان في الجاهلية المرباع أي ربع الغنيمة والصفي أي ما يصطفى للرئيس، فنسخ المرباع بالخمس وبقي الصفي. ثم قال: وكان أمر الصفي أنه عليه السلام إذا غزا في الجيش اختار من الغنيمة قبل القسم وضرب له بسهم مع المسلمين، فإن قعد ولم يخرج مع الجيش ضرب له بسهم ولم يكن صفي. وذكره أبو داود. وأمر الصفي بعد الرسول عليه السلام لامام المسلمين في قول أبي ثور وخالفه جمهور الفقهاء وقالوا: كان خاصا بالرسول انتهى. ص: (ويزوج من نفسه ومن شاء) ش: قال الاقفهسي: يعني أنه (ص) كان يزوج المرأة من نفسه ومن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها ومن نفسه يتولى الطرفين انتهى. وقال الشارح بهرام: أي ومما يباح له عليه السلام أن يتزوج من نفسه من شاء نكاحها انتهى. وقوله: ويزوج من نفسه وهو تكرار مع قوله بعد بلا مهر وولي وشهود فتأمله. والله أعلم. ص: (بلا مهر) ش: تصوره واضح وخص أيضا عند مالك بجواز جعل عتق الامة صداقها خلافا للشافعي والله أعلم. ص: (ويحمي له) ش: قال ابن غازي: هذا من زياداته على ابن العربي وابن شاس، وقد ثبت أنه عليه السلام حمى النقيع بالنون وقال: لا حمى إلا لله ورسوله: فلعل القائل بالاختصاص حمله على ظاهره وهو خلاف ما فسره به الباجي إذ قال: يريد أنه ليس لاحد أن ينفرد عن المسلمين بمنفعة تخصه، وإنما الحمى لحق الله ولرسوله أو من يقوم مقامه من خليفته وذلك إنما هو في سبيل الله والنظر في دين نبيه. ذكره في جامع الموطأ عند قول عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل في سبيل الله ما حميت عليهم في بلادهم شبرا. ص: (ولا يورث) ش: قال ابن غازي: قال ابن العربي: وإنما ذكرناه في قسم التحليل لان الرجل إذا قارب الموت بالمرض لم يبق له إلا الثلث،

________________________________________

[ 17 ]

ونفى ملكه (ص) بعد موته على ما تقرر في آية المواريث انتهى. قلت: ويباح له أن يوصي بجميع ماله وينفذ وإن بهبة جميعه. قال الاقفهسي: اختلف هل ما تركه باق على ملكه ينفق على أهله منه كحياته أو سبيله سبيل الصدقات ؟ فالصواب أنه صدقة لقوله عليه الصلاة والسلام ما تركناه صدقة انتهى. وتقدم عند قول المصنف ومدخولته لغيره عن المشاور ما يخالف ما صوبه فتأمله والله أعلم. فائدة: قال في أول كتاب الفرائض من الذخيرة: الانبياء لا يورثون خلافا للرافضة، ورأيت كلاما للعلماء يدل بظاهره على أنهم لا يرثون أيضا. والحكمة في كونهم لا يورثون خشية أن يتمنى وارثهم موتهم فيكفر فإن من تمنى موت النبي (ص) كفر. وفي كونهم لا يرثون على قول من قال به خشية أن يتوهم الموروث أنهم يحبون موته فيبغضهم لذلك والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال ابن غازي: ليس كل ما ذكر هنا مشهورا بل فيه أشياء ما قال بها إلا من شذ كوجوب الضحى واستبداده بجميع الخمس انتهى. قلت: فيه نظر لانه قد قال به جماعة فليتأمل والله أعلم. الثاني: قال ابن غازي أيضا: ليس ما قيل باختصاصه به عليه الصلاة والسلام محصورا فيما ذكر، ففي مسلم عن سفيان أن نومه (ص) لا يوجب وضوءا. وفي رسم قطع الشجرة من الجامع وفي القبس أيضا أنه عليه الصلاة والسلام يحكم وهو غضبان بخلاف غيره، ودليله ما رويناه في صحيح البخاري أنه حكم عليه السلام للزبير على الانصاري الذي أحفظه أي أغضبه إذ قال: إن كان ابن عمتك. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة انتهى. ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام جواز خلوته بالاجنبية كما نقل الدماميني في حاشيته على البخاري في أول كتاب الجهاد في دخوله (ص) على أم حرام بنت ملحان. وقال الشيخ جلال الدين في المباحات: واختص (ص) بإباحة النظر للاجنبيات والخلوة بهن وإردافهن وإباحة المكث في المسجد جنبا والعبور فيه عند المالكية، وأنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم ولا باللمس في أحد الوجهين وهو الاصح. وبجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه. ذكره في شرح المهذب، وقاعدا ذكره في الخادم، وبجواز الصلاة على الغائب عند أبي حنيفة " وعلى القبر عند المالكية انتهى. قلت: وكذا الغائب عند المالكية، وذكر ابن العربي في الاحوذي أنه قال: اختص بإباحة الكلام لامته في الصوم وكان محرما على من قبلنا عكس الصلاة. وقال الاسيوطي: فيما اختص به (ص) من الواجبات عليه ركعتا الفجر. قال: لحديث في المستدرك وغيره. وغسل الجمعة ورد في حديث رواه. وأربع عند الزوال ورد عن سعيد بن المسيب. وبالوضوء لكل صلاة بالوضوء إذا أحدث قيل: ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما حين يتوضأ ثم نسخ. قيل:

________________________________________

[ 18 ]

وبالاستعاذة عند القراءة وأن يقول إذا رأى ما يعجبه لبيك إن العيش عيش الآخرة في وجه حكاه في الروضة. وإتمام كل تطوع شرع فيه، وأن يدفع بالتي هي أحسن. وكلف من العمل ما كلف الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس انتهى. وحرم عليه (ص) الخط وقول الشعر وتعلمه. قال القرطبي: وذكر النقاش أنه (ص) ما مات حتى كتب والاول هو المشهور انتهى. وقد تكلم على ذلك الدماميني في كتاب الصلح من حاشية البخاري والله أعلم. وقال في الشفاء في فصل عصمة الانبياء قبل النبوة: والصحيح أنه لم يكن لنبي دعوة عامة إلا لنبينا محمد (ص) انتهى. كتاب الاحوال الشخصية باب في النكاح ص: (ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر) ش: النكاح حقيقة التداخل ويطلق في الشرع على العقد والوطئ، وأكثر استعماله في العقد. والصحيح أنه لا يطلق على الصداق، وقيل ورد بمعنى الصداق في قوله * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) * ابن راشد: ولا خلاف أنه حقيقة في الوطئ عند أهل اللغة، وأما إطلاقه على العقد فقيل حقيقة، والصحيح أنه مجاز وعليه فقيل مجاز مساو، وقيل: راجح وهو الصحيح. انتهى بالمعنى من التوضيح. ويقال كل نكاح في كتاب الله فالمراد به العقد إلا قوله * (حتى تنكح زوجا غيره) * قال في الذخيرة: وكأنه يريد المتفق عليه وإلا فقيل في قوله تعالى * (الزاني لا

________________________________________

[ 19 ]

ينكح إلا زانية) * المراد الوطئ وكما قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: النكاح عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الاجماع على الآخر. فيخرج عقد تحليل الامة وإن وقع ببينة، ويدخل نكاح الخصي والطاريين لانه ببينة صدقا فيها، ولا يبطل عكسه نكاح من ادعاه بعد ثبوت وطئه بشاهد واحد أو فشو بنائه باسم النكاح لقول ابن رشد: عدم حده للشبهة لا لثبوت نكاحه انتهى. والمحتاج إلى النكاح هو الذي تتوق نفسه إليه وإن عدم آلته كالخصي. والاهبة العدة والمؤنة والمراد بها هنا مؤن النكاح من مهر وغيره وهو المراد بقوله (ص) فيما رواه الشيخان يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فقوله من استطاع منكم الباءة يريد المال الموصل للوطئ وليس المراد الوطئ وإلا لفسد قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم. والباءة بالباء الموحدة والمد والهمزة وآخره تاء تأنيث هو النكاح والمراد به مؤن النكاح فهي على حذف مضاف. قال القاضي عياض في المشارق: قوله عليكم بالباءة ممدود مهموز آخره تاء ويقال له بالمد وبغير مد، ويقال له أيضا الباه بالقصر والمد والباهة بتاء بعد الهاء هو النكاح ويسمى به الجماع، وأصله أن من تزوج تبوأ لنفسه وزوجه بيتا. فعلى هذا أصله من الواو لا من المهموز الاصلي انتهى. وقوله وجاه بكسر الواو والمد. قال في المشارق: وهو نوع من الخصاء. قيل هو رض الانثيين، وقيل هو غمز عروقهما، والخصاء هو شق الخصيتين واستئصالهما، والجب قطع ذلك بشفرة محماة من أصله، شبه ما يقطع الصوم من النكاح ويكسر من غلمته بذلك إذا صنع بالفحل انقطع ذلك عنه انتهى. واعلم أن الصوم يقطع النكاح لاضعافه القوة وتخفيفه الرطوبة التي يتولد منها المني، وقد يزيد في النكاح في حق المرطوبين فيقربون به من الاعتدال فيقوي عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس. قاله في الذخيرة. ولم يذكر المصنف إلا القسم المندوب وقيده بأن يكون محتاجا للنكاح ذا أهبة ولا بد أن يقيد أيضا بأن لا يخشى العنت. قال اللخمي: وإن كان له أرب في النساء إلا أنه يقدر على التعفف أو كان لا أرب له ويصح منه النسل كان مندوبا انتهى. قال في الشامل: تعين لخوف عنت وعدم إمكان تسر نكاح لم يكفه صوم وخير فيه وفي تسر قدر عليه، فإن كفه الصوم خير فيه وفي أحد الثلاثة والنكاح أولى انتهى. قال اللخمي: وقد يبدأ بالصوم على النكاح إذا كان لا يقدر على التسري ولا يجد طولا لنكاح الحرة لان في تزويجه الامة إرقاق ولده انتهى. فإن كان لا يقدر على نكاح الامة أيضا فيتعين عليه الصوم لانه سيأتي أنه

________________________________________

[ 20 ]

يمنع إذا لم يقدر على نفقة المرأة. ثم قال في الشامل: وأبيح لمن لا يولد له ولا يرغب في النساء انتهى. قال اللخمي: إذا كان لا أرب له في النساء ولا يرجو نسلا لانه حصور أو خصي ومجبوب أو شيخ فإن أو عقيم قد علم ذلك من نفسه كان مباحا انتهى. ويقيد هذا بما إذا لم يقطعه عن عبادته كما سيأتي، وأن تعلم المرأة منه كونه حصورا أو خصيا أو مجبوبا لانه سيأتي أنه يحرم عليه إذا كان يضر بالمرأة لعدم الوطئ. وأما العقم فالظاهر أنه لا يجب إخبارها به لانه ليس بعيب يوجب الخيار ولانه لا يقطع به فلعله يولد له من هذه وإن لم يولد له من غيرها والله أعلم. ثم قال في الشامل: وكره لمن لا يشتهيه ويقطعه عن عبادته. انتهى من ابن عرفة عن المازري. فإن لم يقطعه فعد يقال يندب إليه وقد يقال يباح انتهى. والظاهر أنه يفصل فيه على ما تقدم فإن كان يرجى النسل كان مندوبا، وإن لم يرجه كان مباحا على ما تقدم. ثم قال في الشامل بعد ذكره هذه الاقسام: وكذلك المرأة إلا في التسري. انتهى وقال ابن عرفة. قلت: ويوجب النكاح على المرأة عجزها عن قوتها أو سترتها إلا بالنكاح انتهى. ثم قال في الشامل: ومنع لمضر بالمرأة لعدم نفقة أو وطئ أو كسب محرم ولم يخش عنتا انتهى. ومفهومه أنه لو خشي العنت أنه يتزوج ولو كان عادما للنفقة ونحوها، والظاهر أنه يجب عليه أن يبين لها ذلك والله أعلم. تنبيه: قول المصنف بكر ليس قيدا في كون النكاح مستحبا بل هو مستحب آخر، فلو قال ندب نكاح وبكر لكان أوضح ولهذا قال ابن غازي في بعض النسخ: نكاح وبكر تصريحا بأنهما مندوبان وهو المقصود على كل حال. قال في العارضة: ولو لم يكن في البكر إلا أنه كلما فعلته ترى أنه المقصود المحبب، فإذا كانت ثيبا قرنت فعلك مع ما تقدم معها من فعل غيرك وفاضلت بينكما فرفضتك لو علمتك إلى غير ذلك مما يطول انتهى. ويستحب نكاح الولود للحديث قال في النوادر: ورغب (ص) في نكاح الولود. وقالت عائشة: بنت الخمسين لا تلد. وقال عمر: بنت عشر سنين تسر الناظرين، وبنت عشرين لذة للمعانقين، وبنت ثلاثين ذات شحم ولين، وبنت أربعين ذات بنات وبنين، وبنت خمسين عجوز في الغابرين انتهى. وقال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب الجامع ابن القاسم يرفعه إلى النبي (ص) لا تنكح المرأة لجمالها ولا لمالها فلعل جمالها لا يأتي بخير ولعل مالها لا يأتي بخير، وعليكم بذوات الدين فاتبعوهن حيثما كن انتهى. فائدة: قال البرزلي: وفي طرر ابن عات حديث من يمن المرأة تبكيرها بالبنت ذكره خالد بن سعيد في نوادره وهو قول لمحمد بن لبابة، وكان من أهل الحديث والمعرفة بطرقه وبالرجال أو حد في ذلك الفن لا نظير له. قلت: تقدم لنا أن فيها معنى الفرج بعد الشدة كما في تأويل الرؤيا، وفيه دليل على غبطة المرأة بزوجها ومحبتها له والله أعلم انتهى.

________________________________________

[ 21 ]

ص: (ونظر وجهها وكفيها فقط بعلم) ش: ويكره له أن ينظر إليها بغير علمها عند ابن القاسم: قاله في رسم طلق من سماعه من كتاب النكاح. وقال في التوضيح: فإن لم تعلم كره في رواية ابن القاسم أن يستغفلها. وروى محمد بن يحيى: لا بأس أن ينظر إليها وعليها ثيابها. قال في البيان: يحتمل أن يكون متغفلا لها أو بعد إعلامها انتهى. وانظر الكراهة هل هي على بابها أو على التحريم ؟ وقع في عبارة بعضهم ما يقتضي المنع، وفي عبارة بعضهم ما يقتضي أن الكراهة على بابها. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: مشهور المذهب لا يجوز النظر إليها إلا بعد إعلامها به لا غفلة انتهى. فظاهره المنع. وقال القباب في مختصر أحكام النصر لابن القطان: مذهب مالك الجواز إذا كان بإذنها ثم قال: مسألة لا يحتاج في نظره إليها بعد عزمه إلى نكاحها وخطبته لها إلى استئذانها، وأباح مالك ذلك وكره مالك أن يغفلها من كوة ونحوها. وذكر بعضهم أنه يشترط عند مالك إذنها ولعله لسد الذريعة مخافة أن يتسبب أهل الفساد بالنظر فإذا اطلع عليهم يقولون كنا خطابا، وأباح الشافعي وابن وهب النظر من غير شرط انتهى. فظاهره أن الكراهة على بابها لمقابلة الكراهة بما ذكره بعضهم من الاشتراط، وأكثر عباراتهم الكراهة، أو يقولون لا يغتفلها أو نحو ذلك مما لا دلالة فيه على المنع. وكلام ابن رشد في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح يدل على أن الكراهة على بابها، وكذلك كلام صاحب الاكمال وغيرهما. وما وقع في عبارة بعضهم مما يقتضي المنع فليس بظاهر، والظاهر أن الكراهة على بابها والله أعلم. وقال ابن رشد: أجاز ذلك ابن وهب ولم ير به بأسا للآثار المروية فيه، وقيل لاصبغ، بلغنا أن ابن وهب روى عن مالك إجازته فقال: لم يكن ابن وهب يرويه وإنما كان يقوله برأيه. فرع: قال ابن القطان في أحكام النظر: فإن علم الخاطب أنها لا تجيبه هي أو وليها لم يجز له النظر وإن كان قد خطب انتهى.

________________________________________

[ 22 ]

فرع: قال ابن القطان: وللرجل أن يبعث امرأة تنظر له وروي أنه (ص) بعث أم سليم تنظر إلى امرأة وقال لها: شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبها انتهى. فلو بعث خاطبا فقال البرزلي: انظر هل يفوض إليه في النظر إليها على حسب ما كان له وينزل منزلته أم لا يصح ذلك إلا للناكح فقط ؟ وقد نزلت وتكلمنا فيها هل يتنزل الوكيل منزلة الموكل على ما تقرر في الاصول أم لا، لان هذا مما لا يصح فيه النيابة ؟ والظاهر الجواز ما لم يخف عليه مفسدة من النظر إليها. وهذا إذا لم يخطب إلا لمن بعثه وإن خطب لنفسه معه فجائز كما فعل عمر انتهى. فرع: قال ابن القطان: ولها أن تتزين للناظرين، بل لو قيل: بأنه مندوب ما كان يعيدا، ولو قيل: إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد انتهى. فرع: هل يستحب للمرأة نظر الرجل ؟ لم أر فيه نصا للمالكية والظاهر استحبابه وفاقا للشافعية قالوا: يستحب لها أيضا أن تنظر إلى وجهه وكفيه. وقد قال ابن القطان: إذا خطب الرجل امرأة هل يجوز له أن يقصدها متعرضا لها بمحاسنه التي لا يجوز إبداؤها إليها إذا لم تكن مخطوبة ويتصنع بلبسه وسواكه ومكحلته وخضابه ومشيه وركبته، أم لا يجوز له إلا ما كان جائزا لكل امرأة ؟ هو موضع نظر والظاهر جوازه ولم يتحقق في المنع إجماع. أما إذا لم يكن خطب ولكنه يتعرض لنفسه ذلك التعرض للنساء فلا يجوز لانه تعرض للفتن وتعريض لها ولولا الظاهر ما أمكن أن يقال ذلك في المرأة التي لم تخطب على أنا لم نجزم فيه بالجواز. انتهى من مختصر أحكام النظر للقباب. فرع: قال في التوضيح: يجوز النظر للشابة الاجنبية الحرة في ثلاثة مواضع: للشاهد وللطبيب ونحوه وللخاطب. وروي عن مالك عدم جوازه للخاطب ولا يجوز لتعلم علم ولا غيره انتهى. زاد الاقفهسي في المواضع التي يجوز النظر فيها البيع والشراء انتهى. ومقتضى كلام القباب في مختصر أحكام النظر لابن القطان أنه لا يجوز النظر إليهن للبيع والشراء فإنه قال مسألة ليس من الضرورات احتياجها إلى أن تبيع وتبتاع أو تتصنع وقد روي عن مالك أرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم ولا تترك الشابة تجلس إلى الصناع وأما المتجالة والخادم الدون ومن لا يتهم على القعود عنده ومن لا يتهم فلا بأس بذلك وهو كله صواب، فإن أكثر هذه ليست بضرورة تبيح التكشف فقد تصنع وتستصنع وتبيع وتشتري وهي مستترة، ولا يمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن ولو كن معتدات وإلى المسجد، وإنما يمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين، بل يخرجن وهن منتقبات ولا يخفقن في المشي في الطرقات بل يلصقن بالجدرات. انتهى من مختصر أحكام النظر. تنبيه: من أبيح له النظر فلا يجوز له قصد اللذة، وكذلك النظر إلى الامرد لا يجوز فيه

________________________________________

[ 23 ]

قصد اللذة والله أعلم. ص: (وحل لهما حتى نظر الفرج) ش: قال البساطي: في كلامه ما يشعر بأنه يجوز نظر الدبر وفيه نظر انتهى. وقال الاقفهسي: المراد بالفرج القبل لا الدبر لانه لا يجوز التمتع به فلا يجوز النظر إليه، والفرج حيث أطلقته العرب فلا يريدون به إلا القبل انتهى. وقال البرزلي بعد ذكره تحريم الوطئ في الدبر: وأما التمتع بظاهر ذلك المحل فقد فاوضت فيه بعض أصحابنا لا شيوخنا لعدم المجاسرة عليه في مثل هذا فأجاب بإباحته ولم يبدله وجها. ووجهه عندي أنه كسائر جسد المرأة وجميعه مباح إذا لم يرد ما يخص بعضه عن بعض بخلاف باطنه، والامر عندي فيه اشتباه فإن تركه فهو خير وإلا فلا حرج لعسر الاحتراز منه والله أعلم. انتهى فتأمله مع كلام البساطي والاقفهسي: وما قاله أظهر من كلام البساطي والاقفهسي. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: النكاح والملك المبيح للوطئ يحل كل استمتاع من الزوجة والامة في كل موضع منها إلا الدبر يعني الوطئ في الدبر انتهى. وهو مما يساعده ما ذكره البرزلي. قلت: وهذا كله والله أعلم إنما هو في الدبر نفسه، وأما الاليتان فلا كلام في جواز النظر إليهما والاستمتاع بهما ويدل لذلك إباحة وطئ المرأة مقبلة ومدبرة إذا كان الوطئ في القبل وهذا ظاهر والله أعلم. فرع: قال القباب في باب نظر النساء إلى الرجال: مسألة نظر المرأة إلى الزوج أو إلى السيد كنظرهما إليها في جميع ما تقدم سواء، ولا فرق إلا في نظرها إلى فرجه فإنه لم يرد فيه من النهي ما ورد في نظره هو إلى فرجها انتهى. فائدة: قال أصبغ: من كره النظر إلى الفرج إنما كره بالطب لا بالعلم ولا بأس به وليس بمكروه. قال القباب في باب نظر الرجال إلى النساء: مسألة إذا كانت المرأة يحل للرجل وطؤها فلا كلام إلا في نظره إلى فرجها فإنه موضع خلاف أجازته المالكية. وقيل لاصبغ: إن قوما يذكرون كراهته فقال: من كرهه إنما كرهه بالطب لا بالعلم ولا بأس به وليس بمكروه. وقد روي عن مالك أنه قال: لا بأس أن ينظر إلى الفرج في حال الجماع. وزاد في رواية: ويلحسه بلسانه وهو مبالغة في الاباحة وليس كذلك على ظاهره. قال القاضي أبو الوليد بن رشد: أكثر العوام يعتقدون أنه لا يجوز أن ينظر الرجل إلى فرج امرأته في حال من الا حوال، ولقد سألني

________________________________________

[ 24 ]

عن ذلك بعضهم واستغرب أن يكون ذلك جائزا، ومثل ذلك مذهب الحنفية وللشافعية قولان: الاباحة والمنع. والنظر عندهم إلى داخل أشد، قاله الغزالي وأعرف لابي إسحاق منهم أنه قال: يكره النظر إليه لانه سخف ودناءة ولا يحرم وجاء في حديث النهي عنه وأنه يورث العمى. فإن صح الخبر لزمه الانتهاء ولكن الحديث منكر انتهى. والمسألة في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح بأبسط من هذا ونصها: قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل أيكلم الرجل امرأته وهو يطؤها ؟ قال: نعم ويفديها لا بأس بذلك إجارة منه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا الدراوردي عمن حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن النخير عند ذلك فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم. فسئل أصبغ: أينظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطئ ؟ قال: نعم لا بأس بذلك. فقيل له: إن قوما يذكرون كراهته فقال: من كرهه إنما كرهه بالطب ليس بالعلم لا بأس به وليس بمكروه. قال ابن رشد في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطئ قال: نعم ويلحسه. فطرح العتبي لفظه ويلحسه لانه استقبحه. وفي كتاب ابن المواز: ويلحسه بلسانه وهو أقبح إلا أن العلماء يستجيزون مثل هذا إرادة البيان ولئلا يحرم ما ليس بحرام فإن كثيرا من العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من الاحوال، وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزا. وكذا يكلم الرجل امرأته عند الوطئ لا إشكال في جوازه ولا وجه لكراهته، وأما النخير عند ذلك فقبيح ليس من أفعال الناس، وترخيص القاسم بن محمد في ذلك لمن سأله عنه على معنى أن ذلك ليس بحرام والله أعلم. ص: (وتمتع بغير دبر) ش: تصوره ظاهر. وانظر هل يجوز له أن يستمني بيدها ؟ قال ابن غازي: لم نقف على نص في المذهب ونص على جواره في الاحياء. انتهى ذكره في باب الحيض وإطلاقات المذهب والاحاديث تقتضي جواز ذلك والله أعلم. وأما الوطئ في الدبر المشهور ما ذكره المصنف أنه لا يجوز، والقول بالجواز منسوب لمالك في كتاب السر، وموجود له في اختصار المبسوط. قاله ابن عبد السلام: قال قال مالك: إنه أحل من شرب الماء البارد. أما كتاب السر فمنكر. قال ابن فرحون: وقفت عليه فيه من الغض من الصحابة والقدح في دينهم خصوصا عثمان رضي الله تعالى عنه ومن الحط على العلماء والقدح فيهم ونسبتهم إلى قلة الدين مع إجماع أهل العلم على فضلهم خصوصا أشهب: ما لا أستبيح ذكره وورع مالك ودينه ينافي ما اشتمل عليه كتاب السر وهو جزء

________________________________________

[ 25 ]

لطيف نحو ثلاثين ورقة انتهى. وقال ابن عرفة: سمع عيسى ابن القاسم: ما أدركت من يقتدي به يشك فيه حدثني ربيعة عن سعيد بن يسار عن ابن عمر: لا بأس به. وأباحه ابن القاسم قائلا: لا آمر به ولا أحب أن لي مل ء المسجد الاعظم وأفعله، وكل من استشارني فيه آمره بتركه انتهى. وقال البرزلي: لقي أشهب رجلا أراه من أهل العراق ممن يقول بتحريمه يعني الوطئ في الدبر فتكلم فيه فقال أشهب بتحليله، وقال الرجل بتحريمه، فتحاجا حتى قطعه أشهب بالحجة فقال له أشهب: أما أنا فعلي من الايمان كذا وكذا إن فعلته قط فاحلف لي أنت أيضا أنك لم تفعله فأبى أن يحلف. ثم قال البرزلي: والرواية أن من فعله فإنه يؤدب وهو بناء على تحريمه وعلى أنه مكروه أو مباح فلا يؤدب إذ ليس بمجمع على كراهته انتهى. ص: (وخطبة بخطبة وعقد) ش: الخطبة بكسر الخاء. قال في التوضيح: عبارة عن استدعاء النكاح وما يجري من المجاورة انتهى. وقال القرطبي: الخطبة - بكسر الخاء - فعل الخطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول انتهى. والخطبة بالضم واحدة الخطب وهي مشروعة في الخطبة وفي العقد. قال مالك: ما قل منها أفضل: قال في التوضيح قال بعض الاكابر: أقلها أن يقول الولي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله زوجتك على كذا. ويقول الزوج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله قبلت نكاحها. وفي الذخيرة قال صاحب المنتقى: تستحب الخطبة - بالضم - عند الخطبة - بالكسر - وصفتها أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على نبيه عليه السلام ثم يقول ما رواه الترمذي * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * * (واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا) * * (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * الآية. ثم يقول: أما بعد فإن فلانا رغب فيكم وانطوى إليكم وفرض لكم الصداق كذا وكذا فانكحوه. وفي الجواهر: يستحب أيضا عند العقد انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وتستحب الخطبة بالضم التي هي الثناء على الله والصلاة على نبيه وقراءة آية مناسبة عند الخطبة بالكسر. قال مالك: وما خف منها أحسن انتهى. فتحصل من هذا أن الخطبة بضم الخاء تستحب من الخاطب ومن المجيب له قبل إجابته ومن الزوج ومن المتزوج. وحكى ابن عرفة في استحباب خطبة المجيب في الخطبة قولين: أحدهما عدم استحبابها، والثاني استحبابها، وعزا الاول لظاهر قول محمد، والثاني لابن حبيب وهو الذي

________________________________________

[ 26 ]

تقدم في كلام التوضيح المتقدم واقتصر عليه في المقدمات قال: ويستحب إخفاء خطبة النكاح وأن يبدأ الخاطب قبل الخطبة بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه عليه الصلاة والسلام ويجيبه المخطوب بمثل ذلك قبل الاجابة انتهى. وصرح الفاكهاني في أول شرح الاربعين بأنه يستحب البداءة بالحمد لله للخاطب والمتزوج والمزوج والله أعلم. فروع: الاول: قال في الطراز: قال أبو عبيد: تستحب الخطبة يوم الجمعة بعد العصر وذلك لقربه من الليل وسكون الناس فيه والهدو فيه، ويكره في صدر النهار لما فيه من التفرق والانتشار. الثاني: يستحب عقده في شوال والابتناء بها فيه لان عائشة حكت أن النبي (ص) تزوج بها في شوال وبنى بها فيه، وقد حكى أن رسول الله (ص) كان يستحب النكاح في رمضان والاول أصح. انتهى من الطراز. ولم يحك في مختصر المتيطية إلا أنه (ص) كان يستحب النكاح في رمضان وفيه تزوج عائشة والله أعلم. الثالث: قال في التوضيح: ويستحب إعلان النكاح وإشهاره وإطعام الطعام عليه. روى الترمذي والنسائي عنه عليه الصلاة والسلام قال اعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف وروي أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت انتهى. قول صاحب التوضيح: وقال الجزولي في شرح الرسالة: وشاهدين ومن فضائله الاعلان لانه روي أن رسول الله (ص) مر بدار فسمع لعبا فقال: ما هذا ؟ فقيل له: الوليمة. فقال: هذا نكاح ولي بسفاح اعقدوه في المساجد واضربوا فيه بالدف انتهى. فأما استحباب إعلانه فتقدم التصريح به في كلام التوضيح وهو معنى قول الجزولي وفضائله ونص على استحبابه غير واحد من أهل المذهب، وأما العقد في المسجد فعده المصنف وغيره من الجائزات فقال في باب موات الارض: وجاز بمسجد سكنى رجل تجرد للعبادة وعقد نكاح. ولم أر الآن من صرح باستحباب العقد فيه من أهل المذهب والله أعلم. الرابع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويستحب كتمان الامر إلى العقد انتهى. وتقدم عن المقدمات نحوه والله أعلم. ص: (وتهنئته والدعاء له) ش: قال في النوادر: قال ابن حبيب: واستحبوا تهنئة الناكح والدعاء له، وكان مما يقال له بالرفاء والبنين بارك الله له ولا

________________________________________

[ 27 ]

بأس بالزيادة على هذا من ذكر السعادة وما أحب من خير قال: والرفاء الملاءمة يقال رفأت الثوب لاءمت بين حرفيه انتهى. وذكر النووي في الاذكار أنه يكره أن يقال بالرفاء والبنين،. ولم أر كراهته لاحد من المالكية. والرفاء بكسر الراء والمد الالتئام والاتفاق وهمزته أصلية. قال ابن السكيت: إن كان معناه السكون فأصله غير الهمزة من قولهم رفوت الرجل إذا سكنته. انتهى من الشمني على حاشية المغني. ونص ابن السكيت: وقد رفأت الثوب ارفؤه رفأ، وقولهم بالرفاء والبنين بالالتئام والاجتماع وأصله الهمزة، وإن شئت كان معناه بالسكون والطمأنينة فيكون أصله غير الهمزة، ويقال رفوت الرجل إذا سكنته قال الهذلي: رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم تنبيه: قال في الشامل: وتهنئة عروس عند عقد ودخول انتهى. والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة. قاله في الصحاح، وكذا قاله في الكبير، ويقال لكل من الزوجين بارك الله لكل منكما في صاحبه انتهى. فرع: قال في النوادر: وقال ابن حبيب: وقد روي عن النبي (ص) فيمن ابتنى بزوجته أن يأمرها أن تصلي خلفه ركعتين ثم يأخذ بناصيتها ويدعو بالبركة انتهى. وقال في الاذكار للنووي: يستحب أن يسمي الله ويأخذ بناصيتها ويقول: بارك الله لكل واحد منافي صاحبه. ويقول: ما رويناه بالاسانيد الصحيحة في سنن أبي داود عن النبي (ص) قال إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه انتهى. ص: (وإشهاد عدلين غير الولي) ش: ظاهره اشتراط العدالة عند تحمل الشهادة في النكاح وهو المذهب فشهادة غير العدول فيه كالعدم. قال في المدونة: وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز فإن لم يدخلا أشهدا الآن عدلين مسلمين انتهى. قال أبو الحسن: ويفرق بينهما بعد الدخول بطلقة ويحد على ما تقدم إن ثبت الوطئ انتهى. وقال القرطبي في أوائل شرح مسلم: ومقتضى الآية أعني قوله * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * الآية أن الفاسق لا يقبل خبره، رواية كان أو شهادة، وهو مجمع عليه في غير المتأول ما خلا ما حكي عن أبي حنيفة من حكمه بصحة عقد النكاح الواقع بشهادة فاسقين انتهى. فعزاه لابي حنيفة. وفي القوانين: ويشترط عدالة الشاهدين فيه خلافا

________________________________________

[ 28 ]

لابي حنيفة انتهى. وفي البخاري في كتاب الشهادات ما يقتضي الرد على أبي حنيفة في قوله يجوز النكاح بشهادة غير العدول. وفي مسائل الطلاق من البرزلي: وسئل السيوري فيمن طلقت ثلاثا وتزوجها آخر ببينة غير عدول ودخل بها وأقام شهورا قليلة ثم طلقها وتزوجها الاول. فأجاب: لا تبقى مع زوجها ولا تحل له بهذا النكاح إذا كانا غير عدلين ولو حضر جماعة كثيرة عقد النكاح، فقد أجيب عنه في هذا. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: وشاهدين وشرطهما أن يكونا عدلين، فإن لم يجدوا العدول وإلا استكثروا الشهود مثل الثلاثين والاربعين انتهى. تنبيهات: الاول: قال البرزلي في مسائل النكاح عن السيوري: لا يشهد في النكاح إلا العدول في الوكالة يعني في توكيل المرأة الثيب من يعقد نكاحها وفي العقد غير أنه إن ترك ما ذكر يعني من شهادة غير العدول عليها في الوكالة على العقد وعلم منها الرضا والدخول بعد علمها مضى النكاح انتهى. وقال الدماميني في كتاب الشهادات من حاشية البخاري: قال ابن المنير: ونحن نشترط في جواز الدخول تقدم الاشهاد قبل النكاح ولو دخل قبل أن يشهد حد ولا بد من الفسخ وفيه أنه نكاح السر، ثم إنا نجوز شهادة المستأمر على إذن المرأة وهو ركن في العقد للضرورة. الثاني: قال البرزلي: وفي الطراز: شهادة الخاطبين لا تجوز لانهما خصمان. وقيل: إنما ذلك إذا أخذا على ذلك أجرا، فإن لم يأخذا أجرا جازت شهادتهما لانهما لا يجران لانفسهما شيئا وكانت الفتيا تجري على هذا. وقال ابن رشد: شهادة الشاهد في عقد النكاح الذي كان خاطبا فيه جائزة إذ ليس فيه وجه من أوجه التهمة القادحة في الشهادات. وأعرف لابن رشد في نوازله أن شهادة المشرف لمن له الاشراف عليه جائزة إذ ليس بيده قبض، ولغيره أنها ضعيفة لان له مطلق النظر انتهى. الثالث: قال البرزلي: سئل اللخمي عمن زوج أخته البكر بإذن وصيها، هل يتم النكاح بشهادة الوصي لعدالته ؟ فأجاب: لا يجوز شهادة الوصي في النكاح إذ هو المنكح انتهى. الرابع: قال الشيخ يوسف بن عمر: وأجرة كاتب الوثيقة على من جرب العادة بها من الزوج والولي، فإن لم يكن هناك عادة فعليهما معا لان ذلك حق لهما، ولا تجوز الاجرة على الشهادة باتفاق ولكن جرى العمل بذلك. قال بعض الشيوخ: ولا أدري من أين أخذوا ذلك وقد كان قبل هذا الزمان لكاتب الوثيقة معلوم والشاهد معلوم ولا يعمل إلا وضع شهادته ولا يأخذ شيئا انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: فإن لم يشهد يؤخذ منه أن أجرة الوثيقة عليهما معا. وهذا إذا لم يكن هناك عرف، وأما إذا كان هناك عرف فيقضي به. قال صاحب المنهاج: وأما الاجرة على الشهادة فلا تجوز من غير خلاف، ويا عجبا لمن يفعل ذلك من أين له

________________________________________

[ 29 ]

في ذلك كتاب أو سنة انتهى. ص: (وفسخ إن دخل بلا هو) ش: مفهوم الشرط إن دخلا بعد الاشهاد لا يفسخ ولو كان الاشهاد بعد العقد وهو كذلك إلا أن يكون قصد إلى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه. قال في المقدمات: الاشهاد إنما يجب عند الدخول وليس من شروط صحة العقد، فإن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح ويشهدان فيما يستقبل إلا أن يكونا قصدا إلى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه لنهيه عليه السلام عن نكاح السر، ويؤمر أن يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد، فإن دخلا في الوجهين جميعا فرق بينهما، وإن طال الزمان بطلقة لاقرارهما بالنكاح وحدا إن أقرا بالوطئ إلا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بالشبهة انتهى. ومراده والله أعلم بالوجهين النكاح على وجه الاستسرار وعدمه. وقول ابن رشد: لاقرارهما بالنكاح تعليل لكونه يفرق بينهما بطلقة وتكون بائنة كما قال ابن الحاجب. قال في التوضيح: لانه من الطلاق الحكمي، وقاعدة المذهب أن كل طلاق يوقعه الحاكم فهو بائن إلا طلاق المولى والمعشر بالنفقة انتهى. تنبيهات: الاول: قال ابن عرفة: ولا يعقد إلا بعد الاستبراء ويحدان إن أقرا بالوطئ إلا أن يكونا مستفتيين أو فشا نكاحهما، ثم ذكر بقية الكلام على الفشو وعدمه. وقال في اللباب: والشاهد الواحد لهما بالنكاح أو بابتنائهما باسم النكاح وذكره واشتهاره كالامر الفاشي. انتهى والله أعلم. الثاني: شهادة الولي لا تدرأ الحد ولو كان غير عاقد. قال في المدونة: إن وجد رجل وامرأة في بيت فشهد أبوها أو أخوها بعقدها لم يجز نكاحه ويعاقبان. قال أبو الحسن: وفي كتاب الحدود في القذف: وإن ثبت الوطئ حدا انتهى. الثالث: علم من هذا أنه لم يثبت الوطئ لا بالاقرار ولا بالبينة، ولكن حصلت الخلوة أنهما يعاقبان. وكذا لو اعترف أحدهما بالوطئ وأنكر الثاني فيحد المعترف ويعاقب الآخر. وقال الشيخ أبو الحسن: يقوم من هنا أن الهاربين يعاقبان وإن ثبت الوطئ حدا ولا يرفع حكم الخلوة من يكون معهم لانهم أشرار انتهى. الرابع: قال في المدونة: تجوز شهادة الافذاذ في النكاح والعتاق. عياض: الافذاذ المتفرقون وهو أن لا يجتمع الشهود على شهادة المتناكحين والولي إذا عقدوا النكاح وتفرقوا قال: كل واحد لصاحبه أشهد من لقيت. أبو الحسن: فيكون على هذا شاهدان على الزوج وشاهدان

________________________________________

[ 30 ]

على الولي وشاهدان على المرأة إن كانت ثيبا انتهى. قال ابن فرحون في التبصرة عن أبي إبراهيم: وفي البكر ذات الاب بأربعة: شاهدان على المنكح وشاهدان على الناكح، وأما إن أشهد كل منهم الشهود الذين أشهدهم صاحبه مرة بعد مرة فليست بأفذاذ انتهى. والظاهر أن البكر بلا ولي مجبر مثل الثيب والله أعلم. فرع: قال ابن الهندي في وثائقه: شهادة الافذاذ لا تعمل شيئا إذا أشهد كل واحد منهم بغير نص ما شهد به صاحبه وإن كان معنى شهادتهم واحدا حتى يتفق شاهدان على نص واحد انتهى. وسماها ابن فرحون شهادة الابداد. قال: قال القاضي منذر بن سعيد في غريب المدونة: الابداد بدالين مهملتين وهم المنفرقون واحدهم بد من التبدد لتفرق الشهود. انتهى كلامه. ص: (ولا حد إن فشا ولو علم) ش: قال الاقفهسي: يعني لا حد على الزوجين إن ثبت الوطئ ببينة أو إقرار انتهى. ودخل في كلامه صورتان بالمنطوق: وهما لفشو مع العلم والجهل، ودخل فيه أيضا صورتان بمفهوم الشرط وهو كالمنطوق وهما: عدم الفشو مع العلم والجهل. والحد في الاولى متفق عليه، وفي الثانية عند ابن الماجشون وابن حبيب قائلين الشاهد الواحد كالفشو. انظر التوضيح. وأما إن جاءا مستفتيين فلا حد عليهما كما تقدم في كلام ابن عرفة والله أعلم. ص: (وحرم خطبة راكنة لغير فاسق) ش: قال في التوضيح: لقوله عليه السلام: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه واشتراط الركون لكونه عليه الصلاة والسلام أباح خطبة فاطمة بنت قيس لاسامة وقد كانت خطبها معاوية وأبوالجهم، وأيضا فإنها لما ذكرت لرسول الله (ص) أن معاوية وأبا جهم خطباها ولم ينكر ذلك، ومن العادة أنهما لا يخطبان دفعة دل ذلك على جواز الخطبة على الخطبة، والركون ظهور الرضا انتهى. وقال الشيخ زروق: الركون التفاوت بوجه يفهم منه إذ عان كل واحد لشرط صاحبه وإرادة عقده وإن لم يفرض صداق وقاله ابن القاسم. انتهى من شرح الارشاد. ومقابل المشهور لابن نافع وباشتراط تقدير الصداق وهو ظاهر الموطأ. قاله في التوضيح. وقوله لغير فاسق يقتضي أن الراكنة للفاسق يجوز لغيره أن يخطبها. قال البساطي: والمنقول عن ابن القاسم أنها إذا ركنت للفاسق جاز للصالح أن يخطبها. وهذا أخص من كلامهم فإنه إذا كان الثاني مجهول الحال يصدق عليه كلامهم ولا يصدق عليه كلام ابن القاسم انتهى. قلت: والظاهر أنه ليس مراد ابن القاسم بالصالح من ليس بفاسق ولفظ الرواية في رسم القسمة من سماع عيسى: وسئل عن الرجل الفاسق المسخوط في جميع أحواله يخطب المرأة فترضى بتزويجه ويسمون الصداق ولم

________________________________________

[ 31 ]

يبق إلا الفراغ فيأتي من هو أحسن حالا منه وأرضى وسأل الخطبة فأباح له أن يخطب على الفاسق انتهى. ولا شك أن المجهول أحسن حالا ممن هو معلوم بالفسق. فروع: الاول: قال في التوضيح: وللمرأة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق انتهى. الثاني: لا يجوز خطبة الذمية الراكنة لذمي على المشهور. قاله الشيخ زروق في شرح الرسالة والجزولي. وقال الشيخ يوسف بن عمر: والاخ ليس بشرط ولا يجوز عند مالك الخطبة على خطبة الذمي. وقال الاوزاعي: ذلك جائز انتهى. وقال في الاكمال منصه: وفي قوله على خطبة أخيه دليل أن ذلك إذا كان الاول مسلما ولا تضييق إذا كان ذلك يهوديا أو نصرانيا، وهذا مذهب الاوزاعي، وجمهور العلماء على خلافه انتهى. ولا يقال هو أشد من الفاسق لان المراد بالفاسق من لم يقره الشارع على فسقه والشارع أقر الذمي على كفره وأباح له أن يتزوج من كانت على كفره، والفاسق لا يقر على فسقه ولا يجوز له أن يزوج ويفسخ نكاحه والله أعلم. الثالث: قال البساطي: ركون ولي المرأة ومن يقوم مقامها من أمها وغيرها كركونها إن لم يظهر منها الرد عند وصول الخبر إليها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ركون المرأة أو من يقوم مقامها الخاطب مانع من خطبة غيره إياها لقوله عليه السلام لا يخطب بعضكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب متفق عليه انتهى. وتقييد البساطي بقوله إن لم يظهر منها الرد عند وصول الخبر إليها إنما هو في غير الولي المجبر والله أعلم. الرابع: من خطبته امرأة وركنت إليه فهل لغيره أن يخطبها ؟ للحنابلة قولان واستظهروا المنع. وفي الاكمال ما يدل على الجواز. قال في حديث المرأة التي عرضت نفسها على النبي (ص) فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رأسه فقال له رجل: إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها: وفي قول الرجل هذا دليل على جواز الخطبة ما لم يتراكنا لا سيما مع ما رأى من زهد النبي (ص) فيها. قال الباجي: فيه جواز ذلك إذا كان باستئذان الناكح إذ هو حقه. عياض: وعندي أن الاستدلال بهذا كله ضعيف لانه لم يكن هناك خطبة إلا من المرأة للنبي (ص) في نفسها، والرجل إنما طلب المرأة وخطبها للنبي ولم يخطبها أحد قبله حتى يقال هي خطبة على خطبة انتهى. فيؤخذ منه أن المرأة إذا خطبت رجلا أنه يجوز لغيره أن يخطبها إذا لم يقع من الاول خطبة لها والله أعلم. الخامس: هل لمن ركنت له امرأة وانقطع عنها الخطاب لركونها إليه أن يتركها أو يكره ؟ والظاهر أنه يكره لان العدة إنما كرهت في العدة قالوا: خوف اختلاف الوعد والله أعلم. السادس: قال في التوضيح. فرع: قال مالك في سماع ابن أبي أويس: أكره إذا بعث رجل رجلا يخطب امرأة أن يخطبها الرسول لنفسه وأراها خيانة، ولم أر أحدا رخص في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة:

________________________________________

[ 32 ]

وخطبة رجل على خطبة آخر قبل مراكنة المخطوب إليه جائزة. ابن رشد: ولو اتخذا الخاطب بخطبته لغيره أولا ولنفسه ثانيا وفعله عمر. أبو عمر عن ابن وهب: طلب جرير البجلي عمر أن يخطب له امرأة من دوس ثم طلبه مروان بن الحكم بذلك لنفسه ثم ابنه عبد الله كذلك، فدخل عليها عمر فأخبرها بهم الاول فالاول ثم خطبها لنفسه فقالت: أهازئ أم جاد ؟ فقال: بل جاد فنكحته وولدت له ولدين. قال: وفي سماع ابن أبي أويس: أكره لمن بعث خاطبا أن يخطب لنفسه وأراها خيانة وما سمعت فيها رخصة. قلت: هذا إذا خص نفسه بالخطبة فعل عمر رضي الله عنه انتهى. وقال في الارشاد: يباح النظر لارادة النكاح وخطبة جماعة امرأة. قال الشيخ زروق في شرحه: يعني يجوز في فور واحد ومتراسلين وقد فعله عمر إذ خطب لجماعة هو أحدهم فذكرهم وأثنى عليهم، ثم ذكر نفسه فزوجوه ولم يعترض عليه واحد منهم انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وإذا أمر رجل رجلا أن يخطب له فأراد أن يخطب لنفسه فله ذلك ويعلمه بالباعث له أولا، وفعله عمر حسبما ذكره ابن عبد البر عن ابن وهب، ولولا الاطالة لذكرنا ذلك، ثم ذكر كلام ابن عرفة انتهى. وقال في الجلاب: ولا بأس أن يخطب جماعة امرأة مجتمعين أو مفترقين ما لم توافق واحدا منهم أو تسكن إليه، فإذا وافقت واحدا منهم وسكنت إليه لم يجز لغيره أن يخطبها حتى يعدل الاول عنها ويتركها، فإن خطبها على خطبته وعقد النكاح على ذلك وثبت عليه فسخ نكاحه قبل الدخول وبعده، ولها بعد الدخول المهر وعليها العدة، وإن فسخ قبل الدخول فلا مهر لها ولا عدة انتهى. وقال البساطي: حكم الرسول الخاطب حكم الاثنين فإذا ركنت لمرسله لم يجز له أن يخطب لنفسه وإلا جاز انتهى. السابع: إذا وكل رجل رجلا على أن يزوجه امرأة فتزوجها الوكيل لنفسه فهي له بخلاف الوكيل على شراء سلعة فيشتريها لنفسه ففيه خلاف مذكور في كتاب الوكالة. قال اللخمي لما تكلم على مسألة الشراء ما نصه: ولا يلزم على هذا النكاح إذا وكله على أن يزوجه امرأة فتزوجها لنفسه فهي زوجة للوكيل، ولا مقال للآمر لان المرأة لها غرض فيمن تتزوجه فلا يلزمها أن تكون زوجة لمن لم ترض به. ولو وكل رجل على تزويج امرأة ففعل وأظهر إنه الزوج وأشهد في الباطن أن العقد للآمر لم تكن زوجة للوكيل وكانت الزوجة بالخيار بين أن ترضى أن تكون زوجة للآمر أو تفسخ النكاح انتهى. ص: (وفسخ إن لم يبن) ش: ظاهره سواء كان

________________________________________

[ 33 ]

الثاني عالما بخطبة الاول أو لا، ولم أر من صرح به ولا بعدمه والله أعلم. فرع: قال البساطي: والفسخ بطلاق وسواء قام الخاطب الاول بحقه أو تركه. انتهى وهو ظاهر. وقال أيضا: وحيث استمر النكاح فإنه يعذر وينبغي ذلك وإن فسخ. انتهى كلامه. تنبيه: صحح صاحب الارشاد القول بأنه لا يفسخ ونصه: والصحيح إنه لا يفسخ لكنه يتحلل منه فإن أبى استغفر الله انتهى. واقتصر في الجلاب على أنه يفسخ قبل البناء وبعده ونصه إثر كلامه المتقدم: فإن خطب على خطبته وعقد النكاح على ذلك وثبت عليه فسخ نكاحه قبل الدخول وبعده ولها بعد الدخول المهر وعليها العدة، وإن فسخ قبل الدخول فلا مهر لها ولا عدة انتهى. ص: (وصريح خطبة معتدة ومواعدتها) ش: أي وحرم التصريح بخطبة المعتدة ومواعدتها، سواء كانت عدتها من طلاق أو وفاة. قال ابن عرفة: وصريح خطبة المعتدة حرام. أبو عمر: إجماعا. وحرم مواعدتها. والتصريح التنصيص ودليل ذلك قوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * فتضمنت الآية جواز التعريض وما يضمر في النفس والمنع من المواعدة والنكاح. واختلف في معنى قوله سرا فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والشعبي والسدي وقتادة وسفيان: لا يأخذ ميثاقها وفي عدتها أن لا تتزوج غيره. وقيل: السر الزنا. اللخمي: وليس بحسن لان الزنا محرم في العدة وفي غيرها. وسيأتي تفسير التعريض. والمواعدة أن يعد كل منهما صاحبه بالتزويج فهي مفاعلة لا تكون إلا من اثنين، فإن وعد أحدهما دون الآخر فهذه العدة، وسيأتي أنها مكروهة، وما ذكره من تحريم المواعدة هو ظاهر الآية. وظاهر كلام اللخمي وكلام ابن رشد الكراهة. قال ابن عرفة: والمواعدة. قال ابن رشد: تكره في العدة ابتداء إجماعا. ابن حبيب: لا تجوز. وظاهر قول اللخمي النكاح والمواعدة في العدة ممنوعان حرمتها وروايتها الكراهة انتهى. يعني إن جعل اللخمي النكاح والمواعدة ممنوعين يقتضي حرمة المواعدة في العدة، ورواية المدونة الكراهة، ويمكن حمل الكراهة في كلام ابن رشد على المنع. ص: (كوليها) ش: ينبغي أن يقيد بالمجبر ليوافق كلامه في التوضيح وعليه اقتصر صاحب الشامل فقال: ومواعدتها كوليها إن كان مجبرا وإلا كره. وبذلك قطع ابن رشد

________________________________________

[ 34 ]

فقال: وإن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعدلا مواعدة فلا يفسخ به النكاح ولا يقع به تحريم إجماعا. ونقل الباجي عن ابن حبيب أن مواعدة المجبر وغيره ممنوعة كظاهر كلام المصنف وهو ظاهر المدونة عند أبي الحسن وابن عرفة. قال ابن عرفة: الباجي عن ابن حبيب: لا يجوز أن يواعد وليها دون علمها وإن كانت تملك أمرها. وفي تعليقة أبي حفص: مواعدة الولي الذي يكرهها في الكتاب وهو الذي يعقد عليها وإن كرهت ليس الذي لا يزوجها إلا برضاها. ولابن رشد: إن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعد لا مواعدة فلا يفسخ النكاح ولا يقع به تحريم إجماعا، وفيها كره مالك مواعدة الرجل الرجل في تزويج وليته أو أمته في عدة طلاق أو وفاة فظاهرها كابن حبيب انتهى. وقال الشارح في الصغير عن ابن المواز أنه قال: ومواعدة الاب في ابنته البكر والسيد في أمته كمواعدة المرأة، وأما ولي لا يزوج إلا بإذنها فمكروه ولم أفسخه انتهى. فحاصله أن مواعدة الولي المجبر كمواعدة المرأة، وفي مواعدة غير المجبر ثلاثة أقوال: المنع للباجي عن ابن حبيب مع ظاهرها عند ابن عرفة وأبي الحسن، والجواز لابي حفص، والكراهة لابن المواز مع ظاهر كلام ابن رشد والله أعلم. ص: (كمستبرأة من زنا) ش: لو قال: وإن من زنا لكان أحسن ليشمل أنواع الاستبراء، وسواء كان هو الزاني بها أو زنى بها غيره فإنه لا يجوز له أن يتزوجها حتى يستبرئها من الزنى، وإن تزوج بها في مدة الاستبراء فسخ النكاح. قال في النكاح الاول من المدونة: ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنا بها بعد الاستبراء. وقال في النوادر: ومن زنا بامرأة ثم تزوجها قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبدا وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لا حق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما كان قبل حيضة فهو من الزنا لا يلحق به انتهى. فرعان: الاول: هل يتأبد تحريمها عليه ؟ أما إن كانت مستبرأة من زنا غيره ففيه قولان والقول بالتأبيد لمالك وبه أخذ مطرف وجزم به في الشامل وهو الذي يؤخذ من كلام المصنف، والقول بعدم التأبيد لابن القاسم وابن الماجشون. وأما إن كانت مستبرأة من زنا فذكر ابن رشد في الاجوبة أنها لا تحرم ويصح نكاحها بعد الاستبراء. ونقله البرزلي عنه وعن ابن الحاج ونص ما في الاجوبة: وسأله رجل عن رجل وامرأة زنيا ثم إنهما تناكحا بغير استبراء من الماء الفاسد وتوالدا أولادا، ثم إنهما تفرقا بطلاق وتراجعا بعد الطلاق، ثم تفارقا ثانية بطلاق ثان ثم اتهما أنفسهما وأنكرا فعلهما وسألا عن ذلك أهل الفتوى فأفتوهما بفساد أفعالهما وأنها كانت على غير استقامة وإن أولادهما لغير رشدة، ثم إن الرجل زوج المرأة المذكورة مات في خلال ذلك

________________________________________

[ 35 ]

فلم يرث الاولاد منه قليلا ولا كثيرا وأخذت تركة الميت وفرقت على المساكين. فأفتنا وفقك الله في فعلهما أولا من زواجهما بعد الزنا من غير استبراء وفي طلاقهما وارتجاعهما بعد الطلاق إلى آخر ذلك من أفعالهما، وفي ميراث الاولاد من الوالد هل يجب لهم ميراث أم لا يجب بين لنا ذلك كله. وإن كان يجب لهم الميراث، فهل يلزم المفتيين ضمان ما تصدقوا به أم لا ؟ وهذان الزوجان إذا وقع الطلاق بينهما على هذا الوجه المذكور ثلاث مرات هل يكون الحكم عليهما كالحكم على الزواج الصحيح لا يتراجعان إلا بعد زوج، أم يكون الحكم بينهما واحدا ؟ بين لنا ذلك أيضا. فأجاب: تصفحت السؤال ووقفت عليه. والنكاح الاول الذي وقع عقده عليه قبل الاستبراء من الزنا فاسد لا يلحقه فيه طلاق فتكون مفارقته إياها فيه بطلاق فسخا بغير طلاق، والنكاح الثاني صحيح يلحقه فيه الطلاق. فإن كان وقع قبل الدخول وجب لها نصف صداقها ولم يكن لها ميراث، وإن كان وقع بعد الدخول وجب لها جميع الصداق والميراث إن كان مات قبل انقضاء العدة إلا أن يكون الطلاق الذي طلقها بائنا. وأما الاولاد فلاحقون به على كل حال يجب لهم الميراث منه، ويلزم من تسور عليه فتصدق به ضمانه، وأما المفتون فلا ضمان عليهم إذ لم يكن منهم أكثر من الغرور بالقول وإنما الضمان على من استفتاهم وتسور على ميراثهم بفتواهم فتصدق به دون ثبت ولا أمر واجب على كل حال وبالله التوفيق انتهى. قال البرزلي بعد نقله كلام ابن رشد المتقدم: يريد الشيخ النكاح الثاني صحيح إذا كان بعد مدة الاستبراء من الزنا، والنكاح الفاسد لعقده يفتقر للاستبراء كالزنا، وكذا ما يترتب عليه من الميراث. وكذا رأيت لابن الحاج قال: أجاب محمد بن أصبغ: إن كانت مراجعته بعد الاستبراء بثلاث حيض فهي صحيحة، وإن كانت الاستبراء فليفارق حتى يستبرئ بثلاث حيض ثم ينكحها بعد ذلك نكاحا صحيحا إن أحبا، ومثله لابن الحاج وابن رشد. وما أفتى به من لحوق الولد بكل حال معناه إذا أتت به لستة أشهر من يوم عقد النكاح الاول فأكثر، وإن أتت به لاقل من ستة أشهر فلا يلحق به ولا ميراث لانه للزنا إلا على طريقة الداودي إذا صانها من غيره. حكاه اللخمي في أمهات الاولاد انتهى، ثم نقلها في موضع آخر بعد هذا بنحو الكراس عن ابن الحاج وقال في آخرها: ويتخرج في تأبيد تحريمها عليه الخلاف المذكور إذا طرأ النكاح على الماء المجمع على فساده قبل الاستبراء انتهى. فتحصل من هذا أنها إذا كانت مستبرأة من زناه أنها لا تحرم عليه ويصح له نكاحها بعد الاستبراء كما ذكره ابن رشد ونقله البرزلي عنه وعن ابن الحاج، ولم أر في ذلك خلافا، ويؤيد ذلك ما ذكره المصنف في مسألة المبتوتة وما ذكره في التوضيح في باب الرجعة فيمن وطئ مطلقته الرجعية في العدة ولم ينو الرجعة أنه لا يجوز له وطؤها إلا بعد الاستبراء من

________________________________________

[ 36 ]

ذلك الوطئ بثلاث حيض، ولا تكون له الرجعة إلا في بقية العدة الاولى في الاستبراء، فإذا انقضت العدة الاولى فلا يتزوجها هو أو غيره حتى ينقضي الاستبراء، فإن فعل فسخ نكاحه ولا تحرم أبدا كما أحرمها على غيره لانها عدته، وليس هو وغيره في مائه سواء. وقيل: حكمه حكم المصيب في العدة. ومنشأ الخلاف هل التحريم لتعجيل النكاح قبل بلوغه أجله أو لاختلاط الانساب ؟ وعلى هذا المعنى اختلفوا فيمن طلق زوجته ثلاثا فتزوجها قبل زوج في عدتها. انتهى. ونحوه لابن عرفة ونصه في باب الرجعة: وعلى إلغاء وطئه دون نية روى محمد وسمع عيسى ابن القاسم: له مراجعتها فيما بقي من العدة بالقول والاشهاد ولا يطؤها إلا بعد الاستبراء من مائه الفاسد بثلاث حيض. ابن رشد: فإن تزوجها وبنى بها قبل الاستبراء ففي حرمتها عليه للابد قولان: على كون تحريم المنكوحة المجرد تعجيل النكاح قبل بلوغ أجله أوله من اختلاط الانساب. انتهى وهو أوفى من كلام التوضيح والله أعلم. الثاني: قال في التوضيح: من زنت زوجته فوطئها زوجها في ذلك الماء فلا شئ عليه انتهى. ابن المواز: لا ينبغي له أن يطأها في ذلك الماء. ويأتي الكلام على منع وطئها وكراهته عند قول المصنف في باب العدة ولا يطأ الزوج ولا يعقد اه‍. تنبيه: قال ابن ناجي إثر قول المدونة المتقدم ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنا بها بعد الاستبراء ظاهره وإن لم يتوبا وهو كذلك باتفاق. والصواب عدي حمل لا بأس لما غيره خير منه انتهى. ص: (وتأبد تحريمها بوطئ وإن بشبهة ولو بعدها) ش: يعني وتأبد تحريم المرأة التي عقد عليها في العدة إذا وطئها في ذلك العقد، سواء وطئها في العدة أو بعدها. أما إذا عقد عليها في العدة ووطئها في العدة أيضا فلا إشكال في الحرمة. وأما إذا عقد عليها في العدة ووطئها بعد العدة فذكر في المدونة في تأبيد حرمتها قولين. قال في طلاق السنة منها. قال مالك وعبد العزيز: ومن نكح في العدة وبنى بعدها فسخ نكاحه وكان كالمصيب فيها. وقال المغيرة: لا يحرم عليه نكاحها إلا الوطئ في العدة. وقال ابن القاسم: قال مالك: يفسخ هذا النكاح وما هو بالحرام البين. قال في التوضيح: قال في الكافي: وقول مالك و عبد العزيز

________________________________________

[ 37 ]

تحصيل المذهب وإلى ترجيح قولها أشار المصنف بقوله ولو بعدها. والفرقة في النكاح الواقع في العدة فسخ بغير طلاق ونص عليه في المدونة وابن الجلاب وغيره والله أعلم. وأشار بقوله وإن بشبهة إلى أنه لا فرق في تأبيد تحريمها بين أن يطأها بعقد نكاح أو بشبهة بأن يطأها في عدتها غالطا فيها يظنها زوجته فإنها تحرم بذلك. تنبيهات: الاول: لا يصح حمل كلام المصنف على ما إذا خطب في العدة أو وعد فيها ثم تزوجها بعد العدة ووطئها فإنها لا تحرم عليه بذلك على المشهور كما يأتي في كلام المصنف. وحمل الشارح في الكبير والاوسط كلام المصنف على هذا وهو بعيد مخالف للمشهور. الثاني: إن كان الزوج الناكح في العدة غير عالم بالتحريم حرمت عليه اتفاقا ولا حد عليه، وإن تزوجها في العدة عالما بالتحريم فالمشهور أنها تحرم على التأبيد، والولد لا حق به والحد ساقط عنه. وقيل: إنه زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد ولا يتأبد تحريمها. الثالث: هذا التحريم إنما هو في المعتدة من الوفاة ومن الطلاق البائن، وأما الرجعية فلا يحرم لانها زوجة ومن تزوج امرأة متزوجة لم تحرم عليه. وقال غير ابن القاسم: هو ناكح في عدة. قال مالك: وللاول الرجعة قبل فسخ نكاح الثاني وبعده. قاله في التوضيح. وقال ابن ناجي: قول ابن القاسم في المدونة إنها لا تحرم انتهى. وقال في الشامل: وأما الرجعية فلا تحرم على الاصح انتهى. الرابع: انظر وطئ الصبي هل هو كوطئ البالغ أم لا يتأبد به التحريم لعدم الاعتداد كما لا يعتد به الاحصان والاحلال ونحو ذلك فتأمله والله أعلم. الخامس: قال البرزلي في مسائل النكاح بعد أن ذكر مسألة: ونظيره ما في المدونة إذا تزوجت في العدة ثم تزوجها آخر بعد خروجها من العدة قبل بناء الاول بها، فالنكاح ثابت للثاني والاول لغو لان المعدوم شرعا كالمعدوم حسا والله أعلم. السادس: إذا تزوج شخص امرأة ثم ادعت أنه تزوجها في العدة، فإن ثبت أنها تعلم أن العدة ثلاث حيض واعترفت قبل الزواج أنها قد انقضت عدتها فقال البرزلي: ظاهر المذهب أنه لا يقبل قولها لانها تريد فسخ النكاح وما سبق دليل كذبها في دعواها إلا أن يصدقها الزوج في دعواها فكأنه التزم فسخ النكاح على الوجه المذكور. قال ابن عرفة في فصل تنازع الزوجين من كتاب ابن سحنون: لو قال تزوجها بعد عدتها وقالت فيها فالقول قوله انتهى. فرع: قال البرزلي وسئل ابن رشد عمن تزوج امرأة طلقها رجل قبله ثم استراب في أنه نكحها قبل تمام عدتها فما زال يسألها حتى اعترفت أنه تزوجها بعد حيضتين وقد كانت قبل ذلك حذرت وخوفت في أن تتزوج حتى تتم عدتها من رجل آخر خطبها فيها، فلما ثبت

________________________________________

[ 38 ]

اعترافها بتكرر سؤاله إياها اعتزلها وشاور العلماء فأفتوه بطلاقها وأنها لا تحل له وشهد عليه بذلك عدلان وعلى اعترافها بذلك، وقد كانت قبل تزويجها إياه اعترفت بانقضاء عدتها لامرأة سألتها عن ذلك، فقام الزوج الآن يطلب الصداق وقد قامت له شهادة نساء أنهن عرفنها أن ذلك لا يجوز، وأنه لا بد من تمام العدة، وأن هذا لا يخرجها من الجهالة بالحكم. جوابها إن لم يثبت أن المرأة لما حذرت أعلمت أن العدة ثلاث حيض واعتقدت أن العدة أقل، فأرى أن تحلف ما علمت أن العدة ثلاث حيض ولا تزوجت إلا وهي تظن أن عدتها من الاول قد انقضت، فإن حلفت على ذلك في الجامع فلا يجب عليها رد شئ من الصداق، وإن نكلت ردته إلا قدر ما تستحل به وبالله التوفيق انتهى. ونظر أواخر النكاح الاول من المدونة. ص: (وبمقدمته فيها) ش: أي ويحرم أيضا إن عقد عليها في العدة ثم فعل بها شيئا من مقدمات الجماع كالقبلة والمباشرة. قال في التوضيح: قال محمد: وإن أرخيت الستور ثم تقاررا أنه لم يمس لم تحل له أبدا انتهى. وقال في مختصر الواضحة: ومن تزوج امرأة في عدتها فأرخى عليها الستر ثم فرق بينهما وتناكرا المسيس جميعا فأراد أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها فليس ذلك له وهي تحرم بالخلوة للابد انتهى. واحترز المصنف بقوله فيها مما إذا عقد في العدة ولم يحصل فيها شئ من مقدمات الجماع ثم قبلها أو باشرها بعد العدة فإنها لا تحرم بذلك، بل حكى ابن رشد في البيان الاتفاق على أنها لا تحرم بذلك. لكن قال في التوضيح: فيه نظر لان عبد الوهاب حكى رواية أنها تحرم بمجرد العقد فكيف بالمباشرة والقبلة بعد العدة ؟ وقد حكى صاحب البيان هذا القول الاول إلا أن يقال: لعل مراده بالاتفاق ما عدا هذا القول. ص: (كعكسه) ش: أي عكس الفرع الذي قبله وهو ما إذا تزوجت الامة في استبرائها من السيد أو من غيره. قال في المتيطية: وأما المختلف فيه فالوطئ بنكاح أو بشبهة نكاح في الاستبراء أو العدة

________________________________________

[ 39 ]

من غير النكاح كأم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها كان الاستبراء من غصب أو زنا أو من بيع في الاماء أو هبة أو موت أو عتق الحر وقد وطئ البائع أو الواهب أو الميت أو المعتق، وأما إن لم يطأ واحد منهم فلا خلاف في أن متزوجها قبل الاستبراء ليس متزوجا في العدة انتهى. ص: (أو بملك عن ملك) ش: قال في المتيطية: وأما الذي لا يقع به التحريم باتفاق فالوطئ بملك أو بشبهة ملك في استبراء الامة خاصة أو في عدة من غير نكاح كعدة أم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها. كان استبراؤها من غصب أو زنى أو من بيع أو هبة أو عتق انتهى. ص: (أو مبتوتة قبل زوج) ش: ذكر في التوضيح في هذه المسألة قولين، وتقدم كلامه عند قول المصنف كمستبرأة من زنى، وذكر الشيخ يوسف بن عمران المشهور عدم التأبيد. ومثل المبتوتة من يتزوج امرأة تزويجا حراما لا يقر عليه فيفسخ نكاحه بعد الدخول فيتزوجها قبل الاستبراء. قاله في المقدمات. ويريد المصنف أنه يجد من يتزوج امرأته المبتوتة إذا كان عالما بالتحريم. قال في كتاب القذف من المدونة: ومن تزوج خامسة أو امرأة طلقها ثلاثا ألبتة قبل أن تنكح زوجا غيره أو أخته من الرضاعة أو النسب أو من ذوات محارمه عالما بالتحريم، أقيم عليه الحد ولم يلحق به الولد إذ لا يجتمع الحد وثبوت النسب. قال اللخمي: يريد إذا ثبت أنه عالم بالتحريم قبل النكاح وإلا فإن لم يعلم أنه كان عالما بالتحريم إلا بعد النكاح فإنه يحد ويلحق به الولد انتهى. ص: (وجاز تعريض كفيك راغب) ش: قال في التوضيح: والتعريض ضد التصريح مأخوذ من عرض الشئ وهو جانبه وهو أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على المقصود وغيره إلا أن إشعاره بالمقصود أتم ويسمى تلويحا. والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض ما ذكرناه والكناية هي التعبير عن الشئ يلازمه كقولنا في كرم الشخص هو طويل النجاد كثير الرماد انتهى. وقال في جمع الجوامع: والتعريض لفظ استعمل في معناه ليلوح بغيره فهو حقيقة أبدا انتهى. النجاد حمائل السيف. قاله في الصحاح وهو بكسر النون. قال ابن عبد السلام:

________________________________________

[ 40 ]

والمذهب جواز التعريض في كل معتدة سواء كانت في عدة وفاة أو طلاق. وأجازه الشافعي في عدة الوفاة ومنع منه في عدة المطلقة طلاقا رجعيا واختلف قوله في عدة الطلاق الثلاث وعدة المختلعة انتهى وقبله في التوضيح. قلت: وما ذكر ابن عبد السلام مخالف لما ذكره القرطبي في تفسيره ونصه: لا يجوز التعريض بخطبة الرجعية إجماعا لانها كالزوجة، وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض بخطبتها والله أعلم انتهى. تنبيه: قال ابن عرفة الباجي: عن إسماعيل: إنما يعرض بالخطبة ليفهم مراده لا ليجاب وفي المقدمات: يجوز التعريض من كل منهما للآخر معا. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: قال القاضي أبو إسحاق: إنما يعرض المعرض ليفهم مراده لا ليجاب، ولو جاوبته بتعريض يفهم منه الاجابة كره ذلك ودخل في باب المواعدة انتهى. وقال القرطبي: قال ابن عطية: اجتمعت الامة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك اجتمعت الامة على أن الكلام معها بما هو رفث أو ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز، وجوزنا ما عدا ذلك. وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره، ومن أعظم التعريض قوله (ص) لفاطمة بنت قيس: كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك انتهى. وما ذكره ابن عرفة عن المقدمات من جواز التعريض لكل منهما يشير به - والله أعلم - لقوله فيها: الذي يجوز هو التعريض بالعدة أو المواعدة وهو القول المعروف الذي ذكره الله في كتابه وصفته أن يقول لها وتقول له، أو يقول كل واحد لصاحبه: إن يقدر الله أمرا يكون وإني لارجو أن أتزوجك وإني فيك لمحب أو ما أشبه ذلك. وإلى هذا أشار المصنف بقوله كفيك راغب. قال في التوضيح: وهكذا قوله: إن النساء من شأني وإنك علي لكريمة وإذا حللت فآذنيني وإن يقدر الله خيرا يكن انتهى. ص: (والاهداء) ش: قال في طلاق السنة من المدونة: وجائز أن يهدي لها. قال أبو الحسن الصغير: والهدية هنا بخلاف وإجراء النفقة عليها لان النفقة عليها كالمواعدة انتهى. قال اللخمي: والمفهوم من الهدية التعريض. وقال الشيخ أبو الحسن إثر كلامه المتقدم: فإن أنفق أو أهدى ثم تزوجت غيره لم يرجع عليها بشئ. تنبيه: عزا ابن عرفة هذه المسألة لابن حبيب واللخمي مع أنها في المدونة كما تقدم، وعزاها الشارح لابن حبيب ونحوه في التوضيح قال فيه: قال مالك: ولا أحب أن يفتي به إلا من تحجزه التقوى عما وراءه اه‍. فرع: قال البرزلي عن أحكام الشعبي: من تزوج امرأة فأخرج دينارا فقال: اشتروا به طعاما واصنعوه. فوقع الشراء وانفسخ النكاح بعد الشراء فإن جاء من قبلهم ضمنوا له الدينار والطعام لهم، وإن كان من قبل الزوج فليس له إلا الطعام إن أدركه. قلت: فهو كأعوان

________________________________________

[ 41 ]

القاضي: إن ظهر لدد من المطلوب فالاجرة عليه وإلا كان الاجر على الطالب. وظاهر ما تقدم لابن رشد أنه من الزوج مطلقا إن فقد ذلك أو تلف اه‍. ص: (وتفويض الولي العقد لفاضل) ش: ظاهر كلام المصنف أن الولي فقط هو الذي يفوض العقد للفاضل، وعلى هذا شرحه الشيخ بهرام والبساطي وقالا: إنه يشير به إلى قول ابن الماجشون في الواضحة أن الولي والناكح يفوضان للفاضل وأنه يتولى الطرفين. وحمل المصنف ولفظ الواضحة يقتضي أنه الاولى لقوله وكان يفعل فيما مضى ونصه: قال ابن الماجشون: ولا بأس أن يفوض الناكح وولي المرأة للرجل الصالح أو الشريف أن يعقد النكاح وكان يفعل فيما مضى. وقد فوض ذلك إلى عروة فخطب واختصر فقال: الله حق ومحمد رسوله، وقد خطب فلان فلانة وقد زوجته إياها على كتاب الله وشرطه. قال ابن حبيب: وشرطه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. انتهى والله أعلم. ص: (وذكر المساوي) ش: قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البر والصلة لما تكلم على الغيبة وما يجوز فيه ذكر الانسان بما يكره قال: وقد يخرج عن هذا الاصل صور فتجوز الغيبية في بعضها وتجب في بعضها ويندب إليها في بعضها. فالاول - يعني الجائز - كغيبة المعلن بالفسق المعروف به فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره مما لا يكون مشهورا به لقوله عليه الصلاة والسلام بئس أخو العشيرة وقوله لا غيبة في فاسق وقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. الثاني يعني ذكر جرح الشاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته، وجرح المحدث الذي يخاف أن يعمل بحديثه أو يروى عنه. وهذه أمور ضرورية في الدين معمول بها مجمع عليها من السلف الصالح ونحو ذلك ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته، فهذا يجب عليه الاعلام بما يعلم من هيئاته عند الحاجة إلى ذلك على وجه الاخبار كما قال النبي (ص): أما معاوية فصعلوك الحديث. وقد يكون من هذين النوعين ما لا يجب بل يندب إليه كفعل المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم، وكتحذير من لم يسأل مخافة معاملة من حاله يجهل. وحيث حكمنا بوجوب النص على العيب فإن ذلك إذا لم يجد بدا من التصريح والتنصيص، فأما لو أغنى التعريض أو التلويح لحرم التفسير والتصريح فإن ذلك ضروري والضروري مقدر بالحاجة انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: إذا قال له أريد أن أناكح فلانة فإنه يذكر له ما فيها وفيه ابتغاء النصح لا لعداوة وفي المشاور فيه انتهى. تنبيه: قال الجزولي في شرح الرسالة: إذا استشير الانسان فإنه يجوز له أن يكشف عما يعلم فيه من خير أو شر ولا يجب عليه ذلك. الشيخ: إذا كان هناك من يعرف حال المسؤول

________________________________________

[ 42 ]

عنه وإلا فذلك واجب عليه لانه من باب النصيحة لاخيه المسلم. وقد قال قبل هذا: وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم. وقد نص على هذا ابن يونس. قال بعض الشيوخ: انظر هل يكشف له عن حاله قبل أن يستشار أم لا. الشيخ: ظاهر الكتاب أنه يذكر حاله إذا سئل عنه وإلا فهو غيبة والغيبة حرام انتهى. وما ذكره الجزولي من أنه لا يجب عليه أن يكشف عما يعلم فيه إذا سئل عنه إلا إذا لم يكن هناك من يعرف حاله مخالف لما تقدم في كلام القرطبي، وكذلك ما ذكره من أنه لا يكشف عن حاله إلا إذا سئل عنه وإلا كان غيبة مخالف لما تقدم في كلام القرطبي من أنه مندوب فتأمله. ص: (وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة) ش: الضمير عائد للنكاح يعني أن أركان النكاح أربعة، وكذا فعل صاحب الجواهر. وفي الحقيقة هي خمسة لان المحل يشمل الزوج والزوجة. وقد عدها ابن راشد في اللباب خمسة. وقال الشارح: جعل ابن محرز الولي والشهود والصداق شروطا وهو أقرب مما هنا لكن الامر في ذلك قريب انتهى. قلت: أما الولي والزوجة والزوج والصيغة فلا بد منها ولا يكون نكاح شرعي إلا بها

________________________________________

[ 43 ]

، لكن الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والولي والصيغة شرطان، وأما الشهود والصداق فلا ينبغي أن يعدا في الاركان ولا في الشروط لوجود النكاح الشرعي، بدونهما، غاية الامر أنه شرط في صحة النكاح أن لا يشترط في سقوط الصداق ويشترط في جواز الدخول الاشهاد فتأمله. وقد تقدم أن الاشهاد في العقد مستحب. وأما الصداق فقال الشيخ يوسف بن عمر في قول الرسالة: وصداق هذا شرط كمال في العقد لانه لو سكت عنه لم يضر كالتفويض. نعم لو تعرضوا لاسقاطه فسد النكاح وفسخ قبل الدخول. انتهى مختصرا. فعلم أن ذكر الصداق أولى من نكاح التفويض والله أعلم ص: (بأنكحت وزوجت) ش: قال ابن الحاجب: الصيغة لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية صداق. قال في التوضيح: وما ذكره المصنف في الصيغة نحوه في ابن شاس، ومقتضاهما أنه لا ينعقد بالكتابة والاشارة ونحو ذلك وهو مقتضى كلامه في الاشراف، وكذلك في الاستذكار. والنكاح يفتقر إلى التصريح ليقع الاشهاد عليه انتهى. وكلام ابن عبد السلام يقتضي أنه لا ينعقد بالكتابة والاشارة. وفي اللباب: الصيغة من الولي لفظ الخ. تنبيهات: الاول: ينبغي أن يقيد ذلك بمن يمكنه النطق كما سيأتي في الدال على القبول من جهة الزوج. وفي كتاب الحمالة من المدونة: وما فهم عن الاخرس أنه فهمه من الكفالة أو غيرها لزمه انتهى. الثاني: لا خلاف في المذهب في انعقاد النكاح بهذين اللفظين كما قاله في التوضيح وقاله غيره. والظاهر أنه لا فرق بين لفظ الماضي والمضارع. قال ابن عرفة: صيغته ما دل عليه كلفظ التزويج وإلا نكاح انتهى. فأتى بالمصدر. وقال أبو الحسن في شرح قول المدونة: زوجني فيقول فعلت. انظر جعل لفظ المستقبل في النكاح الماضي ومثله في إرخاء الستور. وإذا قالت له اخلعني ولك ألف فقال قد فعلت لزمها ذلك، وإن لم تقل بعد قولها الاول شيئا انتهى. وسيأتي لفظ المدونة المتقدم بكماله. وقال ابن فرحون: فإن قلت أنكحت ونكحت خبر عن شئ وقع في الماضي وكلامنا في لفظ ينعقد به النكاح في المستقبل. فالجواب: أن المراد بهذه الصيغ الانشاء وإن دلت على الاخبار عن الماضي، والانشاء سبب لوقوع مدلوله كقول الحاكم حكمت انتهى. الثالث: قال في المسائل الملقوطة: وصيغة العقد مع الوكيل أن يقول الولي للوكيل زوجت فلانة من فلان ولا يقول زوجت ملك، وليقل الوكيل قبلت لفلان ولو قال قبلت لكفي إذا نوى بذلك موكله انتهى.

________________________________________

[ 44 ]

الرابع: ينبغي أن يلحق باللفظين المتقدمين أعني أنكحت وزوجت لفظ فعلت أو قبلت وما أشبهه جوابا لقول الزوج زوجني أو أنكحني فإنهم لم يذكروا في انعقاد النكاح بذلك خلافا. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ومن الزوج ما يدل على القبول يعني أن الصيغ المتقدمة هي المشترطة من الولي وقد يتسع الكلام فيها، وأما جانب الزوج فيكفي فيه كل لفظ يدل على القبول دون صيغة معينة، وكذا الاشارة وكل ما يدل على القبول. ولو ابتدأ الزوج فقال للولي قد نكحت فلانة أو تزوجتها فقال الولي في جواب الزوج قد فعلت أو قبلت أو ما أشبه ذلك لكان مثل الاول، لانه لا فرق بين أن يبتدئ الولي أو الزوج انتهى. وقال ابن عرفة: وجواب قولها أن الصيغة أحد العاقدين بقول الآخر قبلت كاف انتهى. فالحاصل أنه إذا جرى لفظة التزويج أو الانكاح من الولي أو من الزوج فأجابه الآخر بما يدل على القبول صح النكاح والله أعلم. ص: (وبصداق وهبة) ش: هذا مذهب المدونة في لفظ الهبة. قال ابن عرفة: وفي كون الصدقة كالهبة ولغوها قولا ابن القصار وابن رشد انتهى. ويظهر من كلام المصنف ترجيح قول ابن رشد لاقتصاره على التنصيص على لفظ الهبة ولم يذكر الصدقة بل أدخلها في التردد وهو الذي يظهر من كلام صاحب الشامل لقوله: وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهرا صح وإلا فلا. وقيل: يصح بعت وتصدقت بقصد نكاح انتهى. وهذا قول ابن القصار إلا أنه لا يشترط ذكر المهر لا في الصدقة ولا في الهبة. قال في التوضيح: ابن القصار: وسواء عندي ذكر المهر في لفظ الهبة والبيع والصدقة أو لم يذكره إذا علم أنهم قصدوا النكاح. وقال في التوضيح قبل هذا الكلام: ويلحق بالهبة في اشتراط التسمية الصدقة من باب أولى انتهى. يعني على مذهب المدونة إلا أنه لم يصرح في المدونة بلفظ الصدقة والذي ذهب إليه ابن رشد أنه لا يلحق بها والله أعلم. تنبيه: قال ابن عرفة: وفي الاباحة والاحلال قولان: لبعض أصحاب ابن القصار وله. قلت: حكى أبو عمر الاجماع على الثاني انتهى. وقوله على الثاني أي على قول ابن القصار أنه لا ينعقد بهما. قال في الذخيرة: وقال صاحب الاستذكار: أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الاحلال والاباحة انتهى. وصاحب الاستذكار هو أبو عمر. ثم قال ابن عرفة: ونقل ابن بشير عن ابن القصار الاطلاق كالتحليل والاباحة والرمي والاجارة والعرية والوصية لغو انتهى. ويعني أن ابن بشير نقل عن ابن القصار يظهر لك ذلك من كلام ابن بشير ونصه: والنكاح عندنا جائز بكل لفظ اقتضى لفظ الملك كالهبة والصدقة والانكاح والتزويج والاعطاء. وذكر أبو

________________________________________

[ 45 ]

الحسن بن القصار عن بعض أصحابنا جوازه بلفظ الاباحة والتحليل والاطلاق إذ أريد بذلك النكاح وكان ميله إلى أن هذا لا يصح لانه لا يفيد معنى العقد عن البضع بعوض انتهى. ولم يذكر الرهن وما بعده وذكر الاربعة في التوضيح عن ابن القصار وعبد الوهاب قال: لاقتضاء الاجارة والعارية والتوقيت والرهن التوثق دون التمليك وعدم لزوم الوصية. انتهى بالمعنى. وقال الشارح في الكبير بعد ذكره كلام التوضيح: ولم أر فيه خلافا انتهى. ص: (وهل كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة كبعت تردد) ش: يشير بالتردد لاختلاف المتأخرين في نقل المذهب. قال في التوضيح: واختلفت طرق الشيوخ في نقل لمذهب فيما عدا أنكحت وزوجت. فذهب ابن القصار وعبد الوهاب في الاشراف والباجي وابن العربي في أحكامه إلى أنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد دون التوقيت، فينعقد بملكت وبعت. وأشار الباجي في توجيهه لذلك إلى أنه قول مالك، واستدل جماعة لذلك بما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ملكناكها بما معك من القرآن. وفي رواية: أمكناكها. وذهب صاحب المقدمات إلى أنه لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة، فاختلف فيه قول مالك انتهى. وتبع الاولين صاحب الارشاد وابن بشير ولفظه: والنكاح عندنا جائز بكل لفظ اقتضى لفظ الملك كالهبة والصدقة والانكاح والتزويج والاعطاء انتهى. ثم ذكر كلامه المتقدم. وتبع ابن بشير صاحب الجواهر وابن الحاجب وصاحب اللباب وأكثر أهل المذهب. قال الشيخ بهرام في الشرح الكبير: والذي رأيت عليه الاكثر الانعقاد بذلك خلافا للمغيرة وابن دينار وما ذكره صاحب المقدمات انتهى. ويفهم من كلامه في الشامل ترجيح طريقة ابن بشير لانه قال: وصيغة من ولي بأنحكت وزوجت وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهرا صح وإلا فلا. وقيل: يصح ببعت وتصدقت بقصد نكاح. وقيل: وبتحليل وإباحة وكل لفظ يقتضي تمليكا مؤبدا لا إجارة وعارية ورهنا ووصية اه‍. وما تقدم عن ابن رشد وهو كذلك في المقدمات في آخر كتاب النكاح. وله في الشارح آخر مسألة في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق ما نصه: وكذلك التزويج ليس من ألفاظ الشراء والشراء ليس من ألفاظ التزويج. فإذا قال الرجل للرجل قد بعتك ابنتي أو أختي بكذا وكذا لا يكون ذلك نكاحا إلا أن يكون أراد بذلك البيع. انتهى فتأمله مع ماله في آخر كتاب النكاح من المقدمات أعني ما نقله عنه المصنف في التوضيح وغيره والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: ما ذكره ابن الحاجب من أن الصيغة لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة صحيح كما بيناه. واعترضه ابن عبد السلام بما حاصله أنه لا يشترط دلالة

________________________________________

[ 46 ]

الصيغة على التأبيد بل أن لا يدل على التوقيت، وذكر أن ذلك هو الذي يؤخذ من كلام أهل المذهب وكلام عبد الوهاب وذلك أعم من كونها دالة على التأبيد وفيه نظر، لان عبد الوهاب في الاشراف صرح بما ذكره المصنف وكذلك غيره انتهى. واعلم أن أكثرهم يصدر الكلام بما قاله ابن الحاجب ثم يذكرون الالفاظ المتقدمة وهي إنما تدل بصريحها على نفي التوقيت لكن يلزم ذلك الدلالة على التأبيد مدة الحياة، فالسؤال وارد على عبارة غير ابن الحاجب ومراد الجميع واضح. الثاني: على قول الاكثر فيخرج منه لفظ الاحلال والاباحة والاطلاق لانه لم يقل بها إلا بعض أصحاب ابن القصار، ونقل أبو عمر الاجماع على خلافه كما تقدم. ويخرج من ذلك أيضا لفظ التحبيس والوقف والاعمار. قال في التوضيح: فقد يقال حد المصنف للصيغة غير مانع لشموله مثل وقفت وحبست على فلان وأعمرته لدلالة ذلك على التأبيد مدة الحياة انتهى. ونقله ابن فرحون في شرحه وزاد: ولا مدخل لها في باب النكاح. ولعل قول المصنف كبعت إشارة إلى إخراج ما تقدم. الثالث: ظاهر كلامهم أنه لا يشترط تسمية الصداق لانهم إنما ذكروا الخلاف في ذلك في الهبة. قال ابن عرفة: وصيغته ما دل عليه كلفظ التزويج والانكاح وفي قصرها عليهما نقلا أبي عمر عن ابن دينار عن المغيرة ومالك، وعليه قال القاضي: ينعقد بكل لفظ دل على التمليك أبدا كالبيع. ابن القصار: وإن لم يذكر صداقا وفي الهبة ثالثها إن ذكر انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وكذلك وهبت بتسمية الصداق دون غيرها من الصيغ التي ذكر لانها ظاهرة في نفي العوض ويلحق بها لفظ الصدقة وهي أحرى من الهبة لان هبة الثواب أحد نوعي الهبة والصدقة لا عوض فيها ألبتة. فإن قلت: لفظ الاباحة والتمليك والتحليل لا يستلزم العوض فينبغي أن تلحق به الهبة والصدقة لاشتراك الجميع في عدم شرط العوض بخلاف البيع. قلت: هي وإن اشتركت فيما ذكرته إلا أن الاباحة والتحليل والتمليك كما لا تدل على شرط العوض لا تدل على نفيه بخلاف الهبة والصدقة، لانها لا تدل على نفي العوض ظاهرا فاحتيج في التعريض إلى التسمية والله أعلم انتهى. ص: (وكقبلت) ش: يعني أن الصيغة المطلوبة من الزوج هي كل ما دل على قبوله كقبلت وقال في الكبير: ورضيت واخترت انتهى. وقال ابن الحاجب: ومن الزوج ما يدل على القبول قال في التوضيح: دون صيغة متعينة. ابن عبد السلام: وكذلك الاشارة. خليل: ولا أعلم نصا في الاشارة والظاهر أنها لا تكفي من جهة الزوج. أما أولا فلان النكاح لا بد فيه من الشهادة ولا تمكن إلا مع التصريح من الولي

________________________________________

[ 47 ]

والزوج ليقع الاشهاد عليها. وأما ثانيا فلان قوله: ومن الزوج معطوف على مقدر تقديره الصيغة من جانب الولي كذا ومن جهة الزوج كذا. وعلى هذا فالظاهر أن مراده بقوله كل لفظ لا يشترط فيه تعيين كما في صيغة الايجاب انتهى. وقال ابن عرفة: أبو عمر: إشارة الاخرس به كلفظه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: أبو عمر: إشارة الاخرس كافية إجماعا انتهى. وانظر ابن فرحون. وقال في الجواهر: ويكفي أن يقول الزوج قبلت إذ تقدم من الولي الايجاب ولا يشترط أن يقول قبلت نكاحها، وينعقد النكاح بالايجاب والاستيجاب. فلو قال لابي البكر أو لابي الثيب وقد أذنت له أن يزوجها زوجني فلانة فقال قد فعلت، أو قال قد زوجتك فقال الخاطب لا أرضى فقد لزم النكاح. انتهى ونحوه في المدونة وسيأتي. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: والاستيجاب طلب الايجاب بقوله: زوجني فيقول: فعلت أو يقول: قد زوجتك فيقول: قبلت. والحاصل أن خلو النكاح عن الصيغة لا يصح معها وكونها من أحد الجهتين كاف انتهى. قاله في الجواهر وتبعه ابن الحاجب فقال: يكفي كل لفظ يدل عليه انتهى. ويعني - الشيخ والله أعلم - الصيغة المخصوصة التي فيها الانكاح والتزويج لا مطلق الصيغة، وكلام صاحب الجواهر الذي أشار إليه هو ما تقدم والله أعلم. ص: (وبزوجني فيفعل) ش: أشار بهذا إلى أن الترتيب ليس بشرط إلا أنه الاولى. وقال ابن عرفة: ولازم استيجاب خطبة الخاطب تقديم إعطاء الولي وتأخير قبول الزوج انتهى. ولم يظهر لي وجه الملازمة فتأمله. ولا يقال وجه ذلك أنه لو بدأ الزوج لم يقع الحمد والثناء في ابتداء الامر لانا نقول قد تقدم أن الزوج يستحب له أن يخطب عند قبوله، ثم إن كلامه إنما هو في الاولى كما تقدم عن المدونة والله أعلم. تنبيه: قال في القوانين: والنكاح عقد لازم لا يجوز فيه الخيار خلافا لابي ثور ويلزم فيه الفور في الطرفين، فإن تراخى القبول عن الايجاب يسيرا جاز. وقال الشافعي: لا يجوز مطلقا وأجازه أبو حنيفة مطلقا انتهى. وما قاله ظاهر جار على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف بعد في الذي يقول إن مت فقد زوجت ابنتي من فلان، أنه لا يجوز ذلك في الصحة وإنما أجازوه في المرض لان أصبغ قال: إنه مجمع على إجازته وهو من وصايا المسلمين. وقال في التوضيح عن اللخمي: لولا الاجماع الذي نقله أصبغ وإلا فالقياس المنع لان المرض قد يطول فيتأخر القبول عن الايجاب بالسنة ونحوها، وكأنهم لاحظوا أن المريض مضطر إلى ذلك ولذلك اختلف في الصحيح انتهى. وقال ابن رشد في رسم حلف من سماع ابن القاسم من النكاح: اختلف إذا قال الرجل في حياته إن فعل فلان كذا فقد زوجته ابنتي فقال مالك في رسم سن بعد هذا في الذي يقول إن جاءني فلان بخمسين فقد زوجته ابنتي: لا يعجبني هذا

________________________________________

[ 48 ]

النكاح ولا تزويج له. وانظر كلام القرافي في كيفية أداء الشهادة وكلام ابن عرفة في باب الشهادات في الكلام على أداء الشهادة. ص: (ولزم وإن لم يرض) ش: يعني أن الرجل إذا قال لولي المرأة المجبر لها والمفوض إليه نكاحها زوجني وليتك فقال قد فعلت فقال الزوج لا أرضى بذلك فإنه يلزمه النكاح، وكذلك لو قال قلت هازلا. قال في النكاح الاول من المدونة: وإن قال الخاطب للاب في البكر أو لوصي مفوض إليه زوجني فلانة بمائة فقال قد فعلت، ثم قال الخاطب لا أرضى لم ينفعه ولزمه النكاح بخلاف البيع. قال ابن المسيب: ثلاث ليس فيهن لعب هزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق انتهى. قال في التوضيح: ويؤخذ من كلام ابن عبد السلام أنه فهم من قول الزوج: لا أرضى وأن الزوج أنشأ ما يقتضي الرضا بعد قول الولي قد فعلت وليس بظاهر لانا قد بينا أن قول الزوج زوجني يقوم مقام الرضا يعني أن ابن عبد السلام فهم من قول الزوج لا أرضى أن الزوج أنشأ ما يقتضي الرضا بعد قول الولي: قد فعلت. فلاجل ذلك لم يقبل قوله: لا يرضى. وأما إن لم يقم منه ما يدل على الرضا لم يلزمه، وما قاله المصنف من أن ما قاله ابن عبد السلام ليس بظاهر ظاهر. ثم قال في التوضيح: والفرق بين النكاح والبيع من وجهين: أحدهما أن هزل النكاح جد على المشهور. والثاني أن العادة جارية بمساومة السلع وإيقافها للبيع في الاسواق، فناسب أن لا يلزم ذلك في البيع إذا حلف لاحتمال أن يكون قصد معرفة الاثمان ولا كذلك النكاح انتهى. تنبيه: فهم من هذا أن هزل النكاح لازم ولو علم أنه قصد الهزل وبذلك صرح غير واحد من الشيوخ. قال في النوادر عن كتاب ابن المواز: قال مالك: من قال لرجل وهو يلعب زوج ابنتك من ابني وأنا أمهرها كذا فقال الآخر على ضحك ولعب أتريد ذلك ؟ قال: نعم زوجتك وهو يضحك فقال: قد زوجته، فذلك نكاح لازم للابوين أن يفسخاه إذا رضيا، يريد على وجه الخلع والمباراة. قال ابن القاسم: ثلاث لا لعب فيهن: النكاح والطلاق والعتاق. وكان في الجاهلية يناكح ويقول كنت لاعبا وكذلك يقول في الطلاق والعتاق فأنزل الله سبحانه: * (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) * انتهى. وقال ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب النكاح في رجل أحضر رجلا فقيل: تراك تبصر هذا وقد بلغنا أنه ختنك فقال: نعم أبصره واشهدوا أني قد زوجته ابنتي فقيل له: بكم ؟ فقال: بما شاء، ثم قال الرجل فقال امرأتي فقال الاب: والله ما كنت إلا لاعبا فقال: يحلف الاب بالله ما كان ذلك منه على وجه النكاح ولا شئ عليه. قيل له: طلب ذلك بحدثانه أو بعد ذلك بيومين ؟ قال: ذلك سواء. قال ابن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل ما حكاه أبو عبيد عن مالك ورواه الواقدي عنه من أن هزل النكاح هزل ولا

________________________________________

[ 49 ]

يجوز منه إلا ما كان على وجه الجد خلاف المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه في المدونة وغيرها من أن هزله جد على ما جاء في ذلك عن جماعة من السلف عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب وغيرهما انتهى. وقال في التوضيح في كتاب الطلاق في شرح قول ابن الحاجب: وفي الهزل في الطلاق والنكاح والعتق ثالثها إن قام عليه دليل لم يلزم ما نصه: يلحق بالثلاث الرجعة والمشهور اللزوم لما في الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ثلاث هزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة وهو حديث حسن غريب. والقول بعدم اللزوم في السليمانية لكن إنما ذكره في النكاح. والقول الثالث في كلام المصنف نقله ابن شاس عن اللخمي. ابن عبد السلام: والذي يحكيه غير واحد إنما هو قولان، وما ذكر من القول الثالث وهو شرط قيام الدليل على عدم اللزوم يعدونه من تمام القول الثاني، لان الهزل لا يثبت بمجرد الدعوى. لكن ذكر بعض المتأخرين أنه اختلف أنه إذ قال تزوجني وليتك أو تبيعني سلعتك فقال قد بعتها من فلان أو زوجتها على أربعة أقوال: يلزم ولا يلزم. والفرق بين أن يدعي ذلك بأمر ما متقدم أو لا يدعيه إلا بذلك اللفظ والفرق فيلزم في النكاح لا البيع. والقول الثالث يشبه الثالث من كلام المصنف. انتهى كلام التوضيح ونحوه لابن عبد السلام وابن فرحون. إذا علم ذلك فما ذكره المشذالي عن القابسي أنه قال: معناه إذا ادعى الهزل بعد الرضا، وأما إن علم الهزل ابتداء فلا يلزم. ونحوه لابن القاسم ومثله للخمي في كتاب الغرر وغيره مخالف للمشهور الذي ذكره ابن رشد والمصنف في التوضيح، واقتصار المشذالي عليه يوهم أنه المذهب، وكذلك اقتصار الشيخ أبي الحسن الصغير على كلام اللخمي يقتضي أنه المذهب وقد علمت أنه خلاف المشهور والله أعلم. وما ذكره المصنف في التوضيح من الخلاف في مسألة من قال تزوجني وليتك فقال قد زوجتها من فلان، ذكره ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. وفي رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في مسألة ما إذا خطب رجل من شخص ابنته فقال قد زوجتها فلانا فقام فلان بذلك وأنكر الاب وقال كنت معتذرا ونصه: وأما إذا خطبت إلى رجل ابنته البكر فقال قد زوجهتا فلانا وطلب ذلك المقر له ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن النكاح واجب للطالب، سواء كان طلبه بهذا القول أو بنكاح كان قبله، لان النكاح لا لعب فيه ولا اعتذار وهو قول أصبغ في كتاب الدعوى والصلح وقول ابن حبيب في الواضحة. والثاني أن النكاح لا يلزم بهذا الاقرار ولا بدعوى متقدمة وإليه ذهب ابن المواز. والثالث الفرق بين أن يطلبه بذلك القول أو بقول متقدم وهو قول ابن كنانة في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، فإن طلبه بقول متقدم حلف الزوج بالله لقد كان زوجني وثبت النكاح، وإن طلبه بهذا

________________________________________

[ 50 ]

القول حلف الاب بالله ما كان منه إلا اعتذارا إليه وما زوجه. انتهى ملخصا من رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، ومن رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، ونقله ابن عرفة في أول النكاح. وقال ابن رشد في سماع أصبغ من كتاب النكاح: إن القول الثاني أشبه الاقوال انتهى. وهو الجاري على المشهور فيمن أقر اعتذارا أنه لا يلزمه كما ذكره المصنف في باب الاقرار والله أعلم. فرع: قال في المتيطية في فصل الاختلاف في الزوجية: واختلف في نكاح الهزل، فقال الشيخ أبو الحسن: إذا لم يقم دليله لزم الزوج نصف الصداق ولم يمكن من الزوجة لاقراره على نفسه أن لا نكاح بينهما. وقال الشيخ أبوعمران: يمكن منها ولا يضره إنكاره انتهى. وهذا الاخير هو الذي يوافق قول المصنف وليس إنكار الزوج طلاقا والله أعلم. ص: (وجبر المالك أمة وعبدا بلا إضرار) ش: نحوه لابن الحاجب. قال ابن عبد السلام: مراده بالمالك الجنس فيدخل فيه الذكر والانثى والحر والعبد ومن فيه عقد حرية إذا كان له النظر في ماله وهو المكاتب انتهى. وهذا إنما يكون للمكاتب إذا قصد ابتغاء الفضل، وأما إذا لم يكن في صداقها فضل لم يكن له أن يزوجها إلا بإذن سيده. قاله ابن رشد: انتهى من ابن فرحون. فعلم منه أن المالك إذا كان عبدا أو كانت فيه شائبة حرية ولكن ليس له التصرف في ماله فليس له أن يزوج إلا بإذن سيده والجبر في الحقيقة للسيد لا له، بل ليس له أن يتولى نكاح الامة وإن رضي سيده والله أعلم. فرع: يلحق بالمالك الوصي. قال ابن الحاجب: والوصي يزوج رقيق الموصى عليه بالمصلحة. وقاله ابن عرفة وصاحب الشامل. قال ابن عبد السلام: وله جبرهم انتهى. قلت: ومثل الاب في رقيق ولده مقدم القاضي والله أعلم. تنبيه: قال في أوائل النكاح الاول من المدونة: وللوصي أن ينكح إماء اليتامى وعبيدهم على وجه النظر انتهى. قال أبو الحسن: لانه قد يهرب فإذا زوجه لم يهرب. وقال في الرسالة في آخر باب الاقضية: وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم. قال القلشاني: لسقوط نفقة الاماء عن اليتامى. واختلف هل له تزويج ذكور المماليك ؟ وفي المدونة: الجواز. قيل: لا يجوز لانه يصير العبد مديانا بالصداق والولد لغيره ويشتغل بالزوجة ويترك الايتام. وحمل بعض الشراح الرسالة على هذا القول انتهى. وما ذكره عن المدونة يشير به لكلامها المتقدم. قال ابن ناجي في شرح المدونة إثر كلامها المتقدم: زاد في الام: بعضهم لبعض ومن أجنبيين. ويريد بقوله: على وجه النظر إذا خاف أن يأبقوا إذا لم يقع تزويج انتهى.

________________________________________

[ 51 ]

فرع: وأما الامة المخدمة فإن كان مرجعها إلى حرية فليس له جبرها ولا يزوجها إلا برضاها. قال في النوادر: يريد ورضى المخدم وليس ذلك للمخدم. قاله في ترجمة من يكره على النكاح ممن فيه بقية رق. وانظره في رسم الاقضية من سمدع عيسى من كتاب النكاح. ونص ما في النوادر قال مالك فيمن أخدم أمته رجلا ومرجعها إلى حرية بعد الاجل: ولا يزوجها إلا برضاها يريد ورضى المخدم وليس ذلك للمخدم أيضا انتهى. ففهم منه إذا أخدمها مرة ومرجعها إليه فليس له أن لا يزوجها إلا برضا المخدم والله أعلم. ص: (لا عكسه) ش: يحتمل أن يريد لا يجبر السيد على تزويج العبد والامة إلا إذا قصد الاضرار. وقاله ابن عبد السلام وتبعه في التوضيح، ويكون عكسها من كل وجه. ومعنى جبره ما أشار إليه في التوضيح أنه يؤمر بالتزويج أو البيع، ويحتمل أن يريد أن لا يجبر على زواجهما إن احتاجا وإن قصد إضرارهما. ونص كلام التوضيح عند قول ابن الحاجب: فالمالك يجبر الامة والعبد ولا يجبر هو لهما. قوله: ولا يجبر هو لهما أي إذا طلبا الزواج وأبى هو ذلك فلا يجبر لانه يتضرر بالتزويج. قال مالك في الموازية: وإن تبين أن العبد والمكاتب محتاجان إلى النكاح وأن السيد ضار بهما فلا يقضى على السيد بنكاحهما. عبد الحميد: واختلف الناس في هذه المسألة وكان بعض الشيوخ يقول: الصواب عندي أن القول قول العبد لاشتداد الضرر به إذ ذاك ضرر في الدين وضرر في الدنيا. وكان بعض المذاكرين يقول: انظر إلى ما قاله ابن خويز منداد في الحر إذا كان لا قدرة له على التسري وله حاجة إلى النكاح يخاف منه العنت، أن النكاح واجب عليه، وإذا كان واجبا فالعبد يشاركه فيها، ولان بعض أصحابنا أوجبه للاب على ابنه انتهى. والظاهر أنه يؤمر بالتزويج أو البيع لقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار. انتهى كلام التوضيح. وقال في العتبية في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان: وسئل مالك عن العبد يشكو العزبة فيسأل سيده أن يبيعه لذلك ويقول وجدت موضعا: ليس على سيده أن يبيعه ولو جاز ذلك لقال ذلك المخدم. قال ابن رشد: وهذا كما قال إنه ليس على الرجل واجب أن يبيع عبده ممن يزوجه إذ سأله ذلك وشكى العزبة، وإنما يرغب في ذلك ويندب. وليس امتناعه منه من الضرر الذي يجب به بيعه عليه كما ليس عليه أن يزوجه واجبا إذا سأله ذلك، لان قول الله عزوجل: * (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) * ليس على الوجوب إنما هو أمر بالانكاح على سبيل الحض والترغيب، وإنما يباع عليه إذا ظهر ضرره من تجويعه وتعريته وتكلفه من العمل ما لا يطيق

________________________________________

[ 52 ]

وضربه في غير الحق إذا تكرر منه ذلك أو كان شديدا منهكا، وهذا مما لا أعلم فيه اختلافا انتهى. ونقل في النوادر كلام العتبية في آخر كتاب الاقضية الثاني في ترجمة الرفق بالمملوك. والنهك المبالغة في العقوبة. قال في الصحاح: نهكه السلطان عقوبة ينهكه نهكا ونهكه إذا بالغ في عقوبته انتهى والله أعلم. فرع: قال الشيخ أبو الحسن في شرح مسألة عقد أحد الشريكين على الامة المشتركة: ولايجوز لاحد أن يزوج الامة لطول غيبة سيدها أو لعضلها انتهى. ص: (ولا مالك بعض وله الولاية والرد) ش: يعني أن مالك بعض الرقيق ليس له جبره على النكاح سواء كان البعض الآخر حرا أو رقيقا إلا إذا اتفق المالكان على الجبر فلهما ذلك، وإذا انتفى عن مالك البعض الجبر فله الولاية على الامة وله رد نكاحها ونكاح العبد إذا تزوجها بغير إذنه. ويشكل عليه أن كلامه يقتضي إذا زوج الامة المشتركة أحد السيدين أن للآخر الاجازة والرد وليس كذلك. قال في النكاح الاول من المدونة: ولا ينكح أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد أحد الشريكين للامة بصداق مسمى لم يجز وإن أجازه السيد الآخر. ويفسخ وإن دخل ويكون بين السيدين الصداق المسمى إن دخل، فإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن لم يرض بنصف التسمية انتهى. ولا يصح أن يقال يندفع الاشكال بأن يكون الالف واللام في الولاية والرد للعهد يعني أن الولاية المعهودة في الامة المملوكة جميعا لشخص واحد، والرد الذي للسيد في رقيق الاناث والذكور على كل حسب ما تقرر فيه. وإنما لم يصح هذا لان الولاية المعهودة في الامة المملوكة جميعا لشخص واحد ولاية الجبر وقد نفاها. وقال ابن الحاجب: وإذا نكح الابعد مع وجود المجبر لم يجز ولو أجازه كالاب، ومثله السيد في أمته على الارجح ولو كان شريكا. قال في التوضيح: وقيل يجوز في الامة لخفة الامر فيها والاصح ومقابله روايتان. فرع: وعلى المشهور أنه لا بد من فسخه، فإن فسخ قبل البناء سقط الصداق عن الزوج ورجع به إن استهلكته أو ما نقص إن تجهزت به، وإن لم يساوه الجهاز رجع على الذي زوجه إن غره ولم يعلمه أنه شريك يريد ويأخذ الجهاز وإن فسخ بعده، وإن أجازه الشريك فإنما له نصف المسمى، وإن لم يجزه أو أجازه ولم يرض بالصداق فالمشهور أن له الاكثر من المسمى وصداق المثل ويرجع الزوج بالزائد على الذي زوجه إن غره ويريد الجهاز بأن قال: هي حرة أو هي لي وحدي. والشاذ لاشهب أن ماله نصف المسمى. ابن المواز: ولا شئ للعاقد من الصداق إن غره، فإن قال هي حرة أو هي لي وحدي قال الشيخان أبو محمد وأبو الحسن:

________________________________________

[ 53 ]

وإذا رجع على الغار بما دفع إليه ترك ربع دينار. وقيل: لا يترك له شئ. وهذا إذا رضي الشريكان في الامة بقسم المال، وإن أباها أحدهما فعلى الزوج أن يكمل لها صداق المثل على المشهور ويكون بيدها، فإذا اقتسماه رجع على الذي زوجها منه بما استفضل في نصفه إن لم يكن غره، وبجميع الزيد إن غره كما ذكرنا اه‍. كلام التوضيح. ويمكن أن يخرج هذا من كلام المصنف لنفيه عنه الجبر وهذا مجبر إذا وافقه شريكه. قال ابن عرفة: المالك ولو تعدد يجبر عبده وأمته اه‍. وهذا هو الظاهر فيكون داخلا في قوله بعد وبأبعد مع أقرب أن لم يجبر انتهى. فتحصل من هذا أن مالك البعض ولو انتفى عنه الاجبار فلا تنتفى عنه الولاية، سواء كان البعض الآخر ملكا لآخر أو حرا. فإن تزوج العبد أو الامة بغير إذنه، فإن كان البعض الآخر ملكا لآخر فتقدم حكمه، وإن كان حرا فقال ابن الحاجب: ومن بعضه حر لا يجبر ولكنه كمالك الجميع في الولاية والرد. قال في التوضيح: لان البعض الحر لا تصرف له فيه. قال في البيان: لا خلاف في ذلك. وقوله: كمالك الجميع في الولاية على الامة وفي رد نكاح العبد أو الامة إذا تزوجها بغير إذن السيد انتهى. وقال ابن عبد السلام: يعني أن المعتق بعضه والمعتق بعضها، سواء كان الجزء العتيق يسيرا أو كثيرا. لا يجبر واحد منهما على التزويج إذ لا تسلط للمالك إلا على الجزء الرقيق، فلو أجبر السيد الامة أو العبد المذكورين على النكاح لكان متصرفا في ماله ومال غيره. ومعنى قوله ولكنه كمالك الجميع ويفترقان في الاجبار خاصة، وهذا بالنسبة إلى الامة المعتق بعضها، وأما العبد المعتق بعضه فلا يتصور فيه إلا الجبر خاصة، فإذا انتفى الجبر لم يبق هناك مانع فقال: ولكنه كمالك الجميع في الولاية بالنسبة إلى الامة وفي الرد بالنسبة إلى العبد أو وليهما انتهى. وهذا يقتضي أن من بعضها حر إذا تزوجت بغير إذن من له البعض فنكاحها باطل وهو ظاهر، لان غايتها أن تكون كأحد الشريكين في الامة والله أعلم ص: (والمختار ولا أنثى بشائبة ومكاتب) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. وحيث انتفى إجبار السيد عنهم فلا تنتفى ولايته عنهم وله فسخ النكاح إن وقع بغير إذنه. قال المتيطي بعد أن ذكر الاقوال الاربعة التي ذكرها الشارح واختيار اللخمي: ولا يجب لاحد من

________________________________________

[ 54 ]

هؤلاء أن ينكح إلا بإذن السيد انتهى. وفي النكاح الاول من المدونة في ترجمة نكاح الخصي والعبد: ولا يتزوج مكاتب ولا مكاتبة بغير إذن السيد لرجاء فضل أو غيره، لان ذلك يعيبهما إذا عجزا فإن فعلا فللسيد فسخه انتهى. ص: (وجبر المجنونة) ش: قال في التوضيح: وينبغي أن يلحق بالاب القاضي. وهذا إذا كانت لا تفيق، وأما إذا أفاقت أحيانا فلتنتظر إفاقتها انتهى. وفي شرح العمدة لمصنفها ما نصه: ولا يزوج غير الاب من الاولياء إلا بإذن، ومن لا إذن لها كالمجنونة والسفيهة لا يزوجها إلا من له ولاية الاجبار والحاكم، والبلوغ المعتبر في الاذن بلوغ المحيض. قال ابن حبيب: أو بلوغ ثمان عشرة سنة. واختلف في الانبات فاعتبره ابن القاسم في المحتاجة لدفع الضرر، ولم يعتبره ابن حبيب وقال: إن زوجت فسخ وإن بنى بها. وقال غيره: لا يفسخ لانه مختلف فيه انتهى. وسيأتي الكلام على البلوغ عند قوله: فالبالغ ص: (والبكر) ش: ويستحب للاب استئذانها. قال ابن العربي في العارضة: بواسطة لا مشافهة لانها إن استحيت من ذكر النكاح مرة استحيت من ذكره مع أبيها مرارا وقال فيها: قوله في الحديث: آمروا النساء في بناتهن هذا غير لازم بالاجماع وإنما هو مستحب فربما يكون عند أمها رأي صدر عن علم بها أو بالزوج، ولانه إذا كان برضاها حسنت صحبة زوج ابنتها. ص: (إلا لكخصي) ش: انظر ما قاله هنا مع قوله مما يأتي: وللام التكلم في تزويج الاب ص: (وهل إن لم يتكرر الزنا تأويلان) ش: قال في العارضة: هذا إذا كانت مشهورة محدودة وأما إن

________________________________________

[ 55 ]

كانت غير مشهورة فلا يجوز أن يرتب نكاح على ما لم يثبت بل يجب الحد على من ذكره والله أعلم. ص: (وهو في الثيب ولي) ش: وهل يقدم على الولي أو يقدم عليه الولي ؟ قولان والقول بتقديم الوصي. قال فضل: هو قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين. انتهى من التوضيح. وقال ابن سلمون: وصي الاب أولى من الاولياء في مذهب مالك وابن القاسم ويشاور الولي انتهى. وقال في الارشاد: ووصي الاب مقدم في البكر وفي الثيب أسوتهم

________________________________________

[ 56 ]

انتهى. ص: (فالبالغ) ش: قال في الجواهر: السبب الثالث من أسباب الولاية العصوبة كالبنوة والاخوة والجدودة والعمومة ولا تفيد إلا تزويج العاقلة البالغة برضاها. ثم قال: البلوغ المعتبر في التزويج هو الحيض. قال ابن حبيب: أو بلوغ ثمان عشرة سنة. واختلف في الانبات ثم إن تزوجت به قال ابن حبيب: يفسخ قبل البناء وبعده. وقال محمد: لا يفسخ إذا أنبتت. وقال الشيخ زروق في كتاب الحج: فأما الاحتلام والحيض والحمل فلا اختلاف في كونها علامات ويصدق في الاخبار عنها نفيا، طالبا كان أو مطلوبا، انظر بقية كلامه في باب الحج وفي البرزلي. وسئل السيوري عن البكر اليتيمة تريد النكاح وتدعي أنها حائض، هل يقبل قولها أو ينظر إليها هل أنبتت أم لا ؟ اه‍. وسئلت عن بكر غاب أبوها ودعت إلى التزويج وادعت البلوغ، فأجبت إذا غاب الاب عن ابنته البكر غيبة انقطاع بمعنى أنه لا يرتجى قدومه، أو غاب غيبة طويلة وكانت المسافة بعيدة كالشهرين ونحوهما ودعت البنت البكر إلى التزويج، فإن القاضي يزوجها إذا كانت بالغا. وللبلوغ خمس علامات: الاحتلام والانبات والحيض والحمل والسن وهو ثمانية عشرة سنة على المشهور، ويقبل قولها في ذلك إذا أشبه، وأما إن كانت غير بالغ فلا تزوج إلا إذا خيف عليها الفساد أو احتاجت إلى النفقة والله أعلم. ص: (والاصح إن دخل وطال) ش: هذا الذي مشى عليه المصنف من أنه إذا زوجت اليتيمة ولم يخف عليها الفساد أو لم تبلغ عشر سنين أو لم يشاور القاضي فسخ قبل البناء وبعده ما لم يطل بعد الدخول وهو الذي قال في المتيطية إنه المشهور. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: المشهور أنه يفسخ أبدا وهو الذي ذكره ابن حبيب وعزاه إلى مالك. وقال قبل هذا الكلام: وإذا فسخ هذا النكاح على قول من فسخه فالفسخ فيه بطلاق، وما طلق فيه الزوج قبل الفسخ لزمه ويكون

________________________________________

[ 57 ]

فيه الميراث بينهما إن مات أحدهما قبل الفسخ ويكون فيه جميع الصداق المسمى في الموت قبل الدخول وبعده، ونصفه إن طلق قبل الدخول وقبل الفسخ اه‍. ونحوه في المتيطية وابن سلمون. ص: (وقدم ابن فابنه) ش: يعني أن الابن مقدم على سائر الاولياء وكذلك ابن الابن وإن سفل. تنبيه: هذا إذا لم تكن الابنة في حجر أبيها أو في حجر وصي لها، أما إن كانت في حجر أبيها أو وصيها فالاب مقدم على الابن، وكذلك الوصي ووصي الوصي. قاله في الوثائق المجموعة وطرر ابن عات وذكره في شرح رجز ابن عاصم. ص: (فحاكم) ش: لا بد من إثبات

________________________________________

[ 58 ]

فصول عند زواجها. ذكره صاحب النوادر وصاحب التلقين وصاحب المفيد والمتيطي وابن سلمون وابن فرحون في تبصرته والبرزلي وغيرهم. قال في المتيطية. فصل: إذا لم يكن للثيب ولي ممن ذكرنا ورفعت أمرها إلى السلطان وهي ثيب وزعمت أنها لا ولي لها وأنها ثيب مالكة أمر نفسها خلو من زوج وفي غير عدة منه، كلفها الامام إثبات ذلك. قال فضل بن مسلمة: وتثبت عنده أنها حرة. وهكذا ذكره أصبغ في كتاب القضاء. وأنها لا تصدق أنها لا زوج لها حتى تثبت أنها خلو من زوج وفي غير عدة منه وأنها حرة مخافة أن تكون أمة قوم. قال الباجي: وهذا على مذهب من يقول من أصحاب مالك وهو أشهب وغيره إن الناس بين حر وعبد. وأما على مذهب ابن القاسم الذي يقول إن الناس أحرار، فلا تحتاج إلى أن تثبت أنها حرة، فإذا ثبت ما ذكرنا وحضرت مع الخاطب عنده واتفقا على النكاح والصداق وأقرت عنده بالرضا والتفويض عقد نكاحها أو قدم من يباشر عقده اه‍. ثم قال: وقولنا في المرأة إنها خلو من زوج وفي غير عدة منه وأن لا ولي لها وأن ذلك في علم من شهد به هو الصواب، لان المرأة قد يمكن أن يكون لها ولي أو زوج ولا يعلمه الشهود اه‍. وما ذكره عن فضل بن مسلمة نحوه للبرزلي ونصه: وزاد فضل ابن مسلمة في وثائقه أنها حرة، وذكره أصبغ في كتاب القضاء إذ لعلها مملوكة. الباجي: هذا على قول أشهب إن الناس بين حر وعبد، وعلى قول ابن القاسم إنها أحرار فلا يحتاج اه‍. وذكرها أيضا في المسائل الملقوطة عن الجزولي، وذكر أيضا تثبت أنها حرة، وذكر في موضع آخر أنه لا يحتاج إلى ذلك عند ابن القاسم. وذكر في الباب الثامن والعشرين من التبصرة أنها لا تحتاج إلى إثبات الحرية. وقال في التبصرة أيضا في الفصل الخامس من القسم الثالث في الركن السادس. مسألة: قال ابن راشد في المذهب: ينبغي للحاكم أن لا يمكن المرأة من النكاح إلا بعد ثبوت ما يتوصل به إلى ذلك وذلك على ثلاثة أقسام: الاول: البكر اليتيمة البلدية إذا أرادت الزواج كلفها إثبات يتمها وبكارتها وبلوغها وخلوها من زوج وأنهم ما علموا أن أباها أوصى بها إلى أحد وأن لا أحد من القضاة قدم عليها مقدما، وتثبت أيضا أن الاولى بنسب لها أو أن لها وليا فهو أحق بعقد النكاح عليها ويثبت كفاءة الزوج. وأن الصداق مثلها على مثله. قال

________________________________________

[ 59 ]

فضل بن مسلمة: وأنها حرة ويسمع الشهود منها رضاها بالزوج وبالصداق وأنها فوضت للقاضي في إنكاحها بذلك وسماعهم منها صمتا لا نطقا. الثاني: الثيب البلدية وإذا طلبت الثيب البلدية الزواج كلفها أن تثبت أصل الزوجية وطلاق الزوج لها أو وفاته عنها وأنها لم تخلف زوجا أو تخلل ذلك طول وأن لا ولي لها. الثالث: أن يكون الاب غير معروف ويأتي إلى الحاكم ليزوج ابنته فقد كلفه بعض قضاة العصر أن يثبت أن له ابنة اه‍. وذكر في المسائل الملقوطة في موضع آخر مسألة ونصها: وإذا قدمت المرأة من بلد بعيد بحيث لا يمكن أن تكلف البينة فقالت لا زوج لي فإنها تصدق. وذكرها أبو محمد في النوادر وفي الاحكام لابن أبي زمنين، وقال الباجي في وثائقه: إذا قالت كان لي زوج ففارقني في الطريق ولا أدري أحي هو أو ميت، فلها أن تقف إلى الشهود وتطلق نفسها لعسر النفقة ولا ترجع إلى القاضي لانه لا يقضي إلا ببينة. اه‍ من التقييد على التهذيب لابي إبراهيم الاعرج. اه‍ كلام المسائل الملقوطة. وفي باب الطلاق على الغائب لعدم النفقة مسائل من هذا المعنى. تنبيهان: الاول: الفصول التي يحتاج إلى إثباتها عند الحاكم إذا أراد أن يزوج إذا كان القاضي هو المتولي للعقد فتثبت عنده، وإن كان القاضي قدم رجلا للمناكح فإن كان فوض إليه إثبات تلك الفصول فتثبت عنده وإلا لم يصح له تزويج المرأة حتى تثبت تلك الفصول عند القاضي ويعلمه القاضي بذلك. قاله ابن رشد في نوازله. الثاني: فإن زوجها القاضي من غير إثبات ما ذكر، فالظاهر أنه لا يفسخ حتى يثبت ما يوجب فسخ النكاح في الموانع فإن هذه موانع يطلب انتفاؤها قبل إيقاع العقد، وإذا وقع العقد لم يفسخ حتى يثبت ما يوجب رفعه ولم أر في ذلك نصا والله أعلم. ص: (وصح بها في دنية مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال) ش: إنما تكلم المصنف على هذه المسألة بعد الوقوع ولم يذكر حكم الاقدام على ذلك. قال في أوائل النكاح الاول من المدونة: يكره أن يتزوج الرجق امرأة بغير إذن ولي. قال أبو الحسن: يعني ولي خاص. ثم قال في المدونة قال ابن القاسم: فإن فعل كره له وطؤها حتى يعلم وليها فيجيز أو يفسخ. قال أبو الحسن: حمل بعض الشيوخ الكراهة على بابها وهو عندي مشكل لانه قال: يعاقب وكيف يعاقب على المكروه ؟ ويحسن أن يقال وكره له وطؤها على المنع اه‍. وإن اطلع على ذلك فلا شك أنه يوقف

________________________________________

[ 60 ]

حتى ينظر هل يجيزه الولي أو يرده. قاله اللخمي فيما إذا كان الولي غائبا غيبة قريبة. ونقله عنه أبو الحسن، وهو يدل على المنع. وفيها قبل الكلام المتقدم قيل لمالك: من تزوج امرأة بغير إذن ولي بشهود، أيضرب أحد منهم ؟ فقال: أدخل بها ؟ قالوا: لا، وأنكر الشهود أن يكونوا حضروا فقال: لا عقوبة عليهم. ابن القاسم: إلا أني رأيت منهم أنه لو دخل بها لعوقبت المرأة والزوج والذي أنكح ويؤدب الشهود أيضا إن علموا اه‍. قاله في التوضيح. قوله: وأنكر الشهود الخ أي أنكروا أن يكونوا علموا أن هذا النكاح لا يجوز بدليل قوله: ويؤدب الشهود إن علموا. هكذا قال أبو الحسن. وجعل بعضهم فاعل أنكر ضميرا يعود إلى مالك أي وأنكر مالك أن يكون الشهود يحضرون مثل هذا اه‍. قال أبو الحسن كما قال في موضع آخر: أنتم تقرأون العلم وتشهدون على مثل هذا اه‍. قال في التوضيح: وقيد الباجي عدم عقوبتهم قبل البناء بما إذا كان النكاح مشهورا اه‍. وهو ظاهر لانه إذا لمن يكن مشهورا فهو نكاح سر وهو يعاقب فيه قبل الدخول وبعده. قال اللخمي: أرى أنه لا عقوبة على الزوجين إذا كانا من أهل الاجتهاد وذلك مذهبهما، أو كانا مقلدين من يرى ذلك، أو كانا يجهلان ويظنان ذلك جائزا، وإن كانا ممن يعتقد فساد ذلك فتستحسن العقوبة، وكذلك البينة إذا علمت أنها تزوجت بولاية الاسلام ينظر إلى مذهبهما أو من يقلدانه. اه‍ من أبي الحسن. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: يعني إن عقد صاحب الولاية العامة مع وجود الولي المجبر وهو الاب والمالك والوصي الذي جعل له ذلك فالنكاح باطل يفسخ مطلقا. عياض: اتفاقا. وكذلك الخاص الغير المجبر مع المجبر يبطل عقده إلا ما تقدم في الكافل والحاكم في الفضل. تنبيهان: الاول: الدنية كالسوداء والمسلمانية والمعتقة. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ومن في معناهما ممن لا يرغب فيه بحسب ولا مال ولا جمال. الثاني: يصح العقد بالولاية العامة في الدنية ولو تولى الزوج العقد بنفسه كما قاله اللخمي، وسيأتي كلامه عند قول المصنف وابن عم ونحوه والله أعلم. ص: (وإن قرب فللاقرب أو الحاكم إذا غاب الرد) ش: يعني إذا اطلع على النكاح الذي عقد بالولاية العامة مع وجود الولاية الخاصة في الشريفة وكان ذلك بالقرب، فللولي الخاص أن يرده، وسواء دخل بها أو لم يدخل. قال في المدونة: قال ابن القاسم: إذا أجازه الولي جاز دخل الولي أم لا، وإذا أراد فسخه بحدثان الدخول فذلك له. فأما إن طالت إقامته معها وولدت الاولاد أمضيته إن

________________________________________

[ 61 ]

كان صوابا ولم يفسخ وقاله مالك اه‍. فعلم من كلام ابن القاسم أنه إذا دخل وطال لم يفسخ وهو الذي قدمه المؤلف، وعلم أيضا أنه إن لم يطل له الاجازة والرد دخل أم لا. وبقي ما إذا لم يدخل وطال، ففهم ابن التبان عنه أنه إذا طال تحتم فسخه عنده وعليه اقتصر ابن يونس ونصه: تحصيل مذهب ابن القاسم فيها أنه إذا طال قبل البناء فلا بد من فسخه، وإن كان بعد البناء فلا بد من إجازته، وإنما يخير الولي في القرب. كذا كان يدرسه بعض من لقيته من بعض شيوخنا اه‍. وكذا قال عنه في التوضيح ونصه: واختلف الشيوخ في فهم هذا القول، فقال ابن التبان: إن كان قبل البناء بالقرب فللولي إجازته وفسخه، وإن طال قبله فليس له إلا الفسخ، وإن كان بقرب البناء فليس للولي أيضا فسخه وإجازته، وإن طال بعده فليس له فسخه. قال عبد الحق: وقال غير ابن التبان: إنه مخير قبل البناء وإن طال على مذهب ابن القاسم اه‍. وإلى هذين التأويلين أشار المصنف بقوله وفي تحتمه إن طال قبله تأويلان. وقوله أو الحاكم إن غاب ظاهره أنه ينتقل الامر في ذلك إلى الحاكم إذا غاب الولي الاقرب ولا ينتقل للابعد وهو كذلك على مذهب المدونة، وظاهره سواء قربت غيبته أو بعدت، وليس كذلك فيما إذا قربت غيبته بل يكتب إليه. قال في المدونة: وإذا استخلفت امرأة على نفسها رجلا فزوجها ولها وليان، أحدهما أقعد بها من الآخر، فلما علما أجازه إلا بعد ورده الاقعد، فلا قول هنا للابعد بخلاف التي زوجها الابعد وكره الاقعد لان ذلك نكاح عقده ولي، وهذا نكاح عقده غير ولي، فلا يكون فسخه إلا بيد الاقعد. فإن غاب الاقعد وأراد الابعد فسخه نظر فيه السلطان، فإن كانت غيبة الاقعد قريبة بعث إليه وانتظره ولم يعجل، وإن كانت غيبته بعيدة نظر السلطان كنظر الغائب في الرد والاجازة وكان أولى من الولي الحاضر اه‍. وقال أيضا بعده بنحو الورقة: وإن كان وليها غائبا وقد استخلفت رجلا فزوجها فرجع أمرها إلى الامام قبل قدوم وليها نظر الامام في ذلك وبعث إلى وليها إن قرب فيفرق أو يترك وإن بعد نظر الامام كنظره في الرد والاجازة. وقال غيره: إن بعدت غيبة الولي لم ينتظر وينبغي أن يفرق الامام بينهما ويأتنف نكاحها منه إن أرادته، ولا ينبغي إن ثبت نكاح عقده غير ولي في ذات الحال والقدر اه‍. فرع: قال في المدونة في هذا المحل: وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الامام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه اه‍. ص: (وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر) ش: يعني أن النكاح

________________________________________

[ 62 ]

يصح إذا عقده الابعد مع وجود الاقرب إذا لم يكن مجبرا ولو كان الابعد هو الحاكم. قال في أوائل النكاح الاول في المدونة: وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها جاز ذلك لانه ولي من لا ولي له. وإن كان لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها وأصاب وجه النكاح ولم يكن جور فليس لوليها فسخ ذلك. أبو الحسن: قوله ولي من لا ولي له مفهومه من لها ولي فليس بولي لها وليس كذلك، بل القاضي ولي كل واحد اه‍. وقوله: إن لم يجبر أي فإن كان الولي القريب مجبرا فلا يصح تزويج البعيد، والمجبر هو الاب والوصي. قال ابن عرفة: ولو أنكح بكرا ذات وصي بغير إذن وليها ففي تحتم الفسخ وإجازته بإجازة الوصي ثالثها إن كان نظرا لم يفسخ لعياض عن ظاهرها وابن شعبان وبعض الشيوخ اه‍. والمالك أيضا مجبر كما تقدم. تنبيه: فإذا تعدد الاوصياء وكان وصي ومشرف فقال ابن رشد في الاجوبة: ليس إنكاح أحد الوصيين دون إذن صاحبه بمنزلة إنكاح الوصي دون إذن المشرف، لان الوصيين وليان جميعا كالسيدين في الامة لا يجوز لاحدهما أن ينفرد بالعقد عليها دون صاحبه إلا أن يوكله على ذلك، فإن فعل كان العقد فاسدا كنكاح عقده غير ولي، وأما المشاور فليس بولي ولا له من ولاية العقد شئ وإنما له المشاورة، فإن أنكح الولي دون إذنه فالعقد صحيح إلا أنه موقوف على إجازته، فإن مات المشرف وقف على نظر القاضي انتهى. ونقله ابن سلمون في أوائله. وفي النوادر: إذا عقد كل واحد من الوليين على وليته فنكاح كل واحد منهما مردود إلا أن يأذن كل واحد لصاحبه فيكون للاول منهما وذلك منهما وذلك في الوصيين والسيدين انتهى بالمعنى. تنبيه: لو فرض للبنت أبوان كما في مسائل القافة، فانظر هل يكونان كالوصيين ؟ وانظر في باب الوصايا كلام المدونة.

________________________________________

[ 63 ]

تنبيه: يستثنى من مسألة المؤلف عضل الولي ومسألة الكافل على أحد الاقوال. ص: (ورضا البكر صمت كتفويضها) ش: يعني أن الولي غير المجبر لا يزوج إلا برضاها ويكفي في رضا البكر الصمات، وكذلك يكفي الصمات في تفويضها إليه العقد. قال المتيطي: وهذا هو ظاهر مذهب الموثقين قال: وانظر إذا كانت غائبة عن موضع الولي والزوج وأرادت التفويض إليه، والظاهر أنه لا بد من نطقها ولا ينبغي أن يختلف في ذلك انتهى. وفهم من كلام الشيخ أن الولي لا يعقد إلا بتفويض من المرأة وهو قول ابن القاسم قاله في التوضيح. فائدة: في الحديث البكر تستأذن وأذنها صماتها والايم تعرب عن نفسها أي تبين، والايم في اللغة من لا زوج له ذكرا كان أو أنثى، بكرا كانت أو ثيبا، ولكن فهم من مقابلته

________________________________________

[ 64 ]

بالبكر وتأنيث فعله تخصيصه بالانثى الثيب والله أعلم. ص: (أو بكت) ش: قال ابن عرفة، ففي كونه إنكارا قولا الجلاب مع المتيطي عن ابن مسلمة وابن مغيث قائلا: نزلت فاختلف فيها وحكم بإمضائه. قلت: الصواب الكشف عن حال بكائها هل هو إنكار أو لا انتهى. وعزا في التوضيح القول بأنه رضا للموازية أيضا ولم يعزه له ابن عرفة فكأنه لم يره والله أعلم. ص: (كبكر رشدت) ش: يعني بعد البلوغ قاله في معين الحكام. فرع: فلو أراد الاب أن يرجع عن ترشيدها ويردها في ولايته فهل له ذلك ؟ قولان

________________________________________

[ 65 ]

حكاهما في المعين والله أعلم. ص: (أو افتيت عليها) ش: يعني أنه لا يكون رضاها إلا بالنطق. قال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا بلغت اليتيمة فزوجها وليها بغير أمرها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز ولا يكون سكوتها هنا رضا. ابن يونس: وإنما لم يجعل سكوتها رضا لتعديه في العقد قبل إعلامها، فزوال الحياء عنها هو الذي أوجب أن يكون صمتها رضا، والاول إنما عقد بعد إعلامها فجعل سكوتها رضا كما جاء في الحديث ابن يونس: فإن زوجها بغير أمرها ثم أعلمها بذلك فسكتت فأعلمها أن سكوتها رضا وترك ردها له نطقا يكون رضا به وأشهد عليها بذلك وكل ذلك وهي ساكتة لعد ذلك منها رضا ولا كلام لها بعد ذلك. ابن المواز: قال أشهب عن مالك في امرأة زوجها أخوها ثم مات الزوج قبل البناء فقال ورثته لم تكن رضيت قال: تسأل هي الآن فإن قالت كنت رضيت فذلك لها. ومن المدونة: وإن كانت

________________________________________

[ 66 ]

بغير البلد أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز وإن رضيت. قال سحنون: وهذا قول مالك الذي عليه أصحابنا انتهى وقال في التوضيح في المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل: ومنها المرأة تزوج وهي حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول لم أرض به وتدعي الجهل انتهى. ص: (وإن أجازه مجبر الخ) ش: تصوره واضح. وقوله مجبر يشمل البنت البكر والامة وهو كذلك كما صرح به في النكاح الاول من المدونة وفي ترجمة نكاح العبد بغير إذن سيده والله أعلم. ص: (وفسخ تزويج حاكم أو غيره ابنته في كعشر وزوج الحاكم في كإفريقية وظاهرها من مصر وتأولت أيضا بالاستيطان كغيبة الاقرب الثلاث وإن أسر أو

________________________________________

[ 67 ]

فقد فالابعد) ش: أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى اختصار كلام ابن رشد في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح فإنه قال: غيبة الاب على ابنته البكر على ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون قريبة كعشرة أيام وما أشبه ذلك، فلا خلاف أنها لا تزوج في مغيبه، فإن زوجت فسخ النكاح زوجها الولي أو السلطان. قاله في الواضحة انتهى. قال في التوضيح: زاد في المتيطية عن ابن القاسم: ويفسخ وإن ولدت الاولاد وإن أجازه الاب انتهى. وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله وفسخ نكاح حاكم أو غيره ابنته في كعشر والضمير في قوله ابنته عائد على المجبر في قوله وإن أجازه مجبر الخ. تنبيه: قيد الرجراجي عدم تزويجها بأن لا يتبين ضرر الاب، فإن تبين زوجت وهو ظاهر وسيأتي كلامه. ثم قال ابن رشد: الثاني أن تكون غيبته بعيدة منقطعة مثل إفريقية أو طنجه أو الاندلس من مصر وما أشبه ذلك، فاختلف في ذلك على أربعة أقوال: أحدها أن الامام يزوجها إذا دعت إلى ذلك، فإن كانت نفقته جارية عليها ولم يخف عليها ولا استوطن الاب البلد الذي هو به وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية وفي المدونة. وقد تؤل على المدونة من قوله فيها: وأما من خرج تاجر الغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته وليس يريد المقام بتلك البلدة فلا تهجم للسلطان على ابنته أنها لا تزوج إلا أن يستوطن ذلك البلد ويطول مقامه فيه العشرين سنة والثلاثين حتى يؤيس من رجعته. وهذا قول ابن حبيب الثالث أنها لا تزوج أبدا وإن طال مقامه وهو ظاهر قول مالك في الموازية، وهو قول ابن وهب في رسم الاقضية من سماع يحيى انتهى. وهو قول ابن رشد مثل أفريقية من مصر تفسير منه لقول مالك في كتاب النكاح الاول من المدونة: ومن غاب عن ابنته غيبة انقطاع كمن خرج إلى المغازي إلى

________________________________________

[ 68 ]

مثل إفريقية والاندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى السلطان، فلينظر إليها وليزوجها. وأما إن خرج تاجرا أو في سفر لغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته الابنة انتهى. فحمل قوله في المدونة إلى مثل إفريقية على أن المراد من مصر. واستبعد ذلك ابن عبد السلام قال: لان المسألة من كلام مالك في المدونة، ويحتمل أن يريد ذلك مثل إفريقية من المدينة انتهى. وعلى ذلك حملها الرجراجي كما سيأتي في كلامه، وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله وزوج الحاكم في كإفريقية وظهر من مصر وتؤولت أيضا بالاستيطان. فصدر بالقول الاول الذي صدر به ابن رشد وقال: إنه ظاهر المدونة والعتبية. وأشار إلى تفسير ابن رشد المدونة بقوله: وظهر من مصر. ثم أشار إلى القول الثاني لان ابن رشد ذكر أن المدونة تؤولت عليه. وأفاد بقوله أولا أن المدونة تؤولت على الاول أيضا، واقتصر على هذين القولين لقوتهما عنده لان المدونة تؤولت عليهما وصدر بالاول لان ابن رشد ضعف القول الثاني فإنه قال في آخر شرح هذه المسألة: وأما الاعتبار بالاستيطان فلا وجه له انتهى. تنبيهات: الاول: علم من كلام المدونة وكلام ابن رشد أن هذا الخلاف إنما هو إذا كانت غيبة الاب عن ابنته غيبة انقطاع بمعنى أنه طالت إقامته بحيث لا يرتجى قدومه بسرعة غالبا، وأما من خرج لحاجة أو تجارة ونيته العود ولم تطل إقامته فلا تزوج ابنته، وصرح بذلك الرجراجي وابن الحاجب وغيرهما. وربما يستروح ذلك من قول المصنف وتؤولت أيضا بالاستيطان. قال الرجراجي: غيبة الاب عن ابنته البكر على وجهين: غيبة انقطاع وغيبة ارتجاع. وغيبة انقطاع بمعنى الغلبة والاضطرار أو على معنى الترفه والاختيار. فإن كانت على معنى الغلبة والاضطرار كالاسير، فإن كانت البنت في حرز وتخصيص ونفقة جارية ولم تدع إلى النكاح فلا تزوج في غيبة إذ لا يجبرها سواه، وإن دعت إلى النكاح زوجت إن كانت بالغة، وإن كانت في غير حرز وتحصين أو كانت في حرز ولا كفاية ولا مؤنة معها فإنها تزوج إذا خشي عليها الفساد والضيعة دعت إلى النكاح أم لا. وإن كانت غيبة الانقطاع على معنى الترفه والاختيار فلا يخلو من أن تعلم حياته أو تجهل، فإن علمت حياته وكان موضعه قريبا فلا خلاف أنه لا يفتات عليه في إنكاح بناته، دعون إلى ذلك أم لا، إلا أن يتبين ضرره بهن فيكون كالعاضل فإن الامام يتقدم إليه، إما أن يزوجها وإلا زوجها عليه الامام. وإن كان بعيد الغيبة كالاندلس من المدينة فالمذهب على قولين: أحدهما أنها تزوج بلا تفصيل وهو ظاهر المدونة. والثاني أنها لا تزوج إلا أن يخشى عليها الفساد والضيعة وهو ظاهر قول مالك في كتاب محمد. وإن جهلت حياته فظاهر المذهب الامام ينظر لها ويعقد عليها. ولمالك في كتاب محمد أن الاخ يزوجها برضاها. وهذا الخلاف مبني على الخلاف في المفقود، هل حكمه حكم الحي أو الميت. وأما إن كانت غيبة الاب غيبة ارتجاع كمن خرج لتجارة أو لطلب حاجة لا إشكال في

________________________________________

[ 69 ]

هذا الوجه أنه لا يتعرض للنظر في أمور بناته على أي حالة هو عليها كما لو كان حاضرا. انتهى باختصار. وقال ابن الحاجب: ويعتبر في غيبة أبي البكر إلى مثل إفريقية لغير تجارة. قال في التوضيح: واحترز بقوله لغير تجارة مما لو خرج إلى تجارة فإنها لا تزوج لان الغالب فيها أن يرجع عاجلا انتهى. وقال ابن عبد السلام: ومراد المؤلف بقوله لغير تجارة ما قاله في المدونة غيبة انقطاع، لكن فيه مسامحة لان غير التجارة أعم من الانقطاع. ومثل ما قال في المدونة نص عليه ابن المواز والقاضي عبد الوهاب انتهى. فعلم من هذا أن المراد بقول المصنف وزوج الحاكم في كإفريقية ما إذا كانت غيبته غيبة انقطاع يعني أنه لا يرجى عوده بسرعة غالبا. وليس معناه الاستيطان الذي هو السكنى بنية عدم الانتقال لانه لا يشترط في القول الاول. وقوله في المدونة وابن الحاجب فيمن خرج لتجارة لا تزوج، يريد والله أعلم إذا لم تطل إقامته كما يفهم من قوله في التوضيح، لان الغالب أن يرجع عاجلا، ويفهم أيضا ذلك من كلام عبد الوهاب الاتى والله أعلم. الثاني: ما ذكره من أمنها تزويج في القول الاول الراجع وإن كانت نفقة الاب جارية عليها ولم يخف عليها الصيغة. إنما ذلك إذا كانت بالغة، أما إذا كانت دون البلوغ ونفقة جارية عليها ولم يخف عليها الفساد فلا تزويج وهذا ظاهر، فإن اليتيمة إذا كانت بهذه المثابة فلا تزويج فأحرى التي أبوها حي. نعم إذا خيف عليها الفساد أو انقطعت عنها النفقة فتزوج حينئذ قبل البلوغ وصرح بذلك اللخمي ونقله أبو الحسن عن عبد الوهاب. قال اللخمي: إذا كان سفر الاب قريبا لم تزوج، وكذلك إذا كان بعيدا أو أسر أو فقد وهي في حال صيانة ولم تدع إلى التزويج، فإن دعت إليه ولم تكن منه نفقة وهي تحت حاجة زوجت، وإن كانت نفقته جارية عليها وكان أسيرا أو فقيدا زوجت واختلف إذا علمت حياته ولم يكن أسيرا، فظاهر الكتاب أنها تزوج، وفي كتاب محمد لا تزوج، وإن خشي عليها الفساد زوجت ولم تترك، دعت إلى ذلك أم لا. والتزويج إذا كانت النفقة جارية عليها وهي بحال الصيانة إنما يصح بعد البلوغ، وإذا عدمت النفقة وكانت تحت الحاجة أو خشي عليها الفساد يصح وإن لم يكن بلوغ انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: قال عبد الوهاب: إذا غاب الاب غيبة انقطاع، فإن كانت حياته معلومة ومكانه معروفا إلا أن استئذانه يتعذر وهي بالغة، فاختلف في جواز نكاحها فقال مالك: يزوجها الامام إن رفعت إليه. وقال عبد الملك: لا يجوز إنكاحها في حياة الاب بوجه، وقال ابن وهب: إن قطع عنها النفقة جاز إنكاحها برضاها وإن أكرهها لم يجز. ووجه قول مالك أن طول غيبته ضرر بها فهو كما لو عضلها انتهى. الثالث: هذا الخلاف إنما هو إذا كانت نفقته جارية عليها. قال ابن رشد بعد حكاية الاقوال الاربعة المتقدمة: ولا اختلاف بينهم إذا قطع الاب عنها النفقة في غيبته وخشيت عليها الضيعة في أنها تزوج وإن كان ذلك قبل البلوغ، وإنما اختلفوا هل يزوجها هنا

________________________________________

[ 70 ]

السلطان - وهو المشهور - أو الولي وهو قول ابن وهب والله أعلم انتهى. وظاهر كلام عبد الوهاب المتقدم وكلام ابن يونس في التوضيح أن الخلاف جار سواء كانت النفقة جارية أم لا. فتحصل في ذلك طريقان، وقد تقدم أن الراجح أنها تزوج مع إجراء النفقة فأحرى إن انقطعت والله أعلم. ثم قال ابن رشد في الرسم المذكور: الثالث أن يكون الاب أسيرا أو فقيدا فلا اختلاف في أن الامام يزوجها إذا دعت إلى ذلك وإن كانت في نفقته وأمنت عليها الضيعة اه‍. وقال في التوضيح: المشهور أن الولي يزوجها وإن كانت نفقته جارية عليها ولم يخف عليها الضياع. قال في المتيطية: وبهذا القول القضاء. وقال عبد الملك: ليس لهم ذلك إلا بعد أربع سنين من يوم فقد. وقال أصبغ: لا تزوج بحال اه‍. وهو ظاهر كلام الشيخ زروق في شرح الارشاد. وإن الولاية تنتقل للابعد ونصه: فإن أسر أو فقد انتقل للابعد وإن كان مجبرا على المشهور. المتيطي: وبه القضاء: وقال بعض الموثقين: وإذا فرعنا على المشهور فينبغي أن يثبت الولي عند الحاكم طول غيبة الاب وانقطاع خبره والجهل بمكانه. وحينئذ يبيح للولي إنكاحها اه‍. وفي الطراز: إن الامام يزوجها إذا دعت إلى ذلك فجعل ذلك للحاكم دون الولي وهو الصواب أي وفرق بين هذه والتي قبلها اه‍. وإلى هذا القسم أشار المؤلف بقوله وإن أسر أو فقد فالابعد فمشى على ما شهره في المتيطية. وأما قوله كغيبة الاقرب الثلاث يعني أن المرأة إذا كان لها وليان أحدهما أقرب من الآخر فالولاية للاقرب، فإذا غاب هذا الاقرب فهل يسقط حقه وتنتقل الولاية للابعد أم لا ؟ قال المصنف: إن كانت غيبته على مسافة ثلاث ليال يريد فأكثر فإن الولاية تنتقل للحاكم لا للابعد، لان غيبة الاقرب لا تسقط حقه والحاكم وكيل الغائب. وهذا معنى قوله كغيبة الاقرب الثلاث. ومفهومه أنه لو كانت غيبة الاقرب على مسافة أقل من ثلاث ليال لا تنتقل الولاية للحاكم وهو كذلك إلا أن المصنف لم يذكر ما يفعل، والحكم في ذلك أنه يرسل للولي ويعلمه. قال ابن عرفة: وقرب غيبة الولي كحضوره وبعيدها. قال الشيخ: روى ابن وهب: إن بعدت غيبة الولي زوج السلطان ثم قال: وفي كون السلطان بغيبة الاقرب أحق من الابعد أو العكس قولها ونقل اللخمي انتهى. وانظر إذا أسر الاقرب غير الاب أو فقد. وظاهر كلام الشيخ زروق في شرح الارشاد أن الولاية تنتقل للابعد ونصه: فإن أسر أو فقد انتقل للابعد وإن كان مجبرا على المشهور. المتيطي: وبه القضاء اه‍. ويمكن أن يحمل كلام المصنف على ذلك ويكون قوله وإن أسر أي الاب أو الولي الاقرب انتقلت الولاية للابعد فتأمله والله أعلم. فرع: قال المتيطي: إذا زوج الحاكم فإن كانت بكرا ذكرت معرفة الشهود أن النكاح نظر لها وأن الصداق مهر مثلها كما يفعل في الوصي إذا لعلة واحدة، ولا ينبغي أن يذكر في هذا النظر أنه ثبت عنده شئ مما يجب كما يفعل في إنكاحه لها غيره فانظره. ص:

________________________________________

[ 71 ]

(كذي رق وصغر وعته وأنوثة) ش: مراد المصنف - والله أعلم - أن يذكر شروط الولي بنفي الولاية عمن اتصف بضد الشروط. قال ابن الحاجب: ولا ولاية لرقيق على ابنته ولا غيرها ويقبل لنفسه ولموكله بإذن سيده وبغير إذنه، ولا صبي ولا معتوه، ولا تزوج امرأة نفسها ولا غيرها بل تلي على عبدها وعلى الذكر المولاة هي عليه. قال في التوضيح: شروط الولاية ثمانية: ستة متفق عليها واثنان مختلف فيهما. فالستة أن يكون حرا بالغا عاقلا ذكرا حلالا مسلما، والاثنان أن يكون رشيدا عدلا اه‍. فمراد المصنف رحمه الله بكلامه هذا ذكر شروط الولاية بنفي الولاية عمن اتصف بضد الشروط فهو مشبه بما تقدم في سقوط الولاية عمن اتصف بوصف من هذه الاوصاف لا في الانتقال فقد لا يكون هناك غيره وإلا فقد يشكل ذكر الانوثة، سواء قلنا التشبيه راجع لانتقال الولاية أو لسقوطها، لان المرأة إذا لم تكن وصية ومالكة معتقه لا يمكن أن توصف بالولاية، لان أنوثتها لا تفارقها بخلاف العبد والصبي والمعتوه فإن المانع لهم عارض غير ذاتي يرتجى زواله والله أعلم. ص: (كعبد أوصي) ش: قال ابن

________________________________________

[ 72 ]

رشد: وأما العبد والكافر في بناتهما فلا يعقدان النكاح عليهن ولا يستخلفان على ذلك أحدا، ولا اختلاف في هذا، فالعبد يزوج ابنه وابن من أوصى إليه ولا يزوج ابنته أو يستخلف من يزوج ابنة من أوصى إليه ولا يزوجها هو، وكذلك النصراني سواء مثل العبد في هذا. والمرأة تلي العقد على من إلى نظرها من الذكور ولا تليه عمن إلى نظرها من النساء لكنها تستخلف على ذلك رجلا يصح له العقد اه‍. وانظر المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي آخر رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب النكاح والله أعلم. ص: (وصح توكيل زوج

________________________________________

[ 73 ]

الجميع) ش: يتناول بظاهره المحرم ولا يصح عقده والله أعلم. ص: (لا العكس) ش: يعني إذا وكل الرجل رجلا يزوجه ولم يعين له المرأة فزوجه امرأة ولم يعينها لزمه ذلك إذا كانت المرأة ممن تليق به. قاله في المتيطية. ص: (ولابن عم ونحوه إن عين تزويجها من نفسه بتزوجتك بكذا وترضى وتولى الطرفين) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: يعني أن الولي إذا كان ابن عم أو وصيا أو كافلا أو مولى أعلا فأراد تزويج وليته من نفسه له ذلك ويتولى طرفي العقد فيعقد عليها لنفسه ولها على نفسه. قال في المدونة: وليشهد على ذلك غيرهما. وللخمي عن المغيرة: لا يعقد ولا بد أن يوكل غيره فيزوجها منه، والمشهور الاول. وعليه فلو قالت زوجني ممن أحببت فزوجها من نفسه أو لغيره لم يجز حتى يسمى لها من يزوجها منه ولها أن تجيز أو ترد اه‍. وقال في شرح العمدة: فإذا رضيت به أشهد على رضاها خوف إنكارها ولا يشترط ذلك بل يستحب، فإن كان عقد عليها من غير تعريفها فالمشهور أنه لا يلزمها اه‍. ونحو ابن العم الحاكم وقد صرح به في المدونة ونقله في الشامل. فظاهر إطلاقاتهم صحة ذلك في الولاية

________________________________________

[ 74 ]

العامة خصوصا عبارة التلقين ونصه: وللولي أن يلي نكاح نفسه من وليته التي يجوز له نكاحها بأي شئ كانت ولايته اه‍. وصرح بذلك اللخمي فقال ما نصه: باب إذا كان الزوج وليا هل توكله فيزوجها من نفسه ؟ اختلف فيه، فأجازه مالك وغيره من أصحابه فيكون زوجا وليا. وحكى ابن القصار عن المغيرة وأحمد أن ذلك جائز إذا وكل غيره. وكذلك إذا كانت المرأة لا ولي لها وصار الامر إلى ولاية الاسلام، أو كانت دنية لا قدر لها، يجوز أن توكل من يزوجها على العقد فيعقد ذلك من نفسه وإن لم يكن من أوليائها، ويمنع ذلك على قول المغيرة وغيره إلا أن يوكل غيره يعقد لها منه. والاحوط أن يوكل غيره فإن وكله مضى وجاز اه‍. والله أعلم. ص: (وإن تنازع الاولياء المتساوون في الزوج أو العقد نظر الحاكم) ش: هكذا ذكر في التوضيح عن ابن سعدون أن قوله في المدونة وإن اختلفت الاولياء وهم في العقد سواء نظر السلطان، يحتمل أن اختلافهم فيمن يعقد أو في الزوج لكن قال ابن عرفة: إن كان في الزوج تعين من عينته المرأة إن كان كفؤا وهو ظاهر، فتحمل المسألة فيما إذا لم تعين أحدا وفوضت إليهم، وأما إذا اختلفوا فيمن يلي العقد فحصل ابن عرفة في ذلك ستة أقوال: الاول اللخمي عن المدونة ينظر السلطان. الثاني لعبد الحق عن بعض القرويين تعين المرأة أحدهم. الثالث للخمي عن ابن حبيب أفضلهم فإن استووا فأسنهم فإن استووا وليه كلهم إن تشاحوا. وزاد المتيطي والباجي عن ابن حبيب: وليس للمرأة أن تفوض لاحدهم دون سائرهم لانه حق الولي. قلت: وعلى هذا اقتصر ابن الحاجب. وانظر قوله وليه كلهم هل معناه أن يقولوا له جميعا زوجناك فلانة ؟ ولفظه في مختصر الواضحة: فإن استووا في الفضل والسن فذلك إليهم كلهم يجتمعون على عقد ذلك عليها انتهى. ولا إشكال إن فوضوا جميعا لرجل يعقد عليها والله أعلم الرابع: للكافي أفضلهم فإن استووا عقد السلطان أو من يعينه منهم الخامس: أيضا يعين أحدهم ولا يعقد هو السادس اللخمي: لو قيل يعقدون أجمعون دون تعيين الافضل كان حسنا، ولا إشكال إن بادر أحدهم وعقد في صحة عقده وإنما الكلام، هل يجوز له الاقدام على ذلك ؟ قال ابن عبد السلام: ينبغي أن لا يقدم على ذلك حتى يعلم بما عند الباقين لان لكل واحد منهم مثل ما للآخر. وقال في التوضيح: لا يقدم على ذلك ابتداء لكن مقتضى كلامه في المدونة أن لبعض الاولياء إذا كانوا في درجة أن يزوج ابتداء بغير إذن الباقين والله أعلم. ص: (وإن أذنت لوليين فعقد فللاول إن لم يتلذذ الثاني بلا علم) ش: أذنت لوليين يعين بأن تكون

________________________________________

[ 75 ]

فوضت إليهما في رجلين معينين أو لما عين لها الثاني ناسية الاول. قاله في التوضيح: ومفهوم قوله إن لم يتلذذ الثاني فإن تلذذ فهي للثاني وهو كذلك، وانظر لو خلا بها ثم تصادق هو والزوجة على أنه لم يقع منه تلذذ ولا وطئ ما الحكم ؟ هل تكون هذه الخلوة فوتا على الاول أو لا تكون فوتا ؟ وظاهر نصوصهم أن الدخول فوت. وانظر أيضا إذا ثبت للثاني هل يفسخ نكاح الاول بطلاق أو بغير طلاق ؟ والظاهر أنه يفسخ بطلاق لانه مختلف فيه والله أعلم. فرع: فإن لم يدخل أحدهما وجهل الاول فهل تصدق المرأة أو الوليان أن أحدهما هو الاول ؟ فيه قولان. مذهب المدونة عدم التصديق وقول أشهب في الواضحة التصديق. قاله في المقدمات. قال: وانظر إذا أقر أحد الوليين أنه زوج وقد علم بتزويج الآخر قبله، هل يصح له النكاح ولا يفرق بينهما أو لا ؟ انتهى. ومفهوم قوله بلا علم أنه لو علم ودخل لم تفت بذلك وهو كذلك. قال ابن الحاجب: أما لو دخل بعد علمه لم ينفعه الدخول وكانت للاول منهما. قال في التوضيح: إن من شرط كونها للثاني أن يدخل وهو غير عالم بالاول لقوة الشبهة، أما لو دخل بعد علمه بأنه ثان فلا انتهى، ونحوه لابن عبد السلام. ولا يفيده طلاق الاول أو موته. قاله ابن الحاجب وانظر هل يحد أو لا يحد والله أعلم. فرع: فإن لم يعلم الاول منهما ودخلا جميعا فسخ النكاحان. قاله في المقدمات قال: ويدخل الخلاف المذكور في تصديق المرأة أو الوليين على الاول منهما إلا أنه يكون على كل واحد منهما صداقها المسمى بالمسيس انتهى. وأما إذا دخلا جميعا وعلم الاول منهما في العقد إلا أن الزوج الثاني لم يعلم بعقد الاول. فلو كان دخول الثاني قبل دخول الاول فالظاهر أنها له لكونه دخل بها ولم يعلم بعقد الاول: وأما إن كان الاول هو الذي دخل قبل الثاني قال ابن بشير: لا شك في مضي نكاحه وإبطال إنكاح الآخر انتهى. وقال الرجراجي: لا خلاف أنها للاول ويفسخ نكاح الثاني انتهى. إلا أنهما قالاه فيما إذا دخل الاول ولم يدخل الثاني، والظاهر أنه كذلك في مسألتنا لانه لما أن دخل الاول فاتت على الثاني كما قالا، فوطئ الثاني بمنزلة من عقد على زوجة شخص ودخل عليها والله أعلم.

________________________________________

[ 76 ]

ص: (إن لم تكن في عدة وفاة ولو تقدم العقد على الاظهر) ش: هذا شرط في تفويت دخول الثاني بها. وفهم من قوله في عدة وفاة أن طلاق الاول لا يضر الثاني، سواء عقد الثاني ودخل قبل طلاق الاول، أو عقد ودخل بعد طلاقه، أو عقد قبل طلاقه ودخل بعد طلاقه وهو كذلك، لانه طلاق قبل البناء فلا عدة فيه. وأما في وفاة الاول فإن عقد الثاني ودخل قبل موته فهي له ولا ترث الاول، وأما إذا كان العقد والدخول بعد الموت فهي في عدة الاول وترثه وتحرم على الثاني على التأبيد، وكذلك إن وقع العقد قبل الموت والدخول بعده على ما اختاره ابن رشد. وانظر التوضيح. وكان الاليق بقاعدة المؤلف أن يشير لابن رشد بالفعل لانه اختاره من نفسه لا من الخلاف، وإنما خرجه على مسألة المفقود، قاله ابن عرفة والله أعلم. ص: (وفسخ بلا طلاق أن عقدا بزمن أو لبينة بعلمه أنه ثان لا إن أقر أو جهل الزمن) ش: اعلم أن المصنف رحمه الله ذكر أربع مسائل يفسخ فيها النكاح، لكن اثنتان بطلاق وثنتان بغير طلاق، وبعضها يفسخ فيها النكاحان معا وبعضها يفسخ نكاح أحدهما، وبعضها يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده وبعضها قبل الدخول فقط، وجمعها المصنف للاختصار. فقوله وفسخ بلا طلاق إن عقدا بزمن أشار به إلى إحدى المسألتين اللتين يفسخ النكاح فيهما بلا طلاق وهي مما يفسخ فيها النكاحان معا قبل الدخول وبعده، وما ذكره المصنف هنا من أن الفسخ بلا طلاق هو الذي ارتضاه في التوضيح.

________________________________________

[ 77 ]

وقال ابن الحاجب: إن المشهور الفسخ بطلاق وسلمه ابن عبد السلام إلا أنه استظهر الفسخ فيها بغير طلاق. وقال المصنف في التوضيح: ولعل ابن عبد السلام اعتمد على المصنف، وما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب من أنه يفسخ بطلاق مع الاتحاد لم أره وهو مشكل لاستحالة الشركة في الزوجة شرعا فلم تدخل في عصمة أحدهما انتهى. وقال البساطي بعد نقله كلام التوضيح: وأقول: لم أ من ذكر هذه المسألة أصلا انتهى. فإن عنى بذلك أنه لم يطلع على من قال فيها إن الفسخ بطلاق كما قاله المصنف فظاهر، وإن عنى بذلك أنه لم يطلع على من نص على مسألة اتحاد العقدين بزمن واحد فغير ظاهر، لان المسألة نص عليها اللخمي والرجراجي ونقلها ابن عرفة وأبو الحسن الصغير عن اللخمي وسيأتي كلامهم. تنبيه: قال ابن عبد السلام: ولو اتحد زمن العقدين حتى لا يكون أحد الزوجين هو الاول، أو تعدد الزمن ولكن جهل الاول من الزمانين مع الجهل بالاول من الزوجين، فلا شك على المشهور أن من دخل من الزوجين أولى، ولظهور الحكم في هذا الوجه سكت عنه المصنف يعني ابن الحاجب. ولو لم يقع دخول ففيها ثلاثة أقوال وذكرها. فقوله فلا شك على المشهور أن من دخل من الزوجين أولى قد يتبادر منه أن ذلك راجع إلى المسألتين معا وليس كذلك، بل هو راجع إلى المسألة الاخيرة فقط وهي مسألة ما إذا جهل الزمان وعلى ذلك حمله في التوضيح كما يظهر من كلامه لمن تأمله. ورجوعه لمسألة اتحاد زمن العقدين مشكل، لانه خلاف المنصوص. قال الرجراجي: وأما الوجه الثالث وهو ما إذا فوضت أمرها إلى أكثر من واحد مثل أن تفوض أمرها إلى رجلين فزوجهما هذا من رجل وهذا من رجل، فلا يخلو ذلك من وجهين: أحدهما أن يكونا عقدا معا، والثاني أن يتقدم أحدهما بالعقد على الآخر، فإن عقدا عليها معا فلا خلاف في المذهب في فسخ النكاح من غير اعتبار بالدخول انتهى. وقال اللخمي: ولو عقد الوليان في مجلس واحد من رجلين معا لم يتقدم أحدهما الآخر يفسخ النكاحان جميعا، دخلا بها أو أحدهما أو لم يدخلا، لان العقدين فاسدان لعلم كل واحد منهما بعقد الآخر انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي: ولو عقد الوكيلان في مجلس واحد فسخا، ولو بنى أحدهما العلم كل واحد منهما بعقد الآخر انتهى. وقال أبو الحسن إثر قول المدونة: وإن لم يدخل بها واحد منهما ولم يعلم الاول فسخا جميعا في الكتاب، في هذه المسألة ثلاث صور: الاولى إذا علم الاول ولم يدخل الثاني فهذه ترد للاول ويفسخ نكاح الثاني بغير طلاق. قاله ابن المواز: الثانية أن يكون دخل بها والمسألة تحالها فهذه مسألة الخلاف. قال في الكتاب الثاني أحق. الثالثة أن لا يعلم واحد منهما فهذه أيضا قال فيها في الكتاب فسخا جميعا، فإن دخل بها الثاني كان أحق بها بطريق الاولى على مذهب الكتاب، وعلى قول ابن عبد الحكم بفسخ. حكى ذلك اللخمي. ومعنى مسألة الكتاب إذا لم يمكن اتفاق العقدين، وأما إن أمكن اتفاقهما فهذه صورة رابعة لا يفيتها دخول أحدهما

________________________________________

[ 78 ]

ويفسخ النكاحان لامكان أن يكون وقع عندهما في زمن واحد. الخامسة أن يتحد زمن العقدين يقينا، أما في زمن واحد في مجلس أو مجلسين فقال اللخمي: إن كان عقدهما في مجلس فنكاحهما فاسد لعلم كل واحد منها بعقد الآخر. وقال الغزالي في البسيط: إذ ليس هذا أولى من هذا ولا سبيل إلى الجمع. وتعليل الغزالي أحسن لانه يشمل ما كان في مجلس واحد أو مجلسين لان الزمان متحد، وتعليل اللخمي إنما يشمل ما إذا كان المجلس واحدا. واستفيد من كلام أبي الحسن أنه لا فرق في اتحاد زمن العقدين بين أن يكون ذلك في مجلس واحد أو مجلسين. وظاهر كلامه أيضا أن العقدين تارة بتيقن اتحاد زمانهما كما ذكره في الصورة الخامسة. وتارة يمكن اتفاقهما كما ذكره في الصورة الرابعة، وأن الحكم في ذلك واحد فتأمله والله أعلم. وأما قوله أو ببينة بعلمه أنه ثان فأشار إلى المسألة الثانية من المسألتين اللتين يفسخ النكاح فيهما بلا طلاق، وقوله لا إن أقر أشار به إلى المسألة الاولى من المسألتين اللتين يفسخ فيهما النكاح بطلاق. والضمير في قوله بعلمه يحتمل أن يعود على كل من الوكيل الثاني والزوج الثاني، ورجوعه إلى الزوج الثاني أقرب لذكر مقابله بقوله لا إن أقر والحكم مع قيام البينة بعلمه أنه ثان الفسخ بغير طلاق كما تقدم. وأما مع عدمها فالحكم فيما إذا أقر الزوج الفسخ بطلاق كما تقدم، وفيما إذا أقر الولي مع عدم تصديقه. قاله في التوضيح وغيره. والفسخ في هاتين المسألتين قبل الدخول وبعده والفسخ فيهما لنكاح الزوج الثاني فقط من الزوجين والله أعلم. وقوله أو جهل الزمن أي جهل زمن الاول منها، وأشار به إلى المسألة الثانية من المسألتين اللتين يفسخ فيهما النكاح بطلاق والحكم في ذلك فسخ النكاحين معا بطلاق إن أدرك ذلك قبل الدخول، فإن دخل بها أحدهما كان أحق بها. قال اللخمي: وهذا قول مالك. وعلى قول ابن عبد الحكم يكون حكمه حكم من لم يدخل لانه على شك فقد يكون الاخير فلا يصح له المقام عليها اه‍. ونقله في التوضيح. وقال الرجراجي: فأما إن جهل الاول منهما فلا يخلو من أن يدخل بها أحدهما أو لا يدخل بها واحد منهما، فإن دخل بها أحدهما فالمذهب على قولين: أحدهما أنه أحق بها وهو قول مالك في المدونة. والثاني لا يكون أحق بها وأن الدخول لا تأثير له في ثبوت النكاح لانه على شك أنه قد يكون هو الاخير فلا يصح له المقام على هذا النكاح وهو قول ابن عبد الحكم، فإن لم يدخل بها واحد منهما فلا خلاف في المذهب أن نكاحهما مفسوخ، وظاهر المذهب في ذلك أن الفسخ بغير طلاق لانه نكاح فسخ بالغلبة. وقيل: بطلاق وهو المنصوص في المذهب اه‍. فرع: قال ابن رشد في المقدمات: وإن تزوجها أحدهما بعد زوج كانت عنده على طلقتين، وإن تزوجها أحدهما قبل زوج كانت عنده على ثلاث تطليقات لانه إن كان هو

________________________________________

[ 79 ]

الاول فإنما تزويجه إياها تجديد لنكاحه الاول وذلك لا يوجب طلاقا، وإن كان الاخير فلا يلزمه طلاق لانه لم ينعقد له نكاح ويقع على الذي لم يتزوجها بتزويج الذي تزوجها منهما طلقة، فمتى تزوجها كانت عنده على تطليقتين اه‍. وتعقبه الرجراجي ونصه إثر كلامه المتقدم: فإن تزوجها أحدهما بعد الفسخ هل ترجع عنده على جميع الطلاق أو على ما بقي من إطلاق الملك ؟ فقد ذكر بعض المتأخرين عن ابن المواز كلاما متناقضا في نفسه وقال: لا يخلو الذي تزوجها منهما من أن يكون تزوجها قبل زوج أو بعد زوج، فإن تزوجها قبل زوج ثم ذكر الكلام الذي ذكره ابن رشد برمته. وقال إثره: هذا الكلام مدخول لان الفسخ الذي فسخ به نكاحهما إن كان بطلاق فكيف ترجع عند الذي تزوجها منهما بعد ذلك على جميع الطلاق لانه فسخ وقع بحكم حاكم والاول منهما مجهول، وإن كان بغير طلاق فكيف يلزمه الطلاق بتزويج غيره إياها بعد الفسخ من غير أن يوجبه عليه حكم حاكم، وهذا الكلام كما تراه وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا اه‍. ص: (وإن ماتت وجهل الاحق ففي الارث قولان) ش: الاحق هو الاول إن لم يدخلا، وإن دخل أحدهما فالثاني هو الاحق. قاله ابن عبد السلام. وقوله ففي الارث قولان أي فهل يقسم الارث بينهما نصفين أو لا ميراث لهما ؟ قاله ابن عرفة ورجحه التونسي. قال ابن عبد السلام: وعليه أكثر المتأخرين. وعلى القول الاول يكون لغزا يقال ما امرأة يرثها زوجان معا ؟ والله أعلم. ص: (وعلى الارث فالصداق) ش: قال ابن عبد السلام: والاقرب أنه يجب أن لا يستحق أحد الزوجين شيئا من الارث إلا بعد دفع جميع الصداق. قاله في التوضيح. اه‍ بالمعنى. ولم يذكر ابن عرفة هذا البحث. وما قاله ابن عبد السلام إنه الاقرب هو الذي يفهم من قوله في التوضيح عن اللباب: من كان صداقه قدر ميراثه فأقل فلا شئ عليه، ومن كان ميراثه أقل غرم ما زاد على ميراثه لاقراره بثبوت ذلك اه‍. ونقله ابن عرفة عن ابن محرز والتونسي عن بعض المذاكرين ثم قال التونسي: هذا إن ادعى كل منهما أنه الاول وإن شكا فلا غرم اه‍. ففهم من هذا الكلام مطالبة كل واحد منهما بالصداق والله أعلم. ص: (وإلا فزائده) ش: أي وإن لم نقل بالارث فاللازم لكل واحد من الزوجين

________________________________________

[ 80 ]

الزائد على ما يخصه من الارث، ويشير بذلك لما تقدم عن اللباب في كلام التوضيح وعن ابن محرز والتونسي في كلام ابن عرفة والله أعلم. ص: (وإن مات الرجلان فلا إرث ولا صداق) ش: قال ابن عرفة: ولو ماتا أو أحدهما فلا إرث لها. ابن محرز: ولها أخذ من وافقته على أنه الاول لانه إقرار بمال اه‍. وقال ابن عبد السلام: وأما إن مات أحدهما مدعيا أنه الاحق وصدقته في دعواه فقال بعضهم: لها أخذ الصداق ويختلف في الميراث اه‍. ص: (ولو صدقته المرأة) ش: قال ابن عبد السلام: يعني أنه لا يلتفت إلى قولها في تصديق من صدقت، وكذلك لو صدقتهما أن أحدهما بعينه هو الاول اه‍. وعد في التوضيح ما يفيته الدخول وما لا يفيته. وقال: إن ما يفيته الدخول تسع وما لا يفيته خمس ونظمها بعضهم. ونقله الشيخ بهرام في الكبير والبساطي وتكلم هنا في المختصر على واحدة في بابها، ويشبه أن يكون مما يفيته الدخول على المشهور مسألة من خطب على خطبة أخيه بعد الركون والله أعلم. ص: (وفسخ موصى وإن بكتم شهود من امرأة أو بمنزل أو أيام إن لم يدخل ويطل وعوقبا والشهود) ش: يعني أن نكاح السر هو الموصي بكتمه وإن بكتم شهود. قال ابن عرفة: قال الباجي عن عيسى عن ابن القاسم وأصبغ: ولو كانوا مل ء المسجد الجامع اه‍. وقال أيضا الباجي: إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر اه‍. وقاله المصنف في التوضيح. وقول المصنف وفسخ يدل بطريق الالتزام على أنه ممنوع. قال ابن عبد السلام: ولا خلاف أعلمه في المنع منه اه‍. فرع: قال ابن عرفة: ولو استكتم الولي والزوجة الشهود دون الزوج لم يؤثر شيئا. وعزاه لابن رشد في سماع أصبغ. وما ذكره المصنف أنه نكاح السر قال في توضيحه: إنه المشهور.

________________________________________

[ 81 ]

وعند يحيى: نكاح السر ما كان بغير بينة أو بشهادة امرأتين أو رجل وامرأتين. وعلى المشهور فإنما يفسد إذا أوصى بالكتمان قبل العقد، وأما لو أمر الشهود بالكتمان بعد العقد فإنه صحيح ويؤمرون بإشهاره. قال أشهب: وهذا إذا لم تكن له نية وإن نكح على نية الاستكتام فليفارق اه‍. قال في التوضيح: قال أصبغ: لا شئ عليه إلا أن يكون تواطأ الزوجة والولي عليه. ابن رشد: تصويب التونسي تعقب أصبغ غير صحيح لان أشهب لم يقل بفسخ النكاح كما ظنه أصبغ وإنما رأى فراقه استحسانا لاقراره ببينة وفعل والطلاق بيده لانه يحكم عليه به لانه حكم على الزوجة بما لم يثبت ولا أقرت به اه‍. وقال في التوضيح في سماع أشهب: يفرق بينهما بطلقة ولها صداقها إن كان أصابها انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع القرينان: من قام من عقد نكاحه لمن قال له كأنكم كنتم على أملاك فقال: لا أكرهه وأكتمه وأحب أن يشاع ولا شئ عليه في قوله هذا اه‍. ص: (وعوقبا والشهود) ش: الارجح في الشهود النصب على أنه مفعول معه ويجوز العطف، وظاهر كلامه كقول ابن شهاب العقوبة على الشاهدين مطلقا. وأما قول مالك فقال في التوضيح عن المدونة: لا يعاقب الشاهدان إن جهلا ذلك اه‍. وقال ابن عرفة: وروى ابن وهب يعاقب عامد فعله منهم اه‍. وقال في المسائل الملقوطة بعد ذكره الشاهدين والزوجين والولي إلا أن يعذروا الجهل اه‍. والله أعلم. ص: (وقبل الدخول وجوبا على أن لا تأتيه إلا نهارا) ش: إنما قال وجوبا خشية أن يتوهم أنه على الاستحباب لقوله في الرواية: لا خير فيه. قال في التوضيح عن ابن القاسم: فإن دخل ثبت ولها صداق المثل ويسقط الشرط اه‍. وما قاله البساطي فيه نظر فانظره وكونه يفسخ ويستلزم المنع منه أو لا. والله أعلم. ص: (أو بخيار لاحدهما أو غير) ش: أما خيار المجلس فحكى في التوضيح عن بعضهم

________________________________________

[ 82 ]

الاتفاق على جوازه. قال ابن عرفة: وجوزه اللخمي فيما قرب لقول محمد عن ابن القاسم إن شرط مشورة من قرب بالبلد بإتيانه من فورهما جاز اه‍. ثم قال: وحيث يجوز سمع أصبغ لا إرث فيه وله ترك المشورة ومخالفة رأي المستشار. ابن رشد: اتفاقا. إلا نقل التونسي عن ظاهر كتاب محمد إن سبق رأي المستشار لزم كالبيع وهو بعيد، والارث فيه بعد الرضا والمشورة قبل البناء أو بعده. فرع: قال في المدونة: ولها المسمى دون صداق المثل. ص: (وجاء به) ش: يريد قبل الاجل قال في البيان: والخلاف إنما هو إذا أتى الزوج بالصداق قبل الاجل، وأما إن لم يأت بالصداق إلى الاجل حتى انقضى الاجل فلا نكاح بينهما قولا واحدا. اه‍ من التوضيح. ص: (أو على شرط يناقض المقصود كأن لا يقسم لها) ش: من الشروط المناقضة أن يشترط أن لا ينفق عليها وأن تكون النفقة على غيره. قال في رسم حلف أن لا يبيع رجلا من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح: وسئل مالك عن الرجل يزوج ابنه صغيرا ويشترط على الاب نفقة

________________________________________

[ 83 ]

امرأته. قال: لا خير في هذا. قال عيسى: وسألت ابن القاسم عنه قال: يفسخ قبل الدخول فإن دخل جاز وكانت النفقة على الزوج. قال مالك: أرأيت لو مات الاب، أيوقف لها ماله أو كان عليه دين يحاص به الغرماء استنكارا لذلك ؟ ابن القاسم: قال لي هذا وشبهه وأكثر الكلام فيه على وجه الكراهة ابن رشد: اختلاف قول مالك في شرط النفقة في النكاح على والد الابن الصغير حتى يبلغ، وولي السفيه حتى يرشد، أجازه مرة وكرهه أخرى، وقال بكل منهما كثير من أصحاب مالك. وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن وهب عن مالك إجازة ذلك، وزاد لزوم ذلك ما عاش الاب والزوج مولى عليه. وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يقع بيان إن مات الاب قبل بلوغ الصبي أو الولي قبل رشد اليتيم وسقطت النفقة بموتهما، هل تعود في مال الصبي ومال اليتيم أو لا تعود عليهما إلى بلوغ الصبي ورشد اليتيم ؟ فإن شرط عودها في مالهما جاز النكاح اتفاقا، وإن شرط سقوطها إلى بلوغ الصبي ورشد اليتيم كان النكاح فاسدا اتفاقا. وإنما الخلاف إذا وقع الشرط مبهما، وعلى القول بفساده قال ابن القاسم: إن دخل جاز وكانت النفقة على الزوج، ولم يبين هل هو بالمسمى أو بمهر المثل وهو الاظهر. ولو شرط النفقة في نكاح الكبير المالك أمر نفسه في نفس العقد على غيره فسخ قبل البناء. قال ابن حبيب: إلا أن ترضى المرأة بكون النفقة على الزوج ويثبت بعده وتكون النفقة على الزوج. ولا يدخله الخلاف الذي في المسألة الاولى لظهور الغرر والفساد في هذه، ولا يجوز النكاح على إعطاء الزوج حميلا بالنفقة لانها ليست بدين ثابت في ذمته كالمهر، فإن وقع عليه فسخ قبل البناء وثبت بعده بمهر المثل، ولو وقع في مسألة اشتراط النفقة على غير الزوج بيان رجوعها على الزوج إن مات من اشترطه عليه أو طرأ عليه دين أو ما يبطل النفقة عنه جاز النكاح على قياس ما تقدم. وقيل: يفسخ قبل البناء على كل حال لان شرطها على غير الزوج خلاف السنة ويمضي بعده بمهر المثل ويسقط الشرط وإليه نحا الابهري. وما قلناه أبين وأظهر. انتهى بعضه باللفظ وبعضه بالاختصار. ابن عرفة: وقال في البيان بعده في رسم حلف ليفعلن وسئل عن العبد يزوج ويشترط النفقة على سيده. فقال مالك: لا يجوز لو هلك ذهب الشرط، ولو جاز هذا لاخذ لها النفقة من مال سيده. ومعنى قوله: فيما نرى والله أعلم إذا لم يدخل بها. قال عيسى: قلت لابن القاسم فإن دخل بها ؟ قال: يثبت النكاح وتكون النفقة على البعد وسقط الشرط على السيد. ابن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف أن لا يبيع رجلا يشير إلى الكلام المتقدم في المتيطية في نكاح العبد. واختلف في اشتراط النفقة على السيد فمنعه في كتاب محمد وأجازه أبو مصعب انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا اشترط نفقة زوجة العبد على سيده أو زوجة الصبي على أبيه أو المولى عليه على وليه، فلا يجوز ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، وهذا داخل في قول المصنف وألغي والله أعلم. فرع: فلو لم ينعقد على ذلك وتطوع السيد بالتزام النفقة أو الاب أو الولي، فالظاهر أنه

________________________________________

[ 84 ]

يلزمه. قال البرزلي في أثناء مسائل النكاح عن ابن رشد: وسئل عمن زوج عبده وأشهد على نفسه تطوعا بعد العقد أنه ينفق عليها مدة الزوجية ثم مات، هل توقف تركته لذلك ؟ وكيف إن كان في أصل العقد أو اختلفا في ذلك ؟ فأجاب بأنه لا شئ في تركة السيد إن مات لانه متطوع، وإنما يجب عليه مدة الزوجية ما دام حيا وبعد الموت هبة لم تقبض، ولو شرط في أصل النكاح لكان فاسدا يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل ويبطل الشرط ويكون على العبد. وقيل: لا يفسخ إذا أسقطت شرطها والنفقة على الزوج. ووجه الاول الغرر إذ قد يموت السيد قبل انقضاء العصمة، ولو شرط، أنه إن مات قبل انقضاء العصمة لرجعت على العبد جاز. ولو اختلفا هل كان شرطا أو تطوعا فالقول قول من ادعى الشرط لشهادة العرف له. هذا الذي أقول به على منهاج مذهب مالك انتهى. ومثله يقال في الصبي والمولى عليه والله أعلم. ص: (وألغي) ش: يعني وألغي الشرط المناقض فلا يعمل بمقتضاه غير أنه إذا اطلع على هذا النكاح قبل البناء فسخ وجوبا، يريد بطلاق لانه مختلف فيه. وإن بادر الزوج ودخل مضى النكاح وسقط الشرط. قال ابن عرفة عن ابن رشد: اتفقوا إن بني بشرط أن لا نفقة لها على ثبوت النكاح وسقط الشرط. قال ابن عرفة عن ابن رشد: اتفقوا إن بني بشرط أن لا نفقة لها على ثبوت النكاح وسقوط الشرط انتهى. وقال اللخمي لما أن تكلم على أقسام الشروط: السادس أن يتزوجها على أن لا يأتيها إلا نهارا أو على أن يؤثرها على غيرها أو على أن لا يعطيها الولد أو لا نفقة لها أو لا ميراث بينهما أو على أن أمرها بيدها، فهذه شروط لا يصح الوفاء بها. واختلف في النكاح، فقيل يفسخ قبل وبعد، وقيل يفسخ قبل ويثبت بعد ويمضي

________________________________________

[ 85 ]

على سنة النكاح ويسقط الشرط. انتهى والله أعلم. ص: (ومطلقا كالنكاح لاجل) ش: هذا نكاح المتعة. قال في التوضيح: والفسخ فيه بغير طلاق وقيل بطلاق ويعاقب الزوجان انتهى. قال ابن عرفة: وظاهرها مع غيرها ولو بعد الاجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما، ومقتضى القول بإلغاء الطلاق إليه إلغاء مانعيته فلا يكون النكاح فيه متعة لولا أن المانع الواقع في العقد أشد تأثيرا منه واقعا بعده انتهى. وظاهر كلام الشيخ أبي الحسن أن الاجل البعيد الذي لا يبلغه أحدهما لا يضر. قال: قوله يعني في المدونة لا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد. الشيخ: معناه ما لم يبلغه عمرهما أو عمر الزوج انتهى. وفي مسألة المسافر يتزوج ونيته أن يطلق، والرجل يتزوج لهوى انظرها في آخر رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح فإنه حرر الكلام في ذلك وأطال، وهي مذكورة في التوضيح عند الكلام على نكاح السر وكذا في ابن عرفة وفي الشامل وفي اللخمي، ولكن كلام البيان أتم والله أعلم. وانظر ابن الحاجب في ضابط ما يفسخ قبل البناء وبعده وما يفسخ قبله فقط والله أعلم. فرع: قال البرزلي: ومن استمتع بالزوجة عالما بالتحريم لا يحد ويعاقب. قاله في المدونة. وعن ابن نافع إن فيه الرجم على المحصن والجلد على غيره مع العلم انتهى. ص: (وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار) ش: قال ابن الحاجب: كولاية العبد والامة وكالشغار والمريض والمحرم وكالصداق الفاسد انتهى. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح عن أبي عمران: الشغار لا خلاف في منعه وإنما

________________________________________

[ 86 ]

اختلف في فسخه وبه يعلم أن قول ابن عبد السلام إن ابن القاسم إنما قال بالفسخ بطلاق في المختلف في جوازه ابتداء ليس بظاهر، ولا أعلم من قال بجواز كون العبد وليا انتهى. الثاني: إذا قلد الزوجان من يرى صحة هذا النكاح وترافعا إلى قاض يرى صحته فإنهما يقران عليه. قاله ابن عبد السلام في باب الخلع عند قول ابن الحاجب ولو تبين فساد النكاح. الثالث: فسخ النكاح لعيب أحد الزوجين فسخ بطلاق. قال في باب الخلع من إرخاء الستور من المدونة: وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق انتهى. وكذلك إذا فارقها لعيبها. قاله في المدونة بعد الكلام المتقدم بيسير والله أعلم. الرابع: هل يفتقر فسخ النكاح الفاسد إلى حكم حاكم أو يكفي في ذلك تراضي الزوجين أو الزوج والولي ؟ والظاهر أنه لا يفتقر إلى حكم حاكم. قال في النكاح الاول من المدونة في النكاح الذي عقده الاجنبي مع وجود الولي وأراد الولي فسخه قال ابن القاسم: وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الامام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه انتهى. وقال اللخمي: النكاح خمسة: صحيح لا خيار فيه، وصحيح فيه خيار ولا خلاف فيه، وصحيح فيه خيار مختلف فيه، وفاسد مجمع عليه، وفاسد مختلف فيه. والفراق في الاول بطلاق. والذي فيه الخيار ثلاثة أقسام. الاول: ما كان الخيار فيه قبل تمام العقد كما لو زوج رجل بغير أمره أو زوجت امرأة بغير أمرها وعلم المتعدي عليه بالقرب كان له الخيار بين الاجازة والرد، والرد فسخ بغير طلاق لانه لم ينعقد نكاح. الثاني: ما كان الخيار فيه بعد انعقاده لحق تقدم العقد كما إذا اطلع أحد الزوجين على عيب متقدم على العقد يوجب الرد فرد. قال ابن القاسم: ذلك طلاق. وقال الابهري: إذا وجد الرجل المرأة مجنونة أو مجذومة إن الرد بغير طلاق، وعلى هذا إذا كان العيب به وأرادت هي الفراق كان فسخا بغير طلاق، فإذا قال أو قالت رددت بالعيب وقعت الفرقة، ولو قال رددت بالعيب هي طالق لم يقع لانه يقول رددت في غير عصمة، ولو قال أنا راد بالعيب هي طالق لوقع الطلاق. ومن هذا الاصل اختلف فيمن وكل من يزوجه بألف فزوجه بألفين فلم يرض ورد النكاح قال ابن القاسم: تكون فرقتهما طلاقا. وذكر عن غيره أنه قال: يفسخ بغير طلاق. وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فرد نكاحه فقال مالك وابن القاسم: يكون طلاقا. وعلى قول الابهري يكون فسخا. الثالث ما كان الخيار فيه لحق حدث بعد العقد كما إذا حدث بالزوج عيب بعد العقد يوجب الرد فذلك طلاق، وكذا إذا قامت المرأة بالفراق لعدم النفقة أو لانه أضر بها أو عتقت الامة فذلك كله طلاق لانه أمر حدث بعد العقد وصحته، ويصح أن تكون الفرقة في النكاح

________________________________________

[ 87 ]

الصحيح وإن كان بأمر طارئ فسخا كملك أحد الزوجين الآخر والرضاع ونكاح الام على البنت وما أشبه ذلك. واختلف في ارتداد أحد الزوجين هل هو فسخ أو طلاق ؟ وأرى أن ارتداده فسخ وارتدادها طلاق، لانه إذا ارتد كان كافرا والكافر لاطلاق عليه، وإذا ارتدت وقع الطلاق لانه مسلم. واختلف في اللعان أيضا كذلك، ويحتاج إلى هذا على القول بأنه إذا كذب نفسه بعد اللعان له أن يتزوجها فترجع إليه على نكاح مبتدأ على القول بأنه فسخ، وعلى القول بأنه طلاق ترجع على طلقتين انتهى. وما ذكره في المرتد من أن ارتداده هل هو فسخ أو طلاق، المشهور أنه طلاق كما سيأتي. ثم قال إثر كلامه المتقدم. (فصل) وإن كان الخيار مختلفا فيه كالتي تزوج بغير إذن وليها وكان الولي بالخيار في إجازته ورده فرده فإنه طلاق، وإن كان النكاح مجمعا على فساده كانت الفرقة فسخا، سواء طلق بنفسه أو طلق عليه. وإن كان مختلفا في فساده كان فيه قولان. قال مالك مرة يكون فسخا، وقال مرة طلاقا. وسواء كان الفساد من قبل العقد أو الصداق أو منهما جميعا. انتهى من النكاح الاول مختصرا ونقله الشيخ أبو الحسن. وقال في النكاح الثاني باب الحكم في الصداق إذا طلق قبل البناء أو كان النكاح فاسدا: ولا صداق لها في النكاح الفاسد إذا فسخ قبل البناء إذا كان الفساد في الصداق، وكذا إن كان الفساد في العقد وكان مجمعا على فساده، وكذا إن كان مختلفا فيه وفسخ بحكم أو تفاسخاه وإن طلق قبل النظر فيه. فمن لم يراع الخلاف ولا قول من رأى جوازه لم يجعل لها صداقا ولا ميراثا إن مات، ويلزم من راعى الخلاف وجعل فيه الميراث وألزم الطلاق أن يجعل لها نصف تلك التسمية. وقال أشهب: في كتاب محمد فيمن كان فساده من قبل صداقه فمات قبل البناء لها الصداق والميراث ولم يجعل لها شئ إن طلق قبل البناء انتهى. ففي كلامه الاول أن المجمع عليه يكون فسخا، وسواء وقعت الفرقة في الزوج باختياره أو فرق عليه جبرا. وفي كلامه الثاني أن تفاسخهما يكفي في ذلك وهو الذي تقدم في كلام المدونة أنه لا يحتاج إلى الامام إلا أن لا يرضى الزوج بالفراق، فإذا كان النكاح مجمعا عليه وتراضيا على فسخه انفسخ، وسواء فسخاه بلفظ الفسخ أو بلفظ الطلاق وهو فسخ بغير طلاق كما تقدم في كلام اللخمي ومن وقت المفاسخة تكون العدة كما يأتي في كلام التوضيح وابن عبد السلام. ولا بد من إشهادهما على الفسخ لتشهد لهما البينة على ذلك إن رفعا إلى الحاكم بعد مضي زمن الاستبراء، فإن امتنعا أو الزوج من الفسخ رفعاه إلى الحاكم وفسخه حينئذ الحاكم. وإن كان مختلفا فيه ففسخه الزوج بطلاق فلا شك في لزومه كما تقدم في كلام اللخمي، وإن طلق فيه ظانا أنه صحيح كفاه ذلك ولا تكون فيه رجعة كما سيأتي في باب الرجعة، فإن أراد أن يجعله فسخا بغير طلاق بأن قال فسخته بغير

________________________________________

[ 88 ]

طلاق أو تركنا هذا النكاح وما أشبه ذلك، لزمه الفسخ وكان طلاقا على ظاهر ما قاله في باب الخلع والصلح من إرخاء الستور من المدونة إلا أن يقلدا من يقول بأنه فسخ بغير طلاق فله ذلك كما قال ابن عبد السلام: إنهما إذا قلدا من يرى صحة هذا النكاح فإنهما يقران عليه، وتقدم كلامه منقولا من باب الخلع. ونص كلام المدونة المشار إليه: وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنونا أو جذاما أو برصا كان له ما أخذ وتم الخلع، لان له أن يقيم، ولو تركها أيضا بغير الخلع لما غرته كان فسخا بغير طلاق انتهى بلفظه. وكلام التوضيح وابن عبد السلام هو في باب العدة. قال ابن الحاجب: ويجب على الحرة عدة المطلقة من كل نكاح فاسد بعد الدخول من حين فرق بينهما. قال في التوضيح: قوله من كل نكاح أي سواء كان مجمعا على فساده أو لا، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة. اللخمي: وقيل يكفي في المتفق على فساده حقيقة. وقوله بعد الدخول ظاهره لانه إذا لم يجب على المطلقة قبل البناء في النكاح الصحيح شئ فأحرى الفاسد. وقال من حين فرق بينهما لانه قد يتوهم أن النكاح المجمع على فساده لما كانت الفرقة فيه لا تحتاج إلى حكم حاكم كانت في كل وقت كالاجنبية فتكون العدة من آخر وطئ. وقوله ثلاث حيض بدل من قوله عدة المطلقة أو عطف بيان. انتهى ونحوه في ابن عبد السلام إلا أنه قال: في قوله من حين فرق بينهما أنه قد يتوهم أن النكاح المجمع على فساده لما كان قد لا يحتاج إلى التفرقة بينهما فيه إلى حكم حاكم الخ. ما تقدم. فقوله قد يحتاج يعني والله أعلم إذا لم يوافق الزوج على الفسخ. وقوله هو وصاحب التوضيح المجمع على فساده لا مفهوم له لان الطلاق بالمختلف فيه لازم فإذا فسخه بطلاق فكأنه طلق، ولا شك في لزومه الطلاق بذلك وتصير بائنا لا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد برضاها، وإنما يرجع إلى الحاكم إذا كان مقلدا لمن يرى فسخ النكاح وامتنع من فسخه، وقد ذكروا في البيع الفاسد أن المجمع عليه لا يحتاج إلى حكم حاكم، واختلف في المختلف فيه، فقيل يكفي تراضيهما بالفسخ، وقيل: إنما يكفي تراضيهما مع الاشهاد، وقيل: لا بد من الحاكم. حصل الاقوال الثلاثة ابن عرفة في الصرف الفاسد. وقال ابن بشير: الخلاف بذلك مبني على أصل وهو من فعل فعلا لو رفع إلى الحاكم لم يزد عليه هل يكون فعله بمنزلة الحاكم قولان انتهى. وسيأتي لذلك مزيد بيان عند قول المصنف في فصل علة طعام الربا، وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض، وفي مسألة النكاح المختلف فيه لا يتأتى لفوات محل الحكم بالتزام الزوج الفسخ في ذلك والله أعلم. ص: (والتحريم بعقده ووطئه) ش: هو كقول ابن الحاجب في موانع الزوجية وكل نكاح

________________________________________

[ 89 ]

اختلف فيه اعتبر عقده ووطؤه ما لم يكن بنص أو سنة ففي عقده قولان. قال في التوضيح: معنى كلامه أن كل نكاح اختلف العلماء في صحته وفساده والمذهب قائل بالفساد فإنه يعتبر عقده فيما يعتبر فيه العقد ووطؤه فيما يعتبر فيه الوطئ، فيحرم بالعقد أمهاتها، وتحرم بالوطئ على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه البنت بالدخول بالام فيه. وقوله ما لم يكن بنص أو سنة يعني أنه اعتبر العقد والوطئ إلا أن يكون الفساد بنص كتاب الله أو سنته فحذف من الاول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الاول. ففي عقده قولان ويعتبر وطؤه بالاتفاق. وقال في المقدمات: والمشهور أن الحرمة تقع بكل نكاح لم يتفق على تحريمه، ونفى غيره الخلاف ورأى أن المذهب كله على التحريم. فإن قلت: كيف يكون فيه نص كتاب الله أو سنته ويختلف فيه ؟ قيل: النص على ثلاث اصطلاحات: الاول ما احتمل معنى قطعيا ولا يحتمل غيره قطعا. والثاني ما احتمل معنى قطعيا وإن احتمل غيره. والثالث ما احتمل معنى كيف كان ولا يتأتى الخلاف على الاصطلاح الاول. فإن قلت: فما مثال ذلك ؟ قيل: أما ما فيه نص سنة فنكاح المحرم وإنكاح المرأة نفسها، وأما ما فيه نص كتاب فنكاح الخامسة فإن قوله تعالى * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * نص في عدم الزيادة وقد أجاز بعض الظاهرية الزيادة اه‍. وفي ابن فرحون نحو ذلك وأوسع منه فراجعه والله أعلم. فقوله فحذف من الاول الخ هو من النوع المسمى بالاحتباك من أنواع البديع. وهو أن يحذف من أحد شقي الكلام نظير ما أثبته في الثاني، ومن الثاني نظير ما أثبته في الاول ومنه قوله تعالى: * (ومثل الذي كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) * أي ومثل الانبياء والذين كفروا كمثل الذي ينعق وينعق به. وجعل منه السيوطي قوله تعالى: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * على أن المراد بالزمهرير البرد أي لا يرون فيها شمسا ولا قمرا ولا حرا ولا زمهريرا. ومنه قوله تعالى * (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) * التقدير. تدخل غير بيضاء وأخرجها تحرج بيضاء. وذكر أنه لم يقف عليه في شئ من كتب البديع إلا أنه خطر له في الآية المذكورة أعني قوله: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * وهذا النوع لطيف وأنه لا يعرف في أنواع البديع ما يدخل تحته. ثم ذكر ذلك لصاحبه برهان الدين البقاعي فأفاده أن بعض شيوخه أفاد أن هذا النوع يسمى الاحتباك، ثم وقف عليه في شرح بديعية ابن جابر لصاحبه أحمد بن يوسف الاندلسي قال: ومن ألطفه قوله تعالى: * (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * أي صالحا بسئ وآخر سيئا بصالح. ومأخذه من الحبك الذي معناه الشد والاحكام وتحسين آثار الصنعة وبيانه أن مواضع الحذف أشبهت الفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل وقد ذكره الخلوي في بديعيته والله أعلم. ص:

________________________________________

[ 90 ]

(وفيه الارث) ش: قال ابن الحاجب في تمييز ما يفسخ بطلاق: وما فسخ بطلاق يقع به التحريم والطلاق والموارثة ما لم يكن الفسخ لحق الورثة قال في التوضيح: قوله يقع به التحريم أي تحريم المصاهرة من كونها تحرم على آبائه وأبنائه وتحرم عليه أمهاتها وبناتها كما تقدم في قوله والطلاق أي إذا أوقعه الزوج قبل الفراق ويتوارثان قبل الفسخ إلا أن يكون الفسخ لحق الورثة في نكاح المريض فلا إرث فيه لانه لاجل الارث فسخناه اه‍. وقال ابن فرحون: وكذلك الموارثة إن مات أحدهما قبل الفسخ إلا أن يكون الفسخ لحق الورثة كنكاح المريض فلا مواثة فيه اه‍. وقال في النكاح الاول من المدونة: قال ابن القاسم: وكل ما اختلف الناس في إجازته رده فالفسخ فيه بطلاق ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ كالمرأة تزوج نفسها أو تنكح بغير ولي والامة تزوج بغير إذن السيد، لان هذا قاله خلق كثير، إن أجازه الولي جاز ولو قضى به قاض لم أنقضه، وكذلك نكاح المحرم والشغار للاختلاف فيهما اه‍. وقال الرجراجي في المسألة الحادية عشرة: وكل نكاح اختلف في تحريمه وإن غلبا على فسخه قبل الدخول وبعده ففيه الطلاق والميراث قبل الدخول وبعده، وهو الذي قاله ابن القاسم لرواية بلغته. اه‍. فظهر أن كلام الشارح في شروحه الثلاثة غير ظاهر، وكذلك ما ذكره بعض الفرضيين أن المشهور في النكاح المختلف فيه إذا مات قبل الدخول لا ميراث فيه مخالف لما تقدم والله أعلم. ص: (لا إن اتفق على فساده فلا طلاق كخامسة) ش: صرح هنا بأن نكاح الخامسة من المتفق على فساده، وكذلك ابن الحاجب وصرح به في أوائل النكاح الاول من المدونة. وقال في التوضيح لما تكلم على ما يحرم بالمصاهرة وأن

________________________________________

[ 91 ]

الفاسد إن كان مختلفا فيه يحرم عقده أن نكاح الخامسة من ذلك قال: فإن بعض الظاهرية أجاز الزيادة، وكذلك ذكر في التوضيح في تمييز ما يفسخ قبل الدخول وما يفسخ أبدا أن نكاح الخامسة مختلف فيه، وتقدم كلامه وهو مخالف للمدونة فإنه جعله من المتفق عليه وأنه لا ينشر الحرمة والله أعلم. ص: (وما فسخ بعده فالمسمى) ش: يريد إذا كان المسمى صحيحا، وأما إن كان صداقا فاسدا فإنما فيه صداق المثل. فإن قلت: لا يحتاج إلى هذا لان المشهور في النكاح الفاسد لصداقه أنه إنما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل وكلام المؤلف فيما يفسخ بعد الدخول. قلت: بل يحتاج إليه لان النكاح قد يكون فاسدا لعقده وصداقه معا ويكون مما يفسخ بعده، فيكون فيه إذا فسخ بعد الدخول صداق المثل. قال اللخمي في النكاح الاول: إذا دخل كان له صداق المثل إن كان فساده من قبل صداقه أو من قبل عقده وصداقه، واختلف إذا كان الفساد في العقد وحده هل يكون لها المسمى أو صداق المثل ؟ اه‍. ص: (وسقط بالفسخ قبله الانكاح الدرهمين فنصفهما) ش: اعلم أنه إنما لم يسقط بالفسخ في نكاح الدرهمين لان المشهور فيه أنه لا يتحتم فسخه بل يجبر الزوج على أنه يتمه ربع دينارا وأن يفسخ النكاح، فإن اختار الفسخ لزمه نصفهما لانه كالمختار للطلاق. وإنما كان الزوج مخيرا فيه دون ما عداه مما فسد لصداقه لان التحديد بربع دينار لم يرد فيه نص بل الظاهر خلافه لقوله: التمس ولو خاتما من حديد فتأمله والله أعلم. تنبيه: ينبغي أن يستثنى هنا أيضا فسخ نكاح المتلاعنين قبل البناء فإن المعروف أنه فسخ والمعروف أن فيه نصف الصداق كما قاله في التوضيح في باب اللعان، وعلله بأنه يتهم أن يكون

________________________________________

[ 92 ]

لاعنها للفسخ فسقط عنه النصف فعومل بنقيض مقصوده والله أعلم. ص: (كطلاقه) ش: يعني أن الزوج إذا طلق في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا شئ فيه، وإن طلق بعد الدخول ففيه المسمى إن كان وإلا فصداق المثل. قاله الشارح. وقال ابن غازي: الضمير للنكاح المستحق للفسخ أي فإذا طلق فيه الزوج بعد البناء اختيارا ففيه المسمى إن كان وإلا فصداق المثل، وإن طلق قبل البناء فلا شئ فيه إلا نكاح الدرهمين اه‍. وما زاده على الشارح من استثناء نكاح الدرهمين في الطلاق أيضا صحيح. نص عليه في التوضيح في باب الصداق وغيره والله أعلم. واعلم أن في كلام المؤلف إطلاقا وقد أبقوه على إطلاقه. والمنقول خلاف ذلك كما تقدم في كلام اللخمي ونحوه في التوضيح عن نوازل ابن رشد، ونقله ابن عرفة عن سماع أبي زيد في النكاح. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وما فسخ قبل البناء فلا صداق، فإن طلق الزوج قبل البناء أو مات في النكاح الفاسد فقال ابن رشد في نوازله: الفاسد قسمان: قسم فسد لصداقه وقسم فسد لعقده. فأما الفاسد لصداقه فالصحيح من المذهب لا شئ فيه للمرأة إلا بالدخول. وروي عن أصبغ فيمن تزوج بغرر ثم مات قبل البناء إن لها صداق مثلها، وإن طلقها فلا شئ لها. فجعله كنكاح التفويض على قول من أوجب فيه صداق المثل بالموت، وأما الفاسد لعقده فإن اتفق على فساده كنكاح التفويض على قول من أوجب فيه صداق المثل بالموت، وأما الفاسد لعقده فإن اتفق على فساده كنكاح ذات محرم أو معتدة والمرأة على عمتها أو خالتها أو ما أشبه ذلك، فلا صداق فيه بالموت ولا نصفه بالطلاق اتفاقا، وإنما يوجبه الدخول. وإن كان مختلفا فيه فهو قسمان: قسم لا تأثير لعقده في الصداق كنكاح المحرم والمرأة بغير ولي فهل يقع فيه الطلاق وتجب فيه الموارثة ويفسخ بطلاق أو لا ؟ في الثلاثة قولان. فعلى القول بوجوب الميراث والطلاق يجب المسمى بالموت ونصفه بالطلاق إذ لا يصح أن يفرق بين الميراث والصداق فيجب أحدهما ويسقط الآخر إذ لا مزية لاحدهما على صاحبه لان الله تعالى نص على وجوب الصداق للزوجة كما نص على وجوب الميراث. وعلى القول الآخر لا يلزم الصداق بالموت ولا نصفه بالطلاق. ولا خلاف أنه لو عثر على هذا النكاح وفسخ قبل البناء أنه لا شئ لها. ولو قلنا إن فسخه طلاق لان الفرقة هنا مغلوب عليها وقسم لها تأثير في الصداق كنكاح المحلل ونكاح الامة على أن ولدها حر وعلى أن لا ميراث بينهما فقيل للمرأة بالدخول صداق المثل، لان للفساد تأثيرا في فساد الصداق. وقيل: المسمى لان فساده في عقده والصداق فيه صحيح، فهذا القسم لا يجب للمرأة فيه شئ من الصداق بالموت أو الطلاق قبل البناء. وهذا بين على القول بأن لها صداق المثل بالبناء، وأما على القول بالمسمى فينبغي أن لا شئ لها إلا بالدخول. وقد يقال لها نصفه بالطلاق إذ ليس الصداق عوضا عن البضع وإن كان لا يستباح إلا به لان الله تعالى سماه نحلة والنحلة الهبة. اه‍ كلام التوضيح بلفظه وهو نحو ما تقدم في كلام اللخمي. وقال في البيان في شرح مسألة من أواخر سماع ابن أبي زيد من كتاب النكاح: مذهب ابن القاسم في المدونة والذي اختاره لرواية بلغته

________________________________________

[ 93 ]

عن مالك أن كل نكاح اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه طلاق، والطلاق قبل الفسخ لازم، والميراث فيه واجب، والخلع فيه جائز نافذ، وإن كان الفساد في العقد دون الصداق وجب فيه جميع الصداق المسمى بالموت ونصفه بالطلاق قبل الدخول ما لم يفسخ، وكل نكاح لم يختلف في فساده فلا طلاق فيه ولا ميراث والخلع فيه مردود، لان مذهب ابن القاسم أن الخلع تابع للطلاق خلاف قول ابن الماجشون ومذهب ابن المواز، وقد ذكرنا ذلك في سماع سحنون. ثم ذكر القول الثاني الذي عليه أكثر الرواة في فسخ النكاح بطلاق وبغير طلاق، ونقل ابن عرفة كلامه هذا في الكلام على ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق والله أعلم. ومن البرزلي سئل المازري عن العقد الفاسد إذا عقد بعده عقدا صحيحا قبل زوال الفاسد، فهل يفسخ الصحيح أم لا ؟ وكيف إن دخل بها في الصحيح وطال بالاولاد ما وجه الحكم فيه ؟ فأجاب: إن الفاسد إذا وقع في البياعات ووقع بعده عقد صحيح استغنى فيه عن الفسخ. لكن الشيخ أبو محمد تأول ما وقع في هذا معناه أنهما يتفاسخان العقد الفاسد. وكان شيخنا يجريه على الخلاف في العقد الفاسد هل هو عقد أم لا ؟ والظاهر أن العقد مهما وقع فاسدا ثم عقدا عقدا صحيحا لعلمهما أن الاول باطل. فقيل له: إنما يصح ما ذكره إن كان العاقدان على الفساد أولاهما العاقدان على وجه الصحة وليس كذلك العقد الثاني من زوج ثان والفاسد من زوج أول، ولا سيما العقد الفاسد إذا ثبت ببينة سماع فهل العقد الصحيح الثاني ودخوله يزيح الفاسد ويحصل له حرمة ؟ فأجاب: إنما فهمت من السؤال أن العاقد الثاني هو الاول لكن الجواب عن الثاني أن العقد الصحيح الثاني أولا ؟ إذا كان ظاهر الفساد بحيث يتضح الحكم فيه لا سيما أنك قلت إنما يثبت الاول بشهادة السماع. قلت: إن كان العاقد الثاني هو الاول كما ذكر الشيخ فيجري على مسألة الصرف وغيرها وهو قوله: إذا ثبت الفسخ بينهما هل يتوافقهما على فساده أو شهادة أو بحكم الحاكم. فيجري هذا عليه كما ذكره الشيخ في عقد البيع الفاسد، أو يفرق بين المجمع على فساده فلا حرمة له ولا شبهة والمختلف فيه فله شبهة. وعلى رواية أبي زيد إنه لا تمضي فيه البياعات ولا ينشر حرمة مطلقا. حكاه ابن رشد في الاسئلة والشارح من كتاب السلطان فلا يفتقر لفسخ ألبتة، وأحفظ من كلام اللخمي في التبصرة أنه يمضي بالعقد. فعلى هذا لا يفتقر التحديد إلا لتصحيح العقد الفاسد خاصة، وتكرر العقد فيه تأكيد أو خروج من الخلاف. وأما إذا عقده ثان فإن كان الاول مجمعا على فساده صح الثاني ولا يفتقر لفسخ الاول ولا حرمة له، ففي ثالث نكاح المدونة إذا تزوجها في عدة فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها أقام على نكاح الثانية، لان نكاح المعتدة غير منعقد وهي تحل لآبائه وأبنائه. وهو معنى قول الشيخ: إذا كان الاول ظاهر الفساد وإن كان مختلفا فيه جرى على الخلاف في فسخه هل هو بطلاق أم لا. وكذا في لزوم بقية الاحكام إذا وقعت قبل الفسخ فمن يلغي هذا العقد ويقول إنه لا طلاق فيه ولا يقع فيه شئ من الاحكام فورود الثاني عليه صحيح لالغاء الاول إلا أن يراعي الخلاف فيستحب فسخه ثم يعقد الثاني،

________________________________________

[ 94 ]

ومن لم يثبت له أحكاما فلا يرد الثاني حتى يحكم بفسخ الاول. هذا الجاري على الاصول ويكون الحكم بالفسخ على ما تقدم في القسم الاول. ص: (ولولي صغير فسخ عقده) ش: هذا شروع منه في الكلام على أحد ركني المحل الذي هو الزوج. قال ابن فرحون: وفي شرح ابن الحاجب: والولي أعم من أن يكون وصيا أو غيره اه‍. وقال في الذخيرة: يشترط فيه شروط الصحة وشروط الاستقرار. أما شروط الصحة فأربعة: الاول الاسلام لان الكفر مانع من استيلاء الكفار على فروج المسلمات. والتمييز العقل حتى يتأتى منه الانشاء للعقد فيخرج الصبي غير المميز والمجنون. وأما السكران فقال صاحب البيان: أما الذي لا يعرف الرجل من المرأة فكالمجنون في أقواله وأفعاله اتفاقا بينه وبين الناس إلا في قضاء الصلاة، وأما من فيه بقية عقل وهو المختلطة فأربعة أقوال وذكرها الشرط الرابع تحقق الذكورية. قال اللخمي: الخنثى المشكل لا ينكح ولا ينكح. وذكر بعض أحكامه ثم قال: وأما شروط الاستقرار فخمسة: الجزية والبلوغ والرشد والصحة والكفاءة، وتكلم على كل واحد على انفراده. وزاد في التوضيح الطوع ونصه: وكذا أيضا يشترط الطوع. محمد: وأجمع أصحابنا على إبطال النكاح المكره والمكرهة لا يجوز المقام عليه، وفي قياس بعض مذاهبهم أنه لا يجوز بحدثان ذلك وإلا لم يجز اه‍. وقال في الشامل في فصل الزوج: وشرط صحة عقده إسلام وتمييز وخلو من كإحرام ومرض وفي السكران خلاف. وهل وإن كان معه ميز وإلا بطل اتفاقا أو بالعكس طريقان غير خنثى مشكل اه‍. وسيتكلم الشيخ على الشروط التي ذكرها القرافي لكن على خلاف ترتيبه فبدأ بالكلام على البلوغ فقال: ولولي صغير يعني إذا تزوج الصغير يعني المميز، وأما غيره فلا يصح نكاحه فلوليه فسخ عقده أي وله إجازته علم ذلك من قوله: ولولي ففهم من لام الاباحة أن الامرين له. وقيده في المدونة بقوله: ويقوى على الجماع فقال في النكاح الاول منها: وإن تزوج صغير بغير إذن أبيه أو وصيه ومثله يقوى على الجماع فإن أجازه من يلي عليه جاز، وإن رأى فسخه فسخه، فإن فسخه قبل البناء أو بعده فلا صداق لها اه‍. واختلف الشراح في اعتبار هذا القيد وعدم اعتباره، فالذي مشى عليه أبو الحسن عدم اعتباره وذكره في التوضيح وهو الظاهر لانه في السؤال. قال ابن ناجي: وما ذكره في قولها:

________________________________________

[ 95 ]

يقوى على الجماع ليس بشرط وإنما ذكره لانه الوجه المشكل الذي يتوهم فيه أن لها الصداق فغيره أحرى قاله المغربي اه‍. ويعني بالمغربي أبا الحسن الصغير. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وفي التقريب على التهذيب إنما قال: ومثله يقوى على الجماع إنه إذا لم يقو عليه لم يجز له تزويجه ولا إجارته لانه ضرر عليه بلا فائدة إلا أن تكون الزوجة قريبة له يرغب فيها أو ذات منصب ومال فينظر وصيه في ذلك، وفيما قاله نظر لان هذا الوصف إنما ذكره في السؤال ولم يتعرض له في الجواب. اه‍. كلام ابن فرحون. وقال المشذالي: قوله: ومثله يقوى على الجماع في اعتبار هذا الوصف نظر اه‍ وقول المصنف: فسخ عقده يريد والله أعلم بطلاق، وهذا لانه نكاح صحيح. قال الشيخ بهرام في الكبير: حاصله على مذهب ابن القاسم أن النكاح على ثلاثة أقسام: ما كان عقده صحيحا إلا أن للولي أو لاحد الزوجين فيه خيارا فلا شك أن هذا الفسخ بطلاق. ثم ذكر بقية الكلام ويؤيده ما يأتي في مسألة السفيه، وانظر ما تقدم للخمي، وانظر المتيطية في تزويج البنت البكر بغير أمر وليها وكلام المتيطي في ذلك أعم من كلام الشارح والله أعلم. فرع: فلو لم يرد النكاح حتى مات الصغير، فالظاهر أن حكمه حكم السفيه وكذلك إذا ماتت الزوجة. انظر ابن عرفة. فرع: فلو لم يرد نكاح الصبي حتى كبر وخرج من الولاية جاز النكاح. ابن رشد: وينبغي أن ينتقل النظر في ذلك إليه فيمضي أو يرد اه‍. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ما ذكره يعني في مسألة المدونة أنه إن أجازه جاز هو المشهور. وقال سحنون: يفسخ على كل حال. سواء كان إمضاؤه نظرا أم لا. وإذا فرعنا على قولها وجهل حتى ملك الصبي أمر نفسه فقيل: لا خيار له، وقيل: له من الخيار فيه ما كان لوليه اه‍. تنبيه: قال المشذالي إثر كلام المدونة: وهنا بحث وهو أن يقال إن طلاق الصبي لا يلزم ولا يخير الولي فيه كالنكاح. أجاب القرافي بأن عقد النكاح سبب للاباحة والصبي من أهلها والطلاق سبب التحريم ولم يخاطب به. قلت: الاولى في الفرق أن يقال الطلاق حد من الحدود ولا حد على الصبي ولذلك تشطر طلاق العبد والنكاح جرى مجرى المعاوضة فلذلك خير وليه. فإن قلت: لا نسلم أن الطلاق حد لقوله في الكتاب وليس حدا من الحدود. قلت: قال قبله في الام: لا تقام الحدود إلا على من احتلم، والطلاق من حدود الله، ولعياض وغيره كلام على اللفظين. وقال تعالى: * (تلك حدود الله) * والطلاق من جملة المشار إليه. اه‍ كلامه. وما نسبه للقرافي هو في الذخيرة وفي الفرق الاربعين والمائة من القواعد. ص: (بلا مهر) ش: تصوره ظاهر. قال أبو الحسن إثر قوله في المدونة: وإن رأى فسخه بلا صداق لها لان وطأه كلا وطئ، وظاهره وإن افتضها وإنما يكون عليه ما شانها لانها سلطته اه‍. فجزم بأن عليه ما شانها. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يضمن له ما شانها اه‍. فلم يجزم بذلك فتأمله مع

________________________________________

[ 96 ]

كلام أبي الحسن والله أعلم. ص: (ولا عدة) ش: يريد ما لم يمت فإن مات قبل الرد فالعدة عليها دخل بها أو لم يدخل، وتقييد الشيخ بهرام لذلك بالدخول ليس بظاهر فتأمله والله أعلم. ص: (وإن زوج بشروط أو أجيزت وبلغ وكرهت فله التطليق وفي نصف الصداق قولان) ش: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو اشترط عليه شروط من طلاق أو عتق ونحوه فبلغ فكرهها ففي خياره في الفسخ ولزومه قولان، كما لو زوجه وليه يعني إذا تزوج الصغير بنفسه فشرط عليه ولي المرأة شروطا من طلاق من يتزوجها أو عتق من يتصرف بها أو نحو ذلك فأجاز ذلك وليه على تلك الشروط ثم بلغ، فإن أقر الشروط فواضح، وإن كرهها فهل يلزمه أو لا ؟ قولان، والقولان أيضا فيما إذا زوجه أبوه أو وصيه بتلك الشروط وهو معنى قوله: كما لو زوجه وليه اه‍. زاد ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذا لو تزوج الصبي بنفسه وشرط ولي المرأة على الصبي الشروط ولم يطلع وصيه على ذلك أو لم ينظر حتى بلغ الصبي اه‍. وعلى القول بعدم لزوم الشرط والتخيير في التزامها وثبوت النكاح أو عدم التزامها وفسخ النكاح اقتصر المصنف فقال: فله التطليق. تنبيه: قد يتبادر أنه لا فائدة لقول المصنف فله التطليق فإن الزوج له التطليق وإن لم يكره الشروط. واعلم أنه إذا كره الشورط المعقود عليها فقيل لا شئ له وهي لازمة وهو قول ابن وهب. وقيل: لا تلزمه وهو قول ابن القاسم في الموازية وهو الذي اقتصر عليه المصنف كما تقدم وعليه فهل تسقط وهو قول ابن العطار، أو يخير في التزامها ويثبت النكاح وعدم التزامها ويفسخ النكاح وهو قول ابن القاسم ؟ وعليه فهل بطلاق قال الباجي وهو ظاهر قول ابن القاسم، أو بغيره وهو ظاهر قول أصبغ ؟ فأفاد الشيخ بقوله: فله التطليق أن الشروط لا تسقط عنه كما يقول ابن

________________________________________

[ 97 ]

العطار، وإنما التطليق يعني إنما هو مخير في التزامها أو في التطليق، وأفاد أيضا بذكر التطليق أن الفسخ فيه بطلاق كما هو قول ابن القاسم ويتفرع عليه قوله: وفي نصف الصداق قولان والقول بأن عليه نصف الصداق قال في التوضيح: هو قول ابن القاسم في الكتاب والقول بعدمه هو له في المجالس اه‍. وقال ابن عرفة المتيطي عن أكثر الموثقين: إن التزامها بعد البلوغ لزمه النكاح. اللخمي: ولا خيار له. المتيطي: قال ابن الهندي: إنما يصح التزامه بعد بلوغه في الشروط بالطلاق لا بعتق السرية لان عتقها منه لغو عاجلا وآجلا إلا أن يلتزمه بعد رشده. اه‍. فروع: الاول: جميع ما قاله المصنف إنما هو إذا لم يحصل دخول منه بها، وأما إذا دخل بها فحصل كلامه في التوضيح أنه إن كان دخوله قبل البلوغ فالشروط ساقطة عنه وإن علم بها لانها مكنت من نفسها من لا تلزمه الشروط كما قاله المتيطي وغيره، وإن كان دخوله بعد البلوغ فحكى في ذلك طريقتين: الاولى أن الشروط تلزمه، فإن ادعى عدم العلم بها ففي ذلك قولان: أحدهما لابن القاسم أن القول قوله بيمين. والثاني لابن العطار لا يقبل قوله، والثانية طريقة ابن بشير أنه إن علم بالشروط ففي اللزوم ونفيه قولان، وإن لم يعلم فثلاثة أقوال: اللزوم ونفيه والتخيير الآن ونص كلامه: وهذا كله إذا لم يحصل دخول، فإذا حصل دخول، فإما أن يدخل بعد بلوغه أو قبله، فإن دخل بعد بلوغه لزمته الشروط إن علم بها. ابن القاسم: ولو ادعى أنه لم يعلم بها فالقول قول مع يمينه. وقال ابن العطار: لا يقبل قوله في ذلك ولزمه بدخوله، وأما إن دخل قبل البلوغ فذكر المتيطي وغيره أن الشروط تسقط عنه وإن علم بها، لان المرأة مكنت من نفسها من لا تلزمه الشروط. وقال ابن بشير: لو دخل الصبي وقد بلغ وهو عالم بالشروط، فهل تلزمه أولا ؟ قولان: أحدهما لا تلزمه وهذا على القول بسقوط الشروط، الثاني تلزمه وهذا على القول بأنه مخير. فإذا دخل مع العلم فكأنه التزم ما شرط عليه، وإن دخل قبل العلم فثلاثة أقوال: أحدها يلزمه وهذا بناء على أن الشرط لازم، والثاني لا يلزمه وهذا بناء على سقوط الشرط، والثالث يخير الآن وهذا بناء على التخيير. انتهى كلام التوضيح. وجزم في الشامل بأنه إن دخل بعد بلوغه عالما بالشروط أنها تلزمه ونصه: فإن دخل قبل بلوغه لم تلزمه الشروط وبعده عالما بها لزمته، وإن لم يعلم فثالثها يخير الآن وصدق في نفي العلم مع يمينه على الاصح انتهى. الثاني: قال في التوضيح: ثم الفسخ بطلاق أو بغير طلاق، إنما هو إذا تمسكت المرأة بشروطها، وأما لو رضيت المرأة بإسقاطها فلا، وإذا أسقطته فلا كلام لابيها ولو كان محجورا عليها. ورأى ابن القاسم أن ذلك للاب في المحجورة، واختار الاول ابن الفخار واحتج بقول مالك في البكر يشترط لها زوجها أن لا يخرجها إلا برضاها فرضيت بترك شرطها أن ذلك جائز وإن كره الاب انتهى. وقال ابن عبد السلام: الثالث قوله: وفي نصف الصداق قولان وكذا القولان فيمن طلق قبل علمه بالشروط هل عليه نصف الصداق وهو قول محمد، أو لا

________________________________________

[ 98 ]

شئ عليه وروي عن ابن القاسم ؟ والخلاف مبني على أصل وهو من طلق ثم علم بعيب هل يرجع بالصداق أم لا. قاله في التوضيح. الرابع: من زوج ولده بشروط قبل البلوغ والتزم القيام عنه بالصداق فلما بلغ كره الابن وطلق، فلا يلزمه شئ من الشروط ولا يلزم الصداق على أحد القولين اللذين ذكرهما المصنف، وبه أفتى ابن رشد في نوازله قال: ولا يلزم أباه ما التزمه. ص: (والقول لها إن العقد وهو كبير) ش: قال ابن عرفة: ابن رشد: ولو قال كنت حين شرط أبي صغيرا، وقال وليها أبا أو وصيا كنت كبيرا وعجز الزوج عن البينة، ففي حلف وليها دونها وعكسه سماع أبي زيد. والتخريج من سماع ابن القاسم فيمن ادعى في تزويج ابنته البكر تسمية بعد موت زوجها وادعى وارثه تفويضا تحلف الجارية عاجلا إن بلغت وتؤخر إليه الصغيرة، وإن لم يدع وليها أنه كان كبيرا حلفت المرأة إذا بلغت انتهى. ص: (وللسيد رد نكاح عبده بطلقة بائنة) ش: أي وللسيد يريد أو ورثته رد نكاح عبده يريد ومدبر ه ومكاتبه ومعتقه إلى أجل والمعتق بعضه بطلقة بائنة فقط لا أزيد على المشهور، واستحسن اللخمي أن تكون له الرجعة إذا عتق في العدة وقاله جميعه في التوضيح. فرع: وعلى المشهور من أن سيده لا يطلق عليه إلا طلقة واحدة، فلو طلق عليه سيده طلقتين فهل يلزمه ذلك أو لا يلزمه إلا واحدة ؟ ذكر في التوضيح في ذلك قولين، وأن اللخمي استحسن القول بعدم لزوم الزائد على الواحدة. وذكر عن ابن يونس أكثر الرواة روى لزوم واحدة فقط. وقال غيره: هو اختيار الجمهور. فرع: قال ابن عرفة: ابن العطار: ولو اختلف وارثوه في فسخه وإمضائه فالقول قول ذي الفسخ. فإن قالوا إن وقع لذي إجازته جاز لم تجز القسمة على هذا لانها إجازة لنكاحه. قلت: وعدم جريان استحسان مسألة وارثي خيار واضح انتهى. ص: (إلا أن يرد به)

________________________________________

[ 99 ]

ش: ظاهره كان عالما حين البيع أو غير عالم. ونقل في التوضيح فيما إذا باعه بعد علمه بالزواج ورد عليه قوله ونصه: وقوله يعني ابن الحاجب: قبل علمه مفهومه أنه لو باعه بعد علمه لكان ذلك دليلا على الرضا فليس له الفسخ إذا رد عليه، وهكذا قال القرويون. وذكر بعض الاندلسيين قولا أن ذلك لا يسقط حق البائع انتهى. وصدر في الشامل بالقول بعدم الفسخ وعطف عليه الثاني بقيل وقوله به مفهومه لو رده بغير عيب التزويج أنه ليس كذلك. ولا يخلو إذا رده بغيره إما أن يكون اطلع المشتري على التزويج ورضي أو لم يطلع عليه، فإن لم يطلع عليه فالظاهر أنه إن كان السيد عالما بالتزويج وقت البيع ففيه القولان، وإن لم يكن عالما فله الرد، وإن اطلع عليه المشتري ورضيه فاختلف هل يرجع على البائع بأرشه أو لا يرجع وله الفسخ على قولين نقلهما في التوضيح. ولو أعتقه المشتري ثم اطلع على التزويج فهل يرجع بالارش أو لا ؟ وقولان نقلهما أيضا فيه، ص: (أو بعتقه) ش:. فرع: قال ابن عرفة: ابن محرز: الموهوب له هذا العبد كمبتاعه لا كوارثه. ابن عات: يختلف فيه كالمبتاع. ص: (ولها ربع دينار إن دخل) ش: قال ابن عرفة: وفيها لمالك لربه رد

________________________________________

[ 100 ]

المهر من الزوجة برد نكاحها الاربع دينار إن بنى انتهى. زاد في المدونة: فإن اعدمت اتبعت به. ص: (وله الاجازة إن قرب ولم يرد الفسخ أو يشك في قصده) ش:. فرع: قال ابن عرفة: المتيطي: إن أجازه بعد بنائه ففي لزوم استبرائه قول سحنون. ونقل اللبيدي عن إسماعيل مع ابن محرز عن عبد الرحمن انتهى. وانظر هل يأتي مثله في السفيه أو لا ؟. فرع: فإن استمتع العبد بزوجته بعد علم سيده بنكاحه على وجه كان سيده، يقدر على منعه من ذلك فلا يكون له الفسخ بعد ذلك لان سكوته قائم مقام الاذن له، وكذلك إذا علم السيد بنكاحه ثم رآه يدخل عليها ولا يمنعه فنكاحه جائز. انتهى من ابن فرحون على ابن الحاجب، وانظر ابن عرفة. وقال الجزيري في وثائقه في عقد فسخ نكاح: وإن علم الاب أو الوصي أو السيد بنكاح من إلى نظرهم وسكتوا عن ذلك مدة مضي النكاح ولم يرد ذلك بخلاف الامة إن نكحت بغير إذن سيدها فلا يجوز، وإن أجازه السيد وإن لم يعلم حتى عتق العبد أو باعه فلا رد له ولا للمبتاع رد النكاح وله رد العبد بعيب النكاح، فإن رده فللبائع الاجازة للنكاح أو الفسخ، وكذلك إن لم يعلم الاب أو الوصي حتى رشد المحجور فإن النكاح ماض انتهى. وقوله: أو شك بفعل ماض مبني للمجهول كذا في أكثر النسخ وهو معطوف على مفهوم الشرط، وفي بعض النسخ: أو يشك بفعل مضارع فيكون معطوفا على قوله: ولم يرد الفسخ والله أعلم. ص: (ولولي سفيه فسخ عقده ولو ماتت) ش: قال ابن رشد في نوازله في مسائل النكاح: وإذا لم يحضر الوصي العقد وإنما اتصل به بعد أن عقده السفيه بغير أمره فلم يقض فيه برد ولا إجازة حتى مات السفيه، فهو بمنزلة إذا لم يعلم به حتى مات إلا أن يكون دخل بها بعلمه فيكون ذلك إجازة منه انتهى والله أعلم. فرع: فإن لم يعلم الولي بنكاحه حتى خرج من الولاية فإنه يثبت النكاح وقال بعض القرويين: ينتقل إليه ما كان بيد الوصي من النظر. قاله في التوضيح، وصحح الاول في الشامل. فرع: قال ابن عبد السلام: والمنصوص أن الفسخ بطلاق انتهى كلامه. تنبيه: لم يتعرض المصنف لما يجب لها وتركه اعتمادا على ما قاله في العبد قبله ونبه على ذلك السيد في تصحيح ابن الحاجب ونصه: وسقط هذا الفرع من مختصر خليل واستغنى عن ذلك بما ذكره في العبد يتزوج بغير إذن سيده ويبني انتهى. وقد صرح صاحب

________________________________________

[ 101 ]

اللباب بأن المشهور لا بد من الترك لها قال: وفي قدره خمسة أقوال. قال ابن القاسم ومالك في رواية ابن وهب: يترك لها ربع دينار وبه الحكم. ثم ذكر بقية الاقوال. وقال السيد في تصحيح ابن الحاجب: والقول بترك ربع دينار لمالك وأكثر أصحابه وبه أخذ ابن القاسم وغير واحد. ابن يونس: وهو الجاري على مذهب المدونة في العبد يتزوج ويبني بغير إذن سيده وجزم به في الشامل انتهى. وقال ابن عبد السلام: لما تكلم على مسألة ما إذا تزوج العبد بغير إذن سيده وبنى بالزوجة في شرح قول ابن الحاجب: فإن بنى بها ترك لها ربع دينار. هذا قول ابن القاسم في المدونة وقد تقدم نكاح السفيه بغير إذن وليه والعقد فيهما قريب انتهى. ص: (ولمكاتب ومأذون تسر وإن بلا إذن) ش: يعني من ماله الموهوب له أو المتصدق به عليه، وأما غير المأذون فلا يجوز له أن يشتري جارية ليطأها بماله إلا بإذن سيده، ولا يجوز للعبد أن يشتري جارية من مال سيده بإذن السيد إلا إذا وهب له المال أو أسلفه إياه. وانظر رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ورم الطلاق من سماع أشهب منه وأول مسألة من كتاب العتق، وقد أشار إلى ما في السماعين المذكورين ابن عرفة فقال: وسمع ابن القاسم: من اشترى أمة من المال الذي بيدك تطوعا لا تحل له بذلك حتى يهبه المال قبل ذلك. وسمع أشهب: أو يسلفه إياه. وسمع ابن القاسم: هبة السيد عبده الاسود للخارج الجارية يعفه بها لا يعجبني ولا يعمل به لانه تحليل إنما الهبة للعبد التاجر. ابن رشد: لا يجوز هذا انتهى. ص: (ونفقة العبد في غير خراج وكسب) ش:

________________________________________

[ 102 ]

فرع: فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع العبد في نفقة زوجته ولا فرق بين عبد الخراج وغيره. انتهى من التوضيح. ومنه المدبر والمعتق لاجل كالعبد والمكاتب كالحر لانه بان عن سيده بماله، فإن عجز طلق عليه، المعتق بعضه في اليوم الذي يخصه كالحر. وفي اليوم الذي يخص سيده كالعبد. ص: (ولا يضمنه سيد بإذن التزويج) ش: هذا إذا أذن له، وأما إن أنكحه فهو من شرط عليه، وإن سكتوا عنه فالمعروف أنه على العبد. وقيل على السيد، وعلى المعروف فالمشهور أنه فيما حصل له من معروف انتهى. ص: (ووصي) ش: يريد الذي له الاجبار، وقاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. ووصي الوصي كالوصي. قال في الشامل: لا غيرهم على + المشهور، وفي فسخه وثبوته إن دخل فطال قولان انتهى. ص: (مجنونا احتاج) ش: وأما المجنونة فلا تزوج قاله اللخمي. وقوله: احتاج يشير إلى قول اللخمي، وأما المجنون فإن كان لا يفيق ولا يصح منه طلاق فإن كان لا يخشى منه فساد لم يزوج، وإن كان يخشى ذلك زوج انتهى. وقال ابن فرحون: وقول ابن الحاجب: إن احتاج يدخل فيه هذا الوجه. وأما إذا لم يكن محتاجا لمن يخدمه ويعانيه انتهى. وهذا في الذي لا يفيق هكذا فرضه اللخمي. ابن عرفة: ومن يفيق كسفيه ثم ذكر الخلاف في السفيه والله أعلم. ص: (وصغيرا) ش: قال في التوضيح: قال عياض: ولا خلاف في جواز إنكاح ابنه

________________________________________

[ 103 ]

الصغير وقد ذكر ذلك في كتاب الخلع فقال: إذا كان فيه الغبطة والرغبة كنكاحه من المرأة الموسرة. وتبعه في الشامل فقال: ولاب صغير لغبطة على المنصوص انتهى. ص: (وفي السفيه خلاف) ش: قال ابن عرفة عن اللخمي: والصواب إن أمن طلاقه وخشي فساده إن لم يزوج ولا وجه لتسريه وجب تزويجه ولو لم يطلبه فيلزم ومقابله يمنع ولو طلب إلا أن يقل المهر، وإن أمن طلاقه ولم يخش فساده أبيح إلا أن يطلبه فيلزم ومقابله إن قدر على صونه منه وإلا زوج بعد التربص انتهى. ص: (وصداقهم إن عدموا على الاب وإن مات وأيسر وأبعد ولو شرط ضده) ش: قال في الشامل: كان زوجه تفويضا ولم يفرض حتى بلغ. فروع: الاول: قال في الشامل: فلو كانا عديمين فلا شئ على الاب. قيل: ومقتضى المذهب أنه مع الابهام عليه لانه متولي العقد، فلو كان الابن حين العقد مليا فعليه إلا أن يشترط على الاب على المعروف. وقيل: للمرأة أخذه من حيث شاءت فإن كان مليا بالبعض فعليه قدر ذلك. قال في التوضيح: ويكون في الزائد حكم من لا مال له انتهى. فإن شرط الاب في عقده أن يعطيه فكالموسر على الاصح. الثاني: قال في الشامل أيضا: ولو أذن لولده الصغير فعقد وكتب المهر عليه ثم مات الزوج فلا شئ على الاب. الثالث: قال ابن عرفة: وصداق الابن الرشيد بإنكاحه أبوه على من شرط عليه، فإن سكتوا

________________________________________

[ 104 ]

والابن ملئ فعليه، فإن كان عديما ففيها ليحيى بن سعيد إن كان الابن عديما صغيرا أو كبيرا فعلى الاب. قال بعض أصحاب الصقلي: يريد السفيه. وقال الصقلي: والرشيد كوكيل شراء لم يتبرأ من ثمنه ويريد بأنه القابض في البيع وموكله في النكاح انتهى. وقال في التوضيح: إن تأويل أكثر الشيوخ على أنه على الابن ونص عليه في الواضحة قال: وقال عياض وغيره في تأويل ابن يونس: إنه ضعيف. ص: (إن لم ينكروا بمجرد علمهم) ش: قال ابن عرفة: وفيها من زوج ابنه ساكتا فلما فرغ قال ما وكلته ولا أرضى حلف على ذلك. اللخمي: فإن أنكر حين فهم العبد عليه لم يحلف وبعده حين فراغه فهي على مسألتها وعلى قولها أو نكل فالاحسن قول الشيخ لا غرم عليه ولا قول غيره يغرم نصف الصداق، وبعد تمام العقد وتهنئته لا يقبل قوله ويغرم نصف

________________________________________

[ 105 ]

الصداق ولو رضي بعد ذلك بالنكاح، فإن قرب رضاه ولم يكن منه إلا الانكار فله ذلك واستحسن حلفه أنه لم يرد إنكاره فسخا، فإن نكل لم أفرق بينهما، وإن رضي بعد طول أو قال رددت العقد لم يكن له ذلك إلا بعقد جديد انتهى. ص: (ورجع لاب وذي قدر زوج غيره الخ) ش: انظر إذا خالعته الزوجة قبل البناء على رد جميعه فهل للزوج نص الذي كان يأخذه في ذلك ؟ قولان انظر المتيطي. وقال في التوضيح: قال ابن القاسم: جميعه للاب. وقال ابن الماجشون: للزوج النصف وللاب النصف. اللخمي: والاول أصوب لان قصد الاب أن يراه زوجة. المتيطي: وبقول ابن القاسم الحكم انتهى. ص: (إلا أن يصرح بالحمالة) ش: فإذا صرح بالحمالة فتكون على حكمها. قال المتيطي: والحمالة معناها الضمان وهي لا تلزم إلا مع عدم الزوج أو مغيبه غيبة بعيدة، فإذا أعدم أو غاب الغيبة المذكورة كان لها اتباع الحميل ثم له الرجوع على الزوج بما أدى له انتهى. ص: (حتى يقرر) ش: كذا في أكثر النسخ حتى يقرر براءين. وفي بعضها بدال مهملة ثم راء ومعناهما متقارب، ويشير بذلك إلى أن الصداق إذا كان على غير

________________________________________

[ 106 ]

الزوج وتعذر أخذه من الغير وكان نكاح تفويض فلها منع نفسها حتى يقرر، ويتصور ذلك في مسألة فإنه قال في التوضيح: إذا زوج الصغير ولا مال له نكاح تفويض ولم يفرض لها حتى بلغ فالصداق في مال الاب حيا وميتا. قاله عيسى - يريد لان الصداق كان ثابتا حين العقد وإنما تأخر تعيينه انتهى. ففي هذه الصورة لو لم يفرض حتى بلغ الابن ورشد وتعذر أخذ الصداق من الاب فلها الامتناع حتى يقرر لها صداقها ويفرض لها، وهذا ظاهر وإن لم ينص عليه في خصوص هذه المسألة والله أعلم. ص: (والكفاءة الدين والحال) ش: قال في التوضيح: الدين المراد به الاسلام مع السلامة من الفسق ولا يشترط المساواة لها في الصلاح والحال. قال ابن راشد: المراد به أن يساويها في الصحة أي سالما من العيوب الفاحشة، وهذا هو الذي يؤخذ من كلام ابن بشير وابن شاس وغيرهما من الاصحاب انتهى. فإن فقد الدين وكان الزوج فاسقا فليس بكف ء ولا يصح نكاحه. قال ابن بشير: والمطلوب من الزوج أن يكون كفؤا في دينه بلا خلاف، وإن كان فاسقا فلا خلاف منصوص أن تزويج الاب من الفاسق لا يصح وكذا غيره من الاولياء، فإن وقع وجب للزوجة ولمن قام لها فسخه. وكان بعض أشياخنا يهرب من الفتوى في هذا ويرى أنه يؤدي إلى فسخ كثير من الانكحة. ابن عبد السلام: وقول ابن بشير: وإن وقع يحتمل أن يكون داخلا في غير المختلف فيه وهو ظاهر، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام وتأسيس مسألة مع عدم التعرض لنفي الخلاف. انتهى من التوضيح. وهذا ليس بظاهر لقوله أو لا خلاف أنه لا يصح وإن كان كذلك فهو فاسد. وقال ابن سلمون: قال ابن بشير: لا خلاف منصوص أن للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق. وسئل ابن زرب عن ولية لقوم نكحها رجل من أهل الشر والفساد وأنكر ذلك أولياؤها عليها وذهبوا إلى فسخ النكاح وكان قد بنى بها فقال: لا سبيل إلى حل النكاح إن كان

________________________________________

[ 107 ]

قد دخل بها. قيل له: فلو لم يدخل بها ؟ فوقف وقال: الذي لا يشك فيه أنه إذا دخل لم يفسخ والكفاءة حق للزوجة وللاولياء فإذا تركوها جاز. ووقع لاصبغ في النوادر أنه إذا زوج الاب ابنته البكر من رجل سكير فاسق لا يؤمن عليها لم يجز وليرده الامام وإن رضيت هي به. وذكر ابن أبي زمنين عن بعض الموثقين أنه قال: لا بد أن تثبت الكفاءة في الثيب كالبكر. حكاه عنه ابن فتحون، وحكى أن القاضي أبا الوليد كان يأخذ بهذا القول ويكلف إثبات الكفاءة عنده ويقول: إن كانت تملك نفسها فإنها إذا ادعت إلى غير كفؤ لا يلزمني أن أعينها على ذلك اه‍. وفي أحكام ابن سهل ذكر فتوى ابن زرب وأنها في صفر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وذكر كلام أصبغ في النوادر وزاد في آخره في الوصي ونحوه في آخر نوازله اه‍. وفي تفسير القرطبي في أول سورة النور قال ابن خويز منداد: من كان معروفا بالزنا أو بغيره من الفسوق معلنا به فتزوج بقوله عليه الصلاة والسلام: لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله قال ابن خويز منداد: وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره فأما من لم يشتهر بالفسوق فلا. اه‍. وفي المسائل الملقوطة قال ابن بشير: لا خلاف منصوص أنه للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق، مراده الفاسق بجوارحه. فزواج الوالد من الفاسق لا يصح، وكذلك غيره من الاولياء. وفي التبصرة: وإن كان كسبه حراما أو كثيرا الايمان بالطلاق لم يكن للاب أن يزوج ابنته منه لان الغالب على مثل هذا الحنث والتمادي معها، فإن فعل فرق الحاكم بينهما. ويمنع من تزويجها من يشرب الخمر لانه يدعوها إلى ذلك. انتهى من تسهيل الامهات. ومراده بالتبصرة تبصرة اللخمي، وتسهيل الامهات شرح والده على المهمات. ابن الحاجب: وقال الفاكهاني في شرح قول الرسالة: ولا يخطب أحد على خطبة أخيه لما ذكر أنه إذا خطبها الفاسق ركنت إليه وللصالح أن يخطبها وهو أحق. قلت: إنما يجئ هذا على أحد القولين أن نكاح الفاسق صحيح وهو المشهور، وإلا فمتى قلنا بالقول الآخر فما بينهما صيغة أفعل والله أعلم. وهذا في الفاسق بالجوارح، وأما الفاسق بالاعتقاد فقال ابن الحاجب: مالك: لا يزوج من القدرية ولا يزوجون. قال ابن عبد السلام: إنه يفسخ. وقال في التوضيح: هذا لمالك في المدونة ولا يتأتى هنا توقف الشيخ المتقدم في الفاسق بجوارحه لانه يؤدي إلى فسخ كثير من الانكحة ويشارك القدري من يساويه في البدعة اه‍. وفي المسائل الملقوطة قال مالك: لا تزوج إلى القدرية يعني أنه يفسخ النكاح الواقع بين أهل السنة وبينهم. هذا على القول بتكفيرهم، وأما على القول بأنهم فساق فهم كالفاسق بجوارحه وأشد لانه يجرها إلى اعتقاده ومذهبه ولا يتزوج منهم ولا يزوجون من نساء أهل السنة. وقول مالك في القدرية جار فيمن يساويهم في البدعة، وفي بعض الروايات أن مالكا تلا قوله تعالى * (ولعبد مؤمن خير من مشرك) * وهذا يدل على أنه أراد تكفيرهم. اه‍ من تسهيل الامهات.

________________________________________

[ 108 ]

تنبيه: قال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الذي في بيان ما يفتقر إلى حكم الحاكم وما لا يفتقر: أن من الطلاق الذي يوقعه الحاكم بغير إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه نكاحها الفاسق اه‍. بالمعنى وظاهره سواء كان فاسقا بالجوارح أو بالاعتقاد، وظاهر كلامهم أنه يفسخ مطلقا بعد الدخول وقبله. فظاهر كلام ابن فرحون أنه يفسخ بطلاق لانه جعله من الطلاق الذي يوقعه الحاكم والله أعلم. وأما الحال فلا إشكال أن للمرأة إسقاطه، وإذا علم هذا فيكون قول المؤلف ولها وللولي تركها ليس راجعا إلى الدين. ص: (وللام التكلم الخ) ش: أشار به إلى أن الحال اختلف في اعتباره. وانظر البرزلي في أوائل النكاح وفي أثنائه وأنه تكلم في ذلك الموضعين وذكر في ذلك اختلافا من فبوى الشيوخ فتأمله والله أعلم. وانظر ما تقدم عند قوله

________________________________________

[ 109 ]

وجبر المجنونة والبكر ولو عانسا مع قوله وللام التكلم الخ. هل يعارضه ما هنا ؟ والله أعلم. ص: (ولو خلقت من مائه) ش: قال ابن عبد السلام: واعلم أن الذاهبين إلى التحريم اختلفوا. فمنهم من رآها بنتا أو كالبنت وهؤلاء يرونها محرمة على الواطئ وعلى كل من حرمت عليه ابنة الواطئ، ومنهم من يراها كالربيبة وهؤلاء يلزمهم أن يبيحوها لاب الواطئ وابنه، والمسألة موضوعة في علم الخلاف والكلام عليها أوسع من هذا اه‍. وقال القرطبي في تفسير سورة الفرقان: اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته أو أخته أو ابنة ابنه من الزنا: فحرم ذلك قوم منهم ابن القاسم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون وهو قول الشافعي اه‍. وصرح في سورة النساء بأن القول إن المخلوقة من مائه لا تحل هو المشهور. وقال في قول ابن الماجشون: هو الصحيح واستدل للاول بحديث جريج وقوله للغلام من أبوك ؟ فقال: فلان الراعي. فقال: فإن قيل يلزم أن تجري أحكام البنوة والابوة من التوارث والولايات وغير ذلك. وقد اتفق المسلمون على أن لا توارث، فالجواب أن ذلك موجب ما ذكرناه وما انعقد عليه الاجماع من الاحكام استثنيناه وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل والله أعلم. ص: (كالملك) ش: يعني أن من تلذذ بأمه يملكها بقبلة أو مباشرة أو ملاعبة أو بنظر باطن فإنها تحرم على آبائه وأبنائه. فرع: قال في التوضيح: واختلف إذا وطئ الصغير بملك اليمين أو قبل أو باشر فقد قال مالك في الموازية: إن قبل أو باشر لم تحرم إذا كان صغيرا. وقال ابن حبيب: إذا بلغ أن يلتذ

________________________________________

[ 110 ]

بالجواري يحرم انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي في لغو وطئ الصغير وإيجاب قبلته ومباشرته الحرمة: إن بلغ أن يلتذ بالجارية رواية محمد وقول ابن حبيب وخص ابن بشير القولين بالمس ونحوه انتهى. وحكى في الشامل القولين من غير ترجيح، ويفهم من كلام الجزولي والشيخ يوسف بن عمر أن الخلاف إنما هو في المراهق وأما غيره فلا خلاف في أن وطأه لا يحرم والله أعلم. ص: (وحرم العقد وإن فسد) ش: جعل في التوضيح هنا من المختلف فيه نكاح الخامسة وهو مخالف لما قدمه المصنف في قوله: كخامسة، ولما قاله في التوضيح أيضا عند قول ابن الحاجب في تمييز ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق، ومخالف لما قاله في أوائل النكاح الاول من المدونة من أنه متفق على فساده ولا يحرم عقده فتأمله والله أعلم. ص: (فالتذ بابنتها) ش: احترز من ابنها فإنها لا تحرم به. قال المازري في كشف الغطاء: وقد ذهب بعض الناس إلى أنه تنتشر الحرمة بوطئ الغلام وهذا بعيد عن أصول الشرع والله أعلم. وفي تفسير القرطبي في سورة النساء: واختلف العلماء في مسألة اللائط فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: لا يحرم النكاح باللواط. وقال الثوري: إذا لعب بالصبي حرمت عليه أمه وهو قول أحمد بن حنبل قال: إذا لاط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته. وقال الاوزاعي: إذا لاط بغلام وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها لانها بنت من قد دخل به، وهو قول أحمد ابن حنبل. انتهى كلامه. ص: (ولو قال أب نكحتها أو وطئت أمة عند قصد الابن ذلك وأنكر) ش: تصوره واضح. قال في التوضيح: إن صارت إليه جارية أبيه أو

________________________________________

[ 111 ]

ابنه بعد موته ولم يقر مالكها بوطئ ولا غيره فقال ابن حبيب: لا تحل اللخمي: وهذا يحسن في العلي وإن كانت من الوخش ندب أن لا يصيب ولا تحرم، وكذلك إذا باعها ثم غاب قبل أن يسأل انتهى. وقال في الشامل: وإن ملك أمة أبيه أو ابنه ولم يعلم هل وطئها أم لا لم تحل له. اللخمي: وهذا في العلي ويندب في الوخش ولا تحرم انتهى. وقال ابن عرفة: والتحريم بقول أب أو ابن قال اللخمي: إن عرف ملكه حرمت بقوله ولو بعد خروجها من ملكه أصبتها، فإن قال لم أصب لم تحرم، ولو غاب أو مات دون قول ففي حرمتها مطلقا أو إن كانت علية نقل الباجي عن ابن حبيب مع اللخمي واختياره. ص: (وجمع خمس) ش: أي جمعن في عصمة واحدة فأحرى في عقد. وتقييده في الكبير بقوله والمعنى وحرم جمع خمس من النساء في عقدة غير ظاهر وما في الوسط والصغير أحسن. ص: (أية ذكرا حرم) ش: بإدخال تاء التأنيث على أي. قال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الشهادات في حديث الافك المنصوص: إنه إذا أريد بأي المؤنث جاز إلحاق التاء به، موصولا كان أو استفهاما أو غيرهما انتهى. وجعل في الكبير بدل التاء هاء وبدل أي إن، ويشكل عليه قوله ذكرا بالنصب فإنه في النسخ بألف بعده، وقوله حرم والضمير للوطئ. ص: (كوطئها بالملك) ش: قال اللخمي: ولا بأس أن يجمع بين الاختين في ملك اليمين من غير وطئ وأن يطأ إحداهما وأختها في ملكه ويؤمن على أن لا يصيبها أخرى انتهى. فرع: قال الباجي: وكما يحرم الجمع في الوطئ فكذلك النظر للذة للمعصم والصدر قياسا على ما تسوى الشرع فيه بين الوطئ والنظر للذة انتهى. ثم شرع المصنف يتكلم على ما

________________________________________

[ 112 ]

إذا عقد على اثنين ممن يحرم عليه جمعهما فتارة يعقد عليهما عقدا واحدا، وتارة واحدة بعد واحدة. فإن كان عقد على اثنين ممن يحرم عليه جمعهما عقدا واحدا فيفسخ ذلك بلا طلاق، دخل بهما أو لم يدخل بهما، أو دخل بإحداهما ولو ولدت الاولاد. ومن فسخ نكاحها قبل الدخول فلا مهر لها، ومن فسخ نكاحها بعد الدخول فلها المهر وله أن يتزوج أيتهما شاء بعد الاستبراء إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا استبراء عليه، وإن عقد عليهما واحدة بعد واحدة فأشار إلى ذلك المصنف بقوله. ص: (وفسخ نكاح ثانية) ش: أي قامت عليها البينة أنها ثانية أو ادعى ذلك الزوج وصدقت هي على ذلك، فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعد الدخول فلها المسمى، وأما الاولى فنكاحها صحيح دخل بها أو لم يدخل. أما مع قيام البينة فواضح، وأما مع عدم البينة فما ذكره المصنف هو الذي مشى عليه ابن الحاجب. قال في التوضيح: وهو قول أشهب ومحمد قال: قال اللخمي: الجاري على مذهب المدونة من عدم قبول تعيين المرأة الاول في مسألة الوليين عدم قبول قولها هنا انتهى. ص: (وإلا حلف للمهر) ش: أي وإن لم تعلم الاولى بالبينة ولم تصدق المرأة التي زعم الزوج أنها ثانية على ذلك بأن قالت لا علم عندي أو ادعت أنها الاولى، فإنه يحلف لها ويبرأ من المهر، فإن نكل غرم لها نصف الصداق ولا يمين عليها إن قالت لا علم لي أو ادعت العلم فعليها اليمين، والتي ادعى أنها الاولى فلها الصداق بالدخول ونصفه قبله. وهل يصدق فيه ؟ يأتي في ذلك القولان المتقدمان، والذي مشى عليه المصنف أنه يقبل، وإن قال الزوج لا علم عندي فيفسخ النكاحان جميعا، فإن قالت المرأتان أيضا لا علم عندنا فسخ النكاحان أيضا وعليه نصف صداق واحد يقسمانه لانه وجب عليه نصف صداق لواحدة مجهولة. وإن ادعت إحداهما فقط العلم فإنها تحلف وتستحق النصف ولا شئ للاخرى، فإن نكلت اقتسما النصف، وإن ادعت كل واحدة العلم حلفت كل واحدة أنها الاولى وأخذت نصف صداقها، قاله اللخمي والرجراجي. وهذا منقول منهما بالمعنى. والفسخ ها هنا بطلاق. قاله في التوضيح عن محمد والباجي. وقول المصنف بلا طلاق متعلق بقوله فسخ راجع لقوله: نكاح ثانية صدقت، ثم يشبه بهذه المسألة في كون الفسخ بلا طلاق ما إذا عقد على الام وابنتها عقدا واحدا فقال: ص: (كأم وابنتها بعقد) ش: أي فإنه يفسخ ذلك بلا طلاق مطلقا، دخل بهما أم لم يدخل بهما أو دخل بإحداهما. ثم لما كان يختلف الحكم في تحريمهما أو إحداهما السبب الدخول وعدمه وسيأتي من ذلك ثلاثة أقسام أشار إلى الاول

________________________________________

[ 113 ]

بقوله: ص: (وتأبد تحريمهما إن دخل ولا إرث) ش: يعني إذا تزوج المرأة وأمها ودخل بهما معا فلا بد من فسخ العقد كما تقدم ويحرمان عليه أبدا لان وطئ كل واحدة يحرم الاخرى، لانه وإن كان وطأ في نكاح فاسد باتفاق إلا أنه يدرأ الحد ولا ميراث في ذلك لانه متفق على فساده، وقد تقدم أن المتفق على فساده لا ميراث فيه ولكل واحدة صداقها المسمى لاجل المسيس. انتهى كلامه تنبيه: قال ابن فرحون إثر قول ابن الحاجب: وإذا عقد على الام وابنتها عقدا واحدا فسخ أبدا، فإن دخل بهما حرمتا أبدا، قال ابن رشد: أما إن لم يكن عالما بالتحريم ودرأ عنهما الحد فإنهما يحرمان عليه أبدا، وأما إن كان عالما بالتحريم ولم يعذر بجهالة لحقه الحد فيجري التحريم على القولين في التحريم بالزنى. وقول المؤلف حرمتا عليه أبدا يدل على أنه تكلم على الصورة التي يدرأ فيها الحد. قاله ابن راشد. انتهى. ثم بالغ المصنف. ص: (وإن ترتبتا) ش: يعني أن دخوله بهما يحرمهما أبدا ولو كان نكاحهما مترتبا واحدة بعد واحدة ولا ميراث كما تقدم. ولو قال كان ترتبتا لكان أحسن. قال ابن الحاجب: فإن ترتبتا غير عالم فواضح، وأما العالم ففيها يحد إن لم يعذر بجهالة. قال ابن فرحون: وأما العالم فهو قسيم قوله فإن ترتبتا غير عالم يعني تزوج أم امرأته ووطئها عالما فوطؤه لها تحريم للبنت في أحد قوليه ويحد إلا أن يعذر بجهل انتهى. ثم أشار إلى القسم الثاني. ص: (وإن لم يدخل بواحدة) ش: من الام وابنتها المعقود عليهما عقدا واحدا فإنه يفسخ ذلك. ص: (وحلت الام له) ش: أي نكاحها فأحرى البنت. ولو قال حلتا لكان أخصر وأوضح. ولم يتكلم على القسم الثالث وهو ما إذا دخل بإحداهما والحكم فيه أنه يفسخ النكاحان وتحرم عليه التي لم يدخل بها وتحل له التي دخل بها بعد الاستبراء باتفاق إن كانت البنت، وعلى المشهور إن كانت الام. ولم يذكر المصنف من أحكام المترتبتين إلا

________________________________________

[ 114 ]

المدخول بهما وبقي ثلاثة أخر: الاول: إذا عثر على ذلك قبل أن يدخل بهما، والحكم أن يفسخ نكاح الثانية بلا طلاق ويمسك الاولى، سواء كانت الام أو البنت على المشهور. ثم إن كانت التي فسخ نكاحها الام فهي حرام، وإن كانت البنت كان له أن يطلق الاولى التي هي الام ويتزوجها. الثاني: أن يدخل بالاولى فنكاحها ثابت إن كانت البنت باتفاق، وإن كانت الام على المشهور ويفسخ نكاح الثانية ولا تحل له أبدا. الثالث: أن يدخل بالثانية فالحكم أن يفرق بينه وبينها وحرمت الاولى بوطئ الثانية. وأما الثانية فإن كانت هي الام فهي حرام أيضا، وإن كانت البنت لم تحرم عليه. ثم قال: وإن لم تعلم السابقة منهما يعني وقد مات ولم يدخل بواحدة منهما فالارث لهما يقتسمانه ولكل منهما نصف صداقها، لان أحد النكاحين صحيح، وأما إن دخل بهما فلا ميراث مع العلم بالترتيب لفساد النكاحين حينئذ فأحرى مع عدم العلم. ويدل على ذلك قوله نصف صداقها لان الصداق بالدخول يتكمل. فقوله كان لم تعلم الخامسة أي فإن الميراث بينهن سواء دخل بهن أو لم يدخل فأما الصداق فإن دخل بهن فلكل واحدة صداقها. فإن دخل بأربع فلهن صداقهن وللخامسة نصف صداقها، وإن دخل بثلاث فلهن صداقهن وللاخيرتين صداق ونصف يقتسمانه لكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها، وإن دخل باثنتين فلهما صداقهما وللثلاث الاخر صداقان ونصف يقتسمنه بينهن، وإن دخل بواحدة فلها صداقها وللاربع ثلاث صداقات ونصف يقتسمنها بينهن، وإن لم يدخل بواحدة فأربع صدقات يقتسمنها الخمسة. هذا أحد الاقوال وانظر ابن عرفة والله أعلم. ص: (وحلت الاخت ببينونة السابقة) ش: فقوله الاخت يريد ومن في معناها لان التحريم إنما هو تحريم جمع. قاله في التوضيح وابن عبد السلام: وهذا في النكاح، وأما في الملك فسيتكلم عليه، انظر كلام البساطي فإنه غير ظاهر والله أعلم. فرع: قال في النكت: قال بعض شيوخنا من القرويين: إذا تزوج أختا على أختها عالما بالتحريم وجب عليه الحد إلا أن يكونا اختين من الرضاع فلا يحد لان هذه لتحريم السنة والاولى لتحريم القرآن، وأما في تزويجه المرأة على عمتها أو خالتها فلا يحد لانه تحريم السنة.

________________________________________

[ 115 ]

هذا أصل كل ما كان من تحريم السنة فلا حد فيه، وإن كان محرما بالكتاب ففيه الحد إذا لم يعذر بجهل فاعلمه انتهى. وقوله ببينونة السابقة قال في التوضيح: وبينونتها بأحد ثلاثة أوجه وهي: الخلع والطلاق الثلاث وانقضاء عدة الطلاق الرجعي انتهى. فرع: فإذا قال في الرجعية انقضت عدتها وأكذبته لم يقبل قوله. ابن عبد السلام: ولو مضى لطلاقها ثلاثة أشهر انتهى. وقال في المدونة في النكاح الثالث: ومن طلق امرأته طلاقا بائنا فله تزوج أختها في عدتها، وكذلك خامسة في عدة رابعة مبتوتة. وإن طلقها تطليقة فادعى أنها أقرت بانقضاء عدتها وذلك في أمد تنقضي العدة في مثله وأكذبته فلا يصدق في نكاح الخامسة أو الاخت أو قطع النفقة أو السكنى لان القول في العدة قولها، وإن نكح الاخت أو خامسة فسخ الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة انتهى. قال ابن محرز: قال بعض المذاكرين: وعليها اليمين في النفقة والسكنى فأما العدة فلا. انتهى من التوضيح، ونقله ابن عرفة. فرع: فإذا طلقها طلاقا رجعيا وأراد أن يتزوج خامسة أو أختها فقالت احتبس عني الدم فهي مصدقة حتى تمضي سنة، فإن ادعت التحريك بعد السنة لم تصدق لان ذلك يظهر فينظر إليها النساء فإن صدقتها وإلا لم يلزم الزوج أن يتربص إلى أقصى أمد الحمل. انتهى من التوضيح. وقال في النوادر: قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن أسرت زوجته فغاب خبرها فأراد نكاح أختها أو عمتها أو خالتها: فإن طلق المأسورة بألبتة جاز ذلك الآن، وإن طلقها دون الثلاث لم يجز له ذلك إلا بعد خمس سنين من يوم سبيت إذا كان طلاقه بحدثان السبي لاحتمال تمادي الريبة بحبس البطن فلا يبرئها إلا خمس سنين، فإن طلق بعد السبي بسنتين فبعد ثلاث سنين، وكذلك إن طلقها بعد ثلاث سنين من السبي فأكثر لاحتمال أن تستراب فتأتيها الحيضة في آخر السنة ويصيبها في الثانية، وكذلك في الثالثة تكمل إما بثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها. وإن كانت مسترابة بالحيض فما تقدم من المدة يحسب من الخمس سنين التي هي أقصى أمد الحمل. ولو سبيت وهي نفساء وطلقها بحدثان ذلك انتظر ذلك سنة - كما في ابن عرفة - لانها عدة التي ترفعها الحيضة لنفاسها ابن أبي زيد: وانظر ما معنى قول ابن حبيب وكأنه تكلم على أنه تمادى بها الدم وقد تطهر من نفاسها ثم تستراب ثم تحيض في آخر السنة ثم تستراب، فكيف لم يأمره بصبر ثلاث سنين وليست تؤمر بخمس سنين لانه موقن أن لا حمل بها منه إذا لم يطأها بعد النفاس وهذا صحيح. اه‍. ونقله ابن عرفة واختصره والله أعلم. ص: (بعتق وإن لاجل) ش: قال ابن عرفة: أو عتق بعضها. الشيخ من الواضحة: لو

________________________________________

[ 116 ]

زوجها فطلقت فوطئها في عدتها حلت الاولى قبل انقضاء عدة الثانية لحرمتها عليه انتهى. ص: (أو بيع دلس فيه) ش: قال في المدونة: لان للمشتري التماسك انتهى. فأحرى إذا لم يدلس فيه فانظر قول البساطي عند قول المصنف وحلت الاخت والله أعلم. ص: (لا فاسد لم يفت) ش: أما لو فات حلت الثانية. ابن عرفة: فيها بالبيع الصحيح أو الفاسد بعد فوته. اللخمي والشيخ عن الموازية مع الخروج مع الاستبراء انتهى. ص: (وعدة شبهة) ش: تقييده العدة بالشبهة حسن لا بد منه لانها لو كانت من نكاح صحيح لكان النكاح وحده محرما والعدة من توابعه. قاله ابن عبد السلام. ابن عرفة الشيخ عن الموازية: لو زوجها من عبد فمات أو طلقها قبل مسها حلت له أختها. انتهى والله أعلم. ص: (وظهار) ش: قال ابن عرفة: ولا يجزئه تحريم من وطئ منهما بيمين بحريتها. اللخمي عن ابن الماجشون: قوله إن أصبتها فهي حرة لغو لان إصابته إياها حلال فهو الموجب حنثه انتهى. ص: (وعهدة ثلاث) ش: قال في التوضيح: بخلاف عهدة السنة لطول زمانها انتهى. ونقل ابن أبي زيد في النوادر عن ابن أبي مسلمة العهدة مطلقة فقال في النوادر أيضا: إن محمدا قال: يريد عهدة الثلاث. ص: (وهبة لمن يعتصرها منه) ش: قال ابن عرفة: وفيها قيل لو وهبها لابنه الصغير أو الكبير أو عبده الصغير أو يتيمه قال: كل ماله أن يصيبها بشراء هو الحاكم فيه أو باعتصار أو انتزاع وما يفسخ

________________________________________

[ 117 ]

من بيع أو نكاح لا يثبتان عليه إن شاء الواحد منهما لغو انتهى. قال اللخمي عقب نقل كلام المدونة: ولا شئ عليه فيما بينه وبين الله تعالى لان الملك الآن لغيره فلم يجمع بينهما في ملك انتهى. ومفهوم قوله لمن يعتصرها منه أن الموهوب له إذا كان ممن لا يعتصر منه تحل بالهبة وهو كذلك إن كانت الهبة لغير ثواب، وإن كنت لثواب فلا تحل حتى يعوض عليها أو تفوت عنده وتجب فيها القيمة. قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر. وظاهر قوله أيضا لمن يعتصرها منه أن الموهوب له إذا كان ممن يعتصر منه أنها لا تحل مطلقا وليس كذلك، بل إذا فاتت عند الذي يعتصر منه فإنها تحل، قاله الشيخ يوسف بن عمر. ص: (بخلاف صدقة عليه إن حيزت) ش: قال في التوضيح: فإن تصدق على ولده وحيزت له جاز وطئ الاخرى لانه لا اعتصار في " الصدقة وإن لم تجز فلا انتهى. وهو لابن عبد السلام. قال ابن فرحون: والظاهر أنه لا يكفي إذ له انتزاعها بالبيع كما في حق اليتيم فتأمله. والله أعلم. ص: (ووقف إن وطئهما ليحرم) ش: قال القرطبي عن مذهب مالك: ولم يوكل ذلك إلى أمانته لانه متهم انتهى. ص: (فإن أبقى الثانية استبرأها) ش: قوله الثانية مفهومه لو كانت الاولى لم يستبرئ وهو كذلك. فرع: قال اللخمي: فإن عاود الاولى قبل أن يحرم الثانية وقف عنهما فأيتهما حرم لم يصب الباقية إلا بعد الاستبراء انتهى. قال الشيخ أبو الحسن الصغير في قوله في المدونة: ولو أنه حين وطئ إحداهما وثب على الاخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ وقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء، ظاهر الكتاب سواء وطئها عالما بأن ذلك لا يجوز أو جاهلا. وقال اللخمي: قال ابن القاسم فيمن كانت عنده أختان أصابهما ثم باع إحداهما ثم اشتراها قبل أن يطأ الباقية عنده له أن يطأ أيتهما أحب. وهذا يحسن إذا فعل ذلك وكان وطؤه إياهما جاهلا، وأما إن فعل ذلك وهو عالم لم يجز له أن يصيب واحدة منهما حتى يخرج الاخرى من ملكه لانه لا يتهم أن يعود إلى مثل ذلك. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن من النكاح الثالث. وقال في النوادر: وإذا وطئ بالملك أختا بعد أخت فليكف عنهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم

________________________________________

[ 118 ]

الاولى استبرأ الثانية، وإن حرم الثانية لم يستبرأ الاولى إلا أن يكون وطئها بعد الثانية فليستبرئها أيضا لان وطئ لا ينبغي والجاهل والعالم في جميع ما ذكرناه سواء انتهى. وذكر قبل هذه المسألة المسألتين اللتين بعد هذه في كلام المؤلف وبعض المسائل المتقدمة. وقال في المدونة قبل الكلام المتقدم: ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الاخرى حتى يحرم فرج التي وطئها، فإن باع التي وطئ ثم وطئ الباقية ثم اشترى المبيعة تمادى على وطئ الباقية، ولو لم يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء انتهى. وفي النوادر: من باع أمة وطئها ثم اشترى أختها فلا يطؤها حتى تحيض التي باع ولو حاضت ثم استقاله منها أو ابتاعها، فإن كان وقد وطئ أختها فلا يقرب هذه حتى يحرم فرج أختها، وإن لم يطأها فهو مخير في إحداهما انتهى. ص: (وإن عقد) ش: سواء كانت حرة أو أمة قاله اللخمي. ص: (فالاولى) ش: قال في المدونة: ولا يطأ التي اشترى حتى يفارق امرأته انتهى. ص: (فإن وطئ) ش: هذا الشرط جوابه قوله فكالاولى يعني فكما إذا وطئهما بملك اليمين فيوقف حتى يحرم إحداهما وتحريمي الامة بما تقدم وتحريم الزوجة بالطلاق البائن أو الرجعي إذا انقضت العدة. قاله اللخمي قال: ولا يقع التحريم بالظهار ويختلف إذا قال إن وطئتك فأنت طالق انتهى. ص: (أو عقد بعد تلذذه بأختها بملك فكالاولى) ش: اعلم أنه لا يجوز له أولا. قال أبو الحسن: انظر إذا اختار تحريم الزوجة وذلك قبل البناء، هل يكون عليه نصف الصداق أم لا ؟ قال: وهذه تشبه مسألة المجوسي يسلم وتحته ! عشر اه‍. والظاهر أنه لو اختار بعد الدخول دخلها المسمى كاملا، والظاهر أيضا أن هذا جار في المسألة التي قبلها وتحريم الزوجة في هذه مثل تحريمها في تلك والله أعلم. فرعان من المدونة: الاول: من باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة لم يطأ إلا الزوجة والعقد ها هنا كالوطئ في الملك. الثاني: من زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم ولده أقام على وطئ الامة، ولو ولدت منه الامة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعا وطئ أيتهما شاء إلا أن يطأ

________________________________________

[ 119 ]

أولاهما رجوعا. ص: (والمبتوتة) ش: تصوره ظاهر والمبتوتة هي التي انقطعت عصمتها. فرع: قال البرزلي في آخر مسائل النكاح: وسئل المازري عمن طلق زوجته ثلاثا ثم وطئها فحملت عارفا بالتحريم. فأجاب بأنه يلحقه الولد ويحد. قيل: فما الجامع بينهما ؟ قال: ربما اجتمعا. ص: (حتى يولج بالغ قدر الحشفة) ش: فهم منه إن عقد الغير عليها دون وطئ لغو وهو كذلك. قال الشارح في الكبير بلا خلاف وقاله في التوضيح. وفهم من قوله بالغ أن شرط الايلاج أن يكون الزوج بالغا وهو أعلم من أن يكون حال العقد بالغا أو غير بالغ وهو كذلك قاله في التوضيح وغيره. قال ابن عرفة: وفيها وطئ الصبي القادر على الجماع ولم يحتلم لغو اللخمي: إن شارف البلوغ حل وطؤه على قول مالك يحد إن زنى اه‍. وفهم من قوله قدر الحشفة أنه لو أدخل بعض الحشفة لم تحل وهو كذلك، وكذلك لو وطئها فوق الفرج فأنزل ودخل ماؤه في فرجها فأنزلت لم تحل ولا تحصن. قاله في التوضيح وابن عرفة. تنبيه: قال في العارضة عن الحسن البصري: لا تحل إلا بوطئ فيه إنزال لقوله حتى تذوقي عسيلته. ورأى العلماء أن مغيب الحشفة هي العسيلة فأما الانزال فهي الذبيلة، فإن الرجل لا يزال في لذة في الملاعبة حتى إذا أولج فقد عسل، ثم يتعاطى بعد ذلك بقضاء الله وقدره ما فيه علو نفسه وإتعاب نفسه ونزف دمه وإضعاف أعضائه فهي إلى الحميضة أقرب منها إلى العسيلة لانه يبدأ بلذة ويختم بألم اه‍. فرع: إذا كان الزوجان مسلمين فارتد أحدهما بعد طلاق الثلاث لم تسقط الردة الخطاب بأن تنكح زوجا غيره، وإذا ارتدا معا سقط الخطاب عند ابن القاسم دون غيره، وإن كانت الزوجة نصرانية وارتد الزوج بعد الثلاث فعند ابن القاسم لا تحل له إذا رجع للاسلام إلا بعد زوج، وإن أحلها زوج فارتدت هي أو المحلل فالاحسن عند اللخمي أنها تحل من غير زوج. قال جميع ذلك اللخمي وسيأتي للمصنف بعض هذا في باب الردة والله أعلم. ص: (بلا منع) ش: يدخل فيه كل وطئ نهى الله عنه، ومنه وطئ الصغيرة التي لا تطيق الوطئ. ابن عرفة عن اللخمي: هو لغو لانه جناية. وفهم ذلك من قول المصنف بلا منع لان الجناية ممنوعة

________________________________________

[ 120 ]

ومنع الوطئ في الدبر فلا اعتراض على المصنف بأنه كان ينبغي له أن يقيد ذلك بالقبل والله أعلم ص: (ولا نكرة فيه) ش: يعني إذا علمت الخلوة وتناكرا في الاصابة والتناكر يصدق بإنكار كل واحد منهما لكن لما كان إنكارها ظاهرا سكت عنه، فإذا أنكر المسيس فقال اللخمي: إن طال مقامه معها واعترف أنه لا آفة به صدقت. انتهى ونقله ابن عرفة والله أعلم. فرع: إذا علمت الخلوة وغاب المحلل أو مات قبل أن يعلم منه إقرار أو إنكار صدقت. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة. قال ابن عرفة أيضا: الباجي: لو بنى وبات عندها ليلة ومات صدقت انتهى. ص: (بانتشار) ش: قال ابن عرفة وابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم إدخالها ذكر الشيخ في فرجها دون انتشار إن انتشر بعد لك أحلها وإلا فلا. اللخمي لمحمد عن ابن القاسم: يحلل ويحصن والاول أحسن. وفي تعليقة الشيخ عبد الحميد: لو وطئها غير منتشر ثم انتشر في فرجها أحلها اتفاقا من أصحاب مالك، ولو كان كسل ولم ينتشر ففي كتاب محمد يحلل ويحصن، وفي بعض رواياته يحل فتبقى المسألة بلا جواب. التونسي وغيره من المذاكرين: الاشبه أنه لا يحلل ولا يحصن بعض المذاكرين إن عرى ذلك عن اللذة المعتادة عند مغيب الحشفة ألغى وإلا حلل وحصن اه‍. ص: (في نكاح) ش: يعني أنت المبتوتة لا تحل إلا بوطئ في نكاح فلا تحل بوطئ سيدها لمن بتها ولا باشترائها الذي بتها. قاله في التوضيح. ص: (لازم) ش: احترازا من نكاح العبد المتعدي ونكاح ذات العيب والمغرورة أو ذي العيب والمغرور، فإن أجاز السيد نكاح العبد المتعدي أو رضي الزوج في عيب المرأة وغرورها، أو رضيت هي في عيب الزوج وغروره وحصل وطئ بعد الاجازة أو الرضا خلت به. قاله ابن الحاجب والله أعلم. ص: (وعلم خلوة) ش: قال ابن عرفة اللخمي: خلوة الزيارة لغو وفيها إن مات قبل بنائه فقالت طرقها ليلا فأصابها لم تصدق ولا يقبل قولها قال اللخمي. ص: (ولو خصيا) ش: يريد بعد علمها به وهو بين وصرح به ابن عرفة وغيره، ص

________________________________________

[ 121 ]

(لا بفاسد) ش: يدخل في نكاح النصراني، وسواء كانت الزوجة مسلمة أو نصرانية، لان أنكحتهم فاسدة وقد نص على ذلك في المدونة فبهذا يستغني عما في بضع النسخ من قوله حتى يولج بالغ مسلم ص: (وكمحلل) ش: ويفسخ قبل البناء وبعده بطلاق بائن إذا أقر به بعد العقد، وأما إن أقر قبل النكاح فليس بنكاح. قاله في الموازية: قال في التوضيح: يعني يفسخ بغير طلاق. الباجي: وعندي أنه يدخله الخلاف في النكاح الفاسد المختلف فيه هل هو بطلاق أم لا، وهو تخريج ظاهر، وإن بنى بها فلها المسمى على الاصح. وقال مالك: للمحلل أن يتزوجها بعد ذلك. وقال أشهب: أحب إلي أن لا ينكحها أبدا. اه‍. بالمعنى من التوضيح. وقال ابن عرفة اللخمي: وإن لم يبن بها فإن أقر قبل العقد فلا شئ لها وإن أقر بعده فلها نصف المسمى اه‍. فرع: قال ابن عرفة: فإن تزوجها الاول فهذا النكاح فسخ بغير طلاق اه‍. ص: (ونية المطلق ونيتها لغو) ش: وإنما المعتبر نية المحلل ولو كانت من غير شرط عند مالك خلافا فالغير واحد من أصحابه ويعاقب هو ومن علم ذلك من الولي والشهود والزوجة ويجب عليه أن يأتي الاول فيعلمه أنه قصد تحليلها ليمتنع من نكاحها اه‍. بالمعنى من التوضيح. فروع: الاول: قال في التوضيح: ولو قال المطلق تزوجي فلانا فإنه مطلاق حلت إن تزوجته، وكذلك إن تزوجته هي لذلك. الثاني: قال ابن عرفة عن تعليقة عبد الحميد: لو زوجها لعبده ليسأله طلاقها بعد وطئها حلت به ومال إليه بعض الشيوخ. الثالث: قال ابن عرفة أيضا اللخمي: ويختلف إن تزوجت غريبا عالمة بأنه لا يريد

________________________________________

[ 122 ]

حبسها على القول بفساده لا تحل به، ونقله البرزلي في أوائل مسائل النكاح. الرابع: قال الشيخ عن الموازية: لو تزوج مبتوتة بني بها وأقر بوطئها كاذبا ثم أبتها فتزوج بها من أبتها أولا وبنى بها وأقر بوطئها لم تحل لمن أبتها ثانيا لفساد نكاح من أبتها أولا بعد من أبتها ثانيا اه‍. ص: (وقبل دعوى طارئة التزويج) ش: قال اللخمي: الاحلال يصح بشاهدين على نكاح المحلل وامرأتين على الخلوة وتصادق الزوجين، فإن لم يعلم التزويج إلا من قولها فذكر التفصيل الذي ذكره المؤلف. واعلم أنه إنما يقبل نكاح الطارئة إذا لم يكن الموضع قريبا. قاله اللخمي ونقله في التوضيح. والظاهر أن مرادهم أنها لا تصدق إذا كان الموضع قريبا فتأمله والله أعلم. ص: (إن بعد) ش: أما إن قرب الامد فقولها لغو أمنت أم لا. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة وقاله في التوضيح. ص: (وملكه) ش: أعم من أن يكون المالك حرا أو عبدا. فرع: قال ابن عبد السلام: وأما إن دفعت إليه جارية ليستخدمها فرأى بعضهم أنه يجري جواز نكاحه لها على الخلاف في حده إذا زنى بها، فمن يقول بحده يقول بصحة النكاح، ومن يقول بسقوطه يمنع النكاح وفيه نظر، لانه لا يلزم من كون الحد ساقطا بالشبهة فسخ النكاح بها اه‍. ونقله المصنف. وكأنهم لم يقفوا على نص في المسألة، والمسألة في أوائل الرسم الاول من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي كتاب الخدمة في رسم البراءة من سماع عيسى. وفي سماع محمد بن خالد عن مالك أنه لا يجزئه أن يتزوجها وأنها بمنزلة الامة المشتركة. وفي مختصر الوقار: يكره للرجل أن يتزوج أمته المخدمة وإن أذن في ذلك من أخدمها. فرع: قال ابن عرفة: وفيها لابن القاسم: إن أراد أن يزوج أمة عبده منه انتزعها ثم تزوجها منه، فإن تزوجها منه قبل انتزاعها أو وطئها جاز نكاحه وكان انتزاعا، وإن أراد سيده وطأها انتزعها ووطئها فإن وطئها قبل انتزاعها كان انتزاعا.

________________________________________

[ 123 ]

قلت: ويجب استبراؤها قبل وطئها وبعده قبل استبرائها اه‍. وقال المشاذلي في حاشيته في النكاح الثاني: وانظر لو زوج أمة عبده من عبد له آخر، هل يكون انتزاعا أم لا ؟ قال في سماع عيسى في رجل أخذ جارية لام ولده فزوجها غلامه فمات فطلبت أم الولد جاريتها، هلى ترى تزويجه إياها غلامه انتزاعا ؟ قال: لا، والجارية لام ولده والنكاح ثابت بمنزلة ما لو زوج جارية لعبده غلامه ثم أعتق سيده الجارية ولم يستثن ماله أن الجارية للعبد أعني سيدها والنكاح ثابت، ابن رشد: هذا كما قال لان العبد وأم الولد مالكان أموالهما فلا يحمل فعل السيد ذلك على الانتزاع إذا لم يصرح به إلا أن يكون مالا يصلح أن يفعله إلا بعد الانتزاع كالوطئ والعتق والصلح به على نفسه وشبه ذلك، وقد اختلف إذا رهن السيد عبد عبده في دين على السيد ففي الكتاب لا يكون انتزاعا اه‍. ص: (أو لولده) ش: سواء كانا حرين أو أحدهما حرا والآخر رقا. قاله في التوضيح. أجاز في العتبية للرجل أن يتزوج جارية زوجته. وعن ابن كنانة: كراهيته. وهذا في جارية لم تكن في الصداق، وأما جارية الصداق فيجوز ذلك فيها بعد الدخول. ومنع منه في العتبية قبل الدخول وخرج فيها صاحب البيان قولا بالجواز. انتهى باختصار من التوضيح. ص: (وفسخ) ش:. فرع: قال ابن عرفة اللخمي عن محمد: إن اشترى أحدهما الآخر بخيار لم يفسخ نكاحه إلا ببته، وإن بيع على العهدة فسخ حينئذ، فإن حدث في العهدة: وقد انفسخ النكاح وشراء زوجها إياها بشرط الاستبراء يوجب فسخ نكاحها لان الماء ماؤه. اللخمي: القياس فيها عدم تعجيل الفسخ فإن سلمتا مدة العهدة والاستبراء ثم البيع وفسخ النكاح وإلا فلا اه‍. ص: (وإن طرأ) ش: أي بميراث أو غيره. فرع: فإن اشترى زوج أمه أو امرأة أبيه انفسخ النكاح. قاله في التوضيح. فرع: قال ابن عرفة: ولو اشترى أحدهما الآخر وهو مكاتب ففي فسخ نكاحه قولان بناء على أنه ملك رقبته أو كتابته، فإن عجز فسخ اتفاقا. قلت: يريد أن المبيع الكتابة اه‍. فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقال مالك في أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها فقال مالك: أرى أنه أحق بما أعطوا فيها لان في ذلك خيرا لعتق ولدها ولا أرى به بأسا. ابن رشد: وهذا كما قال لان

________________________________________

[ 124 ]

الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا لهم فبيعهم من غيره بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير لهم فلا يمكنون من ذلك ثم قال: ولو باعوها وحدها لم يكن أحق بها إذ لا تكون أم الولد إذا اشتراها وإن ولدت منه أولادا. اه‍ كلام ابن رشد بالمعنى والله أعلم. ص: (ولو بدفع مال ليعتق عنها) ش: قال في كتاب الولاء من المدونة: ومن أعتق عبده عن امرأة للعبد حرة فولاؤه لها بالسنة ولا يفسخ النكاح لانها لم تملكه، ولو دفعت الحرة مالا لسيد زوجها على أن يعتقه عنها فسخ النكاح وذلك شراء لرقبته وولاؤه لها. وقال أشهب: لا يفسخ النكاح لانها لم تملكه ولو دفعت الحرة اه‍. وقال المشذالي في حاشيته: قوله: من أعتق عبده عن امرأته معناه لم تسأل عتقه ولم ترغبه ولو رغبته وقالت أعتقه لكان لها الولاء ويفسخ النكاح كما لو أعطته مالا على العتق اه‍. وقال أبو الحسن: أترى كلام المدونة المذكور يريد ولم تسأله في ذلك ولا رغبته. اللخمي: فإن سألته فسخ النكاح على قول ابن القاسم لانها مستوهبة ولم يفسخ عند أشهب، وانظر جعل لها الولاء ولم يفسخ النكاح والشيوخ إنما يثبتون الولاء للمعتق عنه بتقدير الملك ولو قدر ذلك هنا لفسخ النكاح، وإن لم يقدر هنا ملكه ففيه هبة الولاء لان الولاء فرع عن ثبوت الملك ولهذا قال فولاؤه لها بالسنة انتهى. واعلم أنه إذا أعتقه عنها ولم تدفع له مالا فملكه لها إنما هو تقديري لا تحقيقي. فباعتبار تقديره يثبت لها الولاء، وباعتبار كونه غير تحقيقي لم يفسخ النكاح. وقال أبو الحسن: قوله ولو دفعت الحرة مالا الخ. الشيخ: وكذلك الامة لو دفعت لسيد زوجها مالا للاجماع أنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها. وقوله وقال أشهب لا يفسخ النكاح لانها لم تملكه قال ابن يونس ابن المواز عنه: كما لو سألته عتقه عنها لغير شئ أعطيته. قال سحنون: وهو أحسن. ص: (أو قصد بالبيع الفسخ) ش: قال ابن غازي: كذا في كثير من النسخ قصدا بألف التثنية وهو المطابق لقوله في المدونة إلا أن يرى أنها وسيدها اغتزيا فسخ النكاح فلا يجوز ذلك وتبقى زوجة. قال ابن عرفة: ظاهره أن اغتزاءه وحده لغو وفيه نظر. اه‍ كلام ابن غازي. والذي قاله ابن عرفة فيه نظر لم يتوقف فيه ابن عبد السلام. قال: وينبغي أن يكون قول المؤلف تعمدا بألف التثنية على أنه فاعل كما نص عليه سحنون بقوله اغتزيا أي قصدا، والواقع فيما رأيت من نسخ هذا الكتاب بدون الالف ولا معنى له. نعم

________________________________________

[ 125 ]

لو تعمدت هي ذلك دون السيد البائع لكان له وجه كما لو ارتدت قاصدة لفسخ النكاح لم يفسخ وتستتاب اه‍. وهذا الذي قاله فيما إذا قصدت هي وحدها ظاهر، وأما قوله فيما إذا قصد السيد وحده لا معنى له فغير ظاهر، بل الحق ما قاله ابن عرفة إذ فيه نظر. والظاهر أيضا أنه لا يفسخ كما في مسألة الهبة الآتية وعلى هذا فيقرأ قوله قصد بلا ألف بالبناء للمفعول ليعم القاصد فتأمله والله أعلم. ص: (وملك أب جارية ابنه بتلذذه بالقيمة) ش: وكذلك الجد على قول ابن القاسم خلافا لاشهب. قاله ابن ناجي في شرح الرسالة. ويريد المصنف سواء حملت أو لا، وسواء كان عديما أو مليا. فإن كان عديما بيعت إلا أن تكون حملت فلا تباع، وإذا أعطى الاب قيمتها فلا يطؤها حتى يستبرئها من مائة الفاسدة. قاله في التوضيح. وهذه المسألة في كتاب أمهات الاولاد من المدونة وفي كتاب القذف منها. تنبيه: قال في كتاب القذف منها: ولا يحد الاب إذا وطئ أمة ابنه وكذلك الجد في أمة ولد ولده. قال أبو الحسن الصغير: وانظر هل يعاقب الاب فقال في كتاب أمهات الاولاد من كتاب ابن يونس في باب الاستلحاق: يعاقب الاب إن لم يعذر بالجهالة انتهى قلت: ذكره ابن يونس في أثناء كلامه لما تكلم على من استلحق ولد أمة ولده فقال: إنه يلحق به إن لم يدعه الولد لنفسه ولم يجزه نسب معروف ويغرم قيمة الامة لولده في ملائه ويتبع بها في عدمه وهي له أم ولد وعليه الادب إن لم يعذر بجهل انتهى. ولم أر من صرح بالادب على الاب إلا ما ذكره ابن يونس، وانظر هل يمكن أن يقال إنما أدب لانه سكت حتى بيعت ؟ والذي فهمه أبو الحسن إنما هو لوطئه. وانظر على ما ذكره ابن يونس من الادب في الوطئ هل يلزم الادب أيضا في تلذذه بها أو إنما يلزم إذا وطئ ؟ ولم أر فيه نصا والظاهر أنه يلزمه لانه ارتكب محرما بدليل أنه يجب عليه أن يستبرئها من وطئه إياها وسيقول المصنف وعزر الامام لمعصية الله والله أعلم. ص:

________________________________________

[ 126 ]

(وعتقت على مولدها) ش: قال في التوضيح: والحكم أنها تعتق على الابن إذا كان أولدها قبل وطئ والده وقد أتلفها الاب بوطئه فيغرم قيمة أم ولد، وإن كان الابن وطئها ولم تحمل ثم وطئها أبوه وحملت منه غرم قيمتها أمة وعتقت عليه. انتهى بالمعنى. ص: (ولعبد تزوج ابنة سيده بثقل) ش: والمكتب في الزواج والاستثقال مثل العبد قاله في التوضيح. قال: وكذلك تزويج ابنه لمكاتبته مثل، فإن مات السيد انفسخ النكاح، وقيل لا ينفسخ بالموت بل إذا عجز انفسخ والله أعلم. ص: (وإلا فإن خاف زنى وعدم ما يتزوج به حرة الخ) ش: تصوره واضح. فرع: كل ما يمكنه بيعه فهو طول كدينه المؤجل بخلاف دار سكناه، ونقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. فرع: فإذا فرعنا على المشهور إنه لا ينكح الامة إلا بشرطين فإن عدم الشرطان معا فهل يحرم عليه ذلك أو يكره ؟ قال الباجي في المدونة: ما يدل على القولين قاله في التوضيح ونقل ابن رشد في المقدمات عن مالك جوازه وإن كان لا يخاف عنتا وهو واحد للطول قال: وهو المشهور عن ابن القاسم وقال الرجراجي: فإن كانت الامة ممن لا يعتق ولدها، فهل يجوز للحر أن يتزوجها أو لا يجوز ؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال كلها قائمة من المدونة: أحدها أنه لا يجوز إلا بشرطين اثنين. عدم الطول وخشي العنت وهو مشهور قول مالك. والثاني أنه لا يجوز له أن يتزوجها وهو عادم الشرطين وهو مشهور قول ابن القاسم وأحد قولي مالك. والثالثة الكراهة. والقول بالمنع يعني القول الاول أنه منع تحريم به قال أشهب وابن عبد الحكم وهو قائم

________________________________________

[ 127 ]

من المدونة من قوله بفسخه. ثم ذكر مأخذ القولين الباقيين من المدونة أيضا ونسب الخلاف في ذلك وأطال فراجعه إن أردته والله أعلم. وظاهر كلام المصنف أنه إن وجد ما يتزوج به حرة ولو لم يجد ما ينفقه عليها حصل له الطول وهي رواية محمد خلافا لما قاله ابن حبيب عن أصبغ أن الطول ما يصلح لنكاح الحرة من نفقة ومؤنة. اللخمي: وهو أبين إلا أن يجد من تتزوجه بعد علمها بعدم قدرته على النفقة ابن رشد: ما رواه ابن حبيب أصح مما رواه محمد. قاله جميعه في التوضيح. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن: إن اعتبار النفقة هو الاصح والله أعلم. فرع: فإن وقع نكاح الامة من غير حصول الشرطين فتقدم في نقل الرجراجي في القول الاول من الاقوال الثلاثة عن مالك أنه قال بفسخه، وفي كلام ابن عبد السلام في باب الخلع ما يدل على أنه يفسخ، ونصه في قول ابن الحاجب: ولو تبين فساد النكاح، وفي كتاب ابن المواز. ومن خالع زوجته ثم وجدها أمة قد أذن لها سيدها في النكاح، فإن كان يجد الطول بحرة رجعت بما أعطته. قاله بعد الملك وبه أقول، فإن كان ممن لا يجد الطول ويخشى العنت فله ما أحذ لانه كان له أن يقيم وواجد الطول إن لم يكن له المقام عليها فيرد ما أخذ ويرجع على من غره انتهى. فقوله وواجد الطول الخ يدل على أنه يفسخ وهو ظاهر كلام اللخمي في الايمان بالطلاق في باب من حلف ليتزوجن هل يبر بتزويج غير الاكفاء ونصه: وإن تزوج أمة لم يبر على قول مالك. وقال ابن القاسم: يبر إذا لم يجد طولا لحرة، وإن كان واجدا عاد الخلاف المتقدم هل يبر بالنكاح الفاسد انتهى. فجعله فاسدا وهو الذي يظهر من كلام المصنف

________________________________________

[ 128 ]

في موضعين: أحدهما عند قول ابن الحاجب: ولو جمع من لا يجوز له الجمع في عقد بطل في الامة وفي الحرة قولان. قال في التوضيح: يعني لو تزوج حرة وأمة في عقد واحد وكان لا يجوز له الجمع لفقدان الشرطين بطل نكاح الامة لعدم شرطه، وفي الحرة قولان: الصحة لابن القاسم والبطلان لسحنون. واحتج سحنون بأنها صفقة جمعت حلالا وحراما، وما هذا شأنه باطل فبطل الجمع على المشهور. ثم قال ابن الحاجب: ولو جمع من يجوز له الجمع فكجمع أربع. قال في التوضيح: هذا الفرع يأتي على القول بأن الطول ما يتوصل به إلى دفع العنت فعلى هذا القول يجوز له الجمع. ابن شاس: وكذا يأتي على المشهور إذا قلنا إن الطول المال وعدم طول حرتين ولم تكفه حرة واحدة. وقوله فكجمع أربع أي إن سمى لكل واحدة صداقها صح انتهى. وثاني الموضعين عند قول ابن الحاجب وإذا تزوج الحر الامة على الحرة وأمضى على المشهور ففيها تخير في نفسها. قال في التوضيح: المشهور الامضاء بناء على أن الحرة تحته ليست بطول وعلى القول بأنها طول يفسخ النكاح انتهى. وقال ابن عبد السلام: إذا تزوج الحر الامة على الحرة - قال المؤلف - وأمضى على المشهور يعني وقلنا بأن النكاح صحيح لان الطول بالمال لا وجود الحرة تحته، وهذه النكتة هنا أفادت أن المشهور الطول والمال انتهى. زاد ابن فرحون بعد نقله نحو كلام ابن عبد السلام: ومقابل المشهور أنه يفسخ ولا يمضي وأن الحرة تحته طول. وهذا هو القول المرجوع عنه من قولي مالك انتهى. فقوله في التوضيح في مسألة الجمع إذا خلا عن الشرطين بطل وتعليلهم قول سحنون بأنها صفقة جمعت حلالا وحراما،، وقوله هو وابن عبد السلام وابن فرحون في المسألة الثانية أن القول الثاني أنه يفسخ لوجود الطول، وما تقدم للخمي وابن عبد السلام عن كتاب ابن المواز صريح أو كالصريح في أن نكاح الامة إذا خلا عن الشرطين يفسخ والله أعلم. ومما يشهد لفسخ نكاح الامة إذا عرا عن الشرطين اختلافهم في فسخه إذا طرأ الطول بعد أن تزوج الامة بالشرطين، فقد قال ابن عرفة ناقلا عن ابن رشد في إلزامه فراق الامة: ثالثها إن تزوج الحرة. وقال عنه أيضا: ولو زال خوف العنت لم يلزمه الفراق اتفاقا. وقال في الكافي: فإن عدم الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح الامة. ثم قال: وقد سئل مالك " عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول فقال: أرى أن يفرق بينهما. فقيل: إنه يخاف العنت ؟ فقال: السوط يضرب به ثم خففه بعد ذلك انتهى. والاول هو المشهور وهذا الذي ظهر لي في هذه المسألة والله أعلم. تنبيهان: الاول: إذا ثبت أنه يفسخ ذلك فلا شك أن الفسخ بطلاق لانه يختلف فيه اختلافا قويا. وتقدم في كلام ابن رشد والرجراجي أن المشهور قول ابن القاسم أنه يجوز من غير شرط. الثاني: قال في النوادر في الجزء الثالث من النكاح في ترجمة نكاح الامة على الحرة بعد

________________________________________

[ 129 ]

أن تكلم على الشرطين في نكاح الامة وبيان الطول ما هو، قال ما نصه ناقلا له عن كتاب ابن المواز: وإن كان يجد طولا إلى آخره، أو كانت تحته حرة فهوى أمة حتى يخاف العنت فيها فله نكاحها بعينها. قاله مالك وأصحابه اه‍. وقال قبله: قال أصبغ: وإنما يجوز نكاحه يعني الامة وتخير الحرة إذا كان فيه الشرطان أن يخشى العنت ولا تكفيه الحرة ولا يجد طولا مع تلك الحرة أو يهوى الامة وهو يخاف على نفسه العنت إن لم يتزوجها اه‍. وانظر ابن عرفة فإنه استوفى الكلام على ذلك. فرع: فإذا صح نكاح الحر الامة فنفقة الامة لازمة للزوج، وكذا لو كان الزوج عبدا. قال ابن الحاجب: ويلزم الزوج نفقة زوجته الامة مطلقا على المشهور. اه‍. وانظر ابن " عرفة فإنه أشبع الكلام في ذلك. فرع: قال في آخر رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرضاع: وسئل عمن تزوج أمة ثم أعتق سيد الامة ولده منها قال: أرى الرضاع عليه. قال محمد بن رشد: الهاء من عليه عائدة على الرجل أبي المعتق لا على السيد المعتق، لان السيد لما أعتقه صار حرا فسقطت عنه نفقته ووجبت على أبيه، ولو كان أبوه معدما أو لم يكن له أب لما سقط عنه رضاعه ونفقته في حال صغره لان من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه فنفقته عليه اه‍. زاد في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم في النكاح: لانه يتهم أن يكون إنما أعتقه ليسقط على نفسه نفقته اه‍. وقال البرزلي في مسائل الانكحة بعد ذكر الكلام على المسألة: ويؤخذ منه أن من أعتق صغيرا فإنه تلزمه نفقته ما دام لا يقدر على الكسب، وقد نص عليه أبو حفص العطار اه‍. وكأنه لم يقف على كلام ابن رشد هذا. ثم قال: وانظر إن من أوصى بعتق صغير هل يلزم الموصي نفقته أم لا ؟ ونزلت هذه في زمن ابن عبد السلام في مدبرة ولم يوجد عنده ولا عن غيره فيها نص بعد البحث منه وتوقف على إيجاب نفقتها في ثلث مدبرها ووقعت في عصرنا في رجل أعتق صغيرا ومات قبل أن يبلغ، فاختار شيخنا أن يوقف من تركة معتقه ما ينفقه إلى بلوغه وأشك أن القاضي حكم بذلك. وكان ظهر لي أنه لا يلزم في تركته من مسألة كتاب الجعل في الذي مات بعد أن دفع نفقة ولده أنه يسترجعها الورثة، ولا يلزم بعد موته نفقة، وما وجب بالسنة أقوى مما وجب بالاقتراب. وفي المذهب مسائل تشهد لذلك إلا أن يقال إنما يلزم رد هذا لان الشرع إنما أوجب النفقة مدة حياته، فإذا مات سقط الوجوب. وهذا لما التزم العتق التزم لوازمه فيجري على قاعدة ما لا يتوصل للواجب إلا به فهو واجب وهو مقدور المكلف كغسل شئ من الرأس لكن هذا مشروط بالحيازة لان قاعدة المذهب أن كل شئ يتبرع به شرطه الحيازة من الصحة وليس المرض والموت والفلس بزمان حيازة، فلذلك اخترنا أنه لا يلزمه شئ ويصير من فقراء المسلمين اه‍. وكرره في مسائل الهبة. وقال المشذالي في حاشيته في باب التجارة إلى أرض الحرب بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم وغيره: وأقام الشيوخ من هذا أن من أعتق زمنا

________________________________________

[ 130 ]

لزمته نفقته. ومثله في الموازية. وقيل نفقته على المسلمين أو الامام اه‍. فرع: قال الشيخ أبو الحسن في كتاب العرايا لما تكلم على سقي العربة وزكاتها: ومما يلحق بهذا الباب من وهب صغيرا يرضع، قيل رضاعه على الواهب، وقيل على الموهوب، حكى القولين ابن بشير. ص: (بطلقة بائنة) ش: قال ابن الحاجب: ولا يقضي إلا بواحدة بائنة بخلاف المعتقة تحت العبد. وقيل كالمعتقة. ابن فرحون: لان بها يزول الضرر وعلى الزوج فيما زاد عليها ضرر، وهي في ذلك بخلاف المعتقة تحت العبد لان المذهب أنها تخير في إيقاع طلقتين جميع طلاق العبد وهي في ذلك بخلاف المعتقة تحت العبد لان المذهب أنها تخير في إيقاع طلقتين جميع طلاق العبد وهي الرواية المرجوع إليها. وقال محمد: وإن قضت بثلاث وقعت وقد أساءت وهو معنى قوله وقيل كالمعتقة يعني أن لها أن تقضي بالثلاث اه‍. وقال في التوضيح في أثناء كلامه: والشاذ حكاه ابن يونس عن محمد فقال: أو قال ابن المواز: إن فسخت بالثلاث لزمت وقد أساءت. اه‍ والله أعلم. فرع: قال في أواخر الجزء الثاني من الطراز: إن تزوج رجل حرة فأقرت لرجل أنها أمته

________________________________________

[ 131 ]

لم يقبل قولها ولم يفسخ النكاح ولا يوجب إقرارها على ذريتها، لان إقرارها بذلك إقرار على غيرها وقد قال تعالى * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * وإقرارها لا يوجب زوال حريتها ولا استرقاق ذريتها ولا زوال حكم زوجها. حكاه من الاستغناء اه‍. ص: (والوفاء بالتزويج) ش: قال في التلقين: ومن أعتق أمته على أن تتزوجه بعد العتق فلا يلزمها ذلك، وإن شرط أن عتقها صداقها لم يصح ولزمه الصداق. ص: (وصداقها إن بيعت لزوج) ش: يعني لزوجها فإن قبضه السيد رده قاله في المدونة. ص: (وهل ولو بيع سلطان بفلس أو لا ولكن لا يرجع به من الثمن تأويلان) ش: يعني أن ما ذكره من سقوط الصداق إن لم

________________________________________

[ 132 ]

تدفعه يريد والرجوع به إذا دفع اختلف فيه، هل هو مطلق سواء باعها سيدها أو السلطان، أو ما ذكره خاص بما إذا باعها سيدها ؟ وأما بيع السلطان فيخالف ذلك وهذا معنى قوله أولا، ثم بين معنى المخالفة بأنه في بيع السلطان لا يرجع به يعني إذا دفعه لا يرجع به ويحسبه من الثمن لان الثمن تقرر بالعقد والفسخ إنما طرأ بعده يعني ويرجع به على السيد بعد ذلك دينا في ذمته. زاد ابن عرفة بعد نقله هذا التأويل: ولا يحاص به الغرماء لانه يشبه أن يكون طرأ من معاملة أخرى فراجع ابن عرفة وابن عبد السلام والتوضيح. ص: (وبطل في الامة أن جمعها مع حرة فقط) ش: يعني أنه إنما يبطل نكاح الامة فقط لا الحرة وهذا إذا لم تكن الامة أمة الزوجة. قال اللخمي: وإن كانت الامة للزوجة فسد جميع العقد على المشهور من المذهب لانه يصير صفقة جمعت حلالا وحراما لمالك واحد اه‍. وقال الشارح: ويريد يعني المصنف حيث لا يجوز له تزويج الامة. والظاهر في تصويره التي يجوز له نكاح الامة فيها على المشهور أن يتزوج وهو عديم على أن الصداق في ذمته والله أعلم. ص: (بخلاف الخمس والمرأة ومحرمها) ش: تصوره واضح. والفرق بين جمع الحرة والامة وبين جمع الخمس والمرأة ومحرمها أن في مسألة جمع الحرة والامة الحرام معلوم وهو نكاح الامة بخلاف جمع الخمس والمرأة ومحرمها فإن الحرام ليس معلوما في واحدة بعينها، وانظر أبا الحسن الصغير. ص: (ولزوجها العزل إن أذنت وسيدها) ش: تصوره واضح. وأما العزل

________________________________________

[ 133 ]

عن السراري له فجائز من غير إذن. ونقله في التوضيح والشارح في الكبير والبساطي ونقله الجزولي عن ابن العربي. ص: (كالحرة إن أذنت) ش: قال ابن عرفة اللخمي: إن امتنع حملها لصغر أو كبر أو لحمل بها استقلت بإسقاطه واستحسن استقلالها لتمام طهرها إن أصابها مرة وأنزل اه‍. فرع: منه أيضا ابن عات: عن المشاور للحرة أخذ عوض عنه لاجل معين ولها الرجوع متى شاءت برد ما أخذت ابن عبد السلام: وأشار بعض الاندلسيين إلى أن حق الحرة في ذلك كحقها في القسمة فقال: وللمرأة أن تأخذ من زوجها مالا على أن يعزل عنها إلى أجل معروف، ولها أن ترجع في ذلك متى أحبت وترد جميع ما أخذته، وهو عندي ضعيف لانه أجراه أولا مجرى المعاوضات ثم نقض ذلك من وجهين: أحدهما أنه جعل لها الرجوع عنه، والثاني أنها إذا ردت الجميع والقياس كان لها أن ترد بقدر ما منعته من الاجل اه‍. فروع: الاول: ليس للمرأة أن تلزم زوجه العزل عنها والله أعلم. الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة في القسم بين الزوجات: وأما التسبب في إسقاط الماء قبل أربعين يوما من الوطئ فقال اللخمي جائز. وقال ابن العربي في القبس: لا يجوز باتفاق. وحكى عياض في الاكمال قولين في ذلك للعلماء وظاهره أنهما خارج المذهب انتهى. وقال البرزلي في مسائل الرضاع: وأما جعل ما يقطع الماء أو يسد الرحم فنص ابن العربي أنه لا يجوز، وإما استخراج ما حصل من الماء في الرحم فمذهب الجمهور المنع مطلقا، وأحفظ

________________________________________

[ 134 ]

للخمي أنه يجوز قبل الاربعين ما دام نطفة، كماله العزل ابتداء والاول أظهر إذ زعم بعضهم أنه الموؤدة. انتهى كلام البرزلي. الثالث: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونهى عن خصاء الخيل ولا يجوز للانسان أن يشرب من الادوية ما يقلل نسله. ص: (بكره) ش: قال في التوضيح عن عبد الحميد: إنما كره ذلك لانه سكون إلى الكوافر ومودة لهن لقوله تعالى في الزوجين * (وجعل بينكم مودة ورحمة) * وذلك ممنوع لقوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * إلى آخر الآية. ص: (وتأكد بدار الحرب) ش: قال ابن عرفة عن عياض: أشد ما علل به فيهما سكناه معها بدار الحرب حيث يجري حكمهم عليه وهو بإجماع جرحة ثابتة. قلت: فيخرج كراهة تزويجها للاسير ومن لا يمكن الخروج من دار الحرب انتهى. ص: (ولو يهودية تنصرت) ش: ذكر اللخمي في تبصرته هذه الصورة التي ذكرها المصنف، وذكر ما إذا ارتدت اليهودية إلى المجوسية أنها لا تحل، وبقي ما إذا ارتدت المجوسية إلى اليهودية فلم أر من نقله والظاهر أن حكمها حكم اليهودية والله أعلم. ص: (وأمتهم بالملك) ش: يعني لا بغيره لا لحر ولا لعبد قاله في النكاح الثالث من المدونة. وقال: ولا يزوجها بها لغلامه. ونقله ابن عرفة وهو منصوب عطفا على المستثنى. فرع: فلو أسلم وتحته أمة فقال ابن عرفة: ففي وجوب الفسخ ثالثها يستحب لمعروف قول ابن القاسم مع أشهب مرة، ومعروف قول أشهب وابن القاسم انتهى. ووجوب الفسخ هو المشهور قاله ابن فرحون. وأما المجوسية فلا يجوز له الاستمتاع منها بقبلة ولا غيرها بملك أو نكاح حرة أو أمة قاله في المدونة. وحكى ابن القصار قولا بجواز نكاح الحرة. قال في التوضيح: بناء على أحد القولين أن لهم كتابا. فرع: قال ابن عرفة في فصل التنازع: ولو قال تزوجتها بعد أن أسلمت وكانت مجوسية وقالت قبل أن أسلم فالقول قوله. وقال ابن عبد الحكم: القول قولها. ابن عرفة: وعليهما لو قال بعد أن عتقت وقالت قبله انتهى.

________________________________________

[ 135 ]

فائدة: قال الجزولي: قال بعض المؤرخين: كان للمجوس كتاب رفع وسبب رفعه أن عظيمهم تزوج بابنته فأرادوا رجمه فتحصن بحصنه، وقال لهم: نعم الدين دين آدم الذي يزوج الاخ على أخته فرفع الكتاب عقوبة لهم. ص: (وقرر عليها إن أسلم) ش: يعني على الكتابية. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: ولكن مع الكراهة في الاستدامة كما يكره للمسلم نكاح الكتابية ابتداء. هكذا نبه عليه بعضهم وقبله ابن عبد السلام، ورده شيخنا أبو مهدي بأنهما ليسا بسواء لسبقية النكاح في الكافر بخلاف المسلم انتهى. وقال ابن عرفة عن المدونة: ويقرر على الكتابية إذا أسلم ولو كانت بدار الحرب أو كانت صغيرة زوجها منه أبوها ولا خيار لها إن بلغت. ابن القاسم: ويكره وطؤه إياها بدار الحرب لكراهة مالك نكاحه بدار الحرب خوفا أن يكون الولد على دين الام انتهى. ص: (وأنكحتهم فاسدة) ش: اجتمعت الشروط أم لم تجتمع وما قاله هو المشهور وقيل صحيحة. قال ابن عرفة: وعليهما خلاف شيوخ شيوخنا في جواز شهادة الشهود المنتصبين للشهادة بين الناس لليهود في أنكحتهم بولي ومهر شرعي ومنعه وألف كل واحد منهما على صاحبه، والصواب ما رجحه ابن عبد السلام من المنع ويأتي للشيخ ما يرجح الجواز انتهى. ص: (وعلى الامة والمجوسية إن عتقت وأسلمت) ش: سواء كان قبل الدخول أو بعده كما صرح به ابن يونس، ونقله أبو الحسن وغيره، ونقله ابن الحاجب عن ابن القاسم، ونقل ابن عرفة قولا بأنه يلزمه فراقها مطلقا وقوله إن عتقت هذا خاص بالامة، وقوله وأسلمت عام في الامة والمجوسية. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وأما غيرها أي وأما غير الكتابية الحرة فيدخل في هذه الغيرية المجوسية، حرة كانت أو

________________________________________

[ 136 ]

أمة والكتابية الامة، فقال ابن القاسم: إن أسلمت - يعني المجوسية - أو عتقت الكتابية - يعني بعد إسلام زوجها - ثبت يعني نكاحها - وسواء كان قبل البناء أو بعده انتهى. وإذا كانت الامة المجوسية إذا أسلمت ثبت عليها فأحرى الامة الكتابية والله أعلم. وقال ابن عرفة الشيخ عن الموازية عن ابن القاسم: إن أسلم حر أو عبد على أمة نصرانية عرض عليها الاسلام إن أسلمت أو عتقت ثبت نكاحها وإلا فسخ بغير طلاق انتهى. وقول المصنف والمجوسية أعم من أن تكون أمة أو حرة. فأما في الحرة فظاهر، وأما في الامة فهو بمنزلة ما تقدم عن ابن عرفة في الامة النصرانية إذا أسلمت يثبت نكاحها لان كلا منهما أمة مسلمة. وهذا إذا كان موصوفا بالشرطين. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وإذا أسلم الحربي الكتابي لم تزل عصمته قدم أو بقي إلا إذا سبيت ولم تسلم لانه أمة كافرة. قال في التوضيح: وأما لو أسلمت بقيت في عصمته. وكذا نص عليه في المدونة واعترض إطلاقه لبقاء العصمة مع احتمال أن يكون واجدا للطول أو لا يخشى العنت، وأجيب بأن مراده التقييد والمسألة في أواخر النكاح الثالث والله أعلم. ص: (ولا نفقة) ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: إذا طلقت ثم أسلمت فلا نفقة لها مدة التخلف لان الامتناع منها. وظاهر قول ابن الحاجب من سبق إسلامه سقط عنه نفقة ما بينهما أنه ولو كان ما بينهما غفلة عن وقفها خلاف ظاهر المذهب حيث يحكم ببقائها، وخلاف مفهوم قول ابن شاس انتهى. ص: (أو أسلمت ثم أسلم في عدتها) ش: قال ابن عرفة: وسمع أصبغ ابن القاسم: أن إسلامه رجعة دون إحداث رجعة الشيخ والصقلي عن المختصر واللخمي عن الموازية: لو خافت نصرانية أسلمت إسلام زوجها فأعطته مالا على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على أن لا رجعة له عليها فهو أحق بها إن أسلم ويرد ما أعطته. زاد الشيخ عن المختصر: ولو كان شرط أبوها عليه إن أسلم فأمرها بيدها أو بيده فهو ساقط انتهى. ص: (ولو طلقها) ش: قال ابن عبد السلام: إذا أسلمت وقعدت في زمن الاستبراء منه فطلقها فلا عبرة بذلك الطلاق حتى لو أسلم في زمن الاستبراء كان أحق، ولو أسلم بعد انقضاء العدة فتزوجها كانت عليه ابتداء عصمة. نص على الوجهين في المدونة

________________________________________

[ 137 ]

انتهى. ص: (ولا نفقة) ش: وأما السكنى فهي لها بلا خلاف وإن كانت حاملا فلها النفقة والسكنى أيضا بلا خلاف. قاله ابن عبد السلام. قال ابن عرفة: ونقل ابن بشير الخلاف في السكنى لا أعرفه انتهى. وسبقه إليه ابن عبد السلام. قال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب إذا سبق سقطت عنه نفقة ما بينهما وإذا سبقت فقولان، يوهم أن القول بثبوتها مشروط بإسلامه وليس كذلك انتهى. وسبقه إليه ابن عبد السلام أيضا والله أعلم. ص: (وقبل البناء بانت) ش: قال ابن عبد السلام: المشهور أنها تبين ولو أسلمت بعده مكانها. وقاله في التوضيح أيضا والله أعلم. ص: (وقبل انقضاء العدة) ش: أما بعد انقضائها فلا ولو لم يبن بها. قاله في المدونة ونقله ابن عرفة. وقال عن المدونة: ولو أسلم في العدة فارقها وعليها ثلاث حيض إن مسها. ابن عرفة: وكذا لو أسلمت دونه ووطؤه إياها في عدتها في كفره لغو وبعد إسلامها يحرمها ابن عرفة: وكذا بعد إسلامها. ص: (وتماديا له) ش: الظاهر أن المراد أنهما إذا أسلما قبل انقضاء الاجل فإنه يفسخ بشرط أن يكون مرادهما التمادي إلى الاجل، وأما إن أرادا بعد الاسلام يتماديا على النكاح على الاطلاق فيصح، وهو الذي يؤخد من كلام التوضيح هنا في شرح قولها وصداقها الفاسد كالخمر والاسقاط وهو خلاف ما فهمه البساطي فانظره والله أعلم. ص: (لا ردته فبائنة) ش: يعني لان ردة أحد الزوجين بطلقة بائنة. قال الجزولي ويوسف بن

________________________________________

[ 138 ]

عمر في شرح قول الرسالة: وإذا ارتد أحد الزوجين وكذلك إذا ارتدا معا عند مالك وقال أبو حنيفة: لا يفسخ. اه‍ من الجزولي. وقال أبو محمد فيمن قال لزوجة ارتدت وهي تنكر أنه يلزمه الطلاق: وكذلك من تزوج كتابية فقالت أسلمت وهي تنكر لا بد أقر أنها أسلمت ثم ارتدت فكأنه أقر بالطلاق ومن أقر بالطلاق يلزمه اه‍. فرع: قال في النكاح الثالث: والردة تزيل الاحصان. قال المشذالي في حاشيته على هذا المحل: قال ابن عرفة: لو ارتد قاصدا الازالة الاحصان ثم أسلم فزنا فإنه يرجم معاملة له بنقيض ما قصده. قلت: كرواية علي في التي ترتد قاصدة فسخ النكاح. ونقلها ابن يونس وابن رشد في سماع يحيى من المرتدين وغير واحد، وتوقف ابن زرب فيها ليس خلافا لرواية علي ولا أنه لم يطلع عليها بل لما ذكره في جوابه اه‍. وقال في الشامل في باب الردة: ولو قصدت بردتها فسخ نكاحها لم ينفسخ انتهى. وذكر الشيخ سعد الدين في شرح العقائد أن من أفتى امرأة بالكفر لتبين من زوجها فإن ذلك كفر. قاله في أواخر شرح العقائد وهو الظاهر، لانه قد أمر بالكفر ورضي به.

________________________________________

[ 139 ]

تنبيه: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه وسلم المغر في إقامة بعض المتأخرين منها أن من ارتد في مرضه وعلم أنه قصد الفرار بماله من الورثة أنهم يرثونه ويعاقب بنقيض مقصوده اه‍. فرع: قال ابن الحاجب: ولها المسمى بالدخول. قال في التوضيح: وقول ابن الحاجب ولها المسمى في الدخول ظاهره ولو ارتد قبل الدخول بها سقط صداقها، وكذلك لو ارتد زوجها. ويتخرج فيها رواية أخرى أن لها نصف الصداق. وقال اللخمي: إن ارتد الزوج فلها نصف الصداق على القول أنه طلاق، ويختلف على القول أنه فسخ فقال مالك في المبسوط: لها نصف الصداق. وقال عبد الملك: لا شئ لها. والقول الاول أحسن اه‍. وقال ابن التلمساني في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم ونقله عن التوضيح: وأما الصداق فإن ارتدت الزوجة قبل البناء فلا شئ لها لان منع تسليم المبيع وما تستحق عليه العوض منها، وسواء قلنا إنه فسخ أو طلاق، وإن ارتد الزوج كان لها نصف الصداق على القول أنه طلاق، ويختلف على القول إنه فسخ، فقال مالك في المبسوط: لها نصف الصداق. وقال عبد الملك: لا شئ لها اه‍. وقبله القرافي ونقله بلفظ أنها منعت التسليم كمنع تسليم المبيع وهو نص كلام اللخمي بالحرف في تبصرته في النكاح الثاني لما تكلم على تنصيف الصداق على أنه زاد فيه بعد قوله وقال عبد الملك لا شئ لها ما نصه: وأنكر قول مالك وقال إنما يكون الصداق حيث وقع الطلاق والاول أحسن اه‍. وقال الشيخ أبو الحسن: عرف في بعض تأليف ابن شعبان في ارتداد المرأة قبل البناء قولين في وجوب نصف الصداق لها. فقيل: لا يجب لها. وقال عبد الملك: لها نصف الصداق اه‍. وما اقتصر عليه ابن الجلاب واللخمي وقبله ابن التلمساني والقرافي هو ظاهر أن لا شئ لها، سواء قلنا إنه طلاق أو فسخ فتأمله والله أعلم. ص: (وإن أواخر) ش: كذا في كثير من النسخ وهي أحسن من نسخة أوائل لانها أصرح في الرد على المخالف القائل بأنه يتعين الاوائل فتأمله. ص: (أو

________________________________________

[ 140 ]

ظهر أنهن أخوات) ش: انظر بحث ابن عبد السلام وبحث ابن عرفة معه فإنه حسن والله أعلم. ص: (كاختياره واحدة من أربع رضيعات تزوجهن وأرضعتهن امرأة) ش: قال الشارح: يعني إن حكم من تزوج أربع رضيعات وأرضعتهن امرأة ثم أسلم حكم من تزوج عشر نسوة ثم أسلم الخ. وليس هذا الذي حمل عليه هو مراد المصنف لان هذا معلوم من قول المصنف أو إحدى أختين مطلقا. وإنما مراد المصنف أن المسلم إذا تزوج أربع رضيعات يريد أو ثلاثا أو اثنين فأرضعتهن امرأة فإنه يختار واحدة ويفارق الباقي منهن، ولا شئ لمن فارقها عند ابن القاسم لانه مغلوب على الفراق. قاله في المدونة. ص: (وعليه أربع صدقات) ش: يريد غير معينة بل يعطي لكل واحدة خمسا صداقها كما يفهم من كلامه في التوضيح وكلام ابن عرفة وغيرهم. وهذا إذا لم يدخل

________________________________________

[ 141 ]

بهن، فإن دخل بهن لزمه لكل واحدة صداقها، وإن دخل ببعض وعلمت المدخول بها فلها صداقها كاملا. ص: (وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإن أذن الوارث أو إن لم يحتج خلاف) ش: يعني إن اختلف في نكاح المريض على قولين مشهورين: أحدهما أنه يمنع سواء كان المريض محتاجا إلى النكاح لخدمة أو استمتاع، أو ليس بمحتاج، وهذا القول جعله اللخمي هو المشهور. والثاني أنه إنما يمتنع إذا لم يحتج المريض إلى النكاح، وهذا الذي شهره في الجواهر. وأشار المصنف إلى القول الاول بقوله: وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإلى الثاني بقوله: أو إن لم يحتج وأما قوله: وإن أذن الوارث فأشار به إلى إذن الورثة في نكاح المريض إذا كان ممنوعا لا يدفع المنع والله أعلم. فإن قيل: منع المريض من النكاح لنهيه عليه الصلاة والسلام من إدخال وارث، فلم لا يمنع الوطئ خوف إدخال الوارث ؟ قيل: إدخال الوارث في النكاح متحقق وقد يكون من الوطئ حمل ولا يكون. قاله القرافي وكلام الشارح في شرح هذا المحل صواب وكلام البساطي فيه نظر والله أعلم. فرع: وللمريض أن يراجع زوجته - وقاله الجزولي - وليس للمريض نكاح مطلقته البائن في آخر حملها. قاله في النوادر وهو ظاهر لانه نكاح في المرض. فرع: قال اللخمي في نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر على الاختلاف في

________________________________________

[ 142 ]

طلاقه وميراث زوجته منه بمنزلة المريض، فإن مات من ذلك لم ترثه على أحد القولين، وإن سلم صح النكاح ونكاح من قرب للقتل غير جائز لانه مضار. ويختلف إذا نكح وهو في السجن هل يمضى نكاحه أو لا ؟ فإن كان القتل حقا لله كالمحارب. يكون قد قتل والزاني المحصن يحبس ليرجم لم أر له أن ترثه، وإن كان حقا لآدمي مما يرجى العفو عنه كان الامر أوسع. ص: (وللمريضة بالدخول المسمى وعلى المريض من ثلثه الاقل منه ومن صداق المثل) ش: اعلم أنه إذا لم يدخل المريض على زوجته أو الزوج الصحيح على المريضة فلا صداق لها وقاله ابن الحاجب وغيره. وإن دخل الصحيح على المريضة فلها المسمى. اللخمي: من رأس ماله. قال في التوضيح: بلا خلاف. وهذا معنى قوله: وللمريضة بالدخول المسمى. وإن كان المريض هو الداخل على زوجته الصحيحة فلها من الثلث خاص الاقل من المسمى ومن الصداق المثل وإلى هذا أشار بقوله: وعلى المريض الخ. وسيذكر في باب الوصايا ما يبدأ عليه وما يبدأ هو عليه. والظاهر أنه إن كان الزوج مريضا والزوجة مريضة يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا كان الزوج فقط هو المريض. لانه علل في التوضيح كون المسمى لها فيما إذا كانت هي المريضة فقط بأن الزوج صحيح لا حرج عليه والله أعلم. فرع: وأما إذا غصب المريض امرأة فصداقها من رأس المال قولا واحدا، لانها لم تدخل على الحجر بخلاف المختارة. قاله في الذخيرة ناقلا عن صاحب البيان. فرع: وأما الارث فإن كان الزوج هو المريض فلا ترثه الزوجة المتزوج بها في المرض ولا يرثها، وكذلك إذا كانت الزوجة هي المريضة وماتت فلا يرثها. وهذان الوجهان منصوص

________________________________________

[ 143 ]

عليهما ونقله ابن عبد السلام والتوضيح. فلو مات الزوج في هذه الصورة قال ابن عبد السلام: القياس أن لا ترثه، ونص مالك على عكسها وهي شبيهة بها في المعنى ونقله في التوضيح، والظاهر أنها لا ترثه ولا يرثها إذا كانا معا مريضين والله أعلم. فرع: قال اللخمي: الاقرار بالنكاح في المرض أو في الصحة لا يجوز ولا مهر ولا ميراث، وإن أقرت في مرضها بزوج في الصحة فصدقها الولي لم يقبل قولها، وإن أقرت في الصحة ثم مرضت وماتت وقال الولي زوجتها منه في صحتها وادعى ذلك الزوج فله الميراث وعليه الصداق. انتهى من الذخيرة. فرع: قال ابن عرفة: لو شهدت بينة بنكاحه صحيحا وشهدت بينة به مريضا مرض المنع، ففي تقديم بينة المرض أو الصحة ثالثها ترجع التي هي أعدل، وانظر عزوها فيه والله أعلم. فرع: حكم نكاح التفويض حكم نكاح غيره. قاله في الذخيرة. ص: (وعجل بالفسخ) ش: أتى بهذه العبارة هنا وفي التوضيح وفيها قلق، وعبارة أهل المذهب أنه على القول بصحة النكاح إذا صح هل يفسخ النكاح مطلقا أو قبل الدخول أو الفسخ على جهة الاستحباب والله أعلم. ص: (إلا أن يصح المريض منهما) ش: قال في المدونة: وإن صح ثبتا على النكاح دخل أو لم يدخل ولها المسمى انتهى.

________________________________________

[ 144 ]

فصل في الخيار لاحد الزوجين ص: (الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض أو لم يتلذذ) ش: أي يثبت الخيار لكل واحد من الزوجين لعيب صاحبه ولو كان به ذلك العيب أو غيره كما صرح به الرجراجي قال: وإن كانت العيوب بهما جميعا فاطلع كل واحد على عيب صاحبه كان من جنس عيب صاحبه أو مخالفا له كان لكل واحد منهما القيام بما اطلع عليه ويظهر به انتهى. وانظر قوله: ويظهر به لعله يطلق به. وقال في التوضيح: وإن كان معيبين بجنسين فقال بعض أهل النظر: لكل واحد منهما الخيار. عبد الحميد وغيره: وهو الصواب. وإن كانا بجنس واحد ففيه نظر قاله غير واحد انتهى. وعليه اقتصر في الشامل والله أعلم. وإنما يكون للصحيح منهما الخيار إن لم يسبق له العلم بعيب صاحبه قبل عقده أو حينه. قاله في الشامل وإن سبق فلا خيار له لدخوله على ذلك وإن عقد ولم يسبق العلم ثم علم فله الخيار ما لم يكن صاحبه من نفسه أو ما لم يرض بصريح القول وإن عقد أو ما لم يتلذذ بصاحبه. وفي بعض النسخ بإسقاط لم اكتفاء بالعطف. وعلم من حل النكاح أن التلذذ لا يسقط الخيار إلا بعد العلم وهو كذلك. قاله في النوادر: وإن بنى قبل أن يعلم فلما أمسك فهو مخير انتهى. وسيقول المصنف ومع الرد قبل البناء الخ. وهذا ظاهر وإنما نبهنا عليه لانه قد يتبادر من عبارة المصنف: ومع الرد قبل البناء أن أحد الامور كاف في إسقاط الخيار وليس كذلك لما علمت وكأنه حاول أن يحاذي كلام ابن الحاجب فلم توف العبارة بما قصد. قال ابن الحاجب: فالعيب الجنون والجذام والبرص وداء الفرج ما لم يرض بقول أو تلذذ أو تمكين أو سبق علم بالعيب. قال ابن عبد السلام: وفي كلام المصنف إشارة إلى حصر دلائل الرضا فيما ذكر لان السليم من الزوجين إما أن يكون عالما بالعيب قبل العقد أم لا. فالاول هو مراده بقوله: أو سبق علم بالعيب. والثاني وهو الذي علم إلا بعد العقد إما أن يعلم رضاه بقول أو فعل أو لا قول ولا فعل وهو الترك

________________________________________

[ 145 ]

والقول ظاهر، والفعل لا بد أن يكون بينه وبين الرضا به ارتباط وهو التلذذ، والترك يستحيل أن يكون تركا مطلقا لان مثل هذا لا دلالة فيه على شئ فلا بد أن يكون تركا مضافا وهو التمكين من التلذذ انتهى. وقال ابن عرفة: وعيب أحد الزوجين جاهلا به الآخر ولا يرضى به يوجب خياره، والتصريح بالرضا واضح ودليله مثله. أبو عمر: تلذذه بها عالما به رضا وفيها تمكينها إياه عالمة بعيبه رضا. قلت: وتقدم دليل اختيار من أسلم على عشر يدل عليه وفي الطلاق والايلاء نظر، ودليل اختيار الامة مما يتأتى منه في الزوجة رضا من انتهى. ص: (وحلف على نفيه) ش: أي فإذا ادعى صاحب العيب على السليم أنه علم بالعيب قبل العقد أو رضي به بعد العقد بقول أو تلذذ به بعد علمه بالعيب ولم تكن له بينة على دعواه، حلف السليم على نفيه أي نفي ما ادعى عليه به. قال في النوادر: فإن ادعت أنه مسها أو تلذذ منها بعد العلم فأنكر حلف وصدق، فإن نكل حلفت وصدقت وإن لم تدع عليه بذلك فلا يمين عليه انتهى. وفي الشامل: وحلف على نفيه إن ادعى عليه العلم والرضا ونحوه ولا بينة له انتهى. قال ابن عرفة: لو تنازعا في برص بموضع خفي على الرجل صدق مع يمينه. المتيطي عن بعض الموثقين: إن قالت علم عيبي حين البناء وأكذبها وذلك بعد البناء بشهر ونحوه صدقت مع يمينها إلا أن يكون العيب خفيا كبرص بباطن جسدها ونحوه فيصدق مع يمينه. وهذا ما لم يخل بعد علمه عيبها فإن فعل سقط قيامه، وإن نكل حيث يصدق حلفت وسقط خياره انتهى، وانظر لو نكلت " هي أيضا ما الحكم ؟ أو نكلت حين تصدق مع يمينها هل يحلف ويستحق الخيار ؟ وعلى هذا التقدير إذا نكل هو أيضا فإني لم أر في ذلك الآن نصا والله أعلم. ثم شرع يذكر العيوب التي يرد بها بشرط وغير شرط، والتي لا يرد بها إلا بشرط. والاولى هي أربعة فقط على المشهور من المذهب: الجذام والبرص وداء الفرج والجنون. وذكر اللخمي العذيطة وكأنها محلقة بداء الفرج. وهذه العيوب إما أن تكون قديمة أو حادثة بعد العقد ولكل حكم يخصه. ولما كانت الثلاثة الاول أعني البرص والجذام وداء الفرج - حكمها واحد في كونها لا توجب الرد لكل واحد من الزوجين إلا إذا كان قديما بخلاف الجنون فإنه يوجبه وإن حدث بعد العقد وقبل الدخول على

________________________________________

[ 146 ]

ما قاله المصنف، جمعها وبين حكم القديم منها والحادث، ولما كان الجذام والبرص لا يختلف تفسيرهما بالنسبة إلى الرجل والمرأة، وداء الفرج يختلف تفسيره بالنسبة إلى كل واحد منهما، أطلق فيهما وفصل الثالث وجمع العذيطة معهما لكونها بمنزلتهما فقال. ص: (ببرص وعذيطة وجذام) ش: فمعنى كلامه الخيار المذكور لاحد الزوجين ثابت ببرص وهو مرض يلحق الانسان من ضعف الصورة وهو البياض، وظاهر كلامه أنه يرد به سواء كان قليلا أو كثيرا، كان في الرجل أو المرأة، وهو كذلك على المشهور، وهذا كله من قبل العقد كما سيقول المصنف. وعذيطة وهو حصول الحدث من أحد الزوجين عند الجماع ويقال للرجل عذيوط. قال ابن عرفة: هذه الكلمة كذا وجدتها بالعين المهملة ثم الذال المعجمة ثم الياء باثنتين من أسفل ثم الواو ساكنة ثم الطاء المهملة ثم تاء التأنيث كل ذلك بصورة الحروف. وكذا رأيتها في قانون ابن سينا في الطب. وقال الجواليقي: تقول العامة العذروط لمن يحدث عند الجماع وإنما هو العذبوط بكسر العين وفتح الباء بواحدة من تحتها والواو والذال ساكنان، والعذروط الذي تقوله العامة هو الذي يخدمك بطعامه وجمعه عذاريط وعذارطة. قلت: الكلمة الذي صوب كذلك في المحكم والصحاح لفظا ومعنى، والتي تعقب لم أجدها في المحكم ولا في الصحاح إلا قول صاحب المحكم: العذارطي الفرج الرخو، والعذروط الخادم بطعام بطنه. وأما بالياء من اثنتين من أسفل فلم أجدها في كتب اللغة بحال انتهى. وظاهر كلام التوضيح أنها في الصحاح بالياء المثناة من تحت فإنه قال بعد أن ذكر ضبط الجواليقي: وذكره ابن فارس في محكمه وصاحب الصحاح بالياء. الجوهري: ويقال للمرأة عذيوطة انتهى. وهو كذلك في نسخة صحيحة من الصحاح بالياء المثناة من تحت، وكذا في نسخه من القاموس. وظاهر كلامهم أيضا أن الياء مفتوحة. وزاد في القاموس من ضبطين

________________________________________

[ 147 ]

آخرين على وزن عصفور وعتور قال: وهو التيتاء قال ونصه: العذوط والعذيوظ والعذيوط كحردون وعصفور وعتور التيتاء. قاله في فصل العين من حرف الطاء. وقال في فصل التاء من التاء: التيتاء والتئتاء من يحدث عند الجماع أو ينزل قبل الايلاج انتهى. وأنشد في الصحاح عن امرأة: إني بليت بعذيوط له بخر * يكاد يقتل من ناجاه إن كثرا * قال اللخمي: وقد نزل في زمن أحمد بن نصر من أصحاب سحنون وادعاه كل واحد من الزوجين على صاحبه فقال أحمد: يطعم أحدهما تينا والآخر فقوسا فيعلم ممن هو منهما انتهى. وانظر ما المراد بقولهم يحدث، هل ذلك خاص بالغائط أو يجري في البول والريح ؟ والظاهر أنه خاص به لذكرهم مسألة أحمد بن نصر. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ولا يكون كثرة البول عيبا إلا بشرط انتهى. وقال الجزولي: واختلف إذا وجدها تبول في الفرش هل هو عيب أم لا قولان، وإن وجدها زعراء قيل عيب ترد به، وقيل ليس بعيب انتهى. والزعر قلة الشعر. ص: (وبخصائه) ش: بالمد قاله في الصحاح وهو المقطوع الخصيتين دون الذكر أو العكس. ابن عرفة اللخمي: قطع الحشفة كقطع الذكر. انتهى ونحوه في التوضيح. فرع: قال في الشامل: والاقرب إنها لا خيار لها إن كان خنثى محكوما له بالرجولية

________________________________________

[ 148 ]

انتهى. ونقله في التوضيح عن الشيخ عبد الحميد. واحترز بقوله: محكوما لبالرجولية ممن حكم له بالانوثة فلا نكاح له، ومن الخنثى المشكل فإنه لا يصح نكاحه. ص: (وإفضائها) ش: فسره ابن الحاجب وابن عرفة في الديات باختلاط مسلكي البول والوطئ، وبه فسره ابن عمر والجزولي، وفسره البساطي هنا باختلاط مسلكي البول والدبر وانظر أبا الحسن. ص: (لا بكاعتراض) ش: قال ابن غازي: يريد بعد أن يطأ لو مرة كما في المدونة. فرع: قال في النوادر: فلو وطئها ثم اعترض عنها فلا حجة لها، فإن طلقها ثم تزوجها فرافعته فليضرب لها لاجل إلا أن يعلمها في النكاح الثاني أنه لا يقدر على جماعها انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع يحيى بن القاسم: امرأة المعترض إن تزوجها بعد فراقها إياه بعد تأجيله فقامت بوقفه لاعتراضه فلها ذلك إن قامت في ابتنائه الثاني قدر عذرها في اختيارها له، وقطع رجائها إن بان عذرها بأن يكون يطأ غيرها وإنما اعترض عنها فتقول رجوت برأه انتهى. فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر: جاء فيما يعالج به المعترض أن تأخذ سبعة أوراق من السدرة وتستحقها وتمزجها بالماء الفاتر وتقرأ عليها فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع

________________________________________

[ 149 ]

مرات وذوات قل من قل هو الله أحد وغيرها فيشربه ثلاثا فيبرأ بإذن الله تعالى انتهى. وانظر البرزلي في كتاب الجامع من نوازله فإنه ذكر شيئا مما يتعلق بذلك والله أعلم. تنبيه: قال ابن غازي: ومما يدخل تحت الكاف في كلام المصنف الكبر المانع من الوطئ وقد صرح به ابن عبد البر انتهى. وقال في الوسط: قوله: لا بكاعتراض أي فإنه إذا حدث لا يكون موجبا لخيار المرأة، وكذلك الجب والخصاء ولهذا أتى بكاف التشبيه والله أعلم. واعلم أنه لا يسقط خيارها في الجب والخصاء أيضا إلا بعد الدخول والمس على المشهور. قال في سماع محمد بن خالد من كتاب النكاح قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخصى قبل أن يدخل على امرأته، هل لها الخيار في نفسها ؟ فقال: نعم لها ذلك. قلت لابن القاسم: فإن حصل بعد ما دخل ومس فقال: لا خيار لها. قال ابن رشد: وهذا هو المشهور في المذه‍. وذهب أصبغ إلى أنه لا فرق بين أن يخصى قبل أن يمس أو بعدما مس لانها بلية نزلت بها وليس ذلك من قبله ليضر امرأته. وقوله: هو القياس ووجه القول الاول أن المرأة إنما تزوجت على الوطئ فإن نزل به ما يمنعه من الوطئ قبل أن يطأ كان لها الخيار إذا لم يتم لها ما نكحت عليه، وإن نزل به ذلك بعد الوط لم يفرق بينهما إذ قد نالت منه ما نكحت عليه، ولا حجة لها في امتناع المعاودة إن لم يكن ذلك من قبل إرادة ضرر وبالله التوفيق انتهى. ص: (وبجنونهما) ش: يعني قبل العقد ص: (قبل الدخول وبعده) ش: يعني قبل الدخول وبعد العقد، وكلام ابن غازي كاف في ذلك والله أعلم. ص: (وبغيرها إن شرط السلامة ولو بوصف الولي) ش: يريد أن

________________________________________

[ 150 ]

العقد إذا وقع بشرط السلامة يرد متى وجد عيبا. اللخمي: قولا واحدا. وإن عرا عن الشرط فلا رد إلا بالعيوب المتقدمة. قاله ابن عبد السلام: وقال ابن عرفة عن ابن رشد: الشرط في النكاح هو أن يتزوجها على صفة كذا أو على أن لها كذا له الرد بفوت الشرط اتفاقا انتهى. فرع: وإن وجدها سوداء أو عرجاء أو عمياء وادعى أنه تزوجها على السلامة فالقول قول المرأة. قاله ابن الهندي انتهى من التوضيح. فرع: منه أيضا ولو قال غير الولي الذي زوجها منه أنا أضمن لك أنها ليست سوداء ولا عرجاء ولا عوراء ودخل بها ووجدها بخلاف ما ضمن لكان له الرجوع بما زاد على صداق مثلها وليا كان أو غيره. وقوله: ولو بوصف الولي هو قول عيسى وابن وهب قالا: إذا وصفها الولي عند الخطبة بالبياض وصحة العينين من غير سبب وهو عوراء سوداء، فهو بالخيار قبل الدخول إن شاء تقدم على أن عليه جميع الصداق، وإن شاء فارق ولم يكن عليه شئ، وإن لم يعلم حتى دخل ردت إلى صداق مثلها ورجع بالزائد عليها. هذا إذا كان وصف الولي من غير سبب، فأما إن قال الخاطب للمخطوب منه قد قيل: إن وليتك سوداء أو عوراء فقال له الولي كذب من قال بل هي بيضاء، فلا اختلاف أن ذلك شرط. هذه طريقة ابن رشد قال: وكذلك الذي زوج وليته على أن لها من المال كذا فيفرق بين أن يسمي ذلك ابتداء أولا. قاله عنه في التوضيح ص: (وفي الرد إن شرط الصحة تردد) ش: التردد بي المتأخرين لعدم نص المتقدمين وهو بين ابن أبي زيد والباجي. وصورة ذلك إذا كتب في العقد صحيحة البدن فهل هو كالشرط وهو الذي قاله الباجي في وثائقه، أو ليس بشرط وهو رأي ابن أبي زيد ؟ يريد وأما لو قال سليمة البدن لكان شرطا عن أبي محمد أيضا قال: وبه كان يفتي علماؤنا ونفتي نحن.

________________________________________

[ 151 ]

قاله في التوضيح. وهذه السلامة غير السلامة التي في قول المصنف إن شرط السلامة لان لفظ سليمة قد يكون مطلقا كما في هذا الاخير، وقد يكون مقيدا بالسلامة كمن كذا مثلا من السواد والعمي أو غير ذلك وهو الاول في كلام المصنف فتأمله والله أعلم. ص: (إلا أن يقول عذراء) ش:. فرع: قال ابن عرفة ابن رشد: لو وصفها وليها حين الخطبة بأنها عذراء دون شرط لجرى على الخلاف فيمن وصف وليته بالمال والجمال انتهى. ص: (وفي بكر تردد) ش: وعلى عدم ردها بالثيوبة في هذا. قال ابن عرفة المتيطي وابن فتحون: لو بان أنها ثيب من زوج لكان للزوج الرد انتهى. فرع: قال ابن عرفة: قال غير واحد: ولا حد على من ادعى أنه وجد امرأته ثيبا لان العذرة تذهب بغير جماع. ابن رشد: إن أعاد ذلك عليها في عتاب أو بعد مفارقتها بسنين حلف أنه ما أراد قذفا ولا حد عليه. قاله مالك وابن القاسم في المدونة: ابن الحاج عن ابن فرج: إنه إذا قال وجدتها مفتضة حد، وإن قال لم أجدها بكرا لم يحد انتهى. ونقل في التوضيح بعض شئ من هذا. ص: (وإلا تزويج الحر الامة والحرة العبد) ش: فإن قيل لم لم

________________________________________

[ 152 ]

يقل المؤلف وإلا تزويج الحر الامة وعكسه كما فعله غير مرة وهو الاكتفاء بذكر العكس عن بيان كيفية ذلك العكس ؟ قيل: لان الاصطلاح في العكس أن يجعل الكلمة الاولى ثانية والثانية أولى، فلو اكتفى هنا بلفظ العكس ما أفاد شيئا لانه يصير التقدير وإلا تزويج الحر الامة والامة الحر وكل واحد هو عين الآخر، فلذلك عدل عنه إلى الكلام الذي أتى به والله أعلم. ص: (بخلاف العبد مع الامة والمسلم مع النصرانية إلا أن يغرا) ش: يعني أن العبد إذا تزوج امرأة من غير تبيين ثم ظهر أنها أمة فلا كلام له، وكذلك هي إن تزوجت رجلا من غير تبيين ثم ظهر أنه عبد. قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وابن غازي وغيرهما. وكذلك إن تزوج المسلم امرأة من غير تبيين ثم ظهر أنها نصرانية، أو تزوجت نصرانية رجلا من غير تبيين ثم ظهر أنه مسلم. نص عليه في النوادر. وقوله: إلا أن يغرا يتصور الغرر في هذه الصور الاربعة. فأما العبد مع الامة إذا غرها بأن قال لها أنا حر فتجده عبدا فلها الخيار. قاله الشارح والبساطي: والامة تغر العبد بأ تقول له أنا حرة فيجدها أمة فله الخيار. نقله في النوادر وابن يونس. والنصرانية تغر المسلم بأن يشترط إسلامها أو تظهره ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما كان سمع منها من الكتمان وإظهار الاسلام. اه‍. من ابن يونس. وأما المسلم يغر النصرانية قال ابن يونس: بأن يقول لها أنا على دينك اه‍. وأما الحر مع الامة مع العبد فسكوتهما عن التبيين غرور يثبت الخيار. قاله غير واحد كابن عبد السلام والشيخ وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين والله أعلم. وحكمهما في الصداق حكم الغرور والمغرورة. هذا ظاهر

________________________________________

[ 153 ]

الجواهر والله أعلم. ص: (والظاهر لا نفقة لها فيه) ش: ما قاله ابن غازي من النص أشار الشارح إلى غالبه إلا أن كلام ابن غازي أتم فائدة وفيه التنبيه على ما نظر فيه الشارح بقوله: وانظر هل يجري ذلك في مسألة المعترض وهو مقتضى كلام الشيخ هنا فقال ابن غازي: ولا يصح قياس المعترض على المجنون لان المجنون يعزل هنا المعترض يرسل عليه والله أعلم. ص: (وصداق إن ادعى فيها الوطئ بيمينه) ش: فرع: قال ابن عرفة: ولو سألته اليمين قبل تمام الاجل فإن أبى ثم حل الاجل فقال أصبت فله أن يحلف فإن نكل الآن طلق عليه، ولو قال بعد الطلاق في العدة أنا أحلف لم يقبل منه. ابن عرفة: ظاهره أنه يتعين نكوله عند تمام الاجل يطلق عليه، ومثله للمتيطي عن ابن عمر ورواية ابن حبيب قال: وقال غيره: إن نكل حلفت وفرق بينهما اه‍. والمشهور سواء كانت بكرا أو ثيبا. وقول ابن عرفة ظاهره أنه بنفس نكوله يعني ظاهر قوله فإن نكل الآن طلق عليه والله أعلم. ص: (وإن لم يدعه طلقها) ش: ابن عبد السلام قال بعض الشيوخ: يوقع الزوج منه ما شاء وظاهره أنه يكون له أن يوقع اثنتين أو ثلاثا اه‍. ص: (وإلا فهل يطلق عليه الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم قولان) ش: قال ابن عبد السلام: وفي أحكام ابن سهل اختلاف بين الشيوخ في هذه المسألة وفي معناه من امرأة المولى والمعتقة تحت العبد وغير ذلك هل تكون المرأة وهي الموقعة للطلاق أو السلطان اه‍. وقال في التوضيح في باب المعسر بالنفقة: واختلف هل الحاكم الذي يطلق كما هو ظاهر كلامه يعني ابن الحاجب ابن عبد السلام وهو

________________________________________

[ 154 ]

الصحيح، أو يبيح للمرأة الايقاع ؟ على قولين اه‍. ونقل ابن عرفة عن المتيطي تشهير القول بأن الامام الذي يوقع الطلاق، ونصه المتيطي في كون الطلاق بالعيب للامام يوقعه أو يفوضه إليها قولان للمشهور وابن زيد عن ابن القاسم اه‍. ونقل ابن سهل في باب الطلاق أن ابن عات أفتى أن المرأة هي التي توقع الطلاق ورجحه ابن مالك ورجحه ابن سهل أيضا. وقال ابن فرحون في التبصرة في القسم الثالث من الفصل الاول من الركن السادس في كيفية القضاء. والقسم الاول لا بد فيه من حكم الحاكم وهو ما يحتاج إلى نظر وتحرير وبذل جهد في تحرير سببه وذلك كالطلاق بالاعسار، والطلاق بالاضرار، والطلاق على المولى لانه يفتقر إلى تحقيق الاعسار، وهل هو ممن يلزمه الطلاق بعد النفقة أم لا كما إذا تزوجت فقيرا علمت بفقره فإنها لا تطلق بالاعسار بالنفقة، وكذلك تحقيق صورة الاضرار، وكذلك يمين المولى هل لعذر أو لا كمن حلف أن لا يطأها وهي مرضع خوفا على ولده فينظر فيما ادعاه، فإن كان مقصوده الاضرار طلقت عليه، وإن كان لمصلحة لم تطلق عليه، وكذلك التطليق على الغائب والمعترض ونحوهما. تنبيه: إذا تقرر أن هذه المسائل وما أشبهها لا بد فيها من حكم الحاكم، فهل صدور الطلاق فيها صادر عن الحاكم أو عن الزوجة أو بعضه عن الزوجة وبعضه عن الحاكم ؟ اختلف في هذه المسألة فحكى ابن سهل فيها أن القاضي أبا محمد بن سراج أجاب فيها أن الطلاق للرجل إلا ما وقع فيه تخيير أو تمليك. ثم ذكر أن ابن عات أجاب بخلاف جوابه وأطال الكلام في ذلك ثم قال في كلامه: وجملة القول أن الحق إذا كان للمرأة خالصا فإنفاذ الطلاق إليها مع إباحة الحاكم لها ذلك كما جاء في حديث بريرة، ونسبة الطلاق إلى القاضي لكونه ينفذه ويحكم به كما يقال فرق الحاكم بينهما وكما يقال قطع الامير السارق ورجم وجلد وهو لم يفعل وإنما أمر به، فما جاء من تفريق السلطان فهو من هذا المعنى. اه‍ كلام ابن فرحون، وما أفتى به ابن عات تقدم أن ابن مالك رجحه وكذلك ابن سهل. فرع: قال ابن عبد السلام عن أصبغ: وأرى في الامام إن طلق في الايلاء والنفقة والاضرار والجنون والجذام بأكثر من واحدة لا يلزم منه إلا واحدة. اه‍ ونقله في التوضيح. تنبيه: سيأتي في كلام المصنف في آخر طلاق السنة أنه لا يطلق على من به عيب في الحيض والنفاس حتى تطهر المرأة، وسيأتي في شرحه حكم ما إذا وقع الطلاق فيها والله أعلم.

________________________________________

[ 155 ]

ص: (ولها فراقه بعد الرضا بلا أجل) ش: هذا قول ابن القاسم في العتبية والموازية إلا أنه قال في الموازية: وليس لها أن تفارق دون السلطان. وفي قول العتبية لها أن تطلق نفسها وإن لم ترفع إلى السلطان. قاله في التوضيح. ص: (والصداق بعدها) ش: أما قبل انقضاء الاجل إذا لم يطل مقامه معها فلها نصف الصداق. قاله في المدونة ونقله في التوضيح ص: (وجس على ثوب منكر الجب ونحوه) ش: نحو الجب الخصا والعنة فهذه الثلاث قال ابن عرفة: إذا ثبت أحدها بإقراره لزمه. قلت: إن كان بالغا وإلا فكمنكر دعوى زوجته عليه انتهى. يعني أنه بمنزلة المنكر والجس بظاهر اليد. قاله ابن عرفة: قال ابن عبد السلام: فإن قلت قد نص بعضهم على ما لا يجوز النظر إليه لا يجوز لمسه ولو من فوق الثوب، وهذا يدل على أنهما متساويان في المنع، فإذا دعت الضرورة إلى واحد وجب إلحاق الآخر به للمساواة ويترجح النظر لان حصول العلم للمشهود به أقوى. قلت: هما متساويان في المنع فقط ولا شك أن الادراك بالبصر أقوى مع أن اللمس كان في حصول العلم فوجب الاقتصار عليه. اه‍ باختصار. وقال ابن عرفة: المراد بالجس بظاهر

________________________________________

[ 156 ]

اليد وأصله أقرب للاباحة من النظر. أبو عمر: أجمعوا على مس الرجل فرج حليلته وفي نظره إليه خلاف ما تقدم اه‍. وأما الجذام والبرص في الرجل فقال ابن عرفة في المتيطي: يعرف بالرؤية ما لم يكن في العورة فيصدق الرجل فيهما. وحكى بعض الموثقين عن بعض شيوخه نظر الرجل إليه كالنساء إلى المرأة اه‍. وقال في مختصر المتيطية: أما الجنون فإن ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل مكانه اه‍. ص: (وصدق في الاعتراض) ش: واختلف بعد التصديق هل عليه يمين أو لا. قال ابن عرفة: والاعتراض إن أقر به فواضح، وإن أنكر دعوى زوجته صدق المتيطي عن المدونة بيمين. وكذا نقله ابن محرز واللخمي ونحوه لمحمد عن ابن القاسم ونحوه عن مالك وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب اه‍. ثم نقل خمسة أقوال أخر. تنبيه: قال في المتيطية: ولو نكل قبل الاجل ثم أتى الاجل فادعى أنه أصاب كان له أن يحلف وليس نكوله والحكم عليه قبل الاجل بشئ كذلك راه ابن المواز انتهى. فرع: قال في النوادر قال أصبغ: في امرأة المقعد تدعي أنه لم يمسها وأنها تمكنه من نفسها فيضعف عنها وقال هو تدفعني عن نفسها، فهي مصدقة مع يمينها ولا يعجل بفراقه إلا بعد سنة كالمعترض. ولو جعل الامام بقربه امرأتين وإن سمعتا امتناعا منها أمر بها فربطت وشدت وزجرها وأمرها أن تلين له فذلك عندي حسن انتهى. ص: (كالمرأة في دائها) ش: ابن عرفة: ولو أنكرت دعواه عيبها فما كان ظاهرا كالجذام والبرص يدعيه بوجهها وكفيها أثبت ذلك بالرجال وما بسائر بدنها غير الفرج بالنساء، وما بالفرج في تصديقها وعدم نظر النساء إليه واثباته بنظرهن إليه قولان: الاول لابن القاسم. قال بعض الاندلسيين وهو مذهب مالك وجميع أصحابه إلا سحنون انتهى. ثم قال: وعلى الاول يعني القول بتصديقها قال ابن الهندي وتحلف، وقاله الشيخ أبو إبراهيم ولها رد اليمين على الزوج. قال: ورأيت من مضى يفتي به. انتهى ونقله في التوضيح. ص: (أو وجوده حال العقد) ش: اختصر المؤلف هذه المسألة

________________________________________

[ 157 ]

وملخص ما في البيان فيمن زوج ابنته على أنها صحيحة فجذمت بعد سنة ونحوها فقال الاب تجذمت بعد النكاح وقال الزوج قبله لا يخلو، لانه إما أن يتداعيا بعد البناء أو قبله، فإن كان بعد البناء فعلى الزوج البينة والاب مصدق في ذلك. ابن رشد: ولا بد من يمينه وينبغي كونها على العلم لانه مما يخفى وإن كان ظاهرا الآن لامكان كونه يوم العقد خفيا لانه يزيد إلا أن يشهد أن مثله لا يكون يوم العقد إلا ظاهرا فيحلف على ألبت، فإن نكل الاب حلف الزوج فكان له الرد قبل العلم في الوجهين. وقيل: على نحو ما وجب على الاب، هذا مشهور المذهب. وإن كان التداعي قبل البناء فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى الاب البينة. انتهى ملخصا من كلام ابن عرفة والله أعلم. ص: (أو بكارتها وحلفت) ش: هذا إنما ذكره أهل المذهب على القول أنها ترد بشرط البكارة ولا يبعد أن يجئ مثله فيما إذا شرط أنها عذراء والله أعلم.

________________________________________

[ 158 ]

ص: (وإن أتى بامرأتين) ش: هذا واضح لانه يؤل إلى المال بخلاف ما لو أتت امرأة المعترض بامرأتين تشهدان بأنها بكر لم يقبلا لانه يؤل إلى الفراق. قاله ابن عرفة والمصنف في التوضيح وابن عبد السلام. ص: (وإن علم الاب بثيوبتها بلا وطئ) ش: لا معارضة بين هذا الكلام وبين ما قدمه لان ذلك مع عدم علم الاب وهذا مع علمه، ولهذا قال: وإن علم الاب والله أعلم. وقوله بلا وطئ فالوطئ أحرى وأحرى إن كان بزواج. ويبقى ملخص المسألة أنه إن شرط الزوج أنها عذراء فله الرد إذا وجدها قد أزيلت عذرتها قولا واحدا، سواء أزيلت بوطئ أو بغير وطئ. وإن شرط أنها بكر فإن أزيلت البكارة بزواج ردت بلا كرم، وإن أزيلت بزنا أو بغير وطئ فلا يخلو إما أن يكون الاب عالما أو لا، فإن لم يكن عالما ففيه التردد، وإن كان عالما فيلزمه إعلام الزوج، فإن لم يعلمه ففي الرد قولان الاصح أن له الرد والله أعلم. وانظر هذا الكلام مع قوله فيما يأتي وللولي كتم العمى ونحوه وعليه كتم الخنا وانظر كلام أبي الحسن وابن رشد على ذلك. ص: (ومع الرد قبل البناء فلا صداق) ش: يعني إذا علم أحد الزوجين إن بالآخر عيبا ورده بذلك العيب قبل المسيس فلا صداق للمرأة على الرجل، سواء كان هو الراد أو هي الرادة، أما إن كان هو الراد فلا خلاف فيه إلا أن ابن عبد السلام قال فيما إذا زوج البكر أبوها أو من يعلم أنه عالم بعيبها قد يقال يجب لها على الزوج نصف

________________________________________

[ 159 ]

الصداق ويرجع به على وليها وفيه نظر انتهى. وأما إن كانت هي الرادة فالذي تقدم هو أحد القولين وهو ظاهر المذهب، وقيل لها نصف الصداق وهو ظاهر المذهب والله أعلم. ص: (كغرور بحرية) ش: لا شك أنه يشمل أربع صور: الاولى والثانية تزويج الحر الامة والحرة العبد من غير تبيين فأحرى إذا شرط أنها حرة أو شرطت هي أنه حر. نص عليهما في النوادر وفي المدونة على إحداهما. الثالثة والرابعة إذا غر العبد الامة بالحرية أو غرت الامة العبد بالحرية كما تقدم وهما مفهومان من عموم كلام الشارح وغيره والله أعلم. ص: (وبعده فمع عيبه المسمى) ش: سواء كان عيبه أحد العيوب الاربعة أو غيرها إن شرط السلامة منه. قاله ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب الغرور. وكذلك إن غر العبد الحرة بالحرية لها المسمى إن كان أذن له السيد في التزويج ابتداء أو أجازه لما أن علم به. قال في النوادر: ومن أذن لعبد في النكاح فنكح حرة ولم يخبرها وأجازه السيد فلها أن تفسخه ولها المسمى إن بنى ولا قول للسيد فيه لانه أجازه، وإن لم يبن فلا شئ لها. انتهى من باب نكاح العبد والامة بغير إذن السيد. وقال في باب المغرورة بالعبد: إن غر عبد حرة بأنه حر فتزوجها بغير علم سيده ثم علم فأجاز فلها الخيار، فإن فارقت قبل البناء فلا شئ لها. وإن بنى فلها الصداق، وإن لم يقل لها إني حر ولا عبد فلهما الخيار أبدا وهو غار حتى يخبرها أنه عبد انتهى. وأما العبد يغر الامة فلم أر من قال إن لها المسمى إلا أنه لازم لما تقدم من أن الخيار له إذا غرها والله أعلم. وانظر لو غر رجل غير الزوج الحرة أو الامة وقال لها تزوجي هذا فإنه حر، فلم أر من نص عليها والظاهر أنه لا رجوع لها عليه لانه غرور بالقول كما سيأتي في قول المصنف وعلى غار غير ولي ص: (ومعها رجع بجميعه لا بقيمة الولد على ولي لم يغب كابن وأخ ولا شئ عليها) ش: يعني وأما لو اختار بعد البناء حالة كون العيب معها وكذلك إذا غره الولي بالحرية لها جميع الصداق ويرجع به الزوج على الولي، وسواء كان الزوح حرا أو عبدا. أما الحر فقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: إذا غر الولي الزوج بأنها حرة فظهرت أنها أمة ولم يتبين له ذلك إلا بعد الدخول والولادة فإنه يرجع على الولي بجميع الصداق وهو المشهور ثم قال: ولا يرجع على الولي بقيمة الولد لان الولي لم يغر إلا في النكاح انتهى. وأما العبد ففي النوادر في باب

________________________________________

[ 160 ]

الغارة: وإن غرت أمة عبد بأنها حرة فسيدها يسترق ولدها ويرجع العبد على غره بالمهر. ثم لا يرجع على من غره عليها، وإن لم يغره أحد رجع عليها بالفضل من صداق مثلها انتهى. وقول المؤلف لم يغب هذا راجع إلى غرور المرأة بالعيب، وسواء كانت المرأة بكرا أو ثيبا، كان العيب ظاهرا أو خفيا. قاله في التوضيح وغيره. ومفهوم قوله لم يغب أنه لو غاب لم يرجع عليه بشئ وهو كذلك، ومفهوم معنى هذه الصورة أن يغيب الولي غيبة طويلة ثم يقدم من غيبته فيعقد نكاح وليته. كذا صوره أبو الحسن الصغير. وقال في التوضيح: إذا غاب الولي بحيث يظن خفاء ذلك عليه فلابن القاسم وابن وهب وابن حبيب ورواه ابن عبد الحكم عن مالك أنه يسقط عنه الغرم ويرجع على الزوجة ويترك لها ربع دينار. ابن القاسم: بعد يمينه على جهله بذلك انتهى بالمعنى وشهر هذا القول في الشامل. فرع: وإن زوجها الاخ وهي بكر بإذن الاب فالغرم على الاب، وإن كانت ثيبا فعلى الاخ. قاله في النوادر ونقله ابن فرحون وابن عرفة. فرع: قال ابن عرفة الصقلي عن محمد: حيث يجب غرم الولي إن كان بعض المهر مؤجلا لم يغرمه للزوج إلا بعد غرمه. قلت: هذا بين إن لم يخش فلسا انتهى. وقوله ولا شئ عليها ظاهره وإن أعدم الولي. قال في التوضيح: وهذا قول مالك وابن القاسم. فرع: فإن مات ولا شئ له فلا يرجع عليها عن ابن القاسم، وسواء كانت بكرا أو ثيبا. قاله في النوادر والله أعلم. ص: (وعليه أو عليها) ش:. فرع: فإذا قلنا يرجع عليها فوجدها قد اشترت به جهازا فله عليها قيمته لانها متعدية. قال اللخمي: وإذا ردت الزوجة بعيب جنون أو جذام أو برص والصداق عين ضمنته وإن هلك

________________________________________

[ 161 ]

ببينة أو اشترت به جهازها كانت في حكم المتعدية، فإن أحب الزوج أخذ نصفه أو ضمنها ما قبضت انتهى. ونقله المصنف في التوضيح عند قول ابن الحاجب في فصل الصداق، وكذا ما اشترته منه أو من غيره من جهاز مثلها والله أعلم. وانظر ابن عرفة فيما إذا كان الولي القريب عديما والله أعلم. ص: (وعليها في كابن العم الاربع دينار) ش: دخل تحت الكاف العم والرجل من العشيرة أو من الموالي أو السلطان. قاله في التوضيح. ص: (فإن علم فكالقريب) ش: أي فإن علم البعيد سواء كان عما أو ابن عم أو مولى أو من العشيرة أو سلطانا. نص عليه اللخمي. قال في النوادر: وهذا إن أقر أو قامت بينة عليه انتهى. ص: (وحلفه إن ادعى علمه) ش: فإن حلف فلا رجوع له على واحد منهما من الولي أو الزوجة. قاله ابن عرفة. ص: (فإن نكل رجع على الزوجة على المختار) ش: ظاهر كلامه أنه إذا نكل الولي ثم نكل أيضا الزوج يرجع على الزوجة على المختار وليس كذلك، بل لم يذكر اللخمي فيها إلا أنه لا شئ على الولي ولا على الزوجة والله أعلم. ص: (وعلى غار غير ولي تولي العقد إلا أن يخبر أنه غير ولي) ش: غروره بأن يقول إنها حرة أو سالمة من العيب. قاله ابن

________________________________________

[ 162 ]

عبد السلام. قال في التوضيح: وينبغي أن يؤدب ويتأكد أدبه على المنصوص من عدم الغرامة انتهى. وإذا قلنا يرجع عليه فلا يرجع بقيمة الولد قاله في المدونة. وقول المصنف إنه يرجع على الغار إذا تولى العقد ولم يجبر أنه غير ولي، قيده في المدونة بما إذا علم هذا الغار أنها أمة، وأما إن لم يعلم فلا رجوع، وإن أخبره أنه غيره ولي فلا رجوع مطلقا علم أو لم يعلم، وكذلك إن لم يتول العقد علم أو لم يعلم. قاله في المدونة. وليس هذا مخالفا لما تقدم نقله من أنه إذا قال أجنبي أنا أضمن لك أنها غير سوداء لا يضمن الصداق لان هذا صرح فيه بلفظ الضمان والله أعلم. ص: (وولد المغرور الحر فقط حر) ش: هو ظاهر التصور قالوا: لانه دخل على أن ولده حر فيوفي له ثم يعاوض السيد عنهم بقيمتهم أو أمثالهم كما ذكر في باب الاستلحاق. ص: (وعليه الاقل من المسمى وصداق المثل) ش: هذا في الحر إذا غرته الامة بنفسها هكذا يفهم من التوضيح. وأما العبد فالمنصوص فيه إذا غرته الامة يرجع عليها بالفضل على مهر مثلها كما تقدم عن النوادر، ونقله ابن يونس وابن عرفة وغيرهما. وما ذكر من أن الحر إذا غرته الامة بنفسها أن عليه الاقل من المسمى وصداق المثل، هذا إذا اختار فراقها، وأما لو اختار إمساكها فلها المسمى. قاله في المدونة، فنقل المصنف له في التوضيح عن الجواهر كأنه لم يره في المدونة والله أعلم. وأما إذا أمسكها فيستبرئها ليفرق بين الماءين لان الماء الذي قبل الاجازة الولد فيه حر، والذي بعدها الولد فيه رق. قاله أبو الحسن الصغير. ولا فرق في جميع ما تقدم من الخلاف في الصداق وغيره بين أن تكون الامة الغارة قنا أو أم ولد أو مدبرة أو معتقة لاجل. قاله الرجراجي، وكذلك المكاتبة فيما يظهر والله أعلم. وهذا إذا أذن لها السيد أن تستخلف رجلا على نكاحها. قاله في المدونة. قال بعض الشيوخ: يريد أذن لها أن تستخلف رجلا بعينه، ولو أذن لها أن تستخلف من شاءت فاستخلفت فسخ النكاح. قال أبو الحسن: وهذا مشكل إذ لا فرق بين أن يعين لها أو لا يعين. ألا ترى أنها لو كانت وصية لها أن تستخلف من شاءت

________________________________________

[ 163 ]

انتهى. واعلم أنه لا يخلو نكاح الامة الغارة من ثلاثة أوجه: الاول أن يكون السيد أذن لها في النكاح والاستخلاف وإنما غرته بالحرية فهذا يصح مقامه عليها بالمسمى. الثاني أن يتزوجها على أنها حرة ولم يكن السيد أذن فيه الاستخلاف وهذا يفسخ على المعروف أبدا. الثالث أن يكون أذن في النكاح ولم يأذن في الاستخلاف وهو كالذي قبله في تحتم الفسخ. انتهى باختصار من شرح الرسالة للشيخ أحمد زروق وأصله للقلشاني فانظره وانظر ابن عرفة أيضا. تنبيه: قال أبو الحسن: إن الكلام المتقدم فيما إذا اختار فراقها أن عليه الاقل من المسمى وصداق المثل، وإن اختار إمساكها فلها المسمى. انظر كيف جعل له الخيار في الفراق وفي الاقامة عليها ولم يشترط خوف العنت ولا عدم الطول ولكنه قد يقال: إنما تكلم هنا على الوقوع وقد حصل بوجه جائز وحكم الابتداء عنده بخلافه أو يقال: إنما تعرض هنا لاحكام باب آخر وهو الغرور وأما نكاح الاماء فقد تقدم انتهى. ص: (وقيمة الولد) ش: والقيمة لازمة للزوج أمسك أو فارق. قاله في المدونة. فرع: والمنصوص في مختصر الواضحة أنه إذا زوج السيد أمته على أنها ابنته أو ابنة عمه فدخل الزوج وأولدها فعليه قيمة أولاده وهم أحرار. ونقله ابن عرفة فقال: ولو غر سيد أمة من زوجها منه على أنها ابنته ففي غرم الزوج قيمة ولده منها. نقل اللخمي عن ابن حبيب مع قول ابن الماجشون على من أولد أم ولد ابتاعها من سيدها قيمة ولده منها وتخريجه على قول مطرف لا قيمة عليه انتهى. فرع: قال ابن يونس: ومن اشترى جارية من رجل وهو يعلم أنها ليست له فوطئها فهو زان وعليه الحد وولده رقيق لسيد أمهم بخلاف أن لو زوجته الامة نفسها وأخبرته أنها حرة وهو يعلم أنها كاذبة فيطؤها بعد العلم فلا يكون على هذا حد ويلحق به نسب ولده وهم وأمهم رقيق لسيدهم ويفسخ نكاحه. انتهى من النكاح الاول. وقال في مختصر الواضحة فيمن زوج ابنته فبعث إلى الزوج بأمة فوطئها الزوج ثم ظهر على ذلك فإن الامة تلزم الزوج بالقيمة ولا حد عليه وعلى سيد الامة العقوبة ونكاح الابنة ثابت وعلى الامة الحد إلا أن تدعي أنها ظنت أن سيدها زوجها. وقال فضل: وماله لا يسقط عنه الحد حين كان سيدها أخرجها ويكون هذا من جنس الاكراه. انتهى باختصار. فرع: فلو أقر الزوج أنه عالم أنها أمة وقد فشا وعرف أنها غرته بأنها حرة فلا يصدق

________________________________________

[ 164 ]

الاب على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ولا يقبل قوله فيما يريد إرقاقهم وإن صدقه السيد على ذلك. انتهى من الرجراجي وهو في النوادر وابن يونس ونص النوادر ومن العتبية. قال أصبغ: ولو أقر الزوج الآن أنه نكحها عالما بأنها أمة وقد فشا أنها غرته من الحرية والسماع على ذلك أو الشك، فلا يصدق إلا على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ويريد من إرقاقهم انتهى. ص: (يوم الحكم) ش: هذا إذا وقع التنازع فيه بعد الولادة، وأما لو وقع التنازع فيه وهو حمل فإن القيمة يوم الولادة. قاله ابن الحاجب وغيره والله أعلم. ص: (إلا لكجده ولا ولاء له) ش: قال سحنون: إذا غرت أمة الابن والده فتزوجها على أنها حرة فإن الاب يغرم قيمتها بمنزلة ما لو وطئها بملك اليمين وتكون أم ولد للاب، وليس للابن أخذها، ولا شئ على الاب من القيمة، والتزويج فيها ليس بتزويج. نقله ابن عبد السلام ونقله ابن عرفة عن الشيخ في المجموعة قال عنه: ولا قيمة عليه للولد ولا مهر مثل ولا مسمى ونكاحه لغو وذلك كوطئه إياها يظن أنها له أو عمدا انتهى. ثم قال ابن عبد السلام عن سحنون: وأما الابن إذا غرته أمة والده فهو مثل الاجنبي يكون لها صداق مثلها ويأخذها الاب ولا قيمة عليه في الولد. قال ابن عبد السلام: وهذا كله صحيح انتهى. وقول المصنف ولا ولاء لانه حر بالاصالة لا بإعتاقه. ابن يونس: قال ابن المواز: يكون ولاؤهم لابيهم. انتهى من التوضيح. ثم قال: أما لو زوج الاب أمته لابنه لكان ولاء الاولاد الكائنين من الامة لجدهم لانهم عليه عتقوا. ص: (وسقط بموته) ش: أي وسقطت القيمة بموت الولد في الامة القن وأم الولد والمدبرة يريد قبل الحكم، أما في القن وأم الولد فنص عليه في التوضيح وابن عبد السلام. وأما في المدبرة فالظاهر أن الحكم كذلك، وكذلك في المكاتبة والمعتقة إلى أجل لان القيمة إنما تجب على المشهور يوم الحكم، وأما لو مات السيد ففي القن ورثته بمنزلته وفي أم الولد أو المعتقة إلى أجل تسقط القيمة. نص على الاول فقط اللخمي. وأما في المدبرة فقال اللخمي: إن حمل الثلث

________________________________________

[ 165 ]

قيمته وقيمتها فلا شئ على الاب، وإن كان عليه دين يرقها كانت القيمة قيمة عبد لا عتق فيه، وإن لم يخلف مالا سواهما ولا دين عليه كانت على الاب قيمة ثلثيه وتسقط قيمة الثلث انتهى. وأما في المكاتبة فينتقل الحكم الآتي إلى ورثته، ولم يذكر المؤلف الحكم في ولد المعتقة إلى أجل، والحكم فيه على المشهور الذي هو مذهب المدونة أن تكون قيمته على رجاء العتق إن حيي إلى انقضاء الاجل وخوف الرق إن مات قبل انقضائه. قاله اللخمي وغيره، وانظر حكم المعتق بعضها والله أعلم. ص: (والاقل من قيمته أو ديته إن قتل) ش: هذا الحكم عام في ولد الامة. القن وولد أم الولد وولد المدبرة. نص على ذلك المصنف في التوضيح وابن عبد السلام وغيرهما. ولا يبعد أن يجري ذلك في ولد المعتقة إلى أجل والمكاتبة والله أعلم. والقيمة هنا على أنه عبد في الجميع قاله في التوضيح. وحكى في ولد أم الولد قولا بأنه يقوم على ما فيه من الرجاء والخوف. ونقل عن عبد الحميد أنه يجري مثل ذلك في ولد أم الولد ونصه: وإذا فرعنا على مذهب المدونة فقتل هذا الولد يعني ولد أم الولد قبل الحكم فيه، فهل تجب قيمته لسيد أمه على أنه رقيق لان الترقب قد فقد ؟ عياض: وإليه ذهب معظم الشيوخ. أو قيمته على ما فيه من الرجاء والخوف وإليه ذهب ابن أبي زيد في المختصر واستشكله أبوعمران وصوبه غيره ؟ ثم قال في الكلام على ولد المدبرة عبد الحميد: فإن قتل ولد المدبرة جرى فيه من الخلاف ما في ولد أم الولد اه‍. فرع: قال في التوضيح: والقيمة إنما تجب فيهم إذا قتلوا يوم القتل اه‍. فرع: منه أيضا لو استهلك الاب الدية ثم أعدم لم يكن للسيد رجوع على القاتل بشئ لانه إنما دفعها بحكم اه‍. فرع: قال في التوضيح وغيره: ولو هرب القاتل أو اقتص منه في العمد لم يكن على الاب شئ. وذكر فيه أيضا أنه اختلف إذا عفا الاب هل يتبع المستحق الجاني أو لا شئ له ؟ على قولين: وكذلك لو مات الولد وله مال كثير لاختص به الاب والحكم إذا عفا الاب وكذلك لا شئ للمستحق عليه. قاله أبو الحسن في باب الاستحقاق.

________________________________________

[ 166 ]

فرع: قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية: لو قتل خطأ اقتص الاب عن سائر ورثته من أول النجوم بقدر قيمته وورث مع سائر الورثة ما بقي اه‍. ص: (كجرحه) ش: قال القاضي عياض في كتاب الاستحقاق من التنبيهات: ومسألة الجارية تستحق وقد أولدها مشتريها فقطع رجل يد الولد خطأ وقيمته أكثر من ألف دينار فأخذ الاب دية ولده قال: يغرم الوالد قيمة الولد أقطع اليد يوم الحكم فيه ويقال ما قيمته صحيحا وقيمته أقطع يوم جنى عليه، فينظركم بينهما. فإن كان بين ذلك قدر ما أخذ الاب من دية الولد غرمها، وإن كان أقل غرم ذلك كان الفضل للاب، وإن كان أكثر لم يكن على الاب إلا ما أخذ. واختصار هذه المسألة أن على الاب قيمته مقطوع اليد يوم الحكم والاقل مما أخذ من دية ولده أو مما نقصه القطع من قيمته يوم الجناية. وبيانه أنه يقوم ثلاث تقويمات: قيمة اليوم أقطع اليد، وقيمته يوم الجناية سليما، وقيمته حينئذ أقطع، فيضاف ما بين القيمتين إلى قيمة يوم القطع فيأخذها السيد إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد التي أخذ الاب فلا يزاد عليها. ولو كان القطع يوم الاستحقاق أو لم تختلف القيمة من يوم القطع إلى يوم الاستحقاق والحكم لقيل له ادفع الاقل من قيمته سليما الآن قبل قطعه، ومن قيمته مقطوعا مع ما أخذت في ديته ولا يحتاج هنا إلى قيمتين سليما ومقطوعا. فإن كان قيمته سليما أقل لم يلزمه سواها وكان ما فضل من الدية للاب، وإن كانت القيمة أكثر من ذلك كله لم يلزمه إلا قيمته مقطوعا أو ديته. اه‍ كلامه بلفظه ونقله أبو الحسن. وقوله يقومه ثلاث تقويمات قيمة اليوم أقطع اليد وقيمته يوم الجناية سليما وقيمته حينئذ أقطع يعني. إنه يقوم يوم الحكم أقطع اليد ويقوم أيضا يوم جنى عليه على أنه سالم من قطع اليد وعلى أنه مقطوع اليد والله أعلم. تنبيه: قال في المدونة: وإن كان ما بين القيمتين أقل من دية اليد كان ما فضل من الدية للاب. ابن يونس وعبد الحق: يريد يلي النظر فيه لولده الصغير اه‍. من كتاب الاستحقاق، ونحوه للقاضي عياض في التنبيهات إثر كلامه السابق والله أعلم. ص: (ولعدمه تؤخذ من الابن) ش: يريد ولا يرجع الابن بها على الاب إن أيسر. قاله ابن عبد السلام. فإن كانا عديمين فقال ابن عرفة: وفيها إن كانا عديمين غرمها أو لهما يسارا ولا رجوع لمن غرمها على الآخر وموته عديما كحياته كذلك اه‍. وإن كانا مليين فقال في التوضيح لا إشكال أن القيمة تؤخذ من الاب ولا يرجع بها الاب على الولد اه‍. وإن كان الولد عديما والاب موسرا القيمة على الاب ولا يرجع على الولد بشئ لانه إذا كانا مليين كان الحكم كذلك فأحرى مع عدم الابن والله أعلم. فرع: قال ابن عبد السلام عن المدونة: ولا تؤخذ من الابن قيمة الام في ملاء الاب أو عدمه اه‍.

________________________________________

[ 167 ]

فرع: قال ابن عرفة: فلو فلس الاب لحاص المستحق بقيمة الولد غرماء أبيه. اه‍ والله أعلم. ص: (وقبل قول الزوج أنه غر) ش: يعني أنه ما تقدم إذا قامت بينة للزوج على الغرور أو صدقه السيد فأما إن تنازعا هو والسيد فيقبل قوله، وانظر هل بيمين أم لا ؟ لم أر فيه نصا ص: (ولو طلقها أو مات ثم اطلع على موجب خيار فكالعدم) ش: قال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: من ظهر على عيب بامرأته يوجب ردها بعد طلاقها لا يرجع بشئ من مهرها ولو كان قبل البناء ويغرمه إن لم يكن دفعه، وإن مات أحدهما قبل الفراق وعلم العيب توارثا وثبت المهر اه‍. ص: (وللولي كتم العمى ونحوه) ش: قال أبو الحسن: قال عبد الحق في الامهات: أيخبر الولي بعيوب المرأة الزوج ؟ أما ما لا ترد به فلا يفعل ولا يجوز ولا ينبغي وقد قاله مالك. قال الشيخ أبو الحسن في البيوع: إنه لا يجوز للبائع أن يكتم من أمر سلعته شيئا لو ذكره لكرهه المبتاع ولو كان أمرا لو ذكره لنقص من الثمن فهو عيب يوجب الرد. وقال في النكاح: لا يذكر إلا ما للزوج أن يرد به ونحن نعلم أن الزوج ولو ذكر له ما لا يجب الرد به من عمى أو عور أو سواد أو شلل وما أشبه ذلك لكرهه ولم يعقد. فجعلوا أنه لما لم يكن له رده بهذه الاشياء لم يجب بيانها له مع علمنا أنه لو ذكرت له لكرهها ولحط من الصداق ولو رضي به صح من الاستلحاق. وقال ابن رشد في النكاح الاول من البيان: ولفرق بين النكاح والبيع أن البيع طريقه المكايسة، والنكاح طريقه المكارمة، وليس الصداق فيه ثمنا للمرأة ولا

________________________________________

[ 168 ]

عوضا من شئ يملكه الولي وإنما هي نحلة من الله عزوجل فرضه للزوجات على أزواجهن اه‍. كلام أبي الحسن والله أعلم. ص: (والاصح منع إلا جذم من وطئ إمائه) ش: قال في النوادر: وفي كتاب النكاح روى ابن القاسم عن مالك في الاجذم الشديد الجذام قال: يحال بينه وبين وطئ إمائه إن كان في ذلك إضرار، يريد إن طلبن ذلك كما يفرق بينه وبين الحرة للضرر اه‍. ولو قال المصنف والاظهر أصح لان ابن رشد استظهر القول بأنه يمنع من وطئ إمائه في آخر سماع عيسى من كتاب السلطان فاعلمه والله أعلم. ص: (وللعربية رد المولى المنتسب لا العربي إلا القرشية تتزوجه على أنه قرشي) ش: نقل ابن عرفة تحصيل ابن رشد في هذه المسألة وهو أن المرأة إذا وجدت الرجل أفضل مما اشترطت فلا خيار لها، وإن وجدته أني مما اشترطت وأدنى منها فلها الخيار، وإن وجدته أدنى مما اشترطت وهو أرفع منها أو مثلها ففي خيارها قولان. قال: والقول بالخيار أظهر. وإذا وجب خيارها واختارت قبل البناء فلا شئ لها من المسمى، وإن لم تعلم ذلك حتى بنى بها واختارت فهي طلقة بائنة ولها المسمى، وحكم الرجل كما تقدم يكون له الرد حيث لكون لها الخيار. اه‍ ملخصا ابن عرفة وهذه المسألة في سماع أبي زيدد من كتاب النكاح. فصل ولمن كمن عتقها يريد أما في دفعة أو أكثر فقد نص في العتبية والموازية فيما إذا تزوجت وهي معتق

________________________________________

[ 169 ]

بعضها وكمل عتقها بعد ذلك على أن لها الخيار. قاله في التوضيح. واحترز بقوله كمل ما لو أعتق بعضها أو كوتبت أو دبرت أو عتقت لاجل أو كان زوجها معزولا عنها واستولدها السيد. قاله في التوضيح. قال: ولا يستبعد الاستيلاد لانه نص في المدونة في غير موضع على أن السيد إذا وطئ أمته المتزوجة وكان الزوج معزولا عنها تكون له أم ولد انتهى. وسواء كانت أجبرت على تزويج العبد أو طلبت أن تتزوج منه. قاله في التوضيح. تنبيه: قال ابن الحاجب: وإذا عتق جميعها تحت العبد حيل بينهما وخيرت بخلاف الحر اه‍. وقال ابن عرفة في الايمان بالطلاق منها: إن عتقت تحته حيل بينهما حتى تختار وعدم ذكر أقصرهم حيل بينهما مخل بفائدة معتبرة انتهى. والعلة في التخيير ما قاله ابن عرفة: وعلة تخييرها نقص زوجها لعدم حريته. اللخمي: وقيل لانها كانت مجبرة على النكاح وانظر بقيته فيه والله أعلم. ص: (فراق العبد بطلقة بائنة أو اثنتين) ش: اعلم أنها إنما تؤمر بواحدة، فإن أوقعت اثنتين فقال المصنف هنا: مضى وصوب اللخمي عدم مضيه فإن لم تصرح بواحدة أو اثنتين بل طلقت أو قالت اخترت فهي بائنة. قاله في التوضيح. وقد تقدم هل هي التي توقع الطلاق أو الحاكم ؟ والله أعلم. وقوله فراق العبد وكذا من فيه شائبة حرية حكمه حكم العبد نص عليه اللخمي، وظاهر كلام البساطي خلاف ذلك فانظره. ص: (والفراق إن قبضه السيد أو كان عديما) ش: أي وسقط الفراق. والمعنى أن العتق ماض وخيارها ساقط هكذا نقله في مختصر المتيطية وقاله في معين الحكام ونصه: فبقاؤها حرة تحت عبد خير من رجوعها أمة والله أعلم. ص: (كما لو رضيت وهي مفوضة بما فرضه بعد عتقها) ش: يريد وقد أعتقت قبل البناء وبعد الفرض كما فرض المسألة ابن الحاجب وغيره. وأما لو دخل الزوج بها قبل أن يفرض لها وقبل العتق ثم أعتقها السيد أو أعتقها بعد الدخول والفرض، فلا شك أن صداق مثلها واجب لها وحكمه كما لها فيكون لها إلا أن يشترطه السيد وهذا ظاهر ولم

________________________________________

[ 170 ]

يحضرني الآن من صرح به والله أعلم. ص: (إلا أن يأخذ السيد) ش: قال في التوضيح: وينبغي أن يقيد بما إذا كان قبضا على سبيل الانتزاع وهو الذي يدل عليه لفظ المدونة انتهى. وهذا التقييد يأتي على كلام ابن الحاجب حيث قال قبضه، وأما قول المصنف يأخذه فإنه يدل على ذلك ولا يحتاج إلى التعبير والله أعلم. ص: (وصدقت إن لم تمكنه) ش: مذهب المدونة أنها تصدق بل يمين. قاله في التوضيح: ثم قال تبعا لابن عبد السلام: وفي العتبية تحلف. قال ابن عرفة: إنه لم يجده في العتبية والله أعلم. ص: (وإن بعد سنة) ش: سواء أوقعها الحاكم أو الزوج وهو خطأ من الحاكم إن فعله أو لم يوقفها أحد. قاله ابن عبد السلام. ص: (أو تمكنه) ش: أي يستمتع بها أو تستمتع هي به. قال في التوضيح: وهو أقوى في الدلالة. قال ابن عرفة: قال اللخمي: القبلة والمباشرة كالاصابة وكذا إذا مكنته ولم يفعل اه‍. ص: (لا العتق) ش: ابن عبد السلام: وينبغي أن يعاقب الزوج إذا علم بالعتق والحكم كما قالوا إذا وطئ المملكة والمخيرة وذات الشرط اه‍. فرع: قال ابن عرفة الشيخ عن محمد: لو ادعى وطأها بعد علمها بالعتق وأكذبته، فإن

________________________________________

[ 171 ]

ثبتت خلوة صدق مع يمينه وإلا صدقت دون يمين. اللخمي: إن اتفقا على المسيس وادعت الاكراه وزوجها الطوع صدق مع يمينه اه‍. ص: (ولها أكثر المسمى أو صداق المثل) ش: يعني إذا عتقت قبل البناء ولم نعلم بذلك ودخل بها الزوج فلها الاكثر، وظاهر كلامهم سواء علم الزوج أم لا. انظر التوضيح. وقال ابن عرفة اللخمي: إن علمت بعد أن دخل بها أنها عتقت قبل أن يدخل بها فلها الاكثر من المسمى ومهر مثلها على أنها حرة، وإن كان العقد فاسدا فمهر مثلها حرة اتفاقا. اه‍. ص: (لا برجعي) ش: يريد فلها أن تطلق فيكمل طلاقه. نقله ابن عرفة في الكلام على الطلاق هل هو بائن أو رجعي والله أعلم ص: (أو عتق قبل الاختيار) ش: فرع: قال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: أن بيع زوجها قبل عتقها بأرض غربة فظنت أن ذلك طلاق ثم عتقت فلم تختر لنفسها حتى عتق زوجها فلا خيار لها. ثم قال الشيخ عن محمد: إن عتقت وزوجها قريب الغيبة كتب إليه خوف تقدم عتقه، فلو اختارت قبل ذلك لزمه ولا حجة لزوجها ولو عتق في عدتها، ولو بعدت غيبتها حتى يضرها انتظاره فهي كمن أسلمت وزوجها كافر بعيد الغيبة اه‍. ص: (إلا لتأخير لحيض) ش: فهم منه أنها تؤمر أن تؤخر اختيارها إذا عتقت وهي حائض حتى تطهر. ونقل ابن عرفة عن المدونة أن ابن القاسم قال: أكره ذلك يعني الاختيار وهي حائض. فرع: فإن اختارت في الحيض فلا تجبر على الرجعة قاله في التوضيح. ص: (وإن تزوجت بعد علمها ودخولها فأتت بدخول الثاني) ش: مفهومه لو علمت لم يفتها الدخول

________________________________________

[ 172 ]

والظاهر أنه كذلك: وانظر لو علم الزوج الثاني أن الاول عتق قبلها هل يفوت بالدخول أو لا ؟ والظاهر أنها لا تفوت كما في مسألة المرأة يزوجها وليان والله أعلم. ص: (ولها إن وقفها تأخير تنظر فيه) ش: قال ابن عرفة اللخمي: أستحسن تأخير ثلاثة أيام والله أعلم. فصل في الصداق وهو الركن الخامس (الصداق كالثمن) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. فرع: قال ابن سلمون في أوائله: ولابد من بيان السكة إن كان الصداق دنانير أو دراهم، فإن سقط ذكرها كان لها السكة الجارية في البلد في تاريخ النكاح، فإن اختلفت أخذ من الاغلب، فإن تساوت أخذ من جميعها بالسوية كمن تزوج برقيق ولم يصف حمرانا ولا سودانا اه‍. وقال في المتيطية: وقولنا من سكة كذا هو الصواب. قال بعض الموثقين: ولو سقط ذكره من العقد واقتصر على قوله كذا وكذا دينارا ولم يسم من أي سكة لكان للزوجة من السكة الجارية عقد الصداق في تاريخه، فإن كان يجري في البلد سكتان كان لها من أغلبهما، فإن تساوتا في الجري أعطيت النصف من كلا السكتين كمن تزوج برقيق ولم يصف حمرانا ولا سودانا. المتيطي: وهذا على قول ابن القاسم أجاز ذلك، وأما على قول سحنون الذي يقول لا يجوز حتى يسمى الجنس فيكون عليه وسط من ذلك الجنس، فإن وقع مجملا فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل فينبغي أيضا على مذهب سحنون هذا لا يجوز حتى يسمى سكة الدنانير التي وقع النكاح بها والله أعلم.

________________________________________

[ 173 ]

ص: (وضمانه وتلفه واستحقاقه وتعييبه أو بعضه كالمبيع) ش: ذكر رحمه الله خمس مسائل من مسائل الصداق، وذكر أن حكمه فيها حكم المبيع، فأما ضمانه فذكر أنه كالمبيع فإن كان النكاح صحيحا فينتقل الضمان إلى الزوجة بالعقد، وإن كان فاسدا فبالقبض. قال في المدونة: ومن نكح على عبد آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو بما في بطن أمته أو بما

________________________________________

[ 174 ]

تلده غنمه أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما أو على دار فلان أو على أن يشتريها لهما، فسخ النكاح في ذلك كله قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق وشارد وغيره، وما هلك بيدها ضمنته ولا تضمنه قبل قبضه، ويكون من الزوج وما قبضته ثم تغير في

________________________________________

[ 175 ]

يدها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم به يوم قبضته وترد مثل ماله إن زالت عينه أو تغيرت اه‍. وقال بعد هذا: وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء، فللزوج نصف ما أدرك من هذه الاشياء يوم طلق على ما هو به من نماء أو نقص، لا ينظر في هذا إلى قضاء قاض، لان كان في ذلك شريكا لها. ألا ترى أن هذه الاشياء لو هلكت بيدها ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشئ ؟ ولو هلكت بيده كان له أن يدخل بها ولا صداق عليه ؟ ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه إلا أن يعلم ذلك فيكون منها انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ووجب تسليمه إن تعين لانه مضمون منها بنفس العقد فلا معنى لبقائه بيد الزوج انتهى. وسيأتي كلامه عند قول المصنف: ووجب تسليمه فعلم من هذا أن ضمان الصداق من الزوجة بالعقد إلا أنه إذا كان مما يغاب عليه ولم تقم بينة فإن الزوج يضمنه. وهذا معنى قول الشيخ فيما يأتي: وضمانه إن هلك ببينة أو كان مما يغاب عليه منهما وإلا فمن الذي بيده. واعتراض بعض الشراح على المصنف غير ظاهر، والكلام الذي ذكره إنما هو حكم النكاح الفاسد فتأمله. وأما استحقاق الصداق فلا يخلو إما أن يتزوجها على شئ بعينه أو بشئ مضمون. فإن تزوجها بشئ بعينه ثم استحق فإنها ترجع بقيمة الشئ المستحق إن كان مقوما وبمثله إن كان مثليا كما قاله في النكاح الثاني من المدونة وقاله ابن الحاجب. وإن كان مضمونا فترجع بمثله. وانظر تشبيه المصنف له بالبيع فإنه يقتضي أنها ترجع بصداق المثل وعوض البضع، فإذا استحق وجب أن ترجع بقيمته لفواته بالعقد، وسيذكر المصنف في باب الاستحقاق أنها ترجع بقيمة المستحق. ص: (ووجب تسليمه إن تعين) ش: يعني أن المهر إذا لم يكن مضمونا فإن كان ذاتا مشارا إليها كدار أو عبد أو ثوب بعينه فإنه يجب تسليمه للمرأة بالعقد - قاله اللخمي - وإن كان الزوجان صغيرين أو كان أحدهما مريضا انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولا ينتظر بلوغ زوجته أو إطافة زوجته ولا يجوز تأخيره كما لا يجوز بيع معين يتأخر قبضه لانه مضمون منها بنفس العقد فلا معنى لبقائه بيد الزوج. انتهى كلامه. ص: (وإلا فلها منع نفسها وإن

________________________________________

[ 176 ]

معيبة من الدخول والوطئ بعده والسفر إلى تسليم ما حل) ش: أي وإن لم يكن المهر شيئا معينا فلا يجب تسليمه بالعقد ولكن لها منع نفسها حتى يسلم الحال. هذا ظاهر كلامه وهو خلاف قول ابن الحاجب. ويجب تسليم حاله وما يحل منه بإطاقة الزوجة الوطئ وبلوغ الزوج لا بلوغ الوطئ على المشهور. وقبله ابن عبد السلام. قال في التوضيح: أي ويجب تسليم حال المهر وما كان مؤجلا منه فحل عند زمن إطاقة الزوجة الوطئ وعند بلوغ الزوج الحلم على المشهور، ولمالك في كتاب ابن شعبان عند بلوغ القدرة على الوطئ اه‍. وقال ابن عرفة: وتسليم حال المهر يجب للزوجة بإطاقتها الوطئ وبلوغ زوجها، وفي كون إطاقته إياه قبل بلوغه كبلوغه روايتا اللخمي مصوبا الثانية انتهى. فعلم أنه يجب على الزوج تسليم المهر الحال بإطاقتها الوطئ وبلوغه. وقول المصنف: لها منع نفسها يفيد مسألة أخرى وهي ما إذا قال الزوج لا أدفع المهر حتى أدخل وقالت المرأة لا أمكنه حتى أقبض ما حل فلها منع نفسها. وقاله في الجواهر. قال في التوضيح: وهو ظاهر كلام ابن الحاجب ومقتضى المدونة لقولها: وللمرأة منع نفسها الخ. حتى تقبض صداقها، ولهذا قال ابن الحاجب بعد كلامه المتقدم: وللمرأة منع نفسها الخ. واعلم أن كلام المصنف وإن كان يستلزم وجوب الحال من الصداق أو ما حل منه لكن أول كلامه يدل على عدم وجوبه، ففي كلامه ما يشبه التدافع. ولو قال المصنف: ووجب تسليم معينه بالعقد وحال غيره أو ما حل منه ببلوغ زوج وإطاقتها ووجب تسليمه بالعقد إن تعين وإلا فتسليم ماله أي ما حل منه ببلوغ زوج وإطاقة زوجة ولها منع نفسها وإن معيبة من الدخول حتى تقبضه ومن الوطئ بعده والسفر لا بعد الوطئ إلا أن يستحق ولو لم يغرها على الاظهر. وقوله: ما حل تقدم في التوضيح أنه شامل لما كان حالا من الاصل ولما كان مؤجلا فحل. أما الاول فلا كلام فيه، وأما الثاني ففيه خلاف، والذي شهره ابن الحاجب وغيره ورواه اللخمي عن مالك وجوب تسليمه قبل البناء. وقيل: إنما يجب تسليمه بعد البناء. وقيل: لا يكلف الزوج دفع الكالئ وإن كان موسرا حتى يكمل أسبوعه بعد بنائه بها، وإن كان معسرا اتبعته به. قال بعض الموثقين: كان رأى أنهما اتفقا حين العقد على بنائه بدفع المعجل فألزمها

________________________________________

[ 177 ]

ذلك بعد حلول المؤجل اه‍. وقيل: إنما يجب بعد الدخول بقدر اجتهاد الحاكم وعزاه ابن سهل لسحنون قال: قد ينقد الرجل عشرة ومهره مائة لو قيل تأخذ له بها ما رضي بسدسها فإنما يكون حلوله إذا رأى الحاكم ذلك ولا يكون قبل الدخول على حال وإن كان في الكتاب مهرها حال لها عليه اه‍. من ابن عرفة بالمعنى. وقال بعده: وما نقله ابن سهل عن سحنون حجة لاحد قولي شيوخ بلدنا في اختلافهم في تمكين المرأة من طلب مهرها بعد البناء دون موت ولا فراق. وقال بعضهم: يقضى لها بذلك لكتبهم في الصدقات أنه على الحلول. وقال بعضهم: لا يقضى لها لاستمرار العادة بعدم طلبه إلا لموت أو فراق فألزم كون أنكحتهم فاسدة فالتزمه. وكان شيخنا ابن عبد السلام في أول أمره ولا يقضي به فقضى به بعض ولاته بالجزيرة فشكى له به فأنبه فقال له: إنما قضيت به لان الزوجة وهبته فقبل ذلك منه. ثم بعد ذلك كتب لبعض قضاته بالقضاء به مطلقا كدين حل. وكان الشيخ أبو محمد والآجمي مدة قضائه يندب المرأة لعدم طلبه ويقول لها: إذا كانت المرأة لا مهر لها على بعلها زهد فيها ونحو ذلك، فإن لم تقبل مكنها من طلبه. وهذا إذا كان على الزوج، وإن كان على غيره فلا يختلف في تمكينها من طلبه اه‍. وقوله: وإن معيبة سواء طرأ العيب بعد العقد أو كان قديما ورضي به الزوج وإن كان لا يمكنه الوطئ. نقله في التوضيح وغيره وكذلك المريضة. قال ابن عرفة ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب المريضة كالصحيحة فيحتمل أن يريد غير التي بلغت جد السياق كما في النفقة، ويحتمل أن يريد العموم، والفرق بين النفقة والمهر أن النفقة في مقابلة الاستمتاع وهو في البالغة حد السياق متعذر والصداق لا يصلح كون المرض مانعا لان قصاراه الموت والموت موجب للصداق لا مانع منه.

________________________________________

[ 178 ]

قلت: يمنع إرثه نصفه أو ربعه، وظاهر متقدم لفظها أن المهر كالنفقة وفيها لابن القاسم المهر في هذه المسائل أوجب من النفقة اه‍. وتأمل قوله: قلت يمنع إرثه بل الذي يمنع الارث الموت أو ما هو فإنه لم يظهر لي والله أعلم. وقد جزم في التوضيح بالاحتمال الثاني فقال: يعني أنه لا يكون الامتناع من دفع الصداق لمرضها ولو بلغت حد السياق اه‍. وهو ظاهر كلام المدونة الذي نقله ابن عرفة عنها لقوله أوجب وهو في آخر النكاح الثاني والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة قال مالك: الزوج المريض الذي لا يقدر على جماع كصحيح اه‍. قوله والسفر قال البساطي: ولو مكنت من الدخول والوطئ بعده فلها منع نفسها من السفر ثم قال: فإن قلت ظاهر كلامه وكلامهم أن السفر كالوطئ والدخول أعني لها التعلق به قبل الوطئ لا بعده كهما وهو يخالف ما قررت به كلامه. قلت: نظرت في معنى كلامهم فوجدته يعطي أن لها المنع من السفر وإن دخل ووطئ اه‍. وما قاله يخالف ما قاله ابن عبد السلام ونقله في التوضيح عنه ونصه: وأما امتناعها من السفر معه قبل قبض صداقها فإنما يكون لها ذلك قبل الدخول اه‍. فجعل الدخول مسقطا حقها من السفر فأحرى الوطئ. وقال في أواخر إرخاء الستور من المدونة: وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت وينفق عليها وإن قالت حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فلها الخروج وتتبعه به دينا. قال ابن يونس: يريد في عدمه، وأما إن كان موسرا فليس له الخروج بها حتى تأخذ صداقها وقاله أبوعمران اه‍. قال عبد الحق في التهذيب بعد ذكره كلام أبي عمران: وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إن كان يخرج بها إلى بلد تجري فيه الاحكام ويوصل فيه إلى الحقوق فيخرج بها قبل أن يدفع إليها صداقها، وإن كان يخرج بها إلى بلد لا تجري فيه الاحكام على ما ذكرنا فلها أن لا تخرج معه حتى يدفع إليها صداقها انتهى. تنبيه: قال المشذالي في حاشيته: قوله: في إرخاء الستور من المدونة للزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى آخر معناه الحر لا العبد ولو كانت زوجته أمة. ابن رشد: للحر ذلك إلا أن يكون غير محسن ولا مأمون عليها وهو معنى ما في المدونة وصرح به أشهب عن مالك. ابن رشد في سماع أشهب من النكاح: هو محمول على ما يوجب له الخروج بها حتى يعلم خلافه وهو مقتضى ما في ستورها أنه محمول على حسن العشرة اه‍. وفي رسم الجواب من سماع عيسى من طلاق السنة: وسألته عن العبد يريد أن يظعن بزوجته الحرة قال ابن القاسم: ليس للعبد أن يظعن بزوجته، حرة كانت أو أمة، إلا أن يكون الشئ القريب الذي لا يخاف عليها فيه ضرورة، فأما الاسفار والبلدان والعبد فليس له ذلك. أرأيت لو ظعن بها في أرض غربة ثم باعه سيده ممن يظعن به كيف كانت تكون وإن لم تقدر على النهوض والرجوع ولا يحملها

________________________________________

[ 179 ]

سيده معه ويمنعه من ذلك وتبقى تستطعم: ولا أعلمه إلى قول مالك ابن رشد قد بين وجه قوله بما لا مزيد عليه وللحر ذلك إلا أن يكون غير محسن إليها ولا مأمون عليها على ما مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب من النكاح وهو معنى ما في المدونة. وقوله: إلى تسليم ما حل قال المصنف في التوضيح وغيره: يكره الدخول قبل تقديم ربع دينار اه‍. وكلام البساطي يفهم خلاف ذلك فإنه قال: ليس لها أن تمكنه من الدخول قبل أن تقبض ربع دينار اه‍. وقال في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح: وللمرأة أن تمنع نفسها من الزوج حتى يقدم لها ربع دينار ولو لم يكن حالا. ولو رضيت له بالدخول بلا شئ فلا أن تمنعه لان الكراهة في ذلك حق لله فلا تسقط عنه بإذنها. وهذا ما لم يدخل بها، وإن دخل بها فلا يكره له وطؤها ثانية قبل أن يعطيها ربع دينار ولا لها أن تمنعه خلافا لمحمد. اه‍ بالمعنى. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: كره ابن القاسم الدخول بالهدية لانها ليست من الصداق لانه لو طلقها لم يكن له فيها شئ. قيل له: فهل تدخل برهنها بالصداق رهنا ؟ قال: نعم. قيل: فهل يجوز أن يتحمل عنه بالصداق ويبني ؟ قال: أخبرني من أثق به أن بعض أهل العلم أجازه وأحب إلي أن يقدم لها ربع دينار اه‍. الثاني: تقدم في شرح قول المصنف في الزكاة كحسب على عديم عن أبي الحسن عن بعض الشيوخ أن من له على مليئة ربع دينار أن له أن يحتسب به في مهرها ويتزوجها. وقال الشيخ أبو الحسن: إنه غير بين لان الدين إنما تعتبر قيمة إذ هو كالعرض وقيمته دون ذلك فلا يحتسب به عليها في مهرها لانه يؤدي إلى أن يتزوجها بأقل من النصاب والله أعلم. ص: (إن بلغ الزوج) ش: هذا راجع إلى قوله: لتسليم ما حل كما تقدم تقريره والله أعلم. ص: (وتمهل سنة إن اشترطت لتغربة أو صغر) ش: يريد بالصغر الصغر الذي يمكن معه الوطئ. ونقله ابن عرفة عن ابن رشد ونصه، وما ذكر أصبغ عن مالك من لزوم الشرط إذا كان لصغر أو ظعون معناه في السنة ونحوها كذا في المدونة ويريد بالصغر الذي يمكن معه الوطئ اه‍. ص: (وإلا بطل لا أكثر) ش: قال البساطي: لو أخر المؤلف قوله: وإذا بطل عن قوله: لا أكثر لكان أحسن. اه‍ ولو فعل المؤلف كما قال لفسد معنى المسألة والله أعلم. ص: (وللمرض والصغر المانعين للجماع) ش: أما الصغر المانع للجماع فلا إشكال أن من طلب التأخير لاجله من الزوج أو من أهل الزوجة أجيب إلى ذلك. وقد نص في آخر النكاح الثاني من المدونة على الوجهين

________________________________________

[ 180 ]

جميعا أعني طلب التأخير من الزوج وأهل الزوجة بل قال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم في القولة التي قبل هذه: ولو كانت في سن من لا توطأ. كما إن من حق أهلها منعه البناء بها حتى تطيق الوطئ. قاله في المدونة اه‍. وأما إمهال الزوجة للمرض إذا طلبته فذكر المصنف أنها تمهل. ونحوه لابن الحاجب ولم ينص عليه في المدونة ولا ابن عرفة، وإنما نص فيها على أن المريضة مرضا يمنع الجماع إذا دعت الزوج إلى البناء والنفقة لزمه ذلك قال: ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة وأحدهما مريض مرضا لا يقدر معه على الجماع لزمه أن ينفق أو يدخل، وإذا كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض إلا أن يكون مرضا بلغ حد السياق فلا يلزمه ذلك، والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل لان لها منع نفسها حتى تقبضه. ولو تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع معه فدعته إلى البناء قبل دفع الصداق وأنفق ودخل أو طلق، ولم اطلع الآن على من نص عليه فتأمله والله أعلم. ص: (وقدر ما يهيئ مثلها أمرها) ش: تصوره ظاهر. فروع: الاول: قال في النوادر: وإذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: انظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الايام بقدر ما يرى، وهو قول مالك، ولا شئ عليه فيما تقدم إلا أن يكون وليها قد خاصم في ذلك ففرض لها السلطان ولا يطلب بالنفقة من لم يبلغ الحلم ولا بالصداق انتهى. وقوله: إلا أن يكون وليها قد خاصم الخ هو قول أشهب وهو خلاف قول مالك كما سيأتي في فصل النفقات. الثاني: إذا غاب وليها وأراد الزوج البناء فإن كان قريبا أعذر إليه في ذلك، فإن جاوب بالاياب عن قرب لمثل ما يجهز فله مثل ذلك، وإن لم يرجع أو كان بعيدا قضى للزوج بالبناء ولم ينتظر. نقله في التوضيح. الثالث: قال في التوضيح: إذا شرط عليها البناء ببلد غير بلد النكاح فعلى الولي حملها إلى بلد البناء ومؤنة الحمل عليه والنفقة إلى وقت البناء إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا كان

________________________________________

[ 181 ]

ذلك عليها إلا أن يشترطوا على الزوج فيكون عليه، ولو كان على الطوع لكان أحسن انتهى. ص: (إلا أن يحلف ليدخلن الليلة) ش: قال ابن عرفة: المشاور إن مطل الا الزوج بالبناء فحمل ليبنين الليلة بعتق أو طلاق قضى له، وسمعت بعض شيوخنا يحكيه لا بقيد المطل. ص: (وإن لم يجده أجل لاثبات عسرته) ش: يعني فإن كان الزوج الذي منعته زوجته نفسها حتى يسلم لها الصداق مقرا بالصداق وببقاء النقد عليه وادعى الاعسار وسأل التأجيل وأكذبه أبو الزوجة وزعم أنه من أهل الجدة، أجل لاثبات عسره. كذا قرره. وفي المتيطية. فرع: قال في التوضيح: واعلم أنه إن كانت الزوجة ثيبا كان الحق لها دون أبيها، وإن كانت بكرا فهل للاب ذلك وإن لم تطلبه البنت ؟ وعبر ابن فرحون بقوله: ولو رضيت البنت بعدم القيام أو ليس له ذلك إلا بتوكيلها له على ذلك الاول. قال المتيطي وغيره: ظاهر المدونة وإليه ذهب بعض شيوخنا وقال: إنه مقتضى المذهب. وذهب إلى الثاني ابن عات وابن رشيق وغيرهما والله أعلم. ص: (ثلاثة أسابيع) ش: قال في المتيطية: وكان القضاة بقرطبة يجمعونها مرة ويفرقونها أخرى على حسب ما يبدو لهم. فإذا فرقوها جعلوها ثمانية أيام ثم ستة ثم أربعة ثم يتلومون بثلاثة انتهى. ثم قال عقيبه: وهذا في غير الاصول، وأما التأجيل في الاصول فالذي مضى عليه عمل الحكام ثلاثون يوما يضرب له عشرة أيام ثم عشرة ثم يتلوم له بعشرة، أو يجمع ذلك فيضرب له ثلاثين يوما. ثم قال بعض الشيوخ: وهذا مع حضور بينته في البلد، وأما إن كانت غائبة عنه فأكثر من ذلك بحسب اجتهاد الحاكم انتهى. وقال ابن عرفة: وإذا وقف الزوج لاداء المهر وطلب طالبه سجنه لادائه أو جميلا به وادعى العدم فقال المتيطي وابن فتحون: المذهب أنه كدين يؤجل لاثبات عدمه أحدا وعشرين يوما. قال: وليس هذا التحديد بلازم بل هو استحسان لاتفاق قضاة قرطبة وغيرهم عليه، وهو موكول لاجتهاد الحاكم، ثم نقل بقية كلام المتيطي المتقدم والله أعلم. فرع: قال في التوضيح: وللمرأة أن تطلبه بحميل بوجهه، فإن عجز منه فلها أن تسجنه لان الصداق دين كسائر الديون انتهى. وتقدم في كلام ابن عرفة عن المتيطي. فرع: فإذا مضت آجال التلوم ولم يثبت إعساره لم يصرحوا هنا بحكمه، والظاهر أن حكمه حكم المديان إن كان مجهولا حبس ليستبرئ، وإن أثبت إعساره بصفة ما يشهد الشهود أنهم يعرفون فلان ابن فلان الفلاني معرفة تامة صحيحة بعينه واسمه ويعلمونه فقيرا عديما قليل ذات اليد ممن لا يقدر على أداء ما لزوجته عليه من النقد على هذه الحالة عرفوه

________________________________________

[ 182 ]

وبها خبروه ولم ينتقل عنها ولا تبدل سواها منها في علمهم إلى الآن. قاله المتيطي ص: (ثم تلوم بالنظر وعمل بسنة وشهر) ش: يعني فإذا ثبت عسره أو صدق فيه أو استبرئ بالحبس. قال في المتيطية: أعذر القاضي فيه إلى الاب فإن كان عنده مانع وإلا حلف القاضي الزوج على تحقيق ما شهد له به من عدمه ثم أجله. قال المصنف بالنظر وعمل بسنة وشهر يعني بثلاثة عشر شهرا. كذا قرره الشارح بهرام. وقال البساطي: يعني أنه عمل بسنة وعمل بشهر. ثم ذكر كلام الشارح على هيئة المعترض عليه. وما قاله ليس بظاهر بل مراد المؤلف ما ذكره الشارح وصفة التأجيل يؤجله ستة أشهر ثم أربعة ثم شهرين ثم شهرا. قال ابن عرفة المتيطي وابن فتوح: يؤجل أولا ستة أشهر ثم أربعة أشهر ثم شهرين ثم يتلوم له بثلاثين يوما، فإن أتى بشئ وإلا عجزه. وإنما حددنا التأجيل بثلاثة عشر شهرا استحسانا. فرع: قال المتيطي: ولا يعد اليوم الذي يكتب فيه الاجل ولا يحتسب به فإذا تم الاجل لم يكتب الثاني في اليوم الذي تم فيه الاول بل اليوم الذي بعده، ولا يحتسب بهذا اليوم الذي كتب فيه من الاجل الثاني وكذلك بقية الآجال. انتهى باختصار. فرع: قال ابن عرفة: ويحضر الزوج لضرب أول آجاله، وفي إحضاره لضرب ما سواه دون إشهاد الحاكم بحكمه بضرب الاجل ثالثها ويشهد به لعمل بعض القضاة قائلا ليس على إحضاره إلا في الآجل الاول كما لو جمعتها عليه وغيره محتجا بأن الخصم قد يدعي أنه ما أجل غير الاول. وابن فتوح محتجا بأنه إن لم يشهد على حكمه به بطل بموته أو عزله ولا يقبل قوله بعد عزله ولا تفيد علامته على أداء شهود تأجيله فيؤدي إلى استئناف نظر من ولي بعده فيطول انتهى. والقول الثالث قال في المتيطية: هو أخص وأحسن. فرع: قال ابن فرحون: وهل يشترط في التأجيل إقامة النفقة والكسوة ؟ فإن لم يقم بها عجل عليه الطلاق فيه خلاف انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عبد الملك أشهب وابن وهب كم يؤجل في المهر إن أجرى النفقة ؟ قال قال مالك: فسنتين أو ثلاثا. ورأى ابن وهب ثلاثا. ابن رشد: معناه إذا عجز عن المهر وإن اتهم أنه غيب ماله فلا يوسع له. قاله ابن حبيب إلا أنه قال:

________________________________________

[ 183 ]

يتلوم له في المهر إذا أجرى النفقة السنتين قال: ولو عجز عن المهر والنفقة لم يوسع له في أجل المهر إلا الاشهر إلى السنة وهذا إن دلبته بالمهر ولم تطلبه بأجل النفقة والتلوم فيها له. قاله محمد وهو صحيح، ولو كان له مال ظاهر حكم عليه بدفع المهر وأمر بالبناء. قلت: الذي رأيته في العتبية ورأى ابن وهب بهمزة بعد الراء ونقله ابن فتوح وروي بواو بعد الراء. وقال ابن القاسم في المدونة: لا أعرف سنة ولا سنتين بل قول مالك يتلوم له مرة بعد مرة وأن لا فرق بينهما انتهى. ص: (ثم طلق عليه) ش: يعني فإذا انقت الآجال ولم يأت بشئ وظهر عجزه عجزه الحاكم وطلقها عليه إن دعا أبوها إليه. قاله في المتيطية. وقال بعد ذلك: يكتب ذلك في العقد فأمر القاضي وفقه الله الزوج فلانا بتطليقها فأبى من ذلك وثبتت إبايته فطلقها عليه طلقة واحدة تملك بها أمر نفسها انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: والذي يوقع الطلاق في هذه المسألة هو الحاكم، وإنمد يوقعه بسؤالها وتفويضها له في الطلاق، وله أن يأذن لها فتوقعه هي على نفسها انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون التطليق لعجزه بإيقاعه الزوج أو الزوجة ثالثها الزوج فإن أبى فالحاكم لابن سهل عن ابن القاسم ابن سراج وابن عات في الطلاق لما هو من حق الزوجة مع استحسانه. ابن مالك وابن فتحون اه‍. ص: (وتقرر بوطئ وإن حرم) ش: وأما القبلة والمباشرة والتجرد والوطئ دون الفرج فلا يوجب عليه الصداق. قاله في إرخاء الستور. مسألة: من دفع امرأة فسقطت عذرتها فعليه ما نقصها بذلك من صداقها عند الازواج وعليه الادب، وكذا لو أزالها بأصبعه، والادب هنا أشد، وسواء فعل ذلك رجل أو غلام أو امرأة. هذا في غير الزوج، وأما الزوج فحكمه في الدفعة مثل غيره عليه ما نقصها عند غيره وإن فارقها ولم يمسكها، وإن فعل بها ذلك بأصبعه فاختلف هل يجب عليه بذلك الصداق أو لا يجب عليه بذلك الصداق وإنما يجب عليه ما شأنها عند غيره من الازواج إن طلقها ولم يمسكها قولان. انتهى بالمعنى من رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات، وذكرها في سماع أصبغ وسحنون من كتاب النكاح وتكلم عليها ابن رشد في سماع سحنون

________________________________________

[ 184 ]

ونسبها ابن عرفة لسماع عيسى وليست فيه. وقال في التوضيح: إن أصابها بأصبعه وطلقها فإن كانت ثيبا فلا شئ لها، وإن كانت بكرا وافتضها به فقيل يلزمه كل المهر، وقيل يلزمه ما شأنها مع نصفه، وقيل إن رئ أنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بمهر فكالاول وإلا فكالثاني، ومال أصبغ إلى الثاني واستحسنه اللخمي، انتهى باختصار منه ومن ابن عرفة. قال في النوادر: ولا أدب عليه، ولو فعل بها ذلك غير زوجها فعليه الادب وما شأنها وتقدم هذا في كلام العتبية. فرع: قال في التوضيح: وإذا كان الزوج غير بالغ فلا يتكمل بوطئه الصداق اه‍. وإذا كانت الزوجة غير مطيقة للوطئ قال فيه: لا يتكمل والظاهر أنه يكون جناية. قال في النوادر في الذي افتض زوجته فماتت: روى ابن القاسم عن مالك إن علم أنها ماتت منه فعليه ديتها وهو كالخطأ، صغيرة كانت أو كبيرة، وعليه في الصغيرة الادب إن لم تكن بلغت حد ذلك، وقال ابن الماجشون: لا دية عليه في الكبيرة ودية الصغيرة على عاقلته ويؤدب في التي لا يوطأ مثلها اه‍. تنبيه: انظر هل يدخل الوطئ في الدبر في قول المصنف: وإن حرم وفيه قولان. قال ابن عرفة قال اللخمي: اختلف في استحقاق المهر بالوطئ في الدبر وفيه نظر وهو في البكر أبعد. قلت في رجمها لمالك وطؤها في الدبر جماع لا شك فيه انتهى. مسأله: قال في المسائل الملقوطة في ذكر الذين لا صداق عليهم ما نصه: وكذلك المرأة إذا اشتهرت بالسفاح وإباحة فرجها لغير زوجها فلا صداق لها على زوجها. قاله ابن القاسم في أسئلته. وقيل لها الصداق وتحد. قاله في كتاب الاحكام من مسائل الاحكام انتهى. ص: (وموت واحد) ش: صغيرا كان أو كبيرا. وفي النوادر ما يدل على ذلك قال فيها: ومن زوج ابنه الصغير من ابنة رجل صغيرة فمات الصبي فطلب أبو الصبية المهر فقال أبو الصبي لم أسم مهرها وإن ذلك إنما كان منك على الصلة لابني قال محمد: لا يصدق ولها ما ادعى أبوها إن كان صداق مثلها. قال مالك: لا شئ لها إلا الميراث. انظر بقية المسألة فيها والله أعلم. ص: (وصدقت في خلوة الاهتداء) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن قالت قد وطئني صدقت، كان الدخول عندها أو عنده إذا كان دخول اهتداء اه‍. وقوله: صدقت أي بيمين وهو أحد الاقوال. ابن عبد السلام: وهو الصحيح، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة لان ابن عرفة

________________________________________

[ 185 ]

نقل أن القول الثالث يفرق فيه بين الصغيرة فلا يجب عليها شئ وبين الكبيرة فيجب عليها اليمين. وقال في التوضيح: قد تقدم أن الكبيرة لا تأخذ الصداق إلا بعد اليمين على الظاهر، وأما الصغيرة فلا تحلف في الحال ويقال للزوج احلف، فإن كل غرم الجميع عند ابن عبد السلام ولم يكن له أن يحلفها إذا بلغت اه‍. ثم قال في التوضيح: وإن حلف دفع النصف فإذا بلغت حلفت وأخذت النصف الآخر فإن نكلت لم يحلف الزوج ثانية اه‍. وهذا إن أنكر الزوج الوطئ وإن وافقها عليه يثبت الوطئ بلا خلاف. قاله ابن عرفة. ص: (وفي نفيه وإن سفيهة وأمة) ش: يريد إذا وافقها الزوج على نفيه أيضا بدليل قوله بعد: وإن أقر به فقط. ومن طالع الجواهر وابن عرفة علم صحة هذا. ابن عبد السلام: وحيث قبلنا قولها في الوطئ فهي على العموم، سواء كان في وجود الوطئ أو عدمه. أدى ذلك إلى منفعتها أو مضرتها، رشيدة كانت أو سفيهة، بكرا أو ثيبا، صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة. اه‍ والله أعلم. ص: (والزائد منهما) ش: يريد بيمين. انظر ابن عرفة وتأمل كلام التوضيح والله أعلم. ص: (وإن أقر به فقط أخذ إن كانت سفيهة) ش: جرى رحمه الله هنا على ما نقله في التوضيح عن ابن راشد وهو خلاف ما قاله ابن عبد السلام: وإن ادعت عيبة وأقربه الزوج فإن كانت رشيدة في المسألة التي يذكرها المؤلف عقب هذه، وإن كانت سفيهة أو صغيرة أو أمة ففي ذلك قولان، أحدهما قولها وهو المشهور. اه‍ فتأمله والله أعلم. ص: (وهل أن أدام الاقرار الرشيدة كذلك) ش: أما إن لم يدم الاقرار فإن رجع لقولها قبل رجوعها لقوله فإنه يسقط عنه نصفه ولا يمين عليه أقامت على إنكارها أو نزعت. قاله ابن عرفة عن ابن رشد. وأما إن أدام الاقرار فعلى التأويل الاول لا كلام، وعلى الثاني وهو إن كذبت نفسها فلا يمين عليه أقام على قوله أو نزع عنه. قاله أيضا ابن عرفة. فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولو أنكر الزوج الخلوة ولم تقم له بينة فإنه يحلف ويلزمه نصف الصداق وإن نكل غرم الجميع انتهى.

________________________________________

[ 186 ]

فرع: قال ابن عرفة الصقلي عن القابسي: من بنى بمن نكحها بذي غرر وأنكر وطأها وادعته غرم مهر مثلها وفسخ نكاحه لاقراره بنفي موجب إمضائه ولو ادعاه لم يفسخ ولو أكذبته اه‍. ونقله ابن عبد السلام، وانظر تمام الكلام على المسألة في ابن رشد واللخمي وشرح المدونة في إرخاء الستور والله أعلم. فرع: قال البرزلي في مسائل النكاح: وسئل ابن أبي زيد عمن بنى بزوجته ثم طلقها وادعى عدم المسيس وكذبته فأخذت منه صداقها ثم أخذت تزني فقالت أقررت بالمسيس لاخذ الصداق، فهل يرجع عليها بنصفه ؟ وأجاب: وكذا ينبغي أن له ذلك عليها. قلت: فيحتمل هذا وإن رجعت عن إقرارها لانه حق لآدمي كما إذا أقر بقتل رجل ثم رجع فإنه لا يقبل منه في حق الآدمي، ويقبل منه في درء الحد، ويحتمل أن يكون ذلك ما لم ترجع عن إقرارها كالحد، وسكت عن نوع الحد وجوابه في المدونة أنه حد البكر لعدم اتفاقهما على الوطئ انتهى. وتكلم على المسألة في موضعين: الاول منهما لم يذكر فيه قوله وسكت عن نوع الحد الخ. والثاني لم يذكر فيه قوله ويحتمل هذا إلى قوله كالحد والله أعلم. ص: (وفسد إن نقص عن ربع دينار) ش: قال ابن الحاجب: ولو كان عبده لامته انتهى. وأما أكثر الصداق فلا حد له. قال في المتيطية بإجماع قال الله في كتابه: * (هن قنطارا) * قال الشيخ أبو بكر في كتابه: والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية، وروي ذلك عن النبي عليه السلام. وقيل: القنطار ألف دينار ومائتا دينار. وعن ابن عباس أنه اثنا عشر ألف درهم. وقال ابن المسيب: ثمانون ألفا. وعن أبي هريرة أنه اثنا عشر ألف أوقية. وعن ابن عباس أيضا هو أيضا دية أحدكم. وعنه ثمانون ألف درهم وعنه سبعون ألفا. وقال قتادة: ثمانون ألف درهم. وقيل: هو مائة رطل من ذهب. وعن مجاهد سبعون ألف دينار. وقيل: المال الكثير. وقيل: أربعون أوقية من ذهب أو فضة. انتهى كلامه. ص: (وإلا فإن لم يتمه فسخ) ش: يعني وإن لم يدخل فالزوج مخير بين أن يتمه أو يفسخ النكاح، هذا هو المشهور كما صرح به في غالب الكتب وسقط من نسخة البساطي، فإن لم يتمه فصار الكلام وإلا فسخ فشرحه على المعنى إن

________________________________________

[ 187 ]

لم يدخل تحتم فسخه وقال: إنه المشهور. وهذا ليس بظاهركما ترى، وإذا لم يتمه وفسخ فلها النصف على المشهور وقد قدمه المصنف في قوله: وسقط بالفسخ قبله إلا نكاح الدرهمين فنصفهما كطلاقه ولا شك أن الفسخ هنا بطلاق لانه مختلف فيه وصرح به في التوضيح وغيره وانظر ابن عبد السلام. ص: (أو بما لا يملك كخمر وحر) ش: وكذلك الخنزير والقرد والسم وإذا وقع فالمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وهذا معلوم من قول المصنف فيما تقدم وما فسد لصداقه، وقيل: يمضي مطلقا وقيل: يفسخ مطلقا. ولا شك أن الفسخ هنا بطلاق للخلاف المذكور ولا شئ على الزوج فيما هلك من ذلك. قاله ابن الحاجب وغيره. فرع: قال في التوضيح: واختلف إذا استهلكت الذمية الخمر فقال ابن القاسم: لها صداق المثل ولا تتبع بشئ. وقال أشهب: تعطى ما تستحل به وهو ربع دينار. اللخمي: وهو أحسن لان حقها في الصداق سقط بقبضها الخمر وإنما بقي الحق لله تعالى انتهى. وقال البساطي: أن ابن القاسم يقول: لا شئ لها. وقال غيره: لا بد من ربع دينار اه‍. تنبيه: مشهور المذهب أن النكاح الفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، واختلف هل الفسخ قبل البناء على الوجوب أو الاستحباب قولا المغاربة والعراقيين. قاله ابن عبد السلام والمصنف. فرع: قال ابن عبد السلام: واختلف إذا دعا الزوج في مثل هذا النكاح إلى البناء والنفقة فاتفق على أنه نكاح صحيح ثم عثر على فساده قبل البناء ففسخ أنه يرجع في مال الزوجة بما أنفق عليها كمن اشترى من رجل داره على أن ينفق عليه حياته فإنه يرجع عليه بالنفقة التي دفع إليه ويفسخ البيع، وقال عبد الله بن الوليد: لا يرجع على الزوجة بشئ انتهى. زاد في التوضيح إثر كلام ابن الوليد: لان الفسخ قبل البناء غير واجب إذ أجازه جماعة من العلماء إذا عجل ربع دينار اه‍. وصحح في الشامل القول بالرجوع ونصه: وحيث فسخ فهل وجوبا أو استحبابا قولان، ويرجع بما أنفق قبل البناء إن فسخ على الاصح انتهى. فرع: قال في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح: وسئل عمن يكتسب مالا حراما فيتزوج به، أيخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنا ؟ فقال: إني والله لاخافه ولكن لا أقوله. ابن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنا هو أن الله تعالى إنما أباح الفرج بنكاح أو بملك يمين وقال (ص): لا نكاح إلا بولي وصداق فنفى أن يكون نكاحا جائزا إلا على هذه الصفة، والمتزوج على حرام لم يتزوج بصداق إذ ليس المال الحرام بمال له فإذا وطئ

________________________________________

[ 188 ]

به فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح أباحه الشرع انتهى. ص: (أو بإسقاطه) ش: حكميها كالتي قبلها. قاله ابن الحاجب عند ذكر نكاح التفويض. وقاله غيره. ومثله النكاح بلفظ الهبة من غير ذكر الصداق وهما من الفاسد لصداقه. قاله في التوضيح. ص: (أو كقصاص) ش: ومثله أن ينكحها بقرءان يقرؤه. ابن عرفة: وشرطه كونه منتفعا به للزوجة متمولا. الباجي عن ابن مزين عن يحيى بن يحيى: من نكح بقرآن يقرؤه فسخ قبل البناء ويثبت بعده. أبو عمر: روى ابن القاسم مثله. قال ابن القاسم: وكذا من تزوج بقصاص وجب له على امرأة. وقال سحنون: النكاح جائز وإن لم يدخل. قلت: هو جار على قول أشهب بجبر القائل على الدية اه‍. وظاهر كلام ابن عرفة أن القصاص على المرأة نفسها وأحرى لو كان على غيرها والله أعلم. ص: (أو أبق) ش: لو قال: كأبق لكان أحسن، ويحتمل أن تكون الكاف مقدرة فيه وفيما بعده لانه معطوف على لفظ كقصاص كما قاله ابن غازي، ويدخل في ذلك كل ما كان فيه غرر كالبعير الشارد والجنين والثمرة التي لم يبد صلاحها على التبقية لا على القطع. قاله في التوضيح. وكأنه نافل له عن غيره بدليل قوله بعده محمد: وإن غفل عنها حتى بدا صلاحها لم يفسخ لانه كان جائزا ولا يتهمان على ذلك ويكون لها قيمة ذلك يوم عقد النكاح وترد الثمرة التي طابت للزوج. وظاهر كلام ابن عرفة أن هذا القيد من عند نفسه لانه قال: قلت: ثم ذكره والله أعلم وهذا أيضا المشهور فيه أنه يفسخ ذلك قبل البناء ويثبت بعده صداق المثل والفسخ بطلاق للاختلاف فيه، وترد ما قبضته من ذلك ويدخل في ضمانها بالقبض لا بالعقد كالبيع الفاسد على المشهور، فإن قبضته وفات بيدها بحوالة سوق ونحوه فهو لها وتغرم القيمة. قاله ابن الحاجب وغيره. ص: (أو دار فلان أو سمسرتها) ش: ابن عرفة عنها: ويفسخ قبله ويثبت بعده بمهر المثل، ولا شك أن الفسخ بطلاق للخلاف الذي فيه والكاف مقدرة فيه كالذي قبله كما تقدم أي وكذا عبد فلان ودابة فلان والله أعلم. ص: (أو بعضه لاجل مجهول) ش: يأتي حكمها في كلام

________________________________________

[ 189 ]

المؤلف. ص: (أو لم يقيد الاجل) ش: قال في التوضيح اختلف إذا لم يؤرخ أجل الكالئ فقال المتيطي: المشهور من مذهب مالك وأصحابه وبه العمل وعليه الحكم أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل. فرعان: الاول: قال في التوضيح: وهل يجوز في الاجل أن يقدر بما يؤجله الناس ؟ سئل ابن زرب عمن نكح بنقد مقدم وكالئ إلى ما يكلا الناس فقال: لا يجوز لان الناس يختلفون في التأجيل. وذكر ابن الهندي عن بعض معاصريه أنه لا يفسخ قبل البناء ويجعل أجله على ما مضى عليه الناس في الكالئ، فإن اختلف الاجل ضرب له أجل وسط انتهى. الثاني: قال ابن سلمون في أوائله وفي كتاب الاستغناء: إذا اختلف الزوج والولي في أجل الكالئ فقال الشهود نسيناه، فإن كان أجل الكوالئ كلها متعارفا عندهم وكان لقلة الكوالئ وكثرتها أجل، جعل ذلك الكالئ إلى مثل ذلك الاجل، فإن لم يكن ذلك عندهم متعارفا حمل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالئ إلى مثل ذلك الاجل ويثبت النكاح انتهى. ص: (إلا لقريب جدا) ش: قاله ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب

________________________________________

[ 190 ]

النكاح: حد القرب على ظاهر قوله - يعني ابن القاسم - إذ قاسمه على الشراء اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك - قال أصبغ - الاربعة والخمسة. وأجاز ابحبيب أن يدخل بها في البعيد الغيبة إلا أنه يستحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها ففرق بين الدخول في النكاح والنقد في البيع. فرع: قال: وقوله: إن أصيب العبد فلها قيمته يريد في القريب والبعيد على ما اختاره من قول مالك في مسألة البيع. مسألة: وهذا إذا عرفت المرأة العبد أو وصف لها قال: وأما إذا لم تعرفه ولم يوصف لها فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل انتهى. ص: (وجمع امرأتين سمى لهما أو لاحداهما) ش: أي وجاز جمع امرأتين فأكثر في

________________________________________

[ 191 ]

عقد واحد إذا سمى لهما أي سمى لكل واحدة منهما صداقها، وكذلك في أكثر من اثنتين. ونص ابن رشد وغيره على أن هذه المسألة لا خلاف فيها، أو سمى لاحداهما صداقها ولم يسم للاخرى بل تزوجها نكاح تفويض وجمعهما في عقد واحد. نقله في التوضيح عن ابن يونس. قال: وكذلك لو جمعهما جميعا في عقد واحد على تفويض، وقاله أبوعمران ونبه على جميع ذلك الشارح. ص: (وهل وإن شرط تزويج الاخرى أو إن سمى صداق المثل قولان) ش: يعني وهل يجوز النكاح على الوجه المذكور، وإن شرط في تزوجه إحداهما تزوج الاخرى، وسواء سمى لكل واحدة منهما صداق مثلها أو لم يسم لكل واحدة صداق مثلها كما لو تزوجها في عقد واحد وسمى لكل واحدة ثلاثين وصداق مثل إحداهما أربعون وصداق مثل الاخرى، عشرون، وشرط في تزوج إحداهما تزوج الاخرى، وإنما يجوز النكاح المذكور إذا شرط في تزوج إحداهما تزوج الاخرى إن سمى لكل واحدة منهما صداق المثل، وإن لم يسم لكل واحدة صداق المثل لم يجز كما في الصورة المذكورة ؟ قولان للمتأخرين: الاول لابن سعدون، والثاني لغيره. كذا قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. وظاهر كلام ابن عرفة عزوه للخمي، فعلم مما تقدم أن محل القولين إنما هو إذا تزوج إحداهما بشرط تزوج الاخرى ولم يسم لكل واحدة صداق مثلها، وأما لو سمى لكل واحدة صداق مثلها أو لم يشترط تزوج إحداهما بتزوجها الاخرى قولان. قال في الشامل: وهل يجوز إن شرط ولا يتزوج واحدة إلا مع الاخرى مطلقا، أو إن سمى لكل مهر مثلها ؟ قولان: ص: (ولا يعجب جمعهما والاكثر على التأويل بالمنع والفسخ قبله وصداق المثل بعده) ش: أي هذا الذي تقدم إذا جمعهما في عقد وسمى لكل واحدة صداقا، وأما إن جمع المرأتين أو أكثر في عقد واحد بصداق واحد فقال في المدونة: لا

________________________________________

[ 192 ]

يعجب جمعها. والاكثر من الشيوخ، ابن الحاجب وغيره، على التأويل اللفظ المذكور بالمنع وعلى ذلك اختصرها البراذعي قال في تهذيبه: ولا بأس أن يتزوج امرأتين في عقد واحد إذا سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق واحد لم تجز. وعلى ما ذهب إليه الاكثر من تأويل اللفظ على المنع، فذهب الشيخ أو محمد بن أبي زيد إلى الفسخ للنكاح المذكور قبله أي قبل البناء. قال في التوضيح عنه: ولا شئ لها. وكذلك قال ابن محرز: ظاهر قول ابن القاسم إن النكاح فاسد وأن المطلقة والمتوفى عنها لا شئ لهما. ومقتضى قوله إن النكاح يفسخ قال بعض المذاكرين لهما ما يخصهما من تلك التسمية يعني في الطلاق والوفاة لان النكاح أخف من البيوع. ومقتضى هذا أنه لا يفسخ قال: وكذلك قال في التنبيهات: ظاهره على أصله أنه لا شئ لها لانه عنده من باب غرر الصداق انتهى. وهذا عنده حكم ما قبل الدخول وإن عثر على ذلك بعد الدخول مضي ولكل واحدة صداق المثل بعده أي بعد الدخول. فرع: قال ابن عرفة: ولو تزوج أمة رجل وابنته في عقد واحد أو امرأة وأمنها ففي جوازه بمهر بينها أو حتى يسمي مهر كل منهما طريقا أبي حفص وابن محرز قائلا: لان المهر مستحق للامة لا لمالكتها. قلت: والاول بناء على العكس انتهى. وظاهر كلام المصنف شمول المنع لهذه المسألة على ما قال ابن محرز والله أعلم. ص: (أو تضمن إثباته رفعه) ش: انظر مسائل هذا

________________________________________

[ 193 ]

النوع في التوضيح في الكلام على مسألة السريجية. ص: (أو كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة) ش: هذا نكاح الشغار. وقال الرجراجي: يطلق ويراد به الرفع. يقال شغر الكلب إذا رفع رجليه ليبول وذلك أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كبر وبلغ حد الوثوب على الاناث انتهى. ومثل المصنف لذلك بالاختين، ومثل ابن الحاجب بالبنتين. فقال في التوضيح: الشغار وفي الاختين والامتين كالبنتين، وصرح به في أصل المدونة. ولعل المصنف اقتصر على البنتين تبعا للحديث. وبذكر الاختين يعلم أن الشغار لا يختص بالوليتين المحجورتين. قال في تهذيب الطالب: وذهب بعضهم إلى أن الشغار إنما يكون فيمن تجبر على النكاح وهو غلط انتهى. وقال في الاكمال في شرح قوله زوجني أختك: لم يختلف المذهب أن غير البنت من الاماء والاخوات وغيرهن حكم البنات انتهى. وقال في التوضيح: قال أبوعمران في رجلين عقد كل منهما نكاح أخته من صاحبه: ففي مجلس واحد وهو جائز إذا لم يفهم إن لم يزوج أحدهما

________________________________________

[ 194 ]

صاحبه لم يزوجه الآخر. ومثله لابن لبابة قال: إن قال تزوجني وأزوجك وعقدا على ذلك وسميا صداقا جاز. قال: والذي يثبت به الشغار زوجني على أن أزوجك وإن زوجتني زوجتك انتهى. واختصره في الشامل فقال: وإن زوج كل صاحبه بمهر مسمى ولم يفهم وقف. أحدهما على الآخر جاز كزوجني وأزوجك لا إن زوجتني زوجتك أو زوجني على أن أزوجك اه‍. ص: (وعلى حرية ولد الامة أبدا) ش: قال في الشامل: ولها المسمى إن بنى. وقيل: الاصح مهر المثل وما ولدته فحر وولاؤه للسيد ولا قيمة على الاب فيه، فإن استحقت أخذت مع الولد ورد عتقه وكان زوجها على حرية أول ولد تلده. وقال عبد الملك: يفسخ إلا

________________________________________

[ 195 ]

أن تلد وكان زوج عبده أمة غيره ليكون الولد بينهما، فإن ولدت فالولد لسيد الامة لا بينهما على الاصح ولها مهر المثل بالبناء. ولو زاد على المسمى انتهى. والمسألة في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح وفي أوائل رسم من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. ص: (والاجل) ش: قال في كتاب النكاح من النوادر من كتاب ابن المواز: وكره مالك لصداق بعضه معجل وبعضه مؤجل إلى ست سنين قال: ولم يكن من عمل الناس وقال ابن القاسم: ألا يعجبني إلا إلى سنة أو إلى سنتين، فإن وقع في المسألة الاولى لم أفسخه إلا في الاجل البعيد. قال أصبغ: إلا أن يطرحوا ذلك عنه أو يجعلوه إلى أجل قريب أو ليبني فيكون

________________________________________

[ 196 ]

...

________________________________________

[ 197 ]

لها صداق المثل نقدا كله اه‍. ص: (ونقدها كذا مقتض لقبضه) ش: قال في التوضيح في اختلاف الزوجين في الصداق. فرع: إذا قال الموثق في الكتاب النقد من الصداق كذا فهو مقتض لبقائه في ذمة الزوج. واختلف إذا قال نقدها كذا فقال سحنون: ذلك براءة للزوج من النقد. وقال سحنون: لا يبرئه ذلك حتى ينص على الدفع اه‍. وفي الشامل: وقوله نقدها أو أقبضها أو عجل لها أو قدم ونحوه مقتض لقبضه، وقوله النقد من الصداق كذا مقتض لقبضه فإن قال نقده كذا فقولان. ص: (وجاز نكاح لتفويض والتحكيم عقد بلا ذكر مهر) ش: قال ابن عرفة: نكاح التفويض ما عقد دون تسمية مهر ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد الباجي: هو جائز اتفاقا. ثم قال أبو عمر: قوله أزوجك على ما شئت فاسد مهره. ثم قال عن اللخمي: إن شرط فيه أن ما فرض فيه من فوض إليه لزم ولو قل فسد ثم قال: ونكاح التحكيم قالوا ما عقده على صرف قدر مهره لحكم حاكم. قلت: ظاهر أقوالهم والروايات ولو كان المحكم عبدا أو امرأة أو صبيا تجوز وصيته اه‍. فعلم أن المراد بنكاح التحكيم إنما هو النكاح الذي صرف الحكم في قدر صداقه لحكم حاكم إما أحد الزوجين أو غيرهما، وليس المراد به النكاح الذي جعل إمضاءه أو رده إلى أحد الزوجين أو غيرهما لان ذلك هو النكاح على خيار وقد تقدم أنه فاسد فقال المصنف لما

________________________________________

[ 198 ]

ذكر نكاح السر ثم ذكر ما يفسخ قبل الدخول أو على خيار لاحدهما أو غيره. تنبيه: قول المصنف عقد بلا ذكر مهر تفسير لنكاح التفويض ولنكاح التحكيم لانه جمع النوعين وفسرهما بالقدر المشترك بينهما وهو عدم ذكر المهر أي عدم تسمية قدره، ولكل واحد من النوعين فصل يمتاز به. فيمتاز نكاح التفويض عن نكاح التحكيم بأنه لم يذكر فيه المهر ولا صرف الحكم فيه لحاكم، ونكاح التحكيم بأنه صرف الحكم فيه لحاكم فتأمله والله أعلم.. فائدة: قال ابن عرفة: وفيها أرأيت إن تزوجها على حكمه أو حكمها أو حكم فلان قال: كنت أكرهه حتى سمعت من أثق به يذكره عن مالك فأخذت به وتركت رأيي فيه. ابن عبد السلام: إن قلت رجوع ابن القاسم دليل على أنه مقلد لمالك كتقليده من دونه. قلت: يحتمل أنه أجاب أولا على قواعد مالك فلما وجد نصه رجع إليه، ولا يلزم من هذا أنه مقلد. ألا ترى أنه لا ينافي التصريح بنقيضه فيقول الجاري على أصل المذهب كذا والصحيح عندي كذا لنص حديث أو غيره من الادلة الظاهرة إلا أن التقليد معلوم من غالب حال أهل العصر بدليل منفصل، وحال ابن القاسم معلومة بدليل منفصل، ألا ترى إلى كثرة مخالفته لمالك وإغلاظه القول عليه فيقول هذا القول ليس بشئ وما أشبهه من الالفاظ التي يبعد صدورها من مقلد. قلت: ظاهره أن ابن القاسم عنده مجتهد مطلقا وهو بعيد. لان بضاعته من الحديث مزجاة، والاظهر ما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم إنه مجتهد في مذهب مالك فقط كابن سريج في مذهب الشافعي. وظاهر قول ابن عبد السلام في غالب حال أهل العصر أن عصره لم يخل من مجتهد وهو كما قال والله أعلم. ص: (بلا هبة) ش: يعني أن من شرط نكاح التفويض أن لا يكون بلفظ الهبة، فإن عقد النكاح بلفظ الهبة مع عدم تسمية الصداق فذلك كالتصريح بإسقاط المهر. قاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: قال في المدونة. قال ابن القاسم: وليس الموهوبة إذا لم يسموا معها صداقا كالتفويض وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا صداق فلا يصلح ولا يقر هذا النكاح ما لم يدخل بها، فإن دخل بها فلها صداق مثلها ويثبت النكاح. قال سحنون: وقد كان قال يفسخ وإن دخل بها ابن المواز. وقاله أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ لان فساده في البضع أشهب ويكون لها إذا فسخ ثلاثة دراهم. وقال أصبغ: بل صداق المثل. ابن رشد: والاول أقيس لان الثلاثة الحق لله والزائد وقد وهبته انتهى. ص: (وفسخ إن وهبت نفسها قبله وصحح أنه زنا) ش: اعلم أن هذه المسألة غير المسألة المتقدمة. لان الصورة الاولى قصد فيها الولي النكاح وهبة الصداق وهذه قصد فيها بهة نفس المرأة. قال

________________________________________

[ 199 ]

ابن عبد السلام، والمصنف في التوضيح: قال ابن حبيب: والحكيم فيها أيضا الفسخ قبل البناء

________________________________________

[ 200 ]

ويثبت بعده بصداق المثل. واعترضه الباجي وقال: يفسخ قبل البناء وبعده وهو زنا ويجب فيه الحد وينتفى الولد انتهى. ومن رأى كلام التوضيح وابن عبد السلام علم صحة ما قلناه من أن كلامه مشتمل على مسألتين وبه يتضح، وإذا جعل مسألة واحدة صار قوله وإن وهبت نفسها كأنه غير محتاج إليه، وأيضا لا يصح قوله فيه وصحح أنه زنا، لان الباجي إنما قاله في هذه الصورة كما علمته فتأمله منصفا والله أعلم. واعترض ابن عرفة ما قاله الباجي. ص: (وإن فرض في مرضه) ش: تصوره واضح. فرع: قال ابن عبد السلام: قال محمد: ولو سمى لها في مرضه ثم صح ثم مات لزمه

________________________________________

[ 201 ]

ذلك يريد وإن اد على صداق المثل. انتهى بلفظه. ص: (أو أسقطت شرطا قبل وجوبه) ش: ما حمله عليه ابن غازي مخالف لما سيأتي في قوله في فصل المفقود والمطلقة لعدم النفقة ثم ظهر إسقاطها وقد ذكرنا كلام الاصحاب هناك. ص: (وأخت شقيقة أو لاب لا لام والعمة) ش: ما أشار إليه ابن غازي صحيح ونص ما في رسم الطلاق من سماع القرينين من كتاب النكاح قال محمد بن رشد: مذهب مالك رحمه الله أن يعتبر في فرض صداق المثل في نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن على مثل حالها من العقل والجمال والمال، فلا يكون لها مثل صداق نسائها. إذا لم يكن على مثل حالها ولا مثل صداق من لها مثل حالها وإذا لم يكن لهن مثل نسبها. ثم قال: ونساء قومها اللواتي يعتبر بصدقاتهن أخواتها الشقائق وللاب وعماتها الشقائق أيضا وللاب ولا يعتبر في ذلك بصدقات أمهاتها ولا خالاتها ولا أخواتها

________________________________________

[ 202 ]

للام ولا عماتها للام لانهن من قوم آخرين انتهى. وقال في التوضيح بعد نقله هذا الكلام: وقال عبد الوهاب باعتبار عشيرتها وجيرانها كن عصبة أم لا خلافا للشافعي في مراعاة العصبة. وينبغي أن يراعى من ذلك العرف، فإن جرى العرف بالنظر إلى صداق الام وغيرها كما هو في زماننا فيجب اعتباره، وأشار اللخمي وغيره إلى ذلك انتهى. وقال اللخمي: قال مالك: وليس الرجل يغتفر فقره لقرابته كالاجنبي الموسر يرغب في حاله. وقوله هذا يصح مع عدم العادة فإن كان قوم لهم عادة لا يحطون لفقر وقبح ويزيدون ليسار وجمال حملوا على عادتهم كأهل البادية اليوم انتهى. ص: (كالغالط بغير عالمة وإلا تعدد كالزنا بها أو بالمكرهة) ش: تصوره واضح وينظر في ذلك في التوضيح، والمقصود أن هذا الحكم خاص بالحرة، وأما الامة فقال ابن عرفة في كتاب الرهن في وطئ المرتهن الامة المرهونة: فيها إن وطئها المرتهن فولدت منه حد ولم يلحق به الولد ولا يعتق عليه إن ملكه وكان رهنا مع أمه ويغرم ما نقضها وطؤه ولو كانت ثيبا إن أكرهها، وكذا إن طاوعته وهي بكر، وإن كانت ثيبا فلا شئ عليه والمرتهن وغيره في ذلك سواء، الصقلي: الصواب أن عليه ما نقصها وإن طاوعته وإن كانت ثيبا وهو أشد من الاكراه لانها في الاكراه لا تعد زانية بخلاف الطوع فأدخل على سيدها فيها عيبا فوجب عليه غرم قيمته. ونحوه في كتاب المكاتب إن على الاجنبي ما نقصها بكل حال. ولاشهب: إن طاوعته فلا شئ عليه مما نقصها وإن كانت بكرا كالحرة انتهى. وقال في الشامل في باب الرهن في هذا المحل: ويغرم ما نقصها إن أكرهها وإلا فثالثها الاصح إن كانت بكرا انتهى. والظاهر ما رجحه ابن يونس والله أعلم. وانظر أبا الحسن والبيان في كتاب القذف. والحاصل من كلامهم أن عليه ما نقصها في الاكراه مطلقا، وفي الطوع إن كانت بكرا على الراجح

________________________________________

[ 203 ]

الذي هو مذهب المدونة، وإن كانت ثيبا فرجح ابن يونس أن عليه ما نقصها. وذكر في الشامل أن الارجح لا شئ عليه، وفهم من كلام المصنف أن من أكره امرأة حرة على الوطئ فعليه صداقها، سواء كانت ثيبا أو بكرا. وصرح به في النوادر في كتاب الزنا وقاله ابن الجلاب أيضا في باب الجنايات وأظنه في المدونة والله أعلم. فرع: قال في آخر معين الحكام: إذا أكره الرجل على أن يزني بامرأة مكرهة فلها الصداق عليه، فإن كان عديما أخذته ممن أكرهه ثم لا رجوع لدافعه على الواطئ انتهى. ص: (وجاز شرط أن لا يضربها في عشرة وكسوة ونحوهما) ش: تصوره واضح مسألة: إذا توافق الزوج والمرأة على النكاح على شروط ثم لم يعقدوا في ذلك المجلس ثم عقدوا في مجلس آخر ولم يذكروا الشروط، فهل الشروط الاولى لازمة أم لا ؟ انظر النوادر في كتاب الشروط والمسألة في البيان، وكذا مسألة المرأة تأذن لوليها أن يزوجها على شروط فيزوجها بغير شروط انظرها فيه والله أعلم. فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح: إذا تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو تسرى فأمرها بيد وليها فهلك مولاها فلا شئ بيدها وتنتقل إلى ورثته، ولو جعل الامر بيد غير مولاها فهلك فلا ينتقل لورثته ويرجع الامر إليها. انتهى بالمعنى والله أعلم. فائدة: في الحديث لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن مالها ما قدر لها رواه مالك في الموطأ. قال ابن عبد البر: فقه هذا الحديث أنه لا يجوز لامرأة ولا لوليها أن يشترط في عقد نكاحه طلاق غيرها انتهى. وقوله غيرها يريد أختها في الدين. قاله الباجي في شرح هذا الحديث في كتاب الجامع. وقال النووي: المراد غيرها سواء كانت أختها في النسب أو في الاسلام أو كافرة. انتهى والله أعلم. فرع: قال ابن سلمون: فإن اشترط أبو الزوجة على صهره أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فأمرها بيد أبيها ففعل ذلك الزوج وأراد الاب أن يفرق وأرادت البنت البقاء فالاختيار في ذلك للاب إلا أن يرى السلطان في ذلك أن الفراق ليس بنظر للبنت فيمنعه وينظر في ذلك للبنت، فإن كان الزوج جعل ذلك بيد أبيها من غير أن يشترط عليه ذلك الوالد فإن القول في ذلك قول البنت ويمنع أبوها من الفراق إن أحبت هي البقاء بخلاف الاول فإنه حق للاب لا يخرج من يده إلا بنظر السلطان.

________________________________________

[ 204 ]

فرع: منه أيضا: قال: فإن التزم لها التصديق بالضرر بغير يمين فقال ابن رشد: اختلف في ذلك فروى سحنون أنه قال: أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء، فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر. وحكى ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا بالبينة. ثم قال: ولا اختلاف أنه إذا لم يكن مشترطا في أصل العقد أنه جائز. فرع: للرجل السفر بزوجته إذا كان مأمونا عليها. قال ابن عرفة: بشرط أمن الطريق والموضع المنتقل إليه وجري الاحكام الشرعية فيه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة: بشرط أمن من الطريق والموضع المنتقل إليه وجرى الاحكام الشرعية فيه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أنه من عنده. ونص على ذلك ابن الجلاب في باب النفقة إلا شرط جري الاحكام فليس صريحا في كلامه، ونقل في التوضيح كلامه في باب النفقات. وقال البرزلي: الذي استقر عندي من أحوال قرب القيروان حين كنت مقيما بها أنها لا تتناولها الاحكام الشرعية فلا تمكن الفارة من زوجها من الخروج إلى القرى أو إلى الجبال التي حولها وبلاد هوارة مثل برقة انتهى. فلو كان الطريق مخوفا أو الموضع المنتقل إليه لم يجبرها على السفر، فلو رضيت بالسفر معه للموضع المخوف أو الطريق المخوف وأراد أبوها منعها فهل له ذلك ؟ لم أر فيه نصا. ووقعت وأفتى فيها بعض المالكية والشافعية بأن له منعها، ويمكن أن يوجه بأنه لما كان الموضع أو الطريق مخوفا سقط جبر الزوج إياها على السفر وصارت هي المختارة للسفر. وقد صرح في التوضيح في باب الجهاد وغيره بأن للابوين المنع من سفر الخطر والبحر فيكون له المنع، وتوقف والدي فيها ولكنه مال إلى أن له المنع والله أعلم. ص: (ولو شرط أن لا يطأ أم ولد أو سرية لزم في السابقة منهما على الاصح لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى) ش: اعلم أن ابن غازي قال: لفظة لا يتسرى أشد من لفظه لا يتخذلان المشهور في لا يتسرى يلزم في السابقة واللاحقة وفي لا يتخذ يلزم في الللاحقة. قال: وأما لا يطأ فهو أشد من لا يتسرى باعتبار ما فقد قال ابن عات: قال ابن نافع: إنما التسري عند الاتخاذ وليس الوطئ. فإن وطئ جارية لا يريد

________________________________________

[ 205 ]

اتخاذها للولد فلا شئ عليه إلا أن يكون شرط إن وطئ جارية فيلزمه. انتهى كلام ابن غازي بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. فعلى ما قال من أن لفظه لا يطأ أشد من لا يتسرى لكونه يلزم فيها في السابقة واللاحقة أحرى، فيكون قصد المؤلف أنه يلزم في السابقة في لا يطأ فيلزم في اللاحقة من باب أحرى، ولو قال المؤلف ولو في السابقة منهما أو وإن في السابقة لا تضح ولكن يحمل على هذا. وأما قوله لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى فيكون مشى فيه على قول سحنون القائل بأنه لا يلزمه في السابقة في لا يتسرى وإنما يلزمه في اللاحقة، ويبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف والله أعلم. وصورة المسألة أنه شرط عتق من يتسرى أو يتخذ أو يطأ فهو أي العتق المعنى بقولهم لزم أو ما لزم. هذا فرض المسألة في المطولات والله أعلم. فرع: من شرط لزوجته أن لا يتسرى معها قال ابن سلمون: فإن زنى بامرأة فلها أن تأخذ بشرطها لانها إنما اشترطت عليه أن لا يجامع معها امرأة سواها، فإن تزوج عليها وقد اشترطت عليه التسري فلا يمنع من ذلك، وما جعل لها من بيع السرية غير لازم لانها بمنزلة الوكيل يعزلها عن ذلك متى شاء. وقيل: ليس له عزلها. وكذلك إن قال لها أن تدبرها عليه أو هي صدقة لم يقض عليه بها انتهى. ص: (ولها الخيار ببعض شروط ولو لم يقل إن فعل شيئا منها) ش: يشير بهذا إلى أن المرأة إذا اشترطت في عقد الصداق شروطا على زوجها، فإذا فعل بعض تلك الشروط فلها القيام ولو لم يقل الموثق إن فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها. وإنما قال فإن فعل ذلك ويشير بلو إلى قول محمد بن العطار أنه إذا لم يقل الموثق إن فعل شيئا من لك فليس لها القيام بفعل الزوج بعض الشروط. وممن نقل المسألة على هذا الوجه المتيطي في

________________________________________

[ 206 ]

فصل الشروط ونصه: وقولنا فإن فعل شيئا من ذلك هو الصواب لقول أبي محمد العطار وغيره من الموثقين: إن العاقد إذا قال فإن فعل ذلك ولم يقل شيئا من ذلك فلا يجب لها الاخذ بشرطها حتى يفعل جميع ما عقد عليه اليمين. وإذا قال فإن فعل شيئا من ذلك ففعل فعلا واحدا من الجملة كان لها الاخذ بشرطها. وانتقد ذلك عليه أبو عبد الله محمد بن الفخار وغيره وقالوا: الحكم في ذلك سواء، وللمرأة أن تأخذ بشرطها إن فعل واحدا من الجملة في الوجهين جميعا، لان الحنث في الايمان يقع بفعل البعض. قال محمد بن عرفة: وقد قال الله تعالى * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * إلى قوله * (ومن يفعل ذلك) * ولم يقل ومن يفعل شيئا من ذلك، والسر أنه يستحق العقاب بفعل البعض كما يستحقه بفعل الجميع، كذلك يجب للمرأة الاخذ بشرطها وتستحق ذلك بفعل أحد الضررين كما تستحقه بفعل الضررين جميعا انتهى. ونقل بعد هذا الكلام عن بعض الموثقين أنه قال: إذا كانت الشروط انعقد عليها النكاح فالحكم كما قال ابن الفخار، وإن طاع الزوج بها فالقول قوله مع يمينه والله أعلم. ص: (وعليها نصف قيمة الموهوب والمعتق يومهما) ش: اعلم أن القيمة تتعين في ذوات القيم، والمثل في ذوات الامثال. فإذا وهبت العبد أو أعتقته أو دبرته أو تصدقت به أو أعتقته إلى أجل أو أخدمته إلى غير ذلك مما هو مثل هذا على القول بأنها لا تملك بالعقد ولا النصف. قاله ابن عبد السلام. فرع: قال ابن عرفة اللخمي: للزوجة التصرف في مهرها بالبيع والهبة والصدقة اتفاقا

________________________________________

[ 207 ]

انتهى. ص: (ونصف الثمن في البيع) ش: قال في الشامل: إن لم تخاب. ص: (ولا يرد العتق إلا أن يرده الزوج لعسرها يوم العتق) ش: قال في المدونة: وإن كان عبدا فأعتقته غرمت نصف قيمته يوم العتق ولا يرد العتق معسرة كانت أو موسرة، لانها إن كانت موسرة يوم أعتقت لم يكن للزوج كلام، وإن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج فترك ذلك رضا، ولو قام حينئذ رده، إن شاء إن زاد على ثلثها ولم يعتق منه شئ. قال أبو الحسن الصغير: قال اللخمي: إن لم يعلم الزوج حتى طلقها وهي الآن بمعسرة وكانت يوم الجمعة والعتق موسرة مضى، وإن كانت معسرة ذلك اليوم إلى اليوم كان له أن يرد هبتها وعتقها، وهذا هو المعروف من قوله وهو مبني على أن النصف مترقب، وأما على القول بأنه بالعقد وجب جميعه فلا رد له ولا مقال، لان مقاله كان قبل الطلاق لحقه في مال الزوجة فزال بالطلاق وصار حقه من أجل الدين وهو طارئ بعد الطلاق انتهى. والظاهر أن مراده بقوله كان له أن يرد هبتها على المعروف أن يردها على المعروف أي يرد النصف من ذلك وهذا ظاهر، وعلى هذا فقول المصنف يوم العتق بعسرها يعني أن تكون يوم العتق معسرة يريد أو كان العبد أكثر من ثلثها فإن الزوج له رد العتق في جميعه كما سيأتي في باب الحجر. قال المصنف: وله رد الجميع إن تبرعت بزائد فإذا رد الزوج العتق فلا يعتق من العبد شئ، وكذلك لو كان العبد غير صداق وكان أكثر من ثلثها، ويفهم ذلك من التوضيح، وليس هذا الحكم خاصا بالعتق بل وكذلك الهبة والصدقة، وأما وقت الرد فلم يفهم من كلامه ونقول: يريد ما لم يعلم به ويسكت والله أعلم. ص: (ثم إن طلقها عتق النصف بلا قضاء) ش: وانظر هل يكمل عليها إن اختارت عتقه أم لا ؟ وقول المصنف عتق النصف يريد والعبد باق بيدها. قاله ابن عبد السلام قال وكذا الهبة والصدقة فلو مات الزوج عتق جميع العبد.

________________________________________

[ 208 ]

فرع: قال ابن عرفة: ولو أعتقت عبدها ولا مال لها غيره فرد الزوج عتقها ثم طلقها أو مات عتق عليها جميعه. انتهى والله أعلم. ص: (وتشطر ومزيد بعد العقد) ش: قال البرزلي في مسائل النكاح: سئل اللخمي عمن يريد في صداق زوجته، هل تنتفع بذلك عند موت أو فراق أو فلس أو رجوع عن هبة ؟ فأجاب: الزيادة لازمة للزوج ليس له رجوع عنها ولها أخذه بذلك ما لم يقع فلس أو موت فتبطل لكونها هبة لم تقبض. قلت: ويتخرج على القول بأن الهبة جائزة غير لازمة أن له الرجوع فيها متى أحب وعلى مذهب آخر أنها كالبيع لا تبطل مطلقا وأحفظ هذا عن خارج المذهب حكاه في القبس. ص: (وضمانه إن هلك ببينة أو كان مما لا يغاب عليه منهما) ش: يريد أو كان مما يغاب عليه وهو بيد أمين. قاله في التوضيح ص: (وتعين ما اشترته من الزوج) ش: فليس له أن يطلب نصف الاصل وليس لها هي أن تجبره على نصف الاصل وإنما يجوز بتراضيهما. قاله ابن الحاجب وقبله في التوضيح. وقال في المتيطية في كتاب الطلاق في فصل طلاق من لم يدخل

________________________________________

[ 209 ]

بها: وإن كانت اشترت به - أي بالصداق - مالا يصلح لجهازها رجع بنصف العين عليها ولم يكن له في متاع شئ إلا أن تكون ابتاعت ذلك من الزوج أو من غيره بإذنه فيكون حكمه حكم ما يصلح لجهازها ويأخذ نصفه ولا يكون له سواه. قاله في المدونة: وهو بمنزلة ما أصدقها إياه. قال الشيخ أبوعمران: يعني إنها بينت للزوج أن تشتري في ذلك بالصداق. قال بعض القرويين: وقول أبي عمران إن هذا جيد إذا قبضت صداقها وافترقا من المجلس ولو اشترت ذلك منه في المجلس لما احتيج إلى بيان أن ذلك من الصداق. ص: (وهل مطلقا وعليه الاكثر أو إن قصدت التخفيف تأويلان) ش: الاول تأويل الاكثر كما ذكره، والثاني تأويل القاضي إسماعيل ورجحه ابن عبد السلام. ص: (وما اشترته من جهازها وإن من غيره) ش: قال في الشامل إن لم تكن ذات عيب إلا أن يعلم بها ونقله في التوضيح وأصله للخمي. ص: (وسقط المزيد بالموت فقط) ش: احترز بقوله: فقط من الهدية المشترطة في العقد فإنها لا تسقط بالموت بل تكمل به أو بالدخول فلها حكم الصداق من كل وجه. قاله في التوضيح والشامل في الكبير. ص: (وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء أو لا شئ له وإن لم تفت إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها لا إن فسخ بعده روايتان) ش: الذي حصله ابن رشد في هذه المسألة في ثاني مسألة من سماع أصبغ من كتاب النكاح أن من أهدى لامرأة هدية قبل البناء ثم طلقها قبله أو بعده فلا رجوع له في هديته وإن كانت قائمة لانه طلق باختياره ولو شاء لم يفعل فلا شئ له فيما أعطى، ولم يحك في ذلك خلافا. وأما من لم يجد النفقة فطلق عليه فقال في السماع المذكور: لا يرجع. قال ابن رشد: وهو على أصله في أن ذلك طلاق يجب للمرأة فيه نصف الصداق قال:

________________________________________

[ 210 ]

وعلى قول ابن نافع الذي لا يرى للمرأة في ذلك شيئا ويرى الطلاق منه كفرقة الجنون والجذام، يكون له أن يرجع في هديته إن كانت قائمة، وأما إذا فسخ النكاح قبل البناء فإنه يرجع في هديته إن كانت قائمة ولو كان النكاح مما يثبت بعد البناء لان ما أهدى عليه قد بطل كما قال سحنون في جامع البيوع فيمن وضع من ثمن سلعة باعها بسبب خوف المبتاع تلفها أو خسارته فيها فسلم من ذلك أنه له الرجوع بما وضع، ومثل سماع يحيى في الايمان بالطلاق فيمن يؤخذ في الحق بسبب فلا يتم له السبب. ولابن القاسم في الدمياطية: لا يرجع بها ولو كان النكاح صحيحا فوجد بالزوجة عيبا يجب له به ردها فردها به قبل البناء لكان له الرجوع في هديته على ما في الصداق من المدونة في الهبة لاجل البيع أنه إذا رد السلعة بعيب رد الهبة أيضا خلافا لسحنون في قوله: لا يرجع بالهبة. قال: ولا اختلاف في أنه إذا

________________________________________

[ 211 ]

فسخ النكاح بعد البناء أنه لا شئ له في الهدية وإن كانت قائمة إلا أن تكون الهدية بعد الدخول والفسخ بحدثان ذلك فله أخذها، وأما إن طال الزمن جدا السنتين والسنين قبل الفسخ ثم فسخ فلا شئ له. وهذا كله في الهدية التي يتطوع بها الزوج من غير شرط ولا جرى بها عرف. وأما المشترطة فحكمها حكم الصداق في جميع الاحوال. والتي جرى بها العرف أجراها ابن حبيب على القول بوجوب القضاء بها مجرى الصداق يرجع بنصفها في الطلاق. فعلى قوله إن طلق قبل أن يدفعها يلزمه نصفها، وأبطلها مالك عن الزوج في الموت والطلاق على القول بأنه لا يحكم بها حكمها حكم التي تطوع بها من غير شرط، وقد مضى القول في ذلك والله الموفق. انتهى بالمعنى مختصرا. وقال في الشامل: ولا يرجع بشرط هدية طاع بها بعده يعني بعد العقد ولو كانت قائمة على الاصح انتهى. ص: (ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته) ش: قال البرزلي في مسائل النكاح عن ابن مغيث: إن أبان الزوج زوجته ثم راجعها لم يلزمها أن تتجهز إلا بما قبضت في المراجعة خاصة، وأما بنصف نقدها الذي قبضته قبل

________________________________________

[ 212 ]

البناء فلا. انتهى من أوائل والله أعلم. ص: (وقبل دعوى الاب فقط في إعارته لها في السنة بيمين وإن خالفته الابنة) ش: هو نحو قوله في توضيحه: وإن جهزها يعني الاب ولم يصرح بهبة ولا عارية ثم ادعى أنه عارية عندها، فإن قام عن قرب من البناء فالقول قول مع يمينه كان ما ادعاه معروفا له أم لا، وسواء أقرت بذلك الابنة أم لا إذا كان فيما ساق لزوجها وفاء بما أعطاها سوى هذا الذي ادعاه الاب، وإن بعد فلا قيام له. قال في الواضحة: وليست السنة بطول. وقال غير واحد من الموثقين: إن قام قبل العام فالقول قوله بغير يمين لان مثل هذا عرف بين الآباء، وإن

________________________________________

[ 213 ]

قام بعد العام لم يلتفت إلى قوله. وقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم: العشرة أشهر عندي كثير تقطع حجة الاب انتهى. وزاد ابن عرفة قولين آخرين وسيأتي كلامه، وما ذكره المصنف من قبول دعوى الاب هو المشهور ومقابله لابن القاسم في الدمياطية أنه إنما يصدق في العارية إذا كان له على أصل العارية بينة، قربت المدة أو بعدت، وإلا لم يصدق. قال ابن سلمون في وثائقه: وإذا ادعى الاب العارية فيما جهز به ابنته زائدا على النقد كان القول قوله ما لم يطل ذلك بعد البناء، وليست السنة في ذلك بطول، وفي الدمياطية أنه إنما يصدق في ذلك إذا كان له على أصل العارية بينة وإلا لم يصدق في ذلك، قرب أو بعد، والمشهور ما تقدم انتهى. وأطلق المصنف في الابنة وخصها ابن حبيب بالبكر. قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم: ولا يقبل دعوى العارية إلا من الاب في ابنته البكر، وأما الثيب فلا، لانه لا قضاء للاب في مالها انتهى. قال ابن رشد: ومثل البكر الثيب التي في ولايته قياسا على البكر، ومثل الاب الوصي فيمن في ولايته بكر أو ثيب مولى عليها. وأما الثيب التي ليست في ولاية أبيها فهو في حقها كالاجنبي. وكذا سائل الاولياء غير الاب في البكر والثيب لا يقبل قولهم إذا خالفتهم المرأة أو وافقتهم وكانت سفيهة. ويقيد أيضا كلام المصنف بما إذا كان فيما بقي بعد ما ادعاه وفاء بقدر مهرها كما تقدم بيانه في كلام التوضيح وابن سلمون وأصله لابن حبيب في الواضحة وأصبغ في العتبية، فإن لم يكن فيما بقي فنقل في الواضحة عن ابن المواز أنه يقبل قوله بيمينه أيضا ويحضر ما قبل لها من الصداق. وفصل في العتبية في ذلك فقال: إن عرف أصل ما ادعاه له أخذه أيضا واتبع بوفاء المهر، وإن لم يعرف أصله له فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به، ويتضح لك جميع ما تقدم بالوقوف على كلام الواضحة والعتبية وكلام ابن رشد عليها. قال في الواضحة في كتاب النكاح في أثناء ترجمة ما جاء في مهور النساء: وإن ادعى الاب بعض ما جهز به ابنته البكر بعد دخولها على زوجها وأنه له وأنه لم يعطها إياه وإنما كان عارية منه لها، فالقول قوله مع يمينه إذا كان فيما ساقت الابنة إلى زوجها وفاء بما أعطاها سوى هذا الذي يدعيه الاب، عرف ذلك له قبل ذلك أو لم يعرف. أقرت الابنة أو لم تقر، ما لم يطل زمان ذلك جدا، ولا أرى السنة طولا. قال: ولا يكون القول قوله في ابنته الثيب لان مالها في يدها وفي ولايتها ولا قضاء للاب فيه ولا قول، وهو في ذلك بمنزلة الاجنبي في مال الاجنبية. وكذلك الولي مع البكر والثيب هو بمنزلة الاب أي وهو كالاجنبي مع الثيب فقط، وهكذا أوضح لي من كاشفت عنه من أصحاب مالك. وإن لم يكن فيما ساقت بعد دعواه العارية كفافا لما أصدق الزوج حلف الاب أنه عارية وكان على سبيل العارية وعلى الاب أن يحضر ما قبض لها من الصداق غير العارية وقد ذكره ابن المواز انتهى. وقوله: كالاجنبي في

________________________________________

[ 214 ]

مال الاجنبية يقتضي أنه إذا ثبت أن أصل ذلك المال له فيكون له أخذه وهو ظاهر والله أعلم. وقال في العتبية في المسألة الرابعة عشر من سماع أصبغ من كتاب النكاح: قلت: يعني لابن القاسم فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين ثم قال الاب فادعى بعض ما جهزها به وزعم أنه إنما كان عارية منه ليجملها به وصدقته الابنة أو أنكرت ما ادعى وزعمت أنه لها ومن جهزها، فإن القول قول الاب إذا قدم بحدثان ما ابتنى الزوج بها وليس للزوج مقال والاب مصدق، ولا يلتفت إلى إنكار الابنة في ذلك ولا إقرارها لان هذا من عمل الناس معروف ذلك من شأنهم يستعيرون المتاع يتجملون به ويكثرون بذلك الجهاز إذا كان فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر، فإذا كان هذا فليس للزوج مقال، وسواء كان ذلك المتاع معروفا أصله للاب أو غير معروف، هو فيه مصدق إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر. قلت: فإذا كان قيام الاب يحدثان دخول زوجها بها وكان أصل المتاع معروفا للاب وليس فيما بقي من الجهاز ما فيه وفاء بالمهر قال: فهو للاب إذا عرف أصله له ويتبع الزوج الاب بوفاء الصداق حتى يتم له من الجهاز لابنته ما فيه وفاء بما أصدقها. قال ابن رشد: فإن الاب مصدق فيما ادعى مما جهز به ابنته أنه كان على عارية منه لها بشرطين: أحدهما أن يكون ذلك بحدثان البناء، والثاني أن يكون فيما بقي بعد ما ادعاه وفاء بالمهر، يريد أنه مصدق في ذلك مع يمينه كذا قال ابن حبيب وزاد فقال: ولا أرى السنة فيه طولا. وهذا في الاب خاصة في ابنته البكر، وأما في الثيب وفي وليته البكر أو الثيب فلا، وهو فيها كالاجنبي، وقاله بعض أصحاب مالك. فأما إيجاب اليمين في ذلك على الاب فصحيح، ولا يقال إن اليمين تسقط عنه من أجل أن الوالد لا يحلف لولده إذ ليس ذلك حكما عليه باليمين وإنما هو حكم له به إن شاء أن يأخذ ويحلف حلف وأخذ، وإن شاء أن يترك ترك. وإنما خص بذلك الاب في البكر لانها في ولايته ومالها في يديه. فعلى قياس هذا يكون في الثيب إذا كانت في ولايته بمنزلته في البكر، ويكون الوصي فيمن إلى نظره من اليتامى الابكار والثيب بمنزلته أيضا. ويحمل قوله: وأما في الثيب أنه أراد بها الثيب التي لا ولاية له عليها. وقوله: إذا ادعى الاب بحدثان البناء وفيما بقي وفاء بالمهر فليس للزوج فيه مقال كلام صحيح لانه إذا لم يكن فيما بقي وفاء بالمهر فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به بخلاف إذا عرف أصل المتاع له لانه إذا عرف أصل المتاع له فيأخذه ويتبع بوفاء المهر إذ من حقه أن يجهز زوجته به إليه انتهى. واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية وكلام ابن رشد عليها وقال بعد قول ابن رشد: فعلى قياس هذا يكون في الثيب إذا كانت في ولايته بمنزلته في البكر ويكون الوصي فيمن إلى نظره من اليتامى الابكار والثيب بمنزلته. قلت: كقولها يعني المدونة في حوزه لها ما وهبه لها. ثم قال: وذكر المتيطي قول ابن حبيب. وقال بعض الموثقين: يكون للاب ما وجد من ذلك ولا شئ على الابنة فيما فوتته من

________________________________________

[ 215 ]

ذلك أو امتهنته أو زوجها معها ولا ضمان عليه لتملك الاب ذلك. وقال غير واحد من الموثقين: إن قام قبل مضي عام من يوم بنائه قبل دخوله دون يمين لانه عرف من فعل الآباء، وإن قام بعد عام سقط قوله. وقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم: قول ابن القاسم القول قول الاب ما لم تثبت الابنة أو زوجها مضي السنة ونحوها. قال: والعشرة أشهر عندي كثير تسقط دعوى الاب. وقال في موضع آخر: إن طلب لاب الشورة بعد ثلاثين يوما من بنائها حلف لى دعواه عاريتها وأخذ ما حلف عليه. قال بعض الموثقين: هذه المسألة في سماع أصبغ ابن القاسم. قال فيه: إن قام بحدثان بنائها صدق ولفظ التصديق عند شيوخنا إن وقع مبهما اقتضى نفي اليمين. ولم يحد في سمع أصبغ مدة القرب إلا أن الشيخ أبا إبراهيم جليل في العلم والورع ممن يلزمنا الاقتداء به. قال أبو إبراهيم: وادعاء الاب لما في يد ابنته من الامور الضعيفة التي لنا فيها الاتباع لسلفنا، ولولا ذلك كان الوجه عدم خروج ما بيدها إلا بما تخرج به من سائر الحقوق ولا سيما ما بيد البكر. قلت: قوله: ليس فيه إلا الاتباع يريد بما استدل به ابن القاسم من العرف، ولا يخفى وجوب العمل بالعرف على مثل الشيخ أبي إبراهيم كدلالة إرخاء الستور ونحوه. وأجاب ابن عات في أب ادعى أن نصف ما شور به ابنته البكر عارية له بعد أربعة أعوام من بنائها أنه غير مصدق في دعواه. ابن سهل: وكذا الرواية عن مالك وابن القاسم وغيرهما في الواضحة والعتبية وغيرهما ولا خلاف أعلمه فيها، وجواب ابن القطان أن الاب مصدق فيما زاد على قدر النقد من ذلك خطأ. زاد المتيطي قال بعض شيوخنا: الذي في الرواية إذا قام بعد طول مدة فلم ير ابن القطان هذه المدة طولا. قلت: لعله نحا بها منحى مدة الحيازة ففي بطلان دعواه العارية بسنة أو بها أو نحوها بدلا منها ثالثها بعشرة أشهر، ورابعها بما زاد على سنة، وخامسها لا تبطل بأربعة أعوام. للمتيطي عن غير واحد من الموثقين وأبي إبراهيم عن ابن القاسم واختياره ودليل قول ابن حبيب وابن القطان اه‍. كلام ابن عرفة بلفظه. وقوله: بدلا منها أي من السنة يعني لا بمجموعها فمضي السنة أو نحو السنة كاف في بطلان دعواه العارية، ونبه به خشية توهم تكراره مع القول الرابع وهو قول ابن حبيب القائل بأن بطلان دعواه إنما يكون بما زاد على السنة إلا أن ابن عرفة لم يتعرض لبيان مقدار الزيادة. وقال البرزلي بعد قول ابن حبيب: وليست السنة في ذلك طولا. قلت: ذكر هنا أن السنة قريب ومفهومه أن أكثر منها طول وهي تجري على مسألة الشفعة فيكون الخلاف في مقدار زيادة الاشهر كالثلاثة ونحوها مما يصيرها طولا انتهى. تنبيهات: الاول: علم مما تقدم في كلام صاحب التوضيح وكلام ابن عرفة أن قول غير

________________________________________

[ 216 ]

واحد من الموثقين مخالف لقول ابن حبيب وأن الفرق بينهما أن الاب لو قام بدعوى العارية بعد كمال السنة لم تقبل ودعواه عند غير واحد من الموثقين، وتقبل بيمين عند ابن حبيب ولا تبطل إلا بالزيادة على السنة. وحمل الشارح قول المصنف في السنة على قول غير واحد من الموثقين وجعله موافقا ابن حبيب ونصه. وما ذكره من أن القرب سنة أي فأدنى ذهب إليه غير واحد من الموثقين وحكاه في النوادر عن ابن حبيب. وقال أبو إبراهيم: العشرة الاشهر عندي تقطع حجة الاب اه‍. وما عزاه للنوادر عن ابن حبيب هو قوله المتقدم وليست السنة في ذلك بطول، وما ذكره من التوفيق بين القولين مخالف لما تقدم. وقول المصنف: في السنة ظاهره يقتضي أنه قول غير واحد من الموثقين كما قاله الشارح. وقوله: بيمين هو قول ابن حبيب فلعله مشى على قبول الدعوى في السنة على قولهم وفي إيجاب اليمين على قول ابن حبيب فتأمل والله أعلم. الثاني: قال الشارح في حل قول المصنف: وقبل دعوى الاب ما نصه: أي إذا ادعى أن الذي دخلت به عارية له أو لغيره فإنه يصدق إن قام بقرب البناء مع يمينه انتهى. فقوله: عارية له أو لغيره صريح في أنه لا فرق فيما يدعي الاب إعارته لها بين أن يدعي أنه ملك أو لغيره. ويعضده قول العتبية المتقدم لان هذا من عمل الناس معروف ذلك من شأنهم يستعيرون المتاع فيتجملون به ويكثرون بذلك الجهاز. انتهى فتأمله والله أعلم. الثالث: ذكره البرزلي في مسائل النكاح عن ابن عرفة أنه أفتى بأن الام كالاب. قال: فعارضته بقول ابن حبيب وذكر كلام ابن حبيب المنقول عن الواضحة فوقف في المسألة وأرشد إلى الصلح فوقع الصلح مع الزوج، والصواب على ما وقع هنا أن لا مقال لها إلا أن تكون وصية أو على ما قال في المدونة إنه استحسن إن توصي بولدها في المال اليسير كالستين دينارا فيكون القول قولها في هذا القدر، أو يرى أن الام بخلاف غيرها بدليل جواز اعتصارها ما وهبته في حياة الاب بشرطه انتهى. ونقل صاحب المسائل الملقوطة عن إملاء الاقفهسي مثل ما قال البرزلي إنها ليست كالاب ونصه: ومن إملاء القاضي جمال الدين الاقفهسي: إذا ادعى الرجل أن جهاز ابنته عارية قبل السنة فله ذلك بيمين، وأما بعد السنة فإن أشهد عليها بذلك فهو له، وإن لم يشهد فليس له ذلك إلا أن تصادقه على ذلك فيكون من ثلثها لحق الزوج ولا تصدق الام لا قبل السنة ولا بعدها انتهى. لكن قول الاقفهسي في الاب: فإن أشهد عليها بذلك إلى آخر كلامه، يقتضي أن الضمير في قوله يعود على الابنة، واشتراط الاشهاد على الابنة بالعارية هو قول ابن القاسم في الدمياطية المتقدم ذكره، وسيأتي أيضا عن ابن رشد وغيره في القولة التي بعد هذه في شرح قول المصنف: لا إن بعد ولم يشهد أن قول الدمياطية مخالف للمشهور وأن المشهور من انتفاع الاب بالاشهاد بالعارية فقط ولو لم تعلم الابنة بالاشهاد بها، ويمكن أن يعود الضمير في عليها للعارية وهو الاولى ليوافق المشهور فتأمله والله

________________________________________

[ 217 ]

أعلم. ص: (لا إن بعد ولم يشهد وإن صدقته ففي ثلثها) ش: تقدم في كلام الواضحة أن القول قول الاب ما لم يطل زمان ذلك جدا. وقال في التوضيح: قال بعض الموثقين: فإن كان قيام الاب على بعد من البناء والاصل له معروف أم لا، ثم قال فليس له ذلك وهو للابنة بطول حيازتها، ولا ينفعه إقرار الابنة إذا أنكر الزوج، ابن الهندي: إلا أن تكون خرجت من ولاية أبيها فيلزمها الاقرار في ثلثها وللزوج فقال فيما زاد على الثلث انتهى. وما عزاه في التوضيح لبعض الموثقين نحوه لاصبغ عن ابن القاسم في العتبية ونصه إثر كلامه المتقدم في القولة التي قبل هذه. قلت: يعني لابن القاسم: فإن طال الزمان ثم قام الاب يدعي ذلك وفيما بقي بعد ما ادعى وفاء بالمهر وكان الاصل معروفا أو غير معروف، كانت الابنة مقرة أو منكرة قال: إذا لم يعرف أصل المتاع له وطالت حيازتها للمتاع الزمان الطويل فأرى للزوج في هذا مقالا، ولا أرى فيه مصدقا إذا جاء مثل هذا من الطول والبعد، وأراه بطول حيازتها. قلت: فإن كانت مقرة بأن المتاع للاب ولم تنكر ما ادعى الاب من ذلك قال: لا يجوز إقرارها إذا بلغ هذا الحد من الطول، لان إقرارها هنا عطية مبتدأة ولا يجوز إقرارها إذا رد عليها ذلك زوجها وإن كان فيما يبقى بعد ذلك وفاء بالمهر. قلت: فإن عرف أصل المتاع للاب قال: عرف أصله له أو لم يعرف، فطول حيازتها له هذا الزمان يقطع دعوى الاب إذا أنكر الزوج والمرأة. قال ابن رشد: قوله: إن للزوج فيه مقالا فيه نظر، إذ لا كلام للزوج فيما دون الثلث من مالها إلا على وجه الحسبة لكونها مولى عليها لا تجوز عطيتها في شئ من مالها لابيها ولا لغيره. وقوله: إن طول حيازتها يقطع دعوى

________________________________________

[ 218 ]

الاب إذا أنكر الزوج معناه إذا أنكر بالحسبة إذ ليس له معنى يذكر له سوى ذلك. وفي قوله: إذا أنكر الزوج أو المرأة دليل على أنهما لو لم ينكرا وسلما جميعا ورضيا لجاز ذلك للاب وهو بعيد، إلا أنه دليل الخطاب. وقد اختلف في القول به فلا ينبغي أن يعمل به انتهى. وحاصله أنه إذا بعد ولم يشهد فلا يقبل قوله إذا كذبته الابنة، وكذا إن صدقته وكانت سفيهة. وإن كانت رشيدة وصدقته ففي ثلثها إذا كانت على وجه العطية، وإن لم يكن على وجه العطية فقال القرافي في الذخيرة في كتاب الحجر: قال في النوادر: قال عبد الملك: إذا أقرت في الجهاز الكثير أنه لاهلها جملوها به والزوج يكذبها، فإن لم يكن إقرارها بمعنى العطية نقدا وبمعنى العطية رد إلى الثلث انتهى. وإذا كان هذا في أهلها فأحرى الاجانب والله أعلم. وفهم من قول المصنف: ولم يشهد أنه لو أشهد نفعه ذلك وإن طال الزمان، وظاهره سواء أشهد على العارية أو على أصل العارية وهو كذلك على المشهور وهو ظاهر إطلاق كلامه في التوضيح أيضا ونصه: لو أشهد أن الذي شور ابنته به إنما هو على وجه العارية نفعه ذلك، وله أن يسترده متى شاء ولو طال ذلك انتهى. ومقابل المشهور قول الدمياطية المتقدم. قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: وفي الدمياطية لابن القاسم أن الاب إنما يصدق فيما

________________________________________

[ 219 ]

ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما تقدم في المسألة قبل هذه أنه مصدق إذا أشهد على العارية وإن طال الامر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر، وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر الوفاء به. انتهى كلام ابن رشد. والفرق بين الاشهاد على العارية والاشهاد على أصل العارية، أن الاشهاد على العارية لا يشترط فيه علم الابنة بالاشهاد بل إذا أشهد الاب بالعارية فقط نفعه ذلك. علمت الابنة به أم لا. والاشهاد على أصل العارية هو الاشهاد على الابنة بالعارية. ويتضح لك ذلك بالوقوف على المسألة التي أشار إليها ابن رشد وكلامه عليها ونصها: قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته ويخرج جهازا وشوارا، فيقول أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي ولم يروا البنت ولم تحضر، فطلب الاب المتاع والشورة بعد ذلك فلم يقدر عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها. فقال: إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها فهي ضامنة له إلا أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله عزوجل تقيم عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا شئ لها أصلا، وإن حسنت حالها أو كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له وإن لم تعلم فلا ضمان على واحد منهما البكر والثيب فيما لم تعلم ولم تقبله على وجه العارية - وقاله أصبغ - ولا شئ على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيئا من ذلك استهلاكا. وهذا فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لا تجهز به من صداقها ولا عطية أبيها لها. قال ابن رشد: قوله: إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به الاب من المتاع وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بالاشهاد ولم تقبله على وجه العارية صحيح إذ ليس لاحد أن يضمن أحدا ضمان ما لم يلتزم ضمانه وحسبه أن ينفعه الاشهاد في استرجاع متاعه وإن طال زمان ذلك عند الابنة. انتهى وبالله التوفيق ونقله ابن عرفة. وقال البرزلي: ولابن فتحون في وثائقه: إذا ساق سوى نقدها من أسباب وأورده فلا يخلو إما أن يصرح بالهبة أو بالعارية أو يسكت. فالاول لا فقال له في استرجاعه لملكه. والثاني له أن يسترجعه متى شاء طال الزمان أو قصر، فإن أتلفته في هذا القسم في حال سفهها فلا ضمان عليها، وأن أتلفته بغدر سدها ضمنته، وهذا إذا أشهد بالعارية أو علمت بها، فإن لم يكن واحد منهما فلا ضمان عليها، وإن كانت رشيدة والتفريط جاء من قبل الاب والثيب مثلها ولا شئ على الزوج في الوجهين إذا لم يكن استهلكه. رواه أصبغ عن ابن القاسم. وقال ابن عبد الغفور: وإن أشهد عند البناء أنه عارية كان القول قوله وإن طال زمانه، ولا ينظر إلى أصل المتاع عرف للاب أو لم يعرف وليس له أن يأخذ إلا ما وجده ولا يتبعها بما لبست أو أتلفت لانها في ولاية أبيها وهو الذي سلطها عليه. ولابن القاسم في الدمياطية أن الاب إنما يصدق فيما ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية له ولو كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما في العتبية

________________________________________

[ 220 ]

وانظر سماع أصبغ من الشرح انتهى. ويسير بذلك لكلام العتبى المتقدم وكلام ابن رشد عليها. تنبيهان: الاول: تحصل مما تقدم أن شهادة الاب على العارية ينفعه في استرجاع متاعه وإن طال الزمان على المشهور، والبكر والثيب مع الاشهاد في ذلك سواء، ولا ضمان عليها فيما تلف إلا أن تعلم المالكة متهما لامرها بالعارية فتضمن ما تلف. قال ابن سلمون: وحكم سائر الاولياء في الاشهاد حكم الاب ونصه: وإن كان أشهد حين التجهيز فإن ذلك منه عارية كان القول قوله وإن طال الزمان، ويكون له أخذ ما وجد من ذلك ولا ضمان على الابنة فيما تلف من ذلك ولا على زوجها. قال في سماع أصبغ: فإن أشهد على الشورة أنها عارية قبل الدخول ثم قام يطلبها كان له ذلك وإن كانت ثيبا. وعلى هذا يكون حكم سائر الاولياء كذلك مع الاشهاد، وإذا تلف شئ من ذلك لم يكن عليها شئ إلا أن تعلم المالكة لامرها أن ذلك عارية فتضمن ما تلف انتهى. الثاني: نقل البرزلي عن فتوى أشياخه أن حكم الاشهاد بعد الدخول في المدة التي يقبل. فيها دعوى الاب العارية حكم الاشهاد قبل الدخول، ونصه بعد كلام ابن عبد الغفور المتقدم: قوله يصدق في العارية إذا أشهد عند البناء بها، يريد وكذلك بعده فيما يقبل دعواه فيه " العارية، كذلك كان أشياخنا يفتون به انتهى. وقوله فيما يقبل دعواه فيه العارية يفهم منه اختاص الانتفاع بالاشهاد بعد الدخول، فالاب والوصي في البكر أو الثيب المولى عليها والام على فتوى ابن عرفة وهو ظاهرها والله أعلم. ص: (إلا أن تهبه على دوام العشرة كعطية لذلك ففسخ) ش: قال في أواخر كتاب الجامع من البيان في سماع عبد الله ابن عمر بن غانم: وسئل ابن كنانة عن الرجل يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك

________________________________________

[ 221 ]

فتضع ذلك عنه هل ترى ذلك حلالا ؟ قال: لا، لانه خيرها بين أن تضع عنه مهرها وبين أن يضرها وإنما قاله الله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * قال ابن رشد: قوله: إن ذلك لا يحل له بين إن لم تضع ذلك له عن طيج نفس وإنما وضعته عنه مخافة أن يلزمها الطلاق إن لم يضرها بالتزويج عليها فتلزمه الوضيعة ويقضى عليها بها، ولا يكون لها الرجوع فيها إن طلقها أو تزوج عليها بمنزلة أن لو قال لها أنت طالق إن لم تضعي عني مهرك فوضعته عنه، فلما وضعته طلقها ويؤمر أن يستحلها من ذلك أو يرده عليها من غير قضاء يقضى به عليه، ولو سألها أن تضع صداقها دون أن يحلف على ذلك بالطلاق فلما وضعته عنه طلقها بحدثان ذلك، كان لها أن ترجع عليها بما وضعت عنه لانها إنما وضعت عنه ذلك رجاء استدامة العصمة، فلما لم يتم لها المعنى الذي وضعت الصداق عنه بسببه وجب لها الرجوع به، والذي قال لزوجته أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك أو أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك لاتزوجن عليك فوضعته عنه، ليس هذا أن ترجع فيه وإن طلقها بفور ذلك أو تزوج عليها لان الذي وضعت عليه الصداق قد حصل لها وهو سقوط اليمين عنه بطلاقها أو بطلاقها إن لم يتزوج عليها، فلو شاءت نظرت لنفسها وقالت له لا أضع عنك الصداق إلا على أن لا تطلقني بعد ذلك ولا تتزوج علي. وقد مضى هذا المعنى في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب الطلاق السنة انتهى. وقال في التوضيح في فصل الخلع.

________________________________________

[ 222 ]

فرع: وإذا أعطته مالا على أن يمسكها ثم فارقها عاجلا فقالوا: لها الرجوع. وأما إن كان بعد طول فحيث يرى أنها بلغت غرضها لم ترجع ولو طال ولم يبلغ ما يرى أنها دفعت المال لاجله كان له من المال بقدر ذلك على التقريب فيما يرى. وهكذا قال مالك فيمن أسقطت صداقها عن زوجها على أن لا يتزوج عليها فطلقلا بحضرة ذلك إن لها الرجوع، وإن طلقها بعد ذلك بحيث يرى أنه لم يطلقها لذلك لم ترجع. أصبغ: إلا أن يكون الطلاق بحدثان الاسقاط ليمين نزلت ولم يتعمد ولم يستأنف يمينا فلا شئ عليه. ورأى اللخمي أن لها الرجوع ولو كان الطلاق ليمين نزلت ولم يتعمد انتهى. وقال: ولو أعطته على أن لا يتزوج عليها فتزوج رجعت ولو تأخر تزويجه انتهى. وما ذكره المصنف هنا ليس بتكرار في الظاهر لقوله المتقدم إلا أن تسقط ما تقرر بعد العقد لانه تكلم هناك على جوازه وهنا على الرجوع والله أعلم. ص: (وإن خالعته على كعبد أو عشرة ولم تقل من صداقي فلا نصف لها ولو قبضته ردته لا إن قالت طلقني على عشرة أو لم تقل من الصداق فنصف ما بقي) ش: يعني إذا خالعته على عبد أو شئ تعطيه من مالها فلا نصف لها وتقدم كلامه، وإن خالعته على كعبد فلا نصف لها ولو قبضته ردته. وهذه المسألة هي التي قال ابن الحاجب فيها: ولو خالعته على عبد أو شئ تعطيه لم يبق لها طلب بنصف الصداق على المشهور انتهى. ومعنى قوله: أو عشرة ولم تقل من صداقي هو متعلق بقوله: أو عشرة أي قالت خالعني على عشرة ولم تقل من صداقي فلا نصف لها ولو قبضته ردته. فقوله: ولم تقل من صداقي هو متعلق بقوله: أو عشرة. وما ذكره المصنف في هذه المسألة هو قول ابن القاسم. وقال أشهب: لها نصف

________________________________________

[ 223 ]

الصداق. ولما مشى المصنف على قول ابن القاسم وكانت هذه تشبه ما إذا خالعته على عبد أو شئ تعطيه جمعهما للاختصار انتهى. وكذا قال في التوضيح لما فرغ من توجيه قول ابن القاسم: وعلى هذا فهذه المسألة بمنزلة ما إذا خالعته على عبد أو شئ انتهى. وما مشى عليه المؤلف مخالف لما مشى عليه ابن الحاجب فإنه مشى على قول أشهب. وأما قوله: لا إن قالت طلقني إلى آخره فيعني به أن قولها: طلقني ليس كقولها: خالعني بل هو مخالف له ولها نصف ما بقي. هذا معنى كلامه. أما كون طلقني مخالفا لخالعني فلا شك فيه. وأما قوله: لها نصف ما بقي فلم أره منقولا في التوضيح ولا اللخمي الذي نقله عنه في التوضيح، وإنما لها النصف من أصل الصداق ويقاصها بعشرة. وقد عقد اللخمي لهذه المسألة فصلا في التبصرة في كتاب إرخاء الستور فليذكره. قال رحمه الله: باب حكم الصداق في المختلعة قبل الدخول وبعده وهل يسقط الخلع ديون الزوجة. وإذا قالت اخلعني أو اتركني أو تاركني أو بارئني على عشرة دنانير وكانت مدخولا بها، كانت له العشرة ولها صداقها كاملا، وسواء قالت ذلك مطلقا أو شرطت العشرة من صداقها، وإن كانت غير مدخول بها وقالت بارئني على عشرة دنانير، فإن شرطت العشرة من الصداق سقطت العشرة من جملته وكان الباقي بينهما نصفين، وسواء قالت اخلعني أو طلقني إذا شرطت العشرة من الصداق. واختلف إذا لم تشترط من الصداق وقالت على عشرة دنانير ولم تزد على ذلك فقال ابن القاسم: إن قالت طلقني على عشرة دنانير كانت له العشرة والصداق ثابت بينهما يقتسمانه نصفين، وإن قالت اخلعني لم يكن لها من الصداق شئ، وإن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئا، وإن قبضته ردت جميعه. وقال أشهب: قولها طلقني واخلعني له العشرة ولها نصف الصداق قبضته أو لم تقبضه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئا. وإن قبضته فهو لها كله ولا شئ له إلا ما خلع عليه، وإن قبض بعضه لم يكن له مما قبض شئ، وسواء قالت اخلعني أو طلقني. وقول أشهب: أحسن لان قولها اخلعني أو بارئني أو تاركني إنما يتضمن خلع النفس والابراء من العصمة والمتاركة فيها ليس الاخلاع من المال ولا الابراء منه ولا المتاركة فيه، ولو كان ذلك لسقط الصداق عنه إذا كان مدخولا بها، وكذلك غيره من ديونها. وقد أجمعوا أن هذه الالفاظ الانخلاع والمبارأة والمتاركة. إنما يراد بها بعد الدخول النفس دون المال، فوجب أن يكون حقها في النصف قيل الدخول ثابتا، وكذلك إن لم يكن دخل بها وكان لها عليه دين فقالت اخلعني أو بارئني، لا خلاف أن دينها باق. وكذلك إذا قالت قبل الدخول اخلعني على ثوبي هذا أو عبدي هذا، فعلى قول ابن القاسم يسقط الصداق ولا يكون لها منه شئ قبضته أم لم تقبضه، وعلى قول أشهب يمضي العبد أو الثوب للزوج والصداق عليه وهو أحسن في هذا الاصل انتهى. فعلم من هذا أن المؤلف إنما مشى في مسألة خالعني على عشرة إلى آخره على قول ابن القاسم، لانهم جعلوا سقوط النصف في المسألة خالعني على ثوبي مقيسا على

________________________________________

[ 224 ]

قوله خالعني على عشرة. وقال ابن الحاجب: إن سقوط النصف في خالعني على ثوب ونحوه هو المشهور، فعلم أن قول ابن القاسم في المسألة خالعني على عشرة هو المشهور والله أعلم. ص: (ويرجع أن أصدقها من يعلم بعتقه عليها) ش: قوله يرجع بالمثناة التحتية. وقوله يعلم اختلفت فيه النسخ ففي بعضها بالتحتية وفي بعضها بالفوقية، فأما على النسخة التي فيها بالمثناة التحتية فالمعنى أن الزوج يرجع على المرأة إذا طلقها قبل البناء وكان قد أصدقها من الرقيق من يعتق عليها وهو يعلم ذلك يريد بنصف قيمة ذلك الرقيق، وظاهره سواء علمت هي أم لم تعلم، وإذا رجع عليها مع علمه فأحرى أن يرجع عليها مع عدم علمه. فحاصله أنه يرجع عليها في الاربع الصور، سواء علما أو جهلا أو علم دونها أو العكس. وهذا ظاهر المدونة على ما اختاره ابن القاسم قال فيها: وإن تزوجها على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد، فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته، كانت معسرة أو موسرة ولا يتبع العبد بشئ ولا يرد عتقه كمعسر أعتق فعلم غريمه والزوج لم ينكر حين أصدقها إياه قد علم أنه يعتق عليها فلذلك لم أرده على العبد بشئ. وقد بلغني عن مالك استحسان أنه لا يرجع الزوج على المرأة بشئ وقوله الاول أحب إلي انتهى. قال أبو الحسن الصغير: معنى مسألة المدونة أنهم ا عالمان. قال اللخمي: وكذلك لو كانا جاهلين. حكى القولين فيهما ثم قال أبو الحسن: وإن علمت دونه فحكى ابن يونس عن مالك أن له أخذ نصفه ويمضي عتق نصفه إلا أن يشاء اتباعها بنصف قيمته فذلك له ويمضي عتقه كله. وقاله عمن كاشفت من أصحاب مالك. وقال أبوعمران: لا يرجع في عين العبد وليس له إلا اتباعها، ولو كان الزوج عالما لعتق عليه ويغرم لها قيمته فإن

________________________________________

[ 225 ]

طلق قبل البناء فعليه نصف قيمته. انتهى فتأمل والله أعلم. وكلام ابن غازي على هذه المسألة جيد والله أعلم. ص: (وإن جنى العبد في يده فلا كلام له) ش: فأحرى إذا كان في يدها والكلام لها في الوجهين وقصد المؤلف إلى المشكل من الوجهين. ص: (ولو قال الاب بعد

________________________________________

[ 226 ]

الاشهاد بالقبض لم أقبضه حلف الزوج في كالعشرة الايام) ش: ليس هذا بمعارض لقوله

________________________________________

[ 227 ]

فيما تقدم ونقل هكذا مقتض لقبضه، بل المراد به أن هذا اللفظ مقتض للقبض وإذا كان كذلك فغايته أنه كالتصريح بالقبض، فإن ادعى فيه ما ادعت في التصريح قبل قولها ولا إشكال في ذلك والله أعلم.. فصل إذا تنازعا في الزوجية ثبتت ببينه قدم ابن الحاجب هذا الفصل على فصل الصداق وينبغي أن يكون الفاعل المضمر يعود على المتنازعين المفهومين من السياق أو إلى الزوجين، لكن قال ابن عبد السلام: في تسميتهما زوجين تجوز والله أعلم. مسألة: قال البرزلي: إذا شهد الشهود على المرأة على عينها أو كانوا يعرفونها فيلزمها النكاح ولو كانوا إنما شهدوا عليها بمعرف كما هو الواقع في أنكحة زماننا فالامر في ذلك مشكل إذا لم يوثق بالمعرف، ولو وثق به لكانت بمنزلة من شهد عليه بحق فأنكر أن يكون

________________________________________

[ 228 ]

المشهود عليه، فذكر ابن رشد أن الاصل أنه هو حتى يثبت أن ثم غيره على صفته ونصبه فيكون حينئذ الاثبات على الطالب في تعيينه دون غيره انتهى. فرع: قال ابن عرفة ابن سحنون: لو قال في يتيمة بعد أن بلغت وقالت قبلة، فرجع سحنون عن قبول قولها القبول قوله. ابن سحنون: لو قال تزوجتك وأختك في عقد واحد. ابن عبد الحكم: أو قال وأختك عندي وقالت تزوجتني وحدي أو لم تكن عندك أختي فسخ لاقراره بفساده وعليه نصف المسمى إن لم يبن، وإن لم يسم فلا شئ عليه. ابن عبد السلام: لها المنفعة. ابن سحنون: وإن بنى لم يصدق في إبطال الطلاق والسكنى، وكذا إن قال تزوجتها في عدة. قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة مصححة في إبطال الطلاق والسكنى وهو وهم في السكنى لاقتضائه سقوطها لو ثبت ببينة وليس كذلك، وتقدم نحوه لابن بشير والرد عليه بنص ثالث نكاحها من نكح ذات محرم ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها السكنى لانها تعتد منه وإن كان فسخا انتهى. ذكر ذلك في فصل التنازع في الزوجية. ص: (ولو بالسماع بالدف والدخان) ش: وصفة شهادتهم قال في المتيطية: أنهم سمعوا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة أهل العدل وغيرهم أن فلانا المذكور نكح فلانة هذه بالصداق المسمى وأن وليها فلانا عقد عليه نكاحها برضاها وأنه فشا وشاع بالدف والدخان انتهى. ص: (وإلا فلا يمين) ش: ظاهره ولو طارئين. وعزا ابن عرفة هذا المعروف المذهب وجعل مقابله قولين توجيهها مطلقا والتفريق بين الطارئين وغيرهما. قال: ودعوى النكاح على منكره دون شاهد في سقوطها ولزوم يمين المنكر كغير النكاح ثالثها إن كانت بين طارئين لمعروف المذهب وحكاية المتيطي نقل ابن الهندي قائلا: لما روى أشبه شئ بالبيع النكاح. وقول ابن حارث اتفقوا على لغو دعوى النكاح اتفاقا محملا فسره سحنون بقوله إن كانا طارئين وجبت الايمان بينهما انتهى. والذي صدر به ابن رشد وساقه على أنه المذهب لزوم اليمين للطارئين، وحكى الآخر بقوله: وقد قيل إنه لا يمين عليها، ذكر ذلك في رسم النكا ح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. وإطلاق الشيخ هنا كإطلاقه في باب الاقضية في قوله وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها ولا ترد كنكاح. وما ذكر ابن عرفة أنه المعروف قال في الشامل: إنه الاصح وسيأتي لفظه في القولة التي بعد هذه. وأما إقرار الزوج والولي دون المرأة فيؤخذ حكمه مما تقدم للمصنف إذ قال: وحلف رشيد وأجنبي وامرأة إلى آخره. والله أعلم. ص: (ولو أقام

________________________________________

[ 229 ]

المدعي شاهدا) ش: سيصرح المصنف بهذه المسألة في كتاب الشهادات حيث يقول: وحلف بشاهده في طلاق وعتق لا نكاح انتهى. وظاهره ولو كانا طارئين وهو ظاهر كلامه في الشامل ونصه: وإذا تنازعا في الزوجية فلا يمين على منكر ولو طارئا على الاصح لانتفاء ثمرتها ولو أقام شاهدا. وقيل: يحلف فإن نكل غرم المهر ولا يثبت النكاح كنكولها إلا ببينة انتهى. ص: (وحلفت معه وورثت) ش: هذا قول ابن القاسم. قال في التوضيح: وعليه فإنما تحلف مع شاهدها وترث إذا لم يكن ثم وارث معين ثابت النسب انتهى. وسيصرح المصنف بهذه المسألة في باب الشهادات حيث ذكر ما يثبت بشاهد ويمين حيث قال: ونكاح بعد موت. وظاهره عموم الحكم بهذه المسألة ولعكسها وهي ما إذا أقام الرجل شاهدا على نكاح امرأة ببينة أنه يحلف ويأخذ الميراث. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا صداق لها على قول ابن القاسم لان الصداق من أحكام الحياة. قاله في حواشي التجاني. انتهى كلامه والله أعلم. ص: (وأمر الزوج باعتزالها الشاهد ثان زعم قربه) ش: هذه المسألة في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب الخلع. وهذا والله أعلم إذا ادعى هذا المدعي أنه كان تزوجها ودخل بها، وأما لو ادعى أنها تزوجها ولم يدخل بها فقد تقدم في مسألة الوليين أن دخول الثاني يفيتها والله أعلم. تنبيه: قال في السماع المذكور: وكذلك العبد والجارية يدعيان الحرية إذا أقاما شاهدا واحدا ويدعيان مع ذلك أمرا قريبا فيوقفان على صاحبهما ويخرجان عن يديه، لذلك قال ابن رشد: قال في كتاب ابن المواز: إذا لم يقم لها شاهد آخر أو كان ذلك بعده حلف السيد ولا شئ على الزوجة ولا على الزوج. قال ابن رشد: أما قوله لا شئ على الزوجة ولا على الزوج فصحيح لانهما لو أقرا له أو أحدهما بما ادعاه من النكاح لم ينتفع بذلك، وأما قوله حلف السيد فصحيح على ما في المدونة وغيرها إذا كان ادعى على السيد أنه أعتقه وأقام على ذلك الشاهد، وأما إن كان ادعى أنه حر من أصله وأن غيره أعتقه قبل أن يشتريه وهو وأقام على ذلك شاهد فلا يمين على الذي هو بيده. والجواب في ذلك أن يوقف عنه ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة، ويؤخذ في طلب شاهد آخر الشهر والشهرين والثلاثة. وإن أراد أن يذهب إلى موضع بيته كان ذلك له بعد أن يعطى حميلا بقيمته وإن كانت له غلة وخراج فقيل: إنه يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه. وقيل: إنه لا يوقف ذلك إلا في حال الاعذار بعد ثبوت الحرية بشاهدين. وقيل: لا يوقف

________________________________________

[ 230 ]

ذلك والغلة للذي هو في يديه حتى يقضى عليه بحريته. وكلها قائمة من المدونة انتهى مختصرا. ص: (وأمرت بانتظاره لبينة قريبة) ش: قال في التوضيح عن المتيطي: الذي جرى به العمل عند شيوخنا وانعقدت الاحكام عليه أن تجعل المرأة عند امرأة صالحة تحتفظ بها أو تجعل المرأة عندها وإلا فتحبس في الحبس حتى يحق الحق انتهى. وفي الشامل: وهل بحميل وجه إن طلبه أو تحبس عند امرأة ؟ وبه جرى عمل المتأخرين انتهى. ص: (وليس لذي ثلاث تزويج خامسة) ش: قال في التوضيح ابن راشد: ويلزم على هذا أن لا تمكن من النكاح إن ادعته وأنكرها لانها معترفة أنها ذات زوج انتهى. ص: (وليس إنكار الزوج طلاقا) ش:. فرع: إذا أقامت المرأة على الرجل المنكر شاهدين ولم يأت بدافع لزمه النكاح والدخول والنفقة ولا ينحل النكاح عنه إلا بالطلاق، فإن طلق قبل البناء لزمه نصف الصداق، فإن أبى

________________________________________

[ 231 ]

من الدخول والطلاق فقال ابن الهندي: كان بعض من أخذت عنه يقول: إن السلطان يطلق عليه بعد أربعة أشهر من وقت إبايته. خليل: وفيه نظر، لان مشهور المذهب فيمن ترك وطئ زوجته لغير يمين يطلق بغير ضرب أجل. انتهى من التوضيح. ص: (وفي التوريث بإقرار الزوجين غير الطارئين) ش: هذا إذا لم يكن مع المرأة ولد استلحقه الرجل، فإن كان كذلك فترث بلا خلاف كما أشار إليه ابن الحاجب وصرح به في التوضيح وقاله ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق ولم يحك فيه خلافا. فرع: قال ابن عبد السلام: وكذلك ينبغي إذا أقرت ولم يعلم منه إنكار أن يرثها انتهى. فرع: قال في التوضيح: قال في الجواهر: ومن احتضر فقال لي امرأة بمكة سماها ثم مات فطلبت ميراثها منه فذلك لها ولو قالت ذلك هي ورثها. ابن راشد: وعلى ما حكاه في المثمر إن كان في عصمته امرأة غيرها لم ترثه لان هذه قد حازت الميراث انتهى. ص: (والاقرار بوارث وليس ثم وارث ثابت خلاف) ش: أما لو كان هناك وارث ثابت لم يرثه كما سيأتي في باب الاستلحاق. ص: (بخلاف الطارئين) ش: يؤخذ منه إن نكاح الطارئين يثبت الاقرار منهما بخلاف البلديين. كما قاله ابن عبد السلام وغيره، وسواء طرءا معا أو طرأ الرجل قبل المرأة قاله اللخمي. ابن عرفة: وحكم به قاضي الانكحة حين نزلت بتونس عام بضع وأربعين وسبعمائة خلاف ظاهر قول ابن عبد السلام انتهى بالمعنى. وانظر كلام ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. ص: (وقوله تزوجتك فقالت بلى) ش: قال

________________________________________

[ 232 ]

في التوضيح: اعلم أن ما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب هنا من الاقرار إنما يفيد في الطارئين وأما غيرهما فلا، لانه تقدم إنهما ولو تصادقا على الزوجية لم يقبل على الظاهر انتهى. فرع: قال ابن فرحون في التبصرة في الفصل الخامس من القسم الثاني من الركن السادس: مسألة إذا تداعى رجل وامرأة في شئ من أمور الزوجية وأقر بالزوجية، فإن كانا طارئين لم يتعرض لهما الحاكم، وإن كانا من أهل البلد وادعيا وقوع الزوجية في البلد كلفهما إثبات النكاح وسألهما عن الولي العاقد والشهود بذلك، فإن بان له كذبهما وأقرا بالوطئ أقام عليهما الحد. انظر ابن سهل. ص: (وفي قدر المهر أو صفته) ش: هذا معطوف على قوله في الزوجية في أول الفصل واختلافهما في الصفة مثل أن يقول الرجل بدنانير يزيدية وتقول المرأة بمحمديه قاله ابن عبد السلام. وقال في التوضيح: مثل أن تقول بتركي وتقول بزنجي وكلاهما واحد وهو واضح والله أعلم. ص: (حلفا وفسخ) ش: المتيطي: إذا ارتفعا إلى الحاكم وثبتت

________________________________________

[ 233 ]

مقالتهما عنده كلف كل واحد منهما إثبات ما ادعاه، فإن عجزا عن البينة أو أتياه ببينة لا يعرفها ولا زكيت عنده قضى بينهما بالتحالف بعد الاعذار إليهما. وقال بعده: ويؤجل كل واحد في تزكية شهوده على ما مضى عليه العمل في التأجيل. قال: وهو أحد وعشرون يوما التي جرى عليها أمر الحكام في كثير من أحكامهم انتهى، وانظر لو زكى كل واحد بينته فإن عينت واحدة زمانا غير زمان الاخرى فسيأتي للمصنف، وإن عينتا زمنا واحدا فالظاهر أنهما يتساقطان والله أعلم. ص: (أو طلاق أو موتها فقوله بيمين) ش: قوله أو طلاق يعني قبل البناء، وكذا قوله أو موتها يعني قبل البناء كذا فرض المسألة ابن الحاجب وغيره. وقوله فقوله بيمين يريد فإن نكل حلفت المرأة في الطلاق. قاله في المدونة والمتيطية وغيرهما. وإن نكل في

________________________________________

[ 234 ]

الموت فالظاهر أن الورثة يحلفون لانه مثله. هذا إذا كان الاختلاف بينه وبينها أو بينه وبين ورثتها في القدر والصفة، وإن كان الاختلاف بينه وبينها أو بينه وبينهم في التفويض وعدمه فحكمه ومثله كما قال المتيطي. ولو مات وادعى ورثته التفويض فالقول قولهم بيمين. قاله ابن عبد السلام. ص: (ورد للمثل) ش: هكذا رأيته في نسخة وهو الصواب رد مبنيا للمفعول وللمثل بلام الجر ونائب الفاعل ضمير يعود على الزوج المفهوم من السياق يعني يرد عن الذي ادعاه إلى صداق المثل. واعلم أن هذا إنما يكون بعد أن يتحالفا. قاله في التوضيح وابن ناجي على المدونة وغيرهما والله أعلم. ص: (ولو أقامت بينتين على صداقين في عقدين لزما وقدر طلاق بينهما وكلفت بيان أنه بعد البناء) ش: اعلم أنه اختلف في فرض هذه المسألة ففرضها ابن شاس وابن فرحون وابن عرفة كلاهما عنه أن المرأة أقامت بينتين على عقدين وعينت كل بينة زمانا، فحكمها كما ذكر. وعلى هذا فيناسب أن يقرأ كلام المصنف ولو أقامت من باب الافعال وهو كذلك في بعض النسخ. وقوله كلفت بيان إنه بعد البناء ذكر ابن شاس قولين في تكليفها وتكليف الزوج، وجزم الشيخ بالاول لانه الجاري على المشهور من أنها لا تملك بالعقد إلا النصف وفرضها المصنف في التوضيح وابن عبد السلام أن الزوج ادعى قدرا أو جنسا وادعت خلافه وأقام كل منهما البينة على دعواه وعينت كل بينة زمانا غير الذي عينته الاخرى فإنه يلزمه الصداقان، ويحمل على أنه طلقها إلى آخر الكلام إلا أن ابن عبد السلام قيد لزوم

________________________________________

[ 235 ]

مجموع الصداقين انتهى، بما إذا أقامت المرأة بالنكاحين معا، وأما إذا أقامت بأحدهما فلا يمكن أن تأخذ مجموع الصداقين وكأنه يقول: إن الزوج لما أقام بينة على خلاف ما أقامت هي عليه البينة قالت المرأة حينئذ ما شهدت به بينة الزوج صحيح لانه عقد على عقدين، أما لو اتحد زمان البينتين لسقطتا. هذا الذي يظهر والله أعلم. ص: (وإن قال أصدقتك أباك فقالت أمي حلفا وعتق الاب) ش: اعلم أنه إن وقع الاختلاف ففيه أربع صور: يحلفان ينكلان تنكل هي ويحلف هو وعكسه. فإن حمل كلام المؤلف على أنه تكلم على ما قبل الدخول وفي بالكلام على الاربع. واعلم أن النكاح علم حكمه مما تقدم أنهما إذا حلفا فسخ وكذا إذا نكلا عن المشهور، وإذا نكل أحدهما لزم الناكل، واعلم أيضا أن الاب يعتق في الصور الاربع وإن الام إنما تعتق إذا نكل الزوج وحلفت المرأة. قاله ابن عبد السلام. قال في المتيطية: وولاء الاب للبنت انتهى. وأما الام فلا كلام أنها إذا عتقت يكون ولاؤها للبنت أيضا لانها إنما تعتق عليها، وإن كان الاختلاف بعد البناء فإن القول قوله مع يمينه ويدفع إليها أباها، وإن نكل فيعتقان معا الاب وعلى الزوج والام على الزوجة بعد يمينها على المشهور. وقيل: بغير يمين. قاله في المتيطية. وقال فيها أيضا: وولاؤهما للابنة. إذا عتق الاب فلا رجوع للزوج على الزوجة بشئ لانه إنما عتق بإقراره أنه حر، فإن مات الاب عن مال أخذ الزوج قيمة الاب وكان ما بقي للابنة وهي الزوجة أيضا انتهى. والظاهر أن الزوج يأخذ أيضا قيمة الاب إذا مات عن مال وكان الاختلاف قبل البناء والله أعلم. تنبيه: إذا حلفا أو نكلا وفسخ النكاح، فهل يفسخ بطلاق أم لا ينبني ذلك على الاختلاف فيه هل يفسخ بتمام التحالف أم لا ؟ فإن قلنا لا ينفسخ بتمام التحالف وهو الذي مشى عليه المؤلف في باب البيع فلا إشكال إنه يفسخ بطلاق، وإن قلنا يفسخ بتمام التحالف

________________________________________

[ 236 ]

ففي ذلك نظر، وهذا الحكم جار في هذا الباب جميعه والله أعلم. ص: (وفي قبض ما حل فقبل البناء قولها وبعده قوله بيمين فيهما) ش: هذا معطوف على قوله في الزوجية أول الفصل إذا تنازعا في قبض ما حل. وقوله قولها بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي فالقول قولها، وكذا قوله وبعده فقوله. واعلم أنه إنما يكون القول قولها مع يمينها إن كانت رشيدة. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: إن كان التنازع قبل البناء حلفت المرأة إن كانت رشيدة وإلا حلف أبوها أو وصيها إن ادعى الزوج الدفع إليه انتهى. وقال المتيطي: وإن اختلفا في دفع المعجل قبل البناء حلفت المرأة إن كانت مالكة أمر نفسها وادعى دفع ذلك إليها أو حلف من زوجها أو من أب أو وصي أو ولي إن كانت محجورا عليها وادعى دفع ذلك إليهم، فإن حلف من وجب عليه الحلف منهم دفع الزوج المعجل ثانية ودخل بأهله، وإن صرفت اليمين عليه حلف وبرئ منه إن كانت ذات أب أو وصي أو مالكة أمر نفسها ووجب على الاب أو الوصي غرم ذلك لها ولا يبرأ منه إن كانت يتيمة بكرا ذات ولي ويلزمه دفعه ثانية ويتبع به الولي الذي حلفه. وإن ادعى دفع ذلك إليها يريد المولى عليها قبل البناء أو بعده لم ينتفع بذلك ولا يجب عليها يمين إن أنكرته ولا يبرأ منه إن أقرت له لانها سفيهة لا يجوز إقرارها ولا قبضها إلا أن يدعي دفع ذلك إليها بعد عام من دخوله بها فتجب له اليمين عليها

________________________________________

[ 237 ]

لانها بتمام العام تخرج من سفهها وتنفذ أمورها على المختار من الاختلاف انتهى. وقول المؤلف ما حل يفهم منه أن المؤجل حكمه خلاف ذلك وهو كذلك. قال ابن فرحون: والقول قولها فيما لم يحل، وسواء وقع التنازع فيه قبل البناء أو بعده انتهى. وقال في المدونة: وإن نكح على نقد ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بها بعد الاجل صدق، وإن بنى بها قبل الاجل صدقت، كان المؤجل عينا أو حيوانا مضمونا بعد الايمان فيما ذكرناه انتهى. وقوله بيمين فيهما أي في صورة كون القول قولها أو قوله وانظر إذا نكل من القول قوله عن اليمين. فرع: قال في التوضيح: وجعل في المدونة ورثة كل واحد من الزوجين يتنزل منزلة موروثه سواء ماتا معا أو أحدهما. قال في المدونة: وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد دفعه أو لا علم لنا فلا شئ عليهم، فإن ادعى ورثتها عليهم العلم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع ولا يمين على غائب، ومن يعلم أنه لا علم عنده. انتهى كلامه في التوضيح، وقوله في المدونة لا شئ عليهم خلاف سماع القرينين ونقله ابن عرفة. وقوله فيها من يعلم أنه لا علم عنده قال ابن ناجي: العلم هنا بمعنى الظن، وكان شيخنا حفظه الله تردد في الزمن الذي يعتبر فيه العلم، هل يوم العقد أو يوم الموت أو يوم الحكم ؟ ويذكر أنها وقعت في أيام شيخنا أبي عبد الله محمد القابسي في بلد القيروان وإن ولم يجزم بما وقع الحكم به، والصواب عندي من العقد إلى دخوله والله أعلم. ص: (عبد الوهاب إلا أن يكون بكتاب وإسماعيل بأن لا يتأخر عن البناء عرفا) ش: هو تقييد. وقيده عياض أيضا بما إذا ادعى دفعه قبل الدخول، وأما إن ادعى دفعه بعد الدخول فلا يصدق فيه كسائر الديون. قاله في التوضيح. فرع: إذا أخذت بالصداق رهنا ثم سلمته فالقول قول الزوج مع يمينه أنه دفع و يبرأ، وسواء دخل أو لم يدخل. واختلف إذا دخل وبقي الرهن في يدها فقال سحنون: القول قول الزوج مع يمينه. وقال يحيى: القول قولها مع يمينها واختاره اللخمي وغيره. انتهى من التوضيح. وانظر اللخمي وابن عرفة والذخيرة فيما إذا أخذت به حميلا فإنهم أطالوا الكلام في ذلك والله أعلم. ص: (وفي متاع البيت فللمرأة المعتاد النساء فقط بيمين وإلا فله بيمين) ش: إذا تنازع الزوجان في متاع البيت قال ابن عبد السلام: كانا باقيين على الزوجية أو افترقا أو ماتا فاختلف ورثتهما أو مات أحدهما، وسواء كانا حرين أو عبدين أو أحدهما حرا والآخر رقيقا أو حصل

________________________________________

[ 238 ]

فيهما، أو أحدهما عقد حرية مسلمين أو أحدهما أو لم تقم لهما أو لاحدهما بينة، قضى للمرأة بما يعرف أنه للنساء وهو المشهور في المذهب انتهى. وقال ابن عرفة المتيطي عن ابن المواز. وكذا الكافرون إن ترافعا إلينا لانها مظلمة. قلت: إن كانت مظلمة كفى فيها رفع المظلوم خلاف قوله ترافعا انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: اعلم أنه لا فرق بين الزوجين والقرابة كالرجل ساكنا مع بعض محارمه انتهى. وافتراق الزوجين سواء كان بطلاق أو خلع أو لعان أو إيلاء الحكم واحد. قاله في المدونة. قال ابن عرفة: وكون الدار للزوج أو للزوجة سواء انتهى. وقاله في المدونة. فرع: فلو كان ما تنازعا فيه مما يكون للرجال والنساء فقال ابن رشد في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات: لم يختلف قول مالك وابن القاسم في أن القول قول الزوج إذا اختلفا في متاع البيت وهو مما يكون للرجال والنساء. وقال في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الشهادات الثاني: ويد الزوج عند ابن القاسم هي المغلبة على يد الزوجة إذا اختلفا فيما هو من متاع الرجال والنساء. وقد قيل: إنه لا يدلها معه فالقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت وإن كان ذلك من متاع النساء انتهى. فرع: قال في المدونة: وفيها من أقام بينة فيما يعرف للآخر أنه له قضى به انتهى. فلو أقام كل واحد من الزوجين بينة في شئ أنه له فالظاهر أنه يقضى بأعدل البينتين، فإن تساويا رجح بسبب من أسباب الترجيح، فإن تكافأتا سقطتا ورجع في ذلك إلى أنه هل يعرف للرجال أو للنساء أو لهما. قال في النوادر في كتاب الشهادات في ترجمة المتداعيين في شئ بأيديهما أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما. وأقاما البينة ما نصه: وسأله ابن حبيب عمن حكم عليه بدين فأثبت عدمه ببينة فأقام الطالب ببينة أن له دارا هو بها ساكن وأقامت امرأة الغريم بينة الدار لها. قال: يقضى بأعدل البينتين، فإن تكافأتا بقيت الدار للزوج وتباع في دينه لان سكناه أغلب من سكنى امرأته وعليه هو أن يسكنها انتهى. وحاصل ذلك أن جميع ما يعرف أنه للرجال يقضى به للرجل مع يمينه، وكذا ما يعرف للرجال والنساء يقضى به للرجل مع يمينه لان البيت بيت الرجل، وما يعرف للنساء يقضى به للمرأة مع يمينها، ووارث كل واحد منهما يتنزل منزلته. فما يعرف للرجال يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم، وما يعرف للرجال والنساء يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم، وما يعرف للنساء يقضى به لورثة المرأة مع يمينهم أنه لها فإن أقام الرجل أو ورثته بينة على ما يعف للنساء أنه له قضى له به أولهم، وكذا إذا أقامت المرأة أو ورثتها بينة على ما يعرف للرجال أو ما يعرف لهما قضى به لها ولهم، وكذا إذا أقام الرجل بينة على أنه اشترى ما يعرف للنساء فإنه يقضي له به مع يمينه إنه اشتراه لنفسه كما سيأتي في كلام المؤلف إلا أن تشهد بينة للمرأة أو لورثتها أنه اشتراه لها، وكذلك الحكم في المرأة إلا أن

________________________________________

[ 239 ]

في يمينها تأويلين كما سيذكره المصنف. قال في المدونة: والمتاع الذي يعرف للنساء مثل الطست والنور والمنارة والقباب والحجال والاسرة والفرش والوسائد والمرافق والبسط وجميع الحلي إلا السيف والمنطقة والخاتم فإنه يعرف للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكرانا وإناثا، وأما أصناف الماشية وما في المرابض من خيل أو بغال أو حمير فلمن حاز ذلك انتهى، والحاصل أن العمدة فيما يعرف. للرجال أو للنساء على ما جرى به العرف في مثل الزوجين قالوا: حتى إن الشئ الواحد في الزمن الواحد والمكان الواحد يكون من متاع الرجل بالنسبة إلى قوم، ومن متاع النساء بالنسبة إلى آخرين والله أعلم. تنبيهان: الاول: انظر لو نكل من توجهت عليه اليمين من الزوج أو الزوجة أو ورثته. الثاني: سيأتي في أول الاقرار حكم من أشهد لامرأته أن كل شئ يغلق عليه باب بيتها فهو لها. وانظر ابن سلمون في أوائل كتاب الوصايا في الحكم في الاختلاف في متاع البيت فإنه ذكر غالب ما يحتاج إليه فيه والله أعلم. فائدة: قوله في المدونة مثل الطست قال ابن ناجي: جرت عادة أصحابنا يقرؤنه على شيوخنا بكسر الطاء. وقال شيخنا: أعرف الرواية بفتح الطاء. وقال في حاشية الحجازي على الشفاء في باب الثاني: الطسب بسين مهملة والتاء بل من سين فهو طس بالتشديد أبدلت للاستثقال، وإذا أجمعت وصغرت ردت للفصل بين السين بألف الجمع أو ياء التصغير فتقول طساس وطسيس، ويقال طسه تفتح الطاء في الجميع وتكسر، وقد تضم والفتح أفصح. ونقل عن صاحب القاموس أنه يقال بالشين انتهى. ص: (ولها الغزل إلا أن يثبت أن الكتان له) ش: ابن عرفة قلت: إن كان الزوج من الحاكة وأشبه غزله غزلها فمشترك وإلا فهو لمن أشبه

________________________________________

[ 240 ]

غزله منهما انتهى. ص: (وإن أقام الرجل بينة على شراء ما لها حلف وقضى له به كالعكس وفي حلفها تأويلان) ش: قال ابن فرحون: الورثة في البينة واليمين بمنزلتهما إلا أنهم إنما يحلفون فيما يدعى عليهم فيه العلم. فلو كان شئ من متاع النساء وادعى الزوج أنه اشتراه لنفسه ولا بينة حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا الذي يدعيه من متاع النساء وورثة الزوج بهذه المنزلة انتهى. وأصله في المدونة. فرع: إذا طلقها وعليها ثياب وطلبته بالكسوة فقال لها ما عليك فهو لي وقالت بل هو لي أو عارية عندي، فللاندلسيين في ذلك ثلاثة أقوال: فقال ابن الفخار: القول قول الزوج. وقال ابن دحون: القول قول المرأة. وقال المشاور: إن كانت من كسوة البذلة فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها مع يمينها، فإذا حلفت كساها وإذا اشترى لزوجته ثيابا فلبستها في غير البذلة ثم فارقها وادعى أنها عارية وأنكرته قال الداودي: إن كان مثله يشتري ذلك لزوجته على وجه العارية فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها. قاله في التوضيح.

________________________________________

[ 241 ]

فرع: قال ابن فرحون: إذا عرفت المرأة أنها فقيرة لم يكن القول قولها إلا في قدر صداقها انتهى. فصل في الوليمة ص: (فصل الوليمة مندوبة بعد البناء يوما) ش: قال في العتبية في رسم طلق بن حبيب في سماع ابن القاسم من كتاب الجامع الخامس في ترجمة وجه الاطعام في الوليمة قال مالك: كان ربيعة يقول: إنما يستحب الطعام في الوليمة لاثبات النكاح وإظهاره ومعرفته لان الشهود يهلكون. قال ابن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر رسول الله (ص) بالوليمة وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف: أولم ولو بشاة وبما أشبه ذلك من الآثار. وقوله صحيح يؤيده ما روي أن النبي (ص) مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال: ما هذا ؟ فقالوا: نكح فلان يا رسول الله فقال: كمل دينه هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح حتى يسمع دف أو يرى دخان وبالله التوفيق انتهى. وقوله: بعد البناء هو المشهور. قال في العارضة قال ابن حبيب: قد كان النبي (ص) يستحب الطعام على النكاح عند عقده وعند البناء وليس كما زعم ما أطعم قط إلا بعد البناء انتهى، وقال فيها أيضا: ليس في الوليمة على بعض النساء أكثر من الوليمة على غيرها ما يخرج من العدل بينهن كما فعل النبي (ص)، لان ذلك لم يكن قصدا وإنما كان بقدر الوجد انتهى. وهذا إذا كان كذلك فواضح، وأما إن كان بقصد فالظاهر كراهته فلا يحرم والله أعلم. وقال أيضا: والوليمة في السفر مطلوبة كالحضر وليست من القربات التي يسقطها السفر انتهى. ص: (وتجب إجابة من عين) ش: يعني أن الاجابة تجب يوما واحدا على من دعى معينا، ومراده سواء كان سابعا أو غير سابع. قال ابن عرفة ابن رشد: إن جعل الوليمة والسابع معا وجبت إجابته لانه دعاء لحق، ومن دعي للسابع بخلافه لانه لم يدع لحق بل لمعروف، وكذا من ترك الوليمة. وفعل السابع. وإن أخر الوليمة للسابع فقال مالك: يجيب وليس كالوليمة لانه ربما جعل الوليمة والسابع ووجه تعليله تخفيف الاتيان لما قال هو أنه لما كان الرجل قد يجمعهما احتمل عنده أنه لم يؤخر الوليمة إلى يوم

________________________________________

[ 242 ]

السابع بل تركها وعلمه، ولو كان عادة الناس بالبلد أنهم لا يولمون إلا يوم السابع لوجبت الاجابة انتهى. والمسألة في رسم الطلاق من سماع أشهب في كتاب النكاح وأطال ابن رشد الكلام عليها. وقال في جامع الذخيرة مسألة فيما يؤتى من الولائم قال صاحب المقدمات: هي خمسة أقسام: واجبة الاجابة إليها وهي وليمة النكاح، ومستحبة الاجابة وهي المأدبة وهي الطعام يعمل للجيران للوداد، ومباحة الاجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للمولود والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والاعذار للختان ونحو ذلك، ومكروه وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيئات لان إجابة مثل ذلك يخرق الهيئة، وقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له، ومحرمة الاجابة وهو ما يفعله الرجل لمن يحرم عليه قبول هديته كأحد الخصمين للقاضي انتهى. وقال في الشامل: وأما طعام أعذار الختان ونقيعة لقادم من سفر وخرس لنفاس ومأدبة لدعوة وحدقة لقراءة صبي ووكيرة لبناء دار، فيكره الاتيان له وقد تقدم حكم العقيقة. انتهى كلامه فتأمله مع ما نقله في الذخيرة عن صاحب المقدمات في القسم المستحب والمباح. ولابن رشد في شرح المسألة الرابعة من رسم قطع الشجرة من كتاب المديان في القسم المباح نحو ما له في المقدمات ونصه: الدعوة في الختان ليست بواجبة عند أحد من أهل العلم ولا مستحبة وإنما هي من قبيل الجائز الذي لا يكره تركه ولا يستحب فعله انتهى. وما نقله في الذخيرة عن ابن رشد في المقدمات نحوه في البيان في أول سماع أشهب من كتاب الصيام، وأشار إلى شئ منه في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. والمأدبة بضم الدال وفتحها قاله في الصحاح. والاعذار طعام الختان وهو في الاصل مصدر قاله في الصحاح فهو بكسر الهمزة لانه ليس شئ من المصادر على وزن أفعال. فروع: الاول: قال في العارضة: إذا اجتمع داعيان أجب أقربهما منك بابا، فإن سبق أحدهما فالسابق انتهى. الثاني: قال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب الجامع: إذا دعي الرجل إلى الوليمة وغيرها وقيل له ائت بمن تحب معك أنه لا بأس أن يستصحب من إخوانه ما شاء. ابن رشد: هذا بين أنه يستصحب من شاء ولا يجب على المستصحب إلا أن يشاء إذا لم يقصد صاحب الوليمة إلى دعائه فلا يلزمه الاتيان إليها على ما قاله مالك في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح انتهى. ونص ما في رسم سماع أشهب قلت: أرأيت صاحب الوليمة يدعو إنسانا فيقول له اذهب فانظر من لقيت فادعه فيدعو الرجل، أهو في سعة من ترك الاجابة ؟ فقال: أرجو أن لا يكون على هذا بأس أن لا يأتيه لانه لا يعرفه بعينه ولم يتعمده. الثالث: قال ابن عرفة: وفي طرر ابن عات لا بأس أن يحضر وليمة اليهودي ويأكل

________________________________________

[ 243 ]

منها. قال بعض أصحابنا: بعد أن يحلفه أنه لم يتزوج أخته ولا عمته ولا خالته. قلت: الاصوب أو الواجب عدم إجابته لان في إجابته إعزازا له والمطلوب إذلاله. وقوله: بعد أن يحلفه فيه نظر إن كان ذلك مباحا في ملتهم انتهى. وقال في العتبية في رسم الاقضية من سماع أشهب في كتاب النكاح: وسئل عن النصراني يختن ابنا له فيدعو مسلما، أترى أن يجيبه ؟ فقال: إن شاء جاء ليس عليه في ذلك ضيق إن جاءه فلا بأس به. قال ابن رشد: معنى قوله إنه لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن فعله وذلك إذا كان له وجه من جوار أو قرابة أو ما أشبه ذلك، والاحسن أن لا يفعل لا سيما إذا كان ممن يقتدى به لما في ذلك من التودد إلى الكفار وقد قال الله عزوجل: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) * الآية. ص: (وإن صائما) ش:. تنبيه: ظاهر كلام الابي في كتاب الصيام أن الصائم إذا أخبر أنه صائم لا يلزمه الحضور، وقيده النووي بأن يسامح في ذلك والله أعلم. ص: (إن لم يحضر من يتأذى به ومنكر كفرش حرير وصور على كجدار) ش: قال ابن العربي في العارضة: اتفق العلماء على أنه إذا رأى منكرا أو خاف أن يراه أنه لا يجيب. وقال أيضا بعد حكاية الخلاف في وجوب الاجابة: أما الذي يصح في هذا كله عند النظر أن إجابة الدعوة واجبة إذا خلصت نية الداعي لله وخلصت وليمته عما لا يرضي الله، ولما عدم هذا سقط الوجوب عن الخلق بل حرم عليهم كما سيأتي بيانه فلا معنى للاطناب في ذلك انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم: وهذا كله ما لم يكن في الطعام شبهة أو تلحق فيه منة أو رؤية منكر فلا يجوز الحضور ولا الاكل ولا يختلف فيه انتهى. فرعان: الاول: قال الابي: ويأتي لابن حبيب وغيره من السلف زيادة مانع آخر، وهو أن لا يخص بالدعوة الاغنياء فإن خصهم سقط الوجوب انتهى. وقال القرطبي في معنى قوله (ص) شر الطعام طعام الوليمة ذكره العلماء اختصاص الاغنياء بالدعوة واختلفوا فيمن فعل ذلك. هل تجاب دعوته أم لا ؟ فقال ابن مسعود: لا تجاب ونحا نحوه ابن حبيب من أصحابنا، وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الاجابة والله أعلم انتهى. وقال في العتبية في رسم طلق بن حبيب من

________________________________________

[ 244 ]

سماع ابن القاسم من كتاب الجامع الخامس في ترجمة حكاية عن أبي هريرة رضي الله عنه في إتيان الوليمة قال مالك: بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه دعي إلى وليمة وعليه ثياب دون، فأتى ليدخل فمنع ولم يؤذن له فذهب فلبس ثيابا جيادا ثم جاء فأدخل، فلما وضع الثريد وضع كميه عليه فقيل له: ما هذا يا أبا هريرة ؟ فقال: إنما هي التي أدخلت وأما أنا فلم أدخل قد رددت إذ لم تكن علي ثم بكى وقال: ذهب حبي ولم ينل من هذا شيئا وبقيتم تهانون بعده. قال ابن رشد: هذه الوليمة التي رد فيها أبا هريرة من لم يميزه من حجاب باب الوليمة إذ ظنه فقيرا لما كان عليه من الثياب الدون وأدخله بعد ذلك من رآه من حجابها في صفة الاغنياء بالثياب الحسان هي التي قال فيها رسول الله (ص): شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الاغنياء ويترك الفقراء ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله ويروى: بئس الطعام يريد أنه بئس الطعام لمطعمه إذ رغب عماله في الحظ من أن لا يخص بطعامه الاغنياء دون الفقراء. فالبأس في ذلك عليه لا على من دعاه إليه لقوله في الحديث نفسه: ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله وبكى رضي الله عنه شفقا من تغيير الاحوال على قرب العهد بالنبي (ص) ورغبة الناس عما ندبوا إليه في ولائمهم من عملها وترك الرياء فيها والسمعة وبالله التوفيق انتهى. تنبيه: قال ابن العربي في العارضة: روي عن ابن عمر أنه دعا في وليمة الاغنياء والفقراء فعزل الفقراء عنهم وقال: نطعمكم ما يأكلون لا تفسدوا عليهم ثيابهم. وهذا مما لم يثبت فلا تعولوا عليه ولو أراد الجمع بين الفقراء والاغنياء والفقراء لفرقتهم ولم يجمع بينهم ويعتذر إليهم، فإن هذا كسر لنفوسهم وإثم يدخل عليه من جهتهم فلا ينفع إشباعه بذلك انتهى. الثاني: قال الاقفهسي عند قول الرسالة: وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها قال: وكذلك إذا كان من حضر يأكلون وعلى رؤوسهم قوم ينظرونهم فهذا من المشقة والضرر انتهى. ص: (لا مع لعب مباح ولو لذي هيئة) ش: قال في سماع أشهب في

________________________________________

[ 245 ]

كتاب الجامع: وسألته عمن يدعى إلى الوليمة وفيها إنسان يمشي على الحبل وآخر يجعل في جبهته خشبة ثم يركبها إنسان فقال: لا أرى أن يأتي. قيل: فإن دخل ثم علم بذلك أيخرج ؟ قال: نعم يقول الله تبارك وتعالى: * (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) * قال ابن رشد: اللعب في الوليمة هو من ناحية ما رخص فيه من اللهو، واختلف فيما رخص فيه من ذلك هل الرخصة فيه للنساء دون الرجال أو للنساء والرجال ؟ فقال أصبغ في سماعه من كتاب النكاح: إن ذلك يجوز للنساء دون الرجال وأن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره وهو ظاهر ما في هذه الرواية، والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء وهو قول ابن القاسم في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، ومذهب مالك خلاف قول أصبغ إلا أنه كره لذي الهيئة أن يحضر اللعب انتهى. وسيأتي ما في الرسمين المذكورين عند قول المصنف لا الغربال ص: (وفي وجوب أكل المفطر تردد) ش: أشار لقول الباجي لا نص لاصحابنا وفي المذهب مسائل تقتضي القولين اه‍. واعترضه ابن عرفة بأن في رواية محمد يجيب وإن لم يأكل قال: وهو نص فقهي ونقله ابن ناجي وقال: يعترض بقول الرسالة وأنت في الاكل بالخيار انتهى. ولا شك أن الثاني نص في ذلك وأما الاول ففيه نظر فتأمله. وقال في العتبية في سماع أشهب من كتاب النكاح في رسم طلق بن حبيب: وسئل مالك عن الاتيان إلى الوليمة ؟ فقال: أرى أن يأتيها. فقيل له: ربما كان الزحام فيكره ذلك لموضعه فقال: إن كان الزحام فإني أرى له سعة. فقيل له: فيجيب

________________________________________

[ 246 ]

وإن كان صائما ؟ قال: نعم أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل. قال ابن رشد: قوله أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، يريد أن الاجابة تلزمه كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه لان أمر النبي (ص) بالاكل فيما روي عنه من قوله: إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل محمول على الندب عند مالك رحمه الله بدليل قول النبي (ص) في حديث آخر إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل وإن شاء ترك وأهل الظاهر يوجبون عليه الاكل بظاهر الحديث الاول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من إطراح أحدهما اه‍. نكتة عجيبة: أخبرني سيدي الوالد حفظه الله عن بعض من قرأ الرسالة أنه قال: كنت أظن أن معنى قول الشيخ وأنت في الاكل بالخيار أن تأخذ كل لقمة كالخيارة وهو فهم غريب والله أعلم. تنبيه: قال البرزلي في مسائل الهبة والصدقة: وما يفعل من الاطعمة في بعض الاعراس أو الولائم أو الاعياد من طعام رفيع أو حلاوة وقصد بعض الناس بها المفاخرة وعرضه فقط لا أكله، فلا ينبغي أن يحضر فضلا عن أن يكثر من أكله، فإن حضر لضرورة فلا يأكل منه إلا قدر ما تطيب به نفس صاحبه على العادة، ولا يجوز الافداح في الاكل منه إذا لم يصنع لذلك انتهى. وقال قبله: إذا قدم الطعام لضيافة أو غيرها فلا يأكل منه إلا قدر ما يأتي بين يديه ولا يتعدى إلى جاره في نصيبه إلا بطيب نفس منه، وكذا إذا كان الطعام كثيرا أو أكل أكلا خارجا عن المعتاد لا بد له من استئذان رب الطعام لا سيما على القول أنه لا يملك إلا بالازدراد فلا يأخذ منه إلا ما جرت به العادة من باب تخصيص العموم بالعادة، ولا يطعم منه هرا ولا غيرها إلا بإذن ربه. وعلى القول بأنه يملكه بالتمكين فيجوز أن يطعم

________________________________________

[ 247 ]

الهر ونحوها. ونص على المسألة القرافي في آخر شرحه للتنقيح له ويحتمل أن لا يعطي شيئا من ذلك كله لانه إنما ملك الانتفاع في نفسه خاصة لا عموم منفعة الطعام في كمال التصرف كما في بعض مسائل الحبس. وبلغني عن الشيخ الصالح أبي عبد الله الرماح شيخ عصره في بلده أكل معه بعض أهل البادية طعاما فجاوز العادة فخاف البدوي الفضيحة فقال: يا سيدي يقول الناس: من راءى في أكله راءى في دينه فقال له: اسكت من راءى في أكله ستر في دينه انتهى. ص: (وكره نثر اللوز والسكر) ش: قال في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب العقيقة قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفي العرائس فتكون فيه النهبة قال: لا أحب أن يؤكل منه شئ إذا كان ينتهب. قال ابن رشد: كرهه مالك بكل حال لظواهر الآثار الواردة عن النبي (ص) في ذلك، من ذلك نهيه عن النهبة وأنه قال: النهبة لا تحل وأنه قال: من انتهب فليس منا وفي ذلك تفصيل. أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب فانتهابه حرام لا يحل ولا يجوز لان مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل، فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الاكل فقد أخذ حراما وأكل سحتا لا مرية فيه ودخل تحت الوعيد، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فقد كرهه مالك وأجازه غيره، وتأول أن النهي عن الانتهاب إنما معناه انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه بدليل ما روى عبد الله بن قرط قال قال رسول الله (ص): أحب الايام إلى الله يوم النحر ثم يوم القرب فقرب إلى

________________________________________

[ 248 ]

رسول الله (ص) بدنات خمسا أو ستا فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفيفة لم أفهمها فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله (ص) ؟ قال: اقتطع. وما روي من أن صاحب هدي رسول الله (ص) قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي فقال رسول الله (ص) انحرها ثم ألق قلائدها في دمها وخل بين الناس وبينها يأكلونها انتهى. وقال في جامع الكافي: وطعام النهبة إذا أذن فيه صاحبه وذلك نحو ما ينثر على رؤوس الصبيان وفي الاعراس والختان اختلف في كراهته والتنزه عنه أولى انتهى. ص: (لا الغربال ولو لرجل وفي الكبر والمزهر ثالثها يجوز في الكبر ابن كنانة وتجوز الزمارة والبوق) ش: قال في النوادر عن ابن المواز: الغربال هو الدف المدور. وقال غيره: هو مغشى من جهة واحدة. وقال أيضا: المزهر هو المربع انتهى. وقال أصبغ في العتبية في رسم النكاح من كتاب النكاح: والغربال هو الدف المدور وليس المزهر والمزهر مكروه وهو محدث. والفرق بينهما أن المزهر ألهى وكلما كان ألهى كان أغفل عن ذكر الله وكان من الباطل. وقال الشيخ يوسف بن عمر: الدف هو المغشى من جهة واحدة إذا لم يكن فيه أوتار ولا جرس ويسمى الآن بالبندير انتهى. وقال في المدخل في فصل المولود: ومذهب مالك أن الطار الذي فيه الصراصر محرم وكذلك الشبابة انتهى. وقال التلمساني في شرح الرسالة: قال ابن رشد: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال في العرس انتهى. وسيأتي كلام ابن رشد مستوفى. وقال الشيخ جعفر بن ثعلب الادفوي الشافعي المصري في كتابه المسمى بالاقناع في أحكام السماع: وذهبت طائفة إلى إباحة الدف في العرس والعيد وقدوم الغائب وكل سرور حادث. وهذا ما أورده الغزالي في الاحياء والقرطبي المالكي في كشف القناع لما ذكر أحاديث تقتضي المنع قال: وقد جاءت أحاديث تقتضي الاباحة في النكاح وأوقات السرور فتستثني هذه المواضع من المنع المطلق انتهى. وقال قبله: قال ابن بطال في

________________________________________

[ 249 ]

شرح البخاري: قال المهلب: من السنة إعلان النكاح بالدف انتهى. وقال بعد هذا وقبل الاول: قال القاضي أبو بكر بن العربي في الاحكام من كلام ذكره وقسمه: إن آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه وذكر الدف منها. وقال ابن رشد في المقدمات: ولا يجوز تعمد شئ من اللهو ولا من آلات الملاهي ورخص في الدف في النكاح وفي الكبر والمزهر أقوال انتهى. ثم ذكر في الدف بالجلاجل ما نصه: قال القرطبي: لما استثنى الدف فيما ذكرناه من المواضع ولا يلحق بذلك الطارات ذات الصلاصل والجلاجل لما فيها من زيادة الاطراب. وإذا كان الضارب بها رجلا فقال يحيى بن مزين في شرح الموطأ: قال أصبغ: لا يكون الدف إلا للنساء ولا يكون عند الرجال. ثم قال: وكل من تقدم النقل عنه يعني من المالكية وغيرهم من الائمة الاربعة غير هؤلاء الذين ذكرناهم أطلقوا القول ولم يفصلوا بين الجلاجل وغيره وبين النساء والرجال. وذهب عبد الملك بن حبيب إلى جواز الدف والكبر والمزهر في العرس إلا للجواري العواتق في بيوتهن وما أشبههن فإنه يجوز مطلقا، ويجري لهن مجرى العرس إذا لم يكن غيره. ذكره في مؤلفة في السماع انتهى. وقال في الكلام على الطبول والقرطبي المالكي وابن الجوزي من الحنابلة استثناء طبل الحرب. ثم ذكر كلام ابن رشد ويحيى بن مزين والمزهر أعني الثلاثة الاقوال والخلاف في اختصاص ذلك بالنساء أو يعم الرجال ثم قال: تنبيه: المعروف في اللغة أن المزهر العود ولم أر من أهل اللغة من ذكر خلافه وكتب الفقهاء مخالفة لذلك فإنهم إنما يعنون بالدف المربع المغلوف. وصرح به يحيى بن مزين المالكي والكبر الطبل الكبير ولعله الطلخانة والله أعلم. وذكر المسألة في العتبية في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. واستوفى ابن رشد الكلام عليها في سماع عيسى المتقدم ذكره على نحو ما ذكره المصنف. ولنذكر كلام سماع عيسى وكلام ابن رشد عليه ثم نتبعه بما في سماع أصبغ. قال في العتبية: وسئل مالك عن الرجل يدعى إلى الصنيع فيجد به اللعب أيدخل ؟ قال: إن كان الشئ الخفيف مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء فما أرى به بأسا. قال ابن رشد: يريد بالصنيع صنيع العرس أو صنيع العرس والملاك على ما قاله أصبغ في سماعه لان ذلك هو الذي رخص فيه بعض اللهو فيه لما يستحب من إعلان النكاح. واتفق أهل العلم فيما علمت على إجازة الدف وهو الغربال في العرس، واختلفوا في الكبر والمزهر على ثلاثة أقوال: أحدها أنهما يحملان جميعا محمل الغربال ويدخلان مدخله في جواز استعمالهما في العرس وهو قول ابن حبيب. والثاني أنه لا يحمل واحد منهما محمله ولا يدخل معه ولا يجوز استعماله في عرس ولا غيره وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وعليه يأتي ما في سماع سحنون من كتاب جامع البيوع أن الكبر إذا بيع يفسخ بيعه ويؤدب أهله لانه إذا قال ذلك في

________________________________________

[ 250 ]

الكبر فأحرى أن يقوله في المزهر لانه ألهى منه. والثالث: أنه يحمل محمله ويدخل مدخله في الكبر وحده دون المزهر وهو قول ابن القاسم هنا. وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الوصايا: وعليه يأتي ما في سماع عيسى من كتاب السرقة أن السارق يقطع في قيمة الكبر صحيحا. ولابن كنانة في المدونة إجازة البوق في العرس. فقيل: معنى ذلك في البوقات والزمارات التي لا تلهي كل الالهاء والله أعلم. واختلف في جواز ما أجيز من ذلك، فقيل هو من قبيل الجائز الذي يستوى فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه وهو المشهور في المذهب. وقيل: إنه من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله فيكره فعله لما في تركه من الثواب إلا أن في فعله حرجا أو عقابا وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفاف والمعازف في العرس وغيره. واختلف هل يجوز ذلك للنساء دون الرجال أو النساء والرجال، فقال أصبغ في سماعه: إن ذلك إنما يجوز للنساء دون الرجال، وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره، والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية في سماع أصبغ خلاف قول أصبغ وهو مذهب مالك إلا أنه كره لذي الهيئة من الناس أن يحضر اللعب. روى ذلك ابن وهب عنه في سماع أصبغ. وأما ما لا يجوز عمله من اللهو في العرس فلا يجوز لمن دعي إليه أن يأتيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم. انتهى كلامه برمته والله أعلم. ونص ما في سماع أصبغ: قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا أيدخل ؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء فما أرى به بأسا. قال أصبغ: ولا يعجبني وليرجع. وقد أخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع وفيه اللهو فقال: ما يعجبني للرجل ذي الهيئة يحضر اللعب. وأخبرني ابن وهب عن مالك: وسئل عن ضرب الكبر والمزمار أو غير ذلك من اللهو ينالك سماعه وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس أو غيره قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس. قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحرث أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع فلقيه الذي دعاه فقال له ما لك: رجعت ألا تدخل فقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد أن الحسن البصري كان إذا ادعى إلى الوليمة يقول

________________________________________

[ 251 ]

أفيها برابط ؟ فإن قيل نعم قال: لا دعوة لهم ولا نعمة عين. قال أصبغ: ما جاز للنساء مما جوز لهن من الدف والكبر في العرس فلا يجوز للرجال عمله، وما لا يجوز لهم عمله فلا يجوز لهم حضوره ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا غناء معها ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار وذلك حرام محرم في الفرح وغيره إلا ضربا بالدف والكبر هملا وبذكر الله وتسبيحا وحمدا على ما هدى، أو برجز خفيف لا بمنكسر ولا طويل مثل الذي جاء في جواري الانصار. أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم وما أشبه ذلك، ولا يعجبني مع ذلك الصفق بالايدي وهو أخف من غيره. قال أصبغ: وقد أخبرني عبد الله بن وهب عن الليث أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع اللهو كله إلا الدف وحده في العرس وحده. فهذا رأيي وأحب إلى العامة والخاصة والعمل به ولا أرى به بأسا في الملاك على مثل العرس وما فسرنا فيه فهو منه. ثم ذكر حديث: أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال وحديث: أعلنوا النكاح ثم قال أصبغ: فالاعلان يجمع عندي الملاك والعرس جميعا أن يعلن بهما ولا يستخفى بهما سرا في التفسير ويظهر بهما ببعض اللهو مثل الدف والكبر للنساء والغربال هو الدف المدور. وذكر ما تقدم نقله عنه في تعريفه في أول القولة ثم قال: وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو والباطل. قال رسول الله (ص): كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاث. قال القاسم بن محمد: إذا جمع الحق والباطل يوم القيامة كان الغناء من الباطل وكان الباطل في النار. وقال أصبغ: والباطل كله محرم على المؤمنين قال الله عزوجل: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * كما أن القمار حرم للهوه وميسره فهو لهو كله. قال ابن رشد: قد مضى القول في اللهو في العرس وما يجوز من عمله وحضوره موعبا في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم، وفي رسم سلف دينارا من سماع عيسى فلا معنى لاعادة شئ من ذلك ها هنا. وأشار لما تقدم ذكره ثم قال: والثلاث التي أبيح اللهو بها في الحديث المذكور: ملاعبة الرجل امرأته وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه وبالله التوفيق انتهى. فائدة: حكي في النوادر أن الحسن دعي إلى عرس هو وجماعة فأكلوا ثم غسل يده ثم جئ بمجمر بيد جارية فأجمرته ثم أدخلت يدها تحت ثيابه فلم يمنعها ودهنت لحيته بيدها فلم يمنعها انتهى.

________________________________________

[ 252 ]

فصل في القسم بين الزوجات والنشوز ص: (إنما يجب القسم للزوجات في المبيت) ش: أفاد بقوله: للزوجات أن الزوجة والامة لا قسم بينهما ولا بين غير الزوجات من الموطوءات. قال في الرسالة: ولا قسم في المبيت لامته ولا لام ولده ونحوه في المدونة. وقال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: لا قسم لام ولده ولا أمة مع حرة ولا قسم بين السراري. ابن شاس: لا يجب بين المستولدات ولا بين الاماء ولا بينهن وبين المنكوحات إلا أن الاولى العدل انتهى. وقال ابن عبد السلام: وأما قول المؤلف يعني ابن الحاجب إلا أن الاولى العدل وكف الاذى يعني أن القسم وإن لم يكن واجبا بين الزوجة والمستولدة وبين المستولدات إلا أن الاولى ما ذكره انتهى. قال في المدونة: وجائز أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضارر انتهى. قال اللخمي: ولا قسم بين الزوجات وملك اليمين والمدبرة وأم الولد والمذهب أنه لا مقال للحرة إن أقام عند الامة وفيه نظر إلا أن يكون هناك إجماع فيسلم. قال في المتيطية: وله أن يطأهن في أيام الزوجات انتهى. قال البرزلي في مسائل النكاح: وسئل اللخمي عمن يميل لسريته دون زوجته هل هو حرام أم لا ؟ فأجاب: الرواية جوازه والقياس منعه وهو ظلم للحرة. ابن الحاج: ليس معنى قوله في المدونة له أن يقيم عند أم ولده ما شاء أنها أتم حرمة بل للحرة المقال ولها المبيت وليس لام الولد قسم، فلما ضعف أمر أم الولد جاز المبيت عندها الليلتين والثالث دون الحرة إذ هو معظم الامر للحرة. قلت: يحتمل الليلتين والثلاث في الشهر إذ معظم الامر للحرة، فظاهر قول اللخمي

________________________________________

[ 253 ]

العموم وأنه على ظاهر الرواية يقيم عند أم ولده ما شاء. وقوله: والقياس منعه أي أنه إذا كان الامر ولا بد فليعدل ويكون ليلة بليلة، وعلى قول ابن المسيب إذا تزوج الامة معها بإذنها لها ليلة وللحرة ليلتين يكون هنا أحرى وهو قول ابن الماجشون. وحمل شيخنا الامام المدونة على ما إذا أضر بالحرة وهو أن يزيد على الحرة، وأما إذا زاد على قدر ما للحرة فهو ضرر يمنع منه وأشار إليه بقوله: ما لم يحاب والله أعلم انتهى. والظاهر أن في الكلام سقطا وصوابه على ما إذا لم يضر بالحرة وهو أن لا يزيد على الحرة والله أعلم. وقوله: في المبيت أشار به لقوله في المدونة: ويعدل في المبيت. قال ابن ناجي: قال شيخنا: يعني أن العدل في الليل آكد منه في النهار لانهم إذا تكلموا في الدخول لحاجة إنما يخصونه بالنهار، وكنت أجيبه بأن كلامهم أعم. قال ابن الحاجب: ولا يدخل على ضرتها في زمانها إلا لحاجة انتهى. تنبيه: قال أبو الحسن الصغير: سئل أبو عمر عمن يجوز بين نسائه ولا يعدل هل ذلك جرحة له ؟ قال: نعم إن تابع ذلك وداوم عليه انتهى. وقال الجزولي: هو جرحة في إمامته وشهادته والله أعلم. ص: (وإن امتنع الوطئ شرعا أو طبعا) ش: صوابه عقلا بدل طبعا كما قال في التوضيح، فإن الرتقاء إنما يمنعه العقل وإلا فطبع الانسان لا يميل عن الرتقاء إذا كانت سليمة والله أعلم. ص: (كمحرمة ومظاهر منها ورتقاء) ش: إنما مثل لامتناع الوطئ شرعا بمثالين ليعلم أنه لا فرق بين أن يكون سبب الامتناع منه كالظهار أو منها كالاحرام. قال اللخمي: إذا كانت إحداهن مريضة أو صغيرة أو رتقاء أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو مجنونة أو مجذومة كان القسم بينهن سواء، وكذلك من آلى من واحدة أو ظاهر فهي على حقها والكون عندها وأن لا يصيب البواقي إلا أن يتحلل من الايلاء والظهار وعليه أن يتحلل من ذلك إلا إذا قامت لحقها التي لم يول منها ولا يظاهر. ومحمل الآية في الايلاء على من كان خلوا من غيرها، فإن كان له نسوة كان لها أن تطالبه بالعدل في الاصابة حسبما تقدم إلا أن يعتزل جميعهن. وقد غاضب النبي (ص) بعض نسائه فاعتزل جميعهن شهرا إرادة العدل. خرجه البخاري ومسلم اه‍. ونقله ابن عرفة ولم يذكره قائله. قال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب والصغيرة الموطوءة يريد الصغيرة المدخول بها، وكذلك من عطف عليها لا بد أن

________________________________________

[ 254 ]

يكون مدخولا بها اه‍. وقال ابن فرحون: يريد المدخول بها لانها إذا لم توطأ لم يكن لها تشوف وهو نص التهذيب. اه‍ والله أعلم. ص: (لا في الوطئ) ش: يريد وكذلك النفقة والكسوة له أن يوسع على من شاء منهن. قال ابن عرفة ابن رشد: معروف مذهب مالك وأصحابه أنه إن أقام لكل واحدة ما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء. وقال ابن نافع: يجب أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما يجب لها والاول أظهر. قلت: قول ابن نافع يجب حكاه المتيطي رواية اه‍. ونقل في التوضيح عن اللخمي بعض شئ من هذا والله أعلم. ص: (وعلى ولي المجنون إطافته) ش: قال ابن عرفة: وفيها العبد كالحر والمجنون ومن لا يقدر على الجماع يقسم في نفسه بالعدل إذ له أن يتزوج. ابن شاس: يجب على كل مكلف انتهى. ص: (وفات إن ظلم فيه) ش: قال في المدونة: وزجر عن ذلك وابتدأ العدل فإن عاد نكل به اه‍. مسألة: من حلف أن لا يطأ زوجته حتى تفطم ولدها ليس بمول، ولو حلف أن لا يطأ هذه المرضع عامين فصد النفي الضرر عن ولده فمات الولد وقد بقي أكثر من أربعة أشهر فهو مول. قاله ابن عبد السلام ص: (والمبيت عند الواحدة) ش: نقله في التوضيح عن ابن شاس، وكذا قال ابن عرفة. ابن شاس: من له زوجة واحدة لا يجب مبيته عندها.

________________________________________

[ 255 ]

قلت: الاظهر وجوبه أو تبييته معها امرأة ترضى لان تركها وحدها ضرر بها وربما تعين عليه زمن خوف المحارب والسارق اه‍. وقال في التوضيح: إذا شكت الوحدة ضمت إلى الجماعة إلا أن يكون تزوجها على ذلك اه‍. ذكره في باب البيوع في قول ابن الحاجب فإن أشكل ونقله في الكبير في قوله وسكنها بين قوم صالحين. وقال ابن ناجي على المدونة: ظاهر الكتاب أنه لو كان عنده زوجة واحدة لم يجب المبيت عندها وهو كذلك. نص عليه ابن الجلاب وهو متفق عليه ولم يعزه بعض شيوخنا وخليل إلا لنقل ابن شاس وهو قصور اه‍. ويعني ببعض شيوخه ابن عرفة. فرع: قال في التوضيح: ولو خاصمها الرجل في الجماع ففي الطراز عن المشاور: يقضي له عليها بأربع مرات في الليلة وأربع في اليوم. ونقله صاحب المفيد عن عبد الله بن الزبير، ونقل عن المغيرة أنه يفرض له أربع مرات في اليوم والليلة ونقله ابن عرفة. قال ابن ناجي على المدونة: إذا كان الزوج يكثر الوطئ وتضررت المرأة فقال ابن حبيب: هي كالاجير تمكن نفسها ما قدرت وما ذكره هو الصحح اه‍. واقتصر في الشامل على القول بأربع في اليوم وأربع في الليلة وعلى القول بأربع فيهما. وصدر بالاول وذكر المسألة في خيار الزوجين، وأما عكس المسألة فقال في المدونة: ومن سرمد العبادة وترك الوطئ لم ينه عن تبتله وقيل له إما وطئت أو فارقت اه‍. قال ابن ناجي: ليس في المدونة جلاء ما الذي يقضى للزوجة على الزوج إن هو لم يطأ، والذي يغلب على ظني أني وقفت على أنه يقضي لها بليلة من أربع لان له أن يتزوج أربعا اه‍. وقال الشيخ أبو الحسن: قال أبوعمران: اختلف في أقل ما يقضى به على الرجل من الوطئ فقال بعضهم ليلة من أربع، أخذه من أن للرجل أن يتزوج أربعا من النساء، والذي قال ليلة من ثلاث أخذه من قوله: * (للذكر مثل حظ الانثيين) * وقضى عمر بمرة في الطهر لانه يحلها ويحصنها اه‍. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويستحب مجامعتها يعني المرأة في كل أربع ليال مرة اه‍. قيل: نزلت مسألة التبتل بعمر فأتت إليه امرأة فأنشدت: ألهي خليلي عن فراشي مسجده * وخوف ربي باليقين نعبده نهاره وليله ما يرقده * مفترش جبينه يكدده ولست في أمر النساء أحمده فأنشأ الرجل فقال: إني امرؤ أذهلني ما قد نزل * في سورة النور وفي السبع الطول وفي الحواميم الشفا وفي النحل * زهدني في قربها إلى العمل فأنشد كعب: فإن خير العاملين من عدل * ثم قضى بالحق جهرا وفصل

________________________________________

[ 256 ]

إن لها عليك حقا يا بعل * ليلتها من أربع لمن عقل وأنت أولى بالثلاث في مهل * فصل فيهن وصومن وسل وافعل لها ذاك ودع عنك الملل انتهى. مسألة: قال في العارضة في باب ما يحل المطلقة ثلاثا: طلب المرأة الوطئ عند الحاكم لا يناقض الحياء الممدوح ولا المروءة المستحسنة لانه مقصود النكاح، فإذا عقدته علم الكل أنه له، فإذا تعذر جاز طلبه دينا وحسن مروءة اه‍. ومن مسائل النكاح من مختصر البرزلي. مسألة: في حديث مسلم: فراش للرجل وفراش للضيف وفراش للشيطان أخذ منه أنه ليس على الرجل النوم مع امرأته في فراش واحد وإنما حقها في الوطئ خاصة اه‍. وانظر النووي في شرح مسلم في شرح هذا الحديث في كتاب اللباس، وكذلك الابي. وانظر كلام البرزلي في شرح قول المؤلف في باب النفقات وسقطت إن أكلت معه. وانظر بهراما الكبير في شرح قوله في الايلاء أولا وطئتها ليلا أو نهارا. ص: (وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث) ش: سواء كانت المتجددة حرة أو أمة قاله في الجواهر وفهم من قوله: قضى أنه مشى على القول بأنه حق للمرأة. قال في التوضيح: وهو اختيار ابن القاسم في المدونة واختاره اللخمي وغيره. قال ابن فرحون: وهو الصحيح. وقال أيضا: واختلف هل يخرج للصلاة ولقضاء حوائجه ؟ وأما الجمعة فهي عليه واجبة انتهى. واختار اللخمي أنه لا يخرج لصلاة ولا لقضاء حوائجه ونقله عنه ابن عرفة فقال اللخمي عن ابن حبيب: يخرج يتصرف في حوائجه وإلى المسجد والعادة

________________________________________

[ 257 ]

اليوم أن لا يخرج ولا لصلاة وإن كان خلوا من غيرها وعلى المرأة بخروجه وصم، وأرى أن يلزم العادة انتهى. وما قاله ظاهر. وظاهر كلام المصنف كانت له زوجة غيرها أم لا وهو الذي اختاره اللخمي كما تقدم في كلامه. وقال البرزلي في مسائل النكاح عن ابن أبي زيد: إنما تكون الاقامة سبعا وثلاثا من حق الزوجة إذا كان له غيرها وإلا فلا حق لها ولا يلزمه وهو قول ابن حبيب والظاهر من مذهب أصحابنا، والعامة ترى الحق لها عموما وهو غلط البرزلي، وعلى الاول حمل المدونة أبو حفص العطار وغيره، وحملها بعضهم على العموم وهو قول في المذهب وهو الصواب اليوم بتونس ونحوهد من البلاد التي يرى خروج الزوج في هذا الزمان معرة على الزوجة وإشعار بعدم الرضا بها، وأما في بلد لا يعتبرون ذلك فالصواب ما قال ابن حبيب. واختلف المذهب بعد وجوبه هل هو حق لها يقضى " عليه به أو حق له ؟ في ذلك خلاف معلوم انتهى والله أعلم. مسألة: قال ابن عرفة اللخمي عن ابن عبد الحكم: إن زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما. وقبله عبد الحق وقال على أحد قولي مالك: إن الحق له فهو مخير دون قرعة. ابن عرفة: قلت: الاظهر إن سبقت إحداهما بالدعاء للبناء قدمت وإلا فسابقة العقد، وإن عقدا معا فالقرعة. ص: (وجاز الاثرة عليها برضاها) ش: تصوره ظاهر. قال القاضي عياض في كتابه المسمى بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد: وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضرة ضرائرها بما يراه من قول أو فعل وتخصيصها بذلك إذا لم يكن قصده الاثرة والميل بل لسبب اقتضاه ومعنى أوجبه من تأنيس وحشته منها، أو مكافأة جميل صدر عنها. وقد أجاز بعض العلماء تفضيل إحداهما على الاخرى في الملبس إذا وفي الاخرى حقها، وأن يتحف إحداهما ويلطفها إذا كانت شابة أو بارة به ولمالك نحو من هذا ولاصحابه. قال ابن حبيب: والمساواة أولى، والمكروه من ذلك كله ما قصد به الاثرة والميل والتفضيل لا لسبب سواه انتهى. وقال فيه أيضا: وفيه من الفقه حسن عشرة الرجل مع أهله وتأنيسهن واستحباب محادثتهن بما لا إثم فيه، وقد وردت الآثار الصحاح بحسن عشرته (ص) لاهله ومباسطته إياهم وكذلك السلف الصالح، وقد كان مالك رضي الله عنه يقول في ذلك مرضاة لربك ومحبة في أهلك ومثراة في مالك ومنسأة في أجلك. قال: وقد بلغني ذلك عن بعض أصحاب النبي (ص)، وكان مالك من أحسن الناس خلقا مع أهله وولده وكان يحدث بقول يجب على الانسان أن يتحبب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم. وقال: فيه أيضا: جواز إخبار الرجل

________________________________________

[ 258 ]

وجته وأهله بصورة حاله معهم وحسن صحبته إياهم وإحسانه إليهم وتذكيرهم ذلك وقال: إذا حدث الناس بهذا الحديث فيه منفعة في الحض على الوفاء للزوج كما في كلام أم زرع والصبر على الازواج كما في حديث غيرها انتهى. ص: (وشراء يومها منها) ش: تصوره واضح. فرع: قال ابن عرفة: وليس للامة إسقاط حقها من قسمها إلا بإذن سيدها كالعزل لحقه في الولد إلا أن تكون غير بالغ أو يائسة أو حاملا، واستحسن اللخمي إن أصابها مرة وأنزل أن لها أن تسقط حقها في القسم. قلت: يرد باحتمال خيبتها فيه ورجائه في تكرره انتهى. تنبيه: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب قال بعضهم: يؤخذ من الخلاف في المرأة تبيع من زوجها أو من ضرتها اليوم واليومين جواز النزول عن الوظيفة بشئ وهو ضعيف، لان الغالب بقاء الانس الصحيح اليوم واليومين والمأخوذ منه شئ يسير بخلاف النزول عن الوظيفة انتهى. ويؤخذ المنع من النزول بشئ مما ذكره في آخر كتاب البيوع من النوادر ونصه: ومن كتاب ابن المواز قال مالك في رجلين كانا في منزل من منازل الامارة فضاق بهما فأراد أحدهما أن يعطي صاحبه شيئا على أن يخرج: فلا خير فيه لانه لا يدري متى يخرج منه وهو إلى غير أمد انتهى. ومن مسألة الديوان في كتاب الجهاد من المدونة فيما إذا تنازع اثنان في رسم مكتوب في العطاء فأعطى أحدهما الآخر مالا على أن يبرأ إليه من ذلك الاسم أنه لا يجوز قال: لانه إن كان الذي أعطاه الدراهم أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي أعطى صاحب الاسم فقد باعه ما لا يحل، وإن كان الآخذ هو صاحب الاسم فلا يجوز له لانه لا يدري ما باع أقليل بكثير أم كثير بقليل ولا ما لا يبلغ حياة صاحبه فهذا غرر ولا يجوز، وكذلك لا يجوز لمن زيد في عطائه أن يبيع تلك الزيادة بعرض انتهى. وفي الكتاب المذكور أيضا ما يدل على عدم جواز النزول عن الوظيفة بغير شئ ونقله ابن عرفة، وكذا أيضا في كتاب البيوع الفاسدة ما يؤخذ منه ذلك من مسألة بيع غيران المعادن، ويؤخذ ذلك أيضا مما ذكره في التوضيح في الكلام على بيع الطعام قبل قبضه عن البيان وأنه لا يجوز بيع العطاء السنة والسنتين إذا كان مأمونا قال: ولا يجوز بيع أصل العطاء لانه يبطل بموته انتهى. ص:

________________________________________

[ 259 ]

(ووطئ ضرتها بإذنها في نوبتها) ش: أي وتصوره ظاهر. فرع: قال المتيطي: ولا بأس أن يطأ إحداهما في يوم الاخرى قبل الغسل وبعده انتهى. وقال ابن العربي في التأليف الذي جعله في فروض الجماع وسننه وآدابه: ومن آداب الجماع أن لا يطأ حرة بعد أمة حتى يغتسل وأن ذلك مكروه قبل الغسل، وكذلك من آدابه أن لا يطأ زوجته بعد الاحتلام حتى يغسل فرجه من الاذى انتهى. وقال ابن يونس في كتاب الطهارة: فأما أن يصيب الرجل جاريته ثم يصيب الاخرى قبل أن يغتسل فلا بأس بذلك. قاله مالك في الموطأ انتهى. وعلى هذا فيجوز وطئ الامة بعد الحرة من باب أولى، وهذا كله في الغسل، وأما وطؤها قبل غسل الفرج من وطئ الاخرى فظاهر قول الشيخ في باب الغسل أنه يستحب له الغسل، وظاهر قول سيدي محمد ابن سيدي أبي الحسن شارح الشفاء عند قوله في الفصل الذي أوله والضرب الثاني من الباب الثاني من القسم الاول قالت سلمى: طاف النبي (ص) على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي الاخرى وقال: هذا أطهر وأطيب، وأن الوطئ قبل غسل فرجه لا يجوز لانه قال في أثناء كلامه: لا يجوز لاحد أن يكون بفرجه شئ نجس فيدخله هنالك حتى يغسله انتهى والله أعلم. ص: (والسلام بالباب) ش: أي في يوم الاخرى يعني من غير حاجة فليس معارضا لقوله أولا: ولا يدخل على ضرتها في يومها إلا لحاجة. وقال ابن عرفة عن ابن راشد: لا بأس أن يتوضأ الرجل من ماء إحدى زوجتيه ويشرب الماء من بيتها ويأكل من طعامها الذي ترسله إليه في يوم الاخرى من غير تعمد بل ويقف ببابها يتفقد من شأنها ويسلم من غير دخول انتهى. ص: (وبرضاهما جمعهما بمنزلين من دار) ش: قال ابن فرحون: أن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة، فإن أفرد لها بيتا في الدار ورضيت فذلك جائز وإلا قضى عليه بمسكن يصلح لها انتهى. وقال ابن عبد السلام: أما الجمع بينهن في دار واحدة ويكون لكل واحدة منهن بيت فذلك من حقهن، فإن رضين به جاز، وإن أبين منه أو كرهته واحدة لم يمكن منه وهكذا ينبغي

________________________________________

[ 260 ]

إن سكنتا معا باختيارهما أن يكون القول قول من أرادت الخروج منهما، وأما الجمع بينهما في بيت واحد فلا ينبغي ذلك ولو رضيت به انتهى. قال ابن عرفة: وليس عليه إبعاد الدار بينهن. ص: (واستدعاؤهن لمحله) ش: وعليه من قال لامرأته أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني أنه مول إذ ليس عليها أن تأتيه انتهى من ابن عرفة ص: (والزيادة على يوم وليلة) ش: قال في لجواهر: وأما المقدار من الزمان فليلة ولا ينصف الليلة ولا يزيد عليها إلا أن يرضين ويرضى بالزيادة أو يكن في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة أو الشهر على حسب ما يمكنه بحيث لا يناله ضرر لقلة المدة انتهى. وقال اللخمي: إن كانت له زوجتان ببلدين جاز قسمه جمعة وشهرا وشهرين على قدر بعد الموضعين مما لا يضر به، ولا يقيم عند إحداهن إلا لتجر أو ضيعة. اه‍. ونحوه في ابن الحاجب. وانظر قوله في كتاب الحج: وهل إلا أن يقيم بأحدهما أكثر فيعتبر ؟ ص: (ودخول حمام بهما) ش: قال ابن عرفة: وأجازه سحنون بإحداهما. قلت: وذكر ابن دقيق العيد أن أسد بن الفرات أجاب الامير بجواز دخوله الحمام بجواريه وخطأه ابن محرز بحرمة الكشف بينهن. ص: (وجمعهما في فراش ولو بلا وطئ) ش: قال الكافي في كتاب الجامع: ويكره للرجل أن ينام بين أمتيه أو بين زوجتيه وأن يطأ إحداهما بحيث تسمع الاخرى، وأن يطأ الرجل حليلته بحيث يراه أحد صغير أو كبير، وأن يتحدث بما يخلو مع أهله، ويكره للمرأة مثل ذلك من حديثها بما تخلو به مع بعلها اه‍. وقال في التوضيح: ولا يجوز أن يصيب الرجل زوجته أو أمته ومعه أحد في البيت يقظان أو نائما اه‍. وقال ابن عرفة: ومنع الوطئ وفي البيت نائم غير زائد ونحوه عسير إلا لاهل السعة اه‍. قال الجزولي: وقد روي عن ابن عمر إذا أراد أن يطأ يخرج كل من كان في البيت من البهائم وغيرهم حتى الصبي في المهد وهذا لا يكاد يتخلص منه أحد اه‍. ص: (وإن وهبت نوبتها من

________________________________________

[ 261 ]

ضرة له المنع لا لها) ش: والذي رأيت في النسخ بإسقاط فاء الجواب أعني في قوله: له المنع ورأيته في نسخة بالفاء، والذي يجب هنا الاتيان بها والله أعلم. وقوله: لا لها لم يتكلم عليه الشارح ونحوه في ابن الحاجب ونصه: وإذا وهبت واحدة يومها لضرتها فللزوج الامتناع لا للموهوبة. قال ابن عبد السلام: يريد أن هبة الضرة لضرتها يومها جائز ثم للزوج الامتناع من قبولها تلك الهبة وليس للضرة الموهوبة الامتناع منه لان الحق في الاستمتاع في لواهبة بيد الرجل، فلو صار للموهوبة قبول هذه الهبة بغير رضا الزوج لسقط حق الزوج في منفعته بالواهبة بغير رضاه وهو باطل، وكذلك لو قبل الزوج الهبة لم يكن للموهوبة الامتناع من القبول اه‍. ص: (ولا تختص بخلاف منه) ش: في بعض النسخ: ولا يخص بإسقاط التاء من خص ثلاثي مجرد مضاعف ويعني به أن الزوج له المنع وليس له أن يخص به من شاء من نسائه بخلاف ما إذا ملكته اليوم فإن له أن يخص به من شاء. هذا الذي اختاره في توضيحه وابن عبد السلام أيضا. وفي بعضها وتختص بخلاف منه ومعناه أن الموهوبة تختص باليوم دون غيرها بخلاف ما إذا وهبته للزوج فلا تختص به واحدة وتصير كالعدم وهو الذي ذكره ابن الحاجب. وفي بعضها ولا تختص وهي ظاهرة الفساد والله أعلم. ص: (وإن مسافر اختار) ش: قال القرطبي في شرح مسلم في فضل عائشة: وليست القرعة في هذا واجبة عند مالك لانه قد يكون لبعض النساء من الغناء في السفر والمنفعة والصلاحية ما لا يكون لغيرها فتتعين الصالحة لذلك، ولان من وقعت القرعة عليها لا تجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة وما أشبه ذلك اه‍. وما ذكره من عدم القرعة في الغزو كما هو ظاهر كلامه بأن القصة في الغزو فغير مسلم، وكذلك قوله إن من وقعت عليها القرعة لا تجبر على السفر والله أعلم. وقال ابن عرفة ناقلا عن اللخمي: ومن تعين سفرها أجبرت عليه إن لم يشق عليها أو يعرها. المتيطي عن أبي

________________________________________

[ 262 ]

عمر: من أبت السفر معه سقطت نفقتها اه‍. وقوله: أو يعرها أي يدركها معرة، ولفظ اللخمي إلا أن يكون سفرا يدركها فيه مشقة أو يدركها فيه معرة اه‍. فرع: قال القرطبي في شرح مسلم في فضل عائشة: لم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة بما مضى لها مع زوجها في السفر، وكذلك لا يختلفون في أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر اه‍. فرع: قال ابن عرفة اللخمي: إن انقصت أيام بنائه أو مرضه أو سفره لم تحاسب بها وفي تخييره في ابتدائه بمن أحب مطلقا أو سوى التي كان عندها ثالثها يقرع بين من سواها، فأرى بداءة قسمه بأبعدهن قسما ممن يليه ومن كان عندها أخرجهن، وإن جهل ترتيبهن أقرع بينهن، وفيها لاقضاء لها على الزوج لايام غيبتها عنه في ضيعتها أو حج أو عمرة وبقائه مع غيرها. اللخمي في لغو قولها أحرم عليك مكث أيام غيبتي عند ضرتي مطلقا أو ما لم يكن على ميل ونحوه في رواية المبسوط. ومحل جواب مالك على قوله فيمن أغلقت الباب دونه أن له المضي لضرتها لا على قول ابن القاسم إلا أن يضره طول غيبتها اه‍. فرع: قال ابن عرفة عن ابن حبيب عن مالك وأصحابه: أحب إتمامه يوم من خرج في يومها إن قدم أثناء يوم وله إتمامه عند غيرها. قلت: الاظهر على وجوب إتمام كسر اليوم في القصر والعقيقة ونحوهما يجب. اه‍ والله أعلم ص: (ووعظ من نشزت) ش: اعلم أنه إذا علم أن النشوز من الزوجة فإن المتولي لزجرها هو الزوج إن لم يبلغ الامام أو بلغه ورجا إصلاحها على يد زوجها، وإلا فإن الامام يتولى زجرها. نقله ابن عبد السلام ص: (ثم هجرها) ش: المراد من الهجر أن يترك مضجعها. هذا قول جماعة من التابعين ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك واختاره ابن العربي، وغاية الهجر شهر ولا يبلغ الاربعة الاشهر التي للمولى. قاله القرطبي ص: (ثم ضربها) ش: قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن) * والضرب في هذه الآية هو ضرب الادب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غير، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان اه‍. قال الابي عن عياض في شرح حديث جابر في كتاب الحج: ومعنى غير مبرح غير شديد اه‍. وقال المحب الطبري في القربي في الباب العاشر في صفة حجة النبي (ص) في شرح قوله:

________________________________________

[ 263 ]

واضربوهن ضربا غير مبرح أي غير مؤثر ولا شاق. قال بعضهم: ولعله من برح الخفاء إذا ظهر يعني ضربا لا يظهر أثره تأديبا لهن اه‍. وفي المسائل الملقوطة: من ضرب امرأته عمدا قضى عليه بما جرى من حق وهو يختلف باختلاف البلدان. وسئل أبو محمد عمن ضرب زوجته ثم اصطلحا بعطاء فهو له لازم فهذا يدل على أن لها حقا. قال أبو محمد: فإن ادعت العمد وادعى الزوج الادب فالقول قولها، وكذلك العبد والسيد وفيهما خلاف من الاحكام لمسائل الاحكام اه‍. تنبيه: قيد ابن الحاجب الضرب بقوله غير مخوف. قال في التوضيح: وتقييد المصنف الضرب بأن يكون غير مخوف صحيح، وإذا غلب على ظنه أن الضرب لا يفيد لم يجز له ضربها انتهى. وفي الجواهر: فإن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف لم يجز تعزيرها أصلا. انتهى وقبله ابن عرفة. ص: (إن ظن إفادته) ش: تصوره ظاهر من كلام التوضيح المتقدم. قال ابن عبد السلام: وهكذا ذكر في الصبي إذا ظن أن الضرب لا يفيد فيه شيئا فإنه لا يضرب. قال: وأما الكبير فيسجن لان في السجن كفه عما يفعله من المفاسد ولا يضرب لان الفرض عدم تأثيره في الكف انتهى. ص: (وبتعديه زجره الحاكم) ش: تأمل هذا مع قوله: ولها التطليق بالضرر إلا أن يكون المراد أن لها التطليق بالضرر إذا شهدت البينة به وإن أشكل بعث حكمين ولو لم تشهد البينة بتكرر، ولها أن تقيم ويزجره الحاكم إلا أن يكون المراد أن لها التطليق بالضرر إذا شهدت البينة به ولو لم تشهد بتكرره، ولها أن تقيم ويزجره الحاكم ويظهر ذلك من كلام ابن غازي. ص: (وإن أشكل بعث حكمين) ش: اللخمي: إذا

________________________________________

[ 264 ]

اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه، ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الاثم وفساد الدين انتهى. ونقله عنه أبو الحسن ص: (من أهلهما إن أمكن) ش: اللخمي: فإن لم يكن في أهلهما من يصلح لذلك فمن جيرانهما، فإن لم يكن فمن غيرهم. وإن كان في أحد الجانبين رجلان يصلحان لذلك حكم أحدهما ونظر في الآخر من الجيرة أو غيرهم ولا يكونا من أخذ الجنبين. ثم قال: وإن كان بين الزوجين قرابة جاز أن يحكم السلطان من هو منهما بمنزلة عميهما أو خاليهما أو عم وخال، ولو جعل ذلك إلى واحد هو منهما بمنزلة عم أو خال جاز على مغمز فيه انتهى. وظاهر كلام اللخمي بل صريحه أنه إذا كان من جانب واحد من يصلح فإنه يحكم وينظر في الآخر من الجيران أو غيرهم وهو خلاف ظاهر كلام ابن الحاجب وشراحه إذ قال ابن عبد السلام في قوله: فإن لم يوجد أحدهما أو كلاهما فمن غيره يريد إن لم يوجد الحكمان على هذه الصفة في أهل الزوجين أو لم يوجد أحدهما كذلك ووجد الآخر فإنه ينتقل إلى الاجانب. انتهى ونحوه في التوضيح ص: (وسفيه وامرأة وغير فقيه بذلك) ش: إنما عطف هؤلاء على العدل لان السفيه يكون عدلا وكذلك المرأة

________________________________________

[ 265 ]

تكون عدلا وكذلك غير الفقيه بحكم هذا الباب والله أعلم. ص: (لا أكثر من واحدة أوقعا) ش: ابن غازي: أكثر بالرفع عطفا على طلاقهما وأوقعا في موضع الصفة له والعائد المفعول المحذوف أي ولا ينفذ أكثر من واحدة أوقعاه، وكأنه نبه بالصفة على أن هذا بعد الوقوع، وأما في الابتداء فلا يجوز أن يوقعا أكثر من واحدة كما صرح به المتيطي. انتهى كلامه. فعزو ابن غازي هذا للمتيطي كأنه لم ينظر في المدونة ولا اللخمي. قال في التهذيب: ولا يفرقان بأكثر من واحدة انتهى. وقال اللخمي: ولا يجوز أن يوقعا من الطلاق أكثر من واحدة انتهى. ص: (ولها التطليق بالضرر) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: من الضرر قطع كلامه عنها وتحويل وجهه في الفراش عنها وإيثار امرأة عليها وضربها ضربا مؤلما، وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة وتأديبها على ترك الصلاة ولا فعل التسري انتهى. وقد تقدم الاختلاف فيمن يوقع هذا الطلاق. هل الحاكم أو الزوجة في فصل العيوب ؟ وكذلك إن أوقع أكثر من واحدة والله أعلم. وسيأتي عند قول المصنف في باب الخلع ورد المال بشهادة سماع على الضرر الكلام على شهادة السماع بالضرر. ص: (وعليهما الاصلاح) ش: قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وعليهما الاصلاح يعني قبل النظر في الطلاق وذلك بأن يجتمع كل واحد من الحكمين بقريبه ويسأله عما نقم وما كره من صاحبه ويقول له إن كان لك حاجة في صاحبك رددناه إلى ما نختار منه ويكون ذلك منهما المرة بعد المرة ولا يلازماهما، وعليهما أن يجتهدا في الاصلاح ما استطاعا وإلا نظرا في أمرهما، فإن لم يقدرا

________________________________________

[ 266 ]

على الاصلاح، فإن كان المسيئ الزوج طلقا بلا خلع، ثم ذكر ما ذكره المصنف. وقال ابن عرفة والمتيطي وابن فتحون وغيرهما: إذا توجه الحكمان باشرا أمورهما وسألا عن بطانتهما، فإذا وقفا على حقيقة أمرهما أصلحا إن قدرا وإلا فرقا. زاد فيها: وتجوز فرقتهما دون الامام انتهى. فرع: ولا يعذر الحكمان قبل حكمهما. ابن رشد: لانهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة وأنهما يحكمان بما خلص إليهن بعد النظر. انتهى من التوضيح. ص: (أو خالعا له بنظرهما) ش: هذا زاده اللخمي. قال في تبصرته: وإن كان الظلم منهما وكان لا يتجاوز الحق فيها ائتمناه عليها وأقرت عنده إلا أن يحب هو الفراق فيفرقا ولا شئ لها من الصداق انتهى. ص: (وإن أساءا) ش: هو بضمير التثنية يعني به إذا تبين أن الظلم منهما فإن أشكل الامر أيهما يظلم أو أيهما أظلم أجريا الحكم بمنزلة المساواة. قاله اللخمي والله أعلم. ص: (وللزوجين إقامة واحد على الصفة وفي الوليين والحاكم تردد) ش: فهم من هذا أن للجميع إقامة الحكمين وهو كذلك على المشهور، وأما الامينة فلا يحكم بها على المشهور انظر التوضيح. وقال في الشامل: ولا يعمل بأمينة على المشهور انتهى. وقال ابن عرفة: ولا يقضى بإسكان أمينة معهما. ورأيت لابن العباس أنه يقضى بذلك والاول أظهر وأشهر إلا أن يتفق الزوجان عليها وتكون نفقتها عليها انتهى. والقائل بأنه يجوز إقامة واحد للزوجين وللحاكم وللوليين هو اللخمي، وقيده بأن يكون من غير الاهل، ونقله عنه ابن عرفة وسيأتي كلامه. والقائل بأنه لا يجوز ذلك

________________________________________

[ 267 ]

للوليين ولا للحاكم وإنما يجوز للزوجين هو الباجي، وزاد ابن عرفة بعد نقله قول الباجي عن ابن فتحون والمتيطي ما نصه ابن فتحون: لا يجوز للامام أن يحكم واحدا لمخالفة التنزيل. زاد المتيطي: ولا يجوز لهما ذلك إن كانا رشيدين ولا لمن يليهما إن كانا في ولاية، فإن جعلا ذلك لواحد عدل لم ينقض. قاله عبد الملك في المدونة، ثم ذكر قول اللخمي ثم قال في آخر كلامه: قلت: ففي منع الاقتصار على بعث واحد مطلقا وجوازه إن كان أجنبيا مطلقا، ثالث الطرق يجوز مطلقا للزوجين معا فقط لابن فتحون واللخمي والباجي وقول ابن الحاجب. ويجوز أن يقيم الزوجان والوليان خاصة واحدا على الصفة لا على غيرها غير الجميع انتهى. وإلى اختلاف الطرق المذكورة أشار المصنف بقوله: وفي الوليين والحاكم تردد والله أعلم. وقوله: وفي الوليين يعني في محجوريهما. قال ابن عرفة: إنما يبعث الحكمين الحكام أو الزوجان أو آباؤهما إن كانا محجورين. ثم قال: قلت: معنى البعث والزوجان محجوران أن الزوجة قامت بالضرر ولو رضيته سقط فقال وليها ولو كان أبا. قاله عن المذهب الشعبي وابن فتوح وغيرهما. قال ابن فتوح: وكذا كل شرط فيه فأمرها بيدها وتمامه في التمليك انتهى. ص: (وإن طلقا واختلفا في المال فإن لم تلزمه فلا طلاق) ش: استغنى المصنف رحمه الله بهذا الفرع عن فرع ذكره في المدونة معه لانه يفهم حكمه منه بالاحروية، وهو ما إذا حكم أحدهما بالفراق ولم يحكم الآخر قال: قال فيها: لم يلزم شئ انتهى. وعزا ابن عرفة هذا الاخير للخمي وكأنه لم يره في المدونة والله أعلم.

________________________________________

[ 268 ]

باب في الخلع والطلاق ص: (باب جاز الخلع وهو الطلاق بعوض) ش: الطلاق أصله في اللغة الانطلاق والذهاب. المتيطي: مأخوذ من قولك أطلقت لناقة فانطلقت إذا أرسلتها من عقال، وكان ذات الزوج موثوقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق ويدلك على ذلك قول الناس هي في حبالك إذا كانت تحتك انتهى. وقال الجوهري: وطلق الرجل امرأته تطليقا وطلقت هي بالفتح تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة. قال الاخفش: لا يقال طلقت بالضم انتهى وأما حقيقته في الشرع فقال ابن عرفة: الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين للحر ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج. وقبل المتيطي صرف الخطابي الكراهة في حديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق لسوء العشرة لا للطلاق لاباحة الله تعالى وفعله رسول الله (ص). قلت: الاقرب منه كونه منه (ص) كان لسبب رجحه، ومحمل كونه أبغض أنه أقرب الحلال إلى البغض فنقيضه أبعد من البغض فيكون أحل من الطلاق. اللخمي: إن كان الزوجان على أداء كل منهما حق صاحبه استحب البقاء وكره الطلاق، وإن كانت الزوجة غير مؤدية حقه كان مباحا، فإن كانت غير صبية استحب له فراقها إلا أن تعلق نفسه بها، وإن فسد ما بينهما ولا يكاد يسلم دينه معها وجب الفراق. زاد ابن بشير: حرمته وهو إذا خيف من وقوعه ارتكاب كبيرة وجعله ما جعله اللخمي مباحا مندوبا وجعله اللخمي مندوبا مباحا. انتهى باختصار.

________________________________________

[ 269 ]

فائدة: ثبت عنه عليه السلام أنه طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها، وطلق العالية بنت ظبيان وهي كان يقال لها أم المساكين ونكحت في حياته قبل أن ينزل عليه تحريم نسائه، وأول من طلق إسماعيل عليه السلام. انتهى بالمعنى من أول كتاب الطلاق من المتيطي والله أعلم. وقول المصنف: وهو الطلاق بعوض هذا هو المشهور أن الخلع طلاق. وقيل فسخ. قال المسيلي في نكت التفسير: قال شيخنا يعني ابن عرفة: كان شخص يقال له النحاس له في امرأته طلقتان فخالعها ثم ردها قبل زوج بناء على أن الخلع فسخ ففرق بينهما ولم يحد للشبهة اه‍. ص: (وبلا حاكم) ش: يعني أن الخلع جائز ولو لم يكن عند الحاكم. قال في المدونة: والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز اه‍. قال أبو الحسن: خلافا للحسن وابن سيرين اه‍. ص: (وبعوض من غيرها) ش: المراد بالغير الاجنبي: قال ابن عبد السلام: قلت: ينبغي أن يقيد المذهب بما إذا كان الغرض من التزام الاجنبي ذلك للزوج حصول مصلحة أو درء مفسدة ترجع إلى ذلك الاجنبي مما لا يقصد به إضرار المرأة، وأما ما يفعله أهل الزمان في بلدنا من التزام أجنبي ذلك وليس قصده إلا إسقاط النفقة الواجبة في العدة للمطلقة على مطلقها فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر اه‍. ونقله في التوضيح والشامل. وقال ابن عرفة: باذل الخلع من صح معروفه والمذهب صحته من غير الزوجة مستقلا. قلت: ما لم يظهر قصد ضررها بإسقاط نفقة العدة فينبغي رده كشراء دين العدو. وفيها: من قال لرجل طلق امرأتك ولك علي ألف درهم فقبل لزم ذلك الرجل اه‍. ولفظ الشامل: ودافعه من له التبرع وإن أجنبيا إن قصد مصلحة أو درء مفسدة اه‍. وقول ابن عبد السلام ترجع إلى ذلك الاجنبي ليس بشرط كما يظهر من كلام ابن عرفة، بل المقصود أن لا يقصد به ضرر المرأة وهو الذي يظهر من كلام المصنف في التوضيح فإنه أسقط هذا اللفظ من كلام ابن عبد السلام. تنبيه: قول ابن عبد السلام فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر، أما المنع من ذلك ابتداء فلا إشكال فيه، وأما إذا وقع الطلاق فالظاهر لزومه وسقوط النفقة. أما وقوع الطلاق فظاهر لانه لا يرتفع بعد وقوعه ولا إشكال في بينونته، وأما سقوط النفقة به فظاهر أيضا لان أهل المذهب كلهم مصرحون في باب النفقات بأن البائن لا نفقة لها. قال في المدونة: وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة

________________________________________

[ 270 ]

أو لعان ونحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت حاملا خلا الملاعنة. انتهى من طلاق السنة. قال أبو الحسن: لان النفقة إنما هي عوض عن الاستمتاع فلما عدم لم يكن لها نفقة انتهى. ثم قال: ولما كانت الرجعة بيده أشبه من هو متمكن من الوطئ ونحوه في إرخاء الستور منها. ألا ترى أنه لو طلق بنفسه طلاق الخلع من غير عوض أليس بائنا ولا نفقة لها ؟ وكذلك لو طلقها بعوض منها وكان ذلك عن ضرر بها فقد قالوا إنها ترجع بالعوض، وأما الطلاق فيلزمه وتكون بائنا ولم يذكروا أنها ترجع عليه بالنفقة فتأمله. وانظر بهراما الكبير في شرح قول المصنف وتعجيله لها ما لا يجب قبوله، وقول ابن عرفة ينبغي رده إن أراد قبل أن يقع الطلاق فظاهر، وإطلاق الرد مجاز. وإن أراد بعد وقوع الطلاق وأنه يرتفع الطلاق فغير ظاهر والله أعلم. فرع: قال أبو الحسن: إذا أتى الاجنبي إلى الزوج قبل أن يطلق فقال له لا تفعل فقد بدا لي فذلك له انتهى. ص: (لا من صغيرة وسفيهة) ش: أما السفيهة المولى عليها فالمنصوص ما ذكره المصنف. وأما المهملة فذكر في التوضيح فيها ثلاثة أقوال. قال الرجراجي في شرح المدونة: المشهور أن ذلك لا يجوز، ولذلك والله أعلم أطلق في السفيهة، فسواء كانت ذات أب أو وصي أو مقدم من القاضي أو مهملة لا يصح خلعها. وهذا إذا صالحت دون إذن وصيها، وأما إن أذن وصيها فيصح الخلع وهو قول المصنف بعد بخلاف الوصي أي فلا يصح خلعه عمن في حجره يريد بغير رضاها، وأما إذا رضيت فيصح. قال في المدونة في إرخاء الستور في ترجمة الصلح: وللاب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وليس للوصي أو غيره أن يخلعها من زوجها بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمة. والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمر ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها، وكذلك يباري عن يتيمه ولا يستأذنه ولا يباري عن يتيمته إلا بإذنها انتهى. وظاهر كلام الرجراجي أنه لا خلاف في جواز خلعه عنها برضاها، وانظر ابن سلمون، وقال ابن عرفة: وفي خلع الوصي عن يتيمته دون إذنها ثالثها إن لم تبلغ. اللخمي عن رواية ابن نافع: لا بأس أن يباري الوصي عن يتيمته وإن زوجها أبوها قبل إيصائه إليه مع قول أصبغ إن خالع عمن في ولايته بأقل من نصف المهر قبل البناء على النظر لفساد وقع أو ضرر جاز ولروايتها. ولعيسى عن رجوع ابن القاسم إلى جواز مبارأة الوصي والسلطان على الصغيرة إن كان حسن نظر وهو أحسن وعلى الثاني المشهور.

________________________________________

[ 271 ]

قال ابن فتحون والمتيطي: للمحجورة أن تخالع بإذن وليها أو وصيها ثم قال: قلت: فالارجح عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنها انتهى ص: (وذي رق ورد المال وبانت) ش: تصوره ظاهر. فرع: فلو اشترط الزوج في الخلع أنه إن لم يصح له الخلع فالعصمة باقية غير منفصلة فقال في الطراز في ترجمة مبارأة الوصي عن اليتيمة عند قوله لا يلزمها ما أعطته بالغا كانت أو غير بالغ. انظر لابن سعدون في شرحه نكاح المدونة فإنه قال في هذه المسألة: إذا اشترط في الخلع الزوج أنه إن لم يصح له الخلع على ما وقع فالعصمة باقية غير منفصلة فالشرط ينفعه، ومتى طلب منه ما أخذ كانت زوجته كما كانت فتأمل ذلك انتهى. ونقله ابن سلمون أيضا والبرزلي في مسائل الخلع. وهذا الذي قاله غير ظاهر بل هو مخالف لكلام أهل المذهب. قال في رسم حلف من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وسئل عمن صالح زوجته أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك، فإن ماتت فأبوها ضامن لنفقته حتى يستكمل ست سنين، واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها ؟ قال مالك: الشرط باطل ولا يصلح في صلح رجل وامرأته أكثر من الرضاع، فإن كان قد رضيا بالصلح وتفرقا على ذلك فما كان فوق الرضاع فهو ثابت على الاب ينفق على ولده، وما اشترط أنه إن لم يكن هذا الصلح جائزا فله الرجعة فهذا باطل ولا رجعة له عليها. قال سحنون: تلزمها النفقة ولو اشترط عليها نفقة خمس عشرة سنة لكان ذلك لازما لها. قال ابن رشد: قوله في اشتراط

________________________________________

[ 272 ]

الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا أنه شرط باطل صحيح بين المعنى في الصحة، لان الشرع قد حكم أن المرأة تبين من زوجها بالصلح كان جائزا أو غير جائز، فاشتراطه أن تكون له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز، لانه يخالف حكم الشرع وقد قال رسول الله (ص): من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط انتهى. وسيأتي بقية كلامه على هذه المسألة برمته واختصار ابن عرفة له في شرح قول المصنف وبالغرر. وقال في النوادر في ترجمة من خالع على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت زوجته ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شرط إن طلبت ما أعطته عادت زوجة لم ينفعه ولا رجعة له، وإن ظننا أن ذلك يلزم فعادت تحته بذلك ووطئها فليفارقا ولها ما رد إليها صداقا، ولو صالحته بعد ذلك بشئ أعطته وقد حملت أو على إن أبرأته من نفقة الحمل والرضاع فهذا الصلح باطل ويرد إليها ما أخذ ولها النفقة وله أن يتزوجها بعد أن تضع، وإن لم تحمل فبعد الاستبراء وليس بناكح في عدة. وروي عن مالك أنه كالنكاح في العدة، والمعروف عندنا من قوله ما قلت لك انتهى. ثم قال: ومن كتاب محمد والعتبية عن أشهب عن مالك قال مالك: وإن شرط إن خاصمته فهي رد إليه فالشرط باطل. قال مالك: وإن خالعها على أنها إن كانت حاملا فلا خلع لها، وإن لم يكن حمل فذلك خلع قال: قد بانت منه كانت حاملا أو غير حامل. قال مالك في العتبية في سماع ابن القاسم: وفي كتاب محمد: وإذا خالعها في سفر على أنه إن مات قبل أن يبلغ بلده فما أخذ رد فمات في سفره، فالشرط باطل والصلح ماض ولا يتوارثان انتهى. وفيه مسائل غير ما ذكر تدل على ذلك وسيأتي عند قول المصنف: وبإسقاط حضانتها. مسألة من العتبية تدل على ذلك أيضا والله أعلم. وقوله: وذي رق قال

________________________________________

[ 273 ]

في الجواهر: والتزام الامة فاسد واختلاعها بإذن السيد صحيح ولا يكون السيد ضامنا للمال انتهى. وفي مسائل الخلع من البرزلي عن ابن رشد: من تمام الخلع إشهاد الامة على نفسها بالرضا ولكن الامر نافذ في ذلك، ولا يجوز ابتداء كما لا يجوز أن تطلق على نفسها ولا أن يفعل بعبده فعلا يؤدي إلى فسخ نكاحه. ص: (وجاز من الاب عن المجبرة بخلاف الوصي) ش: وأما غير المجبرة فلا يجوز إلا بإذنها. فروع: الاول: قال في المتيطية قال ابن لبابة في وثائقه: ولو كان الاب فوض إلى الوصي العقد قبل البلوغ وبعده لوجب أن يبارئ عنها في قياس قوله انتهى. الثاني: قال ابن سلمون: فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض. وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك أم لا ؟ في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لانه هو أدخله في الطلاق وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة، وقول أصبغ في الواضحة والعتبية. والثاني أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم له الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب. الثالث: أنه إذا كان أبا أو ابنا أو أخا أو له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلا فلا، وهو قول ابن دينار انتهى. وكلام أصبغ المذكور في نوازله من كتاب التخيير. وقال ابن عرفة ابن رشد: لو صالح عنها أجنبي دون إذنها ففي ضمانه العوض، وإن لم يشترط أو يشترطه قولان لاصبغ في نوازله كالواضحة مع ابن حبيب وصلح المدونة. وظاهر قول ابن القاسم في روايته في إرخاء الستور منها مع سماعه يحيى ولابن رشد في التخيير، وثالثها لابن دينار إن كان أبا أو ابنا أو أخا ضمن انتهى. الثالث: ظاهر كلامهم أنه لا خلاف في وقوع الطلاق بائنا، فلو راجعها الزوج معتقدا أن ذلك الطلاق رجعي أو مقلد لمن يراه من أهل المذهب ثم دخل بها ووطئها ولم يحكم له

________________________________________

[ 274 ]

بصحة الارتجاع حاكم يرى ذلك ثم رفع لحاكم مالكي يرى أن الاول بائن، فالظاهر أن للحاكم أن يحكم بالبينونة ويكون وطؤه وطئ شبهة. وانظر كلام البرزلي في. مسائل الايمان في أوائله بنحو الكراسين في مسألة من قال لاخي زوجته إن تركت لي ما لاختك على فقد خليتها فقال له الاخ قد تركت. الرابع: قال ابن سلمون: وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها أو غيره ما يلحقه من درك في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك ففي ذلك قولان: أحدهما أن الضامن يغرم للزوج ما التزمه، والثاني أنه لا شئ عليه وكذا في البيع الفاسد انتهى. ص: (وبالغرر كجنين) ش: قال ابن عرفة: والخلع بذي غرر قد يجب عليها يوما ما جائز لنقل ابن رشد: يجوز على مجرد رضاع الولد اتفاقا وإن كان فيه غرر لاحتمال موته قبل تمام أمده لوجوبه عليها في عدم الاب، وفيما لا يجب ثالثها فيما لا يقدر على إزالته كالآبق والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها، لا فيما يقدر على إزالته كالخلع على التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما للقدرة على إزالته بشرط أن لا يسقط النفقة عنها بموته انتهى. ويشير بذلك لكلام ابن رشد في شرح مسألة رسم حلف من سماع ابن القاسم المتقدم ذكره في شرح قول المصنف: ورد المال وبانت الموعود بذكره ونصه إثر كلامه في قول المصنف ورد المال وبانت. وقوله أي في العتبية ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع هو مثل قوله في المدونة: وإنما لم يجز لانه غرر قد يموت الصبي قبل الاجل الذي التزمت نفقته إليه. ومن قوله إن الخلع بالعبد الآبق والبعير الشارد والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها جائز فقيل اختلاف من قوله، وقيل الفرق بين المسألتين أن غرر الآبق وما أشبهه لا يقدر على إزالته وقد تدعو المرأة الضرورة إلى المخالعة وليس لها إلا ذلك، وغرر التزام نفقة الولد أعواما تقدر على إزالته بأن تشترط أن لا تسقط النفقة عنها بالموت وأن يكون للزوج أن يأخذها إلى الاجل الذي سماه وإن بعد، وكذلك ما أشبه النفقة فيما يقدر على إزالته كالصلح بمال إلى أجل مجهول وما أشبه ذلك، فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا. الثاني أن الخلع بالغرر جائز، كان الغرر مما يقدر وعلى إزالته أو لا يقدر، هو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا. والثالث أن ذلك لا يجوز مطلقا قدر على إزالته أم لا. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع

________________________________________

[ 275 ]

عيسى من هذا الكتاب لانه إن لم يجزه بالذي لا يقدر على إزالته، فأحرى أن لا يجيزه إلا بما يقدر على إزالته، واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا لزم الزوج الطلاق وأبطل ما خالع عليه، هل يرجع على المرأة بشئ أم لا ؟ فقوله في المدونة وهنا أنه لا رجوع عليها بشئ. والثاني أنه يرجع عليها إذا بطل الجميع بخلع المثل، وإذا أبطل البعض بمقدار ذلك الجزء مع خلع المثل. وأما المخالعة على رضاع الولد خاصة فلا خلاف في جواز ذلك وإن كان فيه غرر إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع لان الرضاع قد يتوجه عليها في عدم الاب، فلما كان قد يتوجه عليها استخف الغرر فيه. ولا رجوع للاب عليها بشئ إذا مات الولد قبل انقضاء أمد الرضاع إذا كانا إنما عملا على إن بارأته من مؤنة رضاعه بإفصاح وبيان. واختلف إذا وقع الامر مبهما، فحمله مالك في المدونة على ما تأوله عليه ابن القاسم أنها إنما أبرأته من مؤنة رضاعه فلا رجوع عليها بشئ. قال: وما رأيت أحدا طلب ذلك. وفي المختصر الكبير: لو طلب ذلك لكان له فيه قول انتهى. وسيتكلم المصنف بعد هذا على خلع الزوج بشرط نفقة ولدها مدة رضاعه وعلى خلعه بشرط نفقته أزيد من مدة الرضاع، وأنه إن خالعها على أزيد من مدة الرضاع أنه يسقط الزائد على مدة الرضاع فاقتضى كلامه هناك أنه مشى على خلاف قول المخزومي ومن وافقه من أن الخلع بالغرر يجوز مطلقا، سواء قدر على إزالته أم لا، ونبه على ذلك ابن غازي هناك والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال المتيطي: من أراد العقد على إزالة الغرر وإجازته على مذهب مالك وابن القاسم فقد حكى بعض الشيوخ من القرويين وقاله غير واحد من الموثقين أنهما إذا شرطا ثبوت النفقة بعد الوفاة كثبوتها قبلها جاز وارتفع الغرر، وهو مثل ما لو باع على أن ينفق المشتري عليه مدة معلومة فهو جائز، وإذا جاز في البيع فهو في الخلع أجوز، وتقدم ذلك في كلام ابن رشد أيضا. ثم قال المتيطي أيضا: ومما يجمع به أيضا بين القولين أن ابن حبيب حكى في كتابه عن ابن القاسم فيمن أبان امرأته على أن تسلم ولدها منه إليه، فإن أرادت أخذه فلا يكون ذلك لها إلا بأن تلتزم نفقته وتسقط عن الاب مؤنته أن ذلك خلع تام لازم. وحكى مثله أيضا أبوعمران عن فضل بن مسلمة ويعقد فيه وذكر كيفية العقد. الثاني: قال في المتيطية أيضا: إذا خالعها عن نفقته إلى الحلم على القول بجوازه فبلغ مجنونا أو زمنا عادت نفقته على الاب، ولو قال إلى حين سقوط النفقة عن الاب لزمت المرأة النفقة حينئذ انتهى. ص: (وبإسقاط حضانتها) ش: تصوره واضح. وإذا أسقطت هي حضانتها

________________________________________

[ 276 ]

فتنتقل الحضانة لمن بعدها على الذي جرى به العمل. قاله المتيطي ونقله المشذالي في الشفعة وأظنه في ابن يونس في كتاب الخلع، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله في باب الحضانة. تنبيه: إذا خالعها على إسقاط حضانتها وهي حامل، هل يلزمها أم لا ؟ الظاهر لزومه وليس ذلك من باب إسقاط الحضانة قبل وجوبها. قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وسئل مالك عن رجل صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها أن لا نفقة عليه حتى تضع حملها، فإذا وضعت حملها أسلمته إلى أبيه، فإن طلبته فنفقته ورضاعه عليها حتى تفطمه فإن لم تستقم له بذلك فهي امرأته. قال مالك: الصلح جائز وكل ما شرط عليها جائز إلا ما اشترط أنها ترجع إليه فليست ترجع إليه وقد بانت منه. قال ابن رشد: وهذا كله كما قال لان ما شرط عليها حق لها فجاز أن يشترط عليها حاشا الرجعة انتهى. ص:

________________________________________

[ 277 ]

(وقيمة كعبد استحق) ش: قال في الجواهر: ولو خرج حرا رجع بقيمته أيضا أن لو كان عبدا. وقيل: لا يرجع بشئ. ولو قال إن أعطيتني هذا الحر وقع الطلاق بإعطائه رجعيا انتهى. ص: (ومغصوب وإن عبدا ولا شئ له) ش: هذا إذا كان الزوج عالما بذلك، وأما إن لم يعلم فسيأتي أنها إذا خالعته بشئ واستحق فإن كان لها فيه شبهة فله قيمته، وإن كان لا شبهة لها فيه لم يلزمه، وهذا يفهم من لفظ الجواهر وما لو خالعته بخمر أو خنزير أو مغصوب فلا يختلف في المنع ابتداء ونفوذه إذا وقع والمنصوص لا شئ للزوج فيه والله أعلم. ص: (وخروجها من مسكنها) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك، كان المسكن لغيره أو كان له وسمي الكراء، وإن كان على أن تخرج من منزله تم الخلع ولم تخرج ولا كراء له عليها، وانظر الجزولي في شرح قول الرسالة أو للحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا. ص: (وبانت ولو بلا عوض نص عليه) ش: يعني أن الخلع طلاق بائن ولو وقع بغير عوض إذا نص عليه أي على الخلع بأن صرح به، قال في النوادر: ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال أنت

________________________________________

[ 278 ]

طالق واحدة بائنة فهي ألبتة في التي بنى بها، وإن قال هي طالق طلاق الخلع فهي واحدة بائنة. وكذلك إن قال خالعت امرأتي أو باريتها أو افتدت مني لزمته طلقة بائنة. قال أصبغ: إن قال لها أنت صلح أو طالق طلاق الصلح أو قد صالحتك أو يقول اشهدوا أني قد صالحت امرأتي وهي غائبة أو حاضرة، راضية أو كارهة، أخذ منها عوض أو لم يؤخذ، فهي طلقة بائنة. وكذلك قوله أنت مبارية أو طلقتك طلاق المبارأة أو قد بارأتك رضيت أو لم ترض انتهى. ونحوه في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التخيير قال في المدونة: ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئا وهي طلقة بائنة انتهى. وقال في معين الحكام: ويكره للرجل أن يطلق طلقة مبارأة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف السنة، فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال: مذهب ابن القاسم أنها طلقة بائنة وبه القضاء وتملك المرأة نفسها بهذا الطلاق ولا يجبر على رجعتها إن كانت حائضا أو نفساء. والقول الثاني أنها طلقة رجعية. والقول الثالث يلزمه الثلاث انتهى. وقاله في المتيطية والتوضيح وغيرهما. ص: (أو على الرجعة) ش: هذا خلاف ما صدر به ابن الجلاب ونصه: ولو خالعها على أن له الرجعة إليها

________________________________________

[ 279 ]

لصحت رجعته. وقيل: لا يكون له رجعة وشرطه باطل. ص: (أو طلق أو صالح وأعطى) ش: أما إن طلق وأعطى فتصوره واضح، وأما إذا صالح وأعطى فمعناه والله أعلم أن يلفظ بالصلح فيقول صالحيني على أن أعطيك مائة دينار مثلا وخالعني على أن أعطيك، فإن الصلح والخلع يطلق على ما لم يكن فيه إعطاء من الزوجة، أو يقول لها خذي هذا الالف واتركي مهرك وأنا أطلقك ونحو ذلك والله أعلم. قال في المدونة فيمن خالعها على عبد لها وزاد لها ألفا وإن كانت قيمة العبد أقل من الالف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده. مالك: فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشئ مما دفع إليها. وقال ابن عرفة: وفيها أخالعك على أن أعطيك مائة دينار فقبلتها هي طلقة بائنة، وكذا لو لم يعطها. وانظر بقية كلامه. وفي الجواهر: وقد روي فيمن قال أخالعك على أن أعطيك مائة درهم فقبلت كانت بائنة لا يملك رجعتها، وكذلك لو لم يعطها الزوج شيئا فخالعها فهي أيضا بذلك بائن انتهى. إلا أن في جعل المصنف إذا طلق وأعطى مثل إذا صالح وأعطى نظر، لان المذكور فيه الخلاف في المدونة وابن الحاجب وغيرهما ما إذا طلق وأعطى. قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئا أو لم يعطها فذلك خلع ولا رجعة له. وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع. وروي عنه أنها واحدة بائن، وأكثر الرواة على أنها غير بائن لانه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى انتهى. لكن المصنف قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفيها فيمن طلق وأعطى أكثر الرواة رجعية. وهذا الاختلاف إنما هو في موطأ ابن وهب والاسدية والموازية فيمن صالح وأعطى، وليس فيمن طلق وأعطى. قال في النكت: وهذا هو الصحيح، والنقل الذي في المدونة ليس بصحيح ولا خلاف فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة، لانه إنما وهبها هبة وطلقها وليس من الخلع في شئ انتهى. ص: (وهل مطلقا أو إلا أن يقصد الخلع تأويلان) ش: قال في

________________________________________

[ 280 ]

النوادر في ترجمة الخلع بغير عطية في كتاب ابن المواز: وإن لم يقصد قصد الصلح وقال أنت طالق ولي متاعي وقال ولك متاعك أو قال ولك زيادة كذا فله الرجعة. قال ابن وهب عن مالك: وإذا صالحها على أن أعطاها شيئا من ماله جهلا أو ظنا أنه وجه الصلح قال: هي طلقة وله الرجعة ثم رجع فقال: لا رجعة له إذا كان منهما على وجه الصلح. وقاله الليث. قال محمد: وعلى قوله الآخر العمل انتهى. وقال قبله: ومن كتاب ابن المواز: وإذا تداعيا إلى الصلح وافترقا عليه وإن لم يأخذ منها شيئا فهو فراق كما لو أخذ منها، وإذا قصد إلى الصلح بغير عطية أو على أن يأخذ متاعه ويسلم إليها متاعها فذلك خلع لازم، قاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم قال: وتكون بائنا، قال أنت طالق أو لم يقل اه‍. ص: (وطلاق حكم به) ش: وكذلك المفقود والكافر إذا أسلم في عدة زوجته ويأتي في آخر فصل الطلاق مسائل من هذا الباب والله أعلم. ص: (وموجبه زوج مكلف) ش: لم يشترط فيه الاسلام كما قال ابن الحاجب لانه قال في التوضيح: اشتراط الاسلام مع كون المرأة مسلمة لا يظهر له كبير معنى انتهى. ص: (ولو سفيها) ش: قال المتيطي: إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها فالخلع باطل والمال مردود انتهى. وكأنه يعني أن الطلاق يلزمه ويرد المال. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفي خلع السفيه قولان نحوه في الجواهر زاد: وإذا صححناه فلا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه بل إلى وليه انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن شاس: اختلف في خلع

________________________________________

[ 281 ]

السفيه لا أعرفه قال: وعلى صحته لا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه بل إلى الولي. وقال اللخمي: إن كانت رشيدة والزوج سفيها مضى الخلع لان الطلاق لا يرد وإن كان في الخلع غبن كمل له خلع المثل. قلت: فيجب صرف الخلاف الذي نقله ابن شاس لتكميل خلع المثل لارتفاع رفع الطلاق، وتفسير ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب مجمل، وظاهر كلام الموثقين براءة المختلع بدفع الخلع للسفيه دون وليه. قال ابن فتحون والمتيطي: لا يفتقر المبارئ للولي لان لطلاق إنما هو للسفيه بخلعه يأخذ منه أو يسقط دينا عليه بلا إذن الوصي في ذلك. قلت: لانه عوض عن غير مثمون السفيه مستقل به فصار كهبة اه‍. ص: (وولي صغير أبا أو سيدا أو غيرهما) ش: أي وصيا أو حاكما. قال في الشامل: وجاز لولي صغير وإن وصيا وحاكما ونائبه بالنظر كأب انتهى. فرع: قال في الشامل: ولا يطلقون بلا عوض على الاصح انتهى. وتبع في حكايته الخلاف المصنف في التوضيح. وقال الرجراجي في كتاب إرخاء الستور في المسألة الرابعة: إنه لا خلاف في أنه لا يجوز لوليه أن يطلق عليه إلا على مال والله أعلم. وقال في الخلع من المدونة: وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشئ يأخذه له. وروى ابن نافع عن مالك فيمن زوج وصيفه وصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك ما لم يبلغا. وقال ابن نافع: لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع انتهى. قال في التوضيح بعد نقله لكلام المدونة المذكور: وظاهره أنه يتفق على جواز المخالعة ويختلف في طلاقه عليه بغير عوض. عياض: ومذهب ابن القاسم في الكتاب في تطليق السيد على عبده الصغير لاق لسنة عند غير واحد، وروايته عن مالك مثل مذهب ابن نافع أنه لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع، وأن رواية ابن نافع تخالف ذلك إذ لم يشترط الخلع ويجوز إذا كان نظرا بغير خلع إذا حمل على ظاهره وهو قول أكثرهم، وحمل بعضهم الكل على الوفاق، وقال ابن كنانة: وقد قيل إنه لا يجوز وإن كان على وجه الخلع لان للسيد انتزاعه فكأنه أخذه لنفسه. انتهى وانظر ابن عبد السلام ص: (لا أب سفيه) ش: يعني فأحرى غيره من الوصي ومقدم القاضي. قال في التوضيح في شرح كلام ابن الحاجب: وليس لولي السفيه ولو كان أبا أن يخالع عنه على المشهور لان الطلاق بيد السفيه انتهى. وصرح بتشهير هذا القول المتيطي.

________________________________________

[ 282 ]

ص: (وسيد بالغ) ش: قال الشارح: أي لا يجوز لسيد العبد البالغ أن يخالع عنه انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذلك السيد في عبده وأمته لا يمضي خلع السيد عليهما بغير اختيارهما انتهى. وما ذكره ابن فرحون في الامة البالغة وأن السيد لا يخالع عليها غير ظاهر، وقد صرح الرجراجي في المسألة الرابعة من كتاب إرخاء الستور بأن له أن يخالع عليها بغير رضاها وهو ظاهر كلام الشامل حيث قال: ولسيد عن أمة وعبد صغير وإن كرها على المشهور فقيد العبد بالصغر دونها وهو ظاهر كلام التوضيح فإنه بحث مع ابن بشير في قوله: وهل يجوز الخلع عن العبد أو الامة بغير اختيارهما ؟ قولان: المشهور جوازه والشاذ منعه فإنه قال: فانظره مع كلام ابن عبد السلام، وأشار بذلك لما قدمه عن ابن عبد السلام في حل قول ابن الحاجب وبخلاف السيد في العبد مراده العبد البالغ. ثم قال في التوضيح: إلا أن يكون مراد ابن بشير العبد الصغير. وقد نص في المدونة على أن العبد الكبير ليس للسيد أن يخالع عنه ولم أقف على القول بأن للسيد أن يخالع عنه وإن ثبت فهو مشكل انتهى. فمناقشته مع ابن بشير في إطلاقه في العبد وسكوته عن إطلاقه في الامة، ظاهره يقتضي أن الامة يجوز للسيد أن يخالع عنها، سواء كانت بالغة أو غير بالغة فتأمله والله أعلم. تنبيه: الامة البالغة قد تقدم أنه لا يمضي خلعها عن نفسها إلا بإذن السيد، وأما العبد البالغ فيجوز. قال في المتيطية: وأما العبيد الكبار فحكم الذكور منهم حكم السفيه البالغ ويطلق بغير إذن سيده وتختلع منه امرأته وينفذ ذلك إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها من عند نفسه فيكون الخلع نافذا والمال إن رده السيد مردود انتهى. فرع: قال في المسائل الملقوطة: من المسائل التي انفرد بها مالك إذا اختلعت الامة من زوجها على شئ بغير إذن سيدما فاسترجعه المولى منه فليس للزوج أن يرجع عليها بشئ إذا عتقت انتهى. فرع: قال ابن عرفة ابن بشير: ذو عقد حرية على عدم جبره على النكاح لا يخالع عنه وعلى جبره في الخلع قولان انتهى. ص: (ونفذ خلع المريض) ش: قال في التوضيح: عبر ابن الحاجب بالنفوذ ولم يعبر بالجواز لان الاقدام عليه لا ينبغي لانه طلاق في المرض انتهى. وقال الشارح: إنما قال نفذ ولم يقل جاز تنبيها على أن الاقدام على ذلك ابتداء لا يسوغ. انتهى من الكبير ونحوه في الصغير. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة في باب النكاح:

________________________________________

[ 283 ]

ولو طلق المريض تكلم أبو محمد على الوقوع، وهل يجوز ذلك أم لا ؟ فقال مالك: لا يجوز ذلك لان فيه إخراج الوارث وقد نهى عليه السلام عن إخراج الوارث إلا أن على هذا التعليل يجوز طلاق من لا يرث مثل الامة والكتابية. وقيل: لا يجوز ذلك إذ تعتق الامة وتسلم الكتابية انتهى. وفي رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من طلاق السنة قال مالك: من حجتنا في الذي يتزوج وهو مريض أنه ليس له ميراث لانه يمنع أن يطلق وهو مريض، فكما يمنع من الطلاق وهو مريض لحق امرأته في الثمن فإنه لا ينبغي أن يدخل عليها من ينقصها من ثمنها. ابن رشد: هذا بين لان المعنى الذي من أجله لم يجز أن يطلق في المرض موجود في النكاح فلا يجوز له أن يدخل وارثا على ورثته كما لا يجوز له أن يخرج عنهم وارثا انتهى. فعبر مالك بالمنع مرتين وعبر ابن رشد بعدم الجواز. وفي كلام ابن يونس وأبي الحسن والرجراجي أنه ممنوع، وفي المتيطية: وطلاق المريض وخعله جائز ويصح له ما أخذ من الزوجة غير أنه إن مات من مرضه قبل ظهور صحته ورثته المرأة بائنا كان أو رجعيا انتهى. فظاهره أنه جائز ابتداء ويمكن أن يحمل قوله جائز على أن المراد لازم والله أعلم. ص: (وورثته) ش: أشار إلى أن طلاق المريض وإن كان بائنا لا يمنع الزوجة الميراث، وأما غير ذلك من أحكام الطلاق فتترتب عليه. قال ابن الحاجب في الكلام على من هو أهل للطلاق: وطلاق المريض وإقراره به كالصحيح في أحكامه وتنصيف صداقه وعدة المطلقة وسقوطها في غير المدخول بها إلا أنها لا ينقطع ميراثها هي خاصة إن كان مخوفا، قضى به عثمان رضي الله عنه لامرأة عبد الرحمن. قال في التوضيح: وترثه سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا، ثلاثا أو واحدة، انقضت عدتها أم لا اه‍. وترثه من جميع ما ترك حتى ما اختلعت به منه هذا مذهب المدونة قاله في التوضيح. قال: وروي عن مالك أنها لا ترث منه لضغف التهمة لان الفراق وإن كان ابتداؤه منه لم يستقل به وإنما تممته هي أو غيرها، وهذا مقابل المعروف. انتهى يعني مقابل المعروف في قول ابن الحاجب على المعروف وأنكره ابن عرفة والله أعلم. ص: (كمخيرة) ش: أشار إلى أنه لا فرق في كون الفراق من الرجل أو من المرأة فسخا كما في اللعان أو طلاقا كما في غيره، تسببت المرأة

________________________________________

[ 284 ]

في ذلك كما إذا أحنثته أم لا ؟ ص: (وملاعنة) ش: قال في التوضيح: فرع: ابن محرز وغيره: وإذا لاعن في المرض انتفى الولد لان الانساب لا تهمة فيها. ألا ترى أنه لو استلحق ولدا في المرض لحق به ولم يتهم فكذلك إذا نفاه انتهى. فرع: لو ارتد المريض لم ترثه زوجته ولا غيرها من ورثته. فإن قيل: إذا وجب الميراث في اللعان مع كونه فسخا ففي الردة أولى لانها طلاق والفسخ أقوى في حل العصمة. فالجواب: أن اللعان خاص بالمرأة فاتهم بخلاف الردة لانه يمنع سائر الورثة قاله في التوضيح. فرع: قال فيه اللخمي: ولو عاد للاسلام ثم مات بقرب ذلك ورثه ورثته دون زوجته على مذهب ابن القاسم، لان الردة عنده طلاق بائن والاسلام ليس مراجة، وترثه على قول أشهب وعبد الملك لانهما يريان إذا عاد للاسلام أنها تعود زوجة على الاصح، بل من غير طلاق انتهى. وما قاله اللخمي غير ظاهر ولهذا قال ابن عرفة بعد ذكره كلامه قلت: الاظهر أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم أيضا لانه مطلق في المرض ورافع تهمة نفيه لاسلامه انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر. فرع: قال في التوضيح: وألحق الشيخ أبو إسحاق بالردة ما إذا طلق عليه في المرض بسبب جنون أو جذام أو لعان أو نشوز منها في المرض. وفي الباجي: إن المطلقة لنشوز منها كالمخالعة والملاعنة في أن حكم الميراث باق خلافا لابي حنيفة ولم يذكر في ذلك خلافا انتهى. وقال ابن عرفة: وجعل التونسي الطلاق عليه في مرضه بجنون أو جذام كالردة واضح إلا أن في الحكم عليه به في مرضه نظرا والصواب تأخيره. وقول ابن عبد السلام النشوز منها كالمرض في الردة مشكل إذ لا أثر للنشوز في الفرقة انتهى.

________________________________________

[ 285 ]

فرع: إذا علم أن المطلقة في المرض وارثة فلا تصح الوصية لها، وإن أوصى بأكثر من الثلث أو لوارث وقف على إذنها، وإن قتلته خطأ ورثت من المال دون الدية وعمدا لم ترث منها. قاله في التوضيح ص: (ولو صح ثم مرض فطلقها لم ترث إلا في عدة الطلاق الاول) ش: أي ولو طلق زوجته طلاقا رجعيا في المرض ثم صح من مرضه صحة بينة ثم مرض فطلقها في المرض الثاني قبل أن يراجعها طلقة أخرى رجعية أو بائنة، فإن مات قبل انقضاء العدة من الطلقة الاولى ورثته لان لطلاق في الصحة لا يمنع الميراث إن مات المطلق في العدة فأحرى الطلاق في المرض، وإن مات بعد انقضاء العدة لم ترث الزوجة لان ميراثها قد انقطع بسبب الصحة الكائنة بعد الطلاق الاول، ولا عبرة بالطلقة الثانية لانها لا تستأنف عدة لها وإنما تحسب عدتها من الطلقة الاولى وإن كان قول المصنف إلا في عدة الطلاق الاول يوهم أن ثم عدة أخرى. أما لو راجعها " انفسخت العدة التي للطلاق الاول، ثم إن طلقها بعد ذلك في المرض فله حكم المطلق في المرض وفرضنا الطلاق الاول رجعيا لانه لو كان بائنا لم يلحق الطلاق الثاني بعده وانقطع الميراث بالصحة التي حصلت بعده، ولو طلقها في المرض طلاقا رجعيا ثم صح فأبانها في الصحة فإنها لا ترثه، وسواء مات في العدة أو بعدها، وسواء كان ارتجعها أم لا، وهكذا ذكر ابن شاس وابن الحاجب وانظر التوضيح والله أعلم ص: (ولو شهد بعد موته بطلاقه فكالطلاق في المرض) ش: قال في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وسئل مالك عن الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة وقد ماتت، أترى أن يرثها ؟ قال: لا. وحين قيل له: أفرأيت إن مات هو، أفترى أن ترثه ؟ قال: ليس هي مثله نعم ترثه. قال سحنون: معناه أن الشهود كانوا قياما معه يعني حضورا معه في البلد فلم يقوموا عليه حتى مات. ابن رشد: قول سحنون: معناه كانوا قياما فلم يقوموا حتى مات ليس بصحيح إذ لو كانوا قياما معه فلم يقوموا لوجوب أن يرث كل واحد صاحبه، لان شهادتهم كانت تبطل

________________________________________

[ 286 ]

بترك قيامهم بها، وإنما وهم سحنون في تفسير قول مالك هذا - والله أعلم - لما وقع في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إذ كانوا حضورا ولامرأته الميراث، وكذلك يقول يحيى بن سعيد أيضا لو ماتت هي أن له الميراث من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم. فليس معنى مسألة مالك يعني المسألة المتقدمة التي فرق فيها بين أن يشهدوا بعد موته أو بعد موتها إلا إن كانوا غيبا. وكذلك وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الايمان بالطلاق وأن الشهود كانوا غيبا لا يتهمون، فمالك أحق بتبيين ما أرادوا. ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه هو أنه إذا كان هو الميت فلم يعذر إليه في شهادة الشهود ولعله لو أعذر إليه فيهم لا تبطل شهادتهم، فرأى لها الميراث من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الاعذار إلى المشهود عليه، وإذا كانت هي الميتة أمكن أن يعذر إليه وأنه عجز عن المدفع وجب الحكم بالطلاق يوم وقع فلم يكن له ميراث منها. وقال محمد بن المواز: إنما ورثته ولم يرثها لانه كالمطلق في المرض لان الطلاق وقع يوم الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد. قال أبو إسحاق: وهو كلام فيه نظر، لان الحاكم إنما ينفذ شهادة البينة وهي تقول إن الطلاق وقع قبل الموت، وإنما درأ الحد بالشبهة إما لنسيانه وإما لامكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة. ولو كان الطلاق وقع بعد الموت أو رثها هو أيضا والقياس أنها لا ترثه كما لا يرثها لان الاعذار يجب إليهما جميعا، فكما لا يرثها وإن لم يعذر إليها لا ترثه وإن لم يعذر إليه وهو قول سحنون ويحيى بن عمر، وسيأتي في رسم بع من سماع عيسى طرف من هذا المعنى وبالله التوفيق انتهى. وقال في رسم بع: ولا نقصان عليك من سماع عيسى من الكتاب المذكور. وسئل مالك عن رجل أقر عند قوم أنه بارأ امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبارئ وأنكرت هي تكون بارأته قال: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد، وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها. ابن رشد: في الميراث لا يصح بوجه لان قوله لا رجعة له عليها يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته، فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب أن لا يكون بينهما ميراث، ولو كانت الشهادة عليه بعد موته لوجب ما قلناه في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم أن ترثه ولا يرثها، مات في العدة أو بعدها، لانه طلاق بائن. ولا وجه لقوله وإن مات في عدتها على كل حال انتهى. ونص ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق وقال عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون فشهدوا أنه قد طلقها منذ سنين أنها ترثه ولو ماتت لم يرثها. قيل له: فما الحجة في أنها ترثه ؟ قال: أرأيت لو كان قائما فشهدوا عليه أترجموه ؟ قلت: لا. قال: فما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه قال ابن القاسم: وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا.

________________________________________

[ 287 ]

قال ابن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة فلا معنى لاعادته انتهى. وكلام المدونة الذي أشار إليه ابن رشد هو في آخر كتاب الايمان بالطلاق ونصه: قال يحيى بن سعيد: ومن طلق وأشهد ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضورا ويعاقبون ولها الميراث انتهى. فذكر الشيخ أبو الحسن كلام ابن المواز وذكر ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة وكلام سحنون فيه. وقال بعده ابن يونس: يجب على هذا أن لا يثبت الطلاق وترثه ويرثها. وقد رواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك أن الشهود كانوا غيبا سنين. وقال يحيى بن عمر: لا ترثه انتهى. ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحميد أنه فرق بين كونها ترثه ولا يرثها بما نصه عبد الحميد، والفرق بين الموضعين أن الحكم بالطلاق لا يتصور على ميت وإنما يتصور على حي، فإذا كان الزوج هو الميت فحكم عليه بالطلاق وقع عليه من آخر أجزاء حياته، ومن طلق في تلك الحال ورثته زوجته، فإذا كانت الزوجة هي الميتة لم يرثها لان من طلق امرأته وهي مريضة لم يرثها. وكذلك لو ماتا جميعا فإن كان الزوج هو الميت الاول ورثته، وإن كانت الزوجة هي الميتة أولا لم يرثها ويشهد لهذا الذي عللناه قول ابن المواز في توريثها منه إذا كان هو الميت لانه طلاق في المرض. الشيخ: ووجه قول يحيى بن عمر لا ترث نظرا إلى يوم وقع الطلاق انتهى. وذكر في المتيطية كلام ابن رشد الخ لم يعزه له صريحا. قال بعض الشيوخ: ثم قال بعده: وما قاله أبو إسحاق معترض من قوله إنما درأ الحد بالشبهة فكان يجب على هذا أن لو شهد أربعة على رجل بالزنا شهادة يجب بها حده وأنكر الشهادة أن يكون صادقا في إسقاط الشهادة وهذا لا يقوله أحد والله أعلم انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره الكلام المتقدم يرد تعقبه على أبي إسحاق بأن الشبهة عنده هي مجموع ما ذكر وإمكان نسيانه حنثه في زوجته انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا كان الشهود حضورا فشهادتهم باطلة وترثه ويرثها، وإن كانوا غيبا ثم قدموا فشهدوا بالطلاق فإن كان بعد موته ورثته، وإن بعد موتها هي لم يرثها على قول مالك وابن القاسم. وقال سحنون ويحيى بن عمر: لا ترثه كما أنه لا يرثها. وقال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم: وقال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته فيشك في يمينه فيسأل ويستفتي ثم يتبين له حنثه قال مالك: تعتد من حين وقفه عنها وليس من حين تبين له، قيل لابن القاسم: فإن مات قبل ذلك أيتوارثان ؟ قال: ينظر في يمينه، فإن كان يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته. ابن رشد: قوله: تعتد من حين وقفه صحيح لا اختلاف فيه لان العدة من يوم الطلاق والطلاق إنما وقع عليه من يوم الحنث. وقوله في الميراث: ينظر في يمينه الخ وفي بعض الكتب لم ترثه ولا يرثها ليس بخلاف لما تقدم في رسم طلق في الذي يشهد عليه الشهود أنه قد طلق امرأته ألبتة وقد ماتت أنها ترثه ولا يرثها. والفرق بين المسألتين أن الرجل في هذا لم يزل مقرا على نفسه بما أوجب عليه الطلاق

________________________________________

[ 288 ]

فوجب أن لا يكون بينهما ميراث بعد وقوع الطلاق، ومسألة كتاب طلق شهد الشهود وهو منكر لشهادتهم فوجب في ذلك الاعذار إليه حسبما تقدم القول فيه وبالله التوفيق. تنبيه: علم من هذا الكلام وما قبله أن صورة هذه المسألة أن تكون المرأة تحت الزوج إلى حين موته ولم يعلم طلاقها إلا من الشهود بعد موته، وأما لو طلقها في صحته وانفصلت عنه وعلم ذلك فلا شك أنها ترثه، وقد نبه على هذا ابن الفرات في شرحه لهذا المحل ونصه: ويظهر أن هذا مقيد بما إذا كان معها يعاشرها معاشرة الازواج إلى أن مات لقول المتيطي في توجيه ذلك لان الطلاق إنما يقع يوم الحكم انتهى. ص: (وإن أشهد به في سفر ثم قدم ووطئ وأنكر الشهادة فرق ولا حد) ش: قال في أواخر كتاب الايمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته في سفر ثلاثا ببينة ثم قدم قبل البينة فوطئها ثم أتت البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق ومقر بالوطئ فليفرق بينهما ولا شئ عليه. قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب انتهى. قال أبو الحسن: أي لا حد عليه. قال الابهري: وإنما ذلك لان الزوجية بينهما حتى يحكم بالطلاق. وقال ابن المواز: إنما لم يجب عليه لان العدة من يوم الحكم. وقال المازري: إنما لم يجب عليه الحد لانه كالمقر بالزنا. ثم رجع وقال غيره: لانه يجوز عليه أن يكون نسي. وقوله: فليفرق بينهما عياض: ظاهره أنها تعتد من يوم الحكم يدل عليه قوله: ولا حد عليه. الشيخ: وفي طلاق السنة من العتبية فيمن شهدت عليه البينة أنه طلق زوجته منذ سنة فحاضت فيها ثلاث حيض قالوا عدتها من الطلاق فقالوا: يناقض قوله هنا. والفرق بينهما أن ما في العتبية مقر بالطلاق وها هنا منكر للطلاق. قال سحنون: ولو شهد أربعة أنه طلقها وأقر الزوج بالوطئ بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق حددته، ولو قالوا نشهد أنه طلقها ثم وطئها حددته، وروى علي عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته ألبتة وأنهم رأوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه. قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد. ابن يونس: وقول سحنون في إيجاب الحد خلاف للمدونة في الذي شهدت عليه البينة في سفره. وقد اختلف ابن القاسم وأشهب في الامة يعتقها في سفره وتشهد البينة على ذلك ثم يقدم فيطؤها ويستغلها فاختلفا في الغلة واتفقا أن لا حد عليه وأن لا فرق بين هذه وبين الحرة انتهى. ولما ذكر في التوضيح المسألة التي قبل هذه أعني قوله: ولو شهد بعد موته بطلاق الخ. وذكر عن الباجي بأنه علله بأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطئ وأنكر الطلاق. قال في التوضيح: وهذا الذي علل

________________________________________

[ 289 ]

به الباجي في المدونة نحوه لان فيها فيمن طلق امرأته في السفر وأشهد على ذلك ثم قدم فأصاب امرأته إلى آخر مسألة المدونة، وذكر أكثر الكلام المتقدم عن الشيخ أبي الحسن. وقال المتيطي بعد أن ذكر كلام الباجي: وهذا الذي علل به الباجي في المدونة خلافه وذكر مسألة المدونة هذه. فقول المتيطي: إن الذي في المدونة خلاف تعليل الباجي يناقض قول الشيخ في التوضيح، وهذا الذي علل به الباجي في المدونة نحوه ويمكن أن يقال: لا مخالفة في ذلك ومراد الشيخ بقوله في المدونة نحوه يعني قوله إن الطلاق إنما يقع يوم الحكم، وكلام المتيطي باعتبار قوله لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطئ وأنكر الطلاق لانه قد صرح في المدونة بأنه إذا أنكر الطلاق وأقر بالوطئ أنه لا حد عليه ولكن قد يقال: إنما قال ذلك في المدونة لانه يرى أن الطلاق إنما يقع يوم الحكم فتأمله والله أعلم. ص (ولو أبانها ثم تزوجها قبل صحته فكالمتزوج في المرض) ش: تشبيهه هذا النكاح بالنكاح في المرض مشكل لانه يقتضي عدم الارث فيه وليس كذلك. قال في التوضيح في أثناء التفريق بين هذا النكاح والنكاح في المرض ما نصه: وهذه المطلقة قد ثبت لها الميراث انتهى. وإنما شبهه المصنف وابن الحاجب بالتزوج في المرض لانه يفسخ على المشهور قبل وبعد ولهذا قال في الشامل: ولو تزوجها بعد البينونة في مرضه فسخ وإن دخل على الاصح والله أعلم. ص: (ولم يجز خلع المريضة وهل يرد أو المجاوز لارثه يوم موتها ووقف إليه تأويلان) ش: التأويل الاول أنه يرد جميع الخلع ولا يرث الزوج شيئا، وهذا على أن قول مالك مخالف لقول ابن القاسم وعليه أقل الشيوخ، والاكثر على أنه وفاق فلا يرد إلا ما جاوز قدر ميراثه منها يوم تموت فيوقف ما خالعها عليه إلى يوم موتها فينظر فيه حينئذ مع قدر إرثه منها. وانظر المسألة في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة وفي رسم العتق من سماع عيسى من طلاق السنة مسألة تشبه هذه المسألة

________________________________________

[ 290 ]

على تأويل الاكثر، وهي امرأة توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها وقد تركت ولدا منه أو من غيره فقيل لها: إنه لا وصية لوارث فقالت: إنه كتب إلي بالطلاق فسترت ذلك وقدم الزوج وصدقها وقال الورثة إنها بالزوج الوصية، وقال بنوها من غيره إنها أرادت أن تحرمنا فضل ما بين الثلث والربع قال: لا يقبل قولها ولا إقراره بالطلاق لموضع التهمة في ذلك وينظر إلى وصيتها في ذلك، فإن كانت أقل من ميراثه منها دفع إليه ذلك ولم يكن له أكثر من تتمة ميراثه منها لما لقربه من فراقها، وإن كانت أوصت له كفاف ميراثه منها دفع إليه لانها لا تتهم فيه ولا يتهم في ذلك، وإن كان أكثر من ميراثه اتهم واتهمت ولم يكن له إلا قدر ميراثه منها. قال ابن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة المعنى اه‍. ص: (وإن نقص وكيله عن مسماه لم يلزم) ش: قال ابن عرفة: والتوكيل على الخلع جائز كالبيع لا كالنكاح فيجوز توكيل الزوج امرأة. ابن شاس: لو قال خالع بمائة فنقص لم يقع طلاق انتهى. فإن خالعها بما سماه أو زاد فلا شك في وقوع الطلاق البائن. قاله في التوضيح وهو مفهوم من قول المصنف: وإن نقص. تنبيه: قال في التوضيح بعد أن تكلم على ما إذا نقص وكيله لم يقع الطلاق: وهذا ظاهر في النقص الكثير، وأما اليسير فينبغي أن يختلف فيه كالبيع اه‍. وكذلك قال ابن عرفة: وسيأتي لفظه في مسألة مخالفة وكيل الزوجة الذي مشى عليه المصنف أن المخالفة في البيع بالنقص اليسير لا تغتفر كما اختاره عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطي وراجع ذلك في الوكالة. فرع: قال في الشامل: ولا ينفذ إن وكل اثنين إلا باجتماعهما اه‍. ونقله ابن عرفة عن المدونة ص: (أو أطلق له أو لها حلف أنه أراد خلع المثل) ش: قال ابن عرفة عن ابن شاس: ولو قال خالعها فنقص عن المثل قبل قول الزوج إنه أراد المثل. ابن الحاجب مع يمينه انتهى. ولفظ ابن شاس: ولو قال مطلقا خالعها فنقص عن خلع المثل فادعى الزوج أنه أراد خلع المثل فالقول قوله انتهى. ولفظ ابن الحاجب: ولو قال خالعها فنقص عن المثل حلف أنه أراد خلع المثل. قال في التوضيح: يعني لو وكل رجلا على أن يخالع له زوجته فإن خالعها بخلع المثل فأكثر لزمه، وإن نقص عن المثل ففي الجواهر: القول قوله إنه أراد خلع المثل ولم يذكر يمينا ولم يذكرها أيضا مالك في المجموعة. ابن عبد السلام: ولا يكاد يوجد النص على اليمين قال:

________________________________________

[ 291 ]

وظاهر الرواية سقوط اليمين كما في البيع وقد يقال بثبوتها هنا لان السلعة في البيع لها قيمة كالمغررة ولا قيمة هنا. خليل: والظاهر أن اليمين هنا تجري على الخلاف في توجهها في أيمان التهم، وما ذكره عن المجموعة نقله ابن عرفة ولفظه: وفي المجموعة لابن القاسم عن مالك: من وكل من يصالح عنه امرأته فصالحها بدينار فأنكره الزوج فله ذلك إنما يجوز عليه صلح مثلها. ثم ذكر اعتراض ابن عبد السلام ثم قال قلت: لا يبعد إجراؤه على أن العرف كشاهد واحد انتهى. وأما قول المصنف: أو لها فيشير به والله أعلم إلى ما نقله في التوضيح إثر الكلام المتقدم، وقد نص مالك في العتبية على اليمين فيمن قال لامرأته إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق فأعطته دينارا فقال لم أرد هذا وإنما أردت نصف ما تملكينه فقال: لا يلزمه الخلع ويحلف ويخلى بينه وبينها. ابن القاسم: وإن لم تكن له بينة فلم يجبها حنث لكن قال في البيان: قوله: يحلف يدل على أنه إن لم يكن مستفتيا في يمينه وإنما كان مخاصما وحلف لانه ادعى نية تخالف ظاهر اللفظ، ولو كان مستفتيا لقبل منه بغير يمين، وذكر ابن رشد مسألة العتبية هذه وذكر أنه لم يوجب عليه في الرواية يمينا قال: وتجري على أيمان التهم. وعند ابن شعبان: له أن يطلبها بجميع ما تملكه. وأنكره اللخمي ورأى أن ذلك ليس من مقاصد الناس وإنما يقصدون بعض المال لا كله. وانظر قول ابن بشير مع ما تقدم ولم يوجب في الرواية يمنيا إلا أن يكون حمل ما في الرواية على المرافعة كما ذكر صاحب البيان انتهى. وهذا ظاهر أن اليمين إنما تكون إذا رافعته الزوجة أو غيرها، وأما إن جاء مستفتيا ولم يخاصمه أحد فلا يلزمه شئ، ولم ينبه الشيخ في شرحه على قوله: أو لها وقال البساطي بعد ذكره الاطلاق للوكيل: وكذلك إذا أطلق للزوجة انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو قال إن أعطيتني ما أخالعك به لم يلزم بالتافه ويلزم بالمثل على الاصح انتهى. ونحوه في الجواهر وسيصرح المصنف بمفهوم ما ذكره هنا في قوله: أو بتافه الخ والله أعلم. ومسألة العتبية التي أشار إليها في التوضيح هي في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك. قال ابن رشد فيها: ولو قال لها إن دعوتني إلى الصلح من غير تعريف لوجب أن لا ينوي مع قيام البينة فإنه إنما يقال مع الالف واللام لاحتمالها الجنس والعهد انتهى. ص: (وإن زاد وكيلها فعليه الزيادة) ش: قوله: زاد ما إذا سمت له عددا فزاد عليه وما إذا أطلقت له فخالع بأكثر من خلع المثل فجاءت الزيادة في الوجهين على الوكيل، وأما ما سمته المرأة أو خلع المثل إذا طلقت فإنه يلزمها إن أضاف الخلع إليها أو لم يصرح بالاضافة إليها أو إلى نفسه وإن أضافه إلى نفسه لزمه. قال في الشامل: فإن وكلته مطلقا فخالع بالمثل فأقل لزم، وإن زاد غرم الزيادة كزائد عدد سمته له، فإن

________________________________________

[ 292 ]

أضاف الاختلاع لنفسه صح وغرم المسمى وإن لم يصرح بالاضافة إليه أو إليها بانت ولزمها ما سمت وغرم الزيادة اه‍. وقال في الجواهر: وأما وكيلها بالاختلاع بمائة فإن زاد وقع الطلاق ولزمت المائة والزيادة على الوكيل، وإن أضاف إلى نفسه صح ولزمه المسمى، وإن لم يصرح بالاضافة إليها ولا إلى نفسه لزمت البينونة وعليها ما سمت والزيادة على الوكيل، وإن أذنت مطلقا فهو كالمقيد بخلع المثل انتهى. وقال ابن الحاجب لما تكلم على القابل: شرطه أهلية التزام المال فيلزم في الاجنبي والمال عليه فإن وكلته فكوكيل الشراء. قاله في التوضيح في شرح الكلام الاخير يعني فإن وكلت الزوجة من يخالع لها فكوكيل الشراء، فإن خالع بخلع المثل فأقل لزمها الخلع ودفع العوض، وإن خالع بأكثر لم يلزمها. ويفهم من قوله: كوكيل الشراء أن العوض وعهدته عليه إلا أن يشترط أن ذلك عليها انتهى. ثم قال ابن الحاجب بعد أسطر: ولو قال خالعها بمائة فنقص لم يقع ولو قالته فزاد وقع والزيادة على الوكيل. قال في التوضيح: قوله ولو قالته أي لو قالت المرأة ما قاله الرجل فقالت خالع لي زوجي بمائة فإن خالعه بها أو أقل لزمها ذلك، وإن زاد وقع الطلاق البائن وكانت الزيادة على الوكيل. وينبغي أيضا أن تقيد هذه الزيادة بالزيادة الكثيرة، وأما اليسيرة فيلزمها كالوكيل على شراء سلعة انتهى. وقال ابن عرفة الشيخ عن الموازية: لو وكلت من يصالح عنها ولها على زوجها مائة دينار فصالح على تركها لزوجها لعله يريد إذا كان صلح مثلها ثم قال قلت: ظاهر ما تقدم أن مخالفة الوكيل بزيادة اليسير عليها ونقصانه له كالكثير والاظهر أنه فيهما كالبيع والشراء انتهى. ص: (ورد المال بشهادة السماع على الضرر) ش: قال المتيطي: وتحلف مع بينتها أن فعلها ذلك كان للاضرار الذي أثبتته. ونصه بعد فصل الشروط: إذا أسقطت المرأة وكالتها عن زوجها أو افتدت منه بمال زادته إياه من عند نفسها أو دفعت له ثمنها منه أو أسقطت الحضانة الواجبة لها ثم قامت بعد ذلك عند الحاكم وزعمت أن ما أسقطته أو أعطته أو التزمته كان على إضرار من الزوج وإكراه منه لها وأكذبها الزوج وزعم أن ذلك كان من قبلها وأنه لم يزل محسنا لها وأقامت بالضرر بينة استرعتهم أو لم تسترعهم وعجز الزوج عن المدفع فيهم، أنفذ عليه الخلع وحكم بنقض ما التزمته وصرف ما أعطته بعد يمينها إن فعلها ذلك كان للاضرار الذي أثبتته انتهى. وفي رسم العارية من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك: وسئل عن المرأة يصالحها زوجها عن رضاع ولدها وعلى إن أخذ منها فأقامت سنة ثم أتت بامرأتين تشهدان أنها إنما صالحته على ضرورة قال: تحلف مع شهادتهما ويرد عليها ما أخذ منها وتأخذ منه

________________________________________

[ 293 ]

رضاع ما أرضعت من ولده. قال ابن رشد: وهذا كما قال، فإذا افتدت المرأة من زوجها ثم ثبت أنه كان يضربها وجب أن يرد عليها ما أخذ منها ويجوز في ذلك شهادة النساء لانه مال والطلاق قد مضى بغير شهادتهما، فإن شهد لها بالضرر شاهدان أو شاهد وامرأتان رد عليها مالها بغير يمين، وإن شهد لها به رجل واحد وامرأتان حلفت مع شهادة الرجل أو مع شهادة المرأتين واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها، ويجوز ذلك أيضا بشهادة شاهدين على السماع فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين. قاله في سماع أصبغ من كتاب الشهادات وأكثر من ذلك أحب إليه. ابن الماجشون: لا يجوز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء وبالله التوفيق. فقول ابن رشد إنه إذا قام لها شاهدان بالضرر أو شاهد وامرأتان أو شاهدان بالسماع على الضرر أنها لا تحلف معها مخالف لما قاله المتيطي، ولعل هذه اليمين التي نفاها ابن رشد غير اليمين التي أثبتها المتيطي فتأمله والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: من الاضرار أن يمنعها من زيارة والدايها. ابن القاسم: وليس من الاضرار بها البغض لها وإنما الاضرار الاذى بضرب أو اتصال شتم في غير حق أو أخذ مال أو المشاورة. ومن علم من امرأته الزنا فليس له أن يضارها حتى تفتدي انتهى. وقال في الشامل: ورد العوض فقط بشهادة سماع أو بيمينها مع شاهد مباشر أو امرأتين بضرره لها بضرب أو دوام شتم بغير حق أو أخذ مال أو مشاررة أو إيثار غيرها عليها لا ببغض لها، وفي رده بيمينها مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك قولان. أما إن استخفت به فأساءت عشرته أو نشزت أو خرجت بغير إذنه أو أذنت لمن يكره في بيته وأظهرت البغض له حل له الاخذ، ولو علم منها زنا أو أتت بفاحشة فليس له الاضرار لتفتدي انتهى. وقول صاحب الشامل مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك يعني بالسماع. الثاني: قال في التوضيح إثر قول ابن الحاجب: وتقبل شهادة السماع أي على الضرر، والمعمول به عند الشيوخ - وهو قول أصبغ - أن الشاهد يشهد فيه بالقطع وغمز ذلك ابن القاسم وقال: من أين للشهود القطع بمعرفة ذلك ؟ ولهذا قال أصبغ يقول ذلك علمي وصح عندي. ابن القاسم: وصفة الشهادة أن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة النساء والخدام والجيران قال: ويكفيني في ذلك عندي عدلان والعدول الكثير أحب إلي وهو المشهور المعمول به. وعنه أيضا أن السماع أن يكون من العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يكون على لفيف القرابة والاهلين والجيران وإن لم يكونوا عدولا كالنساء والخدام. وعن مالك: تجوز شهادة السماع في ضرر الرجل بامرأته إذا سمع بذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا وإن لم يسمع بذلك الرجال والنساء فليس بفاش انتهى. وقال في مختصر المتيطية: ويجزي عند ابن القاسم عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلك وتكثير الشهود أحب إليه. هذا

________________________________________

[ 294 ]

المشهور من المذهب وعليه العمل، وروى حسين بن عاصم لا تجوز شهادة السماع إلا على العدول إلا في الرضاع يجوز أن يشهد العدول عن لفيف القرابة والجيران من النساء والخدام. قال أبوعمران: وهو حسن لانه لا يحضره الرجال في الغالب. ولابن القاسم في كتاب محمد ما ظاهره أن السماع لا يجوز إلا من الثقاخ في جميع الاشياء. وفي سماع ابن وهب عن مالك أن الشهادة على السماع إنما تكون عاملة إذا سمع ذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا، فإن شهد في ذلك النساء عند القاضي وحدهن لم يجز. وقال بعض الشيوخ: لان الطلاق من معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء. وقال ابن الهندي: إذا شهد بالضرر صالحات النساء والخدام اللاتي يدخلن إليها جاز انتهى. ص: (وبيمينها مع شاهد أو امرأتين) ش: قال في الشامل: مع شاهد مباشر أو امرأتين وتقدم كلامه في القولة التي قبل هذه ص: (ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على الاصح) ش: يريد فأحرى إذا لم تسقط البينة المسترعاة وإنما اعترفت في عقد الخلع بالطوع، وسواء استرعت ببينة أو قامت لهما بينة علمت بها أو لم تعلم على ما قال ابن الهندي وابن العطار وغيرهما. قاله في التوضيح. فرع: وإن خالعها وأخذ منها حميلا بالدرك فقال ابن العطار: إذا أثبتت الضرر لا يسقط التباعة عن الحميل لانه غير مكره وقد أدخل الزوج ضررا في زوال العصمة ولا يرجع الحميل على المرأة بشئ، وإليه ذهب بعض فقهائنا الصقليين. وذكر ابن يونس في ذلك خلافا بين القرويين وأن منهم من يقول هكذا ومنهم من يقول إذا أثبتت المرأة الضرر له سقط الطلب عن الحميل لانه إذا سقط المال عن الاصل سقط عن الحميل المطالبة. انتهى من التوضيح وذكر القولين في الشامل من غير ترجيح. ص: (وبكونها بائنا) ش: قال ابن عرفة: ولملزومية الخلع العوض من الجانبين امتنع في فقد العصمة لا في ملكها الزوجة فيمتنع في البائن والمرتدة والملاعنة كأجنبية لا في المخيرة لانه منها رد اه‍. ولا تعذر بالجهل قاله في رسم يوصى من

________________________________________

[ 295 ]

سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك. ص: (أو لكونه يفسخ بلا طلاق) ش: سقط ذلك من نسخة الوسط ويعني به أنه النكاح المجمع على فساده الذي يفسخ بغير طلاق إذا خالعت المرأة فيه، فإن الزوج يرد المال بخلاف غير المجمع على فساده فإن في رد المال فيه قولين مبنيين على أن فسخه هل هو بطلاق أم لا. قاله في التوضيح. وقد علمت أن المشهور يفسخ بطلاق فيكون الجاري عليه أنه لا يرد المال ولهذا قال هنا يفسخ بلا طلاق والله أعلم. ص: (فلا نفقة للحمل) ش: قال في التوضيح عن الباجي: وليس لها أيضا أن تطلبه بالصداق انتهى. وهذا غير ظاهر فقد قال في آخر سماع ابن القاسم من كتاب التخيير: إن من طلق زوجته وهي حامل فأقام شهرا ثم بارأها على أن عليها رضاع ولدها فطالبته بنفقة ما مضى من الشهور. قال ابن

________________________________________

[ 296 ]

رشد: أما ما مضى قبل المبارأة فتبين أن ذلك لها كما قال، لانها قد وجبت عليه فلا تسقط عنه إلا بما تسقط به الحقوق انتهى، وانظر بقية المسألة فيه، وتقدم أيضا عن اللخمي في آخر

________________________________________

[ 297 ]

باب الصداق ما يدل أيضا على عدم سقوطه فتأمله والله أعلم. ص: (وعليه نفقة الآبق والشارد) ش: قال الشارح: مراده بالنفقة عليهما الاجرة انتهى. وأصله للمصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ونفقة الآبق والشارد على الزوج. ونصه: مراده بالنفقة الجعل على طلب الآبق والشارد وإلا فالنفقة عليهما مع الجهل بموضعهما أو عدم القدرة على تحصيلهما محال انتهى. قلت: ويمكن أن يقال: يصح أن يكون أيضا مراده النفقة عليهما في تلك المدة، فإنه لو أمسكهما إنسان وأنفق عليهما ليرجع على سيدهما فإنه إنما يرجع على الزوج كما أشار إليه ابن فرحون في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم ونصه: المراد بالنفقة الاجرة على الطلب وكذلك نفقتهما من وقت وجدانهما إلى حين وصولهما إلى الزوج انتهى. ص: (وكفت المعاطاة) ش: قال في التوضيح في شرح قوله الصيغة وهي كالبيع في الايجاب والقبول: هذا هو الركن الخامس وهو كالبيع في أنه لا بد من الايجاب والقبول، ولا يشترط أن يكون بصيغة خاصة بل تكفي المعاطاة قاله في المدونة. وإن أخذ منها شيئا فانقلبت وقال ذلك بذلك ولم يسميا طلاقا فهو خلع انتهى. وقال ابن الحاجب: إلا أن يقع معلقا منهما فلا يحتاج إلى القبول ناجزا. قال في التوضيح: قوله: منهما أي منه أو منها ولا يريد أنه وقع منهما جميعا انتهى. قال ابن عبد السلام: قوله: فلا يحتاج الخ إشارة منه إلى أن غير المعلق يحتاج إلى القبول ناجزا وهو كذلك كما في عقود المعارضة ما لم يعرض منهما عارض كالخيار وشبهه وتصريح منه بأن المعلق لا يحتاج إلى القبول ناجزا لانه يشبه تعليق الطلاق وقاعدة التعليق عدم اشتراط المناجزة بل الغالب أن التعليق قرينة في إرادة التأخير انتهى. ص: (وإن علق بالاقباض أو الاداء لم يختص بالمجلس إلا لقرينة) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن خالعها على أن تعطيه

________________________________________

[ 298 ]

ألف درهم فأصابها عديمة جاز الخلع واتبعها بالدراهم إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن

________________________________________

[ 299 ]

أعطته الآن تم الصلح فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع انتهى. ص: (وإن ادعى الخلع الخ) ش: قال في الجلاب: وإذا أقر الرجل أنه خالع زوجته على مال وأنكرته لزمه الطلاق ولم يكن له من المال الذي ادعى عليها شئ وكان القول في ذلك قولها مع يمينها إلا أن يذكر أنه اشترط عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت ذلك فلا يلزمه طلاق ولا يكون له مال انتهى.

________________________________________

[ 300 ]

فصل في شروط طلاق السنة ص: (فصل طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلا فبدعي) ش: خرج بقوله: بطهر الصغيرة واليائسة والمستحاضة الغير المميزة فلا طلاق بدعي فيهن، وأما المستحاضة المميزة للدم فطلاقها في الحيض بدعي. ونقل ابن الحاجب القول بأنها كغير المميزة وقبوله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح قال ابن عرفة: لا أعرفه. فرع: قال في مختصر الوقار: ويطلق اليائسة والتي لم تبلغ الحيض متى شاء وأفضل ذلك أن يستقبل بها الاهلة. ومن أراد طلاق زوجته وهو غائب كتب إليها إذا أتاك كتابي وأنت طاهر فاعتدي بطلقة فإن وافاها طاهرا فهي طالق، وإن وافاها حائضا فلا شئ عليه. انتهى من طلاق السنة منه والله أعلم. وقوله: بلا عدة نحوه لابن الحاجب فقال في التوضيح: احترز به من أن يطلقها في كل طهر طلقة انتهى. وعلل ذلك في التوضيح بأنه بمنزلة من طلق ثلاثا دفعة انتهى. وانظر هل مرادهم بالعدة خصوصية ما ذكر أو مطلق العدة حتى إنه لو كانت آيسة أو صغيرة وطلقها واحدة ثم طلقها بعد ذلك يكون طلاقا بدعيا. قال ابن الحاجب: فلا بدعة في الصغيرة والآيسة والمستحاضة غير المميزة إلا في العدة. قال ابن عبد السلام: لما ذكر الطلاق السني والبدعي أخذ يذكر محال كل واحد منهما، فبين أن البدعي لا يمكن دخوله في الصغيرة ولا في اليائسة ولا يريد بها من جاوزت المحيض أو بلغت السبعين بل هما مع التي لم تر الحيض في عمرها ومن في معناها. وبالجملة من عدتها بالاشهر ليست من هذا المعنى ولاجل ذلك شاركها في هذا الحكم المستحاضة غير المميزة لدم الحيض لان عدتها عام، ولما فقد الحيض في حقهن وفقد بسببه الطهر المقابل له وهو الذي يتقدم الحيض أو يتأخر عنه لا مطلق الطهر، انتفى في حقهن سببان من أسباب الطلاق البدعي ولم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة على الطلقة الواحدة انتهى. وكذلك قال أبو الحسن. وأما غير ذوات الاقراء فإنما يكون بدعة بالنظر إلى العدد انتهى. ويمكن أن يقال: بل المراد مطلق العدة، وما ذكر عن ابن عبد السلام وأبي الحسن لا يرده لان هذا من الزيادة على الواحدة ويظهر هذا من قول ابن

________________________________________

[ 301 ]

عبد السلام فانتفى في حقهن سببان. وأما قوله لم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة على الواحدة فإنما اقتصر على ذلك، ولو لم يقل بقي سببان لان السبب الرابع راجع إليه كما تقدم عن التوضيح في تعليل ذلك والله أعلم. ص: (وكره في غير الحيض) ش: لما ذكر تفسير طلاق السني والقيود المتعلقة به وذكر أنه متى عرا عن قيد منها فهو بدعي، أخذ يبين حكم الطلاق الخالي عن أحد تلك القيود فذكر أنه يكره إلا الواقع في الحيض فإنه يمنع. قال القاضي عبد الوهاب: حرام بالاجماع. وظاهر كلام المصنف أن الزائد على الواحدة مكروه، وسواء كانت اثنتين أو ثلاثا وهو ظاهر إطلاق المقدمات على ما نقله عنه الشارح في الكبير ونصه: قال في المقدمات: يكره إيقاع ما زاد على الواحدة. وقال اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه والثلاث ممنوع انتهى كلامه. والذي رأيته في المقدمات ما نصه: فصل: وكذلك لا يجوز عند مالك أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة فإن فعل لزمه انتهى. وقال في الشامل: وفي منع الثلاث وكراهتها كالاثنتين قولان انتهى. واقتصر في اللباب على القول بالتحريم قال: والثلاث حرام. ولفظ المدونة الكراهة. قال في أول طلاق السنة: ويكره أن يطلقها ثلاثا في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة فإن فعل لزمه انتهى. لكن قال الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم. وأما أبو الحسن فلم يتعرض لتبيين مراده. تنبيه: قال أبو الحسن في شرح كلام المدونة المتقدم صورته أن يقول لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق في مجلس واحد، فإن كان على غير هذه الصفة كما إذ قال لها أنت طالق ثلاثا في كلمة واحدة فقال عبد الحميد الصائغ: ثلاث تطليقات في كلمة أشد منه في ثلاث مجالس، وفي ثلاث مجالس أشد منه في ثلاثة أطهار، وكلما طلق من ذلك يلزمه انتهى. وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلقها في طهر مس فيه فهو مكروه وصرح بكراهيته في التوضيح. وقال في الشامل: وكره في طهر مس فيه. وقيل: يمنع انتهى. وقال في المقدمات: لما تكلم على حكم الحلف بالطلاق قال: ولانه قد يمنع حنثه به في حال الحيض أو دم النفاس أو في طهر قد مس فيه، وهذه أحوال لا يجوز إيقاع الطلاق فيها انتهى. فظاهر كلامه هذا أن طلاقه في طهر مس فيه لا يجوز، وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلق في كل طهر طلقة أنه مكروه، وظاهر لفظ المدونة المتقدم. وقال الرجراجي: والمذهب المشهور أن الذي عليه الجمهور أن ذلك لا يجوز انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة: فصل: ولا يجوز عند مالك أن يطلق عند كل طهر طلقة لانه عنده طلاق بدعة على

________________________________________

[ 302 ]

غير السنة. انتهى فتأمله والله أعلم ص: (ولم يجبر على الرجعة) ش: يعني في هذه الوجوه كلها. قال في التوضيح في شرحه: إذا طلق طلاق بدعة لم يجبر إلا في الحيض فقط لان الجبر على خلاف الاصل. انتهى من شرح قوله وإن طلق في الطهر الاول ص: (كقبل الغسل منه أو التيمم الجائز) ش: إنما شبه رحمه الله هذا بما قبله في كونه لا يجبر فيه على الرجعة فقط لا في كون الطلاق قبل الغسل مكروها، لان الطلاق حينئذ ممنوع. قال في التوضيح: وفهم من قول المصنف يعني ابن الحاجب لم يجبر على الرجعة منع الطلاق بعد الطهر وقبل التطهير وهو صحيح كما ذكرنا عن المدونة. وحكى ابن عبد السلام قولا بجواز الطلاق إذا رأت القصة قال، وهو الظاهر. انتهى من شرح قوله فإن طلق في الطهر الاول. وما ذكره عن المدونة هو قولها: ولا يطلق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء فإن فعل لزمه ولم يجبر على الرجعة انتهى. ونقله الرجراجي بلفظ: لا يجوز. وحمل الشارح كلام المصنف على أنه شبهه به في الكراهة وصرح بذلك في شامله فقال: وكره بين قصة وغسل على الاصح انتهى. ص: (ومنع فيه) ش: أي ومنع الطلاق في الحيض يريد وكذلك في النفاس كما صرح به في أوائل طلاق السنة من المدونة، وقاله ابن الحاجب وغيره. وما ذكره صاحب اللباب في كتاب الطهارة من أن الحيض يختص بمنع الطلاق مخالف للمذهب والله أعلم. ص: (وأجبر) ش: أي وأجبر على الرجعة وإنما حذفه لدلالة قوله أولا ولم يجبر على الرجعة ويعني أنه يجبر على الرجعة إذا طلق في الحيض يريد أو النفاس، سواء وقع منه الطلاق فيه ابتداء أو كان حلف به فحنث في الحيض والنفاس. وقاله ابن الحاجب. ويفهم من كلام المصنف أن الجبر مختص بالطلاق الرجعي وهو الصحيح. قاله في التوضيح وغيره. وسواء كان الرجعي طلقة واحدة أو اثنتين. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: فإن طلق في الطهر الاول حكم الاثنتين حكم

________________________________________

[ 303 ]

الواحدة والله أعلم. ص: (لآخر العدة) ش: قال ابن عرفة: وفي جبر من طلق في حيض أو نفاس طلاقا رجعيا ولو حنث ما لم تنقض العدة أو ما لم تطهر من الحيضة الثانية قولان: لها مع ابن الماجشون ولاشهب مع ابن شعبان انتهى. وما عزاه للمدونة هو في أوائل كتاب طلاق السنة. وفي المقدمات: ومن حلف بالطلاق فحنث وامرأته حائض أو في دم نفاسها فإنه يجبر على الرجعة كما يجبر المطلق في الحيض، والمطلق في الحيض يجبر ما لم تنقض العدة في مذهب مالك وجميع أصحابه خلافا لاشهب انتهى. ص: (وجاز الوطئ له) ش: قال في التوضيح: هذا هو الاصح وهو قول أبي عمران وقاسه على المتزوج هازلا لانه يلزمه النكاح وله الوطئ. قال في المقدمات: وهو الصحيح قياسا على من يجبر على النكاح من أب أو وصي أو سيد فيجوز للزوج الوطئ وإن غلب على النكاح انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم: من أمر بالرجعة من طلاق الحيض فراجع مريدا طلاقها وطئها. ابن رشد: هو المأمور به ولو ارتجعها كذلك ولم يصبها كان مضرا آثما انتهى. وقال في المقدمات: ولا يجوز له أن يراجع ليطلق وإنما يجوز له أن يراجع ليطأ انتهى. ص: (والاحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) ش: فلو أنه لما أجبر على الرجعة في الحيض طلقها في الطهر الاول الذي يلي الحيض الذي راجع فيه لم يجبر على الرجعة. ابن القاسم: وبئس ما صنع بخلاف ما لو لم يجبر على الرجعة حتى طهرت ثم طلقها ثانية فإنه يجبر على الرجعة. قاله ابن عرفة وابن عبد السلام. ص: (لان فيها جواز طلاق

________________________________________

[ 304 ]

الحامل) ش: وهو أحد القولين والقولان أيضا في تطليقها في دم وضعها ولدا وفي بطنها آخر. قاله ابن عرفة وفي التوضيح نحوه. ص: (لمنع الخلع) ش: هذا هو المشهور ومقابله جواز الخلع في الحيض وصدر به ابن الجلاب وعطف عليه المشهور بقيل. ص: (والطلاق على المولي) ش: ما ذكره هنا هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب اللعان، وصرح ابن عرفة وغيره بأنه المشهور. وما قاله المصنف هنا يخالف ما يأتي له في باب الايلاء في قوله: إن لم يمتنع وطؤها وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله مستوفى في محله. وفي ذلك الباب ذكر ابن عرفة أنه المشهور واعترض على ابن الحاجب وابن شاس والله أعلم. ص: (لا لعيب وما للولى فسخه أو لعسره بالنفقة كاللعان) ش: قال في آخر كتاب اللعان من المدونة: ومن

________________________________________

[ 305 ]

قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنا حتى تطهر، وكذا إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره والمرأة حائض فلا تطلق عليه حتى تطهر إلا المولي فإنه إذا حل الاجل وهي حائض فلم يفئ طلق عليه. وروى أشهب عن مالك أنها لا تطلق عليه حتى تطهر انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة ولا يطلق السلطان على من به جنون أو جذام أو برص أو عنة أو عجز عن النفقة وما أشبه ذلك مما يحكم فيه بالفراق في الحيض ولا في دم النفاس، وكذلك لا يلاعن بين الزوجين في الحيض ولا في النفاس، فإن فعل فقد أخطأ ولا يجبر في شئ من ذلك على الرجعة لانه طلاق بائن إلا في الذي يطلق عليه لعدم الانفاق فإنه يجبر على الرجعة إن أيسر في العدة. هذا الذي يلزم على أصولهم ولا أعرفه فيها رواية. وأما المولي فاختلف قول مالك هل يطلق عليه في الحيض أو لا على قولين. فإذا طلق عليه في الحيض على أحد قوليه فإنه يجبر على الرجعة تطلق عليه بالقرآن ويجبر على الرجعة بالسنة. وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن تطليق الامام على المجنون والمجذوم والمبروص إنما هي طلقة رجعية، وأن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض، ولو صحوا في العدة من أدوائهم لكانت لهم الرجعة وهو خلاف المعلوم من المذهب أن كل طلاق يحكم به الامام فهو بائن إلا المولي والمطلق عليه لعدم النفقة. فعلى قوله لو أخطأ الامام فطلق على أحدهم في الحيض لجبر على الرجعة إن صح من دائه. وأما العنين فلا اختلاف أن تطليق الامام عليه تطليقة بائنة لانه طلاق قبل الدخول لتقاررهما على عدم المسيس ثم قال: فصل: وأما كل نكاح يفسخ بعد البناء لفساده وإن فسخ بطلاق فإنه يفسخ عليه ما عثر عليه وإن كان ذلك في الحيض أو دم النفاس بخلاف ما كان في فسخه وإجازته خيار لاحد، وكذلك الامة تعتق تحت العبد لا تختار في الحيض، فإن فعلت لم تجبر على الرجعة لانها طلقة بائنة. وقد روى عيسى عن ابن القاسم ما يدل على أنها رجعية وهي رواية ابن نافع عن مالك، فعلى هذا يجبر على الرجعة إذا عتق في العدة ولا يملك أحد زوجته في الحيض، فإن فعل فلا تختار فيه وذلك بيدها حتى تطهر من حيضتها وإن انقضى المجلس. ولا يدخل في ذلك اختلاف قول مالك في مراعاة المجلس، وإن سبقت إلى الخيار في الحيض جبر زوجها على الرجعة فيما دون الثلاث انتهى. وقال اللخمي في طلاق السنة: قال محمد: ولا تطلق على المجنون والمجذوم والعنين ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس. قال الشيخ: وأرى إن أخطأ الحاكم وطلق حينئذ لم يلزم الطلاق بخلاف طلاق الزوج بنفسه، لان القاضي في هذا كالوكيل على صفة ففعل غير ما وكل عليه، ولانه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم

________________________________________

[ 306 ]

يطلق عليه أخرى إذا طهرت فيلزمه طلقتان، وفي هذا ضرر إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق لان الطلقة بائنة انتهى. ثم ذكر الخلاف في المولي وفسخ الفاسد وما فيه خيار كما ذكره ابن رشد. وما ذكره ابن رشد هو الظاهر لان المذهب أن فعل الوكيل كفعل الموكل. ولما ذكر في التوضيح كلام اللخمي المتقدم في شرح قول ابن الحاجب في طلاق السنة والقول قولها إنها حائض قال: وكلام اللخمي يقتضي أن الطلاق الذي يوقعه على المجنون والمجذوم رجعي وهو قول التونسي وهو خلاف أصل المذهب، ففي المقدمات ذهب التونسي ثم ذكر من كلام المقدمات المتقدم إلى قوله: وأما العنين. واقتصر الشارح في شامله هنا على كلام اللخمي فقال: لا لعيب وعسر بنفقة وما للمولى فسخه. اللخمي: وإن أوقعه الحاكم خطأ لم يقع إلا في العنين انتهى. مع أنه نقل في شرحه الكبير كلام ابن رشد المتقدم وأنه يقع بائنا ولا يجبر على الرجعة. وكذلك ابن عرفة ولم يذكر هنا إلا كلام اللخمي مع أنه قال في فصل الخيار للعيب وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور. ثم ذكر كلام ابن رشد وعزاه له في البيان في سماع ابن القاسم. ص: (وفي طالق ثلاثا للسنة إن دخل بها وإلا فواحدة) ش: قال في طلاق السنة من المدونة: ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن ساعة إذ كانت طاهرا أو حائضا أو بانت منه انتهى. قال الوانوغي في حاشيته: ما يعطيه هذا الكلام من التنافي يزيله من توغل في قواعد المذهب. قال المشذالي: ظهور التنافي بين الطلاق ثلاثا أو في الحيض وكونه سنيا، ويدفعه أن القاعدة إذا علق على محقق الوقوع أو غالبه وجب تنجيزه فكأنه هنا علقه على طهرها فوجب تنجيزه عليه في المسألتين انتهى. وما قاله المشذالي لا يزيل الاشكال

________________________________________

[ 307 ]

فيما يظهر لمن هو قصير الباع في قواعد المذهب مثلي، لان من طلق في كل طهر طلقة فليس هو من طلاق السنة على المشهور إلا أن يقال ألزمه الطلاق مراعاة لقول أشهب وغيره أن الطلاق الواقع على الصفة المذكورة طلاق سنة فيمكن ذلك فتأمله والله أعلم. فرع: وكذا تلزمه طلقة واحدة ويجبر على الرجعة إذا قال أنت طالق للسنة ولم يقل ثلاثا. قاله في طلاق السنة من المدونة ونقله ابن الحاجب وغيره. فرع: إذا قال أنت طالق إذا حضت الاولى وأنت طالق إذا حضت الثالثة وأنت طالق إذا حضت الخامسة، لا يقع عليه إلا طلقة لان ما زاد عليها لا يقع إلا بعد العدة. ولو طلقها واحدة ثم قال أنت طالق كلما حضت وقعت الثلاث، ولو قال أنت طالق إذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق وإذا حضت ثالثة فأنت طالق لزمه طلقتان الاولى وطلقة عجلت عليه. ابن أبي زيد: ووقعت الثالثة بعد انقضاء العدة بدخولها في الحيضة الثالثة. فصل في أركان الطلاق ص: (وركنه أهل ومحل وقصد ولفظ) ش: تبع رحمه الله ابن الحاجب وابن شاس في عد هذه أركانا للطلاق، ورده ابن عرفة بأنها خارجة عن حقيقته وكل خارج عن حقيقة الشئ غير ركن له، وجعل هو الاهل والمحل شرطين والقصد مع اللفظ أو ما يقوم مقامه سببين ونصه: وشرط الطلاق أهل ومحل والقصد مع لفظ أو ما يقوم مقامه من فعل أو إشارة سبب انتهى. ص: (وإنما يصح طلاق المسلم المكلف) ش: خرج بالمسلم الكافر. ومراده هنا إذا لم يتحاكموا إلينا. أما إن تحاكموا ففيه أربع تأويلات قدمها المصنف. ودخل في غير المكلف فاقد العقل قال ابن عرفة: طلاق فاقد العقل ولو بنوم لغو انتهى. قال اللخمي: والمعتوه كالمجنون انتهى. فرع: ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك وقال لم أعقل حلف ولا

________________________________________

[ 308 ]

شئ عليه. قاله مالك في الموازية وكذلك نقله عنه في العتبية إلا أنه قال: ثم صح فأنكر وزعم أنه لم يكن يعقل. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: ابن رشد: إنما ذلك إن شهد العدول أنه يهذي ويختل عقله، وإن شهدوا أنه لم يستنكر منه شئ في صحة عقله فلا يقبل قوله ولزمه الطلاق. قاله ابن القاسم في العشرة انتهى. هكذا نقل ابن عرفة تقييد ابن رشد. وأما الباجي فأبقاه على إطلاقه. قاله ابن عرفة وهذا الفرع غير الفرع الذي يأتي في كلام المصنف ص: (ولو سكر حراما) ش: قال في التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه إلا قرارات والعقود. قال في البيان: وهو قول مالك وعامة أصحابه وأظهر الاقوال ثم قال: وعلى المشهور من عدم إلزامه بالنكاح فقال في البيان: اختلف إن قالت البينة أنها رأت منه اختلاطا ولم تثبت الشهادة بسكره على قولين: أحدهما وهو المشهور أنه يحلف ولا يلزمه النكاح، والثاني أنه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح ثم قال: وحمل في البيان قول مالك لا أرى نكاح السكران جائزا. وقول سحنون لا يجوز بيعه ونكاحه وهبته وصدقته على معنى أنه لا يلزمه ذلك وله أن يرجع عنه قال: ولا يقال في شئ من ذلك على مذهب مالك أنه غير منعقد وإنما يقال غير لازم. وكلام ابن شعبان يدل على أن عقوده غير منعقدة لانه جعل بيعه من الغرر ثم قال: إذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا لقوم وإذا أبت عتق عبيده في مرضه فقال صاحب البيان: الصحيح على مذهب مالك إن مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية، وإن صح من مرضه نفذ عليه العتق ولزمه وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر انتهى. هذا زبدة كلامه في التوضيح وهنا قال فيه: واعلم أن اصطلاحه في الجواهر إذا أراد. الباجي: قال القاضي أبو الوليد: وإذا أراد. ابن رشد: قال قال الشيخ أبو الوليد قال: وقد التبس هذا على المصنف - يعني ابن الحاجب - فنسب للباجي ما لا بن رشد وذلك في سبعة مواضع: هنا وفي القراض وفي المزارعة وفي الوقف، وخامسها في الاقضية، وسادسها في الشهادات، وسابعها قوله بإثر هذه المواضع انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (وهل إلا أن يميز أو مطلقا تردد)

________________________________________

[ 309 ]

ش: الكلام بإثبات لا ظاهر والتردد يشير به لخلاف ابن رشد والمازري واللخمي، وأما على إسقاط لا فيشكل الكلام لانه يصير الاستثناء من مقابل المشهور المفهوم من لو ويشير حينئذ بالتردد لخلاف ابن بشير والمازري واللخمي والله أعلم. ص: (وطلاق الفضولي كبيعه) ش: قال البساطي: وتكون العدة من يوم إجازة الزوج فلو أمضى الطلاق وكانت حاملا ثم ولدت خرجت من العدة ولو وضعت ثم أمضى استأنفت انتهى بالمعنى. تنبيهان: الاول: سيأتي في البيوع عن القرافي في بيع الفضولي أن ظاهر كلام عياض عدم جواز الاقدام عليه، وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز، فانظر على قولهم إن طلاق الفضولي كبيعه هل حكم الطلاق حكم البيع في جواز الاقدام عليه وعدم جواز الاقدام أم لا ؟ والله أعلم. الثاني: قال في المسألة السابعة في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الايمان بالطلاق في الذي يقول لغارمه عليك الطلاق أو امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم فيحنثه فيقول أردت واحدة ويقول صاحب الحق ثلاثا: القول قول صاحب الحق. وفي سماع عبد الملك أن القول قول الغريم. قال ابن رشد: هذان القولان على اختلافهم في اليمين هل هي على نية الحالف أو المحلوف له انتهى. فعلم من هذا أنه لو طلق عليه غير غريمه لكان القول قول الزوج بلا خلاف والله أعلم. ص: (ولزم ولو هزلا) ش: قال ابن عرفة: وهزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه. الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: من قال لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله فقالت فارقتك إن شاء الله وهما لاعبان لا يريدان طلاقا، لا شئ عليهما وتحلف، وإن أراد الطلاق على اللعب لزمه انتهى. ويلحق بالطلاق النكاح والعتق والرجعة والمشهور اللزوم. قاله ابن عبد السلام قال: ومن فروع هذا الباب إذا قال زوجني وليتك فقال زوجتها من فلان، وتقدم الكلام على ذلك في أول باب النكاح والله أعلم. ص: (لا إن سبق لسانه في الفتوى) ش: قال ابن عرفة: سبق لسانه لغو إن ثبت وإلا ففي الفتيا

________________________________________

[ 310 ]

فقط انتهى. ص: (أو لقن بلا فهم) ش: أما لو فهم العجمية وطلق بها لزمه. قال في المدونة: ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجمية. قال ابن ناجي: قال أبو إبراهيم: يؤخذ منها أن الترجمان لا يكون أقل من عدلين انتهى. ص: (أو قال لمن اسمها طالق يا طالق) ش: ويقبل قوله في الفتيا والحكم. قاله ابن عبد السلام وابن فرحون والله أعلم. ص:

________________________________________

[ 311 ]

(أو في فعل) ش: يعني إذا حلف لا يفعل فعلا فأكره على فعله فلا حنث عليه. قال القرافي في الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: فإذا زال الاكراه ففعله مرة أخرى بعد الاكراه حنث، ولو أكره على ابتداء الفعل وأمكنه تركه فتمادى عليه حنث بالتمادي. انتهى وقاله غيره. فرع: قال ابن عرفة في كتاب الايمان قبل الكلام على الكفارة: وفي حنث من حلف لا فعل غيره كذا ففعله مكرها نقل المجموعة عن رواية ابن نافع في لا خرجت زوجته. وعن سحنون: من قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فأكرهها غيره على دخولها لم يحنث، ولو أكرهها هو خفت أنه رضي بالحنث وفي كون المعتبر في حصوله غلبة الظن به أو اليقين الذي

________________________________________

[ 312 ]

لا يشك فيه. نقل ابن محرز عن المذهب وسماع عيسى ابن القاسم مع الشيخ عن محمد انتهى. مسألة: قال البرزلي في مسائل الايمان في أوائله بنحو الكراس: لو حلف لزوجته على

________________________________________

[ 313 ]

عدم الخروج فخرجت قاصدة لحنثه، فالمشهور أنه يحنث. وحكى ابن رشد عن أشهب أنه لا يحنث معاملة لها بنقيض المقصود ومال إليه بعض أصحابنا لكثرته من النسوة في هذا الوقت انتهى ص: (وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويلحق بقذف المسلم سب أصحابه عليه الصلاة والسلام انتهى. ص: (لا قتل المسلم وقطعه وأن يزني) ش: قال في آخر معين الحكام: ومن هدد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أو يأخذ ماله أو يزني بامرأته أو يبيع متاع رجل فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصى وقع ذلك به، فإن فعل فعليه القود وغرم ما أتلف ويحد إن زنى ويضرب إن ضرب ويأثم انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من القسم الثالث: ومن أكره على قتل ولده أو أخيه والقاتل وارثه، فإن فعل ذلك يمنع الارث ولا يدفع عنه القود. تنبيه: قال عبد الملك: قالوا: وكذلك لو استكره على أن يزني وحمل السيف على رأسه وأقيم عليه الحد ووجب عليه الاثم، وليس هذا من الاكراه الموضوع عن صاحبه وإنما الموضوع عن صاحبه إثم ما ركب بالاستكراه في الايمان والطلاق والبيع والافطار في رمضان وشرب الخمر وترك الصلاة وأشباه هذا مما هو لله تعالى اه‍. وقال في التوضيح: الصحيح جواز شرب الخمر وأكل الخنزير إذا أكره عليه اه‍. فرع: قال في معين الحكام إثر كلامه السابق: من أكره على قطع يد رجل فأذن له في ذلك المقطوعة يده طائعا لم يسعه أن يفعل، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ولا على من أكرهه. ولو أذن صاحب اليد مكرها بوعيد أثم القاطع وعليه الادب والحبس. ثم قال:

________________________________________

[ 314 ]

مسألة: من أكره على قتل رجل فأذن لرجل في قتل نفسه ففعل المكره فهو آثم ولورثة القتيل القصاص، وليس على من أكره إلا الادب. ووقع لابن عبد الحكم خلاف هذا وأنه لا قود في النفس ولا في الاطراف. انتهى باختصار يسير والله أعلم. ص: (وفي لزوم طاعة أكره عليها قولان) ش: اعلم أن الاكراه على اليمين تارة يكون على أن لا يفعل في المستقبل أو على أن يفعل في المستقبل أيضا فهذا قال فيه في التوضيح: إن كان على معصية أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا تلزم اليمين، وإن كان على طاعة ففيه قولان. مثال ما هو على معصية أن يحلفه الظالم بالطلاق مثلا أن لا يصلي وأن يشرب الخمر فيصلي ولا يشرب الخمر فلا يحنث. ومثال ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه مثلا أن لا يدخل السوق أو أن يدخل السوق فيدخل أو لا يدخل فلا يحنث أيضا. ومثال ما هو طاعة مثل أن يحلفه أن لا يشرب الخمر أو أن يصلي فيشرب الخمر ولا يصلي ففي الحنث قولان. وتارة يكون الاكراه على أن يحلف أنه ما فعل في الماضي أو " أنه فعل، وهذا أيضا يكون على معصية ويكون على ما ليس بطاعة ولا معصية ويكون على طاعة. مثال الاول أعني ما هو على معصية مثل أن يحلفه بالطلاق أنك ما صليت اليوم وإلا قتلتك ويكون المحلف - بكسر اللام - أمره بعدم الصلاة أو أنك ظلمت فلانا ويكون المحلف أمر الحالف بظلم فلان ويكون الحالف لم يظلم فلانا ويكون صلى، فهذا إذا تحقق الاكراه لا كلام أنه لا يلزمه شئ. ومثال الثاني أعني ما ليس بطاعة ولا معصية، أن يحلفه على أنه ما دخل السوق أو أنه دخل ويكون الحالف حالف في الوجهين، فالظاهر أيضا لا تلزمه اليمين لانه إذا كان إذا أكره على اليمين على أن لا يفعل أو يفعل في المستقبل ما ليس بطاعة ولا معصية لا حنث عليه فأحرى أنه لا حنث عليه إذا أكره على أن يحلف أنه ما فعل أو فعل ما ليس بطاعة ولا معصية، لانه في الاول إنما أكره على اليمين فقط، وأما الحنث فإنما فعله هو باختياره فهو أدخل الحنث على نفسه وهنا أكره على أن يحلف بيمين هو كاذب فيها والله أعلم. ومثال الثالث أعني ما هو على طاعة مثل أن يحلفه أنه صلى أو أنه ما ظلم فلانا أو أنه ما اغتاب فلانا، ويكون الحالف صلى أو يكون ظلم أو اغتاب، فالظاهر أنه يدخل فيه الخلاف الذي فيما إذا حلف على أن لا يفعل في المستقبل أو يفعل في المستقبل كما تقدم، لانه إذا

________________________________________

[ 315 ]

اختلف في هذا وهو الذي أدخل الحنث على نفسه وإنما أكره على اليمين فقط فأحرى أن لا يحنث في مثالنا لانه لم يتعمد الحنث وإنما أكره على أن يحلف يمينا هو فيها حانث كما تقدم في المثال الثاني والله أعلم. هذا من جهة البحث، وأما النقل فالذي رأيته يدل على ما تقدم. قاله في كتاب الايمان من النوادر ونصه: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من حلف على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب في يمينه فهو حانث ولا ينفعه التقية ها هنا. قال ابن المواز: كأنه غصب شيئا أو فعل أمرا وحلف ما فعله، قال مالك فيمن طولب ليقتل ظلما فخباه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده قال: قد أجر وطلقت عليه امرأته. وقال أشهب: لا شئ عليه والمكره على اليمين لا تلزمه وكذلك المكره على الحنث، يريد أشهب إن خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن انتهى. فقول أشهب يحتمل أن يكون خلافا في الثانية فقط وفيها أو في الاولى، وكونه فيها وفي الاولى أولى لنقل البرزلي عن السيوري عدم اللزوم ونصه على ما ذكره البرزلي في مختصره: وسئل السيوري عمن قال له رجل شرير تكلمت في فلان فأنكر فحلفه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك فحلف وقال قد خفت وقد قلت بعض القول وجاء مستفتيا وكانت يمينه بالثلاث فما الحكم ؟ فأجاب: إن كان يخاف ممن ذكرت خوفا لا يشك فيه ويثبت له أنه يخاف العقوبة البينة في ذلك فلا يحنث إذا دفع عن نفسه تلك العقوبة. انتهى من مسائل الطلاق. فهذان القولان يدلان على جريان الخلاف في المسألة هنا في الاكراه على اليمين، وأما الاكراه على الحنث فلا يتصور إلا إذا كانت اليمين على مستقبل، والمشهور حينئذ أنها إن كانت على بر فلا حنث، وإن كانت على حنث فالحنث والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. ص: (كإجازته كالطلاق طائعا والاحسن المضي) ش: قال في آخر معين الحكام: مسألة: ومن أكره على طلاق زوجته أو عتق عبده ثم أجاز ذلك آمنا لزمه. قيل لسحنون: ولم ألزمته ذلك ولم يكن ليعقد عليه طلاق ولا عتق وإنما ألزم نفسه ما لم يلزمه ؟

________________________________________

[ 316 ]

قال: وإنما ألزمته لاختلاف الناس لان من العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه. تنبيه: ظاهر هذا أن العدة وأحكام الحرية تكون من يوم وقع الطلاق والعتق بالاكراه. انتهى كلامه. ص: (عقبه) ش: وفي بعض النسخ: عقيبه بإثبات الياء ص: (وعليه النصف إلا بعد ثلاث على الاصواب ولو دخل فالمسمى فقط كواطئ بعد حنثه ولم يعلم) ش: قال

________________________________________

[ 317 ]

في الايمان بالطلاق منها: ومن قال كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق فتزوج منها فدخل فعليه صداق ونصف واحد لا صداق ونصف كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر الاول الذي سمى انتهى. قال ابن عرفة: وفيها مع غيرها كل حنث لزم لتعلقه بجزء لم يتكرر بتكرر تزويجه إلا بلفظ يقتضي تكرره، وإن علق بكلي تعلق في أشخاص أفراده تكرر بتكرر

________________________________________

[ 318 ]

تزويجه لتعلق الطلاق في الاول بالذات وهي محل الحكم، وفي الثاني بالوصف وهو علة الحكم انتهى. ص: (أو آخر امرأة) ش: قال اللخمي: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق لزمه لانه أبقى ما بعد الاولى ولا يحنث إلا في امرأة واحدة. انتهى من كتاب الايمان بالطلاق. وانظر هل لا يبر هنا أيضا إذا تزوج بغير نسائه كما قال المصنف في الايمان إذا حلف ليتزوجن على امرأته أنه لا يبر بغير نسائه أولى والظاهر أنه كذلك. قال في النوادر في كتاب الايمان: ومن حلف ليتزوجن من أهل مصر فتزوج نصرانية أو ذمية فلا يبر حتى يتزوج بنكاح مثله انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق ثم قال بعد ذلك آخر امرأة أتزوجها طالق، انعقدت اليمين فيهما جميعا. فإن تزوج امرأة طلقت لانها أول امرأة، وإن تزوج

________________________________________

[ 319 ]

ثانية كانت اليمين منعقدة فيها لانه قادر على أن يتزوج أخرى وتحل الثانية انتهى. فأطلق في كلامه فظاهره جواز ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم) ش: اعلم أن للمسألتين صورتين: الاولى فيما لا يمكن تكرره مثل أن يحلف لغريمه بطلاق زوجته ألبتة ليقضينه إلى أجل سماه فيصالح زوجته قبل الاجل ثم يراجعها بعد مضي الاجل فلا حنث عليه. والثاني أن يكون يمكن تكرره فلا يقع الحنث بما فعلته حال البينونة ويحنث بما فعلته بعدها، كما لو حلف بطلاقها أن لا تدخل دار فلان فأبانها ثم دخلت ثم راجعها فلا حنث عليه، فإن دخلت الدار مرة ثانية بعد مراجعته حنث، فلو تزوجها مرة ثانية بعد الحنث ثم دخلت لم يتكرر عليه الحنث. ذكر ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي ابن عرفة وغيره. وقال القرافي في آخر الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: وإذا قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته طالق فخالف ودخل، عتق عبد من عبيده وطلقت امرأته طلقة واحدة، فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى. ثم قال: ومثل ذلك إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وهم وكلم زيدا لم يلزمه بهذا الكلام طلاق، فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله اه‍. وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من الايمان بالطلاق: وسئل مالك عن رجل يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن خرجت إلى بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها فخرجت مرة فضربها، هل ترى عليه شيئا إن هي خرجت ؟ قال: لا إلا أن يكون نوى ذلك. ابن رشد: هذه مسألة موافقة لما في كتاب النذر من المدونة من أن من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه حنث ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة. وموافقة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا وأول سماع أشهب من النذور وأول رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة حاشا مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور انتهى. ونص ما في سماع أبي زيد: مسألة: وسئل عن رجل قال لا مرأته أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة فدخلت ثم ضربها مائة ثم دخلت مرة أخرى قال: لا شئ عليه إلا أن يكون نوى أن يضربها كلما دخلت. ابن رشد: هذه مسألة مضت في رسم شك من سماع ابن القاسم.

________________________________________

[ 320 ]

ونص ما في أول سماع أشهب من النذور قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع عمن أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لاضربنك فعاد فأبق ولم يضربه ثم عاد فأبق له فضربه، أتراه خرج عن يمينه ؟ قال: لا أراه وقت وقتا وأرى ذلك قد أخرجه عن يمينه إذا ضربه الضرب الذي حلف عليه ضربا لا عذاب ولا دون. ابن رشد: هذا خلاف مسألة الوتر. ونص ما في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. مسألة: سئل مالك عن رجل قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها فطلقت منه بواحدة ثم ارتجعها ثم بات عنها بعد ذلك ليالي وقال لا شئ عليه إلا الاولى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير مسألة من العتبية حاشا مسألة الوتر انتهى. وانظر الرسم الاول والثاني من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق. ونص مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور. مسألة: وسئل عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر، أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا أم قد أجزأ عنه الامر الاول ؟ قال: ذلك إلى ما نوى وهو أعلم بما أراد به من ذلك، وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني ولكن ما يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الاشياء إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه، وما يريد أحد في مثل هذه الاشياء مرة واحدة ولا أن ينويه. قال ابن رشد: هذه الرواية مخالفة لما في المدونة من ذلك مسألة من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام، ومخالفة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك أول مسألة من سماع أشهب ثم قال: وهذا الاختلاف جار على اختلاف الاصوليين في الامر المقيد بصفة هل يقتضي تكراره بتكرار الصفة أم لا. فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة لانه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر إلا أن ينوي مرة واحدة. قال: وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الاشياء، ومسائل المدونة والعتبية التي ذكرناها على القول بأن الامر لا يجب تكراره بتكرار الصفة لانه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به إلا أن ينوي ذلك وبالله التوفيق انتهى. ص: (ولو نكحها ففعلته حنث إن بقي من العصمة المعلق فيها شئ) ش: قال في كتاب النكاح الاول من المدونة: وإن تزوجها على شرط يلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة وانقضت عدتها ثم تزوجها عاد عليه الشرط في بقية طلاق الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني

________________________________________

[ 321 ]

أنه إنما نكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شئ لم ينفعه ذلك انتهى. وقد سألت عن رجل زوج ابنته وهي صغيرة من رجل بصداق فقال له الزوج أخشى أنها تموت وتطلق مني المهر قال أبو الزوجة زوجته طالق إن طالبتك من صداقها بشئ، ثم إن أبا الزوجة طلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ثم ماتت البنت، فهل له مطالبته بالصداق وهل يلزمه الحنث أم لا ؟ فأجبت بما صورته لوالد الزوجة المتوفاة مطالبة الزوج ولا حنث عليه لان هذه عصمة جديدة والله أعلم. فرع: إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا ثم طلق تلك الزوجة أو ماتت ثم تزوج غير تلك الزوجة ثم فعل ذلك الفعل فلا حنث عليه من باب أولى والله أعلم. ص: (كالظهار) ش: يعني إذا علق الظهار على أمر ففعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزمه شئ، ولو نكحها ففعلته لزمه ما دامت العصمة المعلق فيها، فإن طلقها ثلاثا ثم تزوجها سقط حكم الظهار المعلق. وأما لو وقع المعلق عليه وهي في عصمته ولزمه الظهار أو ظاهر من غير تعليق ثم

________________________________________

[ 322 ]

طلقها ثلاثا لم يسقط الطلاق الثلاث الظهار. وسيقول المصنف في باب الظهار: وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث ص: (لا محلوف لها) ش: قال ابن غازي: يريد أو عليها مثال المحلوف لها: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق فتلزمه اليمين في التي يتزوجها عليها ولو كان ذلك بعد أن طلقها ثلاثا وتزوجها بعد زوج. هذا الذي ارتضاه المصنف وغيره خلاف ما شهره ابن الحاجب في هذه المسألة وهو قوله في كتاب الايمان بالطلاق: ومثال المحلوف عليها إذا قال زينب طالق إن وطئت عزة، فعزة محلوف عليها فتلزمه اليمين فيها ما دامت زينب عنده، ولو طلقها أعني عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ما دامت زينب عنده، فإذا علم ذلك فالذي يختص فيها الطلاق بالعصمة هي المحلوف بها مثل زينب في المثال الثاني، ومثل قوله إن

________________________________________

[ 323 ]

دخلت الدار فأنت طالق وإن أكلت الرغيف فأنت طالق ونحو ذلك ص: (وفي ما عاشت مدة حياتها إلا لنية كونها تحته) ش: نحوه في الايمان بالطلاق وفي حاشية المشذالي في هذه المسألة قال: قالوا فيمن اشترى طستا وأشهد لامرأته أن تنتفع به حياتها ثم طلقها وقال أردت ما بقيت عندي حلف وأخذه. ص: (ولو علق عبد الثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت واثنتين بقيت واحدة) ش: قال ابن عرفة: المعتبر في قدر الطلاق حال المطلق يوم نفوذه لا يوم عقده. ابن سحنون عن أبيه وأشهب: إن قال عبد إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له طلقتان انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولو قال العبد أنت طالق إن فعلت كذا ثم عتق ثم حنث فهذه تبقى عندي على تطليقتين وإنما يراعي يوم الحنث كما قال إن فعلت كذا فأنت حر ففعله في مرضه فإنما هو في ثلثه انتهى. ص: (كما لو طلق واحدة ثم عتق) ش: يعني أنه تبقى له واحدة، وهذا والله أعلم ما لم يثبت أنه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي اثنتان كما قال ابن القاسم: لو طلقها طلقتين ثم ثبت أنه أعتق قبل طلاقه وله الرجعة إن لم تنقض العدة وإن انقضت فقد بقيت له فيها طلقة إن تزوجها، وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان أم لم يعلم إذا لم ينو البتات أو يلفظ بألبتة كمن طلق طلقة وظن أنها تحرم عليه فلا يلزمه إلا واحدة، ولا يلزم ذلك إلا من عرف أن له الرجعة إن نوى بها في قلبه ألبتة، فأما من ظن ذلك فلا يضره، وكذلك الامة تعتد حيضتين ثم يثبت أنها عتقت قبل ذلك فلتتم عدة الحرة، وإن نكحت قبل ذلك فسخ النكاح وواطئها واطئ في عدة، وسواء ثبتت حريتها بعتق أو أصل حرية. انتهى من ابن عبد السلام ومنه قال ابن المواز: وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار

________________________________________

[ 324 ]

كالحر من يومئذ في طلاقه. انتهى والله أعلم ص: (ولو علق طلاق زوجته المملوكة لابيه على موته لم ينفذ) ش: ابن عرفة: قلت: ما لم يمت مرتدا. انتهى ص: (ولفظه طلقت أو أنا طالق أو أنت) ش: لو قال أنت طالقا بالنصب أو أنت طالق بالخفض لزمه. قاله القرافي في الفرق الحادي والستين والمائة وقريب منه فرع قاله في الجواهر ونصه: ولو قال أنت طالق إن لم أطلقك أو أن طلقتك بفتح الهمزة فيهما فهو للتعليل فيقع في الحال إلا إذا لم يعرف اللغة فهو كالتعليق انتهى. وذكر البرزلي عن الرماح في أوائل مسائل الطلاق أن من قال لزوجته أنت طالق ولم ينطق بالقاف يجري على الخلاف في الطلاق بالنية. مسألة: لو قال غدا أطلق زوجتي فجاء غد ولم يطلق فلا شئ عليه. البرزلي: هذا بين على أن الوعد لا يقضى به في العطيات وعلى أنه يقضى به ففيه نظر هنا انتهى. ص: (كاعتدي وصدق في نفيه إن دل البساط على العد) ش: العد مصدر عددت الشئ أعده

________________________________________

[ 325 ]

ويشير بهذا الكلام لقوله في المدونة في كتاب التخيير والتمليك: وإن قال لها كلاما مبتدأ اعتدي لزمه الطلاق. وسئل عن نيته كم نوى واحدة أو أكثر، فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: كاعتدي يعني أنه كما تلزم واحدة إلا لنية أكثر في مطلقة وطالق كذلك في اعتدي. ثم قال في المدونة: فإن لم يرد به الطلاق وكان جوابا لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحو ذلك فلا شئ عليه، وإلى هذا أشار بقوله: وصدق في نفيه إن دل البساط على العد. وقال قبله وفي المدونة: وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي أو قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة، بنى بها أولا، وإن قال أنت طالق اعتدى لزمته طلقتان إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة انتهى. وقال أبو الحسن قال ابن القاسم في المجموعة: إذا قال أنت طالق واعتدي فهي طلقتان ولا ينوي، وإن قال أنت طالق اعتدي لزمه طلقتان إلا أن ينوي واحدة. وقال قبله: روي عن الحسن فيمن قال لزوجته أنت طالق فاعتدي لزمته واحدة. ابن يونس: وما قاله صواب. انتهى بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى والله أعلم. ص: (أو كانت موثقة وقالت أطلقني) ش: هذه مسألة

________________________________________

[ 326 ]

أخرى غير المسألة التي قبلها مصدرة بأو العاطفة وجعلهما الشارحان مسألة واحدة لانهما جعلا الالف التي قبل الواو من تتمة الكلمة التي قبلها على أنها من باب العداء بالمد الذي هو مجاوزة الحد والظلم كما قاله في الصحاح، ولم يجعلاه من باب العد الذي هو مصدر عددت الشئ كما قدمناه، ومعنى كلام المصنف أنه يصدق في نفي الطلاق إذا كانت موثقة وقالت أطلقني فقال لها أنت طالق. قال في التوضيح: ولا خلاف أنه يدين. وظاهر كلامه - يعني ابن الحاجب - أنه لا فرق بين أن تكون هناك بينة أم لا. انتهى والله أعلم. وانظر المسألة في سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق. ص: (والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها كالميتة والدم الخ) ش: يريد أنه ينوي في التي لم يدخل بها ولا ينوي في المدخول بها. قال في كتاب التخيير من المدونة قال مالك: وإن قال لها أنت علي كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير فهي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق انتهى. ابن يونس عن ابن المواز: هذا بعد البناء، وأما قبله فإن قال أردت واحدة فله نيته ويحلف وإن لم يكن له نية فالثلاث انتهى. وقال أبو الحسن: له نيته ولم يذكر اليمين ثم قال في المدونة: وإن قال لها أنت خلية أو برية أو بائنة قال مني أو أنا منك أو لم يقل أو وهبتك أو رددتك إلى أهلك - قال عبد العزيز - أو إلى أبيك، فذلك في

________________________________________

[ 327 ]

المدخول بها ثلاث ولا ينوي فيما دونها قبل الموهوبة أهلها أوردوها وله نية في ذلك كله إذا لم يدخل بها في واحدة فأكثر منها، وإن لم تكن له نية فذلك ثلاث. انتهى. قال في المنتقى: فرع: فإذا قلنا ينوي في غير المدخول بها ولا ينوي في المدخول بها، فلو حلف قبل البناء وحنث بعده ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالحلال عليه حرام قبل البناء وحنث بعده ونوى واحدة وقامت بينة بالحنث بعد البناء لا ينوي لانه يوم الحنث ممن لا

________________________________________

[ 328 ]

ينوي، ووجه ذلك أن اليمين إنما تنعقد ويقع الطلاق بها يوم الحنث فيجب أن يراعى صفة ما يلزمه من الطلاق ذلك اليوم. قال ابن سحنون: وقد قال بعض أصحابنا: إلا أن تعلم ذلك منه البينة قبل البناء فلا يلزمه إلا طلقة وله الرجعة، وقال سحنون: إذا حلف قبل البناء بالحرام أو الخلية أو البرية ثم حنث بعد البناء فقال نويت واحدة فله ذلك وله الرجعة. ووجهه أن الاعتبار باليمين يوم أوقعها لا يوم الحنث بدليل أنه إن كان يوم اليمين بصفة من لا تلزمه

________________________________________

[ 329 ]

يمينه لم تلزمه يمينه، ولو كان يوم اليمين بصفة من تلزمه الايمان وكان يوم الحنث بصفة من لا تلزمه الايمان لذهاب عقل أو غيره لزمته اليمين انتهى. وقال في الشامل: ولو حلف قبل البناء بحرام أو خلية أو برية ثم حنث بعده فالاحسن ثبوته. انتهى. ص: (ونوي فيه وفي عدده في اذهبي وانصرفي) ش: هو كقول ابن الحاجب فتقبل دعواه في نفيه وعدده. قال في التوضيح: قوله: في نفيه أي إذا ادعى أنه لم يرد الطلاق قبل منه. ابن القاسم في الواضحة: ويحلف في ذلك كله. وكذلك نص عليه في المدونة أي على الحلف في أنت سائبة أو عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام اه‍. وظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أنه إن لم تكن له نية لزمه الطلاق وليس كذلك بل لا يلزمه طلاق إلا إذا قصد الطلاق. انظر التوضيح والتخيير من المدونة. وقوله: وفي عدده فانظر إذا لم تكن له نية. نص في التوضيح على أنه يلزمه الثلاث. نقله عن أصبغ ولم يحك فيه خلافا وحكاه في الشامل بقيل فظاهر كلامه أن الصحيح خلافه. وقال ابن عرفة بعد أن نقل كلام أصبغ عن ابن أبي زيد وابن حبيب. قلت: في قبولهما إياه نظر، لانه إن دل على الثلاث بذاته لم يفتقر لنية الطلاق، وإن لم يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ ولفظ الطلاق لا يوجب بنفسه عددا انتهى. ونقله عنه البرزلي في مسائل الطلاق بعد أن نقل عن الرماح أنه إنما يلزمه واحدة. ونقل كلام أصبغ ثم

________________________________________

[ 330 ]

قال: كان شيخنا الامام يقول فيه نظر، لانه إن دل على الثالث بذاته لم يفتقر لنية الطلاق، وإن لم يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ وهو يوجب مطلق الطلاق وهو واحدة حتى ينوي أكثر، وكذلك هذا وبه كان يفتي رحمه الله إلى أن توفي وهو الواقع في هذا الجواب اه‍. وقال في آخر مسألة من سماع عيسى من الايمان بالطلاق في الذي يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها فلا شئ عليه، وكذلك إن قال إن اشتريتك فأنت حرة فيتزوجها فلا شئ عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لان الطلاق ليس من ألفاظ الحرية والحرية ليست من ألفاظ الطلاق. فإذا قال الرجل لامرأته أنت حرة فلا تكون طالقا إلا أن يكون أراد بذلك الطلاق، وإذا قال لامته أنت طالق فلا تكون حرة إلا أن يريد بذلك الحرية. واختلف إذا قال لامرأته أنت حرة مني ففي الثمانية أنها طالق ألبتة وإن لم ينو الطلاق. وفي التخيير منها لابن شهاب أنه يحلف ما أراد الطلاق ولا يلزمه اه‍. ص: (ودين في نفيه إن دل بساط عليه) ش: قال في التخيير والتمليك من المدونة: وإن قال لها أنا خلي أو بري أو بائن أو بات قال منك أو لم يقل، أو قال أنت خلية أو برية أو باتة أو بائنة قال مني أو لم يقل إلا أنه قال في هذا كله لم أرد طلاقا، فإن تقدم كلام من غير طلاق يكون هذا جوابه فلا شئ عليه ويدين وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته انتهى. وقال في رسم باع غلاما من كتاب الايلاء: فإن جاء مستفتيا لم يلزمه طلاق ولا يمين، وإن خاصمته امرأته وأثبتت عليه أنه قال لها ذلك في العتاب استظهر عليه باليمين، ولو قال ذلك من غير عتاب لبانت منه امرأته بثلاث. انتهى. ص: (أو على وجهك) ش: تقديره كما قال ابن غازي وجهي على وجهك حرام. فقوله: على وجهك

________________________________________

[ 331 ]

جار ومجرور متعلق بحرام، وقد رأيتها في بعض النسخ المصححة كذلك، وما يوجد في بعض النسخ من تشديد ياء علي فيكون وحده جارا ومجرورا ورفع وجهك على أنه مبتدأ خبره قوله: بعد حرام خطأ من الناسخ لانه يصير حينئذ محرما لجزء منها. وقد قال في التوضيح في شرح هذه المسائل: ولو أضاف التحريم إلى جزء من أجزائها فحكمه كالطلاق يلزمه في اليد والرجل ويختلف في الشعر والكلام ولا يلزمه في السعال والبصاق. انتهى. ولا يريد بقوله يلزمه في اليد والرجل خصوصهما فقط فقد صرح بعد هذا أنه لو طلق عضوا منها وقال: إن الاحسن من القولين لزومه في الشعر والكلام. وفي الشامل: ولو أضاف التحريم إلى جزئها

________________________________________

[ 332 ]

فكالطلاق. انتهى. ص: (أو حرام علي) ش: أي قال هذا اللفظ ولا يريد أنه قال الحلال حرام علي، لانه قد تقدم في الايمان أن من قال الحلال علي حرام يلزمه التحريم في الزوجة إلا أن يحاشيها. ولا فرق بين أن يقول الحلال علي حرام أو الحلال حرام علي. أما الاولى فحكمها واضح، وأما الثانية فقد نقل الشارح هنا عن ابن المواز أن حكمها كذلك يلزمه في الزوجة ما لم يحاشها. وفي الايمان والنذور من المدونة: ومن قال علي حرام إن فعلت كذا لا يكون الحرام يمينا في شئ لا طعام ولا شراب ولا في أم ولد إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق. انتهى. ص: (وإن قصده بكاسقني الماء) ش: قال في المعونة: وضرب ثالث من النطق وهو ما ليس

________________________________________

[ 333 ]

من ألفاظ الطلاق ولا محتملاته نحو قوله اسقني ماء وما أشبه ذاك. فإذا ادعى أنه أراد به الطلاق فقيل يكون طلاقا، وقيل لا يكون طلاقا انتهى. وقال في العمدة: وهل يلزم الطلاق

________________________________________

[ 334 ]

بإرادته بما ليس بكناية كقوله اسقني ماء ونحوه ؟ والظاهر عدم لزومه انتهى. ص: (وإن كرر الطلاق بعطف بواو أو فاء أو ثم فثلاث إن دخل) ش: أي ولا ينوي وتقييده بالمدخول بها تبع فيه ابن شاس وابن الحاجب وناقشهما في ذلك في التوضيح، وكذلك ابن عبد السلام وابن عرفة ونبه على ذلك ابن غازي، وكلام المدونة صريح في أنه لا ينوي وإن لم يدخل. قال في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة: وإن قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو ثم ثم ثم فهي ثلاث ولا ينوي وفي النسق بالواو إشكال. قال ابن القاسم: ورأيت الاغاب من قوله إنها مثل ثم ولا ينويه وهو رأي. وكذلك إن قال ذلك لاجنبية وقال معه إن تزوجتك انتهى. فهذا نص في أنه يلزمه في غير المدخول بها، وقد قال ابن عرفة بعد نقله كلام الام: فمن أنصف علم أن لفظها في لزوم الثلاث في ثم والواو ظاهر، أو نص فيمن بنى أو لم يبن وهو مقتضى مشهور المذهب فمن أتبع الخلع طلاقا وناقش ابن شاس وابن الحاجب في تخصيصهما ذلك بمن بنى بها وناقش ابن عبد السلام أيضا لان في كلامه ميلا لقبول كلامهما، وناقشه فيما تمسك به لهما من كلام البراذعي وأطال الكلام في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. فائدة: قال القرافي في الفرق الثاني والستين بعد المائتين: حكى صاحب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الا بيان وبعث بها إليه يمتحنه بها: فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طالق والطلاق عزيمة ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها إن كنت غير رفيقة وما لامرئ بعد الثلاث مقدم وقال له: إذا نصبنا ثلاثا ما يلزمه وإذا رفعناه كم يلزمه ؟ فأشكل عليه ذلك وحمل الرقعة إلى الكسائي وكان معه في الدرب فقال له الكسائي: اكتب له في الجواب: يلزمه بالرفع واحدة، وبالنصف ثلاث. يعني أن الرفع يقتضي أن ثلاثا خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق الثاني ويكون منقطعا عن الاول فلم يبق إلا قوله: أنت طالق فليزمه واحدة، وبالنصب يكون

________________________________________

[ 335 ]

تمييزا لقوله: فأنت طالق فيلزم الثلاث. فإن قلت: إذا نصبناه أمكن أن يكون تمييزا عن الاول كما قلت، وأمكن أن يكون منصوبا على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه في حال كونه ثلاثا أو تمييزا فلم خصصته بالاول ؟ قلت: الطلاق الاول منكر يحتمل تنكيره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شئ من ذلك لاجل التنكير فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول، وأما الثاني فمعرفة استغنى بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان فهذا هو المرجح، ويحكى عن الرشيد أنه بعث بهذه الرقعة أول الليل وبعث أبو يوسف الجواب بها أول الليل على حاله وجاءه من آخر الليل بغال موثقة قماشا وتحفا جائزة على الجواب فبعث بها أبو يوسف إلى الكسائي ولم يأخذ منها شيئا بسبب أنه الذي أعانه على الجواب فيها. انتهى. ونقل ابن عرفة في هذا الباب كلام القرافي المذكور برمته ولم يزد عليه شيئا، ونقل الحكاية أيضا ابن هشام في المغني في الكلام على أل والله أعلم. ص: (وبلا عطف ثلاث في المدخول بها كغيرها إن نسقه إلا لنية تأكيد فيهما) ش: يعني إذا كرر الطلاق بلا عطف فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق يلزمه الثلاث في المدخول بها إلا أن ينوي بذلك التأكيد، وكذا يلزمه الثلاث في غير المدخول بها بشرط أن يكون نسقه ولم ينو التأكيد على المشهور خلافا للقاضي إسماعيل. قال في التوضيح: إذا كانت الزوجة غير مدخول بها وكان كلامه متتابعا بأن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا، فالمشهور أنه يلزمه الثلاث إلا أن ينوي التأكيد. واحترز بمتتابع مما إذا لم يتابعه فإنه لا يلزمه إلا واحدة بالاتفاق لبينونتها بالاولى فلم تجد الثانية لها محلا، وإليها أشار بقوله يعني ابن الحاجب: وإلا فواحدة فمقابل المشهور للقاضي إسماعيل. ومنشأ الخلاف هل الكلام بآخره وكأنه قال أنت طالق ثلاثا أو بمجرد قوله أنت طالق قد بانت فلا يمكن وقوع الثانية بدليل أن له أن

________________________________________

[ 336 ]

يتزوج خامسة أو أختها بإثر نطقة بالقاف من قوله أنت طالق من غير مهلة ؟ ومثل هذه المسألة ما لو أتبع الخلع طلاقا هل يلزمه أم لا ؟ انتهى. ومسألة من أتبع الخلع طلاقا ذكرها في المدونة في كتاب إرخاء الستور في ترجمة ما جاء في الصلح ونصها: وإذا أتبع الخلع طلاقا من غير صمات نسقا لزم، فإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعا لذلك لم يلزمه الطلاق الثاني. انتهى. قال أبو الحسن: لانه لما أتبع الخلع الطلاق نسقا علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه اثنتان. وقال القاضي إسماعيل: لا يلزم الطلاق الثاني وإن كان نسقا. وقوله: وإن كان بين ذلك صمات إلى قوله: لم يلزم الشيخ: لانه لما فصل بينهما بالصمات علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه واحدة. وقال أبو حنيفة والنخعي وحماد: يلزم الطلاق الثاني متى أوقع داخل العدة. وقوله: وإن كان بين ذلك صمات يعني اختيارا تحرزا من الصمات لاجل العطاس والسعال. انتهى كلام أبي الحسن في الكبير وفي الصغير نحوه. وزاد بعد قوله والسعال وشبه ذلك فإنه في حكم الاتصال انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة بعد قوله في المدونة: وإن كان بين ذلك صمات اختيارا احترازا من الصمات لاجل العطاس والسعال. قاله المغربي وهو بين ويشهد له ما ذكره في الايمان في الاستثناء انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن القول بعدم لزوم الطلاق مخرج في هذه المسألة أعني مسألة من أتبع الخلع طلاقا من قول القاضي إسماعيل في المسألة الاولى أعني مسألة من كرر الطلاق بلا عطف في غير المدخول بها. وظاهر كلام ابن الحاجب أنه منصوص له فيها أيضا كما صرح به الشيخ أبو الحسن في كلامه المتقدم، وصرح بذلك أيضا ابن ناجي في شرح مسألة المدونة المتقدمة في مسألة من أتبع الخلع طلاقا ونصه ما ذكره إذا كان نسقا هو المشهور.

________________________________________

[ 337 ]

وقال إسماعيل: لا يلزمه ذكره في هذه، وفيمن قال للتي لم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق. نقله اللخمي: وقال ابن عبد السلام: الخلاف فيمن أتبع الخلع طلاقا ليس بمنصوص عليه يريد إنما لاسماعيل القاضي النص في مسألة غير المدخول بها ويجري قوله في الخلع ذكره معترضا على ابن الحاجب في إطلاقه الخلاف في ذلك وليس كذلك لما قلناه. انتهى. وما ذكره ابن عبد السلام من الاعتراض على ابن الحاجب نحوه في التوضيح. ولم يتعقب ابن عرفة كلام ابن عبد السلام بل اختصاره لكلام اللخمي يقتضي ظاهره أنه مخرج فيها لا منصوص. ونص كلامه وتخريجه - يعني اللخمي - إلغاء طلاق الحنث كإلغاء الطلاق المتبع للخلع على قول إسماعيل القاضي بإلغاء ما زاد على الواحدة في قوله قبل البناء أنت طالق أنت طالق يرد، وأطال الكلام في الرد عليه، ولابن عبد السلام مع اللخمي وابن عرفة معهما مناقشة في غير ما اعترض به ابن عبد السلام على ابن الحاجب وأطال الكلام في ذلك فراجعه في باب الخلع إن أردته والله أعلم. فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا أنت طالق ثلاثا إن فعلت كذا فقال مالك: يلزمه بقوله الاول والثاني لازم. وقال ابن القاسم: يحلف ما كان ذلك منه إلا تكرارا ثم هو على يمينه. اللخمي: وهو أبين. انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع ابن القاسم: من قالت له امرأته وعنده شهود ائذن لي أذهب لاهلي فقال أنت طالق ألبتة أنت طالق ألبتة أنت طالق ألبتة إن أذنت لك قد طلقت عليه فقال: إنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين ولم أقطع كلامي، فقال مالك: ما أظنها ولا بانت منه وفيه ما ترى الاشكال وما هو باليمين. ابن القاسم: يحلف ما أراد إلا أن يفهمها والقول قوله ولا حنث عليه. ابن رشد: الواجب على المشهور من رعى البساط أن لا يلزمه طلاق ولا حلف، لان سؤالها الاذن لاهلها دليل عليه لا تبتيلي الطلاق، ولو سألته تبتيله فقال ذلك اللفظ بعينه بانت منه بالثلاث قولا واحدا. وعلى مذهبه في المدونة لا يمين عليه قال فيها: من قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار أنه ينوي إن دخلتها في أنه إنما أراد واحدة فلم ير عليه طلاقا إلا أن تدخل الدار. انتهى باختصار. وفي رسم كتب عليه ذكر حق من السماع المذكور من كتاب الايمان بالطلاق والله أعلم. ص: (ولو طلق فقيل له ما فعلت فقال هي طالق فإن لم ينو إخباره ففي لزوم طلقة أو اثنتين قولان) ش: قال في أول

________________________________________

[ 338 ]

كتاب الايمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته فقال له رجل ما صنعت فقال هي طالق، فإن نوى إخباره فله نيته. قال في التنبيهات: نص على النية وسكت عن غيرها. وظاهر المدونة أنه إن لم ينو شيئا يلزمه الثلاث. وذهب بعض الشيوخ إلى أنه لا يلزمه شئ إذا لم ينو شيئا لقرينة السؤال. انتهى. قال أبو الحسن الصغير ومنهم اللخمي: لانه قال وإن عدم البينة لم يكن عليه سوى تلك الطلقة لان بساط جوابه على السؤال الذي يسأل عنه ما صنع فيه فأخبر عنه ولا يحتمل أنه أضرب عن السؤال وابتدأ طلاقا انتهى. وقال الرجراجي: إن نوى إخباره بنيته فلا تخلو هذه المرأة من أن يدخل بها زوجها أو لم يدخل، فإن لم يدخل بها فلا شئ عليه ولا يلزمه إلا طلقة واحدة، وإن دخل بها فلا يخلو من أن يقول فيه هي مطلقة أو قال هي طالق، فإن قال هي مطلقة فلا يلزمه غير الطلقة الاولى باتفاق لان قوله هي مطلقة إخبار، وإن قال هي طالق فلا يخلو من أن يدعي نية أو لا يدعيها، فإن ادعى نية وقال أردت الاخبار وإنما هي ذات الطلاق فإنه يقبل قوله باتفاق المذهب، وهل يقبل قوله بيمين أو بغير يمين ؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يمين عليه جملة، والثاني أنه يحلف جملة، والثالث يفرق بين أن يتقدم له فيها طلقة أم لا، فإن تقدمت له فيها طلقة فإنه يحلف عند إرادة الرجعة، فإن لم يتقدم له فيها طلقة فلا يمين عليه، والاقوال الثلاثة لاصحابنا المتأخرين. فإن لم يدع النية وعدمها فهل تلزمه طلقة أخرى ؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه يلزمه تطليقة أخرى وهو ظاهر قوله في المدونة فإن نوى إخباره وإليه ذهب القاضي أبو الفضل. والثاني لا شئ عليه غير التطليقة الاولى وهو قول اللخمي انتهى. وقال في التنبيهات: ولو قال في جوابه للرجل قد طلقتها لم يحتج إلى نية ولا يمين، نوى الاعلام أو لم ينوه، لانه إنما أخبر عن شئ فعله. انتهى وقال أبو الحسن الصغير: ولو كان إنما قال له قد طلقتها لكان لا شئ عليه لان قوله قد طلقتها خبر وليس بإيقاع طلاق مبتدأ، وكذلك قوله طلقها مثل قوله قد طلقتها ليس فيه إيقاع طلاق مبتدأ، ولو كان الطلاق الذي أوقعه قبل البناء طلقة ثم سأله فقال هي طالق فلا شئ عليه، لانه إنما أوقع طلقة على غير زوجة لان الطلقة تبينها، وكذلك لو كان دخل بها وكان الطلاق الذي أوقعه طلاق الخلع انتهى. وانظر مسألة من قيل أطلقت امرأتك ؟ فقال: نعم مثل ما طلقت امرأتك في آخر سماع عيسى، ومسألة من قال لزوجته يا مطلقة في رسم النذور من سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق. وانظر النوادر في آخر كتاب طلاق السنة وكلام ابن عرفة في الركن الثالث الذي هو القصد، وكلام المدونة في قوله، أردت الكذب بقولي حرام ص: (ونصف طلقة) ش: قال ابن عرفة: وفيها من طلق بعد طلقة لزمه طلقة. ابن شهاب:

________________________________________

[ 339 ]

ويوجع ضربا. ابن عبد السلام: اختلف العلماء في ذلك، منهم من كمل عليه التجزئة إما احتياطا وإما لانه رآه هازلا، ومنهم من لم يلزمه ذلك وهذا القول خارج المذهب وكأنه أجرى على مهيع الدليل لعدم استلزام الجزء الكل. قال ابن عرفة: قلت: قوله منهم من لم يلزمه ذلك يقتضي عدم شذوذ قائله. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته نصف تطليقة أنها تطليقة واحدة. وقال ابن القصار في عيون الادلة: حكي عن داود أن من قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقة لا يقع عليه شئ والفقهاء على خلافه. قلت: وتقرر في أصول الفقه أن ندور المخالف مع كثرة المجمعين لا يقدح في كون إجماعهم حجة، ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل بتلك العبارة واستدلاله على ترجيحه بعدم استلزام الجزء للكل يرد بأنه ليس منه بل من باب إبطال الكل بإبطال جزئه. وهذا لان الطلقة إنما هي عبارة عن إبطال جزء حكمي من العصمة المجزأة ثلاثة أجزاء للحر وجزءين للعبد عندنا، فمن طلق بعض طلقة أبطل ذلك الجزء وبطلان الجزء يبطل الكل ضرورة. انتهى. ص: (أو واحدة في واحدة) ش: قال ابن عرفة الشيخ عن ابن سحنون عنه في أنت طالق واحدة في واحدة واثنتين في اثنتين وأربعة تبين منها بثلاث وكذا بقية هذا المعنى.

________________________________________

[ 340 ]

قلت: هذا إن كان عالما بالحساب أو قصده ولو لم يعلمه وإلا فهو ما نوى. وإن كان مستفتيا أو علم من قرائن الاحوال عدم قصده معنى الضرب كقول من علم جهله من البادية أنت طالق طلقتين في طلقتين وقال أردت طلقتين فقط. انتهى. ص: (أو كلما حضت) ش: يعني يلزمه الثلاث ومثله كلما جاء شهر فأنت طالق، فابن القاسم ينجز عليه الثلاث، وسحنون يلزمه اثنين وفرع عليهما في الجواهر فرعين. الاول من قال لاربع نسوة له حوامل من وضعت منكن فصواحبها طوالق قال: فعلى المشهور - أعني قول ابن القاسم - يلزمه الثلاث في كل واحدة، وعلى الشاذ يلزمه في الاولى ثلاث وكذا الرابعة، وأما الثانية فطلقة واحدة بوضع الاولى ثم تبين بوضعها، وأما الثالثة فيقع عليها طلقتان بوضع الاولى والثانية ثم تبين بوضعها. وأما الاولى فوضعها لا يقع عليها بسببه شئ وإنما يقع عليها الطلاق بوضع صواحبها. قال: ولو قال من وضعت منكن فالبواقي طوالق وأراد غير من وضع فلا طلاق على الاول وحكم الثلاث ما تقدم. قال البرزلي بعد نقله قول سحنون: وهذا أوضح إن وضعن على التعاقب، ولو جهل الترتيب فالاحتياط يلزم كل واحدة ثلاثة، ولو اتحد الوقت في ولادتهن فالظاهر إلزام كل واحدة طلقة لان كل واحدة تقدح في صواحبها مدة ويكون ذلك كلا لا كلية والله أعلم. انتهى. والفرع الثاني إذا قال لها إذا وضعت فأنت طالق فوضعت ولدا وبقي في بطنها ثان، فهل ينجز الطلاق بوضع الاول أو يقف التنجيز على وضع الثاني ؟ وفي ذلك قولان. انتهى

________________________________________

[ 341 ]

وانظر المسألة في الشامل ص: (أو كلما أو متى ما أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها واحدة) ش: هو ظاهر التصوير من كلام الشارح وابن غازي. مسألة: تتعلق بشئ من الالفاظ المذكورة. رأيت كتابا يشتمل على نوازل الجماعة من متأخري الاندلسيين كالشيخ أبي إسحاق الشاطبي والاستاذ أبي القاسم بن سراج والاستاذ أبي عبد الله السرقسطي والاستاذ أبي عبد الله الفخار وغيرهم ما نصه: وسئل الاستاذ أبو القاسم بن سراج فيمن طلق امرأته ثلاثا ثم قال بعد إيقاعه الطلاق متى حللت حرمت ثم تزوجت هذه المطلقة بعد ذلك وفارقها زوجها الثاني والاول يريد تزويجها، هل له ذلك أم لا ؟ فأجاب: له أن يراجعها. قاله ابن سراج انتهى. والظاهر أنه يفصل في ذلك، فإن أراد بقوله متى حللت حرمت أنها إذا حلت له بعد زواجها زوجا غيره فهي حرام عليه وإن تزويجها لا يحلها فلا يلزمه شئ كما قال المفتي، وإن أراد أنها إذا حلت بعد زوج فإن تزوجها فهي حرام فيلزمه التحريم فيها ويفصل فيه بين إن وكلما ومتى، ويأتي الكلام الذي في هذه الحروف. والمتبادر من اللفظ إنما هو المعنى الاول وهو أن الحالف لما طلقها ثلاثا وحرمت عليه. وكانت حرمة نكاحها ترتفع بزواجها أراد أن يبطل ذلك وأنه إذا حل زواجها له بعد زوج تصير عليه حراما كما كانت. هذا هو الظاهر من اللفظ، وإذا كان كذلك فلا يلزمه شئ لانه بمنزلة من حرم تزويج امرأته على نفسه فإنها لا تحرم عليه. وقد ذكر ابن سهل مسألة تشبه هذه أو هي أقوى من هذه قال: وكتبت إليهم فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن كنت لي زوجة قبل زوج أو بعد زوج هل تحرم للابد ؟ وكيف إن طلقت عليه ثلاثا فتزوجها بعد زوج ؟ فكتب إليه ابن عتاب لا تحرم عليه الابد وله نكاحها بعد زوج إن شاء الله إلا أن يكون أراد بقوله أو بعد زوج إن تزوجها بعد زوج فهي طالق ثلاثا، فإن أراد هذا أو عقد عليه حلفه فلا سبيل له إليها والله الموفق للصواب. وقال ابن القطان: متى طلقت عليه بألبتة فلا تحرم عليه إن تزوجها بعد زوج وله ذلك إن شاء الله. وقال ابن مالك: إذا طلقت عليه الزوجة بعد زوج ثم تزوجها بقيت له زوجة إن شاء الله تعالى، وانظر جواب ابن مالك، والظاهر أن فيه تقديما وتأخيرا، وصوابه إذا طلقت عليه

________________________________________

[ 342 ]

ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج والله أعلم. وجواب ابن عتاب أتم من جوابيهما، و التفصيل الذي يأتي في مسألتنا فلا يلزمه الحنث فيها بعد زوج إلا إذا حلف على ذلك الوجه وعقد عليه يمينه، وأما إذا لم تكن له نية أو نوى الوجه الاول فلا يلزمه شئ والله أعلم. وفي ابن سهل جواب القاضي أبي محمد وأبي القاسم بن سراج وكان أحد المشاورين، فلعله هو المجيب في هذه المسألة فيكون عمدة والله أعلم. وفي البرزلي في مسائل الايمان مسائل من هذا المعنى ونصه: سئل المازري عمن طلق زوجته ثلاثا والتزم عدم ردها بعد زوج ولا تكون له بزوجة ما دامت الدنيا فأجاب: إن قال لا أردها قولا مجردا من غير تعليق ما يوجب تحريمها ولا فهمته البينة عنه وليس في سياق كلامه وقرائن أحواله ما يدل على ما ذكرناه فلا تحرم عليه انتهى. وسئل المازري عمن كلم في تزويج بعض قرابته ثم بلغه عن أبيها قبيح فقال متى ما تزوجتها فهي طالق ثلاثا وأردف وهي عليه حرام فما يلزمه من ذلك، وهل تحل له بعد زوج أم لا ؟ فأجاب: متى تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد زوج نظر في قوله متى ما. فإن أراد كلما تزوجها تكرره عليه الحنث، وإن أراد مرة واحدة فلا يتكرر انتهى. ومنه سئل أبو الحسن بن خلف عمن طلق زوجته ثلاثا ثم وقعت بينهما خصومة فقال هي علي حرام، ثم أراد الآن تزويجها بعد زوج هل له ذلك أم لا ؟ فأجاب: إن علق التحريم عندما ذكر له ارتجاعها أو عيب عليه تطليقها أو رأى في الخصومة ما يكرهه أو علم منه أنه أراد إن تزوجها فتحرم عليه بعقد نكاحها ثانية ولا تحل له إلا بعد زوج. قلت: وكان شيخنا الشيخ أبو محمد الشبيبي يحكي بسنده عن ابن قداح أنه يفتي بعدم اللزوم قال: لان العامة لا تعرف التعليق ولا تقصده. وحكاه شيخنا الامام عن شيخنا الفقيه القاضي أبي حيدرة، وكان أولا يختار اللزوم وهو الذي حكاه في مختصره ويقول العامة تقصد التعليق ولكن لا تعرف أن تكني عنه، ثم شهدته رجع إلى الفتوى بهذا في وسط عمره وآخره ورأيت بخطه كذلك بعد أن حكى فيه ما تقدم وقال: إن أخذ السائل بالرخصة لم أعبه وسلكه الآن أتباعه من بعده انتهى. ومنه سئل الفقيه أبو علي القوري فيمن قال لامرأته أنت حرام علي في الدنيا والآخرة، فأجاب بأن له نكاحها بعد زوج وكان يلزم أن يكون مع ذلك الظهار لانه لازم قوله كما لو قال لها أنت حرام علي مثل أبي. انتهى. مسألة: ذكرها في النوازل المتقدم ذكرها وهي سئل ابن سراج في رجل قصد غشيان زوجته فلم تطاوعه فقال لها في الحين هي حرام علي في هذه الساعة وخرج عن السرير حيث كان معها مضطجعا، فما يجب عليه في قوله هذا ؟ فأجاب: الحمد لله ذكر موصله أنه الحالف وأنه لم ينو بقوله هي عليه حرام طلاقا ولا تحريما وإنما أراد الامتناع منها في الحال، والجواب أنه لا يلزمه لعدم النية على الصحيح. قاله ابن سراج.

________________________________________

[ 343 ]

مسألة: قال البرزلي: من قيل له تزوج فلانة فقال الذمام لا أتزوجها فلا تحرم بذلك، فإن أراد بذلك ذمة الله تعالى فهي يمين فيكفر عن يمينه إذا تزوجها، وإن أراد ذمة الناس التي تجري على ألسنتهم فليس بيمين. انتهى ص: (أو إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا) ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: من قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ألغى لفظ قبله، وإن طلقها لزمه الثلاث. قلت: قال الطرطوشي: هذه المترجمة بالسريجية. قال دهماء الشافعية: لا يقع عليه طلاق أبدا. وهذا قول ابن سريج. وقال طائفة منهم: يقع المنجز دون المعلق منهم أبو العباس المروزي وأبو العباس القاضي. وقال طائفة: يقع مع المنجزة تمام الثلاث من المعلق قاله أبو حنيفة. ومن الشافعية أبو عبد الله المعروف بالحسن وغيره وأبو نصر بن الصباغ من خيار متأخريهم، وهذا الذي نختاره وليس لاصحابنا في هذه المسألة ما نعول عليه، ولمالك ما يدل على تصحيحها وهو عدم قبوله شهادة عدلين على من أعتقهما أنه غصبهما لمن ادعاهما لان ثبوتها يؤدي إلى نفيها، وعدم قبول شهادتهما بدين يبطل عتقهما، ووقع له ما يدل على خلاف هذا وهو ثبوت ما يؤدي إلى نفيه منه قوله: من أعتق ولده أو والده في مرضه بتلا صح عتقه وورثه مع أن إرثه يؤدي إلى نفيه لان العطية في المرض كالوصية لا تصح لوارث، فثبوت إرثه يبطل العطية له، وبطلان العطية يبطل حريته، وبطلان حريته يبطل إرثه. انتهى. وقال القرافي في الفرق الثالث: قال أصحابنا: إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا لزمه أي عدد طلق منجزا حملنا معه الثلاث. وقال الغزالي في الوسيط: لا يلزمه شئ عند ابن الحداد لانه لم يقع مشروطه وهو تقدم الثلاث، ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لان الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه ولا يقع. قال: والبحث في هذه المسألة مبني على ثلاث قواعد: إن من شرط إمكان اجتماعه مع المشروط لان حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره، فإذا لم يمكن اجتماعه معه لم تحصل فيه حكمة. الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وغيره حمل على المعهود في الشرع لانه الظاهر. الثالثة أن من تصرف فيما يملك وما لا يملك نفذ تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك. إذا تقررت هذه القواعد فقوله: إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ أو على المعنى

________________________________________

[ 344 ]

الذي هو التحريم، فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود العرفي فيلزم مخالفة القاعدة الاولى وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه وهو خلاف القاعدة الثانية التي هي المشروط وهو ما وقع به التباين، فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لان اثنتين يجتمعان مع واحدة، وإن أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لان واحدة تجتمع مع اثنتين، فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث. فمن قال امرأته وامرأة جاره طالق تطلق امرأته واحدة فينفذ تصرفه فيما يملك، كذلك هنا الذي ينافي الشرط لا يملك شرعا للقاعدة الاولى ويسقط كمرأة الغير وينفذ تصرفه فيما يملكه مما يتناوله اللفظ فيلزمه جميع الباقي بعد إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الاولى، وعلى رأي ابن الحداد يلزمه مخالفة إحدى هذه القواعد الثلاث، وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية. ويحسنها بعضهم بأنه قال بها ثلاثة عشر من أصحاب الشافعي وهو ساقط لان ثلاثة عشر غير معتد بهم به بالنسبة إلى عدد من قال بخلافهم لانهم مئون بل آلاف، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: هذه المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لان القاعدة أن قضاء القاضي ينقض إذا خالف أربعة أشياء: الاجماع والقواعد والنص والقياس الجلي. وما لا يقر شرعا حرم التقليد فيه لان التقليد في غير شرع ضلال، وهذه المسألة على خلاف ما تقدم في القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا حسن بين ظاهر. انتهى. ص: (سحنون وإن شرك طلقن ثلاثا ثلاثا) ش: تبع ابن الحاجب في نسبة هذا لسحنون. قال في التوضيح: ونسبة المصنف له لاحتمال أن لا يوافق عليه ابن القاسم. وجزم في الشامل بموافقته للمذهب وهو الذي يفهم.

________________________________________

[ 345 ]

وكلام ابن رشد في المسألة الثالثة من نوازل أصبغ من الايمان بالطلاق فإنه جعلهما مسألتين وفرق بينهما وكذلك ابن عرفة والله أعلم. ص: (كمطلق جزء وإن كيد) ش: قال في الايمان بالطلاق منها: وإن قال لها يدك أو رجلك أو أصبعك طالق طلقت عليه. وكذلك العتق قال في حاشية المشذالي: قلت لشيخنا يعني ابن عرفة: وصوابه لو طلق عقلها حرمت بخلاف

________________________________________

[ 346 ]

علمها دليله قولها إذا حدث له جنون لان العقل مما يستمتع به بخلاف عدم العلم، ولو طلق روحها حرمت عليه. انظر ابن العربي انتهى ص: (وفي إلغاء ما زاد على الثلاث واعتباره قولان) ش: استظهر ابن رشد في شرح المسألة الثانية من نوازل سحنون من الايمان بالطلاق القول باعتباره وهو الذي رجع إليه سحنون. نقله في التوضيح وغيره. قال في التوضيح: وهو الاقرب. ابن عبد السلام: وهو أرجح في النظر والله أعلم. ص: (ونجز إن علق بماض ممتنع عقلا أو عادة أو شرعا أو جائز كلو جئت قضيتك) ش: قول المصنف: أو جائز معطوف على قوله: ممتنع. وظاهر كلام المصنف أنه يحنث في الممتنع في الشرع ولو كان قادرا عليه ولو قصد المبالغة وهو كذلك، لان غاية ما يقصد بالمبالغة أمر جائز، والمشهور إنه إذا علقه على أمر ماض جائز يحنث. قال ابن ناجي: وهو ظاهر المدونة خلافا لابن بشير فيهما انتهى. يعني في القادر على الفعل وفي قاصد المبالغة وذلك لانه لو كان قادرا على فعله فيما مضى فهو الآن مشكوك في وقوعه لجواز مانع أو تبدل إرادته. كذا علله ابن عرفة، وقال صاحب الجواهر تبعا

________________________________________

[ 347 ]

لابن بشير: إذا علق الطلاق بممتنع عادة وقصد المبالغة لم يحنث، والعجب من صاحب الشامل كيف جعل الاصح أنه لا يحنث إذا قصد المبالغة في جائز وجعل الاصح في الجائز الحنث فتأمله والله أعلم. وأما إذا حلف على أمر ماض واجب فقال ابن ناجي: ظاهر الكتاب أنه لا يحنث قال: وهو كذلك باتفاق. وصرح به ابن عبد السلام عن بعض المتأخرين وهو خلاف قول أصبغ لو حلف لغريمه لو جئتني أمس قضيتك حقك هو حانث لانه غيب لا يدري أكان فاعلا أم لا ؟ انتهى. وما ذكره من الاتفاق خلاف قول أصبغ سبقه إليه ابن عرفة وقال: لا أعرفه إلا من نقله. وقول ابن الحاجب فيما يأتي في إن صليت انتهى. يعني أنه لا يعرف الاتفاق إلا من نقل ابن عبد السلام ثم قال ابن عرفة: هذا إن أراد ناقل الاتفاق الوجوب الشرعي، ولو أراد العادم لصح الاتفاق فيما أظن كقوله امرأته طالق لو لقيني أمس أسد لفررت منه انتهى. وما شهره المصنف من الحنث في الجائز قال ابن الحاجب تبعا لابن شاس: هو قول ابن القاسم. قال القرافي: وهو خلاف نقل الصقلي عن ابن القاسم ومالك أنه إن أمكن الفعل شرعا لم يحنث وإلا حنث، وخلاف ظاهر الكتاب. قال القرافي: فيحتمل أن يكون سهوا أو ظفر بنقل غريب وترك الجادة، وعلى التقدير فهو ردئ. انتهى من ابن عرفة بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. وحاصل كلام المؤلف أنه إذا علقه بماض ممتنع أو جائز حنث. وهذا القول حكاه في البيان في كتاب الايمان بالطلاق في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم في مسألة من قال لمن نازعه وجبذ ثوبه لا تشقه امرأته طالق لو شققته لشققت جوفك. عن أصبغ في الواضحة: وحكى مقابله عدم الحنث مطلقا عن مالك في هذه المسألة، والثالث التفصيل بين ما يجوز فعله فلا يحنث أو ما لا يجوز فعله فيحنث وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه في الواضحة، ودليل قوله في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة في مسألة الذي حلف لو كان

________________________________________

[ 348 ]

حاضرا لفقأ عين الذي يشتم أخاه أنه حانث. وحكى الثلاثة الاقوال ابن عرفة عن ابن رشد. وقال شيخنا سيدي أحمد بن عبد الغفار: قول المصنف: ونجزان علق بماض ممتنع إلى قوله: كلو جئت قضيتك ظاهره أن الطلاق في هذه الصور معلق على جواب لو، ولا يخفى أنه ليس كذلك، لان جواب لو في هذه الصور كلها أعني الممتنع بأقسامه والجائز ليس بمعلق عليه شئ أصلا لا طلاق ولا غيره، بل هو نفسه معلق عن الشرط كما هو قاعدة في أدوات الشروط. وقول القائل الطلاق يلزمني لو كان كذا لكان كذا إنما هو حالف بالطلاق على صدق هذا التعليق المستفاد من الشرطية كأنه يقول: الطلاق يلزمني هذه الملازمة صادفة ولذلك عبر ابن عرفة عن هذه المسألة بقوله: لو حلف به على فعل مرتب على فرض ماض لم يقع ففي حنثه ثالثها إن كان فعله ممنوعا انتهى. فإن قلت: فعلى هذا لا تكون المسألة مما علق فيه الطلاق أصلا فلا شئ ذكرها ابن عرفة وغيره في باب التعليق. قلت: الحلف بالطلاق مطلقا ينحل من حيث المعنى إلى التعليق فكأنه في هذه المسائل يقول: إن كانت الملازمة غير صادقة فامرأته طالق، فالطلاق في الحقيقة معلق على عدم صدق الملازمة فجعله معلقا على حال الشرطية المصرح بها في النص فيه مسامحة والله أعلم. انتهى كلام سيدي أحمد بن عبد الغفار. فرع: قال ابن رشد في شرح المسألة المذكورة: لو حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه في المستقبل لم يختلف في أنه لا شئ عليه إن لم يشق الثوب ولا في أنه يعجل عليه الطلاق إن شقه ولا يمكن من أن يشق كبده انتهى. تنبيه: قال في الشامل: وهل تعليقه مكروه أو ممنوع ويؤدب فاعله ؟ خلاف. انتهى يعني تعليق الطلاق والله أعلم. ص: (أو مستقبل محقق) ش: ابن عرفة: وفيها إن أتى أجل طلاقها بعد أن تزوجها لم تطلق عليه. انتهى وقاله في التوضيح. فرع: قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا قدم الحاج إنها تطلق الساعة لانه

________________________________________

[ 349 ]

أجل آت وحمل الكلام على الزمن لا على القدوم كما هو المذهب أيضا في البيع إلى قدوم الحاج. انتهى من ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب. فإن قال بعد قدوم زيد بشهر طلقت عند قدومه ونقل المسألة في النوادر عن ابن القاسم في المجموعة. فرع: قال ابن عرفة: ومن قال إذا مات فلان فأنت طالق لزمه الطلاق مكانه. وفي الواضحة عن مطرف وأصبغ: إذا خسفت الشمس أو مطرت السماء لزمه الطلاق بكلامه لانه أجل آت. جبن حارث: أنت طالق إلى مستهل الهلال أو إلى وقت يأتي على كل حال فهي طالق وقت قوله اتفاقا. وسمع ابن القاسم في العدة أن ناسا اختلفوا فيمن طلق إلى أجل سماه وأن عطاء كان يقول ذلك فقال مالك: لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبي (ص) ودار الهجرة، فما ذكروا أن المطلق إلى أجل يتمتع بامرأته إلى ذلك الاجل فإنا لم ندرك أحدا من علماء الناس قاله وهذا شبيه المتعة. ابن رشد: قياسه ذلك على المتعة صحيح واستدلاله بأنه الذي عليه أهل المدينة دليل على أن إجماعهم عنده حجة فيما طريقه الاجتهاد، والذي عليه أهل التحقيق أن إجماعهم إنما هو حجة فيما طريقه التوقيف أو أن الغالب منه أنه عن توقيف كنفي زكاة الخضراوات والاذان. انتهى. وقال في النوادر في ترجمة الطلاق إلى أجل: قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لزوجته أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا: فهو سواء وهو طلاق إلى أجل وتطلق الساعة. انتهى. وما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة أنه ينجز عليه ألبتة لان إحدى ألبتتين عند رأس الشهر لا بد منها لانه إن طلقها ألبتة فواضح وإلا وقعت ألبتة المعلقة فكان بمنزلة من قال أنت طالق رأس الشهر ألبتة، وقد تقدم أن من علق الطلاق مثل هذا يعجل عليه. انتهى. فائدة لطيفة: تتعلق بالكلام على تعليق الطلاق بشهر قال القرافي في الفرق الثالث أنشد بعض الفضلاء: ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده الاحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان واعلم أن هذا البيت من نوادر الابيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأعذبها استنباطا، لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والافهام المستقيمة والافكار الدقيقة من أفراد الاذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد، وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه يشتمل على ثمانية أبيات في الانشاء بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال الالفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون العربي اللغوي، وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والالفاظ اللغوية، وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى ثم قال: هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام الحقيقة والوزن. وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم

________________________________________

[ 350 ]

الوزن بأن يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والاجوبة تسعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغوية. ثم ذكر في آخر كلامه كيفية وصول ذلك إلى العدد المذكور وقال بعده: وإن زدت في لفظ البعد أو القبل وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء والاذكياء والنبهاء. وقال إثر كلامه السابق: وقد وقع هذا البيت لشيخنا الامام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في التحصيل جمال الدين الشيخ أبي عمرو يعني ابن الحاجب بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه ونوع رحمه الله تعالى وقدس روحه الكريمة، وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع بفصه ونصه، ثم أذكر لك بعد ذلك ما وهب الله تعالى لي من فضله من أمور لم يتعرض لها الشيخ ينبغي زيادتها وإيضاحها. ثم ذكر جواب ابن الحاجب الذي في أماليه بلفظه، ثم ذكر ما (ظهر له فيه وأطال الكلام في ذلك بنحو الثلاث ورقات ثم قال في آخر كلامه: وتقريب أجوبة المسائل أن تعلم أن جميع الاجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر، طرفان وواسطه: فالطرفان جمادي الاخير وذو الحجة، والواسطة شوال وشعبان. وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة، أو بعد فالجواب جمادي الاخيرة، أو ترك من قبل وبعد فمتى وجدت في الاخير قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاوز لرمضان فإن كل شهر قبل بعده أو بعد قبله. فالكلمة الاولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لان المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لان التقدير بعده رمضان. وهذا إن اجتمع آخر البيت قبل وبعد، فإن اجتمع قبلان أو بعدان وفيهما مخالف لهما في البعديين شعبان وفي القبليين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة، فهذه الستة هي الواسطة بين جمادي وذي الحجة. انتهى كلامه باختصار لفظه وتقديم وتأخير. وما ذكره من أن البيت المذكور يشتمل على ثمانية أبيات وكل بيت على مسألة وأن الثمانية الاجوبة منحصرة في الاربعة الاشهر المذكورة إنما هو بالتقديم والتأخير وقبل وبعد كما أشار إلى ذلك في كلامه المتقدم. فالاول هو ما أنشده القرافي وهو قوله: بشهر موصوف بأن ما قبل قبله رمضان، والجواب هو ذو الحجة لان تقدير الكلام بشهر موصوف بأن الذي قبل قبله أي ذلك الشهر الذي علق عليه الطلاق رمضان، وهذا الشهر هو أحد الطرفين. الثاني بشهر بعد ما بعد بعده رمضان، والجواب هو جمادي الاخيرة لان تقدير الكلام علق الطلاق على شهر موصوف بأن الذي بعد بعده أي ذلك الشهر رمضان وهذا الشهر هو الطرف الثاني. الثالث بشهر قبل ما بعد بعده رمضان، والجواب هو شعبان لان القاعدة في ذلك أن كل ما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألغهما لان كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ بعده إلا رمضان فيكون شعبان، أو قبله رمضان فيكون شوال، وعلى هذا يتخرج ما فيه قبل وبعد، وهذان الشهران أعني شعبان وشوال هما الواسطة ويتكرران ثلاث مرات كما تقدم

________________________________________

[ 351 ]

بيانه. الرابع بشهر قبل ما بعد قبله رمضان، والجواب هو شوال بناء على القاعدة التي قبله. الخامس بشهر بعد ما قبل بعده رمضان، والجواب هو شعبان لان المعنى بعده رمضان وهو شعبان. السادس بشهر بعد ما بعد قبله رمضان، والجواب هو شعبان أيضا لان المعنى بعده رمضان وهو شعبان. السابع بشهر بعد ما قبل قبله رمضان، والجواب هو شوال لان المعنى قبله رمضان وذلك شوال. الثامن بشهر قبل ما قبل بعده رمضان، والجواب هو شوال أيضا لان المعنى قبله رمضان أيضا والله أعلم. ص: (أو إن لم أمس السماء) ش: هذا محقق عدم ثبوته والامثلة الاول محقق وقوعها. وانظر إذا قال امرأته طالق إن لم يوره النجوم في النهار، هل يحمل على المبالغة أم على ظاهره ؟ وفي الذخيرة في كتاب الايمان في مدارك البر والحنث قال: المدرك الرابع مقتضى اللفظ لغة ثم قال: قال أبو الوليد: هذا في المظنون، وأما المعلوم وكقوله والله ليورينه النجوم في النهار ونحوه فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة، انتهى ونقله في الشامل في كتاب الايمان. ص: (أو إن لم يكن هذا الحجر حجرا أو لهزله كطالق أمس) ش: هذا الكلام موافق لما في التوضيح حكما مخالف له تعليلا إلا أن تسقط أو من قوله أو لهزله كما قال ابن غازي، ومخالف لكلام ابن عرفة حكما. قال ابن عرفة: ولو علقه على واضح نقيضه مؤخرا عنه كأن لم يكن هذا الانسان إنسانا فأنت طالق فلا شئ عليه ومقدما عليه. قال ابن الحاجب: حانث كانت طالق أمس. قلت: الا ظهر كإن شاء هذا الحجر. وتقدم نقل اللخمي في أنت طالق إن هذا لعمود. ولابن محرز في أنت طالق أمس لا شئ عليه انتهى. ونقل اللخمي الذي أشار إليه هو ما نقله

________________________________________

[ 352 ]

عنه في أوائل الكلام على التعليق ونصه: ولو علقه على محال كإن شاء هذا الحجر ففي لزومه طلاقها. نقل اللخمي عن سحنون وابن القاسم ونقلهما الصقلي عن القاضي روايتين وللشيخ عن ابن القاسم مرة كسحنون. اللخمي: وعليهما قوله إن هذا الحجر. ولمحمد عن أصبغ: من قال في منازعة امرأته أنت طالق إن هذا لعمود، هي طالق إن لم تكن منازعتهما في العمود. اللخمي: أرى أن يحلف في جميع ذلك ويبر إن قامت عليه بينة، وإن جاء مستفتيا فلا يمين عليه. إلا أن تدعي الزوجة ندمه فيحلف. انتهى. وإنما قال ابن عرفة إنه إن كان لفظ أنت طالق مؤخرا عن المعلق لا يحنث ونقل في الثاني وهو ما إذا قدم لفظ أنت طالق كلام ابن الحاجب ويحنث فيه، لانه قد يقال في الثاني إنه طلق وإنما أتى بأمس ندما والله أعلم. وأما إذا قال إن كان هذا الحجر حجرا أو إن كان هذا الانسان إنسانا فظاهر كلام ابن عبد السلام أنه الذي ثبت في نسخته من ابن الحاجب وشرح عليه أنها تطلق عليه لهزله قال: إلا أن يقترن بالكلام ما يدل على أن المراد المجاز وهو تمام الاوصاف الانسانية كالكرم والشجاعة وغير ذلك وكون الحجر صلبا بحيث لا يتأثر للحديد، فعلق المتكلم الطلاق على وجود هذه الاوصاف وعدمها، فإذا لم يحصل ذلك الشرط لم يحصل الطلاق. وأما قول المؤلف يعني ابن الحاجب كما لو قال طالق أمس، فلا شك أن مقتضى هذا الكلام في اللغة الهزل إذا قصد به الانشاء، وأما إن قصد به الخبر فلا هزل ويلزم الطلاق لكونه من باب الاقرار، وأهل العرف يستعملون ما يقرب لهذا في المستقبل الذي يجزمون بوقوعه كجزمهم بالماضي ومرادهم التشبيه في تحقق الوقوع، فيقال للانسان منهم أتفعل كذا ؟ فيجيب بأن يقول أمس. فإن وقع مثل هذا في الطلاق فالاقرب أنه لا يلزم لانه وعد بالطلاق لا إيقاع الطلاق. انتهى كلام ابن عبد السلام ص: (أو غالب كإن حضت) ش: هذا في غير اليائسة والشابة التي لم تر الحيض. قال اللخمي: وأما إن كانت يائسة ممن لم تر الحيض لم يعجل بالطلاق على كل حال. انتهى من التبصرة ونقله في

________________________________________

[ 353 ]

التوضيح عنه. وقال ابن عبد السلام: وهذا في غير اليائسة والصغيرة، وأما اليائسة والصغيرة يقول لهما أو لاحداهما إذا حضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض. انتهى. واعترض عليه ابن عرفة في قبول قول بعضهم فقال: وقبول ابن عبد السلام قول بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة لو قال لاحداهما إذا حضت فأنت طالق فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى الحيض يرد بنقل الشيخ من الواضحة. قال ابن الماجشون من قال لزوجته ولم تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن، ولو كانت قعدت عن المحيض لم تطلق إلا أن تحيض، يريد ويقول النساء إنه دم حيض. انتهى. وكان مناقشته معه في قبول نفي الخلاف في الصغيرة التي لم تحض لان ظاهر كلام ابن الماجشون أنه لم يحك عدم الطلاق إلا في التي قعدت عن المحض وهي اليائسة، وشمل قوله أولا من قال لزوجته ولم تحض الصغيرة التي لم تر الحيض فتأمله والله أعلم. ومثل كلما حضت أو كلما جاء شهر أو يوم أو سنة قال ابن عرفة: وفيها في أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة طلقت عليه الآن ثلاثا ولم تعد يمينه إن نكحها بعد زوج لذهاب الملك الذي طلق فيه. انتهى. وانظره فإنه أطال الكلام في ذلك. وأما إذا قال لها إن طهرت فينجز عليه، سواء أراد بالطهر انقطاع الدم أو حلية الصلاة على المشهور، وفرق بينهما في الجواهر والاول ظاهر التوضيح. وإذا فرعنا على المشهور من أنها تطلق فهل يفتقر إلى حكم ؟ فقال مالك وابن القاسم: يلزمه الطلاق مكانه متى تكلم بذلك ولا يفتقر إلى حكم. قاله في التوضيح قال ابن عبد السلام: ولزومه من غير حكم هو الجاري على الاصل. انتهى. وقال في الشامل: وعلى الحنث فلا يحكم على الاصح. فإن قال كلما حضت لزمه ثلاث لا اثنتان على المشهور ومتى كذلك إن نوى معنى كلما وإلا فمثل إن. انتهى. والمشهور قول ابن القاسم ومقابله لسحنون. قال ابن عبد السلام: ولو قال لامرأته كلما حاضت فلانة لامرأة أجنبية لعجلت الثلاث على قول ابن القاسم وسحنون معا. انتهى. وناقشه ابن عرفة فقال: يرد بمنع كونه على مذهب سحنون بل الصواب جريها على قوله في كلما جاء شهر أو سنة لاحتمال انقضاء عدة المطلقة قبل الحيضة الثانية للاجنبية كالشهر والسنة. انتهى. وقال في المدونة: وإن قال لها إن حضت أو إذا حاضت فلانة وفلانة ممن تحيض فأنت طالق طلقت الآن وتأخذ في العدة فتعتد بطهرها التي هي فيه من عدتها، قال الشيخ أبو الحسن: ولو كانت ممن لا تحيض لكان مطلقا إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي كالطلاق إلى قدوم زيد. انتهى. وانظر إذا قال لحائض يعلم حيضتها أو طاهر يعلم طهرها إذا حاضت أو طهرت فأنت طالق، والظاهر من المذهب الحنث لان الذي يظهر أنه بمنزلة قوله إن كان هذا الحجر حجرا وانظر إذا قال إن لم تحيضي أو إن لم تطهري لطاهر أو لحائض هل يوقف عنها وهو الظاهر أو ينجز الحنث

________________________________________

[ 354 ]

ولا وجه له والله أعلم. ص: (أو محتمل واجب كإن صليت) ش: قال ابن الحاجب: إلا أن يتحقق المؤجل. قال في التوضيح: مثاله لو قال إن صليت اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم تصل. انتهى. ويفهم من هذا أنه لا يتنجز إلا بحكم والله أعلم. ص: (أو فلان من أهل الجنة) ش: ليس هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا ويعلم مآلا وإنما هو من أمثلة ما لا يعلم حالا ومآلا كما قاله في التوضيح وكان الانسب ذكره هناك. فروع: الاول: قال في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق: وقال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة: إنها طالق ساعته. إذ قال ابن القاسم: وإن لم أدخل الجنة مثله. قال ابن رشد: ساوى ابن القاسم بين أن يحلف أنه من أهل الجنة أو يحلف ليدخلن الجنة. ومثله لمالك في المبسوط إذا حلف على ذلك حتما. وقال الليث بن سعد: لا شئ عليه وإليه ذهب ابن وهب. ولا يخلو الحالف على هذا من أن يريد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار، أو من أهل الجنة الذين لا يخلدون. أو لا نية

________________________________________

[ 355 ]

له. فأما إن أراد أنه من الذين لا يدخلون النار فتعجيل الطلاق عليه بين ظاهر وذكر وجه ظهوره ثم قال في آخر كلامه: فلا ينبغي أن يختلف في هذا الوجه. وأما إن أراد أنه من الذين لا يخلدون فالمعنى في يمينه أنه لا يكفر بعد إيمانه فالحالف على هذا حالف على أمر به من الثبوت على الاسلام فهذا بين أنه لا شئ عليه، لانه إنما هو حالف على أنه لا يكفر فلا ينبغي أن يختلف في هذا أيضا. وأما إن لم تكن له نية فالظاهر من مذهب مالك وابن القاسم أن يمينه تحمل على الوجه الاول فيعجل عليه الطلاق، والاظهر أن يفرق بين اللفظين فيحمل قوله إن لم يكن من أهل الجنة على الوجه الاول فيعجل عليه الطلاق، ويحمل قوله إن لم أدخل الجنة على الوجه الثاني فلا يكون عليه شئ. وقول الليث وابن وهب بناء على حمل قوله على الوجه الثاني ولا يتأول عليهما أنهما حملاه على الوجه الاول ولم يوجبا طلاقه لانه خروج إلى الارجاء. انتهى.. فائدة: نقل ابن عرفة إثر نقله هذه المسألة أن ابن سحنون يقول: إخبار المرء عن إيمان نفسه جزم فقط وابن عبدوس يجيز تقييده بإن شاء الله ثم قال: وفي الاخبار عمن سمع لفظ إيمانه بأنه مؤمن عند الله مطلقا أو بقيد قوله إن وافقت سريرته علانيته قولا ابن التبان والشيخ. انتهى. وقال في أوائل كتاب الجامع من الذخيرة. مسألة: قال ابن أبي زيد في جامع المختصر: قيل لمالك: أقول أنا مؤمن والله محمود أو إن شاء الله ؟ فقال: قل مؤمن ولا تقل معها غيرها. معناه لا تقل إن شاء الله. وهذه مسألة خلاف بين العلماء قال الاشعري والشافعي وغيرهما: يجوز إن شاء الله. وقال أبو حنيفة وغيره: لا يجوز لان الايمان يجب فيه الجزم ولا جزم مع التعليق. وقال غيرهم: بل يجوز لاحد وجوه. إما أن يريد المستقبل وهو مجهول حصول الايمان فيه، أو يريد يقع الايمان الحاضر في المستقبل

________________________________________

[ 356 ]

وهو مجهول الحصول، أو يكون للتبرك لا للتعليق. انتهى. الثاني قال البرزلي في مسائل الايمان: وسئل أبو القاسم الغبريني عمن حلف بالطلاق ما يموت إلا على الاسلام إدلالا على كرم الكريم، هل يكون عليه شئ أم لا ؟ جوابها إذا كان مراده بذلك أنه لا يكفر بعد إيمانه ولا ينتقل عن إسلامه فهذا بين أنه لا شئ عليه لانه إنما حلف أن يثبت على إسلامه. البرزلي: وسكت عن مراده إن قصد حسن الخاتمة أو دخول الجنة، وعندي أنها تجري على مسألة من حلف أنه من أهل الجنة والمشهور " الحنث. وقيل: لا حنث عليه. ومنهم من يفرق بين أن يستدل عليه ويثبت له دليل بالاحاديث مثل حلفه على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة فلا يلزمه يمين وإلا لزمه الحنث لان العلماء أجمعوا على عدالته، ورأيت في بعض كتب التصوف أن بعض أمراء بني العباس حلف أنه يدخل الجنة فاستفتى الفقهاء فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم قال له: عرض لك معصية قط وتركتها لوجه الله ؟ قال: نعم واعدت امرأة لافعل بها فلما تحصلت لي وهممت بالفعل خفت من الله وتركت شهوتي فقال: لا حنث عليك لقوله تعالى: * (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) * (النازعات: 40 - 41) ورأيت فيه أيضا في رجل صعد لشجرة عريانا فحلف آخر أنك لا تنزل إلا مستورا ورأيت فيه أيضا في رجل صعد لشجرة عريانا فحلف آخر أنك لا تنزل إلا مستورا ولا يمد أحد إليك لباسا فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم قال له: انزل بالليل ولا حنث على الحالف لقوله تعالى: * (وجعلنا الليل لباسا) * اه‍. قلت: وهذا جار على مذهب أهل العراف الذين يراعون ظواهر الالفاظ لا المقاصد، والآتي على مذهب مالك رحمه الله حنثه إلا أن يدل سياق على ما قال. وعكس هذه المسألة إذا حلف أن الحجاج من أهل النار فاختلف فيها أيضا لانه من أهل القبلة، وقد رأيت بعض الفقهاء أفتاه بعدم الحنث وقال: إن كان هذا حانثا فجنايته أقل من جناية الحجاج ومع ذلك رجى له النجاة، وإن كان صادقا فقد وافق. ونزلت قضية وهي أن رجلا حلف بالثلاث أن تبارك الملك تجادل عنه فاستفتى بعض أصحابنا فقال: تطلق عليه لان هذا مظنون. وقلت أنا: لا حنث عليه لوجوه منها: أنه حلف على أنها تجادل عنه وهذا من العمليات، ونص الاصوليون على أن العمل بخبر الآحاد قطعي بخلاف ما لو حلف على أن هذا الحديث صحيح وخبر الآحاد مظنون غير مقطوع به. ومنها أن هذا الحديث ثبت في الموطأ. وحكي في المدارك عن بعض عدول المحدثين أنه إذا حلف الانسان أن كل ما وقع في الموطأ صحيح فإنه لا يحنث. ومنها أن الاحكام مبنية على غلبة الظنون. واحتج من خالف بأن من قال تجادل عن صاحبها وكيف يعرف أنه من أصحابها فأجبته: إذا ثبت له وصف الصحبح المذكورة في أصحابه (ص) على أكمل وجوه ما قيل فيها من كثرة الملازمة لقراءتها وتحصيل ما أوجب ثلوج صدره بأنه كذلك وهو مستفت وكذا وقع السؤال، هل الحجاج أعظم معصية من الزمخشري أو بالعكس ؟ فوقع الجواب أن على القول بأن مذهبه يقود إلى الكفر فهو أعظم، وإن قلنا يقود إلى الفسق

________________________________________

[ 357 ]

فيقع التردد في الترجيح لان معصية الزمخشري مما يرجع إلى الذات الالهية، ومعصية الحجاج بالجوارح لكنها تتعلق بحق المخلوقين، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ذنب لا يتركه الله وهو مظالم العباد، وذنب لا يعبأ الله به وهو ما بين العبد وبين خالقه، وذنب لا يغفره الله وهو الشرك بالله. وإن كان في صحة هذا الاثر مقال ذكره عز الدين وكان يتقدم الترجيح أن الحجاج أعظم جرما لان أفعاله تدل على عدم إيمانه مع كثرته وجراءته على الصحابة والتابعين وخيرة هذه الامة. انتهى والله أعلم. وما ذكره فيمن حلف على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة ذكره في العتبية في أول سماع عبد الملك بن الحسن في كتاب الايمان بالطلاق ونصه: قال عبد الملك: وأخبرني غير واحد من المصريين أن ابن القاسم عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم يكن عمر بن الخطاب في الجنة قال ابن القاسم: لا حنث عليه. وأخبرني من أثق به عن ابن القاسم في أبي بكر مثل ذلك. قال ابن الصلت: وسمعت ابن القاسم يقول في عمر بن عبد العزلز مثل ذلك. قال ابن رشد: أما من حلف بالطلاق أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من أهل الجنة فلا ارتياب في أنه لا حنث عليه، وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله (ص) بالجنة، وكذلك من جاء فيه عن النبي (ص) من طريق صحيح أنه من أهل الجنة كعبد الله بن سلام فيجوز أن يشهد له بالجنة. وأما عمر بن عبد العزيز فتوقف مالك رحمه الله في تحنيث من حلف عليه أنه من أهل الجنة وقال: هو إمام هدى وهو رجل صالح ولم يزد على هذا لانه لم يرد فيه نص يقطع العذر. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم التعلق بظاهر ما روي عن النبي (ص) من قوله: إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء وقوله: أنتم شهداء الله في أرضه. من أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار وقد حصل الاجماع من الامة على حسن الثناء عليه والاجماع معصوم لقوله: لم تجتمع أمتي على ضلالة انتهى. وما ذكره البرزلي عن المدارك فيمن حلف أن كل ما في الموطأ صحيح أنه غير حانث، ذكره في مختصرها أيضا. وقال ابن فرحون في الديباج المذهب: لما تكلم على الموطأ وثناء الناس عليه قال أبو زرعة: لو حلف رجل بالطلاق على أحاديث الموطأ التي في الموطأ أنها صحاح كلها لم يحنث، ولو حلف على حديث غيره كان حانثا. انتهى والله أعلم.

________________________________________

[ 358 ]

الثالث: قال في سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق: وسئل عن رجل قال لرجل: أنا والله أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله وامرأته طالق ألبتة قال: أراه حانثا. قيل له: فلو قال له امرأته طالق إن لم يكن فلان أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله منك ؟ قال: إن كان ذلك في رجل من أصحاب رسول الله (ص) وقد عرف فضله مثل أبي بكر وعمر فلا شئ عليه، وإن قال ذلك لاهل هذا الزمان فهو حانث إلا أن يعلم من ذلك الذي حلف عليه فسقا بينا فأرجو أن لا يكون عليه شئ. قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم فيمن حلف على غيب لا يعلم حقيقته أنه حانث. ويريد بقوله وقد عرف فضله على صاحبه أي من قد عرف فضله من أصحاب رسول الله (ص) على صاحبه الذي قال له: أنا أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله. وقوله مثل أبي بكر وعمر وغيرهما من فضلاء الصحابة كعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ومن سواهم ممن شهرت فضائلهم وعلمت مناقبهم. ولو حلف بالطلاق أن فلانا لرجل غير مشهور من الصحابة أتقى لله وأشد حبا لله ولرسوله لرجل من أهل الزمان معلوم بالخير لحنث بدليل قوله (ص): أعجب الناس إيمانا قوم يخرجون من بعدي ويؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني ولو حلف بذلك في بعض الصحابة على بعض لحنث إلا في أبي بكر وعمر للاجماع الحاصل من أهل السنة أنهما أفضل من غيرهما وأن أبا بكر هو الافضل وبالله التوفيق. ومثله أن يحلف أن فلانا يعني من غير المشهورين من الصحابة أو التابعين خير من فلان يعني به شخصا من أهل هذا الزمان المعروفين بالصلاح والخير، ولا يقال قد ثبت أن خير القرون الذين رأوا رسول الله (ص) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لان هذا من حيث الجملة لا من حيث كل شخص على انفراده والله أعلم ص: (أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني) ش: هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا. وهكذا قوله إن كان في بطنك غلام أو إن ولدت جارية إلى غير ذلك من الفروع كلها من باب واحد. وقول المصنف فيما يأتي: أو إن ولدت جارية مع الفروع التي ذكرها

________________________________________

[ 359 ]

في التوضيح وابن عبد السلام هنا مبنية على خلاف ما يشهر هنا والله أعلم. ص: (وحملت على البراءة) ش: قال ابن عرفة: فيه على المشهور أن الحامل تحيض نظر. انتهى. ص: (أو بما لا يمكن إطلاعنا عليه) ش: تصوره واضح. مسألة: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بطلاق زوجته ما أنا إلا فلان ابن فلان يعني أباه. فأجاب: لا حنث عليه. وأجاب القاضي القابسي بأنه حانث لانه يمين غموس.

________________________________________

[ 360 ]

قال البرزلي: قلت: إن كان مقصده أنه ينسب إلى أبيه لا إلى غيره فهو بار في يمينه، وإن أراد في نفس الامر فيجري على اليمين على غلبة الظن أنه كالشك والوهم ولهذا قال غموس. انتهى. ص: (بخلاف إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط) ش: نص عليه في العتق الاول من المدونة في أوائله. وقوله: فقط احتراز مما إذا قال إلا أن يبدو لي في الطلاق مثل أن يقول أنت طالق إلا أن يبدو لي فإنه لا ينفعه. قال ابن رشد في رسم جاع من سماع عيسى من الايمان بالطلاق: فلا خلاف كما أنه إذا قال إلا أن يبدو لي في المعلق عليه ينفعه بلا خلاف. انتهى بالمعنى وسيصرح به المصنف والله أعلم. مسألة نازلة: رجل قال لزوجته أنت طالق إلا أن يبدل الله ما في خاطري فأجبت بأنها كمسألة أنت طالق إلا أن يبدو لي والمشهور فيها اللزوم، بل حكى ابن رشد في رسم جاع من سماع عيسى من الايمان بالطلاق أنه لا خلاف في لزوم الطلاق وأشرت بذلك لكلامه المتقدم. ص: (أو كإن لم تمطر السماء غدا) ش: اللخمي: وإن قال أنت طالق إن أمطرت السماء كانت طالق الساعة لان السماء لا بد أن تمطر. وإن قال إن لم تمطر فأنت طالق فلا شئ عليه، وسواء عم أو خص بلدا لانه لا بد أن تمطر في زمن ما، وكذلك إن ضرب أجلا عشر سنين أو خمس سنين. مسألة نازلة: وهي أن شخصا خاصم شخصا فقال أحدهما وكأنه المظلوم خيمته علي

________________________________________

[ 361 ]

حرام إن لم ينصفني الله من فلان، فمكث يومين ونحوهما فأصابه مرض فقتله، والخيمة في عرفهم كناية عن الزوجة، فأجبت بأن الظاهر أن هذا من الحلف على الغيب نحو إن لم تمطر السماء غدا فالمشهور أنه ينجز عليه الطلاق، فإن غفل عنه حتى وقع المحلوف عليه فحكى ابن رشد في رسم يوصي من سماع عيسى من الايمان بالطلاق في ذلك قولين، قال المغيرة يلزمه، وقال ابن القاسم لا يلزمه وذكر القولين في التنبيهات، وحكى عن فضل بن مسلمة أنه حكى القولين عن ابن القاسم. ص: (أو يحلف لعادة فينتظر) ش: كما في حديث الموطأ إن نشأت بحرية فتشاءمت فتلك عين غديقة. قال ابن الاثير في النهاية: أي كثرة الماء هكذا جاءت مصغرة وهو من تصغير التعظيم. انتهى من باب الغين المعجمة مع الدال المهملة فيكون بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم قاف مفتوحة انتهى. وأما قوله: بحرية فرأيته مضبوطا بالفتح والظاهر أنه منصوب على الحال من الضمير المستتر في تشاءمت العائد للسحابة المفهومة من السياق. وقد ورد إذا نشأت السحابة من العين فتلك عين غديقة ذكره ابن الاثير في النهاية. والغدق بفتح الدال المطر الكبار وغدق اسم بئر معروفة في المدينة. قاله في النهاية ص: (أو بمحرم كإن لم أزن إلا أن يتحقق قبل التنجيز) ش:

________________________________________

[ 362 ]

والظاهر أنه لا يبر بمقدمات الجماع. واعلم أن كلامه هنا يدل على أن التنجيز إنما يكون بحكم حاكم والله أعلم. ص: (أو إن شاء هذا الحجر) ش: قال الرجراجي: وإن علقه بمشيئة ما لا تصح مشيئته كالجمادات وغيرها من الحيوانات مثل أن يقول: أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو ينشد هذا الحمار: قفا نبك من ذكرى هل يلزم الطلاق أم لا ؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه لا شئ عليه وهو قول ابن القاسم في المدونة، والثاني وهو قول ابن القاسم في النوادر وبه قال سحنون. انتهى. ص: (أو لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته) ش: قال في المدونة: وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم

________________________________________

[ 363 ]

بذلك أو لم يعلم أو كان ميتا قبل يمينه أو قال لها: إن شاء هذا الحجر أو الحائط فلا شئ عليه. انتهى. قال ابن ناجي: وظاهر قوله أو كان ميتا قبل يمينه علم بذلك أم لا وهو كذلك في أحد القولين. وقيل: يلزم الطلاق إن علم ويعد نادما. وقال اللخمي في التبصرة: وكذلك إن كان فلان ميتا ولم يعلم الزوج بموته فلا شئ عليه. واختلف إذا كان عالما بموته فذكر القولين ثم قال: وإن قال أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يشاء فلان وفلان ميت كانت اليمين منعقدة فإن كلمه طلقت عليه. انتهى. ص: (أو لا يشبه البلوغ إليه) ش: أي لا يبلغه عمر أحد الزوجين وليس المراد أنه لا يبلغه عمرهما معا. قاله في التوضيح: وقال في التوضيح أيضا: قال في البيان: والمعتبر الاعمار التي يعمر إليها المفقود على الاختلاف بينهم في ذلك انتهى. وظاهر كلامهم أن قائل هذا لا يلزمه طلاق ولو عاش إلى الاجل المعلق عليه مثلا لانه حكى في التوضيح عن الجلاب في هذه المسألة روايتين فقال أحدهما: تطلق عليه في الحال والاخرى لا تطلق عليه بحال. انتهى. ومثله قوله في المتيطية: والاخرى أنها لا تطلق عليه بوجه. انتهى والله أعلم. ص: (أو طلقتك وأنا صبي) ش: قال في المدونة في كتاب الايمان بالطلاق في ترجمة الشك في الطلاق: وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك أو أنا صبي فلا شئ عليه. وكذلك إن قال وأنا مجنون إن عرف أنه كان به جنون. انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره في المثالين الاولين لا خصوصية لذلك بل وكذلك لو قال طلقتك في منامي أو قال قبل أن تولدي فإنه يقبل قوله عند ابن القاسم، نص على ذلك في كتاب ابن سحنون وهو أحد الاقوال الثلاثة. وقيل: يلزمه الطلاق قاله سحنون: وقيل: يصدق مع يمينه قاله في المدونة. وما ذكره في الجنون هو أحد الاقوال الثلاثة أيضاف. وقيل: يقبل سواء كان به جنون أم لا. قاله محمد وعكسه. وقيد المغربي قولها في الصبي بما بعده فقال: معناه إذا أقام البينة أنها كانت في

________________________________________

[ 364 ]

عصمته حالة الصبا وأطلقها الاكثر. وأقام الشيخ الفقيه المفتي أبو عبد الله السكوني منها إذا قال لها أنت طالق من ذراعي إنه لا يلزمه شئ. قال: وعلى قول سحنون يلزمه. وكان شيخنا حفظه الله يذكر ذلك عن نفسه وقد سبقه به وذكرته في درس شيخنا ابن مهدي فقال: يمنع التخريج على قول سحنون يجري عادة الناس بالحلف بالذراع فلا بعد منه ندما اتفاقاف انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في التقييد الكبير: قوله وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك. الشيخ: صورته أن يكون قال لها فلانة طالق ولم يذكر شرط التزويج، وأما إن ذكره فيلزمه ذلك. وقوله: أو وأنا صبي الشيخ: إن علم أنه كان تزوجها في حال الصبا صدق فيما قال الآن، وأما الصبا فمعلوم أنه كان صبيا ويدل على هذا التقييد قوله: إن علم أنه كان به جنون وكذلك إن علم أنه كان طلقها قبل أن يتزوجها. وقال سحنون: يلزمه الطلاق وكذلك ندم. وقوله: أو مجنون اللخمي: إن علم أنها كانت له زوجة في حال جنونه. انتهى ص: (أو إن ولدت جارية) ش: أعلم أن المؤلف جرى في هذا المحل على غير عادته أن يذكر المشهور ولا يذكر الطرق، وهنا ذكر طريقين: الاولى منهما هي التي قدمها في قوله كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو لم تكوني، وهذه الطريقة اللخمي أنه ينجز في قول مالك بصيغة البر والحنث ونصه في التبصرة: واختلف فيمن قال إن ولدت جارية فأنت طالق أو إن لم تلدي غلاما فأنت طالق نحو الاختلاف المتقدم في قوله إن كانت حاملا أو إن لم تكوني حاملا، ففي قول مالك إنها طالق مكانها في الوجهين جميعا انتهى. والاختلاف المتقدم هي الاربعة الاقوال التي ذكرها التوضيح في هذا المحل والله أعلم. والطريقة الثانية هي التي ذكرها الآن وهي طريقة القاضي عياض. قال في التنبيهات: قوله إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق لانها شاكة في حالها الآن، وهذا الخلاف إن ولدت جارية وإذا ولدت جارية فلا شئ عليه حتى تلد لانه تعليق بشرط. وكذلك إن أمطرت السماء غدا تطلق حتى تمطر وكذا بينة في كتاب ابن حبيب. انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: فيظهر من قول عياض إنه حمل قول ابن حبيب على التفسير وكذلك يظهر من ابن يونس، ويظهر من قول اللخمي إنه خلاف. انتهى من كتاب الايمان بالطلاق والله أعلم. ص: (إذا حملت) ش: الظاهر أنها إن كانت يائسة لا تحيض لا

________________________________________

[ 365 ]

يلزمه شئ والله أعلم ص: (وانتظر إن أثبت كيوم قدوم زيد) ش: يعني أن من حلف على أمر محتمل غير غالب يثبت فإنه لا يلزمه الطلاق حتى يقع الامر المعلق عليه كما إذا قال أنت طالق يوم قدوم زيد فإنها لا تطلق حتى يقدم زيد. قال في المدونة: وإن قال لامرأته إذا قدم فلان أو إن قدم فأنت طالق لم يلزمه شئ حتى يقدم فلان انتهى. تنبيهان: الاول: قال ابن ناجي: ومعناه ما لم يقصد جعل قدومه أجلا، فإن قصده طلقت الآن انتهى. يعني أن هذا إذا لم يكن مراده تعليق الطلاق على الوقت، فأما إن كان مراده تعليق الطلاق على الوقت وذكر الامر الموقت على سبيل التبع فإنه يصير بمنزلة من علق الطلاق على وقت. وقاله ابن عرفة ونقله عن النوادر والله أعلم. الثاني: قال ابن ناجي إثر كلامه المتقدم: وظاهر الكتاب لو قدم بفلان ميتا فإنه لا حنث عليه لانه لا يصدق عليه قولها إذا قدم فلان. قاله أبو محمد عن سحنون واختاره شيخنا أبو

________________________________________

[ 366 ]

مهدي. وقال شيخنا حفظه الله: يتخرج على قولين من قولهم في الايمان إذا حلف لا دخل عليه بيتا فدخل عليه ميتا فالروايات الحنث خلافا لسحنون. وانظر اللخمي إذا قال: إن قدم أبي انتهى من كتاب الايمان بالطلاق في ترجمة جامع القول. فرع: قال في الجواهر: ولو قال أنت طالق يوم قدوم فلان فقدم في نصف النهار تبين الوقوع أول النهار، ولو قدم ليلا لم تطلق عليه إلا أن تكون نيته تعليق الطلاق بالقدوم انتهى. وقال في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة في آخر ترجمة جامع القول في الايمان بالطلاق: وإن قال لها أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا أو حلف على الليل فدخلها نهارا دون ليل أو ليلا دون نهار حنث إلا أن ينوي. انتهى فتأمله مع كلام الجواهر فإنهما يتعارضان فيما إذا لم تكن له نية. وانظر كلام الجواهر أيضا مع ما قاله المازري في شرح التلقين في أثناء كتاب الوكالة مشبها مسألة بمسألة ونصه: وكمن قال لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد من سفره فقدم زيد ليلا فإنه يلزمه الطلاق، لان المراد بقوله يوم الوقت وإطلاق هذه اللفظة على الوقت مجاز والوقت هو الليل والنهار فلهذا لزمه الطلاق انتهى. وقال البرزلي بعد نقله كلام المدونة: وفي كلام الشعبي من قال لعبده يوم تلد فلانة فأنت حر وقال الآخر ليلة إن تلد فلانة فأنت حر، فإن ولدت نهارا عتق الاول، وإن ولدت ليلا عتقا معا، لان الليل من النهار. البرزلي: ولفظ المدونة إنما هو في اليوم وهو كمال دورة الفلك، إما من الطلوع للطلوع، أو من الغروب للغروب، أو من الزوال للزوال وظاهر القرآن المغايرة من قوله: * (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام) * والايمان تحمل على المقاصد أو على كلام العرب، ومذهبهم أن الليل يستلزم النهار دون العكس عند الاطلاق. انتهى فتأمله ذلك والله أعلم ص: (أو إلا أن يشاء زيد مثل إن شاء زيد) ش: هكذا قال ابن الحاجب ونصه: فإن قال إلا أن يشاء زيد فمثل إن شاء على المشهور. قال في التوضيح: أي فلا يطلق عليه حتى يشاء زيد لان الطلاق فيهما موقوف على مشيئته، وأرى في الشاذ لزوم الطلاق. والفرق أن الكلام في الصورة الثانية اقتضى وقوع الطلاق إلا أن يشاء زيد رفعه بعد وقوعه والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه بخلاف الصورة الاولى

________________________________________

[ 367 ]

فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بالمشيئة. ومن هذه المسألة ما وقع لاصبغ فيمن قال أنت طالق إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شئ عليه. واستشكله بعضهم بأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع بإرادة أبيه إلا أن يريد التعليق انتهى. وهذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه: لا أرى عليه شيئا وأراه بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ أبوه، وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ. قال ابن رشد: تشبيه أصبغ إلا أن يمنعني أبي إلا أن يشاء صحيح، وأما قياسه ذلك على قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبوه فليس بصحيح، لان قوله إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط مشيئة أبيه فلا يقع إلا أن يشاء أبوه إذا لم يوجبه على نفسه إلا بذلك كمن قال امرأته طالق إن ضرب أبوه غلامه أو دخل الدار، وقوله إلا أن يشاء إنما هو طلاق قيد حله عنه بمشيئة أبيه لان تقدير قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي إلا أن يكون طلاقا ولا مشيئة لابيه في أن لا تكون طالقا إذا كان هو قد طلقها. فقوله لها أنت طالق فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه كما لا يسقط عنه لو قال امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار وهذا بين لا خفاء فيه. فلا يصح أن يحمل قول الرجل امرأته طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق ألبتة إن شاء أبي إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه إلا أن يقول الرجل أردت ذلك فينوي إذا جاء مستفتيا. ولا يصح على أصولهم أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك إذا لم تكن له نية. ووجه قول أصبغ أنه لما كان قوله إلا أن يشاء أبي أو إلا أن يمنعني أبي لغو لا فائدة فيه لقائله ولا تأثير له في الطلاق، حمل على أنه أراد إن شاء أبي إذ لا تفرق العوام والجهال بين هذه الالفاظ، فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله إن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق. فقوله على كل حال ضعيف، وهذا الذي ذكرناه أظهر محتملات كلامه. ويحتمل أن يريد بقوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي امرأته طالق ولا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي، فيكون على هذا التأويل بمنزلة قوله إلا أن يريد أبي، وإلى هذا نحا أصبغ، ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يريد بذلك امرأته طالق إلا أن يفعل فلان كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا وكذا، فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا فيحال بينه وبين امرأته ويدخل عليه الايلاء أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك، فهذه ثلاثة وجوه تحتملها المسألة: فإن أراد الحالف أحدها حملت عليه يمينه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه منها تحمل يمينه. انتهى. قلت: أما إذا قال إلا أن يشاء أبي فأظهر الاحتمالات هو الثاني كما قال أصبغ. وأما إذا قال إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار فأظهرها الثالث فتأمله والله أعلم. ونقل ابن عرفة

________________________________________

[ 368 ]

كلام ابن رشد ص: (بخلاف إلا أن يبدو لي) ش: قال ابن عرفة: وجه تفرقته أن الرافع في قوله: إلا أن يبدو لي هو الموقع فكان تلاعبا، والرافع في إلا أن يشاء فلان غيره فأشبه كونه تفويضا. وقال ابن عبد السلام: الفرق أن قول: إلا أن يشاء زيد يمكن حمله على أن يشاء، وقوله: إلا أن يبدو لي لا يمكن رده للشرط لانه إخراج حالة مستقبلة بعد وقوع الطلاق لا يمكنه تعلقه بالحال فوجب. قلت: فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل إن أشاء على إن شئت والمنصوص في إن شئت حمل إن أشاء على إن شئت والمنصوص في إن شئت عدم اللزوم وفي إلا أن أشاء اللزوم انتهى. قلت: ما فرق به ابن عرفة هو معنى قول المصنف في التوضيح والفرق للاشهر قوة التهمة في إلا أن يبدو لي بجلاف إلا أن يشاء زيد فإنه لا يتهم على ذلك انتهى. وحاصل كلامهم أن الاظهر في قوله: إلا أن يبدو لي حمله على الوجه الاول من احتمالات ابن رشد بخلاف إلا أن يشاء زيد وإليه يرجع كلام ابن عبد السلام عند التأمل. وقول ابن عرفة فيلزم كونه في إلا إن شاء مثل إلا أن يشاء زيد ليس بظاهر لما قلنا إن الاظهر في قوله: إلا أن أشاء أو يبدو لي أنه طلاق قيد حله بمشيئته أو إرادته وذلك لا يفيد بخلاف إلا أن يشاء زيد فإن الاظهر فيه أنه طلاق معلق على مشيئة زيد فتأمله. وما ذكره من أن المنصوص في أنت طالق إن شئت عدم اللزوم. قاله في العتق الاول من المدونة ونصه: وإن قال لها أنت طالق إن شئت أو إن شاء فلان لم تطلق حتى ينظر إلى ما شاء أو شاء فلان انتهى. قال أبو الحسن: لم يذكر التعليق بمشيئة نفسه في الكتاب إلا هنا، وهذا بخلاف قوله: أنت طالق إلا أن يبدو لي. والفرق بينهما أن قوله: إلا أن يبدو لي والاستثناء في الطلاق لا ينفعه، وقوله: إن شئت تعليق بصفة فلا يلزمه إلا بوقوع الصفة انتهى. فعلى هذا ما يوجد في بعض نسخ التهذيب في قوله: إن شئت بكسر التاء فليس بصحيح والله أعلم. ص: (وإن نفى ولم يؤجل كإن لم يقدم منع منها) ش: قال في كتاب العتق من المدونة: ومن قال لزوجته إن لم

________________________________________

[ 369 ]

أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق فهو على حنث ويتوارثان قبل البر إذ لا يطلق ميتة ولا يوصي ميت بطلاق انتهى. ص: (لا إن لم أحبلها) ش: قال الشارح في الكبير في شرح قول المصنف أو إذا حملت إلا أن يطأها مرة إلى آخره ما نصه. فرع: قال في المجموعة قال أشهب: ومن قال لزوجته إن لم أحبلك فأنت طالق فإنه يطؤها أبدا حتى تقعد عن الحمل ويؤيس منه لها. انتهى وهو ظاهر فتأمله ص: (وهل يمنع مطلقا أو إلا في كإن لم أحج في هذا العام وليس وقت سفر تأويلان) ش: يعني إذا حلف

________________________________________

[ 370 ]

على فعل له وقت معلوم قبل وقته فهل يمنع من الآن أو حتى يأتي الوقت. ص: (إلا إن لم أطلقك مطلقا أو إلى أجل فأنت طالق) ش: أي فيقع عليه الطلاق على المشهور. وقيل: لا يقع عليه حتى يرفعه للحاكم. قال في التوضيح: ولا إشكال على القولين أنه لا يمكن من الوطئ لانه حنث في يمينه. عياض: فإن اجترأ أو وطئ سقط عنه الايلاء واستؤنف له ضرب الاجل ولا يلزمه استبراء من هذا الوطئ متى جاز له تطليقها ومراجعتها للاختلاف في منع الوطئ في يمين الحنث. ص: (وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق ألبتة إلى آخره) ش:

________________________________________

[ 371 ]

قال ابن عرفة الشيخ في الموازية عن عبد الملك: قوله أنت طالق إلى مائة سنة إن لم أطلقك الآن لغو، وفي أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة هي طالق الساعة. انتهى والله أعلم ص: (وهل كذلك في الحنث أو لا يضرب له أجل الايلاء ويتلوم له قولان) ش: ظاهر كلامه أنه إذا حلف على فعل غيره فيفصل فيه، فإن بان أنه كان محرما فإنه ينجز الطلاق وهذا الذي مال إليه في توضيحه من طريق البحث ولكنه لم ينقله عن أحد. وصرح ابن الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه، سواء كان محرما أم لا، وتبعه ابن رشد القفصي فقال: وإن علقه بفعل غيره لم ينجز، محرما كان أو غير محرم، لكن يمنع من الوطئ حتى يقع ما حلف عليه. وفي تسوية المصنف رحمه الله بين القولين نظر، فقد صرح في كتاب العتق الاول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الايلاء وإنما يتلوم له الامام بقدر ما يرى أنه أراد من الاجل ونصه: ومن قال لامته إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا فأنت حرة، أو لزوجته فأنت طالق، أو قال إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر وزوجتي طالق، منع من البيع والوطئ وهو على حنث ولا يضرب له في هذا أجل الايلاء في المرأة، وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو. فأما هذا فإن الامام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الاجل في تأخير ما حلف عليه وتوقف لذلك الزوجة والامة والاجنبي، فإن لم يفعل ذلك عتق عليه وطلق إلا أن يريد إكراه الامة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره فله إكراهها ويبر. ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وعتقت الامة في الثلث وترثه الزوجة انتهى. قال ابن يونس: لان الحنث وقع عليه بعد موته انتهى. وقال في قوله إلا أن يريد إكراه الامة ويكون القول قوله اه‍. وقال في التوضيح: المشهور أنه إنما يضرب له أجل الايلاء إذا حلف على فعل نفسه، وأما على غيره فلا، ويتلوم له القاضي ثم يطلق عليه ولم يحك القرويون غيره وحكى صاحب المقدمات الخلاف انتهى. ص: (وإن أقر بفعل ثم حلف ما

________________________________________

[ 372 ]

فعلت صدق بيمين بخلاف إقراره بعد اليمين) ش: تصوره واضح. قال البرزلي في مسائل الايمان بعد نقله المسألة: وانظر إذا نكل هل يلزمه ما يلزمه في إقامه شاهد على الطلاق، والظاهر أن إقراره أسدله، واعلم أنه لا مفهوم لقول المصنف: بفعل بل الحكم سواء في جميع الاشياء. ولو قال وإن أقر بشئ لكان أوضح ويشهد لما قلناه مسائل منها ما في رسم يشتري الدور والمزارع في سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق وهي مشتملة على مسائل ونصها: وقال في الرجل يقول: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعد ما كان أقرانه حلف أنه لا يكلمه فقال: امرأته طالق إن كنت حلفت وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها ولقد كلمت فلانا وما علي يمين بطلاق ولا غيره أن لا أكلمه قال: يحنث ولا يدين لان الفعل الذي أقر أنه حلف أن لا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين الذي زعم أنه حلف بها أن لا يفعل ذلك الفعل. قال: ومن قال لقد كلمت فلانا اليوم أو أتيت فلانا أو أكلت طعام كذا وكذا ثم عوتب في بعض ذلك فقال: امرأته طالق إن فعل شيئا من ذلك، فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد كان فعله وأنه إنما كان كذب أولا، ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك الشئ فتشهد البينة أنه فعل قبل أن يحلف فيحنث أو يقر بعد يمينه أنه قد كان فعله فيلزم الحنث أيضا بإقراره. قال: ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره فقال بعد شهادتهم عليه امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور وما كان لفلان قبلي شئ وما فعلت الذي شهدوا به علي وإلا فامرأته طالق، فإنه يدين ويحلف أنهم كذبوا في شهادتهم وتحبس امرأته، فإن أقر بعد تصديق الشهداء أو جاء شهداء آخرون يشهدون على تصديق شهادة الاولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه. قال: وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا أو إن كان كلم اليوم فلانا فشهد عليه عدول بإثبات الحق وأنه كلم ذلك الرجل فإن الحنث يلزمه. قال ابن رشد: هذه المسائل كلها صحاح وأصلها في الايمان بالطلاق منها وتكرر في أول سماع ابن القاسم من الشهادات، ولا خلاف أحفظه في شئ منها. وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو إقرار إذا تقدم على الاقرار بالفعل والشهادة به عليه طلقت عليه، وإن تقدم الاقرار منه بالفعل أو الشهادة به على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم تطلق عليه. والفرق بين أن تتقدم اليمين على الفعل أو الفعل على اليمين، هو أن اليمين إذا تقدم بإقرار أو بينة فقد لزم حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل. انتهى.

________________________________________

[ 373 ]

وانظر كلام مختصر الواضحة في كتاب الايمان والنذور وكلام النوادر. وذكر ابن رشد في رسم المكاتب في سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق مسألة، وهي من ادعى على رجل بحق فحلف بالطلاق ما لك عندي حق حلف المدعي بالطلاق أن ذلك الحق عندك ولم تقم له بينة بذلك، فإنه لا يقضى عليه بالحق، وأما الطلاق فلا يلزمه ويدين. وهل يحلف أو لا يحلف ؟ قولان اه‍. وأشار إلى ذلك في رسم الطلاق الاول من سماع أشهب وفي رسم تسلف في المبتاع من سماع ابن القاسم قال: وهذا إذا طولب بحكم الطلاق، أما إن جاء مستفتيا فلا وجه لليمين وهي يمين تهمة والله أعلم. وفي سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق في رجل أمر غريمه أن يدفع ماله عليه إلى وكيله ثم سأله بعد أيام فقال دفعته إلى وكيلك فقال كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا فقال الغريم: امرأته طالق ألبتة إن كنت لم أدفع إليه حقه وقال الطالب: امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا قال: أما المطلوب فينوي في يمينه ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع، وأما الطالب فحانث لانه حلف على غيب لا علم له به، ولا يجوز للامام أن يقر امرأته عنده وقد بان أنه حلف على غير علم. انتهى من حاشية المشذالي في كتاب الهبات وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق. مسألة: قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا، أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا، ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما ويقول الرجل قد ضربت: إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف. قال ابن القاسم: وذلك مخالف للحقوق في قول مالك لان الرجل لو حلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض الرجل حقه إلى أجل سماه فحل الاجل وزعم أنه قضاه قال مالك: إن لم يكن عليه بينة بالقضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق. قال ابن رشد: أما الذي يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبده ليضربنه إلى أجل يسميه، فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الاجل على أنه قد ضرب قبل الاجل لان ضرب الزوج امرأته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها والعبد من سيده فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك، ولا يلزمه الاشهاد على تأديبه ولعله ضرب عداء فلا يسوغ للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضر ليشهد به. قال في الواضحة: وإن مات السيد بادعاء العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك، فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا منزلة السيد في ذلك. وأما الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الاجل وزعم أنه قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق البتات ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن القول قوله مع يمينه يحلف ويبر من الحنث بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته، وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه وهو قول مالك في رواية زياد عنه. والثاني أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ

________________________________________

[ 374 ]

من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين وهو الذي يأتي على قول سحنون في كتاب ابنه. والثالث أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين ولا بإقرار صاحب الحق ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين، وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك وظاهر رواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من سماع عيسى. وقد قيل: إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يطأ حراما، وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة. قال ابن نافع في المبسوطة مع يمينه، وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى: إذا كان من أهل الصدق وممن لا يتهم. وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة وهو معنى قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق لانه يريد بقوله على أصل اليمين، وأما إذا لم تكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما روجع فيها وطلب بها فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه. والثاني أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الاجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة، وسواء كانت على أصل الدين بينة أو لم تكن. وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها على أصل اليمين على ظاهر قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق وليس ذلك بصحيح، لان الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها بوجوب الطلاق. فالمعنى في ذلك هو ما ذكرناه، ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك يمين، ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الاجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام هو بينة على دفع الحق قبل الاجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الاصل قائم من المدونة وغيرها وبالله التوفيق. مسألة: قال في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة في رسم النكاح: وسئل ابن القاسم عمن نزلت به يمين في امرأته فأفتى بأن قد بانت فقال لها وللناس قد بانت مني ثم علم أنه لا شئ عليه فقال: لا ينفعه وأراها قد بانت إذا قال ذلك. قال ابن رشد: هذا قول أشهب أيضا. وحكى ابن حبيب عن مالك أنه لا شئ عليه. وقال سحنون في كتاب ابنه: إن قال ذلك على وجه الخبر يخبر بما قيل له ولا شئ عليه، وإن قال ذلك يريد الطلاق طلقت عليه، والذي أقول به في هذا: إن كان الذي أفتى به خطأ مخالف للاجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شئ عليه، وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه به من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم، فينبغي أن يرد الاختلاف المذكور في المسألة إلى هذا. وهذا كله إذا أتى مستفتيا، وأما إن حضرته البينة بقوله قد بانت منه ثم ادعى أنه إنما قال ذلك لانه أفتى به فلا يصدق في ذلك

________________________________________

[ 375 ]

ويؤخذ بما ظهر من إقراره إلا أن تشهد بينة أنه أفتى بذلك فيصدق في أنه قال ذلك لذلك مع يمينه انتهى. واعلم أنه إذا قال اللفظ المذكور أو ما أشبهه يريد به الطلاق فلا إشكال في لزوم الطلاق كما قال سحنون، وأما إن أراد الاخبار عما أفتى به فكما قال ابن رشد: إن كان ما أفتى به مخالفا للاجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شئ عليه، وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم. وبقي قسم وهو مفهوم من قول ابن رشد ومفتيه من أهل الاجتهاد وهو ما إذا كان مفتيه ليس من أهل الاجتهاد والترجيح وأفتاه بالقول المرجوح جهلا فهذا لا يلزمه شئ وهو مفهوم كلام ابن رشد والله أعلم. ص: (ولا تمكنه زوجته إن سمعت إقراره وبانت) ش: اعلم أن ظاهر كلام المصنف أنه شرط في منعها نفسها منه شرطين: الاول: أن تسمع إقراره. الثاني: أن تبين ولم يبين أحد من شروحه التي وقفت عليها معنى الشرط الثاني وهو قوله: وبانت. وكذلك شارحا ابن الحاجب أعني المصنف وابن عبد السلام مع أن عبارة ابن الحاجب أوضح من عبارة المؤلف ونصه: ولا يسع زوجته إن علمت إقراره المقام معه إلا كرها إن بانت كمن علمت أنها طلقت ثلاثا ولا بينة

________________________________________

[ 376 ]

لها انتهى. ولم ينبها على معنى قوله إن بانت. ثم إني وقفت على شرح ابن الحاجب للعلامة ابن فرحون فذكر بعض شئ ونصه: قال في المدونة: فإن كان علم هو أنه كاذب في إقراره بعد يمينه حل له المقام عليها فيما بينه وبين الله ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره وكان الطلاق بالثلاث. وهذا معنى قوله: إن بانت وترفعه للحاكم إلا أن لا تجد بينة ولا سلطانا انتهى. وما ذكره عن المدونة أعني قوله: وكان الطلاق بالثلاث لم أره في التهذيب، ولم أر من نقله عن المدونة ولا من نبه عليه من شراحها بعد النظر في ابن يونس وأبي الحسن الكبير والصغير وابن ناجي والرجراجي والتنبيهات والنكت وحاشية المشذالي فتأمله والله أعلم. وقال البرزلي في مسائل الانكحة. مسألة: وسئل ابن أبي زيد عمن شهد على زوجها شاهدان بالطلاق وهي تعلم زورهما، هل يباح لها التزويج أم لا ؟ فأجاب: هذا لا يعرف أبدا إلا على وجه أن يشهد أنه طلقها في يوم الخميس وتعلم هي أنها لم تفارقه في ذلك اليوم، فينبغي إن كان ذلك أن لا تتزوج. البرزلي: وعكسه تعلم تحقيقا أن يشهدا عليه أنه طلقها وهو يعلم بطلان شهادتهم، وقد وقعت وأفتى فيها شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي وقد كانت منعت منه أنه يجوز له أن يتسور عليها ويطأها إذا خفي له ذلك وصدقته وهي عندي تجري على مسألة من رأى هلال شوال وحده وهو في الحاضرة هل يباح له الفطر إذا خفي له، وعلى مسألة من جحد له مال فظفر بمال للجاحد هل يباح له أ - لا ؟ أما إذا كان غير وديعة عنده ولم يخف على نفسه فجائز، وإن خاف على نفسه مثل الفقير يقدر على خموال مستغرق الذمة بالتستر والسرقة فكان شيخنا أبو محمد المذكور يبيح للفقراء أخذ أموال الظلمة كيفما تأتي، وكان شيخنا الامام يمنع ذلك ابتداء خشية أن يطلع عليه فيدركه الضرر. هذا الذي شافهته منه، ثم بلغني أنه رجع إلى جواز ذلك وهو كمسألة المضطر لاكل مال الغير إن خاف على نفسه القطع أبيحت له الميتة وإلا جاز له أخذه، وأما إن كان عنده وديعة فهل ينفعه الجحد أم لا ؟ فيه ستة أقوال حكاها ابن رشد في الشرح وذكر ابن يونس أكثرها حيث تكلم عليها في المدونة من آخر الوديعة انتهى. والمشهور المنع في المسألتين المخرج عليها والاجراء عليها ظاهر فيلزم في المسألة المذكورة والله أعلم. قال ابن الحاجب: ولا يفطر في هلال شوال ظاهرا ولا خفية وإن أمن الظهور على الاصح. قال في التوضيح: ومقابل الاصح لم أره منصوصا، وخرجه اللخمي من مسألة الزوجين يشهد عليهما

________________________________________

[ 377 ]

شاهدان بالطلاق الثلاث والزوجان يعلمان أنهما شهدا بزور فقد قيل: لا بأس أن يصيبها خيفة، فالاكل مثله من باب أولى لان التخفي في الاكل أكثر من الجماع. انتهى. ص: (وأمر بالفراق في إن كنت تحبيني أو تبغضيني) ش: قال الشيخ أبو الحسن: هو رباعي من قولهم أبغض في الله وأحب في الله انتهى. ونحو هذه المسائل ما قاله بعد هذه في المدونة: وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فقالت دخلت فكذبها ثم قالت كنت كاذبة أو لم تقل، فإنه يؤمر بفراقها ولا يقضى به عليه ولو صدقها أولا لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها، وإن قال لها أنت طالق إن كتمتيني أو كذبتيني لشئ سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أم كذبته فليفارقها بلا قضاء انتهى. وقريب من هذه المسائل ما قاله في نوازل أصبغ من طلاق السنة. قال أصبغ في رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة إن كنت حائضا قالت أنا حائض قال: أرى أن يخلي سبيلها وأن الطلاق وقع عليها. ولو قالت لست حائضا أرى أن لا يصدقها ولا يقبل منها ولا ينتفع بذلك وليخل سبيلها، لان ذلك شك لا يدري ما هو عليه منها أصادقة هي أم كاذبة، فلا يقيم على الشك إلا أن ينكشف له ذلك بأسباب يقبل عليها ويقع على يقينها به. قال ابن رشد: قوله: ولا يقيم على الشك يريد ويفرق بينهما في الحكم. هذا مذهب أصبغ فيما كان من هذا الفرع مما يحلف الحالف فيه على غيره فيما قد مضى فيكون الشك فيه قائما إذ لا يعلم حقيقته إلا من جهته ولا يدري هل صدقته، مثل أن يقول امرأتي طالق إن كنت تبغضيني أو إن لم تصدقيني فتقول أنا أحبك وتخبره وتزعم أنها قد صدقته وما أشبه ذلك. وابن القاسم يرى مثل هذا أنه يؤمر ولا يجبر، وقد مضى هذا المعنى في رسم القطعان من سماع عيسى. فرع: قال في المدونة: وإن قال لها أنت طالق إن كنت أحب طلاقك وهو يحبه بقلبه فهي طالق. انتهى والله أعلم ص: (وبالايمان المشكوك فيها) ش: قال ابن غازي: قوله:

________________________________________

[ 378 ]

وبالايمان معطوف علي بالفراق بحذف مضاف أي وأمر بالفراق في كذا أو في كذا أو بإنفاذ) الايمان المشكوك فيها انتهى. وهذا أحسن مما حمله عليه الشارحان لان مسألتهما يجبر فيها على الفراق لانهما جعلاه أشار إلى قوله في المدونة: وكل يمين في الطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو حانث. قال ابن ناجي قال ابن الحاجب: يعني يشك احترازا من الوهم فإنه لا أثر له. ثم قال: وقال خليل: لا يؤمر بشئ إذا ظن البر كما يفهم من كلامه أو يكون أخف فقال بالجبر مع الشك يؤمر ها هنا من غير جبر، وعلى القول بالجبر لا يؤمر هنا بشئ انتهى. انظر ابن عبد السلام. وجعل ابن غازي أنه أشار إلى قوله ومن لم يدر بما حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمش إلى مكة يؤمر بذلك من غير قضاء. قال أبو الحسن: قال ابن محرز: لم يذكركم يطلق زوجته ولا كم يمشي إلى مكة وإن كان الشك لا يتناول عددا قائما يلزمه طلقة واحدة والمشي مرة واحدة لانه كأنه إنما حلف بهذه الاجناس انتهى. ابن ناجي: فهم شيخنا أبو مهدي قولها يؤمر على اللزوم ووجوبا وإنما أراد نفي الجبر فقط. وفهم شيخنا حفظه الله قولها على الاستحباب والصواب هو الاول لقرينة قولها من غير قضاء. ثم قال ابن محرز: إنما قال: ويتصدق بثلث ماله لانه شك هل حلف بصدقة جميع ماله، ولو شك هل حلف بصدقة أم لا فليخرج أقل ما ينطلق عليه الاسم مدا أو درهما انتهى. وعلى ما حمله ابن غازي تكون عبارة المؤلف أحسن من عبارة ابن الحاجب لموافقته للمدونة في أنه إنما يلزمه من الايمان ما شك في حلفه به لا ما اعتاد الحالف به من الايمان كما يفهم من ابن الحاجب والله أعلم. ص: (ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا) ش: تصوره واضح. سئلت عمن جزم أنه طلق بالكلام النفسي وشك هل تلفظ بذلك أم لا ؟ فأجبت: أما على القول بلزوم الطلاق بالكلام النفسي وهو أحد المشهورين

________________________________________

[ 379 ]

فلا شك في لزوم الطلاق له، وأما على القول بعدم لزوم الطلاق بالكلام النفسي فالظاهر أنه بمنزلة من شك هل طلق أم لا، والمشهور أنه لا يلزمه شئ والله أعلم. ص: (وإن شك أهند هي أم غيرها) ش: تصوره واضح. مسألة حسنة: وقعت لابن عرفة والابي وهي أن ابن عرفة سئل عن رجل له أربع زوجات رأى إحدى زوجاته الاربع مشرفة من طاقة فقال لها إن لم أطلقك فصواحبك طوالق فردت رأسها ولم يعرفها بعينها وأنكرت كل واحدة منهن أن تكون هي المشرفة. فأجاب بأنه يلزمه طلاق الاربع وكان ذلك بحضور الابي فقال: إنما يلزمه طلاق ثلاث منهن وتبقى الرابعة لانها إن كانت هي المشرفة فقد طلق صواحبها، وإن كانت المشرفة إحدى الثلاث اللاتي طلقن

________________________________________

[ 380 ]

فلا حنث في التي تحته. أخبرني بذلك بعض أصحابنا من طلبة العلم من أهل القيروان من أهل الدين والفضل قال: إنه أخبره بذلك والده وكان من أهل العلم والدين غفر الله للجميع بمنه وكرمه آمين. ص: (أو قال إحداكما طالق) ش: قال في الايمان بالطلاق من المدونة: ومن قال إحدى نسائي أو امرأة من نسائي طالق أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة طلقت التي نوى خاصة وصدق في القضاء والفتيا، فإن لم ينوها أو نواها ونسيها طلقن كلهن من غير استئناف طلاق، فإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له انتهى. قال ابن ناجي: قوله صدق في القضاء والفتيا ظاهره بغير يمين. قاله المغربي وابن عبد السلام. وقال اللخمي: اختلف في يمينه وأرى إن لم تكن عليه بينة لم يحلف على كل حال وإن كانت عليه بينة، فإن قال أردت فلانة وكان كلامه نسقا صدق بغير يمين، وإن لم يكن نسقا وكانت منازعته معها صدق بلا يمين وإن لم تكن ثم منازعة، فإن عين الحسناء أو التي يعلم أنه يميل إليها لم يحلف، وإن عين الاخرى حلف. وقوله: طلقن كلهن هذا قول المصريين. وقال المدنيون: يختار كالعتق. انتهى كلام ابن ناجي. تنبيه: وكذلك لو قال امرأته طالق وله امرأتان قاله ابن الحاجب ونقله في الشامل. مسألة: قال ابن رشد في نوازله في أول مسائل الحبس: إذا قال الرجل نسائي طوالق وله أربع نسوة ثم أتى مستفتيا وقال أردت فلانة وفلانة وفلانة صدق ولم يلزمه طلاق الرابعة التي قال إنه لم يردها بقوله. ولو قال جميع نسائي طوالق لم ينو أنه أراد بعضهن لنصه على جميعهن إلا أن يقول قد استثنيت فقلت إلا فلانة أو نويت إلا فلانة فيصدق إذا أتى مستفتيا على الخلاف في الاستثناء بإلا دون تحريك اللسان إن كان قد نويت إلا فلانة انتهى. والمشهور أن الاستثناء إنما يفيد بحركة اللسان إلا أن يكون عزل واحدة في يمينه أو لا فيكون من باب المحاشاة والله أعلم. وانظر أحكام ابن سهل فيمن حلف بطلاق امرأته ولا يعلم له الحاضرون إلا امرأة واحدة ثم أثبت أن له امرأتين وأنه أراد الثانية، وقد أطال الكلام في ذلك والمسألة في الجزء الاول قبل ترجمة من قال جميع ما أملك حرام، والمسألة في سماع أشهب وسماع أصبغ من العتبية، ومما يناسب هذا المحل ما في سماع يحيى من الايمان بالطلاق في رسم الصبرة في الرجل يقول: امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث قيل: إنه يخير فيقال له أوجب حنثا في أيهما شئت فأعتق العبد وإن شئت فطلق. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان موضوع أو في اللسان الماضي الشك وفي المستقبل التخيير فوجب إذا قال الرجل امرأتي طالق أو غلامي حر إن فعلت كذا فيفعله أنه يخير فيما شاء من ذلك إلا أن يقول ولا خيار لي في ذلك أو يريد ذلك فيلزمه عتق الغلام وطلاق المرأة. وقال في رسم العارية من سماع عيسى من الكتاب المذكور: وسئل عن رجل قال: امرأته طالق ألبتة أو غلامه حر إن لم

________________________________________

[ 381 ]

يفعل شيئا سماه فلم يفعل حتى مات قال: ترثه امرأته ويعتق الغلام في ثلثه. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل، فإذا لم يفعل حتى مات وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق فوجب أن ترثه المرثة لان الطلاق بعد الموت لا يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق، ولانه أيضا لو وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق إذ قد استثنى ذلك لنفسه، فلما وقع على نفسه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته. ولو قال قائل إن ورثته ينزلون بعد موته في التخيير منزلته في حياته لكان لذلك وجه لان الاصل براءة الذمة والعتق لا يكون إلا بيقين انتهى. قال ابن عرفة بعد نقله لهذا الكلام: قلت: هذا وهم لان لازم تخييره هو إيقاعه الطلاق بدل العتق وهذا بعد موته ممتنع، والاصل في الفقه والبرهان أن انتفاء أحد الامرين المخير فيهما موجب تعين الآخر كتعذر العتق والكسوة في الكفارة يوجب الاطعام ومن ثم كان انتفاء أحد جزأي الحقيقة المنفصلة ينتج ثبوت الآخر. انتهى. ص: (وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لم تحل إلا بعد زوج وصدق إن ذكر في العدة) ش: تصوره واضح. مسألة: إذا أقر على نفسه بالطلاق فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به يجب عليه أن يحلف بخلاف ما إذا ادعت عليه أنه طلق وأنكر. قاله في أول مسألة في رسم

________________________________________

[ 382 ]

سلعة سماها من سماع ابن القاسم من الايمان بالطلاق. وقال في هذه أيضا: إن اليمين تغلظ بالحلف عند المنبر وهي أحرى من المال لان حرمة الفرج أكثر حرمة من المال. وقال فيها أيضا: إن شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته لا تجوز كما قاله في المدونة. ص: (وإن حلف صانع طعام على غيره لا بد أن تدخل الدار فحلف الآخر لا دخلت حنث الاول) ش: قوله: حنث الاول أي صانع الطعام لانه حلف على أمر ليس بيده، ولو قال المصنف: حنث الصانع لكان أحسن لانه قد يكون هذا الثاني في الحلف كما لو سأل صاحب الطعام إنسانا أن يدخل بيته أو يأكل طعامه فحلف أنه لا يدخل أو لا يأكل فحلف صاحب الطعام على أنه لا بد أن يدخل أو يأكل فإن صاحب الطعام يحنث. وكان المصنف رأى المسألة في هذه الصورة أحرى من التي قبلها وكذلك والله أعلم ويقرب من هذه المسألة. فروع: الاول: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان والنذور في رجل حلف أن لا ينفق على امرأته حتى تستأذن عليه يعني ترفعه إلى القاضي وقال: أنت حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي وقالت هي: مالي صدقة إن استأذنت عليك قال مالك: اليمين عليها، فإن شاءت أن تقيم وتنفق على نفسها فعلت، فإن استأذنت فلتخرج ثلث مالها فتتصدق به. قيل له: فإن استأذنت، فهل على زوجها بأس إن أنفق عليها أكثر من قوتها فإن لم تكن له نية فلا أرى ذلك عليه إن استأذنت عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال لانه إنما حلف على الانفاق ولم يكن حلف على الافضل إذ ليس مما يستأذن عليه، فإن استأذنت عليه في الانفاق لم يكن عليه شئ في الافضل انتهى. الثاني: قال البرزلي في أول مسائل الايمان: وسئل أبو الحجاج بن العربي عمن له حلي وثياب فكساهما زوجته ثم شاجرها فأزالهما ثم أعاد ذلك عليها ثم شاجرها فأزالهما ثم أعادهما وفعل ذلك مرة أخرى فحلفت بصوم العام لا لبستهما وحلف هو بالطلاق لتلبسنهما، فمن يلزمه الحنث منهما ؟ وهل يلزمها إن أراد ذلك أم لا ؟ وهل تحنث بهذا الاكراه أم لا ؟

________________________________________

[ 383 ]

فأجاب: ليس له إجبارها على ذلك، فإن أكرهها فأرى أن لا يمنعها ما لصوم. البرزلي: كان الاكراه عنده غير شرعي فلم لم يعذرها به على أحد القولين فيه، لكن المشهور عند ابن رشد أنها تعذر به. وفيه قول آخر بخلاف إذا حلفت لتفعلن فمنعها من الفعل فالمشهور الحنث، وأما لو كان الاكراه شرعيا فالمشهور أنها لا تعذر به. والصواب في هذه المسألة ارتكاب أخف الضررين كمن حلف لا يدخل على زوجته القرابة القريبة غير الابوين أنه لا يقضى عليه بالدخول بخلاف إذا لم يحلف فإنه يقضى عليه بدخولهم انتهى. الثالث: قال البرزلي أيضا: وسئل أبوعمران الفاسي عمن حلف لامرأته بطلاقها ألبتة لا أخدمتك إلا خادمي وحلفت هي بعتق خادمها أو صدقة ثلث مالها لا أخدمها إلا خادمها، من أولى بالحنث منهما ؟ فأجاب بأن الزوج أولى بالحنث. البرزلي: لما تقرر أن الزوجين إذا اختلفا فيمن يخدم الزوجة هل خادمها أو خادمه فإنه يقضى بخادمها لانها أعرف بمصالحها، وأما إذا لم تكن لها خادم فهو بالخيار بين أن يخدمها بنفسه أو يكري من يخدمها أو يشتري لها خادما يقضي عليه بأحد الامور الثلاث انتهى. الرابع: قال في كتاب الهبات من المدونة: ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية فغاب عليها فحلف بالطلاق ثلاثا ليؤدين ذلك وحلف الطالب بالطلاق ثلاثا إن قبله، فأما الدين فيجبر الطالق على قبضه ويحنث ولا يجبر في أخذ قيمة العارية ويحنث المستعير إن أراد ليأخذه مني، فإن أراد ليغرمنه له قبله أو لم يقبله لم يحنث واحد منهما. والفرق أن الدين لزم ذمته والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها فإنما يقضى بالقيمة لمن طلبها في ظاهر الحكم وله تركها وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها انتهى. الخامس: قال في المدونة: ومن قال لرجل امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا وقال الآخر امرأته طالق إن كنت قلته فليدينا ويتركا إن ادعيا يقينا. قال ابن ناجي: ما ذكره هو المعروف. ونقل ابن التلمساني عن مالك أن كلا منهما حانث لان في نفس الامر واحدا منهما حانث. ويتوهم معارضتها بما إذا اختلطت ميتة مع مذكاة فإنهما يحرمان فكان المناسب على هذا طلاقها. وأجاب بعض المشارقة بتعيين المحكوم عليه في المذكاة، ولذلك لو تعدد مالك الشاتين وكل منهما يدعي ذكاة شاته لكان لكل منهما أكل شاته لتعذر تعيين المحكوم عليه بالتحريم ولفظ الكتاب محتمل لليمين وعدمه وفيه خلاف، وظاهر الكتاب أنهما إن شكا أو ظنا أنهما يحنثان. وفي كتاب العتق الاول في العبديين شريكين فقال أحدهما: هو حر إن دخل المسجد وقال الآخر: هو حر إن لم يدخله، فليدينا وليتركا إن ادعيا يقينا، فإن شكا عتقا عليهما. قال ابن القاسم: بغير قضاء. وقال غيره: بل بالقضاء. المغربي: ويجري القولان هنا انتهى.

________________________________________

[ 384 ]

تنبيه: من حلف على رجل ليأكلن بر بثلاث لقم. وقيل: إن كان أول الطعام ليبرئه الثلاث وإن كان في آخره أبرأته. انتهى من البرزلي. وقال أيضا: مسألة: إذا حلف لغريمه بالطلاق على حقه لا بد أن يأخذه فعثر له على قدر حقه فأخذه بر في يمينه إن لم يؤتمن عليه. البرزلي: فلو ائتمن لمن يسأله أخذه فكذلك ومن منع فلا، ومن يكرهه ففي بره بذلك نظر. وقال: مسألة: إذا حلف لابنه لا كلمه حتى يطلق زوجته يبرأ بطلقة واحدة لكن لا يكلمه حتى تنقضي عدتها. البرزلي: ظاهر المذهب أن مطلق الطلاق كاف وإن ارتجعها لان المقصود وقوع ذلك في العصمة وقد حصل. انتهى. ص: (وإن شهد شاهد بحرام وآخر ببتة) ش: قال البرزلي في أثناء مسائل الايمان: قال في المدونة: وإن شهد أحدهما بألبتة والآخر بقوله أنت علي حرام أو بالثلاث لزمه الثلاث، وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن، وإذا اختلفت الالفاظ وكان المعنى واحدا كانت شهادة واحدة. وأخذ من هذا العموم إذا شهد أحدهما بالايمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق، وأما لو شك الشهود هل حنث بهذا أو بهذا فكان شيخنا الامام يفتي بعدم اللزوم لشك الشهود في اليمين. وظاهره أنه لا يمين وأعرف للخمي في باب تلفيق الشهادة ما يدل على اليمين. انتهى كلامه. وانظر قوله: وأخذ من هذا العموم إذا شهد أحدهما بالايمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق مع ما قاله في أول مسائل الطلاق في أثناء كلامه على مسألة سئل عنها ابن رشد متضمنة لمسائل ونصه: سئل ابن رشد ما تقول فيمن سأله عدل عن زوجته فقال: لا تحل لي قال له: لم ذلك ؟ قال: لاني طلقتها ثلاثا وشهد عليه آخر مقبول أنه قال لهذه الزوجة الايمان تلزمني إن كنت لي زوجة أبدا، هل تلفق الشهادة أم لا ؟ فأجاب: أما مسألة لا تحل لي امرأتي أبدا إلى آخرها فهي مختلفة الشهادة لا تلفق، فإن كذب الشاهدين حلف على تكذيب كل منهما ويبقى مع زوجته. انتهى فتأمله ذلك والله أعلم. ص: (أو بتعليقه على دخول دار في رمضان وذي الحجة) ش: قال في المدونة: وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق وشهد آخر أنه قال ذلك في ذي الحجة وشهدا عليه هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه. قال أبو الحسن: هذه شهادة على تعليق الطلاق واختلف موضع عقد اليمين

________________________________________

[ 385 ]

انتهى. ص: (أو أنه طلقها يوما بمصر ويوما بمكة) ش: وعدتها من يوم شهد الآخر لان بشهادته وقع الحكم بالطلاق والعدة تتعقب الطلاق المحكوم به لا تتقدم عليه. ص: (لا بفعلين) ش: يعني أن الشهادة إذا كانت بفعلين لا تلفق يريد إذا كانا من جنسين، وأما إذا كانا من جنس واحد فنلفق كما تقدم فيمن حلف أنه لا يكلم زيدا فشهد واحد أنه كلمه في السوق وآخر أنه كلمه بالمسجد والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن في أواخر كتاب الايمان بالطلاق عن

________________________________________

[ 386 ]

القاضي عياض ما نصه: مذهب الكتاب هنا أن لا تلفق الشهادة بالطلاق على الافعال المختلفة كشاهد على الحالف على دخول الدار وآخر على الحالف على كلام زيد انتهى. وقال في المدونة: وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق أن لا يدخل الدار وأنه دخل وشهد الآخر أنه حلف لا يكلم فلانا وأنه كلمه لم تطلق عليه ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق وإن نكل سجن كما ذكرنا. وفي قول مالك الآخر إن نكل طلقت عليه، أبو الحسن عن ابن يونس: يريد تطليقتين انتهى. وكذلك أيضا إذا شهد عليه واحد أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ويشهد الآخر أنه قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق وشهد عليه هما أو غيرهما، فالمنصوص في المذهب أنها لا تطلق، وظاهر ما وقع لمالك في كتاب القذف أنها تلفق والله أعلم. ص: (وإن شهدا بطلاق واحدة ونسياها لم تقبل وحلف ما طلق واحدة) ش: تصوره واضح. فرع: قال البرزلي في مسائل الايمان في أثاء الكلام على مسألة من أقر بفعل ثم حلف ما فعلت، ونقل عن الرماح أنه إذا كان بحضرة رجلين وسمع من أحدهما الطلاق وشك في أحد الرجلين فلا يشهد حتى يتحقق أحد الرجلين وظاهره أن لا يمين على واحد منهما، وأعرف للخمي في باب تعليق الشهادة ما يدل على اليمين فعلى هذا يرفع ويوجب اليمين قبلهما معا.

________________________________________

[ 387 ]

فصل في أحكام وأقسام الاستنابة على الطلاق ص: (إن فوضه لها توكيلا فله العزل إلا لتعليق حق لا تخييرا أو تمليكا) ش: لما كان إيقاع الطلاق ينقسم إلى قسمين، إما بمباشرة الزوج أو بتفويضه لغيره في إيقاعه، ولما فرغ المصنف من الكلام على القسم الاول أتبعه بالكلام على الثاني أعني التفويض وهو على ثلاثة أقسام: توكيل وتمليك وتخيير. لان التفويض رد الامر إلى الغير، يقال فوض الامر إليه إذا رده إليه. والفرق بين التوكيل وغيره أن الوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عمن وكله، والمملك والمخير إنما يفعلان ذلك عن نفسهما لانهما ملكا ما كان يملكه الزوج. وأما الفرق بين التخيير والتمليك فقيل: أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه. فقولهم في المشهور كما سيأتي أن للزوج أن يذكر المملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف، وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف. وقيل: هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف موافق للغة أو قريب منها لان التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا فلذلك قلنا: إن للزوج أن يناكرها لان الاصل بقاء ملكه بيده فلا يلزمه إلا ما اعترف بأنه أعطاه، وأما التخيير فقال أهل اللغة: خير فلانا بين الشيئين إذا جعل له

________________________________________

[ 388 ]

الخيار فيكون تخيير الزوجة معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها، وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم، وإنما يكون ذلك بعد الدخول في إيقاع الثلاث. انظر التوضيح وابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: النيابة فيه توكيل أو رسالة وتمليك وتخيير التوكيل جعل إنشائه بيد الغير باقيا منع الزوج منه فله العزل قبله اتفاقا ورسم الوكالة في كتابها، فإن كان لاثنين توقف على اجتماعهما. والرسالة جعل الزوج إعلام الزوجة بثبوته لغيره، وإن كان لاثنين كفى أحدهما ثم قال: والتمليك جعل إنشائه حقا لغيره راجحا في الثلاث يحضر بما دونها بنية أحدهما، والتخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق ثلاثا حكما أو نصا عليها حقا لغيره انتهى. وفي جعله الرسالة داخلة في النيابة في الطلاق نظر، لانه ليس فيها إلا النيابة في التبليغ لا في إيقاع الطلاق إلا أن يريد بقوله النيابة فيه ما هو أعم من النيابة في إيقاعه أو تبليغه. وقوله في حد التخيير أو نصا عليها أي على الثلاث. وقال في التمليك: الصيغة كل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير كقوله أمرك بيدك وطلقي نفسك وأنت طالق إن شئت وطلاقك بيدك. وفي الموازية وغيرها: ملكتك. وفي العتبية: وليتك أمرك. ثم قال في التخيير: صيغته فيها اختاري أو اختاري نفسك. وروى محمد: أو طلقي نفسك ثلاثا أو اختاري أمرك انتهى. ص: (وعمل بجوابها الصريح) ش: يعني أن المملكة والمخيرة إذا أجابت بجواب صريح في الطلاق فإنه يعمل به. قال في المتيطية: فإذا لفظ بالتمليك فلا تخلو المملكة من أن تجيب الطلاق في واحدة أو في البتات أو بلفظ يدل عليه أو بجواب يحتمل أن يريد به بعض الطلاق أو كله أو شيئا غيره أو تسكت عنه، فأما إجابتها بصريح الطلاق الثلاث أو بلفظ يدل عليه مثل أن تقول قبلت نفسي أو اخترتها أو أبنتها أو حرمتها فينفذ عليه إن سكت أو أنكره ولم يدع نية، ولا تحل له أبدا إلا بعد زوج ولا يلتفت إلى قولها أنها أرادت به واحدة. وأما إجابتها بلفظ يشكل فلا يدري أرادت به الطلاق كله أو بعضه أو لم ترد به شيئا فإنها تسأل، وكذلك أن قالت وهي غير مدخول بها خليت سبيلك فإنها تسأل كم أرادت انتهى. تنبيه: قال في المتيطية: إذا وقع طلاق المملكة قبل الدخول فلها النصف من صداقها بخلاف المعتقة تختار نفسها قبل البناء تلك لا صداق لها والتخيير مثله، والطلاق بالتمليك إذا كان بعد البناء رجعي إلا أن يملكها على مال فيكون بائنا كالخلع انتهى. وفي الشامل في ذلك

________________________________________

[ 389 ]

قولان ونص في أول التخيير من المدونة على أن له الرجعة ص: (كطلاقها) ش: كذا في بعض النسخ أي كطلاقها نفسها بأن تقول طلقت نفسي أو أنا طالق أو بنت منك أو بنت مني. وفي بعض النسخ كطلاقه أي كما لو قالت له طلقتك. ص: (ورده) ش: أي رد ما جعل لها من التمليك والتخيير كقولها رددت إليك ما جعلته لي أو لا أقبله. ص: (كتمكينها طائعة) ش: فلو لم تكن طائفة كانت على خيارها. قال في التوضيح: وأحرى إذا كانت غير عالمة ويعاقب الزوج في فعله. نص عليه في المدونة وهو وإن كان في المدونة إنما نص على المعاقبة في التخيير والتمليك مساو له في ذلك. ثم قال: فإن ادعى على المملكة العلم فالقول قولها وإن أعلمها فأمكنته وادعت الجهل لم تعذر، فإن اختلفا في الاصابة فالقول قولها إلا أن تكون هناك خلوة. وإن أصابها وقالت: أكرهني فالقول قوله مع يمينه بخلاف إذا قبلها فالقول قولها مع يمينها انتهى. تنبيه: فهم من كلام التوضيح أنها إذا مكنته من مقدمات الوطئ سقط خيارها وهو كذلك. قال اللخمي: قال أصبغ: وإن رضيت بالخلوة وإرخاء الستور أو غلق الباب مما يمكن فيه الوطئ فقد سقط ما بيدها إذا زعم أنه أصاب. وإن قبلها وقالت أكرهني أو اغتفلني وقال أطاعت كان القول قولها مع يمينها بخلاف الوطئ فإنه لا يكون إلا على هيئة وصفة وهذا كالحضرة يكون عن غفلة انتهى. ثم قال في مسألة ما إذا خيرها أو ملكها ثم أبانها ثم تزوجها،

________________________________________

[ 390 ]

إن خيارها يسقط. قال: لان مضمون التزويج الرضا بالاصابة وبه يستحق الصداق والرضا بذلك يسقط ما بيدها، ولو رضيت بالاصابة قبل الطلاق لسقط ما بيدها وإن لم يصب انتهى. ص: (وقبل تفسير قبلت أو قبلت أمري أو ما ملكتني برد أو طلاق أو بقاء) ش: قال في آخر كتاب التخيير من البيان فيمن جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت أو جعله بيد رجل فقال إن ذلك مثل قولها قبلت. قال ابن رشد: لان قولها قد فرغت من الالفاظ المحتملة للطلاق وعدمه فوجب سؤالها عن إرادتها بذلك مثل إذا قال قد شئت أو قد رضيت وقد قبلت أو قد اخترت وما أشبه ذلك. انتهى بالمعنى. فرعان: الاول: قال في المنتقى: فإن قالت قبلت أمري في المجلس ولم تفسر ذلك حتى حاضت ثلاث حيض أو وضعت حملها ثم قالت أردت بذلك طلقة واحدة قبل قولها بغير يمين ولا رجعة للزوج عليها. قاله في النوادر: ومعنى ذلك أن قولها قبلت أمري محتمل للطلاق، فإذا فسرته بالطلاق قبل ذلك منها ولم يكن عليها يمين كما لو فسرته في العدة، وإذا فسرته بعد العدة فقد انقضى وقت الرجعة والزوج ضيع حقه حين لم يوقفها ويستفسر قولها. الثاني: لو أجابت المرأة بغير ألفاظ الطلاق عندما ملكها لم يقبل منها أنهد أرادت بذلك الطلاق لانها مدعية وكذلك تمليك العتق. انظر ابن يونس ص: (وناكر مخيرة لم تدخل ومملكة مطلقا إن زادت على طلقة) ش: قال في المدونة: وإن خيرها قبل البناء فقالت قد اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثا أو قالت له قد خليت سبيلي تريد بذلك الثلاثة، فله أن يناكرها. فإن لم يرد بذلك إلا واحدة صدق لان الواحدة تبينها والخيار والتمليك فيها سواء

________________________________________

[ 391 ]

انتهى. وقوله إن زادت على طلقة قيد للمخيرة التي لم تدخل وفي المملكة مفهومه أنهما لو لم يزيدا على واحدة لم يكن له مناكرتهما وهو كذلك، أما المملكة فواضح، وأما المخيرة فعدم المناكرة يقتضي أنه لا يبطل ما لها من التخيير إذا لم تقض بالثلاث. قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر لان المخيرة التي لم تدخل بمنزلة المملكة. انتهى منه بالمعنى. ولانها أيضا تبين بالواحدة وهو المقصود، ومن طالع مسائل كتاب التخيير من البيان علم هذا. مسألة: إذا قارن التخيير والتمليك خلع فهل له المناكرة فيما زادت على الواحدة ؟ فقال في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك قال مالك: إذا أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها ففعل فاختارت نفسها فهي ثلاث ألبتة وليس هو بمنزلة التمليك. قال ابن رشد: اختلف قول مالك في الرجل يملك امرأته أو يخيرها على شئ تعطيه إياه، فمرة رأى التخيير في ذلك جاريا على سنة لا تأثير لما أعطته من المال في شئ من ذلك لانها إنما أعطته المال على أن يملكها ويخيرها، فإذا ملكها أو خيرها وجب له المال وكان لها هي في ذلك سنة الخيار والتمليك وهو قوله في هذه الرواية: فإن خيرها فقضت بالثلاث لم يناكرها، وإن قضت بدونها لم يكن لها شئ، وإن ملكها فقضت بما فوق الواحدة كان له إن يناكرها وتكون له الرجعة. ومرة رآها بما أعطته من المال في حكم المملكة والمخيرة قبل الدخول لانها تبين بالواحدة بسبب المال كما تبين المطلقة قبل الدخول بواحدة بسبب أنه لا عدة عليها فيكون له أن يناكرها في التخيير والتمليك إن قضت بما فوق الواحدة وتكون طلقة بائنة. وعلى هذا القول يأتي قول ابن القاسم في رسم أوصى ورسم إن خرجت من سماع عيسى وعليه قيل: إن من أعطته امرأته شيئا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة أنه لا حجة له في ذلك إذ قد نالت بها ما نالت بالثلاث إذ هي بائنة انتهى. مسألة: قال البرزلي في مسائل الايمان: وسئل ابن أبي الدنيا عمن خالع زوجته وقال لها إثر الخلع: أمرك بيدك فأجاب: إن نسق كلامه بذلك لزمه، وإن كان بعد انقضاء كلامه فلا شئ عليه. البرزلي: يريد في إيقاع طلاق آخر إن أرادته انتهى. ص: (وبادر) ش: تصوره واضح ولا يدخله الخلاف الذي في المرأة ببطلان خيارها في المجلس لان سكوت الزوج التزام

________________________________________

[ 392 ]

لما قضت. قاله في التوضيح ص: (ولم يكرر أمرها بيدها إلا أن ينوي التأكيد) ش: في ذكر هذا الشرط نظر، فإن حكمه موافق لما إذا لم يكرر ذلك، فلو أتى به المصنف على صيغة المبالغة فقال: وإن كرر أمرها بيدها لكان أحسن لانه يصير المعنى حينئذ إذا نوى الواحدة فله نيته وإن كرر لفظ التمليك والله أعلم. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: ولا فرق بين أن يعطف تمليكه أم لا انتهى. الثاني: من شرط المناكرة أن لا يقول لها كلما شئت فأمرك بيدك، فإن قال لها ذلك فلا مناكرة. قاله ابن الحاجب ولو أشار المصنف لهذا الشرط لكان أحسن من الذي ذكره لانه لا فائدة فيه كما تقدم بيان ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (ولم يشترط في العقد) ش: أما اشتراطه عليه في العقد فلا مناكرة له دخل أم لا.

________________________________________

[ 393 ]

تنبيهان: الاول: إذا شرط عليه التمليك في أصل العقد فطلقت نفسها واحدة بعد البناء فله الرجعة. وقال سحنون وغيره: لا رجعة لان ذلك مشترط. ابن عات: لانه راجع إلى الخلع لانها أسقطت من صداقها لشرطها. قال: قوله في المدونة جار على أصولهم. انتهى من التوضيح. الثاني: قول المصنف في العقد أحسن من قول ابن الحاجب عند نكاحه أو قبله والله

________________________________________

[ 394 ]

أعلم. ص: (وحلف في اختاري في واحدة أو في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة لا اختاري طلقة) ش: قال في التوضيح: إن قال اختاري في واحدة فلا خلاف في وجوب اليمين أنه ما أراد إلا واحدة لا أنك تختاري في مرة واحدة. وإن قال اختاري من الطلاق واحدة أو من الطلاق طلقة أو اختاري طلقة فلا يمين عليه بلا خلاف. واختلف في وجوب اليمين إذا قال في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة وفي أن تقيمي على قولين، ونسب اللخمي وجوب اليمين لابن القاسم وعدم اليمين أحسن انتهى. ص: (وبطل إن قضت بواحدة في اختاري تطليقتين أو في تطليقتين) ش: مفهوم قوله إن قضت بواحدة أنها لو قضت بأكثر مما عين لها لا يبطل ما لها من التخيير وهو كذلك إلا أنه لا يلزمه ما عينه ويلغي ما زادته. قال ابن عسكر في الارشاد: وإن عين لها عددا فزادت ألغى الزائد. قال التتائي في شرحه لهذا المحل: كما إذا قال اختاري تطليقتين أو في تطليقتين فطلقت ثلاثا ألغى الزائد ولو قضت بواحدة بطل خيارها انتهى. وقال سيدي الشيخ أحمد زروق في شرحه لهذا المحل أيضا: كما لو قال اختاري طلقة أو طلقتين فطلقت ثلاثا ألغى الزائد والله أعلم. ص: (وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث) ش:

________________________________________

[ 395 ]

اختلف فيما يوجبه التخيير على ستة أقوال. قال في التوضيح: أشهرها مذهب الكتاب أن اختيارها ثلاثا ولا مناكرة للزوج، نوت المرأة الثلاث أم لا. وإن قضاءها بدون الثلاث لا حكم له ولا يقع شئ. ثم اختلف هل ذلك مسقط لخيارها لعدولها عمل جعل لها وهو المشهور أو لا، ولا يكون لها بعد ذلك أن تقضى بالثلاث وهو قول أشهب. قال ابن المواز متمما للمشهور: وما لم يتبين منه الرضا بما أوقعت فيلزم ذلك. وهل اللزوم فيما أوقعته من باب الطلاق بالنية أو لا ؟ تردد. انتهى مختصرا من الموضعين من التوضيح. وقال ابن عرفة: ولو قضت المدخول بها بطلقة فقال اللخمي عن محمد: إن رضيها الزوج كانت رجعية وإلا ففي سقوط اختيارها وبقائه ثالثها تجب بها الثلاث للمشهور مع الاكثر، وأشهب مع الشيخ عن روايته، واللخمي عن عبد الملك، وصوب الثاني انتهى. وظاهر كلامه في المدونة أنه مخالف لما نقله اللخمي عن محمد إلا أن يفسر به ونصه: وإن طلقت دون الثلاث لم يلزمه شئ انتهى. تنبيهات: الاول: قال في المتيطية: إنها إذا أوقعت دون الثلاث وكان سبق له فيها من الطلاق ما يكمل الثلاث أن ذلك كإيقاع الثلاث وهو ظاهر ونصها: وإن خيرها مطلقا فاختارت تطليقتين لم يلزمه شئ ولا يقع عليها طلاق إلا أن يتقدم له فيها طلقة، فإن تقدم له فيها طلقة بانت الآن بالتطليقتين اللتين أوقعتهما. ثم قال: وسئل ابن عتاب عمن خير امرأته فاختارت طلقة واحدة وقد كان طلقها طلقتين فقال: قد بانت منه بألبتة ولا تحل له إلا بعد زوج. وفي كتاب ابن المواز ما يدل على ذلك قال أبو الأصبغ: وهذا عندي صحيح لا يتوجه فيه خلاف انتهى. الثاني: فهم من قول المصنف إن قضت بدون الثلاث أنها لو قضت بأكثر من الثلاث لم يبطل ذلك ولزمه الثلاث وهو ظاهر مما تقدم في كلام صاحب الارشاد وشارحيه والله أعلم. الثالث: قال ابن ناجي إثر كلام المدونة المتقدم: ويقوم منها أن الحاضنة إذا رضيت بأخذ بعض الاولاد دون بعض فإنه ليس لها ذلك، ووجه الاقامة أنه جعل هنا الجزء من الجملة لا يستقل فيلزم إطراده. انتهى من أول كتاب التخيير. فرعان: الاول: قال في المدونة قال مالك: وإن قال لها اختاري أباك أو أمك أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة فقال لها اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن لم يرد بذلك طلاقا فلا شئ عليه انتهى. قال ابن ناجي: يريد بقوله لا شئ عليه أي مع يمينه كما قال في كتاب محمد انتهى. ثم قال في المدونة: وإن أراد بذلك الطلاق فهو الطلاق. قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق فهو الطلاق، وإنما ذلك إذا اختارت الشئ الذي خيرها

________________________________________

[ 396 ]

فيه بمنزلة ما لو خيرها في نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شئ لها انتهى. قال ابن ناجي: ولم يبين في الكتاب ما الذي يلزمه من الطلاق. وقال اللخمي: إن أراد الطلاق ولم ينو عددا لزمه الثلاث، وإن قال نويت واحدة فقيل يلزمه الثلاث. قاله ابن القاسم. وقيل: واحدة قاله أصبغ وهو أشبه. الثاني: قال فيها: وإن قال لها أمرك بيدك وأراد ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة انتهى. ص: (ووقفت إن اختارت بدخولها على ضرتها) ش: هكذا قال في المدونة. وقال سحنون في المجموعة: ليس لها قضاء لانها أجابت بغير ما جعل لها. وعورض قوله في المدونة بقوله إنها إذا طلقت واحدة بطل خيارها. ووجه المعارضة أن كلا منهما أخذت بعض حقها وأسقطت بعضا، فإن كان إسقاطها للبعض مقتضيا لسقوط حقها فهو سقوط فيهما كما قال سحنون وإلا فلا. وأجيب بأنها في مسألة طلاقها واحدة تركت بعض ما جعل لها وللزوج فيه غرض لانها إذا وقعت الثلاث سقطت عنه نفقة العدة فصارت لذلك الواحدة كأنها أمر آخر بخلاف الثانية فإنها لم تترك شيئا للزوج فيه غرض وإنما وقفت لحق الله في إبقاء العصمة على الشك. قاله في التوضيح. فرع: قال اللخمي: فإن لم توقف حتى دخل على ضرتها وقع الطلاق بالاختيار المتقدم، وإن وطئها قبل ذلك لم يسقط الحكم المتقدم، وإن أرادت بعد قولها الاول أن تقضي الآن لم يكن لها ذلك إلا برضا الزوج إذا كان قد أجاز قولها الاول. ص: (ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ كمتى شئت) ش: أي ورجع مالك إلى بقاء التخيير والتمليك بيد الزوجة في التخيير والتمليك العاري عن التقييد بالزمان أو بالمكان أو بما يدل على الاطلاق ما لم يوقفها الحاكم. ويلزمها بإيقاع الطلاق أو ردد ذلك إلى الزوج، فإن لم تفعل

________________________________________

[ 397 ]

أسقطت من يدها كما تقدم في قوله: ووقفت. وإن قال إلى سنة متى علم فتقضي أو ترد إلا أن يسقط الحاكم. وقوله: أو توطأ يعني أن المملكة والمخيرة إذا مكنت الزوج من وطئها بطل ما بيدها. وهذا القول رجع إليه مالك بعد أن كان يقول إنهما إذا تفرقا من المجلس أو طال المجلس بهما حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل، وأما إن ملكها وأسرع القيام عنها لم يسقط خيارها بلا خلاف كما أنه لا يختلف في أن ذلك بيدها. وإن افترقا أو طال المجلس إذا قال لها أمرك بيدك متى شئت ما لم توقف وإليه أشار بقوله: كمتى شئت. واختلف إذا وطئها هل يقطع وطؤه خيارها وهو قول ابن القاسم، أو لا يقطعه وهو مذهب أصبغ ؟ قال في التوضيح: ولا خلاف أنه لو نص المخير أو المملك على أن ذلك لا يكون للمرأة إلا إن اختارت في الحال أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا أنه يعمل على ذلك. ص: (وأخذ ابن القاسم بالسقوط) ش: قال في المدونة: وعليه جماعة الناس. قال المتيطي: وبه القضاء وعليه جمهور أصحاب مالك انتهى. قال في التوضيح: ونقل أشهب أن مالكا إنما قال ببقائه إن انقضى المجلس مرة ثم رجع عنه إلى أن مات انتهى. ص: (وهما في

________________________________________

[ 398 ]

التنجيز لتعلقهما بمنجز وغيره كالطلاق) ش: تصوره واضح. فرع: قال اللخمي: وإن قال لامرأته إن تزوجتك فلك الخيار أو كلما تزوجتك أو كل امرأة أتزوجها لزمه، وليس بمنزلة قوله كل امرأة أتزوجها طالق لان التمليك لا يحرم النكاح وقد تختار البقاء معه، بل الغالب أن المرأة إذا تزوجت الرجل لا تختار فراقه بحضرة العقد وقربه انتهى. ص: (واعتبر التخيير قبل بلوغها) ش: هذه المسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك. وقال في المنتقى: ومن خير امرأته وهي مغمورة جاز

________________________________________

[ 399 ]

قضاؤها عليه لانه رضي بذلك لنفسه، ولو كانت مفيقة ثم أصابها ذلك لم يلزمه قضاؤها. قاله عبد الملك في المجموعة. ووجهه أنه إنما رضي قضاءها على ما علم من حالها وعقلها، فلما ذهب ذلك لم يلزمه ما قضت به على غير تلك الصفة انتهى. ص: (وهل إن ميزت أو حتى توطأ قولان) ش: القولان في تفسير قول مالك إذا كانت قد بلغت في حالها ورجح في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك التفسير الاول والله أعلم. ص: (وهل له عزل وكيله قولان) ش: قال الشارح في الوسط في شرح قول المصنف: وله التفويض لغيرها. وهل له عزل وكيله ؟ قولان. قوله: وله التفويض لغيرها هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة. وقال أصبغ: ليس له تفويض أمر امرأته لغيرها ويرجع الامر إليها فإما قضت أو ردت، وعلى الاول فهل للزوج عزل الوكيل إذا أراد ذلك وهو قول مالك في المبسوط ونحوه في المدونة، أو لا ونحوه لعبد الملك ؟ وإلى ذلك أشار بقوله: وهل له عزل وكيله قولان انتهى. ونحو هذا الشرح في الصغير وهو سهو لان الشارح حمل كلام المصنف على أن الخلاف في المملك يبين ذلك كلامه في الكبير ونصه: واختلف هل يجوز للزوج أن يفوض أمر امرأته لغيرها أم لا، فالمشهور وهو مذهب المدونة جواز ذلك. وقال أصبغ: ليس له ذلك. وإذا قلنا

________________________________________

[ 400 ]

بجوازه فهل للزوج أن يعزل الوكيل إذا أراد ذلك أو لا ؟ حكى الباجي في ذلك قولين: الاول أنه ليس له ذلك وهو قول مالك في المبسوط. قال الشارح: قلت: وهو مذهب المدونة: قال: وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال لام زوجته إن تكاريت لابنتك وخرجت بها من القرية فأمرها بيدك فتكارت لها لتخرجها فأبى وبدا له فقال: ذلك له ولا شئ عليه. وإلى هذا الاختلاف أشار بالقولين إلا أن الباجي تأول القول الثاني بما يدل على أنه رده للاول فقال: ومعنى ذلك عندي له الرجوع في سبب التمليك وهو بأن يمنع أمها من الخروج بها ولو أخرجتها لم يكن له الرجوع في التمليك انتهى. ويمكن حمل كلام الشيخ على الوكيل الحقيقي الذي هو قسيم المملك والمخير. وقد نقل المصنف في التوضيح في باب الوكالة أن في عزل الوكيل عن الطلاق قولين، وذكر ذلك عن اللخمي وعبد الحق وغيرهما. وعلى هذا فيكون معنى كلام المصنف وللزوج تفويض الطلاق لغير الزوجة بأنواع التفويض الثلاثة السابقة، فإن فوض ذلك على سبيل التوكيل ففي عزله للوكيل قولان. ويفهم منه أنه لو فوضه للغير تمليكا وتخييرا لم يكن له عزله حينئذ، وهذا الحمل حسن غير أن فيه مخالفة لما جزم به أول الفصل من أنه إذا فوضه للزوجة توكيلا فله عزلها، وإذا كان له عزلها فغيرها أحرى. ويمكن حمل كلام المصنف على معنى ثالث وهو أن يكون المراد بقوله: وله التفويض لغيرها أي على سبيل التمليك، ويكون الضمير في قوله: وهل له عزل وكيله عائدا على التمليك. والمعنى أنه إذا وكل رجلا على أن يملك زوجته أمرها أو يخيرها فهل له عزله أو لا ؟ قولان. ويشير بذلك

________________________________________

[ 401 ]

إلى ما قاله في التوضيح في باب الوكالة ونصه: واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها هل للموكل أن يعزله، فرأى اللخمي وعبد الحق وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا: بخلاف أن يوكله على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين. ورأى غيرهم أنه يختلف في عزله كالطلاق. واستشكل المازري الطريقة الاولى بأنه لا منفعة للوكيل في هذه الوكالة وكان الاولى أن يكون له عزله إلا أن يقال لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه. انتهى والله أعلم. فصل في أحكام رجعة المطلقة ص: (يرتجع من ينكح) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجعة. والرجعة بفتح الراء وكسرها. قال الجوهري: والفتح أفصح وأنكر غيره الكسر. وقال ابن عرفة: الرجعة رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها فتخرج المراجعة انتهى. يريد بالمراجعة ما إذا تزوج من طلقها طلاقا بائنا لان وإن صح أن يقال ارتجع زوجته وراجعها في المطلقة طلاقا رجعيا إلا أن كثيرا من الفقهاء والموثقين يستعملون في رجعة المطلقة غير البائن لفظ ارتجع دون راجع لان الرجعة بيد الزوج وحده، وإن كانت بائنا استعملوا راجع لكون الحال متوقفا على رضا الزوجين فهي مفاعلة. وفي كلام المصنف إشعار بذلك حيث قال يرتجع وهو ظاهر المناسبة. قال الشارح في الكبير: إلح أن قوله (ص) في قضية ابن عمر مرة فليراجعها يخالف ذلك انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. ولا اعتراض بالحديث لانه ورد بحسب اللغة وهذا اصطلاح الفقهاء. ثم قال ابن عرفة: وعلى رأي رفع إيجاب الطلاق حرمة المتعة بالزوجة بعد انقضاء عدتها انتهى. ويشير بذلك إلى الخلاف في الرجعية هل هي محرمة في زمن العدة كما هو المشهور، أو مباحة كما في القول الشاذ ؟ فالحد الاول جار على المشهور، والثاني جار على الشاذ. ثم قال: وقول ابن الحاجب رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع بعد دخول ووطئ جائز قبوله ويبطل طرده بتزويج من صح رجعتها بعد

________________________________________

[ 402 ]

انقضاء عدتها إلا أن الاثم المشتق محكوم عليه لا به انتهى. يعني أن حده غير مانع لدخول من طلقها زوجها طلاقا رجعيا يصح فيه الرجعة ثم لم يراجعها حتى انقضت عدتها فتزوجها، لانه يصدق عليه أنه رد المعتدة فإن المعتدة مشتق محكوم عليه، ويشير بذلك إلى ما ذكره القرافي من التفصيل بين أن يكون الوصف محكوما به حقيقة في حال التلبس بالتعلق فقط، أو يكون محكوما عليه فيكون حقيقة في الاحوال الثلاثة. وقد رد عليه ذلك ابن السبكي وغيره وقالوا: التلبس بالمعنى فقط فاندفع السؤال لانه لا يطلق على المطلقة بعد انقضاء عدتها أنها معتدة إلا مجازا فتأمله. وقوله: من ينكح هو نحو قول ابن الحاجب وشرط المرتجع أهلية النكاح. قال ابن عبد السلام: يريد أن المرتجع والناكح يستويان في الشروط دون انتفاء الموانع، فكل ما يشترط في الزوج يشترط في المرتجع وذلك هو العقل انتهى. فعدم اشتراطه البلوغ أحسن من قول المصنف في التوضيح يعني أن المرتجع يشترط فيه أن يكون أهلا للنكاح فلا بد أن يكون عاقلا بالغا انتهى ونحوه للشارح. لان البلوغ لا حاجة لاشتراطه إذ الطلاق الرجعي لا يتصور من الصبي لان طلاق غير البالغ لا يلزم وليس لوليه أن يطلق عنه إلا بخلع، وأما اشتراط العقل فظاهر كما إذا طلق وهو عاقل ثم حصل له الجنون فارتجع فلا تصح رجعته. ص: (وإن بكإحرام ومرض وعدم إذن سيد) ش: اعلم أن الذين يمنعون من النكاح ولا يمنعون من الرجعة خمسة: المحرم والعبد والمولى عليه والمريض والمديان إذا قام عليه غرماؤه. قاله ابن فرحون وغيره في شرحه. وقال في المسائل الملقوطة: ستة يرد نكاحهم: المحرم والعبد والمفلس والسفيه والمريض والمرتد إلا أن يجيز السيد للعبد والمديان وولي السفيه. فهذه الثلاثة تجوز بالاجازة، والثلاثة الباقية لا تجوز بالاجازة ويفسخ وإن دخلوا، ولهم أن يراجعوا إذا طلقوا طلاقا رجعيا انتهى. وقوله: والمديان لعله سقط منه وغرماء الديان، أو أطلق المديان على رب الدين. وقوله: فلهم أن يراجعوا أما الخمسة الاول فذلك ظاهر وقد تقدم أن ذلك لهم في كلام ابن فرحون، وأما المرتد فلا، لان بردته تبين منه زوجته والله أعلم. وقوله: وعدم إذن سيد يريد وليس لسيد العبد أن يمنعه من الارتجاع. قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. قال ابن رشد: لان الطلاق الرجعي لا يزيل العصمة وإنما يوجب فيها ثاما يمنع من الوطئ انتهى. ولهذا قال في المتيطية: لا تحتاج المرتجعة إلى ولي ولا صداق ولا رضا من المرتجعة انتهى. وقال البرزلي في أواخر كتاب الايمان: وسئل ابن أبي زيد عمن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد بشروطه في العدة ودخل بها فأجاب: تزويجها رجعة ولا صداق لها إلا الاول ويرجع عليها بالثاني.

________________________________________

[ 403 ]

قلت: تجري على مسألة من عرض صدقته ظنا أن ذلك يلزمه فإذا فات الصداق فلا يرجع به على هذا والله أعلم انتهى. ص: (طالقا غير بائن) ش: احترز بغير البائن من المطلقة طلاقا بائنا فإنه لا رجعة له عليها، وله أن يتزوجها في عدتها منه بعقد جديد إذا لم يبلغ الثلاث. قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقا وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدته إن تراضيا لان الماء ماؤه بوطئ صحيح إلا أن يتقدم له فيها طلاق ويكون به هذا ثلاثا للحر أو اثنتين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج انتهى. وذكر أبو الحسن أن له الرجعة ولو كانت حاملا إلا أن تثقل بالحمل فلا يجوز له ولا لغيره لانها تصير كالمريضة انتهى. وفي المتيطية فصل: فإن راجع هذا الزوج زوجته المختلعة منه أو المفتدية فلا بد في ذلك من رضاها وولي يعقد عليها وصداق يبذل لها كالنكاح المبتدأ سواء، لانها قد ملكت بالطلاق أمر نفسها فصار هو في ذلك بمنزلة غيره إلا أنه ينفرد بتزويجها في العدة دون من سواه، لان العدة منه والماء ماؤه فلا حرج في ذلك عليه إلا أن تكون مريضة أو حاملا مثقلا قد بلغت ستة أشهر فحكمها حكم المريضة لا يجوز له العقد عليها حتى يزول ذلك المانع منها انتهى. فخرج بقوله: غير بائن المختلعة والمطلقة قبل البناء والطلاق المحكوم به والثلاث. ص: (في عدة صحيح) ش: قال ابن بشير في كتاب إرخاء الستور من التنبيه: وقد يشترط أن يكون النكاح صحيحا، فإن كان النكاح فاسدا نظرت، فإن كان مما يفسخ بعد الدخول لم تكن فيه رجعة، وإن كان مما لا يفسخ ثبتت الرجعة انتهى. وهذا داخل في كلام المصنف لان الرجعة لا تكون إلا بعد الدخول وهو بعد الدخول لا يطلق عليه أنه فاسد. وقال اللخمي في إرخاء الستور: الرجعة تصح في النكاح الصحيح والاصابة الصحيحة إذا كان الطلاق بالطوع من الزوج ليس بحكم أوجب ذلك عليه، وكذلك إذا كان فاسدا مما الحكم أنه يفوت بالدخول فطلق بعد أن دخل، وإن كان مما يفسخ بعد الدخول فطلق قبل أن يدخل أو بعد أن دخل وقبل أن يفسخ لم تكن فيه رجعة انتهى. وقال ابن رشد في اللباب: الرجعة رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع أوقعه الزوج في نكاح صحيح ووطئ جائز أو أوقعه الحاكم لسبب ثم زال ذلك السبب في العدة وأقرت الزوجة ببقائها، فلا رجعة له على المبتوتة ولا على المختلعة ولا على التي لم يدخل بها ولا على المنكوحة نكاحا فاسدا ولا على التي طلقها بعد أن وطئها وطئا فاسدا كالتي

________________________________________

[ 404 ]

وطئها وهي حائض، وله رجعة من طلقها عليه الحاكم بالايلاء أو لوجود العيب أو بعدم النفقة إذا أصاب في العدة أو زال العيب أو أيسر فيها انتهى. وقوله: ابتداء يعني أن كونه قاصرا عن الغاية إنما يفيد إذا كان الطلاق ابتداء، وأما إذا كان قد أوقع قبله من الطلاق ما كمل بالاخير ثلاثا فإنها تبين. وقوله: وعلى التي طلقها بعد إن وطئها وطئا فاسدا يريد ولم يطأها وطئا صحيحا لا قبله ولا بعده، وأما لو وطئها قبله أو بعده وطئا صحيحا فله الرجعة. وقوله: ولوجود العيب هو قول أبي إسحاق التونسي أن طلاق العيب واحدة رجعية وهو خلاف المشهور المعلوم في المذهب. قال ابن عرفة: في عيوب الزوجين وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور. وسمع يحيى ابن القاسم: إن طلقت امرأة المجنون نفسها فهي طلقة بائنة. ابن رشد: هذا معلوم المذهب لان كل طلاق يحكم به الامام فهو بائن إلا المولى والمعسر بالنفقة. وقال التونسي: تطليق الامام على المجنون والمجذوم والمبروص رجعي والارث بينهما قائم في العدة، ومن صح من دائه فله الرجعة. وقوله صحيح إلا أنه خلاف المعلوم في المذهب هو نحو سماع عيسى في الامة تختار نفسها فيموت في عدتها ترجع لعدة الوفاة. ابن عرفة: في قوله: المبروص نظر صوابه الابرص أو المبرص. قال الجوهري: برص الرجل فهو أبرص وأبرصه الله. انتهى ونحوه في المقدمات في كتاب طلاق السنة. ووافق التونسي على قوله اللخمي ونقله ابن عرفة في باب الرجعة واقتصر عليه ونصه: ولمن طلق عليه لعسر النفقة أو عيب الرجعة إن أيسر في العدة أو ذهب عيبه وإلا فلا إن لم ترض ويختلف إن رضيت فيهما أو في الايلاء بعدم إصابته، ففي صحة رجعته قولا ابن القاسم مع الاخوين في الايلاء وسحنون فيه وفي المعسر انتهى. وتقدم الكلام على هذا جميعه مستوفيا عند قول المصنف في آخر طلاق السنة لا لعيب وما للولي فسخه فراجعه والله أعلم. ص: (حل وطؤه) ش: خرج به الوطئ المحرم كالوطئ في الحيض والصوم خلافا لابن الماجشون، وكالوطئ في الدبر ووافق عليه ابن الماجشون. قاله في التوضيح وغيره. تنبيه: قال اللخمي: وإن أصابها في صوم تطوع أو في اعتكاف غير منذور أو منذور في الذمة كانت له الرجعة ليس ذلك الصوم والاعتكاف قد بطل بأول الملاقاة، ولا يجب إمساك بقيته فكان تمادية بمنزلة من لان في صوم ولا اعتكاف انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر

________________________________________

[ 405 ]

كلام اللخمي: وذهب الباجي إلى أن الخلاف مطلق انتهى. ص: (أو نية على الاظهر وصحح خلافه) ش: قال اللخمي: وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية ثم أصاب بعد ذلك بغير نية لم تصح الرجعة أيضا إذا بعد ما بين النية والفعل أو القول إلا أن يحدث نية عند الاصابة. وقال محمد: إن نوى الرجعة ثم قبل أو باشر أو ضم، فإن فعل ذلك لمكان ما نوى فهي رجعة يريد إذا أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية. وقد اختلف في النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل انتهى. وهذا إذا أصاب زوجته وهو ذا هل عن الرجعة، وأما لو أصابها وهو يرى أن رجعته بالنية صحيحة وأنها رجعت إلى عصمته، فلا شك أن هذه الاصابة رجعة محدثة صحيحة لاقتران الفعل بالنية، لان وطأه وهو يرى أنه مرتجع رجعة. قاله اللخمي في مسألة من قال إذا جاء غد فقد ارتجعتك وسيأتي ذلك عند قول

________________________________________

[ 406 ]

المصنف: وفي إبطالها إن لم تنجز كغد والله أعلم. ص: (ولا إن لم يعلم دخول) ش: قال ابن عرفة: وشرطها ثبوت بنائه بها ومثبتة ما تقدم في الاحلال انتهى. والذي تقدم أنه يثبت بشاهدين على النكاح وامرأتين على الخلوة وتقاررهما على الاصابة ص: (كدعواه لها بعدها) ش: تصوره واضح. فرع: إذا طلق الرجل امرأته وادعى بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها وأتى برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده فيقول بعد الطلاق وتقول المرأة قبله من طلاق آخر، فيدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة عليه. انتهى من رسم الكراء والاقضية من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، والاختلاف في ذلك سيأتي الكلام عليه إن شاء الله مستوفيا في كلام المصنف في باب الاقرار وبيان المشهور فيه فراجعه هناك والله أعلم. ص:

________________________________________

[ 407 ]

(ولا إن أقر به فقط في زيارة) ش: أي فلا رجعة له. واحترز بقوله: فقط مما إذا أقرنه في خلوة الاهتداء فإن له الرجعة، وهذا القول هو الذي رجحه المصنف في التوضيح هنا، وذكر في باب العدة أنه إذا أقر أحد الزوجين فقط فلا رجعة. قاله في شرح قول ابن الحاجب. وتسقط النفقة والسكنى ولا يجب إلا نصف الصداق ولا رجعة، وظاهره أنه لا رجعة مطلقا من غير تفصيل بين خلوة الزيارة والاهتداء وهو أحد الاقوال ولم يحك في باب العدة غيره فتأمله والله أعلم. ص: (وفي إبطالها إن لم ينجز كغد أو الآن فقط تأويلان) ش: يعني أن الرجل إذا لم ينجز رجعة زوجته بأن يقول راجعت زوجتي بل علقها كما لو قال إذا كان غدا فقد ارتجعتك فقال مالك: لا يكون ذلك رجعة. فظاهر كلامه أن هذه الرجعة باطلة مطلقا. ومن الشيوخ من حمل كلام مالك على ظاهره كعبد الحق، ومنهم من قال: مراده لا تكون رجعة الآن وتصح إذا جاء غد، فإبطالها إنما هو الآن فقط. ولما وجه اللخمي كلام مالك قال عقيبة: وإذا كانت هذه رجعة فاسدة على قوله ثم لم يحدث رجعة ولا أصاب حتى خرجت من العدة بانت، وإن أصاب في العدة وهو يرى أن تلك الرجعة كان وطؤه رجعة لانه وإن كان الارتجاع الاول فاسدا فإن حقه في الرجعة قائم وإصابته وهو يرى أنه مرتجع رجعة محدثة انتهى. ص: (بخلاف ذات الشرط تقول إن فعله زوجي فقد فارقته) ش: ومثله اخترت زوجي في أنه لا

________________________________________

[ 408 ]

يلزم. نقله ابن رشد عن مالك في أول مسألة من سماع القرينين من كتاب التخيير. ص: (وصحت رجعته إن قامت بينة) ش: تعين حمله على الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما الشارح في الكبير ولا يصح حمله على ما في الوسط ص: (ثم قالت كانت انقضت) ش: أفاد بقوله: ثم قالت أن قولها كان متراخيا عن إشهاده برجعتها ص: (وإن لم تعلم بها حتى انقضت وتزوجت) ش: تصوره واضح من كلام الشارح. وقال في طلاق السنة من مختصر الوقار: ومن كتب إلى زوجته بطلاقها ووصل ذلك إليها وارتجعها ولم يصل إليها ارتجاعه إياها

________________________________________

[ 409 ]

حتى انقضت عدتها وتزوجت فلا سبيل له إليها. قال أبو بكر: ولست آخذ به

________________________________________

[ 411 ]

لان الله جعله مالكا لرجعتها وقد ارتجعها. ص: (وندب الاشهاد) ش: ويستحب إسماعها. قاله ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم من طلاق السنة والله أعلم. ص: (والمتعة على قدر حاله بعد العدة للرجعية) ش: وقيل: على قدر حالها فقط. قاله أبوعمران. وقيل: على قدر حالها نقل القولين ابن عرفة وابن ناجي على المدونة والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: ابن محرز عن ابن وهب وأشهب: إن لم يمتعها حتى ارتجعها سقطت انتهى. ص: (ككل مطلقة بنكاح لازم) ش: قال في المدونة: ولكل مطلقة المتعة طلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا المطلقة قبل البناء أو قد سمى لها فحسبها نصفه ولا متعة لها انتهى. وقال ابن عرفة: لما تكلم على من لا متعة لها عاطفا عليه. اللخمي: ولا من قامت بعيب ولا من فسخ نكاحها ولا لعارض حدث انتهى. وقال في الشامل: والمتعة مستحبة لا واجبة على المشهور في كل نكاح لازم أو فاسد يفوت بالبناء انتهى. وقال ابن يونس في النكاح الثاني: وكلما فسخ قبل البناء لصداقة فلا متعة فيه انتهى. ص: (لا في فسخ كلعان) ش: قال

________________________________________

[ 412 ]

ابن عرفة اللخمي: إن فسخ لرضاع بأمر الزوج رأيت عليه المتعة انتهى. وقال قبله: وقول الباجي المفارقة عن مفالجة كالملاعنة خلاف ظاهر المذهب انتهى. وقال ابن ناجي: وقال ابن عرفة بعده ابن رشد: ظاهر قول ابن القاسم إن طلق فيما يفسخ بطلاق قبل فسخه فلا متعة عليه انتهى. ص: (وملك أحد الزوجين) ش: قال ابن عرفة عن اللخمي: وإن اشترى زوجته لم يمتعها لبقائها معه ولو اشترى بعضها متعها ص: (أو فرض لها وطلقت قبل البناء) ش: قال في المدونة: وإذا خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها وطلقها وقال: لم أمسها وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها انتهى. وقال ابن ناجي: قال أبوعمران: وإذا قال أصبت وأكذبته ينبغي أن يكون لها جميع المهر مع المتعة. انتهى والله أعلم. ص: (ومختارة لعتقها أو لعيبه) ش: قال ابن عرفة الصقلي: لمن اختارت نفسها لتزويج أمة عليها المتعة والله أعلم. باب ص: (الايلاء يمين وزوج مسلم مكلف يتصور وقاعه) ش: اختلف في مدلول الايلاء لغة، فقال عياض: أصل الايلاء الامتناع قال الله تعالى: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم) * [ النور:

________________________________________

[ 413 ]

22 ] ثم استعمل فيما كان الامتناع منه بيمين. وقال الباجي: الايلاء في اللغة اليمين. وقاله ابن الماجشون وكذلك قال المفضل. ويقال آلى وتألى وائتلى وآلى هو المستعمل عند الفقهاء. يقال: الايولي إيلاء والاسم منه الالية والجمع الالايا على وزن عطية وعطايا. قاله في تهذيب الاسماء. قال كثير في عمر بن عبد العزيز: قليل الالايا حافظ ليمينه وإن ندرت منه الالية برت يصفه بقلة الحلف. ويقال الالوة بتثليث الهمزة. قاله في التوضيح وهو بسكون اللام وفتح الواو كما يفهم من الصحاح فإنه قال فيه: والالوة فأما الالوة بالتشديد فهو العود الذي يتبخر به وفيه لغتان ضم الهمزة وفتحها وهو فارسي معرب. وأما الشرع فحده ابن عرفة بأنه حلف زوج على ترك وطئ زوجته يوجب خيارها في طلاقه. وحده المصنف بقوله: الايلاء يمين زوج مسلم مكلف يتصور وقاعه. وكان الايلاء والظهار طلاقا بائنا في الجاهلية فغير الشرع حكمهما. واختلف العلماء هل عمل بهما في أول الاسلام أم لا، وصحح بعضهم أنه لم يعمل بهما والله أعلم. وانظر تهذيب الاسماء واللغات، وقوله: يتصور وقاعه تصوره ظاهر قال ابن عرفة: وفيها من آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها لم يؤجل حتى يمكن وطؤها. اللخمي: سواء ضمها إليه أم لا، والكبيرة قبل البناء لا يوقف لها إلا بعد أربعة أشهر من يوم دعائه للبناء بعد مدة جهازها وجهازه لانه الوقت الذي توجه لها حق الاصابة فيه انتهى. ص: (وإن مريضة) ش: قال ابن عرفة: وإيلاء المريض لازم إن لم يقيده بمدة مرضه وإلا فقولان: الاول نص عليه ابن شاس وغيره، والثاني نص عليه ابن رشد وغيره انتهى. ص: (بمنع وطئ زوجته) ش: سواء كانت يمينه صريحة في ترك الوطئ أو متضمنة عقلا كوالله لا التقي معها، أو شرعا كلا أغتسل من جنابة كما سيذكره المصنف قريبا. فرع: فإن قال علي نذر أن لا أقربك فقال ابن القاسم: هو مول. وقال يحيى بن عمر:

________________________________________

[ 414 ]

ليس بمول وهو بمنزلة قوله علي نذر أن لا أكلمك وهو نذر في معصية. قاله في التوضيح ص: (غير المرضعة) ش: هذا هو المشهور. وقال أصبغ: هو مول. اللخمي: وهو أقيس لان للمرأة حقا في الوطئ ولا حق للولد ولا مضرة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام إن ذلك لا يضر. واتفق على أنه مول إذا أرضع الولد غيرها وعلى المشهور فقال في كتاب ابن سحنون: إن وحلف بطلاقها ألبتة أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فمات الولد قبل الفطام حل له الوطئ ولا حنث عليه إن كانت نيته إصلاح ولده، وإن كانت نيته أن لا يمسها حولين فهو مول وتطلق عليه إذا أوقفه السلطان بعد أربعة أشهر لانه لا يقدر أن يمسها ولا يفئ لان يمينه بألبتة. انتهى من التوضيح ص: (أو إن لم أطأك فأنت طالق) ش: ظاهره أنه يكون موليا بمجرد كلامه وليس كذلك بل له وطؤها الآن، فإن وقف عن وطئها كان موليا. قال في التوضيح لما تكلم

________________________________________

[ 415 ]

في باب الطلاق المعلق على قول ابن الحاجب: فإن كان نفيا يمكن دعوى تحقيقه بفعل له غير محرم أو لغيره مطلقا غير مؤجل منع منها حتى يقع ما نصه: يستثنى من هذه القاعدة ما إذا قال امرأته طالق إن لم أحبلها فإنه لا يمنع من وطئها. قاله في المقدمات. وله أن يطأها أبدا حتى

________________________________________

[ 416 ]

يحبلها لان بره في إحبالها. وكذلك إن قال إن لم أطأك له أن يطأها لان بره في وطئها، فإن وقف عن وطئها كان موليا عند مالك والليث فيما روى عنهما. وقال ابن القاسم: لا إيلاء عليه وهذا هو الصواب انتهى. وقال المصنف في باب الطلاق من المختصر في الكلام على التعليق: وإن نفى ولم يؤجل كأن لم يقدم منع منها إلا إن أحبلها أو إن لم أطأها، ولا يصدق حد الايلاء على هذه الصورة لانه ليس عليه يمين تمنع من الوطئ والله أعلم ص: (أو ترك الوطئ ضررا) ش: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: قوله تعالى: * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) *. قال ابن العربي: يقتضى أنه تقدم ذنب وهو الاضرار بالمرأة في المنع

________________________________________

[ 417 ]

من الوطئ، ولهذا قلنا: إن المضارة دون يمين توجب من الحكم ما توجب اليمين إلا في أحكام

________________________________________

[ 418 ]

المدة انتهى. وانظر ما نقله البرزلي عن المازري وكلام ابن بشير في التنبيه وكلام ابن رشد في سماع ابن القاسم وسماع عيسى من طلاق السنة والله أعلم. ص: (وهل المظاهر إن قدر على التكفير) ش: يريد بأي نوع من أنواع الكفارات وإن لم يقدر على التكفير لم يدخل عليه إيلاء. قال ابن عرفة: روى أشهب: إن لم يجد ما يعتق ولا يقدر على الصوم ولا يجد ما يطعم فليكف عن أهله حتى يجد، الشيخ: ولا حجة لها انتهى. ونص ابن الحاجب قال: وأما من ليس بمضار فلا يدخل عليه الايلاء. قال في التوضيح: قيده اللخمي بما إذا طرأ عليه العسر والعجز عن الصيام بعد عقد الظهار، وأما إن عقده على نفسه مع علمه أنه عاجز عن حله فإنه يدخل عليه الايلاء لانه قصد الضرر بالظهار. ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الايلاء رجاء أن يحدث لها رأي في ترك القيام انتهى. ص: (إلا أن يعود بغير إرث) ش:

________________________________________

[ 419 ]

فرع: لو اشترى بعض العبد وورث بعضه عاد عليه الايلاء لاجل بقاء اليمين في ذلك البعض المشتري، وكذلك لو لم يرث منه شيئا ولكن اشترى بعضه فإن وطئها في المسألتين عتق عليه جميع العبد البعض المشتري بنفس حنثه وبقية العبد بالتقويم. قاله في التوضيح ص: (إن لم يمتنع وطؤها) ش: قال الشارح في الكبير: يريد سواء كان المانع عقليا كالرتق، أو عاديا كالمرض، أو شرعيا كالحيض والنفاس انتهى. وتبع المصنف رحمه الله وشارحه كلام ابن الحاجب قال: ولا مطالبة لممتنع وطؤها برتق أو مرض أو حيض انتهى. وتبع ابن الحاجب ابن شاس رحمه الله. وما قالوه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله في فصل طلاق السنة في قوله: وعجل فسخ الفاسد في الحيض والطلاق على المولى وهو قول ابن القاسم في المدونة وذكره في آخر كتاب اللعان. وقال ابن عرفة هنا: وإن حمل أجله وهي حائض وقفت، فإن قال أفئ أمهل، وإن أبى ففي تعجيل طلاقه روايتا ابن القاسم وأشهب بلعانهما. وعلى المشهور قال محمد: ويجبر على الرجعة. وتعقبه ابن الكاتب بأن علة جبره عليها قصده تطويل عدتها وهي

________________________________________

[ 420 ]

في هذه الطالبة طلاقها فيه، وبأن الحاكم لا يحكم بمنهي عنه. وأجاب الصقلي بأن إبايته سبب

________________________________________

[ 421 ]

طلاقه فكأنه المستقل بطلاقها. وقول ابن شاس وابن الحاجب: وقبوله لا مطالبة للمريضة المتعذر وطؤها ولا للرتقاء ولا للحائض لا أعرفه، ومقتضى قولها في الحائض ينافيه انتهى. وقوله: وقبوله كذا هو في النسخ التي رأيتها ولعل قبوله ابن عبد السلام والله أعلم. واستشكل في التوضيح كلام ابن الحاجب بأنه مناقض لما في اللعان بالنسبة إلى الحيض. وأجاب بأن قال: لا يبعد أن تكون الفيئة على هذا القول بالوعد كما في نظائر المسألة حيث تتعذر الفيخة بالوطئ ويكون التطليق عليه إنما هو إذا امتنع من الوعد انتهى. وما قاله لا يدفع الاشكال، لان كون الفيئة بالوطئ أو بالوعد وإلزامه الطلاق إن امتنع فرع المطالبة بها وقد نفى

________________________________________

[ 422 ]

المطالبة بها فتأمله. وقد استفيد من قول ابن عرفة وعلى المشهور أن قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف في فصل طلاق السنة من تعجيل الطلاق على المولى هو المشهور، ويدخل في كلام المصنف من آلى من زوجته الصغيرة التي لا تطيق الوطئ وقد تقدم نص المدونة في ذلك من كلام ابن عرفة والله أعلم. باب ص: (الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزأها بظهر محرم أو جزئه ظهار)

________________________________________

[ 423 ]

ش: قال الجوهري: الظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي. عياض: وهو مأخوذ من الظهر، وكنى به عن المجامعة لانه ركوب للمرأة كما يركب ظهر المركوب لا سيما وعادة كثير من العرب وغيره المجامعة على حرف من جهة الظهر، ويستقبحون سواه ذهابا إلى الستر والحياء والخفاء وأن لا تجتمع الوجوه حينئذ، وأن لا يطلع على العورات وهي كانت سيرة الانصار حتى نزل * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * على إحدى الروايتين في سبب نزولها انتهى. وقال في التوضيح: واعلم أن الظهار كان في الجاهلية وأول الاسلام طلاقا حتى أتت خويلة بنت ثعلبة على ما رواه أبو داود وغيره تشكو زوجها إلى النبي (ص) وتقول: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجادلت النبي (ص) انتهى. وظاهر كلام النووي في تهذيب الاسماء واللغات أنه لم يعمل في الاسلام بأن الظهار والايلاء طلاق على القول الراجح. قال القاضي عبد الوهاب: والظهار محرم بالكتاب كما أخبر الله عزوجل فقال: * (ما هن أمهاتهم) * ولنصه في الآيات على أنه منكر وزور ولقوله في آخر الآية: * (وإن الله لعفو غفور) * الشيخ أبو إسحاق: ويؤدب من ظاهر انتهى. وقال ابن عرفة القاضي: هو محرم لانه منكر وزور. وروى ابن شعبان: يؤدب المظاهر. ونقل الباجي قبل قولها رواية المبسوط: الظهار يمين تكفر يحتمل الجواز والكراهة أرجح انتهى. وحده ابن عرفة بقوله: الظهار تشبيه زوج زوجه أو ذي أمة حل وطؤه بمحرم إياها عجز منه أو بظهر أجنبية في تمتعة بها، والجزء كالكل، والمعلق كالحاصل. وأصوب منه تشبيه حل متعة حاصلة أو مقدرة بآدمية إياه أو جزأها بظهر أجنبية أو بمن حرم أبدا أو جزء في الحرمة فيها من قال أنت مثل قدم أمي ونحوه مظاهر. ومن قال لاجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مظاهر. وقول ابن الحاجب تشبيه من يجوز وطؤها بمن يحرم يبطل طرده بقولها. قال مالك: إن

________________________________________

[ 424 ]

قال أنت علي كفلانة فهي البتات وعكسه بتشبيه الجزء انتهى. وقول المصنف: تشبيه المسلم يدخل في كلامه السيد والزوج. وتفسير المصنف قول ابن الحاجب وشرط المظاهر أن يكون مسلما أي زوجا مسلما. وتبعه ابن فرحون ليس بظاهر، وسواء كان عبدا أو سفيها فإذا ألزم العبد أو السفيه الظهار فحكم العبد يأتي. وأما السفيه فمذهب ابن القاسم أن وليه ينظر له، فإن كان موسرا وامتنع وليه من التكفير عنه فليس له الصيام، فإذا طلبته امرأته بالوطئ طلق عليه من غير ضرب أجل. وعند ابن وهب: إذا امتنع وليه له أن يصوم ولا يطلق عليه إلا بعد ضرب الاجل. قاله ابن رشد في سماع عبد الملك. وقال اللخمي في تبصرته: وإذا ظاهر السفيه وهو موسر بالعتق عاجز عن الصيام كان الامر إلى وليه، فإن رأى أن العتق خير له من الطلاق أمره بالعودة وأعتق عنه، وإن لم ير ذلك لان العتق يجحف بماله أو لانه ممن تكرر منه اليمين بالظهار أو يكون مطلاقا، فإن أعتق عنه وطلق هو بعد ذلك لم يعتق عليه وكان للزوجة أن تقوم بالطلاق إذا مضت أربعة أشهر. وقيل: يطلق عليه من غير ضرب أجل لان الصبر إلى تمام الاجل لا يفيد بمنزلة من قال إن وطئتك فأنت طالق ألبتة. واختلف إذا امتنع العتق وكان قادرا على الصوم فقيل: لا يصح منه الصوم لانه موسر. وقيل له أن يصوم لانه في معنى المعسر. والاول أحسن انتهى. قال في النوادر: فإن لم يكن له مال صام ولا يمنع من الصوم فإن أبى فهو مضار. انتهى والله أعلم. تنبيه: قال المصنف تنبيه قال ابن عبد السلام هنا: إنه لا بد من أداة التشبيه كلفظة مثل أو الكاف فيقول أنت علي كظهر أمي أو مثل أمي، وأما لو حذف الاداة فقال أنت أمي لكان خارجا عن الظهار ويرجع إلى كنايات الطلاق، وإن كان محمد نص في هذه اللفظة على أنه مظاهر انتهى. وقوله: المسلم المكلف بصيغة التذكير يدل على أن المرأة لو ظاهرت لم يلزمها كفارة. قال في التوضيح: وهو صحيح وقد نص عليه في المدونة. زاد ابن المواز: ولو كان ملكها الطلاق انتهى. وما قاله عن ابن المواز هو في البيان بأتم من هذا ونصه في سماع أبي زيد قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك كظهر أمك قال: ليس لها ذلك. ابن رشد: هذا كما قال لان الزوج إنما ملكها في الطلاق فليس لها أن توجب عليه أن لا يقر بها حتى يكفر كفارة الظهار، فإذا لم يكن لها ذلك فقط سقط ما بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها إلا أن تقول أردت بذلك الطلاق فيكون ثلاثا إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة والله أعلم انتهى. وخرج بالمكلف المكره لقوله عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقد نص عليه في المدونة. وأما ظهار السكران فكطلاقه على المشهور.

________________________________________

[ 425 ]

تنبيه: ظهار الفضولي هل يلزم إذا أمضاه الزوج أم لا ؟ لم أر فيه نصا، والظاهر أنه يلزم كالطلاق. وقوله: من تحل مراده به من تحل إما تحقيقا أو تعليقا وإلا كان رسمه غير جامع لخروج نحو قوله للاجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مع أنه ظهار. قاله في المدونة ونقله ابن عرفة وغيره والله أعلم. وقوله: أو جزأها بظهر محرم أو جزئه لو قال بمحرم أو جزئه لكان أحسن، لان الجزء يشمل الظهر وغيره ويكون شبيه قوله في المقدمات وهو على أربعة أوجه: تشبيه جملة بجملة وبعض ببعض وبعض بجملة وهي كلها في الحكم سواء إلا أن يكون البعض الذي شبه من زوجته أو شبه به زوجته مما ينفصل عنها أو عن المشبهة بها من ذوات المحارم كالكلام أو الشعر فيجري ذلك على الاختلاف فيمن طلق ذلك من زوجته انتهى. وقد قال الشيخ: إن الاحسن لزومه في الشعر والكلام. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: وجزؤها مثل كلها كالطلاق. وقوله: كالطلاق يحتمل معنيين: أحدهما: الاحتجاج على الشافعي لانه يوافق على التطليق بالجزء ويخالف هنا. وثانيهما: الاشارة إلى أنه ليس كل جزء يلزم به الظهار بل هو كالطلاق فيتفق على الظهار إن شبه بيدها ورجلها ويختلف في الشعر والكلام. انتهى. وقال ابن فرحون: وإنما يلزم في الاجزاء المتصلة لا المنفصلة كالبصاق ونحوه انتهى. وأما تعليق الظهار بدواعي الوطئ مثل أن يقول مضاجعتك أو ملامستك أو قبلتك علي كظهر أمي، فمشهور المذهب أن الظهار يلزمه. قاله الرجراجي قال: وهذا القول قائم من المدونة والله أعلم. وقوله: محرم يشمل المحرم على التأبيد كالمحارم والملاعنة والمدخول بها في العدة، ويشمل المحرمة لا على التأبيد كالاجنبية وأخت الزوجة وعمتها. والظاهر أنه كذلك، ويشمل أيضا مكاتبته وهو كذلك. قال الشيخ أبو الحسن الصغير عند قوله في المدونة: وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صغيرة أو محرمة أو حائض إلى آخره. عن ابن محرز: ولو قال لزوجتك أنت علي كظهر مكاتبتي لزمه الظهار لانه لو ظاهر من مكاتبته لم يلزمه ظهار، فكذلك إذا ظاهر بها لزمه الظهار وإن كانت قد تحل إذا عجزت انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: وفي المكاتبة لو عجزت قولان، وانظر لو شبه بها في الظهار فالحكم كما لو قال لزوجته أنت علي كظهر مكاتبتي فأدت أو عجزت هل تكون الزوجة مظاهرا منها ؟ انتهى. وهذا الكلام يدل على أنه لم يقف على نص في المسألة والنص موجود ولم ينبه ابن عرفة فيما رأيت على هذه المسألة والله أعلم. مسألة: قال المشذالي في حاشيته: سئل ابن عبد السلام عمن قال لرجل أنت علي حرام كأمي وأختي وزوجتي، ما يلزمه في زوجته وهل هي منصوصة ؟ فقال: لا أعرف فيها نصا، والظاهر عندي لزوم التحريم فيها لاحتمال عطفها على المبتدأ الذي هو أنت فكأنه قال أنت وزوجتي، ويحتمل عطفه على المجرور بالكاف لكن على الاول يلزم الظهار لا الطلاق، وعلى الثاني الطلاق ويكون من عكس التشبيه، ولعل الاقرب تحليف القائل بأنه ما نوى الطلاق

________________________________________

[ 426 ]

ويكلف بحكم الظهار. ص: (وبوقت تأبد) ش: يعني إذا وقت الظهار بوقت تأبد ولم يختص بذلك الوقت كما لو قال لزوجته أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذا الشهر فإنه مظاهر ولو مضى اليوم أو الشهر، وليس منه قول المحرم لزوجته أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لانها عليه الآن كظهر أمه فهو بمنزلة من قال للمظاهر منها أنت علي كظهر أمي. قال اللخمي: في الكلام على ظهار المجبوب والمعترض ظهار المحرم على وجهين: فإن قال أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لم ينعقد عليه ظهار لانها في تلك الحال كظهر أمه فهو بمنزلة من ظاهر ثم ظاهر فلا يلزمه. الثاني وإن قال أنت علي كظهر أمي ولم يقيد بقوله ما دمت محرما، لزمه الظهار لان يمينه مع الاطلاق تتضمن جميع الازمنة. انتهى نقله في الشامل. ومثل المحرم فيما يظهر المعتكف والصائم الذي يعلم من نفسه السلامة والله أعلم. ص: (وبعدم زواج فعند اليأس أو العزيمة) ش: نحو هذه العبارة قول ابن الحاجب: ولو قال إن لم أتزوج عليك فإنما يلزم عند اليأس أو العزيمة. قال في التوضيح: يعني لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس أو العزيمة انتهى. زاد ابن شاس: إلا أن ينوي مدة معينة فيحنث بمضيها. فحمل كلام ابن الحاجب على هذا فقط وقال: لم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب لكونه هل يمنع من الوطئ كالطلاق أو لا. ونص الباجي على أن الظهار كالطلاق وأنه يحرم عليه الوطئ إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه الايلاء ويضرب له الاجل من يوم الرفع انتهى. وفهم ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب على أنه لا يمنع من وطئها. وقال ابن عرفة الشيخ في الموازية: من قال إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي إن ضرب أجلا فله الوطئ إليه وإلا فلا، فإن رفعته أجل حينئذ ووقف لتمامه، فإن فعل بر. وإن قال التزام الظهار واحدة في الكفارة لزمه ولم يطلق إلا بالايلاء حين دعي للفيئة، فإن فرط في الكفارة صار كمول يقول أفئ فيختبر المرة بعد المرة وتطلق عليه بما لزمه من الايلاء. ثم قال: وقول ابن الحاجب مع ابن شاس لو قال إن لم أتزوج عليك إلى آخره خلاف

________________________________________

[ 427 ]

ما تقدم. وقبله ابن عبد السلام ولا أعرفه، ومقتضى المذهب خلافه في الايمان والنذور منها: إن قال أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الايلاء انتهى. وانظر إنكاره هذا إن كان بناء منه رحمه الله على فهم كلام ابن الحاجب كفهم كلام ابن عبد السلام فليس بظاهر عبارة واحد منهما فضلا عن كونه صريح عبارته، بل ظاهر عبارتهما كما قال الشيخ خليل: إنه إنما يلزمه الظهار في ذلك الوقت ولم يتعرضا لكونه لا يمنع، وعلى هذا ففي قوله: وقبله ابن عبد السلام نظر لان ابن عبد السلام قال في أثناء كلامه: هذا ظاهر كلام المؤلف. وحكى غيره أن الظهار كالطلاق وأنه يمنع من الوطئ إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه الايلاء انتهى. وإن أراد الانكار عليهما في قولهما إنه لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس أو العزيمة فليس بظاهر لان ما قالاه هو المنصوص. قال ابن رشد في شرح آخر مسألة من سماع أبي زيد من كتاب الظهار: لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها لانه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل الحنث لانها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار فيجوز له الوطئ كان ذلك له، وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطئ ورفعته إلى السلطان ضرب له أجل الايلاء إذ لا يجوز له أن يطأها إلا أن يكفر انتهى. فقوله: ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت إلى قوله: فإن أراد أن يكفر صريح في أنه يمنع من الوطئ وستأتي مسألة سماع أبي زيد وكلامه المشار إليه برمته في شرح قول المصنف: وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر. وإن أراد الانكار عليهما بخلاف هذا الوجه فلم يظهر لي وليس في كلامهما إشكال أصلا والله أعلم. ومن هذا المعنى مسألة القرافي التي ذكرها في كتابة المسمى كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب المتقدم ذكرها عند قول المصنف في باب الايمان وبعزم على ضده وهي قوله في المدونة في الايمان والنذور: ومن قال لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه، ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الاجل، وإنما يحنث إذا مضى الاجل ولم يفعل ما حلف عليه، وتقدم هناك ما أورده عليها من الاشكال وما حملها عليه فراجعه هناك والله أعلم. ص: (ولم يصح في المعلق تقديم كفارته قبل لزومه) ش: نحوه في سماع عيسى من كتاب الظهار في رسم لم يدرك قال: من قال امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا لا يجزئه كفارته قبل حنثه كحلفه بالطلاق لا فعل كذا لا يجزيه تقديم طلاقه على حنثه. قال ابن رشد:

________________________________________

[ 428 ]

هو في الظهار أوضح لان طلاقه يجب بحنثه والكفارة لا تجب بحنثه في الظهار حتى يطأ. قال: ولو حلف بالظهار على شئ أن يفعله ولم يضرب لذلك أجلا لجاز له أن يقدم الكفارة ويبر بذلك لانه على حنث كما يجوز له أن يقدم الطلاق إذا حلف بالطلاق أن يفعل فعلا ولم يضرب له أجلا ويبر في يمينه، لانه على حنث حتى يفعل على ما في النذور من المدونة. انتهى ونقله ابن عرفة وذكره ابن رشد أيضا في آخر سماع أبي زيد من الكتاب المذكور. وهذا يفهم من قول المصنف: أو بعدم جواز فعند اليأس أو العزيمة والله أعلم ص: (وصريحه بظهر مؤبد تحريمها أو عضوها أو ظهر ذكر) ش: يعني أن ألفاظ الظهار على نوعين: صريح وكناية. فالصريح ما فيه ظهر مؤبد تحريمها. قال في التوضيح: وهذا لا خلاف فيه، والمشهور قصر

________________________________________

[ 429 ]

الصريح على ما ذكر. وقال ابن عرفة: الصيغة. قال ابن الحاجب وابن شاس: صريحه ما فيه ظهر مؤبدة التحريم كظهر أمي أو عمتي، وكنايته الظاهرة ما سقط فيه أحدهما كأمي أو كظهر فلانة الاجنبية، والخفية كاسقني الماء مرادا به الظهار. ابن رشد: صريحه عند ابن القاسم وأشهب ما ذكر فيه الظهر في ذات محرم وغيرها. وعند ابن الماجشون ما ذكر فيه ذات محرم ولو لم يذكر الظهر. وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم ولو لم يذكر الظهر، وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم، وما ذكر فيه الظهر عند ابن الماجشون غير كناية فلا كناية له عنده انتهى. قلت: ما ذكر عن ابن رشد مخالف لكلامه في المقدمات ونصه كلامه: وله صريح وكنايات، فصريحه عند ابن القاسم وأشهب وروايتهما عن مالك أن يذكر الظهر في ذات محرم. وكنايته عند ابن القاسم أن لا يذكر الظهر في ذات محرم. أو يذكر الظهر في غير ذات محرم. وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم. ومن صريحه عند ابن الماجشون أن لا يذكر الظهر في ذات محرم، وليس من كناياته عنده أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم فلا كناية عنده للظهار انتهى. فكلام ابن شاس وابن الحاجب موافق لما ذكره ابن رشد عن ابن القاسم، وهو خلاف ما ذكره ابن عرفة ولعل في كلامه سقطا أو في نسخته من المقدمات سقط والله أعلم. وأما قول المصنف: أو عضوها أو ظهر ذكر فمشكل لانه يقتضي أنه إذا شبه بعضو من ذوات محارمه فإنه من الصريح وليس كذلك، بل صرح في الجواهر بأنه إذا شبه بعضو من ذوات المحارم فإنه من الكنايات الظاهرة ونصه: الركن الثالث اللفظ وهو قسمان: صريح وكناية، والصريح ما تضمن ذكر الظهر في محرم من النساء كقوله أنت علي كظهر أمي أو أختي أو عمتي أو من أمي من الرضاعة. والكناية نوعان: ظاهرة وهي ما تضمنت ذكر الظهر في المحرم أو التشبيه بالمحرم من غير ذكر الظهر كقوله أنت علي مثل أمي أو حرام كأمي أو مثل أمي أو فخذها أو بعض أعضائها، وكقوله أنت علي كظهر فلانة الاجنبية وهي متزوجة أو غير متزوجة. وخفية وهي ما لا تقتضي الظهار بوجه كقوله ادخلي أو اخرجي أو تمتعي وشبهه انتهى. وقال في التوضيح: ونص في الجواهر على أنه يلحق به بقوله كأمي في كونه كناية ظاهرة ما لو قال أنت كخدامي أو رأسها أو عضو من أعضائها انتهى. وأما إذا قال كظهر ذكر فاختلف هل هو من ألفاظ الظهار أم لا ؟ ومذهب ابن القاسم أنه ظهار لكن غايته أن يكون كالكناية الظاهرة، في كلامه في التوضيح إشارة إلى ذلك وسيأتي في التنبيه الثالث والله أعلم. تنبيهات: الاول: يدخل في الصريح على ما قال المصنف ما إذا شبه بظهر ملا عنة وقد أدخله المصنف في كلام ابن الحاجب وقال: إنه يتناول الملاعنة وليست محرما إذ المحرم من حرم نكاحها على التأبيد لحرمتها. فقولنا لحرمتها احتراز من الملاعنة لان تحريمها ليس لحرمتها بل

________________________________________

[ 430 ]

لعارض انتهى: ويدخل في الكناية الظاهرة ما إذا شبه بظهر أخت زوجته أو عمتها أو خالتها. وقال في الجواهر ونصه: ولو شبه بمحرمه لا على التأبيد، فإن ذكر الظهر فهي من الكناية الظاهرة وقد تقدم حكمها انتهى. الثاني: لا فرق بين أن يقول أنت علي كظهر أمي أو أنت كظهر أمي بحذف علي قاله في اللباب. الثالث: تحصل مما تقدم أن القسمة رباعية تارة يذكر الظهر من غير مؤبدة التحريم، وتارة يذكر مؤبدة التحريم من غير ظهر، وتارة يذكر غير مؤبدة التحريم بغير ظهر، والقسم الاول هو الصريح، والثاني والثالث هما الكناية الظاهرة، وبقي القسم الرابع، وسيذكر المصنف حكمه وأنه يلزم فيه البتات إلا أن ينوي به الظهار. وقال في التوضيح لما تكلم على هذا القسم الرابع: فإن قلت: هذه المسألة وما بعدها من أي الاقسام هي ؟ فإنها ليست من صريح الظهار قطعا ولا من الكناية الخفية والمصنف يعني ابن الحاجب قد أخرجها من الكناية الظاهرة. قيل: هي كالمترددة بين الظاهرة والخفية ولذلك ذكرها المصنف بينهما انتهى. وهذا كلام التوضيح الموعود به. وقوله: وما بعدها يعني به مسألة التشبيه بظهر الذكر ومسألة قوله كابني وغلامي ومسألة أنت حرام كظهر أمي أو كأمي، وهذا الكلام صريح في أن التشبيه بظهر الذكر ليس من الصريح قطعا والله أعلم ص: (ولا ينصرف للطلاق وهل يؤخذ بالطلاق معه إذا نواه مع قيام البينة كأنت حرام كظهر أمي أو كأمي تأويلان) ش: يعني أن صريح الظهار لا ينصرف للطلاق، فإن ادعى أنه أراد بصريح الظهار الطلاق فهل يؤخذ بالطلاق مع الظهار إذا قامت البينة عليه أو إنما يؤخذ بالظهار فقط ؟ تأويلان. هذا معنى كلامه. وأما قوله كأنت حرام كظهر

________________________________________

[ 431 ]

أمي أو كأمي فمسألة أخرى شبهها بهذه المسألة في جريان التأويلين فيها، ولم يذكر المصنف الحكم مع عدم قيام البينة اتكالا على المفهوم. فعلى التأويل الاول الذي يقول يؤخذ بالطلاق مع الظهار إذا نوى بصريح الظهار الطلاق مع قيام البينة يفهم منه أنه مع عدم قيام البينة لا يؤخذ بالظهار. وعلى التأويل الثاني فلا يلزمه إلا الظهار لانه إذا لم يؤخذ بالطلاق مع قيام البينة فأحرى مع عدمها غير أن الذي يقتضيه كلام المصنف أنه لا ينصرف للطلاق مع عدم قيام البينة على كلا التأويلين إلا أن يحمل قوله: ولا ينصرف للطلاق ما إذا لم تكن له نية، وقوله: وهل إلى آخره على ما إذا نوى به الطلاق دون الظهار فيقرب حينئذ من كلام ابن رشد، ويكون مفهوم قوله: مع قيام البينة أنه لو لم تقم البينة يؤاخذ بالطلاق على التأويل الاول، وكأنه يشير إلى ما قاله في المقدمات ونصه إثر كلامه المتقدم: والفرق بين الصريح والظهار والكناية أنه إذا ادعى أنه أراد بالكناية الطلاق صدق، أتى مستفتيا أو أحصرته البينة، والصريح لا يصدق إذا ادعى أنه أراد به الطلاق إذا أحضرته البينة ويؤخذ بالطلاق فيما أقربه وبالظهار بما لفظ به فلا يكون له إليها سبيل إن تزوجها بعد زوج حتى يكفر كفارة الظهار. وقيل: إنه يكون ظهارا على كل حال ولا يكون طلاقا وإن نواه وأراده وهي رواية أشهب عن مالك وأحد قولي ابن القاسم انتهى. فمفهوم كلامه في القول الاول إنه لو لم تقم عليه بينة لصدق في إرادة الطلاق ولم يؤخذ بالظهار، وأن القول الثاني يقول: هو ظهار على كل حال وبين ذلك كلام ابن رشد في المقدمات في آخر كتاب الظهار قال: أصل الظهار بذوات المحارم، فإذا ظاهر بشئ من ذوات المحارم فهو مظاهر، سمى الظهر أو لم يسمه، أراد بذلك الظهار أو لم تكن له نية. فإن أراد بذلك الطلاق ولم يرد به الظهار فقول ابن القاسم في رواية عيسى عنه من كتاب الايمان بالطلاق أنه يكون طلاقا بتاتا ولا ينوي في واحدة ولا اثنتين. ثم قال: هذا نص قول ابن القاسم أنه إذا ظاهر بذوات محرم وأراد بذلك الطلاق أنه طلاق، سمى الظهر أو لم يسمه، ومساواته في هذا بين أن يسمي الظهر أو لم يسمه إنما يصح على مذهبه فيما بينه وبين الله إذا جاء مستفتيا، وأما إذا حضرته البينة وطولب بحكم الظهار، فإن كان قد سمى الظهر حكم عليه بالظهار لان البينة قد حضرته بالافصاح به فلم يصدق في طرح الكفارة عن نفسه وقضي عليه بالطلاق لاقراره أنه نواه وأراد الطلاق، وكان من حق المرأة إن تزوجها بعد زوج أن تمنعه نفسها حتى يكفر كفارة الظهار. وإن كان لم يسم الظهر لم يحكم عليه بالظهار وصدق أنه لم يرده إذا لم يصرح به، وهذا أصل من أصولهم، أن من ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه لا يصدق فيها. ثم قال: وروى أشهب عن مالك أنه يكون طلاقا إن لم يسم الظهر وظاهر إن سماه. وقد فسر بعض الشيوخ ما في المدونة برواية أشهب عن مالك. وحكى أبو إسحاق التونسي إنه مذهب ابن القاسم في كتاب ابن المواز، والصواب أن يفسر ما في المدونة برواية

________________________________________

[ 432 ]

عيسى عن ابن القاسم وعلى رواية أشهب عول الابهري فقال: إن صريح الظهار ظهار وإن نوى به الطلاق كما أن صريح الطلاق طلاق وإن نوى الظهار. وهذا لا يصح على مذهب ابن القاسم في رواية عيسى بل يخالف في الطرفين فيقول في الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق وقال أردت بذلك الظهار: ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما أظهر من لفظه انتهى. وقال المصنف في شرح قول ابن الحاجب: وفي تنويته ثالثها ينوي في الطلاق الثلاث يعني لو ادعى في صريح الظهار أنه لم يرد به الظهار وإنما أراد الطلاق، فهل يقبل منه أم لا ؟ المازري: والمشهور أنه لا يقبل ويكون ظهارا. رواه ابن القاسم وأشهب عن مالك. زاد ابن المواز: ولا يلزمه الطلاق ولو نوى أنك بما أقول طالق والقول بأنه ينوي في الطلاق سواء، قصد الثلاث أو دونها. لعيسى وسحنون: والثالث أنه ينوي إن قصد الثلاث ولا ينوي إن قصد دونها. لابن القاسم: وقيد اللخمي الخلاف بما إذا كان المتكلم عالما بموجب الظهار وقصد الطلاق، وأما إن قصد الطلاق وهو يجهل حكم الظهار وينوي أنه طلاق فهو مظاهر وفي مثله نزل القرآن. تنبيه: المراد بعدم تصديقه في القول الاول إذا جاء مستفتيا، وكذلك قال أشهب وهو أحد قولي ابن القاسم ومذهب المدونة على تأويل الابهري، وروى عيسى وابن سحنون أنه يصدق وهو مذهب المدونة على تأويل ابن رشد. وأما إن أحضرته البينة فإنه يؤخذ بالظهار والطلاق معا. هكذا أشار إليه سحنون واللخمي وغيرهما ونص عليه صاحب المقدمات انتهى. تنبيه: كلام المصنف في التوضيح عكس كلامه في المختصر لان كلامه في التوضيح يقتضي أن التأويلين مع عدم قيام البينة، هل يصدق في إرادة الطلاق أم لا ؟ وأما مع البينة فيؤخذ بهما وكلامه في المختصر يقتضي أن التأويلين مع قيام البينة هل يؤخذ بالطلاق مع الظهار أو إنما يؤخذ بالظهار فقط ؟ ويفهم منه أنه مع عدم البينة لا يؤخذ إلا بالظهار، وقد علمت من كلام ابن رشد أن التأويلين جاريان مع قيام البينة. ومع عدم قيامها فتأويل ابن رشد أنه يصدق في إرادة الطلاق مع عدم قيام البينة ولا يؤخذ إلا بالظهار، وكذلك مع قيامها. وقد تقدم أنه إذا حمل قول المصنف ولا ينصرف للطلاق على ما إذا لم تكن له نية وقوله: وهل إلى آخره على ما إذا نوى، ويجعل مفهوم قوله: مع قيام البينة أنه إذا لم تقم البينة لم يؤخذ بالظهار فيقرب من كلام ابن رشد. ولو قال المصنف وهل ينصرف للطلاق فيؤخذ بها مع البينة أو لا يؤخذ إلا بالظهار مطلقا تأويلان لوفى بالمقصود والله أعلم فتأمله والله أعلم. وأما قول المصنف: كانت حرام كظهر أمي أو كأمي فهو كما قال ابن غازي: تشبيه لمسألة بأخرى لا تمثيل للمسألة نفسها، ولذا اغتفر فيه إدراج كأمي وليس بصريح انتهى. وهو كما قال رحمه الله: إنما أراد أن ينبه على أن التأويلين الجاريين فيما إذا نوى بصريح الظهار الطلاق يجريان فيما

________________________________________

[ 433 ]

إذا قال أنت حرام كظهر أمي أو كأمي يعني إذا أراد بذلك الطلاق. وقد صرح ابن رشد بجريان ذلك فيها في أول رسم من كتاب الظهار. وأما إذا لم تكن له نية فصرح في المدونة بأنه لا خلاف في أنه ظهار ونصه في كتاب الظهار: وإن قال لها أنت علي حرام مثل أمي أو حرام كأمي ولا نية له فهو مظاهر، وهذا مما لا اختلاف فيه. وقال قبله: وإن قال لها أنت علي حرام مثل أمي فهو مظاهر لانه جعل للحرام مخرجا حين قال مثل أمي. قال غيره: ولا تحرم عليه لان الله أنزل الكفارة في الظهار ولا يعقل من لفظ به فيه شيئا سوى التحريم. ثم قال مالك: ولو لم يذكر أمه كان البتات انتهى. ولم يذكر في المدونة أنت حرام كظهر أمي ولكنه يؤخذ حكمه من باب أحرى، لانه إذا قلنا إن قوله أنت حرام كأمي ظهار، فقوله كظهر أمي من باب أولى، وقد جمع بينهما ابن الحاجب لكن ذكر فيهما خلاف ما قال في المدونة ونصه: ولو قال أنت حرام كظهر أمي أو كأمي فعلى ما نوى منهما أو من أحدهما، فإن لم تكن له نية فظهار. وقال عبد الملك: طلاق. وقال في التوضيح: يعني إن نوى بذلك الظهار والطلاق لزماه. قال في الجواهر: إذا قدم الظهار في نيته وإن نوى أحدهما لزمه ما نواه فقط. وتبع المصنف هنا ابن شاس وظاهر المدونة خلاف ما قالاه، ثم ذكر كلام المدونة السابق ثم قال بمقتضاه: إن الكلام الاول هو الذي نقلناه آخرا مع النية وأنه يلزمه الظهار ولو نوى الطلاق، ويدل عليه قوله في الثانية إن هذا مما لا اختلاف فيه، وقوله هذا مما لا اختلاف فيه يدل على أن قول الغير في الاولى خلاف. هكذا قال ابن عبد السلام في معنى المدونة، وكذلك قال غيره لا خلاف في إلزامه الظهار، والمشهور أنه لا يلزمه الطلاق. وكلام عياض قريب منه أعني أنه يدل على أن مذهب الكتاب أنه ظهار، ولو نوى به الطلاق فإنه قال: وإن قرن بظهاره لفظة الحرام فقال أنت علي حرام مثل أمي ففي المدونة أنه ظهار ومثله في العتبية. وقال مالك في الموازية: ما لم يرد به الطلاق. وكذلك قال عبد الملك في ذلك: وفي حرام من أمي أنه ظهار ولو نوى به الطلاق. وقال محمد: هذا إذا سمى الظهر، وإن لم يسمه فيلزمه ما نوى. وفي كتاب الوقار: في حرام مثل أمي هو البتات ويلزمه الظهار متى راجع. وفي سماع عيسى في أحرم من أمي أنها ثلاث انتهى. ونقل ابن حارث عن ابن القاسم فيما إذا قال حرام مثل أمي أنه طلاق إلا أن ينوي به الظهار. قيل: والمشهور في أحرم من أمي أنه ظهار انتهى. وما ذكره ابن عبد السلام نحوه لابي الحسن في فهم كلام المدونة، وأن قوله في الثانية لا اختلاف يدل على أن قول الغير في الاولى خلاف، ويعني والله أعلم أن مراد ابن القاسم بقوله في الاولى هو ظهار ما لم يرد به الطلاق فيلزمه وأن الغير يقول هو ظهار ولو نوى به الطلاق والله أعلم. تنبيهات: الاول: ما تقدم عن اللخمي من قصر الخلاف على من يعلم حكم الظهار تبعه على ذلك في اللباب واقتصر عليه وجعله في الشامل طريقة.

________________________________________

[ 434 ]

الثاني: لو أراد بصريح الظهار الطلاق والظهار جميعا فالظاهر على تأويل ابن رشد أنهما يلزماه معا، وأما على التأويل الثاني فلا شك في عدم لزوم الطلاق. الثالث: علم مما تقدم أنه إذا قبلنا قوله في لزوم الطلاق فاللازم له الثلاث وكان المصنف سكت عن ذلك لما سيقوله في الكناية الظاهرة أنه إذا قصد بها الطلاق ينوي في ذلك ويلزمه البتات ص: (أو أنت أمي) ش: قال اللخمي في أوائل كتاب الظهار: قال مالك في كتاب محمد: إذا قال أنت أمي إن فعلت كذا وكذا ففعله فهو مظاهر، وهذا لقصد الحالف ليس لمجرد لفظه لان الظهار أن يجعلها حراما كأمه، ومقتضى قوله أنت أمي أن تكون الزوجة أما وهذا مستحين أن يكون شخصان هنا شخصا واحدا انتهى، فظاهره أنه لا يلزمه شئ في قوله: أنت أمي إلا إذا أراد به الظهار أو قامت قرينة على ذلك وهو ظاهر لانه يشبه قوله يا أمي ويا أختي. وقال في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب الظهار: قال ابن القاسم: من قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق فهو الطلاق، وإن كان لا يريد به الطلاق فهو ظهار انتهى. وذكر الرجراجي فيه قولين. أحدهما: رواية عيسى هذه. والثاني: رواية أشهب أنه الطلاق الثلاث ولا يلزمه الظهار وعلى رواية عيسى مشى المصنف. ص: (فألبتات) ش: قد تقدم أن الكناية نوعان: الاول: إذا شبه بذوات المحارم ولم يذكر الظهر فثبوته في الطلاق هو المشهور. وقال ابن الماجشون: هو ظهار ولا يصدق في دعوى الطلاق. قال في التوضيح: وعلى المشهور إذا نوى به الطلاق فهو البتات ولا ينوي في دونها إلا أن يكون غير مدخول بها فينوي. وقال سحنون: ينوي أيضا في المدخول بها. قال صاحب المقدمات: وهو أظهر لانه ليس من ألفاظ الطلاق

________________________________________

[ 435 ]

فوجب أن يوقف الامر على ما نوى. وأما النوع الثاني: إذا قال أنت كظهر فلانة الاجنبية. فما قاله من أنه ظهار إلا أن ينوي به الطلاق فيكون ما نوى هو مذهب المدونة انتهى. وقال أولا في شرح قول ابن الحاجب: وينوي في الطلاق أي ينوي في الكناية الظاهرة بنوعيها ويصدق فيما قصده منه انتهى. ثم قال: وأما النوع الاول وذكر ما تقدم وظاهر كلامه في التوضيح أنه ينوي فيما أراد فتأمله. وظاهر كلام ابن عرفة أنه البتات قال: وفيها إن قال أنت علي كظهر فلانة الاجنبية وهي متزوجة أم لا فهو مظاهر. وقال غيره: هي طالق. أبو إبراهيم: قول الغير خلاف. قال فضل وابن رشد وعبد الملك: زاد بعده ولا نية له وزاد أيضا بعد إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون البتات انتهى والله أعلم. ص: (ولزم بأي كلام نواه) ش: هذه هي الكناية الخفية. قال ابن عرفة: والكناية الخفية ما معنى لفظه مباين له وأزيد منه إن لم يوجب معناه حكما اعتبر فيه كاسقني الماء وإلا ففيهما كانت طالق. وأشار في المقدمات إلى إجرائها على خفية الطلاق فتلغى على قول مطرف وروايته لغوها في الطلاق، وعلى قول أشهب فيها إن لم ينو فيها معنى التطليق. انتهى وتقدم في المقدمات ص: (لا بأن وطئتك وطئت أمي) ش: قال ابن غازي: ذكره ابن عبد السلام، وذكر ابن عرفة أنه لم يجده لغيره قال: وكونه ظهارا أقرب من لغوه لانه إن كان معنى قوله إن وطئتك وطئت أمي لا أطؤك حتى أطأ أمي فهو لغو، وإن كان معناه وطئي إياك كوطئ أمي فهو ظهار وهذا أقرب كقوله تعالى: * (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) *. ليس معناه لا يسرق حتى يسرق أخ له من قبل وإلا لما أنكر عليهم يوسف عليه السلام، بل معناه سرقته كسرقة أخيه من قبل ولذا أنكر عليهم انتهى. وما ذكره عن ابن عرفة بعض كلامه وترك منه شيئا كثيرا محتاجا إليه ونص كلامه: وسمع يحيى ابن القاسم: من قال لجاريته لا أعود لمسك حتى أمس أمتي لا شئ عليه. ابن رشد: لانه كمن قال لا أمس أمتي أبدا. قلت: انظر هل هذا مثل قوله: إن وطئتك فقد وطئت أمي ؟ نقل ابن عبد السلام أنه لا شئ عليه ولم أجده لغيره. وفي النفس من نقله الصقلي عن سحنون شك لعدم نقله

________________________________________

[ 436 ]

الشيخ في نوادره. وانظر هل هو مثل قوله: أنت أمي سمع عيسى أنه ظهار وهذا أقرب من لغوه، لانه إن كان معنى قوله إن وطئتك إلى آخر ما نقله ابن غازي فانظر هذا الذي تركه ابن غازي رحمه الله وما فيه من الفوائد وما ذكره ابن عرفة من جهة البحث ظاهر، فإن المتبادر من قوله: إن وطئتك فقد وطئت أمي أي وطئي إياك مثل وطئ أمي. وأما من جهة النقل فذكره ابن عبد السلام قبل الكلام على الكناية الخفية كما قال قبله ونقله في التوضيح أيضا وقبله، ونقله ابن يونس في أوائل الظهار كما قال وقبله ونصه: وقال سحنون: وإن قال إن وطئتك وطئت أمي فلا شئ عليه انتهى. وكلام ابن عرفة متدافع لانه قال أولا لم أجده لغير ابن عبد السلام ثم قال: إن الصقلي ذكره عن سحنون. وقوله إن في النفس شيئا من نقله الصقلي عن سحنون لعدم نقله الشيخ في نوادره فغير ظاهر، لان إمامة ابن يونس وجلالته وثقته معروفة فلا ينبغي أن يطعن في قوله، وكون الشيخ لم يذكره ليس فيه حجة لان من حفظ حجة على من لم يحفظ، على أن الشيخ لم ينف وجوده. وهذا كله إذا لم ينو الظهار، أما إذا نوى به الظهار فلا إشكال أنه يلزمه. وقول الشارح في الكبير ظاهر كلام المصنف أنه لا يلزمه ولو نوى به الظهار بعيد، لان المصنف قد قدم أنه يلزم بأي كلام نواه به فتأمله. وقول البساطي أكثر هذه الالفاظ في المدونة ليس كذلك لانه ليس شئ منها في المدونة. وقال اللخمي في أوائل كتاب الظهار: ولو قال لا أمسك حتى أمس أمي لم يكن مظاهرا لانه لم يلحقها بها في التحريم ولم يشبهها بها، ولو أراد بذلك التحريم لكانت طالقا انتهى. قلت: فيفهم منه إن قصد به التحريم فهو طلاق. فيتحصل من هذا أن هذه الالفاظ إن قصد بها التحريم فهو طلاق، وإن قصد بها الظهار فظهار، وإن لم يقصد بها شيئا فلا شئ عليه والله أعلم. ص: (وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر) ش: يعني لو ظاهر ثم عاد ثم ظاهر أيضا لزمته كفارة ثانية ولو كان ظهاره ثانية بما ظاهر به أولا. قال في التوضيح: كما لو قال أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار، وعاد ثم قال ثانيا: أنت علي كظهر أمي إن دخلت

________________________________________

[ 437 ]

الدار. لان الاولى لما تقرر شرطها وهو العود صارت اليمين الثانية وإن كات بغير ما علق به أولا مخالفة للاولى فصار بمنزلة ما لو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت زيدا وأنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار انتهى. واعلم أولا أن كلام المصنف نحو كلام ابن الحاجب وهو شامل لما مثل به في التوضيح وبما إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي من غير تعليق ثم عاد ثم قال أنت علي كظهر أمي ومقتضى كلامها أن الكفارة تتعدد في ذلك، وهو خلاف مذهب ابن القاسم في الصورتين، بل لو شرع في الكفارة عن الاول ثم ظاهر لم تتعدد الكفارة بل يبتدئها من حينئذ وتجزئ عن الظهارين. قال ابن رشد: إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة عن الظهار الاول وكان ذلك مما لا يجب فيه إلا كفارة واحدة لم يجب عليه إتمام الاولى واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني، وحيث تجب عليه لكل واحد كفارة إذا أوقع الثاني بعد أن شرع في الكفارة الاولى يجب عليه إتمامها وابتداء كفارة أخرى للظهار الثاني. هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة. وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الاول بفعل والثاني بفعل فعليه لكل واحد كفارة وإن كان الفعل واحدا وهو بعيد. ولابن الماجشون في ديوانه أن كفارة واحدة تجزئه في ذلك كيفما كان، فعلى مذهبه إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في كفارة الظهار الاول يبتدئ من يوم أوقع الثاني وإن كانا جميعا بفعلين في شيئين مختلفين، وقد قيل: إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للاول يتم للاولى ثم يستأنف الثانية وإن كانا جميعا بغير فعل. قال ابن المواز: وهو أحب إلي إن لم يبق من الاولى إلا يسير، وإن لم يكن من الاولى إلا يومان أو ثلاثة فإنه يتمها ويجزئه لهما جميعا. وقول ابن القاسم في هذه المسائل كلها أظهر الاقوال وأولاها بالصواب انتهى. ثم قال في سماع أبي زيد: قال ابن القاسم في رجل قال أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة فلما صام شهرا وقع بينه وبينها مشاجرة فقال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك قال: يبتدئ شهرين من يوم ظاهر للظهار الآخر. قيل له: فإنه ابتدأ فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال: إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة وبطل عليه الصيام. قال ابن رشد: لا يجب على الرجل الظهار بقوله: امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها، لانه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل

________________________________________

[ 438 ]

الحنث لانها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار فيجوز له الوطئ كان له ذلك، وإن لم يفعل وطلبته المرأة بالوطئ ضرب له أجل الايلاء إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر. فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة وسقط ما مضى منها، ولم يكن له أن يطأ حتى يستأنف الكفارة على ما قال، ولم يكن له أن يتم الكفارة التي دخل فيها ثم يستأنف الكفارة لليمين الاخرى لان اليمينين جميعا على فعل واحد فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة. فإن تزوج عليها بر بالتزويج وانحلت اليمين ولم يكن عليه إتمام ما دخل فيه من الكفارة، وهذا كله بين انتهى. وقال في التوضيح: ولو أخذ في كفارة الظهار ثم قال: أنت علي كظهر أمي، فليبتدئ الآن كفارة واحدة وتجزئه. وقل: بل يتم الاولى ويبتدئ كفارة ثانية. محمد: وهو أحب إلي إذا كان لم يبق من الاولى إلا اليسير، وأما إن مضى يومان أو ثلاثة فليتم ويجزئه لهما. وقال أشهب: سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبدأ الكفارة عن الظهارين إذا كانا نوعا واحدا مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يقول وقد أخذ في الكفارة مثل ذلك، وكذلك لو كان الاول بيمين حنث فيها والثاني بغير يمين قال: وإن كان الاول بغير يمين والثاني بيمين حنث فيها فليتم الاول ويبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني انتهى. وقال ابن عرفة: ولو حدث التكرار بعد تمام كفارة الاول تعددت لما بعدها اتفاقا. ولو حدث في أثنائها ففي أجزاء ابتدائها عنهما ولزوم تمام الاولى وابتداء ثانية ثالثها إن لم يبق من الاولى إلا اليسير، وإن مضى منها يومان أو ثلاثة أجزأه إتمامها عنهما. ثم ذكر الخلاف ثم قال: وقول ابن الحاجب لو عاد ثم ظاهر لزم ظهاره دون خلاف ليس كذلك. ولو قال: لو وطئ بدل لو عاد لاستقام. انتهى والله أعلم. ص: (لا إن تزوجتكن) ش: أي لا إن قال لنسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فلا تتعدد عليه الكفارة بل عليه كفارة واحدة إذا تزوجهن أو تزوج واحدة منهن. قاله في المدونة. قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك بخلاف ما لو قال لاربع نسوة من تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي. قاله في المدونة وعزاه ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم لابن المواز. ص: (أو كل امرأة) ش: أي إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فإنما عليه كفارة واحدة، وكذلك إذا قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فهي علي

________________________________________

[ 439 ]

كظهر أمي بخلاف ما لو قال من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي. قاله ابن المواز وقاله في البيان وفي التوضيح. قال في التوضيح: قال في الاستلحاق: وانظر إذا قال من تزوجت فهي علي كظهر أمي ولم يقل من النساء، فهل تجزئه كفارة واحدة ؟ انتهى ص: (أو كرره أو علقه بمتحد) ش: قال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار أنهما إن كانا جميعا بغير فعل أو جميعا بفعل في شئ واحد أو الاول بفعل والثاني بغير فعل، فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة واحدة إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة فيلزمه ذلك، وأنهما إن كانا جميعا بفعلين مختلفين أو الاول منهما بغير فعل والثاني بفعل فعليه في كل واحدة منهما كفارة. ثم ذكر ما نقلناه عنه في شرح قول المصنف: وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر والله أعلم. ص: (وله المس بعد واحدة على الارجح) ش: لانها هي كفارة الظهار والباقي كطعام نذره. قاله القابسي

________________________________________

[ 440 ]

وأبو عمران قالا: وإنما تفاوضا بهذه الكفارة وضاق الثلث قدمت كفارة واحدة على كفارة اليمين بالله تعالى، وتقدم كفارة اليمين على ما بقي لانه نذر. قال ابن يونس: هذا هو الصواب ومقابله لابي محمد: لا يطأ حتى يكفر ما نوى من الكفارات. انتهى من التوضيح بالمعنى. وقال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: قال أبو إسحاق: ويجوز له أن يطأ بعد الكفارة الاولى وقبل الثانية. قال ابن رشد: بل هو الواجب لانه لو كفر يعني الثانية قبل أن يطأ لم تجزه الكفارة إذ ليس بمظاهر وإنما هو حالف كرجل قال: إن وطئت امرأتي فعلي كفارة الظهار فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ انتهى. قال ابن عرفة: وللخمي نحو ما لابن إسحاق. وقال ابن عبد السلام: قد يقال إن المكلف التزام ما بقي من الكفارة قبل المماسة فيلزمه ما التزم كما لو قال لله علي أن أعتق رقبتين قبل أن أطأ لما جاز له الوطئ إلا بعد عتقهما وأجل. هذا هو الذي فهمه الشيخ أبو محمد من مراد المظاهر. وفهم غيره النذر المعلق فكأنه قال: إن وطئتها فعلي كفارتان. وعلى هذا فيسأل المظاهر عن مراده ويتفق القولان قال: وينبغي أن لا يشترط العود فيما زاد على كفارة واحدة على مذهب القابسي انتهى. وما قاله إذا بين المظاهر مراده أنه يعمل عليه ظاهر، ولعل الخلاف إنما هو إذا لم تكن (له نية فاختلف على ماذا يحمل كلامه. وأما قوله إنه ينبغي أن لا يشترط العود على مذهب القابسي، فإن أراد بذلك إذا كان مراد الحالف ما قال فظاهر، وأما إن كان مراده الوجه الآخر أو لم تكن له نية فلا يصح أن يقدم الكفارة قبل الوطئ فضلا عن العود فتأمله والله أعلم. ص: (وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث) ش: تصوره ظاهر. وقوله: الثلاث احتراز مما لو طلق واحدة أو اثنتين. قال

________________________________________

[ 441 ]

في المدونة: وإن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه لم يحنث بدخولها، فإن تزوجها ودخلت وهي تحته عاد عليه الظهار انتهى. وقوله في المدونة فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت فظهر منه أنها لو دخلت في العدة وكان الطلاق رجعيا لزمه الظهار. وقد صرح به ابن الحاجب في الكلام على الطلاق. فرع: قال في المقدمات: ومن ظاهر من أمته بيمين ثم باعها ثم اشتراها فإن اليمين ترجع عليه على مذهب ابن القاسم إن بيعت عليه في الدين، وإنما لا تعود عليه اليمين إذا عادت إليه بميراث انتهى. قال اللخمي: وعلى قول ابن بكير لا يكون مظاهرا يعني إذا عادت إليه بشراء. ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل. فرع: قال اللخمي: وإن كان نكاحان بينهما ملك فحلف وهي زوجة لم يحنث حتى طلق ثم اشتراها ثم باعها ثم تزوجها عادت على العصمة الاولى، فإن حنث كان مظاهرا. وإن كانا ملكين بينهما نكاح لم يبن الملك الثاني على الاول لان النكاح الذي بينهما صحح البيع. قال: وإن حلف وهي زوجة فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم حنث لم يكن مظاهرا لان العصمة الاولى زالت، وهذا نكاح مبتدأ بمنزلة من قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم اشتراها فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم دخل لم تطلق عليه، لان العصمة التي حلف لها زالت وهذا نكاح مبتدأ، ولو لم يحنث بالطلاق وأوقع عليها طلقة كان قد بقي له فيها طلقتان انتهى. ففرق بين أن يكون اشتراها بعد طلقة أو فعل طلقة. ونقل في الشامل كلامه الاول ولم ينقل الاخير، فيتوهم أن حكمهما واحد. ولم ينقل ابن عرفة هنا عن اللخمي ولا كلمة ولا عن ابن يونس، وإنما نقل كلامه في المقدمات في المسألة المتقدمة وفي هذه المسألة وهي ما إذا ظاهر من زوجته وهي أمة بيمين ثم اشتراها قبل أن يحنث باليمين. قال في المقدمات: فذهب بعض الشيوخ إلى أن اليمين لا تعود عليه لانه ملك يمين لا ملك عصمة فهو غير المالك الاول كملك العصمة بعد الطلاق ثلاثا قال: إلا أن يبيعها ثم يتزوجها فإنه يعود عليه اليمين لانه بقي له فيها طلقتان واليمين تعود ما بقي من طلاق ذلك الملك شئ انتهى. ويظهر من كلامه الاخير أن شراءها كان بعد أن طلقها طلقة واحدة. وهذا القول نقله ابن يونس عن بعض أصحابنا، وقاله اللخمي ولم ينقل غيره قال: وعكسه أن يحلف بظهر أمته فلم يحنث حتى باعها ثم تزوجها ثم حنث وهي زوجة لم يلزمه ظهار انتهى. ثم قال في المقدمات: وذهب بعضهم إلى أن اليمين تعود عليه إذا اشتراها انتهى. قال ابن يونس: وهو أصوب. ثم قال في المقدمات: والذي أقول به إنه إن ورث جميعها أو اشترى جميعها في صفقة واحدة فاليمين باقية عليه لا تسقط عنه إذ لم تحرم عليه لخروجها من عصمة النكاح إلى ملك اليمين، ولا أقول إنها تعود عليه إذ لا يكون العود إلا بعد المفارقة. وأما إذا ورث بعضها أو اشترى بعضها فحرمت عليه بذلك ثم اشترى

________________________________________

[ 442 ]

بقيتها فحلت له بالملك فاليمين لا تعود عليه، لان ملك اليمين غير ملك العصمة، وملك اليمين من ملك العصمة أبعد من ملك العصمة الثانية من ملك العصمة الاولى انتهى. ص: (لا إن تقدم) ش: لا كلام في هذا، وكذلك لو ظاهر من زوجته الامة ثم طلقها ثم اشتراها أو اشتراها قبل أن يطلقها أو كان علقه ثم حنث قبل الشراء فإن الظهار لازم له. قاله اللخمي وهو في المدونة والله أعلم ص: (أو صاحب) ش: قال في التوضيح عن اللخمي: ولو كانا في مجلسين أعني قال في مجلس إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، وفي مجلس إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي. ونقل أبو الحسن عن ابن محرز أن قوله لزوجته التي في عصمته إن دخلت الدار فأنت طالق ألبتة وأنت علي كظهر أمي مثل قوله للاجنبية إن تزوجتك إلى آخره. وقال عنه: ولو أنه قال إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم هي علي كظهر أمي، أو قال لزوجته أنت طالق إن دخلت الدار ثم أنت علي كظهر أمي لم يلزمه الظهار، لانه حينئذ وقع على غير زوجة لما وقع مرتبا على الطلاق انتهى. وانظر اللخمي والله أعلم. ص: (وإن عرض عليه نكاح امرأة) ش: قال ابن عرفة: والمعلق بالقرينة كالصريح كالطلاق. وروى الباجي: من ذكر له نكاح امرأة فقال هي أمي مظاهر إن تزوجها. الباجي: يريد لانه مستند إلى ما عرض عليه

________________________________________

[ 443 ]

من زواجها فكأنه قال: إن فعلت فهي أمي، ولو أراد أن يصفها بالكبر لم يلزمه ظهار انتهى. ص: (وتتحتم بالوطئ) ش: قال في المتيطية: فإن وطئ قبل الكفارة فقد ثبت وجوبها عليه ويعاقب جاهلا كان أو عالما وعقوبة العالم أشد انتهى ص: (وهل يجزئ إن أتمها تأويلان) ش: هذان التأويلان في الطلاق البائن أو الرجعي بعد العدة. وأما الرجعي قبل انقضاء العدة فإن أتمها أجزأه باتفاق. قاله في تهذيب الطالب. وقيده صاحب البيان بما إذا نوى رجعتها وعزم على الوطئ وإن لم ينو فيكون كالطلاق البائن. قاله في التوضيح. فرع: قال في الشامل: فإن قصد البراءة بالرجعي ارتجع ثم كفر قبل الرجعة في العدة ففي الاجزاء قولان انتهى. وقوله: فإن قصد البراءة أي أن يبتدئ الكفارة في الرجعي ارتجع ثم كفر. وانظر المسألة في كتاب الظهار في أول سماع القرينين. فرع: فإن كان لما إن طلقها لم تتم الكفارة حتى تزوجها. قال في التوضيح: فاتفق على أنه لا يبني على الصوم اتفاقا. واختلف هل يبني على الاطعام على أربعة أقوال فذكرها انتهى. وهذا الذي قاله هو أيضا في أول سماع القرينين ص: (لا جنين وعتق بعد وضعه) ش: هو كقوله في المدونة: ويعتق إذا وضعته. وقال ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب فلو أعتق جنينا عتق ولم يجزه أقرب من عبارتها، لان ظاهر كلامه أنه معتق حين عتقه وعبارتها تدل على أن

________________________________________

[ 444 ]

عتقه حين الوضع فيقال على هذا: إذا وضعته صار رقبة وعتقه حينئذ عن الكفارة فيجزئه ولكن لا يخفى عليك الجواب عن هذا انتهى. وقوله في الشامل وعتق بعد وضعه وقيل بعتقه ولم أر من نقل هذا الخلاف والله أعلم. فرع: وأما عتق الرضيع فيجزئ. قاله كل أهل المذهب. قال في المدونة: ويجزئ عتق الصغير والاعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة. قال ابن ناجي: ما ذكره في الصغير متفق عليه، ويريد بقوله: يجزئه أن نفقته عليه إلى أن يبلغ الكسب ولو بالسؤال وبه كان شيخنا حفظه الله يفتي ويذكر أن أبا حفص العطار نص على ذلك، وأخذ ابن رشد مثله من قولها في كتاب التجارة: ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمه، ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته. وقد تقدم الكلام على هذا المعنى أعني نفقة الصغير في فصل زواج الاماء. وما ذكر أن ابن العطار نص عليه، تقدم نقله عن ابن رشد وكأنه لم يقف عليه والله أعلم. وقوله في المدونة: إذا كان من قصر النفقة قال في التوضيح: قال أبوعمران: هو على الاستحباب، وأما الاجزاء فإنه يجزئ وإن كان مع سعة النفقة. قال ابن عبد السلام: وقيل: إنه شرط ينتفي الاجزاء بانتفائه والاولى أولى لانه لا يعلم شئ من مسائل هذا الباب وما يقرب منه يجزئ الفقير ولا يجزئ الغني. انتهى كلامه. فرع: قال في سماع أصبغ: قيل: أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر أخرس أو أصم أو مقعدا أو مطبقا، أعليه بدلها ؟ قال: ليس ذلك عليه وهذا شئ يحدث، وكذلك لو ابتاعه فكبر على مثل هذا لم يلحق البائع شئ من ذلك. ابن رشد: تعليله لاجزاء ذلك في الكفارة وأنه لا رجوع في ذلك على البائع بأن هذا شئ يحدث ليس بعلة صحيحة، لان ما يقدم ويحدث من العيوب إذا أمكن أن يعلم بحلف البائع فيه اليمين ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب، فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته ولا يمكن أن يعلمه أحد، فإن لم يكن له حكم البيع في قيام المبتاع على البائع ولا في عدم الاجزاء في الكفارة لان المكفر قد ادعى ما يجب عليه باجتهاد ولم يقصر فلا درك عليه. ص: (ومنقطع خبره) ش: قال في المدونة في كتاب الضوال: ومن أعتق آبقا عن ظهاره لم يجزه إذ لا يدري أحي هو أم ميت أم معيب أم سليم إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب فيجزئه، أو يعلم بذلك بعد عتقه فيجزئه ذلك وإن جهل أولا انتهى. والفرق بينه وبين الجنين، أن هذا رقبة والجنين ليس برقبة والله أعلم. ص: (وفي

________________________________________

[ 445 ]

العجمي تأويلان) ش: الكافر إذا كان يجبر على الاسلام كالمجوسي صغيرا أو كبيرا أو من لا يعقل دينه من أهل الكتاب، ففي إجزائه خلاف. انظر اللخمي ص: (سليمة عن قطع أصبع ش: ومثله الشلل والاقعاد وذهاب الاسنان كلها. قاله ابن عرفة عن اللخمي. فروع: الاول: المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك في الحج الثاني من المدونة وغيرها فيمن اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره أو بعيرا فقلده وأشعره ثم أصاب به عيبا لا يجزئه العبد في الرقاب ولا البعير في الهدايا، أنه يرجع بقيمة العبد ولا يرده لفواته بالعتق أو بالهدي، ويجعل ما يؤخذ في قيمة العيب فيما وجب عليه من بدله، قاله في سماع محمد بن خالد. الثاني: من أعتق رقبة في ظهار فاستحقت الرقبة فرجع المعتق على بائعها بالثمن وهو ثمن واسع قال ابن القاسم: يشتري به كله رقبة ولا يشتري ببعضه لان مالكا سئل عن الرجل يعتق الرقبة عن ظهار ثم يطلع على عيب قال: يرجع به على بائعه ويجعله في رقبة، فإن لم يجد به رقبة أعان به في رقبة يتم بها عتقها. قال ابن القاسم: فمن هنا رأيت ما قلت لك قال: والعيب الذي أصيب بالعبد ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب ولكنه إذا كان بالعبد جاز العبد به وأجزأه.

________________________________________

[ 446 ]

قلت: فلو كان تطوع قال: يرجع بالعيب ويصنع به ما شاء. قاله في سماع سحنون. الثالث: قال ابن عرفة: والدين المانع سعيه لنفسه لصرفه في قضاء دينه وزمانة الشيخوخة يمنعان إجزاءه بخلاف الصغير لاستقباله كذلك ولذا جاز بيعه انتهى. ص: (أو أعتق نصفا فكمل عليه أو أعتقه) ش: يعني أنه إذا أعتق نصف عبده عن ظهار ثم كمل الحاكم عليه عتق نصفه الثاني، أو أعتق نصفه عن ظهاره ثم أعتق نصفه الثاني عن ذلك الظهار فإنه لا يجزئه. أما الاولى فظاهر، وأما الثانية فما ذكره المصنف هو قول ابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن عبد السلام: هو ظاهر المدونة، والاظهر لان الحكم يوجب عليه التتميم فملكه للباقي غير تام. ونقله في التوضيح. ص: (ومغصوب) ش: قال ابن عرفة: في قول ابن شاس: يجزئ المغصوب نظرا لعدم قدرة العبد على التخلص انتهى. قال في التوضيح: وسواء قدر على خلاصه أم لا. والله أعلم ص: (ومرض وعرج خفيفين) ش: قال ابن عرفة: وخفيف العيب

________________________________________

[ 447 ]

لغو. اللخمي: كالخفيف من مرض وعرج وصمم. ثم قال ابن عرفة واللخمي معها: وكجذع

________________________________________

[ 448 ]

في الانف أو قطع أنملة أو بعض الاسنان. الباجي عن ابن حبيب: أو الضرس. ابن رشد: ويجزئ ولد الزنا اتفاقا انتهى. وانظر إذا ذهبت أنملتان والاشبه الاجزاء لان الخلاف في الاصبع والله أعلم. والانملة بالفتح قاله في الصحاح. ص: (وفيها ونسيان ثم قال وشهر أيضا القطع بالنسيان) ش: يعني أن من أكل ناسيا في صوم ظهاره لم ينقطع تتابع صومه على مذهب

________________________________________

[ 449 ]

المدونة، وشهر أنه ينقطع، وهكذا حمله الشارحان ونحوه في التوضيح وذكر فيه أن المشهر للقول بالقطع هو صاحب البيان. فأما ما نسبه للمدونة فهو في كتاب الظهار ونصه: ومن أكل

________________________________________

[ 450 ]

ناسيا في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع أو أكره على الفطر أو تقايأ أو ظن أن الشمس قد غربت فأكل أو أكل بعد الفجر ولم يعلم أو وطئ نهارا غير التي تظاهر منها ناسيا، فليقض في ذلك يوما يصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله انتهى. قال ابن ناجي في شرحها: ما ذكره في النسيان والاكراه لا أعلم فيه خلافا انتهى. وأما ما ذكره من تشهير القول بالقطع بالنسيان ففيه إجمال، وكلامه في التوضيح يقتضي أن صاحب البيان قال في مسألة المدونة هذه أعني من أكل ناسيا، ثم قضى يوما وصله بصيامه أن المشهور فيها القطع لانه قال في التوضيح في قول أشهب بن الحاجب: وفي الخطأ والسهو ثالثها ينقطع بالخطأ، والمشهور لا ينقطع ولو بوطئ غيرها ويقضيه متصلا. يعني اختلف هل ينقطع التتابع بالفطر سهوا كمن أفطر في يوم ناسيا أو خطأ كمن صام تسعة وخمسين يوما ثم أصبح مفطرا معتقدا أنه أكمل الصوم، وكمن اعتقد أن الشمس غربت فأكل أو الفجر لم يطلع فأكل ثم تبين له خلاف ما اعتقده على ثلاثة أقوال: الاول أنه ينقطع في السهو والخطأ وهو لمالك في الموازية نص فيه على القطع بالفطر ناسيا. اللخمي وغيره: وعليه فينقطع بالفطر خطأ. وفي البيان: مشهور المذهب أنه لا يعذر بالنسيان في كفارة القتل والظهار. والقول الثاني أنه لا ينقطع بهما. قال المصنف: وهو المشهور. وإنما عزاه اللخمي وصاحب البيان وغيرهما لابن عبد الحكم. وقوله: ولو بوطئ غيرها يعني إن عذر في الوطئ فأحرى في الاكل والشرب. والقول الثالث لا ينقطع بالسهو لانه يعرض في كل جزء من أجزاء الصوم فيعسر التحرز منه بخاف الخطأ. وبعضهم يرى هذا

________________________________________

[ 451 ]

الثالث ظاهر المذهب ذكره فيما أصبح مفطرا بعد تسعة وخمسين معتقدا الاتمام. وقوله: ويقضيه أي وإذا فرعنا على عدم القطع وهو ظاهر. انتهى كلامه برمته. واعلم أن هنا شيئين: أحدهما الفطر ناسيا، والثاني تفرقة صوم الظهار نسيانا كما إذا صام بعض الصوم ثم نسي التتابع فأفطر يوما أو يومين أو أكثر ثم ذكر أنه لم يكمل الصيام، وكمن أفطر لعذر ثم لم يصل القضاء نسيانا، والذي قال فيه صاحب البيان يبطل التتابع على المشهور هو الثاني لا الاول، يظهر لك ذلك بكلامه. وهذه المسألة في سماع سحنون وعزاه ابن عرفة لسماع يحيى ولم أرها إلا في سماع سحنون من كتاب الظهار، ولم ينقلها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في نوادره إلا عن سحنون، وسماع يحيى ليس فيه إلا مسألة واحدة فلعل ذلك وقع في نسخة الشيخ ابن عرفة. ونص كلامه في كتاب الظهار: التتابع في كفارة القتل والظهار فرض بنص التنزيل فلا يعذر أحد في تفرقتهما بالنسيان على المشهور في المذهب، وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو الحيض إن كان امرأة. فإن مرض الرجل فأفطر في شهري صيامه أو أكل فيهما ناسيا قضى ذلك ووصله بصيامه، فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا أو متعمدا استأنف صيامه. ثم قال: ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان لانه أمر غالب كالمرض انتهى. وكذلك كلام اللخمي قريب من ذلك ونصه: الصوم عن الظهار شهران متتابعان حسبما ورد به القرآن، فمن أتى به متفرقا متعمدا لم يجزه، وإن كانت التفرقة عن مرض أجزأ. أو اختلف إذا كانت عن نسيان أو خطأ. ثم ذكر الخلاف وذكر ما نقله المصنف عنه في التوضيح ثم قال في آخر كلامه: ومن أكل في نهاره بعد أن كان بيت الصوم ناسيا قضى يوما ووصله بصيامه وأجزأه ولم يستأنف، لان بعض أهل العلم قال: إنه صوم صحيح لا يجب قضاؤه، وقياس المذهب أن يكون بمنزلة من بيت الفطر لانه لم يختلف قول مالك وأصحابه أنه صوم فاسد يجب قضاؤه ولا يحتسب به انتهى. فقوله: وقياس المذهب يدل على أنه ليس فيه خلاف منصوص، فبان من كلامهما أنهما لم ينقلا الخلاف إلا في تفرقة النسيان لا فيمن أفطر ناسيا كما قاله المصنف في التوضيح. وما نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو كذلك فيه لا في عز وسماع يحيى فقط فإني لم أره إلا في سماع سحنون كما تقدم بيانه. ونص كلام ابن عرفة ابن رشد في سماع يحيى لا يعذر بتفرقة النسيان، وعذره به ابن عبد الحكم انتهى. وهذا هو الذي يظهر من كلامه في الجواهر ولم يذكر في التوضيح ما شهره ابن الحاجب إلا عن ابن عبد الحكم وقد شهره صاحب اللباب وذكر في المتيطية وفي معين الحكام مثل ما في المدونة فقط من غير ذكر خلاف والله أعلم. هذا ما ظهر لي في ذلك وما ظهر له الحق بعد هذا الكلام في طريق فليتبعه والله الهادي للصواب. تنبيه: أدخل المصنف في التوضيح في الخطأ مسألة من صام تسعة وخمسين ثم أصبح معتقدا للتمام وهي من التفرقة نسيانا والله أعلم. ثم فرع المصنف مسألة اليومين فقال: فإن لم

________________________________________

[ 452 ]

يدر بعد صوم أربعة عن ظهارين موضع يومين صامهما وقضى شهرين، وإن لم يدر اجتماعهما صامهما والاربعة. وصورة المسألة أنه صام أربعة أشهر عن ظهارين ثم ذكر بعد فراغه أنه ناس ليومين، فتارة يذكر أنهما مجتمعان، وتارة لا يدري هل هما مجتمعان أم مفترقان. فإذا علم اجتماعهما فتارة يعلم أنهما ليس يوم من الاولى ويوم من الآخرة، وتارة لا يعلم ذلك، هذه صورة المسألة. وأما حكمها فهي على ما قلنا إن الفطر ناسيا لا يقطع وإنما يقطع تفرقة النسيان بصوم يومين وشهرين فقط في جميع الصور. أما اليومان فلاحتمال أن يكون اليومان اللذان أفطرهما من الاخيرة، سواء كانا مجتمعين، إما في أولها أو في آخرها أو في وسطها، أو واحد من أولها وواحد من آخرها، أو يكون منها يوم واحد فقط فيقضي يومين بعدها متصلا. وأما الشهران فلاحتمال أن يكون اليومان من الاولى، سواء كانا مجتمعين أو مفترقين، أو يوم منها ويوم من الاخيرة، لانه كان الواجب عليه أن يصومهما إن كانا يومين أو واحدا إن كان واحدا عقيب فراغه منهما، فلما فصل بينهما بالكفارة الثانية لزمه أن يبتدئهما والله أعلم. وكذا قال ابن شاس وابن بشير إنه إنما يلزمه شهران ويومان، كان يعلم اجتماعهما أم لا يعلم. وفرعنا ذلك على القول بأن النسيان يبطل، وفرعنا على القول بأن التفرقة نسيانا لا تبطل أنه إنما يلزمه يومان. وفرض ابن رشد المسألة في البيان في يومين ولم يذكر اجتماعا ولا افتراقا إلا أنه يقال من كلامه إنهما مجتمعان. وأما على ما قال المؤلف من أن الفطر نسيانا يقطع التتابع فقالوا: يصوم اليومين والاربعة الاشهر إذا كان لا يدري اجتماعهما. ووجه لزوم اليومين عند ابن القاسم على ما قال ابن عبد السلام هو أنه يقول: احتمال اجتماع اليومين وكونهما من الكفارة الاخيرة قائم فلا بد من رعيه فيصوم اليومين، ثم يبقى احتمال افتراقهما فيصوم أربعة أشهر. وبالجملة: ابن القاسم يراعي كل احتمال. انتهى كلام ابن عبد السلام. وقال ابن عبد السلام أيضا. وتبعه المؤلف: واعلم أنه إنما يحتاج إلى صيام الاربعة أشهر في هذه الصورة إذا شك في أمسه هل هو من اليومين اللذين ذكرهما، وأما إن تحقق أن اليومين سابقان على ذلك فيحتسب بالعدد الذي تحقق أنه صامه وإن لم يتخلله فطر ويبني عليه بقية الاربعة أشهر والله أعلم. انتهى كلام ابن عبد السلام. قالوا: أما إن علم اجتماعهما فلا يصوم إلا يومين وشهرين. قال في التوضيح: يصوم يومين لاحتمال أن يكونا من الاخيرة فلا ينتقل عنها وهو قادر على تمامها، ويقضي شهرين لاحتمال أن يكونا من الاولى أو أحدهما من الاولى والآخر من الثانية انتهى. وانظر هذا التعليل الذي قاله إنما يستقيم على أن الفطر ناسيا لا يقطع التتابع، وأما إذا قلنا إنه يقطع التتابع فلا فائدة لصوم اليومين لانه قد انقطع التتابع بالفطر ناسيا فلا يبني إلا على ما صامه بعد ذلك ويكمل عليه فتأمله والله أعلم. وقد نقل صاحب الشامل عن المدونة القطع بالنسيان وهو غريب، وانظر كلام أبي الحسن الصغير ص:

________________________________________

[ 453 ]

(ولا أحب الغداء والعشاء كفدية الاذى) ش: قال في المدونة: ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار لان الغداء والعشاء لا أظنه يبلع مدا بالهاشمي. قال الشيخ أبو الحسن: لا أحب هنا على بابه. قال ابن يونس في كتاب ابن المواز: من غدى أو عشى خبز البر وإلا دام في الظهار لم يتبع ولا إعادة عليه. ثم قال في المدونة: ولا ينبغي ذلك في فدية الاذى ويجزئ ذلك فيما سواها من الكفارات. الشيخ: لا ينبغي هنا على بابه انتهى. وقال ابن ناجي: لا أحب ولا ينبغي على التحريم لوجهين: أحدهما: تعليله ذلك بقوله لان الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مدا بالهاشمي. الثاني: قوله: ويجزي ذلك فيما سواها من الكفارات مفهومه أنه لا يجزئ في الظهار ولا في فدية الاذى. وفي قول: لا أظنه مسامحة لانه لا يبني على غلبة الظن وإنما يبني على العلم. وقال المغربي: قوله: بالهاشمي صوابه بالهشامي لانه منسوب إلى هشام لا هاشم

________________________________________

[ 454 ]

انتهى. وانظر التوضيح ص: (ولا يجزئ تشريك كفارتين) ش: يعني أن من لزمه ظهاران مثلا فأخرج مائة وعشرين مدا إلا أنه نوى أن كل مد نصفه عن كفارة ونصفه الثاني عن كفارة أخرى فإنه لا يجزئه. قال في المدونة: ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الاربع ونوى لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة أجزأه، وكذلك الاطعام فإن شركهن في كل يوم من الصيام أو في كل مسكين من الاطعام لم يجزه إلا أن ينوي مدا لكل مسكين في كفارته، وإن لم ينو به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزئه ذلك لان الاطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمدادا، وفي غد عن الاخرى أمدادا ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فيجزئه، وإن كان متفرقا بخلاف الصوم لان فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم عن جميعهن

________________________________________

[ 455 ]

مائة وعشرين مسكينا ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله ص: (ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع كمل وسقط حظ من مات) ش: يعني لو أطعم مثلا مائة وثمانين مسكينا عن أربع نسوة ظاهر من كل واحدة منهن فإنه يجزئه ذلك عن مقدار ثلاث كفارات ويكمل الرابعة، وسواء نوى أن لكل واحدة عددا من المائة أو نوى أن المائة والثمانين عن الاربعة ولم يشرك في كل مسكين فإنه يجزئه عن مقدار ثلاث كفارات. فإن ماتت واحدة سقط حظها إن كان بينه، سواء كان أقل مما لغيرها أو أكثر أو مساويا، وإن لم يبينه فإنه يسقط ربع المائة والثمانين، ولو نوى أن لواحدة غير معينة عددا والاخرى غير معينة وأقل وماتت واحدة جعل لها الاكثر. قال جميع ذلك في التوضيح. وقوله: إنه إن شرك في كل مسكين لا يجزئ يعني إذا لم تعرف أعيان المساكين ولو عرفت لنظر إلى ما يقع لكل واحد منهم فيكمل تمام المد. قاله في التوضيح والله أعلم. باب ص: (إنما يلاعن زوج) ش: قال ابن عرفة: ولا نص في حكمه. ابن عات: لاعن ابن

________________________________________

[ 456 ]

الهندي فعوتب في ذلك فقال: أردت إحياء سنة قد دثرت. والحق أنه إن كان لنفي نسب وجب وإلا فالاولى تركه بترك سببه، فإن وقع صدقا وجب لوجوب دفع معرة القذف وحده ثم وجدت نحوه في سراج ابن العربي. قلت: في الجواهر إشارة إلى ذلك ونصه: الزوج كالاجنبي في القذف إلا في أمور منها: أنه قد يباح له ذلك وقد يجب لضرورة دفع النسب انتهى. وقال في اللباب: حكمه الجواز الحديث عويمر انتهى. وقال البرزلي: قول ابن الهندي سنة قد أميتت يعني صفة اللعان وقد أغنى الله عنه بما ذكره في القرآن والستر أولى، وإنما تستر بهذا الكلام حتى عوتب. وقد وقع في زمن الامير يحيى بجامع الزيتونة ثم وقع مرة أخرى، ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان لكثرة المفاسد فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وقال في الطراز: كانت ملاعنته إياها في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ص: (أو فسقا أو رقا لا كفرا) ش: قال في المدونة: واللعان بين كل زوجين كانا أو مملوكين أو أحدهما أو محدودين أو كتابية تحت مسلم إلا الكافرين فلا لعان بينهما. فأما الامة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغير رؤية كان حرا أو عبدا إذ لا يحد قاذفهما ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملا أو ادعى استبراء أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحقق ذلك عليهما لم أمنعه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: كانا مملوكين كأنه يقول يلاعن من لا تجوز شهادته خلافا لابي حنيفة أنه لا يلاعن العبد ولا المحدود، لان الله استثناهم من الشهداء. وقوله: إلا الكافرين ابن يونس: ذكر أن أبا عمران قال في أهل الكتاب: إذا تراضوا بحكم الاسلام فنكلت، فعلى قول ابن القاسم ترجم، وعلى ما قال البغداديون لا ترجم لان أنكحتهم فاسدة وإنما يجب على من نكل منهم الحد كالمتلاعنين قبل البناء انتهى. وقال في الشامل: لا كافرين إلا أن يتحاكما إلينا، وهل ترجم المرأة إن نكلت أو تحد ؟ قولان انتهى. وقال ابن عرفة: وشرط وجوبه أي اللعان على الزوجة إسلامها وعلى الزوج في قذفه دون حل نفي إسلامها وحريتها، ثم ذكر لفظ المدونة. وسيقول المصنف: ولاعنت الذمية بكنيستها ولم تجبر.

________________________________________

[ 457 ]

تنبيه: قوله في المدونة: فأما الامة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما قال الشيخ أبو الحسن: أي لا يلزمه لعان يدل عليه قوله فيما يأتي ويلاعن فيهما إن أحب انتهى. وظاهر هذا الكلام أنه إذا لم يلاعن لا يؤدب وليس كذلك، لان المصنف سيقول: وحكمه رفع الحد والادب في الامة والذمية والله أعلم ص: (إن قذفها بزنا) ش: لما ذكر من لا يلاعن ومن لا يلاعن أخذ يذكر أسباب اللعان فبدأ بالكلام على القذف بالزنا فقال: إن قذفها بزنا يريد سواء كان في قبل أو دبر. صرح بذلك ابن القصار وتبعه ابن الحاجب وغيره. قال ابن عرفة: وهو مقتضى المذهب. وقال القرطبي: إذا قذف بالوطئ في الدبر لاعن. وعن أبي حنيفة: لا يلاعن وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد وهو فاسد لان الرمي به معرة انتهى. وشرط فيه ابن الحاجب أن ترفعه للحاكم. قال في التوضيح: فإن لم ترفع فلا لعان لان ذلك من حقها، ثم إن لم يبلغ رميه لها الحاكم فلا كلام، وإن بلغه حد إلا أن يلاعن. وقال ابن عبد السلام: وشرطه فيه أن ترفعه للحاكم فلو لم ترفعه فلا لعان عليهما لان لعانهما من حقها. وإنما يبقى النظر هل يلاعن الزوج أو يحد القذف ؟ وبالجملة إن هذا الشرط في تلاعنهما معا فإذا انتفى ذلك الشرط انتفى تلاعنهما، ولا يلزم انتفاء تلاعنه هو انتهى. وخرج بقوله: بزنا ما إذا رماها بغير الزنا. واختلف إذا عرض لها هل يجب اللعان أم لا، والمعروف أنه لا يوجب اللعان. قاله ابن عرفة. قال: وعلى المعروف في حده به كأجنبي أو تأديبه. نقل محمد وقول أشهب عن ابن القاسم الشيخ عن محمد عن ابن عبد الحكم: إن صرح بعد تعريضه لاعن انتهى. ونقله في المقدمات. ولا بد من تقييد كلام المصنف بما إذا رماها بزنا طوعا فإن رماها بغصب فيأتي والله أعلم. ص: (وانتفى به ولد لستة وإلا لحق إلا أن يدعي الاستبراء) ش: يعني أن اللعان إذا

________________________________________

[ 458 ]

كان لرؤية، فتارة يدعي الزوج أنه استبرأها بحيضة قبل الرؤية وأنه لم يطأ بعد الاستبراء فإن الولد ينتفي بذلك اللعان، وادعى ابن رشد في ذلك الاجماع وسيأتي لفظه. وإن لم يدع الاستبراء فإن أتت بالولد لستة أشهر من يوم الرؤية فأكثر انتفى الحمل، وإن أتت به لدون ستة أشهر لحق به لان اللعان إنما كان للرؤية. وحكى ابن رشد في ذلك ثلاثة أقوال ونصه في المقدمات: فإذا لاعن على الرؤية وادعى الاستبراء انتفى الولد بإجماع، وإن لم يدع الاستبراء فاختلف هل ينتفي الولد بذلك اللعان أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الولد ينفيه اللعان على كل حال وإن ولدته لاقل من ستة أشهر وهو أحد قولي مالك في المدونة.

________________________________________

[ 459 ]

والثاني: أنه لا ينفيه بحال وإن ولدته لاكثر من ستة أشهر ويلحق به الولد وهو قول عبد الملك وأشهب. والثالث: التفرقة بين أن يولد لاقل من ستة أشهر أو لاكثر منها. وهذا القول الثاني لمالك في المدونة فيأتي على هذا في جملة المسألة ثلاثة أقوال وفي كل طرف منها قولان إذا ولدته لدون ستة أشهر وإذا ولدته لاكثر من ستة أشهر قولان انتهى. وظاهر كلام المصنف وابن رشد أن الحكم كذلك سواء كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية أم لا، وسيأتي في كلام المصنف عن ابن القاسم أنها إذا كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فإنه يلحق به وهو ظاهر فيقيد به ما هنا والله أعلم. فإن لاعن للرؤية ولم يكن ذكر الاستبراء ثم أتت بولد لاقل من ستة أشهر من يوم الرؤية وقلنا إنه يلحق به فادعى الآن أنه كان استبرأ قبل الرؤية وقال: ليس الولد مني. قال في المقدمات: كان ذلك له في الوجوه كلها باتفاق وسقط نسب الولد، قيل بذلك اللعان وهو قول أشهب، وقيل بلعان ثان وهو قول أصبغ وعبد الملك، وفي المدونة ما يدل على القولين انتهى. ونقله في التوضيح. قلت: وكلامه في الام صريح في أنه ينتفى باللعان الاول ونصه: قلت: فإن ادعى رؤية أو زعم أنه لم يكن استبرأ ثم جاءت بولد لاقل من ستة أشهر من يوم ادعى الرؤية فلما ولدت ادعى الاستبراء قال: لا يلحق به الولد ويكون اللعان الذي تلاعنا نفيا للولد. قلت: فإن قال بعد ذلك الولد ولدي وقد كنت كاذبا في الاستبراء وما استبرأتها قال: يضرب الحد لانه صار قاذفا ويلحق به الولد. قلت: فإن لم يدع الاستبراء إلا أنه قال الولد ليس مني ولاعنها برؤية ثم جاءت بولد لادنى من ستة أشهر فألحقته به أيكون قاذفا ويجلد الحد ؟ قال: لا. تنبيه: مشى المصنف هنا فيما إذا لم يدع الاستبراء على القول الثالث في كلام ابن رشد في التفصيل بين أن تلده لستة أشهر من الرؤية فأكثر فلا يلحقه، أو تلده لاقل فيلحق، ثم ذكر بعد هذا مسألة المدونة وذكر الثلاثة الاقوال فقال: ص: (وإن لاعن لرؤية وادعى الوطئ قبلها وعدم الاستبراء فلمالك في إلزامه به وعدمه ونفيه أقوال ابن القاسم ويلحق إن ظهر يوما)

________________________________________

[ 460 ]

ش: وهذه المسألة داخلة في عموم المسألة التي فرغنا منها. لان فرض المسألة الاولى أنه لم يدع الاستبراء وهذه أخص لانه ادعى أنه وطئ. واقتصر المصنف في تلك على قول واحد وذكر هنا لمالك ثلاثة أقوال ويشير إلى قوله في المدونة: ومن قال رأيت امرأتي تزني ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم استبرئ فإنه يلاعن. قال مالك: ولا يلزمه ما أتت به من ولد. قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لاقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه. وقد اختلف في ذلك قول مالك. فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه الولد ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا. قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلى أنه إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية. انتهى لفظ التهذيب. واختلف شيوخ المدونة في فهم كلامها، فمنهم من فهم المدونة على ظاهرها وإن قول مالك اختلف على ثلاثة أقوال، فمرة ألزمه الولد وإن لم ينفه باللعان الاول وألحقه به وإن ولدته لاكثر من ستة أشهر من يوم الرؤية إلا أن ينفيه بلعان ثان. وقوله: مرة لم يلزمه أي ليس في اللعان الاول تعرض للولد فيبقى الامر موقوفا، فإن نفاه بلعان ثان انتفى وإن استلحقه لحق به. وقوله: ومرة قال بنفيه يعني أن الولد ينتفي باللعان الاول فلا يلحق به، فإن ادعاه بعد ذلك حد ولحق به، هكذا قرر الاقوال الثلاثة في التوضيح. ومنهم من فهم المدونة على أنه ليس فيها إلا قولين: الاول: أن الولد منفي وإن أتت به لاقل من ستة أشهر وهو معنى قوله: ومرة لم يلزمه الولد وقوله بعده: مرة قال بنفيه تأكيد لهذا القول. والقول الثاني: الفرق بين أن يولد لستة أشهر فأكثر أو لاقل وهو معنى قوله في المدونة: فمرة ألزمه الولد لكن على أن هذا القول مقيد بكلام ابن القاسم أعني قوله إلا أن تأتي به لاقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، وعلى هذا التأويل حمل المدونة ابن رشد وابن لبابة. تنبيهات: الاول: ظاهر التهذيب أن هذا التقييد لابن القاسم وأنه ليس من كلام مالك، وقبله المصنف في التوضيح وغيره وظاهر كلام الام أنه لمالك وسيأتي نصه. الثاني: هذا الخلاف جار، سواء كانت يوم الرؤية ظاهرة الحمل أم لا. ولهذا قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد لاحق. قال في التوضيح: وتفصيل ابن القاسم ظاهر لانه لا يلزم من لعانه لنفي الحد نفي حمل ظاهر، والظاهر أنه لا يشترط الظهور بل إنما يشترط أن تأتي به لاقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، ولو قيل إنه للاول ولو أتت به لستة أشهر لان وضع الولد لستة أشهر نادر والاصل إلحاق الولد بالفراش لكان أحسن انتهى. قلت: الذي اختاره ابن القاسم في المدونة ظاهر لانه يقول: إن كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فالولد لاحق به إذا لم يدع الاستبراء يريد ولو أتت به لاكثر من ستة أشهر. وإن لم تكن

________________________________________

[ 461 ]

ظاهرة الحمل فالذي صدر به ابن القاسم أنه إن أتت به لاقل من ستة أشهر فهو لاحق وإلا فهو منفي باللعان للرؤية ونص كلامه الموعود به. قلت: فإن قال رأيتها تزني الساعة ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني قد كنت جامعتها من قبل أن أراها فقال مالك: يلتعن ولا يلزمه الولد. قلت: فإن جاءت بولد لاقل من ستة أشهر من بعد ما التعن أيلزمه ؟ قال: نعم، لان الحمل قد كان من قبل أن يراها تزني. وقد اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه إياه ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا، وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني وبها حمل ظاهر لا شك فيه أنه يلحق به الولد إذا التعن على الرؤية. الثالث: قال في التوضيح: فإن قيل في قول ابن القاسم أحب إلي نظر إذ هو موضع الجزم لعظم أمر الانساب، وإنما يقال أحب في باب العبادات قيل: إنما حمله على ذلك اضطراب مدرك الامام فلم يستطع الجزم بمخالفته انتهى. ص: (ولا وطئ بين الفخذين إن أنزل) ش: قال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية: من أنكر حمل امرأته بالعزل لم ينفعه وكذلك كل وطئ في موضع يمكن وصول المني للفرج، وكذا في الدبر قد يخرج منه الفرج، ونحوه مفهوم قول استبرائها إن قال البائع كنت أفاخذ ولا أنزل وولدها ليس مني لم يلزمه. اللخمي:

________________________________________

[ 462 ]

إن أصاب بين الفخذين وشبهه لزمه الولد ولا يلاعن ولا يحد لان نفيه لظنه إلا أن يكون عن وطئه حمل. الباجي إثر ذكره ما في الموازية: يبعد وجود الولد من الوطئ في غير الفرج ولو صح ما حدت امرأة بحملها ولا زوج لها لجواز كونه من وطئ في غير الفرج انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولا يعتمد على الوطئ بين الفخذين إن أنزل لاحتمال أن يكون وصل من مائة شئ للفرج قالوا: وكذلك الوطئ في الدبر. واستشكل الباجي هذا وقال: يبعد عندي أن يلحق الولد من غير الوطئ في الفرج انتهى. وقوله: استشكل الباجي هذا يعني به الالحاق بالوطئ بين الفخذين والوطئ في الدبر لا الاخيرة فقط كما قد يتوهم والله أعلم. ص: (وورث المستلحق الميت إن كان له ولد حر مسلم أو لم يكن وقل المال) ش: انظر ابن غازي وما سيأتي في باب الاستلحاق ص: (وإن وطئ أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع) ش: هذا بالنسبة إلى اللعان لنفي الولد، فإن كان اللعان لرؤية فإنه يمتنع اللعان بوطئها

________________________________________

[ 463 ]

بعد الرؤية. قال ابن عرفة: الباجي عن محمد وابن حبيب عن ابن الماجشون: إن ادعى رؤية قديمة ثم قام الآن بها حد. ولم يقبل ابن عرفة: ظاهره ولو قال لم أمسها بعد رؤيتها. وقال اللخمي: لم يختلف المذهب إن رآها وسكت ولم يذكر ذلك إلا بعد مدة أو ظهور الحمل إلا أنه لم يصب بعد الرؤية أن له أن يلاعن انتهى. قلت: يقيد الاول بما إذا كان قد وطئ كما هو المتبادر منه ويتفق النقلان، ويفهم منه أنه إذا وطئ بعد الرؤية لم يكن له أن يلاعن ولا ينفي الولد وهو ظاهر، وقد صرح به ابن الحاجب وقبله في التوضيح ص: (وشهد بالله أربعا) ش: قال ابن عرفة: شرط اللعان ثبوت الزوجية إلا أن يكونا طارئين. انتهى مختصرا بالمعنى. فرع: قال ابن عرفة المتيطي: إذا ثبتت مقالتهما وزوجيتهما سجنه الامام. الباجي: اختلف في سجنه فسألت أبا عمران ابن عبد الملك فقال: يسجن لقول مالك فيها أنه قاذف. انتهى ونقله في التوضيح. تنبيه: قال ابن الحاجب: وصفته أن يقول أربع مرات أشهد بالله. وقال محمد بن يزيد: الذي لا إله إلا هو. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام المؤلف أنه اختلف ابتداء هل يزيد الذي لا إله إلا هو وظاهر ما حكاه غيره أنه يقوله وإنما الخلاف إذا تركه. خليل: وفيه نظر فقد ذكر المتيطي وابن شاس القولين كما ذكره المصنف انتهى. قلت: والظاهر ما قاله ابن عبد السلام وسيأتي للمصنف في باب الشهادات أن اليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو، فيحمل كلام المتيطي وابن شاس على ما قاله ابن عبد السلام انتهى. فرع: قال ابن عرفة اللخمي: في لزوم إني لمن الصادقين قولان للموازية ولها،

________________________________________

[ 464 ]

والصواب الاول لوروده في القرآن. انتهى فينبغي أن لا يترك ص: (ووصل خامسته بلعنة الله عليه) ش: أشار بقوله: بلعنة الله إلى أنه لا يتعين أن يقول: إن لعنة الله. قال في التوضيح: ولكن ينبغي أن يكون ذكرها أولى. ومقتضى كلامه أن يحلف في الخامسة كما حلف في الايمان قبلها ويزيد فيها اللعنة وتفعل المرأة ذلك وتزيد الغضب وهو الذي صرح به في كتاب محمد خلاف ما قال القابسي. انظر ابن عرفة ص: (بأشرف البلد) ش: قال القرطبي في سورة النور: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء: عدد الالفاظ وهي أربع شهادات. والمكان وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلد إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقد أن تعظيمه إن كانا يهوديين فالكنيسة، أو مجوسيين فبيت المقدس، وإن كان لا دين لهما مثل الوثنيين ففي مجلس حكمه، والوقت وذلك بعد صلاة العصر. والجمع وذلك بأن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا. فاللفظ وجمع الناس مشروطان والزمان والمكان مستحبان انتهى. وقال قبله: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما من باب المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر لعانهما، ولا خلاف أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع يجمع فيه الجمعة بحضرة

________________________________________

[ 465 ]

السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. ص: (وتخويفهما وخصوصا عند الخامسة) ش: نحوه لابن الحاجب وقبله شراحه. وقال ابن عرفة: ابن شعبان: يخوفان قبل اللعان ويذكران عذاب الآخرة. يقال للرجل: أنت تجلد ويسقط إثمك ويقال لها نحو ذلك.

________________________________________

[ 466 ]

قلت: في صحيح مسلم في رواية ابن عمر فأنزل الله هذه الآيات: * (والذين يرمون أزواجهم) * فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. عياض: حديث مسلم سنة في وعظ المتلاعنين يعظ كلا منهما بعد تمام الرابعة قبل الخامسة. وقول ابن الحاجب: يستحب تخويفهما وخصوصا عند الخامسة لا أعرفه إلا ما عزاه عياض للشافعي، وظاهره أنه غير المذهب انتهى. ص: (وإن اشترى زوجته ثم ولدت لستة فكالامة ولاقل فكالزوجة) ش: لما قدم أن اللعان في الزوجة دون الامة ذكر هذه المسألة لانها مركبة من القسمين، وهي إذا اشترى زوجته الامة ثم ظهر بها حمل فنفاه، فإن ولدت لدون ستة أشهر فهو للنكاح وحكمها حكم الزوجة فلا ينتفي إلا بلعان، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم الشراء فحكمها حكم الامة، له أن ينفيه بغير لعان. هذا إن أقر أنه وطئها بعد الشراء واستبرأها بحيضة، وأما إن أقر أنه لم يطأها بعد الشراء فالولد للنكاح ولا ينتفي إلا بلعان، وهذا مقيد بما إذا لم يعلم أنها كانت حاملا يوم الشراء، فإن علم أنها كانت حاملا يوم الشراء لم ينفه إلا بلعان. قاله في التوضيح. تنبيهان: الاول: قال في التوضيح: وهذا مقيد بما إذا لم يطأها يعني بعد رؤية الحمل انتهى. قلت: وهذا لا يحتاج إليه لانه قد تقرر أولا أنه إذا وطئ بعد علمه بالحمل لم يكن له أن يلاعن بعد ذلك. الثاني: قال في التوضيح أيضا: قولهم إنها إذا ولدت لستة أشهر فأكثر أن له نفيه بغير لعان يريدون بغير يمين انتهى.

________________________________________

[ 467 ]

قلت: وهذا مخالف لما سيقوله في باب أم الولد والله أعلم. وفي بعض نسخ التوضيح بغير يمين. وقال ابن عرفة: قال ابن حبيب عن أصبغ: من اشترى زوجته حاملا أو غير ظاهرة الحمل وأتت به لاقل من ستة أشهر من الشراء. سحنون: أو لاكثر وأقر أنه ما وطئها بعد الشراء فحملها للنكاح. سحنون: ولو لخمس سنين وإلا فهو للملك. وقول ابن الحاجب إن ولدت لستة أشهر فأكثر فحكمه فيه حكم الامة ظاهره ولو أقر بعدم الوطئ بعد الشراء، ولذا قال ابن عبد السلام لما قرر كلامه هذا: إن لم يطأها السيد بعد الشراء وهذه غفلة فتأمله انتهى. ص: (وحكمه رفع الحد) ش: اعلم أنه يترتب على اللعان ستة أحكام: ثلاثة على لعانه وثلاثة على لعانها. فالثلاثة التي تترتب على لعانه: الاول: سقوط الحد عنه إن كانت الزوجة حرة مسلمة والادب إن كانت نصرانية أو أمة. الثاني: إيجابه على المرأة إن لم تلاعن. الثالث: قطع النسب. والثلاث التي على لعانها سقوط: الحد عنها والفراق وتأبيد حرمتها. وقيل في الاخيرين إنهما يترتبان على لعانه والله أعلم. ص: (وإن استلحق أحد توأمين لحقا) ش: يعني أن حكم التوأمين

________________________________________

[ 468 ]

حكم الولد الواحد فلا يمكن لحوق أحدهما ونفي الآخر. قال في التوضيح: وكذلك إذا لاعن لاولهما خروجا انتفى الثاني بذلك اللعان، ومتى استلحق أحدهما لحق الآخر وحد، فإن نفى أحدهما وأقر بالآخر حد ولم ينتف شئ. انتهى مختصرا. والتوأمان كما قال ابن عرفة ما ليس بين وضعهما ستة أشهر انتهى. وقال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن أو وضعت ولدا ثم وضعت آخر بعده بخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقر الزوج بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به جميعا انتهى. والمسألة من كلام مالك كما في الام وإن كان البراذعي عزاها لابن القاسم. فائدة: قال ابن الحاجب هنا: إن توأما الملاعنة شقيقان. قال في التوضيح: وهو المشهور. وقال المغيرة: إنهما يتوارثان لام كالمشهور في توأمي الزانية والمغتصبة خلافا لابن نافع في قوله: إن توأما الزانية شقيقان وأما توأما المسبية والمستأمنة فإنهما يتوارثان لاب وأم. قاله في البيان. انتهى كلام التوضيح. وكلام البيان المشار إليه هو في أول كتاب اللعان منه وعزا مقابل المشهور في المغتصبة لابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الاستلحاق، وسيقول المصنف في باب الفرائض: ولا يرث ملاعن وملاعنة وتوأماها شقيقان انتهى والله أعلم. ص: (وإن كان بينهما ستة فبطنان) ش: يعني أنه إذا كان بين الولدين ستة فليسا بتوأمين بل هما بطنان. قال في المدونة: وإن وضعت الثاني لستة أشهر فهما بطنان، فإن أقر بالاول ونفى الثاني وقال: لم أطأ بعد ولادة الاول لاعن ونفى الثاني إذ هما بطنان. فإن قال: لم أطأها من بعد ما ولدت الاول وهذا الثاني ولدي فإنه يلزمه لان الولد للفراش وسئل النساء، فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطنا واحدا، وإن قلن لا يتأخر حد ولزمه الولد، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله ص: (إلا أنه قال إن أقر بالثاني وقال: لم أطأ بعد الاول سئل النساء فإن قلن إنه يتأخر هكذا لم يحد) ش: يعني أن مالكا رحمه الله بعد أن قال إنهما إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان وفرع على ذلك الفرع الاول في المدونة الذي لم يذكره المصنف وهو ما إذا

________________________________________

[ 469 ]

أقر بالاول ونفى الثاني وقال لم أطأ بعد ولادة الاول قال: إنه يلاعن الثاني. ذكر هذا الفرع الثاني الذي ذكره المصنف أعني إذا أقر بالثاني يريد مع إقراره بالاول وقال: لم أطأ بعد الاول فقال: إنه يسأل النساء فإن قلن إن الحمل قد يتأخر هكذا لم يحد، وإن قلن لا يتأخر حد. وإنما لم يحد إذا قلن يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الاول لجواز أن يكون ناشئا عن الوطئ الذي كان عنه الاول عملا بقولهم لا يتأخر. وإذا قلن لا يتأخر فيحد لنفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الاول والحال أن بينهما ستة أشهر وانضم إلى ذلك قول النساء إن الحمل لا يتأخر هكذا. وهذا كالمخالف لما قاله أولا، وإلى هذا الاستشكال أشار المصنف بأداة الاستثناء كابن الحاجب، ولم يذكر الفرع الاول من كلام المدونة لجريه على الاصل المذكور أعني كونهما بطنين. ووجه الاستشكال أنه جزم أولا بأنه إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان. ثم قال ثانيا: يسأل النساء فقال: إن كانت الستة كافية في الدلالة على كونهما بطنين كما قال في الفرع الاول فلا يسأل النساء في الفرع الثاني ويحد لانه قد نفاه بقوله لم أطأ بعد الاول وأكذب نفسه باستلحاقه، وإن لم تكن كافية فيسأل النساء أيضا في الفرع الاول ؟ فإن قلن إنه يتأخر هكذا حد ولم يلاعن كما لو وضعت لاقل من ستة. وأجاب ابن عرفة بأن ذلك كاف حيث لا يعارض أصلا ولا يكفي حيث يعارض أصلا وهو في المسألة الثانية يعارض أصلا وهو درأ الحد بالشبهة انتهى. وإلى هذا الاستشكال والجواب أشار الشيخ أبو الحسن الصغير بأنه قال: جزم أولا بجعلهما بطنين ثم قال: يسأل النساء. وإنما قال يسأل النساء ولم يجزم كالتي قبلها لاجل حد الزوج حد القذف، لان الحدود تدرأ بالشبهات انتهى. تنبيه: هذا الذي فرضناه في تقرير المسألة من أنه أقر بالاول أيضا هو الذي يفهم من لفظ الام ونصه: قلت: فإن وضعت الثاني لستة أشهر أتجعله بطنا واحدا ؟ قال: بل هما بطنان. قلت: فإن قال لم أجامعها بعد ما ولدت الولد الاول قال: يلاعنها وينفي الثاني. قلت: فإن قال لم أجامعها بعدما ولدت الولد الاول ولكن هذا الثاني ابني قال: يلزمه الولد ويسأل النساء، فإن كان الحمل يتأخر هكذا لم أر أن يجلد، وإن قلن لا يتأخر إلى مثل هذا جلدته الحد. وقد سمعت غير واحد يذكر أن الحمل يكون واحدا ويكون بين وضعهما الاشهر انتهى. وصرح بذلك الشيخ أبو محمد في اختصاره للمدونة فقال: ولو أقر بالثاني. محمد: وبالاول وقال لم أطأها بعد الاول لحق الثاني ويسأل النساء الخ. وكذلك نقله اللخمي فقال: وإن أقر بهما جميعا وقال لم أجامعها بعد ما ولدت الاول يسأل النساء إلى آخره. وما ذكرناه في وجه الاستشكال وفي جوابه هو الذي قاله ابن عرفة وهو المفهوم من كلام أبي الحسن وهو الظاهر كما تقدم وحمل ابن عبد السلام المسألة على أنه إنما أقر بالثاني بعد أن نفى الاول ولاعن فيه، وقرر الاشكال في كلام ابن الحاجب المدلول عليه بالاستثناء بأنه إذا قال النساء يتأخر كان كما

________________________________________

[ 470 ]

لو ولدا في وقت واحد أو كان بينهما أقل من ستة أشهر. وقد قال في هاتين الصورتين: إن أقر بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به، فكذا يجب الحكم في إشراكهما. وقبله في التوضيح وكذا الشارح زاد في التوضيح، وكأنه إنما أسقط الحد لان قول النساء لا يحصل به القطع فكان ذلك شبهة تسقط الحد. ثم قال: ويرد هذا أنه لو كان كذلك لزم أيضا سقوط الحد إذا قلنا إنه لا يتأخر لان قولهن لا يحصل القطع، وقد نص في المدونة على وجوب الحد في ذلك انتهى. والظاهر في المسألة التي فرضها ابن عبد السلام أنه إذا نفى الاول ولاعن فيه وأقر بالثاني وقال لم أطأ بعد الاول أنه يحد ولا يسأل النساء، لان الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد على كل حال والله أعلم. باب ص: (تعتد حرة) ش: قال ابن عرفة: دليل براءة الرحم عدة واستبراء. العدة مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه فيدخل مدة منع من طلق رابعة نكاح غيرها إن قيل هو له عدة، وإن أريد إخراجه قيل مدة منع المرأة النكاح إلى آخره. وفي مسائل استبرائها إطلاق لفظه عليها مجازا وفيها التصريح بأن مدة منعه للفسخ عدة. وقولها إن علم بعد وفاته فساد

________________________________________

[ 471 ]

نكاحه وأنه لا يقر بحال فلا إحداد عليها ولا عدة وعليها ثلاث حيض استبراء معناه لا عدة وفاة. وأطلق الاستبراء على عدة مدة الفسخ مجازا لانه خير من الاشتراك. انتهى كلامه. قلت: الذي يظهر أن في حده للعدة دورا لان معرفة مدة منع النكاح متوقفة على معرفة العدة، فإنه قد تقدم أن من موانع النكاح كون المرأة معتدة إذا توقفت معرفة كونها معتدة على معرفة كونها ممنوعة من النكاح فقد جاء الدور فتأمله. فالاولى أن تعرف العدة بأنها المدة التي جعلت دليلا على براءة الرحم لفسخ النكاح أو لموت الزوج أو طلاقه. وقد قال ابن عرفة في حد الاستبراء: إنه مدة دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق فتأمله. وأما تسمية مدة منع الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو طلق أخت زوجة أو من يحرم الجمع بينهما عدة، فلا شك أنه مجاز فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية والله أعلم. فإن قيل: يخرج من هذا الحد عدة الصغيرة التي لا يوطأ مثلها من الوفاة لتيقن براءة رحمها، وكذلك من علم أن الزوج لم يدخل بها. فالجواب أن عدة الوفاة إنما شرعت فيمن علم أن الزوج لم يدخل بها احتياطا لبراءة الرحم، لانه لو ظهر بها حمل وادعاه الزوج لحق به. فالعدة واجبة لتيقن براءة الرحم، وهذه العلة ظاهرة فيمن يوطأ مثلها. ولكن لما لم يكن في قدر من يوطأ مثلها حد يرجع إليه من الكتاب والسنة حمل الباب محملا واحدا فوجبت العدة على من كانت في المهد حسما للباب، فعلم أن أصل وجوب العدة إنما هو للدلالة على براءة الرحم ولا يضر عدم وجود العلة في بعض الصور فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال ابن عبد السلام: ويجب الاعتناء بالعدة لان الله سبحانه أكد ذلك بقوله: * (وأحصوا العدة) * على خلاف بين المفسرين من المخاطب بذلك، هل الحكام أو المطلقون وهو الاظهر، أو المطلقات ؟ واختار بعضهم أن الامر بالاحصاء يتناول الجميع لان لكل واحد منهم تعلقا بذلك انتهى. ص: (بخلوة بالغ) ش: أي بسبب خلوة بالغ وهي إرخاء الستور، فلو لم تكن خلوة لا عدة، وهو كذلك وهي المطلقة قبل البناء. قال في التوضيح: فرع: قال في المدونة: ولو كان معها نساء حين دخل وانصرف بمحضرهن فلا عدة عليها. الباجي: وكذلك امرأة انتهى. وقال ابن عبد السلام إثر كلام الباجي: هذا صحيح لان

________________________________________

[ 472 ]

الخلوة قد فقدت انتهى. ونقل الشيخ أبو الحسن في الكبير كلام الباجي عن ابن يونس ونصه ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وامرأة واحدة فأكثر في ذلك سواء لا الخلوة لم تثبت. الشيخ: وهذا إذا كانت المرأة الواحدة أو النساء من أهل العفاف والصيانة، وأما إن كانت المرأة أو النساء من شرار الناس فعليها العدة لانهن لا يمنعن الخلوة انتهى. وقوله: بالغ احتراز من غير البالغ وإن قوي على الجماع. فإن قيل: ما الفرق بين الصغيرة التي لا تطيق الوطئ تجب عليها العدة، والصغير الذي لا يطيق الوطئ لا عدة في وطئه ؟ قيل: لان الصبي لا ماء له قطعا فلا يولد له قطعا، ونفي الولد عن الصغيرة المطيقة للوطئ لا يبلغ القطع فوجبت العدة للاحتياط. قاله ابن عرفة. وقال اللخمي: وذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وعرفت أن في بلاد مكة مثل ذلك كثيرا كاليمن انتهى. ص: (أمكن شغلها) ش: الشغل فيه أربع لغات: ضم أوله وتسكين ثانيه وضمهما معا وفتح أوله وتسكين ثانيه وفتحهما معا. قاله في الصحاح ص: (وذات رق قرءان) ش: قال في

________________________________________

[ 473 ]

تهذيب الاسماء: القرء بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأبو البقاء أشهرهما الفتح وهو الذي قاله جمهور أهل اللغة واقتصروا عليه. ص: (والجميع للاستبراء لا الاول فقط على الارجح) ش: فائدة الخلاف تظهر في الذمية. فعلى القول إن الجميع للاستبراء يلزمها الثلاث، وعلى الثاني يختلف هل يلزمها جميع الثلاثة أولا على الخلاف في خطابهم بفروع الشريعة. وإنما قال المصنف: لا الاول لئلا يتوهم أن مقابل الارجح يقول اثنتان للاستبراء وواحدة للتعبد. ورجح عبد الحق قول: بكر القاضي: وهو مقابل الارجح. نقله في التوضيح والله أعلم ص: (ولو اعتادته في كالسنة) ش: ما ذكره المصنف من انتظار هذه المرأة الحيض هو المشهور. وقيل: تحل بانقضاء السنة. حكاه ابن الحاجب. فأشار المصنف بلو إلى مقابل المشهور الذي حكاه ابن الحاجب من أنها تحل بانقضاء السنة، وقد أنكره ابن عبد السلام والمصنف. وقال ابن عرفة: ابن رشد عن محمد: من حيضتها لسنة أو أكثر عدتها سنة بيضاء إن لم تحض لوقتها وإلا فأقراؤها، ولا مخالف له من أصحابنا. فتعقب شارحي ابن الحاجب نقله عدم اعتباره انتظار الاقراء بانفراده حسن انتهى. قال في التوضيح: ويمكن أن يريد به المصنف أنها تحل بثلاثة أشهر لكن هذا القول إنما حكاه أشهب عن طاوس انتهى. قال في التوضيح: وعلى الانتظار فقال محمد: إن لم تحض عند مجيئها حلت وإن حاضت من الغد انتهى. وقال ابن عبد السلام: وإذا فرعنا على القول الاول يعني الانتظار فقالوا: إذا طلقت تربصت سنة، فإن جاء فيها وقت الحيض ولم تحض حلت للازواج، وإن لم يجئ وقتها في هذه السنة طلبت وقتها بعد السنة، فإن جاء وقتها أيضا ولم تحض حلت، وإن جاء وقتها فحاضت اعتدت بقرء واحد، ثم تفعل في الثاني والثالث كما في الاول. قال ابن المواز: إذا كان وقت حيضتها بعد تمام السنة فلم تحض عنه مجيئه حلت وإن حاضت من الغد. قال اللخمي: وليس هذا أصل المذهب لان الحيض يتقدم ويتأخر، وإنما قال هذا مراعاة للخلاف

________________________________________

[ 474 ]

الذي ذكره أشهب في مدونته عن طاوس أنه قال: يكفيها ثلاثة أشهر انتهى. تنبيه: قال ابن عبد السلام: مرادهم بالمعتادة في هذا الباب خلاف مرادهم في كتاب الحيض، لان المعتادة هنا هي التي شأنها أن ترى دم الحيض، سواء كان عدد أيامه في جميع الشهر متساويا ومحله من الشهر الذي يكون فيه واحدا، أو اختلف ذلك، والمعتادة في كتاب الحيض أخص من هذا وهي التي لا تختلف أيامها بالاعتبارين أو يكون لها عادتان. انتهى والله أعلم ص: (أو أرضعت) ش: معطوف على ما في حيز لو وظاهره وجود الخلاف في ذلك. وحكى ابن الحاجب الاتفاق عليه، ونقل ابن عرفة عن ابن يونس الاجماع ونصه: ومتأخرته لرضاع بإقرائها. الصقلي: إجماعا انتهى. ومعنى كلام المصنف أنها تعتد بالقرء ولو كانت ترضع فتأخر حيضها لسبب الرضاعة فإن عليها أن تنتظر الحيض حتى تفطم ولدها، فإن لم تحض من يوم فطمته حتى مضت سنة حلت، وإن رأت في آخرها الدم اعتدت بقرء، وكذا تفعل في الثاني والثالث. ابن عبد السلام: هذا إذا كانت المرضع لا ترى الدم في مدة رضاعها، وأما إن رأته فلا شك أنها تعتد بتلك الاقراء والامة في ذلك كالحرة. انتهى والله أعلم ص: (أو استحيضت وميزت) ش: هو أيضا معطوف على ما في حيز لو والخلاف في هذا موجود لمالك في روايتين: إحداهما اعتبار الحيض المميز واختارها ابن القاسم، والثانية أنها كالمرتابة تعتد بالسنة واختارها ابن وهب. نقله في التوضيح وغيره والله أعلم. وقوله: وميزت قال في التوضيح وغيره: وتمييزه برائحته ولونه. وقال ابن المواز: بكثرته أي إن دم الحيض كثير ودم الاستحاضة قليل انتهى. ص: (وللزوج انتزاع ولد المرضع) ش: ابن عبد السلام: وغلبوا حق الرجل على حق المرأة في النفقة والسكنى لانه إنما كان ذلك لها بسبب العدة التي هي من حق الرجل. وظاهر كلامهم أنه يشترط أن يظهر في ذلك معنى مقصود الرجل انتهى. قال ابن رشد في رسم كتاب سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وليس للاب أن ينتزعه منها إلا أن يتبين صدق قوله ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر انتهى.

________________________________________

[ 475 ]

فروع: الاول: قال في الرسم المذكور: إذا كان الولد لم يعلق بأمه فللام أن تطرحه للاب إن شاءت إذ ليس يجب عليها إرضاعه إذا كان للاب مال وهو يقبل ثدي غيرها انتهى. وهذا الذي قاله ابن رشد مشكل، فإن الرجعية يجب عليها الرضاع كما صرح به في كتاب الرضاع من المدونة وسيصرح به المصنف في فصل النفقات. الثاني: إذا كان غرض الاب بالانتزاع إسقاط النفقة والكسوة فله ذلك لانهم قالوا له أن ينتزع لئلا ترثه فلا يكون له ذلك لاجل إسقاط النفقة من باب أولى، لان مصلحة الميراث لغيره ومصلحة النفقة له. هذا الذي يظهر والله أعلم. الثالث: قال ابن فرحون في شرحه: إذا انتزع ولده ومات فله أن يمنعها من أن ترضع ولد غيره بأجر أو بغير أجر، لان مقصوده لا يحصل إلا بمنعها من الرضاع جملة، وحقه مقدم على حقها في النفقة والسكنى انتهى. ص: (وإن لم تميز) ش: أي تربصت سنة ولا خلاف في ذلك ص: (أو تأخر بلا سبب أو مرضت تربصت تسعة ثم اعتدت بثلاثة) ش: يعني أن المرأة إذا رأت الحيض ولو مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين ثم طلقت فإن لم تأتها الاقراء فإن أتتها وإلا تربصت سنة. قاله في التوضيح وسيأتي كلامه عند قول المصنف: كعدة من لم تر الحيض. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت المرأة الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر، ولو تقدم لها حيض مرة لطلبت الحيض، فإن أبانها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة لتأخير الحيض ثم ثلاثة أشهر عدة انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن المواز: إلا أن تعتد بالسنة من زوج قبله فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر حتى يعاودها حيض فتطالب به أو تعاود السنة. ابن يونس: ووجهه أنها لما حبست أولا تسعة

________________________________________

[ 476 ]

أشهر للريبه غالب مدة الحمل صارت من أهل الاعتداد بالشهور فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها حيض انتهى. تنبيهات: الاول: ما ذكره المصنف أنها إذا تأخر حيضها بلا سبب تربصت سنة ظاهره سواء كانت حرة أو أمة وهو المشهور. وقال أشهب: تمكث الامة أحد عشر شهرا تسعة استبراء وشهرين في العدة. قال في التوضيح: وهو الظاهر لان الثلاثة الاشهر أنها لم تنتظر في حق الامة على المشهور لاجل أن الحمل لا يظهر في أقل منها، وها هنا قد حصل قبلها تسعة، ويمكن أن يدخل هذا في قول المصنف: ولو برق. الثاني: قال في رسم استأذن من سماع عيسى من طلاق السنة: والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة وفي الطلاق قبل العدة. يقال للحرة والامة في الطلاق انتظرا تسعة أشهر من حين طلقكما زوجاكما لعلكما تحيضان انتهى. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: والعدة في الطلاق بعد الريبة وفي الوفاة قبل الريبة انتهى. قال ابن ناجي: يريد أن التسعة أشهر أصل لزوال الريبة والثلاثة هي العدة بعد، وفي الوفاة يكفي تسعة أشهر. ووجهه عبد الحق بما حاصله لان عدة من تحيض لا تنتقل للاشهر إلا بدليل نفي الحمل وهو التسعة، والحكم بالدليل واجب التقدم على حصول مدلوله، وعدة الوفاة بالاشهر دون شرط وتأخير الحيض مانع، والعلم بدفع المانع جائز تأخيره لان الاصل عدمه انتهى. الثالث: قال الزناتي: وهل التسعة الاشهر من يوم طلقت أو من يوم رفعت حيضتها قولان انتهى. ص: (كعدة من لم تر الحيض واليائسة) ش: عدل عن أن يقول كعدة الصغيرة واليائسة لشمول ما ذكره للكبيرة إذا لم تر الحيض والحكم فيها كالحكم في الصغيرة فلذلك

________________________________________

[ 477 ]

عدل إلى ما ذكره. قال ابن الحاجب: والتي لم تحض وإن بلغت الثلاثين كالصغيرة. قال في التوضيح: يريد أو أكثر من الثلاثين. وقد صرح في أصل المدونة بأن الاربعين كذلك. قال علماؤنا: وأما لو حاضت مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين لمرض أو غيره وقد ولدت أو لم تلد ثم طلقت، فإن عدتها الاقراء حتى تبلغ سن من لا تحيض، فإن أتتها الاقراء وإلا تربصت سنة كما تقدم انتهى. ص: (ولو برق) ش: مقابل المشهور قولان: أحدهما أن عدتها شهر ونصف، والثاني أنهما شهران. حكاهما ابن بشير والله أعلم ص: (وألغي يوم الطلاق) ش: وكذا يلغى يوم الوفاة. قاله في رسم البر من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. وهذا هو الذي رجع إليه مالك بعد أن كان يقول تعتد المرأة إلى مثل الساعة التي طلقها فيها زوجها أو توفي عنها. قال ابن رشد: وقول مالك الاول هو القياس إذ لا اختلاف به أنه يجب عليها أن تبتدئ العدة من الساعة التي طلقت فيها وتوفي عنها زوجها، ولا يصح لها بإجماع أن تلغي بقية ذلك اليوم فتبتدئ العدة من غروب الشمس، فإذا وجب عليها بالاجماع أن تبتدئ العدة من تلك الساعة وتجتنب الطيب والزينة من حينئذ إن كانت عدة وفاة، وجب أن تحل في تلك الساعة من النهار، وبقاؤها إلى بقية النهار زيادة على ما فرض الله عليها. انتهى فتأمله والله

________________________________________

[ 478 ]

أعلم. ص: (ولا يطأ الزوج ولا يعقد) ش: فإن وطئ الزوج زوجته في مدة استبرائها من الزنا فلا تحرم عليه كما تقدم عن التوضيح في الكلام على نكاح المعتدة والله أعلم. ص: (قدرها) ش: جعل فيه الشارح احتمالين، الظاهر منهما الثاني. والمعنى أن المرأة إذا وطئت بزنا أو اشتباه وجب عليها أن تمكث قدر العدة المتقدمة، فإن كانت حرة من ذوات الاقراء مكثت ثلاثة قروء، وإن كانت أمة قرأين، وإن كانت من ذوات الاشهر ثلاثة أشهر. وقال ابن غازي: المراد الحرة وحكم الامة يأتي في باب الاستبراء، والذي يأتي في باب الاستبراء استبراؤها من ذلك لوطئها بالملك، واستبراؤها هنا لوطئها بالنكاح. وقد قال في كتاب الاستبراء من المدونة: وإن تزوجت أمة بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء ولم يمسها إلا بعد حيضتين لانه استبرأها

________________________________________

[ 479 ]

من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة عليها انتهى. وانظر النص على بقية أحكام المسألة وكلام الشارح في الكبير يقتضي ذلك والله أعلم. ص: (وهل ينبغي أن لا تعجل برؤيته تأويلان) ش: لما ذكر أن المطلقة تحل بأول الحيضة الثالثة كما هو المشهور وهو مذهب المدونة، نبه على أنه وقع في المدونة بأن ذلك عن أشهب أنه لا ينبغي أن يعجل بالنكاح حتى تستمر الحيضة. واختلف الشيوخ هل هو خلاف لابن القاسم أو وفاق ؟ فمعنى كلام المصنف وهل ينبغي للمرأة إذا رأت أول الحيضة الثالثة أن لا تعجل بالتزويج بسبب رؤية الدم. فمعمول تزويج محذوف والباء في برؤيته للسببية. ونص كلامه في المدونة: وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير الحامل ما لم تر أول الدم من الحيضة الثالثة، فإن رأته فقد مضت الثلاثة الاقراء والاقراء الاطهار. قال أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة لانها ربما رأت الدم ساعة أو يوما ثم ينقطع فيعلم أن ذلك ليس بحيض، فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترتجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة. انتهى من أوائل إرخاء الستور منها. قال المصنف في التوضيح: واعلم أن قوله: وينبغي هو من كلام أشهب في المدونة، والكلام الاول لابن القاسم. كذا قال الجمهور. واختصر ابن أبي زمنين المدونة على

________________________________________

[ 480 ]

أن مجموع الكلام لاشهب. وعلى الاول فاختلف هل كلام أشهب وفاق وهي طريقة المصنف يعني ابن الحاجب وأكثر الشيوخ، أو خلاف وإليه ذهب غير واحد وهو مذهب سحنون لقوله هو خير من رواية ابن القاسم ؟ وهو مثل رواية ابن وهب أنها لا تحل للازواج ولا تبين من زوجها حتى يتبين أنها حيضة مستقيمة وهو مذهب ابن المواز وابن حبيب. وعلى هذا فيكون قول أشهب: وأحب محمولا على الوجوب، ويبين ذلك تعليل أشهب بقوله: إذ قد ينقطع عاجلا فإنها علة تقتضي الوجوب انتهى. فمعنى كلام المصنف أنه إذا قلنا إن المرأة تحل برؤية الحيضة الثالثة فهل ينبغي لها أن لا تعجل بالنكاح لاجل تلك الرؤية وخوف انقطاعه بناء على أن كلام أشهب وفاق، ولا ينبغي لها ذلك عند ابن القاسم بناء على أنه خلاف. وإذا قلنا بهذا فأحب للوجوب كما قال في التوضيح. وحمله ابن رشد في رسم الطلاق من سماع أشهب من طلاق السنة على الاستحباب، واستدل على ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: اختلف القائلون بحمل قوله: على الخلاف لو انقطع الدم فالحكم عند ابن القاسم فقال أبوعمران وابن رشد: لا يضرها ذلك وقد حلت للازواج لرؤيته أولا ورأوا أن مذهب ابن القاسم في مقدار الحيض واحد في بابي العبادات والعدد. ومنهم من قال: بل يضرها. وإنما لم يطلب منها ابن القاسم ما طلبه أشهب، لان الاصل عدم انقطاع الدم وهو أيضا الغالب فلا يلزمها وجوبا ولا استحبابا. رعى مخالفة الاصل والغالب، وإلى هذا ذهب جمهورهم أنه إن لم يتماد بها لا تحتسب به حيضة انتهى. الثاني: قال في التوضيح: إذا ماتت الزوجة بعد رؤية الدم وقبل التمادي فإنه يحمل أمرها فيه على التمادي ولا يرثها مطلقا، وإن مات الزوج حينئذ لم ترثه إن تمادى. وإن قالت قبل موته باليوم والشئ القريب انقطع الدم عني وكان موته بأثر قولها ذلك ورثته. نقله ابن عبد السلام. الثالث: قال في التوضيح: قال عياض: اختلفوا إذا راجعها زوجها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه ثم رجع الدم بالقرب، هل هي رجعة فاسدة إذ قد ظهر أنها حيضة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل وهو الصحيح. وقد قيل لا تبطل رجع عن قرب أو بعد. خليل: وهذا الكلام يدل على أنها لو لم يعاودها الدم أن الرجعة صحيحة وأن للزوج الرجعة وإن قالت قبل ذلك قد رأيت الدم ثم ادعت انقطاعه. انتهى ص: (ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه وفي أن المقطوع ذكره أو أنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا وما تراه اليائسة هل هو

________________________________________

[ 481 ]

حيض للنساء) ش: ذكر رحمه الله ثلاث مسائل، وأنه يرجع فيها للنساء، ولم يذكر في المدونة الرجوع للنساء في الثانية وإنما ذكره في الاولى والثالثة. وأما المسألة الاولى فذكر المصنف أنه يرجع في قدر الحيض هنا يعني في باب العدة للنساء. واحترز بذلك من العبادات فإنه تقدم أنه لا حد لاقله بالنسبة للعبادات، وبين أن المرجوع إليهن فيه هل يكون الحيض يوما أو بعض يوم ؟ وظاهر كلامه رحمه الله أن اليوم لا كلام أنه حيض كامل، وكلامه في المدونة ليس كذلك. قال في أوائل كتاب الاستبراء منها: وإن ابتاعها فرأت عنده دما لخمسة أيام من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء لانه دم واحد وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون هذا لها حيضا مؤتنفا فرأته يوما أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع، فإن قال النساء: إن مثل ذلك حيضة أجزأتها وإلا لم يكن استبراء لرحمها وإن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها انتهى.

________________________________________

[ 482 ]

وقال المصنف في التوضيح: قد تقدم أن أبا عمران وابن رشد تأولا على المدونة أنه لا حد لاقل الحيض هنا كالعبادات وأن أكثرهم خالفهم في ذلك. ونص المازري على أن المشهور عن مالك نفي التحديد واستناد الحكم إلى ما يقول النساء إنه حيض انتهى. وهذا الذي أراد المصنف أن يمشي عليه، لكن عبارته رحمه الله لا توفي بذلك كما تقدم، وكلام ابن رشد الذي ذكره في التوضيح وهو في رسم الطلاق الاول من سماع أشهب من طلاق السنة. واستدل على أن ذلك مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة بقوله فيها: إن الامة المبيعة إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل فمصيبتها من المشتري وقد حل للمشتري أن يقبل ويباشر، ويجوز للمرأة أن تتزوج بأول ما تراه، ولا معنى لاستحباب التأخير لان الدم إذا انقطع لا يخلو أن يعود عن بعد أو قرب، فإن عاد عن بعد انكشف أن ذلك الدم هو الحيضة الثالثة وأن هذا الدم حيضة رابعة، وإن عاد عن قرب كان مضافا للاول وعلم أنه كان ابتداء الحيضة الثالثة وأن ما بينهما من الطهر ملغى لا حكم له. ثم ذكر كلام ابن القاسم في كتاب الاستبراء ثم قال: فعلى قوله هذا إن سئل عنه النساء فقلن: إنه لا يكون حيضا يكون الحكم في ذلك على ما في سماع أشهب، وفرع على هذا هل تقضي الصلاة في تلك الايام أم لا ؟ قال: والذي يأتي على المذهب إنها لا تقضي لان الاختلاف إنما هو بالنسبة إلى العدة لا إلى إسقاط الصلاة. قال: وروي عن سحنون أنها تقضي الصلاة وهو خارج عن المذهب مثل قول أبي حنيفة انتهى. ونقل القاضي عياض عن ابن رشد أنه يقول: إنها تقضي الصلاة واعترض عليه. وقال: في قوله نظر ولا يوافق عليه. ونقل المصنف كلامه في التوضيح وقبله، وقد علمت أن ابن رشد إنما نقله عن سحنون واعترضه كما تقدم، وقد تعقب ابن عرفة ذلك على عياض والله أعلم. ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد ونقل بعده كلام المدونة في إرخاء الستور كالمقوي له، ولفظه أقوى من لفظ التهذيب المتقدم ونصه: وفي إرخاء الستور منها إذا رأت أول قطرة من الحيضة الثالثة تم قرؤها انتهى. وحصل في أقل الحيض في العدة خمسة أقوال: الاول: كالطهارة. الثاني: يسأل النساء وقد تقدم عزوهما. الثالث: يوم رواه الخطابي عن مالك. الرابع: ثلاثة أيام لابن مسلمة. الخامس: خمسة أيام لابن الماجشون والله أعلم. وأما المسألة الثانية وهي قوله: وفي أن المقطوع ذكره وأنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا فهو كقول ابن الحاجب: ولا تجب بوطئ الصغير ولا بالمجبوب ذكره وأنثياه بخلاف الخصي القائم. وفيها: فيه وفي عكسه يسأل النساء فإن كان يولد لمثله فالعدة وإلا فلا عدة ولا يلحق. والذي في آخر كتاب النكاح الاول من المدونة: وإذا كان الرجل مجبوبا أو خصيا ولم تعلم به المرأة فلها أن تقيم أو تفارق ويتوارثان قبل أن تختار فراقه، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدة إن كان يطأها، وإن كان لا يطأها فلا عدة عليها. قيل: فإن كان مجبوب الذكر قائم الخصي ؟ قال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة وسئل عن ذلك، فإن كان يولد لمثله لزمه الولد

________________________________________

[ 483 ]

وإلا لم يلزمه ولا يلحق به انتهى. وقال في التنبيهات: المجبوب المقطوع جميع ما هنالك، والخصي المقطوع الانثيين أو المسلول ذلك منه. قال ابن حبيب: وذكره قائم أو بعضه. والفقهاء يطلقونه على المقطوع منه أحدهما انتهى. وقال في النكت: قال عبد الحق: إذا كان مجبوب الذكر والخصا هذا لا يلزمه ولد ولا عدة على امرأته، وإن كان مجبوب الخصا فعلى المرأة العدة لانه يطأ بذكره ولا يلزمه ولد، وإن كان مجبوب الذكر قائم الخصا فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويلزمه الولد وإلا فلا. وهذا معنى ما في المدونة، ونحوه حفظت عن بعض شيوخنا من القرويين انتهى. وقال في المدونة في كتاب طلاق السنة: والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته إلا أن يعلم أنه يولد لمثله. وقال بعده: وتعتد امرأة الخصي في الطلاق. قال أشهب: لانه يصيب ببقية ذكره انتهى. فهذه المواضع هي التي تكلم في المدونة فيها على الخصي وليس فيها شئ يوافق ما ذكره ابن الحاجب والمصنف. والحق في ذلك الذي جمع ما في المدونة كلام صاحب النكت، وعليه اعتمد الشيخ أبو الحسن في الكلام على مسائل المدونة وهو الظاهر، غير أنه ذكر أن اللخمي رجح في مسألة القائم الذكر المقطوع الخصيتين عدم العدة، والظاهر ما قاله عبد الحق. فتحصل من هذا الذي يسأل عنه إنما هو المقطوع ذكره دون أنثييه، وأيضا فلم يقل في هذه أنه يسأل النساء والله أعلم. وأما المسألة الثالثة وهي قوله: وما تراه اليائسة هل هو حيض فيشير به إلى قوله في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها ثلاثة أشهر ولو تقدم لها حيضة مرة لطلبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة براءة ثم ثلاثة عدة، فإن حاضت بعد عشرة أشهر رجعت إلى الحيض، وإن ارتفع ائتنفت سنة من يوم انقطع الدم، ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض، هكذا تصنع حتى تتم ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها، وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق أو اليائسة ترى الدم بعد ما أخذت في عدة الاشهر فترجع إلى عدة الحيض وتلغي الشهور وتصنع كما وصفنا. هذا إن قال النساء فيما رأته اليائسة إنه حيض، وإن قلن إنه ليس بحيض أو كانت في سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم يكن ذلك حيض وتمادت بالاشهر انتهى. وفي كلام المدونة فائدة وهي: إنما يسأل النساء عمن يشك في أمرها هل هي يائسة أم لا، وأما من تحقق أنها يائسة كبنت السبعين فلا يسأل النساء عنها، وقال أبو الحسن: وقوله يعني في المدونة لم يكن ذلك حيضا ظاهره أنها تصوم وتصلي ولا تغتسل وهو أحد القولين، والآخر أن حكمها في الصلاة والصوم وغير ذلك حكم الحائض إلا العدة انتهى. فرع: قال الشيخ أبو الحسن: انظر إذا أشكل الامر عليهن فيرجع لما قال ابن رشد: إنه يحمل على أنه حيض انتهى. ويشير بذلك لما قال في رسم الصلاة من سماع أشهب من كتاب الوضوء: والنساء في الحيض ينقسمن خمسة أقسام: صغيرة لا يشبه أن تحيض، ومراهقة

________________________________________

[ 484 ]

يشبه أن تحيض، وبالغة في سن من تحيض، ومسنة تشبه أن لا تحيض، وعجوز لا يشبه أن تحيض. ولما لم يرد في القرآن ولا في السنة حد يرجع إليه من السنين يفصل به بين المسنة التي يشبه أن لا تحيض، وبين العجوز التي يشبه أن تحيض، وجب أن يرجع في ذلك إلى قول النساء كما قال: فليسألن عنه، فإن قلن إن هذه المرأة التي دفعت دفعة أو دفعتين من دم بعد أن كانت يئست من المحيض فيما كانت ظنت أن مثلها تحيض فلتعد ذلك الدم حيضا وتغتسل منه إذا انقطع عنها وتصلي، وإن قلن مثلها لا يحيض فلا تعد ذلك حيضا ولا تترك الصلاة ولا تغتسل منه. قاله ابن القاسم في المجموعة. وقال ابن حبيب: إنها تغتسل وليس ذلك بصحيح. وإن شككن فيها عدت ذلك حيضا لان ما تراه المرأة من الدم محمول على أنه حيض حتى يوقن أنه ليس بحيض من صغر أو كبر لقول الله عزوجل: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) * والاذى الدم الخارج من الرحم فوجب أن يحمل على أنه حيض حتى يعلم أنه ليس بحيض، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا وبالله أستعين انتهى. ونقل في المقدمات في كتاب الطلاق في الشك نحو ما تقدم نقله عنه في التوضيح والله أعلم ص: (وإن أتت بعدها بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق إلا أن ينفيه بلعان) ش: الضمير في بعدها عائد على العدة أعم من أن تكون عدة طلاق أو وفاة. قاله في المدونة ونقله في التوضيح وابن عرفة. وقال في التوضيح: هذا مقيد بما إذا لم تتزوج غير هذا الزوج أو تزوجت غيره وأتت به لدون ستة أشهر من عقد الثاني، وحينئذ يفسخ نكاح الثاني لانه ناكح في عدة وترجع إلى الاول، وأما لو أتت به لستة أشهر فأكثر فهو لاحق بالثاني قطعا انتهى. ص: (وتربصت إن ارتابت به وهل أربعا أو خمسا خلاف) ش: يعني فإذا مضت الخمسة أو الاربعة على أحد القولين حلت ولو بقيت الريبة. قال في المدونة في الباب الذي بعد ترجمة المنعي لها زوجها من كتاب العدة: ولا تنكح مستبرأة البطن إلا بعد زوال الريبة أو بعد خمس سنين انتهى. قال ابن عبد السلام: أبو الحسن: وإن قالت أنا باقية على ريبتي لان خمس سنين أمد ما ينتهي إليه الحمل انتهى. قال ابن عبد السلام: وسواء كان ذلك في عدة الطلاق أو عدة الوفاة. انتهى. ونحوه للخمي ونصه: كتاب

________________________________________

[ 485 ]

العدة في باب صفة العدد بعد أن ذكر أقصى أمد الحمل قال: والطلاق والوفاة في هذا سواء إلا في أن تذهب الريبة قبل ذلك أي قبل مضي أقصى أمد الحمل. انظر بقيته فيه والله أعلم. وهذا إذا كانت الريبة هل حركة ما في بطنها حركة ولد أو حركة ريح، وأما إن تحقق وجود الولد فلا تحل أبدا. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة ونص ما قاله اللخمي في تبصرته ونقله أبو الحسن الصغير قبل مسألة المدونة المتقدمة قال الشيخ: الريبة على وجهين، فإن تحقق أنه حمل وإنما كانت الريبة لاجل طول المدة والخروج عن العادة فشكت هل هو حمل أم لا، لم تحل أبدا. وإذا صح عن بعض النساء أنها ولدت لاربع سنين وأخرى لخمس وأخرى لسبع جاز أن تكون الاخرى لابعد من ذلك، وإن كانت الريبة والشك هل هي حركة الولد أم لا ؟ حلت ولم تحبس عن الازواج انتهى. وكأنه من عند نفسه. وهذا الكلام منقول عنه من أبي الحسن لان النسخة التي عندي من التبصرة في هذا الموضع منها تصحيف. وقال ابن عرفة: الخامسة يعني من المعتدات المرتابة في الحمل بجس بطن عدتها بوضعه أو مضي أقصى أمد الحمل مع عدم تحققه. ثم قال اللخمي: إن تحقق حملها والشك لاجل طول المدة لم تحل أبدا انتهى. فمفهوم قوله مع عدم تحققه مع ما نقله عن اللخمي يدل على ما قيد به كلام المصنف والله أعلم. فرع: فإن مات في بطنها فلا تحل إلا بخروجه كما سيأتي. نقل ذلك عن المشذالي وابن سلمون عند قول المصنف: واستمر إن مات لا إن ماتت إن شاء الله والله أعلم ص: (وعدة الحامل في موت أو طلاق وضع حملها كله) ش:. فرع: قال في كتاب الطهارة من المدونة وقاله في النوادر في كتاب العدة: ولو طلقها بعد وضع الاول فله الرجعة إلى آخر ما تضع انتهى. مسألة: إذا ضربت المرأة وخرج بعض الجنين وهي حية ثم بقيته بعد موتها، فهل فيه غرة

________________________________________

[ 486 ]

أم لا ؟ في ذلك قولان. وعليها يأتي الخلاف فيما إذا مات أبوه أو طلق في تلك الحال هل تنقضي العدة بوضع بقيته أم لا ؟ ذكر ذلك الرجراجي في المسألة الثانية من كتاب الديات والله أعلم. تنبيه: إنما تنقضي العدة بوضع الحمل إذا كان لاحقا بأبيه. قال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع فظهر بامرأته حمل لم يلحق به وتحد المرأة، وإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الموت بوضع حملها وعليها أربعة أشهر وعشر من يوم مات، وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة الحمل الذي يثبت به نسبه من أبيه خلا الملاعنة خاصة فإنها تحل بالوضع وإن لم يلحق بالزوج، وإن مات زوجها وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة انتهى. قال ابن يونس: يريد وكذلك المختلعة والمنعي لها زوجها والمعتدة من وفاة تتزوج فتحمل من الآخر أو تكون حاملا من الاول فيلحق الولد بأحدهما فإنه تنقضي به عدتها من الآخر وإن لم يلحق به انتهى. وقال في الشامل: فإن ولدت من زنا أو كان الميت صغيرا لا يولد لمثله أو مجبوبا أو وضعت لاقل من ستة أشهر لم تنقض به ولا يلحق انتهى. وسيقول المصنف في فصل: إن طرأ موجب وبعدم وضع حمل ألحق بنكاح صحيح غيره وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة والله أعلم. ص: (وإلا فكالمطلقة إن فسد) ش: أطلق رحمه الله هذا الحكم وهو خاص بالمجمع على فساده، وأما المختلف فيه فقال في التوضيح: إن كان لم يدخل فمن ورثها قال عليها العدة، ومن لم يورثها لم ير عليها شيئا انتهى. وقد تقدم للمصنف أن المختلف فيه فسخه بطلاق وفيه الارث فعليه تكون عليها العدة. ثم قال في التوضيح: وإن دخل ففي اعتدادها بالاشهر أو الاقراء قولان. وروى ابن المواز عن ابن القاسم فيمن تزوج في المرض ثم مات أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر. وقال أيضا: وتعتد بثلاثة أقراء والاول أظهر انتهى.

________________________________________

[ 487 ]

وقال ابن فرحون هنا: وأما المختلف فيه فمبني على الميراث، فمن ورثها قال تعتد بأربعة أشهر وعشر وعليها الاحداد، ومن نفى الميراث فلا عدة عليها إن لم يدخل وعليها إن دخل ثلاثة أقراء ولا إحداد عليها انتهى. وقد تقدم أن المشهور الارث فتلخص أن المشهور في المختلف فيه أن حكمها حكم المتوفى عنها والله أعلم. وأما المجمع على فساده فقال ابن عبد السلام: حكمها يوم وفاته حكم المطلقة، وقد علمت أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها فكذلك هذه وإن دخل بها فالواجب الاستبراء، فإن كانت حرة فثلاث حيض وإن كانت أمة فحيضتان. انتهى والله أعلم ص: (وإلا فأربعة أشهر وعشر) ش: كذا في الآية الشريفة إلا أنه في الآية منصوب. قال القرطبي في تفسيره: قال الخطابي: قوله تعالى: * (وعشرا) * يريد والله أعلم الايام بلياليها. وقال المبرد: إنما أتت العشرة لان المراد به المدة، المعنى: وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر. وقيل: لم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذا الليلة أسبق من اليوم والايام في ضمنها. وعشرا أخف من اللفظ فتغلب الليالي على الايام إذا اجتمعت في التاريخ لان ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال، فكلما كان أول الشهر الليلة غلبت تقول: صمنا خمسا من الشهر فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار. وذهب مالك والشافعي والكوفيون إلى أن المراد بها الايام والليالي. قال ابن المنذر: فلو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشر. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت لانه رأى العدة مبهمة فغلب التأنيث وتأولها على الليالي. وإلى هذا ذهب الاوزاعي من الفقهاء وأبو بكر الاصم من المتكلمين. وروي عن ابن عباس أنه قرأ: أربعة أشهر وعشر ليال انتهى. وجعل سبحانه أربعة أشهر وعشرا عبادة العدة لان فيها استبراء للحمل إذ فيها تكمل الاربعون والاربعون حسب حديث ابن مسعود وغيره: ثم تنفخ فيه الروح فجعل العشرة تكملة إذ هي مظنة ظهور الحمل بحركة الجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين وإبطائها. قاله ابن المسيب وغيره انتهى من الثعالبي ص: (وإلا انتظرتها) ش: قوله: وإلا

________________________________________

[ 488 ]

يشمل صورتين: الاولى أن تكون العدة تتم قبل زمن حيضتها إلا أنه قال النساء بها ريبة. قال في التوضيح في هذه الصورة: وإن قال النساء بها ريبة فلا بد من الحيضة أو ما يقوم مقامها انتهى. وعلى هذه الصورة فقط حمل المصنف قول ابن الحاجب: والمشهور إن تمت قبل عادتها فلا، وينظرها النساء وإلا فتعم والله أعلم. الصورة الثانية أن تتم العدة بعد زمن الحيضة وعلى هذه الصورة حمل الشيخ بهرام والبساطي كلام المصنف وأدخلها ابن فرحون في قول ابن الحاجب وإلا فتعم، وحكمها كما قال المصنف الانتظار، قال الشيخ بهرام: يريد إلى تسعة أشهر، ومثله في ابن فرحون ونصه: ويدخل في قوله: وإلا إذا كان شأنها أن ترى الدم في أقل من عدة الوفاة فلم تره فيها، فعدم رؤيته في زمنه ريبة فترجع إلى تسعة أشهر. انتهى ونحوه في ابن عرفة وعزاه للمشهور مع مالك وأصحابه ونصه: وإن فقدته ومضى وقته لا لسبب ولا ريبة لحس بطن ففي كونها كذلك أي يكفيها أربعة أشهر وعشر أو وقفها على حيضة أو تسعة أشهر نقلا. ابن رشد عن سحنون مع ابن الماجشون. والمشهور مع مالك وأصحابه: فإذا مر بها تسعة أشهر قول واحد وهو ظاهر. تنبيهات: الاول: قال في المقدمات إثر نقله قول مالك وأصحابه: فإذا مر بها تسعة أشهر حلت إلا أن تكون بها ريبة بحس البطن فتقيم حتى تذهب الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة في قولها ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة الشيخ: يريد بحيضة أو بتمام تسعة أشهر، فإذا مضت التسعة الاشهر فقد خلت إلا أن تحس ببطنها شيئا فإنها تبقى أمد الحمل انتهى. والظاهر أن هذه طرأت لها ريبة البطن في آخر التسعة الاشهر أو بعد كمالها لان فرض المسألة أولا إن تأخر حيضتها لا لريبة ولا لعذر والله أعلم. والظاهر أن الحكم كذلك في الصورة الاولى وهي ما إذا قال النساء بها ريبة كما تقدم والله أعلم. الثاني: يفهم من كلام المؤلف بالاحروية أنها لو كانت العدة إنما تتم بعذر من حيضتها ورأت الحيض أنها تحل وهذا لا خلاف فيه. قال ابن عرفة: وعدة الوفاة في نكاح صحيح للمرأة المسلمة ولو قبل البناء أو صغيرة أربعة أشهر وعشرا إن رأت فيها ذات الحيض حيضا اتفاقا. عبد الحق في تهذيب الطالب: وكذا إن لم تره من لم تحض قط ومثل هذا الفرع من تكون في سن من لا تحيض لصغر أو كبر ويؤمن حملها. قاله في المقدمات. الثالث: قال الجزولي في الكبير: انظر الريبة أمن العدة أم لا ؟ قال أبوعمران: ظاهر الرسالة أنها في الريبة معتدة، وفائدته إذا تزوجت بعد تمام أربعة أشهر وعشر وقبل تمام الريبة هل هي متزوجة في العدة فيفسخ ويتأبد التحريم، أو ليس كالمتزوج فيها وأن العدة إنما هي أربعة أشهر وعشر وما زاد فهو احتياط فلا يفسخ وإنما يكره ؟ قولان. وكذلك الاحداد ونقل ابن عرفة

________________________________________

[ 489 ]

عن ابن أبي زيد القول الاول فقط ونصه: الشيخ لاصبغ في الموازية: إن تزوجت المرتابة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهر وعشر لم يفسخ نكاحها. وفي سماع عيسى من طلاق السنة: والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة. يقال للحرة في الوفاة اعتدي أربعة أشهر وعشرا، وللامة شهرين وخمس ليال ثم استبرئا أنفسكما بتمام تسعة أشهر من حين يهلك زوجكما انتهى. الرابع: علم من الكلام المتقدم أن الصورة الثانية إنما هي إذا تأخر الحيض لا لريبة ولا لعذر، فإن تأخر لريبة فقال ابن رشد: وأما إن ارتابت من الحيض بامتلاء في البطن فلا اختلاف في أنها لا تحل حتى تنسلخ من تلك الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل. انتهى من شرح آخر مسألة من الرسم الثاني من كتاب طلاق السنة. ونقله ابن عرفة. وأما إن تأخر لعذر فقال في المقدمات في طلاق السنة: والعذر الرضاع والمرض انتهى. أما الرضاع فقال ابن عرفة: ابن رشد: تأخره عن وقته لرضاع كتأخره لوقته انتهى. وأما المرض فقال ابن عرفة أيضا: وفي كون ارتفاعه بالمرض كالرضاع تحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وفي الطلاق بالاقراء ولو تباعدت أو ريبة تربصت في الوفاة تسعة أشهر وفي الطلاق سنة قولا أشهب وابن القاسم مع روايته انتهى. زاد في المقدمات مع ابن القاسم أصبغ وابن عبد الحكم. وفي التوضيح: اتفق على أن المرضع والمريضة تحل بمضي أربعة أشهر وعشر. قاله ابن بشير ونصه في التنبيه: وإن كانت مريضة أو مرضعة فلا خلاف في المذهب أن تكتفي بالاربعة الاشهر والعشرة أيام انتهى. فانظره مع ما قاله ابن عرفة عن ابن رشد وهو في المقدمات. وفي البيان في الرسم المتقدم وأما المستحاضة فقال ابن عرفة: وفي عدة المستحاضة بتسعة أشهر وأربعة أشهر وعشر سماع عيسى ابن القاسم مع الباجي عن المذهب ورواية ابن رشد مع ابن زرقون عن رواية الموازية الشيخ لاصبغ في الموازية مثل ما تقدم في المسترابة. وقول ابن الحاجب يفصل في المميزة يريد على رواية ابن القاسم اعتبار التمييز إن ميزت في الاشهر حلت وإلا طلب التمييز أو تسعة شهر، وعلى رواية ابن وهب لغوه فالمعتبر التسعة انتهى. وفي عزوه لسماع عيسى أن عدتها تسعة أشهر مسامحة، لانه يفهم منه أن التسعة كلها عدة. ونص ما في سماعه تعتد الحرة أربعة أشهر وعشرا والامة شهرين وخمس ليال ثم يقال لهما الاستحاضة ريبة فانتظرا حتى يمر لكما تسعة أشهر أقصى الريبة انتهى. الخامس: يلغى يوم الوفاة كما يلغى يوم الطلاق على القول الذي رجع إليه مالك بعد أن كان يقول تعتد لمثل ساعة الوفاة، وقد تقدم عن قول المصنف: وألغى يوم الطلاق كلام ابن رشد: في ذلك وإنه إن ألغى يوم الطلاق والوفاة فالاجماع على أن ابتداء العدة من ساعة الطلاق والوفاة ويجب عليها من حينئذ الاحداد في الوفاة والله أعلم ص:

________________________________________

[ 490 ]

(وتنصفت بالرق وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة) ش: قال في سماع أبي زيد من طلاق السنة في الجارية يتوفى عنها زوجها وهي ترضع شهران وخمس ليال وإن لم تحض إلا أن ترتاب. ابن رشد: قوله في التي توفي عنها زوجها وهي ترضع أنها تعتد بشهرين وخمس ليال ولم تمض إلا أن تستراب الريبة ها هنا إنما تكون بحس تجده في بطنها، فإن وجدت ذلك فلا تحل حتى يذهب عنها أو تبلغ أقصى أمد الحمل، وإن لم تسترب تنقضي عدتها التي فرض الله عليها بالشهرين وخمس ليال كما قال فيسقطه بعد العدة عنها الاحداد ويسقط عنها في السكنى إلا أنها لا تتزوج إن كانت مدخولا بها حتى تمضي ثلاثة أشهر فيعلم أنه لا حمل بها لان الحمل يتبين في أقل من ثلاثة أشهر انتهى. ونقله ابن عرفة. وهذا يرجح أحد القولين اللذين نقلهما الجزولي في الريبة، هل هي من العدة

________________________________________

[ 491 ]

أو ليست منها فانظره مع ما تقدم والله أعلم. وقال ابن عرفة: ولذات الرق ولو قبل البناء صغيرة شهران وخمس ليال. ابن زرقون: رواية ابن العطار لا عدة عليها قبل البناء وإن أطاقت الوطئ شاذة، وعلى المعروف إن صغرت عن سن الحيض حلت بشهرين وخمس ليال. الباجي والشيخ عن الموازية: إن بلغت ولم تحض أو كانت يائسة ولم يؤمن حملها فثلاثة أشهر، وإن أمن فلمالك كذلك وأشهب شهران وخمس ليال وغيرهن. قال ابن زرقون بها: إن حاضت فيها وإن استريبت بحس بطن فبزوالها اتفاقا فيهما، وإن لم تحض فيها من عادتها فيها فالمشهور ترفع لتسعة أشهر. أشهب وابن الماجشون وسحنون: لثلاثة أشهر وإن لم تحض ومثلها يحمل ففي حلها بشهرين وخمس ليال أو بثلاثة أشهر قولا ابن القاسم وأشهب انتهى. وانظر قوله: وإن لم تحض ومثلها يحمل إلى آخره كأن هذه طريقة ابن زرقون وهي مخالفة لما قدمه عن الباجي والشيخ عن الموازية والله أعلم. فقول المصنف: وإن لم تحض فثلاثة أشهر يحمل على من بلغت سن المحيض ولم تحض أو كانت يائسة، سواء كان يمكن حملها أم لا، كما قال الشيخ ابن أبي زيد في الرسالة: وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر. وقول المصنف: إلا أن ترتاب أي بتأخر الحيض فتؤخر إلى تسعة كما قال في الرسالة بعد أن ذكر عدة الحرة: والامة من الوفاة ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة. انتهى والله أعلم ص: (وإن أقر بطلاق متقدم استأنفت العدة من إقراره) ش: قال في كتاب الطلاق السنة

________________________________________

[ 492 ]

من المدونة: وإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، فإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا إحداد عليها وقد حلت، وكذلك إن طلقت وهو غائب فعدتها من يوم طلق إذا أقامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال كنت طلقتها فالعدة من يوم إقراره ولا رجعة له في ذلك فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم دعواه وترثه في العدة من يوم دعواه المؤتنفة ولا يرثها، وإن كان الطلاق بتا لم يتوارثا بحال ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها لانه قد فرط. قال ابن يونس: وأما المتوفى عنها فإنها ترد ما أنفقت من ماله بعد وفاته لان ماله صار لورثته فليس لها أن تختص منه بشئ دونهم. قال ابن المواز: ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشئ حتى يشهد لها من يحكم به السلطان في الطلاق وترجع بما تسلفت عليه، وكذلك روى أشهب عن مالك في العتبية. وقال سحنون عن ابن نافع: لا ترجع بما تسلفت عليه. انتهى ونقله أبو الحسن. وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: إنه شهد بالطلاق رجل وامرأة أن لها النفقة حتى يثبت ذلك بشاهد آخر. فروع: الاول: قال في الرسم المذكور: وتكون عدتها من يوم طلق إن اتفق الشاهدان على اليوم، فإن اختلفا اعتدت من الآخر ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيه وفات سؤال الشهود كانت عدتها من يوم شهدا عند القاضي لا من يوم الحكم إن تأخر عن الشهادة. الثاني: قال فيه أيضا: ولا غرم عليها فيما أنفقت من ماله أو أنفق عليها منه من يوم الطلاق إلى يوم علمها به لانه ألبس على نفسه أي فرط إذا لم يعلمها بطلاقه. زاد في سماع أشهب باتفاق.

________________________________________

[ 493 ]

الثالث: لو أنفقت من مالها أو تسلفت لرجعت عليه بذلك. عن مالك قاله في سماع أشهب. وقال ابن نافع: لا ترجع بشئ من ذلك انتهى. الرابع: قال في أول رسم من سماع أشهب من طلاق السنة: أما ما ازدادت في السلف مثل أن تشتري ما قيمته بدينار بأكثر من دينار إلى أجل فتبيعه بدينار في نفقتها فلا يلزمه باتفاق، وأما ما أنفقته مما خلفه عندها من ماله فلا غرم عليها فيه باتفاق، واختلف فيما أنفقت من مالها وتسلفته عليه من غير أن تغبن فيه بزيادة على هذين القولين انتهى. ص: (فأقصى الاجلين) ش: أي أما العدة مع حيضة أو تسعة أشهر وليست كالمعتدة من الطلاق. قال القابسي: لان العدة من أول الوفاة قد انقضت بمضي شهرين وخمس ليال، والتربص لزوال الريبة فمتى زالت حلت والمطلقة عدتها بالاقراء وإنما تصير من أهل الاشهر بعد تسعة أشهر ص: (وتركت المتوفى عنها فقط) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الاحداد. والاحداد مأخوذ من الحد وهو المنع. يقال: حددت الرجل إذا منعته، ومنه الحدود الشرعية لانها تمنع. ويقال للبواب حداد. وقال ابن عرفة: الاحداد هو ترك ما هو زينة ولو مع غيره فيدخل ترك الخاتم فقط للمبتذلة. وقول ابن الحاجب وابن محرز ترك الزينة المعتادة يبطل طرده بصحة سلب الزينة المعتادة عمن لبسته مبتذلة. انتهى. يعني أن لبس الخاتم وحده لا يعد زينة ولكنه

________________________________________

[ 494 ]

زينة مع غيره فيدخل في حده ويخرج من حد ابن الحاجب وابن محرز لانه ليس بزينة معتادة فتأمله والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: والاحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي والحلي الخاتم فما فوقه. ص: (والتطيب وعمله) ش: تصوره واضح. فرع: إذا لحقتها العدة وهي متطيبة هل عليها ترك الطيب ؟ قال التادلي في منسكه في غسل الاحرام عن القرافي: وتنزع المحرمة ما صادف الاحرام من الطيب بخلاف المعتدة تلحقها العدة وهي متطيبة انتهى. ثم ذكر فرقا بينهما حاصله أن العدة تدخل عليها بغير اختيارها بخلاف الاحرام. ثم ذكر عن البيان خلاف ذلك ولم يبين موضعه من البيان وهو في المسألة الثانية من سماع أشهب من طلاق السنة ونصه: مسألة: وسئل عن التي يتوفى زوجها وقد امتشطت، أتنقض مشطها ؟ فقال: لا، أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع لا أرى أن تنقضه. قال ابن نافع وهو وابن رشد: قوله إنه ليس عليها إذا توفي عنها زوجها وهي ممتشطة أن تنقض مشطها، معناه إذا كانت امتشطت بغير طيب، وأما لو امتشطت بطيب أو تطيبت في سائر جسدها لوجب عليها أن تغسل الطيب لما يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة أن تخلعه، وكما يجب على الرجل إذا أحرم وهو متطيب أن يغسل الطيب عنه. قال ابن عرفة بعد نقله هذا الكلام: قلت: قول ابن رشد يريد إذا كانت امتشطت بغير طيب يقتضي منعها من الامتشاط بغيره وهو خلاف متقدم قولها تمتشط بالسدر. ولما نقل الباجي لفظها قال: ولو مات زوجها بعد أن مشطت رأسها بشئ من الطيب فروى أشهب في العتبية وذكر ما تقدم، وهذا

________________________________________

[ 495 ]

خلاف ما تقدم لابن رشد. وقول ابن رشد: لو كان بطيب أو تطيبت لوجب عليها غسله إلى آخره خلاف قول عبد الحق في تهذيبه. قال بعض شيوخنا: إذا لزمتها العدة وعليها طيب فليس عليها غسله بخلاف من أحرم وعليه طيب. عبد الحق: يحتمل أن يفرق بينهما بأن المحرم أدخل الاحرام على نفسه فلو شاء نزع الطيب قبل أن يحرم، وبأن فيما دخل على المرأة من وفاة زوجها والاهتمام شغلا لها عن الطيب انتهى. ص: (والتجر فيه) ش: قال ابن عرفة: قال في الموازية: لا تحضر حاد عمل طيب ولا تتجر فيه ولو كان كسبها. انتهى والله أعلم. فصل في مسائل زوجة المفقود ص: (ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين) ش: قال ابن عرفة: المفقود من انقطع خبره وممكن الكشف عنه فيخرج الاسير. ابن عات: والمحبوس

________________________________________

[ 496 ]

الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى. ثم قال في آخر الباب ابن عبد الحكم: من سافر في البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود انتهى. وفي مسائل الشيخ أبي الحسن القابسي: وسئل عن مركبين مرسيين بجانب البر وفي أحد المركبين رجل يعرفه بعض من في المركب الآخر فهال عليهم البحر في الليل فسمع تكبير أهل المركب الذي فيه الرجل المعروف فأصبحوا فلم يجدوا للمركب خبرا ولا أثرا، وهل يشهد الذين يعرفون الرجل أنه مات ؟ فقال: يشهدون بصفة الامر والحاكم يحكم بالموت في هذا. قيل له: فلو كانوا في الموسطة ؟ فقال: قد يكون هؤلاء رمتهم الريح على موضع آخر هؤلاء سبيلهم سبيل المفقود انتهى. قال البرزلي في مسائل العدة والاستبراء لما تكلم على المفقود ومن فقد زمن الوباء وأنه محمول على الموت: ومن هذا ما يوجد اليوم ممن يفقد من مراكب المسلمين فلا يدري أغرق أو أخذه العدو ولم يظهر له خبر ألبتة، والصواب أنهم محمولون على الموت بعد الفحص عنهم بأخبار مراكب النصارى، وأما من أخذه العدو على ظهر البحر وغدوا به كما يجري اليوم فحكمه حكم الاسير، وقد ذكر حكمه في المدونة وغيرها. ابن عات: ومثله المحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى. تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه يصح أن يرفع إلى الوالي مع وجود القاضي وإلى والي الماء مع وجود القاضي والوالي. وأما جماعة المسلمين فظاهر كلامه أنه لا يصح ضربهم الاجل إلا عند فقد من ذكر، والظاهر أنه كذلك لجعلهم القول بأنه إذا كان الامام الاعظم حاضرا لم يضرب غيره خلاف المشهور، ولقول اللخمي المعروف من المذهب أن الكشف عن خبره إلى سلطان بلده وإن تولى ذلك بعض ولاة المياه والعقود منهم أجزأ. انتهى ونقله في التوضيح ص: (إن دامت نفقتها) ش: قال في المتيطية: اعلم أن الغائبين على أزواجهم خمسة: فالاول غائب لم يترك نفقة ولا خلف مالا ولا لزوجته عليه شرط في المغيب، فإن أحبت زوجته الفراق فإنها تقوم عند السلطان بعدم الانفاق. والثاني غائب لم يترك نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب، فزوجته مخيرة في أن تقوم بعدم الانفاق أو بشرطها وهو أيسر عليها لانه لا يضرب له في ذلك أجل. والثالث غائب خلف نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب. فهذه ليس لها أن تقوم إلا بالشرط خاصة، وسواء كان الغائب في هذه الثلاثة الاوجه معلوم المكان أو غير معلوم إلا أن معلوم المكان يعذر إليه إن تمكن من ذلك. والرابع غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته وهو مع

________________________________________

[ 497 ]

ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان، إما أن يقدم أو يحمل امرأته إليه أو يفارقها وإلا طلق عليه. والخامس غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته عليه وهو مع ذلك غير معلوم المكان فهذا هو المفقود. انتهى باختصار. وما ذكره في الرابع من أنه يكتب إليه السلطان إلى آخره وإلا طلقها عليه لم يبين كم ينتظر. وقال ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: لم يحدها هنا يعني في هذا الرسم في الطول حدا. وقال في أول رسم شهد من سماع عيسى: إن السنتين والثلاث في ذلك قريب وليس بطول. وهذا إذا بعث إليها بنفقة، وأما إن لم يبعث إليها بنفقة ولا علم له مال فإنها تطلق عليه بعد الاعذار إليه والتلوم عليه. وأما إن علم أنه موسر بموضعه فتفرض لها النفقة عليه تتبعه بها ولا يفرق بينهما. فهذا ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة ومعنى ذلك ما لم يطل على ما قال هنا والله أعلم. انتهى كلامه في رسم الشريكين. تنبيه: قال في المدونة: وينظر السلطان في مال المفقود ويجمعه ويوقفه كان بيد وارث أو غيره، ويوكل به من يرضى وإن كان من ورثته من يراه لذلك أهلا أقامه له، وينظر في قراضه وودائعه ويقبض ديونه ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته لان ورثته لم يرثوه بعد. وما أسكن أو أعار أو آجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال، وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضى به عليه ولا يقام له وكيل، وتباع عروضه في ذلك. وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشئ أو أسند إليه الوصية سمعت بينته فإذا قضى بمدته بحقيقة أو تعمير جعل للوصي وصية وأعطت للموصى له وصيته إن كان حيا وحملها الثلث وإلا أعيدت البينة. وكذلك إن أقامت المرأة بينة أنه زوجها قضيت لها كقضائي على الغائب. انتهى كلام المدونة. قال أبو الحسن: قوله: أو اعتراف أي استحقاق. وقوله: أو عهدة ثمن أي استحقاق ما باع فرجع عليه بالثمن. وقوله: أو عيب أي باع سلعة فظهر بها عيب. وقوله: ولا يقام له وكيل وجهه أن الوكيل لا يعمم حجج الغائب ويقوم بحجته إذا قدم انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في كتاب العيوب في الكلام على الرد على الغائب: القاعدة أن الامام لا يتعرض لديون الغائب يقضيها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو يكون حاضرا ويريد أن يبرئ ذمته ورب الدين غائب أو حاضر فله، وهذا بخلاف ما إذا أفسد شخص مال غائب فإن الامام يأخذ منه القيمة ويحبسها الغائب. انتهى ونحوه في النكت فانظره. وقال في المتيطية: وأما مال المفقود فينبغي للامام أن ينظر فيه ويثقفه ويجعله في يد من يرتضيه من أهله أو من غيرهم ويقدمه للقيام بتمييز ماله والنظر في جميع أمواله. فإن كانت له أملاك اغتلها ورم ما وهي منها، وإن كان له عبيد في خراجهم ما يفضل عن نفقتهم وكسوتهم حبسه له وإلا باعهم عليه ويقتضي ديونه إن كانت له عند حلول آجالها ويمكن من إثباتها والخصام فيها. وكذلك ما استودعه المفقود أو قارضه وما كانت عليه من ديون ثبتت عليه قضاها عند حلول

________________________________________

[ 498 ]

آجالها بعد بيان أربابها، وما تراخى أجله منها ومن مهور نسائه ولا تحل إلا بانقضاء تعميره انتهى. وقوله: وما تراخى أجله يريد تراخى أجله بعد مدة التعمير والله أعلم. ثم قال في المتيطية: وينفق من ماله على أزواجه ويخدمهن إن كن مخدمات وكان ماله يتسع لذلك. هذا إن كن مدخولا بهن، وأما غير المدخول بهن فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك خلافا مع معرفته باختلاف أصحاب مالك، أن لها النفقة وإن لم يدخل بها المفقود انتهى. وانظر الشيخ أبا الحسن الصغير في آخر النكاح الثاني من طلاق السنة. ثم قال في المتيطية، وينفق على فقراء صغار بنيه وأبكار بناته حتى يحتلم الذكر منهم وهو صحيح الجسم والعقل ويدخل بالانثى زوجها. انتهى والله أعلم ص: (وللعبد نصفها) ش: قال المتيطي: وسواء كان مغيبه بإباق أو بيع فغاب به مشتريه وانقطع خبره. انتهى والله أعلم ص: (وسقطت بها النفقة) ش: قال في المتيطية: وينفق هذا الوكيل أو السلطان إن لم يقدم أحدا على زوجة المفقود في الاربع سنين ويكسوها بعد أن تحلف أن زوجها لم يترك لها نفقة ولا كسوة ولا أرسل بشئ وصل إليها، ولا يكلفها إثبات الزوجية لثبوتها عنده قبل الاجل، ويكلف ذلك غيرها من نسائه ولا ينفق عليها في العدة وينفق على صغار بنيه وأبكار بناته بعد ثبوت البنوة وأنه لا مال لهم في علم الشهود. ثم قال في عقد الوثيقة: تقول دفع فلان النظر للمفقود إلى فلانة بعد أن ثبت عند القاضي أنها زوجة المفقود فلان لم تنقطع عصمته عنها إلى حين قيامها عنده، وبعد أن ثبت عنده يمينها في المسجد الجامع بمدينة كذا أنه ما ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تمون به نفسها ولا أرسل إليها بشئ وصل إليها ولا أسقطت ذلك عنه ولا شيئا منه كذا وكذا دينارا إلى آخره. ثم قال: وإن كان له بنون قلت إلى فلانة زوجة المفقود وحاضنة بنيها منه فلان

________________________________________

[ 499 ]

وفلان الصغيرين وفلانة البكر بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أنها زوجته وأن بنيها المذكورين هم من المفقود فلان وأن فلانا وفلانا صغيران وأن فلانة بكر وأنهم لا مال لهم في علم من ثبت ذلك بشهادتهم. انتهى والله أعلم ص: (وليس لها البقاء بعدها) ش: حمله الشارح على أن المراد ليس لها البقاء في الزوجية بعد العدة، وهذا لا إشكال فيه والظاهر عوده إلى الاربع سنين. قال ابن عرفة: أبوعمران: لها البقاء على عصمته في خلال الاربع سنين لانها لم تجب عليها عدة، ومتى رجعت للرفع للسلطان ابتدأ لها الضرب وليس لها ذلك أن تمتد لاربع. انتهى بلفظه. وكلام الشارح هنا مشكل فانظره مع كلام ابن عرفة ص: (فكالوليين) ش: يعني فإن جاء المفقود أو تبين أنه حي أو أنه مات بعد دخول الثاني بها فإنها فاتت بدخوله بها، وإن جاء الزوج المفقود أو تبين أنه حي قبل ذلك ردت إلى الاول، سواء تبين ذلك وهي في عدة المفقود أو بعد خروجها منها على المعروف أو بعد أن عقد عليها الثاني وقبل الدخول، وأما إن ثبت أنه مات بعد عقد الثاني وقبل دخوله بها فإنه يفسخ نكاحه لانه تزوج بزوجة الغير، وأما إن ثبت موته قبل عقد الثاني فإن حكمها حكم غيرها من النساء، فإن كان عقد الثاني بعد خروجها من عدة الاول في نفس الامر صح نكاحه، وإن كان عقده قبل خروجها من عدة الاول في نفس الامر فهو كالنكاح في العدة وإليه أشار بقوله: ص: (ولو تزوجها الثاني في عدة فكغيره) ش: يعني فإن كان لم يدخل بها فسخ النكاح ولم تحرم عليه، وإن كان دخل بها وطئها في العدة حرمت عليه، وإن كان العقد في العدة والدخول بعدها جرى على الخلاف في ذلك والمشهور تأبيد التحريم والله أعلم.

________________________________________

[ 500 ]

فروع: الاول: إذا دخل بها في نكاح فاسد فالاول أحق بها إن فسخ بلا طلاق لا إن فسخ بطلاق. ونص عليه الباجي وغيره ونقله في التوضيح. الثاني: إذا فقد قبل البناء وضرب له الاجل وفرق الحاكم بينهما فروي عن مالك أنها تعطى جميع الصداق وبه قال سحنون. قال ابن بطال: وبه القضاء. وفي الجلاب: إنها تعطى نصفه فإن ثبت بعد ذلك موته أو مضى سن التعمير فيكمل لها. وقال جماعة: إن لم تكن قبضته لم تعط إلا النصف، وإن قبضته لم ينتزع منها. وعلى أنها تأخذ الجميع فقال مالك: يعجل لها المعجل ويبقى المؤجل لاجله. وقال سحنون: يعجل لها الجميع. ومنشأ الخلاف أن فيها شائبتين: شائبة الموت بدليل أنها تعتد عدة الوفاة، وشائبة الطلاق بدليل أن دخول الثاني يوقع على الاول طلقة. وعلى القول بأنها تعطى الجميع فإن جاء الاول بعد دخول الثاني فقيل ترد إليه نصف الصداق واختاره اللخمي. وقال ابن رشد: إنه الاصح. وقيل: لا ترد إليه شيئا. قيل: وبه العمل نقله في التوضيح. الثالث: قال في المنتقى في باب الرعاف من كتاب الطهارة: قال ابن حبيب: من تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدرى أحي هو أم ميت ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه أن نكاحه ماض انتهى. ص: (وورثت الاول إن قضى له بها) ش: فإن ثبت أنه مات وهي في العدة فترثه اتفاقا، وكذا بعد خروجها وقبل عقد الثاني على المعروف وبعد عقده قبل دخوله على المرجوع إليه. فرع: قال اللخمي: فإن جهلت التواريخ وقد دخل الثاني لم يفسخ نكاحه ولم يرث

________________________________________

[ 501 ]

الاول لانه لم يفرق بينها وبين الثاني بالشك ولا ترث أيضا بالشك. ص: (وأما إن نعي لها) ش: النعي خبر الموت. قال عياض: الفقهاء يقولون: المنعى بضم الميم وفتح العين وهو خطأ عند أهل العربية، والصواب المنعي بفتح الميم وكسر العين وتشديد الياء وهي التي أخبرت بموت زوجها فاعتمدت على الاخبار وتزوجت ثم قدم زوجها فالمشهور من المذهب أنها ترد إلى الاول، ولو دخل بها الثاني وسواء حكم بموته حاكم أو لم يحكم. وقيل: تفوت بدخول الثاني كامرأة المفقود. وثالثها التفرقة فإن حكم به حاكم فاتت بدخول الثاني وإلا لم تفت، وأما إن لم يدخل بها الثاني فهي للاول اتفاقا. قاله ابن رشد. فرعان: الاول: وإذا ردت إلى الاول فلا يقربها حتى تحيض أو تضع حملها إن كانت حاملا وتعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع الآخر ويحال بينه وبين الدخول عليها. عياض: ولا إشكال في منع الثاني من النظر إليها والدخول عليها لانه أجنبي، وأما الاول فلا إشكال في منعه الوطئ لاحتياط الانساب، وأما ما عداه من الاستمتاع فمباح لانها زوحة. وإنما حبست لاجل اختلاط النسب كما لو استبرأها من زنا، وبدليل لو كانت المغصوبة ظاهرة الحمل من زوجها لجاز له وطؤها إذ الولد ولده عند ابن القاسم وكرهه أصبغ كراهة لا تحريما. الثاني: قال ابن الحاجب: قال أبوعمران: لو ثبت موته عندها برجلين فلم يظهر خلافه لم يفسخ إلا أن يكونا غير عدلين أو لم يعلم إلا بقولهما. قال في التوضيح: ما ذكره عن أبي عمران لا يؤخذ منه جواز ذلك ابتداء. ونقل عنه ابن يونس وغيره أنه يجوز لها أن تتزوج بغير العدلين وليس عليها أن ترفع إلى الحاكم ولا يفسخ. انتهى جميعه من التوضيح ملخصا ص: (والمطلقة لعدم النفقة ثم ظهر إسقاطها) ش: هكذا ذكر في توضيحه في الكلام على ذات

________________________________________

[ 502 ]

الوليين، ونص على ذلك أبوعمران الجزائري في نظائره، ونص ابن يونس في أواخر كتاب النكاح الثاني في الغائب إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم ثبت أنه كان يرسلها إليها أنها ترد إليه وإن دخل بها الثاني. ونقله عنه ابن عرفة في الكلام على التطليق على الغائب بعدم النفقة، وذكر معه أيضا مسألة من طلق عمرة وادعى أن له زوجة أخرى تسمى بذلك. ونقلها أيضا عن المتيطي وذكر عنه أيضا قولا ثانيا بأنها لا ترد إليه وهو في المتيطية في الكلام على الطلاق على الغائب بعدم النفقة، وهذا كله يقتضي أن المرأة إذا أسقطت النفقة عن زوجها في المستقبل تسقط عنه. وصرح بذلك عبد الحق في تهذيبه ونقله عنه أبو الحسن وقبله ولم يذكر خلافه

________________________________________

[ 503 ]

ذكره في الكلام على من وهبت نوبتها من ضرتها في النكاح الثاني وهو خلاف ما جزم به القرافي في الفرق الثالث والثلاثين من قواعده من أن ذلك لا يسقط ولها الرجوع فيه. وقبله ابن الشاط وحمل ابن غازي عليه قول المصنف في فصل الصداق أو أسقطت شرطا قبل وجوبه، وقد ذكر في التوضيح في الكلام على نكاح التفويض في ذلك قولين والله أعلم ص: (والضرب لواحدة ضرب لبقيتهم وإن أبين) ش: معنى كلامه والله أعلم أن من قام من نسائه بعد ضرب الاجل لواحدة فإنه لا يضرب للثانية أجل مستأنف بل يكفي أجل الاولى، وإن كانت الثانية امتنعت حين ضرب الاجل للاولى. وليس معنى كلامه إن قامت امرأة من نسائه فضرب لها الاجل ثم اعتدت أن العدة تلزم الباقي وتنقطع عنهن النفقة ولو اخترن المقام، يظهر ذلك بكلام المتيطي ونصه: ولو كان له نساء سواها فقمن في خلال الاجل أو بعد انقضاء الاجل فطلبن ما طلبته من الفراق، فهل يستأنف الامام الفحص عنه لهن وإعادة ضرب الاجل من بعد اليأس، أو يجزئه ما تقدم من فعله الاول ؟ فذكر ابن العطار في وثائقه عن ابن الفخار أنه رأى لمالك أن الامام لا يستأنف ضربا. وقاله بعض شيوخنا القرويين. قال: وكذلك إن قمن بعد مضي الاجل وانقضاء العدة فإنهن يجزئهن، وضرب الامام الاجل لواحدة من نسائه كضربه لجميعهن كما أن تفليسه المديان لاحد الغرماء تفليس لجميعهن. قال يحيى بن عمر: وبلغني عن ابن القاسم أنه سئل عنها فتفكر ثم قال: ضرب الاجل للمرأة الواحدة ضرب لجميعهن، فإذا انقضى الاجل تزوجن إن أحببن. قال بعض القرويين: وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه قال: يضرب للثانية الاجل حين ترفع إليه من غير أن يكشف عن أمر المفقود لانه قد كشف عنه للاولى. قال بعض يوخنا القرويين: وهذا أصح وأحسن انتهى. وكلام ابن يونس

________________________________________

[ 504 ]

نحوه ونصه: وروى لمالك إذا كان للمفقود امرأتان فرفعت إحداهما أمرها إلى السلطان فضرب لها أجلا أربع سنين ثم بعد ذلك رفعت الاخرى قال مالك: لا يستأنف لها ضرب. وذكر لنا عن بعض شيوخنا مثل هذا قال مالك: وكذلك إن قامت بعد مضي الاجل والعدة فإنه يجزئها، وضرب الامام الاجل لواحدة من نسائه كضربه لجميعهن. ثم ذكر ما تقدم عن المتيطي. وانظر قول المتيطي: فقمن في خلال الاجل، وقول ابن يونس: ثم بعد ذلك رفعت الاخرى فجعلا قول مالك: لا يستأنف لها الامام ضربا محله إذا قامت تطلب الفراق. فمفهومه أنها لو لم تقم فلا يكون ضرب الاجل لواحدة ضربا لبقيتهن. وقول ابن فرحون في شرحه يعني أن الحاكم كتب بأمر زوجها وعجز عن الوقوف على خبره وضرب الاجل واعتدت فإن ذلك كاف للجميع، يريد إذا قمن بطلب ذلك والله أعلم. وكلام ابن فرحون هذا مع نقل ابن يونس والمتيطي عن مالك في قوله: وكذا إن قمن بعد مضي الاجل وانقضاء العدة فإن ذلك يجزئهن يقتضي بظاهره أنهن لا يحتجن إلى عدة إذا قمن بعد مضي الاجل والعدة فتأمله والله أعلم. ومقابل هذا القول قول الشيخ أبي عمران الذي صححه واستحسنه بعض القرويين، وقاله ابن عبد السلام هو الاقرب عندي والله أعلم ص: (وبقيت أم ولده) ش: نقله في التوضيح عن ابن رشد، وكأنه لم يقف عليه للمتقدمين وقد نقله غير واحد. قال المتيطي: وينفق على أم ولده إلى انقضاء تعميره انتهى. ثم قال بعد أن ذكر أن السلطان يقدم على مال المفقود من يحفظه ويكفي عياله كما تقدم نقله: وينفق الوكيل أو السلطان إن لم يقدم أحدا على أم ولده بعد أن تثبت أنها أم ولده وبعد يمينها،. ثم قال في نص الوثيقة: وإن كان دفع إلى أم ولده قلت إلى فلانة أم ولده المفقود فلان بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أبي

________________________________________

[ 505 ]

فلان أنها أم ولد وأنه لم يبتل عتقها إلى حين قيامها عنده في علم من ثبت ذلك عنده بشهادتهم، وأنها حلفت بأمره وثبت يمينها عنده على الواجب فيه، وإن كان لها منه ابن ذكرت فيه مثل ما تقدم في البنين. انتهى وقد تقدم ما ذكره في البنين والله أعلم. ص: (وورث ماله حينئذ) ش: أي فيرثه من كان وارثا له يوم يحكم بموته لانقضاء سن التعمير. قال ابن عرفة: وأقوال المذهب واضحة لان مستحق إرثه وإرثه يوم الحكم بتمويته حسبما يدل عليه لفظ اللخمي والمتيطي وابن كوثر وابن الهندي وغيرهم وبه أفتيت من ذكر أنها نزلت، وأفتى بعض الناس بإرث مستحقه يوم بلوغه لا يوم الحكم، وسئل عنها غير واحد لعل موافقا له فلم يجده فيما علمت انتهى. ص: (وزوجة الاسير) ش: وسواء علم موضعه أم لا. فرع: إذا هرب الاسير من أرض الحرب وثبت هروبه وجهل خبره، فإن ثبت دخوله بلد الاسلام فكالمفقود، وإن لم يثبت فكالاسير لاحتمال عدم خروجه من بلد الحرب انتهى. ص: (وإن تنصر أسير فعلى الطوع) ش: ولو تزوجت زوجته ثم ثبت أنه تنصر مكرها فقيل كزوجة المفقود، وقيل كالمنعي لها. وذكر القولين في التوضيح وفي الشامل واقتصر في التوضيح في أوائل النكاح على أنها كزوجة المفقود والله أعلم. فرع: إن شهدت بينة بالاكراه وأخرى بالطوع فبينة الاكراه أعمل لانها علمت ما لم تعلم الاخرى. قاله في التوضيح ص: (واعتدت في مفقود المعترك بين المسلمين بعد أنفصال

________________________________________

[ 506 ]

الصفين) ش: هذا إن شهدت البينة العادلة أنه حضر المعترك، وأما إن كان إنما رأوه خارجا عن العسكر ولم يروه في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتفاق. انتهى من التوضيح

________________________________________

[ 507 ]

ناقلا له عن المقدمات ص: (أو المحبوسة بسببه في حياته السكنى) ش: مفهومه أنه لا سكنى لها في حياة الموت وقرره الشارح كذلك ولينظر في ذلك. وانظر كلام ابن عبد السلام عند شرح قول ابن الحاجب: ولام ولد تعتق أو يموت عنها السكنى فإنه يدل على أن الحرة إذا فسخ نكاحها بعد الموت لها السكنى في مدة الاستبراء فتأمله والله أعلم. ص: (لا بلا نقد وهل مطلقا أو إلا الوجيبة تأويلان) ش: يعني فإن كان موضع سكناها مع زوجها بكراء ولم ينقد ففي المدونة أنها لا تكون أحق بالسكنى بغير عوض كما إذا كانت إذا نقد الكراء، وظاهر ذلك أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الكراء مشاهرة أي كل شهر بكذا أو وجيبة وهو المدة المعينة، وعلى هذا الظاهر حمل المدونة الباجي وغيره واحتجوا بأن المسألة وقعت لمالك كذلك في الموازية. وذكر في النكت عن بعض القرويين أنه حمل المدونة على المشاهرة، وأما الوجيبة فإنها أحق بالسكنى، سواء قدم الكراء أم لا ؟ واحتج لمفهوم كلام المدونة الآتي واحتج في تهذيب الطالب لذلك بأن أبا قرة روى عن مالك أنها تكون أحق بالوجيبة مطلقا. قاله في التوضيح. والتأويل الاول أرجح لموافقته لما في الموازية. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام بعض القرويين.

________________________________________

[ 508 ]

وهو خلاف ما في الموازية وغيرها. وذكر أيضا أن اللخمي حمل المسألة على ما حملها عليه الباجي والله أعلم. تنبيهات: الاول: إذا لم يكن لها السكنى في مال الميت فلا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه. قال في المدونة في الكلام على المتوفى عنها: إن كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله وتؤدي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار، ويطلب من الكراء ما لا يشبه، واحتج بعض القرويين على تأويله المتقدم بقوله إلا أن يطلب منها رب الدار ما لا يشبه فإن ذلك يدل على أن الكراء لم يكن سنة بعينها لانه لو أكرى سنة بعينها كان الكراء لزم بما تعاقداه، وليس لرب الدار أن يطلب غيره، وحملها الاولون على أن مدة الكراء فقد انقضت والله أعلم.

________________________________________

[ 509 ]

الثاني: إذا كان الكراء وجيبة ولم ينقد وقلنا لا سكنى لها فتسكن في حصتها وتسلم الكراء. الثالث: هل لرب الدار إخراجها لغير زيادة ؟ انظر التوضيح ص: (كبدوية ارتحل أهلها

________________________________________

[ 510 ]

فقط) ش: قال ابن عرفة: وفيها إن كانت في قرار فانثوى أهلها لم تنتقل معهم وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها يدل على أنه لم ينتقل للبادية رفضا للاقامة ولو كانت رفضا لها لكانت كالبدوية انتهى. ص: (والخروج في حوائجها في طرفي النهار) ش: يعني أن اللازم للمعتدة إنما هو الميت في مسكنها، وأما ما عدا ذلك فلها الخروج في حوائجها في طرفي النهار وأخرى في وسط النهار، وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة. قال في كتاب طلاق السنة من المدونة: ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها، ولها التصرف نهارا والخروج سحرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة انتهى. وانظر أبا الحسن. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: للمتوفى عنها الخروج للعرس ولا تبت إلا في بيتها بما لا تتهيأ به الحاد. ابن رشد: هذا إن لم يكن فيها من اللهو إلا ما أجيز في العرس انتهى. مسألة: قال في المسائل الملقوطة: قال عيسى في كتاب ابن مزين: إذا أنهى إلى الامام أن المعتدة تبيت في غير بيتها أرسل إليها وأعلمها بما جاء في ذلك وأمرها بالكف، فإن أبت أدبها

________________________________________

[ 511 ]

على ذلك وأجبرها عليه. انتهى من تهذيب الطالب ص: (إلا لضرر جوار بحاضرة ورفعت للحاكم وأقرع لمن يخرج إن أشكل) ش: قال ابن عرفة: وفيها لا تنتقل من مسكنها إلا لضرر لا تقدر معه كخوف سقوط أو لصوص بقرية لا مسلمون بها، وإن كانت بمدينة لا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الامام. قال ابن عرفة: قلت: ضابطه إن قدرت على رفع ضررها بوجه ما لم تنتقل. وحملها ابن عات على الفرق بين القرية والمدينة لان بها من ترفع إليه أمرها بخلاف القرية غالبا. اللخمي: وإن وقع بينها وبين من ساكنها شرفان كان منها أخرجت عنه، وفي مثله جاء حديث فاطمة بنت قيس. وإن كان من غيرها أخرج عنها فإن أشكل الامر أقرع بينهم. قلت: إنما يقع الاخراج لشر بعد الاياس من رفعه بزجر من هو منه. وقبل ابن عات وابن عبد السلام وغيرهما قوله: أقرع بينهم والصواب إخراج غير المعتدة لان إقامتها حق لله تعالى وهو مقدم عى حق الآدمي حسبما تقدم عن قرب انتهى. قلت: وفيه نظر لانه قد ثبت جواز إخراجها لشرها من حديث فاطمة بنت قيس. ص: (وهل لا سكنى لمن أسكنت زوجها ثم طلقها قولان) ش: الاول لابن المكوي وضعفه ابن رشد. قال ابن عرفة عن ابن عات: قال ابن رشد: قول ابن المكوي وهم ثم قال: ولو كتبت له إسقاط خراج دارها أمد العصمة وتوابعها لم يكن عليه شئ. ولو قالت أمد العصمة فقد لزمه اتفاقا فيهما ص: (وسقطت إن أقامت بغيره) ش: أي وسقطت سكنى المعتدة إذا أقامت بغير المسكن الذي يسكن به من غير عذر، ولو طلبت كراء الموضع الذي هربت عنه فلا كراء لها.

________________________________________

[ 512 ]

قاله في التوضيح. قال: وظاهر المدونة وكلام ابن الحاجب أنه لا فرق بين أن يكري الزوج الموضع الذي هربت منه أو يتركه خاليا. وقال اللخمي: إن خرجت لغير عذر فطلبت كراء المسكن الذي انتقلت عنه لم يكن لها ذلك، وإن خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه وحبسه لم يكره بعد خروجها، وإن أكراه رجعت بالاقل مما اكترت أو أكرى به. انتهى ونقله ابن عرفة وقبله وزاد عن اللخمي: ولها نفقتها إن كان طلاقها رجعيا، ولو خرجت بغير رضاه. والكراء في هذا بخلاف النفقة لان المطلقة لا منفعة له فيها، ولو ارتجعها فامتنعت من الرجعة سقطت من حينئذ نفقتها. انتهى فتأمله ونقله أبو الحسن الصغير وقال: وظاهر الكتاب خلافه والله أعلم. ص: (وللغرماء بيع الدار) ش: قال أبو الحسن: واختلف هل للورثة بيع الدار واستثناء العدة ؟ فأجازه اللخمي ومنعه غيره لان غرر لا يدري من المشتري متى يتصل بقبض الدار، وإنما رخص فيه في الدين صح من جامع الطرر انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: والحكم في المتوفى عنها الجواز بعد قوله وليس للزوج بيع الدار للدين عليه إلا في ذات الاشهر ما نصه هذه المسألة ذكرها في المدونة في كتاب العدة والغرر وفرضها في بيع الغرماء دار الميت لدين عليه، وفرضها الباجي في بيع الورثة. ابن عبد السلام: وهو ظاهر كلام

________________________________________

[ 513 ]

المصنف واعترض بعضهم كلام الباجي لما توهمه من إجازة بيعهم إياها اختيارا فقال: إنما أجاز ابن القاسم هذا البيع إذا بيع للغرماء، وأما إذا أراد الورثة البيع في غير دين فلم ينص عليه ابن القاسم. قال: وعندي أنه غير جائز انتهى. انظر ما حكاه عن الباجي مع ما نقله ابن عرفة ونصه ابن الباجي: إنما يجوز هذا في عدة الوفاة لانها أيام محصلة وذلك إذا دعا الغرماء الورثة ببيعها ولا يجوز في عدة الطلاق انتهى ص: (وأبدلت في المنهدم والمعار والمستأجر) ش: يريد إذا امتنع ربها من كرائه وكان لامتناعه وجه وإلا فليس له الامتناع. انظر التوضيح وغيره ص: (وإن اختلفا في مكانين أجيبت) ش: قال في المدونة: وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره فذلك لها إلا أن تدعوه إلى ما يضر به لكثرة كراء أو سكنى فتمنع، ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت. قال ابن يونس: قوله أو سكن يعني به مثل أن تدعوه إلى موضع بعيد منه أو فيه جيران سوء ونحو ذلك لان له التحفظ لنفسه. وقوله: سكنت حيث شاءت يريد حيث يعرف أنها معتدة لا في موضع يخفى عنه خبرها انتهى. ص: (ولام ولد يموت عنها السكنى) ش: قال في رسم سعد من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. قال مالك في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل والحرة يتوفى عنها زوجها

________________________________________

[ 514 ]

وهي حامل: ليس لواحدة منهما نفقة، لا من جملة المال ولا من حصة الولد. ابن رشد: أما الحرة فلا خلاف، وأما أم الولد فهو المشهور. وروي لها النفقة من الجملة وعلى المشهور. فاختلف في الامة يموت عنها سيدها وهي حامل فالمشهور لا نفقة لها لانها حرة بتبين الحمل. وقال ابن الماجشون: لها النفقة انتهى. وقال الجزولي: وإذا مات وهي حامل فهل تعتق في الحال أو حتى تضع ؟ والاول المشهور. وعليه فاختلف في نفقتها فقيل على نفسها، وقيل في التركة. وعلى القول الآخر بأنها لا تعتق حتى تضع فنفقتها في التركة انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وأما الامة يموت سيدها وهي حمل منه لها النفقة من رأس مال المالك. قال فضل: أوجب لها النفقة من مال سيدها. ولعله يرى أنها لا تعتق إلا بعد وضع الحمل خيفة أن ينفش الحمل فتكون أمة. قاله في مختصر الواضحة. انتهى كلام ابن فرحون والله أعلم.

________________________________________

[ 515 ]

فصل ص: (يجب الاستبراء بحصول الملك إن لم توقن البراءة ولم يكن وطؤها مباحا ولم يحرم في المستقبل) ش: الاستبراء مشتق من التبرؤ وهو التخلص، ثم استعمل لغة في الاستقصاء والبحث والكشف عن الامر الغامض. وفي الشرع في الكشف عن حال الارحام عند انتقال الاملاك مراعاة لحفظ الانساب. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: الاستبراء مدة

________________________________________

[ 516 ]

دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق، فتخرج العدة ويدخل استبراء الحرة ولو للعان والموروثة لانه للملك لا لذات الموت. وجعل القرافي جنسه طلب براءة الرحم لانه استفعال يخرج استبراء اللعان لانه يكون لا عن طلب. قال في التوضيح: وهو واجب كإيجاب العدة في الزوجات لحديث أبي داود في سبي أوطاس قال (ص): لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة انتهى. وذكر المصنف أنه يجب بأربعة شروط: الاول: حصول الملك لمن لم يكن حاصلا له. الثاني: أن لا توقن البراءة. الثالث: أن لا يكون وطؤها مباحا أي قبل الملك. الرابع: أن لا يكون وطؤها حراما في المستقبل. فاحترز بالاول مما إذا تزوج أمة فإنه لا يجب عليه استبراؤها، وبالثاني ممن علمت براءتها كالمودعة عنده تحيض قبل استبرائها، وبالثالث مما لو اشترى زوجته، وبالرابع مما لو اشترى ذات زوج. ص: (كالموطوءة إن بيعت أو زوجت) ش: قال ابن عرفة: وفيها يجب لارادة بيعها ربها من وطئه إياها أو لتزويجه إن وطئها أو زنت أو ابتاعها ممن لم ينف وطأها، ومن لم يطأ أمته له تزويجها دونه انتهى. وقوله: الموطوءة

________________________________________

[ 517 ]

احتراز من غير الموطوءة فإن له أن يزوجها دون استبراء كما نقله ابن عرفة والله أعلم. ص: (وقبل قول سيدها) ش: هو راجع إلى التزويج. فرع: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها

________________________________________

[ 518 ]

حتى تحيض ؟ قال: لا، فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت فالنكاح مفسوخ انتهى. اللخمي: ولا تحرم على الزوج انتهى ص: (أو أرسلها مع غيره) ش: يعني وأما لو جاء بها المبضع معه فإنها لا تحتاج إلى استبراء كما قاله في التوضيح ص: (وبموت سيد وإن استبرئت أو انقضت عدتها) ش: يعني أن الاستبراء يجب بموت السيد، وسواء كان المتوفى عنها أم ولد أو أمة أقذ السيد بوطئها أم لم يقر. وقوله: وإن استبرئت يعني أن كل واحدة يجب عليها الاستبراء بموت سيدها وإن كان السيد استبرأها قبل موته أو كانت كل واحدة متزوجة فمات عنها زوجها أو طلقها وانقضت عدتها في حياة سيدها. وقوله: وانقضت عدتها مفهومه أنه لو لم تنقض العدة لم يجب الاستبراء، فأحرى أن لا يجب إذا كانت كل واحدة مات عنها سيدها وهي متزوجة، وكذلك نص عليه ابن الحاجب. وعلله في التوضيح بأنه إذا لم تكن أم الولد أو الامة متزوجة ولا معتدة فلا مانع للسيد من وطئها، فاحتمل أن تكونا موطوءتين له بخلاف ما إذا كانتا متزوجتين أو معتدتين فإن هناك مانعا له من الوطئ والله أعلم. فرع: إذا قلنا لا بد من الاستبراء بموت السيد فمات وهي في أول الدم، فإن كانت أم ولد لم تعتد به لانه كالعدة لها، وإن كانت أمة اعتدت به قاله ابن الحاجب. ص: (وبالعتق

________________________________________

[ 519 ]

واستأنفت إن استبرئت أو غاب غيبة علم أنه لم يقدم أم ولد فقط) ش: يعني أن الاستبراء يجب أيضا بالعتق. وظاهر قوله: وبالعتق أنه يجب الاستبراء سواء استبرأها قبل العتق أم لم يستبرئ، ولما كان كذك بين حكم ما إذا حصل قبل العتق استبراء بقوله: استأنفت فعلم أن مراده بقوله: وبالعتق الذي ليس قبله استبراء. وفاعل قوله: استأنفت هو أم الولد. وقوله: استأنفت إن استبرئت يريد أو انقضت عدتها. قاله ابن الحاجب. وقوله: فقط احتراز من الامة القن فإنها لا تستأنف بل تكتفي بالاستبراء الحاصل قبل العتق أو انقضاء عدتها. تنبيه: ومحل وجوب الاستبراء بالعتق ما إذا لم تكن الامة أو أم الولد متزوجة أو معتدة، وأما لو كانت واحدة منهما كذلك فلا يجب الاستبراء. قاله ابن الحاجب. وقوله: أو غاب إلى آخره يعني أن أم الولد إذا غاب عنها سيدها غيبة علم أنه لم يقدم منها. قال في التوضيح: ولا يمكنه أن يأتي خفية فإن أم الولد تستأنف لموته أو عتقه حيضة ولو حاضت قبله حيضا بخلاف الامة والله أعلم. انظر ابن عبد السلام ص: (بحيضة وإن تأخرت إلى آخره) ش: يتعلق هذا المجرور بقوله أول الباب: يجب الاستبراء فهو راجع إلى جميع ما تقدم من مسألة استبراء الامة وأم الولد. أما الامة فواضح، وأما أم الولد فإن كانت تحيض فلا شك أن عدتها

________________________________________

[ 520 ]

من وفاة سيدها وعتقه حيضة، وإن كانت ممن لا تحيض لكبر أو لغير سبب فثلاثة أشهر، وأما إن كانت تحيض فتأخر حيضها أو تأخر للرضاع أو المرض أو كانت مستحاضة فظاهر كلام المؤلف أن حكمها كذلك ثلاثة أشهر، وبه صرح الشارح وذكره في النوادر. قال في ترجمة عدة المستحاضة في الوفاة وأم الولد واستحاضة الحامل: وإذا استحيضت أم الولد في وفاة السيد أو أمته قد أعتقت أو بيعت فثلاثة أشهر تبرئها، وكذلك في الريبة بتأخير الحيضة أو تأخر الرضاع أو لمرض إلا أن تحس حركة بطن فتتم إلى زوال ذلك، وإذا قال النساء لا حمل بها وقد تمت الثلاثة الاشهر فقد حلت انتهى. وذكر ابن عرفة هذا أيضا عن عبد الحق والقرويين ورواية أبي عمر بن عبد البر وذكر ابن الجلاب أن المستبرأة بتأخير الحيض، والمستحاضة إنما تكون عدتها من وفاة سيدها بتسعة أشهر، ولم يذكر الرضاع والمرض. فحصل ابن عرفة في المستبرأة طريقتين. الاولى: للجماعة المذكورين. والثانية: للجلاب فقط لكنه لم يذكر بماذا وقعت الريبة، هل بتأخير الحيض أو بالاستحاضة أو بتأخيره للرضاع أو المرض ونص كلامه: وأم الولد ذات الحيض كالامة، وفي كونها مستبرأة مثلها، ولزوم تسعة أشهر لموت ربها طريقا عبد الحق مع غير واحد من القرويين والشيخ عن رواية محمد ورواية أبي عمر والجلاب انتهى. وكذلك ابن الحاجب في كلامه إجمال ولم يفسره المصنف ولا ابن عبد السلام والله أعلم. فرع: إذا كانت تحيض في كل ستة أشهر فاختلف هل تستبرئ بحيضة أو تستبرئ بثلاثة أشهر ؟ وهو الذي اختاره ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى. تنبيه: قال المصنف: بحيضة ولم يقل بقرء لان المشهور أن الاستبراء حيضة لا طهر ومقابل المشهور أنه طهر. قال في التوضيح: ولم أره منصوصا ويريد أن هذا في المعتادة لمقابلته له بالمرتابة في قوله: وإن تأخرت إلى آخره والله أعلم ص: (ونظر النساء فإن ارتبن فتسعة) ش: يعني تسعة أشهر يؤخذ منها الثلاثة قبل أن ينظرنها النساء. ابن عبد السلام وابن فرحون: فإن زالت الريبة قبل وفا التسعة حلت، وإن استمرت بعد التسعة ولم تزد بحس ولا تحريك

________________________________________

[ 521 ]

حلت أيضا. انظر التوضيح وأبا الحسن ص: (وبالوضع كالعدة) ش: يعني بوضع حملها كله وإن دما اجتمع، ويعني به إن حصلت لها ريبة بالحمل لم تحل إلا بأقصى أمد الحمل كما تقدم والله أعلم. ص: (وحرم في زمنه الاستمتاع) ش: قال في المدونة في كتاب الاستبراء: ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء ولا يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة، وإن وطئ المبتاع الامة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل، حاضت بعد ذلك أو لم تحض انتهى. قال أبو الحسن: معنى قوله: لا ينبغي أي لا يجوز بدليل قوله: نكل. عياض: مذهبه على العموم كانت حاملا أو غير حامل. ثم قال: قوله: نكل ابن رشد: مع طرح شهادته. ثم قال: قوله: ولا بأس أن ينظر لغير لذة يفهم منه أن النظر لغير لذة يجوز وإن كان لغير ضرورة. وفي كتاب الظهار: أجاز أن ينظر المظاهر إلى وجه زوجته قال: وقد ينظر غيره إليه. وقال أبو محمد: ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها، فشدد أبو محمد وهذه مسألة قولين انتهى. وقال في المدونة: ومن اشترى جارية حاملا فلا يتواضعانها ثم قال: ولا يطؤها حتى تلد. قال أبو الحسن: وتطهر ولا يدخل النفاس في الاستبراء وله أن يتلذذ منها بما عدا الوطئ. انتهى والله أعلم ص: (ولا استبراء إن لم تطق الوطئ) ش: قال في التوضيح: ونص المتيطي على أن بنت ثمان سنين لا تطيق الوطئ وعمل بذلك وثيقة انتهى. ثم قال في شرح قوله: كالمطيقة للوطئ. قال في الجواهر: كبنت العشر والتسع فإنه يمكن وطؤها. انتهى.

________________________________________

[ 522 ]

هذا والله أعلم لم يختلف باختلاف الناس ص: (أو اشترى زوجته) ش:. فرع: قال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عمن كان يطأ أمه فاستحقت منه فاشتراها من مستحقها هل يستبرئها ؟ فأجاب: لا يطأها إلا بعد الاستبراء بخلاف لو أعتقها ثم تزوجها. انتهى من مسائل العدة والاستبراء ص: (فإن باع المشتراة وقد دخل الخ) ش: مفهوم قوله: وقد دخل أنه لو لم يدخل لكان الحكم خلاف ذلك وهو كذلك. قال في استبراء المدونة: ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها وبعد أن وطئها فليستبرئ المبتاع بحيضه. انتهى ص: (وهل إلا أن تمضي حيضة

________________________________________

[ 523 ]

استبراء) ش: يعني وهل نفي الاستبراء إذا حصل الملك في أول الحيض مقيد بأن لا يمضي مقدار حيضة استبراء يعني مقدار حيضة كافية في الاستبراء على التفصيل المتقدم في أقل الحيض في العدد. كذا فسر ابن فرحون قول ابن الحاجب بشرط أن لا يمضي مقدار حيضة استبراء، أو نفي الاستبراء مقيد بأن لا يمضي أكثر حيضتها يعني أقواها والله أعلم ص: (أو استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها وتؤولت على وجوبه وعليه الاقل) ش: يعني أن الاب إذا عزل جارية ابنه واستبرأها ثم وطئها بعد الاستبراء فإنه يملكها بل بمجرد تلذذه بها حرمت على الابن وملكها الاب وتلزمه قيمتها، حملت أم لا، كان موسرا أو معسرا إلا أنها تباع عليه إن كان معسرا ولم تحمل، وإن حملت لم تبع، وقد تقدم ذلك في النكاح. فإذا ملكها بوطئه إياها بعد أن كان استبرأها فإنه لا يحتاج فيها إلى استبراء آخر بعد الوطئ. هذا هو المشهور قاله في التوضيح وعليه حمل أكثر الشيوخ قول ابن القاسم في المدونة. وقال غير ابن القاسم في المدونة: إنه يجب عليه الاستبراء من وطئه ولو كان استبرأها قبل ذلك. وتأول ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب قول ابن القاسم في المدونة عليه وأنه موافق للغير، وسيأتي بيانه وإليه أشار بقوله: وتؤولت على وجوبه يعني الاستبراء، وعليه الاقل يعني أن أقل الشيوخ على تأويلها على وجوب الاستبراء وأكثرهم على أنه لا يجب، وأن قول الغير مخالف لقول ابن القاسم. قال في المدونة: ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الاب قد عزلها عنده واستبرأها. وقال غيره: لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الاب. قال ابن القاسم: وكل وطاء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ انتهى. فظاهر قول الغير أنه مخالف لقول ابن القاسم وعلى ذلك حملها اللخمي وابن رشد وابن الحاجب. قال في التوضيح: وطريق الاكثر وذلك أن الاكثر فهموا قول ابن القاسم إذا لم يكن الاب عزلها عنده واستبرأها أنه لو استبرأها قبل الوطئ لا يحتاج إلى استبراء بعده انتهى. واختاروا قول ابن القاسم ورجحوه وردوا قول الغير بأنه وطئ فاسد، فإن الاب إذا تلذذ بجارية ولده حرمت على الابن ولزمت الاب القيمة، فهي بمجرد مخالطتها ومباشرتها لزمته قيمتها وصارت ملكا له، فما حصل وطؤه إلا في مملوكة والفرض أنه قد كان استبرأها فكفاه ذلك كما يكفي المودع استبراء الامة قبل أن يستبرئها، بل من اشترى أمة من فضولي وحاضت عند المشتري ثم أجاز ربها البيع قال في المدونة: هي المودعة يعني لا تحتاج إلى استبراء آخر بعد الاجازة، بل الغاصب إذا حاضت عنده الامة ثم ضمنها بوجه من وجوه الضمان أو اشتراها فله وطؤها من غير استبراء كما صرح به

________________________________________

[ 524 ]

اللخمي وغيره. وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الاكثر وحملوا قول ابن القاسم على موافقته للغير، وحملوا قول الغير فليستبرئها إذا لم يكن الاب قد عزلها عنده واستبرأها على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسد. واختار هذا التأويل ابن مرزوق شيخ ابن رشد، وخالفه تلميذه ابن رشد وصحح مذهب الاكثر كما تقدم. وقال القاضي عياض: والذي عندي أن ما ذهب إليه ابن الكتاب أصوب وأنه مراد ابن القاسم بدليل قوله آخر المسألة لانه وطئ فاسد وكل وطئ فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ فهو " إنما علل بفساد الوطئ كما علل به غيره، ولو كان ما ذهب إليه القابسي لعلل بأنه لا يدري براءة رحمها ولم يعلل بفساد الوطئ الذي يقول ابن القابسي إنه غير فاسد بإلزامه القيمة بالمباشرة فتأمله فهو بين. انتهى من التنبيهات. وما قاله فيه نظر. أما أولا فليس في كلام ابن القاسم أنه وطئ فاسد وإنما فيه وكل وطئ فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ كما تقدم، وكذلك اختصرها المختصرون. وعلى تقدير وجوده فليس في كلامه إلا دعوى أن هذا الوطئ فاسد من غير دليل. وحمل كلام ابن القاسم على ذلك من غير دليل، فإن الوطئ إذا وقع في غير بريئة الرحم فهو فاسد، وأما وطئ الاب بعد الاستبراء فالقول بفساده لا وجه له. ألا ترى أنه لو تلذذ بها ولم يطأها أليس له أنه يلزمه قيمتها وتصير ملكا له على المعروف ؟ فتأمله والله أعلم. وقال المصنف في التوضيح: وقول الغير ظاهر انتهى. فكأنه اختار قول الغير وقد تبين أن قول ابن القاسم هو الراجح الظاهر المشهور والله أعلم. وقال في التوضيح: وأشار التونسي إلى أن قول الغير مبني على قول ابن عبد الحكم أن الاب لا يضمن القيمة بوطئها بل يكون للابن التماسك بها في عسر الاب ويسره انتهى. ويريد إذا لم تحمل. وعزاه غير المصنف لسحنون وعبد الملك وهو ظاهر إلا أن ابن عرفة رده بأن في لفظ الغير لا ينبغي صب مائه على الماء الذي لزمته له القيمة، فإن كان هذا في لفظه فلا يتجه حمله على قول سحنون وابن عبد الحكم والله أعلم. تنبيهان: الاول: أما لوطئها قبل أن يستبرئها فقومت عليه لم يكن له وطؤها بعد التقويم إلا بعد استبراء لانه يمكن أن يكون رحمها مشغولا من غيره كما تقدم في لفظ المدونة. الثاني: وقع في عبارة الشارح في شروحه الثلاثة ما نصه: وفهم ابن اللباد وابن الشقاق قوله: فليستبرئها إن لم يكن عزلها عنده واستبرأها على أن المراد قبل وطئه وإن كان فعل ذلك بعد وطئه فلا يحتاج إلى استبراء لان الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية انتهى. وهذا إما أن يكون تبدلت لفظة بعد بقبل أو يكون سقط منه شئ، والمراد قبل وطئه إياها بعد التقويم أو قبل وطئه إياها ثانيا ونحو ذلك. وقوله: إلا أن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية تعليل لقوله: إن لم يكن فعل ذلك يعني أنه يستبرئها إن لم يكن حصل منه استبراء بأن يكون عزلها

________________________________________

[ 525 ]

وتركها وطأها فحاضت فإن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية والله أعلم. ثم قال في الاوسط والصغير: وكلام الغير يشعر بأن الاستبراء واجب على الاب لفساد وطئه وهو رأي الاقلين وإليه أشار بقوله: وتؤولت على الوجوب انتهى. وما قاله ليس بظاهر، فإن كلامه صريح في إيجاب الاستبراء على الاب. وقوله: رأي الاقلين يعني وجوب الاستبراء لكن هو رأيهم لحملهم كلام ابن القاسم على موافقة الغير. وقال في الكبير: وكلام الغير يشعر بالمخالفة لابن القاسم لقوله: لفساد الوطئ وعليه فيجب الاستبراء على الاب وهو رأي الاقلين وإليه أشار بقوله إلى آخره انتهى. وهو قريب من كلامه الاول والله أعلم. وقال البساطي: وقال ابن اللباد وابن الشقاق: قوله: إذا لم يكن الاب عزلها أي ولم يطأها. وأما إذا وطئها فلا بد منه ويعضده قول غيره: لفساد وطئه لانه إذا لم يكن وطئ يقال لفساد وطئه وها هنا كلمات لم أقدر على سماعها انتهى. وما ذكره عن ابن اللباد وابن الشقاق لم يقولاه وقد عرفت كلامهما، وما وقع لبعض أهل المذهب من الكلام وهل هو حسن أم لا والله أعلم. ص: (ويستحسن إذا غاب عليها مشتر لخيار له وتؤولت على الوجوب أيضا) ش: هذا نحو قوله في المدونة في كتاب الاستبراء: ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثا فتواضعاها أو كانت وخشا فقبضها فاختار الرد من له الخيار فلا استبراء على البائع، لان البيع لم يتم فيها. وإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب عليها المشتري وكان الخيار له خاصة فذلك حسن، إذ لو وطئ المبتاع لكان بذلك مختارا وإن كان منهيا عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب. قال الشيخ أبو الحسن في قوله: فلا استبراء على البائع. هو أعم من أن يكون له الخيار أو للمبتاع. وقوله: فتواضعاها سواء كانت المواضعة على يد المشتري أو البائع أو أمين فلا استبراء عليه لانها كالمودعة انتهى. وقال اللخمي: وإذا بيعت جارية على خيار البائع أو المشتري ثم ردها في أيام الخيار جرت على ما تقدم في المودعة فقال في المدونة: ليس على البائع استبراء وإن استبرأها إذا كان الخيار للمشتري. وقال أبو الفرج: القياس أن عليه الاستبراء. قال الشيخ: وهذا بين إلا أن يثبت أمانة المشتري فيحسن الاستبراء ولا يجب اه‍. فظاهر المدونة وما نقله اللخمي عنها أن استحسان الاستبراء إنما هو إذا كان الخيار للمشتري فقط، وظاهر ما نقله عن أبي الفرج وجوب الاستبراء مطلقا، سواء كان الخيار له أو لاجنبي، وكذلك أيضا ظاهر استحسانه هو الاطلاق، وعلى هذا الاطلاق حمل الشارح كلام المصنف. قال الشارح في الكبير: يعني ويستحسن الاستبراء إذا غاب على الامة مشتر بخيار يريد كان الخيار للمشتري أو

________________________________________

[ 526 ]

للبائع أو لاجنبي، فإذا ردت إلى سيدها استحسن له أن لا يطأها حتى يستبرئها. اه‍ ونحوه للبساطي والاقفهسي وزاد أولهما والله أعلم: ويمكن أن يفهم هذا الاطلاق من قول الشيخ في التوضيح. خليل: والاقرب حمل المدونة على الوجوب لا سيما إذا كان الخيار للمشتري اه‍. وفي اختصار ابن أبي زمنين: قال ابن القاسم: ومن باع جارية على أن الخيار له أو للمشتري وكانت رفيعة فتواضعاها أو كانت من الوخش فقبضها المشتري ثم ردها الذي كان الخيار له، فليس على البائع أن يستبرئها لان البيع لم يتم فيها، وإذا أحب أن يستبرئها إذا كانت من الوخش، وكان المشتري قد قبضها لنفسه وغاب عليها فهو حسن. اه‍ من المغربي. واختصر ابن أبي زيد المدونة مثل اختصار البراذعي المتقدم والله أعلم. وقال أبو الحسن في قوله في المدونة المتقدم: وقوله: وإن كان منهيا لانه وإن كان مختارا بوطئها ذلك فأول وطئه يكون فيه غير أمته. وقوله: كما استحب استبراء التي غاب عليها استحب للوجوب، والجامع بين مسألة الغاصب ومسألة الخيار أن الغاصب والمشتري بالخيار كل واحد منهي عن الوطئ. اه‍ والله أعلم ص: (وتتواضع العلية) ش: قال ابن عرفة: المواضعة جعل الامة مدة استبرائها في حوز مقبول خبره على حيضتها اه‍. قلت: كلامه يقتضي أن المواضعة إنما هي فيمن تحيض. وقال ابن رشد في أول كتاب الاستبراء من البيان: ولا يرخص في تركها للمسافر. والمجتاز وهي أن توضع الجارية عند امرأة أو رجل له أهل حتى تعرف براءة رحمها من الحمل بحيضة إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت يائسة من المحيض لكبر أو صغر ممن توطأ، بكرا كانت أو ثيبا، أمن منها الحمل أو لم يؤمن. وقد قيل: إذا أمن منها الحمل فلا مواضعة فيها اه‍. ثم قال: والضمان في ذلك على البائع والنفقة عليه، ولا يجوز أن يتلذذ بشئ منها. وإن كان الضمان منه والنفقة عليه من أجل أنه قد أوجبها لغيره، ولا يجوز ذلك للمشتري أيضا من أجل أن الضمان على غيره، وإن اشتراها في أول دمها أو عظمه كان ذلك براءة رحمها ولم يكن فيها مواضعة اه‍. وقال بعد هذا في سماع أشهب: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا استبراء، وإنما اختلف في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها، فمذهب مالك وعامة أصحابه وجوب الاستبراء فيها. والمواضعة إن كانت من ذوات الاثمان بثلاثة أشهر لان الحمل لا يستبين بأقل منها. وقيل: شهران. وقيل: شهر ونصف. وقيل: شهر. وذهب مطرف وابن

________________________________________

[ 527 ]

الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة، وذلك عن جماعة من السلف منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسليمان والقاسم بن محمد وابن شهاب وأبو الزناد وأبو الربيع وابن هرمز وغيرهم. وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل لها والله أعلم. ص: (والشأن النساء) ش: هو المستحب، ويجوز أن توضع على يد رجل إذا كان مأمونا وله أهل، ولا يجوز أن تكون على يد رجل غير مأمون كان له أهل أم لا. واختلف إذا كان مأمونا لا أهل له، فأجاز ذلك في كتاب محمد على كراهته، ومنعه أصبغ وهو أصوب. اه‍ من اللخمي. وانظر إذا وضعاها عند غير مأمون أو مأمون لا أهل له على قول أصبغ وحاضت هل تكفي أو لا ؟ والظاهر أنها تكفي، وكذا إذا وضعاها على يد أحدهما وهو غير مأمون فإنه لا يجوز. وانظر هل يكفي أو لا والله أعلم. ص: (وإذا رضيا بغيرهما فليس لاحدهما الانتقال) ش: هذا إذا لم تكن في يد أحدهما أما في يد أحدهما فله ذلك والله أعلم. ص: (وهل يكتفي بواحدة قال يخرج على الترجمان) ش: قال اللخمي: المواضعة تجوز على يد أهل الامانة من النساء والمرأة الواحدة تجزئ في الائتمان عليها، ويختلف هل يفيد قولها إنها حاضت ؟ فالمشهور من المذهب أن ذلك يجزئ اه‍. والله أعلم ص: (ولا مواضعة في متزوجة) ش: دخل بها زوجها أو لم يدخل. قاله اللخمي ص: (ومعتدة) ش: سواء كانت العدة من طلاق أو وفاة. قاله اللخمي ص: (وزانية) ش: يريد المستبرأة من زنا أو غصب. قاله اللخمي واستحسن القول بالمواضعة والله أعلم ص: (كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم

________________________________________

[ 528 ]

يغب المشتري) ش: انظر استبراء المدونة فإن فيه ما يخالف مفهوم كلام المصنف والله أعلم. ص: (وفسد إن نقد بشرط لا تطوعا) ش: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: من ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد فيها في عقدة البيع، وضعت على يد المبتاع أو على يد أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، وإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع فنقد الثمن في المواضعة جاز ذلك. قال أبو الحسن: معنى قوله: ممن تستبرأ ممن تتواضع احترازا ممن لا مواضعة فيها كالحامل والوخش التي لا توطأ اه‍. تنبيه: هذا حيث تباع على المواضعة، فإما إذا بيعت على عدم المواضعة فالبيع صحيح ويبطل الشرط وينزع الثمن من البائع. قال في المدونة قبل هذا الكلام: وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأه إن قبضها على الامانة وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش أو لم يشترط استبراء في المواضعة أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من الحمل لم يفسد وألزمتهما حكم المواضعة اه‍. قال أبو الحسن: إذا اشترط إسقاط المواضعة أو وقع الامر مبهما ولم يشترط إسقاطها ولا وجوبها عمدا أو جهلا ولم يتبرأ البائع من الحمل، فالبيع صحيح على مذهب الكتاب، ويلزمها حكم المواضعة. ومن كتاب محمد أن البيع فاسد إذا اشتراطا ترك المواضعة. الشيخ: فعلى هذا إذا أبهما كان البيع صحيحا فيتفقان في هذا. وقال ابن يونس: قال أصبغ: وما بيع على المواضعة أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن اشتراط النقد فيه يفسد البيع إلا أن يتطوع به بعد العقد فيجوز، فأما ما بيع على ألبت ممن لا يعرف المواضعة مثل بيع أهل مصر ومن لا يعرفها من البلدان يبتاعون على النقد ولا يشترطون نقدا

________________________________________

[ 529 ]

ولا مواضعة فهو بيع لازم ولا يفسخ ولا يقضي عليهما بالمواضعة. قال مالك في العتبية: ولو انصرف بها المبتاع وغاب عليها رد إلى المواضعة ولا حجة للمبتاع بغيبة عليها وهو قد ائتمنه عليها انتهى. وقال ابن عرفة: ابن رشد المذهب وجوبها ولو في بيع سلطان أو مسافر. ثم قال في صحة شرطه إسقاطها في العقد وبطلانه. ثالثها يبطلان مطلقا، ورابعها إن شرط نقد الثمن، وخامسها إن تمسك بشرط لابن رشد عن ابن عبد الحكم ولها وللابهري مع الموازية وابن حبيب واللخمي وعلى الاول. قال الباجي عن ابن حبيب: يخرج من يد المشتري للمواضعة انتهى. ثم قال: وشرط نقد المواضعة في عقد بيعها يفسده وطوعه به بعده جائز في بيعها بتاف وبخيار مذكور في كتابه. وروي عن محمد بيع من لا يعرف المواضعة كمصر يبيعون على النقد لا يشترطون نقدا ولا مواضعة صحيح ويقضي بها وينزع الثمن من البائع إن طلبه المبتاع. قلت: وإن لم يطلبه لقول محمد لا يوقف بيد البائع ولو طبع عليه انتهى. ونقله عبد الحق في التهذيب بحروفه. وقال أبو إسحاق التونسي: وإذا بيع بشرط البراءة من الحمل فالبيع فاسد في المرتفعات. وقيل: الشرط باطل والبيع جائز. ذكره في كتاب محمد وكتاب ابن حبيب. وإن باع المرتفعات بشرط ترك المواضعة وأن يضمن المشتري بالعقد كما يضمن الوخش الرقيق وإن وجد حملا أو عيبا قام به، فالشرط باطل والبيع جائز ويتواضعانها. هذا في كتاب المدونة. وفي كتاب محمد قول: إن البيع فاسد انتهى. وقال في المقدمات: الحكم بالمواضعة واجب في كل بلد، كانت جارية فيه أم لم تكن، لم يختلف قول مالك في ذلك ويجب عنده على كل أحد حاضرا كان أو مسافرا. وقد سئل مالك عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون، فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا، وسواء باع الامة ربها أو وكيل له أو باعها عليه السلطان في الدين، وسواء باع بنقد أو إلى أجل، كان ممن يطأ أو ممن لا يطأ إلد أنه إن باع بنقد لم يجز النقد في المواضعة بشرط. ثم قال: فإن شرط البراءة من الحمل في الرفيعة فالبيع فاسد والمصيبة فيها من المشتري إن ثبتت بعد قبضه كالبيع الفاسد، وذلك بعد خروجها من عهدة الثلاث. هذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه. وقيل: الشرط باطل والبيع جائز وقع هذا القول في كتاب محمد. وقال ابن عبد الحكم: الشرط جائز والبيع جائز، وأما إن باعها بشرط ترك الماضعة فالبيع جائز والشرط باطل، ويحكم بينهما بالمواضعة وتخرج من يد المشتري إلى المواضعة. ثم قال: وقد قال أبو بكر الابهري: البيع على شرط ترك المواضعة فاسد. ومثله في كتاب ابن المواز في قول. وهو على مذهب ابن عبد الحكم بيع جائز وشرط لازم، وأما إن دفعها إلى البائع جهلا بسنة المواضعة ولم يشترط إسقاطها فالبيع جائز باتفاق وتخرج إلى المواضعة، وأما إن باعها وتبرأ من حملها وهو

________________________________________

[ 530 ]

مقر بوطئها فجعله في المدونة بيعا فاسدا. وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس بفاسد وتخرج إلى المواضعة. فرع: فإذا قبضها المبتاع ثم جاء بها وقال: لم تحض قبل قوله قال في النوادر ومن كتاب ابن سحنون وسأل ابن حبيب سحنونا عن الجارية تباع فيقبضها المشتري من غير مواضعة ثم يأتي المشتري فيقول: رفعتها حيضتها وذلك بعد عقد الشراء بشهر قال: قد أخطأ في ترك المواضعة. قال: والشهر قليل، ولو جاء بعد المواضعة لشهر ونصف وشهرين أحسن فينظرها القوابل، فإن قلن مشغولة الرحم وإن لم يكن بها حمل بين ردها وإن كان قد غاب عليها انتهى ص: (ومصيبته ممن قضي له به) ش: به هو بضمير مذكر عائد على الثمن المفهوم من قوله: إن نقد. وهذا مذهب المدونة ونصه: فإن هلك الثمن قبل محيضها ارتقبت، فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال ابن المواز: قال مالك: وإن ظهر بها حمل من غير البائع أو حدث بها عيب قبل الحيضة وقد ملك الثمن قبل ذلك فالمبتاع مخير في قبولها بالعيب أو بالحمل بالثمن التالف، فيصير من البائع واستثناء ردها وكان الثمن منه انتهى. قال في المدونة: ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به فذلك له، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه انتهى ص: (وفي الجبر على إيقاف الثمن قولان) ش: لو قدم هذا لكان أحسن لان الاول مفرع عليه. كذا جعله ابن عرفة وغيره. وقال في الشامل: وجبر مبتاع على وقف الثمن عند عدل على المشهور، فإن تلف فهو ممن يصير له. وقيل: من المشتري. وعليه فإن خرجت سليمة لزمه ثمن آخر. وقيل: يفسخ. انتهى والله أعلم.

________________________________________

[ 531 ]

فصل في بيان أحكام تداخل العدد والاستبراء ص: (إن طرأ موجب قبل تمام عدة أو استبراء انهدم الاول وائتنفت) ش: تصوره ظاهر. قال في المدونة: وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن والطلاق في صحته لم تنتقل

________________________________________

[ 532 ]

إلى عدة الوفاة وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة، وإن مات بعد العدة والطلاق بائن أو غير بائن فلا عدة عليها لوفاته، وإن مات وهي في عدتها من طلاق غير بائن في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته. وقال ابن عباس وغيره: عليها أقصى الاجلين انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره واضح لان أحكام الزوجية جارية عليها والقريب قوله في الكتاب. وقال ابن عباس وغيره هو سليمان بن يسار: قال أبوعمران: قد يكون وفاقا أي إنها وإن رأت الدم ثلاث مرات قبل الاربعة الاشهر وعشر فلا بد لها من الاربعة الاشهر وعشر آخر الاجلين، وأخذ ابن بشير من كلام المدونة إباحة وطئها في العدة. ورده بعض شيوخنا بأنه لا يلزم من كون أحكام الزوجية بينهما باقية إباحته بدليل الحائض والمحرمة انتهى. ص: (وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة) ش: مما يصلح مثالا لقوله: لا الوفاة ما تقدم عن المدونة في طلاق السنة أن امرأة الصبي إذا حملت ثم مات الصبي فلا يبرئها

________________________________________

[ 533 ]

الوضع من عدته ومثله المجبوب. ومثل ذلك ما إذا وطئت المتزوجة باشتباه بعد حيضة من وطئ زوجها وحملت وألحقناه بالثاني على ما قاله ابن الحاجب، ثم مات زوجها، فهذه أمثلة لذلك. وظاهر كلام ابن عرفة والتوضيح أن أمثلة ذلك عزيزة، ولعل المصنف وابن عرفة إنما عز عليهما المثال لانهما فرضا المسألة في نكاحين أحدهما صحيح والآخر فاسد فتأمله والله أعلم.

________________________________________

[ 534 ]

تنبيه: قوله: وبفاسد أي بوطئ فاسد لكن له شبهة، أما لو كان الحمل لزنا فإنه لا يبرئها من عدة الطلاق أيضا. قال ابن رشد في سماع أبي زيد من طلاق السنة: ولا خلاف في ذلك فلا بد لها من ثلاث حيض بعد الوضع ونحوه في التوضيح لكنه حكى عن ابن إسحاق أنه بحث في ذلك والله أعلم.

________________________________________

[ 535 ]

باب في أحكام الرضاع يقال: رضاع ورضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما. نقله في التوضيح عن الصحاح ص: (باب حصول لبن امرأة وإن ميتة أو صغيرة بوجور أو سعوط أو حقنة يكون غذاء) ش: وحده ابن عرفة بما نصه: الرضاع عرفا وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء وآخر لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع انتهى. وقوله: لبن امرأة قال عياض: ذكر أهل اللغة أنه لا يقال في بنات آدم لبن وإنما يقال فيه لبان، واللبن لسائر الحيوان غيرهن، وجاء في الحديث كثيرا خلاف قولهم، انتهى من التوضيح. وقوله: وإن ميتة قال في المدونة: وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فوجر به صبي أو دب فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبنا فالحرمة تقع بذلك انتهى. قال ابن ناجي: يريد في الكتاب وكذلك يحرم إذا شك هل هو لبن أم لا ؟ لانه أحوط. وقول ابن راشد إنما يحرم إذا كان هناك لبن محقق وإلا فلا خلاف انتهى. وقال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: إن علم هذا شرط في العلم بوجوده في الثدي بعد الموت وبوصوله إلى جوف الرضيع لانه ربما

________________________________________

[ 536 ]

يمص من ثدي الميتة ولا يكون فيه شئ من اللبن فيظن أنه خرج انتهى. وقوله: وصغيرة قال في المدونة: وإذا درت بكر لا زوج لها ويائسة من المحيض فأرضعت صبيا فهي أم له انتهى. قال ابن ناجي: ظاهره في البكر وإن كان لا يوطأ مثلها وهو كذلك على ظاهر المذهب ثم قال: وما ذكره من اعتبار لبن اليائسة ظاهره وإن كانت لا توطأ وهو كذلك على المعروف انتهى. وقال ابن فرحون في الشرح: قال في الجلاب: وإذا حدث للصبية الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لبن فرضعها صبي لم تقع به حرمة والصحيح أنه يحرم. قاله ابن راشد انتهى. وأبقى المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب وفي لبن من نقصت عن سن المحيض قولان على إطلاقه إذ ظاهره سواء كان يوطأ مثلها أم لا. وتعقب ابن هارون ابن الحاجب بأنه إنما ذكر الاشياخ الخلاف فيمن لم تبلغ حد الوطئ. وقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: وفي لبن من نقصت إلى آخره وقبوله ابن عبد السلام لا أعرفه. وقول ابن هارون: إنما ذكر الاشياء إلى آخره صواب انتهى. وقال في التوضيح: إن ابن الحاجب تبع في نقل القولين ابن بشير وابن شاس. وقال ابن ناجي: إنه وهم في ذلك وهو كذلك إذ نص ابن بشير إذا وقع الرضاع من ا لمرأة وهي في سن من توطأ حصلت به الحرمة بلا خلاف، فإن كانت من الصغر في سن من لا توطأ فهل تقع الحرمة بينهما ؟ قولان، والمشهور وقوعها لعموم الآية والاحاديث، والشاذ أنها لا تقع قياسا على الولادة انتهى. وقال ابن شاس: ويحرم لبن البكر واليائسة من المحيض وغير الموطوءة والصبية. وقيل: ما لم ينقص سن الصبية عن سن من توطأ. انتهى فتأمل كلامهما. وإذا علم أن المشهور وقوع الحرمة بلبن الصغيرة ولو كانت في سن من لا توطأ فإبقاء المدونة على ظاهرها من الخلاف لكلام الجلاب أولى مما حمله عليه الشيخ خليل في التوضيح من الوفا ونصه خليل: ولا يبعد أن يحمل ما في المدونة على ما إذا كانت في سن من يوطأ ولا يكون ما في الجلاب خلافا للمدونة والله أعلم. ثم قال ابن عرفة: وقول أبي عبد السلام قال ابن رشد: لبن الكبيرة التي لا توطأ من كبر لغو لا أعرفه بل ما في مقدماته تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وإن كان من غير وطئ إن كان لبنا لا ماء أصفر. ومفهوم قول ابن عمر في الكافي لبن العجوز التي

________________________________________

[ 537 ]

لم تلد إذا كان مثلها يوطأ يحرم. ونقل ما نقله عن ابن رشد. انتهى والله أعلم ص: (إن حصل في الحولين) ش: نحوه في المدونة قال فيها: ولا يحرم رضاع إلا ما قارب الحولين كالشهر ولم يفصل كالشهر والشهرين. وقال ابن ناجي: فظاهر الكتاب أن رضاع البكر لا أثر له ولو في الحجابة وهو كذلك. وقال ابن المواز: لو أخذ به أحد في الحجابة لم أعبه كل العيب. قال عبد الحميد: وقد استحسن بعض شيوخنا الاخذ به في ذلك وفعل به متقدمو شيوخنا في أهليهم.

________________________________________

[ 538 ]

قلت: وبه أفتى شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي فيما بلغني انتهى. ص: (وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن) ش: فيحرم على الولد أمهات المرضعة بالنسب والرضاع وأولادها نسبا ورضاعا. قاله في الجواهر ونقله القرافي وغيره ص: (من وطئه) ش: يريد إن أنزل. قال في الشامل: واعتبر صاحبه من حد الوطئ إن أنزل ثم قال: لا من العقد اتفاقا ولو قبل أو باشر أو وطئ ولم ينزل انتهى. ونحوه في التوضيح ص: (إلا أن لا يلحق به الولد) ش: هذا القول

________________________________________

[ 539 ]

ذكره ابن حبيب عن مالك قال: ثم رجع إلى أنه يحرم وهو الاصح. وقاله أئمة من العلماء. وبالتحريم قال سحنون وغيره وهو ظاهر المذهب. قاله في التوضيح ص: (وأدبت المتعمدة

________________________________________

[ 540 ]

للافساد) ش: ولا غرامة عليها على المشهور. قاله في الشامل وابن الحاجب. قال في الشامل:

________________________________________

[ 541 ]

ويفسخ بلا طلاق في الجميع ص: (وندب التنزه مطلقا) ش: قال ابن الحاجب: ولو بأجنبية لم يفش من قولها. باب في النفقة ص: (يجب لممكنة مطيقة الوطئ على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام) ش:

________________________________________

[ 542 ]

يعني أن المرأة إذا مكنت من نفسها فإنه يجب لها النفقة. وظاهر كلامه أن مجرد تمكينها من نفسها يوجب النفقة على الزوج وذلك يصدق بما إذا لم تمتنع من الدخول ولم تطلب به الزوج وهو قول عبد الملك. وظاهر المدونة أن النفقة إنما تجب على الزوج إذا دعا إلى الدخول وهو المشهور من المذهب. قال في كتاب النكاح الثاني من المدونة: ولا يلزم من لم يدخل نفقة حتى يبتغى ذلك منه ويدعى للبناء فحينئذ تلزمه النفقة والصداق انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله: يبتغى منه أي يدعى إلى البناء، وظاهره أن النفقة لا تلزم حتى يدعى إليها. وقال ابن عبد الحكم: لها النفقة بالتمكين وإن لم تدعه إلى البناء. الشيخ: وهو ظاهر ما في كتاب الزكاة الثاني في قوله: وإن لم يكن ممنوعا وكانت هذه الخادم لا بد للمرأة منها فكذلك يعني زكاة الفطر عليه عنهما، لكن قال ابن محرز: معنى مسألة الزكاة ودعواه إلى البناء انتهى. وفي الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها. وقال ابن الحاجب: تجب بالدخول أو بأن يبتغى منه الدخول والله أعلم. وقيل: تجب بالعقد إن كانت يتيمة. تنبيهات: الاول: قال اللخمي في باب الحكم في قبض الصداق من كتاب النكاح الثاني: معنى مسألة المدونة إذا مضى بعد العقد القدر الذي العادة أن يتربص إليه بالدخول وما يتشور فيه انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير. وقال في النوادر: إذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها، فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: انظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الايام بقدر ما يرى وهو قول مالك انتهى. الثاني: إذا ادعى الزوج إلى الدخول فامتنع، فهل تلزمه النفقة بنفس الامتناع وهو قول مالك، أو بعد وقف السلطان له وفرضه للنفقة وهو قول أشهب ؟ قال اللخمي: والاول أحسن إن علم أنه امتنع لددا وأنه لا عذر له، وإن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان انتهى. ونقل القولين ابن راشد في اللباب ولم يذكر اختيار اللخمي، وعزا القاضي عياض قول أشهب لابن شهاب. فعلى قول مالك تلزمه النفقة بنفس الدعاء إذا شهدت بذلك بينة. قال الجزولي في شرح الرسالة: ظاهر الرسالة أنه إذا دعا إلى الدخول وأشهد عليه تلزمه النفقة وإن لم ترفعه إلى السلطان. وقال أشهب: حتى ترفع إلى السلطان ويحكم انتهى. ونحوه للشيخ يوسف بن عمر وهو ظاهر وبه أفتى الوالد في هذه المسألة فقال: إذا ثبت أن الزوج دعا وجبت النفقة والظاهر أيضا أن الكسوة كذلك تلزمه إذا طال الامر ولم يدخل والله أعلم. الثالث: قال ابن عرفة: عياض: ظاهر مسائلها يدل على أن لابي البكر دعاء الزوج للبناء الموجب للنفقة وإن لم تطلبه بنته وهو المذهب عند بعض شيوخنا، وقاله أبو مطرف. الشعبي: بجبره إياها على العقد وبيع ما لها وتسليمه. وقال المأموني: ليس له ذلك إلا بدعائها أو توكيلها إياه ومثله لابن عات.

________________________________________

[ 543 ]

قلت: ظاهره كانت نفقتها على أبيها أو على مالها والاظهر الاول في الاول والثاني في الثاني انتهى. قلت: في استظهاره الثاني في الثاني نظر، لانه وإن كانت نفقتها في مالها فلابيها النظر فيه، وليس من السداد أن تنفق منه ولها طريق إلى النفقة من غيره، وأيضا فإنه يريد دخولها لصيانتها فتأمله والله أعلم. قلت: والظاهر أن السيد في أمته كالاب وكذلك الوصي إذا كان له الاجبار، وأما غيرهم فليس له ذلك إلا بدعاء الزوجة إلى ذلك والله أعلم. الرابع: إذا سافر الزوج قبل الدخول فطلبت زوجته النفقة فلها ذلك على ما رجحه ابن رشد ونصه: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم: وسئل عن الرجل يسافر عن امرأته ولم يدخل فيقيم الاشهر فتطلب النفقة ؟ قال: أرى له أن ينفق عليها من ماله ويلزم ذلك. ابن رشد: قد قيل: لا نفقة لها إذا كان قريبا لانها لا نفقة لها حتى تدعوه وهي لم تدع قبل مغيبه فيكتب له إما أن يبني أو ينفق. وقيل: لها النفقة من حين تدعو إلى البناء وإن كان غائبا على قرب فليس عليها انتظاره وهذا أقيس وهو ظاهر الرواية إذ لم يفرق فيها بين قرب ولا بعد. انتهى ونحوه في المقدمات. وقال في رسم أسلم من سماع عيسى لما تكلم على زوجة المفقود وأنه يضرب لها أجل أربع سنين ما نصه: واختلف هل لها نفقة في هذه الاربع سنين ؟ فقال المغيرة: إنها لا نفقة لها إلا أن يكون فرض لها قبل ذلك نفقة فيكون سبيلها في النفقة سبيل المدخول بها، والصواب أن لها النفقة لانه كالغائب، ولم يختلفوا أن من غاب عن امرأته قبل الدخول غيبة بعيدة أنه يحكم لها بالنفقة في ماله، وإنما اختلفوا في الغيبة القريبة على ما

________________________________________

[ 544 ]

مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم انتهى. وتقدم في المفقود عن المتيطي أنه قال: وأما غير المدخول بهن من أزواجه، فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك اختلافا مع معرفته باختلاف أصحاب مالك، أن لها النفقة وإن لم يدخل فيها المفقود انتهى. وقال اللخمي بعد ذكره كلام العتبية: هذا يحسن أن يسافر بغير علمها ومضى أمد الدخول وبعلمها لم يعد في الوقت المعتاد، فإن علمت بسفره لذلك المكان وقامت قبل وقت رجوعه لم يكن لها نفقة انتهى. ونقله ابن عرفة وقال: هو مقتضى قولها إن سافر الشفيع بحدثان الشراء فأقام سنين ثم قدم إن كان سفرا يعلم أنه لا يؤب منه إلا لامر يقطع شفعته فلا شفعة وإلا فلا انتهى. الخامس: لا يلزم النفقة بدعاء الزوج إلى البناء اتفاقا. قاله ابن عرفة عن ابن حارث والله أعلم. ص: (والبلد) ش: فينفق عليها من الصنف الذي جرت عادة مثله ومثلها من أهل ذلك البلد بالانفاق منه. قال ابن عرفة: فصنف مأكولها جل قوتها ببلدهما يفرض لها من الطعام ما يرى أنه الشبع مما يقتات به أهل بلدهما من البلاد ما لا ينفق أهله شعيرا بحال غنيهم ولا فقيرهم ومنها من ذلك عندهم يستخف ويستجاز انتهى. ص: (فيفرض الماء والزيت والحطب) ش: تصوره ظاهر. وكذلك أجرة الطحن والخبز كما صرح بذلك في النوادر من كتاب النكاح. وقال ابن عرفة: ابن رشد: ورواية المبسوط ليس عليه طحن المد خلاف سماع

________________________________________

[ 545 ]

عيسى ابن القاسم يفرض لها من النفقة ما فيه ماؤها وطحنها ونضج خبزها. ابن عرفة: لعل المنفي ولاية طحنه والمثبت أجرة. المتيطي: وافق ابن حبيب من بعده من أهل العلم بقرطبة على ما ذكر من قفيز القمح وشرطوه مطحونا انتهى. وذكر في مختصر الوقار: أن لها أجرة الطحن والله أعلم. ص: (وأجرة قابلة) ش: تصوره واضح. فرع: قال في سماع أشهب من طلاق السنة: وسئل عن الرجل يطلق امرأته ألبتة وهي حامل، أترى عليه أجرة القابلة ؟ فقال: ما سمعت ذلك ولا أعلمه عليه وما سمعت أحدا سأل عن هذا. ابن رشد: قوله: ولا أعلمه عليه يقتضي أنه على المرأة، وأصبغ يراه على الاب. وقال ابن القاسم: إن كان أمرا يستغني عنه النساء فهو على المرأة، وإن كان لا يستغني عنه النساء فهو على الاب، وإن كانا ينتفعان به جميعا فهو عليهما جميعا على قدر منفعة كل واحد في ذلك، وقع ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الجعل والاجارة فهي ثلاثة أقوال انتهى. وفي مختصر الوقار: وعلى الرجل أن يقوم بجميع مصلحة زوجته عند ولادتها، فأجرة القابلة كانت تحته أو مطلقة إلا أن تكون أمة مطلقة فيسقط ذلك عنه لان ولدها رقيق لسيدها، وليس عليه أن ينفق على عبد سيدها وإن كان ولده انتهى. ص: (وزينة تستضر بتركها) ش: يعني أن الزينة التي تستضر المرأة بتركها فإنها يقضى بها على الزوج لانه يجب عليه القيام بضرورياتها التي لا غنى لها عنها، وأما الزينة التي لا تستضر بتركها فلا يقضى على الزوج بها كما سيأتي. وقول البساطي الظاهر أنها عليه من باب أولى لانه إذا كانت هذه عليه مع أن تركها يضر بها فأحرى غيرها خلاف المنصوص في المذهب، وكأنه

________________________________________

[ 546 ]

فهم أن العلة فيها كونها زينة وليس كذلك فتأمله والله أعلم. ص: (ككحل ودهن معتادين وحناء ومشط) ش: انظر لم أخر قوله: وحناء ومشط عن قوله: معتادين مع أن ذلك يوهم القضاء بهما ولو لم يكونا معتادين. وقد قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من طلاق السنة: أوجب في هذه الرواية على الرجل في فرض امرأته من الدهن ما تدهن به ومن الحناء ما تمتشط به، وكذلك العرف عندهم وعادة جرى عليها نساؤهم، ولا يفرض ذلك عندنا إذ لا يعرفه نساؤنا، ولاهل كل بلد من ذلك عرفهم وما جرت به عادتهم. وأما الصبغ والطيب والزعفران والحناء لخضاب اليدين والرجلين فلا يفرض على الزوج شئ من ذلك. قاله ابن وهب في رسم الاقضية من سماع يحيى انتهى. ونص ما في سماع يحيى: وأما الطيب والزعفران وخضاب اليدين والرجلين بالحناء فإنا نقول: إنما هذا وشبهه للرجال يصلحون به إلى نسائهم للذاتهم، فمن شح به فليس يلزمه حكم يقضى به عليه انتهى. قلت: وعرف أهل الحجاز في الحناء كما ذكر ابن رشد عن نسائهم لا يمشطون بها فلا يقضى بها عندهم. وقوله: مشط الظاهر أنه أراد به ما يمتشط به لا آلة المشط ليكون كلامه في ذلك موافقا لقوله: لا مكحلة. وعلى هذا فلا يجب من الحناء والمشط إلا ما جرت به عادة أهل البلد لانه مما يستضرون بتركه كالورس والسدر عند أهل مكة، فلا مفهوم لتقديم المصنف قوله: معتادين والله أعلم. ص: (وإخدام أهله وإن بكراء) ش: يعني أنه يجب على الزوج إخدام الزوجة إذا كانت أهلا للاخدام لشرف قدرها وكون مثلها لا يخدم، وهذا هو المتبادر من قوله: أهله ثم يقال: ويريد بشرط أن يكون الزوج متسعا له خدام كما قال في الرسالة: وإن اتسع فعليه إخدام زوجته، وهذا يستفاد من قول المصنف بعد هذا: ولها الفسخ إلى آخره، فإنه يقتضي أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الاخدام فيعلم أنه إنما يجب حيث تكون له قدرة عليه. وهكذا قال في رسم الجواب عن سماع عيسى من كتاب طلاق السنة أن المشهور من المذهب أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الاخدام قال: وقد روى ابن المعدل عن ابن الماجشون

________________________________________

[ 547 ]

أنه يطلق عليه بعجزه عن النفقة عليها والله أعلم. فرع: قال القرطبي في كتاب النفقات في حديث السيدة فاطمة: ولا خلاف في استحباب خدمتها بنفسها تبرعا لانه معونة للزوج وهي مندوب إليها أيضا. ص: (وله التمتع بشورتها) ش: تقدم أن الشورة بفتح الشين المعجمة وأنها المتاع وما يحتاج إليه البيت. وأما الشورة بالضم فهي الجمال وما ذكره من التمتع بشورتها فهو كذلك. وقال في الشامل: وله التمتع بشورتها التي من مهرها إن لزمها التجهيز به وإلا فلا انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره في التوضيح ونقله صاحب الشامل في شرح المختصر من أن هذا الحكم جار على المشهور أن المرأة يلزمها التجهيز بصداقها، وأما على الشاذ فلا. انتهى بمعناه ص: (ولا يلزمه بدلها) ش: يعني أنه لا يلزمه أن يشتري لها بدل الشورة التي دخلت بها عليه، ولكن يلزمه أن يشتري لها

________________________________________

[ 548 ]

شورة ما لا يستغنى عنه. قال في التوضيح ابن حبيب: وإذا خلقت الشورة أو لم يكن في صداقها ما تشور به فعليه الوسط من ذلك ما يصلح للشتاء والصيف، وكذلك قال أصبغ: يفرض الوسط ممن لا شورة لها انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع عيسى بن القاسم: يفرض لها اللحاف في الليل والفراش والوسادة والسرير إن احتيج له لخوف العقارب وشبهها. ابن سهل عن ابن حبيب: إن كانت حديثة البناء وشورتها من صداقها فليس لها يرها، لا في ملبس ولا في مفرش وملحف، بل له الاستمتاع معها، بذلك مضت السنة وحكم الحاكم، يريد إلا أن يقل صداقها عن ذلك أو كان عهد البناء قد طال فعليه ما لا غنى عنه بها وذلك في الوسط فراش ومرفقة وإزار ولحاف ولبد تفترشه على فراشها في الشتاء وسرير لخوف عقارب أو حيات أو فأر أو براغيث وإلا فلا سرير عليه وحصير حلفاء يكون عليه الفراش وحصيرتان أو بردى انتهى. وكلام الشارح يوهم أنه لا يلزمه أن يخلف شيئا من شورتها، وأن ابن الماجشون يقول: يلزمه أن يخلفها ولم أقف على هذا الخلاف هكذا فتأمله والله أعلم. ص: (لا إن حلف أن لا تخرج) ش: قال في المديان منها: وللرجل منع أم ولده من التجارة في مالها كما له انتزاعه، وليس له منع زوجته من التجارة، وله منعها من الخروج انتهى. قال أبو

________________________________________

[ 549 ]

الحسن: يعني الخروج للتجارة وما أشبه ذلك، وأما في زيارة أبويها وشهود جنازتهما فليس له منعها، وكذلك خروجها إلى المساجد. ويقوم من قوله: ليس له منعها من التجارة أنه لا يغلق عليها وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا انتهى. فرع: قال المشذالي في حاشيته في هذا المحل: قال سحنون في نوازله: لذات الزوج أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم بغير إذن زوجها غائب ولا تمتنع من ذلك لكن لا بد أن يكون معهم محرم منها. ابن رشد: وهذا كما قال إنه من حقها أن تدخل من تشهده على نفسها بما تريد مما يجب عليها أو يستحب لانها في ذلك كالرجل، ولا يمنعها من شئ من ذلك. والاختيار كما قال إنه لا بد من ذي محرمها يكون معهم إن كان زوجها غائبا، فإن لم يكن فرجال صالحون ا ه‍. ونبه على ذلك أبو الحسن في كتاب الشركة في قوله: وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال. وذكره ابن عرفة في أثناء الكلام على النفقة. وهل له أن يغلق عليه الباب أم لا ؟ ص: (ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا لوضيعة) ش: أو يكون تزوجها على ذلك قاله ابن الماجشون. قال ابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح: وقول الماجشون ليس بخلاف لقول مالك والله أعلم ص: (كولد صغير لاحدهما) ش: انظر البيان في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح ورسم

________________________________________

[ 551 ]

المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ص: (وسقطت إن أكلت معه ولها الامتناع) ش: تصوره واضح. ومن مختصر البرزلي مسألة قال ابن الحاج: تؤمر المرأة بأن تأكل مع زوجها لما في ذلك من التودد وحسن العشرة ولا تجبر عليه في باب الحكم. قال البرزلي قلت: تقدم أيضا أنه لا يجبر الزوج على المبيت معها في فراض واحد من الحديث، غير أنه يندب إليه لما يدخل عليها من المسرة إلا أن يكون لقصد عدم الوطئ لما يدخل عليه من الضرر في جسمه، أو تكون هي مائلة إلى الكبر فمبيته معها مما ينحل بدنه. انتهى من مسائل الانكحة. ونقل الشارح في الكبير في باب الايلاء في شرح قوله: أو لا وطئتها ليلا أو نهارا عن اللخمي أنه لا يقضى عليه النون في فراش واحد والله أعلم. فرع: قال في التوضيح: وكذلك أيضا يضم نفقة بنيه الاصاغر إلى نفقتها إلا أن يكون مقلا فلا تضم نفقتهم معها، وينفق على ولده بقدر طاقته وإلا فهم من فقراء المسلمين، ولا يفرق بينهم وبين أمهم، وجد ما ينفق عليهم أم لا انتهى. ص: (أو منعت الوطئ والاستمتاع أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل) ش: يعني أن المرأة إذا منعت زوجها الوطئ

________________________________________

[ 552 ]

أو الاستمتاع فإن نفقتها تسقط، يريد إذا كان ذلك بغير عذر، فإن كان لعذر كسفرها للحج أو حبسه أو حبسها أو مرض ونحوه فلا تسقط، فإن أكذبها في العذر فيثبت ذلك بشهادة امرأتين. قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. وفي البرزلي قبل مسائل الخلع بنحو الكراس عن أحكام ابن حديد ما يقتضي أن الزوج إذا كان ممنوعا من المرأة، بحبس أو نحوه فلا يكون خروجها نشوزا ونصه: وبقاء المرأة في الدار وخروجها سواء إذا كان ممنوعا منها، ولا فرق بين سجنه لزوجته أو لاجنبي. وعن القاضي عبد الوهاب: لا يخلو حال المرأة إما أن تعدم الوطئ من قبل الله عزوجل أو من قبل الزوج أو من نفسها. فالاول كمرض الزوج أو مرضها أو حيضها فالنفقة واجبة، والثاني كالسفر وترك الوطئ فلا تسقط أيضا نفقتها، والثالث كمنعها لزوجها من وطئها فهي ساقطة بالنشوز. وعن ابن عبد الحكم أنها غير ساقطة انتهى. وكلام عبد الوهاب ليس هو في خروجها من بيت زوجها إنما تكلم على هذه الموانع من حيث هي والله أعلم. وجمع الشيخ بين ذكر الوطئ والاستمتاع لينبه على أن كل واحد منما مسقط، ولا يقال يكفي ذكر الاستمتاع عن ذكر الوطئ لانه إذا سقطت النفقة بمنع الاستمتاع فتسقط بمنع الوطئ من باب أولى، لانا نقول: خشي أن يتبادر إلى الفهم أن المراد بالاستمتاع الوطئ لان الاستمتاع إذا ذكر مفردا فكثيرا ما يراد به الوطئ ص: (أو خرجت بلا إذن إلى آخره) ش: يريد أن النفقة تسقط أيضا بخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يقدر على ردها، أما إن كان قادرا على ردها فلا تسقط النفقة. نعم له أن يؤدبها هو أو الحاكم على خروجها بغير إذنه، وانظر ما المراد بقوله: ولم يقدر عليها هل بالحاكم أو بمجرد الارسال إليها أو بامتناعها ؟ قال في تهذيب الطالب: اختلف في الناشز على زوجها. هل لها نفقة ؟ فعند ابن المواز وهو مذكور عن مالك ورواه عن ابن القاسم ومثله سحنون أن لها النفقة. وقال البغداديون من أصحابنا: لا نفقة لها لانها منعته من الوطئ الذي هو عوض النفقة، واعتلوا بإيجاب النفقة على الزوج إذا دعي للبناء وأن ذلك لا يلزمه إذا لم يمكن من البناء. قال الشيخ أبوعمران: واستحسن في هذا الزمان أن يقال لها: إما أن ترجعي إلى بيتك وتحاكمي زوجك وتنصفيه وإلا فلا نفقة لك لتعذر الاحكام والانصاف في هذا الوقت، فيكون قول البغداديين حسنا في هذا، ويكون الامر على ما قاله الآخرون إذا كان الزوج يقدر على محاكمتها فلم يفعل فيؤمر بإجراء النفقة حتى إذا لم تمكنه المحاكمة ولم يتمكن له حالة تنصفه ولم تجبه هي إلى الانصاف، فاستحسن أن لا نفقة لها. قال: وكذلك الهاربة إلى موضع معلوم مثل الناشز، وأما إلى موضع مجهول فلا نفقة لها عليه. انتهى من ترجمة الحضانة والنفقات من إرخاء الستور. وقال في المسائل الملقوطة: الهاربة من زوجها إلى وليها إنه يسجن حتى يردها. انتهى من الاجوبة. ومن

________________________________________

[ 553 ]

كتاب الفصول: سقوط نفقتها مدة هروبها وما تركت عند الزوج بما له غلة يستأجر عليه انتهى. وقال في تهذيب الطالب أيضا في باب سكنى المعتدة من كتاب طلاق السنة: قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما فرق بين المرأة تسكن في غير بيت الزوج أنها لا كراء لها في ذلك، وبين ما إذا هربت منه أن لها أن تطلبه بالنفقة، لان السكنى حق لها فتركته وسكنت في موضع آخر. وأما التي هربت منه فقد كان له أن يرجعها إلى الحاكم ويردها إلى بيتها فحكم النفقة قائم عليه غير ساقط عنه، ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذر عليها رفعها للحاكم. ونحو هذا من الاعذار التي يظهر أنه غير قجدر على ردها فلا شئ عليه، فيستوي حكم ذلك وحكم السكنى انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا خلاف أنها إذا خرجت وسكنت في موضع فلا كراء لها على زوجها، وهذا بخلاف النفقة انتهى. وفي المتيطية عن كتاب محمد: إذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأرسل إليها فلم ترجع وامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها ثم طلبته بذلك قال مالك: ذلك عليه لها وترجع عليه وتغرمه. قال: ولو خرجت من مسكنه وسكنت سواه لم يكن عليه كراء. ابن المواز: وذلك لا يشبه النفقة انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها. قال أبو محمد: لا نفقة للناشز وهو المشهور. وقيل: لها النفقة. وهذا في بلد لا حكم فيه، وأما بلد فيه الحكم فينفق لانه حين لم يرفعها فقد رضي. قال: والنشوز أن تخرج إلى بيت أوليائها بغير إذنه أو تمنعه من الوطئ انتهى. وقوله: وإن لم تحمل قال ابن رشد: بلا خلاف في ذلك لان للناشز الحامل النفقة للحمل لا لاجلها ص: (وإن بانت) ش: يعني أن البينونة مسقطة للنفقة، وسواء كانت من الزوج أو كان الطلاق من الحاكم فإنه قد تقدم أن طلاق الحاكم بائن إلا للايلاء وللعسر بالنفقة، ولذلك كانت لها النفقة في ذلك. قال في معين الحكام في فصل النفقات. مسألة: وتجب النفقة لكل مطلقة مدخول بها في أيام عدتها إذا لم يكن الطلاق بائنا وكان الزوج يملك ارتجاعها فيه، سواء أوقعه الزوج أو الزوجة أو السلطان بإيلاء أو عدم نفقة إذا أيسر في العدة. وفي المدونة: وجوب النفقة على المولى أيام العدة، ولمطرف وابن الماجشون

________________________________________

[ 554 ]

وأصبغ: لا نفقة لها لان رجعته لا تصح بالقول إلا أن يقترن به الفعل، وأما المبتوتة والمبارأة والمختلعة وكل من لا يملك الزوج رجعتها لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا انتهى. وقال في طلاق السنة: وكل مطلقة لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان أو نحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت حاملا، ما خلا الملاعنة فلا نفقة لحملها لانه لا يلحق بالزوج انتهى. قال أبو الحسن: قوله: ونحوه يعني المفسوخ انتهى. ثم قال فيها: وكل طلاق فيه رجعة فلها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها، حاملا كانت أو غير حامل. وكذلك امرأة المولى إذا فرق بينهما لان فرقة الامام فيها غير بائن وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، وتجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم بقرابة أو رضاع كانت حاملا أم لا، لانه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملا فذلك عليه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: وكذلك امرأة المولى إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم أيسر في العدة هل تجب عليه النفقة وإن لم ترتجع فعلى ما نص هنا تلزمه النفقة. ومثله لابن حبيب ثم قال: فانظر في سماع عيسى من طلاق السنة مسألة النصرانية تسلم تحت النصراني أنه لا نفقة لها عليه. وفي سماع أصبغ خلافه صح من جامع الطرر. اللخمي: قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ على أن المعتدة التي تملك رجعتها لها السكنى والنفقة إذ أحكامها أحكام الازواج في عامة أمورها. وقوله في فسخ النكاح الفاسد. الشيخ: هذا إذا كان مما يفسخ بعد البناء، وأما ما يفسخ قبل ويثبت بعد فلا. انتهى ص: (واستمر إن مات لا إن ماتت) ش: قال البرزلي في كتاب النفقات: وتقدم للشعبي أن عبد الرحمن بن عيسى أفتى في مطلقة طلاقا بائنا أن النفقة لها إذا كانت حاملا ما دام الولد حيا، فإذا مات في بطنها سقطت نفقتها ووقعت وحكم فيها القاضي ابن الخراز

________________________________________

[ 555 ]

بالنفقة وأفتى فيه جميع الفقهاء حتى طال على زوجها الانفاق، فاستشارني في ذلك فأفتيته بالسقوط إذا أقرت المرأة بذلك لان بطنها صار له كفنا، وإنما النفقة لها لان الولد يتغذى بغذائها، فلو تركت غذاءها مات، فإذا اعترفت بأنه مات فقد صار لا غذاء له، وإنما صار داء في بطنها يحتاج إلى دفعه عنها بالدواء انتهى. وقال ابن سلمون في وثائقه ومن كتاب النفقات لابن رشيق: كتبت إلى الفقيه أبي محمد بن دحون بقرطبة أسأله عن امرأة طلقها زوجها طلقة مبارأة، فادعت أنها حامل منه وثبت الحمل فأنفق عليها أكثر من عام ولم تضع فوقفها عند الحاكم فقالت: إن الجنين في بطني وهو به ميت. فكتب إلي مجاوبا. إذا مات الجنين في بطنها كما زعمت فقد انقطعت النفقة إذا كانت النفقة بسبب الجنين. وقال به أيضا الفقيه أبو محمد بن الشقاق وزاد قال: وانقضاء عدتها منه بالوضع انتهى. وقال المشذالي في حاشيته على المدونة: ولو مات في بطنها لم تنقض عدتها إلا بوضعه وهو ظاهر القرآن الكريم وصريح في نوازل بعضهم انتهى. ص: (وردت النفقة كانفشاش الحمل لا الكسوة بعد أشهر) ش: قال ابن غازي:

________________________________________

[ 556 ]

ردت مبني للغائب فيتناول موته وموتها والحكم في رد النفقة والتفصيل في الكسوة عام كما في المدونة وغيرها انتهى. ويشير بذلك لما قاله في أول كتاب القذف من المدونة قال مالك: ومن دفع لامرأته نفقة سنة أو كسوتها لفريضة قاض أو بغير فريضته ثم مات أحدهما بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين، فلترد بقية النفقة بقدر ما بقي من السنة، واستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة أشهر ولا تتبع المرأة فيها بشئ. قال ابن القاسم: وأما إن ماتت بعد عشرة أيام ونحو هذا فهذا قريب انتهى. قال أبو الحسن: قوله في الكسوة: إذ مات أحدهما بعد أشهر هذا من جموع القلة من ثلاثة إلى تسعة انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: قال في العوفية: واستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة أشهر انتهى. وقوله: كانفشاس الحمل يعني به أن من طلق زوجته فادعت أنها حامل فأنفق عليها ثم ظهر انفشاش الحمل فإنه يرجع عليها بالنفقة وتردها، وسواء أنفق الرجل من أول الحمل ظانا أنها تلزمه أو ظهر الحمل فألزم الانفاق، والقول باللزوم هو قول ابن الماجشون وروايته واختاره ابن المواز ولذا رجحه المؤلف. وقيل: لا رجوع له مطلقا وهو قول مالك في الموازية. وقيل: إن أنفق بحكم رجع وإلا فلا، وهو لمالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. وقيل: عكس الثالث ونسبه ابن رشد لعبد الملك ونظر فيه المؤلف في التوضيح بأن الذي نسبه له ابن رشد هو الاول والله أعلم. قال ابن رشد في الرسم المتقدم: ولهذه المسألة نظائر كثيرة تفوق العد منها: شفعتها في الذي يثيب على الصدقة ويظن لزوم ذلك، ومنها مسألة صلحها في الذي يصالح عن دية الخطأ ظانا لزومها له، ومنهد مسألة الصداق وفي سماع أصبغ من النكاح، ومنها ما في سماع عيسى ونوازل سحنون من الصدقات والهبات، ومنها ما

________________________________________

[ 557 ]

في سماع أصبغ من الشهادات انتهى. وانظر المشذالي في الصلح وسماع عيسى في الحج ص: (ولا نفقة لحمل ملاعنة) ش: يريد إذا كان اللعان لنفي الحمل، وإن كان للرؤية وهو مقر بالحمل كانت لها النفقة. وكذا قيد به أبو الحسن إطلاق المدونة وهو ظاهر لان مراد المصنف إذا كان الحمل للعان والله أعلم. ص: (وأمة) ش: أي لا نفقة لحمل أمة يريد والزوج حر بدليل قوله بعد: ولا على عبد. قال ابن عبد السلام: والمانع لها من النفقة كون ذلك رقيقا كما لو ولد لانه إذا اجتمع موجبان من موجبات النفقة لشخص أخذ نفقة واحدة بأقوى الموجبين وسقط الموجب الآخر انتهى. وقال في طلاق السنة منها: وليس للامة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره، سواء كان الزوج حرا أو عبدا، وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل منه انتهى. وقال اللخمي: للحامل النفقة على زوجها إذا كانا حرين، وإن كان عبدا وهي حرة لم يلزمه نفقة لحملها في البائن، وكذلك إن كانت أمة والزوج حر. ثم قال: فإن أعتق السيد الامة لزمته النفقة لان الحمل عتيق بعتق أمه، ويختلف إذا عتق الحمل وحده. فعلى القول على أنه لا يكون عتيقا إلا بالوضع تبقى النفقة على السيد، وعلى أنه حر من الآن وفيه الغرة تكون النفقة على الاب. انتهى من التبصرة وطلاق السنة. والقول الاول من القولين الذين ذكرهما عليه اقتصر ابن يونس في كتاب أمهات الاولاد قال: قال ابن المواز: من اشترى زوجة بعد أن أعتق السيد ما في بطنها فشراؤه جائز وتكون بما تضعه أم ولد لانه عليه عتق بالشراء ولم يكن يصيبه عتق السيد إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع، ولانها تباع في فلسه ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاؤوا وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها انتهى. ولو ضربها رجل فألقته ميتا فإن فيه ما في جنين أمه، ولو كان ذلك بعد أن اشتراها كان فيه ما في جنين الحرة، وولاؤه إن استهل لابيه. ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد إلا أنه لا يشتريها أجنبي بعد عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين ويرد إن فعل انتهى. وقال في العتق الثاني من المدونة في الكلام على هذه الامة: ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتا ففيه عقل جنين أمة بخلاف جنين أم الولد من سيدها فتلك في جنينها عقل جنين الحرة، لان جنين الامة لا يعتق إلا بعد الوضع وجنين أم الولد حر حين حملت به انتهى. وهذا القول هو الذي يظهر من قوله في المختصر في باب الظهار لقوله إذا عتق الجنين لا يجزئه ويعتق بعد وضعه والله أعلم. وهذا أعني سقوط نفقة الامة البائن الحامل عن زوجها الحر إنما يظهر والله أعلم إذا لم تكن الامة جارية ولده أو أمه أو من يعتق ولد الامة عليه، وأما إن كانت الامة لاحد هؤلاء فلم أر فيه نصا لاهل المذهب الآن. والذي يظهر من تعليل

________________________________________

[ 558 ]

ابن عبد السلام عدم لزوم النفقة لحمل الامة بكون الولد رقا. ومن بناء اللخمي لزوم النفقة وعدم لزومها فيما إذا أعتق السيد الجنين فقط على الخلاف في كونه حرا من الآن أو إنما يكون حرا بعد وضعه أن النفقة لازمة للزوج إذا كانت الامة لمن يعتق ولد الزوج عليه، لان المذهب على أن الولد حر في بطن أمه. قال في أمهات الاولاد من المدونة: من اشترى زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت قبل الشراء إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك أم ولد، ولو كانت لابيه فابتاعها حاملا لم تكن له أم ولد بذلك الحمل، لان ما في بطنها قد عتق على جده بخلاف أمة الاجنبي، لان الاب لو أراد بيع أمته لم يجز له ذلك لانه قد عتق عليه ما في بطنها، والاجنبي لو أراد بيع أمة وهي حامل من زوجها جاز ذلك ودخل حملها في البيع معها. وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل لان ما في بطنها قد عتق على جده فلا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها لان ذلك غرر لانه وضع من ثمنها بما استثنى وهو لا يدري أيكون أم لا. فكما لا يجوز بيع الجنين لانه غرر فكذلك لا يستثنى انتهى. قال ابن يونس: وقول الغير هذا كله ليس بخلاف لابن القاسم، وإنما تكلم ابن القاسم إذا اشتراها وفات ذلك كيف يكون الحكم، وأما بدأ فليس له أن يبتاعها على قوله، فإن ابتاعها فسخ البيع إلا أن تضع الولد فيكون عليه قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر لانه بيع فاسد فات بالوضع. ونحوه حكى بعض شيوخنا عن القابسي، وكان يعيب قول من يجعله خلافا انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: انظر قول الغير هنا علل بكون المستثنى مشترى. الشيخ: وكذلك لو كان المستثنى مبقي في هذه المسألة لما جاز لانه لا يتصرف فيه إلا بعد الوضع ففيه تحجير، وقاعدتهم أنه متى آل الامر إلى الفساد في أن المستثنى مبقي منعوا، وكذلك إن آل الامر إلى الفساد على أن المستثنى مشترى. انظر الاكرية إذا باع دابة واستثنى ركوبها عشرة أيام لا يجوز وهو بناء على أن المستثنى مبقي وإن استثنى ركوبها ثلاثة أيام أجازه لانه لا يؤل الامر فيه إلى فساد، سواء كان المستثنى مبقي أو مستثنى انتهى. ثم قال في المدونة: وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين لانه عتق سنة وليس هو عتق اقتراب. ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملا انفسخ نكاح الاب إذ لا ينكح أمة ولده ولا تكون أم ولد للاب وتبقى رقيقا للابن ويعتق عليه ما في بطنها ولا يبيعها حتى تضع إلا أن يرهقه دين فتباع وهي حامل. وقاله أشهب. وقال غيره: لا تباع في الدين حتى تضع لانه عتق سنة لا باقتراب انتهى. قال ابن يونس: وهذا بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لابيه. عند ابن القاسم: تلك أمة لا يرق حملها ولا يلحقه دين. والفرق بينهما عنده والله أعلم أن الولد في المسألة الاولى خلق حرا لم يمسه رق، وفي هذه قد مسه الرق في بطنها، وإنما عتق باشتراء الولد بأمة فأشبه العتق المبتدأ، وغيره لم يفرق بينهما لانه كله عتق بسنة فوجب أن

________________________________________

[ 559 ]

يتساوى الحكم فيهما فتأمل ذلك جميعه والله أعلم ص: (ولا على عبد) ش: أي لا نفقة على العبد لمطلقته البائن الحامل، سواء كانت حرة أو أمة. قال في التوضيح: لانه لا يجب على العبد أن ينفق على ولده انتهى. قال ابن الحاجب: ولا على عبد الحمل أو ولد وإن كانت الزوجة حرة انتهى. قال ابن فرحون: لو كان للعبد ولد من زوجته الحرة أو الامة ثم طلقها طلاقا بائنا لم يجب عليه نفقة ولده لانه إتلاف لمال سيده انتهى. وانظر قوله: ثم طلقها طلاقا بائنا فإنه لا مفهوم له. قال في المدونة: إلا أن يعتق العبد قبل وضعها فينفق على الحرة من يومئذ، وأما

________________________________________

[ 560 ]

الامة فلا إلا أن تعتق هي أيضا فينفق عليها في حملها لان الولد ولده انتهى. فيفهم من قوله: يومئذ أنه لا يعطيها إذا عتق نفقة أول الحمل، ولذا قال ابن عمر في شرح الرسالة: فينفق عليها في بقية حملها. انتهى والله أعلم. ص: (غير سرف) ش: نحوه في ابن الحاجب. قال في التوضيح: يعني إذا وجب لها الرجوع بما أنفقته عليه أو على نفسها وولدها ووجب للاجنبي الرجوع بما أنفقه على الاجنبي فإنما رجع عليه بالمعتاد في حق المنفق عليه، فأما ما كان سرفا بالنسبة إليه فلا يرجع به المنفق لان المفهوم من قصد المنفق به العطية إلا أن تكون التوسعة في زمنها كالاعياد فيرجع بذلك ص: (وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف له أنه أنفق ليرجع) ش: وأن لا يكون لليتيم تحت يده مال ناض، فإن كان له وتركه وأنفق من

________________________________________

[ 561 ]

عنده فلا رجوع له عليه. قال في كتاب الرهون من المدونة: وللوصي أن يسلف الايتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار ثم يبيع ويستوفى انتهى. قال أبو الحسن: ذكر هنا العقار والعرض وفي تضمين الصناع ولليتيم مال ظاهره كان عينا أم لا، وفي موضع آخر في اليتيم إلا أن تكون لهم أموال عروض. فيحمل قوله في المال حيث ذكره على العروض كما قال هنا لانه إذا كان له ناض فلا فائدة في السلف. وانظر على هذا لو سلفه وله ناض هل يرجع عليه أم لا. قال في وثائق ابن القاسم: ولو كان له بيده ناض لم يرجع عليه بما أسلفه لانه متطوع انتهى. وعلى هذا اقتصر الوانوغي في حاشيته قال في هذا المحل: ولو أسلفه ولليتيم ناض في بلده لم يرجع عليه، لان اليتيم غير محتاج إلى سلفه وهو في نفقته على اليتيم حينئذ متطوع اه‍. ثم قال في المدونة: فإن لم يكن لليتيم مال وقال الوصي: أنا أسلفه، فإن أفاد رجعت عليه لم يكن له ذلك والنفقة عليه من يومئذ على وجه الحسبة فلا يرجع بشئ وإن أفاد اليتيم مالا اه‍. قال أبو الحسن: وقال أشهب: ذلك له اه‍. تنبيه: قوله على وجه الحسبة فلا يرجع بشئ وإن أفاد اليتيم علمه المنفق أم لا قال في المدونة: فإن تلف المال الذي علم المنفق وكبر الصبي فأفاد مالا لم يرجع عليه بشئ. نقله في التوضيح. فروع: الاول: من أنفق على ولد رجل غائب موسر وخاف ضيعته فإنه يتبع الاب بما أنفقه بالمعروف، وإن لم يستنبه في النفقة عليهم لما كان نفقتهم واجبة على الاب كمن قضى عن رجل دينا على أن يتبعه به كان له أن يتبعه بها. اه‍ من باب زكاة الفطر من الطراز. وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم: من غاب أو فقد فأنفق رجل على ولده فقدم أو مات في غيبته وعلم أنه كان عديما لم يتبعه بما أنفق عليه ولا ولده. ابن رشد: لان الولد إذا لم يكن لابيه ولا له مال فهو كاليتيم النفقة عليه احتسابا ليس له أن يعمر ذمة بدين إلا برضاه إذ ليس ممن يجوز على نفسه رضاه، وإن كان له أو لليتيم مال فللمنفق عليه الرجوع عليهما في أموالهما إن كانت له بالنفقة بينة، وإن لم يشهد أنه إنما أنفق ليرجع بعد يمينه أنه إنما أنفق عليها ليرجع في أموالها لا على وجه الحسبة ويسر أبي الولد كماله وهذا إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الاب، ولو أنفق عليهما ظانا أنه لا مال لليتيم ولا للابن ولا لابيه ثم علم ذلك فلا رجوع له. وقيل: له الرجوع والقولان قائمان منها. قلت: الاول ظاهر قولها في تضمين الصناع ولا يتبع اليتيم بشئ إلا أن يكون له مال

________________________________________

[ 562 ]

فيسلفه حتى يبيع عروضه، فإن قضى ذلك عما أسلفه لم يتبع بالتالف وكذا اللقيط. الثاني: ظاهر قولها في النكاح الثاني: من أنفق على صغير لم يرجع عليه بشئ إلا أن يكون له مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه فيما له ذلك. ونحوه في كتاب الولاء منها، والاولى تقييد مطلقها بمقيدها فيكون ذلك قولا واحدا. اه‍ كلام ابن عرفة. وقال في المدونة في كتاب تضمين الصناع: ومن التقط لقيطا فأنفق عليه فأتى رجل فأقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الاب موسرا حين النفقة لانه ممن تلزمه نفقته. هذا إن تعمد الاب طرحه، وإن لم يكن هو طرحه فلا شئ عليه. وقال مالك في صبي صغير ضل عن والده فأنفق عليه رجل: فلا يتبع أباه بشئ فكذلك اللقيط. الثالث: قال في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد في وصي على يتيمة أشهد عند موته أن لها عليه عشرين مثقالا ولا يدعي هو أن له عليها شيئا، فتموت فتطلب اليتيمة الذهب فيدعي ورثته أن له عليها حضانة ويثبتون أنها كانت في حضانته مدة نظره، فهل لهم أن يحاسبوها أم لا ؟ فأجاب: إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين مثقالا يوجبها لها ويبطل دعوى الورثة عليها، ولا يلتفت إلى ما أثبتوه ولا يحاسبوها بشئ اه‍. الرابع: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للاولاد مال فلا يلزم الاب نفقتهم، سواء كان مالهم عينا أو عرضا. فإن أنفق من ماله وأبقى مالهم على حاله حتى مات فأراد الورثة محاسبتهم بالنفقة، فإن قال الاب: حاسبوا والدي فعلى ما قال أي نوع كان المال، وإن قال: لا تحاسبوه فكذلك، ولا يشبه الوصية لان الآباء ينفقون على أولادهم. ولو كان لهم أموال، وإن سكت الاب، فإن لم يكتب لم يحاسب الولد، وإن كتب وكان المال عينا فلا يحاسب أيضا لانه لو شاء أنفق منه ويحتمل كتبه على الارتياء والنظر، وإن كان عرضا حوسب بذلك. قال ذلك كله مالك وابن القاسم. فإن مات الابن في حياة الاب وورث معه غيره فادعى أنه أنفق ليرجع، فروى ابن القاسم أنه إن كان الاب مقلا مأمونا صدق بغير يمين، وإن كان غنيا حلف. وهذا إذا لم يشهد عند الانفاق وإن أشهد فلا يمين، وسواء كان المال عينا أو عرضا اه‍. وهذه المسألة هي أول مسألة من طلاق السنة من سماع ابن القاسم ونصها، قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول: فالرجل ينفق على أولاده ولهم مال قد ورثوه من أمهم فكتب عليهم ما أنفق فلما هلك أراد سائرهم من الورثة أن يحاسبوه ويحتجوا عليه بالكتب قال: إن كان مالهم عنده موضوعا فليس عليهم غرم ما أنفق عليهم إذا لم يقل ذلك عند موته لان الاب ينفق على ولده، وإن كان لهم مال ومن أمر الناس أن ينفق الرجل على ولده ولهم المال، وإن كان لهم في عرض أو حيوان رأيت أن يحاسبوهم به لانه كتبه. وإنما اختلف ذلك لان المال الموضوع في يده لم يكن يمنعه منه شئ فلعله إنما كتبه يريد أن يلزمهم أو يتركه

________________________________________

[ 563 ]

فتركه، وأما الذي كان في العروض والحيوان فإنما يرى أنه يمنعه من ذلك بيعه وكتابه عليهم والله أعلم. قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت عنه. قال ابن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ما يعارض بعضها بعضا في الظاهر فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول. وقوله: إنه لا اختلاف في شئ مما وقع من ذلك في هذه الروايات كلها. وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الاب، والثاني أن يكون عرضا قائما بيده، والثالث أن يكون قد استهلكه وحصل في ذمته، والرابع أن يكون لم يصل بعد إلى يده. فأما إن كان عينا قائما في يده وألفى على حاله في تركته فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتب، فإن كان كتبها عليه لم تؤخذ من ماله إلا أن يوصي بماله وهو دليل قوله في هذه الرواية إذا لم يفعل ذلك عند موته، وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله وإن أوصى بذلك. قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. وإما إن كان المال عرضا بعينه ألفى في تركته، فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها حوسب بها الابن وإن أوصى الاب أن لا يحاسب بها وهو ظاهر ما في هذه الرواية. ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها فوصيته أن لا يحاسب بها وصية لوارث. وهو قول أصبغ في الواضحة أن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الاب أن لا يحاسب بها، ومثله لابن القاسم في المدونة. وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها إلا أن يكون أوصى الاب أن لا يحاسب بها فتنفذ وصيته، وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى. وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون الاب قد استهلك المال وحصل في ذمته فإن الابن يحاسب بذلك كتبها، الاب عليه أو لم يكتبها. وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر حق أشهد له به فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه وهو تفسير لما في الكتاب. وأما الحالة الرابعة وهو أن لا يكون قبض المال ولا كان بيده بعد، فسواء كان عينا أو عرضا، هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده، وقد مضى الحكم في ذلك. وما في رسم سلعة سماها ورسم كتب عليه ذكر حق، يحتمل أن يكون تكلم فيها على أن المال لم يصل إلى يده، أو على أنه قد أخذه واستهلكه، وقد مضى الكلام على حكم الوجهين. ولا فرق بين موت الاب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه وبالله التوفيق اه‍. وانظر النوادر في كتاب الوصايا الخامس. قال ابن سلمون: إن كان المنفق وصيا من أب أو قاض فله الرجوع فيما أنفق في مال الصبي دون يمين ولا إثبات لانهم مأمورون بالانفاق. وقيل: عليه اليمين. وإن كان غير وصي فلا بد من إثبات حضانته له وكفالته ويمينه بعد ذلك ولا يحتاج

________________________________________

[ 564 ]

إلى أن يشهد أن إنفاقه إنما هو ليرجع به، وروي أنه لا بد أن يشهد اه‍ ص: (لا إن علمت فقره أو أنه من السؤال) ش: وهي محمولة في غسر السائل على عدم العلم وفي السائل على العلم لظهور حاله. نقله ابن عرفة عن ابن رشد عن سماع القرينين في كتاب النكاح ص: (إلا أن يتركه) ش: يعني إذا تزوجته وهو من السؤال ثم ترك السؤال فعجز عن النفقة فلها طلبه ص: (وإلا تلوم بالاجتهاد) ش: أي وإن أثبت عسره تلوم له القاضي باجتهاده. قال في التوضيح: ولا يمين على الرجل إن صدقته المرأة على عسره إذ لا يحتاج إلى إقامة بينة، وأما إن لم تصدقه فلا بد من البينة على الاعسار واليمين، ثم يتلوم له القاضي على القول المشهور المعمول به. وقيل: يطق عليه من غير تلوم وعلى المشهور. اختلف في مقدار التلوم فلمالك في المبسوط أنه اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع. ولمالك في الواضحة الثلاثة الايام. والصحيح أنه يختلف بالرجاء وعدمه وهو مذهب المدونة قال فيها: ويختلف التلوم فيمن يرجى له وفيمن لا يرجى له. اه‍ مختصرا وقول الشارح قوله: وإلا تلوم أي وإن أبى الزوج من ذلك ومن الطلاق تلوم له الحاكم لا يصلح لتفسير كلام المصنف، فإن من لم يثبت عسره وامتنع من الانفاق والطلاق فتارة يقر بالملا وتارة يدعى العسر، فإن ادعى العسر تلوم له. وإن أقر بالملا فحكى ابن عرفة في ذلك قولين: أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق، والثاني أنه يسجن حتى ينفق. وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها. ونصه المتيطي وغيره من الموثقين إن ادعى العدم وصدقته نظر في تأجيله، وإن أكذبته فبعد إثبات عدمه وحلفه. قلت: ما فائدة إثبات عدمه إذا ادعاه وأكذبته، هل هي تأجيله حاكمه بناء على أنه لو

________________________________________

[ 565 ]

أقر بملئه وامتنع من الانفاق لجعل لها الطلاق، أو هي عدم سجنه بناء على أنه لو علم ملؤه وامتنع من الانفاق سجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت منه النفقة كرها ؟ والاول ظاهر كلام الموثقين اه‍ ص: (وإن غائب) ش: يعني أن حكم الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الحاضر. قال في التوضيح: وهو المشهور. وقال القابسي: لا يطلق على غائب لانه لم يستوف حجته، وعلى الاول فلا بد أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعا إلى الدخول والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو علم ولم يمكن الاعذار إليه فيه. وأما إن علم وأمكن الاعذار إليه فإنه يعذر إليه ولا بد أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعدى فيه بشئ من مؤنتها، ولا أنه بعث إليها بشئ وصل إليها في علمهم إلى هذا الحين، ثم بعد ذلك يضرب لها أجلا على حسب ما يراه كما تقدم ثم يحلفها على ما شهدت لها البينة، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق كما تقدم. اه‍. ونقل ابن عرفة نحو ما تقدم عن المتيطي ونصه: وعلى الاول يعني القول الاول. قال المتيطي: تثبت غيبته ببينة تعرف غيبته واتصال زوجيتهما وغيبته بعد بنائه أو قبله بموضع كذا، أو بحيث لا يعلمون منذ كذا ولا يعلمون ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تعول به نفسها ولا تعدى فيه بشئ من مؤنتها، ولا أنه آب إليها ولا بعث بشئ ورد عليها في علمهم إلى حين التاريخ، ثم يؤجله القاضي في الانفاق عليه شهرا أو شهرين أو خمسة وأربعين يوما، فإذا انقضى ولا قدم ولا بعث بشئ ولا ظهر له مال ودعت إلى النظر لها أمر بتحليفها بمحضر عدلين كما تجب في صفة الحلف أنه ما رجع إليها زوجها المذكور من مغيبه الثابت عند الحاكم إلى حين

________________________________________

[ 566 ]

حلفها، ولا ترك لها نفقة ولا كسوة ولا وضعت ذلك عنه ولا وصل إليها شئ منه إلى الآن، فإذا ثبت عند القاضي حلفها طلقها عليه. قلت: ولابن سهل في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك أفتى ابن عات أنها تحلف، فإذا حلفت طلقت نفسها. وأفتى ابن القطان لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق نفسها. وأفتى ابن رشيق فقيه المرية بحلفها وزاد فيه أن زوجيتهما لا تنقطع. ابن سهل: زيادة هذا في يمينها لا أعلمه لغيره. وقول ابن القطان: لا يمين عليها ولا على أبيها لا وجه له. وقد تقرر من قول ابن القاسم وغيره أن السفيه يحلف في حقه. ابن الحاجب: حكم الغائب ولا مال له حاضر حكم العاجز. ابن عبد السلام: يعني أن الغائب البعيد الغيبة وليس له مال أو له ولا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة حكمه حكم الحاضر العاجز. قلت: قوله: إلا بعد مشقة خلاف ظاهر أقوالهم أنه لا يحكم لها بطلاقها إلا إذا لم يكن له مال بحال دون استثناء. وما تقدم لابن سهل في فتاويهم من قولهم: طلقت نفسها خلاف ما تقدم للمتيطي من قوله: طلقها القاضي عليه اه‍. تنبيه: علم من كلام ابن عرفة هذا أنه يطلق على الغائب بعدم النفقة ولو كانت غيبة قبل البناء. وقد جلب البرزلي من ذلك مسائل في أوائل مسائل الطلاق فانظره. وقد تقدم في أوائل النفقات في باب المفقود ما يقوي ذلك فلا يتمسك بما يعطيه ظاهر كلام التوضيح والله أعلم. وظاهر ما تقدم عن التوضيح وغيره أنه إذا لم تقم للزوجة بينة بشئ من ذلك لا يحكم لها القاضي، وقال البرزلي خلاف ذلك في أواخر مسائل النكاح ما نصه: وسئل اللخمي عمن شهد لها نحو العشرين أو الخمسة عشر أن زوجها فلان وقد غاب لناحية سجلماسة ويخاف ضياعها وليس لزوجها مال ولا يوجد من يشهد بنكاحهما إلا من تقدم ولم يوجد فيهم عدل وهي تحب الفراق، فهل يثبت به الزوجية ويجب الفراق ؟ وهل يكون الحكم واحدا ولو كانت مدينة فيها من العدول كثير أو الواحد خاصة أو لا يكون شئ ؟ وفي شهادة من تقدم أن المرأة ليس لها ولي وفي انتقال أملاك الرباع وبيعها على من يجب بيعها عليه بما تقدم. فأجاب: للمرأة القيام بالطلاق بمن ذكرته، ولو عدمت البينة ومن يشهد لها بالزوجية وأقرت أن فلانا زوجها لكشف القاضي عنه بقولها. وسئل عن هذا الاسم في البلد وما قرب منه، فإن لم يجده حكم لها بالطلاق بعد تحليفها أنه لم يكن لها منه نفقة ويحكم عليه بالطلاق متى جاء وأقر بالزوجية، وإن أنكر الزوجية لم يضره ما وقع ويكتب في الحكم: رفعت إلى فلانة بنت فلان وأقرت بالزوجية لفلان فكشفت عنه فلم أجده ولم أجد أحدا يعرفه فحلفتها وحكمت بالطلاق إن ثبت أو أقر أنه زوج لها. والمدن والقرى في هذا سواء، وشهادة من ذكرت بأنه لا ولي لها ماضية وللقاضي تزويجها، والامر فيه خفيف لان القاضي وليها وإن كان هناك غيره إذا زوج

________________________________________

[ 567 ]

الثيب مضى. والبكر إذا لم يكن لها ولي تزوج ومثله لا يخفى. وأما شهادة هؤلاء في الرباع فلا أتقلد فيها شيئا، وقد سئلت عنها غير مرة فلم أجب بشئ والضرورة لها حكم وقول غير العدول كلا شئ. وسئل السيوري عن المرأة تأتي وتذكر أن لها زوجا أو لابنتها وقد غاب ولم يخلف شيئا، ولم يكن له شئ يعدون فيه بالنفقة ولا يعرف ذلك إلا من قولها، وتكلف بالبينة فتعجز عن إثباته، وربما ذكرت غريبا أي أن الزوج غريب وربما أتت ببينة غير ثقات من سوقه أو غيره ولا تقدر على أكثر من ذلك، فإن أفتيت بأعمال هؤلاء فهل أسميهم بأسمائهم أو أقول ثبت عندي ما أوجب الفراق أو قبول قولها، وربما لم يوجد على توكيل الام بينة إلا بقولها ؟ فأجاب: إن كان الزوج معروفا ولم تعرف غيبته كلف القاضي رجلين يكشفان عنه وسئل جيرانه ومن يخالطه أو أقاربه عن الموضع الذي غاب إليه، فإن لم يكن أو لم يعلم حيث توجه حلفت الزوجة أنه لم يخلف شيئا، وإن أقرت بشئ حلفت أنه لم يخلف سوى ما اعترفت به ولم يصل إليها شئ من قبله وطلق عليه، ولو كان غير معروف سئلت المرأة عن صنعته ومن يعرفه فيسألون نحو الاول، وإن لم يكن له صنعة ولا من يخالطه كشف العدلان عن ذلك الاسم وعن تلك الصفة هل هي بالبلد، فإن لم توجد طلق عليه بعد يمين المرأة كما مر، ويذكر القاضي فيما يشهد به إنه رفعت إليه تلك المرأة ويذكر أمرها وذكرت أن لها زوجا اسمه وصفته كذا، وذكرت أنه غائب عن البلد وأنه خلفها على عدم النفقة وطلق عليه. فإن أتى الرجل واعترف بالزوجية وقع الطلاق موقعه، وإن أنكر لم يضر ذلك. وسئل المازري عن امرأة طارئة من المغرب تذكر أن زوجها تخلف في الطريق قبل وصوله إلى بجاية، وأرادت أن تطلق عليه وتأتي بشهود صحبتها لا يعرفون. فأجاب: لا يصح الحكم على زوج هذه المرأة بالفراق الآن لاعترافها بالزوجية وبقاء العصمة وادعت غيبته فصارت مقرة بالعصمة مدعية ما يوجب زوالها، وعلى الطريقة الاخرى لا تؤخذ بأكثر مما أقرت وقد زعمت وجها يوجب الفراق فورا لانها ذكرت أنه فارقها قبل وصوله بجاية، ومن الممكن أن يكون زوجها أخذ طريقا آخر قادما لهذا البلد طالبا لزوجته وقد عاقه عائق عن الوصول، فالواجب تسميته والبحث عن اسمه الذي تذكر في المواضع القريبة حتى يعلم أنه ليس بالقرب ليعذر إليه وأنه لا شئ له ينفق عليها منه، فينظر حينئذ بالفراق منه بالواجب والشهود غير المقبولين لا يعول عليهم والقول على إقرارها وفيه ما ذكرنا عن المذهبين. قلت: الاصل الذي أشار إليه هو تبعيض الدعوى وإجمالها. فابن القاسم يبعض الدعوى فيصيره مقرا مدعيا، وأشهب لا يؤاخذه ولا بجملة كلامه. وسئل ابن حبيب عن المرأة تقدم المدينة مع الحاج وتقول: خفت العنت وأردت التزويج ولا يعلم هل لها زوج أم لا إلا من قولها وهي من ذوات القدر والاولياء، هل يزوجها السلطان أم لا ؟ فأجاب: تزوج ولا تطلب بينة بأنها لا زوج لها إذا كانت غريبة بعيدة الوطن، وأحب السؤال لاهل معرفتها وبلدها ممن معها

________________________________________

[ 568 ]

في الرفقة سؤالا من غير تكليف شهادة، فإن استراب ترك تزويجها وإلا زوجها، وليست كمن مكانها قريب. قال ابن فرحون: كلام ابن حبيب أصل مذهب مالك لما يتقى من زوج يكون لها، فإذا ظهر خلاف قولها لم يزوجها. وبيان ذلك الرجل يأتي بامرأة ومعه صداق فيقول: اشهدوا علي بما في هذا الصداق أنه حق قبلي لزوجتي هذه وقد ضاع صداقها فقال مالك: إن أتى بشاهدين عدلين على أصل الزوجية بينهما فليشهد الشهود الذين أشهدهم على نفسه، وإن لم يأت بهم لم يقبل منه كيلا يكون نكاح بغير ولي، وهذا في غير الغرباء. قاله مالك في الديات من المدونة. وانظر هل يؤخذ ذلك من أول كتاب القذف من المدونة أو من غيره. وذكر مسألة ابن حبيب في المسائل الملقوطة عن الواضحة. وقال فيها: سئل مالك عن المرأة تقوم مع الحاج من المغرب إلى آخره وقال في آخره: ليست هذه كالحضرية ولا التي مكانها قريب انتهى. ومن البرزلي قال الغرناطي في وثائقه في تجديد الصداق: يذكر إشهاد الزوج على نفسه أن زوجته ذكرت له تلف صداقها وسألته تجديده وأجابته إلى ذلك وإقراره بما بقي عليه فيه وتضمنه معرفة الزوجية واتصالها إلى حين الاشهاد في غير الغريبين، ويذكر إشهاد المرأة على نفسها أنه لم يكن لها في التالف غير ما ذكر. وسئل أبوعمران عن المرأة تقدم بلدا ولا يدري من أي موضع قدمت، ولا من هي وتطلب التزويج، فهل يزوجها السلطان بغير إثبات موجب ؟ وكذا لو زعمت أنه كان لها زوج مات عنها أو طلقها. فأجاب: إن كان البلد قريبا كتب إليه، وإن كان بعيدا يتعذر وصول الجواب أو يكون بعد أزمنة طويلة خلى بينها وبين ما تريده إن لم يتبين كذبها. وسئل الصائغ عن طارئة على بلد تأتي لقاضيه فتذكر أن لها زوجا غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة وأخرجت صداقها مجهول الشهود واسم زوج مجهول ولا يعرف صدقها من كذبها وقد شكت الضيعة وأنها إن بقيت خافت على نفسها وحالها الفقر، فهل تطلق عليه بما تقدم ؟ جوابها للمازري كذا في هذا الاصل الذي اختصرت منه قال: ينظر في حالها ويتثبت فيه ويتلوم حتى يؤنس معرفة صدقها أو كذبها من حال الزوج ومكانه ولا مال له، أو يثبت كونها طارئة من مكان بعيد يتعذر كشف حال زوجها فتحلف اليمين الواجبة في هذا وعلى صدقها مما ذكرت، ويوقع الطلاق بشرط أن يقال: إن كان الامر كما ذكر لي. انتهى بلفظه. وقال ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الاول من الركن السادس في الحكم المعلق على شرط صدق المدعي ما نصه: مسألة في الحاوي في الفتاوى لابن عبد النور قال: سئل المازري عن امرأة مجهولة طارئة على بلد قامت على قاضيه فذكرت أن زوجها غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة ولا يعلم صدقها من كذبها وشكت المضيعة، فما ترى في أمرها، هل تطلق وتزوج أم لا ؟ فأجاب: تثبت في أمرها حتى يؤيس من العثور على صدقها من كذبها أو تثبت كونها طارئة من بلد بعيد

________________________________________

[ 569 ]

يتعذر معه الكشف عن حال الزوج، فتستحلف حينئذ اليمين الواجبة في مثل هذا وأنها صادقة فيما ذكرت، ويوقع الطلاق عليها ويكتب لها الحاكم أنه أوقع عليها الطلاق بشرط أن يكون الامر كما ذكرت اه‍. فانظر هذا كله فإنه يقتضي أنه لا يحتاج إلى البينة إذا تعذرت، وأن القاضي يطلق على الغائب ولو كانت المرأة طارئة وأن سفرها بعد زوجها حين لم يترك لها نفقة لا يكون نشوزا. وأما لو سافرت بغير إذنه لكان نشوزا، وكذلك لو طلبها بالسفر معه وكان صالح الحال معها فامتنعت من السفر معه فإن ذلك يكون نشوزا. قاله ابن الجلاب في كلامه على النفقة وغيره. وانظر الشيخ أبا الحسن في النكاح الثاني والجزولي عند قول الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول. وتقدم عن المسائل الملقوطة عند قول المصنف في باب النكاح في تعدد الاولياء فحاكم فانظره والله أعلم. فرع: فإذا لم يكن حاكم فإنها ترفع للعدول قال المشذالي في أول كتاب الصلح في خروج أحد الغريمين لاقتضاء دين لهما وأعذر إليه في الخروج وأشهد أنه يكفي الاشهاد ما نصه: جعل هنا جماعة العدول تقوم مقام السلطان ولو كان هناك سلطان. ومثله في أواخر النذور فيمن حلف ليقضين إلى أجل كذا، ومثله في الرواحل في هروب الجمال، ومثله لابن مغيث في المرأة يغيب عنها زوجها أنها تثبت عند العدول ما تثبت عند القاضي فتطلق نفسها. وذكر أبوعمران وابن مغيث تعذر تناول السلطان. المشذالي: هكذا وقع هذا كما رأيت. والذي حكاه الشيخ أبو الحسن هو إن قال ما ذكره ابن مغيث في مسألة الزوجة وما ذكره أبو عمران من أن جماعة العدول تقوم مقام الامام في المحارب وفي القصاص إنما ذلك حيث يتعذر تناول السلطان. المشذالي: وهو كلام واضح يوضح الكلام الاول انتهى. ومثله فسخ البيع الفاسد. انظر شرح ابن جماعة وكلام أبي الحسن الذي أشار إليه هو في كتاب المكاتب ونصه بعد أن ذكر عن أبي عمران أن المكاتب إذا بعث لسيده بكتابته فلم يقبلها لا يخرج من الرق حتى يقضي عليه القاضي بذلك إلا أن يكون ببلد لا حكم فيه فليشهد ويكون ذلك كالحكم. الشيخ: انظر جعل أبي عمران هذا الاشهاد مقام الحكم، وكذلك في المحارب وكذلك في الديات وإذا ترك بنتا وعصبة فاختلفا ولا إمام. وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة العدول تقوم مقام الامام انتهى. وقال البرزلي في أثناء مسائل الاقضية: سئل السيوري عمن غاب إلى مصر وله زوجة لم يخلف لها نفقة إلا ما لا يفي بصداقها وليس في البلد قاض، وربما كان فيه أمير من قبله فحلف بالمشي إلى مكة أنه لا يحكم فيه ولا ينظر في طلاق، وربما كان بين البلد والامير نحو ثمانية أميال والخوف بينهم عام، وربما انجلى الخوف في بعض الاوقات، فهل تقوم الجماعة مقام القاضي في هذه النازلة وغيرها، أو يجب على أمينه أن يحنث نفسه ويحكم أم لا ؟ جوابها: إذا تحرج الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الاشياء، فيجتمع أهل الدين

________________________________________

[ 570 ]

والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك. قال البرزلي: قلت: تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم شئ منها انتهى. وانظر مسائل السلم من البرزلي والجهاد من المشذالي، وقد ذكر بعض كلامه في الوصايا وفي باب الاقضية شئ من هذا والله أعلم. مسألة: إذا قامت المرأة بالطلاق لعدم النفقة في غيبة الزوج فتطوع بها متطوع، فذكر المشذالي في حاشية المدونة في كتاب الاجارة في ذلك قولين ونصه في شرح قول المدونة: ولو تطوع رجل بأدائها لم يفسخ. قلت: ويؤخذ من هنا ما نص عليه أبو بكر بن عبد الرحمن في مسألة اختلف فيها مع ابن الكاتب رأيناها في حاشية نسخة من نوازل ابن رشد ونصها: سئل عن رجل غاب عن زوجته فقامت المرأة وادعت أنه لم يترك لها زوجها شيئا ورفعت أمرها إلى السلطان وأرادت الفراق إذا لم يترك لها زوجها نفقة، ثم إن رجلا من أقارب الزوج أو أجنبيا عنه قال لها: أنا أؤدي عنه النفقة ولا سبيل لك إلى فراقه. فقال ابن الكاتب: لها أن تفارق لان الفراق قد وجب لها. وقال ابن عبد الرحمن: لا مقال لها لان عدم النفقة الذي أوجب لها القيام قد انتفى. قلت: وقد أشار ابن المناصف إلى هذا فقال ما حاصله: قيام الزوجة في غيبة زوجها على وجهين: أحدهما: لترجع بما تنفق عليه وفائدته قبول قولها من حين الدفع. الوجه الثاني: لتطلق نفسها لعدم الانفاق، فإذا أثبتت الزوجية والمغيب ولم يترك‍ لها شيئا ولم يخلف ما يعدى فيه ولم يتطوع بالنفقة عنه ودعت إلى الطلاق إلى آخره، فظاهره أن التطوع بإجراء النفقة يسقط مقالها كقول ابن عبد الرحمن وهو الذي تقتضيه المدونة في النكاح الثاني في قوله: إلا أن يتطوع الزوج بالنفقة انتهى بلفظه. فرع: قال في أحكام ابن سهل في أول القضاء في مسائل الغائب ما نصه: مملوكة غاب سيدها وأثبتت عدمه في ملكه لها وأنه لم يخلف عندها شيئا ولا بعثه إليها ولا مال لها تنفقه ولا له مال تعدى فيه في علم من شهد بذلك، فأفتى ابن عتاب وابن القطان بأمر القاضي ببيعها ويقبض ثمنها للغائب ويوقفه عند ثقة انتهى. ونقله ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس في التنبيه على أمور تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول انتهى. تنبيه: قوله: ولا لها مال تنفقه يدل على أنه إذا كان لها خراج عليها الاكل منه فإنها لا تباع وتأكل من خراجها. وقال في معين الحكام في كتاب الاقضية إثر كلام ابن سهل المتقدم ما نصه: تنبيه: ينبغي للحاكم أن يكلفها أنها عاجزة عن استعمالها فيما يستعمل فيه مثلها لتنفق

________________________________________

[ 571 ]

منه على نفسها. وقال ابن عتاب: مثله في أم الولد التي غاب عنها سيدها والمملوكة أحرى انتهى. وقال في التوضيح: فرع: ولو كانت المرأة أم ولد غاب عنها سيدها وأثبتت مغيبه، فإن الحاكم يتلوم لسيدها الشهر ونحوه، ثم ينجز عتقها على الغائب. هكذا قال ابن عتاب والقرشي وروى ذلك ابن زياد. وقال ابن الشقاق وابن العطار: لا تعتق وتسعى في معاشها. وبه قال ابن القطان قال: وتبقى حتى يصح موت سيدها أو ينقضي تعميره. ابن سهل: والاول هو الصواب. واحتج الاولون بقول أشهب إذا عجز الرجل عن نفقات أمهات أولاده أهن بمنزلة أزواجه إذا لم يقم بأمرهن فيضرب له أجل شهر ونحوه، فإن وجد لهن أدنى ما يكفي وإلا أعتقن عليه. ابن سهل: قلت لابن عتاب: هل عليها عدة إذا حكم بعتقها ؟ قال: تعتد بحيضة. قلت: وهل عليها يمين أن سيدها لم يخلف عندها شيئا ولا أرسل إليها شيئا كما يلزم زوجة الغائب ؟ قال: لا يمين عليها وبذلك أفتيت لطول أمد المغيب انتهى. وقال ابن عرفة: ومن أعسر بنفقة أم ولده فقيل: تزوج ولا تعتق وقيل تعتق، وكذا إن غاب سيدها ولم يترك لها نفقة. وانظر تمامه فيه ثم قال الصقلي عن بعض القرويين: إن لم يكن في خدمة المدبر ما يكفيه في نفقته أو أعسر السيد بها عتق عليه انتهى. وانظر ما حكم المعتق إلى أجل والظاهر أنه مثله والله أعلم ص: (وله الرجعة إن وجد في العدة يسارا) ش: فإن لم يجد فلا رجعة له، فلو رضيت الزوجة بالرجعة مع عدم اليسار كانت رجعة. قاله في الواضحة وغيرها. وقال سحنون في السليمانية: لا تصح الرجعة. انتهى من التوضيح. فرعان: الاول: قال في التوضيح: ولم يتعرض ابن الحاجب لقدر الزمان الذي إن أيسر به كانت له الرجعة. واختلف في ذلك. ولابن القاسم وابن الماجشون: إن أيسر بنفقة الشهر وإلا فليس له الرجعة. وفي كتاب ابن مزين: قوت نصف شهر فأكثر. وعن ابن الماجشون: إذا وجد ما لو قدر عليه أو لا لم يطلق عليه. قال ابن عبد السلام: وينبغي أن تتنزل هذه الاقوال

________________________________________

[ 572 ]

على ما إذا ظن مع ذلك أنه يقدر على مداومة النفقة في المستقبل وقبله في التوضيح. الثاني: قال في التوضيح: قال في البيان: إذا قدر أن يجريها مياومة وكان يجريها قبل الطلاق كذلك فله الرجعة، وإن كان يجريها قبل الطلاق مشاهرة فاختلف في ذلك فقيل له الرجعة وقيل لا انتهى ص: (وفرض في مال الغائب) ش: قال الشارح في الكبير: قال فيها يعني المدونة: ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه انتهى. وقوله: يعدى قال أبو الحسن الصغير: قال عياض في المشارق: والاستعداء طلب النصرة. وقيل: طلب الاعانة ومعناه يحكم. انتهى من كتاب الزكاة الاول. وكلام المدونة هو في أواخر النكاح الثاني، وقد يتبادر منه أنه إذا لم يكن للغائب مال يعدى فيه لا يفرض الحاكم لها النفقة عليه ولو علم أنه ملئ في غيبته كما نبه على ذلك ابن عرفة وسيأتي كلامه. وليس كذلك إن علم أنه موسر في غيبته فرض لها عليه، وإن علم عسره أو جهل أمره لم يفرض لها عليه. قال في العتبية في آخر رسم من سماع يحيى من طلاق السنة وهو رسم أول عبد ابتاعه قال: وسألته عن الرجل يغيب عن أهله وله أولاد صغار في حجر أمهم تلزمه نفقتهم، فإذا قدم ادعت امرأته وهي أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها، أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل ما يبرأ به من نفقتها إذا زعم أنه كان يبعث بها إليها ولا يكون لها عليه شئ إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان ؟ قال: حالها فيما تدعي من الانفاق من مالها بمنزلة ما تدعي أنها أنفقت على نفسها إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم لم تصدق، وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم وحسبه لها عليه من يوم يفرضه وكان لها دينا تتبع به، قال ابن رشد: قوله: إن الرجل يبرأ من نفقة ولده الذي في حجره مع زوجته أمهم بما يبرأ به من نفقة زوجته صحيح لانه مؤتمن على ذلك وأما قوله: وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم قوله. فمعناه إذا عرف ملاوه في غيبته وذلك أنه لا يخلو في مغيبه من ثلاثة أحوال. أحدهما: أن يكون معروف الملا. والثاني: أن يكون معروف العدم. والثالث: أن يكون حاله مجهولة إذا كان معروف الملا فإن النفقة تفرض لها عليه على ما يعرف من ملئه فتتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته. هذا معنى

________________________________________

[ 573 ]

قول ابن القاسم هنا، ونص قول ابن حبيب في الواضحة. وظاهر قوله فيها أنه لا خيار للمرأة في فراقه كما يكون ذلك لها في المجهول الحال، ومعنى ذلك إذا كان لها مال فتنفق منه على نفسها وما لم تطل إقامته عنها على ما مضى في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم، وفي رسم شهد من سماع عيسى. وأما إن كان معروف العدم فلا يفرض لها السلطان إذ لا يجب على المعدم لامرأته عليه نفقة ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم، وإن أحبت الصبر عليه كتب لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر أنها قامت عنده عليه طالبة لنفقتها، فإن قدم وعلم أنه كان له مال كان القول قولها إنها أنفقت على نفسها من ذلك اليوم إن ادعى أنه خلف عندها أو بعث إليها. وأما إذا كان مجهول الحال لا يعرف ملؤه في غيبته من عدمه فقال في المدونة: إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها. وقال ابن حبيب في الواضحة: إنها إن أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته وجب عليه لامرأته فريضة مثلها من مثله. وسيأتي في سماع أصبغ القول في فرض نفقة الابوين وبالله عزوجل التوفيق. اه‍ كلامه بلفظه ونقله في التوضيح باختصار. ونصه في شرح قول ابن الحاجب: فإن كان له مال بيع وفرض منه. فرع: وإن أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة إذا لم يكن له مال حاضر فقال ابن القاسم: لا يفرض عليه شئ حتى يقدم إذا علم عدمه أو جهل أمره. وفي البيان عن ابن حبيب: إذا أحبت الصبر عليه أشهد السلطان عليه إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته فقد أوجبت عليه فريضة مثلها من مثله، أما إن علم أنه موسر فإنه يفرض لها نفقة مثلها. قال في الموازية: وتداين عليه ويقضى لها اه‍. ونقل ابن عرفة من كلام ابن رشد الحالة الثالثة فقط وهي ما إذا جهلت حاله فقط، وأما إذا عرف ملؤه أو عدمه فنقله عن المتيطي وحكى عنه فيما إذا علم عدمه قولين ونص كلامه: وفيها لا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال تعدى فيه. قلت: ظاهره إن لم يكن ذلك لم يفرض. وقال المتيطي: إن علم أنه ملئ في غيبته فرض لها القاضي نفقة مثلها وكان دينا لها عليه تحاص به غرماءه وإذا قدم أخذته به، وإن كان معدما في غيبته فالمشهور لابن القاسم أنه لا يفرض لها. وقال في الموازية: تداين عليه ويقضى لها. قلت: فهذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر. قلت: ولابن رشد في آخر مسألة من سماع يحيى من طلاق السنة: إن جهل ملؤه من عدمه ففيها لا يفرض لها السلطان عليه نفقة حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض لها. وقال ابن

________________________________________

[ 574 ]

حبيب: إن أحبت الصبر أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليئا في غيبته فقد أوجبنا لها عليه فريضة مثلها من مثله اه‍. تنبيهات: الاول: ما حكاه المتيطي عن الموازية من أنها تتداين عليه ويقضى لها في مسألة ما إذا علم عدمه في غيبته وجعله قولا ثانيا مخالف لما تقدم في كلام التوضيح من أن كلام الموازية المذكور من تتمة القول بفرض النفقة لها عليه في مسألة ما إذا علم ملؤه في غيبته، ولهذا استشكله ابن عرفة بقوله قلت: هذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر فتأمل ذلك والله أعلم. الثاني: علم من كلام العتبية المتقدم وتسليم ابن رشد له بما شرحه به أن نفقة الولد تفرض على الولد في غيبته إذا كان موسرا والله أعلم. الثالث: ما أشار إليه ابن رشد في آخر كلامه في القول في فرض النفقة على الابوين وأنه في سماع أصبغ ذكره في رسم الاقضية من سماعه من كتاب طلاق السنة، ولا بأس بذكره ليستفاد به مع ما تقدم حكم فرض النفقة على الغائب للزوجة والولد والابوين ونصه: قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يغيب ويحتاج أبواه أو امرأته وله مال حاضر فيرفعانه إلى السلطان. قال: يباع ماله وينفق عليهن، فإن لم يكن له مال أيؤمران أن يتداينا عليه ويقضى لهما بذلك ؟ قال: أما الزوجة فنعم، وأما الابوان فلا، لانهما لو لم يرفعوا ذلك حتى قدم فأقر لهم جميعا بذلك غرم للمرأة ولم يكن عليه أن يغرم ذلك للابوين وإن أقر لهما، لان المرأة نفقتها عليه، موسرة كانت أو معسرة، والمرأة تحاص الغرماء إذا رفعت ذلك وكان يوم أنفقت موسرة والابوان ليسا كذلك. وقال أصبغ: فنفقة الابوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما يستحقانها ويجد له ما لا يعديهما فيه وإلا فلا. قال ابن رشد: قوله: إن مال الغائب يباع في نفقة أبويه هو مثل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، وكان الشيوخ يفتون أن أصول الغائب لا تباع في نفقة أبويه بخلاف زوجته، ويتأولون أن المراد بمال الغائب الذي يباع في نفقة أبويه عروضه لا أصوله. والفرق عندهم في ذلك بين نفقة الزوجة ونفقة الابوين، أن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها، ونفقة الابوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته وأنه لا دين عليه يغترق ماله. وكان القياس أن لا تباع عليه أيضا عروضه في مغيبه لاحتمال أن يكون حين الحكم عليه بذلك ميتا، وأن يكون عليه دين يغترق عروضه إلا أن ذلك في العروض استحسان، وبهذا المعنى فرقوا أيضا بين نفقة الزوجة والابوين في أن الابوين لا يفرض لهما النفقة عليه في مغيبه وإن كان موسرا إذا لم يكن له مال حاضر ولا يؤمران أن يتداينا عليه، فإن فعلا لم يلزمه من ذلك شئ بخلاف الزوجة في ذلك كله، ويلزم على الفرق الذي ذكرناه لو كانت النفقة قد فرضت لهما عليه قبل مغيبه فغاب وترك أصوله أن تباع عليه في

________________________________________

[ 575 ]

نفقتهما. وقوله: إن المرأة تحاص الغرماء بما أنفقت من يوم رفعت إذا كان يوم أنفقت موسرا يدل على أنها لا تحاص إلا في الدين المستحدث مثل قول سحنون في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم وقد مضى بيان ذلك هناك والله أعلم وبالله التوفيق اه‍. واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية فقط وأتى به استشهادا على مسألة سئل عنها ابن رشد وهي من أنفق على أبويه وله إخوة فأراد الرجوع على إخوته بما ينوبهم. وسيأتي كلامهما عند قول المصنف: وهل على الرؤوس أو الارث والله أعلم. وقال في أحكام ابن سهل في القضاء في مسائل الغائب: رجل غاب منذ عشرين عاما وأثبت أبوه أنه فقير عديم وأن له دارا ودعا أن تباع وينفق عليه من ثمنها، فأفتى ابن عات: لا سبيل إلى بيع هذه الدار بسبب الاب الطالب للنفقة وهو مما لا اختلاف فيه. وكان ابن مالك وابن القطان قد ماتا وأفتى غيره: يجب بأن يحلف الاب ما له مال معلوم وأنه لفقير عديم وتباع الدار وينفق من ثمنها على الاب وزوجته. وقال بعضهم: يمين الاب في هذا مختلف فيها. وذكر ابن العطار أن ابن لبابة أفتى بهذا، ثم تكلمت فيها مع ابن عتاب فقال لي: هذه الاجوبة كلها خطأ ولا نفقة للاب إلا بعد ثبوت حياة الابن وبتيقن ذلك قد يكون غنيا أو مديانا. قال: ولا حجة بما في طلاق السنة من إيجابه الانفاق من مال من فقد على زوجه وبنيه، لان نفقة هؤلاء قد كانت لزمت المفقود إذا كان حاضرا فلا ترتفع عنه إلا بصحة وفاته. ولو باع الحاكم دار الغائب قبل صحة حياته وأنفق على الاب ثمنها لزمه الغرم لانه من الخطأ الذي لا يعذر فيه، ولكني أرى أن تكرى الدار ويعطى للاب ما يرتفق به استحبابا على سبيل السلف ويخص ذلك بالتسجيل اه‍. وفي نوازل ابن رشد في آخر كتاب الانكحة أنه سئل عما ذكره ابن سهل يعني كلامه المتقدم فأجاب: إنما حكى ذلك يعني ابن سهل عن الشيخ محمد بن عتاب وهو صحيح لان نفقة الابوين قد كانت ساقطة عنه ولا تجب عليه لهما حتى يطلباه بها، فإذا غاب عنهما لم يصح أن يحكم لهما عليه في مغيبه وتباع عليه فيها أصوله لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت قد مات، أو قد استدان من الديون ما يستغرقها، أو يكون أحق بها من نفقتهما، وذلك بخلاف نفقة الزوجة. والفرق بينهما أن نفقة الابوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته وأنه لا دين عليه يغترق ماله، وأن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته أو استغراق ذمته بالديون، وهذا من باب استصحاب الحال وهو أصل من الاصول يجري عليه كثير من الاحكام من ذلك: الفرق بين من أكل شاكا في الفجر أو شاكا في الغروب، والفرق بين من أيقن بالوضوء وشك في الحدث بعده وبين من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده، ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة من المدونة في المفقود يموت بعض ولده في تفرقته بين أن يفقد وهو حر أو يعتق بعد أن فقد، ومثل هذا كثير. وأما قوله: إن الحاكم يضمن إن فعل لانه من الخطأ الذي لا يعذر فيه فليس بصحيح وإن كان الشيخ ابن عتاب قد قاله فإنما قاله انحرافا

________________________________________

[ 576 ]

لمخالفة من خالفه من أصحابه وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة الابوين. وإنما قلنا: إن ذلك ليس بصحيح لان ابن المواز حكى الاجماع في ذلك، وإن وجد في بعض المسائل الخلاف في ذلك فهو شذوذ خارج عن الاصول. وما في إرخاء الستور منها وسماع أصبغ في العتبية من بيع مال الغائب ونفقة أبويه يحمل على ما عدا الاصول استحسانا أيضا على غير قياس، لان القياس على ما ذكرناه أن لا ينفق عليهما في مغيبه بشئ من ماله إذ لا يؤمن من أن يكون قد مات أو قد استدان من الديون ما هو أحق به من نفقة أبويه، ولهذه العلة قالوا: إن الغائب لا يؤخذ من ماله الناض الزكاة وبالله التوفيق انتهى. فرع: ونقل البرزلي كلام ابن رشد هذا في مسائل الانكحة، ونقل ابن عرفة كلام المدونة وكلام ابن سهل وابن رشد في كلامه على نفقة الوالدين من مختصره، وكلام المدونة المشار إليه في إرخاء الستور هو قبل ترجمة الحكمين بأسطر ونصه بعد أن ذكر نفقة الزوجة ونفقة الاولاد ونفقة الابوين ويعدى على الغائب في بيع ما له للنفقة على من ذكرنا انتهى. فرع: قال البرزلي في مسائل الانكحة: وسئل المازري عمن أثبتت غيبة زوجها وعدم نفقته وأنه لا مال له سوى ربع وأمرت باليمين فحلفت ونودي على الربع واستقر على المشتري ولم ينعقد البيع، فهل يعدى لها بالنفقة من يوم الحلف أو من الحكم بالبيع ؟ فأجاب: الاعداء بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع انتهى. وكررها في موضع آخر وقال عقيبها: قلت: تقدم أنه يفرض لها مما ذكرت أنه بيدها من يوم الرفع انتهى ص: (وأقامت البينة على المنكر) ش: مفهومه أنه لو أقر لم يحتج لاقامة البينة وهو ظاهر كلامه في أواخر النكاح الثاني من المدونة. قال المشذالي وسحنون: إنه لا يقضى لها بما ذكره ابن سهل وابن رشد وهو أنه يقر للغائب بالدين ليوجب عليه خلطة ثم يدعي عليه بأكثر مما أقر به. وقال ابن رشد في سماع يحيى من كتاب الشهادات: إذا أراد الموثق أن يحترز من هذا فيكتب: أقر لفلان بدين بغير محضره. انظر بقية كلامه. ونقل ابن فرحون في آخر الفصل الخامس في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى فيه على إثبات فصول أنه لا يكتفى بإقرار الخصم بالدين واقتصر على ذلك ونصه.

________________________________________

[ 577 ]

مسألة: قامت امرأة على رجل غائب تدعي عليه وذكرت أن للغائب دينا على رجل حاضر قد حل عليه وأحضرت العقد المكتوب على الغريم الحاضر، فحضر غريم الغائب مجلس الحكم وأقر بالدين وبصحة العقد وأن الدين باق عليه للغائب، وأثبتت عند الحاكم غيبة غريمها، فأفتى ابن مالك وابن عتاب أن إقرار غريم الغائب لا يكتفى به وأن القاضي يلزم المرأة القائمة بإثبات العقد، فإذا ثبت أمرها بالحلف في مقطع الحق مما يجب عليها أن تحلف ويتقاضى يمينها من يقدمه القاضي لذلك، فإذا حلفت أمر غريم الغائب بإحضار ما عليه ويدفع للمرأة حقها وترجى الحجة للغائب وإن لم يكن الاعذار إليه انتهى. وما أفتيا به ونقل عن سحنون فالظاهر أنه مخالف للمشهور فتأمله والله أعلم ص: (وبيعت داره بعد ثبوت ملكه) ش: تصوره واضح مما تقدم عند قول المصنف: وفرض في مال الغائب. فرع: قال البرزلي في مسائل التفليس: يجب على من قام على غائب بدين إثبات الدين وملك الغائب وحيازته عن أمر القاضي وثبوت الحيازة عنده وغيبة المطلوب وأنه بعيد بحيث لا يعلم ثم يحلف أنه ما قبض دينه ثم يقضى له ببيع الملك ويقضى دينه وترجى الحجة للغائب، فإذا قدم وأثبت أنه قضاه فلا سبيل إلى نقض مبيع الملك ويرجع على الطالب بما قبض من الدين. وحكى التونسي في كتاب الاستحقاق أنه ينقض البيع ودفع الثمن للمشتري. وفي العتق من الواضحة ما يدل على هذا في مسألة من أعتق له شركا في عبد قال البرزلي. قلت: ومثل الاول للخمي في كتاب التخيير قال: ينفذ البيع إذا فات لانه لم ينفذ إلا

________________________________________

[ 578 ]

على الذمة. وفي الطرر: إذا ادعى الراهن أنه دفع الدين وأنكر المرتهن، فإن لم يشترط في العقد التصديق وأقام بينة على الدفع انتقض البيع، وإن لم تقم بينة حلف المرتهن وينفذ البيع، وإن نكل حلف الراهن لقد أوفاه وسقط الدين ونفذ البيع ويدفع المرتهن الثمن إلى الراهن، وإن اشترط التصديق في العقد فله شرطه وينفذ البيع. قاله ابن فتحون قال: وهو مثل ما ذكر التونسي وخلافه ما ذكر اللخمي انتهى ص: (وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه) ش: قال في الشامل: وإن تنازعا في عسره في الغيبة ولا بينة فثالثها لابن القاسم إن قدم معسرا صدق وإلا صدقت انتهى. فعلم أنه إنما يعتبر حاله إذا لم تكن بينة والله أعلم. وانظر رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة ص: (وفي إرسالها بالقول قولها إن رفعت من يومئذ لحاكم) ش: يعني وإن تنازعا في إرسال النفقة، فإن رفعت المرأة أمرها لحاكم في غيبة الزوج فالقول قولها من يومئذ يعني من يوم الرفع. قال ابن فرحون: الثالث يعني من الاقوال المشهورة لابن القاسم قال: إن رفعت أمرها إلى الحاكم فالقول قولها من يوم الرفع انتهى. والظاهر أن حكم الكسوة حكم النفقة والله أعلم. تنبيه: قال أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب النكاح الثاني: وهذا فيمن هي في العصمة، وأما المطلقة الحامل فالقول قولها، كان الطلاق بائنا أو رجعيا. قاله ابن رشد انتهى. ص: (لا لعدول وجيران) ش: قال ابن عرفة: الذي استمر عليه عمل قضاة بلدنا أن الرفع إلى

________________________________________

[ 579 ]

العدول كالرفع إلى السلطان والرفع إلى الجيران لغو. ص: (كالحاضر ش: يعني أن القول قوله مطلقا ص: (وحلف لقد قبضتها) ش: راجع إلى الغائب والحاضر. قاله في التوضيح والشامل وغيرهما. وقال في الشامل: ويعتمد في يمينه على كتابها أو رسولها انتهى. ونص كلامه في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وأما الحاضر فالقول قوله للعرف. حكى في لبيان الاتفاق على ذلك لان العرف يشهد بصحة قوله ولا بد له من اليمين. صرح بذلك صاحب الكافي. وفي الطرر قال ابن رشد: إنما يصدق الرجل أنه دفع النفقة إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان ينفق عليها أو كان يدفع إليها نفقتها أو ما تنفق شيئا بعد شئ أو في جملة واحدة، وأما إن ادعى أنه دفع إليها مائة دينار عن نفقتها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق إجماعا، وحكى ابن زرب خلافه وخطأه. انتهى كلام التوضيح ص: (وفيما فرضه فقوله إن أشبه وإلا فقولها إن أشبه) ش: فاعل: فرضه ضمير يعود إلى الحاكم أعم من أن يكون حاكمها هو الفارض أو حاكم غيره. كذا ارتضاه في التوضيح. واختلف هل هذا الحكم إذا قلنا فيما مضى، وأما

________________________________________

[ 580 ]

المستقبل فالحكم فيه استئناف النظر من غير نظر قول مدعي الاشبه أو هذا الحكم مطلقا. ذكره عياض ونقله في التوضيح ص: (وفي حلف مدعي الاشبه تأويلان) ش: التأويل بلزوم اليمين رجحه عياض وارتضاه ابن عبد السلام. فرع: قال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام: ولو أقام أحدهما شاهدا بأن الحاكم فرض بينهما كذا وكذا فيجري على الخلاف في حكم القاضي هل يثبت بشاهد ويمين انتهى. قال أبو الحسن في شرح هذه المسألة في أواخر النكاح الثاني: ابن رشد: والمشهور أن حكم الحاكم في المال يثبت بالشاهد واليمين انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف في باب القضاء وشاهدين مطلقا والله أعلم. فصل في نفقة الرقيق والدواب والقريب وخادمه والحضانة ص: (إنما تجب نفقة رقيقه ودوابه إن لم يكن مرعى وإلا بيع) ش: الحصر راجع إلى النفقة الواجبة بالملك. وقوله: تجب نفقة رقيقه يريد وكسوته بالمعروف كما قاله في آخر سماع أشهب من كتاب الاقضية ونصه: مسألة: قال: قال رسول الله (ص): للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف العبد من العمل ما لا يطيق قيل لمالك: افترى أن يقضي على مالكه ولا يكلفه من العمل ما لا

________________________________________

[ 581 ]

يطيق ؟ فقال: نعم أرى أن يقضي بذلك عليهم ولا يكلفوا من العمل إلا ما يطيقون. قال ابن رشد: الحديث هو حديث الموطأ من رواية أبي هريرة. ومعنى: بالمعروف أي من غير إسراف ولا إقتار على قدر سعة السيد وما يشبه حال العبد أيضا، فليس الوغد الاسود الذي هو للخدمة والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف انتهى. وقال الباجي في شرح الموطأ في كتاب الاقضية في نحر ناقة المزني: يلزم الرجل أن لا يجيع رقيقه عن شبعهم الوسط أو يبيعهم انتهى. فائدة: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم في بيان معنى المعروف في قوله في الحديث: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف. وفي هذا دليل ظاهر على أن لا يلزم الرجل أن يساوي بين نفسه وعبيده في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم لقول النبي (ص): أطعموهم مما تأكلون واسكوهم مما تلبسون وقد روي عن أبي اليسر الانصاري وأبي ذر من أصحاب رسول الله (ص) أنهما كانا يفعلان ذلك، وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير لا أن ذلك واجب عليهما إذا لم يقل (ص) أطعموهم مثل ما تأكلون واكسوهم مثل ما تكتسون وإنما قال: مما تأكلون ومما تلبسون، فإذا أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل من الخبز والادام ويلبس من الصوف والقطن والكتان فقد شاركه في مطعمه وملبسه وامتثل بذلك قول النبي (ص)، وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه ومطعمه مثل مطعمه سواء فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض. وقد سئل مالك في سماع أشهب

________________________________________

[ 582 ]

من كتاب الجامع: أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها ؟ قال: أي والله إني لاراه من ذلك في سعة. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث أبي الدرداء ؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت انتهى. وقوله: ودوابه إن لم يكن مرعى يريد وكذلك إن لم يكن المرعى يكفيها. قال في الجواهر: ويجب على رب الدواب علفها أو رعيها إن كان في رعيها ما يقوم بها. وقاله في التوضيح وغيره انتهى. وقال ابن فرحون: وأما إن كان المرعى يكفيها فإنما يجب عليه أن يرعاها بنفسه أو بأجرة انتهى. وما ذكره المصنف، وقاله في الجواهر نقله ابن عرفة عن أبي عمر، ونقل عن ابن رشد ما يخالفه وناقشه في ذلك واستصوب ما قاله أبو عمر. ولنذكر كلام ابن رشد من أصله ومناقشة ابن عرفة له. قال ابن رشد إثر قوله المتقدم في العبد: ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له بالمعروف في مطعمه وملبسه بخلاف ما يأكله من البهائم فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك ذلك عنها ولا يقض عليه بعلفها. وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل يعلف دابته كما يقضى عليه بنفقة عبده لما جاء أن رسول الله (ص) دخل حائط رجل من الانصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي (ص) رق له وذرفت عيناه فمسح رسول الله (ص) سروه وذفريه حتى سكن ثم قال: من رب هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الانصار فقال: هو لي يا رسول الله. فقال رسول الله (ص): أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه. والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها، فكما يقضى عليه يقضى له، والدابة غير مكلفة لا يجب عليها حق لا يلزمها جناية فكما لا يقضى عليها لا يقضى لها. انتهى كلام ابن رشد بلفظه ونقله ابن عرفة برمته، وقال بعده: قلت: تعذر شكوى الدابة يوجب أحروية القضاء لها، وذكر أبو عمر في العبد ما تقدم وقال: ويجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في رعيها ما يكفيها أو يبيعها أو يذبح ما يجوز ذبحه ولا يترك يعذبها بالجوع. قلت: ولازم هذا القضاء عليه لانه منكر وتغيير المنكر واجب القضاء به، وهذا أصوب من قول ابن رشد. وقوله: مسح سروه أي ظهره. الجوهري: سراة كل شئ ظهره ووسطه والجمع سروات. والذفر بالذال المعجمة. الجوهري: هو الموضع خلف أذن البعير أول ما يعرق منه. انتهى كلام ابن عرفة بلفظه والله أعلم. وقوله: وإلا بيع أي وإن لم ينفق على رقيقه أو على دابته حيث تلزمه النفقة عليهم فإنهم يباعون عليه، يريد إلا الحيوان المأكول فإنه لا يتعين عليه البيع بل يخير بين الذبح والبيع كما تقدم في كلام أبي عمر. وما قاله في الجواهر وغيرها ونص الجواهر إثر كلامه المتقدم فإن أجدبت الارض تعين عليه العلف، فإن لم يعلف أمر بأن يذبحها أو يبيعها إن كانت يجوز أكلها ولا يترك وتعذيبها بالجوع أو غيره انتهى.

________________________________________

[ 583 ]

فروع: الاول: نفقة العبد المشترك على قدر الانصباء، والمعتق بعضه كالمشترك، والمدبر والمعتق إلى أجل كالقن والمخدم المشهور أن نفقته على من له الخدمة، وقيل على سيده وقيل إن كانت الخدمة يسيرة فعلى السيد وإلا فعلى من له الخدمة. انتهى بالمعنى من ابن عرفة. الثاني: قال ابن عرفة: قال ابن حارث: اختلف في الامة المستحقة تكون حاملا ممن استحقت منه فقال ابن عبد الحكم: نفقتها على مستحقها. وقال يحيى بن عمر: بل هي على من هي حامل منه، وقول يحيى هذا جيد لان الجنين حر. قلت: الاظهر إن كان في خدمتها قدر نفقتها أنفق عليها منه انتهى. الثالث: قال الشيخ يوسف بن عمر: من كان له شجر ضيعها بترك القيام بحقها فإنه يؤمر بالقيام فيها، فإن لم يفعل فإنه مأثوم ولم نسمع أنه يؤمر ببيع ذلك إذا فرط فيه انتهى. وقاله الجزولي أيضا وزاد: ويقال له ادفعها لمن يخدمها مساقاة لجميع الثمرة انتهى والله أعلم ص: (كتكليفه من العمل ما لا يطيق) ش: يعني أنه كما يباع عليه رقيقه ودوابه لعدم النفقة عليهم حيث تلزمه النفقة عليهم فكذلك يباعون عليه إذا كلفهم من العمل ما لا يطيقون. وقوله: ما لا يطيق يريد ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد لا ما لا يطيقه أصلا ولذلك قال مالك: لا يكلف العبد الصغير الذي لا صنعة له الخراج لانه لا يجد ما يخدم فيؤدي إلى أن يسرق، وكذلك الامة لانه يؤدي إلى أن تسعى بفرجها. وروي هذا عن عثمان. كذا قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا يكلف من العمل ما لا يطيق. وقال أيضا: وسئل مالك: هل للسيد أن يقيم عبده للطحن بالليل ؟ فقال إذ كان يخدم بالنهار فلا ينبغي لسيده أن يقيمه بالليل ليطحن إلا الشئ الخفيف، وإن كان لا يخدم بالنهار يجوز ذلك. انتهى. ونقله ابن عمر وقال: لا يخدم بالليل إلا ما خف من الاعمال انتهى. والمسألة في كتاب الاجارة من المدونة في ترجمة الاجير يفسخ إجارته في غيرها ونصها: ومن آجر أجيرا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله وليس مما يمنعه النوم إلا في أمر يفرض مرة بعد المرة يستعمله فيه بعض ليلة كما لا ينبغي لارباب العبيد إجهادهم، فمن عمل

________________________________________

[ 584 ]

منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهاره فليستطحنه ليله إن شاء من غير إفداح ويكره ما أجهد أو قل منه انتهى. تنبيه: قال في الجواهر: لا يتعين ما يضرب على العبد من خراج بل عليه بذل المجهود انتهى. وقوله: كتكليفه الضمير راجع إلى المملوك المدلول عليه بالرقيق والدواب. فأما الرقيق فقال في التوضيح: فرع: إذا تبين ضرره بعبده في تجويعه وتكليفه من العمل ما لا يطيق وتكرر ذلك منه بيع انتهى. وما ذكره في التوضيح هو نص كلام ابن رشد وسيأتي ذلك في أثناء كلام له عند قول المصنف: وإعفافه بزوجة. وتقدم في باب النفقات عند قول المصنف: وإن غائبا حكم ما إذا أعسر السيد بنفقة أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل أو غاب وتركهم، وأما إن أضر بهم فقال في النوادر في آخر ترجمة الرفق بالمملوك من كتاب الاقضية الثاني ناقلا له عن العتبية وقال: يعني أشهب في مدبر أضر به سيده ويؤدبه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه. قال أصبغ: إنه لا يباع عليه اه‍. والمسألة في العتبية في كتاب السلطان في ثاني مسألة من سماع أصبغ ونصها: وسئل يعني أشهب عن المدبر يضر به سيده ويؤدبه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه. قال أصبغ: ولا يباع لان المدبر لا يباع على حال في الحياة ولا تنقض الضرورة التدبير لانه عتق. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع كما يباع عليه عبده إذا أسلم وبالله التوفيق اه‍. والظاهر أن المعتق إلى أجل مثله، وانظر أم الولد هل تؤاجر أو تعتق والله أعلم. وأما الدواب فقال الشيخ يوسف بن عمر عند قول الرسالة في باب التعالج: ويرتفق بالمملوك والرفق بسائر الحيوان أيضا مطلوب، فلا يجوز له أن يحمل دابته ما لا تطيق ولا يعرى ظهرها، فإن لم يقم بحق الحيوان فإنه يقال له إن لم تقم بحقها وإلا تباع عليك اه‍. ونحوه قول الجواهر المتقدم، ولا يترك وتعذيبها بالجوع ونحوه. تنبيه: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ويكره الوسم في الوجه ويجوز أن يحمل على البغال والحمير ويجوز ركوبها. قال ابن العربي: ولا خلاف في البقر أنه لا يجوز أن يحمل عليها وإنما اختلف في ركوبها هل يجوز أم لا قولان. الشيخ: وإنما كره ابن العربي أن يحمل عليها لما رأى بعض الناس حمل على بقرة فقالت له: ألهذا خلقت اه‍. والله أعلم. فرع: قال الزناتي: يجوز للعبد أن يقول لسيده يا سيدي ويا مولاي ولا يقول ربي اه‍. ص: (وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين) ش: يريد سواء كانا مسلمين أو كافرين،

________________________________________

[ 585 ]

كان هو مسلما أو كافرا، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، سواء رضي الزوج أو أبى. قاله في المدونة في آخر كتاب إرخاء الستور قبل ترجمة الحكمين بأسطر. ويلزم الولد الملئ نفقة أبويه الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين. والولد صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، كانت البنت متزوجة أم لا وأنكره زوج الابنة اه‍. وقاله ابن الحاجب وهذا هو المشهور. وروى ابن غانم عن مالك أنه لا نفقة للابوين الكافرين. نقله في التوضيح. وقال ابن عرفة: وتجب نفقة الوالد لفقره على ولده ليسره والكفر والصحة والصغر وزوج البنت وزوج الام الفقير لغو. ابن حارث: روى ابن غانم: لا نفقة للابوين الكافرين. المتيطي: بالاول العمل وهو قول مالك المشهور اه‍. فروع: الاول: فإن كان للوالد مال فوهبه أو تصدق به ثم طلب الابن بالنفقة فللولد أن يرد فعله، وكذلك لو تصدق به على أحد ولديه لكان للولد الآخر أن يرد فعله. قاله اللخمي ونقله في التوضيح. الثاني: قال اللخمي: وإن كان للاب صنعة تكفيه وزوجته جبر عليها وإن كفت بعض نفقته أكملها ولده. وقال الباجي: نفقة الوالدين المعسرين تلزم الولد ولو قويا على العمل، قال ابن عرفة إثر نقله كلامهما قلت: قولا اللخمي والباجي كالقولين في الفقير القادر على العمل هل يعطي الزكاة أم لا اه‍. واقتصر في الجواهر على قول اللخمي فقال في نفقة القرابة: ويشترط في المستحق الفقر والعجز عن التكسب، ويختص الاولاد بزيادة شرط الصغر اه‍. وسيأتي كلامه بأتم من هذا في شرح قول المصنف: ونفقة الولد. وهذا هو الظاهر قياسا على الوالد فإنه يشترط في وجوب نفقته العجز عن التكسب وعليه اقتصر في الشامل والله أعلم. الثالث: قال ابن عرفة في نوازل ابن رشد: من استلحقه رجلان وأنفقا عليه حتى كبر ثم افتقرا لزمه نفقة رجل واحد يقتسمانها، وإن افتقر أحدهما لزمه نصف ذلك اه‍ ص: (وأثبتا العدم بلا يمين) ش: لو قال: ولا يمين لكان أحسن والاول صواب، وتردد ابن رشد في لحوق اليمين واستظهر الحكم بوجوبها ذكره في رسم صلى نهارا من كتاب الاقضية والله أعلم ص:

________________________________________

[ 586 ]

(وهل الابن إن طولب بالنفقة محمول على الملا أو العدم قولان) ش: قال ابن رشد في البيان إثر كلامه المتقدم في التنبيه الثالث في شرح قول المصنف: وفرض في مال الغائب في قول العتبية المتقدم هناك: فنفقة الابوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما يستحقانها ويجد لهما ما لا يعديهما فيه وإلا فلا. وقوله: ويجد لهما ما لا يعديهما فيه مثله في كتاب ابن المواز وهو يدل على أنه محمول على العدم حتى يثبت ملاوه على ما ذهب إليه ابن الهندي خلاف ما ذهب إليه ابن العطار اه‍. قال في مختصر المتيطي إثر نقله القولين: وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يكن له ولد سواه، فإن كان له غيره وجب على الابن المدعي العدم إثبات عدمه لحق أخيه اه‍. ونحوه في التوضيح والشامل والله أعلم ص: (وإعفافه بزوجة) ش: تصوره واضح. فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم في العدة لا يجبر الولد على إحجاج أبيه. ابن رشد: هذا على أن الحج على التراخي، وعلى الفور يلزمه ذلك كما يجبر على شراء الماء لغسله ووضوئه. فرع: وأما الولد فقال اللخمي: وقول مالك ليس على الاب أن ينفق على زوجة ولده والقياس أن ذلك عليه قياسا على زوجة الاب أن على الابن أن ينفق عليها ولان الابن أحوج إلى الزوجة منه اه‍. ونقله ابن عرفة عنه. وقال بعده: قلت: يرد بأن نفقة الابن تسقط ببلوغه وإن فرض كونه بلغ زمنا فالزمانة مظنة عدم الحاجة للزوجة اه‍ والله أعلم. وأما العبد والامة إذا شكيا العزبة فتقدم الكلام عليه في باب النكاح عند قول المصنف: وجبر المالك عبدا أمة بلا

________________________________________

[ 587 ]

إضرار لا عكسه والله أعلم. ص: (ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه) ش: فأحرى إن لم تكن إحداهما أمه، ولو قال المصنف: لو لكان أحسن وأجرى على طريقته. فرع: قال ابن عرفة عن اللخمي: فإن كانت له زوجتان ونفقتهما مختلفة فدعا الاب للتي نفقتها أكثر وخالف الولد فلا أعرف فيها نصا، ومقتضى أصول المذهب أن القول قول الاب إن كانت من مناكحه اه‍. ص: (وهل على الرؤوس أو الارث أو اليسار أقوال) ش: ذكر البرزلي في أواخر مسائل النكاح أن المشهور أنها على قدر الملا فانظره والله أعلم. مسألة: قال ابن عرفة: وفي نوازل ابن رشد: من أنفق على أبيه المعدم فلا رجوع له على إخواته الاملياء بشئ مما أنفق، ليس لاجل ما ذكر أنه يحمل منه ذلك على التطوع، بل لو أشهد أنه إنما ينفق عليه على أن يرجع على إخوته بمنابهم لما وجب له الرجوع عليهم بشئ، لان نفقته لم تكن واجبة عليهم حتى يطلبوا بها بخلاف نفقة الزوجة. قلت: ويؤيده ما في سماع أصبغ من كتاب العدة من يغيب ويحتاج أبواه وامرأته ولا مال له خاص، أيؤمر أن أن يتداينوا عليه ويقضى لهم بذلك ؟ قال: أما الزوجة فنعم، وأما الابوان فلا لانهم لو لم يرفعوا ذلك حتى يقدم فيقر لهم غرم للمرأة لا للابوين اه‍. وقال أبو الحسن الصغير في أوائل الزكاة الاول في شرح قول المدونة في الابوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا. ويقوم من هنا مثل ما ذكر ابن رشد في الاجوبة فيمن أنفق على أبيه وله إخوة فأرادوا الرجوع على إخوته بما ينوبهم، فليس ذلك له وإن أشهد إذ لا تجب للاب النفقة حتى يبتغيها اه‍. وقول ابن رشد لانها ساقطة عنهم حتى يطلبوا بها،

________________________________________

[ 588 ]

انظر لو طلبوا بها وفرضها الحاكم والظاهر أنه إن أشهد أنه يرجع فله الرجوع، وإن لم يشهد فيحلف ويرجع والله أعلم. ونقل البرزلي كلام ابن رشد في مسائل الانكحة ص: (ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب والانثى حتى يدخل زوجها) ش: يعني أنه يجب بالقرابة أيضا على الاب الحر إذا كان له فضل عن قوته وقوت زوجته إن كانت له زوجة نفقة الولد الذكر الحر إذا لم يكن له مال ولا كسب بصنعة لا تلحقه فيها معرة، فإن كان له مال أو صنعة لم تجب على الاب إلا أن يمرض الولد أو تكسد صنعته فتعود النفقة على الاب، وإن لم يكن فيها كفاية وجب على الاب التكميل. وتستمر نفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب أو يحدث له مال أو صنعة، وحكم الانثى كذلك في جميع ما تقدم إلا أنها تستمر نفقتها حتى يدخل بها زوجها، يريد أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها وهو بالغ. ولو قال: حتى تجب النفقة على الزوج كما قال في الجواهر: السبب الثاني القرابة والمستحق بها أولاد الصلب والابوان، ولا يتعدى الاستحقاق لولد الولد ولا للجد والجدة. ويشترط في المستحق فقره وعجزه عن التكسب، ويختص الاولاد بشرط آخر وهو الصغر على تفصيل يأتي، ويشترط في المستحق عليه يسره بما يزيد على حاجته ولا يباع عليه عبده وعقاره إذا لم يفضلا عن حاجته، ولا يلزمه الكسب لاجل نفقة القريب، ولا يشترط المساواة في الدين بل ينفق المسلم على الكافر والكافر على المسلم، وتستمر النفقة في حق الابوين للموت أو لحدوث مال، وفي الولد الذكر لبلوغه صحيحا، وفي الانثى حتى تتزوج، وتجب النفقة على زوجها فمن بلغ وبه زمانة تمنعه السعي لم تسقط على المشهور، وقيل تسقط انتهى.

________________________________________

[ 589 ]

قلت: قوله: يشترط في المستحق عجزه عن التكسب هو أحد القولين اللذين ذكرهما ابن عرفة وتقدما. وقال المصنف في التوضيح: وإنما تجب نفقة الولد على من قدر عليها وإن لم يقدر عليها وقدر على حق الزوجة فلا درك عليه في ذلك. ونقله ابن عرفة أيضا وغيره ونقله البرزلي في مسائل النكاح، وزاد عن القابسي: والولد من فقراء المسلمين إلا الذي يرضع فعلى أمه رضاعه في عسر أبيه مع قيامه بنفقتها انتهى. ونحوه في كتاب النفقات لابن رشد. وفيه: إنهن لو كن أربع زوجات كن أحق من والدته وولده. فرع: قال ابن عرفة اللخمي: نفقة الاب فيما فضل للولد عن نفقته ونفقة زوجته، واختلف إذا كان للولد ولد، فقيل يتحاص الجد وولد الولد. وقال ابن خويز منداد: يبدأ الابن وأرى أن يبدأ الابن وإن كان صغيرا لا يهتدى لنفعه، وسواء كان الاب صحيحا أو زمنا. وإن كان الولد كبيرا ترجح القولان، وكذا الولد أن يبدأ الصغير على الكبير والانثى على الذكر، وكذا الابوان تبدأ الام على الاب انتهى. ونقله في الشامل أيضا. وفي آخر باب النفقات من التوضيح شئ منه عن اللخمي. تنبيه: لو رشد الرجل ابنته لم تسقط نفقتها بترشيده وتلزمه نفقتها حتى يدخل بها زوجها. قاله المتيطي ونقله في المسائل الملقوطة ص: (وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع) ش: أي وتسقط نفقة القريب، سواء كان أبا أو ابنا بمضي الزمن عن قريبه، فلو تحيل في الانفاق ثم أراد الرجوع فليس له ذلك لانها مواساة لسد الخلة، فإذا انسدت الخلة زال الوجوب، وهذا بخلاف نفقة الزوجة لانها في معنى المعاوضة فلا تسقط، وأما نفقة القريب فتسقط إلا لقضية أي إلا إذا كان القاضي قد فرضها فلا تسقط ويرجع بها

________________________________________

[ 590 ]

المنفق ولو مضى زمنها، أو ينفق على القريب شخص غير متبرع. وما ذكره المصنف هو نحو قول ابن الحاجب: وتسقط عن الموسر بمضي الزمان بخلاف الزوجة إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع. قال ابن عرفة: وكلامه يقتضي أن نفقة الاجنبي غير متبرع كحكم القاضي بالنفقة وليس كذلك، إنما يقضي للمنفق غير متبرع إذا كان ذلك بعد الحكم بها. قال: إلا أن يفرضها فيقضي بها لهما أو لمن أنفق عليهما غير متبرع لكان أصوب. الشيخ عن الموازية: إذا رفع الابوان إلى السلطان في مغيب الابن ولا مال له حاضر لم يأمرهما أن يتسلفا عليه بخلاف الزوجة إذ لا تجب نفقتهما إلا بالحكم انتهى. وكلام ابن عبد السلام قريب مما قاله ابن عرفة ونصه إثر قول ابن الحاجب: إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع يعني إلا أن تكون النفقة وجبت بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له وتعذر أخذها ممن وجبت عليه لغيبة وشبهها أو لم تتعذر فأنفق على الاب أو على الولد من لم يقصد إلى التبرع بل قصد الرجوع فله الرجوع. ونبه بقوله: وفرضها القاضي على الجمع بين مسألتي المدونة، وذلك أنه قال في كتاب الزكاة الاول في الابوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا. وقال في النكاح الثاني: وإذا أنفقت يعني الزوجة على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو سلفا والزوج غائب، فلها اتباعه إن كان في وقت نفقتها موسرا. فجمعوا بينهما على أن ما في الزكاة قبل فرض القاضي وما في النكاح بعد فرضه انتهى. ونقل ابن عرفة كلامه هذا برمته وقال بعده: قلت: في زكاتها مثل ما في نكاحها وهو قوله: ويعدى الولد والزوجة بما تسلفاه في يسره من النفقة انتهى. فأول كلام ابن عبد السلام إلى قوله: فله الرجوع ظاهره يقتضي ما قاله ابن عرفة إن إنفاق غير المتبرع على الاب والولد كان بعد وجوب النفقة، وذلك بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له. وهذا الذي ذكره ابن عرفة بالنسبة إلى نفقة الوالدين ظاهر كما تقدم في كلام ابن رشد في مبيع عقار الغائب للنفقة على أبويه في شرح قول المصنف: وفرض في مال الغائب، وأما نفقة الولد فليس ذلك بظاهر بل قد نقل هو في كلامه المتقدم عن المدونة في الزكاة والنكاح أنه يعدى الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة، وتقدم عنه أيضا عند قول المصنف: وعلى الصغيران كان له مال أنه نقل عن ابن رشد أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا إذا كان للصغير مال أو لابيه وإن رأى الولد كماله، وأن رجوعه إنما هو إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الاب. وما ذكره عن زكاة المدونة هو قول أشهب في الزكاة الاول وفي آخر باب المديان بعد كلام ابن القاسم الذي نقله ابن عبد السلام عن نكاحها الثاني هو في أواخره في باب زكاة ما يباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته، وهو نص ما ذكره ابن عبد السلام عنها هو نص كلام ابن القاسم برمته. وأما ما ذكره ابن عرفة فهو بعض كلام أشهب، ولتركه كلام الكتابين المتقدمين من الام بلفظها تتميما

________________________________________

[ 591 ]

للفائدة قال في النكاح الثاني: قلت: أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت نفقتها ؟ قال: ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى أولادها منه إذا كانوا صغارا أو جوارا أبكارا، حضن أو لم يحضن، وهذا رأيي انتهى. وقال في الزكاة الاول بعد قوله قلت: أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليه الحول وعليه عشرة دراهم نفقة شهر لامرأته، قد كان فرضها القاضي أو لم يفرضها، ثم اتبعته بنفقة الشهر وعند الزوج هذه العشرون دينارا ؟ فقال: تأخذ نفقتها ولا يكون على الزوج فيها زكاة. قلت: أرأيت إن كانت هذه النفقة على هذا الرجل الذي وصفت لك إنما هي نفقة والدين أو ولد ؟ فقال: لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل لان الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا اتبعوا ذلك، وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما أنفقوا، وإن كان موسرا تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إذا كان موسرا. قلت: فإن كان القاضي قد فرض للابوين نفقة معلومة فلم يعطهم ذلك شهرا وحال الحول على ما عند الرجل بعد هذا الشهر، أتجعل نفقة الابوين ها هنا دينا فيما في يديه إذا قضى بها القاضي ؟ قال: لا. وقال أشهب: أحط به عنه الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى القاضي عليه في الابوين، لان النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك، ولا يشبهان الولد ويرجع الولد على الاب بما تداين الولد لو أنفق عليه إذا كان موسرا، ويحط ذلك عنه الزكاة، كان بفريضة من القاضي أو لم يكن، لان الاولاد لم تسقط نفقتهم عن الوالد إذا كان له مال من أول ما كانوا حتى يبلغوا والوالدان قد كانت نفقتهما ساقطة فإنما ترجع نفقتهما بالقضية والحكم من السلطان والله أعلم انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله: وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا انظر هذه المسألة تناقض مسألة تضمين الصناع فيمن أنفق على لقيط ثم ظهر له بعد ذلك أنه يرجع على الاب بالنفقة، فيقوم مما في تضمين الصناع مثل قول أشهب أن نفقة الولد تسقط الزكاة وإن كانت بغير قضية. ثم نقل كلام اللخمي وأبي إسحاق وغيرهما من الشيوخ وما قالوه من التوفيق بين قول ابن القاسم وأشهب، وأطال الكلام في ذلك فليراجعه من أراده والله أعلم. وتقدم في كلام ابن عبد السلام الاشارة إلى معارضة كلام ابن القاسم المذكور أيضا بكلامه الذي في النكاح الثاني وما وفق به بينهما والله أعلم ص: (واستمرت إن دخل زمنه ثم طلق لا إن عادت بالغة أو عادت الزمانة) ش: أي واستمرت النفقة إن دخل الزوج بالبنت

________________________________________

[ 592 ]

حال كونها زمنة ثم طلقها، ومثل ذلك إذا كان للولد الزمن مال ثم ذهب فإن نفقته تعود على الاب. قاله الباجي ونقله في التوضيح. وقوله: لا إن عادت بالغة أي لا إن زوجت البنت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها بعد البلوغ وعادت إلى الاب بالغة، فإن النفقة لا تعود على الاب. ومفهوم كلامه أنها لو عادت غير بالغة لوجب على الاب الانفاق عليها وهو كذلك. قال سحنون: ولا يسقطها بلوغها بل حتى تتزوج زوجا آخر ويدخل بها. وقال غيره: لا تعود أصلا. وقال غيره: تعود إلى أن تبلغ فتسقط وهو الذي قدمه المتيطي فقال: ولا تسقط النفقة بترشيده إياها. وتقدم نقل ذلك عنه أيضا وعن المسائل الملقوطة والله أعلم. فرع: ومفهوم قولنا ودخل بها الزوج أنها إن طلقت قبل البناء فهي على نفقتها وهو كذلك. قاله في التوضيح. وأشار بقوله: أو عادت الزمانة إلى أنه إذا بلغ الولد زمنا وقلنا استمرت نفقته، فإذا صح سقطت نفقته، فإن عادت إليه الزمانة لم تعد نفقته على الاب وعلى هذا اقتصر ابن الحاجب والله أعلم ص: (وعلى الام المتزوجة والرجعية) ش: ما ذكره المصنف في الرجعية هو المذهب كما صرح به في أواخر كتاب الرضاع من المدونة، وعليه اقتصر ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما، فما صرح ابن رشد في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة من أنه لا يلزمها مشكل لانه مخالف للمذهب والله أعلم ص: (إلا لعلو قدر) ش: قال ابن عرفة اللخمي: لذات الشرف رضاعه بأجر انتهى. وقال المصنف في التوضيح: نص عليه اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأفتى بعض أشياخ شيخي بأن الشريفة إذا تواضعت للارضاع لا أجر لها لاسقاطها حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها ص: (أو

________________________________________

[ 593 ]

يعدم الاب) ش: يريد ولا مال للصبي، فإذا لم يكن لواحد منهما مال ولها ابن ومال كانت مخيرة بين أن ترضعه أو تسترضعه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على رضاعه، فإن لم يكن لها لبن أجبرت على أن تسترضع له. قاله ابن رشد في أول مسألة من كتاب الرضاع ثم قال: ولا رجوع لها على من أيسر من الاب أو الابن كانت أرضعته أو استرضعت له من مالها لانها أسقطت عنهما ذلك بعدمهما انتهى. ص: (ولو وجد من ترضعه عنده مجانا) ش: قال في المسائل الملقوطة ناقلا له عن معين الحكام: إذا أبت المرأة أن ترضع ولدها فإن الاب يستأجر له من ترضعه وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وأما إن وجد الاب من ترضعه باطلا أو بدون ما طلبته الام فعليه أن يرضعه عند أمه ولا يخرجه من حضانتها انتهى. ص: (وحضانة الذكر للبلوغ والانثى كالنفقة للام) ش: الحضانة مأخوذة من الحضن وهو ما دون الابط إلى الكشح ونواحي كل شئ وجوانبه أحضانه، وكأن الصبي ضم إلى جوانب المحضون. وقال ابن عرفة: الحضانة هي محصول قول الباجي: حفظ الولد في مبيته ومؤنة وطعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه. ابن رشد والمتيطي: الاجماع على وجوب كفالة الاطفال الصغار لانه خلق

________________________________________

[ 594 ]

ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه، فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط عن الثاني لا يتعين إلا على الاب والام في حولي رضاعه إن لم يكن له أب ولا مال أو كان ولا يقبل غيرها انتهى. والكشح بفتح الكاف والشين المعجمة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. قاله في الصحاح. تنبيه: إنما قال المصنف في الذكر البلوغ وفي الانثى كالنفقة ولم يقل في الذكر كالنفقة لان المشهور في الحضانة أنها تنقطع في الذكور بالبلوغ ولو كان زمنا بخلاف النفقة والله أعلم. وفهم من قوله: والانثى كالنفقة أن البنت إذا تزوجت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها أن الحضانة تعود للام. وقاله الجزولي في شرح الرسالة. وقوله: للام ظاهر التصور. مسألة: إذا التزمت المرأة حضانة ابنتها فتزوجت قبل تمام الحضانة فسخ نكاحها حتى يتم أمد الحضانة. قال ابن عبد الغفور: وأراه أراد قبل الدخول. وقال الابهري: شرط باطل، ولا يجوز وتتزوج إن أحبت. تأمل ذلك في شرح ابن عبد السلام في كتاب التخيير. انتهى من المسائل الملقوطة ص: (ولو أمة عتق ولدها) ش: قال ابن عرفة: قلت: ذلك إن لم يتسررها سيدها انتهى. فرع: قال الباجي: مسألة: إذا عتقت الامة على أن تركت حضانة ولدها فقد روى عيسى عن ابن القاسم أنه يرد إليها بخلاف الحرة تصالح الزوج على تسليم الولد إليه لانه يلزمها. وروى عنه أبو زيد أن الشرط لازم كالحرة. انتهى من كتاب الاقضية في القضاء بالحضانة، وذكر المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى من التخيير والتمليك، وفي سماع أبي زيد من العتق، واستظهر ابن رشد القول بعدم لزومها من جهة القياس والقول باللزوم من جهة المعنى فانظره والله أعلم ص: (وللاب تعاهده وأدبه وبعثه للمكتب) ش: هذا نحو قوله في المدونة: وللاب تعاهد ولده عند أمه وأدبه وبعثه للمكتب ولا يبيت إلا عند أمه انتهى. قال ابن عرفة:

________________________________________

[ 595 ]

قلت: يجب كون الظرف الذي هو عند في موضع الحال من ولده لانه معمول للفظ تعاهده لان ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته مع زيادة ضرر زوجها بذلك. قلت: إذا تزوجت سقطت ولذلك شرط في الجدة التي لا تكون عند أمه التي سقطت حضانتها. وقال في التوضيح: يمكن أن تكون العلة أن للاب تعاهدهم عند الام وأدبهم، فإذا سكنت الحاضنة مع أمهم لم يكن للاب تعاهدهم لسبب ما يحدث بذلك مما لا يخفى انتهى. قال أبو الحسن الصغير: ويقوم من هنا أن الاب له القيام بجميع أمور ولده يختنه ويصنع الصنيع، وله أن يختنه في داره ثم يرسله لامه. ولو تنازع الابوان في زفاف البنت عند أيهما يكون فظاهر النقل أن القول للام انتهى. وقال المشذالي في إرخاء الستور: قال الشيخ أبو الحسن: لم أر فيه نصا وفيه حق للاب وحق للام انتهى. والذي رأيته لابي الحسن هو ما تقدم. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونكاح الانثى ودخولها أخذ بعض الموثقين من هذا أن الاب والام إذا تنازعا فيمن تزف عنده أن ذلك للام. انتهى باختصار ص: (ثم جدة الام) ش: ظاهره أنه سواء كانت جدتها لامها أو لابيها وهو كذلك. قاله ابن عرفة واللخمي قال: فإن اجتمعا فأم أمها أحق من أم أبيها، فإن لم تكن واحدة منهما فأم أم أمها أو أم أم أبيها أو أم أبي أبيها أو أم أبي أمها، فإن اجتمع الاربع فأم أم الام ثم أم أب الام وأم أم الاب بمنزلة واحدة ثم أم أبي أم الاب، وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون فإن لم تكن واحدة منهن فأخت الام الشقيقة. انتهى وقاله في المقدمات. فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للولد جدتان من قبل الاب ومن قبل الام وليس له إلا دار قيمتها عشرون دينارا أو نحوها فقالت أم الاب أنا أنفق عليه من مالي ويكون معي وتبقى له داره رفقا به وأرادت جدة الام بيعها لتنفق ثمنها، فجدة الام أولى بالحضانة انتهى. ونقله ابن عرفة عن بعض الموثقين وزاد وقال المشاور: ينظر إلى الارفق بالصبي. قال ابن عرفة: قلت: في كون الحضانة حقا للحاضن أو للمحضون ثالثها لهما لروايتي القاضي واختيار الباجي مع ابن محمد. فعلى الثاني تقدم الجدة للاب انتهى. والمشاور هو ابن الفخار كما قال

________________________________________

[ 596 ]

ابن غازي هنا ص: (ثم جدة الاب) ش: يريد أم الاب ثم أم أمه ثم أم أبيه ص: (ثم هل بنت الاخ أو الاخت أو الاكفأ منهما وهو الاظهر أقوال) ش: قال ابن عرفة: وتلحق بنت الاخ وفي تقديمها على بنت الاخت ثالثها هما سواء يرجح بقوة الكفاءة. لابن رشد وابن محرز ونقل ابن رشد اه‍. وقد حكاها في المقدمات في آخر الفصل فسقط اعتراض الشرح الكبير على المصنف في الاقوال التي ذكرها بأنها ليست كذلك في المقدمات ص: (لا جد لام) ش: قال في التوضيح: قال اللخمي: لم أر للجد للام في الحضانة نصا، وأرى له في ذلك حقا لان

________________________________________

[ 597 ]

له حنانا ولذا غلظت الدية فيه وأسقط عنه القود، وفي الوثائق المجموعة: إذا اجتمع الجدان فالجد للاب أولى من الجد للام. وهو قول ابن العطار ونص في المقدمات على أنه لا حق له اه‍. قلت: ذكره في المقدمات لما تكلم على الحاضنة إذا كانت متزوجة بمحرم وأن حضانتها لا تسقط قال: سواء كان ممن له الحضانة كالعم والجد للاب أو ممن لا حضانة له كالخال والجد للام لا تأثير له في إسقاط الحضانة اه‍. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام اللخمي: قلت: قول ابن الهندي: الجد للاب أولى من الجد للام بدليل حضانته انتهى. ص: (وفي المتساويين بالصيانة والشفقة) ش: قال ابن عرفة: قال اللخمي: إن علم جفاء الاحق لقسوته أو لما بينه وبين أحد أبويه ورأفة إلا بعد قدم عليه. قال ابن عرفة: قلت: إن كانت قسوته ينشأ عنها إضرار الولد قدم الاجنبي عليه وإلا فالحكم المعلق بالمظنة لا يتوقف على تحقيق الحكمة انتهى. ص: (وحرز المكان في البنت يخاف عليها) ش: هكذا قال اللخمي ونقله المصنف في التوضيح. ونقل ابن عرفة عن المدونة ما يقتضي أنه شرط في الذكر أيضا ثم قال: والحق أنه

________________________________________

[ 598 ]

شرط فيهما وهو في البنت حين يخاف عليها أوكد انتهى. ص: (إلا أن يعلم ويسكت العام) ش: قال أبو الحسن الصغير في إرخاء الستور من شرح المدونة في الكلام على الحضانة: وأما إذا علم من له الحضانة بتزويج الام فقام بعد طول مدة فليس له أخذ الولد وحد الطول سنة انتهى. وسيأتي عند قول المصنف إلا لكمرض عن العتبية شئ من ذلك والله أعلم. قوله: إلا أن يعلم ويسكت العام ذكر في المسائل الملقوطة أن بعضهم جعل من ذلك إذا كان زوجها وصي الطفل انتهى ص: (أو لم ترضعه المرضعة عند أمه) ش: ما ذكره ابن غازي صواب وأن هنا

________________________________________

[ 599 ]

مضاف محذوف أي عند بدل أمه وهي من صارت لها الحضانة، ولو لم يحمل على ذلك لكان مشكلا لانه يقتضي أن الام إذا تزوجت يلزم الاب أن يأتي بالمرضعة ترضعه عند أمه وليس كذلك، لانها قد سقطت حضانتها كما صرح به في المدونة، فإنه لما ذكر أن الحضانة للام قال: إلا أن تتزوج الام والولد صغير يرضع أو فوق ذلك فإنه إذا دخل بها زوجها انتزعه

________________________________________

[ 600 ]

منها لا قبل ذلك ثم لا يرد إليها إذا طلقت ص: (ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد) ش: وأما إذا سافر ولي المحضون سفر نقلة وأخذ الولد ثم رجع فإنه الحضانة تعود إلى الام. نقله أبو الحسن عن أبي عمران في كتاب إرخاء الستور. قيل له: فإن سافرت هي ثم رجعت ؟ قال: إن كان سفرها اختيارا لم تعد، وإن كان بغير اختيارها عادت له الحضانة. قيل له: فإن لحقتها ضرورة إلى التزويج ؟ قال: تسقط حضانتها انتهى. ص: (أو الاسقاط) ش: يعني أن الحاضنة إذا أسقطت حضانتها لم تعد إليها. وهذا إذا كان ذلك بعد وجوب الحضانة، وأما إن أسقطت حقها من الحضانة قبل وجوبها ففي ذلك خلاف. قال المشذالي في كتاب الشفعة وتسليم الشفعة قبل الشراء قال لي ابن عرفة: الفتوى عندنا فيمن خالع زوجته على أن تسقط هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لانها أسقطت ما لم يجب لها انتهى. وقال ابن ناجي في كتاب الشفعة في شرح قول المدونة: ولو قال المبتاع قبل الشراء اشتر لي فقد أسلمت لك الشفعة وأشهد بذلك فله القيام بعد الشراء لانه سلم ما لم يجب له بعد. قال بعض شيوخنا على ما بلغني يؤخذ منها ما به الفتوى: إن من خالع زوجته على أن أسقطت هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لانها أسقطت ما لم يجب لها وفيها خلاف انتهى. ثم قال

________________________________________

[ 601 ]

المشذالي إثر كلامه المتقدم: قال المتيطي: ذكر ابن العطار في وثائقه في عقد تسليم الام ابنها إلى أبيه. وعلى أن سلمت إليه ابنها منه وأسقطت حضانتها فيه وقطعت أمها فلانة أو أختها فلانة حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها. وانتقد ذلك ابن الفخار وقال: الصواب أن يقال: ثم قطعت حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها، فيدل هذا اللفظ أن الجدة قطعت حجتها بعد أن وجب لها ذلك، وأما بالواو التي لا تفيد رتبة فكأنها قطعت حجتها قبل وجوب الحضانة لها فلا يلزمها والله أعلم. قال المشذالي: وتفرقة ابن الفخار بين العاطفين ضعيفة في المعنى فتأمله. ثم قال المتيطي: وهذا أصل مختلف فيه على ما وقع في المدونة في غير كتاب منها انتهى. فعلم من هذا أن الراجح الذي عليه الفتوى في إسقاط الحضانة قبل وجوبها عدم اللزوم، وإن صورة ذلك أن يسقط من له الحضانة بعد الام حضانته قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا وأنه ليس من ذلك إسقاط الام حقها من الحضانة في حال العصمة وإلا لكان حكمها حكم الجدة والخالة ولم يفرق بينهما. وأيضا فلا يمكن أن يقال إن الام لا حضانة لها في حال العصمة لانها إذا وجبت لها الحضانة بعد الطلاق فأحرى في حالة العصمة. وقد صرح بذلك ابن عرفة فقال لما تكلم على الحضانة ومستحقها: وأبو الولد زوجا لها وفي افتراقهما أصناف الاول الام الخ. ولا أعلم أحدا أجاز للاب أخذ ولده من أمه في حال العصمة، بل ذكر اللخمي في الشروط الناقضة لمقتضى العقد أن يتزوج المرأة على أن لا يكون الولد عندهما، وأنه إن تزوجها على ذلك فسخ النكاح قبل الدخول وصح بعده وسقط الشرط. وليس المراد ولدها من غيره لان ذلك لازم صحيح إذا كان للولد من يحضنه كما ذكر ذلك المصنف في أول باب النفقات حيث قال: كولد صغير لاحدهما إن كان له حاضن والله أعلم تنبيه: قال المشذالى إثر كلامه المتقدم: وهذا الخلاف يعني فيمن أسقط حقه من الحضانة قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا إنما هو إذا حضرت الجدة أو الخالة وأشهدت على نفسها بإسقاط ما يرجع إليها من الحضانة، وأما إن لم تشهد على نفسها بذلك ففيه خلاف أيضا. قال المتيطي: الذي عليه العمل وقاله غير واحد من الموثقين إن الام إذا أسقطت حقها في الحضانة بشرط في عقد المبارأة كما ذكرنا أن ذلك يرجع إلى الجدة أو الخالة. وقاله أبوعمران قال: القياس أن لا يسقط حق الجدة بترك الام. وقال غيره من القرويين: يسقط بذلك حق الجدة والخالة ولا كلام لهما في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة: وفي إمضاء نقل ذي حضانة إياها لغيره على من هو أحق بها من المنقول إليه نقل ابن رشد مع أخذه من قولها إن صالحت زوجها على كون الولد عنده جاز وكان أحق به ظاهره، ولو كان له جدة ونقله قائلا: كالشفعاء ليس لمن هو أحق بالشفعة تسليمها لشريك غيره أحق بها منه. اللخمي: إن تزوجت الام أخذته الجدة ثم أحبت أن تسلمه لاخته لابيه فله منعها لانه أقعد منها، وإن أمسكته ثم طلقت الام لم يكن له منعها من رده لامه لانه نقل لما هو أفضل.

________________________________________

[ 602 ]

قلت: إنما يتم هذا على أن تزويج الام لا يسقط حضانتها دائما بل ما دامت زوجة انتهى ص: (إلا لكمرض) ش: أي فلها أن تأخذه بعد زوال المرض ونحوه إلا أن تتركه بعد زوال العذر سنة ونحوها فليس لها أن تأخذه. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. وحكى في الرسم المذكور أيضا خلافا فيما إذا مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده أم لا ونص كلامه: مسألة: قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها وله منها ولد فردته عليه استثقالا له ثم طلبته لم يكن ذلك لها. قال ابن رشد: وهذا كما قال إنها إذا ردته إليه استثقالا له فليس لها أن تأخذه لانها قد أسقطت حقها في حضانته إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون وهو قول ابن الماجشون. ولو كانت إنما ردته إليه من عذر مرض أو انقطاع لبنها لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن على ما وقع لمالك في سماع أشهب من كتاب الايمان بالطلاق، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الامد السنة وشبهها لم يكن لها أن تأخذه. واختلف إن مات، هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده ؟ قال في آخر رسم من سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه لانه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته. وقد قيل: إن لها أن تأخذه إذا مات لان تركها له عند أبيه إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للاب خاصة، وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة لم يكن لها أن تأخذه. وقال ابن نافع: لها أن تأخذه. ومثله لابن القاسم في المدونة أن لها أن تأخذه إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه. وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالاقرار والاذن أم

________________________________________

[ 603 ]

لا، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وبالله تعالى التوفيق. ص: (وللحاضن قبض نفقته) ش: قال في التوضيح: ولمن الولد في حضانته من أم وغيرها أن تأخذ ما يحتاج إليه الولد من نفقة وكسوة وغطاء ووطاء، وإن قال الاب هو يأكل عندي ثم يعود إليك لم يكن له ذلك لان في ذلك ضررا على الولد وعلى الحاضنة إذ الاطفال يأكلون في كل وقت. قاله غير واحد. وكتب شجرة لسحنون في الخالة الحاضنة إذا قال الاب إنها تأكل ما أعطيه وطلب الاب أنه يأكل عنده ويعلمه، فكتب إليه أن القول للاب، فجعل للحاضنة أن يأوي إليها فقط. والاول هو الاصل ولعله ظهر صدقه في السؤال. وقد ذكر ابن يونس عن مالك هذا التفصيل نصا في العتبية انتهى. وما ذكره عن سحنون نقله الباجي أيضا في المنتقى في القضاء بالحضانة ونصه: وإن شكى الاب ضياع نفقة ابنه فأراد أن يطعمه فقد كتب إلى سحنون شجرة في الخالة تجب لها الحضانة فيقول الاب ويكون ولدي عندي لاعلمه وأطعمه لان الخالة , تأكل ما أرزقه وهي تكذبه أن للاب أن يطعمه ويعلمه وتكون الحضانة للخالة، فجعل الحضانة أن يأوي إليها وتباشر سائر أحواله مما لا يغيب عليها من نفقته انتهى. وما ذكره عن العتبية يشير به لقوله في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب العدة وطلاق السنة: وسئل مالك عن الذي يطلق امرأته وله منها بنت أربع سنين فيقول ما عندي ما أنفق عليها أرسليها إلي تا كل معي فقال: أخاف أن يكون مضرا بها ولكن ينظر فيما يقول، فإن كان كذلك أمرا غالبا معروفا قيل لها أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك. قال ابن رشد: ليس للرجل الموسر أن تأكل ابنته عنده ويلزمه أن يدفع نفقتها إلى أمها الحاضنة لها، فإن ادعى أنه لا يقدر نظر في حاله، فإن تبين صدق قوله وأنه لا يريد الضرر بما دعا إليه من أن يأكل ولده عنده كان ذلك له وإلا فلا وبالله التوفيق. ونقل ابن عرفة كلام العتبية وكلام ابن رشد عليها وقال بعده: قلت: ونقله ابن فتوح غير معز وكأنه المذهب. ولابن زرقون عن الباجي قال سحنون في الخالة ونقل كلام الباجي المتقدم برمته وقال بعده. قلت: كذا في النوادر وهو خلاف الروايات أن طعام المحضون إنما هو عند حاضنته من كانت، والعجب من الباجي وابن زرقون في قبولهما هذا وتصديق الاب على الخالة أنها تأكل رزقهم ويأتي للشعبي نحو هذا انتهى. ص: (والسكنى بالاجتهاد) ش: قال في التوضيح: والمشهور أن على الاب السكنى وهو مذهب المدونة خلافا لابن وهب. وعلى المشهور فقال

________________________________________

[ 604 ]

سحنون: تكون السكنى على حسب الاجتهاد. ونحوه لابن القاسم في الدمياطية وهو قريب مما في المدونة. وقال يحيى بن عمر: على قدر الجماجم. وروي: لا شئ على المرأة ما كان الاب موسرا. وقيل: إنها على الموسر من الاب والحاضنة. وحكى ابن بشير قولا بأنه لا شئ على الام من السكنى. ورأى اللخمي أن الاب إن كان في مسكن يملكه أو بكراء ولو كان ولده معه لم يزد عليه في الكراء أن لا شئ عليه لانه في مندوحة عن دفع الاجرة في سكناه، وإن كان يزاد عليه في الكراء أو عليها هي لاجل الولد فعليه الاقل مما يزاد عليه أو عليها لاجله، فإن كان ما زيد عليها أقل أخذته لانه القدر الذي أضر بها، وإن كان ما يزاد عليه غرمه لانه مما لم يكن له بد لو كان عنده. وفي الطرر: لا سكنى للرضيع على أبيه مدة الرضاع، فإذا خرج من الرضاعة كان عليه أن يسكنه. خليل: ولا أظنهم يختلفون في الرضيع. ثم ذكر المسائل التي اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا فقال: فائدة: في المذهب مسائل اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا، منها هذه يعني أجرة المسكن الذي فيه المحضون، ومنها أجرة كاتب الوثيقة. ومنها كنس المرحاض، ومنها حارس الاندر، ومنها أجرة القاسم، ومنها التقويم على المعتقين، ومنها الشفعة إذا وجبت للشركاء هل هي على الشركاء أو على قدر الانصباء، ومنها العبد المشترك في زكدة الفطر، ومنها النفقة على الابوين، ومنها إذا أرسل أحد الصائدين كلبه والآخر كلبين، ومنها إذا أوصى بمجاهيل من أنواع. انتهى كلامه ونقله عنه صاحب المسائل الملقوطة. فرع: وللحاضنة الاخدام إن كان الاب مليا واحتاج المحضون لمن يخدمه. قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الاب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة ويخدمهم إن احتاجوا إلى ذلك وكان الاب مليا ولحاضنتهم قبض نفقتهم انتهى. وقال ابن وهب: لا إخدام على الاب. نقله عنه اللخمي. ونقل أبو الحسن والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم كلام اللخمي ونص ابن عرفة اللخمي. واختلف في خدمته ففيها: إن كان لا بد لهم من خادم لضعفهم على أنفسهم والاب يقوى على إخدامهم. ولابن وهب: لا خدمة عليه به قضى أبو بكر على عمر، وأرى أن يعتبر في الخدمة مثل ما تقدم في الاسكان انتهى. وقوله: وأرى أن يعتبر في الخدمة الخ يعني أن اللخمي رأى أن

________________________________________

[ 605 ]

يفصل في الخدمة مثل ما تقدم عنه في السكنى والله أعلم ص: (ولا شئ لحاضن لاجلها) ش: وإن كان الاولاد يتامى كان للام أجر الحضانة إذا كانت فقيرة والاولاد مياسير لانها تستحق النفقة في مالهم ولو لم تحضنهم، واختلف إذا كانت موسرة فقال مالك: لا نفقة لها. ومرة قال: لها النفقة إذا قامت عليهم بعد وفاة الاب. وقال أيضا: تنفق بقدر حضانتها إذا كانت لو تركتهم لم يكن لهم بد من حاضن، فجعل لها في هذا القول الآخر دون النفقة. وأرى إن هي تأيمت لاجلهم وكانت هي الحاضنة والقائمة بأمرهم أن يكون لها النفقة وإن كانت أكثر من الاجرة، لانها لو تركتهم وتزوجت أتى من ينفق عليها، فكان من النظر للولد كونهم في نظرها وخدمتها. وإن لم تكن تأيمت لاجلهم أو كانت في سن من لا يتزوج كان لها الاجرة، وإن كانت دون نفقها وإن كان لهم من يخدمهم أو استأجرت من يقوم بخدمتهم وإنما هي ناظرة فيما يصلح للولد فقط لم أرها شيئا انتهى. ونقله ابن عرفة والله أعلم.

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...