65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الخميس، 18 مايو 2023

ج1وج2.كتاب الاصول في النحو

1
كتاب: الأصول في النحو
1

تأليف:
محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
316
هـ
دراسة وتحقيق:
عبد الحسين الفتلي
الناشر:
مؤسسة الرسالة لبنان - بيروت
**************.
1
المقدمة

الأصول في النحو
ج / 1 ص -5- المقدمة:
إن ما اجتمع من أخبار ابن السراج وما ذكر عنه ليدل دلالة لا جدال فيها أنه عالم حري بالدراسة جدير بالتقييم. فهو علم من أعلام النحو، وإمام من أئمة الثقافة وشيخ من شيوخ اللغة.
عاش أكثر من نصف قرن من الزمان وشهد حضارة العرب الزاهرة في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصر التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية وما آلت إليه حياة العرب والمسلمين في ظلال الدولة العباسية، فهو واحد من أولئك العلماء الذين أعطوا العربية الكثير وعنوا بالمحافظة عليها كالخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وسيبويه، والأصمعي، وأبي عبيدة، والأخفش، والمازني، والمبرد، فمعظم هؤلاء أخذ عنهم ابن السراج ونقل علمهم إلى الأجيال التي جاءت من بعدهم، ثم انتهت إليه رئاسة النحو بعد موت أبي العباس المبرد وموت الزجاج، وأصبح أستاذًا يرحل إليه ويؤخذ عنه.
ولقد بقي على كثرة ما ألف قبله وبعده في النحو, كتاب "الأصول" أول كتاب في مضماره، فقد أثنى عليه القدماء ووصفوه بأجل الأوصاف مثل قولهم: أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه، وقولهم: كان النحو مجنونا فعقله ابن السراج بأصوله "ونصوا على أنه" أول كتاب جمع أصول



ج / 1 ص -6- العربية معتمدا على كتاب سيبويه مختصرا مسائله مرتبا أبوابه أحسن ترتيب، معولا على مسائل الأخفش والكوفيين. مخالفا لأصول البصريين.
هذه النعوت بعض من الحوافز التي دعتني لتحقيق هذا السفر الكبير على أن هناك دوافع أخرى قد تكون أهم دفعتني إلى الكتابة عن ابن السراج وهي:
1-
أنني كلما قرأت كتابا في النحو والصرف واللغة وجدت آراء ابن السراج منبثة في تضاعيفه، كما أن كتب ابن السراج وبخاصة كتاب الأصول" يرد على كثير من المسائل المغلقة والتي هي مثار جدل في علمي النحو والصرف.
2-
إن كثيرا من الباحثين يذهب إلى أن علمي النحو والصرف انتهيا إليه بعد موت الزجاج ووقفا عنده.
3-
ولقد بدا لي بعد دراسة كتب ابن السراج وفحصها أن مسائل النحو والصرف لم تكن مقسمة مبوبة في كتاب سيبويه ومن جاء من بعده على النحو الذي ألفناه في كتب المتأخرين فكثيرا ما تختلط البحوث النحوية والصرفية وتشتبك بغيرها من موضوعات تتعلق باللهجات العربية، والقراءات المختلفة، لكن ابن السراج أول من بوبها وهذب مسائلها وبحثها بحثًا علميًّا مقارنا بين ما جاء في كتاب سيبويه وما أخذ له وعليه من شروح واستدراكات في "تصريف" المازني وكتاب "المقتضب" للمبرد وكتب الأخفش وكتب الكوفيين.
4-
ثم إن دراسة التراث العربي اللغوي والقديم بخاصة تمثل ركنا من أركان حضارة الأمة، فدراسته وفحصه ونشره يعين على كشف هذا الجانب من حضارة الأمة العربية.



ج / 1 ص -7- وأخيرا فإني لم أدخر جهدا في إخراج هذا الكتاب بصورته التي أرادها له المؤلف في تقديري راجيا أن ينال الرضا والقبول من ذوي الاختصاص والله ولي التوفيق.
المحقق:
الدكتور عبد الحسين الفتلي.











=====================================.

2



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -9- ابن السراج:
هو أبو بكر محمد بن سهل النحوي البغدادي1. كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية2. المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والأدب3.
نشأ في بغداد وأخذ النحو عن أبي العباس المبرد وإليه انتهت الرئاسة في النحو بعد موت المبرد4. وكان واسع الثقافة متعدد الجوانب، تعمق في القديم كما أفاد من الحديث في زمنه، فمزج بين الثقافة العربية الخالصة وبين الثقافات الوافدة على الفكر العربي آنذاك، يتجلى ذلك بدراسة الموسيقى والمنطق والقراءات ولعل اهتمام ابن السراج بالنحو بدأ يظهر بعد انتهار الزجاج له حتى هم بضربه لخطئه في مسألة نحوية5 وذلك عندما حضر عند الزجاج مسلما عليه بعد موت المبرد فسأل رجل الزجاج عن مسألة نحوية فقال لابن السراج: أجبه يا أبا بكر.
فأجابه فأخطأ فانتهره الزجاج وقال: والله لو كنت في منزلي لضربتك،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
إنباه الرواة 3/ 145. معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462.
2
نزهة الألباء/ 312. إنباه الرواة 3/ 145.
3
وفيات الأعيان 3/ 462.
4
نزهة الألباء/ 312.
5
معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146.



ج / 1 ص -10- ولكن المجلس لا يحتمل هذا، وقد كنا نشبهك في الذكاء والفطنة بالحسن بن رجاء وأنت تخطئ في مثل هذا، فقال: قد ضربتني يا أبا إسحاق وأدبتني وأنا تارك ما درست مذ قرأت الكتاب -يعني: كتاب سيبويه- لأني شغلت عنه بالمنطق والموسيقى، وأنا أعاود، فعاود ونظر في دقائق كتاب سيبويه وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة وصنف ما صنف1.
وشهد ما كان عليه ابن السراج من الذكاء والفطنة ما تركه من مصنفات أثنى عليها العلماء في أغلب الفنون المختلفة من القراءات والنحو واللغة والأدب والخط2، وكان مع علمه أديبًا شاعرًا رويت له أبيات أجل من شعر النحاة3، يغلب عليها طابع التفكير، وهي وإن لم تدل عند التصوير على شاعرية وموهبة تدل على مقدرة وتمكن من التصرف بصيغ الكلام واللغة وثقافة عامة.
وقد ذكر أبو علي الفارسي تلميذ ابن السراج: أنه قرأ على أبي بكر بن السراج ديوان النابغة من رواية الأصمعي، ولم يقتصر نشاطه الأدبي على الشعر فحسب، بل تعداه إلى النثر والمنطق، والعلوم الأخرى، فقد ذكر أبو حيان التوحيدي4. أن مراسلات جرت بين ابن السراج وأبي الحارث الرازي تتعلق بفنون الكلام.
أما المنطق فكان أمرًا أساسيًّا في أعمال النحاة ما دامت في النحو أحكام تستنتج وقياس يتبع، فلا عجب إذا كان ابن السراج قد درس المنطق لأنه من أصحاب ذلك العلم، قال ابن أبي أصيبعة: "وفي التاريخ أن الفارابي كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146.
2
معجم الأدباء 18/ 198.
3
أخبار الشعراء المحمدين 121-122 مخطوط بدار الكتب رقمه "2217".
4
انظر رسالة الصداقة والصديق/ 85.



ج / 1 ص -11- يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه المنطق."1.
وأما اشتغاله بالموسيقى فيشهد عليه احتجاجه بوجوه القراءات في كتاب كان قد ابتدأ بإملائه وارتفع منه بعض "كذا" ما في سورة البقرة من وجوه الاختلاف2... وتصنيفه كتابا في العروض3 والقافية.
أخلاقه ومكانته العلمية:
كان أحد الأئمة المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره4، ثقة5 أديبا شاعرا إماما في النحو بليغا في الرأي متينا6، مقبلا على الطرب والموسيقى، عشق ابن يانس المغني، له أخبار وهنات7، ولم يعرف عنه أنه كان يبخس حق أستاذ له، بل كثيرا ما يثني على من يأخذ عنه، فقد ذكر أبو الحسن الرماني8 أنه جرى بحضرة ابن السراج ذكر كتابه "الأصول" الذي صنفه فقال قائل: هو أحسن من كتاب "المقتضب" للمبرد. فقال ابن السراج: لا تقل هذا إنما استفدنا ما استفدناه من صاحب "المقتضب"، وأنشد:

ولو قبل مبكاها بكيت صبابة بسعدى شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت: الفضل للمتقدم


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
عيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 136.
2
انظر الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي/ 4. تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي.
3
له كتاب في العروض تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي مستل من مجلة كلية الآداب سنة 1972.
4
وفيات الأعيان 3/ 462.
5
تاريخ بغداد 5/ 319، وفيات الأعيان 3/ 462.
6
طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 52.
7
وفيات الأعيان 3/ 462.
8
إنباه الرواة 3/ 146. معجم الأباء 18/ 198.



ج / 1 ص -12- وكان اجتماعيًّا يحب الناس له صلات صداقة مع كبار علماء عصره ولا سيما المقرئ الكبير ابن مجاهد1.
أما أسرته، فلم تذكر المراجع شيئا ذا بال عنها، ولا عن حياته الخاصة وكل ما عرف عنه أنه كان يعشق جارية من القيان وكان له منها ولد2.
أساتذته:
تيسر لابن السراج مقدار لا يُستهان به من علوم العصر على اختلاف فنونها، وقد كان في بعضها معتمدا على نفسه في البحث والتنقيب والاطلاع، وفي سوى ذلك يتلقاه على شيوخ عصره كل حسب اختصاصه ممن كانت بغداد تتنافس بهم، غير أن المراجع كلها قد أجمعت على شخصية واحدة هي: أبو العباس المبرد إمام نحاة البصرة في القرن الثالث الهجري، فقد صحبه ابن السراج وأخذ عنه العلم والأدب3، وقرأ عليه كتاب سيبويه4، ولم تكن علاقته بأستاذه علاقة دراسة وقراءة فحسب، قال ابن درستويه5: كان من أحدث غلمان المبرد مع ذكائه وفطنته وكان المبرد يميل إليه، ويشرح له، ويجتمع معه في الخلوات والدعوات ويأنس به.
ولا يعرف لابن السراج أستاذ آخر مسمى في كتاب التراجم إلا أن ابن خلكان6 ذكر: أنه أخذ عن المبرد وغيره، وليس من المستبعد أن يكون قد تأثر -على الأقل- بالزجاج الذي آلت إليه رئاسة المدرسة البصرية بعد موت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر معجم الأدباء 18/ 198.
2
تاريخ بغداد 5/ 319، نزهة الألباء/ 312.
3
إنباه الرواة 3/ 145. وفيات الأعيان 3/ 462، ونزهة الألباء/ 313.
4
معجم الأدباء 18/ 197.
5
الفهرست 92، وإنباه الرواة 3/ 148.
6
وفيات الأعيان 3/ 462.



ج / 1 ص -13- المبرد سنة "285هـ" ولقد رددت كتب التراجم قصة خطأ ابن السراج في مسألة بحضرة الزجاج بعد موت المبرد1. كما أن ابن جني قد أورد في الخصائص2 بعض المسائل التي كانت مدار خلاف فيما بينهما.
تلاميذه:
ما زال طلاب العربية إلى يومنا هذا يتتلمذون على أولئك العلماء الذين وضعوا الأسس القويمة لبناء هذا التراث الخالد. فلم يكن طلب العلم مقصورا على المشافهة والأخذ المباشر عن الشيوخ، وإنما هو أعم من ذلك وأشمل، فقارئو كتاب سيبويه يأخذون عن سيبويه، وقارئو الكامل والمقتضب يأخذون عن المبرد، ودارسو الأصول هم طلاب علم ابن السراج دون شك أو ريب. وقد جرت عادة المؤرخين: أن يتحدثوا عمن عاصروا أستاذهم وتلقوا عنه العلم على أنهم تلاميذه، الآخذون عنه، وإن كان العلم باقيا يأخذه المعاصرون كما ينتفع به بعدهم، وأبرز تلاميذ ابن السراج:
1-
أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى سنة 337هـ فقد ذكر الزجاجي أنه أخذ عن ابن السراج3.
2-
أبو سعيد السيرافي النحوي المتوفى "368هـ" فقد قرأ على أبي بكر بن السراج وأبي بكر مبرمان النحو4 وفي شرح5 كتاب سيبويه نجد الكثير من آراء ابن السراج النحوية والصرفية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الفهرست/ 92، معجم الأدباء 18/ 198، إنباه الرواة 3/ 149.
2
انظر الخصائص 1/ 62، 66، 248، و2/ 31.
3
انظر الإيضاح في علل النحو: 79، ومعجم الأدباء 18/ 198. ونزهة الألباء/ 313.
4
انظر معجم الأدباء 8/ 145، وبغية الوعاة / 221.
5
انظر شرح السيرافي 1/ 57، 134، 167، 180، و5/ 17، 18، 35، 59.



ج / 1 ص -14- 3- أبو علي الفارسي "377". الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن أبان الفارسي الفسوي الإمام العلامة، فقد قرأ النحو على أبي إسحاق الزجاج وعلى أبي بكر بن السراج1، وكذلك اطلع على المسائل المشروحة من كتاب سيبويه للمبرد وقرأها على ابن السراج كما روى كتاب التصريف عن ابن السراج عن المبرد2.
4-
الرماني: أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفى "384". أخذ النحو عن أبي بكر بن السراج وابن دريد والزجاج3، وهم الشيوخ الذين حملوا علم البصرة في بغداد. وقد شرح الرماني كتاب الموجز لابن السراج4.
5-
أبو علي القالي "356": ومن تلاميذ ابن السراج: إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن عيسى بن محمد بن سليمان مولى الخليفة عبد الملك بن مروان، أبو علي البغدادي المعروف بالقالي نسبة إلى -قالى قلى- بلد من أعالي أرمينة5.
6-
الأزهري اللغوي: "370" محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري اللغوي الأديب الهروي الشافعي، أخذ عن الربيع بن سليمان ونفطويه وابن السراج. وكان رأسا في اللغة6.
7-
أبو القاسم الآمدي: "371" الحسن بن بشر الآمدي الذي ولد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الفهرست لابن النديم/ 64، وطبقات النحويين/ 130، ونزهة الألباء/ 387.
2
المنصف لابن جني 1/ 6.
3
انظر إشارة التعين/ 34.
4
إنباه الرواة/ 295.
5
معجم الأدباء 7/ 27. وفيات الأعيان 1/ 74.
6
معجم الأدباء 17/ 165، بغية الوعاة 2/ 19 تحقيق أبي الفضل إبراهيم.



ج / 1 ص -15- بالبصرة وانتقل إلى بغداد فتلقى النحو واللغة عن الأخفش الصغير والزجاج وابن دريد وابن السراج1.
وفاته:
أجمعت معظم المراجع التي ترجمت لابن السراج أنه مات يوم الأحد لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة "316هـ"2 ببغداد في خلافة المقتدر بالله3. إلا أن هناك روايتين إحداهما: ذكرها العيني في عقد الجمان في ثنايا الحديث عن ابن السراج وهي لا تختلف عن الروايات المتداولة بين المترجمين تقول: في تاريخ النويري أن ابن السراج توفي في ذي الحجة سنة "310" ثم قال: قيل: كانت وفاته سنة خمس عشرة وثلاثمائة4.
والثانية: ما نقله صاحب كشف الظنون وهي: أن أبا بكر بن السراج توفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة هجرية5، -في النص العربي والإنجليزي- وهذا -كما يبدو- تحريف؛ لأن سنة "316" قابلة للتقديم والتأخير فتصبح سنة "361هـ".
وقد عمر ابن السراج طويلا، ولم يمت في سن مبكرة، ولم يمت شابا كما ذكر السيوطي في البغية6، فقد ذكر المترجمون له أنه مات كهلا7، والواقع يؤيد ذلك. فهو قد صحب أبا العباس المبرد المتوفى "285هـ" فإذا افترضنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بغية الوعاة 1/ 20 تحقيق أبو الفضل إبراهيم.
2
تاريخ بغداد 5/ 319، معجم الأدباء 18/ 198، نزهة الألباء/ 312.
3
نزهة الألباء / 312.
4
عقد الجمان: 18 القسم الثاني.
5
كشف الظنون/ 334.
6
بغية الوعاة/ 44، والأعلام للزركلي 7/ 6.
7
عيون التواريخ، الذين توفوا سنة "316" وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 44.



ج / 1 ص -16- أن سنه كانت خمسا وعشرين سنة آنذاك يضاف لها إحدى وثلاثون سنة عاشها بعد موت المبرد فيكون عمره ستا وخمسين سنة تقريبا.
آثاره:
خلف ابن السراج ثروة علمية في معظم التصانيف التي أودعها علمه في جميع الفنون التي برز فيها، فقد استوعب معظم علوم عصره إلا القليل، صنف فيها ما ينيف على الخمسة عشر كتابا ومصنفا ضاع أكثرها، والملاحظ أن من مصنفاته ما عني به العلماء من بعده وتعهدوه، بالشرح والتفسير مثل كتاب "الأصول".
فقد شرحه الرماني1 النحوي وهو من تلاميذ ابن السراج، وبقي هذا الشرح إلى زمن السيوطي المتوفى سنة "911هـ" الذي نقل عنه في كتابه الأشباه والنظائر2 كذلك شرحه ابن بابشاذ3 المتوفى "469هـ" وابن الباذش4 الغرناطي النحوي المتوفى "607هـ".
وأهم المراجع التي أحصت كتب ابن السراج هي: تاريخ بغداد، والفهرست لابن النديم، ومعجم الأدباء، ووفيات الأعيان لابن خلكان وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي ونزهة الألباء لابن الأنباري والبغية للسيوطي، وكشف الظنون للحاج خليفة وغيرها من كتب التراجم.
وعلى أية حال: فإن ما أمكن التعرف عليه من كتب ابن السراج لم يتعد الخمسة عشر كتابا يمكن تقسيمها على الشكل الآتي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
كشف الظنون 1/ 334. وفهرسة ابن خير الإشبيلي/ 307، وقد عثرت على قطعة من هذا الشرح في آخر كتاب الأصول نسخة تركنا تحت رقم "1066".
2
الأشباه والنظائر 1/ 212.
3
انظر المقدمة المحسبة/ 18 وكشف الظنون 1/ 334.
4
انظر كشف الظنون 1/ 334.



ج / 1 ص -17- أ- كتب في اللغة والنحو والصرف: مثل الأصول في النحو: وجمل الأصول، والموجز، وشرح كتاب سيبويه، والاشتقاق، وكتاب علل النحو، وكتاب الهمز.
ب- دراسة في القرآن الكريم، مثل كتاب الاحتجاج في القراءة.
جـ- كتب في النقد والشعر، مثل كتاب الشعر والشعراء.
د- كتب في الخط والهجاء والعروض.
هـ- كتب أخرى لم يعرف شيء عن مضامينها؛ لأنه لم يعثر على نص يشير إلى ما تحتوي عليه هذه الكتب من فنون العلوم المختلفة، مثل كتاب الرياح والهواء والنار، والمواصلات، والمذاكرات، والأخبار، وهذا وصف موجز لبعض هذه المصنفات:
1-
كتاب الأصول في النحو، وهو موضوع التحقيق، يشمل النحو والصرف.
2-
كتاب جمل الأصول أو مجمل الأصول، أو الأصول الصغيرة1، وهو كتاب في النحو أيضا، يعتقد أنه مختصر لكتاب الأصول الكبير.
3-
كتاب الجمل، وهو في النحو أيضا، أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه الأصول عندما كان يتحدث عن الموضع الذي يتساوى فيه الجمل والأصول2. وقد ذكر القفطي3 أن الرماني شرح هذا الكتاب، ثم شرح أبياته النحوي المعروف بابن حميدة المتوفى سنة "550هـ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر معجم الأدباء 18/ 198، وفيات الأعيان 3/ 462. وإنباه الرواة 3/ 145.
2
انظر الأصول 2/ 219.
3
إنباه الرواة 1/ 195.



ج / 1 ص -18- 4- الموجز: كتاب في النحو والصرف، شرحه الرماني1 وأبو الحسن الأهوازي2، وقد ذكر: أن ابن السراج لم يتم هذا الكتاب وأنه كلف أبا علي الفارسي بإتمامه، لكن أبا العلاء المعري3 يقول: وهذا لا يقال إنه من إنشاء أبي علي؛ لأن الموضوع من الموجز وهو منقول من كلام ابن السراج في الأصول والجمل4 فكأن أبا علي جاء به على سبيل النسخ لا إنه ابتدع شيئا من عنده. وقد طبع هذا الكتاب في بيروت عام 1965 بتحقيق مصطفى الشويمي وابن سالم دامرجي تحت إشراف رجس بلاشير من جامعة باريس، كذلك عثرت على مخطوطة لهذا الكتاب في الخزانة العامة بمدينة الرباط تحت رقم "100ق"، في آخرها: كتبت من نسخة مقروءة على الشيخ أبي علي النحوي صاحب أبي بكر بن السراج.
5-
شرح كتاب سيبويه: وهذا بطبيعة الحال يشمل النحو والصرف معا، وقد أشار كل من السيرافي والرماني5 إلى اختلاف نسخ الكتاب التي كانت بين يدي ابن السراج.
6-
الشكل والنقط: ذكر القفطي6 أن الرماني شرح هذا الكتاب ولكن لم تعرف مادته ومضمونه لأنه لم يصل إلينا.
7-
كتاب الهجاء أو الخط. ولقد عثرت على هذا الكتاب في الخزانة العامة في الرباط بالمغرب ضمن مجموعة تحت رقم "100ق". وقد طبع في مجلة المورد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بغية الوعاة 1/ 173.
2
إنباه الرواة 3/ 295.
3
شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري 2/ 277.
4
رسالة الغفران لبنت الشاطئ/ 357.
5
انظر شرح السيرافي 5/ 59، وشرح الرماني: 56 المجلد الخامس.
6
إنباه الرواة 3/ 145.



ج / 1 ص -19- 8- كتاب الشعر والشعراء1: ذكره ابن خلكان وياقوت والقفطي ولم نعرف عنه شيئا لا عن مادته ولا طريقة عرضه وتأليفه، وليس له ذكر في أية فهرسة من فهارس الكتب المصورة أو المخطوطة.
9-
احتجاج القراء: وهذا الكتاب في التفسير والقراءات. وتجد صدى هذا الكتاب في القسم الأول من كتاب "الحجة"2 لأبي علي الفارسي.
10-
كتاب الاشتقاق: ذكر المترجمون3 لابن السراج أن هذا الكتاب لم يتم، وهو في علم التصريف4 وقد حققه الدكتور محمد صالح.
11-
كتاب المواصلات والمذاكرات في الأخبار5، لا يعرف شيء عن محتوياته ومادته.
12-
كتاب الهوى والنار والرياح.
13-
كتاب علل النحو: لم يشر إليه أحد ممن ترجم لابن السراج سوى القفطي.
14-
كتاب الهمز: أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه الأصول.
15-
كتاب العروض، لم أجد أحدا أشار إلى هذا الكتاب من قريب أو بعيد ولكنني عثرت على نسخة له في المغرب في مكتبة الخزانة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر وفيات الأعيان 3/ 463. ومعجم الأدباء 18/ 198، وإنباه الرواة 3/ 145.
2
انظر الحجة في القراءات 1/ 4 تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي.
3
انظر الأصول 2/ 606، والمعرب من الكلام الأعجمي للجواليقي/ 3، تحقيق أحمد شاكر.
4
انظر معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462، إنباه الرواة 3/ 145.
5
معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 4/ 462.



ج / 1 ص -20- العامة بالرباط تحت رقم "127" ولقد نشرته في مجلة كلية الآداب لعام 1972.
مذهب ابن السراج النحوي:
نشأ ابن السراج بعد تكامل وانتهاء طبقات النحاة البصريين والكوفيين إذ إن آخر من يذكر في طبقات البصريين أبو العباس المبرد المتوفى "285هـ" وآخر من يذكر في طبقات الكوفيين يحيى بن أحمد المعروف بثعلب المتوفى "291هـ". نشأ في بغداد ومات فيها، لكن مذهبه بصري أو هكذا ارتضى لنفسه أن يكون من البصريين؛ لأن الأسس التي يرجع إليها والمصطلحات والمسائل الخلافية التي يستعملها ليست بغدادية؛ لأنه لا توجد مدرسة بغدادية بهذا المعنى.
إن ابن السراج يقول بآراء البصريين ويعد نفسه بصريا ويعتمد الأسس البصرية، ويستعمل مصطلحاتهم، وإننا نستطيع أن نميز وجهة النحوي من النظر في أربعة أمور:
الأسس التي يعتمدها في البحث: والمصطلحات التي يستعملها. ومع من يعد نفسه أو أين ارتضى أن يضع نفسه، وفي المسائل الخلافية.
والذي ينظر إلى ابن السراج من خلال هذه النقاط الأربع يجده يعتمد الوجهة البصرية، فهو كالنحاة البصريين يعتمد القبائل العربية الفصيحة، ولا يقيس على القليل أو النادر بخلاف الكوفيين الذين أخذوا عن أعراب لانت فصاحتهم، ويقيسون على النادر والقليل، بل الشاهد الواحد أيضًا.
ومن حيث المصطلحات النحوية، فإنه كان يستعمل المصطلحات البصرية كالممنوع من الصرف، والظرف، والعطف، والجر، والمجرورات، والنعت والبدل، وألقاب الإعراب، والبناء، والضمير، وضمير الفصل، والمتعدي، واللازم.
وفي كتاب الأصول الكثير من ذكر البصريين، وأحيانا يسميهم



ج / 1 ص -21- بأصحابنا1، إلا أنه أحيانا أخرى يستعمل اصطلاحات الكوفيين، كالنسق، والمكني، والجحد، والصفة، والمفسر، وما لم يسم فاعله2.
ولعل مرجع ذلك إلى ما ذكره المترجمون له من أنه عول على مسائل الكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة3.
كتاب الأصول:
كانت لكتاب الأصول في النحو منزلة خاصة في نفوس النحاة وفي تاريخ النحو العربي، ولآرائه أهمية كبرى كتب لها من الذيوع والانتشار بين الدارسين ما لم يكتب إلا لقلة نادرة من المصنفات النحوية، مثل كتاب سيبويه والمقتضب لأبي العباس المبرد والتصريف لأبي عثمان المازني، فهذا العمل البارع الذي قام به أبو بكر بن السراج في القرن الثالث الهجري، فجمع فيه أبواب النحو والصرف لقي إقبالا وإعجابا من معظم دارسي العربية، فقد جمع ابن السراج أصول العربية وأخذ مسائل سيبويه ورتبها أحسن ترتيب4 في كتاب أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه5 وهو غاية في الشرف والفائدة6، فقد اختصر فيه أصول العربية، وجمع مقاييسها7، ونظر في دقائق سيبويه، وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة حتى قيل: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الأصول 1/ 484.
2
انظر الأصول 2/ 296، و2/ 198 و1/ 192 و1/ 289. و1/ 194، و2/ 300، و2/ 191، و1/ 21، و279، و2/ 203.
3
انظر معجم الأدباء 18/ 198.
4
نزهة الألباء/ 69.
5
معجم الأدباء 18/ 200.
6
طبقات الزبيدي/ 122.
7
طبقات الزبيدي/ 122.
8
معجم الأدباء 18/ 198.



ج / 1 ص -22- ولقد نسب كثير من الباحثين إلى ابن السراج أنه أول من وضع كتابا في أصول العربية، فقد ذكر محققو سر صناعة الإعراب لابن جني في مقدمته1 شيئا من ذلك، ولقد قال ابن السراج في كتاب الأصول "فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعا يحصره وفصلته تفصيلا يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما يمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على متعلميه حفظه2.
منهج ابن السراج:
الذي يقرأ كتاب الأصول يعرف أن ابن السراج كان منهجيا قويم النظرة في عرض مادة كتابه، فلم يشأ أن يجري دراسته النحوية على النهج الذي ألفناه في كتب من سبقه مجافيا لمذهب التقنين والقواعد فقد أدرك أن مدار علم النحو في كتابه مبني على استخراج الأصول النحوية مع الالتزام بالدقة في كل موضوع، وقد بوب كتابه تبويبا يشبه إلى حد كبير تبويب كتاب سيبويه، لكن موضوعات أصول ابن السراج غير متداخلة كموضوعات الكتاب لا يمكن التمييز بينها، فقد رتب على الشكل الذي ألفناه في الوقت الحاضر، فبدأ بمرفوعات الأسماء، ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقل بعد ذلك إلى التوابع كالنعت والتوكيد وعطف النسق وعطف البيان، والعطف بالحروف. ثم أشار إلى نواصب الأفعال وجوازمها، وزاد باب التقديم والتأخير، وباب الإخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى إلى مسائل الصرف.
وكتاب الأصول خال من المقدمة، قليل الاستطراد، موضوعاته المتشابهة محصورة في باب واحد لا في أبواب متفرقة كما هي الحال في كتاب سيبويه يبدأ بتعريف النحو العربي وينتهي بباب ضرورة الشاعر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
سر صناعة الإعراب 1/ 6.
2
كتاب الأصول 1/ 27.



ج / 1 ص -23- وتجدر الإشارة هنا إلى عدد النسخ التي كانت بحوزة ابن السراج من كتاب سيبويه، فنراه كلم وجد كلمة أو عبارة فيها أكثر من احتمال أو لها أكثر من وجه من وجوه التفسير رجع إلى نسخة معينة مشيرا إلى صاحب تلك النسخة مبينا أنها بخطه أو كانت ملكه: كالمبرد، وثعلب، والقاضي1، فهو يشبه المحقق في هذا الزمن، إذ إنه يحاول إخراج النص سليما، لا يشوبه الغموض، ولا يتطرق إليه الشك من قريب أو بعيد.
ولقد نال الأصول إعجاب من جاء بعد ابن السراج من الباحثين، وأثنوا عليه، ووضعوه في مكانه اللائق به.
قال ياقوت الحموي: وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه2.
وقال الزبيدي في طبقاته: هو غاية في الشرف والفائدة، وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن3.
وقال ابن شاكر الكتبي: له كتاب الأصول في النحو، مصنف نفيس شرحه الرماني4.
ولقد استشهد أبو بكر بن السراج في كتاب الأصول بالشعر في أماكن عديدة بما ثبت عن العرب أو أنه فهم على غير وجهه الصحيح. تتمثل هذه الشواهد بكثرة ما استشهد به من الشعر للغات العرب المختلفة أو لهجات بعض قبائلهم أو تعزيز القواعد التي قال بها فريق من النحاة؛ لأن السماع ورد بها وأنكرها فريق آخر لأنها تتعارض مع القياس، أو لأنهم لم يطمئنوا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هو إسماعيل بن إسحاق القاضي -ذكره السيرافي باسمه كاملا في شرح الكتاب 5/ 113، دار الكتب نسخة البغدادي- مات سنة 282هـ.
2
معجم الأدباء 18/ 199.
3
طبقات الزبيدي/ 222، وفيات الأعيان 3/ 42.
4
عيون التواريخ "1497" سنة 316هـ.



ج / 1 ص -24- هذا السماع، كذلك تمثل ما اضطر إليه قائله لضرورة الشعر وهو عربي فصيح، ولكنه لا ينبغي أن يرد في السعة؛ لأن للشعر ضروراته وأحكامه، والنوع الثالث: ما جاء شاذا خلاف القياس أو السماع، ولكنه صدر عن عربي فصيح فلا يمكن رده أو الحكم عليه بالخطأ أو تضعيف روايته.
تأثره بمن سبقه:
ينبغي هنا أن نقتصر على مجرد الإشارة إلى مصادر "كتاب الأصول" لنكون على بينة من أمر تأليف هذا الكتاب ومادته وتأثر صاحبه بمن سبقه من النحاة. في ثنايا الكتاب تقع على ذكر ابن أبي إسحاق "117هـ" وعيسى بن عمر "149هـ"، وأبي عمرو بن العلاء "154هـ"، وأبي الخطاب الأخفش الأكبر "157هـ"، والخليل بن أحمد الفراهيدي "174هـ" ويونس بن حبيب "183هـ", وأبي زيد الأنصاري "215هـ"، والأخفش الأوسط "208هـ"، والجرمي "225هـ" والمازني "249هـ"، والرياشي "257هـ" وأبي العباس المبرد "285هـ"، من البصريين وعلى ذكر الكسائي "189هـ"، والأحمر "194هـ"، والفراء "207هـ" والطوال "243هـ"، وثعلب "291هـ"، من الكوفيين، ومما يشكل قسما من الكتاب ما نقله عن العرب كالحجازيين والتميميين وسائر القبائل العربية الأخرى1.
ولم يكن ابن السراج مجرد ناقل أو جامع يجمع الآراء ويقدمها للدارسين، بل كانت له مقدرة فائقة في التعليل والترجيح، كما تظهر أحكامه على حظ كبير من السداد والقبول شأن العالم المعتمد بعلمه المتأكد من صحة قوله وتصويب رأيه وكثرة حفظه وعمق إدراكه وتمكنه من الفهم، وإذا كان الأصول مليئًا بالكثير مما نقله ابن السراج عن غيره من شواهد وأحكام، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الأصول 1/ 81، 82، 144، 133، 236، 337، 155، وجـ2/ 163، 177، 162، 166...



ج / 1 ص -25- الكثير ليشهد بأنه لم يكن مجرد ناقل لآراء شيوخه، فهو يناقشهم فيها، ولا يتردد في إبداء رأيه ولو كان ذلك مخالفا لآراء من نقل عنه، ويخرج عليه، ولا يحجم عن تأييد أقواله واستحسانها وتقبيحها واستبعادها حتى كانت أقواله وأحكامه وآراؤه إلى جنب أقوال شيوخه وآرائهم وأحكامهم دالة على أنه لا يقل عنهم شأنا، ولا ينقص فكرا وعلما وأصالة1.
المسائل التي تفرد بها ابن السراج:
إن كتاب الأصول قيض له أن يقع في أيدي الباحثين من علماء العربية، فوقفوا منه على هذه الثروة الطائلة من الأحكام والقوانين، فأطلقوا عليه مخترع علم الأصول مستندين في ذلك إلى ما جاء بالكتاب نفسه من القوانين العامة، كما أنهم استندوا إلى مقال المترجمين حين قالوا فيه ما قالوا، فهو يلفت الأنظار بموضوعه من ناحية وبعنوانه من ناحية أخرى، لهذا، فإن لابن السراج آراء كثيرة في كتب النحاة الذين جاءوا بعده، وسوف أعرض لجانب من هذه الآراء:
1-
لمّا ظرف:
ذهب جمهور النحاة إلى أن "لمّا" في مثل: لما جاءني أكرمته "حرف وجود لوجود، أما ابن السراج فيذهب إلى أنها ظرف بمعنى "حين" تنفي عن الثاني ما وجب للأول فعلى هذا لا تقع بعد كلام فيه نفي2. وهو يخالف النحاة من أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أو حالا أو صفة لا يتعلقان بمحذوف تقديره: استقر أو مستقر إذ كان يرى أنها قسم مستقل بنفسه يقابل الجملتين الاسمية والفعلية3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الأصول 2/ 580، 510، 114، 402، وجـ1/ 313، 116...
2
المغني: 1/ 310. المصباح المنير 2/ 933.
3
شرح ابن عقيل 1/ 211. وهمع الهوامع 1/ 99. وارتشاف الضرب/ 156.



ج / 1 ص -26- 2- اسم الفاعل مفرد:
قال ابن السراج: كل ما كان يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان، فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه، من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجميع، ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد، وما كان يجمع بالواو والنون نحو: منطلقين. فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم، فتقول: مررت برجل منطلق قومه1.
3-
مع اسم:
ذهب ابن السراج إلى أن "مع" اسم يدل على ذلك حركة آخرها مع تحرك ما قبلها، قال الزجاج2: في قوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} نصب "معكم" كنصب الظرف، والواقع أنها ظرف لأننا نقول: إنا معكم كما نقول: أنا خلفكم: أنا مستقر معكم وأنا مستقر خلفكم.
4-
اسم الإشارة أعرف المعارف:
ذهب النحويون المتقدمون والمتأخرون إلى أن الاسم العلم أعرف المعارف ثم المضمر... واحتجوا بأن العلم لا اشتراك فيه في أصل الوضع، وإنما تقع الشركة عارضة فلا أثر لها.
أما ابن السراج، فيذهب إلى أن اسم الإشارة أعرف المعارف، ثم يليه المضمر والعلم واحتج بأن اسم الإشارة يتعرف بشيئين: بالعين والقلب وغيره يتعرف بالقلب لا غير3.. لأن الإشارة ملازمة للتعريف بخلاف العلم وتعريفها حسي وعقلي وتعريفه حسي فقط وأنها تقدم عليه عند الاجتماع نحو: هذا زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأشباه والنظائر 1/ 90-91.
2
اللسان: مادة "معع".
3
شرح المفصل 5/ 87. شرح التصريح 1/ 95، والتذليل والتكميل 1/ 235.



ج / 1 ص -27- والذي وجدته في كتاب الأصول أن أعرف المعارف هو الضمير1، وهو مذهب سيبويه وهذا خلاف ما روي عنه.
5-
ليس حرف لا فعل:
ذهب ابن السراج إلى أن "ليس" حرف؛ لأنها لا تتصرف، أي: لا يأتي منها المضارع والأمر، ومثلها: "عسى" بينما كان جمهور البصريين يذهب إلى أن "ليس" فعل ناقص لاتصالها بالضمائر مثل: لست، ولستما وليسوا، ولسن، وإلى أن "عسى" فعل لاتصالها بالضمائر مثل: عساك، وعساه2...
6-
صرف ما لا ينصرف:
كان ابن السراج يقول: لو صحت الرواية في صرف ما لا ينصرف ما كان بأبعد من قوله:

فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جمل رخو الملاط نجيب

فإنما هو يشري رحله، فحذف الواو من "هو" وهي متحركة من نفس الكلمة وليست بزائدة، فإذا جاز أن تحذف ما هو من نفس الحرف جاز أن تحذف التنوين الذي هو زائد للضرورة3...
7-
إما ليست حرف عطف:
قال ابن السراج: ليست "إما" بحرف عطف؛ لأن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض، فإن وجدت شيئا من ذلك في كلامهم، فقد خرج أحدهما من أن يكون حرف عطف نحو قولك: ما قام زيد ولا عمرو "فلا" في هذه المسألة ليست عاطفة، إنما هي نافية ونحن نجد "إما" هذه لا يفارقها حرف العطف فقد خالفت ما عليه حروف العطف، ثم إنها يبتدأ بها نحو قوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} وذلك أن موضع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الأصول 2/ 264.
2
انظر المغني 1/ 162.
3
انظر شرح السيرافي 1/ 134، والإنصاف 2/ 267، وشرح المفصل 1/ 68.



ج / 1 ص -28- "أن" في كلا الموضعين رفع بالابتداء والتقدير: إما العذاب شأنك. وإما اتخاذ الحسن1...
زمن تأليف كتاب الأصول:
ليس بين أيدينا ما يدلنا على زمن تأليف هذا الكتاب أو السنة التي كتب فيها من قبل ابن السراج، فلم نظفر بما يشير إلى زمن تأليف الأصول والذي يبدو أن كتاب ابن السراج هذا من الكتب المتأخرة في وضعها، فقد وردت إشارة في كتاب الأصول نفسه أنه آخر كتب ابن السراج، قال: ونحن نفرد كتابا بالتفريع للأصول ومزج بعضها ببعض نسميه كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول إن أخر الله في الأجل وأعان2... والظاهر أنه توفي قبل أن يؤلف كتاب الفروع، ثم إن الذين ترجموا له لم يذكروا له مثل هذا الكتاب -أعني كتاب الفروع- كذلك قال ابن الأنباري: ولأبي بكر مصنفات حسنة أحسنها وأكبرها كتاب الأصول، فإنه جمع فيه أصول العربية..
ومن الطبيعي أن العالم كلما تقدمت به السن زادت تجاربه ونضجت أحكامه واقترب من الكمال في أعماله العلمية والأدبية.
تسمية الكتاب:
نص ابن السراج في الورقة الثانية من كتابه هذا على اسمه عندما بين الغرض من التأليف، قال: وغرضي في هذا الكتاب العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط، وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز3...
وقال في مكان آخر: قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات، وذكرنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر شرح المفصل 8/ 130، والأشباه والنظائر 1/ 322.
2
انظر كتاب الأصول 1/ 343.
3
الأصول 1/ 2.



ج / 1 ص -29- في كل باب من المسائل مقدارا كافيا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب لأنه كتاب أصول1...
وقال: قد انتهينا إلى الموضوع الذي يتساوى فيه كتاب الأصول وكتاب الجمل بعد ذكر الذي والألف واللام2...
وذكر في آخر الكتاب: هذا آخر الأصول بحمد الله ومنه3.
غير أن النحاة وأصحاب التراجم وغيرهم آثروا زيادة هذه التسمية وأطلقوا على الكتاب اسم الأصول الكبير أو أصول النحو، وظل معروفا باسم الأصول الكبير عند كثير ممن ترجموا لابن السراج كياقوت الحموي وابن خلكان، والزبيدي، والسيوطي، وغيرهم، حتى يومنا هذا، أما لماذا سمي بالأصول الكبير؛ فلأن له كتابا آخر اسمه جمل الأصول4. أو الأصول الصغير5، فهذه تسمية -كما تبدو- للفرق بين الكتابين، والإشارة إلى أن كتاب الأصول الكبير أحسن مصنفات ابن السراج وأكبرها6.
منهج التحقيق:
لما كان الغرض من تحقيق النصوص إنما هو إظهارها سليمة صحيحة كما أراد لها المؤلف لم أبخل بجهد في هذا السبيل واضعا نصب عيني ما تتطلبه إعادة النص إلى وضعه الأول، من دقة وأمانة، وحيطة وحذر، وقد تكون الإعادة إلى الأصل أصعب من ولادة أصل جديد، مصداق ذلك قول الجاحظ: "لربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأصول 1/ 343.
2
الأصول 2/ 234.
3
الأصول 2/ 582.
4
وفيات الأعيان 3/ 462، وبغية الوعاة/ 44.
5
معجم الأدباء 18/ 199.
6
نزهة الألباء/ 312.



ج / 1 ص -30- إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعنى أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام"1.
والذي أعانني على تحقيق الكتاب أن كثيرا من نصوصه منقولة من كتاب سيبويه فإذا ما استعصى لفظ في النسخة المخطوطة التي بين يدي رجعت إلى الباب الذي يشبهه في كتاب سيبويه نحوا كان أو صرفا وإلى تصريف المازني فيما يتعلق بالصرف فقط، ومع ذلك فمواضع الإبهام والغموض كثيرة فيه.
وقد تتبعت في تحقيقه نصوص ابن السراج في "الأصول" فأكملت الناقص، وأقمت المعوج، وهذبت المختل في دقة وأمانة دون المساس بالمعنى أو بمواد المؤلف، وقد حافظت على النص وعدم التدخل فيه إلا بالقدر الذي لا يمس جوهره كإعادة كتابة كلمة وفق القواعد الإملائية الصحيحة. وكل ما امتدت إليه يدي بالتقويم والتهذيب أو الإضافة أو الحذف أشرت إليه في الحاشية حرصا على أمانة النص العلمية وفق القواعد التالية:
1-
تتبعت مسائل ابن السراج جميعها في كتابه، وأرجعت الأصول التي نقلها إلى أصحابها ما أمكن ذلك؛ لأن بعض الكتب التي نقل عنها لا توجد لدينا أو أنها مفقودة.
2-
وجدت في النص جملا غير مستقيمة فحاولت تقويمها بما يلائم السياق من زيادة كلمة أو حرف بأن وضعت الزائد بين هذين [ ] المعكوفين وأشرت إلى ذلك في الحاشية، يتجلى ذلك في نسخة تركيا، إذ إنها مليئة بالأخطاء إلى درجة أن المعنى يضيع في مواطن كثيرة، لولا أن كتاب الأصول كان صورة من كتاب سيبويه، والذي يسر هذا التدخل في النص أن ناسخه غير مؤلفه، ولو كان الناسخ هو المؤلف نفسه لما تجرأ شخص في عصرنا هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
كتاب الحيوان 1/ 79.



ج / 1 ص -31- على شيء مما فعلت؛ لأن المخطوط يكون آنذاك صورة لثقافة مؤلفه.
3-
ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في المخطوط وضبطتها ما أمكنني ذلك ولما كانت هذه الأسماء منها ما يتكرر عشرات المرات وكانت صفحات المخطوط تبلغ ألف صفحة أو تزيد فقد اقتصرت على ترجمة الاسم حين وروده لأول مرة ولم أذكره في سائر المرات التالية لذلك.
4-
خرجت الشواهد من آيات وأحاديث وأشعار وأمثال متبعا ما يلي:
أ- الآيات القرآنية: فقد رددتها إلى مواضعها في المصحف الشريف وذكرت في الهامش رقمها واسم السورة التي وردت فيها، كما أكملت الناقص من الآيات في الهامش مشيرا إلى القراءات إذا كان هناك قراءة في آية من الآيات.
ب- الأحاديث النبوية: وهي قليلة في الكتاب، فقد تتبعت ما جاء منها في كتب الحديث والمعاجم واللغة والنحو وبينت ما كان منها حديثا وما كان من كلام العرب المأثور عنهم.
جـ- الأمثال: وكانت هي الأخرى قليلة، لجأت في ذلك إلى كتب الأمثال للتحقق منها، وكذلك كتب اللغة والنحو وخرجتها وشرحتها بما يتفق والموضوع الذي وردت فيه.
د- شواهد الشعر: كنت أرجع فيها إلى دواوين الشعراء وكتب اللغة والنحو والمعاجم، أكمل الناقص منها في الهامش، وأشرح الغامض من مفرداتها اللغوية الصعبة -وما أكثرها- شرحا موجزًا يخدم الموضوع الذي سيق له شاهدا عليه، ونسبت الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها كلما استطعت ذلك ووجدت سبيلا إليه، وكذلك كنت أذكر بإيجاز بعض الفوائد النحوية التي تتصل



ج / 1 ص -32- بموضوعات المسائل، وذلك كخلاف بين بعض النحويين مما يرجح رأي ابن السراج أو يضعفه، وكل ذلك في الهامش بغية تعميم الفائدة وإفادة القارئ.
5-
شرحت المفردات الغريبة التي وردت في المخطوط شرحا لغويا موجزا، وقد اعتمدت في ذلك على بعض المعاجم العربية: كالتهذيب والصحاح واللسان والقاموس والمحكم لابن سيده والجمهرة لابن دريد.
6-
جاء النص مشكولا في الجزء الأول والجزء الثاني نسخة المتحف البريطاني، فحافظت على الشكل؛ لأن القسم الأكبر من الكتاب صرف، فهو عرضة للبس والإبهام، وقد حاولت تصحيح ما وجدته خطأ من ذلك.
نسخ الكتاب:
أولا: نسخة المغرب الموجودة في الخزانة العامة في الرباط رقمها "326" وهي نسخة قديمة جميلة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السادس الهجري، وتتألف من خمسمائة وأربع وعشرين صفحة.
ومتوسط عدد السطور في كل صفحة ستة عشر سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات.
والنسخة من القطع المتوسط فيها رسم تخطيطي كتب داخله الخزانة العامة، الرباط قسم التصويب، وفي آخرها ختمان أحدهما مكتوب فيه: مكتبة الزاوية الناصرية رقم "644"، والآخر مكتوب فيه: مخطوطات الأوقاف رقمه "355" وتحتوي على خمسة وتسعين بابا والعناوين مكتوبة بخط كبير.
ويوجد على هامش النسخة تصحيحات كان يكتب آخرها "صحح".
ويوجد في هذه النسخة سقط في باب "حروف الجر" مقداره صفحتان



ج / 1 ص -33- وتنتهي النسخة في باب الكاف من حروف الجر وأنها اسم، كذلك فإنها تحتوي على مسائل نحوية خالصة.
ثانيا: نسخة جامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب أيضا.
نسخة قديمة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن السادس الهجري، وتتألف من مائة صفحة، قطعة من كتاب الأصول "الجزء الأول".
متوسط عدد السطور "32" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، رقمها "1774" تبدأ بتعريف النحو وتنتهي بباب الصفة المشبهة باسم الفاعل. كتبها عبد الله أحمد المنصوري بالله، فيها ثقوب كبيرة وأثر لتآكل في حواشيها.
ثالثا: نسخة المتحف البريطاني:
تتألف من "258" صفحة وتوجد في المتحف البريطاني ومعهد المخطوطات بالجامعة العربية ومجمع اللغة العربية والمجمع العلمي العراقي وهي كلها نسخة واحدة وهي نسخة المتحف البريطاني.
كتب عليها قبل البسملة: "أصول النحو لابن السراج" والعنوان حديث بالنسبة لتاريخ المخطوطة؛ لأن هذه النسخة قطعة من الكتاب.
وعدد أسطر كل صفحة في المتوسط يصل إلى ثلاثة وعشرين سطرا في كل سطر خمس عشرة كلمة.
وهي نسخة قديمة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السابع الهجري خطها حسن جميل، وتحتوي على بعض المسائل النحوية، والقسم الأكبر منها مسائل صرفية بحتة، وفيها سقط يبدأ بباب النسب.
وقد كتب في آخرها "كتبت سنة "650هـ" وقوبلت بنسخة مقروءة على الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي رحمه الله، وقد كتبه محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبه".



ج / 1 ص -34- رابعا: نسخة سليم آغا في مدينة اسطنبول بتركيا:
وهي نسخة حديثة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن الثاني عشر، وعدد صفحاتها "377" صفحة.
متوسط عدد السطور "46" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، وهي من القطع الكبير، يوجد في هامش النسخة تصحيحات.
وتبدأ بباب: إضافة أفعل ما هو بعض له، وتنتهي بباب: ضرورة الشاعر. ومكتوب في آخرها: ما وجد مكتوبا في الأصل المنقول من هذه النسخة بذا آخر الأصول، فرغ يوم الاثنين سادس شوال سنة ثمانين وستمائة، كاتبه عبد الله بن منصور.
الدكتور.
عبد الحسين الفتلي.
كلية التربية/ جامعة بغداد.











======================================.

3
اقسام الكلم العربي



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -35- بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن السراج النحوي: النحو إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب، وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب، حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة, فباستقراء كلام العرب1 فاعلم: أن الفاعل رفع, والمفعول به نصب, وأن فعل مما عينه: ياء أو واو تقلب عينُه من قولهم: قام وباع2.
واعتلالات النحويين على ضربين: ضرب منها هو المؤدي إلى3 كلام العرب كقولنا: كل فاعل مرفوع4 وضرب آخر يسمى علة العلة, مثل أن يقولوا: لِمَ صار الفاعل مرفوعًا والمفعول به منصوبًا, ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحًا قلبتا ألفًا, وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب, وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها, وتبين بها فضل هذه اللغة/2 على غيرها من اللغات وقد وفر الله تعالى من الحكمة بحفظها وجعل فضلها غير مدفوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "كلامهم" والذي أثبت من "ب".
2
في الأصل "قومه وبيعه" والذي أثبت من "ب".
3
في الأصل "من" والتصحيح من "ب".
4
في الأصل "كما مثلنا" والزيادة من "ب".



ج / 1 ص -36- وغرضي في هذا الكتاب1 [ذكر2] العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط, وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز.
الكلام:
يأتلف من ثلاثة أشياء3: "اسم" "وفعل" "وحرف ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
كتاب ساقط من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
في الكتاب 1/ 2 "فالكلم: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى". وفي المقتضب 1/ 3 "فالكلام كله: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى" لا يخلو الكلام -عربيا كان، أو عجميا- من هذه الثلاثة.

شرح الاسم:
الاسم: ما دل على معنى مفرد, وذلك المعنى يكون شخصًا وغير شخص فالشخص نحو: رجل وفرس وحجر وبلد وعمر وبكر. وأما ما كان غير شخص فنحو: الضرب والأكل والظن والعلم واليوم والليلة والساعة.
وإنما قلت: "ما دل"1 على معنى مفرد لا فرق2 بينه وبين الفعل, إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض, وإما حاضر, وإما مستقبل.
فإن قلت: إن في الأسماء3 مثل اليوم والليلة والساعة, وهذه أزمنة, فما الفرق بينها وبين الفعل؟ قلنا: الفرق أن الفعل ليس هو زمانًا4 فقط كما أن اليوم زمان فقط, فاليوم معنى مفرد للزمان ولم يوضع مع ذلك لمعنى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في الأصل: لأن الفرق والتصحيح من "ب".
3
في الأصل "الاسم" والتصحيح من "ب".
4
في الأصل "زمان".



ج / 1 ص -37- آخر, ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة: الماضي, والحاضر, والمستقبل, فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم, وإذا دلت على معنى وزمان محصل1 فهي فعل, وأعني بالمحصل الماضي والحاضر والمستقبل.
ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم, احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم.
فالاسم تخصه أشياء يعتبر بها, منها أن يقال: أن الاسم ما جاز أن يخبر عنه, نحو قولك: عمرو منطلق, وقام بكر.
والفعل: ما كان خبرًا ولا يجوز أن يُخبر عنه, نحو قولك: أخوك يقوم. وقام أخوك, فيكون حديثًا عن الأخ, ولا يجوز أن تقول: ذهب يقوم, ولا يقوم يجلس.
الحروف: ما لا يجوز أن يخبر عنها ولا يجوز أن تكون خبرًا نحو: من, وإلى.
والاسم قد يعرف أيضًا بأشياء كثيرة, منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو: الرجل, والحمار, والضرب, والحمد, فهذا لا يكون في/ 4 الفعل, ولا تقول: اليقوم, ولا اليذهب.
ويعرف أيضًا بدخول حرف الخفض عليه نحو مررت بزيد وبأخيك وبالرجل ولا يجوز أن تقول: مررت بيقوم ولا ذهبت إلى قام.
ويعرف أيضًا بامتناع قد وسوف من الدخول عليه, ألا ترى أنك لا تقول: قد الرجل ولا سوف الغلام, إلا أن هذا ليس خاصًّا بالاسم فقط,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وصف الزمان بمحصل لتدخل في الحد أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين والمصادر من حيث كانت هذه الأشياء دالة على الزمان لاشتقاق بعضها من الفعل، وهو اسم الفاعل واسم المفعول. واشتقاق الفعل من بعضها وهو المصدر.



ج / 1 ص -38- ولكن قد يمتنع سوف وقد من الدخول على الحروف، ومن الدخول على فعل الأمر والنهي1 إذا كان بغير لام نحو: اضرب واقتل، لا يجوز أن تقول: قد اضرب الرجل ولا سوف اقتل الأسد.
والاسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت. وكذلك الحرف لا ينعت تقول: مررت برجل عاقل، ولا تقول: يضرب عاقل، فيكون "العاقل" صفة ليضرب.
والاسم يضمر ويُكنى عنه تقول: زيد ضربته والرجل لقيته, والفعل لا يكنى عنه فتضمره, لا تقول: "يقوم ضربته" ولا "أقوم تركته" إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم, وإنما يعرف بها الأكثر, ألا ترى أن المضمرات والمكنيات أسماء ومن الأسماء ما لا يكنى عنه, وهذا يبين في موضعه إن شاء الله.
ومما يقرب على المتعلم أن يقال/ 5 له: كل ما صلح أن يكون معه "يضر وينفع" فهو اسم, وكل ما لا يصلح معه "يضر وينفع" فليس باسم, تقول: "الرجل ينفعني والضرب يضرني" ولا تقول "يضرب ينفعني" ولا "يقوم يضرني".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".

شرح الفعل:
الفعل: ما دل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.
وقلنا: "وزمان" لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط.
فالماضي كقولك: "صلى زيد" يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان, والحاضر نحو قولك: "يصلي" يدل على الصلاة وعلى1 الوقت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
على" ساقطة من "ب".



ج / 1 ص -39- الحاضر. والمستقبل نحو "سيصلي" يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل1.
والاسم إنما هو لمعنى مجرد من هذه الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال2 وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر, نحو: الأكل والضرب والظن والعلم والشكر.
والأفعال التي يسميها النحويون "المضارعة": هي التي في أوائلها الزوائد الأربع: الألف والتاء والياء والنون, تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل, ويأكل ونأكل, فجميع/ 6 هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان, ولما يستقبل, ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل3 في قولك: رجل فعل كذا وكذا, أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه؛ لأنه أولى به, إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى, ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء4, ومعنى ضارع: شابه, ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع5 يعم شيئين: المستقبل والحاضر كما يعم قولك: "رجل" زيدًا وعمرًا, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر, فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه6 فخصصت به واحدًا ممن له هذا الاسم, فحينئذ يعلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" دل على الصلاة والوقت المستقبل.
2
زيادة من "ب".
3
في "ب" على.
4
في "ب" ضارع الأسماء عندهم.
5
في المقتضب 2/ 1 وإنما ضارع الأسماء من الأفعال، ما دخلت عليه زائدة من الزوائد الأربع التي توجب الفعل غير ماضٍ، ولكنه يصلح لوقتين: لما أتت فيه، وإنما لم يقع.
6
في "ب" إذا دخلت عليه الألف واللام.



ج / 1 ص -40- المخاطب من تريد لأنك لا تقول: "الرجل" إلا وقد علم من تريد منهم1, أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض2 فلا يكون في غيرها, كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها.
وجميع الأفعال مشتقة/ 7 من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد, ألا ترى أن حمدت3 مأخوذ من الحمد, و"ضربت"4 مأخوذ من الضرب, وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر؛ لأن الأفعال كأنها صدرت عنها.
وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الاسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف.
وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء, والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" منهما وهو الصواب.
2
انظر الكتاب 1/ 3.
3
في "ب" أحمد.
4
في "ب" ضرب.

شرح الحرف:
الحرف: ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الاسم, ألا ترى أنك لا تقول: إلى منطلق كما تقول: "الرجل منطلق" ولا عن ذاهب, كما تقول: "زيد ذاهب" ولا يجوز أن يكون خبرًا, لا تقول: "عمرو إلى" و"لا بكر عن" فقد بان أن الحرف من الكلم1 الثلاثة2 هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبرًا. والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام, لو قلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي من أقسام الكلمة الثلاثة.
2
في الأصل "الثلاثة" وهي تمييز المذكر.



ج / 1 ص -41- "أمن" تريد ألف الاستفهام "ومن" التي يجر بها لم يكن كلامًا, وكذلك لو قلت: ثم, قد تريد "ثم" التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلامًا, ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت: أيقوم, ولم تجد ذكر/ 8 أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان, لم يكن كلامًا, ولا يأتلف أيضًا منه مع الاسم كلام, لو قلت: "أزيد" كان كلامًا غير تام, فأما "يا زيد" وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء, وما يقوله النحويون: من أن ثم فعلًا يراد, تراه في باب النداء إن شاء الله.
والذي يأتلف منه الكلام الثلاثة الاسم والفعل والحرف, فالاسم قد يأتلف مع الاسم نحو قولك: "الله إلهنا" ويأتلف الاسم والفعل نحو: قام عمرو, ولا يأتلف الفعل مع الفعل, والحرف لا يأتلف مع الحرف, فقد بان فروق ما بينهما.













=============================.



======================================.



4

















الأصول في النحو

ج / 1 ص -42- باب مواقع الحروف:
واعلم: أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع, إما أن يدخل على الاسم وحده مثل الرجل1 أو الفعل وحده مثل سوف2 أو ليربط اسمًا باسم: جاءني زيد3 وعمرو, أو فعلًا بفعل أو فعلا باسم أو على كلام تام, أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائدًا.
أما دخوله على الاسم وحده, فنحو لام التعريف إذا قلت: الرجل.
والغلام, فاللام أحدث معنى التعريف, وقد كان رجل وغلام نكرتين. أما دخوله على الفعل فنحو/ 9 سوف والسين إذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا.
وأما ربطه الاسم بالاسم فنحو قولك: جاء زيد وعمرو, فالواو ربطت عمرًا بزيد.
وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك: قام وقعد, وأكل وشرب.
وأما ربطه الاسم بالفعل فنحو: مررت بزيد, ومضيت إلى عمرو.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
زيادة من "ب".
3
زيادة من "ب".



ج / 1 ص -43- وأما دخولُه على الكلام التام والجمل فنحو قولك: أعمرو أخوك, وما قام زيد, ألا ترى أن الألف دخلت على قولك "عمرو أخوك" وكان خبرًا فصيرته استخبارًا, وما دخلت على: قام زيد وهو كلام تام موجب, فصار بدخولها نفيًا.
وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك: إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام, يقوم زيد يقعد عمرو, فيقوم زيد, ليس متصلا بيقعد عمرو, ولا منه في شيء, فلما دخلت "إن" جعلت إحدى الجملتين شرطًا والأخرى جوابًا.
وأما دخوله زائدًا فنحو قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه}1, والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
آل عمران: 159.

"
ذكر ما يدخله/ 10 التغيير من هذه الثلاثة, وما لا يتغير منها":
اعلم: أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الاسم والفعل دون الحرف؛ لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير, فالتغيير الواقع فيهما على ضربين: أحدهما تغيير الاسم والفعل في ذاتهما وبنائهما1, فيلحقهما2 من التصاريف ما يُزيل الاسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله.
وأما ما يلحق الاسم من ذلك, فنحو التصغير وجمع التكسير3, تقول في تصغير حجر: حجير, فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته4 وأزالته من وزن فعل إلى وزن "فعيل"وتجمعه فتقول: أحجار فتزيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ومعناهما.
2
زيادة الفاء أولا من "ب".
3
في الأصل "التكثير" وهو تصحيف.
4
في "ب" فتغير الوزن والحركات أيضا.



ج / 1 ص -44- في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفًا ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال, وأما ما يلحق الفعل, فنحو: قام, ويقوم, وتقوم واستقام, وجميع أنواع التصريف لاختلاف المعاني.
والضرب الثاني من التغيير: هو الذي/ 11 يسمى الإعراب وهو ما1 يلحق الاسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما نحو قولك: هذا حكم وأحمر, ورأيت حكما وأحمر, ومررت بحكم وأحمر, وهذان حكمان ورأيت حكمين, وهؤلاء حكمون, ورأيت حكمين, ومررت بحكمين, وهو يضرب, ولن يضرب, ولم يضرب, وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا, وهم يضربون ولن يضربوا, ولم يضربوا, ألا ترى أن "حكمًا ويضرب" لم يَزُلْ مِن حركاتهما وحروفهما شيء, فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعانٍ تحدث "إعرابًا" وبدءوا بذكره في كتبهم؛ لأن حاجة الناس إليه أكثر, وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف "مبنيًّا".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".



ج / 1 ص -45- باب الإِعراب والمعرب والبناء والمبني:
الإِعراب الذي يلحق الاسم المفرد السالم المتمكن, وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية, ويكون بحركات ثلاث: ضم وفتح وكسر, فإِذا كانت الضمة إعرابًا تدخل في/ 12 أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها, سميت رفعًا, فإذا كانت الفتحة كذلك سميت نصبًا, وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضًا وجرًّا, هذا إذا كنَّ بهذه الصفة نحو قولك: هذا زيد يا رجل, ورأيت زيدًا يا هذا, ومررت بزيد فاعلم, ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها.
فإن كانت الحركات ملازمة سمي الاسم مبنيًّا1, فإن كان مفهومًا نحو: "منذُ" قيلَ: مضموم2 ولم يُقل: مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب وإن كان مفتوحًا نحو: "أين" قيل: مفتوح3 ولم يقل: منصوب, وإن كان مكسورًا نحو: "أمس" و"حذام" قيل: مكسور ولم يقل: مجرور4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد: فإن كان مبنيا لا يزول من حركة إلى أخرى نحو "حيث" و"بعد". المقتضب 1/ 4.
2
لأن الضم علامة البناء والرفع علامة الإعراب.
3
في المقتضب 1/ 4 "وأين" يقال له: مفتوح ولا يقال له منصوب لأنه لا يزول عن الفتح.
4
ابن السراج يفرق بين حركات الإعراب وحركات البناء وهو مذهب البصريين، انظر شرح الكافية 2/ 3.



ج / 1 ص -46- وإذا كان الاسم متصرفًا سالمًا غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك: هذا مسلم ورأيت مسلمًا, ومررت بمسلم وإنما قلت "سالم" لأن في الأسماء معتلًا لا تدخله الحركة نحو: قفا ورحى, تقول في الرفع: هذا قفا, وفي النصب: رأيت قفًا يا هذا, ونظرت إلى قفًا, وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفًا. وقلت: منصرف لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه, نحو: هذا أحمر, ورأيت/ 13 أحمر, ومررت بأحمر, والتنوين نون صحيحة ساكنة, وإنما خصها النحويون1 بهذا اللقب وسموها تنوينًا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع. فإذا ثنيت الاسم المرفوع لحقه ألف ونون2 فقلت: المسلمان والصالحان, وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر, ونون الاثنين مكسورة3 أبدًا, تقول: رأيت المسلمين والصالحين, ومررت بالمسلمين والصالحين, فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية, ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية.
وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية؛ لأن الجمع جمعان، جمع يقال له: جمع السلامة وجمع يقال له: جمع التكسير, فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واوًا ونونًا أوياء ونونًا4 نحو مسلمين، ومسلمون، ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم، فلم تغير شيئًا من نضده وألحقته واوًا ونونا أو ياء ونونًا كما فعلت في التثنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" وخصت.
2
في سيبويه 1/ 4 واعلم: أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب.. وتكون الزيادة الثانية نونا كأنهما عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر.
3
في الكتاب 1/ 5 ونونها مفتوحة -يشير إلى نون جمع المذكر السالم- فرقوا بينها وبين نون الاثنين، كما إن حرف اللين الذي هو حرف الإعراب مختلف فيهما.
4
في المقتضب 1/ 5 فإن جمعت الاسم على حد التثنية ألحقته واوًا ونونًا.



ج / 1 ص -47- وجمع التكسير: هو الذي يغير فيه بناء الواحد, مثل جمل وأجمال, ودرهم ودراهم.
فإذا جمعت الاسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع/ 14 نحو قولك: هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض, نحو: رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين, ونون هذا الجمع مفتوحة أبدًا, والواو مضموم ما قبلها, والياء مكسورة ما قبلها.
وهذا الجمع مخصوص به من يعقل, ولا يجوز أن تقول في جمل جملون, ولا في جبل جبلون, ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل, فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها, ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل.
والمذكر والمؤنث1 في التثنية سواء وفي الجمع مختلف, فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفًا وتاءً وحذفت الهاء إن كانت في الاسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نونًا ساكنة, فقلت في جمع مسلمة "هؤلاء مسلمات"2. والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر, والتنوين نظير النون, وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعًا, تقول: رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون3.
وأما الإِعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعًا/ 15 والفتحة نصبًا والإِسكان جزمًا, وقد كنت بينت لك أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الأشباه والنظائر 2/ 230، نقل ما ذكره ابن السراج حرفيا.
2
علل المبرد حذف التاء القصيرة؛ لأنها علم التأنيث، والألف والتاء علم التأنيث ومحال أن يدخل تأنيث على تأنيث. المقتضب جـ1/ 6.
3
في سيبويه 1/ 5 ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها.



ج / 1 ص -48- المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد, التاء والنون والياء والألف, فالألف للمتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا نحو: أنا أفعل؛ لأن الخطاب يبينه, والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو: أنت تفعل وأنت تفعلين, وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت: هي تفعل, وإن كان الفعل للمتكلم, ولآخر معه, أو جماعة قلت: نحن نفعل, والمذكر والمؤنث في ذا أيضًا سواء؛ لأنه يبين أيضًا بالخطاب, والياء للمذكر الغائب فجميعُ ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد, فإنما كان ذلك؛ لأنه غير ملبس, فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك: زيد يقوم, وأنا أقوم, وأنت تقوم, وهي تقوم, والمنصوب: لن يقوم ولن يقعدوا, والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم, هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة, فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف, فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب, فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف؛ لأن الألف لا يمكن تحركها, تقول فيما كان معتلًّا من ذوات الواو في الرفع: هو يغزو/ 16 ويغدو يا هذا, فتسكن الواو, وتقول في النصب: لن يغزو فتحرك الواو, وتسقط في الجزم, فتقول: لم يغز ولم يغد, وكذلك ما لامه ياء نحو: يقضي ويرمي, تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول: هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب, فتقول: لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم, وأما ما لامه ألف فنحو: يخشى, ويخفى, تقول في الرفع: هو يخشى ويخفى وفي النصب: لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخشَ ولم يخف, فإذا صار الفعل المضارع لاثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفًا ونونًا وكسرت النون فقلت: يقومان, فالألف ضمير الاثنين الفاعلين, والنون علامة الرفع, واعلم: أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة, وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل, فإذا قلت: يقومان, فالألف ضمير الفاعلين1 اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في سيبويه 1/ 5 واعلم: أن التثنية إذا لحقت الأفعال علامة للفاعلين لحقت ألف ونون ولم تكن الألف حرف الإعراب لأنك لم ترد أن تثني "يفعل" هذا البناء فتضم إليه "يفعلا" آخر ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين.



ج / 1 ص -49- جزمت, حذفتها فقلت: لن يقوما ولن يقعدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه, كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم, وتبع النصب الجزم؛ لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما/ 17 تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم, إذ كان الخفض يخص الأسماء فإن كان الفعل المضارع لجمع1 مذكرين زدت في الرفع واوًا مضمومًا ما قبلها ونونًا مفتوحة كقولك: أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك, فالواو ضمير2 لجمع3 الفاعلين والنون علامة الرفع. فإذا دخل عليها جازم أو ناصب حذفت فقيل: لم يفعلوا كما فعلت في التثنية, فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياءً مكسورًا ما قبلها ونونًا مفتوحة نحو قولك: أنتِ تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع, وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك: لم تضربي ولن تضربي.
فإن صار الفعل لجمع4 مؤنث زدته نونًا وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو: هن يضربن ويقعدن, فالنون عندهم ضمير الجماعة5 وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم ههنا خاصة, فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته, قلت: فعلًا, وفعلوا, ولم تأت بنون لأنه غير معرب, والنون في "فعلن" إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام/ 18 فيها كما أسكنتها في "فعلت" حتى6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: لجميع.
2
في الأصل: ضميرا بالنصب.
3
في الأصل: لجميع.
4
في الأصل: "لجميع".
5
في سيبويه 1/ 5 وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحق للعلامة نونا، وكانت علامة الإظهار والجمع فيمن قال: أكلوني البراغيث.
6
في "ب" كي لا.



ج / 1 ص -50- لا تجتمع أربع حركات1 وليس ذا في أصول كلامهم, والفعل عندهم مبني مع التاء في "فعلت" ومع النون في "فعلن" كأنه منه؛ لأن الفعل لا يخلو من الفاعل, وأما لام "يفعلن" فإنما أسكنت تشبيهًا بلام "فعلن" وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر وإن لم تكن فيه تلك العلة, وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله.
واعلم: أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف, وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة, وأن الإِعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة, فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي2 وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها, وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبنية إن شاء الله.
وأما/ 19 الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء3 وما عدا ذلك فهو مبني.
فالأسماء تنقسم قسمين: أحدهما معرب4 والآخر مبني, فالمعرب يقال له: متمكن, وهو ينقسم أيضًا على ضربين: فقسم: لا يشبه الفعل, وقسم: يشبه الفعل, فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون, وقسم يضارع الفعل غير منصرف لا يدخله الجر, ولا التنوين5, وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" متحركات.
2
في الأصل "هو".
3
في المقتضب 2/ 1 اعلم: أن الأفعال إنما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها شيء.
4
الذي سلم من شبه الحرف.
5
كأحمد، ومساجد ومصابيح.



ج / 1 ص -51- والمبني من الأسماء ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون نحو: كم, ومن, وإذ, وذلك حق البناء وأصله, وضرب مبني على الحركة, فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين: ضرب حركته لالتقاء الساكنين نحو أين, وكيف, وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو "يا حكم" في النداء وجئتك من علُ1 وجميع هذا /20 يبين في أبوابه إن شاء الله.
فأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني, والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون, والسكون أصل كل مبني, وذلك نحو: اضرب واقتل ودحرج وانطلق, وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو: الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه.
وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو: ليقم زيد, وليفتح بكر, ولتفرح يا رجل, وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب. فحكمه حكمه نحو قولك: أكرم بزيد و{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر}2 وزيد ما أكرمه, وما أسمعهم وما أبصرهم.
والضرب الثاني مبني على الفتح وهو كل فعل ماضٍ كثرت حروفه أو قلت نحو: ضرب واستخرج, وانطلق وما أشبه ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وهذا مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة، ومثل هذا: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}.
2
مريم، 38.









.

=====================================.

5
ذكر العوامل من الكلم الثلاثة



















الأصول في النحو

ذكر العوامل من الكلم الثلاثة:
من الكلم الثلاثة, الاسم والفعل/ 21 والحرف وما لا يعمل منها.



ج / 1 ص -52- تفسير الأول, وهو الاسم:
الاسم: يعمل في الاسم على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول:
أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف1 باجتماعهما الكلام ويتم, ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك: "عبد الله أخوك".. فعبد الله, مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل, ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثًا عنه: "وأخوك" مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول المبتدأ.
الضرب الثاني:
أن يعمل الاسم بمعنى الفعل, والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين2 وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها, وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل, وصار الفعل سببًا له وشاركه في المعنى وإن افترقا في الزمان, كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك, والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل, أعمل, كما أعمل إذا كان الفعل مشتقًّا منه, إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول؛ لأنه غيرهما3, تقول/ 22: عجبت من ضرب زيد عمرًا, فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في اسم الفاعل, لا يجوز أن تقول: عجبت من ضارب زيد, وزيد فاعل؛ لأنك تضيف الشيء إلى نفسه, وذلك غير جائز..
فأما ما شبه4 باسم الفاعل نحو: حسن وشديد فتجوز إضافته إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
في "ب" كاسم الفاعل.
3
في "ب" إلى المفعول لا غير، وانظر الأشباه والنظائر 2/ 193 نقل النص المثبت عن الأصول.
4
في "ب" المشبه.



ج / 1 ص -53- الفاعل, وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك: الحسن الوجه, والشديد اليد, والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام -وهي لا تجتمع مع الإضافة- على الحسن الوجه وما أشبهه لأن إضافته غير حقيقية, ومعنى: حسن الوجه, حسن وجهه, وقد أفردت بابًا للأسماء التي تعمل عمل الفعل, أذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله.
الضرب الثالث:
أن يعمل الاسم لمعنى الحرف وذلك في الإِضافة, والإِضافة تكون على ضربين1: تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى "من". فأما الإِضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك: غلام زيد, ودار عمرو, ألا ترى أن المعنى: غلام لزيد ودار لعمرو, إلا أن الفرق بين ما/ 23 أضيف بلام وما أضيف بغير لام, أن الذي يضاف بغير لام يكتسي2 مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره, فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة, ألا ترى أنك إذا قلت: غلام زيد, فقد عرف الغلام بإضافته إلى زيد, وكذلك إذا قلت: دار الخليفة, عرفت الدار3 بإضافتها إلى الخليفة. ولو قلت: دار للخليفة, لم يعلم أي دار هي, وكذلك لو قلت: غلام لزيد, لم يدر أي غلام هو, وأنت لا تقول: غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته. أما4 الإِضافة التي بمعنى "من" فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك: ثوب خز وباب حديد, تريد ثوبًا من خز وبابًا من حديد, فأضفت5 كل واحد منهما إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ذكر ابن السراج اللام و"من" والنوع الثالث هو "في" وهي مقدرة في كل إضافة كان المضاف إليه فيها ظرفا، إضافة على جهة حلول المعنى في الشيء على معنى الوعاء -كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار}- وإنما المعنى: بل مكركم في الليل والنهار "انظر الكتاب" 1/ 108.
2
في "ب": يكتسب.
3
الدار: ساقطة من "ب".
4
في "ب" وأما.
5
في "ب" فأضيف.



ج / 1 ص -54- جنسه الذي هو منه, وهذا لا فرق فيه1 بين إضافته بغير "من" وبين إضافته "بمن" وإنما حذفوا "من" هنا استخفافًا, فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبرًا عن الأول, ولا صفة له, ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذًا نون الأول نحو قولك: ثوبٌ خزًّا.
واعلم/ 24: أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف, بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
فيه ساقطة في "ب".

تفسير الثاني وهو الفعل:
اعلم: أن كل فعل1 لا يخلو من أن يكون عاملًا, وأول عمله أن يرفع الفاعل أو المفعول2 الذي هو حديث عنه نحو: قام زيد وضرب عمرو, وكل اسم تذكره ليزيد3 في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالاسم المرفوع الذي يكون ذلك الفعل حديثًا عنه, فهو منصوب, ونصبه لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه, وهذه العلل التي ذكرناها ههنا هي العلل الأول, وههنا علل ثوان4 أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: فلا.
2
يشير إلى نائب الفاعل الذي هو مفعول في الأصل.
3
في "ب" تزيد بلا لام.
4
زيادة في "ب".

تفسير الثالث, وهو العامل من الحروف1:
الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول منها يدخل على الأسماء فقط دون الأفعال, فما كان كذلك فهو عامل في الاسم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: "الحرف".



ج / 1 ص -55- والحروف العوامل في الأسماء نوعان:
نوع منها يخفض الأسماء ويدخل ليصل اسمًا باسم أو فعلًا باسم. أما وصله اسمًا باسم فنحو قولك: خاتم من فضة1, وأما وصله فعلًا باسم فنحو قولك: مررت بزيد.
والنوع الثاني: يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما/ 25 فينصب الاسم ويرفع الخبر, نحو "إن وأخواتها" كقولك: زيد قائم, وجميع هذه الحروف لا تعمل في الفعل ولا تدخل عليه, لا تقول: مررت بيضرب ولا ذهبت إلى قام, ولا أن يقعد قائم.
والقسم الثاني من الحروف:
ما يدخل على الأفعال فقط, ولا يدخل على الأسماء, وهي التي تعمل في الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو: "أن" في قولك: أريد أن تذهب, فتنصب و"لم" في قولك: لم يذهب, فتجزم, ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لم زيد, ولا: أريد أن عمرو.
والقسم الثالث من الحروف:
ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال, ولا الأفعال دون الأسماء, وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في اسم ولا فعل نحو ألف الاستفهام, تقول: أيقوم زيد, فيدخل حرف الاستفهام على الفعل ثم تقول: أزيد أخوك فيدخل الحرف على الاسم, وكذلك "ما" إذا نفيت بها في لغة2 من لم يشبهها بليس فإنه يدخلها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" من "حديد" بدلا من "فضة".
2
أي لغة تميم، أما أهل الحجاز فيعملونها عمل "ليس" حيث ترفع الاسم وتنصب الخبر, قال سيبويه: وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل وهو القياس لأنها ليست بفعل، الكتاب 1/ 28.



ج / 1 ص -56- على الاسم والفعل ولا يعملها1, كقولك: ما زيد قائم, وما قام/ 26 زيد, ومن2 شبهها "بليس" فاعملها3 لم يجز أن يدخلها على الفعل, إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل, ونحن نذكر جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله.
فإن قال قائل: ما بال لام المعرفة لم تعمل في الاسم وهي لا تدخل إلا على الاسم, ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل, قيل: هذه اللام قد صارت من نفس الاسم ألا ترى قولك: الرجل, يدلك على غير ما كان يدل عليه رجل, وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو قولك: عبد الملك, ولو أفردت عبدًا من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك, وكذلك الجواب في السين وسوف, إن سأل سائل, فقال: لِمَ لَمْ يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها, فقصتهما قصة الألف واللام في الاسم وذلك أنها4 إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحضره وفصلته تفصيلًا يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه, ويسهل على متعلميه حفظه. واعلم: أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم: أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه, فلا يطرد في نظائره وهذا يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم, فمتى وجدت5 حرفًا مخالفًا لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم: أنه شاذ, فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" "فلا".
2
في "ب" أن بدل "من".
3
الذين يعملون "ما" عمل "ليس" أهل الحجاز كقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا}.
4
أظن الأفصح: أنهما إنما هما بعض أجزاء الفضل.
5
في الأصل سمعت: والتصحيح من "ب".



ج / 1 ص -57- يكون قد حاول به مذهبًا ونحا نحوًا1 من الوجوه أو استهواه أمر غلطه, والشاذ على ثلاثة أضرب: منه ما شذ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو: استحوذ فإن بابه وقياسه أن يُعل فيقال: استحاذ مثل استقام واستعاذ, وجميع ما كان على هذا المثال, ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك, ومنه ما شذ عن الاستعمال ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع, فإن قياسه وبابه أن يقال: ودع يدع, إذ لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض, ولكنهم لم يستعملوا/ 28 ودع استغنى عنه "بترك", فصار قول القائل الذي قال: ودعه شاذًّا, وهذه أشياء تحفظ, ومنه ما شذ عن القياس والاستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى من إدخال الألف واللام على اليّجدعُ2 وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها, فنبدأ بالمرفوعات, ثم نردفها المنصوبات, ثم المخفوضات, فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى يتوكل وبه نستعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "وجها" والتصحيح من "ب".
2
في "ب" واليقصع، قيل أراد الذي "يجدع" فأدخل اللام على الفعل المضارع لمضارعة اللام "الذي" كما تقول "اليضربك" ذكر صاحب اللسان: وقال أبو بكر بن السراج: لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا وهو من أقبح ضرورات الشعر. وهذا كما حكاه الفراء من أن رجلا أقبل فقال: آخرها هو ذا، فقال السامع: نعم الها هو ذا فأدخل اللام على الجملة من المبتدأ والخبر تشبيها له بالجملة المركبة من الفعل والفاعل.
وبيت ذي الخرق الطهوى هو:

يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا إلى ربه صوت الحمار اليجدع

وانظر اللسان مادة "جدع" والإنصاف/ 88. والهمع 1/ 85.











===================================.

6



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -58- ذكر الأسماء المرتفعة:
الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف:
الأول: مبتدأ له خبر.
والثاني: خبر لمبتدأ بنيته عليه.
والثالث: فاعل بني على فعل, ذلك الفعل حديثًا عنه.
والرابع: مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل.
والخامس: مشبه بالفاعل في اللفظ.

شرح الأول: وهو المبتدأ:
المبتدأ: ما جردته من عوامل الأسماء ومن1 الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولًا لثانٍ مبتدأ به دون الفعل/ 29 يكون ثانيه خبره ولا يستغنى واحد منهما عن صاحبه, وهما مرفوعان أبدًا فالمبتدأ رفع بالابتداء, والخبر رفع بهما, نحو قولك: الله ربنا, ومحمد نبينا, والمبتدأ لا يكون كلامًا تامًّا إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو: كان وأخواتها, وما أشبه ذلك من العوامل, تقول: عمرو أخونا, وإن زيدًا أخونا, وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله.
والمبتدأ يبتدأ فيه بالاسم المحدث عنه قبل الحديث, وكذلك حكم كل مخبر, والفرق بينه وبين الفاعل: أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد منطلق فإنما بدأت "بزيد" وهو الذي حدثت عنه بالانطلاق والحديث عنه بعده, وإذا قلت: ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه, ثم ذكرت زيدًا المحدث عنه بالانطلاق بعد أن ذكرت الحديث. فالفاعل مضارع للمبتدأ من أجل أنهما جميعًا محدث/ 30 عنهما وإنهما جملتان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الواو: ساقطة من "ب".



ج / 1 ص -59- لا يستغني بعضهما عن بعض, وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة, فأما المعرفة فنحو قولك: عبد الله أخوك, وزيد قائم, وأما ما قارب المعرفة من النكرات فنحو قولك: رجل من تميم جاءني, وخير منك لقيني. وصاحب لزيد جاءني. وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة لأنه لا فائدة فيه, وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به, ألا ترى أنك لو قلت: رجل قائم أو رجل عالم, لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائمًا أو عالمًا, فإذا قلت: رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة, ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة, فإن الابتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها, كقولك: ما أحد في الدار, وما في البيت رجل ونحو ذلك, في لغة بني تميم خاصة: وما أحد حاضر, وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام/ 31 جائز, وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم.
وقد يجوز أن تقول: رجل قائم إذا سألك سائل فقال: أرجل قائم أم امرأة. فتجيبه فتقول: رجل قائم, وجملة هذا أنه1 إنما ينظر إلى ما فيه2 فائدة, فمتى كانت3 فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة, فحق المعرفة أن تكون4 هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدُك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده, فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده, والاسم لا فائدة له لمعرفته به, وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر, وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلًا خاصة, فتقول: منطلق زيد, وأنت تريد: زيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أنه: ساقطة في "ب".
2
فيه: ساقطة في "ب".
3
كانت: ساقطة في "ب".
4
في الأصل "هو" فقد يكون أراد: فحق الاسم المعرفة أن يكون هو المبتدأ.



ج / 1 ص -60- منطلق, فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع "ينطلق" فترفع زيدًا بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت: ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو "منطلق" وما أشبهه على شيء قبله, وإنما يجري مجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك: مررت/ 32 برجل قائم أبوه, ارتفع "أبوه" "بقائم" أو يكون مبنيًّا على مبتدأ نحو قولك: زيد قائم أبوه وحسن عندهم: أقائم أبوك, وأخارج أخوك, تشبيهًا بهذا إذا اعتمد"قائم" على شيء قبله, فأما إذا قلت قائم زيد, فأردت أن ترفع زيدا "بقائم" وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح, وهو جائز عندي على قبحه, وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله, نحو: ضارب وقاتل, لا تقول: ضارب بكرًا عمرو فتنصب بكرًا "بضارب" وترفع عمرًا به, لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولًا على غيره, فتقول: هذا ضارب بكرًا, جعلوا بين الاسم والفعل فرقًا, فإذا قلت: قائم1 أبوك, "فقائم" مرتفع بالابتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر, ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله.
فأما قولك: كيف أنت, وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء "فأنت وزيد" مرتفعان بالابتداء "وكيف وأين" خبران, فالمعنى في: كيف أنت, على أي حال أنت, وفي: "أين زيد" في أي مكان, ولكن الاستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة/ 33 الشيء المستفهم عنه, ألا ترى أنك إذا سئلت: كيف أنت, فقلت: صالح, إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر, وكذلك إذا قال: أين زيد, فقلت: في داري, فإنما أخبرت بما اقتضته أين, ولكن جميع هذا وإن كان خبرًا فلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قد يرفع الوصف بالابتداء، إن لم يطابق موصوفه تثنية أو جمعا فلا يحتاج إلى خبر، بل يكتفي بالفاعل أو نائبه فيكون مرفوعا به سادا مسد الخبر، بشرط أن يتقدم الوصف نفي أو استفهام، وتكون الصفة حينئذ بمنزلة الفعل، ولذلك لا تثني ولا تجمع ولا توصف ولا تعرف.



ج / 1 ص -61- يكون إلا مبدوءًا به, وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء, فلا1 تزيل المبتدأ عن حاله, كلام الابتداء2 وحروف الاستفهام "وأما وما" إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك, فتقول: أعمرو "قائم" ولبكر أخوك, وما زيد قائم, وأما بكر منطلق, فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها, ألا ترى أن قولك: عمرو منطلق, كان خبرًا موجبًا فلما أدخلت عليه "ما" صار نفيًا وإنما3 نفيت "بما" ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه, وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبرًا قد قيل, أو ظن كأن قائلًا قال: عمرو قائم4, فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم, وقع5 في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت6 مما وقع في نفسك/ 34 بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول: أعمرو قائم أم لا؟ لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون7 عندك موجبه أو منفيه واقعًا, ولام الابتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه, فإذا قلت: لعمرو منطلق, أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام8 فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الاختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك: قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول: قام زيد, قام عمرو, وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم9 فيقال10: والله لزيد خير منك؛ لأنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" لا.
2
في الأصل "هي" قبل حروف الاستفهام.
3
في "ب" وإنها، وهو تصحيف.
4
في "ب" منطلق بدلا من قائم.
5
في "ب" أو وقع.
6
في "ب" واستخبرت.
7
يكون: ساقطة في "ب".
8
في "ب" ولذلك.
9
في الأصل "باللام" للقسم، والتصحيح من "ب".
10
في "ب" فيقول.



ج / 1 ص -62- لا تقسم إلا مع تحقيق الخبر, "وأما" فإنما1 تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت2 بعض من ذكر وحققت الخبر عنه, ألا ترى أن القائل يقول: زيد وعمرو في الدار, فتقول: أما زيد, ففي الدار, وأما عمرو ففي السوق, وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم؛ لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئًا بشيء وتعلق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله, "ولأما" موضع تذكر فيه/ 35 وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" إنما".
2
في "ب" واختصصت.

شرح الثاني, وهو خبر المبتدأ:
الاسم1 الذي هو خبر المتبدأ هو2 الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلامًا, وبالخبر يقع التصديق والتكذيب. ألا ترى أنك إذا قلت: عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله, لأن الفائدة هي في جلوس3 عبد الله, وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه "جالسًا" فإذا كان خبر المبتدأ اسمًا مفردًا فهو رفع نحو قولك: عبد الله أخوك, وزيد قائم, وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين: إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو: زيد أخوك, وعبد الله منطلق, فالخبر هو الأول في المعنى, إلا أنه لو قيل لك, من أخوك هذا الذي ذكرته؟ لقلت: زيد, أو قيل لك: من المنطلق؟ لقلت: عبد الله, أو يكون غير الأول ويظهر فيه ضميره, نحو قولك: عمرو ضربته وزيد رأيت أباه, فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال. وخبر المبتدأ الذي هو/ 36 الأول في المعنى على ضربين, فضرب يظهر فيه الاسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك: زيد أخوك,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" والاسم.
2
في "ب" وهو.
3
في "ب" جلوسه.



ج / 1 ص -63- وزيد قائم, وضرب يحذف منه الخبر, ويقوم مقامه ظرف له وذلك الظرف على ضربين: إما أن يكون من ظروف المكان, وإما أن يكون من ظروف الزمان. أما الظروف من المكان فنحو قولك: زيد خلفك, وعمرو في الدار. والمحذوف معنى الاستقرار والحلول وما أشبههما, كأنك قلت: زيد مستقر خلفك, وعمرو مستقر في الدار, ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الاستعمال. وأما الظرف من الزمان فنحو قولك: القتال يوم الجمعة, والشخوص يوم الخميس, كأنك قلت: القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة, والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف, فإن لم ترد هذا المعنى. فالكلام محال؛ لأن زيدًا الذي هو المبتدأ ليس من قولك: "خلفك" ولا في الدار شيء؛ لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر. واعلم/ 37: أنه لا يجوز أن تقول: زيد يوم الخميس, ولا عمرو في شهر كذا, لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث, وإنما يجوز ذلك في الأحداث, نحو الضرب والحمد, وما أشبه ذلك, وعلة ذلك أنك لو قلت: زيد اليوم, لم تكن فيه فائدة, لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك1 من اليوم, إذ كان الزمان لا يتضمن واحدًا دون الآخر, والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبرًا عن الجثث وغيرها كذلك. والظرف من الأماكن تكون إخبارًا عن المعاني التي ليست بجثث -يعني المصادر- نحو قولك: البيع في النهار, والضرب عندك, فإن قال قائل فأنت قد تقول: الليلة الهلال, والهلال جثة, فمن أين جاز هذا؟ فالجواب في ذلك2: أنك إنما أردت: الليلة حدوث الهلال, لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه, ألا ترى أنك لا تقول: الشمس اليوم, ولا القمر الليلة؛ لأنه غير متوقع, وكذلك إن قلت: اليوم زيد, وأنت تريد هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" عصره.
2
ذلك: ساقط في "ب".



ج / 1 ص -64- المعنى جاز, وتقول: أكل1 يوم لك عهد, لأن فيه معنى الملك, ويوم الجمعة عليك ثوب, إنما2 جاز ذلك لاستقرار الثوب عليك3 فيه/ 38 وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ: وهو الذي يكون غير الأول ويظهر فيه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلًا فيه ضمير المبتدأ نحو: زيد يقوم, والزيدان يقومان, فهذا الضمير وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع وذلك ضرورة خوف اللبس, ومضمره كظاهره, وأنت إذا قلت: زيد قائم, فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه, فإن قال قائل: فإنك قد تقول: الزيدان قائمان, والزيدون قائمون قيل له: ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين4, إنما الألف تثنية الاسم, والواو جمع الاسم وأنت إذا قلت: الزيدون قائمون, فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين, ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول: القائمان الزيدان, ولا القائمون الزيدون, أو يكون جملة فيها ضميره, والجمل المفيدة على ضربين: إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر, أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل/ 39 فنحو قولك: زيد ضربته, وعمرو لقيت أخاه, وبكر قام أبوه, وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك: زيد أبوه منطلق, وكل جملة تأتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ, ألا ترى أن إعراب "أبوه منطلق" بعد قولك: بكر, كإعرابه لو لم يكن بكر قبله, فأبوه مرتفع بالابتداء "ومنطلق" خبره, فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثانٍ ومنطلق خبر الأب, والأب "منطلق" خبر بكر,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الهمزة في "أكل" زيادة من "ب".
2
في "ب" وإنما.
3
في "ب" عليه.
4
في سيبويه جـ1/ 4 واعلم: أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون، وتكون في الرفع ألفا ولم تكن واوا ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية.



ج / 1 ص -65- وموضع قولك: "أبوه منطلق" رفع, ومعنى قولنا: الموضح, أي: لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعًا, وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ [بعد مبتدأ]1, وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون2, ولا أعرف له في كلام العرب نظيرًا, فمن ذلك قولهم: زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله, فزيد مبتدأ أول, وهند مبتدأ ثان, والعمران مبتدأ ثالث, وهند وما بعدها خبر لها, والعمران وما بعدهما خبر لهما, وجميع ذلك خبر/ 40 عن زيد, والراجع الهاء في قولك, من أجله, والراجع إلى هند "الهاء" في قولك: إليها والمنطلقان هما العمران, وهما الخبر عنها. وفيهما ضميرهما, فكلما سئلت عنه من هذا؟ فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك: "عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره" صار جميع هذا خبرًا عن "عبد الله" من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك: "في داره" وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها "منطلقًا" وما أشبهه ما كان إلا رفعًا, فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء, الاسم أو الفعل أو الظرف, أو الجملة.
واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة:
الأول: أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو: عمرو منطلق: وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه3 الكلام4.
الثاني: أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو: زيد أخوك, وأنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بعد مبتدأ: ساقط من "ب".
2
انظر المقتضب: 4/ 59، ويظن أن ابن السراج قد قلد شيخه في هذا الباب.
3
في "ب" يكون الكلام عليه.
4
لأن الأصل في الخبر أن يكون نكرة مشتقة، والمراد بالمشتقة ما فيها معنى الوصف نحو "عمرو منطلق" وهو يتحمل ضميرا يعود إلى المبتدأ إلا إذا رفع الظاهر، فلا يتحمله نحو: عمر منطلق أخواه.



ج / 1 ص -66- تريد أنه أخوه/ 41 من النسب, وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيدًا على انفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخًا ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له: أنت1 زيد أخوك, أي: زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته, فتكون الفائدة في اجتماعهما وذلك هو الذي استفاده المخاطب, فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما, فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين وإن هذا هذا فذا2 كلام لا فائدة فيه, فإن قال قائل: فأنت3 تقول: الله ربنا ومحمد نبينا, وهذا معلوم معروف, قيل له: هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين وإنما نقوله ردًّا على الكفار4 وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد5 لطلب الثواب به, فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحدًا شيئًا وإنما يريد أن يتبرر6 ويتقرب7 إلى الله بقول الحق, وبذلك أمرنا وتعبدنا, وأصل ذلك الاعتراف بمن الله عليه8 بأن عرفه نفسه وفضله/ 42 على من لا يعرف ذلك, وأصل الكلام موضوع للفائدة وإن اتسعت المذاهب فيه, ولكن لو قال قائل: النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلامًا لا فائدة فيه, وإن كان الخبر فيهما نكرة.
الثالث: أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة. فأما الكلام إذا كان منفيا فإن النكرة فيه حسنة لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك: ما أحد في الدار, وما فيها رجل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أنت له.
2
في "ب" فهذا.
3
في "ب" فإنك.
4
في "ب" على الكافرين.
5
في "ب" التحميد قبل التعظيم.
6
يتبرر ساقطة في "ب".
7
في الأصل "من" والذي أثبت من "ب".
8
عليه: ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -67- الرابع: أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة, وهذا قلب ما وضع عليه1 الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر, نحو قوله:

كأنَّ سلافةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ يَكُونُ مزاجَهَا عَسلٌ ومَاءُ2

فجعل اسم "كان" عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإِضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنما حسن هذا عند قائله أن عسلًا وماءً نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو: تمرة وجوزة, والضمير الذي في/ 43 "مزاجها" راجع إلى نكرة وهو قوله: سلافة, فهو مثل قولك: خمرة ممزوجة بماء.
وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضًا لعلم المخاطب بما حذف, والمحذوف على ثلاث جهات:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" له بدلا من عليه.
2
من شواهد سيبويه 1/ 23 على وقوع اسم "يكون" نكرة محضة وخبرها معرفة للضرورة، وجعله ابن السراج من القلب محضة وخبرها معرفة للضرورة، وجعله ابن السراج من القلب الذي يشجع عليه أمن الالتباس.
ويروى البيت: برفع "مزاجها" وكأن سبيئة.. وكذلك يروى: كأن خبيئة, والسلافة: الخمر، وقيل: خلاصة الخمر. وبيت رأس في معجم البلدان: اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم ينسب إليها الخمر، إحداهما ببيت المقدس: وقيل: بيت كورة بالأردن. والأخرى من نواحي حلب. وقال البغدادي: بيت: موضع الخمر ورأس اسم للخمار وقصد إلى بيت هذا الخمار لأن خمره أطيب، وقيل: الرأس هنا بمعنى: الرئيس. أي: من بيت رئيس, لأن الرؤساء إنما تشرب الخمر ممزوجة. والبيت لحسان بن ثابت.
وانظر المقتضب 4/ 92، والكامل/ 72، ومعجم البلدان 1/ 520، وشرح السيرافي 1/ 312، والمحتسب 1/ 279. والمفصل للزمخشري/ 157. وابن يعيش 7/ 93، والديوان/ 9.



ج / 1 ص -68- الأولى: حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل: الهلال والله, أي: هذا الهلال فيحذف هذا, وكذلك لو كنت منتظرًا رجلًا فقيل: عمرو, جاز على ما وصفت لك, ومن ذلك: مررت برجل زيد؛ لأنك لما قلت: مررت1 برجل, أردت أن تبين من هو, فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى: {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّار}2.
الجهة الثانية: أن تحذف الخبر لعلم السامع, فمن ذلك أن يقول القائل: ما بقي لكم أحد, فتقول: زيد أو عمرو, أي: زيد لنا, ومنه لولا عبد الله لكان كذا وكذا, فعبد الله مرتفع بالابتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا, فكأنه قال: لولا عبد الله بذلك المكان, ولولا القتال كان في زمان كذا وكذا, ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى/ 44 فأما قوله: لكان "كذا وكذا" فحديث متعلق بحديث "لولا" وليس من المبتدأ في شيء ومن ذلك: هل من طعام, فموضع "من طعام" رفع كأنك3 قلت: هل طعام والمعنى: هل طعام في زمان أو مكان و"من" تزاد توكيدًا مع حرف النفي وحرف الاستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله.
وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضًا كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا: ما أتاني من رجل, في موضع: ما أتاني رجل. {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ}4 و{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد}5. وكذلك قولك: هل من طعام, وإنما هو: هل طعام,6 فموضع "من طعام" رفع بالابتداء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "ممرت".
2
الحج: 72.
3
زيادة: من "ب".
4
الأعراف: 102.
5
مريم: 98.
6
الجملة مكررة في السطر الثاني قبل الأخير ص75.



ج / 1 ص -69- الجهة الثالثة: أنهم ربما حذفوا شيئًا من الخبر في الجمل وذلك المحذوف على ضربين: إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم: السمن منوان بدرهم, يريد: منه, وإلا كان كلامًا غير جائز, لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول. وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع ولكنه متصل بالكلام نحو قولك: الكر1 بستين درهمًا, فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم/ 45 المخاطب. وتعتبر خبرًا لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ؛ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى. ألا ترى أن القائل2 إذا قال: عمرو منطلق, فقلت3: من المنطلق؟ قال: عمرو, وكذلك إذا قال4: عبد الله أخوك, فقلت: من أخوك؟ قال: عبد الله, وكذلك لو قال: عبد الله قامت جاريته في دار أخيه, فقلت: من الذي قامت جاريته5 في دار أخيه؟ لقال: عبد الله, وخبر المبتدأ يكون جواب "ما"6 وأي, وكيف, وكم, وأين, ومتى, يقول القائل: الدينار ما هو؟ فتقول: حجر, فتجيبه بالجنس, ويقول7 الدينار8 أي الحجارة هو؟ فتقول: ذهب, فتجيبه بنوع9 من ذلك الجنس, وهذا إنما10 يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه. ويقول: الدينار كيف هو؟ فتقول: مدور أصفر حسن منقوش, ويقول: الدينار كم قيراطًا هو؟ فتقول: الدينار عشرون قيراطًا, فيقول: أين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكر: مكيال لأهل العراق، وهو عندهم ستون قفيزا.
2
أن القائل: ساقط في "ب".
3
في "ب" قلت.
4
إذا قال: ساقط في "ب".
5
في "ب" جارته.
6
في "ب" "لما".
7
في "ب" فيقول.
8
الدينار: ساقط في "ب".
9
في "ب" بالنوع.
10
زيادة من "ب".



ج / 1 ص -70- هو؟ فتقول: في بيت المال والكيس ونحو ذلك, ولا يجوز أن تقول: الدينار متى هو, وقد بينا أن ظروف/ 46 الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة, والتأول, ولكن تقول: القتال متى هو؟ فتقول: يوم كذا وكذا, فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهودًا فإنما يقع في جواب "من وأي" نحو قوله: زيد من هو؟ والمعنى: أي الناس هو؟ وأي القوم هو؟ فتقول: أخوك المعروف1 أو أبو عمرو, أي: الذي من أمره كذا, وتقول: هذا الحمار, أي الحمير هو؟ فتقول: الأسود المعروف بكذا وما أشبهه. واعلم: أن خبر المبتدأ إذا كان اسمًا من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جاريًا عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر2 الضمير نحو قولك: عمرو قائم وأنت منطلق, فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى, لأن عمرًا هو الذي قام, وقائم جار على "عمرو" وموضوع إلى جانبه, لم يحل بينه وبينه حائل, فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكدًا, فإن أردت التأكيد, قلت: زيد قائم هو, وإن لم ترد التأكيد فأنت/ 47 مستغن عن ذلك وإنما احتمل "ضارب وقائم" وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء [ليس]3 هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جاريًا على الاسم الذي قبله, وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع: إما أن يكون خبرًا لمبتدأ نحو قولك: عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو: مررت برجل قائم, أو حالًا نحو: رأيت زيدًا قائمًا, ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع, فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله, ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل, كما يكون في الفعل, لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيادة من "ب".
2
المشهور: استتر.
3
أضفت كلمة "ليس" لأن المعنى يتطلبها.
ج / 1 ص -71- ولذلك بنيت لام "فعل" مع ضمير الفاعل المخاطب في "فعلت" والمخاطب والمخاطبة أيضًا في "فعلتَ"/ 48 وفعلتِ كما بينا فيما مضى. فإن قلت: هند زيد ضاربته, لم يكن بد من أن تقول: هي, من أجل أن قولك: "ضاربته" ليس لزيد في الفعل نصيب, وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها, والفعل لها, فإنما "ضاربته" خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى, ولم يجز إلا إظهار الضمير, فقلت حينئذ هي مرتفعة "بضاربته" كما ترتفع هند إذا قلت: زيد ضاربته هند, فالمكنى1 ههنا بمنزلة الظاهر, ولا يجوز أن تتضمن "ضاربته" ضمير الفاعل, فإن أردت أن تثني قلت: الهندان الزيدان ضاربتهما هما, لأن "ضاربه" ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر, هذا على قول من قال: أقائم أخواك2, فأما من قال: أكلوني البراغيث3 فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في "فعلت هند" فرقًا بين فعل المذكر والمؤنث, فإنه يقول: الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت: هند زيد ضاربته/ 49 هي "فهند" مرتفعة بالابتداء, "وزيد" مبتدأ ثان, وضاربته خبر زيد "وهي" هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة, والفعل "ضاربته" والهاء ترجع إلى زيد, وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها, فإن جعلت موضع فاعل, يفعل فقلت: زيد هند تضربه, أضمرت الفاعل ولم تظهره, فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال, ألا ترى أنك تقول: زيد أضربه وزيد تضربه. فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المكني أو الكناية: اصطلاح كوفي، ومعناه الضمير عند البصريين, واصطلاح الضمير أدق من اصطلاح المكنى لأن الكناية تشمل كل ما يكنى به من إشارة أو موصول أو عدد بخلاف الضمير فإنه لا يدخل فيه شيء من ذلك اللهم إلا إذا ذهب به مذهب من يجعل الكلمة أقساما أربعة من المحدثين ويجعل الضمير هو القسم الرابع، ويدخل فيه العدد وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، انظر: من أسرار العربية للدكتور أنيس/ 196.
2
أقائم مبتدأ، وأخواك فاعل سد مسد الخبر.
3
البراغيث هي الفاعل والواو في الفعل علامة تدل على الجمع.
ج / 1 ص -72- كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت1 لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو2, كما قد ذكرنا فيما قد تقدم, وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل3, تقول: زيد مضروب, فتكون خبرًا لزيد كما تكون "ضارب" ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل, فتقول: عمرو الجبة مكسوته إذ كان في "مكسوته", ضمير الجبة مستترًا, فإن كان فيه ضمير "عمرو" لم يجز حتى تقول: عمرو الجبة مكسوها هو, فحكم المفعول/ 50 حكم الفاعل, كما أن فُعِلَ "كفَعَلَ" في عمله, وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبرًا كاسمه يجوز4 فيه التصديق والتكذيب, ولا يكون استفهامًا ولا أمرًا ولا نهيًا وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت, ولكن العرب قد5 اتسعت في كلامها فقالت: زيد كم مرة رأيته, فاستجازوا6 هذا لما كان زيدٌ في المعنى والحقيقة داخلًا في جملة ما استفهم عنه, لأن الهاء هي زيدٌ, وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بإبراز الضمير.
2
أي: إن قاما يدل على التثنية, وقاموا: يدل على الجمع، وقمن، يدل على جماعة الإناث.
3
إلا أنه يختلف عنه بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع نحو: الورع محمود المقاصد اسم مفعول. وزيد مكسو العبد ثوبا. ثم إن اسم الفاعل يبنى من اللازم كما يبنى من المتعدي، كقائم وذاهب واسم المفعول إنما يبنى من فعل متعد لأنه جاز على "فعل" ما لم يسم فاعله، فكما أنه لا يبنى إلا من المتعدي كذلك اسم المفعول.
4
أضفت كلمة "يجوز" لإيضاح المعنى.
5
في "ب" إذا بدلا من "قد".
6
في "ب" واستجازوا.

شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل:
الاسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل. ويجعل الفعل حديثًا عنه مقدمًا قبله كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن


ج / 1 ص -73- كقولك: جاء زيدٌ ومات عمروٌ, وما أشبه ذلك, ومعنى قولي: بنيته على الفعل الذي بني للفاعل, أي: ذكرت الفعل قبل الاسم, لأنك لو أتيت بالفعل بعد الاسم لارتفع الاسم بالابتداء, وإنما قلت على الفعل/51 الذي بني للفاعل, لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا "ضرب" للفاعل مفتوح الفاء و"ضرب" للمفعول مضموم الفاء مكسور العين, وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية, وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله. وإنما قلت: كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن, لأن الفعل ينقسم قسمين: فمنه حقيقي, ومنه غير حقيقي, والحقيقي ينقسم قسمين: أحدهما أن يكون1 الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول, نحو: قمت وقعدت, والآخر أن يكون فعلًا واصلًا إلى اسم بعد اسم الفاعل, والفعل الواصل على ضربين: فضربٌ واصل مؤثر نحو: ضربت زيدًا وقتلت بكرًا, والضرب2 الآخر واصل إلى الاسم3 فقط4 غير مؤثر/ 52 فيه نحو: ذكرت زيدًا ومدحت عمرًا, وهجوت بكرًا, فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب, وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة5.
ومنها الأفعال الداخلة على الابتداء والخبر وإنما تنبئ عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول, ولكن أخبار6 الفاعل بما7 وقع عنده نحو: ظننت زيدًا أخاك. وعلمت زيدًا خير الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أن يكون ساقط في "ب".
2
الضرب: ساقط في "ب".
3
الاسم: ساقط في "ب".
4
فقط: ساقطة في "ب".
5
في "ب" مؤيدة.
6
في "ب" أخبارًا بالنصب.
7
في "ب" إنما.
---------.------.
ج / 1 ص -74- القسم الثاني: من القسمة الأولى1: وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي, فهو على ثلاثة أضرب, فالضرب الأول: أفعال مستعارة للاختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو: مات زيدٌ, وسقط الحائط, ومرض بكر.
والضرب الثاني: أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية, وإنما تدل على الزمان فقط, وذلك قولك: كان عبد الله أخاك, وأصبح عبد الله عاقلًا, ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى/ 53 وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل.
والضرب الثالث: أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك: لا أرينك2 ههنا, فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى. وتأويله: لا تكونن ههنا فإن3 "من" حضرني رأيته ومثله قوله تعالى: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}4 لم ينههم عن الموت في وقت لأن5 ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه: كونوا على الإسلام. فإن الموت لا بد منه, فمتى صادفكم صادفكم عليه, وهذا تفسير أبي العباس6 رحمه الله.
فالاسم الذي يرتفع بأنه فاعل7 هو والفعل جملة يستغني عليها8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الأول والصواب ما أثبت.
2
في "ب" لا آتينك.
3
في "ب" فإنه.
4
البقرة: 132.
5
في "ب" فإن.

======.


6
أبو العباس: محمد بن يزيد المبرد نحاة البصرة في عصره، أخذ عن الجرمي والمازني. مات سنة 285 وترجمته في طبقات الزبيدي/ 108 وأخبار النحويين البصريين للسيرافي/ 72, والفهرست/ 449، وفي نزهة الألباء/ 279، ومعجم الأدباء جـ7/ 279.
7
في "ب" والفعل والفاعل.
8
في "ب" بنفسها.

========.

ج / 1 ص -75- السكوت وتمت بها1 الفائدة للمخاطب, ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم, فأما2 الفعل فلا بد له من فاعل, وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الابتداء والخبر, ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد فهو بمنزلة قولك: القائم زيد. فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه "فَعَلَ" وسيفعل أو هو في حال/54 الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلًا أو نفيت أن يكون فاعلًا نحو: قام عبد الله ويقوم عبد الله. وسيقوم عبد الله. وفي الاستفهام: أيقوم عبد الله؟ وفي الجزاء إِنْ يذهب زيد أذهب. وفي النفي, ما ذهب زيد, ولم يقم عمرو, فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل, فسواء كان الفعل مجزومًا أو منصوبًا أو مرفوعًا أو موجبًا أو منفيا أو خبرًا أو استخبارًا هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الاسم الذي بني له, فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها, ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل, ويقتصر به على زمان واحد3, فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال, وقد أفردناها, وقد أعملوا اسم الفعل, وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء: فعل متصرف, وفعل غير/ 55 متصرف, واسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي.
فأما الأول: وهو الفعل المتصرف فنحو: قام وضربَ, وتصرفه أنك تقول: يقوم وأقوم وتقوم. وضربَ, ويضرب, وأضرب, وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل, فتقول: ضارب,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل وتجب، والتصحيح من "ب".
2
في "ب" وأما.
3
وذلك نحو: دام وليس من الأفعال الناقصة. وعسى، وكرب من أفعال المقاربة، وفعل التعجب، ونعم وبئس.



ج / 1 ص -76- والثاني: وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو: ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه, يفعل ولا فاعل1. ولا يزول عن بناءٍ واحدٍ, وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله.
الثالث: وهو اسم الفاعل الجاري على فعله, نحو قولك: قام يقوم فهو قائم: وضرب يضرب فهو ضارب, وشرب, يشرب فهو شارب, فضارب وشارب2 وقائم أسماء الفاعلين. وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله. وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب/ 56 خبر الابتداء.
والرابع: الصفة المشبهة باسم الفاعل, نحو قولك: حسن, وشديد تقول: الحسن وجه زيد, [و]3 الشديد ساعدك, وما أشبهه.
والخامس: المصدر نحو قولك, عجبت من ضرب زيدٍ عمرو, وتأويله: من أن ضربَ زيدًا عمرو.
السادس: الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم: تراكها ومناعها, يريدون: أترك, وأمنع, ورويد زيدًا وهلم الثريد وصه, ومه يريدون: اسكت, وعليك زيدًا فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظًا ولا يقاس عليها, وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأن اسم الفاعل يشتق من الأفعال المتصرفة.
2
في الأصل: وشاتم، وأظنها تحريفا عن "وشارب".
3
أضفت "واوا" لأن الكلام يحتاجه.
========.
شرح الرابع من الأسماء المرتفعة:
وهو المفعول الذي لم يسم من فَعَلَ به, إذا كان الاسم مبنيا على فعلٍ بني للمفعول ولم يذكر من فعلَ به فهو رفع وذلك قولك: ضرب بكر وأخرج خالد, واستخرجت الدراهم, فبني الفعل للمفعول على "فعل" نحو:

ج / 1 ص -77- "ضُرِبَ" وأفعلَ نحو: "أكرِمَ"/ 57 وتفعل نحو: تضرب, ونفعل نحو: نضرب فخولف بينه وبين بناءِ الفعل الذي بني للفاعل, لئلا يلتبس المفعول بالفاعل, وارتفاع المفعول بالفعل الذي تحدثت به عنه كارتفاع الفاعل إذا كان الكلام لا يتم إلا به ولا يستغني دونه, ولذلك قلت: إذا كان مبنيا على فعلٍ بني للمفعول أردت به ما أردت في الفاعل من أن الكلام لا يتم إلا به وقلت ولم تذكر من فعل به لأنك لو ذكرت الفاعل ما كان المفعول إلا نصبًا, وإنما ارتفع لما زال الفاعل وقام مقامه. واعلم: أن الأفعال التي لا تتعدى لا يبنى منها فعل للمفعول, لأن ذلك محال, نحو: قام, وجلس. لا يجوز أن تقول: قيم زيد ولا جلس عمرو, إذ كنت إنما تبني الفعل للمفعول, فإذا كان الفعل لا يتعدى إلى مفعول فمن أين لك مفعول تبنيه له, فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد نحو: ضربت زيدًا, أزلت الفاعل وقلت: ضرب زيد, فصار المفعول يقوم مقام/ 58 الفاعل وبقي الكلام بغير اسم منصوب لأن الذي كان منصوبًا قد ارتفع, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو: أعطيت زيدًا درهمًا, فرددته إلى ما لم يسم فاعله قلت: أُعطي زيد درهمًا, فقامَ أحد المفعولين مقامَ الفاعلِ, وبقيَ منصوب واحد1 في الكلام, وكذلك إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو: أعلم الله زيدًا بكرًا خير الناس, إذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت: أعلم زيد بكرًا خير الناس. فقام أحد المفعولين مقام الفاعل. وبقي في الكلام اسمان منصوبان, فعلى هذا يجري هذا الباب. وإن كان الفعل لا يتعدى لم يجز ذلك فيه, وإن كان يتعدى إلى مفعول واحدٍ بقي الفعل غير متعد, وإن كان يتعدى إلى اثنين بقي الفعل متعديًا إلى واحد, وإن كان يتعدى إلى ثلاثة, بقي الفعل يتعدى إلى اثنين, فعلى هذا فقس متى نقلت "فعل" الذي هو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في سيبويه جـ1/ 19 إذا قلت: كسى عبد الله الثوب وأعطى عبد الله المال، رفعت عبد الله ههنا كما رفعته في "ضرب" حين قلت: ضرب عبد الله وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به "ضرب" وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدى إليهما فعل هو بمنزلة الفاعل.

ج / 1 ص -78- للفاعل مبني إلى "فُعِلَ" الذي هو مبني للمفعول فانقص من المفعولات/ 59 واحدًا. وإذا نقلت "فَعَلَت" إلى أفعلتَ, فإن كان الفعل لا يتعدى في "فعلت" فعدهِ إلى واحدٍ إذا نقلته إلى "أفعلت" تقول: قمت فلا يتعدى إلى مفعول, فإن قلت "أفعلت" منه قلت: أقمت زيدا, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد فنقلته من "فعلت" إلى "أفعلت" عديته إلى اثنين نحو قولك: رأيت الهلال هو متعد إلى مفعول واحدٍ فإن قلت: أريت زيدًا الهلال فيتعدى إلى اثنين, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين فنقلته من "فعلت" إلى "أفعلت" تعدى إلى ثلاثة مفعولين, تقول علمت بكرًا خير الناس, فإن قلت: أعلمتُ, قلت: أعلمتُ بكرًا زيدًا خير الناس فتعدى إلى ثلاثة, فهذان النقلان مختلفان, إذا نقلت "فعلتُ" إلى "فعلتُ" نقصت من المفعولات واحدًا أبدًا, وإذا نقلت "فعلت" إلى "أفعلت" زدت في المفعولات واحدًا أبدًا, فتبين ذلك فإني إنما ذكرت "فعّلتُ" وإن لم يكن من هذا الباب, لأن الأشياء تتضح بضمها إلى أضدادها/ 60 واسم المفعول الجاري على فعله يعمل عمل الفعل نحو قولك: مضروب, ومعط, يعمل عمل أعطى, ونعطي تقول: زيد مضروب أبوه فترفع "أبوه" بمضروب, كما كنت ترفعه بضاربٍ إذا قلت: زيد ضارب أبوه عمرًا, وتقول: زيد معط أبوه درهمًا "فترفع الأب" "بمعط" وتقول: دفَع إلى زيد درهم, فترفع الدرهم لأنك جررت زيدًا فقام الدرهم مقام الفاعل, ويجوز أن تقول: سير بزيد, فتقيم "بزيد" مقام الفاعل, فيكون موضعه رفعًا ولا يمنعه حرف الجر1 من ذلك, كما قال: ما جاءني من أحد, فأحد فاعل, وإن كان مجرورًا "بمن" وكذلك قوله تعالى: {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُم}2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
على شرط أن لا يكون حرف الجر للتعليل، فلا يقال: وقف لك.. لا من أجلك لا إذا جعلت نائب الفاعل ضمير الوقوف المفهوم من "وقف" فيكون التقدير: وقف الوقوف الذي تعهد لك. أو من أجلك، وإذا كان نائب الفاعل مؤنثًا لا يؤنث فعله، بل يجب أن يبقى مذكرا. تقول: ذهب بفاطمة. ولا يقال: ذهبت بفاطمة.
2
البقرة: 105.



ج / 1 ص -79- فإن أظهرت زيدًا غير مجرور قلت: أعطى زيد درهمًا, وكسى زيد ثوبًا, فهذا وجه الكلام, ويجوز أن تقول: أعطى زيدًا درهم, وكسى زيدًا ثوب, كما كان الدرهم والثوب مفعولين, وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز, ولكن لو قلت: أعطى/61 زيد عمرًا, وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول: أعطى عمرو زيدًا, لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذًا لصاحبه, وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه, لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذًا, وإنما هذا مجاز والأول الوجه. ومن هذا: أدخل القبر زيدًا, وألبستُ الجبة زيدًا, ولا يجوز على هذا, ضرب زيدًا سوطٌ, لأن سوطًا في موضع قولك: ضربةً بسوطٍ1 فهو مصدر. واعلم: أنه يجوز أن تقيم المصادر والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة وذلك نحو قولك: سير بزيد سير شديد, وضرب من أجل زيد عشرون سوطًا, واختلف به شهران, ومضى به فرسخان, وقد يجوز نصبها على الموضع, وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل, أعني قولك: بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره/62 وذلك المحذوف على ضربين: إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدرًا استغني عن ذكره بدلالة الفعل عليه, وإما أن يكون مكانًا دلَّ الفعل عليه أيضًا إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقا من مصدره نحو قولك: سير بزيد فرسخًا أضمرت السير, لأن "سير" يدل على السير, فكأنك قلت: سير السير بزيد فرسخًا, ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه, كما تقول: من كذب كان شرا له, تريد: كان الكذب شرا له. ولم تذكر الكذب لأن "كذب" قد دل عليه ونظيره قوله تعالى: {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُم}2. يعني البخل الذي دل عليه "يبخلون" وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "بصوت" وليس له معنى.
2
آل عمران: 108.



ج / 1 ص -80- هذه المسألة ما يدل عليه "سير" نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة. ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق, فكأنك/ 63 قلت: سير عليه الطريق فرسخًا, ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني, فقد صارَ في "سيرَ بزيدٍ" ثلاثة أوجه:
أجودها أن تقيم, "بزيد" مقام الفاعل, فيكون موضعه رفعًا, وإن كان مجرورًا في اللفظ, وقد أريناك مثل ذلك.
والوجه الثاني: الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.
والوجه الثالث: وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه. واعلم: أنك إذا قلت: سير بزيد سيرًا, فالوجه النصب في "سير" لأنك لم تفد بقولك "سيرًا" شيئًا لم يكن في "سير" أكثر من التوكيد, فإن وصفته فقلت: شديدًا أو هينًا, فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في "سير" والظروف بهذه المنزلة, لو قلت: سير بزيد مكانًا أو يومًا لكان الوجه النصب, فإن قلت: يوم كذا أو مكانًا بعيدًا أو قريبًا اختير الرفع والتقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار في الاسم الذي قام مقام الفاعل ولم/ 64 يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك, وتقول: كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا, فإن قلت: نحى قصدك فالاختيار عند قوم من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر, والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعًا1 في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
مذهب البصريين إلا الأخفش، أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر. وظرف وجار ومجرور، تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده، وما ورد من ذلك شاذ أو مئول، ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود: تقدم أو تأخر، فتول: ضرب ضرب شديد زيدا، وضرب زيدا ضرب شديد، وكذلك في الباقي، واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.. شرح ابن عقيل: 2/ 67.



ج / 1 ص -81- الفاعل معه أنه مفعول صحيح فحينئذ يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا لم تذكر الفاعل. فأما الحال والتمييز, فلا يجوز أن يجعل واحد منهما في محل الفاعل, إذا قلت: سير بزيد قائمًا أو تصبب بدن عمرو عرقًا, لا يجوز أن تقيم "قائمًا وعرقًا" مقام الفاعل, لأنهما لا يكونان إلا نكرة, فالفاعل وما قام مقامه يضمر كما يظهر, والمضمر لا يكون إلا معرفة وكذلك المصدر الذي يكون علة لوقوع الشيء نحو: جئتك ابتغاء الخير لا يقوم مقام الفاعل ابتغاء الخير, لأن المعنى لابتغاء الخير, ومن أجل ابتغاء الخير/ 65 فإن أقمته مقام الفاعل زال ذلك المعنى, وقد أجاز قوم في "كان زيد قائمًا" أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون: كين قائم.
قال أبو بكر: وهذا عندي لا يجوز من قبل أن "كان" فعل غير حقيقي, وإنما يدخل على المبتدأ والخبر, فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة, والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول, يقوم مقام الفاعل, لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد1, لأن الثاني هو الأول في المعنى. وقد نطق بما لم يسم فاعله في أحرف ولم ينطق فيها بتسمية الفاعل, فقالوا: أنيخت الناقة, وقد وضع زيد في تجارته, ووكس2, وأغرى به وأولع به, وما كان من نحو هذا مما أَخذ عنهم سماعًا وليس بباب يقاس عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في سيبويه 1/ 21، وإن شئت قلت: كان أخاك عبد الله "فقدمت كما فعلت ذلك في ضرب لأنه فعل مثله" وحال التقديم والتأخير فيه. كحاله في ضرب، إلا اسم الفاعل والمفعول فيه. لشيء واحد.
2
وَكَسَ: نَقَصَ، والوكس: النقص، في حديث أبي هريرة: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا" انظر اللسان مادة: وَكَسَ.



ج / 1 ص -82- شرح الخامس: وهو المشبه بالفاعل في اللفظ.
المشبه بالفاعل على ضربين: ضرب منه ارتفع "بكان وأخواتها" وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت "بكان" والفعل, وأخوات "كان": صار, وأصبح, وأمسى/ 66 وظل, وأضحى, وما دام, وما زال, وليس, وما أشبه ذلك مما يجيء عبارة عن الزمان فقط وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل, وتصاريفه تصاريف الفعل1, تقول: كان, ويكون, وسيكون, وكائن, فشبهوها بالفعل لذلك, فأما مفارقتها للفعل الحقيقي فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان نحو قولك: ضرب يدل على ما مضى من الزمان وعلى الضرب الواقع فيه "وكان" إنما يدل على ما مضى من الزمان فقط "ويكون" تدل على ما أنت فيه من الزمان وعلى ما يأتي, فهي تدل على زمان فقط, فأدخلوها على المبتدأ وخبره, فرفعوا بها ما كان مبتدأ تشبيهًا بالفاعل و[نصبوا2 بها الخبر] تشبيهًا بالمفعول فقالوا: كان عبد الله أخاك, كما قالوا: ضرب عبد الله أخاك, إلا أن المفعول في "كان" لا بد من أن يكون هو الفاعل, لأن أصله المبتدأ وخبره, كما كان خبر المبتدأ لا بد من أن يكون هو المبتدأ فإذا قالوا/ 67 "كان زيد قائمًا" فإنما معناه: زيد قام فيما مضى من الزمان, فإذا قالوا: أصبح عبد الله منطلقًا, فإنما المعنى: أتى الصباح وعبد الله منطلق, فهذا تشبيه لفظي, وكثيرًا ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ وإن لم يكن مثله في المعنى وسترى ذلك إن شاء الله, فقد بان شبه "كان وأخواتها" بالفعل إذ كنت تقول: كان يكون, وأصبح يصبح وأضحى, ويضحى, ودام يدوم, وزال يزال, فأما ليس, فالدليل على أنها فعل وإن كانت لا تتصرف3 تصرف الفعل قولك: لست, كما تقول: ضربت ولستما كضربتما, ولسنا, كضربنا ولسن, كضربن,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 21 فهو كائن ونكون، كما كان ضارب ومضروب.
2
أضفت ما بين القوسين لإيضاح المعنى.
3
قال سيبويه 1/ 21 وأما ليس فإنه لا يكون فيها ذلك "أي: التصرف" لأنها وضعت موضعا واحدا ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الآخر.



ج / 1 ص -83- ولستن, كضربتن, وليسوا, كضربوا, وليست أمة الله ذاهبة كقولك: ضربت أمة الله زيدًا.
وإنما امتنعت من التصرف, لأنك إذا قلت "كان" دللت على ما مضى, وإذا قلت "يكون" دللت على ما هو فيه وعلى ما لم يقع, وإذا قلت: ليس زيد قائمًا الآن أو غدًا أدت ذلك المعنى الذي في يكون,/ 68 فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها, ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع وبات. وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فاسم "كان" المعرفة كما كان ذلك في الابتداء هو المبتدأ لا فرق بينهما في ذلك, تقول: كان عمرو منطلقًا, وكان بكر رجلًا عاقلًا, وقد يكون الاسم معرفة والخبر معرفة كما كان ذلك في الابتداء أيضًا, تقول: كان عبد الله أخاك, وكان أخوك عبد الله, أيهما شئت جعلته اسم "كان" وجعلت الآخر خبرًا لها, والشعراء قد يضطرون فيجعلون الاسم نكرة والخبر معرفة1 لعلمهم أن المعنى يئول إلى شيء واحد, فمن ذلك قول حسان:

كأنَّ سلافةً منْ بيت رأسٍ يكون مزاجَها عسَل وماءُ2

وقال القطامي:

قفي قبل التفرقِ يا ضباعا ولا يك موقف منكِ الوداعا3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في المقتضب 1/ 91 واعلم: أن الشعراء يضطرون فيجعلون الاسم نكرة، والخبر معرفة, وإنما حملهم على ذلك معرفتهم أن الاسم والخبر يرجعان إلى شيء واحد.
2
مر تفسير هذا البيت، ص42.
3
استشهد بالشطر الأول سيبويه 1/ 331 على ترخيم "ضباعة" والوقف على الألف بدلا من الهاء. واستشهد بالشطر الثاني ابن هشام في المغني على جعل اسم "كان" نكرة وخبرها معرفة للضرورة، وأراد "بضباعة" ضباعة بنت زفر بن الحارث، ولا يك موقف يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون على الطلب والرغبة كأنه قال: لا تجعلي هذا الموقف آخر وداعي منك. والوجه الآخر: أن يكون على الدعاء كأنه قال: لا جعل الله موقفك هذا آخر الوداع، وفيه حذف مضاف، أي: "موقف" والبيت، مطلع قصيدة للقطامي في مدح زفر بن الحارث، وكان بنو أسد أحاطوا به وأسروه يوم الخابور وأرادوا قتله، فحال زفر بينه وبينهم وحماه وحمله، وكساه مائة ناقة، فمدحه بهذه القصيدة:
وانظر: المقتضب 4/ 93، وابن يعيش 7/ 91، وارتشاف الضرب 356، والديوان/ 37.



ج / 1 ص -84- وقد مضى تفسير هذا, وقد تخبر في هذا الباب بالنكرة عن النكرة إذا كان فيه فائدة وذلك قولك: ما كان/ 69 أحد مثلك, وليس أحد خيرًا منك, وما كان رجل قائمًا مقامك, وإنما صلح هذا هنا, لأن قولك: "رجل" في موضع الجماعة إذا جعلوا رجلًا رجلًا, يدلك على ذلك قولك: ما كان رجلان أفضل منهما.
والمعول في هذا الباب وغيره على الفائدة, كما كان في المبتدأ والخبر. فما كانت فيه فائدة فهو جائز فأنت إذا قلت: ليس فيها أحد فقد نفيت الواحد والاثنين وأكثر من ذلك, ومثل هذا لا يقع في الإيجاب ونظير أحد عريب1 وكتيع2, وطورئ3 وديار, قال الراجز:

وبلدة ليس بها ديار

ومن هذه الأسماء ما يقع بعد "كل" لعمومها, تقول: يعلم هذا كل أحد, وأما قول الشاعر4:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
عريب: من الألفاظ الملازمة للنفي ومعناها: لا أحد.
2
كتيع: الكتيع: المنفرد من الناس. يقال: ما بالدار كتيع، أي: لا أحد.
3
طورئ: تقول العرب: ما بالدار طورئ، ولا دوري، أي: أحد، ولا طوراني مثله. ومثله قول الحجاج: وبلدة ليس بها طوري.
انظر اللسان مادة "طور".
4
نسبه السيرافي للأخطل، وروى: لقد ظهرت، ولم يوجد في ديوان الأخطل، وإنما وجدته في ديوان ذي الرمة، ويروى كذلك:

لقد بهرت فما تخفى على أحدٍ

وذهب ابن السراج مذهب سيبويه ورأى أن أحدا الثانية حكاية لأحد الأولى، انظر شرح السيرافي 1/ 325، والموشح/ 182، والديوان/ 191.



ج / 1 ص -85- حتى ظهرت فما تخفى على أحدٍ إلا على أحدٍ لا يعرف القمرا

فقد فسر هذا البيت على ضربين:
أحدهما: أن يكون "أحد" في معنى واحد كأنه قال: إلا على واحد لا يعرف القمرا, فأحد هذه هي التي تقع في قولك/70: أحد وعشرون وتكون على قولك "أحد" التي تقع في النفي فتجريه في هذا الموضع على الحكاية لتقديم ذكره إياه, ونظير ذلك أن يقول القائل: أما في الدار أحد, فتقول مجيبًا بلى, وأحد, إنما هو حكاية للفظ ورد عليه, وتقول: ما كان رجل صالح مشبه زيدًا في الدار, إذا جعلت في الدار خبرًا, ومعنى هذا الكلام أن زيدًا صالح فمشبهه مثله. فإن نصبت "مشبهًا" فقد ذممت زيدًا أو أخبرت أن ما كان صالحًا غير تشبيه. فإذا قلت: ما كان أحد مثلك, وما كان مثلك أحد فكلها نكرات لأن "مثل وشبه" يكن نكرات, وإن أَضفن إلى المعارف لأنهن لا يخصصن شيئًا بعينه لأن الأشياء تتشابه من وجوه, وتتنافى من وجوه, فإن أردت "بمثلك" المعروف "بشبهك" خاصة كان معرفة كأخيك. وتقول: ما كان في الدار أحد مثل زيد, إذا جعلت "في الدار" الخبر, وإن جعلت "في الدار" لغوًا نصبت المثل/ 71 قال الله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد}1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الإخلاص: 4.
والآية: تكلم عنها سيبويه في 1/ 27، فقال: وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير فمن ذلك قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} وأهل الجفاء من العرب يقولون: ولم يكن كفوا له أحد "كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقر" وفي البحر المحيط 1/ 528-529 وقال مكي: سيبويه يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدمه وقد خطأه المبرد بهذه الآية، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبرا، انظر المقتضب 4/ 90، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم وإنما أجاز أن يكون خبرا وألا يكون خبرا.

ج / 1 ص -86- والظروف يجوز أن يفصل بها بين "كان" وما عملت فيه لاشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها, واعلم: أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير, فهو جائز في "كان" إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه فإن فصلت بظرف ملغى جاز, فأما ما يجوز فقولك: كان منطلقًا عبد الله, وكان منطلقًا اليوم عبد الله, وكان أخاك صاحبنا, وزيد كان قائمًا غلامه, والزيدان كان قائمًا غلامهما, تريد كان غلامهما قائمًا, وكذلك: أخوات "كان" قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين}1. وتقول: من كان أخاك إذا كانت "من" مرفوعة, كأنك قلت: أزيد كان أخاك, وتقول: من كان أخوك, إذا كانت "من" منصوبة, كأنك قلت: أزيدًا كان أخوك, وهذا كقولك: من ضرب أخاك؟ ومن ضرب أخوك؟ فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير/ 72 فأجزه فيها, ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه, ولا تقل: كانت زيدًا الحمى تأخذ, ولا: كان غلامه زيد يضرب, لا تجز هذا إذا كان "زيد والحمى" اسمين لكان. فإن أضمرت في "كان" الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له: المجهول. كان ذلك المضمر اسم "كان" وكانت هذه الجملة خبرها, فعلى ذلك يجوز, كان زيدًا الحمى تأخذ, وعلى هذا أنشدوا:

فَأَصْبَحُوا والنَّوى عَالي مُعَرّسِهم وَلَيَس كُلَّ النّوى يَلقَى المَسَاكِين2

كأنه قال: وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الروم: 47.
2
من شواهد الكتاب 1/ 35، وجـ1/ 73 على الإضمار في ليس لأنها فعل، والدليل على ذلك إيلاؤها المنصوب.
وكذلك ذكره بعض النحويين شاهدا على إضمار الشأن والحديث في "ليس" فنصب كل النوى بـ"يلقى" فتخلو الجملة لذلك من ضمير ظاهر, أو مقدر يعود على مرفوع "ليس" لأن ضمير الشأن لا يعود عليه من الجملة المخبر بها عنه ضمير، لأن هذا المخبر عنه هو الخبر في المعنى.. والمعرس: المنزل الذي ينزله المسافر آخر الليل، والتعريش: النزول في ذلك الوقت، يقول: أصبحوا وقد غطى النوى لكثرته على منزلهم، ولا يلقى المساكين أكثر النوى ولكنهم يأكلونه من الجهد والجوع وكان الشاعر معدودا من بخلاء العرب، ونزل به قوم فأطعمهم تمرا. والشاهد: لحميد بن مالك الأرقط.
وانظر المقتضب 4/ 100، وشرح السيرافي 1/ 357، وأمالي ابن الشجري 2/ 203، وابن يعيش 7/ 104.



ج / 1 ص -87- لا يظهر وأصحابنا1 يجيزون: غلامه كان زيد يضرب, فينصبون الغلام "بيضرب" ويقدمونه, لأن كلَّ ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله, فلو قلت: غلامه ضرب زيد كان جيدًا2, فكان هذا بمنزلة: ضرب زيد غلامه.
ولو رفعت الغلام, كان غير جائز, لأنه إضمار قبل الذكر3 فلا يجوز أن ينوي به/ 73 غيره فإن قال قائل: فأنت إذا نصبت فقد ذكرته قبل الاسم؟ قيل له4: إذا قدم ومعناه التأخير فإنما تقديره والنية فيه أن يكون مؤخرًا, وإذا كان في موضعه لم يجز أن تعني5 به غير موضعه, ألا ترى أنك تقول: ضرب غلامه زيد, لأن الغلام في المعنى مؤخرًا, والفاعل على الحقيقة قبل المفعول6, ولكن لو قلت: ضرب غلامه زيدًا, لم يجز لأن الغلام فاعل وهو في موضعه, فلا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع7,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي البصريون: قال المبرد: ولو قلت: غلامه كان زيد يضرب، كان جيدا أن تنصب الغلام بـ"يضرب" لأن كل ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله. انظر: المقتضب 4/ 101.
2
انظر المقتضب 4/ 102.
3
عاد على متأخر لظفا ورتبة، وهذا غير جائز.
4
أضيفت "له" لأن المعنى يقتضيها.
5
أي تنوي به.
6
عاد على متأخر لفظا لا رتبة، وهذا جائز.
7
في المقتضب 4/ 102 "ولو قلت: ضرب غلامه زيدا" كان محالا: لأن الغلام في موضعه. لا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع.



ج / 1 ص -88- وتقول: كان زيد قائمًا أبوه وكان زيد1 منطلقة جارية يحبها, والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها, تقول: أبوه منطلق كان زيد تريد, كان زيد أبوه منطلق, وقائمة جارية يحبها كان زيد, تريد: كان زيد قائمة جارية يحبها. وفي داره ضرب عمرو خالدًا كان زيد. فإن قلت: كان في داره زيد أبوه, وأنت تريد: كان زيد في داره أبوه, لم يجز؛ لأن الظرف للأب فليس2 من/ 74 كان في شيء وقد فصلت به بينها وبين خبرها ولو قلت: كان في داره أبوه زيد, صلح لأنك قدمت الخبر بهيئته3 وعلى جملته فصار مثل قولك: كان منطلقًا زيد, ومثل ذلك: كان زيدًا أخواك يضربان4, هذا لا يجوز, فإن قدمت: "يضربان زيدًا" جاز, وتجوز هذه المسألة إذا أضمرت في "كان" مجهولًا وتقول: زيد كان منطلقا أبوه, فزيد مبتدأ وما بعده خبر له, وفي "كان" ضمير زيد وهو اسمها, ومنطلقًا أبوه "خبره", وإن شئت رفعت "أبا" بـ"كان" وجعلت "منطلقا" خبره, وتقول: زيد5 منطلقًا أبوه كان, تريد: زيد6 كان منطلقًا أبوه. مثل المسألة التي قبلها.
وقال قوم: أبوه قائم كان "زيد" خطأ لأن ما لا تعمل فيه "كان" لا يتقدم قبل "كان" والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك: أبوه قائم في موضع قولك: "منطلقًا" فهو بمنزلته فإذا لم يصح سماع الشيء عن العرب لُجئ فيه إلى القياس, ولا يجيزون أيضًا/75: كان أبوه قائم زيد. وكان أبوه زيد أخوك, وكان أبوه يقوم أخوك. هذا خطأ عندهم لتقديم المكنى على الظاهر. وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكنى على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكنى: أنه إذا كان في غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" عبد الله بدلا من "زيد".
2
في "ب" و"ليس".
3
في "ب" هيئة.
4
في "ب" يضربانه.
5
في "ب" وتقول زيدا منطلقا.
6
في "ب" كان زيد منطلقا أبوه.



ج / 1 ص -89- موضعه وتقدم جاز تقدمه, لأن النية فيه أن يكون متأخرًا, والذي لا يجوز عندنا أن يكون قد وقع في1 موقعه وفي2 مرتبته فحينئذ لا يجوز أن ينوى به غير موضعه, ولأصول التقديم والتأخير موضع يذكر فيه إن شاء الله. ولا يحسن عندي أن تقول: "آكلًا كان زيد طعامك" من أجل أنك فرقت بين آكل, وبين3 ما عمل فيه بعامل آخر, ومع ذلك فيدخل لبس في بعض الكلام, وإنما يحسن4 مثل هذا في الظروف نحو قولك: راغبًا كان زيد فيك, لاتساعهم5 في الظروف, وأنهم6 جعلوا لها فضلًا على غيرها في هذا المعنى, ولا أجيز أيضًا: آكلًا كان زيد أبوه طعامك, أريد7 به8: كان زيد آكلا/76 أبوه طعامك, للعلَّة التي ذكرت لك, بل هو ههنا أقبح, لأنك فرقت بين "آكل" وبين ما ارتفع به, وفي تلك المسألة إنما9 فرقت بينه وبين ما انتصب به, والفاعل ملازم لا بد منه, والمفعول فضلة, وقوم لا يجيزون: كان خلفك أبوه زيد, وهو جائز عندنا وقد مضى تفسيره, ويقولون10: لا يتقدم "كان" فعل11 ماضٍ ولا مستقبل. وما جاز أن يكون خبرًا فالقياس12 لا يمنع من تقديمه إذ كانت الأخبار تقدم إلا أني لا أعلمه مسموعًا من العرب. ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في: ساقطة في "ب".
2
في: ساقطة في "ب".
3
بين: ساقطة في "ب".
4
في "ب" حسن.
5
في "ب" لأنهم اتسعوا.
6
وأنهم: ساقطة في "ب".
7
في "ب" تريد.
8
به: ساقطة في "ب".
9
في "ب" أيضا بدلا من "إنما".
10
ويقولون: ساقطة في "ب".
11
فعل: ساقط في "ب".
12
في "ب" والقياس.



ج / 1 ص -90- يتقدم خبر "ليس" قبلها1 لأنها لم تصرف تصرف "كان"2 لأنك لا تقول: منها يفعل ولا فاعل, وقد شبهها بعض العرب بـ"ما"3 فقال: ليس الطيب إلا المسك, فرفع وهذا قليل, فإذا أدخلت على "ليس" ألف الاستفهام كانت تقريرًا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجىء معها أحد لأن أحدًا إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول: أليس أحد في الدار؛ لأن المعنى يئول إلى قولك: أحد في الدار, وأحد لا يستعمل في الواجب, ولذلك لا يجوز4 أن تجيء إلا مع التقرير, لا يجوز5 أن تقول/ 77 فيها, لأن المعنى يئول إلى قولك: زيد إلا فيها وذا لا يكون كلامًا, وقد أدخلوا الباء في خبر "ليس" توكيدًا للنفي تقول: ألست بزيد, ولست بقائم: وقالوا: أليس إنما قمت. ولا يجيء "إنما" إلا مع إدخال الألف كذا حكى وتقول: ليس عبد الله بحسن ولا كريمًا6, فتعطف "كريمًا" على "بحسن" لأن موضعه نصب, وإنما تدخل الباء هنا تأكيدًا للنفي. وتقول: ليس عبد الله بذاهب ولا خارج عمرو, على أن تجعل عمرًا "مبتدأ" وخارجًا خبره, ولك أن تنصب فتقول: ليس عبد الله بذاهب ولا خارجًا عمرو, على أنه معطوف على خبر "ليس" قبل الباء, ولا يحسن, ليس عبد الله بذاهب ولا خارج زيد, فتجر بالباء ويرتفع زيد بـ"ليس" لا يجوز هذا لأنك قد عطفت بالواو على عاملين وإنما تعطف حروف العطف على عامل واحد ولكن تقول: ليس زيد بخارج ولا ذاهب أَخوه, فتجري "ذاهبًا" على "خارج"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" عليها بدلا من قبلها.
2
مذهب الكوفيين: أنه لا يجوز تقديم خبر "ليس" عليها، بينما ذهب البصريون: إلى أنه يجوز تقديم خبر "ليس" عليها كما يجوز تقديم خبر كان عليها، ولكل من الطرفين حجج مشروحة في الإنصاف جـ1/ 92-93.
3
أي تغلب عليها الحرفية فهي نافية فقط.
4
في "ب" لم يجز.
5
في "ب" فلا.
6
انظر الكتاب 1/ 33.



ج / 1 ص -91- وترفع الأخ بـ"ذاهب" لأنه ملبس بـ"زيد" وهو من سببه, فكأنك قلت: ليس زيد بذاهب ولا خارج, ولو حملت "الأخ"/ 78 على "ليس", لم يجز, من أجل أنك تعطف على عاملين, على "ليس" وهي عاملة وعلى "الباء" وهي عاملة, وقالوا: ما كان عبد الله ليقوم, ولم يكن ليقوم, فأدخلوا اللام مع النفي ولا يجوز هذا في أخوات "كان". ولا تقول: ما كان ليقوم, وهذا يتبع فيه السماع.
واعلم: أن خبر "كان" إذا كنيت عنه جاز أن يكون منفصلًا ومتصلًا, والأصل أن يكون منفصلًا, إذ كان أصله أنه خبر مبتدأ, تقول: كنت إياه, وكان إياي, هذا الوجه, لأن خبرها خبر ابتداء وحقه الانفصال, ويجوز كأنني وكنته كقولك: "ضربني وضربته", لأنها متصرفة تصرف الفعل, فالأول استحسن للمعنى, والثاني لتقديم اللفظ قال أبو الأسود:

فإنْ لا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فإنَّهُ أَخُوها غَذَتهُ أُمهُ بِلِبَانِهَا1

و "لكان" ثلاثة مواضع:
الأول: التي يكون لها اسم وخبر.
الثاني: أن يكون بمعنى وقع وخلق2 فتكتفي بالاسم وحده ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
استشهد به سيبويه 1/ 21، على أن "كان" تجري مجرى الأفعال الحقيقية في عملها فيتصل بها خبرها الضمير اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو: ضربته.
وكان أبو الأسود يخاطب به مولى له كان حمل له تجارة إلى الأهواز وكان إذا مضى إليها يتناول شيئا من الشراب فاضطرب أمر البضاعة.
واللبان, بكسر اللام، تقول: هو أخوه بلبان أمه، ولا يقال: بلبن أمه. ويريد الشاعر: نبيذ الزبيب, وانظر المقتضب 3/ 98، وأدب الكاتب/ 32، وشرح السيرافي 1/ 307، وإصلاح المنطق/ 297 والإنصاف/ 49، وابن يعيش/ 3/ 107، وتفسير المسائل المشكلة للفارقي/ 70.
2
أي: التامة. قال سيبويه: وقد يكون "لكان" موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه، تقول: قد كان عبد الله، أي: قد خلق عبد الله وقد كان الأمر، أي: وقع الأمر. انظر الكتاب 1/ 21.



ج / 1 ص -92- تحتاج إلى خبر, وذلك قولك: أنا أعرفه مذ كان زيد, أي: مذ خلق, وقد كان الأمر, أي: وقع, وكذلك أمسى/ 76 وأصبح تكون مرة بمنزلة "كان" التي لها خبر ومرة بمنزلة استيقظ ونام فتكون أفعالًا تامة تدل على معان وأزمنة. ولا ينكر أن يكون لفظ واحد لها معنيان وأكثر, فإن ذلك في لغتهم كثير. من ذلك قولهم وجدت عليه من الموجدة1, ووجدت يريدون. وجدان الضالة2, وهذا أكثر من أن يذكر هنا.
الثالث: أن تكون توكيدًا زائدة نحو قولك: زيد كان منطلق, إنما معناه: زيد منطلق, وجاز الغاؤها لاعتراضها3 بين المبتدأ والخبر.
ذكر الضرب الثاني: وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال. فمن ذلك "ما" وهي تجري مجرى "ليس" في لغة أهل الحجاز, شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي, كما أنها نفي, يقولون: ما عمرو منطلقًا, فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك: ما زيد إلا منطلق/80 وإن قدموا الخبر على الاسم رفعوا أيضًا فقالوا: "ما منطلق زيد"4 فتجتمع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الموجدة: الكرة.
2
ويكون من وجدت، في معنى علمت وذلك قولك: وجدت زيدا كريما، ومن ذلك أيضا "رأيت" تكون من رؤية العين، وتكون من العلم كقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّل}. وقال الشاعر خداش بن زهير:

رأيت الله أكبر كل شيء محافظة وأكثرهم جنودا

3
في "ب" باعتراضها.
4
اشترط سيبويه لعمل ما الحجازية شروطا، منها: أن لا يتقدم خبرها على اسمها، وذلك لأنها فرع على ليس فلا تقوى قوة الفعل ولم تتصرف تصرفه، وأن لا ينتقض نفيها بإلا، فإن انتقض بطل عملها كبطلان معنى "ليس" فلذلك ارتفع قولك: ما زيد إلا منطلق، واستوت فيه اللغتان ومن ذلك قوله عز وجل: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وذلك أن عملها إنما كان لأجل النفي الذي به شابهت "ليس" فكيف تعمل مع زوال المشابهة، وأن لا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها نحو: ما أنت إلا شيء لا يعبأ به. وأن لا يقترن اسمها "بأن" الزائدة نحو: ما أن زيد ذاهب وقول الشاعر:

وما أن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا

انظر الكتاب 1/ 29، 362، 475.



ج / 1 ص -93- اللغة الحجازية والتميمية فيهما معًا, لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي, يعني الابتداء فإذا قلت: ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن. فإن قلت: ما يقوم زيد1 غدًا كان أقبح, لأن هذا الموضع خصت2 به "لا"3 يعني نفي المستقبل. ولو قلت: "ما قام زيد" كان حسنًا كأنه قال: "قام" فقلت أنت5: ما قام, فإن6 أخرت فقلت: ما زيد قام أو يقوم, كان حسنًا أيضًا, وتقول: ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر "ليس" فيكون موضع "بقائم" نصبًا, فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول: ما بقائم زيد, من أجل أن خبرها إذا كان منصوبًا لم يتقدم, والمجرور كالمنصوب, ولو قلت: ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه: وأنت تريد أن تحمل "الأخ" على ما لم يكن كلامًا لأن "ما" لا تعمل في الاسم إذا قدم خبره, وتقول: ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرو منطلقًا فيه خالد تجعل "مقيمًا"/ 81 صفةً "ليوم" وذاهب فيه7 صفة "لكل" و"منطلقًا" موضع الخبر, هذا على لغة أهل الحجاز, وتقول: ما كل ليلة مقيمًا فيها زيد, وإذا قلت: ما طعامك زيد آكل, وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير, من أجل تقديم مفعوله, فقد قدمته في التقدير لأن مرتبة8 العامل قبل المعمول فيه, ملفوظًا به أو مقدرًا, وقوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
زيد: ساقطة في "ب".
2
في "ب" يكون.
3
في "ب" للا.
4
زيد: ساقطة في "ب".
5
أنت: ساقطة في "ب".
6
في "ب" وإن.
7
فيه: ساقطة في "ب".
8
مرتبة: ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -94- يجيزون إدخال الباء في هذه المسألة فيقولون: ما طعامك زيد بآكل, وما فيك زيد براغب. إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء, ولا يجيزون نصب الخبر في هذه المسألة.
وتقول: ما زيد قائمًا, بل قاعد1 لا غير لأن النفي نصبه, ومن أجل النفي شبهت "ما" بليس فلا يكون بعد التحقيق إلا رفعًا, وتقول زيد ما قام, وزيد ما يقوم, ولا يجوز: زيد ما قائمًا ولا زيد ما قائم, ولا زيد ما خلفك حتى تقول: ما هو قائمًا, وهو خلفك لأن "ما" حقها أن يستأنف بها ولا يجوز أن تضمر فيها إذ كانت حرفًا ليس بفعل وإنما يضمر في الأفعال/82 ولا يجوز: طعامك ما زيد آكل أبوه, على ما فسرت لك, وقد حكي عن بعض من تقدم من الكوفيين إجازته, ويجوز إدخال من على الاسم الذي بعدها إذا كان نكرةً تقول: ما من أحد في الدار, وما من رجل فيها. ويجوز أن تقول: ما من رجل غيرك وغيرك بالرفع والجر, ويكون موضع رجل رفعا قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه}2 وغيره على المعنى وعلى اللفظ. وإنما تدخل "من" في هذا الموضع لتدل على أنه قد نفى كل رجل وكل أحد. ولو قلت: ما رجل في الدار لجاز أن يكون فيها رجلان وأكثر, وإذا قلت: ما من رجل في الدار, لم يجز أن يكون فيها أحد البتة. وقال الأخفش3: إن شئت قلت -وهو رديء: ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تعرب "قاعد" خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هو قاعد.
2
الأعراف: 59. وهود: 50. وقد قرئ في السبعة جميعها برفع الراء وضم الهاء من "غيره" كما قرئ بكسر الراء والهاء، انظر النشر 2/ 270. والإتحاف/ 226، غيث النفع/ 104.
3
الأخفش: هو الأخفش الأوسط: أخذ النحو عن سيبويه، وكان معتزليا حاذقا في الجدل.
قال المبرد: كان الأخفش أكبر سنا من سيبويه. وكانا جميعا يطلبان، قال: فجاء الأخفش يناظره، بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره، فقال سيبويه: أتراني أشك في هذا؟ ومات سنة 210هـ ترجمته في أخبار النحويين البصريين/ 38، وطبقات الزبيدي/ 74، وإنباه الرواة 2/ 36، ونزهة الألباء/ 185.



ج / 1 ص -95- ذاهبا إلا أخوك1, وما ذاهبا إلا جاريتك تريد: ما أحد ذاهبًا, وهذا رديء لا يحذف "أحد" وما أشبهه حتى يكون معه كلام نحو: ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وكذا, و"مات" في موضع نصب على مفعول "ما" في لغة أهل الحجاز/ 83 وفي كتاب الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِه}2. والمعنى: ما من أهل الكتاب أحد, {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}3. أي: وإن أحد منكم, ومعنى: "إن" معنى: "ما" فقد بان أن في "ما" ثلاث لغات: ما زيد قائمًا وما زيد بقائم وما زيد قائم, والقرآن جاء بالنصب4 وبالباء ومما شبه من الحروف بـ"ليس" "لات" شبهها بها أهل الحجاز وذلك مع الحين خاصة, قال الله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص}5 قال سيبويه6: تضمر فيها مرفوعًا, قال: نظير "لات" في أنه لا يكون إلا مضمرًا فيها "ليس" و"لا يكون" في الاستثناء إذا قلت: أتوني ليس زيدًا, ولا يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أخواك.
2
النساء: 159، قال الزمخشري في الكشاف جـ1/ 312، جملة "ليؤمن به" جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره: "وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمن به". والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد الله ورسوله. وفي البحر المحيط 3/ 392: قال الزجاج: وحذف أحد لأنه مطلوب في كل نفي. يدخله الاستثناء نحو: ما قام إلا زيد معناه: ما قام أحد إلا زيد.
وقال: قال أبو حيان مشيرا إلى كلام الزمخشري: وهو غلط فاحش، صفة "أحد" الجار والمجرور، وهو من أهل الكتاب. وجملة "ليؤمنن به" جواب القسم المحذوف، القسم وجوابه في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو "أحد" المحذوف، وانظر المغني 1/ 166.
3
مريم: 71.
4
من ذلك قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا}. {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}.
5
ك ص: 3.
6
سيبويه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين في النحو غير منازع، أصله من فارس. ونشأ بالبصرة، وكان في لسانه حبسة، أخذ النحو عن أعلم العلماء العربية الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعيسى بن عمرو، ويونس بن حبيب، وكتابه أعظم كتب النحو منذ دون للآن.
قيل: مات بشيراز سنة 180هـ عن 32 سنة. وقيلت أقوال كثيرة غير ذلك. وقد ذكر السيرافي نسبه بالتفصيل: انظر شرح الكتاب جـ1/ 308 وأخبار النحويين/ 37.



ج / 1 ص -96- بشرًا, قال: وليست لات كـ"ليس" في المخاطبة والإِخبار عن غائب, تقول: لست وليسوا. وعبد الله ليس منطلقًا, ولا تقول: عبد الله لات منطلقًا, ولا قومك لاتوا منطلقين. قال: وزعموا: أن بعضهم قرأ: ولات حين مناص وهو عيسى1 بن عمر وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعيد بن مالك:

مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِهَا فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ2

فجعلها بمنزلة "ليس"3 قال: و"لات" بمنزلة "لا" في هذا الموضع في/ 84 في الرفع ولا يجاوز بها الحين4 يعني: إذا رفعت ما بعدها تشبيهًا "بليس" فلم يجاوز بها الحين أيضًا وأنها لا تعمل إلا في "الحين" رفعت أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
عيسى بن عمر: مولى خالد بن الوليد المخزومي إمام النحو في عصره، وله فيه كتابان: الجامع والإكمال وفيهما يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي:

بطل النحو جميعا كله غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع فهما للناس شمس وقمر

توفي سنة 149هـ ترجمته في طبقات الزبيدي رقم 12، والإرشاد لياقوت جـ1/ 100، ونزهة الألباء/ 25، وأخبار النحويين للسيرافي/ 25.
2
من شواهد الكتاب 1/ 28، على إجراء "لا" مجرى ليس في بعض اللغات كما أجريت "ما" مجراها في لغة أهل الحجاز.
3
وقوله: ابن قيس: أي: قيس بن ثعلبة الحصن المعروفة بشجاعتها والبراح، مصدر: برح براحا إذا زال من مكانه. وانظر: الكتاب 1/ 354. والمقتضب 4/ 36. وشرح السيرافي 3/ 62. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 54. وشرح الحماسة 2/ 73. والإنصاف/ 367. وابن يعيش 1/ 108. وأمالي ابن الشجري 1/ 282. والمغني 1/ 264. والخزانة 1/ 223. والعيني 2/ 60. والأشباه والنظائر 4/ 60. والسيوطي 208، والتصريح 1/ 199، والأشموني 1/ 422.
4
انظر الكتاب جـ1/ 28.



ج / 1 ص -97- نصبت. وقال الأخفش الصغير1 أبو الحسن سعيد بن مسعدة: إنها لا تعمل في القياس2 شيئًا.
قال أبو بكر: والذي قال سيبويه: أنه يضمر في "لات" إن كان يريد أن يضمر فيها كما يضمر في الأفعال فلا يجوز لأنها حرف من الحروف والحروف لا يضمر فيها, وإن كان يريد أنه حذف الاسم بعدها وأضمره المتكلم كما فعل في قوله في "ما" ما منهما مات أراد "أحدًا"3 فحذف وهو يريده فجائز. وقوم يدخلون في باب "كان" عودة الفعل كقولك: لأن ضربته لتضربنه السيد الشريف وقولك: عهدي بزيد قائمًا, وهذا يذكر مع المحذوف والمحذوفات, ومما شبه أيضًا بالفاعل في اللفظ أخبار الحروف التي تدخل على المبتدأ وخبره فتنصب الاسم وترفع الخبر وهي إن وأخواتها, وسنذكرها مع ما ينصب, وهذه الحروف/85 أعني "إن واخواتها" خولف بين عملها وبين عمل الفعل بأن قدم فيها المنصوب على المرفوع. وإنما أعملوا "ما" على "ليس" لأن معناها معنى "ليس" لأنها نفي كما أنها نفي ومع ذلك فليس كل العرب يعملها عمل "ليس" إنما روي ذلك عن أهل الحجاز, وكان حق "ما" أن لا تعمل شيئًا إذ كانت تدخل على الأسماء والأفعال ورأيناهم4 إنما أعملوا من الحروف في الأسماء ما لا يدخل على الأفعال وأعملوا منها في الأفعال ما لا يدخل على الأسماء. فأما ما يدخل على الأسماء والأفعال منها فألغوه من العمل5, وقد بين هذا فيما مضى, وإذ قد ذكرنا ما يرتفع من الأسماء فكان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأخفش الصغير عندنا في الوقت الحالي، هو أبو الحسن علي بن سليمان، وكان قد قرأ على ثعلب والمبرد، مات سنة 315هـ، وهو من معاصري ابن السراج، فربما أراد المؤلف: أنه صغير عنده بالنسبة للأخفش الكبير أبي الخطاب، وفي نسخة "ب" لم يذكر "الصغير" فقد يكون الناسخ أضاف هذه الكلمة.
2
القياس: ساقطة في "ب".
3
في الأصل "أحدا" بالرفع.
4
في "ب" ولم نرهم.
5
العمل: ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -98- ما يرتفع منها بأنه مبتدأ وخبر, مبتدأ, معنيان فقط, لا يتشعب منهما فنون كما عرض في الفعل أن منه متصرفًا أو غير متصرف, ومنه أسماء شبهت بالفعل, وقد ذكرنا الفعل المتصرف فلنذكر الفعل الذي هو غير متصرف, ثم نتبعه بالأسماء إن شاء الله.











----.

7



















الأصول في النحو

ذكر الفعل الذي لا يتصرف:
اعلم: أن كل فعل لزم بناء واحدًا فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه, فعل يفعل ويدخله/ 86 تصاريف الفعل, وغير المتصرف ما لم يكن كذلك, فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحدًا فعل التعجب نحو: ما أحسن زيدًا وأكرم بعمرو, والفعلان المبنيان للحمد والذم, وهما نعم وبئس. فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل.
شرح التعجب:
فعل التعجب على ضربين, وهو منقول1 من بنات الثلاثة, إما إلى أفعل ويبنى2 على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل3 به ويبنى4 على الوقف, لأنه على لفظ الأمر5.
فأما6 الضرب الأول: وهو أفعل يا هذا, فلا بد من أن تلزمه "ما" تقول: ما أحسن زيدًا وما أجمل خالدًا, وإنما لزم فعل التعجب لفظًا واحدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من: ساقطة في "ب".
2
في "ب" مبنى.
3
به: ساقطة في "ب".
4
في "ب" مبنى.
5
في "ب" لأن لفظه لفظ.
6
في "ب" وأما.



ج / 1 ص -99- ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب, فإذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما" اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل, وزيد مفعول به و"ما" هنا اسم تام/87 غير موصول فكأنك قلت: شيء حسن زيدًا ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا: شيء جاءك أي: ما جاءك إلا شيء وكذلك: شر أهر ذا ناب, أي: ما أهره إلا شر, ونظير ذلك, إني مما أن أفعل, يريد: أني من الأمر أن أفعل, فلما كان الأمر مجهولًا جعلت "ما" بغير صلة ولو وصلت لصار الاسم معلومًا, وإنما لزمه الفعل الماضي وحده, لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون, وإنما جاء هذا الفعل على "أفعل" نحو: أحسن وأجمل؛ لأن فعل التعجب إنما يكون مفعولًا من بنات الثلاثة فقط نحو: ضرب وعلم ومكث: لا يجوز غير ذلك نحو: ضرب زيد ثم تقول: ما أضربه, وعلم ثم تقول: ما أعلمه, ومكث ثم تقول: ما أمكثه, فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى "أفعل يا هذا"1 كما كنت تفعل هذا2 في غير التعجب, ألا ترى أنك تقول: حسن زيد, فإذا أخبرت أن فاعلًا فعل ذلك3 به قلت: حسن4 الله/ 88 زيدًا فصار الفاعل مفعولًا, وقد بينت لك كيف ينقل "فعَل" إلى "فعِل" فيما مضى وإذا قلت: ما أحسن زيدًا, كان الأصل, حسن زيد ثم نقلناه, إلى "فُعل" فقلنا: شيء أحسن زيدًا وجعلنا "ما" موضع شيء ولزم لفظًا واحدًا ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال.
فإن قال قائل فقد قالوا: ما أعطاه وهو من "أعطى يعطي" وما أولاه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يا هذا: ساقطة في "ب".
2
في "ب" ذلك.
3
ذلك: ساقطة في "ب".
4
في "ب" أحسن.



ج / 1 ص -100- بالخير؟ قيل: هذا على حذف الزوائد1, لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله, وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش2: إذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما": في موضع الذي, وأحسن: زيدًا صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك: حسبك؛ لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر, وقد طعن3 على هذا القول: بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها, وهذا الباب عندي يضارع باب "كان وأخواتها" من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئًا غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه4 /89 بجانب باب "كان وأخواتها" إذ كان "باب كان"الفاعل فيه هو المفعول5.
فإن قال قائل: فما بال هذه الأفعال تصغر نحو: ما أُميلحه وأُحيسنه, والفعل لا يصغر؟ فالجواب في ذلك: أن هذه الأفعال لما لزمت موضعًا واحدًا ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى "يفعل"6 وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر, ونظير ذلك: دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو: ابن واسم وامرئ, وما أشبهه, لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال, والأفعال7 مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" الزائد.
2
مرت ترجمته ص/110.
3
ذكر المبرد 4/ 177 وقد قال قوم: أن "أحسن" صلة "ما" والخبر محذوف، قال: وليس كما قالوا: وذلك أن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها، إنما هربوا من أن تكون "ما" وحدها اسما فتقديرهم: الذي حسن زيدا شيء. والقول فيها ما بدأنا به من أنها تجري بغير صلة لمضارعتها الاستفهام والجزاء في الإبهام.
4
مرت ترجمته ص/ 83.
5
انظر الكتاب 1/ 35، 36، 37.
6
في "ب" الفعل.
7
في "ب" هي بدلا من الأفعال.







ج / 1 ص -101- وقولك: ما أحسنني1, يعلمك أنه فعل, ولو كان اسمًا لكان ما أحسنني مثل ضاربي, ألا ترى أنك لا تقول: ضاربني.
والضرب الثاني: من التعجب: يا زيد أكرم بعمروٍ, ويا هند أكرم بعمروٍ, ويا رجلان أكرم بعمرو, ويا هندان أكرم بعمرو, وكذلك جماعة/ 90 الرجال والنساء قال الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر}2.
وإنما المعنى: ما أسمعهم وأبصرهم3. وما أكرمه4, ولست5 تأمرهم أن يصنعوا به شيئًا فتثنيّ وتجمع وتؤنث, وأفعل هو "فَعَلَ" لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره, ومعناه إذا قلت: أكرم بزيد, وأحسن بزيد كرم زيد جدًّا, وحسن زيد جدًّا.
فقوله: بعمرو في موضع رفع كما قالوا: كفى بالله6 والمعنى: كفى الله, لأنه لا فعل إلا بفاعل, وزيد فاعله إذا قلت: أكرم بزيد, لأن زيدًا هو الذي كرم, وإنما لزمت الباء هنا الفاعل7 لمعنى التعجب, وليخالف لفظه لفظ سائر8 الأخبار, فإن قال قائل: كيف صار هنا فاعلًا وهو في قولك: ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يشير إلى دخول نون الوقاية، وهذا مذهب البصريين، أما الكوفيون فيذهبون إلى أن "أفعل" في التعجب اسم، وأنه جامد لا يتصرف، ولو كان فعلا لوجب أن يتصرف؛ لأن التصرف من خصائص الأفعال، فلما لم يتصرف وكان جامدًا وجب أن يلحق بالأسماء. وقد ورد هذا ابن الأنباري وفنده.
انظر: الإنصاف 1/ 79.
2
مريم: 38.
3
لأنه لا يقال الله عز وجل، تعجب، ولكنه خرج على كلام العباد، أي: إن هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم: ما أسمعهم وأبصرهم في ذلك الوقت.
4
ما أكرمه: ساقطة في "ب" أي: إن المعنى: ما أحسنه. وانظر ابن يعيش 7/ 148.
5
في "ب" وليس.
6
أي: إن لفظ الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلا على الفاعلية.
7
هنا الفاعل: ساقط في "ب".
8
سائر: ساقط في "ب".



ج / 1 ص -102- أكرم زيدًا مفعول؟ قلنا: قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئًا غير المفعول, ألا ترى أنك لو قلت: ما أحسن زيدًا, فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره. قلت على ما قلناه: شيء حَسن زيدًا, وذلك الشيء الذي حسن زيدًا ليس هو شيئًا1 غير زيد, لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به/91 فكأن ذلك الشيء مثلًا وجهه أو عينه, وإنما مثلت لك بوجهه2 وعينه تمثيلًا ولا يجوز التخصيص في هذا الباب, لأنك لو خصصت شيئًا لزال التعجب, لأنه إنما يراد به أن شيئًا قد فعل فيه هذا وخالطه, لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه.
والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم, وفي3 النفوس أعظم4.
واعلم: أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين.
الضرب الأول: الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب.
الضرب الآخر: ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف, وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلًا أو غير أصل. فأما5 الألوان والعيوب, فنحو: الأحمر والأصفر والأعور والأحول, وما أشبه ذلك, لا تقول فيه: ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل6 رحمه الله: وذلك أنه ما كان من هذا لونًا أو عيبًا فقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: "شيء": بالرفع وهو خطأ.
2
في "ب" وجهه.
3
في "ب" في بسقوط الواو.
4
في "ب" وأعظم بزيادة واو.
5
في "ب" أما.
6
الخليل: أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، أول من نهج مسالك جديدة في علم العربية تلميذ أبي عمرو بن العلاء، مات سنة: 174هـ، وقيل: 170هـ أو 160هـ، وهو مبتكر علم العروض، ترجمته في: أخبار النحويين 530/ وإرشاد الأريب لياقوت /جـ6/ 223، ونزهة الألباء/ 54، طبقات الزبيدي رقم 15 وبغية الوعاة/ 143.



ج / 1 ص -103- ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس, ونحو ذلك, فلا تقل فيه: ما أفعله كما لم تقل ما أيداه, وما أرجله, إنما تقول: ما أشد يده, وما أشد رجله1, وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا: إن الفعل منه على أفعل وإفعال2 نحو: أحمر وإحمار, وأعور وإعوار, وأحول وإحوال, فإن قال قائل: فأنت تقول: قد عورت عينه وحولت: فقل على هذا: ما أعوره وما أحوله, فإن3 ذلك غير جائز لأن هذا منقول من "أفعل" والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت: عورت عينه وحولت, ولو كان غير منقول لكان: حالت وعارت, وهذا يبين4 في بابه إن شاء الله.
وأما الضرب الثاني: وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو: دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن, اغدودن الشعر: إذا تم وطال, وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة, فهذا حكمه, وإنما جاز: ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة. فإن قلت في افتقر: ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى "فقر" جاز وكذلك كل ما/ 93 كان مثله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب جـ2/ 251.
2
قال المبرد: ودخول الهمزة على هذا محال انظر المقتضب 4/ 181 وقال في مكان آخر: واعلم: أن بناء فعل التعجب إنما يكون من بنات الثلاثة، نحو ضرب وعلم ومكث: المقتضب 1/ 178.
وقوله: دخول الهمزة على هذا محال مما يقطع بأن المبرد لا يجيز بناء التعجب على ما أفعله وأفعل به من الصيغ التي جاوزت حروفها ثلاثة ولو كانت فيها زيادة. أما ابن السراج: فلم يرفضه أو يقبله فلعله التمس وجها للمسموع من نحو: ما أعطاه للدراهم وأولاه بالمعروف، أو على حذف الزوائد.
3
في "ب" كان.
4
في "ب" مبين.



ج / 1 ص -104- مما جاء اسم الفاعل منه1 على "فعيل" ألا ترى أنك تقول: رجل فقير وإنما جئت به على "فقر" كما تقول: كرم, فهو كريم, وظرف فهو ظريف, ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها, ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك.
واعلم: أن كل ما قلت فيه: ما أفعله, قلت فيه: أفعل به, وهذا أفعل من هذا, وما لم تقل فيه: ما أفعله, لم تقل فيه: هذا أفعل من هذا, ولا: أفعل به, تقول: زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد, كما تقول: ما أفضله. وتقول: ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا: أشدد ببياض زيد, وزيد أشد بياضًا من فلان, هذا2 كله مجراه واحد, لأن معناه المبالغة والتفضيل, وقد أنشد بعض الناس:

يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" فيه بدلا منه.
2
في "ب" و"هذا" بزيادة الواو.
3
يستشهد بهذا البيت: على أن الكوفيين أجازوا بناء "أفعل التفضيل" من لفظي السواد والبياض، وهو شاذ عند البصريين.
وينسب هذا الرجز لرؤبة لأن له أرجوزة على هذا النحو، والغالب أن هذا منها، وهناك روايات، رواه ابن يعيش في شرح المفصل:

جارية في درعها الفضفاض أبيض من أخت بني إباض

ورواه ابن هشام في المغني:

جارية في رمضان الماضي تقطع الحديث بالإيماض

ومنه هذا البيت:

يا ليتني مثلك في البياض أبيض من أخت بني إباض

ويروى كذلك:

لقد أتى في رمضان الماضي جارية في درعها الفضفاض

تقطع الحديث بالإيماض أبيض من أخت بني إباض

وانظر التمام في تفسير أشعار هذيل/ 95، والمغني/ 87، وأمالي السيد المرتضى 1/63، وابن يعيش 6/ 93، والخزانة 3/ 481.



ج / 1 ص -105- قال أبو العباس1: هذا2 معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على/ 94 الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو, ولا فقه, وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو3, ومن لا حجة معه, وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفة أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه. فإن قال قائل فقد جاء في القرآن: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}4. قيل: له في هذا جوابان:
أحدهما: أن يكون من عمى القلب, وإليه ينسب أكثر الضلال5. فعلى هذا تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه.
الوجه الآخر: أن يكون من عمى العين. فيكون قوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} لا يراد به: أنه أعمى من كذا وكذا, ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا6. وكل فعل مزيد لا يتعب منه, نحو قولك: ما أموته لمن مات, إلا أن تريد: ما أموت قلبه, فذلك جائزٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: محمد بن يزيد، المبرد، وهذا النص موجود في الاقتراح للسيوطي/ 29.
2
في "ب" وهذا بواو.
3
يريد بضعفه أهل النحو الكوفيين.
4
الإسراء: 72.
5
انظر المقتضب للمبرد 4/ 182، لأنه حقيقته، كما قال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فعلى هذا تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه.
6
انظر البحر المحيط 6/ 63-64.

مسائل من هذا الباب:
تقول: ما أحسن وأجمل زيدًا إن نصبت "زيدًا" بـ"أجمل", فإن نصبته



ج / 1 ص -106- بـ"أحسن" قلت: ما أحسن وأجمله زيدًا, تريد: ما أحسن زيدا وأجمله. وعلى هذا مذهب/95 إعمال الفعل الأول1, وكذلك: ما أحسن وأجملهما أخويك, وما أحسن وأجملهم أخوتك, فهذا يبين لك أن أحسن وأجمل وما أشبه ذلك أفعال. وتقول: ما أحسن ما كان زيد, فالرفع الوجه, و"ما" الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك ما أحسن كون زيد. تكون "ما" مع الفعل مصدرًا إذا وصلت به كما تقول: ما أحسن ما صنع زيد, أي: ما أحسن صنيع زيد و"صنع زيد" من صلة "ما" وتقول: ما كان أحسن زيدا, وما كان أظرف أباك, فتدخل "كان" ليعلم: أن ذلك وقع فيما مضى, كما تقول: من كان ضرب زيدًا, تريد: من ضرب زيدًا "ومن كان يكلمك" تريد: من يكلمك. "فكان" تدخل في هذه المواضع, وإن أُلغيت2 في الإِعراب لمعناها في المستقبل والماضي من عبارة الأفعال.
وقد أجاز قوم من النحويين: ما أصبح أبردها, وما أمسى أدفاها, واحتجوا بأن: "أصبح وأمسى" من باب "كان" فهذا /96 عندي: غير جائز, ويفسد تشبيههم ما ظنوه: أن أمسى وأصبح أزمنة مؤقتة و"كان"3 ليست مؤقتة, ولو جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب "كان" لجاز ذلك4 في "أضحى" و"صار" و"ما زال" ولو قلت: ما أحسن عندك زيدًا وما أجمل اليوم عبد الله لقبح5؛ لأن هذا6 الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
معنى هذا: يتنازع فعلا التعجب خلافا لبعضهم نظرا إلى قلة تصرف فعل التعجب. أما على إعمال الثاني وحذف مفعول الأول فنحو: ما أحسن وما أكرم زيدا.. فابن السراج لم يشترط إعمال الثاني وأجاز إعمال الأول فقط.
2
هذا أحد المواضع الذي تزاد فيه "كان" فلا تعمل شيئا.
3
في "ب" "كان" ساقطة.
3
ذلك: ساقطة. في "ب".
5
في "ب" "لم يجز".
6
زيادة من "ب".



ج / 1 ص -107- حكمه حكم1 الأسماء فيصغر تصغير الأسماء, ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء, تقول: ما أقوم زيدًا وما أبيعه, شبهوه بالأسماء, ألا ترى أنك تقول في الفعل: أقام عبد الله زيدًا, فإن كان اسمًا قلت: هذا أقوم من هذا. وتقول: ما أحسن ما كان زيدٌ وأجمله, وما أحسن ما كانت هند وأجمله, لأن المعنى ما أحسن كون هندٍ وأجمله, فالهاء للكون, ولو قلت: وأجملها, لجاز على أن تجعل ذلك لها. وإذا قلت: ما أحسن زيدًا فرددت الفعل إلى "نفسك" قلت: ما أحسنني؛ لأن "أحسن" فعل2. وظهر المفعول بعده بالنون والياء, ولا يجوز: ما أحسن رجلًا؛ لأنه /97 لا فائدة فيه, ولو قلت: ما أحسن زيدًا ورجلًا معه جاز, ولولا قولك: "معه" لم يكن في الكلام فائدة, وتقول: ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا. فالرجل شائع وليس التعجب منه. إنما3 التعجب من قولك4: أن يفعل كذا وكذا. ولو قلت: ما أحسن رجلًا إذا طلب ما عنده أعطاه, كان هذا الكلام جائزًا, ولكن التعجب وقع على رجل, وإنما تريد التعجب من فعله. وإنما جاز ذلك لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم, وإذا قلت: ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين, لكان حق هذا التعجب5 أن يكون قد وقع من الفعل6 والمفعول به؛ لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم فإن أردت: أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة, والمساكين الذين يطعمهم قليل, جاز, ووجه الكلام الأول. /98 ولا يجوز7 أن تقول: ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" كحكم.
2
فلو كان "أحسن" اسما لظهرت بعده ياء واحدة، إذا أراد المتكلم نفسه: نحو قولك: هذا غلامي.
3
في "ب" وإنما.
4
في "ب" قوله.
5
في "ب" لكان حق هذا بإسقاط "التعجب".
6
في "ب" الفاعل.
7
في "ب" ولا يحسن.



ج / 1 ص -108- أحسن في الدار زيدًا, وما أقبح عندك زيدًا, لأن فعل التعجب لا يتصرف, وقد مضى هذا, ولا يجوز: ما أحسن ما ليس زيدا. ولا ما أحسن ما زال زيد, كما جاز لك ذلك في "كان" ولكن يجوز: ما أحسن ما ليس يذكرك زيدٌ, وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد, وهذا مذهب البغداديين. ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في الحقيقة, تقول: ما أضرب زيدا, فزيدٌ في الحقيقة هو الضارب, ولا يجوز أن تقول: ما أضرب زيدًا عمرًا, ولكن1 لك أن تُدخل اللام فتقول: ما أضرب زيدًا لعمرو.
وفعل التعجب نظير قولك: هو2 أفعل من كذا. فما جاز فيه جاز فيه. وقد ذكرت هذا قبل, وإنما أعدته: لأنه به يسير هذا الباب, ويعتبر.
ولا يجوز عندي أن يشتق فعل للتعجب3 من "كان" التي هي عبارة عن الزمان, فإذا اشتققت من "كان" التي هي بمعنى "خلق ووقع", جاز.
وقوم يجيزون: ما أكون زيدًا قائمًا؛ لأنه يقع في موضعه /99 المستقبل والصفات, ويعنون بالصفات "في الدار"4 وما أشبه ذلك من الظروف, ويجيزون ما أظنني لزيد قائمًا ويقوم, ولا يجيزون "قام" لأنه قد مضى, فهذا يدلك على أنهم إنما أرادوا "بقائم" ويقوم الحال.
وتقول: أشدد به, ولا يجوز5 الإِدغام, وكذلك: أجود به وأطيب به؛ لأنه مضارع للأسماء. وقد أجاز بعضهم6: ما أعلمني بأنك قائم وأنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "
لكن": ساقطة في "ب".
2
هو: ساقطة في "ب".
3
في "ب" فعلا التعجب.
4
الذين يسمون الظروف والجار والمجرور صفات، هم الكوفيون؛ لأن اصطلاح الصفة من اصطلاحاتهم.
5
في "ب" ويجيزون.
6
في "ب". "قوم" بدلا من "بعضهم".



ج / 1 ص -109- قائم, أجاز1 إدخال الباء وإخراجها مع "أن" وقال قوم: لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنسٍ. لا تقول: ما أحسن الرجل, فإن قلت: ما أهيب الأسد جاز, والذي أقول2 أنا في هذا3: إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز.
ولا يعمل فعل التعجب في مصدره4, وكذلك: أفعل منك, لا تقول: عبد الله أفضل منك فضلًا, وتقول: ما أحسنك وجهًا, وأنظفك ثوبًا, لأنك تقول: هو أحسن منك وجهًا وأنظف منك ثوبًا. وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة /100 مستعملة5 في حال التعجب, فمن ذلك: ما أنت من رجل, تعجب, وسبحان الله, ولا إله إلا الله, وكاليوم رجلًا6, وسبحان الله رجلًا ومن رجل, والعظمة لله من رب, وكفاك بزيد رجلًا. وحسبك بزيد رجلًا ومن رجل, تعجب, والباء دخلت دليل التعجب, ولك أن تسقطها وترفع, وقال قوم: إن أكثر الكلام: أعجب7 لزيد رجلا, {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}8. وإذا قلت: لله درك من رجل, ورجلا كان إدخالها وإخراجها واحدًا. قالوا9: إذا قلت: إنك من رجل لعالم10 لم تسقط "من"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أجازوا.
2
في "ب" "عندي" بدلا من "أقول".
3
في "ب" ذلك.
4
في "ب" مصدر.
5
في "ب" مستعارة.
6
في المقتضب 2/ 151 "ما رأيت كاليوم رجلا" والمعنى: ما رأيت مثل رجل أراه اليوم رجلا.
7
في الأصل: "أعجبوا" والتصحيح من "ب".
8
قريش: 1.
9
في "ب" وقالوا.
10
في "ب" "عالم" بسقوط اللام.



ج / 1 ص -110- لأنها دليل التعجب. وإذا قلت: ويل أمه1 رجلا ومن رجل فهو تعجب. وربما تعجبوا بالنداء, تقول: يا طيبك من ليلة, ويا حسنه رجلا ومن رجل. ومن ذلك قولهم: يا لك فارسًا ويا لكما, ويا للمرء.
ولهذا موضع يذكر فيه. ومن ذلك قولهم: كرمًا وصلفًا: قال سيبويه: كأنه يقول: ألزمك الله كرمًا, وأدام الله لك كرمًا وألزمت صلفًا. ولكنهم حذفوا الفعل ههنا؛ لأنه صار بدلًا من قولك: أكرم به, وأصلف به2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" ويلمه كلمة واحدة، وهذا مثل: لاه أبوك ولقيته أمس، إنما هو على لله أبوك ولقيته بالأمس، ولكنهم حذفوا الجار والألف واللام تخفيفا على اللسان.
انظر الكتاب 1/ 294.
2
انظر الكتاب 1/ 165.











-------.

8



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -111- باب نعم وبئس:
نِعْمَ وبِئسَ فعلان ماضيان, كان أصلهما, نِعَمَ وبِئسَ فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق, وهما: العين في "نِعَم", والهمزة في "بِئسَ" فصار: نِعمَ وبِئسَ كما تقول: شهد فتكسر الشين من أجل انكسار الهاء, ثم أسكنوا لها العين من "نِعْمَ"والهمزة من "بئس" كما يسكنون الهاء من شهد, فيقولون: شهِد فقالوا: نِعْمَ وبِئسَ, ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر1, ففي "نعم" أربع لغات2: نَعِمَ ونِعِمَ ونِعْمَ ونَعْمَ, فنعم وبئسَ وما كان في معناهما إنما يقع للجنس, ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف, وهما يجيئان3 على ضربين:
فضرب: يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الاسم المحمود أو المذموم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
سيأتي ذكر هذه الحروف في الجزء الثاني/ 115، وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء وهما أقصاه، والعين والحاء وهما أوسطه، والغين والخاء وهما من أوله مما يلي اللسان.
2
قال سيبويه 2/ 255: إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات مطرد فيه: فَعِلٌ وفِعِلٌ، وفَعْلٌَ، وفِعلَ. إذا كان فعلا أو اسما أو صفة فهو سواء.
3
في "ب" يأتيان.



ج / 1 ص -112- الضرب1 الثاني: أن تضمر فيها2 المرفوع وهو اسم/102 الفاعل, وتفسره بنكرة منصوبة. أما الظاهر فنحو قولك: نعم الرجل زيدًا, وبئس الرجل عبد الله, ونعم الدار دارك, فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس, لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما. أما زيد: فإن رفعه على ضربين:
أحدهما: أنك لما قلت: نِعم الرجل, فكأن معناه, محمود في الرجال, وقلت: زيد ليعلم من الذي أثنى عليه, فكأنه قيل لك: من هذا المحمود؟ قلت3: هو زيد4.
والوجه الآخر: أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعًا بالابتداء, ويكون "نعم" وما عملت فيه خبره, وليس الرجل في هذا الباب واحدًا بعينه, إنما هو كما تقول: أنا أفرق الأسد والذئب, لست تريد واحدًا منهما بعينه إنما تريد: هذين الجنسين. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}5. فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات}6. وما أضيف إلى الألف واللام/ 103 بمنزلة ما فيه الألف واللام7, وذلك قولك: نعم أخو العشيرة أنت, وبئس صاحب الدار عبد الله. ويجوز: نعم القائم أنت, ونعم الضارب زيدًا أنت, ولا يجوز: نعم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
والضرب: ساقطة في "ب".
2
في "ب" فيهما.
3
في "ب" فقلت.
4
أي: إن خبر المبتدأ محذوف وجوبا.
5
العصر: 1-2.
6
العصر: 3.
7
قال سيبويه: فالاسم الذي يظهر بعد نعم إذا كانت نعم عاملة الاسم الذي فيه الألف واللام نحو الرجل وما أضيف إليه، وما أشبهه نحو: غلام الرجل إذا لم ترد شيئا بعينه. الكتاب 1/ 301.
وفي المقتضب 2/ 143: واعلم: أن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، وذلك قولك: نعم أخو القوم أنت، وبئس صاحب الرجل عبد الله.



ج / 1 ص -113- الذي قام أنت, ولا نعم الذي ضرب زيدًا أنت, من أجل أن الذي بصلتهِ مقصود إليه بعينه.
قال أبو العباس -رحمه الله: فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}1, فإن نعم وبئس تدخلان على "الذي" في هذا المعنى والمذهب2.
فهذا الذي قاله3 قياس, إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و"الذي" ليست لها نكرة البتة تنصبها. ولا يجوز أن تقول: زيد نعم الرجل, والرجل غير زيد؛ لأنه خبر عنه4, وليس هذا بمنزلة قولك: زيد قام الرجل, لأن معنى "نعم الرجل": محمود في الرجال, كما أنك إذا قلت: زيد فاره العبد, لم تعن من العبيد إلا ما كان/ 104 له, ولولا ذلك لم يكن فاره خبرًا له.
فإن زعم زاعم5: أن قولك: نعم الرجل زيد, إنما زيد بدل من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الزمر: 33. في البحر المحيط 7/ 428 والذي جنس كأنه قال: والفريق الذي جاء بالصدق، ويدل عليه: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. فجمع. وفي قراءة عبد الله: "وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ".
2
انظر المقتضب 2/ 143. والنص فيه. فإن قلت: قد جاء.. والذي جاء بالصدق وصدق به. فمعناه الجنس، فإن "الذي"، إذا كانت على هذا المذهب صلحت بعد نعم وبئس.
3
في "ب" يقال.
4
في الكتاب 1/ 301: واعلم: أنه محال أن تقول: عبد الله نعم الرجل، والرجل غير عبد الله. كما أنه محال أن تقول عبد الله هو فيها وهو غيره.
5
في المقتضب 2/ 142، فإن زعم زاعم: أن قولك: نعم الرجل زيد، إنما "زيد" بدل من الرجل مرتفع بما ارتفع به، كقولك: مررت بأخيك زيد، وجاءني الرجل عبد الله، قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله، إنما تقديره -إذا طرحت الرجل- جاءني عبد الله، فقل: نعم زيد، لأنك تزعم أنه بنعم مرتفع وهذا محال، لأن الرجل ليس يقصد به إلى واحد بعينه.



ج / 1 ص -114- الرجل يرتفع بما ارتفع به, كقولك: مررت بأخيك زيد, وجاءني الرجل عبد الله, قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره: إذا طرحت "الرجل" جاءني عبد الله, فقل: نعم زيد, لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم, وهذا محال لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه1. فإن كان الاسم الذي دخلت عليه "نعم" مؤنثًا أدخلت التاء في نعم وبئس, فقلت: نعمت المرأة هند, ونعمت المرأتان الهندان, وبئست المرأة هند, وبئست المرأتان الهندان, وإن شئت ألقيت التاء فقلت: نعم المرأة وبئس المرأة, وتقول: هذه الدار نعمت البلد, لأنك عنيت بالبلد: دارًا, وكذلك: هذا البلد نعم الدار؛ لأن قصدت إلى البلد. وقال قوم: كل ما لم تقع عليه "أي" لم توله2 نعم, لا تقول: نعم أفضل الرجلين أخوك [ولا نعم أفضل رجل أخوك 3]؛ لأنك, لا تقول: أي أفضل الرجلين أخوك /105 لأنه مدح, والمدح لا يقع على مدح.
فأما الضرب الثاني: فأن تضمر فيها مرفوعًا يفسره ما بعده وذلك قولهم: نعم رجلًا أنت ونعم دابة دابتك, وبئس في الدار رجلًا أنت, ففي "نعم وبئس" مضمر يفسره ما بعده, والمضمر "الرجل" استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها, إنما تفسره النكرة المنصوبة.
واعلم: أنهم لا يضمرون شيئًا قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبوابًا بعينها. وحق المضمر أن يكون بعد المذكور. ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول: نعم الرجل كما تقول: قام الرجل, ونعمت المرأة كما تقول: قامت المرأة, والنحويون يدخلون "حبذا زيد" في هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الباء زائدة في التوكيد، وقد جاء في أسلوبه توكيد النكرة وهو مذهب كوفي أو هو جار ومجرور صفة لواحد.
2
في "ب" لم تله.
3
ما بين القوسين ساقط في "ب".



ج / 1 ص -115- الباب1 من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء ثم جعلت "حب وذا اسمًا فصار مبتدأ أو لزم طريقة واحدة تقول: حبذا عبد الله, وحبذا أمة الله/ 106". ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح, فانتقلا عما كانا عليه, كما يكون ذلك في الأمثال نحو: "أطري فإنك ناعلة"2. فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلًا: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك3. وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت. وما كان مثل: كرم رجلًا زيد! وشرف رجلًا زيد! إذا تعجبت, فهو مثل: نعم رجلًا زيد؛ لأنك إنما تمدح وتذم, وأنت متعجب. ومن ذلك قول الله سبحانه: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا}4, وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}5. وقال قوم: لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب "نعم وبئس" فتحولها إلى "فعل" فتقول: علم الرجل زيد, وضربت اليد يده, وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه, وقضى الرجل زيد, ودعا الرجل زيد, وقد حكي عن الكسائي6: أنه كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد: حبذا فإنما كانت في الأصل: حبذا الشيء، لأن "ذا" اسم مبهم يقع على كل شيء، فإنما هو حب هذا، مثل قولك: كرم هذا، ثم جعلت "حب، وذا" اسما واحدا مبتدأ ولزم طريقة واحدة على ما وصفت لك في "نعم" فتقول: حبذا عبد الله، وحبذا أمة الله.
المقتضب 2/ 145.
2
في اللسان: هذا المثل يقال في جلادة الرجل ومعناه أي: اركب الأمر الشديد فإنك قوي عليه، وأصل هذا أن رجلا قاله لراعية له، كانت ترعى في السهولة وتترك الحزونة فقال لها: "أطري" أي: خذي في أطرار الوادي، وهي نواحيه فإنك ناعلة، أي: فإن عليك نعلين. وروي: أظري بالظاء المعجمة، أي: اركبي الظرر وهو الحجر المحدد. وانظر أمثال الميداني 1/ 430.
3
في المقتضب 2/ 145: التي قيل لها هذا وهذه العبارة منقولة حرفيا من المقتضب.
4
الأعراف: 177.
5
الكهف: 5.
6
الكسائي: هو الحسن علي بن حمزة، كان إماما في النحو واللغة والقراءة. مات سنة 189، وقيل سنة 193هـ. ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 403. الفهرست/ 29. تهذيب اللغة 1/ 7. معجم البلدان 2/ 28. نزهة الألباء/ 81. شذرات الذهب 1/ 321. إنباه الرواة 2/ 256. طبقات الزبيدي/ 138.



ج / 1 ص -116- يقول في هذا: قضو الرجل ودعو الرجل1. وهو عندي قياس, وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة/ 107 أحرف سمعت وهي: سمع وعلم2 وجهل. وقالوا: المضاعف تتركه3 مفتوحًا وتنوي به فَعَلَ يَفْعَلُ نحو: خف يخف. وتقول4: صم الرجل زيد, وقالوا: كل ما كان بمعنى: نعم وبئس, يجوز نقل وسطه إلى أوله. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه, فتقول: ظُرْفَ الرجل زيد وظَرُفَ الرجل5, نقلت ضم العين إلى الفاء. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول: ظَرْفَ الرجل زيد كما قال6:

وحُبَّ بها مَقْتُولَةً حين تُقْتَلُ

وحُبَّ أيضًا, فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال ابن يعيش: وحكى عن الكسائي: أنه كان يقول في هذا قضو الرجل، ودعو الرجل إذا أجاد القضاء وأحسن الدعاء. انظر شرح المفصل 7/ 129.
2
في "ب" تسمع "وعلمت".
3
في "ب" يترك.
4
في "ب" ويقال.
5
انظر شرح المفصل لابن يعيش 7/ 129.
6
هذا عجز بين للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد الله بن أسيد وكان أحد أجواد العرب في الإسلام، وصدر البيت:

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل.

والاستشهاد فيه: على أن "حب" للمدح والتعجب وأصلها بضم العين للتحويل إلى المدح فإن نقلنا حركة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها صارت "حب" بالضم وإن حذفنا ضمة العين صارت "حب" بالفتح والإدغام في الحالين واجب لاجتماع المثلين والأول منهما ساكن، وفاعلها: الضمير المؤنث المجرور بالباء، لأن هذه الصيغة تعجبية لكونها بمعنى أحبب بها. والباء في "بها" زائدة على غير قياس كقوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.
وانظر: إصلاح المنطق لابن السكيت/ 35. وابن يعيش 7/ 129. وشروح سقط الزند. 3/ 1395. وابن عقيل/ 166. والديوان/ 3 طبعة بيروت.



ج / 1 ص -117- مسائل من هذا الباب:
اعلم: أنه لا يجوز أن تقول: قومك نعموا أصحابًا, ولا قومك بئسوا أصحابًا, ولا أخواك نعما رجلين1, ولا بئسا رجلين. وإذا قلت: نعم الرجل رجلًا زيد, فقولك: "رجلًا" توكيد؛ لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولًا2, وهو بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهمًا3, وتقول: نعم الرجلان/ 108 أخواك, ونعم رجلين أخواك, وبئس الرجلان4 أخواك, وبئس رجلين5 أخواك, وتقول: ما عبد الله نعم الرجل ولا قريبًا من ذلك, عطفت "قريبا" على "نعم" لأن موضعها نصب لأنها خبر "ما". وتقول: ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل بـ"نعم", وعبد الله بالابتداء, ونعم الرجل: خبر الابتداء وهو خبر مقدم, فلم تعمل "ما" لأنك إذا فرقت بين "ما" وبين الاسم, لم تعمل في شيء, ورفعت "قريبا" لأنك عطفته على "نعم" ونعم في موضع رفع لأنه خبر مقدم, ولا يجيز أحد من النحويين: نعم زيد الرجل6, وقوم يجيزون: نعم زيد رجلًا7 ويحتجون بقوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}8. وحسن ليس كنعم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "رجالا", ولا معنى له لأنه مثل للجمع.
2
في "ب" أولا، ساقطة.
3
إنما ذكر الدرهم توكيدا، ولو لم يذكره لم يحتج إليه.
4
في الأصل "الرجلين" وهو خطأ، لأنه فاعل للذم.
5
في الأصل: "الرجلين" وهو خطأ لأنه تمييز، والتمييز يكون نكرة ولا يكون معرفة.
6
لأن جملة المدح أو الذم لا يتصرف فيها بتقديم ولا تأخير، لأن الأصل في المدح والذم التخصيص فلا بد أن يتقدم العام قبل الخاص الجار والمجرور.
7
لأن من أحكام التمييز في هذا الباب أن يتقدم على المخصوص، وهذا الذي أجازوه نادر.
8
النساء: 69.



ج / 1 ص -118- وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا: لأنه فعل يتصرف. وتقول: نعم القوم الزيدون, ونعم رجالًا الزيدون, والزيدون نعم القوم, والزيدون نعم قومًا1, وقوم يجيزون: الزيدون نعموا قومًا. وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم/ 109 نعم وصفة ما تعمل فيه. ويدخلون الـ"ظن" و"كان" فيقولون: نعم الرجل كان زيد, ترفع2 زيدًا بـ"كان" ونعم الرجل خبر "كان" وهذا كلام صحيح, وكذلك: نعم الرجل ظننت زيدًا, تريد: كان زيد نعم الرجل, وظننت زيدا نعم الرجل. وكان الكسائي3 يجيز: نعم الرجل يقوم وقام عندك4 فيضمر, يريد: نعم الرجل رجل عندك, ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب5, لا يقول: نعم رجلًا قام ويقوم.
قال أبو بكر: وهذا عندي, لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الاسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء, والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في6 غير موضعه, يقوم مقام الصفة للنكرة7 وإقامتهم الصفة مقام الاسم اتساع في اللغة. وقد يستقبح ذلك في مواضع،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأن هذه الأفعال لما أشبهت الحروف في الجمود لزمت طريقة واحدة في التعبير.
2
في "ب" برفع زيد.
3
قال ابن يعيش: وكان الكسائي يجيز: نعم الرجل يقوم. وقام عندك والمراد رجل يقوم، ورجل قام، ورجل عندك، ومنع ابن السراج من ذلك وأباه واحتج بأن الفعل لا يقوم مقام الاسم وإنما تقام الصفات مقام الأسماء لأنها أسماء يدخل عليها ما يدخل على الأسماء. وإن جاء من ذلك شيء فهو شاذ عن القياس فسبيله أن يحفظ ولا يقاس عليه. انظر شرح المفصل 7/ 134.
4
في الأصل وعندك فالواو زائدة.
5
في "ب" المتصرف بدلا من "المنصوب".
6
في "ب" "في" ساقطة.
7
في "ب" النكرة، ساقطة.



ج / 1 ص -119- فكيف تقيم الفعل مقام الاسم, وإنما يقوم مقام الصفة, وإن جاء من هذا شيء شذ عن/110 القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه. بل نقوله فيما قالوه فقط. وتقول: نعم بك كفيلًا زيد, كما قال تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}1, ويجيز الكسائي: نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعًا من كلام العرب. فمن قدر أن "فيك" من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة, ولا تأويل له, لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول. فإن2 قال: أجعل "فيك" تبينًا وأقدمه كما قال: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}3, قيل له: هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت: نعم فيك الراغب زيد4, فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان5. وإذا قلت: بئس في الدار رجلًا زيد. فالفاعل مضمر في "بئس"6 وإنما جئت برجل مفسرا7 فبين المسألتين فرق. وهذه الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي: نعم طعامك آكلًا زيد, من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون بمنزلة الفعل الذي/ 111 تتقدم عليه ما عمل فيه, وكما لا يجوز أن تقول: نعم طعامك رجلًا آكلًا زيد. فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت "آكلًا" مقام رجل, كان حكمه حكمَهُ. وتقول: نعم غلام الرجل زيد, ونعم غلام رجل زيد فما8 أضفته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكهف: 50.
2
في "ب" وإن.
3
الكهف: 50.
4
زيد: ساقط في "ب".
5
في الأصل لأنها لا تتصرف.
6
في "ب" ذلك بدلا من بئس.
7
لأن المبهمة من الأعداد وغيرها إنما يفسره التبيين، كقولك: عندي عشرون رجلا، وهو خير منك عبدا.
8
في "ب" وما.



ج / 1 ص -120- إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة. وتقول: نعم العمر عمر بن الخطاب, وبئس الحجاج حجاج بن يوسف, تجعل العمر جنسًا لكل من له هذا الاسم, وكذلك الحجاج. ولا تقول: نعم الرجل وصاحبًا أخوك, ولا نعم صاحبًا والرجل أخوك, من أجل أن نعم إذا1 نصبت تضمنت مرفوعًا مضمرًا فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر, فيستحيل هذا, ولا يجوز توكيد المرفوع بـ"نعم". قالوا: وقد جاء في الشعر2 منعوتًا لزهير:

نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوقِدِ3

وهذا يجوز أن يكون بدلًا غير نعت فكأنه قال: / 112 نعم المري أنت, وقد حكى قوم على جهة الشذوذ: نعم هم قومًا هم. وليس هذا مما يعرج عليه, وقال الأخفش: حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر, إذا كان نكرة خاصة, تقول: حبذا عبد الله رجلًا, وحبذا أخوك قائمًا. قال4: وإنما تنصب5 الخبر إذا كان نكرة لأنه حال, قال6: وتقول7: حبذا عبد الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" إذا ساقطة.
2
في "ب" وأنشدوا لزهير.
3
قال ابن هشام: وأجاز غير الفارسي وابن السراج: نعت فاعلي نعم وبئس تمسكا بقوله: نعم الفتى المري...
وحمله الفارسي وابن السراج على البدل.
انظر المغني/ 650 تحقيق الدكتور مازن المبارك، والعيني 4/ 21. والخزانة 4/ 112.
ورواية البغدادي: عمدوا لدى الحجرات... بدلا من حضروا. والديوان/ 275.
وعجز البيت كناية عن الشتاء فصل الجدب.
4
قال: ساقطة في "ب".
5
في "ب" نصب.
6
في "ب" وقال.
7
في "ب" تقول بلا واو.



ج / 1 ص -121- أخونا. فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة وإذا وصلت بـ"ما" قلت: نعمًا زيد1, ونعمًا أخوك, ونعمًا أخوتك وصار بمنزلة: حبذا أخوتك. وتقول: نعم ما صنعت, ونعم ما أعجبك. قال ناس إذا قلت: مررت برجل كفاك رجلًا. وجدت2 "كفاك" في كل وجه, وكانت بمنزلة "نعم" تقول: مررت بقوم كفاك قومًا, وكفاك من قوم وكفوك قومًا, وكفوك من قوم. فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما. وكذلك: مررت بقوم نعم بهم قومًا, وإن أسقطت الباء والهاء3 قلت: نعموا قوما, ونعم قومًا, ولا ينبغي أن ترد "كفاك"إلى الاستقبال/ 113 ولا إلى اسم الفاعل.
قال أبو بكر: قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف, وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
نعما زيد: ساقطة في "ب".
2
في "ب" ذكرت.
3
الهاء: ساقطة في "ب".











==========

9



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -122- باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل:
وهي تنقسم أربعة أقسام:
فالأول: منها اسم الفاعل والمفعول به.
والثاني: الصفة المشبهة باسم الفاعل.
والثالث: المصدر, الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه1.
والرابع: أسماء سمّوا الأفعال بها.
شرح الأول: وهو اسم الفاعل والمفعول به:
اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل, هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه, ويجوز أن تنعت به اسمًا قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الاسم. ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام, ويجمع بالواو والنون, كالفعل إذا قلت: يفعلون2 نحو: ضارب وآكل وقاتل, يجري على: يضرب فهو ضارب. ويقتل فهو قاتل, ويأكل فهو آكل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
مذهب البصريين: أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، بينما يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه. ولكل منهما حجج ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف 1/ 129.
2
يفعلون: ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -123- وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثيا كان/ 114 أو رباعيا مزيدًا كان فيه أو غير مزيد, فمكرم جار على أكرم, ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج.
وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الاسم, إذ كان أصل الإِعراب للأسماء1 وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإِعراب للأسماء. وتقول: مررت برجل ضارب أبوه زيدًا, كما تقول: مررت برجل يضرب أبوه زيدًا, ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول: يدحرج أبوه وتقول: زيد مكرم الناس أخوه كما تقول: زيد يكرم الناس أخوه, وزيد مستخرج أبوه عمرًا, كما تقول: يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان "يفعل" يجري مجرى "يفعل" فتقول: زيد مضروب أبوه سوطًا, وملبس ثوبًا. وقد بينت لك هذا فيما مضى.
ومما يجري مجرى "فاعل"2, مفعل نحو: قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر. يراد3 به المبالغة والتكثير. فمعناه معنى: "فاعل" إلا أنه مرة بعد مرة.
وفعال يجري مجراه, وإن لم يكن موازيًا له؛ لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول "اسم" الفاعل ميمًا فالأصل في هذا "مقطع" والحق به قطّاع, لأنه في معناه. ألا ترى/ 115 أنك إذا قلت: زيدٌ قتال, أو: جراح, لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل: قَتلت إلا وأنت تريد جماعة, فمن ذلك قوله تعالى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ}4, ولو كان بابًا واحدًا لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرةٍ. ومن كلام العرب: أما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
مذهب البصريين أن الأصل في الأفعال البناء، والفعل المضارع إنما أعرب لشبهه بالاسم.
2
في "ب" اسم الفاعل.
3
في "ب" يفيد.
4
يوسف: 23.



ج / 1 ص -124- العسل فأنت شرّاب, ومثل ذلك "فعول" لأنك تريد به ما تريد "بفَعَّال" من المبالغة, قال الشاعر:

ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سُوقَ سمانها إذا عَدِموا زادًا فإنك عاقر1

"
وفِعالٌ" نحو "مِطْعان ومِطْعام" لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا.
ومن كلام العرب: أنه لمنحار بوائكها2. وقد أجرى سيبويه: "فعيلًا" "كرحيم" و"عليم" هذا المجرى, وقال: معنى ذلك المبالغة3, وأباه النحويون4 من أجل أن "فعيلًا" بابِه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على "فَعُلَ" نحو: ظَرُفَ فهو ظريف, وَكرُمَ فهو كريم, وشَرُفَ فهو شريف, والقول عندي كما قالوا. وأجاز أيضًا مثل ذلك/ 116 في "فَعِلَ"5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 57 على عمل "ضروب" عمل فعله. وسوق: جمع ساق. عقر البعير بالسيف: ضرب قوائمه. وكانوا يعقرون الناقة إذا أرادوا ذبحها، إما لتبرك فيكون أسهل لنحرها أو ليعاجل الرجل ذلك فلا تمنعه نفسه من عقرها.
والبيت من مقطعة لأبي طالب رثى بها أيا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. وهذا رد على ما ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 206 من أن أبا طالب مدح بها النبي.
وانظر المقتضب 2/ 114، وأمالي ابن الشجري 2/ 106، وابن يعيش 6/ 96-170، 2/ 130، والديوان 11.
2
البوائك: جمع بائكة وهي الناقة السمينة، من باك البعير إذا سمن.
3
الكتاب 1/ 59.
4
قال المبرد في المقتضب 2/ 114: فأما ما كان على فعيل نحو: رحيم وعليم، فقد أجاز سيبويه النصب فيه ولا أراه جائزا، وذلك أن "فعيلا" إنما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى. فما خرج إليه من غير ذلك الفعل فمضارع له ملحق به، والفعل الذي هو "لفعيل" في الأصل إنما هو ما كان على "فَعُلَ" نحو: كرم فهو كريم... وهذا ما يرتضيه المؤلف.
5
الكتاب 1/ 58 وذكر قول الشاعر مما جاء على فعل:

حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منحيه من الأقدار



ج / 1 ص -125- وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي1 فإنه يجيزه على بعد فيقول: أنا فَرِقٌ زيدًا, وحَذِرٌ عمرًا, والمعنى: أنا فرق من زيد, وحذر من عمرو. قال أبو العباس -رحمه الله: لأن "فَعِلَ" الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو: بَطِرَ زيد, فهو بَطِرٌ, وخَرِقَ فهو خَرقٌ2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الجرمي: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، المتوفى سنة 225هـ، وهو من أساتذة المبرد المشهورين: ترجمته في الفهرست/ 56، ونزهة الألباء 198، وإرشاد الأريب لياقوت 4/ 267، وبغية الوعاة/ 216.
2
المقتضب 2/ 116.

مسائل من هذا الباب:
تقول: هذا ضاربٌ زيدًا, إذا أردت "بضاربٍ" ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له. فإذا قلت: هذا ضارب زيدٍ, تريد به معنى المضي فهو بمعنى: غلام زيد, وتقول: هذا ضارب زيدٍ أمس, وهما ضاربا زيدٍ, وهم ضاربو زيد1 وهن ضاربات أخيك. كل ذلك إذا أردت به معنى المضي, لم يجز فيه إلا هذا, يعني الإِضافة "و" الخفض, لأنه بمنزلة قولك: غلام عبد الله وأخو زيد. ألا ترى أنك لو قلت: "غلامٌ زيدًا" كان محالًا فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضيًا؛ لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل/ 117 لتحقيق الإِضافة وإن الأول يتعرَّف بالثاني. ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في "الغلام" وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع "يَفعَل" كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضرِ والمستقبل2. فأما اسم الفاعل الذي يكون لِمَا مضى3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "ضاربوا".
2
وهذا مذهب البصريين، فهو لا يعمل عندهم إلا في الحال والاستقبال بخلاف الفعل فإنه يعمل مطلقا.
3
الفرق بين اسم الفاعل المراد به الماضي وبين اسم الفاعل المراد به الحال والاستقبال، هو أن الأول لا يعمل إلا إذا كان فيه اللام بمعنى الذي، والثاني يعمل مطلقا. ثم إن الأول يتصرف بالإضافة بخلاف الثاني. والأمر الثالث: أن الأول إذا ثني أو جمع لا يجوز فيه إلا حذف النون والجر، والثاني يجوز فيه وجهان، هذا وبقاء النون والنصب. انظر الأشباه 2/ 200.



ج / 1 ص -126- فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف, وتقول: هؤلاءِ حواجُ بيت الله أمسِ ومررت برجل ضارباه الزيدانِ, ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم. فيثنى ويجمع لأنه اسم, كما لو تقول: مررت برجل أخواه الزيدانِ وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره, فقلت: مررت برجل ضاربه الزيدان, كما تقول: مررت برجل يضربه الزيدان, ومررت بقوم: ملازمهم أخوتهم, كما تقول: مررت بقوم يلازمهم أخوتهم, وتقول: أخواك آكلان طعامك, وقومك ضاربون زيدًا, وجواريك ضاربات عمرًا. إذا أردت معنى1 المضارع. وتقول مررت برجل ضاربٌ زيدًا الآن أو غدًا, إذا أردت الحال أو/ 118 الاستقبال فتصفه به لأنه نكرة مثله, أضفت أو لم تضف, كما تقول: مررت برجل يضرب زيدًا, ولا تقول: مررت برجل ضارب زيد أمس؛ لأنه معرفة بالإِضافة دالا على البدل. وتقول: مررت بزيد ضاربًا عمرًا, إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل. فإن أردت الأخرى أضفت فقلت: مررت بزيدٍ ضاربِ عمروٍ. على النعت والبدل؛ لأنه معرفة, كما تقول: مررت بزيدٍ غلامِ عمروٍ.
واعلم: أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل. وتضيف استخفافًا, ولكن لا يكون الاسم الذي تضيفه إلا نكرة, وإن كان مضافًا إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافًا, فلما ذهبت النون عاقبتها الإِضافة والمعنى معنى ثبات النون. فمن ذلك قول الله سبحانه: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةَ}2, فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
معنى: ساقطة في "ب".
2
المائدة: 95.



ج / 1 ص -127- "لهدي" وهو نكرة, {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}1, {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ}2, وأنشدوا:

هلّ أنتَ باعِثُ دِينَارٍ لِحاجَتِنَا أو عبدَ رَبٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ3 /119

أراد: بباعثٍ التنوين. ونصب الثاني لأنه أعمل فيه الأول مقدرًا تنوينه, كأنه قال: أو باعثٌ عبدَ ربٍ, ولو جره على ما قبله كان عربيا جيدًا4, إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير. تقول: هذا معطي زيد الدراهم وعمرًا5, الدنانير, ولو قلت: هذا معطي زيد اليوم الدراهم, وغدا عمرًا الدنانير, لم يصلح فيه إلا النصب6 لأنك لم تعطف الاسم على ما قبله, وإنما أوقعت الواو على "غد" ففصل الظرف بين الواو وعمرو. فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز, لأن الناصب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأحقاف: 24.
2
القمر: 27.
3
من شواهد الكتاب 1/ 87. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب "عبد رب" حملا على موضع "دينار".
ورده البغدادي في الخزانة بأن الكلام السابق في سيبويه يفيد تقدير فعل ناصب كأنه قال: أوقظ دينارا، أو عبد رب، وهما رجلان أخا عون: صفة أو بدل أو عطف بيان. والمصنف يرى أنه منصوب بالعطف على محل "دينار" لأن "باعث" اسم فاعل بمعنى الاستقبال.
والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل.
وقيل: هو لجابر السنبسي، أو لجرير، أو لتأبط شرا، وقيل مصنوع، وهو ليس في ديوان جرير.
وانظر المقتضب 4/ 151، وشواهد الكشاف/ 206، والخزانة 3/ 476. والعيني 3/ 563.
4
أي: مثل النصب، وذلك لأن من شأنهم أن يحملوا المعطوف على ما عطف عليه، نحو هذا ضارب زيد وعمرو غدا، وينصبون عمرا.
5
والجر جائز أيضا، وهو جيد.
6
أي: لم يصلح في "عمرو" إلا النصب.



ج / 1 ص -128- ينصب ما تباعد منه, والجار ليس كذلك, وتقول: هذا ضاربك وزيدًا غدًا, لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر1 المجرور حملته على الفعل, كقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} كأنه قال: منجون أهلك, ولم تعطف على الكاف المجرورة.
واعلم: أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى, فقلت: هذا ضاربُ زيدٍ وعمروٍ, ومعطي زيدٍ الدراهمَ أمسِ وعمروٍ. جاز لك أن/ 120 تنصب "عمرًا" على المعنى لبعده من الجار, فكأنك قلت: وأعطى عمرًا3, فمن ذلك قوله سبحانه: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}4, وتقول: مررت برجل قائم أبوه, فترفع الأب5 وتجري "قائمًا" على رجل؛ لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك: مررت برجل يقوم أبوه. فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصتْ لرجل. وتقول: زيدًا عمروٌ ضاربٌ, كما تقول: زيدًا عمرو يضرب6. فإذا قلت: عبد الله جاريتك أبوها ضارب, فبين النحويين فيه خلاف, فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام, وبعض يجيزه. وأبو العباس يجيز ذلك ويقول: إنَّ "ضاربًا" يجري مجرى الفعل في جميعِ أحواله في العمل في التقديم والتأخير. وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه, نحو قولك: كانت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار اسما كان أو حرفا.
2
العنكبوت: 33.
3
انظر الكتاب 1/ 87.
4
الأنعام: 96 وقراءة: وجاعل. من السبعة أيضا في النشر 2/ 36. قرأ الكوفيون وجعل بفتح العين من غير ألف وبنصب اللام من الليل، وقرأ الباقون بالألف وكسر العين ورفع اللام وخفض الليل، وانظر البحر المحيط 4/ 186.
5
الأب يرفع بفعله.
6
تقديم معمول الخبر على المبتدأ جائز سواء كان الخبر مفردا أو جملة فعلية أو اسمية ما لم يمنع مانع. وهو قولك زيدا عمرو الضارب، لأن الفعل صار في الصلة "لأن" زيدا مفعول به لصلة "أل" ولا تتقدم الصلة ولا شيء منها على الموصول.



ج / 1 ص -129- زيدًا الحمى تأخذ1. وتقول: هذا زيد ضارب أخيك, إذا أردت المضي, لأنك وصفت معرفة بمعرفة, وتقول/ 121 هذا زيد ضاربًا أخاك غدًا فتنصب "ضاربًا" لأنه نكرة وصفت بها معرفة. وإذا كان الاسم2 الذي توقع عليه "ضاربًا" وما أشبهه مضمرًا أسقطت النون والتنوين منه, فعل أو لم يفعل لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد, فكرهوا3 زيادة التنوين مع هذه الزيادة نحو قولك: هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غدًا, ولو كان اسمًا ظاهرًا لقلت: ضاربان زيدًا غدًا, ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته, وتقول: هذا الضارب زيدًا أمس. وهذا الشاتم عمرًا أمس, لا يكون فيه غير ذلك؛ لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإِضافة4 وأنت إذا نونت شيئًا من هذا نصبت ما بعده. وتقول: هؤلاء الضاربون زيدًا, وهذان5 الضاربان زيدًا, وإن شئت: ألقيت هذه النون وأضفت؛ لأن النون لا تعاقب الألف واللام, كما تعاقب الإِضافة, ألا ترى أنك تقول: هذان/ 122 الضاربان, وهؤلاء الضاربون, فلا تسقط النون, والتنوين ليس كذلك, لا تقول: هذا الضاربٌ بالتنوين فاعلم, ولذلك جازت الإِضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام, نحو قولك: هما الضاربا زيد؛ لأن النون تعاقب الإِضافة, فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإِضافة مع الألف واللام ولا يجوز: هذا الضاربُ زيدٍ أمسِ, فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك: هو الضارب الرجل أمس, تشبيهًا بالحسن الوجه, فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فَعَلَ بعدُ فهو نكرة نونت أو لم تنون وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة, وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 3/ 156 و3/ 109. زيدا منصوب بتأخذ، "وتأخذ" خبر كان وتفصل بزيد بين اسم كان وخبرها وليس "زيد" لها باسم ولا خبر.
2
في "ب" وإذا أضفت اسم الفاعل إلى المضمر.
3
في "ب" كرهوا.
4
معنى الإضافة: ساقط في "ب".
5
هذان ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -130- شرح الثاني: وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل.
الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين: هي أسماء1 ينعت بها كما ينعت بأسماء الفاعلين2, وتذكر3 وتؤنث ويدخلها الألف واللام/ 123 وتجمع بالواو والنون [كاسم الفاعل وأفعل التفضيل]4 كما يجمع الضمير في الفعل, فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين5 وذلك نحو: حَسنٍ وشديد وما أشبه, تقول: مررت برجل حسنٍ أبوه, وشديد أبوه؛ لأنك تقول: حسن وجهه, وشديدٌ وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول: الحسن والشديد, فتدخل الألف واللام, وتقول حسنون كما تقول: ضارب مضاربة وضاربون, والضارب والضاربة, فحسن يشبه بضارب, وضارب يشبه بيضرب, وضاربان مثل: يضربان, وضاربون مثل يضربون, ولا يجوز: مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الابتداء والخبر, وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن "خير منه" لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام, ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل "أفعل منك" بمنزلة: "خير منك" "وشر منك", وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به اسمًا ظاهرًا البتة, وأما الصفات كلها/ 124 فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر, ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل أفضل منك, ففي "أفضل" ضمير الرجل, ولولا ذلك لم يكن صفة له. ولكن لا يجوز أن تقول: مررت برجل أفضل منك أبوه, لبعده من شبه اسم الفاعل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" أنها.
2
أسماء الفاعلين: ساقطة في "ب".
3
في "ب" وتؤنث.
4
زيادة من "ب".
5
دعوى عمل الصفة المشبهة لا أساس لها، فهي لا تنصب، لأن فعلها غير عامل فكيف يعمل المحمول على فعله.



ج / 1 ص -131- والفعل, ولكن لو قلت: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه, وبرجل قاعد عمرو إليه, لكان جائزًا, وكذلك: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه.
واعلم: أن سائر الصفات مما ليس باسم فاعل ولا يشبهه, فهي ترفع الفاعل1 إذا كان مضمرًا2 فيها وكان ضمير الأول الموصوف, وترفع الظاهر أيضًا إذا كان في المعنى هو الأول. أما المضمر فقد بينته لك, وهو نحو: مررت برجل خير منك وشر منك, ففي "خير منك" ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل. وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك: ما رأيت رجلًا أحسن في/ 125 عينه الكحل منه في عين زيد3, لأن المعنى في الحسن لزيد, فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له, ومثل ذلك: ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة4.
واعلم: أن قولك: زيد حسن, وكريم, منْ حَسُنَ يحسنَ, وكَرُمَ يكرم, كما أنك إذا قلت: زيد ضارب, وقاتل وقائم, فهو من: ضرب وقتل وقام, إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة. أما إذا قلت: زيد حسن الوجه وكريم الحسب, فأنت ليس تخبر أن زيدًا فعل بالوجه ولا بالحسب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الفاعل: ساقط في "ب".
2
في "ب" المضمر.
3
قال سيبويه: ما رأيت أحسن في عينه الكحل منه في عينه، وليس هذا بمنزلة خير منه أبوه، لأنه مفضل الأب على الاسم في "من" وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحل منه في عينه، لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في "من" ولا تزعم: أنه قد نقص أن يكون مثله، ولكنك زعمت: أن الكحل ههنا عملا وهيئة ليست له في غيره من المواضع، وكأنك قلت: ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد. الكتاب 1/ 332.
4
الأشموني في شرحه على الألفية 2/ 264 جعله حديثا فقال: ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم من أيام العشر". والرواية في كتب الحديث: البخاري، الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي، ليس فيها "أحب" رافعا للاسم الظاهر.



ج / 1 ص -132- شيئًا والحسب والوجه فاعلان, كما ينصب الفعل, وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد ضارب عمرًا, فالمعنى: أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو, وإذا قلت: زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيدًا لم يفعل بالوجه شيئًا ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة, وأصل الكلام, زيدٌ حَسَنٌ وجههُ, وكريم أبوه حسبه, لأن الوجه هو الذي حسن, والأب/ 126 هو الذي كرم.

مسائل من هذا الباب:
تقول: زيد كريم الحسب, لأنك أضمرت اسم الفاعل في "كريم" فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول, والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك1: هند كريمة الحسب, ولو كان على الآخر لقلت: كريم حسبها كما تقول: قائم أبوها, وإنما جاز هذا التشبيه وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة, بل هو في المعنى فاعل, لأن المعنى مفهوم غير ملبس, ومن قال: زيدٌ ضاربٌ الرجلَ, وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال: زيدٌ حسنُ الوجهِ, إلا أن الإِضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار, لأن الأسماء على حدها من الإِضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة وإذا قلت: زيد حسن وجهه, وكريم أبوه, وفاره عبده2, فهذا هو الأصل, وبعده في الحسن: زيد حسن الوجه, وكريم الحسب, ويجوز: زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز: زيد حسن وجهًا وكريم حسبًا ويجوز: زيد كريم حسب, وحسن وجه, والأصل ما بدأنا به.
واعلم: أنك إذا قلت: حسن الوجه فأضفت "حسنًا" إلى الألف واللام فهو غير معرفة, وإن كان مضافًا إلى ما فيه الألف واللام, من أجل أن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" كقولك.
2
فاره عبده: ساقطة في "ب".



ج / 1 ص -133- المعنى حَسَن وجهه فهو نكرة, فكما أن الذي هو في معناه نكرة, ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه, فقلت: الحسن الوجه, ولا يجوز الغلام الرجل, وجاز الحسن الوجه, وقولك: مررت برجل حسن الوجه, يدلك على أن حسن الوجه نكرة؛ لأنك وصفت به نكرة, واعلم: أن "حسنًا"1, وما "أشبهه", إذا أعملته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي, فلا تريد به إلا الحال2, لأنه صفة, وحق الصفة صحبة الموصوف, ومن قال: هذا حسنُ وجهٍ, وكريمُ حسبٍ, حجته أن الأول لا يكون معرفةً بالثاني أبدًا, فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين3 للأول, كان/ 128 طرحهما أخف. ومن كلام العرب: هو حديث عهد بالوجه, قال الراجز:

لاحقُ بطنٍ بقرًا سَمينِ4

ومن قال هذا القول قال: الحسنُ وجهًا, لأن الألف واللام يمنعان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في "ب" والصفة المشبهة.
2
أي: الماضي المتصل بالزمن الحاضر، أما اسم الفاعل فيكون للأزمنة الثلاثة.
3
في "ب" معرفتين بإسقاط الباء، ولم يسمع دخول الباء في خبر "كان" ولكن المؤلف شبهه بخبر "ليس" لأنه غير موجب.
4
من شواهد سيبويه 1/ 101 "على إضافة لاحق" إلى قوله: بطن مع حذف الألف واللام فهو بمنزلة: حسن وجه. وعو عجز بيت الحميد الأرقط وصدره: غيران ميفاءه على الرزون.
غير أن: معناه أن له نشاطا في السير. وميفاء: هو الرخاء، وأصله موفاء فوقعت الواو ساكنة إثر كسرة فقلبت ياء: كميزان وميعاد. والروزن: الأرض، واللاحق: الضامر، وأصله أن يلحق بطنه ظهره ضمرا، والقرا: الظهر، يكتب بالألف لأنك تقول للطويلة الظهر قرواء وذكر في اللسان: أن تثنيته: قروان وقريان. يصف فرسا فقال: إنه لذو نشاط في جريه على الأرض المرتفعة، وإن بطنه الضامر قد لحق بظهره السمين من شدة الضمور. وأراد أن ضموره ليس عن هزال. وانظر المقتضب 4/ 59 وشرح السيرافي 2/ 13 وشرح ابن يعيش 6/ 85 والمفصل للزمخشري 2/ 124، والصبان جـ2/ 220.



ج / 1 ص -134- الإِضافة فلا يجوز أن تقول: هذا الحسن وجهٍ من أجل أن هذه إِضافة حقيقة على بابها, لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة, فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة, ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام, لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة, وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة, فيصير معرفة نكرة في حال وذلك محال1. وإنما جاز: الحسن الوجه "وما أشبهه" وإدخال الألف واللام على حسن الوجه؛ لأن "حسنًا" في المعنى منفصل, فإضافته غير حقيقية, والتأويل فيه التنوين, فكأنك قلت: حسن وجهه فلذلك جاز, فإذا قلت: حسن وجهٍ ثم أدخلت الألف واللام قلت: الحسن وجهًا, فتنصب الوجه الى التمييز2 /129 أو الشبه بالمفعول به, لمّا امتنعت الإِضافة كما تقول: ضاربُ رجلٍ, ثم تقول: الضارب رجلًا وتقول: هو الكريم حسبًا والفاره عبدًا, ويجوز: الحسن الوجه؛ لأنه مشبه بالضارب الرجل؛ لأن الضارب بمعنى الذي ضَربَ, والفعل واصلٌ منه إلى الرجل على الحقيقة, وقد قالوا: الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه, كما شبهوا الحَسنِ الوجه به في النصب, وعلى هذا أنشد:

الوَاهِبُ المائة الهجانِ وَعْبدِهَا عُوذًا تُزجّي خلفَها أطفالُها3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
محال، ساقطة في "ب".
2
النصب على التمييز لأنه نكرة.
3
من شواهد سيبويه 1/ 94، وروايته: عوذا تزجى بينها أطفالها. على عطف "عبدها" على المائة وهو مضاف إلى غير الألف واللام، فهو مثل: الضارب الرجل عبد الله. وقد غلط سيبويه في استشهاده بهذا، لأن العبد مضاف إلى ضمير المائة وضميرها بمنزلتها، فكأنه قال: الواهب المائة وعبد المائة. يقول الشاعر: إن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة، ويهب راعيها أيضا.
وهو المراد من العبد، وخص الهجان، لأنها أكرمها. والهجان: البيض، يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، وعوذا: جمع عائذ وهو جمع غريب، والعائذ: الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها. وقيل: العوذ: الحديثات النتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة. ثم هي مطفل بعده وتزجي: تسوق. والبيت للأعشى يمدح قيس بن معد يكرب. وانظر المقتضب 4/ 162. وشعراء النصرانية/ 371، وشرح ابن عقيل/ 337. والديوان/ 27.



ج / 1 ص -135- والوجه: النصب في هذا, وتقول: هو الحسن وجهِ العبد, كما تقول: هو الحسن العبد, لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام, وتقول: على التشبيه بهذا "الضارب أخي الرجل", كما تقول: الضارب الرجل, وتقول: مررت بالحسنِ الوجه الجميلة, ومررت بالحسن العبد النبيلةِ, فأما قولهم: الواهب المائة الهجان وعبدِها فإنما أردوا: عبدِ المائة كما تقول: كُل شاة/ 130 وسخلها, بدرهم, ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه.
وقال أبو العباس -رحمه الله- في إنشادهم:

أَنَا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْر عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ عُكُوفَا1

أنه لا يجوز عنده في "بشر" إلا النصب, لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول, وأنت إذا وضعت "بشرًا "في موضع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه جـ1/ 93 على إضافة "التارك" إلى البكري تشبيها بالحسن الوجه لأنه مثله في إضافته إلى الألف واللام. "فبشر" لا يصح أن يكون بدلا من "البكري" لأنه لا يصح أن يحل محله فلا يقال: أنا ابن التارك بشر.
والرواية المشهورة: عليه الطير ترقبه وقوعا.
ترقبه: أي: تنتظر انزهاق روحه، لأن الطير لا يقع على القتيل وبه رمق ففيه حذف مضاف. وصف الشاعر أن أباه قد صرع رجلا من بكر فوقعت عليه الطير وبه رمق فجعلت ترقبه حتى يموت لتتناول منه، والوقوع هنا جمع واقع وهو ضد الطائر. والبيت للمرار بن سعيد الفقعسي.
وانظر: ابن يعيش جـ3/ 72، 74، وشرح ابن عقيل/ 394 والمفصل للزمخشري/ 122.



ج / 1 ص -136- الأول لم يكن إلا نصبًا, فأما نظير هذا قولك: يا زيد أخانا, على البدل.
وقال النحويون1: "بشر".
واعلم: أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه, من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع, ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد, لا كإعراب التثنية, والجمع السالم الذي على حد التثنية, فأما ما كان يجمع مسلمًا بالواو والنون نحو: "منطلقين" فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول: مررت برجل منطلق قومه, وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية/ 132. بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستترًا, تقول: الزيدان قائمان, فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية, وتقول: الزيدون قائمون, فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع, وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في "يفعلان ويفعلون" لأن الألف في "يفعلان" والواو في "يفعلون" ضمير الفاعلين.
فإن قلت: الزيدان قائم أبواهما, لم يجز أن تثني "قائمًا" لأنه في موضع "يقوم أبواهما" إلا في قول من قال: أكلوني2 البراغيث, فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه. فاعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه بعد أن ذكر البيت... سمعناه ممن يرويه عن العرب وأجرى بشرا على مجرى المجرور لأنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين.. الكتاب 1/ 93.
وقد خولف سيبويه في جر بشر وحمله على لفظ البكري لأنك لو وضعته موضعه لم يتسع لك أن تقول: أنا ابن التارك بشر، كما لا تقول: الضارب زيد. والصحيح ما أجازه سيبويه لأخذه عن العرب.
2
أي: إن الواو علامة للجمع وليست فاعلا، لأنه لا يوجد فاعلان لفعل واحد.



ج / 1 ص -137- شرح الثالث: وهو المصدر.
اعلم: أن المصدر يعمل عمل الفعل, لأن الفعل اشتق منه1 وبُنيَ مثله للأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل, نقول من ذلك: عجبت من ضرب زيد عمرًا إذا كان زيد فاعلًا2 / 133 وعجبت من ضرب زيد عمروٌ3 إذا كان زيدٌ مفعولًا, وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإِضافة فاعلًا كان أو مفعولًا فقلت: عجبت من ضرب زيد بكرًا, ومن ضرب زيدًا بكر, وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيدًا بكر, لا يجوز أن تخفض "زيدًا" من أجل الألف واللام, لأنهما لا يجتمعان والإِضافة كالنون والتنوين.
وقال قوم: إذا قلت: أردت الضرب زيدًا إنما نصبته بإضمار فعل, لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن.
واعلم: أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر؛ لأنه في صلته, وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف, لو قلت: دارك أعجب زيدًا دخول عمرو, فتنصب الدار بالدخول كان خطأ.
وقال قوم إذا قلت: أعجبني ضرب زيدًا فليس من كلام العرب أن ينونوا, وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين, قالوا: فإن أشرت/ 134 إلى الفاعل نصبت فقلت: أَعجبني ضربٌ زيدًا, وإن شئت رفعت وأردت: أعجبني أن ضُرِبَ زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأن مذهب البصريين: أن المصدر أصل للفعل، فالمصدر يدل على زمان مطلق، والفعل يدل على زمان معين: فكما أن المطلق أصل للمقيد، فكذلك المصدر أصل للفعل.
2
ضرب، مصدر مضاف إلى فاعله وهو "زيد" فزيد مجرور لفظا بالمضاف مرفوع حكما لأنه فاعل.
3
حذفت واوا زائدة قبل "إذا".



ج / 1 ص -138- مسائل من هذا الباب:
تقول: أعجب ركوبك الدابة زيدًا, فالكاف في قولك: "ركوبك" مخفوضة بالإِضافة, وموضعها رفع, والتقدير: أعجب زيدًا أن ركبت الدابة, فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلًا كان أو مفعولًا, ويجري ما بعده على الأصل, وإضافته إلى الفاعل أحسن, لأنه له: كقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}1, وإضافته إلى المفعول حسنة, لأنه به اتصل وفيه حل, وتقول: أعجبني بناء هذه الدار, وترى المجلود فتقول: ما أشد جلده, وما أحسن خياطة هذا الثوب, فعلى هذا تقول: أعجب ركوب الدابة عمرو زيدًا إن أردت: أعجب أن ركب الدابة عمرو زيدًا, فالدابة وعمرو وركب في صلة "أن" وزيد منتصب "بأعجب" خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب, وإن شئت جعلته بين "أعجب", وبين/ 135 الركوب وكذلك: عجبت من دق الثوب القصار2, ومن أكل الخبز زيدٌ, ومن أشباع الخبز زيدًا فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفًا ولامًا امتنعت الإِضافة, فجرى كل شيء على أصله فقلت: أعجب ركوب زيد الدابة عمرًا, فإن شئت قلت: أعجب ركوب الدابة زيد عمرًا, ولا يجوز أن تقدم الدابة, ولا زيدًا قبل الركوب؛ لأنهما من صلته, فقد صارا منه كالياء والدال من "زيد" وتقول: ما أعجب شيء شيئًا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو, ونصبت "إعجابًا" لأنه مصدر وتقديره: ما أعجب شيء شيئًا إعجابًا مثل إعجاب زيد, ورفعت الركوب بقولك: "أعجب" لأن معناه: كما أعجب زيدًا أن ركب الفرس عمرو, وتقول: أعجب الأكل الخبز زيد عمرًا, كما وصفت لك, وعلى هذا قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}3, فالتقدير: أو أن يطعم لقوله: وما أدراك فعلى هذا يجري ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
البقرة: 251.
2
القصار: قصر الثوب قصارة، وقصره: كلاهما، حوره ودقه، ومنه سمي القصار.
3
البلد: 14، وفي الآية المصدر منون.



ج / 1 ص -139- ذكرت لك ولو قلت: عمرًا أعجبني أن ضرب خالدًا, كان خطأ, لأن/ 136 عمرًا من الصلة.
ومن قال: هذا الضارب الرجل, لم يقل: عجبت من الضرب الرجل لأن الضرب ليس بنعت, والضارب نعت كالحسن, وهو اسم الفاعل من "ضرب" كما أن حسنًا اسم الفاعل من "حسن" ويحسن, وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل, وتقول: أعجبني اليوم ضرب زيد عمرًا, "إن جعلت اليوم" نصبًا بأعجبني فهو جيد, وإن نصبته بالضرب كان خطأ, وذلك لأن الضرب في معنى "أن ضرب" وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى "إن فعل" أو "أن يفعل" فلا يجوز أن ينصب ما قبله, ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الاسم, ولا يقدم بعض الاسم على أوله, فإن لم يكن في معنى "إن فعل" وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله, فقدمت فيه وأخرت وذلك قولك ضربًا زيدًا, وإن شئت: زيدًا ضربًا؛ لأنه ليس فيه معنى "أن" إنما هو أمر, وقولك ضربًا زيدًا ينتصب بالأمر, كأنك قلت: اضرب زيدًا, إلا أنه صار بدلًا من الفعل لما حذفته/ 137 وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا: عجبت من طعامك طعامًا, يريدون: من إطعامك, وعجبت من دهنك لحيتك, يريدون: من دهنك, قال الشاعر:

أظليمَ إنَّ مُصابَكُم رَجُلًا أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَةً ظُلْمُ1

أراد: إن أصابتكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وروي البيت: أظلوم إن مصابكم.
والصواب: أظليم، كما رواه ابن السراج، لأنه مرخم "ظليمة" تصغير "ظلمة" وظليمة هو اسم المرأة المشبب بها، ويروى الشطر الثاني رد السلام.
ونسب هذا البيت للعرجي وللحارث بن خالد من أحفاد هشام بن المغيرة, وإلى عمر بن أبي ربيعة، وإلى أمية بن أبي الصلت.
وانظر أخبار النحويين للسيرافي/ 57، والاشتقاق لابن فارس/ 99، ومجالس ثعلب/ 270، والأغاني 3/ 97، والفاخر للمفضل بن سلمة/ 176، وأمالي ابن الشجري 1/ 107.

ج / 1 ص -140- ومنه قوله:

وبَعْدَ عطائِكَ المائة الرِّتَاعا1

أراد: بعد إعطائك, وقال هؤلاء القوم: إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت: عجبت من جنون بالعلم, فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول. هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
منع البصريون إعمال اسم المصدر المأخوذ من حدث لغيره، كالثواب والكلام والعطاء إلا في الضرورة، أما الكوفيون والبغداديون فجوزوه قياسا إلحاقا بالمصدر كالشاهد المذكور: وبعد عطائك.
وقال الكسائي: إمام أهل الكوفة إلا ثلاثة ألفاظ: الخبز والدهن والقوت، فإنها لا تعمل، فلا يقال: عجبت من خبزك الخبز ولا من دهنك رأسك ولا من قوتك عيالك.
وأجاز الفراء ذلك وحكى عن العرب مثل: أعجبني دهن زيد لحيته وانظر الهمع جـ2/ 95. والشاهد عجز بيت للقطامي عمير بن شييم من بني تغلب. وصدره.

أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك...

وكان يمدح زفر بن الحارث الكلابي، وقد أسره في حرب فمن عليه وأعطاه مائة من الإبل.
وانظر الكتاب جـ1/ 331، والحجة لأبي علي جـ1/ 135، وأمالي ابن الشجري/ 142، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 72. والأغاني جـ2/ 310، والشعر والشعراء/ 377، والخزانة جـ1/ 391 والديوان/ 37.



ج / 1 ص -141- شرح الرابع: وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها.
موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي, فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعد, وما كان منها في معنى فعل متعد تعدى, وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب: فمنها اسم مفرد واسم مضاف, واسم استعمل مع/ 138 حرف الجر.
فالضرب الأول: قولك: هلم زيدًا. ورويد زيدًا, وحَيَّ هل الثريد, وزعم أبو الخطاب1: أن بعض العرب يقول: حي هل الصلاة2. ومن ذلك: تراكها ومناعها وهذه متعدية, والمعنى: اتركها وامنعها, وأما ما لا يتعدى فنحو: مه, وصه, وأيه.
والضرب الثاني: وهي الأسماء المضافة, ومنها أيضًا ما يتعدى وما لا يتعدى, فأما المتعدي فنحو: دونك زيدًا, وعندك زيدا, وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه بذلك3, وحذرك زيدًا, وحذارك زيدًا, وأما ما لا يتعدى, فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر, وحذرته شيئًا خلفه, وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئًا وأمرته أن يتقدم, وأمامك, ووراءك.
والضرب الثالث: ما جاء مع أحرف الجر نحو: عليك زيدًا وإليك إذا قلت: تنح.
وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه: أنه سمع من يُقال له إليك,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أبو الخطاب: هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد المتوفى "177هـ"، وكان أول من كتب تفسير الأشعار بين السطور، كما كان هو وعيسى بن عمر الثقفي أستاذي أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي، ترجمته: طبقات الزبيدي رقم 110- نزهة الألباء/ 53، والمزهر جـ2/ 313.
2
نظر الكتاب 1/ 123، جـ/ 52.
3
انظر الكتاب 1/ 126.



ج / 1 ص -142- فيقول: "إليَّ" في هذا الحرف وحده, كأنه قال له: تنح فقال: أتنحى1, ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليَّ2 لأن/ 139 هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب, وما أُضيف فيه فإنما يُضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم, ولا يجوز أن تقول: رويده زيدًا ودونه عمرًا, تريد غير المخاطب3. وحكي أن بعضهم قال: عليه رجلًا ليسي, أي: غيري. وهذا قليل شاذ4. وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل.
وحكي أن ناسًا من العرب يقولون: هلمي, وهلما, وهلموا5, فهؤلاء جعلوه فعلًا والهاء للتنبيه, ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}6 فليس هو على قوله: عليكم كتاب الله, ولكنه مصدر محمول على ما قبله؛ لأنه لما قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}7 فأعلمهم: أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلًا من قوله: كتاب الله ذلك, فنصب "كتاب8 الله"وجعل عليكم تبيينا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 126.
2
مثل دوني وعلى: لأنهما ليس لهما قوة الفعل فيقاس.
3
لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرفه.
4
في الكتاب 1/ 126 قال سيبويه: وحدثني من سمعه أن بعضهم قال: عليه رجلا ليسي وهذا قليل شبهوه بالفعل.
5
قال سيبويه: واعلم: أن ناسا من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل. يقولون: هلمي وهلما، وهلموا. الكتاب جـ1/ 127. هذا على لغة بني تميم لأنهم يجعلونها فعلا صحيحا، ويجعلون الياء زائدة. وفي البحر المحيط 3/ 214: كتاب الله: انتصب بإضمار الفعل، وهو فعل مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت عليكم وكأنه قيل: "كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا".
6
النساء: 24.
7
النساء: 23.
8
نصب "كتاب الله" للمصدر.



ج / 1 ص -143- مسائل من هذا الباب:
تقول: رويدكم أنتم وعبد الله, لأن المضمر في النية مرفوع/ 140 ورويدكم وعبد الله, وهو قبيح إذا لم تؤكده1, ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون, ورويدكم أنتم أجمعون, كل حسن, وكذلك رويد, إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى, وكذلك الأسماء التي للفعل جمعًا إلا أن هلم إذا لحقتها "لك" فإن شئت حملت أجمعين, ونفسك على الكاف المجرورة فقلت: هلم لكم أجمعين وأنفسكم, ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم, ألا ترى أنه يجوز: هذا لك نفسك, ولكم أجمعين, ولا يجوز: لك وأخيك, وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت: هلم لكم أجمعون, كأنك قلت: تعالوا أجمعون, وهلم لك أنت وأخوك, كأنك قلت: تعالى أنت وأخوك, فإن لم تلحق "لك" جرى مجرى رويد, ورويد يتصرف على أربع جهات: يكون أمرًا بمعنى: أرود أي: أمهل, ويكون صفة نحو: ساروا سيرًا رويدًا أي: سهلًا/ 141 وتكون حالًا, تقول: ساروا رويدًا, أي: متمهلين وتكون مصدرًا نحو: رويد نفسه, وذكر سيبويه: أنه حدثه به من لا يتهم: أنه سمع العرب تقول: ضعه رويدًا [أي]2 وضعًا رويدًا3. وتلحق "رويد" الكاف وهي في موضع "أفعل" تبيينا لا ضميرًا4 فتقول: رويدك, وريدكم, وإنما تلحقها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قبح لحذف التوكيد، لكن إعرابه الرفع على كل حال. قال سيبويه 1/ 125. وتقول فيما يكون معطوفا على الاسم المضمر في النية. وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر، أما المعطوف فكقولك: رويدكم أنتم وعبد الله. كأنك قلت: افعلوا أنتم وعبد الله، لأن المضمر في النية مرفوع فهو يجري مجرى المضمر الذي ثنيت علامته في الفعل.
2
أضفت كلمة "أي" لأن السياق يقتضيها.
3
انظر الكتاب 1/ 124 ونصه كما يلي:.. ومن ذلك قول العرب: ضعه رويدا، أي: وضعا رويدا.
4
أي: زائدة للمخاطبة وليست باسم. قال سيبويه جـ1/ 124: واعلم: أن رويدا تلحقها الكاف وهي في: موضع "أفعل" وذلك قولك: رويدك زيدا ورويدكم زيدا.



ج / 1 ص -144- لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير, وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد. ولك أن لا تذكرها, ومثلها في ذا: حيهل, وحيهلك, فالكاف للخطاب, وليست باسم, ومثل هذا في كلامهم كثير.
قال سيبويه: وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين, وقال: إذا قلت: عليكم زيدًا فقد أضمرت فاعلًا في النية, فإذا قلت: عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعًا. ولو قلت في: عليَّ زيدًا أنا نفسي, لم يكن إلا جرا, وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة1, وكذلك: حذرك بمنزلة عليك, والمصدر وغيره/ 142 في هذا الباب سواء, ومن جعل: رويد مصدرًا قال: رويدك نفسك إن حمله على الكاف وإن حمله على المضمر في النية رفع. قال: وأما قول العرب: رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته2 به, وأما حيهلك, وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب, ولا موضع لها من الإِعراب؛ لأنهن لم يجعلن مصادر. أما قولك: دونك زيدًا, ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال, جئت يا فتى, يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير, وجائز أن تعديها فتقول: جئت زيدًا, وكذلك تقول: عليّ زيدًا, وعليّ به, فإذا قلت: عليّ زيدًا, فمعناه أعطني زيدًا, وإذا قلت: عليك زيدًا فمعناه: خذ زيدًا, ومعنى "حيهل" أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب, فأما قولك: أقرب, فكقولك: حيهل الثريد أي: أقرب منه, وآته, وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان 3 /143 جملًا شيئًا واحدًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 126-127.
2
انظر الكتاب 1/ 127.
3
قال سيبويه: 2/ 52: وأما حيهل التي للأمر فمن شيئين: يدلك على ذلك: حي على الصلاة: وأما المبرد فقال: حيهل: فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وانظر المقتضب 3/ 205. أما أنها مفتوحة كفتح خمسة عشرة فمعناه: أنها مبنية.



ج / 1 ص -145- فأما قول الشاعر:

يَوم كَثيرٌ تُناديهِ وحيَّ هلُهْ1

فإنه جعله اسمًا فصار كحضرموت ولم يأمر أحدًا بشيء. وقد توصل بـ"علي" كما وصلت بـ"هل" هذه, فمن ذلك: حيَّ على الصلاة.
إنما معناه: أقربوا من الصلاة, وإيتوا الصلاة.
وفي "حيهل" ثلاث لغات: فأجودهن أن تقول: حيَّهلْ بعمر, فإذا وقفت قلت: حيهلا, الألف ههنا لبيان الحركة كالهاء في قوله: كتابيه, وحسابيه؛ لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك: أنا قلت ذاك, فإذا وقفت قلت: أناه. ويجوز: حيهلًا بالتنوين تجعل نكرة, ويجوز: حيهلا بعمر, وهي أردأ اللغات.
قال أبو العباس: وأما "حي هلا" فليست بشيء2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عجز بيت من شواهد سيبويه 2/52 على إعراب "حيهله" بالرفع؛ لأنه جعله وإن كان مركبا من شيئين: اسما للصوت بمنزلة معد يكرب في وقوعه اسما للشخص، وكأنه قال: كثير تناديه وحثه ومبادرته، لأن معنى قولهم: حي هل، عجل وبادر. وتكملته:

وهيج الحي من دار فظل لهم يوم كثير...

وهيج: بمعنى فرق، ودار: واد قريب من هجر. وظل استمر. قيل فاعل هيج ضمير غراب البين، والتنادي: مصدر تنادي، أي: نادى القوم بعضهم بعضا. وصف الشاعر: جيشا سمع به وخيف منه فانتقل عن المحل من أجله وبودر بالانتقال قبل لحاقه. ولم ينسب لأحد معين غير أن شارح أبيات المفصل للزمخشري قال: هو للنابغة الجعدي يهجو به ليلى الأخيلية وكانت بينهما مهاجاة.
وانظر: المقتضب 3/ 206 وشرح السيرافي 4/ 129، والمفصل للزمخشري/ 154. وابن يعيش 4/ 46.
2
انظر المقتضب 3/ 205: لم يوجد النص الذي ذكره المؤلف، بل قال المبرد: ومن هذه الحروف "حيهل" فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وفيه أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر، فإذا وقفت قلت: حيهلا، فجعلت الألف لبيان الحركة، جائز أن تجعله نكرة فتقول: حيهلا يا فتى، وجائز أن تثبت الألف وتجعله معرفة، فلا تنون، والألف زيادة ومعناه: قربه، وتقديره في العربية: بادر بذكره.



ج / 1 ص -146- "وهلم" إنما هي لُمَّ, أي: أقرب وها للتنبيه, إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الاستعمال وأنهما جعلا شيئًا واحدًا, فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء: هلم على لفظ واحد كما يفعلون/ 144 ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل, قال الله عز وجل: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ1 إِلَيْنَا} واستجازوا ذلك لإِخراجهم إياها عن مجرى الأفعال, حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإِعراب. فأما بنو تميم: فيصرفونها2 فيقولون للاثنين: هلما وللأنثى هلمي, كما تقول: رد, وردا, وردوا, وارددن, وردي.
قال أبو بكر: وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعًا لاسم3 من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنيا مشبهًا بالمعرب.
فأما التوابع فنحو: النعت والتأكيد والبدل والعطف, ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات, وأما ما كان من الأسماء مبنيا مشبهًا للمعرب فنداء المفرد نحو قولك: يا زيد ويا حكم العاقلُ والعاقلَ, ويا حكمان, ويا حكمون, فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه/ 145 أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضًا أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب, فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأحزاب: 18.
2
استدل بنو تميم على تركيبها بدخول نون التوكيد فقالوا: هلمن، كأنك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. وهي عندهم بمنزلة: رد، وردا، وردي، وأردد، كما تقول: هلم، وهلما، وهلمي، وهلممن، والهاء فضل وإنما هي هاء التنبيه، ولكنهم حذفوا الألف لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم. انظر الكتاب 2/ 158.
3
في الأصل: "للاسم".



ج / 1 ص -147- شاء الله. وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للانتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضًا إن شاء الله.











=======================.

10



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -148- باب المعرفة والنكرة:
كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة, وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحدًا بعينه إذا ذكر.
والنكرة تنقسم قسمين: فأحد القسمين: أن يكون الاسم في أول أحواله نكرة مثل: رجل, وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك.
والقسم الثاني: أن يكون الاسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يُسمى إنسان بعمرو, فيكون معروفًا بذلك في حيه, فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل: رأيت عمرًا, أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثني وجمع/ 146.
وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها "رُبَّ" فيصلح ذلك فيها, أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة, أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها, فجميع هذا وما أشبهه نكرة, والنكرة قبل المعرفة, ألا ترى أن الإِنسان اسمه إنسان يجب له هذا الاسم بصورته قبل أن يعرف باسم, وأكثر الأسماء نكرات, وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض, فكلما كان أكثر عمومًا فهو أنكر مما هو أخص منه, فشيء أنكر من قولك: حي, وحي أنكر من قولك: إنسان, فكلما قل ما يقع عليه الاسم فهو أقرب إلى التعريف, وكلما كثر كان أنكر, فاعلم.



ج / 1 ص -149- ذكر المعرفة:
والمعرفة خمسة أشياء: الاسم المكني1, والمبهم, والعلم, وما فيه الألف واللام, وما أُضيف إليهن.
فأما المكني: فنحو قولك: هو, وأنت, وإياك, والهاء في "غلامه وضربته" والكاف في غلامك, وضربك/ 147 والتاء في "قمتُ" وقمتِ وقمتَ يا هذا.
فأما المبهم: فنحو: هذا, وتلك, وأولئك, المكنيات والمبهمات موضع يستقصى ذكرها فيه إن شاء الله.
وأما العلم: فنحو: زيد وعمر وعثمان.
واعلم: أن اسم العلم على ثلاثة أضرب: إما أن يكون منقولًا من نكرة أو مشتقا منها أو أعجميا أعرب.
فأما المنقول: فعلى ضربين: أحدهما من الاسم والآخر من صفةٍ. أما المنقول من الاسم النكرة فنحو: حجر وأسد2, فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة, وأما المنقول من صفة فنحو: هاشم وقاسم وعباس وأحمر, لأن هذه أصولها صفات تقول: مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس.
وأما الأسماء المشتقة: فنحو: عمر, وعثمان, فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين, لأنه ليس في أصول النكرات عثمان, ولا/ 148 عمر, إلا أن تريد جمع عمرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وهو الضمير، وهذا اصطلاح كوفي.
2
في المخطوط الجملة مضطربة هكذا: فأما المنقول فعلى ضربين: أحدهما من الاسم والآخر من صفة، فإما المنقول من اسم نكرة، وإما منقول من صفة، فأما المنقول من الاسم فنحو النكرة، فالاسم نحو: حجر وأسد..



ج / 1 ص -150- فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك, فإن جاء اسم عربي لا تدري مِمَّ نقل أو اشتق فاعلم: إن أصله ذلك وإن لم يصل إلينا علمه قياسًا على كثرة ما وجدناه من ذلك. ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسمًا غير منقول من نكرة ولا مشتق منها. ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك.
وأما الأعجمية فنحو: إسماعيل, وإبراهيم, ويعقوب, فهذه أعربت من كلام العجم. وأما ما فيه الألف واللام, فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين: إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس, فأما الواحد المعهود: فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول: الرجل وكذلك الدار, والحمار وما أشبهه, كأن قائلًا قال: كان عندي رجل من أمره ومن قصته, فإن أردت أَنْ يعود/ 149 إلى ذكره. قلت: ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره, وأما دخولها للجنس فأن تقول: أهلك الناس الدينار والدرهم, لا تريد دينارًا بعينه ولا درهمًا بعينه1 ولكن كقوله عز وجل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}2... يدلك الاستثناء على أن الإِنسان في معنى الناس3 وأما ما أُضيف إليهن فنحو قولك: غلامك. وصاحبك وغلام ذاك, وصاحب هذه, وغلام زيد, وصاحب عمرو, وغلام الرجل. وصاحب الإِمام ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وإنما يريد الجميع.
2
العصر: 2، و"أل" في الإنسان لاستغراق الجنس.
3
ألا تراه قال: إلا الذين آمنوا ولا يستثني من الشيء إلا بعضه.

مسائل في المعرفة والنكرة:
تقول: هذا عبد الله, فهذا اسم معرفة. وعبد الله اسم معرفة وهذا مبتدأ وعبد الله خبره, فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال, فقلت: هذا عبد الله واقفًا, وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول: هذا أخوك, فهذا معرفة وأخوك, معرفة بالإِضافة إلى الكاف,



ج / 1 ص -151- فإن/ 150 جئت بنكرة قلت: هذا أخوك قائمًا, قال الله تعالى: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}1. وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة2 على أربعة أوجه: أحدهما: أن تجعل "أخاك" بدلًا3 من "هذا" وتجعل قائمًا خبر "هذا" والآخر: أن تجعل "أخاك" خبرًا لـ"هذا" وتضمر "هذا" من الأخ كأنك قلت: هذا أخوك هذا قائم, وإن شئت أضمرت "هو" كأنك قلت: هذا أخوك هو قائم وإن شئت كان "أخوك" وقائم خبرًا واحدًا4, كما تقول: هذا حلو حامض أي: قد جمع الطعمين, ومثل هذا لا يجوز أن يكون "حلو" الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده, حتى تجمعهما5, وإذا قلت: هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئًا, وأردت بالألف واللام العهد, فالرجل خبر عن "هذا" فإن جئت بعد "الرجل" بشيء يكون خبرًا جعلت "الرجل" تابعًا لـ"هذا" كالنعت؛ لأن المبهمة توصف بالأجناس, وكان ما بعده خبرًا عن "هذا" فقلت: هذا الرجل عالم, وهذه/ 151 المرأة عاقلة, وهذا الباب جديد, فترفع "هذا" بالابتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد.
ومنه قول النابغة الذبياني:

تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفتها لِسِتَّةِ أعوامٍ وذَا العامُ سَابعُ6


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هود: 72. وقرئ في الشواذ "شيخ" بالرفع - الإتحاف/ 259. وانظر سيبويه جـ1/ 258 والعامل المعنوي في الحال: الظرف، والجار والمجرور وحرف التثنية، نحو: ها أنا زيد قائما، واسم الإشارة نحو: ذا زيد راكبا، وحرف النداء، نحو: يا ربنا منعما، وانظر شرح الكافية 1/ 183.
2
أي: إذا قال: هذا أخوك قائم. انظر الكتاب 1/ 258.
3
ويجوز أن يكون تبيينا "لهذا".
4
أي: أنه جمع ذا وذا.
5
لأنه لا يريد أن تنقض الحلاوة بالحموضة.
6
من شواهد سيبويه جـ1/ 260 "على رفع" سابع خبرا عن "ذا" لأن "العام" من صفته. فكأنه قال: وهذا سابع. والآيات: العلامات. يقول: تفرست بعلامات هذه الدار. ولم أتعرف عليها إلا بعد نظر واستدلال لفرط خفائها.
وفي بعض طبعات الديوان: ما عرفتها.
وانظر المقتضب 4/ 322، والصاحبي/ 85، وشرح السيرافي 3/ 199 والحجة 1/ 193. والعيني 4/ 482. والديوان/ 48.



ج / 1 ص -152- فإن أردت بالألف واللام المعهود, جاز نصب ما بعده فقلت: هذه المرأة عاقلة, وهذا الرجل عالمًا, فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة نصبت ما بعد الاسم على الحال, وذلك قولك: هذا العباس مقبلًا, وإن كان الاسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثانٍ كان أيضًا الخبر منصوبًا كقولك: هذا القمر منيرًا وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالاسم أن تجعله يعم الجنس كله, ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوبًا كقولك: هذا الأسد مهيبًا, وهذه العقرب مخوفة, إذا لم ترد عقربًا تراها ولا أسدًا تشير إليه/ 152 من سائر الأسد, ولا يجوز: هذا أنا, وهذا أنت, لأنك لا تشير للإِنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك, فإن أردت التمثيل أي: هذا يقوم مقامك ويغني غناءك, جاز أن تقول: هذا أنت وهذا أنا والمعنى: هذا مثلك, وهذا مثلي وأما قولك: هذا هو فبمنزلة قولك: هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه, ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو؟ فتقول: هذا هو, وقال قوم: إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين "ها وذا" وينصبون أخبارها على الحال فيقولون: ها هو ذا قائمًا, وها أنذا جالسًا, وها أنت ذا ظالمًا, وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب1 وهو إذا كان الاسم ظاهرًا جاء بعد "هذا" مرفوعًا ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة/ 153, فأما البصريون فلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أضاف الكوفيون إلى "كان" وأخوتها، "هذا وهذه" وفي الاحتياج إلى مرفوع ومنصوب وذلك إذا قصد بهما التقريب, قال الفراء: أن يكون ما بعد "هذا" واحدا لا نظير له، فالفعل حينئذ أيضا منصوب: وإنما نصبت الفعل لأن "هذا" ليس بصفة للأسد، إنما دخلت تقريبا.. انظر معاني القرآن 1/ 8.
وكان ثعلب يقول: إن الكوفيين يسمون "هذا زيد القائم" تقريبا، أي: قرب الفعل به، وحكى: كيف أخاف الظلم وهذا الخليفة قادما أي: الخليفة قادم. فكلما رأيت "هذا" يدخل ويخرج والمعنى واحد فهو تقريب.. مجالس ثعلب/ 427.



ج / 1 ص -153- ينصبون إلا الحال1. وتقول: هذا هذا, على التشبيه, وهذا ذاك, وهذا هذه.
واعلم: أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها, لأنها لا تخص شيئًا بعينه, فمن ذلك: مثلك وشبهك وغيرك, تقول: مررت برجل مثلك وبرجل شبهك, وبرجل غيرك, فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن, ألا ترى أنك إذا قلت: مثلُكَ. جاز أن يكون "مثلك" في طولك أو لونك أو في علمك, ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك وأما غيرك فصار نكرة, لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك, فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة, وأما شبيهك فمعرفة, ولم يستعمل كما استعمل "شبهك" المعروف بأنه يشبهك وتقول/ 154 هذا واقفًا زيد, وهذا واقفًا رجل, فتنصب "واقفًا" على الحال, وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل "واقفٌ" خبر "هذا" ورجل بدل منه, وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين:

أترضى بأَنَّا لَمْ تَجفَّ دِماؤُنَا وهذا عَرُوس باليَمَامَةِ خَالِدُ2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 760 باب ما يرتفع فيه الخبر، لأنه مبني على مبتدأ، أو ينتصب فيه الخبر، لأنه حال لمعروف مبني على مبتدأ، فأما النصب فقولك: هذا الرجل منطلقا، جعلت الرجل مبنيا على "هذا" وجعلت الخبر حالا له قد صار فيها، فصار كقولك: هذا عبد الله منطلقا. وقال المبرد: تقول: هذا الرجل قائما، كقولك: هذا زيد قائما. انظر المقتضب 4/ 322.
2
الشاهد فيه "عروس" رفعا ونصبا، وكذلك استعمال عروس للذكر والمؤنث. وانظر: شرح السيرافي 1/ 4، نسخة البغدادي، وتثقيف اللسان/ 103، وتقويم اللسان/ 157، ولحن العامة للزبيدي/ 25.



ج / 1 ص -154- فينصب "عروس" ويرفع. وتقول: هذا مثلك واقف, وهذا غيرك منطلق, لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك, وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات. لأنها في لفظ المعارف. وإن كانت نكرات فيقول: هذا مثلك منطلقًا, وهذا حسن الوجه قائمًا وقد عرفتك أن "حسن الوجه" نكرة, ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه, وأفضل منك, وخير منك نكرة أيضًا, إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن, وفاضل, فتقول: هذا أفضل منك قائمًا/ 155 فإن قلت: "زيد هذا" فزيد مبتدأ وهذه خبره, والأحسن أن تبدأ "بهذا" لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ, فإن قلت: زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب, فالرفع على أن تجعل "هذا" معطوفًا على "زيد" عطف البيان وترفع "عالمًا" بأنه خبر الابتداء, وإن جعلت "هذا" خبرًا لزيد, نصبت "عالمٌ" على الحال.
واعلم: أن "ذلك" مثل "هذا" تقول: إن ذلك الرجل عالم, كما تقول: إن هذا الرجل عالم. وإن ذلك الرجل أخوك, كما تقول: إن هذا الرجل أخوك. والكوفيون يقولون: هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل, فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم, ورفعه عندهم على الاستئناف, وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر 1:

مَنْ يكُ ذا بَثٍّ فهذا بَتِّي مُقَيِّظ "مُصَيَّف" مُشَتِّي


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 158، على تعدد خبر مبتدأ واحد من غير عطف، فقوله: مقيظ -مصيف- مشتى كلها أخبار تعددت بلا فاصل.
والبت: كساء غليظ، وقيل: طيلسان من خز، ومقيظ -بكسر الياء المشددة- أي: يصلح للاستعمال في زمن القيظ، وكذلك -مصيف- ومشت، أي: يصلح للاستعمال فيهما.
وهذا الرجز لم ينسبه سيبويه، وكذلك الأعلم. وقد وجدته في زيادات ديوان رؤبة بن العجاج وروي بعده قوله:

أخذته من نعجات ست

وروى صاحب اللسان هذه الزيادة مع الشاهد ولم ينسبها لقائل معين، وزاد على ذلك في مكان آخر:

سود كنعاج الدشت

وانظر: شرح السيرافي 1/ 4، والجمهرة لابن دريد 1/ 22. وأمالي ابن الشجري 2/ 255، والمسلسل/ 209، والإنصاف/ 387.



ج / 1 ص -155- وهذا عند البصريين: من باب حلو حامض1, أي: قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذه الخلال. واعلم: أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع/ 156 المعارف, وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف, وذلك نحو قولهم للأسد: أبو الحارث وأسامة, وللثعلب: ثعالة وأبو الحصين وسَمْسَم, وللذئب: دألان وأبو جعدة, وللضبع: أم عامر وحضاجر, وجعَار, وجَيْأل, وأم عَنْتَل وقَئام, ويقال للضبعان: قُثَم وهو الذكر منها, وللغراب: ابن بَريح.
قال سيبويه: فإذا قلت: هذا أبو الحارث فأنت تريد: هذا الأسد2, أي: هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدًا وعمرًا, ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس, ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإِبل والغنم والكلاب, وما يثبت معهم بأسماء: كزيد وعمرو3, ومن ذلك: أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجُنْدبُ, غير/ 157 أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب, كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة, وابن قِتْرَة ضرب من الحيات, وابن آوى4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: إن حلوا حامضا يعربان خبرا لما قبلهما وكأنهما اسم واحد.
2
انظر الكتاب 1/ 263-264.
3
الكتاب 1/ 264.
4
في حياة الحيوان 1/ 98: ابن آوى جمعه بنات آوى ولا ينصرف، وكنيته: أبو أيوب وأبو كعب، وأبو وائل، وسمي ابن آوى لأنه يأوي إلى عواء أبناء جنسه. وانظر عجائب المخلوقات 2/ 180.



ج / 1 ص -156- معرفة. ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف, وابن عرس1 وسامُّ أبرص2. وبعض العرب يقول: أبو بريص, وحمار قبان3: دويَبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش4 الأرض بصورة كذا, فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسمًا على معنى يعرفها بها, فعلى هذا تقول: هذا ابن آوى مقبلًا ولا تصرف آوى, لأنه معرفة؛ ولأنه على وزن "افعلَ" وتنصب مقبلًا كما نصبته في قولك: هذا زيد مقبلًا, وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف, وما لا ينصرف, كما تكون الأسماء المعارف وغيرها. وقد زعموا: أن بعض العرب يقول: هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل: هذا زيد مقبل, ووجه على أنه جعل عرسًا نكرة فصار المضاف إليه نكرة5, وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماءٍ فنكرة لأنها/ 158 تدخلها الألف واللام.
واعلم: أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإِضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل: زيد وعمرو نحو: النجم,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ابن عرس: في كتاب عجائب المخلوقات للقزويني 2/ 181: ابن عرس: حيوان دقيق طويل هو عدو للفأر يدخل حجرها ويخرجها ويحب الحلى والجواهر فيسرقها.
2
في عجائب المخلوقات 2/ 476: سام أبرص، الوز هو الصغير الرأس الطويل الذنب.
3
حمار قبان: قال الدميري في حياة الحيوان 1/ 232: دويبة مستديرة بقدر الدينار ضامرة البطن متولدة من الأماكن الندية، ووزن قبان: فعلان بدليل منع صرفه في قول الشاعر:

يا عجبا لقد رأيت عجبا حمار قبان يسوق أرنبا

وقد تكلم على هذا الرجز بإفاضة البغدادي في شرح شواهد الشافية ص167-174.
4
الأحناش: دواب الأرض من الحيات وغيرها، أو هو كل شيء من الدواب والطير.
5
أي: جعل ما بعده نكرة فصار مضافا إلى نكرة بمنزلة قولك: هذا رجل منطلق.
وانظر الكتاب 1/ 265. قال سيبويه: وقد زعموا أن بعض العرب يقول: هذا ابن عرس مقبل، فرفعه على وجهين: فوجه مثل: هذا زيد مقبل، ووجه على أنه جعل ما بعده نكرة فصار مضافا إلى نكرة بمنزلة قولك: هذا رجل منطلق.



ج / 1 ص -157- تعني الثريا وابن الصِّعَق1 ابن رألان2 وابن كُراع3 فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر.
وزعم الخليل4: أن الذين قالوا: الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه, كأنه وصف غلب عليه, ومن قال: حارث وعباس, فهو يجريه مجرى زيدًا5. وأما السِّماك6 والدَّبِران7 والعَيُّوق8 وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أُزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل: سِمَاك ودَبَران وعَيُوق للفرق, كما فصل بين العِدلْ9 والعديل10 وبناء حصين11 وامرأة حصان12.
قال سيبويه: فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة, فإن كان عربيا تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون13 /159 الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الصعق: في الأصل صفة تقع على كل من أصابه الصعق، وهو لقب خالد بن نفيل فارس بني كلاب.
2
رألان: ولد النعامة.
3
كراع: اسم يجمع الخيل، والسلاح، والكراع من اليقن المستدق الساق العاري من اللحم.
4
انظر الكتاب 1/ 267.
5
الكتاب 1/ 267.
6
السماك: الشيء الذي سمك وارتفع.
7
الدبران: يقال لكل شيء صار خلف شيء دبران.
8
العيوق: يقال لكل شيء عاق عن شيء عيوق.
9
العدل: لا يكون إلا للمتاع.
10
العديل: ما عادلك من الناس.
11
حصين: بناء محرز لمن يلجأ إليه.
12
حصان: صفة للمرأة المحرزة لفرجها.
13
الكتاب 1/ 268.



ج / 1 ص -158- قال: وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء1, يعني: أنه أُريد به الثالث والرابع فأُزيل لفظه كما فعل بالسماك. وتقول: هذان زيدان منطلقان, فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة, قال وتقول: هؤلاء عرفات2 حسنة, وهذان أبانان3 بينين4, والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسمًا لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب, إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك, من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان, وعرفات كالشيء الواحد.
والذي والتي: معرفة ولا يتمان إلا بصلة, ومن وما يكونان معرفة ونكرة؛ لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة, وأيهم وكلهم وبعضهم, معارف بالإِضافة وقد تترك الإِضافة وفيهن معناها قائم, وأجمعون وما أشبهها معارف؛ لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها/ 160 الألف واللام.
وقال الكسائي: سمعت: هو أحسن الناس هاتين, يريد عينين فجعله نكرة. وهذا شاذ غير معروف. ويكون "ذا" في موضع الذي, فتقول: ضربت هذا يقوم وليس بحاضر, تريد: الذي يقوم, قالوا: وقد جاء هذا في الشعر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 268.
2
عرفات: جبلان في مكة أو موضع فيها، وعرفات معرفة يدل على ذلك عدم دخول الألف واللام عليها.
3
أبانان بينين: أبانان: جبلان في البادية، وقيل: هما جبلان: أحدهما: أسود، والآخر: أبيض، فالأبيض لبني أسد, والأسود لبني فزارة بينهما نهر يقال له الرمة بتخفيف الميم وبينهما نحو من ثلاثة أميال وهو اسم علم لها. وبينين يعرب حالا.
4
انظر الكتاب 1/ 268.











==============.

11



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -159- ذكر الأسماء المنصوبات:
الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين:
فالضرب الأول هو العام الكثير: كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع, وفي الكلام دليل عليه فهو نصب.
والضرب الآخر: كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإِضافة والنون, وحالت النون والإِضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب.
والضرب الأول: ينقسم على قسمين: مفعول, ومشبه/ 161 بمفعول.
والمفعول ينقسم على خمسة أقسام: مفعول مطلق, ومفعول به, ومفعول فيه ومفعول له. ومفعول معه.

شرح الأول: وهو المفعول المطلق, ويعني به المصدر.
المصدر اسم كسائر الأسماء, إلا أنه معنى غير شخص. والأفعال مشتقة منه1 وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها.
والمصدر: هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين, فمعنى قولك: قام زيد وفعل زيد. قيامًا سواء, وإذا قلت: ضربت فإنما معناه أحدثت ضربًا وفعلت ضربًا فهو المفعول الصحيح. ألا ترى أن القائل يقول: من فعل هذا القيام؟ فتقول: أنا فعلته, ومن ضرب هذا الضرب الشديد؟ فتقول: أنا فعلته. تريد: أنا ضربت هذا الضرب. وقولك ضربت هذا الضرب, وقولك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هذا على مذهب البصريين الذين يرون أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه بينما يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه، نحو: ضرب ضربا وقام قياما، ولكل منها حجج ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف. انظر مسألة/ 28 الجزء الأول.



ج / 1 ص -160- ضربت زيدًا لا يصلح أن تغيره بأن تقول: فعلت زيدًا لأنه ليس بمفعول لك/162 فإنما هو مفعول لله تعالى, فإذا قلت: ضربت زيدًا, فالفعل لك دون زيد, وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر, فعلى هذا تقول: قمت قيامًا وجلست جلوسًا, وضربت ضربًا, وأعطيت إعطاءً, وظننت ظنا, واستخرجت استخراجًا, وانقطعت انقطاعًا, واحمررت احمرارًا, فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة.
ومصدر الفعل الذي يعمل فعله1 فيه يجيء على ضروب: فربما ذكر توكيدًا نحو قولك: قمت قيامًا, وجلست جلوسًا, فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره, وضرب ثانٍ تذكره للفائدة نحو قولك: ضربت زيدًا ضربًا شديدًا, والضرب الذي تعرف. وقمت قيامًا طويلًا, فقد أفدت في الضرب أنه شديد, وفي القيام أنه طويل, وكذلك إذا قلت: ضربت ضربتين وضربات, فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت.
وقال سيبويه: تقول: قعد قِعْدةَ سوء وقعد قعدتين2 /163 لما عمل في الحدث -يعني المصدر- عمل في المرة منه والمرتين, وما يكون ضربًا منه وإن خالف اللفظ. فمن ذلك: قعد القرفُصاء3, واشتمل الصَمَّاء4, ورجع القهقرى؛ لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه5.
قال أبو العباس قولهم: القرفصاء واشتمل الصمّاء, ورجع القهقرى هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها: اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الاسم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
نحو: ضرب ضربا.
2
انظر الكتاب 1/ 15.
3
قعود القرفصاء: أن يجلس الرجل على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه يحتبي بيديه.
4
اشتمال الصماء: أن يرد الرجل كساءه من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا.
5
انظر الكتاب 1/ 15.



ج / 1 ص -161- وكذلك أخواتها. قال: وجملة القول: إن الفعل لا ينصب شيئًا إلا وفي الفعل دليل عليه, فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت: قام ففي "قام" دليل على أنه: فعل قيامًا, فلذلك قلت: قام زيد قيامًا فعديته إلى المصدر, وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان, لأن الفعل لا يكون إلا في زمان, وتعديه إلى المكان لأنه فيه يقع, وتعديه إلى الحال؛ لأنه لأفعل إلا في حال وأحق ذلك به المصدر, لأنه مشتق من لفظه ودال عليه.
واعلم/164: أنَّ "أنْ" تكون مع صلتها في معنى المصدر, وكذلك "ما" تكون مع صلتها في معناه وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة "ما" لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى "ما" لأنها اسم, وما في صلة "أن" لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع؛ لأن "أن" حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر, فيكون في الكلام ما يرجع إليها, والذي يوجب أن "ما" اسم وأنها ليست حرفًا "كأنْ": أنها لو كانت "كأن" لعملت في الفعل كما عملت "أن" لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال, ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم, وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين1, فتقول: يعجبني أن يقوم زيد, تريد: قيام زيد, ويعجبني ما صنعت, تريد: صنيعك, إلا أن هذين وإن كانا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: المقتضب 3/ 200، والكتاب 1/ 367، و1/ 410.
الأخفش يقول: أعجبني ما صنعت، أي: ما صنعته، كما تقول: أعجبني الذي صنعته، ولا يجيز: أعجبني ما قمت، لأنه لا يتعدى، وقد خلط فأجاز مثله. قال المبرد: والقياس والصواب قول سيبويه. والذي يبدو أن رأي المبرد هنا واضح في أنه يرى أن "ما" المصدرية حرف لا اسم، فقد ارتضى مذهب سيبويه وجعله الصواب وضعف مذهب الأخفش ثم رماه بالتخليط. لكن بعد هذا ينسب الرضي والسيوطي إلى المبرد بأنه يرى أن "ما" المصدرية اسم كما يراه الأخفش. وفي شرح الكافية 2/ 51: و"ما" المصدرية حرف عند سيبويه واسم موصول عند الأخفش والرماني والمبرد. وفي الهمع: 1/ 48، الخامس: "ما" خلافا لقوم منهم المبرد والمازني والسهيلي وابن السراج والأخفش في قولهم: إنها اسم، مفتقرة إلى ضمير.



ج / 1 ص -162- قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في/165 قولك: ضربت زيدًا ضربًا, لا يجوز أن تقول: ضربت زيدًا أن ضربت, تريد: ضربًا, ولا ضربت زيدًا ما ضربت, تريد: معنى "ضربًا", وأنت مؤكد لفعلك, ويجوز: ضربت ما ضربت, أي: الضرب الذي ضربت, كما تقول: فعلت ما فعلت, أي: مثل الفعل الذي1 فعلت, وتقول: فعلت ما فعل زيد, أي: كالفعل الذي فعل زيد, فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال؛ لأن فعلك لا يكون فعل غيرك. قال الله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}2 والتأويل عندهم والله أعلم كالخوض الذي خاضوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يرى ابن السراج: أن "ما" اسم مفتقر إلى ضمير. وأكثر النحاة يرى أنها إذا كانت بمعنى المصدر لا تحتاج إلى ضمير لأنها حرف، والدليل على أنها حرف: أنها تدخل على الفعل كدخول "أن" ولا خلاف أن "أن" لا تضمر ولا يعود إليها ضمير من صلتها, كذلك يلزم في "ما" لأنها بمنزلتها في دخولها على الفعل وكونها في تأويل المصدر، قال سيبويه 1/ 367: "وما إذا كانت والفعل مصدر بمنزلة إن". وقال: ومثل ذلك أيضا من الكلام فيما حدثنا أبو الخطاب: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر، "فما" مع الفعل بمنزلة اسم نحو: النقصان والضرر، كما أنك إذا قلت: ما أحسن ما كلم زيد فهو ما أحسن كلامه زيدا، ولولا "ما" لم يجز الفعل بعد "إلا" في ذا الموضع كما لا يجوز بعد ما أحسن بغير "ما" وانظر المقتضب 3/ 200.
2
التوبة: 69.

مسائل من هذا الباب:
تقول: ضربته عبد الله, تضمر الضرب, تعني: ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضربًا وضربته زيدًا, ما كان به بأس على أن تضمر المصدر.
واعلم: أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر, لا تقول: سرني ضربك عمرًا وهو زيدًا, وأنت تريد: وضربك زيدًا, لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه, ألا ترى أن "ضرب" مشتق من الضرب فإنما



ج / 1 ص -163- يعمل الضرب/ 166 وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهرًا غير مضمر, وإنما يعمل لشبهه بالفعل, فكما أن الفعل لا يضمر, فكذلك المصدر, لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر, وإنما جاز إضمار المصدر لأنه معنى واحد1, ولم يجز إضمار الفعل لأنه معنى وزمان, ولو أَضمر لصار اسمًا. وتقول: مررت بهم جميعًا, إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحدًا, أو: مررت بهم كلًّا, قال الأخفش: كل وجميع ههنا بمنزلة المصادر كأنك قلت: مررت بهم عمًا ومررت بهم كلًّا, أي: مرورًا عمًا وكلًّا, فكل وجميع ههنا بمنزلة المصادر, كأنك قلت: مررت بهم عمًا ومررت بهم عمًا لهم, وكأنك قلت: طررتهم طرًا2 وليس الجميع والكل بالقوم, كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم, يعني إذا قلت: مررت بهم قاطبة وطرًا فكأنك قلت: جمعتهم/ 167 جمعًا, وكذلك في طر كأنك قلت: طررتم, أي: أتيت عليهم طرًا.
وذكر سيبويه: هذا في باب ما ينتصب لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم. وقال: من ذلك: مررت بهم جميعًا وعامة وجماعة, وقال: هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها الألف واللام3.
وزعم الخليل: أن قاطبة, وطرًا لا يتصرفان, وهما في موضع المصدر4.
واعلم: أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك: أتاني زيد مشيًا, فقولك: مشيًا قد أغنى عن ماشٍ, ويمشي, إلا أن التقدير: أتاني يمشي مشيًا, فمن ذلك: قتلته صبرًا,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأن الفعل بصيغته يدل على شيئين: الحدث والزمان المحصل، والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث.
2
طرا: متفرقا.
3
الكتاب: جـ1/ 188-189.
4
الكتاب جـ1/ 189.



ج / 1 ص -164- ولقيته فجأة ومفاجأة, وكفاحًا ومكافحة, [ولقيته]1 عيانًا, وكلمته مشافهة, وأتيته ركضًا, وعدوًا, وأخذت عنه سماعًا وسمعًا2.
قال سيبويه: وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع, ألا ترى أنه لا يحسن: أتانا سرعة ولا رجلة3, قال/ 168 أبو العباس: ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة4 وخالف سيبويه, وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو: أرسلها العراك, والعراك لا يجوز أن يكون حالًا ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل: أرسلها تعترك العراك5, فـ"تعترك" حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك, ودل على "تعترك" فأغنى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أضفت كلمة "لقيتة" لأن السياق يقتضيها.
2
كل هذه النصوص تشير إلى أن ابن السراج يعرب المصدر حالا بتأويله بوصف. ولكن قد يفهم من هذا النص أنه يعرب المصدر مفعولا مطلقا لفعل محذوف قال هنا: أتاني زيد مشيا "فقولك" مشيا قد أغنى عن ماش، ويمشي، إلا أن التقدير: أتاني يمشي مشيا.
3
انظر الكتاب 1/ 186، والرجلة: المشي راجلا.
4
المقتضب 3/ 244، قال المبرد: ولو قلت: جئته إعطاء لم يجز، لأن الإعطاء ليس من المجيء، ولكن جئته سعيا فهذا جيد، لأن المجيء يكون سعيا. قال الله عز وجل: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}، فهذا اختصار يدل على ما يرد مما يشاكلها ويجري مع كل صنف منها. وكلام المبرد هنا صريح في أن المصدر يقع بقياس حالا إذا كان نوعا من فعله، وكرر هذا في 3/ 269. انظر حاشية الخضري 1/ 230 والهمع 1/ 238، والأشموني 2/ 61.
5
يرى أن "العراك" نائب عن الحال وليس بحال، وإنما التقدير: أرسلها معتركة، ثم يجعل الفعل موضع اسم الفاعل لمشابهته له فصار "يعترك" ثم جعل المصدر موضع الفعل لدلالته عليه، لأن حقيقة الحال أن تكون بالصفات، ولو صرحت بالصفة لم يجز دخول الألف واللام، ولم تقل العرب: أرسلها المعتركة، ولا جاء زيد القائم لوجود لفظ الحال.



ج / 1 ص -165- عنه وكذلك: طلبته جهدك1 وطاقتك, كأنك قلت: طلبته تجتهد جهدك, وتطيق طاقتك, أي: تستفرغهما في ذلك.
ومذهب سيبويه أن قولهم: مررت به وحده, وبهم وحدهم, ومررت برجل وحده, أي: مفرد, أقيم مقام مصدر "يقوم" مقام الحال, وقال: ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز: مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة2. وزعم الخليل: أنه إذا نصب3 فكأنه قال: مررت بهؤلاء/ 169 فقط, مثل وحده في معناه, أي: أفرقهم4. وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيدًا له.
قال سيبويه: ومثل خمستهم قول الشماخ:

آتتني سُلَيمٌ قَضّها بقضيضِها5....


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 187: وهذا ما جاء منه مضافا معرفة. وذلك قولك: طلبته جهدك كأنه قال: اجتهادا وكذلك طلبته طاقتك، وفي المخصص 4/ 227، وأما ما جاء منه مضافا معرفة، فقولك: طلبته جهدك وطاقتك، وفعلته جهدي وطاقتي وهي في موضع الحال، لأن معناه: مجتهدا ولا يستعمل هذا مضافا، لا تقول: فعلته طاقة، ولا جهدا.
2
انظر الكتاب 1/ 187.
3
أي: ثلاثة.
4
انظر الكتاب 2/ 187، ونص الكتاب: وزعم الخليل: أنه إذا نصب ثلاثتهم فكأنه يقول: مررت بهؤلاء فقط ولم أجاوز هؤلاء وكما أنه إذا قال: "وحده فإنما يريد مررت به فقط لم أجاوزه".
5
من شواهد الكتاب 1/ 188. على نصب "قضها" على الحال وهو معرفة بالإضافة لأنه مصدر. وهذا صدر بيت وعجزه:

تمسح حولي بالبقيع سبالها

ورواية الديوان:

وجاءت سليم قضها بقضيضها...

وسليم: قبيلة امرأة الشماخ.
والقض: أصله الكسر، وقد استعمل الكسر موضع الإنقضاض كقولهم: عقاب كاسر، أي: منقضة، ويروى "قضها بقضيضها" بالرفع والنصب فمن رفع جعله بمعنى التأكيد، ومن نصب جعله كالمصدر.
والبقيع: موضع بمدينة الرسول، والسبال: جمع سبلة وهي مقدمة اللحية، وأراد: أنهم يمسحون لحاهم وهم يهدودنه ويتوعدونه. وقيل: يمسحون لحاهم تأهبا للكلام. وانظر: المقتضب 3/ 363، وشرح السيرافي 3/ 113، والتمام في تفسير أشعار هذيل 72، والأغاني 8/ 100، وجمهرة الأمثال للعسكري 1/ 316، وابن يعيش 2/ 63.



ج / 1 ص -166- كأنه قال: أنقض آخرهم على أولهم, وبعض العرب يجعل "قضهم" بمنزلة كلهم, يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإِنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل. وزعم يونس1: أن وحده بمنزلة عنده, وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعًا, وكذلك طُرًا وقاطبة.
وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت: مررت برجل على حياله فطرحت على2, فأما: "كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون" فلا يكون أبدًا إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول: هو نسيج وحدِهِ؛ لأنه اسم مضاف إليه3.
قال الأخفش: كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل وذلك إذا قلت: سقيًا لزيد, وإنما تريد: سقى الله زيدًا, ولو قلت/ 170: سقيا الله زيدًا, كان جيدًا, لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل, ولو قلت: أكلًا زيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يونس: هو أبو عبد الرحمن الضبي يونس بن حبيب. من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء والأخفش الأكبر قيل: إنه صنف كتاب القياس في النحو. مات سنة 182هـ وقيل 152هـ ترجمته في طبقات الزبيدي رقم 17 وابن خلكان رقم 823، والإرشاد لياقوت 7/ 310، ونزهة الألباء 56 وبغية الوعاة 424.
2
انظر الكتاب 1/ 189.
3
لأنه يخبر أنه ليس في مثاله أحد. فلو لم يضف إليه لقال: هذا نسيج إفرادا فالإضافة في الحقيقة إلى المصدر.



ج / 1 ص -167- الخبز وأنت تأمره, كان جائزًا, كقوله1:

فَنَدْلًا زُريقُ المالَ ندل الثَّعالِبِ

وتقول: ضربتك ضربًا عمرو خالدًا, ومعناه: ضربتك ضرب عمرو خالدًا, فإذا قلت: ضربتك زيد خالدًا, فلا تقدم خالدًا قبل الضرب لأنه في صلته.
قال أبو بكر: وليس هذا مثل قولك: ضربًا زيدًا, وأنت تأمره, لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول: زيدًا ضربًا, وقد مضى تفسير هذا. وتقول: ضربتك ضرب زيد عمرًا وكذلك: ضربتك ضربك زيدًا, وضربًا أنت زيدًا, إذا جعلته فاعلًا, وضربتك ضربًا إياك زيدًا, إذا جعلته مفعولًا, تريد: ضربًا زيد إياك.
وقال الأخفش: من رد عليك ضربًا زيد عمرًا إذا كنت تأمره أدخلت عليه/ 171 سقيًا له, فقلت له: ألست, إنما تريد سقى الله زيدًا فإنه قائل: نعم فتقول. فكما جاز سقيا له حين أقمت السقي مقام "سقاه" فكذلك تقيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه جـ1/ 59، على نصب "المال" بقوله "ندلا" لأنه بدل من قوله: أندل. كما تقول: ضربا زيدا، بمعنى أضرب زيدا، ويجوز أن تجعل الفعل المضمر هو العامل في "ندل" و"ندل" دال عليه مؤكد له. وإن شئت جعلت نصبه بفعل آخر، كأنه قال: أوقع ندلا ونحوه من التقدير، فيكون العامل فيه غير فعله. وهو عجز بيت صدره:

على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق...................

نسبه صاحب فرحة الأديب رقم "40" إلى رجل من الأنصار، قال ذلك في النعمان بن العجلان الزرقي. وزريق من الخوارج. وكان ولاه الإمام علي عنه في البحرين وفي الشعر والشعراء آراء أخرى.
والندل: خطف الشيء بسرعة، وزريق منادى مبني على الضم، والتقدير ندلا يا زريق، وأجاز ابن عقيل رفعه "بندلا".
وقوله: حين ألهى الناس جل أمورهم: أي: حين اشتغل الناس بالفتن والحروب وانظر: شرح السيرافي 1/ 448, والخصائص 1/ 120، والحجة 1/ 108، والجمهرة 2/ 299، والكامل 104، ومعجم مقاييس اللغة 5/ 411.



ج / 1 ص -168- الضرب مقام "ليضرب" وتقول: ضرب زيد ضربًا, وقتل عمرو قتلًا, فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر, كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل, لا فرق بينهما في ذلك, فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو: سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبلٌ, وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت: سير بعبد الله سيرًا شديدًا, أقمت "بعبد الله" مقام الفاعل ونصبت "سيرًا" كما تنصبه إذا قلت: سار عبد الله سيرًا شديدًا, وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة, ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف1 معه مقام الفاعل فترفعها/ 172 إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإِخبار عنها, فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جدا تقول: سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته, وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالأسماء المفيدة, فأما النصب: فعلى أنك أقمت "بزيد" مقام الفاعل فصار كقولك: ضرب عبد الله الضربَ الذي يعلمُ, وشتم عبد الله الشتمَ الشديد, وكذلك لو قلت: مر بعبد الله مروان, وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيدًا. وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}2, فإن قلت: سيرَ بعبد الله سيرٌ وسيرًا, وذهب إلى عبد الله ذهابًا, فالنصب الوجه, لأن المصادر موكدة, أما جواز الرفع على بعد إذا قلت: سير بعبد الله, لأنه ليس في قولك: سير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ليس كل الظروف، وإنما المتصرف منها، أي: ما يصح وقوعه مسندا إليه، كيوم وليلة، وشهر، ودهر، وأمام، ووراء، ومجلس، وجهة. أما غير المتصرف، فلا يكون إلا ظرفا كحيث، وعورض، وقط، والآن.
2
الحاقة: 13، رفع لما نعت، فإذا أخبر عن "الصور" قال: المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور وإن أخبر عن النفخة قال: المنفوخة في الصور نفخة واحدة. المقتضب 3/ 104.



ج / 1 ص -169- من الفائدة إلا ما في "سير"1 وجوازه على أنك إذا قلتَ: سير بعبد الله سيرٌ, فمعناه: سيرَ بعبد الله ضرب من السير/ 173؛ لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول: سير بعبد الله سيران أي: سيرٌ سريعٌ وبطيء أو: قديمٌ وحديثٌ وهذا قولُ أبي العباس -رحمه الله-2.
واعلم: أن قولهم ضرب زيد سوطًا, أن معناه: ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قامَ مقامَ المصدر, ولذلك لم يجز أن تقيمَ السوطَ مقامَ الفاعلِ, لا يجوز أن تقول:
ضُرِبَ سوطٌ3 زيدًا, كما تقول: أعطى درهم4 عمرًا...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأنك لم تفد بقولك "سيرا" شيئا لم يكن "سير" أكثر من التوكيد.
2
انظر: المقتضب 3/ 104 و4/ 51.
3
لا يجوز هذا, وذلك أن السوط -إذا قلت: ضربت زيدا سوطا- مصدر ومعناه: ضربت زيدا ضربة بالسوط. ويدلك على ذلك قولك: ضربت زيدا مائة سوط، لست تعني: أنك ضربته بمائة سوط، ولكنك تعني: أنك ضربته مائة ضربة بسوط، أو بأكثر من ذلك من هذا الجنس.
4
لما كان الدرهم مفعولا كعمرو جاز أن تقيمه مقام الفاعل.

شرح الثاني: وهو المفعول به.
قد تقدّم قولنا في المفعول على الحقيقة أنه المصدر, ولما كانت هذه تكون على ضربين: ضرب فيها يلاقي شيئًا ويؤثر فيه. وضرب منه لا يلاقي شيئًا ولا يؤثر فيه, فسمي الفعل الملاقي متعديًا وما لا يلاقي غير متعد. فأما الفعل الذي هو غير متعد فهو الذي لم يلاق مصدره مفعولًا نحو: قام وأحمرَ وطالَ. إذا أردت به ضد قصر خاصةً, وإن أردتَ بِه معنى علا كان متعديًا, والأفعال التي لا تتعدى هي ما كان منها خلقةً أو حركة للجسم/ 174 في ذاته وهيئةً له, أو فعلًا من أفعال النفس غير متشبث بشيء خارج عنها. أما الذي



ج / 1 ص -170- هو خلقة فنحو: أسوَدَ وأحمرَ, وأعورَ, وأشهابَ, وطالَ وما أشبه ذلك. وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو: قامَ وقعدَ, وسارَ وغارَ, ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته, فإن قال قائل: فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه. قيل: هذا لا بدَّ منه لكل فعلٍ, والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك, لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان.
وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو: كرُمَ, وظَرُفَ, وفَكَر, وغَضِبَ, وخَبرَ, وبَطُرَ, ومَلُحَ, وحَسُنَ, وسمحَ, وما أشبه ذلك. وأما الفعل الذي يتعدى, فكل حركة للجسم كانت ملاقيةً لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو: نظرت/175 وشممت, وسمعت, وذقت, ولمست, وجميع ما كان في معانيهن فهو متعد, وكذلك حركة الجسم إذا لاقت شيئًا كان الفعلُ من ذلك متعديًا نحو: أتيتُ زيدًا ووطئتُ بلدكَ وداركَ وأما قولك: فارقته وقاطعتهُ, وباريتهُ, وتاركتهُ, فإنما معناه: فعلت كما يفعل وساويت بين الفعلين, والمساواة إنما تعلم بالتلاقي وتركتكَ في معنى تاركتكَ لأن كل شيء تركتهُ فقد ترككَ فافهم هذا فإن فيه غموضًا قليلًا.
وقد اختلف النحويون في: "دخلت البيت" هل هو متعد أو غير متعد, وإنما التبس عليهم ذلك لاستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع وهو عندي غير متعد كما قدمناه وإنك لما قلت: دخلت إنما عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط منكشف فالانتقال ضربٌ واحدٌ وإن اختلفت المواضع و"دخلت" مثل غرتُ إذا أتيت الغور/ 176 فإن وجب أن يكون "دخلت" متعديًا وجبَ أن يتعدى "غرتُ" ودليلٌ آخر: أنك لا ترى فعلًا من الأفعال يكون متعديًا إلا كان مضاده متعديًا وإن كان غير متعد كان مضادُهُ غير متعد, فَمن ذلك: تحركَ،



ج / 1 ص -171- وسكنَ, فتحرك غير متعد, وسكنَ غير متعد, وأبيضَ وأسود كلاهما غير متعد, وخرج ضد دخل, وخرج غير متعد فواجب أن يكون دخل غير متعد, وهذا مذهب سيبويه1.
قال سيبويه: ومثل: ذهبت الشام, دخلت البيت2, يعني: أنه قد حذف حرف الجر من الكلام, وكان الأصل عنده: ذهبت إلى الشام ودخلت في البيت. وهما مستعملان بحروف الجر, فحذف حرف الجر, من حذفه اتساعًا واستخفافًا, فإذا قلت: ضربتُ وقتلتُ, وأكلتُ وشربت, وذكرتُ, ونسيتُ وأحيا وأماتَ فهذه الأفعال ونحوها هي المتعدية إلى /177 المفعولين, نحو: ضربتُ زيدًا, وأكلتُ الطعامَ, وشربتُ الشراب, وذكرتُ الله, واشتهيتُ لقاءك, وهويتُ زيدًا وما أشبه هذا من أفعال النفس المتعدية, فهذا حكمه, ولا تتمُ هذه الأفعال المتعدية, ولا توجد إلا بوجود المفعول, لأنك إن قلت: ذكرت, ولم يكن مذكور فهو محال, وكذلك. اشتهيت وما أشبههُ.
واعلم: أن هذا إنما قيل له مفعول به, لأنه لما قال القائل: ضَرَبَ وقتل قيل له: هذا الفعل بمنْ وقع؟ فقال: بزيدٍ أو بعمروٍ فهذا إنما يكون في المتعدي نحو ما ذكرنا, ولا يقال فيما لا يتعدى نحو: قام وقعد لا يقال هذا القيام بمن وقع؟ ولا هذا القعود بمن حل؟ إنما يقال: متى كان هذا القيام؟ وفي أي وقت؟ وأين كان؟ وفي أي موضع؟ والمكان والزمان لا يخلو فعلٌ منهما متعديًا كان أو غير متعد فمتى وجدتَ فعلًا حقه أن يكون غير متعد بالصفة التي ذكرتُ لك ووجدتَ العرب قد عدتهُ, فاعلمْ, أن ذلك اتساعٌ في اللغة واستخفاف/ 178 وأن الأصلَ فيه أن يكون متعديًا بحرف جر, وإنما حذفوه استخفافًا نحو ما ذكرت لك من: ذهبت الشام, ودخلت البيت وسترى هذا في مواضع من هذا الكتاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 15.
2
انظر الكتاب: 1/ 15-16.



ج / 1 ص -172- وهذه الأفعال المتعدية تنقسم ثلاثة أقسام: منها ما يتعدى إلى مفعول واحد ومنها ما يتعدى إلى مفعولين ومنها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل, فأما ما يتعدى إلى مفعول واحد فقد ذكرنا منه ما فيه كفاية, ونحن نتبعه بما يتعدى إلى مفعولين وإلى ثلاثة بعد ذكرنا مسائل هذا الباب إن شاء الله.

مسائل من هذا الباب:
اعلم: أن الأفعال لا تثنى ولا تجمع, وذلك لأنها أجناس كمصادرها, ألا ترى أنك تقول: بلغني ضربكم زيدًا كثيرًا, وجلوسكم إلى زيد قليلًا, كان الضربُ والجلوس قليلًا أو كثيرًا, وإنما يثنى الفاعل في الفعل, فإن قلت فإنك تقول: ضربتكَ ضربتين وعلمتُ علمتين, فإنما ذلك لاختلاف النوعين من ضرب يخالف ضربًا/ 179 في شدته وقلتِه أو علم يخالف علمًا, كعلمِ الفقهِ وعلمِ النحوِ, كما تقولُ: عندي تمور إذا اختلفت الأجناس, ومع ذلك فإن الفعل يدل على زمان, فلا يجوز أن تثنيه كما ثنيت المصدر وإن اختلفت أنواعه فالفعل لا بد له من الفاعل يليه بعده إما ظاهرًا وإما مضمرًا ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع لما بينت لك فإذا قلت: الزيدان يقومان, فهذه الألف ضمير الفاعلين والنون علامة الرفع وإذا قلت: الزيدون يقومون فهذه الواو ضمير الجمع والنون علامة الرفع ويجوز: قاموا الزيدون ويقومون الزيدون على لغة من قال: أكلوني البراغيث1, فهؤلاء إنما يجيئون بالألف والنون وبالواو والنون في: يضربان ويضربون وبالألف والواو في: ضربا وضربوا فيقولون: ضربا الزيدان وضربوا الزيدون ليعلموا أن هذا الفعل لاثنين لا لواحد ولا لجميع ولا لاثنين ولا لواحد, كما أدخلت التاء في فِعلِ المؤنثِ لتفصل بين فعل المذكر والمؤنث, فكذلك هؤلاء زادوا بيانًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: أن الواو في "أكلوني" علامة تفيد الجمع وليست ضميرا للفاعل، بل إنها جاءت للفرق بين الواحد والجماعة.



ج / 1 ص -173- ليفرقوا بين/ 180 فِعْلِ الاثنين وبين الواحد والجميع وهذا لعمري هو القياس على ما أجمعوا عليه في التاء من قولهم: قامت هند وقعدت سلمى, ولكن هذا أدى إلى إلباس إذ كان من كلامهم التقديم والتأخير, فكأن السامع إذا سمع قاموا الزيدون لا يدري هل هو خبر مقدم والواو فيه ضمير, أم الواو عمل الجمع فقط غير ضمير, وكذلك الألف في "قاما الزيدان" فلهذا وغيره من العلل ما جمع على التاء ولم يجمع على الألف والواو فجاز في كل فعل لمؤنث تقول: فعلت ولا يحسنُ سقوطها. إلا أن تفرق بين الاسم والفعل1, فإذا بعُد منه حسن نحو قولهم: حضر اليوم القاضي امرأة.
وقال أبو العباس -رحمه الله: إن التأنيث معنى لازم غير مفارق, إذا لزم المعنى لزمت علامته وليس كذا التثنية والجمع لأنه يجوز أن يفترق الاثنان والجمع فتخبر عن كل واحد منهما2 على حياله3, والتأنيث الحقيقي الذي لا يجوز فعله إلا بعلامة التأنيث هو كل مؤنث له/ 181 ذكر كالحيوان نحو قولك: قامت أمة الله ونتجت فرسك والناقة, إلا أن يضطر شاعر فيجوز له حذف العلامة على قبح, فإن كان التأنيث في الاسم ولا معنى تحته فأنت مخير إن شئت جئت بالتاء لتأنيث اللفظ وإن شئت حذفتها. قال الله عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ}4 "قالوا" لأن الموعظة والوعظ سواء،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المقتضب 2/ 148. قال المبرد: وأما: لقد ولد الأخيطل أم سوء فإنما جاز للضرورة في الشعر جوازا حسنا، ولو كان مثله في الكلام لكان عند النحويين جائزا على بعد، وجوازه للتفرقة بين الاسم والفعل بكلام، فتقديرهم أن ذلك الكلام صار عوضا من علامة التأنيث نحو: حضر القاضي اليوم امرأة، ونزل دارك ودار زيد جارية.
2
في الأصل "منهم".
3
انظر المقتضب جـ2/ 147.
4
البقرة: 275، وهي قراءة الجمهور، وقد قرأ أبي بن كعب والحسن البصري على الأصل: أي: فمن جاءته موعظة، انظر البحر المحيط جـ5/ 294.
قال سيبويه: إنما جاءوا بالتاء للتأنيث لأنها ليست علامة إضمار كالواو والألف، وإنما هي كتاء التأنيث في "كلمة" وليست باسم وقال بعض العرب: قال فلانة، وكلما طال الكلام فهو أحسن نحو قولك: حضر القاضي امرأة، لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل.



ج / 1 ص -174- وقال تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}1, لأن الصيحة والصوت واحد أما قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}2, فإنما جاء على تقدير جماعة فهو تأنيث الجمع ولا واحد لزمه التأنيث فجمع عليه, فلو كان تأنيث الواحد للزمه التاء كما تقول: قامت المسلمات, لأنه على "مسلمة" وتقول: قامت الرجال لأنه تأنيث الجمع.
واعلم: أن الفاعل لا يجوز أن يُقدم على الفعل إلا على شرط الابتداء خاصة, وكذلك ما قام مقامه من المفعولين الذين لم يسم من فَعَلَ بهم, فأما المفعول إذا كان الفعل متصرفًا فيجوز تقديمُه وتأخيره, تقول: ضربت/ 182 زيدًا, وزيدًا ضربتُ, وأكلت خبزًا, وخبزًا أكلت, وضَرَبَتْ هند عمرًا, وعمرًا ضَرَبَتْ هند, وغلامُك أخرج بكرًا, وبكرًا أخرج غلامك, وتقول: أشبع الرجلين الرغيفان, ويكفي الرجلين الدرهمان وتقول: حرق فاه الخل, لأن الخل هو الفاعل وتقول: أعجب ركوبك الدابة زيدًا فالكاف في قولك: "ركوبك" مخفوضة بالإِضافة وموضعها رفع والتقدير: أعجب زيدًا أن رَكِبت الدابة فالمصدر يجر ما أُضيف إليه فاعلًا كان أو مفعولًا ويجري ما بعده على الأصل فإضافته إلى الفاعل أحسن, لأنه له كقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض}3. وإضافته إلى المفعول حسنة لأنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هود: 67.
2
يوسف: 30، "والنسوة اسم جمع عند سيبويه. قال 2/ 89" وليس نسوة بجمع كسر له واحد وانظر ص/ 142، وكذلك عند المبرد في المقتضب 2/ 292، قال: لأن نسوة من امرأة بمنزلة نفر من رجل. ويرى أبو حران: أنها جمع تكسير للقلة لا واحد له من لفظه. انظر البحر المحيط 5/ 299 وهذا مذهب ابن السراج كما ترى.
3
البقرة: 251.



ج / 1 ص -175- به اتصل وفيه حل. تقول: أعجبني بناءُ هذه الدار, وما أحسن خياطةَ هذا الثوب, فعلى هذا يقول: أعجب ركوبُ الفرس عمرو زيدًا أردت: أعجب أن رَكِبَ الفرس عمرو زيدًا. فالفرس وعمرو وركب في صلة/ 183 أن وزيد منتصب بـ"أعجب" خارج عن الصلة تقدمه إن شئت قبل "أعجب" وإن شئت جعلته بين أعجب والركوب وكذلك: عجبت من دق الثوبِ القصارُ, فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفًا ولامًا امتنعت إضافته فجرى كل شيء على أصله, فقلت: أعجب ركوبٌ زيدٌ الفرس عمرًا, وإن شئت قلت: أعجب ركوبٌ الفرسَ زيدٌ عمرًا, ولا يجوز أن تقدم الفرس ولا زيدًا قبل الركوب, لأنهما من صلته فقد صارا1 منه كالياء والدال من زيد. وتقول: ما أعجب شيء شيئًا إعجاب زيدٍ ركوبُ الفرسِ عمرو نصبت "إعجاب", لأنه مصدر وتقديره: ما أعجب شيء شيئًا إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك: أعجب لأن معناه: كما أعجب زيدًا أن ركب الفرس عمروٌ. وتقول: أعجب الأكلُ الخبزَ زيدٌ عمرًا على ما وصفت لك وعلى ذلك قال الله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ, يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة}2, التقدير: أو أن أُطعم. لقوله/ 184 وما أدراك. وتقول: أعجب بيعُ طعامِك رخصُه المشتريه فالتقدير: أعجب أن باع طعامك رخصه الرجل المشتريه. فالرخص هو الذي باع الطعام وتقول: أعجبني ضربُ الضارب زيدًا عبدَ الله رفعت الضرب, لأنه فاعل بـ"أعجبني" وأضفته إلى الضارب, ونصبت زيدًا لأنه مفعول في صلة الضارب, ونصبت عبد الله بالضرب الأول وفاعله "الضارب" المجرور وتقديره: أعجبني أن ضرب الضارب زيدًا عبد الله. وتقول: أعجب إعطاءٌ الدراهم أخاك غلامك أباك نصبت أباك بـ"أعجب" وجعلت غلامك هو الذي أعطى الدراهم أخاك. وتقول: ضَرْبَ الضاربِ عمرًا المكرم زيدًا أحبَّ أخواك نصبت ضرب الأول بـ"أحب" وجررت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "صار".
2
البلد: 14-15.



ج / 1 ص -176- "الضارب" بالإِضافة وعديته إلى "عمرو" ونصبت المكرم زيدًا بضرب الأول, فإن أردت أن لا تعديه إلى عمرو قلت: ضرْبَ الضاربِ المكرمَ زيدًا أحبَّ أخواك, وهذا كله في صلة الضرب لأنك أضفته إلى الضارب/ 185 وسائر الكلام إلى قولك "أحب" متصل به. وتقول: سر دفعك إلى المعطي زيدًا دينارًا درهمًا القائم في داره عمرو1, نصبت القائم "بسر" ورفعت عمرًا بقيامه, ولو قلت: سرّ دفعكَ إلى زيدٍ درهمًا ضربكَ عمرًا كان محالًا, لأن الضرب ليس مما يسرُّ2, ولو قلت: وافق قيامُك قعود زيد, صلح, ومعناه أنهما اتفقا في وقت واحد ولو أردت "بوافق" معنى الموافقة التي هي الإِعجاب لم يصلح إلا في الآدميين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بيان هذه المسألة: أن يكون سر فعلا ماضيا ودفعك مصدرا مرفوعا لأنه فاعل سر، وإلى المعطي، من صلة المصدر والمعطي صلة وموصول وآخره قولك: دينارا، وقولك "درهما" من صلة الدفع وهو آخر صلته، والقائم مفعول سر وهو صلة وموصول، وقولك في "داره" من صلة القائم. وعمرو فاعل القائم وهو آخر صلته والهاء من داره تعود إلى الألف واللام. انظر المقتضب 1/ 20.
2
وكذلك لو قلت: أعجب قيامك قعودك، كان خطأ، انظر المقتضب 1/ 21.



ج / 1 ص -177- باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين:
الفعل الذي يتعدى على مفعولين ينقسم إلى قسمين: فأحدهما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر. والآخر يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر, فأما الذي يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فقولك: أعطى عبد الله زيدًا درهمًا, وكسا عبد الله بكرًا ثوبًا فهذا الباب الذي يجوز فيه الاقتصار على/ 186 المفعول الأول, ولا بد أن يكون المفعول الأول فاعلًا فيه في المعنى بالمفعول الثاني, ألا ترى أنك إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا فزيد المفعول الأول. والمعنى: أنك أعطيته فأخذ الدرهم والدرهم مفعول في المعنى لزيد وكذلك: كسوت زيدًا ثوبًا المعنى: أنّ زيدًا اكتسى الثوب ولبسه.
والأفعال التي تتعدى إلى مفعول واحد كلها إذا نقلتها من "فَعلَ" إلى "أفْعَلَ" كانت من هذا الباب تقول: ضرب زيدًا عمرًا ثم تقول: أضربت زيدًا عمرًا أي: جعلت زيدًا يضرب عمرًا, فعمرو في المعنى مفعول لزيد فهذه هي الأفعال التي يجوز لك فيها الاقتصار على المفعول الأول, لأن الفائدة واقعة به وحده تقول: أعطيت زيدًا ولا تذكر ما أعطيته فيكون كلامًا تاما مفيدًا. وتقول: أضربت زيدًا ولا تقول لمن أضربته.
واعلم: أن من الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين/ 187 في اللفظ وحقه أن يتعدى إلى الثاني بحرف جر, إلا أنهم استعملوا حذف حرف الجر فيه



ج / 1 ص -178- فيجوز فيه الوجهان في الكلام. فمن ذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}1 وسميته زيدًا وكنيت زيدًا أبا عبد الله ألا ترى أنك تقول: اخترت من الرجال وسميته بزيد وكنيته بأبي عبد الله ومن ذلك قول الشاعر:

أستغفرُ اللَه ذَنْبًا لَسْتُ مُحصيهُ رَبَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعَملُ2

وقال عمرو بن معد يكرب:

أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافعَلْ ما أُمِرْتَ بهِ فقدْ تركتُكَ ذَا مالٍ وذَا نَشَبِ3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأعراف: 155.
2
من شواهد سيبويه 2/ 17 على أنه سمع حذف الجار من ثاني مفعولي -استغفر- الذي تعدى إليه بوساطة الحرف. أراد من ذنب، فحذف الجار وأوصل الفعل فنصب.
والذنب: هنا اسم جنس بمعنى الجمع، فلذلك قال: لست محصية. والوجه: القصد، والمراد، وهو بمعنى التوجه.
ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، وانظر المقتضب 2/ 321 و331، والخصائص 3/ 347، وابن يعيش 7/ 63 و8/ 51، والصاحبي لابن فارس 151، ومعاني القرآن 2/ 314، وأدب الكاتب/ 530، والكامل للمبرد/ 209، وأمالي السيد المرتضى 3/ 47.
3
من شواهد سيبويه 1/ 17، على حذف حرف الجر من "الخير". وروى: أمرتك الرشد.. والنشب: المال الثابت كالضياع وغيرها، وهو من نشب الشيء إذا ثبت في موضع ولزمه، وكأنه أراد بالمال هنا الإبل خاصة، فلذلك عطف عليه النشب وقيل: النشب: جميع المال، فيكون على هذا التقدير عطفه على الأول مبالغة وتوكيدا، وسوغ ذلك اختلاف اللفظين: وتركتك: إذا كانت بمعنى: صيرتك، كان "ذا مال" مفعولا ثانيا، وإذا كانت بمعنى: "خلفتك" كان حالا، وقد للتحقيق.
واختلف في نسبة هذا البيت، فسيبويه نسبه إلى معد يكرب كما فعل ذلك ابن السراج. وغيرهما نسبه إلى عدد من الشعراء، كإياس بن عامر وزرعة بن السائب وخفاف بن ندبة، والعباس بن مرداس، وأعشى طرود "بوزن مبرد" انظر المقتضب 2/ 36، 86، 321، 231، وأمالي ابن الشجري 1/ 365، 2/ 240، وابن يعيش 2/ 44، و8/ 50، والكامل/ 32، والمؤتلف والمختلف/ 17، وشروح سقط الزند 4/ 1833.



ج / 1 ص -179- أراد: أستغفر الله من ذنب, وأمرتك بالخير ومن ذلك: دعوته زيدًا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته, وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولًا واحدًا فأصل هذا دخول الباء, فإذا حذف حرف الجر عمل الفعل ومنه: نبئت زيدًا تريد: عن زيد وأنشد سيبويه في حذف حرف الجر قول المتلمس:

آليتُ/ 188حَبَّ العراقِ الدَّهرَ أطعمُهُ والحَبُّ يأكلُهُ في القريةِ السُّوسُ1

وقال: تريد على حب العراق2. وقد خولف في ذلك.
قال أبو العباس: إنما هو: آليت أطعم حب العراق, أي: لا أطعم,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 17 "على انتصاب" حب العراق... على التوسع، إذ التقدير: على حب العراق فحذف الخافض ونصب ما بعده ولم يجعله من "باب زيدا ضربته" والتقدير: أطعمه. وهذه الجملة جواب لـ"آليت" فإن معناه. حلفت، و"لا" لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا. وضمير الخطاب في آليت عائد إلى عمرو بن هند الذي أقسم ألا يذوق المتلمس قمح العراق، أي لا يأتيها. ومعنى الشطر الثاني: أن القمح مبتذل ميسور والبخل به قبيح، وأراد بالقرية: الشام، وبالحب: البر. والمتلمس: هو جرير بن عبد المسيح.
انظر شرح السيرافي 1/ 28، والمغني 1/ 103، و2/ 152، والشعر والشعراء 1/ 182، وجمهرة أشعار العرب/ 113، وروايته: آكله بدلا من أطعمه. ورواية سيبويه والأعلم "بالقرية" والديوان/ 180 ط - ليبزك.
ورواية الديوان: بالقرية السوس، والهمع 1/ 162، والمفصل للزمخشري 2/ 291، وأمالي السيد المرتضى 1/ 130.
2
انظر الكتاب 1/ 17، جعل انتصاب حب العراق على التوسع وإسقاط الخافض وهو "على".



ج / 1 ص -180- كما تقول: والله أبرح ههنا, أي: لا أبرح. وخالفه أيضًا في نبَّأْتُ زيدًا فقالَ: زيدًا معناهُ: أعلمتَ زيدًا ونبَّأْتُ زيدًا معناه: أعلمتُ زيدًا.
واعلم: أنه ليس كل فعل يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل إنما هذا يجوز فيما استعملوه وأُخذ سماعًا عنهم ومن ذلك قول الفرزدق:

مِنَا الَّذي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً وُجودًا إذا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازعُ1

والقسم الثاني: وهو الذي يتعدى إلى معفولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر هذا الصنف من الأفعال التي تنفذ منك إلى غيرك ولا يكون من الأفعال المؤثرة وإنما هي أفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتجعل الخبر/ 189 يقينًا أو شكا, وذلك قولك: حسب عبد الله زيدًا بكرًا وظن عمروٌ خالدًا أخاك وخال عبد الله زيدًا أباك وعلمت زيدًا أخاك ومثل ذلك: رأى عبد الله زيدًا صاحبنا إذا لم ترد رؤية العين. ووجد عبد الله زيدًا ذا الحفاظ إذا لم ترد التي في معنى وجدان الضالة2. ألا ترى أنك إذا قلت: ظننت عمرًا منطلقًا فإنما شكك في انطلاق عمرو لا في عمروٍ, وكذلك إذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 81 على جواز نيابة ثاني مفعولي "اختار" والأصل: اختير زيد الرجال أو من الرجال، فنصب "الرجال" على نزع الخافض، والزعازع: جمع زعزع كجعفر، وهي الريح التي تهب بشدة، عني بذلك الشتاء. وسماحة وجودا: مصدران منصوبان على المفعول لأجله كأنه قيل: اختير من الرجال لسماحته وجوده، ويجوز أن يكونا حالين أو تمييزين. وأراد بقوله: منا أباه غالبا، فإنه كان جوادا. ورواية الديوان والمقتضب كرواية المصنف: "منا" بالخرم لحذف الواو. انظر المقتضب 4/ 330، والهمع 1/ 162، والكامل/ 21 ط ليبزك، والديوان/ 516.
2
في الكتاب 1/ 18 فإن قلت: رأيت فأردت رؤية العين أو وجدت فأردت وجدان الضالة فهو بمنزلة ضربت ولكنك إنما تريد بوجدت علمت وبرأيت ذلك أيضا.



ج / 1 ص -181- قلت: علمت زيدًا قائمًا, فالمخاطب إنما استفاد قيام زيدٍ لا زيدًا لأنه يعرف زيدًا كما تعرفه أنت, والمخاطبُ والمُخاطِبُ في المفعول الأول سواء, وإنما الفائدة في المفعول الثاني, كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر لا في المبتدأ, فلما كانت هذه الأفعال إنما تدخل على المبتدأ والخبر والفائدة في الخبر والمفعول الأول هو الذي كان مبتدأ والمفعول الثاني هو الذي كان الخبرَ بقيَ موضعُ الفائدةِ على حالهِ.
واعلم: أن كل فعل متعد لك ألاّ تعديه وسواء عليك أكان يتعدى إلى مفعول واحد أو إلى مفعولين أو إلى ثلاثة/ 190 لك أن تقول: ضربت ولا تذكر المضروب لتفيد السامع أنه قد كان منك ضرب. وكذلك ظننت يجوز أن تقول: ظننت وعلمت إلى أن تفيد غيرك ذلك.
واعلم: أن ظننت وحسبت وعلمت وما كان نحوهن لا يجوز أن يتعدى واحد منها إلى أحد المفعولين دون الآخر لا يجوز: ظننت زيدًا وتسكت حتى تقول: "قائمًا" وما أشبه. من أجل أنه إنما يدخل على المبتدأ والخبر فكما لا يكون المبتدأ بغير خبر كذلك: "ظننت" لا تعمل في المفعول الأول بغير مفعول ثانٍ. فأما قولهم: ظننت ذاك, فإنما جاز السكوت عليه, لأنه كناية عن الظن يعني المصدر1 فكأنه قال: ظننت ذاك الظن فـ"ذاك": إشارة إلى المصدر تعمل الظن فيه كما تعمل الأفعال التي لا تتعدى في المصدر إذا قلت: قمت قيامًا ويجوز إذا لم تعد: ظننت أن تقول: ظننت به تجعله موضع ظنك, كما تقول: نزلت به ويجوز لك أن تلغي الظن إذا توسط الكلام أو تأخر وإن/ 191 شئت أعملته تقول: زيدٌ ظننت منطلق. وزيدٌ منطلقٌ ظننت فتلغي الظن إذا تأخر ولا يحسن الإِلغاء إلا مؤخرًا, فإذا ألغيت فكأنك قلت: زيدٌ منطلق في ظني ولا يحسن أن تلغيَهُ إذا تقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 18 "وأما ظننت ذاك" فإنما جاز السكوت عليه لأنك تقول: ظننت فتقتصر كما تقول: ذهبت، ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب فـ"ذاك" ههنا هو الظن، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن.



ج / 1 ص -182- مسائل من هذا الباب:
تقول: ظننته أخاك قائمًا, تريد: ظننت الظن, فتكون الهاء كناية عن الظن كأنك قلت: ظننت أخاك قائمًا الظن, ثم كنيتَ عن الظن وأجاز بعضهم: ظننتها أخاك قائمًا يريد: الظنة, وكذلك إن جعلت الهاء وقتا أو مكانًا على السعة, تقول: ظننت زيدًا منطلقًا اليوم, ثم تكني عن اليوم فتقول: ظننت زيدًا منطلقًا فيه, ثم تحذف حرف الجر على السعة فتقول: ظننته زيدًا منطلقًا, تريد: ظننت فيه والمكان كذلك وإذا ولي الظن حروف الاستفهام وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول: علمت أزيدٌ في الدار أم عمرو وعلمت إن زيدًا لقائم وأخال/ 192 لعمرو أخوك, وأحسب ليقومن زيد, ومن النحويين من يجعل ما ولا كـ"أَنْ" واللام في هذا المعنى فيقول: أظن ما زيد منطلقًا وأحسب لا يقوم زيد لأنه يقول: والله ما زيد محسنًا ووالله لا يقوم وزيد. وتقول: ظننته زيدٌ قائمٌ تريد ظننت الأمر والخبر وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول1. وتقول ظننته هند قائمة فتذكر لأنك تريد الأمر والخبر وظننته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يطلق عند الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه، ويسميه البصريون ضمير الشأن والقصة والحديث، ولا خلاف بين الفريقين في مأخذ التسمية فكلاهما يريد به ضميرا لا يعود على شيء تقدم عليه في الذكر، وإنما يعود على الجملة التالية له. ويرى البصريون أن ضمير الشأن إنما يتقدم جملة يكون هو كناية عنها، وتكون هي خبرا عنه، انظر شرح المفصل 3/ 114 ومؤدى هذا الكلام: أن خبره يكون جملة دائما، إلا أن الفراء وسائر الكوفيين يرون جواز الإخبار عنه بالمفرد فيجيزون نحو: كان قائما زيد، وكان قائما الزيدان، وكان قائما الزيدون، ولا يكون هذا الضمير عند الفراء مستأنفا به حتى يكون قبله "إن" أو بعض أخوات كان أو ظن، ولذلك كان يرد على الكسائي زعمه أن "هو" من قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هو المجهول أو ضمير الشأن، وكان يرى أنه ضمير اسم الله تعالى، وكان يقول: قال الكسائي فيه قولا لا أراه شيئا، لأن الكسائي كان يوافق البصريين على أنه ضمير الشأن.
انظر معاني القرآن ورقة 222 وشرح المفصل 3/ 114.



ج / 1 ص -183- تقوم هند, ويجوز في القياس: ظننتها زيد قائم, تريد: القصة1. ولا أعلمه مسموعًا من العرب. فأما الكوفيون فيجيزون تأنيث المجهول وتذكيره إذا وقع بعده المؤنث, يقولون: ظننته هند قائمة, وظننتها هند قائمة وتقول: ظننته قائم زيد والهاء كناية عن المجهول. والكوفيون يجيزون إذا ولي هذه الهاء فعل دائم2 النصب, فيقولون: ظننته قائمًا زيدٌ ولا أعرف لذلك وجهًا في القياس ولا السماع من العرب/ 193 وتقول: زيدٌ أظنُّ منطلقٌ فتلغي "أظنُّ" كما عرفتك. وتقول: خلفكَ أحسبُ عمروٌ قامَ وقائمٌ أظن زيد فتلغي, وإن شئت أَعملت والكوفيون لا يجيزون إذا تقدمه ماضٍ أو مستقبل أن يعملوا3. ويجيزون أن يعمل إذا تقدمه اسم أو صفة, والإِلغاء عندهم أحسن.
قال أبو بكر وذلك عندنا سواء. قال الشاعر:

أَبالأراجيزِ يابنَ اللُّؤمِ تُوعِدُني وفي الأَراجِيزِ خلتُ اللومُ والخورُ 4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: ضمير المجهول أو الشأن.
2
المراد بالفعل الدائم: اسم الفاعل على رأي الكوفيين والبصريين معا.
3
في الأصل يعلموا فيها تقديم وتأخير في الحروف.
4
من شواهد سيبويه 1/ 61 "على رفع" اللؤم والخور "بعد" "خلت" لما تقدم عليها من الخبر ونوى فيها من التأخير. والتقدير: وفي الأراجيز اللؤم والخور خلت ذلك. والبيت: للعين المنقري، منازل ابن زمعة من بني منقر يهجو رؤبة بن العجاج، وقيل: يهجو العجاج نفسه. وبيت اللعين هذا من قصيدة رويها لام، وقبل الشاهد:

أني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني يا رؤب والحية الصماء في الجبل

أبالأراجيز... ........

على أن في بيت الشاهد إقواء وهو اختلاف حركة الروي. وهكذا رواه السيوطي في الهمع 1/ 153، وروى أيضا:

وفي الأراجيز رأس القول والفشل

وليس في هذه الرواية إقواء، ولكنها لا شاهد فيها. وقوله: يا رؤب، فإن أصله: يا رؤبة فرخم بحذف التاء، وهذا يؤيد ما ذهب إليه جماعة من أن اللعين يهجو بهذه الكلمة رؤبة لا أباه العجاج. وقوله: أبالأراجيز: فإنه يعني القصائد المرجزة الجارية على بحر الرجز. والخور: الضعف. وتوعدني: تتهددني. وانظر شرح السيرافي 1/ 253، وابن يعيش 7/ 84، والمفصل للزمخشري 261، وأمالي السيد المرتضى 4/ 90.



ج / 1 ص -184- فألغى: "خلتُ" ويلغي المصدر كما يلغي الفعل, وتقول: عبد الله ظني قائم وفي ظني وفيما أظن وظنا مني, فهذا يلغي وهو نصب تريد: أظن ظنا وإذا قلت: في ظني "ففي" من صلة كلامك جعلت ذلك فيما تظن.
وحكي عن بعضهم: أنه جعله من صلة خبر عبد الله لأن قيامه فيما يظن, وتقول: ظننت زيدًا طعامَكَ آكلًا, وطعامكَ ظننت زيدًا آكلًا. ولا يجوز: ظننت طعامك زيدًا آكلًا, من حيث قبح: كانت زيدًا الحمّى تأخذ, وهذه/ 194 المسألة توافق: كانتْ زيدًا الحمى تأخذُ من جهة وتخالفها من جهة, أما الجهة التي تخالفها فإن "كانت" خالية من الفاعل وظننت معها الفاعل, والفعل لا يخلو من الفاعل. والتفريق بينه وبين الفاعل أقبح منه بينه وبين المفعول. والذي يتفقان فيه أن "كان" تدخل على مبتدأ وخبر وظننت تدخل على مبتدأ وخبر, فهما يستويان من هذه الجهة. وقد فرقت بينهما وبين ما عملا فيه بما لم يعملا فيه. فإن أعملت: "ظننت" في مجهول جاز كما جاز في "كان" ورفعت زيدًا وخبره فقلت: ظننته طعامك زيدٌ آكلٌ ويجوز: ظننته آكل زيد طعامك ويجوز في قول الكوفيين نصب آكل.
وقد أجاز قوم من النحويين: ظننت عبد الله يقوم وقاعدًا وظننت عبد الله قاعدًا ويقوم. ترفع "يقوم" وأحدهما نسق على الآخر. ولكن إعرابهما مختلف, وهو عندي قبيح من أجل عطف الاسم على الفعل, والفعل على الاسم لأن العطف أخو التثنية/ 195 فكما لا يجوز أن ينضم فعل إلى اسم في تثنية, كذلك لا يجوز في العطف ألا ترى أنك إذا قلت: زيدان, فإنما معناه: زيد وزيد فلو كانت الأسماء على لفظ واحد لاستغني عن العطف,



ج / 1 ص -185- وإنما احتيج إلى العطف لاختلاف الأسماء, تقول: جاءني زيد وعمرو لما اختلف الاسمان ولو كان اسم كل واحد منهما عمرو لقلت: جاءني العمران, فالتثنية نظير العطف, ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول: جاءني زيد وزيد فحق الكلم التي يعطف بعضها على بعض أن يكون متى اتفقت ألفاظها جاز تثنيتها, وما ذكروا جائز في التأويل لمضارعة "يَفْعَلُ" لفاعل وهو عندي قبيح لما ذكرت لك. وتقول: ظن ظانا زيدًا أخاك عمرو تريد: ظن عمرو ظانا زيدًا أخاك رفعت عمرًا وهو المفعول الأول إذ قام مقام الفاعل ونصبت "ظانا", لأنه المفعول الثاني فبقي على نصبه. ويجوز أن ترفع ظانا وتنصب عمرًا فتقول: ظن ظان زيدًا أخاك عمرًا كأنك قلت/ 196: ظن رجل ظان زيدًا أخاك عمرًا فترفع "ظانا" بأنه قد قام مقام الفاعل وتنصب زيدًا أخاك به وتنصب عمرًا, لأنه مفعول "ظن". وهو خبر ما لم يسم فاعله وتقول: ظن مظنون عمرًا زيدًا. كأنك قلت: ظن رجل مظنون عمرًا زيدًا فترفع "مظنون" بأنه قام مقام الفاعل وفيه ضمير رجل والضمير مرتفع بـ"مظنون" وهو الذي قام مقام الفاعل في مظنون وعمرًا منصوب بـ"مظنون" وزيدًا منصوب بـ"ظن". وتقول: ظن مظنون عمرو أخاه زيدًا كأنك قلت: ظن رجل مظنون عمرو أخاه زيدًا و"مظنون" في هذا وما أشبهه من النعوت يسميه الكوفيون خلفًا1, يعنون أنه خلف من اسم. ولا بد من أن يكون فيه راجع إلى الاسم المحذوف. والبصريون يقولون: صفة قامت مقام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أقسام الكلمة عند الفراء أكثر من الثلاثة المعروفة، فقد جعل كلمة "كلا" ليست قسما خاصا بين الأسماء والأفعال، فهي ليست باسم، كما أنها ليست بفعل، وبالطبع ليست بحرف كما هو واضح من كلامه في طبقات الزبيدي 145، وقال صاحب التصريح 1/ 25: بأنها تمثل عند الفراء قسما مستقلا، وربما كان هذا القسم هو الذي أطلق عليه اسم الخالفة لأنه يطلق على ما يسمى عند البصريين باسم الفعل، وما اسم الفعل إلا كلمة هي بين الأسماء والأفعال لوجود علامات كل منهما فيهما، فكلمة "كلا" واسم الفعل يشتركان في هذه الصيغة ولهذا نرى أنهما قسم واحد هو الذي أطلق عليه الكوفيون اسم الخالفة.



ج / 1 ص -186- الموصوف والمعنى واحد, فيرفع "مظنون" بأنه قام مقام الفاعل وهو ما لم يسم فاعله وترفع عمرًا بـ"مظنون" لأنه قام مقام الفاعل في مظنون. ونصبت أخاه بـ"مظنون"/ 197 ورجعت الهاء إلى الاسم الموصوف الذي "مظنون" خلف منه ونصبت زيدًا بـ"ظن" فكأنك قلت: ظن رجل زيدًا ولو قتل: ظن مظنون عمرو أخاك زيدًا لم يجز لأن التأويل: ظن رجل مظنون عمرو أخاك زيدًا فـ"مظنون" صفة لرجل ولا بد من أن يكون في الصفة أو فيما تشبثت به الصفة ما يرجع إلى رجل. وليس في هذه المسألة ما يرجع إلى رجل فمن أجل ذلك لم يجز ويجوز في قول الكوفيين: ظن زيد قائمًا أبوه على معنى أن يقوم أبوه. ولا يجيز هذا البصريون لأنه نقض لباب "ظن" وما عليه أصول الكلام وإنما يجيز هذا الكوفيون فيما عاد عليه ذكره. وينشدون:

أظنُّ ابنَ طُرثُوثٍ عُتيبةُ ذَاهِبًا بعَاديتي تكذابُهُ وجَعائلُه1


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
العادية: البئر القديمة. والجعائل: جمع جعالة، وهي هنا الرشوة، والشاهد لذي الرمة. وكان قد اختصم هو وابن طرثوث في بئر فأراد أن يقضي له بها. ورواية الديوان: لعل ابن طرثوب: انظر معاني القرآن 1/ 415. والديوان 1/ 473.



ج / 1 ص -187- باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين:
اعلم: أن المفعول الأول في هذا الباب هو الذي كان فاعلًا في الباب الذي قبله فنقلته من فَعَلَ إلى "أفعلَ" فصار الفاعل مفعولًا, وقد بينت هذا فيما تقدم, تقول/ 198 رأى زيد بشرًا أخاك, فإذا نقلتها إلى "أفعل" قلت: أرى الله زيدًا بشرًا أخاك, وأعلم الله زيدًا بكرًا خير الناس. وقد جاء "فَعَلْتُ" في هذا النحو تقول: نبأت زيدًا عمرًا أبا فلان ولا يجوز الإِلغاء في هذا الباب, كما جاز في الباب الذي قبله لأنك إذا قلت: علمت وظننت وما أشبه ذلك فهي أفعال غير واصلة, فإذا قلت: "أعلمت" كانت واصلة فمن هنا حسن الإِلغاء في "ظننت وعلمت"ولم يجز إلغاء: "علمت" لأنك إذا "ظننت", فإنما هو شيء وقع في نفسك لا شيء فعلتَه. وإذا قلت: "أعلمت" فقد أثرت أثرًا أوقعته في نفس غيرك. ومع ذلك فإن: "ظننت وعلمت" تدخلان على المبتدأ والخبر فإذا ألغينا بقي الكلام تاما مستغنيًا بنفسه تقول: زيدًا ظننت منطلقًا, فإذا ألغيت: "ظننت" بقي زيد ومنطلق فقلت: زيد منطلق ثم تقول "ظننت" والكلام مستغن والملغى نظير المحذوف, فلا يجوز أن يلغى من الكلام ما إذا حذفته بقي الكلام غير تام ولو ألغيت: "أعلمت ورأيت" من/ 199 قولك: أريت زيدًا بكرًا خير الناس وأعلمت بشرًا خالدًا شر الناس -والملغى كالمحذوف- لبقي زيد بكر خير الناس فزيد بغير خبر والكلام غير مؤتلف ولا تام.



ج / 1 ص -188- واعلم: أن هذه الأفعال المتعدية كلها ما تعدى منها إلى مفعول وما تعدى منها إلى اثنين وما تعدى منها إلى ثلاثة إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين, فلم يكن بعد ذلك متعدي, تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى مفعول من المصدر والظرفين والحال1, وذلك قولك: أعطى عبد الله زيدًا المال إعطاء جميلًا, وأعلمت هذا زيدًا قائمًا العلم اليقين إعلامًا لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 19 قال سيبويه: واعلم: أن هذه الأفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما تعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل وذلك قولك: أعطى عبد الله زيدا المال إعطاء جميلا.

مسائل من هذا الباب:
تقول: سرقت عبد الله الثوب الليلة1, فتعدى "سَرَقْتُ" إلى ثلاثة مفعولين, على أن لا تجعل "الليلة" ظرفًا, ولكنك تجعلها مفعولًا على السعة في اللغة كما تقول: يا سارق الليلة زيدًا الثوب. فتضيف "سارقًا" إلى الليلة وإنما تكون الإِضافة إلى الأسماء/ 200 لا إلى الظروف وكذلك حروف الجر, إنما تدخل على الأسماء لا على الظروف فكل منجر بجار عامل فيه فهو اسم وتقول: أعلمت زيدًا عمرًا هندٌ معجبها هو. كان أصل الكلام: علم زيدًا عمرًا هند معجبها هو. فزيد مرفوع بـ"عَلَم" وعمرو منصوب بأنه المفعول الأول وهند مرتفعة بالابتداء "ومعجبها" هو الخبر و"هو" هذه كناية عن عمرو وراجعة إليه فلم يجز أن تقول: معجبها ولا تذكر "هو", لأن أسماء الفاعلين إذا جرت على غير من هي له لم يكن بد من إظهار الفاعل. وقد بينا هذا فيما تقدم و"هند" وخبرها الجملة بأسرها قامت مقام المفعول الثاني وموضعها نصب فإذا نقلت "علم" إلى "أعلمت" صار زيد مفعولًا فقلت: أعلمت زيدًا عمرًا هند معجبها هو, فإن قيل لك أكن عن "هند معجبها هو"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 1/ 19 إذا قلت: سرقت عبد الله الثوب الليلة لا تجعله ظرفا ولكن كما تقول: يا سارق الليلة زيدا الثوب، لم تجعلها ظرفا.



ج / 1 ص -189- قلت: أعلمت زيدًا عمرًا إياه, لأن موضع الخبر نصب. وهذا إذا كنيت عن معنى الجملة لا عن الجملة وتقول: أعلمته زيدًا أخاك قائمًا, تريد: أعلمت العلم فتكون الهاء كناية/ 201 عن المصدر كما كانت في "ظننته زيدًا أخاك" فإن جعلت الهاء وقتًا أو مكانًا على السعة جاز كما كان في "ظننته" وقد فسرته في باب مسائل "ظننت". ومن قال ظننته زيد قائم: فجعل الهاء كناية عن الخبر والأمر وهو الذي يسميه الكوفيون المجهول1, لم يجز له أن يقول في "أعلمت زيدًا عمرًا خير الناس" أعلمته زيدًا عمرو خير الناس لما خبرتك به من أنه يبقى زيد بلا خبر, وإنما يجوز ذلك في الفعل الداخل على المبتدأ والخبر, فلا يجوز هذا في "أعلمت", كما لا يجوز الإِلغاء لأنك تحتاج إلى أن تذكر بعد الهاء خبرًا تاما يكون هو بجملته تلك الهاء والأفعال المؤثرة لا يجوز أن يضمر فيها المجهول, إنما تذكر المجهول مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر نحو: كان وظننت وأن وما أشبه ذلك2. ألا ترى أن تأويل: ظننته زيد قائم, ظننت الأمر والخبر زيد قائم وكذلك إذا قلت: إنَّه زيد قائم فالتأويل: أن الأمر زيد قائم وكذلك: كان زيد قائم إذا كان فيها مجهول التأويل/ 202 كان الأمر زيد قائم ولا يجوز أن تقول: أعلمت الأمر ولا أريت الأمر هو ممتنع من جهتين: من جهة أن زيدًا يكون بغير خبر يعود إليه, ولو زدت في المسألة أيضًا ما يرجع إليه ما جاز من الجهة الثانية. وهي أنه لا يجوز: أعلمت الخبر خبرًا إنما يعلم المستخبر وتقول: أعلمت عمرًا زيدًا ظانا بكرًا أخاك كأنك قلت: أعلمت عمرًا زيدًا رجلًا ظانا بكرًا أخاك. فإن رددت إلى ما لم يسم فاعله قلت: أعلم عمرو زيدًا ظانا بكرًا أخاك ولك أن تقيم "زيدًا" مقام الفاعل وتنصب عمرًا فتقول: أعلم زيد عمرًا ظانا بكرًا أخاك ولا يجوز: أعلم ظان بكرًا أخاك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يطلق الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه ضمير المجهول الذي يسميه البصريون ضمير الشأن والقصة.
2
انظر معاني القرآن/ 222. ورقة.



ج / 1 ص -190- عمرًا زيدًا. من أجل أن حق المفعول الثالث أن يكون هو الثاني في المعنى, إذ كان أصله المبتدأ والخبر وقد تقدم تفسير ذلك, فإن كان عمرو هو زيد له اسمان جاز وجعلته/ 203 هو على أن يغني غناه, ويقوم مقامه, كما تقول: زيد عمرو, أي: إن أمره وهو يقوم مقامه جازَ, وإلا فالكلام محالٌ, لأن عمرًا لا يكون زيدًا.

شرح الثالث: وهو المفعول فيه:
المفعول فيه ينقسم على قسمين: زمان ومكان, أما الزمان, فإن جميع الأفعال تتعدى إلى كل ضرب منه معرفة كان أو نكرة. وذلك أن الأفعال صيغت من المصادر بأقسام الأزمنة كما بينا فيما تقدم, فما نصب من أسماء الزمان فانتصابه على أنه ظرف, وتعتبره بحرف الظرف أعني. "في" فيحسن معه فتقول: قمت اليوم, وقمت في اليوم, فأنت تريد معنى "في" وإن لم تذكرها, ولذلك سميت -إذا نصبت- ظروفًا؛ لأنها قامت مقام "في" ألا ترى أنك إذا قلت: قمت اليوم, ثم قيل لك: أكن عن اليوم قلت: قمت فيه1, وكذلك: يوم الجمعة ويوم الأحد والليلة وليلة السبت وما أشبه ذلك وكذلك: نكراتها نحو قولك: قمت يومًا وساعة وليلة وعشيا وعشيةً وصباحًا ومساءً/ 204. فأما سحر إذا أردت به سحر يومك وغدوة وبكرة هذه الثلاثة الأحرف, فإنها لا تتصرف2, تقول: جئتك اليوم سحر وغدوة وبكرة يا هذا وسنذكرها في موضعها فيما يتصرف وما لا يتصرف إن شاء الله.
وكل ما جاز أن يكون جواب "متى" فهو زمان ويصلح أن يكون ظرفًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد في المقتضب 4/ 330 واعلم: أن هذه الظروف المتمكنة -يعني التي يصح أن تقع مسندا إليه يجوز أن تجعلها أسماء فتقول: يوم الجمعة قمته في موضع قمت فيه، والفرسخ سرته، ومكانكم جلسته، وإنما هذا اتساع، والأصل ما بدأنا به لأنها مفعول فيها، وليست مفعولا بها، وإنما هذا على حذف حرف الإضافة.
2
أي: إنها لا تقع مسندا إليه، فلا تكون إلا ظرفا.



ج / 1 ص -191- للفعل. يقول القائل: متى قمت؟ فتقول: يوم الجمعة, ومتى صمت؟ فتقول: يوم الخميس, ومتى قدم فلان؟ فتقول: عام كذا وكذا, وكل ما كان جواب متى فالعمل يجوز أن يكون في بعضه وفي كله يقول القائل: متى سرت؟ فتقول: يوم الجمعة, فيجوز أن يكون سرت بعض ذلك اليوم, ويجوز أن يكون قد سرت اليوم كله "وكم". من أجل أنها سؤال عن عدد تقع على كل معدود والأزمنة مما يعد فهي يسأل بها عن عدد الأزمنة فيقول القائل: كم سرت؟ فتقول: ساعة أو يومًا أو يومين ولا يسأل "بكم" إلا عن نكرة "ومتى" لا يسأل بها إلا عن معرفة أو ما قارب المعرفة يقول القائل/ 205: كم سرت؟ فتقول: شهرين أو شهرًا أو يوما ولا يجوز أن تقول: الشهر الذي تعلم ولا اليوم الذي تعلم لأن هذا من جواب "متى". وأما قولهم: سار الليل والنهار والدهر والأبد فهو وإن كان لفظه لفظ المعارف فهو في جواب "كم", ولا يجوز أن يكون جواب "متى", لأنه إنما يراد به التكثير وليست بأوقات معلومة محدودة فإذا قالوا: سِيرَ عليه الليل والنهار فكأنهم قالوا: سِيرَ عليه دهرًا طويلًا وكذلك الأبد فإنما يراد به التكثير والعدد وإلا فالكلام محال.
وذكر سيبويه: أن المحرم وسائر أسماء الشهور أجريت مجرى الدهر والليل والنهار وقال لو قلت: شهر رمضان أو شهر ذي الحجة كان بمنزلة يوم الجمعة أو البارحة ولصار جواب "متى"1 فالمحرم عنده بلا ذكر "شهر" يكون في جواب "كم" فإن أضفت شهرًا إليه صار في جواب "متى" وحجته في ذلك استعمال العرب له لذلك قال: وجميع ما ذكرت لك مما يكون مجرى على "متى" يكون مجرى على "كم" ظرفًا2 / 206 وغير ظرف. وبعض ما يكون في "كم" لا يكون في "متى" نحو: الدهر والليل والنهار3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 111.
2
الكتاب 1/ 111. والنص: وجميع ما ذكرت لك مما يكون على "متى" يكون مجرى على كم ظرفا وغير ظرف.
3
انظر الكتاب 1/ 111.



ج / 1 ص -192- واعلم: أن أسماء الأزمنة تكون على ضربين: فمنها ما يكون اسمًا ويكون ظرفًا ومنها ما لا يكون إلا ظرفًا, فكل اسم من أسماء الزمان فلك أن تجعله اسمًا وظرفًا إلا ما خصته العرب بأن جعلته ظرفًا وذلك ما لم تستعمله العرب مجرورًا ولا مرفوعًا. وهذا إنما يؤخذ سماعًا عنهم فمن ذلك: "سحر" إذا كان معرفة غير مصروف تعني به: سحر يومك لا يكون إلا ظرفًا وإنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر [و]1 بالألف واللام2 أو نكرة وكذلك تحقير سحر إذا عنيت: سحر يومك لم يكن إلا ظرفًا. تقول: سير عليه سحيرًا وتصرفه لأن "فعيلًا" منصرف حيث كان. ومثله ضحى إذا عنيت: ضحى يومك وصباحًا وعشية وعشاء إذا أردت: عشاء يومك فإنه لم يستعمل إلا ظرفًا وكذلك: ذات مرة/ 207 وبعيدات بينَ3 وبكرًا4 وضحوة إذا عنيت ضحوة يومك وعتمة إذا أردت: عتمة ليلتك وذات يوم وذات مرة وليل ونهار إذا أردت: ليل ليلتك ونهار نهارك وذو صباح ظرف. قال سيبيويه: أخبرنا بذلك يونس إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم: ذات ليلة وذات مرة5 أي: جاءتا مرفوعتين فيجوز على هذا أن تنصب نصب المفعول على السعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أضيفت واوا لأن المعنى يحتاجها.
2
انظر الكتاب 1/ 115.
3
في اللسان: أبو عبيد، يقال: لقيته بعيدات إذا لقيته بعد حين، وقيل: بعيدات بين، أي بعيد فراق وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضا ثم يأتيه.
4
البكر: بمعنى البكرة كما في اللسان.
5
انظر الكتاب 1/ 115 قال سيبويه: أخبرنا بذلك يونس عن العرب، إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم مفارقا لذات مرة وذات ليلة، وأما الجيدة العربية فأن يكون بمنزلتها، وقال رجل من خثعم:

عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسود من يسود

فهو على هذه اللغة، يجوز فيه الرفع.



ج / 1 ص -193- واعلم: أن العرب قد أقامت أسماء ليست بأزمنة مقام الأزمنة اتساعًا واختصارًا وهذه الأسماء تجيء على ضربين:
أحدهما: أن يكون أصل الكلام إضافة أسماء الزمان إلى مصدر مضاف فحذف اسم الزمان اتساعًا نحو: جئتك مقدم الحاج, وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر1, فالمراد في جميع هذا: جئتك وقت مقدم الحاج ووقت خفوق النجم ووقت خلافة فلان ووقت صلاة العصر.
والآخر: أن يكون اسم الزمان موصوفًا فحذفا اتساعًا وأُقيم الوصف مقام الموصوف/ 208 نحو: طويل وحديث وكثير وقليل وقديم وجميع هذه الصفات إذا أقمتها مقام الأحيان لم يجز فيها الرفع ولم تكن إلا ظروفًا وجرت مجرى ما لا يكون إلا ظرفًا من الأزمنة فأما قريب فإن سيبويه أجاز فيه الرفع وقال: لأنهم يقولون: لقيته مذ قريب وكذلك ملى, قال: والنصب عندي عربي كثير2. فإن قلت: سير عليه طويل من الدهر, وشديد من السير فأطلقت الكلام ووصفته, كان أحسن وأقوى وجاز3.
قال أبو بكر: وإنما صار أحسن إذا وصف لأنه يصير كالأسماء, لأن الأسماء هي التي توصف وكل ما كان من أسماء الزمان يجوز أن يكون اسمًا, وأن يكون ظرفًا فلك أن تنصبه نصب المفعول على السعة تقول: قمت اليوم وقعدت الليلة فتنصبه نصب "زيد" إذا قلت: ضربت زيدًا ويتبين لك هذا في الكناية أنك إذا قلت: قمت اليوم فتنصبه نصب المفعول على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه 1/ 114: هذا باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار وذلك قولك: متى سير عليه، فيقول: مقدم الحاج وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر، فإنما هو: زمن مقدم الحاج وحين خفوق النجم ولكنه على سعة الكلام والاختصار.
2
الكتاب 1/ 116. ونص سيبويه: وقد يحسن أن تقول: سير عليه قريب، لأنك تقول: لقيته مذ قريب، والنصب عربي كثير جيد.. ومن ذلك ملى من النهار والليل، تقول: سير عليه ملى والنصب فيه كالنصب في قريب.
3
انظر الكتاب 1/ 117.



ج / 1 ص -194- السعة فكنيت/ 209 عنه قلت: قمته وإذا نصبته نصب الظروف قلت: قمت فيه. وإذا وقع موقع المفعول جاز أن يقوم مقام الفاعل فيما لم يُسَم فاعلُهُ. ألا تراهم قالوا: صِيد عليه يومان وولد له ستون عامًا1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 114.

مسائل من هذا الباب:
تقول: يوم الجمعة القتال فيه, فيوم الجمعة مرفوع بالابتداء, والقتال فيه الخبر, والهاء راجعة إلى يوم الجمعة وإذا أضمرته وشغلت الفعل عنه خرج من أن يكون ظرفًا, والظروف متى كني وتحدث عنها زال معنى الظرف, ويجوز: يوم الجمعة القتال فيه, على أن تضمر فعلًا قبل يوم الجمعة يفسره القتال فيه, كأنك قلت: القتال يوم الجمعة القتال فيه, هذا مذهب سيبويه1 والبصريين فلك أن تنصبه نصب الظروف ونصب المفعول.
وتقول: اليوم الصيام, واليوم القتال فترفع الصيام والقتال بالابتداء, واليوم خبر الصيام والقتال, واليوم منصوب بفعل محذوف, كأنك قلت: الصيام يستقر اليوم/ 210 أو يكون اليوم, وما أشبه ذلك, ولا يجوز أن تقول: زيدٌ اليوم, ويجوز أن تقول: الليلة الهلال2. وقد بينا هذا فيما تقدم عند ذكرنا خبر المبتدأ.
وتقول: اليوم الجمعة واليوم السبت, لأنه عمل في اليوم, فإن جعلته اسم اليوم رفعت. فأما: اليوم الأحد واليوم الاثنان إلى الخميس فحق هذا الرفع لأن هذه كلها أسماء لليوم ولا يكون عملًا فيها3 وإنما كان ذلك في الجمعة والسبت لأن الجمعة بمعنى الاجتماع والسبت بمعنى الانقطاع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 114 و208.
2
في الكتاب 1/ 208 وإن قلت: الليلة الهلال واليوم القتال نصبت، التقديم والتأخير في ذلك سواء، وإن شئت رفعت فجعلت الآخر الأول، وكذلك: اليوم الجمعة، واليوم السبت وإن شئت رفعت.
3
انظر الكتاب 1/ 208.



ج / 1 ص -195- وتقول: اليومُ رأس الشهر, واليومَ رأس الشهر, أما النصب فكأنك قلت: اليوم ابتداء الشهر وأما الرفع فكأنك قلت: اليوم أول الشهر فتجعل اليوم هو الأول. وإذا نصبت فالثاني غير الأول.
واعلم: أن أسماء الزمان تضاف إلى الجمل وإلى الفعل1 والفاعل وإلى الابتداء والخبر, تقول: هذا يوم يقوم زيد, وأجيئك يوم يخرج الأمير, وأخرج يوم عبد الله/ 211 أمير وتقول: إن يوم عبد الله أمير زيدًا جالس, تريد: أن زيدًا جالس يوم عبد الله أمير, فإن جعلت في أول كلامك "فيه" قلت: إن يومًا فيه عبد الله خارج زيدًا مقيم فتنصب "زيدًا" بـ"أن" و"مقيم" خبره و"يومًا" منتصب بأنه ظرف لـ"مقيم" و"فيه عبد الله خارج" صفة ليوم فإن قلت: إن يومًا فيه عبد الله خارج زيد فيه مقيم, خرج اليوم من أن يكون ظرفًا وصار اسمًا لـ"أَنَّ" وإنما أخرجه من أن يكون ظرفًا: أنك جئت "بفيه" فأخبرت عنه: بأن إقامة زيد فيه, فـ"فيه" الثانية أخرجته عن أن يكون ظرفًا, لأنها شغلت مقيمًا عنه, ولم تخرجه "فيه" الأولى من أن يكون ظرفًا, لأنها من صلة الكلام الذي هو صفة "لليوم" فالصفة لا تعمل في الموصوف فيكون متى شغلتها خرج الظرف عما هو عليه, وإنما دخلت لتفصل بين يوم خرج فيه عبد الله وبين يوم لم يخرج فيه فقولك: يوم الجمعة قمت فيه بمنزلة قولك: زيد مررت به لا فرق في الإِخبار عنهما وتقول: ما اليوم خارجًا فيه عبد الله وما يوم خارج/ 212 فيه عبد الله منطلقًا فيه زيد. وتقول: ما يومًا خارجًا فيه زيد منطلق عمرو, فتنصب يومًا بأنك جعلته ظرفًا للانطلاق ونصبت "خارجًا", لأنه صفة لليوم, وأما "منطلق" فإنما رفعته لأنك قدمت خبر "ما".
ومن قال: يا سَارِقَ اللَّيلةِ أَهْلَ الدَّارِ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 461، والمقتضب 2/ 347.
2
من شواهد سيبويه 1/ 89 على إضافة "سارق" إلى الليلة ونصب "أهل" للاتساع في الظروف فنصبت نصب المفعول به. وكان بعض النحويين ينصب "الليلة" ويخفض "أهل" فيقول: يا سارق الليلة أهل الدار
ونقل البغدادي عن ابن خروف: أن أهل الدار منصوب بإسقاط الجار ومفعوله الأول محذوف والمعنى: يا سارق الليلة لأهل الدار متاعا، فسارق متعد لثلاثة: أحدها: الليلة على السعة، والثاني: بعد إسقاط حرف الجر، والثالث: مفعول حقيقي. وجميع الأفعال متعديها ولازمها يتعدى إلى الأزمنة الثلاثة والأمكنة. قال البغدادي وفيه نظر. وهذا الرجز لم ينسبه أحد لقائل معين.
وانظر: الحجة لأبي علي 1/ 14، والمحتسب 2/ 295، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، والمفصل للزمخشري/ 45، وشرح الحماسة/ 655، ومعاني الفراء 2/ 80، وابن يعيش 2/ 45.



ج / 1 ص -196- فجر "الليلة" وجعلها مفعولًا بها على السعة, فإنه يقول: أما الليلة فأنت سارقها زيدا, وأما اليوم فأنتَ آكله خبزًا, وهذان اليومان أنا ظانهما زيدًا عاقلًا, لأنه قد جعله مفعولًا به على السعة ولا تقول: اليوم أنا معلمه زيدًا بشرًا منطلقًا, لأنه لا يكون فعل يتعدى إلى أربعة مفاعيل فيشبه هذا به, وقد أجازه بعض الناس. وتقول على هذا القياس: أما الليلة فكأنها زيدٌ منطلقًا, وأما اليوم فليسه زيد منطلقًا, وأما الليلة فليس زيد إياها منطلقًا, وأما اليوم, فكأنه زيد منطلقًا, وأما اليوم فكان زيد إياه منطلقًا تريد في جميع هذا: "في" فتحذف على السعة ولا تقول: أما اليوم فليته زيدًا منطلق/ 213 تريد: ليت فيه؛ لأن "ليت" ليست بفعل ولا هذا موضعَ مفعولٍ فيتسع فيهِ. وجميع هذا مذهب الأخفش.
وذكر الأخفش أنه يجوز: أما الليلة فما زيد إياها منطلقًا, لأن "ما" مشبه بالفعل قال: لم يجوزه في "ما" فهو أقيس؛ لأن "ما" وإن كانت شبهت بالفعل فليست كالفعل.
قال أبو بكر: وهو عندي لا يجوز البتة. وتقول: الليلة أنا أنطلقها,



ج / 1 ص -197- تريد: أنا أن أنطلق فيها. وتقول: الليلة أنا منطلقها تريد: أنا منطلق فيها ولا يجوز: الليلة أنا إياها منطلق ولا: اليوم نحن إياه منطلقون تريد: نحن منطلقون فيه ولا يجوز: أما اليوم فالقتال إياه تريد فيه, وأما الليلة فالرحيل إياها تريد: فيها لأن السعة والحذف لا يكونان1 فيه, كما لا سعة فيه ولا حذف في جميع أحواله. قال الأخفش: ولو تكلمت به العرب لأجزناه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "يكون".

ذكر المكان:
اعلم: أن الأماكن ليست كالأزمنة التي يعمل فيها كل فعل فينصبها نصب/ 214 الظروف, لأن الأمكنة: أشخاص له خلق وصور تعرف بها كالجبل والوادي, وما أشبه ذلك, وهن بالناس أشبه من الأزمنة لذلك وإنما الظروف منها التي يتعدى إليها الفعل الذي لا يتعدى ما كان منها مبهمًا خاصة, ومعنى المبهم أنه هو الذي ليست له حدود معلومة تحصره. وهو يلي الاسم من أقطاره نحو: خلف وقدام وأمام ووراء وما أشبه ذلك, ألا ترى أنك إذا قلت: قمت خلف المسجد لم يكن لذلك الخلف نهاية تقف عندها, وكذلك إذا قلت: قدام زيد. لم يكن لذلك حد ينتهي إليه فهذا وما أشبهه هو المبهم الذي لا اختلاف فيه أنه ظرف.
وأما مكة والمدينة والمسجد والدار والبيت فلا يجوز أن يكن ظروفًا, لأن لها أقطارًا محدودة معلومة تقول: قمت أمامك وصليت وراءك, ولا يجوز أن تقول: قمت المسجد/ 215 ولا قعدت المدينة ولا ما أشبه ذلك, والأمكنة تنقسم قسمين منها ما استعمل اسمًا يتصرف في جميع الإِعراب وظرفًا ومنها ما لا يرفع ولا يكون إلا ظرفًا. فأما الظروف التي تكون اسمًا فذكر سيبويه: أنها خلفك, وقدامك, وأمامك, وتحتك, وقبالتك, ثم قال:



ج / 1 ص -198- وما أشبه ذلك, وقال: ومن ذلك: هو ناحيةً من الدار. ومكانًا صالحًا وداره ذات اليمين وشرقي كذا وكذا. قال: وقالوا: منازلهم يمينًا وشمالًا وهو قصدك وهو حلَةَ الغور, أي: قصده وهما خطان جنابتي أنفهما يعني الخطين اللذين اكتنفا أنف الظبية وهو موضعه ومكانه صددك ومعناه القصد وسقبك1 وهو قربك وقرابتك2 ثم قال: واعلم: أن هذه الأشياء كلها قد تكون اسمًا غير ظرف بمنزلة زيد وعمرو3.
وحكى: هم قريب منك وقريبًا4 منك وهو وزن الجبل أي: ناحية منه, وهو زنة الجبل أي: حذاءه, وقُرابَتك وقُربكَ/ 216 وحواليه بنو فلان, وقومك أقطار البلاد, قال: ومن ذلك قول أبي حية:

إذَا ما نَعَشْنَاهُ علَى الرَّحْلِ يَنثني مُسالَيْهِ عنهُ مِنْ وراءٍ ومُقدَمِ5

مسالاة: عطفاه6.
ومما يجري مجرى ما ذكره سيبويه من الأسماء التي تكون ظروفًا, فرسخ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
سقبك: قربك، يقال: سقبت الدار واسقبت إذا قربت.
2
يقال: هم قرابتك في العلم: أي: قريبا منك.
3
انظر الكتاب 1/ 204.
4
قال سيبويه: ومن ذلك قول العرب: هم قرابتك، أي: قربك يعني المكان، وهم قرابتك في العلم، أي: قريبا منك في العلم، فصار هذا بمنزلة قول العرب: هو حذاءه وإزاءه وحواليه بنو فلان. الكتاب 1/ 204.
5
نصب مساليه على الظرف والتقدير: ينثني في مساليه، أي: في عطفيه وناحيتيه، وسميا مسالين، لأنهم أسيلا، أي: سهلا في طول وانحدار فهما كمسيل الماء، وصف الشاعر راكبا أدام السرى حتى غشيه النوم، وغلبه، فجعل ينثني في عطفيه من مقدم الرحل ومؤخره. ومعنى: نعشناه رفعناه، ومنه سمي النعش نعشا لحمله على الأعناق والهاء في عنه راجعة على الرحل، أي: ينثني عن الرحل من وراه ومقدم.
انظر الكتاب 1/ 205، وشرح السيرافي 2/ 136.
6
الكتاب 1/ 204-205.



ج / 1 ص -199- وميل. تقول: سرت فرسخًا وفرسخين وميلًا وميلين, فإن قال قائل: ففرسخ وميل موقت معلوم فلم جعلته مبهمًا؟ قيل له: إنما يراد بالمبهم ما لا يعرف له من البلاد موضع ثابت ولا حدود من الأمكنة, فهذا إنما يعرف مقداره. فالإِبهام في الفرسخ والميل بعد موجود, لأن كل موضع يصلح أن يكون من الفرسخ والميل فافهم الفرق بين المعروف الموضع والمعروف القدر, وكذلك ما كان من الأمكنة مشتقا من الفعل نحو: ذهبت المذهب البعيد, وجلست المجلس الكريم.
وأما الظروف التي لا ترفع: فعند وسوى, وسواء إذا أردت بهما معنى "غير" لم تستعمل إلا ظروفًا. قال سيبويه: إن/ 217 سواءك بمنزلة مكانك, ولا يكون اسمًا إلا في الشعر1. ودل على أن سواءك ظرف أنك تقول: مررت بمن سواءك, والفرق بين قولك: عندك وخلفك أن خلفك تعرف بها الجهة وعندك لما حضرك من جميع أقطارك, وكذلك سواءك لا تخص مكانًا من مكان فبعدًا من الأسماء لاستيلاء الإِبهام عليهما.
واعلم: أن الظروف أصلها الأزمنة والأمكنة ثم تتسع العرب فيها للتقريب والتشبيه, فمن ذلك قولك: زيد دون الدار وفوق الدار إنما تريد: مكانًا دون الدار ومكانًا فوق الدار ثم يتسع ذلك فتقول: زيد دون عمرو, وأنت تريد في الشرف أو العلم أو المال أو نحو ذلك, وإنما الأصل المكان. ومما اتسعوا فيه قولهم: هو مني بمنزلة الولد, إنما أخبرت أنه في أقرب المواضع وإن لم ترد البقعة من الأرض, وهو مني منزلة الشغاف ومزجر الكلب ومقعد القابلة ومناط الثريا2 ومعقد الإِزار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 202-103. قال سيبويه: ومن ذلك أيضا: هذا سواءك، وهذا رجل سواءك، فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بدلك ولا يكون اسما إلا في الشعر.
قال بعض العرب لما اضطر في الشعر جعله بمنزلة "غير" قال الشاعر:

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا قعدوا منا ولا من سوائنا

2
مناط الثريا: فإنما معناه: هذا أبعد البعد.



ج / 1 ص -200- قال سيبويه1: أجرى مجرى: هو مني مكان كذا, ولكنه/ 218 حذف. ودرج السيول ورجع أدراجه وقال: إنما يستعمل من هذا الباب ما استعملت العرب. وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان وأنت مني يومان وميلان وأنت مني عدوة2 الفرس وغلوة3 السهم4 هذا كله مرفوع لا يجوز فيه إلا ذاك وإنما فصله من الباب الذي قبله أنك تريد: ههنا بيني وبينك فرسخان ولم ترد أنت في هذا المكان؛ لأن ذلك لا معنى له, فما كان في هذا المعنى فهذا مجراه نحو: أنت مني5 فوت اليد, ودعوة الرجل.
قال سيبويه: وأما أنت مرأى ومسمع, فرفع لأنهم جعلوه الأول6, وبعض الناس ينصب مرأى ومسمعًا, فأما قولهم: داري من خلف دارك فرسخًا فانتصب فرسخ لأن ما خلف دارك الخبر وفرسخًا على جهة التمييز فإن شئت قلت: داري خلف دارك فرسخان تلغي "خلف". قال سيبويه: وزعم يونس: أن أبا عمرو7 كان يقول8 / 219: داري من خلف دارك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 206.
2
عدوة الفرس: أن تجعل ذلك مسافة ما بينك وبينه.
3
غلوة السهم: يقال غلا السهم نفسه إذا ارتفع في ذهابه وجاوز المدى، وكذلك الحجر، وكل مرماة من ذلك غلوة.
4
انظر الكتاب 1/ 206، قال سيبويه: ومن ذلك قول العرب: هو مني درج السيل، أي: مكان درج السيل من السيل، ويقال: رجع أدراجه أي: رجع في الطريق الذي جاء منه.
5
فوت اليد: يريد أنه يقرب ما بينه وبينه.
6
الكتاب جـ1/ 207. نص سيبويه: فإنما رفعوه لأنهم جعلوه هو الأول حتى صار بمنزلة قولهم: أنت مني قريب.
7
أبو عمرو: أبو عمرو بن العلاء اسمه: زبان بن العلاء التميمي المازني، كان من أكثر الناس علما بالعربية وغريبها، وبالقراءات، نحويا لغويا ثقة مرضيا، توفي سنة 154هـ، ترجمته في مراتب النحويين/ 13، وأخبار النحويين/ 22.
8
الكتاب 1/ 208.







ج / 1 ص -201- فرسخان, شبهه: بدارك مني فرسخان. قال: وتقول في البعد زيد مني مناط الثريا, كما قال:

وإنَّ بني حَرْبٍ كمَا قَد عَلِمْتُمُ مَناطَ الثُّريَّا قَد تَعَلَّت نُجُومُها1

واعلم: أنه لا يجوز: أنت مني مربط الفرس وموضع الحمار, لأن ذلك شيء غير معروف في تقريب ولا تبعيد, وجميع الظروف من الأمكنة خاصة تتضمن الجثث دون ظرف الأزمنة, تقول: زيد خلفَكَ والركب أمامَكَ والناس عندَكَ, وقد مضى تفسير هذا, ذلك أن تجعل الظروف من المكان مفعولات على السعة كما فعلت ذلك في الأزمنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 206 على نصب "مناط الثريا" على الظرفية ومناط الثريا: معلقها في السماء. وهو نطت الشيء أنوطه إذا علقته.
بني حرب: آل سفيان بن حرب.
يقول: هم في ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة كالثريا إذا استعلت وصارت على قمة الرأس.
والبيت للأحوص وهو بالخاء المعجمة والحاء المهملة، يمدح آل سفيان بن حرب. وقد نسبه ابن الشجري لعبد الرحمن بن حسان.
وانظر: المقتضب: 4/ 243. وأمالي ابن الشجري 2/ 254 والمؤتلف والمختلف/ 47.

مسائل من هذا الباب:
تقول: وَسْطَ رأسه دهن, لأنك تخبر عن شيء فيه وليس به, هذا إذا أسكنت السين كان ظرفًا1, فإِنْ حركت السين فقلت: وسَطَ لم يكن ظرفًا تقول: وسط رأسه صلب فترفع؛ لأنك إنما تخبر عن بعض الرأس, فوسط إذا أردت به الشيء الذي هو اسمه وجعلته بمنزلة البعض فهو اسم وحركت/ 220 السين, وكان كسائر الأسماء وإذا أردت به الظرف وأسكنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد: وتقول: وسط رأسك دهن يا فتى، لأنك أخبرت أنه استقر في ذلك الموضع فأسكنت السين ونصبت، لأنه ظرف، انظر: المقتضب 4/ 341. والكتاب 1/ 24.



ج / 1 ص -202- السين: تقول: ضربت وَسْطَهُ, وَوَسْطَ الدار واسع, وهذا في وَسَط الكتاب, لأن ما كان معه حرف الجر فهو اسم بمنزلة زيد وعمرو.
وأما قول الشاعر1:

هَبَّتْ شَمالًا فذِكرى ما ذكرتُكُم عِنْدَ الصَّفَاةِ التي شرقيَّ حَوَرانَا

فإنه جعل الصفاة في ذلك الموضع, ولو رفع الشرقي لكان جيدًا بجعل الصفاة هي الشرق بعينه, ونقول: زيد خلفك وهو الأجود. فإن جعلت زيدًا هو الخلف قلت: زيد خلفك فرفعت. وتقول: سير بزيد فرسخان يومين وإن شئت: فرسخين يومان, أي: ذلك أقمته مقام الفاعل على سعة الكلام وصلح.
وتقول: ضربت زيدًا يوم الجمعة عندك ضربًا شديدًا, فالضرب مصدر, ويوم الجمعة ظرف من الزمان, وعندك ظرف من المكان, وقولك: شديدًا نعت للمصدر, ليقع فيه فائدة. فإذا بنيت الفعل لما لم يسم فاعله, رفعت زيدًا وأقررت/ 221 الكلام على ما هو عليه؛ لأنه لا سبيل إلى أن تجعل شيئًا من هذه التي ذكرنا من ظرف أو مصدر في مكان الفاعل, والاسم الصحيح معها, فإن أدخلت "شاغلًا" من حروف الإِضافة كنت مخيرًا بين هذه الأشياء وبينه. فإن شئت نصبت الظرف والمصدر وأقمت الاسم الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 113، 201. على نصب "شرقي" على الظرف، إذ لا يسوغ هنا رفعه لحذف الضمير، ولو أظهر فقال: هي التي شرقي حورانا لجاز الرفع على الاتساع. ورواية سيبويه: هبت جنوبا.
وصف أنه تغرب عن أهله ومن يحبه وصار في شق الشمال فكلما هبت الشمال ذكرهم لهبوبها من شقهم.
وحوران: مدينة من مدن الشام. وأضمر الريح في "هبت" لدلالة الشمال عليها.
وما زائدة مؤكدة، والتقدير: فذكرتكم ذكرى. والصفاة: الصخرة الملساء، وهي هنا موضع بعينه والبيت من قصيدة طويلة لجرير في هجاء الأخطل.
وانظر: الكامل للمبرد/ 468. وشروح سقط الزند 3/ 1194، والديوان/ 596.



ج / 1 ص -203- معه حرف الإِضافة مقام الفاعل, وإن شئت أقمت أحدها ذلك المقام, إذا كان متصرفًا في بابه, فإن كان بمنزلة عند وذات مرة, وما أشبه ذلك, لم يقم شيء منها مقام الفاعل, ولم يقع له ضمير كضمير المصادر, والظروف المتمكنة1, وأجود ذلك أن يقوم المتصرف من الظروف والمصادر مقام الفاعل إذا كان معرفة أو نكرة موصوفة, لأنك تقرب ذلك من الأسماء وتقول: سير على بعيرك فرسخان يوم الجمعة, فإن شئت نصبت "يوم الجمعة" على الظرف وهو الوجه, وإن شئت نصبته على أنه مفعول على السعة, كما رفعت الفرسخين على ذلك, وتقول: الفرسخان سير بزيد يوم الجمعة, فإن قدمت يوم الجمعة وهو/ 222 ظرف قلت: يوم الجمعة سير بزيد فيه فرسخان, وإن قدمت: يوم الجمعة على أنه مفعول قلت: يوم الجمعة سيرُه بزيد فرسخان, وإن قدمت يوم الجمعة والفرسخين ويوم الجمعة ظرف قلت: الفرسخان يوم الجمعة سيرا فيه بزيد, وإن جعلت يوم الجمعة مفعولًا قلت: سيراه. فإن أقمت يوم الجمعة مقام الفاعل قلت: الفرسخان يوم الجمعة سير بزيد فيهما, فإن جعلت الفرسخين مفعولين على السعة قلت: الفرسخان يوم الجمعة سيرهما بزيد, فإن زدت في المسألة خلفك قلت: سير بزيد فرسخان يوم الجمعة خلفك, فإذا قدمت الخلف مع تقديمك الفرسخين واليوم وأقمت الفرسخين مقام الفاعل, وجعلت الخلف واليوم ظرفين قلت: الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيرا بزيد فيه فيه, وإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيراه بزيد إياه, ترد أحد الضميرين المنصوبين إلى اليوم والآخر/ 223 إلى خلف, وأن لا تجعل الخلف مفعولًا ولا مرفوعًا أحسن؛ وذلك لأنه من الظروف المقاربة للإِبهام, وكذلك أمام ويمين وشمال فإذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الذي منعها من التمكن أنها لا تخص موضعا، ولا تكون إلا مضافة، فإذا قلت: جلست عند زيد - فإنما معناه الموضع الذي فيه زيد، فحيث انتقل زيد فذلك الموضع يقال له عند زيد.



ج / 1 ص -204- قلت: عندك قام زيد فقيل لك أكن عن "عندك" لم يجز لأنك لا تقول: قمت في عندك فلذلك لم توقعه على ضمير وإنما دخلت "من" على "عند" من بين سائر حروف الجر, كما دخلت على "لدن"1.
وقال أبو العباس: وإنما خصت "من" بذلك لأنها لابتداء الغاية2, فهي أصل حروف الإِضافة.
واعلم: أنَّ الأشياءَ التي يسميها البصريونَ ظروفًا يسميها الكسائي صفة3, والفراء4 يسميها محال ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون: حروف الخفض: أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء ممدودات. ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسَطَ ووسْطَ ومِثل ومَثَلَ وسوى/ 224 وسواء ممدودة ومتى في معنى وَسْطَ والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجْلٌ وإجلٌ وإجلىَ مقصورٌ وجَلَل5 وجِلالٌ في معناها وحذاء ممدود ومقصور وبَدْل وَبَدلٌ ورئِد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قد ورد دخول "من" على لدن وعند في قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
2
انظر المقتضب 1/ 44 وجـ4/ 136.
3
ويعني بها الكوفيون: الظرف الذي يطلقه البصريون على نحو: أمام وخلف، ويمين، وشمال وغيرها من ظروف المكان، وعلى نحو: يوم، وليلة وقبل، وبعد من ظروف الزمان، ومجافاة الكوفيين للتأثر بالفلسفة ظاهرة في هذا المصطلح فلم تعرف العربية كلمة، "الظرف" بهذا المعنى لأن الظروف فيها هو الوعاء. واعتبار مدلولات هذه الألفاظ أوعية للموجودات غني بالتأثر الفلسفي، وانظر الإنصاف مسألة 60. ومفاتيح العلوم/ 35.
4
الفراء: هو أبو زكريا يحيى بن زياد، أخذ عن الكسائي، وكان فقيها عالما في النحو واللغة، مات سنة "207هـ". ترجمته في نزهة الألباء/ 134 ومعجم الأدباء جـ2/ 9.
5
جلل، وجلال: جمع جلة وهي القفة الكبيرة.



ج / 1 ص -205- وهو القرنُ ومكانُ, وقُرابُ, وَلدة1, وشبهَ وخدن2, وقرن, وقرْن, وميتاء3, وميداء والمعنى واحد ممدود ومنا4 مقصورٌ بمنزلة حذاء ولدى, فيخلطون الحروف بالأسماء, والشاذ بالشائع, وقد تقدم تبيين الفرق بين الاسم والحرف, وبين الشاذ والمستعمل, فإذا كان الظرف غير محل للأسماء سماه الكوفيون الصفة الناقصة وجعله البصريون لغوًا5 ولم يجز في الخبر إلا الرفع, وذلك قولك: فيك عبد الله راغب, ومنك أخواك هاربان, وإليك قومك قاصدون؛ لأن "منك وفيك وإليك" في هذه المسائل لا تكون محلا6 ولا يتم بها الكلام, وقد أجاز الكوفيون: فيك راغبًا عبد الله, شبهها الفراء/ 255 بالصفة التامة لتقدم "راغب" على عبد الله. وذهب الكسائي إلى أن المعنى: فيك رغبةً عبد الله.
واستضعفوا أن يقولوا: فيكَ عبدُ الله راغبًا, وقد أنشدوا بيتًا جاءَ فيهِ مثلُ هذا منصوبًا في التأخير:

فَلاَ تَلْحَنيِ فِيهَا فإنَّ بِحُبِّها أَخَاكَ مُصَابَ القَلبِ جَمًا بلابِلهُ7


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لدة: الترب وهو الذي تربى معك.
2
الخدن: الحبيب والصاحب، للمذكر والمؤنث. والجمع أخدان.
3
ميداء وميتاء: ميداء الشيء قياسه ومبلغه، ويقال: هذا ميداء ذاك وبميدائه, أي: بحذائه.
4
المن: لغة في المنا الذي يوزن، والمن والمنا: هو رطلان: وقال ابن بري: والمن أيضا الفترة.
5
اللغو: ما كان فضلة، وسمي لغوا لأنه لو حذف لكان الكلام مستغنيا عنه لا حاجة إليه.
6
لأن الخبر هنا محذوف، والاستقرار أو مستقر حذف اختصارا.
7
من شواهد سيبويه 1/ 280 على جواز تقديم معمول خبر "إن" على اسمها إذا كان مجرورا، والظرف يساويه في ذلك. ورواية "جم" بالرفع.
وتلحني: يقال: لحيت الرجل إذا لمته. والجم الكثير، والبلابل: الأحزان وشغل البال. واحدها: بلبال، يقول: لا تلمني في حب هذه المرأة فقد أصيب قلبي بها واستولى عليه حبها فالعذل لا يصرفني عنها. ولا ينسب هذا البيت لقائل معين وانظر شرح السيرافي 3/ 5. والمغني 2/ 773 تحقيق الدكتور مازن المبارك: وابن عقيل جـ1/ 137. والهمع جـ1/ 135.



ج / 1 ص -206- فنصب "مصاب القلب" على التشبيه بقولك: إن بالباب أخاك واقفًا, وتقول: في الدار عبد الله قائمًا, فتعيد "فيها" توكيدًا ويجوز أن ترفع "قائمًا" فتقول: في الدار عبد الله قائم فيها, ولا يجيز الكوفيون الرفع قالوا: لأن الفعل لا يوصف بصفتين متفقتين, لأنك لو قلت: عبد الله قائم في الدار فيها, لم يكنْ يحسنُ أنْ تكرَر "في" مرتين بمعنى.
وهذا الذي اعتلوا به لازم في النصب, لأنه قد أعاد "في" والتأكيد إنما هو إعادة للكلمة, أو ما كان في معناها, فإن استقبح التكرير سقط التأكيد ويجيزون في قولك: عبد الله في الدار قائم في البيت, الرفع والنصب لاختلاف/ 226 الصفتين وتقول: له عليَّ عشرون درهمًا فلك أن تجعل "له" الخبر ولك أن تجعل "عليَّ" الخبر. وتلغي أيما شئتَ.

شرح الرابع من المنصوبات: وهو المفعول له.
اعلم: أن المفعول له لا يكون إلا مصدرًا, ولكن العامل فيه فعل غير مشتق منه, وإنما يذكر لأنه عذر لوقوع الأمر1 نحو قولك: فعلت ذاك حذار الشر وجئتك مخافة فلان "فجئتك" غير مشتق من "مخافة" فليس انتصابه هنا انتصاب المصدر بفعله الذي هو مشتق منه نحو "خفتك" مأخوذة من مخافة وجئتك ليست مأخوذة من مخافة, فلما كان ليس منه أشبه المفعول به الذي ليس بينه وبين الفعل نسب.
قال سيبويه: إن هذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل له: لِمَ فعلتَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 184 قال سيبويه: هذا باب: ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله لِمَ كان، وليس بصفة لما قبله، ولا منه فانتصب كما انتصب الدرهم في قولك: عشرون درهما, وذلك قولك: فعلت ذاك حذار الشر. وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان.



ج / 1 ص -207- كذا وكذا؟ فقال: لِكَذا وكذا, ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله1, ومن ذلك: فعلت ذاك أجل كذا وكذا وصنعت ذلك ادخار فلان, قال حاتم2: / 227.

"
وأَغْفِرُ عُوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُ وأَصْفَحُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكَرُّمَا3

وقال الحرث بن هُشام:

فَصفُحْتُ عَنْهُم والأَحِبَّةُ فِيهِمُ طَمَعًَا لهَم بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفسدٍ4

وقال النابغة:

وحَلَّتْ بُيوتي في يَفَاعٍ مُمنَّعٍ يُخَالُ بِه راعي الحمولةِ طَائرا

حِذارًا عَلَى أنْ لا تُصَابَ مقَادتي ولا نِسوتي حَتَّى يَمُتْنَ حَرائَرا5


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 185-186.
2
انظر الكتاب 2/ 184 "ونص سيبويه": وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان.
3
من شواهد سيبويه جـ1/ 184 و464 "على نصب" الادخار والتكرم على المفعول له. والتقدير: لادخاره وللتكرم. فحذف حرف الجر ووصل الفعل ونصب.
والعوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة.
يقول: إذا جهل على الكريم احتملت جهلة إبقاء عليه وإدخارا له، وإن سبني اللئيم أعرضت عن شتمه إكراما لنفسي.
وانظر: المقتضب 2/ 348. والكامل/ 165. وشرح السيرافي 2/ 109، والنوادر/ 110، ومعاني القرآن 2/ 5. وشروح سقط الزند/ 619، وابن يعيش 2/ 54، وديوان حاتم/ 108.
4
من شواهد سيبويه جـ1/ 185 "على نصب" طمعا. على المفعول له.
يقول هذا معتذرا من فراره يوم قتل أبو جهل أخاه ببدر، وهو من أحسن الاعتذار فيما يأتيه الرجل من قبيح الفعل، أي: لم أفر جبنا ولم أصفح عنهم خوفا وضعفا. ولكن طمعا في أن أعدلهم وأعاقبهم بيوم أوقع بهم فيه فتفسد أحوالهم. انظر: شرح السيرافي 2/ 310 وابن يعيش 2/ 89.
5
من شواهد سيبويه 1/ 185 "على نصب" حذارا على المفعول له.
اليفاع: ما ارتفع من الأرض. والحرائر: جمع حرة على غير قياس وقيل: واحدتها حريرة بمعنى حرة وهو غريب. والحمولة: الإبل التي قد أطاقت الحمل.
يقول: من أجل حذاري أن تصاب مقادتي: أي: لئلا أقاد إليك أنا ونسوتي نزلت هذا الجبل.
والبيتان من قصيدة للنابغة الذبياني يقولها للنعمان وكان واجدا عليه. وانظر: شرح السيرافي 2/ 110 وشرح ابن يعيش جـ2/ 54، والتهذيب للأزهري جـ5/ 91، والديوان/ 40.



ج / 1 ص -208- وقال العجاج:

يَركَبُ كُلُّ عَاقِرٍ جُمهْورِ مَخافَةً وزَعَلَ المَحبْورِ1

يصف ثور الوحش, والعاقر هنا: الرملة التي لا تنبت أي: يركب هذا الثور كل عاقر مخافة الرماة, والزعل: النشاط, أي: يركب خوفًا ونشاطًا, والمحبور: المسرور.
واعلم: أن هذا المصدر الذي ينتصب لأنه مفعول له يكون معرفة ويكون نكرة كشعر حاتم, ولا يصلح أن يكون حالًا كما تقول: جئتك مشيًا لا يجوز أن تقول: جئتك خوفًا تريد: خائفًا وأنت تريد معنى للخوف, ومن أجل الخوف, وإنما يجوز: جئتك خوفًا, إذا أردت الحال فقط, أي: جئتك في حال خوفي, أي: خائفًا ولا يجوز أيضًا في هذا المصدر الذي تنصبه نصب المفعول له أن تقيمه مقام ما لم يسم فاعله/ 228.
قال أبو العباس -رحمه الله: أبو عمر2 يذهب إلى أنه ما جاء في معنى لـ"كذا" لا يقوم مقام الفاعل, ولو قام مقام الفاعل لجاز: سير عليه مخافة الشر, فلو جاز: سير فيه المخافة لم يكن إلا رفعًا فكان مخافة وما أشبهه لم يجئ إلا نكرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 185 على نصب "مخافة" وزعل وعلى أنهما مفعولان لأجله وهذا رجز للعجاج. وانظر شرح السيرافي 2/ 110، والتمام في تفسير أشعار هذيل: 89 والاقتضاب للبطلوسي: 220، وابن يعيش 3/ 54. والخزانة 1/ 488، وديوان العجاج/ 28.
2
أي: الجرمي: وقد مرت ترجمته/ 116. من الأصل.



ج / 1 ص -209- فأشبه مع خرج مخرج مع لا يقوم مقام الفاعل نحو: الحال والتمييز, ولو جاز لما أشبه "مخافة الشر" أن يقوم مقام الفاعل لجاز سير "بزيد راكب" فأقمت "راكبًا" مقام الفاعل, ومخافة الشر وإن أضفته إلى معرفةٍ فهو بمنزلةِ "مثلِكَ" وغيركَ وضارب زيد غدًا نكرة.
قال أبو بكر: وقرأت بخط أبي العباس في كتابه: أخطأ الرياشي1 في قوله: مخافة الشر ونحوه "حال" أقبح الخطأ لأن باب لـ"كذا" يكون معرفة ونكرة, وهذا خلاف قول سيبويه, لأن سيبويه بجعله معرفة ونكرة إذا لم تضفه أو تدخله الألف2 / 229, واللام كمجراه في سائر الكلام, لأنه لا يكون حالًا قال سيبويه: حسن فيه الألف واللام, لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالًا, وأنه لا يبتدأ به ولا يبنى على مبتدأ3, لأنه عنده تفسير لما قبله وليس منه. وأنه انتصب كما انتصب الدرهم في قولك عشرون درهمًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أبو العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشي مولى محمد بن سليمان بن علي، قرأ على المازني، وكان عالما بالرواية، واللغة والشعر. مات سنة "257هـ" ترجمته في إنباه الرواة 2/ 368، المنتظم 5/ 5-6 وبغية الوعاة 275 وإشارة التعيين ورقة "23".
2
الكتاب 1/ 184-185.
3
الكتاب 1/ 186 وجـ1/ 184.

شرح الخامس: وهو المفعول معه.
اعلم: أن الفعل إنما يعمل في هذا الباب في المفعول بتوسط الواو1, والواو هي التي دلت على معنى "مع" لأنها لا تكون في العطف بمعنى "مع" وهي ههنا لا تكون إذا عمل الفعل فيما بعدها إلا بمعنى "مع" ألزمت ذلك, ولو كانت عاملة كان حقها أن تخفض. فلما لم تكن من الحروف التي تعمل في الأسماء, ولا في الأفعال وكانت تدخل على الأسماء والأفعال وصل الفعل إلى ما بعدها فعمل فيه. وكان مع ذلك أنها في العطف لا تمنع الفعل الذي قبلها أن يعمل فيما بعدها/ 230 فاستجازوا في هذا الباب إعمال الفعل ما بعدها في الأسماء وإن لم يكن قبلها ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هذا مذهب سيبويه انظر الكتاب 1/ 105.



ج / 1 ص -210- يعطف عليه وذلك قولهم: ما صنعت وأباك, ولو تركت الناقة وفصيلَها لرضعها.
قال سيبويه: إنما أردت: ما صنعت مع أبيك, ولو تركت الناقة مع فصيلها والفصيل مفعول معه. والأب كذلك والواو لم تغير المعنى. ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها. ومثل ذلك: ما زلت وزيدًا, أي: ما زلت بزيد حتى فَعَلَ فهو مفعول به1 فقد عمل ما قبل الواو, فيما بعدها والمعنى معنى الباء, ومعنى "مع" أيضا يصلح في هذه المسألة, لأن الباء يقرب معناها من معنى "مع"2 إذ كانت الباء معناها الملاصقة للشيء, ومعنى "مع" المصاحبة ومن ذلك: ما زلت أسير والنيل واستوى الماء, والخشبة أي: مع الخشبة وبالخشبة وجاء البرد والطيالسة, أي: مع الطيالسة وأنشد سيبويه:

وكُوُنُوا أَنْتُمُ وَبَني أَبِيكُمْ مَكَانَ الكُلْيَتيْن مِنَ الطَّحَالِ3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب جـ1/ 150. قال: وما زلت أسير والنيل، أي: مع النيل، واستوى الماء والخشبة، أي: بالخشبة، وجاء البرد والطيالسة، أي: مع الطيالسة.
2
تكون الباء بمعنى "مع" وهي التي يقال لها باء المصاحبة، نحو: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واشترى الدار بآلاتها. قيل: ولا تكون بهذا المعنى إلا مستقرا أي: كائنين بالكفر وكائنة بالآتها، والظاهر لا مانع من كونها لغوا، ومن ذلك قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا}، أي: انزل مع سلام، والفرق بينها وبين الإلصاق، أن الإلصاق يستلزم المصاحبة من غير عكس. وانظر: شرح التصريح 2/ 12، وتحفة الإخوان 16.
3
من شواهد سيبويه 1/ 150 على أرجحية النصب على المعية، لأن العطف حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى، لأن المراد: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون، فإذا عطفت كان التقدير: كونوا لبني أبيكم وليكن بنو أبيكم لكم، وذلك خلاف المقصود قال العيني: قوله: وبني أبيكم أراد بهم الإخوة والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال.
وأراد الشاعر بهذا الحث على الائتلاف والتقارب في المذهب. وضرب لهم مثلا بقرب الكليتين من الطحال. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين. وانظر: مجالس ثعلب/ 25، وشرح السيرافي 2/ 79، والمفصل للزمخشري 56، وابن يعيش 2/ 48، والعيني 3/ 102.



ج / 1 ص -211- وقال كعيب بنُ جعيل:

فَكانَ وإيَّاهَا كَحَرَّانَ لَمْ يُفِقْ عَنِ الماءِ إذ لاقاهُ حَتَّى تقدَّدا1

قال: وإن قلت: ما صنعت أنت وأبوك, جاز لكل الرفع والنصب, لأنك أكدت التاء التي هي اسمك بأنت. وقبيح أن تقول: ما صنعت وأبوك, فتعطف على التاء, وإنما قبح لأنك قد بنيتها مع الفعل, وأسكنت لها ما كان في الفعل متحركًا, وهو لام الفعل فإذا عطفت عليها فكأنك عطفت على الفعل وهو على قبحه يجوز, وكذلك لو قلت: اذهب وأخوك كان قبيحًا حتى تقول: أنت, لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر.
فقد دلك استقباحهم العطف على المضمرات الاسم ليس بمعطوف على ما قبله في قولهم: ما صنعت وأباك. ومما يدلك على أن هذا الباب كان حقه خفض المفعول بحرف جر أنك تجد الأفعال التي لا تتعدى, والأفعال التي قد تعدت إلى مفعولاتها/ 232 جميعًا, فاستوفت ما لها تتعدى إليه فتقول: استوى الماء والخشبة وجاء البرد والطيالسة, فلولا توسط الواو وإنها في معنى حرف الجر لم يجز, ولكن الحرف لما كان غير عامل عمل الفعل فيما بعدها, ولا يجوز التقديم للمفعول في هذا الباب لا تقول: والخشبة استوى الماء, لأن الواو أصلها أن تكون للعطف وحق المعطوف أن يكون بعد العطف عليه, كما أن حق الصفة أن تكون بعد الموصوف وقد أخرجت الواو في هذا الباب عن حدها ومن شأنهم إذا أخرجوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 150، على قوله: "إياها" والمعنى: فكان معها، يقول: كان غرضا إليها فلما لقيها قتله الحب سرورا بها فكان كالحران وهو الشديد العطش أمكنه الماء وهو بآخر رمق، فلم يفق عنه حتى انقد بطنه، أي: انشق، يقال: قددت الأديم إذا شققته وهذا مثل.



ج / 1 ص -212- الشيء عن حده الذي كان له الزموه حالًا واحدة, وسنفرد فصلًا في هذا الكتاب لذكر التقديم والتأخير وما يحسن منه ويجوز وما يقبح ولا يجوز إن شاء الله1.
وهذا الباب, والباب الذي قبله أعني: بابي المفعول له والمفعول معه, كان حقهما أن لا يفارقهما حرف الجر, ولكنه حذف فيهما ولم يجريا/ 233 مجرى الظروف في التصرف في الإِعراب, وفي إقامتها مقام الفاعل فيدلك ترك العرب لذلك أنهما بابان وضعا في2 غير موضعهما, وأن ذلك اتساع منهم فيهما؛ لأن المفعولات التي تقدم ذكرها وجدناها كلها تقدم وتؤخر وتقام مقام الفاعل وتبتدأ ويخبر عنها إلا أشياء منها مخصوصة. وقد تقدم تبييننا إياها في مواضعها.
ويفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن باب المفعول له إذا قلت: جئتك طلب الخير إن في "جئتك" دليلًا على أن ذلك لشيء. وإذا قلت: ما صنعت وأباك فليس في "صنعت" دليل على أن ذلك مع شيء, لأن لكل فاعل غرضًا له فعل ذلك الفعل وليس لكل فاعل مصاحب لا بد منه, ولا يجوز حذف الواو في ما صنعت وأباك كما جاز حذف اللام في قولك: فعلت ذاك حذار الشر تريد: لحذار الشر, لأن حذف اللام لا يلبس وحذف/ 234 الواو يلبس. ألا ترى أنك لو قلت: ما صنعت أباك صار الأب مفعولًا به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
سوفي يذكر هذا الباب في أول الجزء الثاني من هذا الكتاب، وهو باب التقديم والتأخير 3/ 71 من الأصل.
2
أضفت كلمة "في" لأن المعنى يقتضيها.

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات:وهو المشبه بالمفعول.
المشبه بالمفعول ينقسم على قسمين: فالقسم الأول قد يكون فيه المنصوب في اللفظ هو المرفوع في المعنى. والقسم الثاني: ما يكون المنصوب في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع.



ج / 1 ص -213- ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى:
هذا النوع ينقسم على ثلاثة أضرب: فمنه ما العامل فيه فعل حقيقي, ومنه ما العامل فيه شيء على وزن الفعل, ويتصرف تصرفه وليس بفعل في الحقيقة, ومنه ما العامل فيه حرف جامد غير متصرف.
ذكر ما شبه بالمفعول والعالم فيه فعل حقيقي:
وهو صنفان يسميها النحويون الحال والتمييز: فأما الذي يسمونه الحال فنحو قولك: جاء عبد الله راكبًا, وقام أخوك منتصبًا, وجلس بكر متكئًا1. فعبد الله مرتفع "بجاء" والمعنى: جاء عبد الله في هذه الحال, وراكب/ 235 منتصب لشبهه بالمفعول, لأنه جيء به بعد تمام الكلام واستغناء الفاعل بفعله, وإن في الفعل دليلًا عليه كما كان فيه دليل على المفعول, ألا ترى أنك إذا قلت: قمت فلا بد من أن يكون قد قمت على حال من أحوال الفعل فأشبه: جاء عبد الله راكبًا. ضرب عبد الله رجلًا وراكب, هو عبد الله, ليس هو غيره, وجاء وقام فعل حقيقي تقول: جاء يجيء, وهو جاء, وقام يقوم وهو قائم, والحال تعرفها, وتعتبرها بإدخال "كيف" على الفعل والفاعل تقول: كيف جاء عبد الله فيكون الجواب: راكبًا وإنما سميت الحال, لأنه لا يجوز أن يكون اسم الفاعل فيها إلا لما أنت فيه تطاول الوقت أو قصر. ولا يجوز أن يكون لما مضى وانقطع ولا لما لم يأت من الأفعال ويبتدأ بها.
والحال إنما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه, ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفةً متصفة/ 236 غير ملازمة. ولا يجوز أن تكون خلقة, لا يجوز أن تقول: جاءني زيد أحمر ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل متمكنا، وهو تحريف أثناء النسخ.



ج / 1 ص -214- أخوك ولا جاءني عمرو طويلًا, فإن قلت: متطاولًا أو متحاولًا جاز, لأن ذلك شيء يفعله وليس بخلقة.
ولا تكون الحال إلا نكرة لأنها زيادة في الخبر والفائدة, وإنما تفيد السائل والمحدث غير ما يعرف, فإن أدخلت الألف واللام صارت صفة للاسم المعرفة وفرقًا بينه وبين غيره, والفرق بين الحال وبين الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ والحال زيادة في الفائدة والخبر, وإن لم يكن للاسم مشارك في لفظه. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد القائم فأنت لا تقول ذلك إلا وفي الناس رجل آخر اسمه زيد وهو غير قائم ففصلت بالقائم بينه وبين من له هذا الاسم وليس بقائم. وتقول: مررت بالفرزدق قائمًا وإن لم يكن أحد اسمه الفرزدق غيره فقولك: قائمًا إنما ضممت به إلى الأخبار/ 237 بالمرور خبرًا آخر متصلًا به مفيدًا.
فهذا فرق ما بين الصفة والحال, وهو أن الصفة لا تكون إلا لاسم مشترك فيه لمعنيين أو لمعان, والحال قد تكون للاسم المشترك والاسم المفرد, وكذلك الأمر في النكرة إذا قلت: جاءني رجل من أصحابك راكبًا إذا أردت الزيادة في الفائدة والخبر وإن أردت الصفة خفضت فقلت: مررت برجل من أصحابك راكب, وقبيح أن تكون الحال من نكرة, لأنه كالخبر عن النكرة والإِخبار عن النكرات لا فائدة فيها إلا بما قدمنا ذكره في هذا الكتاب فمتى كان في الكلام فائدة فهو جائز في الحال كما جاز في الخبر, وإذا وصفت النكرة بشيء قربتها من المعرفة وحسن الكلام. تقول: جاءني رجل من بني تميم راكبًا. وما أشبه ذلك.
واعلم: أن الحال يجوز أن تكون من المفعول كما تكون من الفاعل تقول: ضربت زيدًا قائمًا فتجعل قائمًا لزيد. ويجوز أن تكون/ 238 الحال من التاء في "ضربتُ" إلا أنك إذا أزلت الحال عن صاحبها فلم تلاصقه لم يجز ذلك إلا أن يكون السامع يعلمه كما تعلمه أنت, فإن كان غير معلوم لم يجز وتكون الحال من المجرور كما تكون من المنصوب إن كان العامل في الموضع فعلًا فتقول: مررت بزيد راكبًا, فإن كان الفعل لا يصل إلا بحرف جر لم يجز أن تقدم الحال على



ج / 1 ص -215- المجرور إذا كانت له فتقول: مررت راكبًا بزيد إذا كان "راكبًا" حالًا لك وإن كان لزيدٍ لَمْ يجز لأن العامل في "زيد" الباءُ فلمَّا كانَ الفِعْل لا يصلُ إلى زيدٍ إلا بحرفِ جر لم يجز أن يعمل في حالِه قبل ذكر الحرف.
والبصريون يجيزون تقديم الحال على الفاعل والمفعول والمكنى والظاهر إذا كان العامل فعلًا1, يقولون: جاءني راكبًا أخوك وراكبًا جاءني أخوك وضربت زيدًا راكبًا وراكبًا ضربت زيدًا فإن كان العامل معنى. لم يجز تقديم الحال تقول: زيد فيها/ 239 قائمًا فالعامل في "قائم" معنى الفعل لأن الفعل غير موجود. ولا يجوز أن تقول: قائمًا زيد فيها ولا زيدٌ قائمًا فيها.
والكوفيون لا يقدمون الحال في أول الكلام؛ لأن فيها ذكرًا من الأسماء فإن كانت لمكنى جاز تقديمها2, فيشبهها البصريون بنصب التمييز ويُشَبّهها الكسائي بالوقت.
وقال الفراء: هي بتأويل جزاء وكان الكسائي يقول: رأيت زيدًا ظريفًا,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد: وإذا كان العامل في الحال فعلا، صلح تقديمها وتأخيرها, لتصريف العامل فيها، فقلت: جاء زيد راكبا، وراكبا جاء زيد، وجاء راكبا زيد. قال الله عز وجل: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}.
انظر المقتضب 4/ 300.
وذكر ابن هشام: أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا، أو وصفا يشبهه نحو: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} وقوله:

عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق

أي: وهذا طليق محمولا لك. المغني 2/ 462.
2
يذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها مع الاسم الظاهر -أي: إذا كان صاحب الحال- الذي هو الفاعل للفعل مثلا اسما ظاهرا نحو: راكبا جاء زيد، ويجوز مع المضمر نحو: راكبا جئت، وذلك لأنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر. ألا ترى. أنك إذا قلت: راكبا جاء زيد كان في "راكبا" ضمير زيد وقد تقدم عليه، وتقديم المضمر على المظهر لا يجوز. الإنصاف 1/ 143.



ج / 1 ص -216- فينصب "ظريفًا" على القطع, ومعنى القطع أن يكون أراد النعت, فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة انقطع منه وخالفه.
واعلم: أنه يجوز لك أن تقيم الفعل مقام اسم الفاعل في هذا الباب إذا كان في معناه وكنت إنما تريد به الحال المصاحبة للفعل, تقول: جاءني زيد يضحك أي: ضاحكًا. وضربت زيدًا يقوم وإنما يقع من الأفعال في هذا الموضع ما كان للحاضر من الزمان.
فأما المستقبل والماضي فلا يجوز إلا أن تدخل "قد" على الماضي فيصلح حينئذ/ 240 أن يكون حالًا, تقول: رأيت زيدًا قد ركب أي: راكبًا إلا أنك إنما تأتي "بقد" في هذا الموضع إذا كان ركوبه متوقعًا فتأتي "بقد" ليعلم أنه قد ابتدأ بالفعل, ومر منه جزء والحال معلوم منها أنها تتطاول فإنما صلح الماضي هنا لاتصاله بالحاضر فأغنى عنه ولولا ذلك لم يجز فمتى رأيت فعلًا ماضيًا قد وقع موقع الحال, فهذا تأويله ولا بد من أن يكون معه "قَدْ" إما ظاهرةً1, وإما مضمرةً لتؤذَن بابتداء الفعلِ الذي كان متوقعًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "ظاهرا".

مسائل من هذا الباب:
تقول: زيد في الدار قائمًا. فتنصب "قائمًا" بمعنى الفعل الذي وقع في الدار, لأن المعنى: استقر زيد في الدار, فإن جعلت في الدار للقيام ولم تجعله لزيد قلت: زيد في الدار قائم, لأنك إنما أردت: زيد قائم في الدار, فجعلت: "قائمًا" خبرًا عن زيد وجعلت: "في الدار" ظرفًا لقائم فمن قال هذا قال: إن زيدًا في الدار قائم ومن قال: الأول قال: إن زيدًا في الدار/ 241 قائمًا, فيكون: "في الدار" الخبر ثم خَبَّرَ على أي حال وقع استقراره في الدار, ونظير ذلك قوله



ج / 1 ص -217- تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ}1, فالخبر قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون} و{آخِذِينَ}: حال وقال عز وجل: {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}2, لأن المعنى: وهم خالدون في النار, فخالدون: الخبر و "فِي النَّارِ": ظرف للخلود.
وتقول: جاء راكبًا زيد كما تقول: ضرب عمرًا زيد, وراكبًا جاء زيد, كما تقول: عمرًا ضرب زيد, وقائمًا زيدًا رأيتُ كما تقولُ: الدرهمُ زيدًا أعطيت, وضربتُ قائمًا زيدًا.
قال أبو العباس3: وقول الله تعالى عندنا: على تقدير الحال, والله أعلم وذلك قوله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}4, وكذلك هذا البيت:

مُزِبْدًا يَخْطُر ما لَمْ يَرَني وإذَا يَخلوُ لَهُ لحمي رَتَعْ5


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الذاريات: 15.
2
التوبة: 17.
3
انظر المقتضب 4/ 168، وقول الله -عز وجل- عندنا: على تقديم الحال -والله أعلم- وذلك: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}.
4
القمر: 7، في البحر المحيط 8/ 175 انتصب: "خشعا" على الحال من ضمير "يخرجون" والعامل فيه "يخرجون" لأنه فعل متصرف وفي هذا دليل على بطلان مذهب الجرمي، لأنه لا يجيز تقديم الحال على الفعل وإن كان متصرفا، وقد قالت العرب: شتى تئوب الحلبة: وقيل: هو حال من الضمير المجرور في "عنهم" من قوله: "فتول عنهم". وقيل: مفعول: "بيدع" وفيه بعد.
5
الشاهد فيه نصب "مزبدا" على الحال مع تقدمه على عامله ومزبدا: من أزبد الجمل: إذا ظهر الزبد على مشافره وقت هياجه. ويخطر من الخطر -بسكون الطاء وهو ضرب الفحل بذنبه إذا هاج. والبيت من قصيدة من المفضلية "40" وهي من أغلى الشعر وأنفسه، لسويد بن كاهل اليشكري/ 191-202 وفي شرحها للأنباري/ 381-409. والبيت في الأصول، وفي المقتضب 4/ 170، مركب من بيتين، وروايتهما:

مزبد يخطر ما لم يرني فإذا أسمعته صوتي انقمع

ويحييني إذا لاقيته وإذا يخلو له لحمي رتع

والرواية: برفع "مزبد" في المفضليات والشعر والشعراء 1/ 421، وطبقات الشعراء 35، والأغاني 11/ 165، واللآلي: 313، والإصابة لابن حجر 3/ 173، والتهذيب 5/ 104 وروايته: وإذا أمكنه لحمي رتع.



ج / 1 ص -218- قال: ومن كلام العرب: رأيت زيدًا مصعدًا منحدرًا, ورأيتُ/ 242 زيدًا ماشيًا راكبًا1 إذا كان أحدُهما ماشيًا والآخر راكبًا وأحدكما مصعدًا والآخر منحدرًا. تعني أنك إذا قلت: رأيت زيدًا مصعدًا منحدرًا أن تكون أنت المصعد وزيد المنحدر فيكون "مصعدًا" حالًا للتاء و"منحدرًا" حالًا لزيد وكيف قدرت بعد أن يعلم السامع من المصعد ومن المنحدر جاز وتقول: هذا زيد قائمًا وذاك عبد الله راكبًا فالعاملُ معنى الفعل وهو التنبيه كأنك قلت: أنتبه له راكبًا وإذا قلت: ذاك زيد قائمًا فإنما ذاك للإِشارة كأنك قلت: أشير لك إليه راكبًا ولا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل لأنها كالمفعول فيها2, وفي كتاب الله: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}3.
ولو قلت: زيد أخوك قائمًا وعبد الله أبوك ضاحكًا/ 243 كان غير جائز. وذلك أنه ليس ههنا فعل ولا معنى فعل ولا يستقيم أن يكون أباه أو أخاه من النسب في حال ولا يكون أباه أو أخاه في أخرى4, ولكنك إن قلت: زيدٌ أخوك قائمًا فأردت: أخاه من الصداقة جاز, لأن فيه معنى فعل كأنك قلت: زيد يؤاخيك قائمًا فإذا كان العامل غير فعل ولكن شيء في معناه لم تقدم الحال على العامل لأن هذا لا يعمل مثله في المفعول وذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 4/ 169.
2
انظر الكتاب 1/ 256. باب ما ينتصب لأنه خبر للمصروف.
3
هود: 72 وقرئ في الشواذ: شيخ بالرفع - الإتحاف/ 259 وانظر الكتاب 1/ 258.
4
في المقتضب 4/ 168: "ولا يستقيم أن يكون أباه في حال، ولا يكون أباه في حال أخرى".



ج / 1 ص -219- قولك: زيدٌ في الدار قائمًا لا تقول: زيدٌ قائمًا في الدار1, وتقول: هذا قائمًا حسن, ولا تقول: قائمًا هذا حسن2, وتقول: رأيت زيدًا ضاربًا عمرًا, وأنت تريد رؤية العين ثم تقدم الحال فتقول: ضاربًا عمرًا رأيت زيدًا, وتقول: أقبل عبد الله شاتمًا أخاه ثم تقدم الحال فتقول: شاتمًا أخاه أقبل عبد الله, وقوم يجيزون: ضربت يقوم زيدًا, ولا يجيزون: ضربت قائمًا/ 244 زيدًا إلا وقائم حال من التاء. لأن "قائمًا" يلبس ولا يعلم أهو حال من التاء أم من زيد, والفعل يبين فيه لمن الحال. والإِلباس متى وقع لم يجز, لأن الكلام وضع للإِبانة إلا أن هذه المسألة إن علم السامع من القائم جاز التقديم كما ذكرنا فيما تقدم تقول: جاءني زيد فرسك راكبًا, وجاءني زيدٌ فيك راغبًا وتقول: فيها قائمين أخواك تنصب "قائمين" على الحال ولا يجوز التقديم لما أخبرتك ولا يجوز: جالسًا مررت بزيد3, لأن العامل الباء وقد بنيته فيما مضى, ومحال أن يكون: "جالس" حالًا من التاء, لأن المرور يناقض الجلوس إلا أن يكون محمولًا في قبة أو سفينة, وما أشبه ذلك تقول: لقي عبد الله زيدًا راكبين ولا يجوز أن تقول: الراكبان ولا الراكبين وأنت تريد النعت, وذلك لاختلاف إعراب المنعوتين, فاعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لا يجوز هذا إلا برفع "قائم"، لأنك جعلت في "الدار" للقيام، ولم تجعله لزيد لأنك إنما أردت: زيد قائم في الدار. فجعلت: "قائما" خبرا عن زيد وجعلت: "في الدار" ظرفا لقائم.
2
انظر الكتاب 1/ 277.
3
جالسا مررت بزيد "يجوز إذا كان "راكبا" لك، فإن أردت أن يكون لزيد لم يجز لأن العامل الباء، قال سيبويه جـ1/ 277"، ومن ثم صار: مررت قائما برجل، ولا يجوز، لأنه صار قبل العامل في الاسم، وليس بفعل والعامل الباء، ولو حسن هذا، لحسن قائما هذا رجل، فإن قال: أقول: مررت بقائما رجل، فهذا أخبث من قبل أنه لا يفصل بين الجار والمجرور، وانظر أمالي ابن الشجري جـ2/ 280-281 وشرح الكافية جـ1/ 189، وقال ابن مالك:

وسبق حال ما بحرف جر قد أبو ولا امنعه فقد ورد



ج / 1 ص -220- والأخفش/ 245 يذكر في باب الحال: هذا بسرًا أطيب منه تمرًا1 وهذا عبد الله مقبلًا أفضل منه جالسًا, قال: وتقول: هذا بسر أطيب منه عنب, فهذا: اسم مبتدأ, والبسر: خبره, وأطيب: مبتدأ ثانٍ, وعنب: خبر له, قال: وكذلك ما كان من هذا النحو لا يتحول فهو رفع, وما كان يتحول فهو نصب وإنما قلنا: لا يتحول, لأن البسر لا يصير عنبًا, والذي يتحول قولك: هذا بسرًا أطيب منه تمرًا, وهذا عنبًا أطيب منه زبيبًا, وأما الذي لا يتحول فنحو قولك: هذا بسر أطيب منه عنب, وهذا زبيب أطيب منه تمر "فأطيب منه": مبتدأ وتمر: خبره وإن شئت قلت: "تمر" هو المبتدأ و"أطيب منه": خبر مقدم وتقول: مررت بزيد واقفًا فتنصب "واقفًا" على الحال, والكوفيون يجيزون نصبه على الخبر يجعلونه كنصب خبر "كان" وخبر الظن ويجيزون فيه إدخال الألف واللام, ويكون: مررت عندهم على ضربين: مررت بزيد فتكون تامة, ومررت/ 246 بزيد أخاك فتكون ناقصة إن أسقطت الأخ كنقصان "كان" إذا قلت: كان زيد أخاك ثم أسقطت الأخ كان ناقصًا حتى تجيء به. وهذا الذي أجازوه غير معروف عندي من كلام العرب ولا موجود في ما يوجبه القياس.
وأجاز الأخفش: إن في الدار قائمين أخويك, وقال: هذه الحال ليست متقدمة, لأنها حال لقولك "في الدار" ألا ترى أنك لو قلت: قائمين في الدار أخواك لم يجز, لأن: "في الدار" ليس بفعل. وتقول: جلسَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في المقتضب جـ3/ 351 قولك: هذا بسرا أطيب منه تمرا, فإن أومأت إليه وهو بسر، تريد: هذا إذ صار بسرا أطيب منه إذا صار تمرا، وإن أومأت إليه وهو تمر قلت: هذا بسرا أطيب منه تمرا، أي: هذا إذ كان بسرا أطيب منه إذ صار تمرا، فإنما على هذا يوجه، لأن الانتقال فيه موجود، فإن أومأت إلى عنب قلت: هذا عنب أطيب منه بسر، ولم يجز إلا الرفع، لأنه لا ينتقل. فتقول: هذا عنب أطيب منه بسر، تريد: هذا عنب البسر أطيب منه.
وانظر: أمالي ابن الشجري جـ2/ 285، والكافية للرضي 1/ 190-191.



ج / 1 ص -221- عبد الله آكلًا طعامك, فالكسائي يجيز تقديم "طعامك" على "آكلٍ" فيقول: جلسَ عبد الله طعامك آكلًا, ولم يجزه الفراء, وحكي عن أبي العباس محمد بن يزيد: أنه أجاز هذه المسألة.











==================.



12



















الأصول في النحو

ج / 1 ص -222- باب التمييز:1
الأسماء التي تنتصب بالتمييز والعامل فيها فعل أو معنى فعل, والمفعول هو فاعل في المعنى وذلك قولك: قد تفقأ زيد شحمًا, وتصبب عرقًا/ 247 وطبت بذلك نفسًا, وامتلأ الإِناء ماءً, وضقت به ذرعًا, فالماء هو الذي ملأ الإِناء والنفس هي التي طابت, والعَرَق هو الذي تصبب فلفظهُ لفظ المفعول, وهو في المعنى فاعل. وكذلك: ما جاء في معنى الفعل, وقام مقامه نحو قولك: زيد أفرهم عبدًا, وهو أحسنهم وجهًا فالفاره في الحقيقة هو العبد, والحسن هو الوجه إلا أن قولك: أفره وأحسن في اللفظ لزيد وفيه ضميره والعبد غير زيد والوجه إنما هو بعضه إلا أن الحسن في الحقيقة للوجه والفراهة للعبد, فإذا قلت: أنت أفره العبيد فأضفت فقد قدمته على العبيد, ولا بدّ من أن يكون -إذا أضفته- واحدا منهم. فإذا قلت: أنت أفره عبد في الناس فمعناه: أنت أفره من كل عبد إذا أفردوا عبدًا عبدًا كما تقول: هذا خير اثنين في الناس أي: إذا كان الناس اثنين اثنين2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ويقال له التبيين والتفسير، وهو رفع الإبهام في جملة أو مفرد وإزالة اللبس.
2
قال المبرد 3/ 34. وإذا قلت: أفره عبد في الناس، فإنما معناه: أنت أفره من كل عبد، إذا أفردوا عبدا عبدا، كمال تقول: هذا خير اثنين في الناس، إذا كان الناس اثنين اثنين.



ج / 1 ص -223- واعلم: أن الأسماء التي تنصب على التمييز لا تكون/ 248 إلا نكرات تدل على الأجناس, وأن العوامل فيها إذا كن أفعالًا, أو في معاني الأفعال كنت بالخيار في الاسم المميز إن شئت جمعته, وإن شئت وحَّدته تقول: طبتم بذلك نفسًا, وإن شئت أنفسًا قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}1, وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}2, فتقول على هذا: هو أفره الناس عبيدًا, وأجود الناس دورًا.
قال أبو العباس: ولا يجوز عندي: عشرون دراهم يا فتى, والفصل بينهما أنك إذا قلت: عشرون فقد أتيت على العدد فلم يحتج إلا إلى ذكر ما يدل على الجنس. فإذا قلت: هو أفره الناس عبدًا جاز أن تعني عبدًا واحدًا فمن ثم اختير وحسن إذا أردت الجماعة أن تقول: عبيدًا3, وإذا كان العامل في الاسم المميز فعلًا جاز تقديمه عند المازني4 وأبي العباس5, وكان سيبويه لا يجيزه6, والكوفيون في ذلك على مذهب سيبويه فيه لأنه يراه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النساء: 4.
2
الكهف: 103. وانظر سيبويه 1/ 103.
3
انظر: المقتضب 3/ 34.
4
المازني: هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني أستاذ المبرد. مات سنة 249هـ وقيل: 236 ترجمته في طبقات الزبيدي 143، معجم الأدباء جـ7/ 107، وإنباه الرواة جـ1/ 246.
5
انظر المقتضب جـ3/ 36 قال المبرد: واعلم: أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه، لتصرف الفعل فقلت: تفقأت شحما، وتصببت عرقا، فإن شئت قدمت فقلت: شحما تفقأت، وعرقا تصببت، وقال: وتقول: راكبا جاء زيد، لأن العامل فعل، فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وهذا رأي أبي عثمان المازني.
6
انظر الكتاب جـ1/ 105: لا يجيز سيبويه تقديم التمييز إذا كان عامله فعلا، لأنه يراه كقولك عشرون درهما، وهذا أفرههم عبدا. قال: جاء من الفعل ما أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره، مما قد تعدى إلى مفعول وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحما، ولا تقول: امتلأته، ولا تفقأته، ولا يعمل في غيره من المعارف، ولا يقدم لمفعول فيه فتقول: ماء امتلأت، كما لا تقدم المفعول فيه في الصفات المشبهة، ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل وذلك لأنه فعل لا يتعدى إلى مفعول وإنما هو بمنزلة الأفعال، وإنما أصله: امتلأت من الماء، وتفقأت من الشحم...



ج / 1 ص -224- كقولك/ 249: عشرون درهمًا, وهذا أفرههم عبدًا, فكما لا يجوز: درهمًا عشرون, ولا: عبدًا هذا أفرههم, لا يجوز هذا1, ومن أجاز التقديم قال: ليس هذا بمنزلة ذلك, لأن قولك: عشرون درهمًا, إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من فعل2.
وقال الشاعر فقدم التمييز لما كان العامل فعلًا:

أتَهْجُرُ سَلْمَى لِلفِرَاقِ حبيبها ومَا كانَ نَفْسًا بالفِرَاقِ تَطِيبُ3

فعلى هذا تقول: شحمًا تفقأت, وعرقًا تصببت, وما أشبه ذلك, وأما قولك: الحسن وجهًا والكريم أبا فإن أصحابنا4 يشبهونه: بالضارب رجلًا وقد قدمت تفسيره في هذا الكتاب وغير ممتنع عندي أن ينتصب على التمييز أيضًا بل الأصل ينبغي أن يكون هذا. وذلك الفرع, لأنك قد بينت بالوجه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 105.
2
يشير إلى قول المبرد في المقتضب جـ3/ 36. وهو يرد على سيبويه، لأنه يراده -أي: سيبويه- كقولك: عشرون درهما وهذا أفرههم عبدا، وليس هذا بمنزلة ذلك لأن: عشرين درهما، إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل.
3
الشاهد فيه تقديم التمييز "نفسا" على عامله تطيب.
والشاهد للمخبل السعدي ربيع بن ربيعة بن مالك. وقيل: لأعشى همدان، ولقيس بن معاذ. ويروى:

أتوذن سلمى بالفراق حبيبها ولم تك نفس بالفراق تطيب

ولا شاهد فيه على هذه الرواية. ويرى أتهجر ليلى... بدلا من سلمى.
وانظر: المقتضب 3/ 37. وشرح السيرافي 1/ 25 والخصائص 2/ 28. والإنصاف 447، وابن يعيش 2/ 74، وشرح الكافية للرضي 1/ 204.
4
أي: البصريون.



ج / 1 ص -225- الحسن منه, كما بينت في قولك: هو أحسنهم وجهًا, وكذلك يجري عندي/ 250 قولهم: هو العقور كلبًا وما أشبه, فإذا نصبت هذا على تقدير التمييز لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام, فإذا نصبته على تقدير المفعول والتشبيه بقولك: الضارب رجلًا جاز أن تدخل عليه الألف واللام, وكان الفراء لا يجيز إدخال الألف واللام في وجه وهو منصوب إلا وفيما قبله الألف واللام نحو قولك: مررت بالرجل الحسن الوجه, وهو كله جائز لك أن تنصبه تشبيهًا بالمفعول.

مسائل من هذا الباب:
تقول: زيد أفضل منك أبًا, فالفضل في الأصل للأب كأنك قلت: زيد يفضل أبوه أباك, ثم نقلت الفضل إلى زيد وجئت بالأب مفسرًا1, ولك أن تؤخر "منك" فتقول: زيد أفضل أبًا منك, وإن حذفت "منك", وجئت بعد أفضل بشيء يصلح أن يكون مفسرًا, فإن كان هو الأول فأضف أفضل إليه, واخفضه, وإن كان غيره فانصبه/ 251 واضمره نحو قولك: علمك أحسن علم تخفض "علمًا", لأنك تريد: أحسن العلوم وهو بعضها, وتقول: زيد أحسن علمًا تريد: أحسن منك علمًا فالعلم غير زيد فلم تجز إضافته وإذا قلت: أنت أفره عبد في الناس فإنما معناه: أنت أحد هؤلاء العبيد الذين فضلتهم.
ولا يضاف "أفعل" إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك: عمرو أقوى الناس ولو قلت: عمرو أقوى الأسد لم يجز وكان محالًا لأنه ليس منها2،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: تمييزا وهو من مصطلحات الكوفيين.
2
في المقتضب: 23/ 38 ولا يضاف "أفعل" إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك: الخليفة أفضل بني هاشم، ولو قلت: الخليفة أفضل بني تميم كان محالا، لأنه ليس منهم، وكذلك هذا خير ثوب في الثياب، إذا عنيت ثوبا وهذا خير منك ثوبا، إذا عنيت رجلا.



ج / 1 ص -226- ولذلك لا يجوز أن تقول: زيد أفضل إخوته, لأن هذا كلام محال يلزم منه أن يكون هو أخا نفسه, فإن أدخلت "من" فيه جاز فقلت: عمرو أقوى من الأسد أفضل من إخوته, ولكن يجوز أن تقول: زيد أفضل الإِخوة إذا كان واحدًا من الإِخوة, وتقول: هذا الثوب خير ثوب في اللباس, إذا كان هذا هو الثوب فإن كان هذا رجلًا قلت: هذا الرجل/ 252 خير منك ثوبًا, لأن الرجل غير الثوب, وتقول: ما أنت بأحسن وجهًا مني, ولا أفره عبدًا, فإن قصدت قصد الوجه بعينه قلت: ما هذا أحسن وجه رأيته, إنما تعني الوجوه إذا ميزت وجهًا.
وقال أبو العباس -رحمه الله: فأما قولهم: حسبك بزيد رجلًا, وأكرم به فارسًا وما أشبه ذلك, ثم تقول: حسبك به من رجل وأكرم به من فارس, ولله دره من شاعر, وأنت لا تقول: عشرون من درهم, ولا هو أفره منك من1, عبد فالفصل بينهما أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت "من" لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت: أكرِم به فارسًا وحسبك به خطيبًا2, لجاز أن تعني في هذه الحال, وكذلك إذا قلت: كم ضربت رجلًا, وكم ضربت من رجل, جاز ذلك لأن "كم" قد يتراخى عنها مميزها, فإن قلت: كم ضربتَ رجلًا؟ لم يدر السامع/ 253 أردت: كم مرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المقتضب 3/ 35، قال المبرد: ومن التمييز: ويحه رجلا، لله دره فارسا، وحسبك به شجاعا، إلا أنه إذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل "من" توكيدا لذلك الذكر، فتقول: ويحه من رجل، ولله دره من فارس وحسبك به من شجاع. ولا يجوز: عشرون من درهم، ولا: هو أفرههم من عبد، لأنه لم يذكره في الأول.
2
قال سيبويه: باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير وذلك قولك: ويحه رجلا، ولله دره رجلا، وحسبك به رجلا، وما أشبه ذلك، وإن شئت قلت: ويحه من رجل، وحسبك به من رجل، ولله دره من رجل، فتدخل "من" ههنا كدخولها في "كم" توكيدا. وانتصب الرجل لأنه ليس من الكلام الأول، وعمل فيه الكلام الأول. فصارت الهاء بمنزلة التنوين. الكتاب جـ1/ 299.



ج / 1 ص -227- ضربتَ رجلًا واحدًا, أم: كم ضربت من رجل فدخول "من" قد أزال الشك وقال في قول الله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}1, وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}2: أن التمييز إذا لم يسم عددًا معلومًا: كالعشرين والثلاثين جاز تبيينه بالواحد للدلالة على الجنس, وبالجميع إذا وقع الإِلباس ولا إلباس في هذا الموضع لقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ}, ولقوله: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ}, وقال: وقد قال قوم "طِفْلًا" حال وهذا أحسن إلا أن الحال إذا وقعت موقع التمييز لزمها ما لزمه كما أن المصدر إذا وقع موقع الحال لم يكن إلا نكرة تقول: جاء زيد مشيًا فهو مصدر ومعناه ماشيًا وهذا كقوله تعالى: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا}3 لأنه في هذه الحال.
واعلم: أن "أفعل منك" لا يثنى ولا يجمع, وقد مضى ذكر هذا, تقول: مررت برجل أفضل منك وبرجلين أفضل منك وبقوم أفضل منك/ 254, وكذلك المؤنث. وأفضل موضعه خفض على النعت, إلا أنه لا ينصرف, فإن أضفته جرى على وجهين, إذا أردت: أنه يزيد على غيره في الفضل, فهو مثل الذي معه "من" فتوحده, تقول: مررت برجل أفضل الناس وأفضل رجل في معنى أفضل الرجال, وكذلك التثنية والجمع, تقول: مررت برجلين أفضل رجلين, وبنساء أفضل نساء. والوجه الآخر أن تجعل أفضل اسمًا ويثنى ويجمع في الإِضافة ولا يكون فيه معنى "من كذا" فإذا كان بهذه الصفة جاز أن تدخله الألف واللام إذا لم تضفه, ويثنى ويجمع ويؤنث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
غافر: 67. وفي تأويل مشكل القرآن/ 219: أنه من وضع المفرد موضع الجمع. وفي المخصص جـ1/ 31: قد يقع الطفل على الجميع، وفي البحر المحيط جـ6/ 346: يوصف بالطفل المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، يقال أيضا: طفل وطفلان وأطفال.
2
النساء: 4. وانظر المقتضب 2/ 173. فالآيتان مذكورتان ولكن شرحهما غير موجود.
3
البقرة: 260.



ج / 1 ص -228- ويعرف بالإِضافة, فتقول: جاءني الأفضل, والأفضلان, والأفضلون, وهذان أفضلا أصحابك وهؤلاء أفاضل أصحابك, فإذا كان على هذا لم تقع معه "من" وكانت أنثاه على "فعلى" وتثنيتها الفضليان والفضلين وتجمع الفضل والفضليات قال سيبويه: لا تقول: نسوة صغر1, ولا قوم/ 255 أصاغر إلا بالألف واللام, وأفعل التي معها "منك" لا تنصرف2, وإن أضفتها إلى معرفة ألا ترى أنك تقول: مررت برجل أفضل الناس فلو كانت معرفة ما جاز أن تصف بها النكرة, ولا يجوز أن تسقط من أفعل "من" إذا جعلته اسمًا أو نعتًا تقول: جاءني رجل أفضل منك ومررت برجل أفضل منك فلا تسقطها, فإن كان خبرًا جاز حذفها وأنت تريد: أفضل منك وزيد أفضل وهند أفضل.
قال أبو بكر: جاز حذف "من", لأن حذف الخبر كله جائز, والصفة تبيين ولا يجوز فيه حذف "من" كما لا يجوز حذف الصفة, لأن الصفة تبيين وليس لك أن تبهم إذا أردت أن تبين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 2/ 14 تابع 5/ 276 قال سيبويه: قلت: ما بال أُخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال -أي: الخليل- لأن أُخر خالفت أخواتها وأصلها، وإنما هي بمنزلة: الطول، والوسط، والكبر، لا يكن صفة إلا وفيهن ألف ولام فيوصف بهن المعرفة، ألا ترى أنك لا تقول: نسوة صغر، ولا هؤلاء نسوة وسط ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر، فلما خالفت الأصل جاءت صفة بغير الألف واللام، وتركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا: يا ألكع، وفسق حين أرادوا: يا فاسق.
انظر: الكتاب 2/ 14.
2
انظر: الكتاب 2/ 5.

الضرب الثاني: المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى:
هذا الضرب العامل فيه ما كان على لفظ الفعل, وتصرف تصرفه وجرى مجراه وليس به فهو خبر "كان وأخواتها" ألا ترى أنك/ 256 إذا قلت: كان عبد الله



ج / 1 ص -229- منطلقًا, فالمنطلق هو عبد الله, وقد مضى شرح ذلك في الأسماء المرفوعات إذ لم يمكن أن تخلى الأسماء من الأخبار فيها. فقد غنينا عن إعادة ذلك في هذا الموضوع.

الضرب الثالث: الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف.
الحروف التي تعمل مثل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف1 وهي: إنَّ ولكن وليت ولعلَّ وكأنَّ.
فإنَّ: توكيد الحديث وهي موصلة للقسم لأنك لا تقول: والله زيد منطلق, فإنْ أدخلت "إنَّ" اتصلت بالقسم فقلت: والله إنَّ زيدًا منطلق2, وإذا خففت فهي كذلك, إلا أنَّ لام التوكيد تلزمها عوضًا لما ذهب منها فتقول: إنَّ زيدًا لقائم, ولا بدّ من اللام إذا خففت كأنهم جعلوها عوضًا ولئلا تلتبس بالنفي.
ولكنَّ: ثقيلة وخفيفة توجب بها بعد نفي, ويستدرك بها فهي تحقيق وعطف حال على حال تخالفها.
وليت: تمن/ 257.
ولعل: معناها التوقع لمرجو أو مخوف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
كان سيبويه قد أشار إلى أن الحروف المشبهة خمسة، فهو لم يذكر أن المفتوحة الهمزة حين عدد الحروف المشبهة بالفعل، ولكن المتتبع لأمثلة الكتاب وشواهده يرى سيبويه يذكرها أحيانا وهو يتحدث عن مكسورة الهمزة. وقد أفرد بابا خاصا لاستعمالات "إن وأن" في آخر الجزء الأول، كل هذا يدل على أنه يراها حرفا واحدا تكسر همزته في مواطن، وتفتح في مواطن أخرى، انظر الكتاب: 1/ 285 و1/ 461 والمقتضب 4/ 107.
2
كلام ابن السراج صريح في أنه إذا وقعت "إن" في جواب القسم وجب كسر همزتها وإن لم يكن في خبرها اللام.



ج / 1 ص -230- وقال سيبويه: لعل وعسى: طمع وإشفاق1.
وكأنَّ: معناها التشبيه إنما هي الكاف التي تكون للتشبيه دخلت على "أن"2.
وجميع هذه الحروف مبنية على الفتح مشبهة للفعل الواجب, ألا ترى أن الفعل الماضي كله مبني على الفتح, فهذه الأحرف الخمسة تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب ما كان مبتدأ, وترفع الخبر فتقول: إن زيدًا أخوك, ولعل بكرًا منطلق, ولأنَّ زيدًا الأسد, فإنّ: تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله نحو: ضرب زيدًا رجل, وأعلمت هذه الأحرف في المبتدأ والخبر كما أعلمت "كان" وفرق بين عمليهما: بأن قدم المنصوب بالحروف على المرفوع كأنهم جعلوا ذلك فرقًا بين الحرف والفعل, فإن قال قائل: إن "أنَّ" إنما عملت في الاسم فقط فنصبته وتركت الخبر على حاله كما كان مع الابتداء, وهو قول الكوفيين3. قيل له: الدليل على أنها هي الرافعة/ 258 للخبر, أن الابتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولًا فيه, ومع ذلك أنا وجدنا كلما عمل في المبتدأ رفعًا أو نصبًا علم في خبره, ألا ترى إلى ظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 287 و2/ 67.
2
والذي قال بتركيب "كأن" هو الخليل، قال سيبويه: وسألت الخليل عن "كأن" فزعم: أنها "أن" لحقتها الكاف للتشبيه ولكنها صارت مع "أن" بمنزلة كلمة واحدة، وكذلك يراها سيبويه مركبة أيضا، قال وهو يتحدث عن زيادة اللام في "لعل"، وكذلك: كأن، دخلت الكاف فيها للتشبيه ومثل ذلك: "كأن وكذا" انظر الكتاب 1/ 287 و2/ 67.
3
مذهب الكوفيين أنها لم تعمل في الخبر، بل هو باق على رفعه قبل دخولها، وذلك لأن الأصل في هذه الحروف أن لا تنصب الاسم إنما نصبته لأنها أشبهت الفعل فإذا كانت إنما عملت لأنها أشبهت الفعل فهي فرع عليه، وإذا كانت فرعا عليه فهي أضعف، لأن الفرع أبدا يكون أضعف من الأصل، وينبغي في الخبر جريا على القياس في حط الفروع عن الأصول. انظر الإنصاف جـ1/ 104 وارتشاف الضرب/ 583.



ج / 1 ص -231- خبره, وكذلك: كان وأخواتها, فكما جاز لك في المبتدأ والخبر, جاز مع "أن" لا فرق بينهما في ذلك, إلا أن الذي كان مبتدأ ينتصب بأن وأخواتها. ولا يجوز أن يقدم خبرها ولا اسمها عليها, ولا يجوز أيضًا أن تفصل بينهما وبين اسمها بخبرها إلا أن يكون ظرفًا لا يجوز أن تقول: إن منطلق زيدًا تريد: إن زيدًا منطلق1 ويجوز أن تقول: إن في الدار زيدًا وإن خلفك عمرًا, لأنهم اتسعوا في الظروف, وخصوها بذلك وإنما حسن تقديم الظرف إذا كان خبرًا, لأنَّ الظرفَ ليسَ مما تعملُ فيه "إنَّ" ولكثرتهِ في الاستعمال.
وإذا/ 259 اجتمع في هذه الحروف المعروفة والنكرة, فالاختيار أن يكون الاسم المعرفة والخبر النكرة, كما كان ذلك في المبتدأ لا فرق بينها في ذلك2, واللام تدخل على خبر "إن" خاصة مؤكدة له ولا تدخل في خبر أخواتها, وإذا دخلت لم تغير الكلام عما كان عليه تقول: إنَّ زيدًا لقائم وإنَّ زيدًا لفيك راغب, وإنَّ عمرًا لطعامك آكل, وإن شئت قلت: إنَّ زيدًا فيك لراغب, وإنَّ عمرًا طعامك لآكل, ولكنه لا بدّ من أن يكون خبر "إنَّ "بعد اللام, لأنه كان موضعها أن تقع موقع "إن" لأنها للتأكيد ووصلة للقسم مثل إن فلما أزالتهما "إن" عن موضعها وهو المبتدأ أُدخلت على الخبر فما كان بعدها فهي داخلة عليه, فإن قدمت الخبر لم يجز أن تدخل اللام فيما بعده لا يصلح أن تقول: إنَّ زيدًا لفيك راغب ولا: إنَّ زيدًا أكل لطعامك وتدخل هذه/ 260 اللام على الاسم إذا وقع موقع الخبر. تقول: إنَّ في الدار لزيدًا وإنَّ خلفك لعمرًا قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى}3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لا يجوز فيها التقديم والتأخير، لأنها حرف جامد، لا تقول فيه: فعل، ولا فاعل كما كنت تقول في "كان" يكون، وهو كائن. وانظر الكتاب 1/ 280، ذلك في إشارته إلى جواز تقديم الخبر في "إن وأخواتها" إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا.
2
لأن "إن وأخواتها" تدخل على الابتداء والخبر فقصتها قصتهما.
3
الليل: 13.



ج / 1 ص -232- واعلم: أنهم يقولون: إنه زيد منطلق, يريدون: أن الأمر زيد منطلق, وإنما أظهروا المضمر المجهول في "إن وظننت" خاصة, ولم يظهروا في "كان" لأن المرفوع ينستر في الفعل والمنصوب يظهر ضميره فمن قال: كان زيد منطلق قال: إنه زيد منطلق وإنه أمة الله ذاهبة وإنه قام عمرو والكوفيون يقولون: إنه قام عمرو هذه الهاء عماد ويسمونها المجهول1. ويجوز أن تحذف الهاء وأنت تريدها فتقول: إنَّ زيدًا منطلق تريد: إنه وإن حذفت الهاء فقبيح أن يلي إن فعل يقبح أن تقول: إن قام زيد وإن يقوم عمرو2 تريد: إنه فإن فصلت بينها وبين الفعل بظرف جاز ذلك/ 261 فقلت: إن خلفك قام زيد ويقوم عمرو وإن اليوم خرج أخوك ويخرج عمرو وقال الفراء: اسم إن في المعنى وقال الكسائي: هي معلقة وأصحابنا3 يجيزون: إن قائمًا زيد وإن قائمًا الزيدان وإن قائمًا الزيدون ينصبون "قائمًا" بإنَّ ويرفعون "زيدًا" بقائم على أنه فاعل. ويقولون: الفاعل سد مسد الخبر كما أن "قائمًا" قام مقام الاسم. وتدخل "ما" زائدة على "إن" على ضربين: فمرة تكون ملغاة دخولها كخروجها لا تغير إعرابًا تقول: إنما زيدًا منطلق وتدخل على "إن" كافة للعمل فتبنى معها بناء فيبطل شبهها بالفعل فتقول: إنما زيد منطلق "فإنما": ههنا بمنزلة "فعل" ملغى مثل: أشهد لزيد خير منك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يطلق الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه هذه التسمية ويسميه البصريون: ضمير الشأن والقصة والحديث.
وانظر: شرح المفصل 3/ 114.
2
لا يجوز هذا لبعده، وذلك أن موضع الأخبار إنما هو للأسماء، لأن الخبر إنما هو الابتداء في المعنى، ثم إن "أن" مشبهة بالفعل، فلا يجوز أن تلي الفعل، كما لا يلي فعل فعلا، وليس فيها ضمير فيكون بمنزلة: كاد يقدم زيد، لأن في كاد ضميرا حائلا بينها وبين الفعل.
3
أي: البصريون.



ج / 1 ص -233- قال سيبويه: وأما ليتما زيدًا منطلق, فإن الإِلغاء فيه حسن, وقد كان رؤبة ينشد هذا البيت رفعًا1:

قَالَتْ ألا لَيْتَمَا هَذا الحَمَامَ لَنَا إلى حَمَامَتِينَا وَنِصفه فَقَدِ2

قال وأما لعلَّما فهو بمنزلة كأنما, قال ابن كراع:

تَحَلَّلْ وعَالِجْ ذَاتَ نَفْسِكَ وانظُرَنْ أبا جُعَلٍ لعلَّما أنْتَ حَالِمُ3

قال الخليل: إنما لا تعمل في ما بعدها كما أن "أرى" إذا كانت لغوًا لم تعمل, ونظير "إنما" قول المرار:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 282.
2
من شواهد الكتاب 1/ 282. ويروى "الحمام" بالرفع كرواية المصنف وبالنصب فمن رفع جعل "ما" بمعنى الذي وهي منصوبة "بليت" وهذا: خبر مبتدأ مضمر، تقديره: الذي هو هذا، ومثله: ما بعوضة. فيمن رفع، ويجوز أن تكون "ما" كافة فترفع "هذا" بالابتداء ويكون "الحمام" بدلا منه. فإن جعلت "ما" زائدة نصبت وهي في "ليت" أحسن وفي "أن" إذا وصلت بها قبيح. ويروى: أو نصفه فقد.. والبيت للنابغة الذبياني في وصف ما كان من زرقاء اليمامة حين نظرت إلى القطا طائرة فأحصت عددها وخبرها مشهور.
وانظر الخزانة 4/ 297، وشواهد العيني 2/ 254. وشعراء النصرانية/ 664. والمغني جـ1/ 66، تحقيق: د. مازن المبارك. وشرح ابن يعيش 8/ 58 وديوان النابغة/ 45.
3
من شواهد الكتاب جـ1/ 283، على إلغاء "لعل" لأنها جعلت مع "ما" من حروف الابتداء.
يقول: هذا هازئا برجل توعده، أي: إنك كالحالم في وعيدك لي ويمينك على مضرتي فتحلل من يمينك، أي: استثن وعالج ذات نفسك من ذهاب عقلك وتعاطيك ما ليس في وسعك.
والبيت لسويد بن كراع العكلي. وانظر ابن يعيش 8/ 54 والخزانة 4/ 297.



ج / 1 ص -234- أَعَلاقَةً أمَّ الوَلِيدِ بَعْدَمَا أفْنَانُ رأسِكِ كالثَّغَامِ المُخْلِسِ1.

جعل "بعد" مع "ما" بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده, والفرق بين إن وإنما في المعنى أن إنما تجيء لتحقير الخبر, قال سيبويه تقول: إنما سرت حتى أدخلها, إذا كنت محتقرًا لسيرك إلى الدخول2.
و"أن" المفتوحة الألف عملها كعمل "إن" المكسورة الألف, إلا أن الموضع الذي تقع فيه المكسورة خلاف الموضع الذي تقع فيه المفتوحة, ونحن نفرد بابًا لذكر الفتح والكسر يلي هذا الباب إن شاء الله, "وأن" المفتوحة مع ما/ 263 بعدها بمنزلة المصدر, تقول: قد علمت أن زيدًا منطلق, فهو بمنزلة قولك: علمت انطلاق زيد, وعرفت أن زيدًا قائم, كقولك: عرفت قيام زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه أيضا 1/ 283. على زيادة "ما" وجعلها كافة "لبعد" عن الإضافة. وكذلك في جـ1/ 60 "على نصب" أم الوليد بعلاقة فإنه اسم مصدر "لتعلق" وعمل عمل المصدر.
والعلاقة: الحب. والأفنان: جمع فنن وهو الغصن، وأراد بها ذوائب الشعر على سبيل الاستعارة. والثغام: نبات له خيوط طوال دقاق من أصل واحد, وإذا جفت ابيضت كلها. ويشبه بها الشيب. والمخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد. وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة، ولأن صغر ولدها لا يكون إلا في عصر شبابها. والبيت للمرار الفقعسي.
وانظر المقتضب 2/ 54. وإصلاح المنطق/ 45. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 210. وأمالي ابن الشجري 2/ 242. وجمهرة الأمثال للعسكري 2/ 38. واللسان "ثغم" وشرح الرضي على الكافية 2/ 359. والمغني 1/ 344 وشرح الشافية 1/ 273. والخزانة 4/ 493.
2
انظر الكتاب 1/ 415. ذكر سيبويه هذا المثال تحت باب "حتى" من الأدوات الناصبة للفعل المضارع، لكن ابن السراج ذكره تحت باب "إن وأخواتها" وذلك لاتصاله بهذا الموضوع وعلاقته به.

ج / 1 ص -235- واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
طه: 63.
2
في الإتحاف ص/ 304. فنافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بتشديد "إن"، وهذان بالألف وتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف "إن" وهذان بالألف مع تشديد النون. وقرأ حفص كذلك، إلا أنه خفف نون "هذان".
وهاتان القراءتان أوضح القراءات في هذه الآية معنى ولفظا وخطا، وذلك أن "إن" المخففة أهملت، وهذان: مبتدأ، وساحران: الخبر, واللام للفرق بين النافية والمخففة.
وقرأ أبو عمرو: إن بتشديد النون، وهذين بالياء مع تخفيف النون، وهذه القراءة واضحة من حيث الإعراب لكن استكملت من حيث خط المصحف، وذلك أن هذين رسم بغير ألف ولا ياء. ولا يرد بهذا على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم مما هو خارج عن القياس مع صحة القراءة وتواترها. وانظر البحر المحيط 6/ 255.
3
قال سيبويه 1/ 475 وتكون "إن" في معنى "ما" قال الله عز وجل: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}، أي: ما الكافرون إلا في غرور، ولم يمثل لها سيبويه في حالة إعمالها.



ج / 1 ص -236- الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم.
قال أبو العباس وغيره: نجيز نصب الخبر على التشبيه بـ"ليس" كما فعل ذلك في ما1.
قال أبو بكر: وهذا هو القول, لأنه لا فصل بينهما وبين "ما" في المعنى2.
قال أبو علي الفارسي3: القول غير هذا, ولـ"إنْ" المخففة أربعة مواضع: "إن" التي تكون في الجزاء نحو: إن تأتني آتك. والثاني: أن تكون في معنى "ما" نفيًا تقول: إن زيد منطلق, تريد: ما زيد منطلق. والثالث: أن تدخل زائدة مع "ما" فتردها إلى/ 265 الابتداء, كما تدخل "ما" على إن الثقيلة فتمنعها عملها وذلك قولك: ما إن يقوم زيد, وما إن زيد منطلق, ولا يكون الخبر إلا مرفوعًا, قال الشاعر فروة بن مسيك:

ومَا إنْ طِبُّنا جُبْنٌ وَلكِنْ مَنَايَانَا ودَوْلهٌ آخِرينَا4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر المقتضب 2/ 362.
2
هذه الجملة للمبرد، قال في المقتضب 2/ 362: وغير سيبويه يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس كما فعل ذلك في "ما" وهذا هو القول لأنه لا فصل بينهما وبين "ما" في المعنى.
3
أظن هذا من عمل الناسخ لأن أبا على تلميذ ابن السراج وربما أخذ الأستاذ عن تلميذه النابه.
4
من شواهد سيبويه 1/ 475 و2/ 305. على زيادة "إن" بعد "ما" وكفها عن العمل كما تكف "ما" إن عن العمل في قولك: إنما.. والطب: العلة والسبب. أي: لم يكن سبب قتلنا الجبن، وإنما كان ما جرى به القدر من حضور المنية وانتقال الدولة عنا.
وانظر المقتضب جـ1/ 50 والصاحبي/ 103 والخصائص جـ3/ 108. والمنصف جـ3/ 128 والسيرة لابن هشام/ 950. والروض الأنف. والمحتسب جـ1/ 92 والوحشيات/ 27 وشرح الكافية للرضي جـ1/ 246.



ج / 1 ص -237- الرابع: أن تكون مخففة من الثقيلة, فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر, ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به, وعلى هذا قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}1 وقوله: {وَإِنْ كَانُوا يَقُولُون}2, وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام, إلا أن تدخلها توكيدًا كما تدخلها في "إن" الثقيلة, لأن اللبس قد زال. وأما "أن المخففة" من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالاختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء, لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الابتداء, والمكسورة إنما دخلت على الابتداء/ 266 وخبره.
وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه: فوجه: أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدرًا نحو قولك: أريد أن تقوم, أي: أريد قيامك.
والثاني: أن تكون في معنى "أي" التي تقع للعبارة والتفسير وذلك قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}3. ومثله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}4.
والثالث: أن تكون فيه زائدة مؤكدة وذلك قولك: لما أن جاء زيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الطارق: 4. وقراءة تشديد "لما" ليس لها تخريج سوى أن تكون "إن" نافية ولما بمعنى إلا، انظر البحر المحيط جـ8/ 454 وجـ7/ 334، والكشاف 4/ 202 والمغني 1/ 220، وقراءة تخفيف الميم من "لما" تكون "إن" فيها مخففة و"ما" زائدة. والقراءتان سبعيتان. النشر جـ2/ 399.
2
الصافات: 167.
3
سورة ص: 6 "في سيبويه 1/ 479" باب ما تكون أن فيه بمنزلة أي وذلك قوله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا} زعم الخليل: أنه بمنزلة أي، لأنك إذا قلت: انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي - وانظر: المقتضب 1/ 49.
4
المائدة: 117.



ج / 1 ص -238- قمت: والله أن لو فعلت لأكرمتك, قال الله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا}1.
والرابع: أن تكون مخففة من الثقيلة وذلك قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}2. ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز.
قال سيبويه: لا تخففها أبدًا في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأَنتَ تريد الثقيلة تضمر فيها الاسم -يعني الهاء- قال: ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر3 / 267 يريدون معنى "كأن" ولم يريدوا الإِضمار وذلك قوله:

كأنَّ وَرِيْدَيهِ رِشَاءُ خُلْبِ4

قال: وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى "إن" فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
العنكبوت: 33.
2
يونس: 10 "وفي سيبويه جـ1/ 480 وأما قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وآخر قولهم: أن لا إله إلا الله فعلى قوله: أنه لا إله إلا الله. وعلى أنه الحمد لله".
3
انظر الكتاب جـ1/ 280.
4
من شواهد سيبويه جـ1/ 480. على تخفيف "كأن" ونصبها الاسم وجوز الرفع أيضا على إلغاء العمل.
والوريدان: عرقان في الرقبة، والرشاء: الحبل، والخلب: الليف. وقيل: البئر البعيدة القعر.
والرجز: كما نسبه العيني إلى رؤية بن العجاج، وبعده:
غادرته مجدلا كالكلب.
وانظر: المقتضب 1/ 50. الإنصاف جـ1/ 113. والمفصل للزمخشري/ 301. وابن يعيش جـ8/ 83. واللسان 1/ 352.



ج / 1 ص -239- فلا يتغير عن عمله نحو: لم يكن صالحًا, ولم يك صالحًا, ومثل ذلك -يعني الأول- قول الأعشى:

في فتيةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا أنْ هالكٌ كلُّ منْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ1.

كأنه قال: إنه هالك وإن شئت رفعت في قول الشاعر: كأن وريداه رشاء خلب2.
واعلم: أنه قبيح أن يلي "إن" المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها, كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل, قبيح أن تقول: قد عرفت أن يقوم زيد: حتى تفصل بين أن والفعل/ 268 بشيء يكون عوضًا من الاسم نحو: لا, وقد, والسين,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه جـ1/ 282، 440، 480، جـ2/ 123، على تخفيف "أن" واسمها ضمير الشأن محذوف. وقوله: هالك: خبر مقدم، وكل: مبتدأ مؤخر، والجملة منهما في محل رفع خبر "أن"، يريد: أنهم كالسيوف في المضاء والعزم أو في صباحة الوجوه، تبرق كالسيوف. وخص سيوف الهند لحسن صقالتها.
ويحفى: من الحفاء، وهو المشي بلا نعل ولا خف، وأراد به الفقير. وينتعل: يلبس النعل، وأراد به الغني.
والمعنى: قد علم هؤلاء الفتيان أن الموت يعم غنيهم وفقيرهم فهم يبادرون إلى اللذات قبل أن يحول الموت بينها وبينهم.
وقيل: إن الشاهد مصنوع والرواية الصحيحة في هي:

أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل..

وفي هذه الرواية شاهد أيضا، إذ إن تقدير الكلام: أنه ليس يدفع.. والبيت من قصيدة مشهورة للأعشى. ورواية الديوان:

أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل

وانظر: المقتضب 3/ 9. وشرح السيرافي 4/ 49. والخصائص 2/ 441. وأمالي ابن الشجري 2/ 2. وابن يعيش 8/ 74. والعيني 2/ 287. والخزانة 3/ 547. والديوان/ 59.
2
انظر الكتاب 1/ 480. والرفع على إلغاء العمل بعد التخفيف.



ج / 1 ص -240- تقول: قد عرفت أن لا يقوم زيد, وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال: عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}1, وقوله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا}2.. وأما قولهم: أما أن جزاك الله خيرًا فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون إلى "قد" هنا ولا إلى "السين" لو قلت: أما أن يغفر الله لك. لجاز لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه: أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع. وسمعناهم يقولون3: أما أن جزاك الله خيرًا شبهوه "بأنه" أضمروا فيها كما أضمروا في "أن" فلما جازت "أن" كانت هذه أجوز.
واعلم: أنك إذا عطفت اسمًا على/ 296 أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإِشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع, تحمله على الابتداء, يعني -موضع أن- فتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا وعمرو, لأن معنى: إن زيدًا منطلق, زيد منطلق, قال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}4. ولك أن تحمله على الاسم المضمر في "منطلق" وذلك ضعيف إلا أن تأتي "بهو" توكيدًا للمضمر فتقول: إن زيدًا منطلق هو وعمرو, وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت: إن زيدًا منطلق وعمرًا ظريف.
ولعل وكأن وليت: ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المزمل: 20، واسمها ضمير الشأن والجملة خبرها.
2
طه: 89، قراءة نصب الفعل من الشواذ، ابن خالويه/ 89 وقال أبو حيان: الرؤية من الأبصار، البحر المحيط 6/ 269.
3
انظر: الكتاب 1/ 481.
4
التوبة: 3. وانظر الكتاب 1/ 285.



ج / 1 ص -241- يرفع بعدهن شيء على الابتداء, وقال سيبويه: ومن ثم اختار الناس: ليت زيدًا منطلق وعمرًا, وضعف عندهم أن يحملوا عمرًا على المضمر حتى يقولوا "هو", ولم تكن ليت واجبة ولا لعل1 / 270 ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه2, يعني أنك لو قلت: ليت زيدًا منطلق وعمرو, فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى الابتداء وإن: إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر, ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه. وإذا كان خبر إن فعلًا ماضيًا لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسمًا تقول: إنّ عمرًا لقائم وإنّ بكرًا لأخوك, ولا يجوز أن تقيم "قام" مقام "قائم" فتقول: إن زيدًا لقامَ, وأنت تريد هذه اللام, لأن هذه اللام لام الابتداء.
تقول: والله لزيد في الدار, ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم: قد علمت إنّ زيدًا لمنطلق, فلولا/ 271 اللام لانفتحت أن, وإنما انكسرت, لأن اللام مقدرة بين علمت وإن, ألا ترى أنك تقول: قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والابتداء, لأنها لام الابتداء فلما أدخلت "أن", وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيدًا كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين, وأزالوها إلى الخبر, فإن كان الخبر اسمًا كالمبتدأ أو مضارعًا للاسم دخلت عليه, وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه, قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُم}3, أي: لحاكم, فإن قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب جـ1/ 286.
الكتاب 1/ 286، ونص سيبوبه... فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس على معناه بمنزلة "أن".
2
النحل: 124، قال سيبويه: وإنما ضارعت أسماء الفاعلين أنك تقول: إن عبد الله.
3
ليفعل، فيوافق قولك لفاعل.



ج / 1 ص -242- قائل: أراني أقول: لأقومن, ولتنطلقن, فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل؟ قيل له: ليست هذه اللام تلك اللام, هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت: والله لقامَ زيد, فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس:

حَلَفْتُ لَهَا بالله حلفَةَ فَاجِرٍ لَنَامُوا فَمَا إن مِنْ حَديثٍ ولا صَالي1

قال/ 272: ويقال: إنه أراد: لقد ناموا, فلما جاء "بقد" قربت الفعل من الحاضر, فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الابتداء.
تقول: قد علمت أن زيدًا ليقومن, وأن زيدًا لقائم, فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك: أشهد إن محمدًا لرسول الله. واعلم إن بكرًا ليعلم ذلك, قال سيبويه: إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ2.
قال سيبويه: وقد يستقيم في الكلام: إن زيدًا ليضرب وليذهب3, ولم يقع "ضرب" والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين, ولا يجوز أن تدخل "إنَّ" على "أنَّ"4, كما لا يدخل تأنيث على تأنيث, ولا استفهام على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشاهد فيه حذف "قد" من "لناموا" على الشذوذ، وقد ذكر ابن هشام: أن ابن عصفور قال: إن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت، فإن كان قريبا من الحال جيء باللام و"قد" جميعا، نحو: تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كان بعيدا جيء باللام وحدها كقوله: حلفت لها بالله...
والصالي: المستدفئ.
وانظر: شرح المفصل لابن يعيش جـ9/ 20، والمغني جـ1/ 188 تحقيق د. مازن المبارك، والخزانة جـ4/ 221. والشعر والشعراء/ 136. وروايته: وما إن من حديث ولا صالي. والتهذيب للأزهري جـ5/ 66. والمفصل للزمخشري/ 12.
2
انظر الكتاب 1/ 473.
3
انظر الكتاب 1/ 473.
4
قال سيبويه: اعلم: أنه ليس يحسن أن تلي أن إن، ولا إن أن، ألا ترى أنك لا تقول: إن إنك ذاهب في الكتاب، ولا تقول: قد عرفت أن إنك منطلق في الكتاب، وإنما قبح هذا ههنا كما قبح في الابتداء. فهو يرى أن كل واحدة منهما لا تستغني عن الاسم والخبر، كما أن المبتدأ لا يستغني عن الخبر، والجملة يتعذر أن تكون في آن واحد اسما وخبرا لأن وأن على السواء. الكتاب 1/ 463.
أما السيرافي فيرى المانع هو: أنهما جميعا للتأكيد، يجريان مجرى واحد فكرهوا الجمع بينهما، كما كرهوا الجمع بين اللام وإن، وهذا لا يختلف عن رأي ابن السراج انظر شرح الكتاب جـ4/ 22.



ج / 1 ص -243- استفهام, فحرف التأكيد كذلك لا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله, لا يجوز أن تقول: إن إنكَ منطلق يسرني/ 273 تريد: إن انطلاقَك يسرني. فإن فصلتَ بينها فقلت: إن عندي أنك منطلق جاز. قال الله عز وجل: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}1, فإنَّ هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا}, وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول: إن في الدار لزيدًا, فحسن إذا فرقت بين التأكيدين. ومن قرأ: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ}, وجعلهُ مستأنفًا, كقولكَ: إن في الدارِ زيدًا وعمرو منطلق, لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده, فإن قال قائل: من أين قلت في قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُم}2 أن الفعل المضارع وقع موقع "حاكم", ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الاسم موقعه بمضارعته له؟ قيل له: لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي/ 274 أولى, لأنه فعل كما أن المضارع فعل. ومع ذلك إنها قد تدخل على الاسم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
طه: 118-119. في سيبويه 1/ 463، وتقول: إن لك هذا على وأنك لا تؤذي، كأنك قلت: وإن لك ألا تؤذي، وإن شئت ابتدأت ولم تحمل الكلام على أن لك، وقد قرئ هذا الحرف على وجهين، قال بعضهم: وإنك لا تظمأ فيها، وقال بعضهم: "وأنك" القراءتان: فتح همزة أنك وكسرها سبعيتان.
الفتح بالعطف على ألا تجوع والكسر بالعطف على جملة أن الأولى أو على الاستنئاف.
انظر: النشر 2/ 322، الإتحاف 308. الكاشف 2/ 444. البحر المحيط 6/ 284.
2
النحل: 124.



ج / 1 ص -244- الذي لا يضارع الفعل, نحو قولك: إن الله لربنا, وإن زيدًا لأخوك, فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل. ولا يجوز أن تُدخل هذه اللام على حرف الجزاء, لا تقول: إن زيدًا, لأن أتاني أكرمته, ولا ما أشبه ذلك. ولا تدخل على النفي, ولا على الحال, ولا على الصفة, ولا على التوكيد, ولا على الفعل الماضي كما قلنا, إلا أن يكون معه "قد".
ولكنَّ الثقيلة التي تعمل عمل "إن" يستدرك بها بعد النفي وبعد الإِيجاب, يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك: ما جاءني زيدٌ لكن عمرًا قد جاء, وتكلم عمرو لكن بكرًا لم يتكلم.
ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضًا بعد الإِيجاب والنفي للاستدراك. فأما إذا كانت "لكن" عاطفة اسمًا مفردًا على اسم/ 275 لم يجز أن تقع إلا بعد نفي, لا يجوز أن تقول: جاءني زيد لكن عمرو, وأنت تريد عطف عمرو على زيد1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
بل القول الصحيح: ما جاءني زيد لكن عمرو هذا في المفرد أما إذا عطفت بها جملة جاز أن يكون ذلك بعد الإيجاب، تقول: قد جاءني زيد لكن عمرو لم يأتني.

مسائل من هذا الباب:
تقول: إن عبد الله الظريف منطلق, فإن لم تذكر "منطلق" وجعلت الظريف خبرًا رفعته فقلت: إن عبد الله الظريف1, كما كنت تقول: كان زيدٌ الظريف ذاهبًا, وإذا لم تجئ بالذاهب قلت: كان زيدٌ الظريف وتقول: إن فيها زيدًا قائمًا إذا جعلت "فيها" الخبر ونصبت "قائمًا"على الحال. فإن جعلت "قائمًا" الخبر والظرف "فيها" رفعت فقلت: إن فيها زيدًا قائم, وكذلك إن زيدًا فيها قائمٌ وقائمًا, تقول: إن بك زيدًا مأخوذ, وإن لك زيدًا, واقف لا يجوز إلا الرفع؛ لأن "بك ولكل" لا يكونان خبرًا لزيد2, فلو قلت: إن زيدًا بكَ وإن زيدًا لك, لم يكن كلامًا تاما وأنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وذلك لأن الخبر لا بد منه، وله وضع الكلام، والصفة تبيين وتركها جائز.
2
لأن المتعلق مخصوص لا يفهم المراد به إلا ذكر "لا" للإلغاء.



ج / 1 ص -245- تريد هذه المعاني, فإن أردت بأن زيدًا لك/ 276 أي: ملك لك, وما أشبه ذلك, جاز, ومثل ذلك: إن فيك زيدًا لراغب, ولو قلت: إن فيك زيدًا راغبًا لم يصلح, وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام, وتقول: إن اليوم زيدًا منطلق, لا يجوز إلا الرفع, لأن "اليوم" لا يكون خبرًا لزيد, وتقول: إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب "اليوم" بإن؛ لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه. وتقو ل: إن زيدًا لفيها قائمًا. وإن شئت ألغيت "لفيها" فقلت: إن زيدًا لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبرًا كان أو ملغى, مقدمًا على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد:

إن أمرًا خصني عمدًا مودته على التنائي لعندي غير مكفور1

وإذا قلت: إن زيدًا فيها لقائم, فليس "فيها" إلا الرفع؛ لأن اللام لا بُدَّ من/ 277 أن يكون خبر إن بعدها على كل حال, وكذلك: إن فيها زيدًا لقائم, وروى الخليل: أن ناسًا يقولون: إن بك زيد مأخوذ, فقال: هذا علي: إنه بك زيد مأخوذ, وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري:

وَيْوَمًا تُوافِينَا بِوَجْهٍ مقسَّم كَأَنْ طَبْيةٌ تَعْطُو إلى وَارِقِ السلمِ 2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 281. على إلغاء الظرف وهو "عندي" والمكفور هنا: من كفر النعمة. وجحودها، وأراد: خصني بمودته فحذف وأوصل الفعل فنصب، والبيت لأبي زبيد يمدح أخاه لأمه وليد بن عقبة.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 5، ابن يعيش 8/ 64. والهمع جـ1/ 116 والمغني جـ2/ 752. تحقيق د. مازن المبارك.
2
من شواهد سيبويه 1/ 281 على رفع ظبية على الخبر وحذف الاسم مع تخفيف "كأن" والتقدير: كأنها ظبية. ويجوز نصب "الظبية" "بكأن" تشبيها بالفعل إذا حذف بعضه وعمل نحو: لم يك زيد منطلقا. والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: كأن ظبية تعطو هذه المرأة. ويجوز جر الظبية على تقدير: كظبية و"أن" زائدة مؤكدة. والموافاة: الإتيان. والمقسم -بضم الميم وفتح القاف والسين- المحسن من القسامة وهو الحسن، يقال فلان: قسيم الوجه ومقسمه، أي: حسنه، وتعطو: تتناول وعداه "بإلى" لتضمنه معنى تميل. والوراق: اسم فاعل، وفعله أورق وهو نادر. والسلم: شجر العضاة، وصف امرأة حسنة الوجه، فشبهها بظبية مخصبة، تأتي إلى الشجر الكثير الأوراق فتتناول منه ما تشاء وذلك أدعى لسمنتها وتمام خلقها.
وانظر: الكامل/ 49، وشرح السيرافي 4/ 50، والمحتسب 1/ 308، وابن يعيش 8/ 83، والتصريح 1/ 234، والعيني 2/ 301، والخزانة 4/ 365، والمغني 1/ 32.



ج / 1 ص -246- وقال آخر:

وَوَجْه مُشْرِقِ النَّحْرِ كأنْ ثَدْياهُ حُقَّانِ1

لأنه لا يحسن ههنا إلا الإِضمار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 281 على تخفيف "كأن" وحذف اسمها ورفع الاسم المذكور بعدها على أنه مبتدأ، والجملة منه ومن خبره خبر "كأن" والتقدير: كأنه ثديا حقان.
ويجوز أن تقول: كأن ثدييه حقان على الأعمال، وقد ورد كذلك في رواية أخرى.
والهاء في ثدييه عائدة على النحر أو الوجه لأن فيه رواية أخرى: ونحر مشرق اللون.
والمراد: كأن ثديي صاحبه حقان في نهودهما. واكتنازهما. ومشرق: من أشرق أي: أضاء. والنحر: موضع القلادة من الصدر والحق بالضم، ويقال أيضا حقة معروفة.
ولم ينسب لقائل معين. وانظر: شرح السيرافي 3/ 6، وأمالي ابن الشجري 1/ 237، وشرح المفصل لابن يعيش 8/ 82، وشرح ابن عقيل 147، والخزانة 4/ 358.



ج / 1 ص -247- وزعم الخليل: أن هذا يشبه قول الفرزدق:

فَلَوْ كُنْتٌ ضَبِّيًا عَرَفْت قَرَابتي وَلَكِنَّ زِنجيٌ عَظِيمُ المشافِرِ1

قال سيبويه: والنصب أكثر في كلام العرب, كأنه قال: ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي. ولكنه أضمر هذا. قال: والنصب أجود, لأنه لو أراد الإِضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك: ما أنت صالحًا ولكن طالح: وتقول: إن مالًا وإن ولدًا, وإن عددًا أي: إن لهم2 / 278 مالًا, والذي أضمرت "لهم" وقال الأعشى:

إنَّ محلًا وإنَّ مرتحلًا وإنَّ في السفر إذ مَضَوْا مَهَلًا3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 282 و284 على جواز حذف اسم "لكن" والتقدير: ولكنك زنجي، ويجوز نصب "زنجي" "بلكن" على إضمار الخبر وهو أقيس. والتقدير: ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي. والبيت في هجاء رجل من ضبة اسمه: أيوب بن عيسى فنفاه عنها ونسبه إلى الزنج. وأصل المشفر للبعير فاستعاره للإنسان لما قصد به تشنيع الخلق. والقرابة التي بين ضبة وبينه، أنه من تميم بن مر بن أد بن طابخة وضبة هو ابن أد بن طابخة. وقافية البيت اشتهرت عند النحويين كذا وصوابه:
"
ولكن زنجيا عظيما مشافره" وبعده:

مقتت له بالرحم بين وبينه فألقيته مني بعيدا أواصراه

ورواية الديوان:

ولو كنت .... ولكن زنجي.

وانظر: مجالس ثعلب 1/ 105 وشرح السيرافي 3/ 6 والمحتسب 2/ 182 وجمهرة اللغة 3/ 490، والأغاني 19/ 24، والمخصص 7/ 48، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري/ 145، وابن يعيش 8/ 82، والمغني 1/ 323 والإنصاف/ 18، والديوان/ 481.
2
انظر الكتاب 1/ 282 و284.
3
من شواهد الكتاب 1/ 284، على جواز حذف خبر "إن" للعلم ولا يشترط في ذلك أن يكون الاسم معرفة، بل هو جائز سواء أكان الاسم معرفة أم نكرة، وسواء كررت "إن" أم لم تكرر وزعم الكوفيون: أنه يشترط تنكير الاسم، وزعم الفراء، أنه يشترط تكرير "إن" ويروى: إذ مضوا مهلا. والمحل والمرتحل: مصدران ميميان بمعنى الحلول والارتحال، أو اسما زمان، أي: إن لنا في الدنيا حلولا، وإن لنا عنها ارتحالا. والسفر: اسم جمع مسافر وقيل جمع سافر. والمهل: السبق. والبيت مطلع قصيدة للأعشى في المدح. وانظر المقتضب 4/ 130، وشرح السيرافي 3/ 8، والخصائص 2/ 373، وأمالي الشجري 1/ 322 وابن يعيش 8/ 84، والمغني 1/ 87 تحقيق: د. مازن المبارك، والسيوطي/ 84, والأغاني 9/ 121 وروايته: وإن في السفر من مضى مهلا. والخزانة 4/ 381. والمحتسب 1/ 349، والديوان 170.



ج / 1 ص -248- وتقول: إن غيرها إبلا وشاء, كأنه قال: إن لنا غيرها إبلا وشاء, وإن عندنا غيرها إبلا وشاء, فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه, ونصبت إبلا وشاء على التمييز, والتبيين, كانتصاب الفارس إذا قلت: ما مثله من الناس فارسًا, ومثل ذلك قول الشاعر:

يا لَيْتَ أياَّمَ الصِّبَا رواجِعَا1

كأنه قال: يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعًا. وقال الكسائي: أضمر "كانت"2 وتقول: إن قريبًا منك زيدًا إذا جعلت "قريبًا" ظرفًا, وإن جعلته اسمًا قلت: إن قريبًا منك زيد, فيكون الأول هو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 284 على نصب "رواجعا" على الحال، وحذف الخبر ويستدل به الكوفيون -الفراء خاصة- على نصب المبتدأ والخبر "بليت". ولم ينسب هذا الرجز لقائل معين، وقد نسب في حاشية المغني تحقيق الدكتور مازن المبارك إلى العجاج ولم يوجد في ديوانه وانظر شرح السيرافي 3/ 9 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 165، وابن يعيش 8/ 84، والمغني 1/ 316، والخزانة 4/ 290.
2
الكسائي يقدر "رواجعا" خبرا لكان المحذوفة، لأن "كان" تستعمل كثيرا هنا. قال تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} وقال: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ}. والفراء يجعل "ليت" ناصبة للمبتدأ والخبر معا، وانظر المغني 1/ 361 تحقيق الدكتور مازن المبارك، وشرح المفصل 8/ 84، والخزانة 4/ 291، والهمع 1/ 134.



ج / 1 ص -249- الآخر. وإذا كان ظرفًا كان غيره. وتقول: إن بعيدًا منك زيد, والوجه: أن تجعل المعرفة اسم إن1 فتقول: إن زيدًا بعيد منك.
قال سيبويه: وإن شئت/ 279 قلت: إن بعيدًا منك زيدًا, وقلما2 يكون بعيد منك ظرفًا. وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيدًا, وتقول إن قربك زيدًا3, فالدنو أشد تمكنا من الظروف من البعد, لأن حق الظرف أن يكون محيطًا بالجسم من أقطاره.
وزعم يونس: أن العرب تقول: إن بدلك زيدًا, أي: إن مكانك زيدًا4, وإن جعلت البدل بمنزلة البديل, قلت: إن بدلك زيد, أي: إن بديلك5 زيد, وتقول: إن ألفًا في دراهمك بيض, إذا جعلت: "بيضًا" خبرًا فإن وصفت بها "ألفًا" قلت: إن ألفًا في دراهمك بيضًا, يجوز لك أن تفصل بين الصفة والموصوف وتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا ظريف فتعطف عمرًا على "إن" ومثل ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}6. وقد رفعه قوم ولم يجعلوا/ 280 الواو عاطفة على تأويل "إذ"7 كقولك: لو ضربت عبد الله وزيد قائم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال المبرد: والمعرفة والنكرة ههنا واحد، وإنما تحذف إذا علم المخاطب ما تعني بأن تقدم له خبرا، أو يجري القول على لسانه، وانظر المقتضب 4/ 130.
2
في الأصل: وقل ما.
3
انظر الكتاب 1/ 284-285.
4
المصدر السابق 1/ 285.
5
في الأصل "بدلك".
6
لقمان: 27.
7
في الكتاب 1/ 47. وأما قوله -عز وجل: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}، فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال. كأنه قال إذ طائفة في هذه الحال، فإنما جعله وقتا، ولم يرد أن يجعلها واو عطف، إنما هي واو الابتداء. وانظر المقتضب 4/ 125.



ج / 1 ص -250- ما ضرك, أي: لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال, فكأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نَفَدِتْ كلمات الله وتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول, إذ كان الثاني في مثل حاله, قال رؤبة:

إنَّ الرَّبيعَ الجود والخريفا يدا أبي العباس والصيوفا1

أراد: وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول.
ولك أن ترفع على الموضع, لأن موضع إن الابتداء فتقول: إن زيدا منطلق وعمرو, لأن الموضع للابتداء, وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام. وتقول: إن قومك فيها أجمعون. وإن قومك فيها كلهم ففي "فيها" اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل/ 281 إذا قلت: إن قومك ينطلقون أجمعون, فإذا قلت: إن زيدًا فيها, وإن زيدًا يقول ذلك, ثم قلت: نفسه. فالنصب أحسن. فإذا أردت حمله على المضمر قلت: إن زيدًا يقول ذاك هو نفسه, فإذا قلت: إن زيدا منطلق لا عمرو, فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع وذلك قولك: إن زيدًا منطلق لا عمرًا, وإن زيدًا منطلق لا عمرو, ولكن بمنزلة إن وتقول: إن زيدا فيها لا بل عمرو, وإن شئت نصبت و"لا بل" تجري مجرى الواو ولا تقول: إن زيدًا منطلق العاقل اللبيب, إذا جعلته صفة لزيد, ويجوز أن تقول: إن زيدًا منطلق العاقل اللبيب فترفع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 285، على العطف على اسم أن بالنصب. والجواد: بفتح الجيم وسكون الواو: المطر الغزير.
مدح الشاعر: عبد الله السفاح، وأراد بالربيع والخريف والصيوف: أمطارهن. وفي هذا الرجز عكس التشبيه. والأصل أن يدي أبي العباس الربيع والخريف والصيوف. وانظر المقتضب 4/ 111، وشرح السيرافي 3/ 10، والتصريح 1/ 226، والعيني 1/ 261، وديوان رؤبة/ 179. وذكر هناك على أنه مما نسب إليه مع بيتين آخرين من الرجز، والهمع 2/ 144.



ج / 1 ص -251- قال سيبويه: والرفع على وجهين: على الاسم المضمر في "منطلق" كأنه بدل منه, كقولك: مررت به زيد -يعني أنه يجعله بدلًا من المضمر في منطلق. قال: وإن شاء رفعه على معنى: مررت به زيد, إذا كان جواب1 / 282 من هو فتقول: زيد كأنه قيل له: من هو؟ فقال: العاقل اللبيب, وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}2, وعلامَ الغيوب. وتقول: إن هذا أخاك منطلق, فتنصب أخاك على ضربين من التقدير: على عطف البيان وهو كالصفة, وعلى البدل, فمن قال هذا قال: إن الذي رأيت أخاك ذاهب, ولا يكون الأخ صفة "الذي", لأن أخاك أخص من الذي. فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف. قال الخليل: إن من أفضلهم كان زيدًا, على إلغاء "كان"3.
قال سيبويه: وسألت الخليل عن قوله: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}4 و{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}5, فزعم: أنها وي مفصولة من "كأن" والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم. قال: وأما المفسرون فقالوا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}6, وقال/ 283 زيد بن عمرو بن نفيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 286.
2
سبأ: 48 وقراءة: "عَلَّامُ الْغُيُوبِ" بالنصب من الشواذ. ابن خالويه/ 122. وفي البحر المحيط 7/ 292 قرأ الجمهور: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} بالرفع. فالظاهر أنه خبر ثانٍ وهو ظاهر قول الزجاج. وقال الزمخشري رفعه محمول على محل "أن" واسمها أو على المستكن في "يقذف" أو هو خبر مبتدأ محذوف.
3
انظر الكتاب 1/ 290.
4, 5
القصص: 82.
6
انظر الكتاب 1/ 290.



ج / 1 ص -252- سألتاني الطَّلاق إذْ رأتَاني قَلَّ مالي قَدْ جِئْتُماني بنكر

ويَ كأنْ مَنْ يَكُنْ لَه نَشَبٌ يُحبَـ ـبْ ومَنْ يفتقرْ يَعشْ عيَشَ ضُرِّ1

قال2 وناس من العرب, يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون, وإنكَ وزيد ذاهبان وذلك: أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير:

بَدَا لي أنِّي لَسْتُ مُدْرِكٌ ما مَضَى ولا سَابِقٍ شيئًا إذَا كَانَ جَائِيا3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 290. على تركيب "ويكأن" من "وي" التعجبية، و"كأن" المخففة من المثقلة. وفيها شاهد: على أن أسماء الأفعال ترد للتندم. وذكر الأعلم: أن بعض النحويين زعم: أن قولهم: ويكأن بمعنى: ويلك اعلم أن.. فحذفت اللام من "ويلك" كما قال عنترة: قيل الفوارس ويك عنتر أقدم. وحذف "اعلم" لعلم المخاطب مع كثرة الاستعمال. وهذا القول مردود لما يقع فيه من كثرة التغيير. وقوله: سألتاني أبدل فيه الهمزة ألفا صورة، أو يكون استعمل لغة من يقول: سلته أسأله مثل: خفته أخافه، وهما يتساولان وهي لغة معروفة وعليها قراءة من قرأ: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذابٍ وَاقِعٍ". والنشب: المال، ويروى: سألتاني الطلاق أن رأتاني...
وانظر شرح السيرافي 1/ 234، والمقتضب 2/ 155، تحقيق د: مازن المبارك، 2/ 139، والصاحبي لابن فارس/ 147، ومجالس ثعلب 389، وابن يعيش 4/ 76، ومعاني القرآن 2/ 312.
2
يعني سيبويه: انظر الكتاب 1/ 290، وانظر الدرر اللوامع للشنقيطي 3/ 140، والخزانة 3/ 95.
3
من شواهد الكتاب 1/ 154 على عطف "سابق" بالجر على "مدرك" على توهم الباء فيه. ورواية سيبويه: ولا سابقا شيئا، والديوان: ولا سابقي شيء.
وانظر الكتاب 2/ 278، والمقتضب 2/ 339، وشرح السيرافي 3/ 16، والإنصاف 111، وابن يعيش 8/ 69، والمفصل للزمخشري 256، والعيني 2/ 262، والخزانة 3/ 665، والديوان 287.

ج / 1 ص -253- فأضمر الباء وأعلمها, وأما قولهم: {وَالصَّابِئُونَ}1 فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال: والصابئون بعد ما مضى الخبر, قال الشاعر:

وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَا وأَنْتُم بُغَاة ما بَقيْنَا في شِقَاقِ2

كأنه قال: فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك. وتقول: إن القائم أبوه منطلقة جاريته, نصبت القائم بإن, ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت "منطلقةً", لأنه خبر إن, ورفعت الجارية بالانطلاق, لأنه فعلها. ويجوز أن/ 284 تكون الجارية مرفوعة بالابتداء, وخبرها: "منطلقة" والجملة خبر "إن" فيكون التقدير: إن القائم أبوه جاريته منطلقة, إلا أنك قدمت وأخرت ويقول: إن القائم وأخوه قاعد, فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في "قائم" والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر, فتقول: إن القائم هو وأخوه قاعدٌ. وإنما قلت: "قاعد" لأن الأخ لم يدخل في "إن" وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك: إن الذي قام مع أخيه قاعدٌ, ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المائدة: 66 والآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} هذا على التقديم والتأخير عند البصريين، أما الكوفيون فيرون أن "الصابئين" معطوف على موضع "أن" قبل تمام الخبر, وهو قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. وانظر الإنصاف 1/ 108، وابن يعيش 8/ 69.
2
من شواهد الكتاب 1/ 290 على رفع قوله: بغاة على التقديم والتأخير فأنتم: مبتدأ، والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: نحن بغاة ما بقينا وأنتم، والذي سوغ حذف الأول لدلالة الثاني عليه، والبغاة: جمع باغ، وهو الساعي بالفساد. والشقاق: الخلاف وأصله أن يأتي كل واحد من الفريقين ما يشق على صاحبه، أو يكون كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه. والشق: الجانب. والبيت لبشر بن أبي خازم الأسدي: وانظر: معاني القرآن 1/ 311، وشرح السيرافي 3/ 16، وابن يعيش 8/ 70، والإنصاف 1/ 108، والتصريح 1/ 328، وشرح شواهد الألفية للعاملي/ 112، والخزانة 4/ 315.



ج / 1 ص -254- صحيح, ولو أردت أن تدخل الأخ في "إن" لقلت: إن المتروك مريضًا وأخاه صحيحان, وتقول: إن زيدا كان منطلقًا, نصبت زيدًا "بإن" وجعلت ضميره في "كان". وكان وما عملت فيه في موضع خبر "إن" وإن شئت رفعت "منطلقًا" على وجهين:
أحدهما: أن تلغي "كان"/ 285 وقد مضى ذكر ذلك.
والوجه الثاني: أن تضمر المفعول به في "كان", وهو قبيح, وتجعل منطلقًا اسم "كان" فكأنك قلت: إن زيدًا كأنه منطلق.
وقبحه من وجهين: أحدهما: حذف الهاء, وهو كقولك: إن زيدًا ضرب عمرو, تريد: ضربه, والوجه الآخر: أنك جعلت منطلقًا هو الاسم "لكان" وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان: إن زيدًا كان أخوك, تريد: كأنه أخوك, كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول: إن أفضلهم الضارب أخًا له -كان صالحًا- فقولك: كان "صالحًا" صفة لقولك: "أخا له", لأن النكرات توصف بالجمل, ولا يجوز أن تقول: إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحًا, فتجعل: "كان صالحًا" صفة لأخيه, وهو معرفة، فإن قال قائل: فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالًا فذاك قبيحٌ والأخفش يجيزه على قبحه/ 286 وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}1 وتأويل ذلك عند

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النساء: 90، وقوع الفعل الماضي حالا من غير تقدير "قد" وهو مذهب الكوفيين والأخفش، وقد عقد ابن الأنباري لذلك مسألة في الإنصاف/ 160-164 وقد جهد ابن الأنباري في تضعيف مذهب الكوفيين وإن كان مرتكزا على أساس متين من القياس والسماع.
والمتبع لأبي حيان في البحر المحيط يجده في مواضع كثيرة يرجح مذهب الكوفيين، ولا يقدر "قد" مع الماضي فيقول 3/ 317 جاء منه ما لا يحصى كثرة بغير "قد" ويقول 6/ 355 ولا يحتاج إلى إضمار "قد" لأنه قد كثر وقوع الماضي حالا في لسان العرب بغير "قد" فساغ القياس عليه. ويقول في 6/ 355 "أيضا" ولا يحتاج إلى إضمار "قد" فقد كثر وقوع الماضي حالا بغير "قد" كثرة ينبغي القياس عليها.
ويقول 7/ 493 وقد أجاز الأخفش من البصريين وقوع الماضي حالا بغير "قد" وهو الصحيح، إذ كثر ذلك في لسان العرب كثرة توجب القياس، ويبعد فيها التأويل.



ج / 1 ص -255- أبي العباس: على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم. وقال: القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَةً صُدُورُهُمْ}1.
وقال الأخفش: أقول: إن في الدار جالسًا أخواك, فانصب "جالسًا" "بإن" وارفع "الأخوين" بفعلهما واستغنِ بهما عن خبر "إن" كما أقول: أذاهب أخواكَ فارفع "أذاهب" بالابتداء, وأخواك بفعلهما واستغنِ عن خبر الابتداء, لأن خبر الابتداء إنما جيء به ليتم به الكلام.
قال: وكذلك تقول: إن بك واثقًا أخواك, وإن شئت "واثقين أخواك" فجعلت "واثقين" اسم "إن", ولا يجوز: أن بك واثقين أخويك فتنصب "واثقين" على الحال, لأن الحال لا يجوز في هذا, لأنك لا تقول: إن بك أخويك, وتسكت. وتقول: إن فيها قائمًا أخواك, وإن شئت/ 287 قائمين أخويك, فتنصب أخويك "بأن" وقائمين على الحال, وفيها خبر "إن" وهو خبر مقدم, وإذا ولي "قائم" إن, ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين, وصار اسمًا لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن وذلك قولك: إن قائمين الزيدان, وإن قائمين الزيدون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هذه جرأة من المبرد فصنيعه هذا يشعر بأن قراءة "حصرت" بالتاء المفتوحة ليست بصحيحة مع أن القراء السبعة اتفقوا عليها، ولم يقرأ "حصرة" إلا يعقوب من العشرة.
انظر: النشر 2/ 251، والإتحاف/ 193، والمقتضب ج4/ 125.



ج / 1 ص -256- وأجاز الفراء: إن قائمًا الزيدان وإن قائمًا الزيدون, على معنى إن من قام الزيدان. وإن من قام الزيدون.
وأجاز البصريون إن قائمًا الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره, ولا يجيز الكوفيون. إن آكلًا زيد طعامك, إذا كان المنصوب بعد زيد, وهذا جائز عند البصريين, فإن قلت: إن آكلًا طعامك زيدٌ, كانت المسألة جائزة في كل قول, وكذلك كل منصوب, من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف, فإن قلت/ 288: خلفك آكلًا زيد, استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت: إن خلفك آكلًا زيد طعامك, ولك أن تؤخر "آكلًا", والظروف من الزمان في ذا كالظروف من المكان.
والفراء1 يجيز: إن هذا وزيد قائمان, وإن الذي عندك وزيد قائمان, وإنك وزيد قائمان, إذا كان اسم "إن" لا يتبين فيه الإِعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل, وعلى ذلك ينشدون هذا البيت2:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال الفراء: ولا أستحب أن أقول: إن عبد الله وزيد قائمان، لتبين الإعراب في عبد الله، وقد كان الكسائي يجيزه لضعف "إن" وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيارا بها لغريب

وقيار: ليس هذا بحجة للكسائي في إجازته: "إن عمرا وزيدا قائمان" لأن قيارا قد عطف على اسم مكنى عنه والمكنى لا إعراب له فيسهل ذلك فيه كما سهل في "الذين" إذا عطفت عليه "الصابئون". وهذا أقوى من الصابئين، لأن المكنى لا يتبين فيه الرفع في حال، والذين قد يقال: اللذون فيرفع في حال. معاني القرآن جـ1/ 311.
2
من شواهد الكتاب 1/ 8. على أن قوله: "وقيار" مبتدأ حذف خبره، والجملة على هذا اعتراضية بين اسم إن وخبرها، وتقدير الكلام: فإني وقيار كذلك لغريب.
ويروى البيت: وقيارا بالعطف على اسم "إن" وقيرا: هو فرس الشاعر أو غلامه وقيل: هو اسم جملة.
والمعنى: من يك مقيما بالمدينة فلست على صفته وإني غريب عنها. والبيت لضابئ بن الحارث البرجمي من أبيات قالها في سجنه بالمدينة على عهد عثمان وذلك لقذفه المحصنات.
وانظر: معاني القرآن 1/ 311، وشروح سقط الزند 4/ 1773، وابن يعيش 8/ 68، والخزانة 4/ 323.



ج / 1 ص -257- ومَنْ يَكُ أَمْسَى بالمَدينة رَحلُه فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ

فيرفع "قيارًا" وينصب وكذلك لو قال: الغريبان, فإفراد الفعل وتثنيته في هذا عندهم سواء.
والكسائي يجيز الرفع في الاسم الثاني مع الظاهر والمكنى, فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه, فالنصب عندنا لا يجوز غيره, وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط1.
وقد قال الفراء: يجوز أن تقول: إنهم أجمعون قومك على/ 289 الغلط لما كان معناه: هم أجمعون قومك, وإنه نفسه يقوم, يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإِعراب, وهو وأصحابه كثيرًا ما يقيسون على الأشياء الشاذة.
وقال قوم: إن الاختيار مع الواو التثنية في قولك: إن زيدًا وعمرًا قائمان, ويجوز: قائم مع ثم والفاء التوحيد, ويجوز التثنية, يجوز: إن زيدًا ثم عمرًا قائم, وقائمان. وإن زيدًا فعمرًا قائم وقائمان. ومع "أو" "ولا" التوحيد, لا غير, لأن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر.
واعلم: أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك: إنه قام بكر, وفي كل موضع تستعمل فيه, فهي موحدة لا ينسق عليها, ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد, ولا تؤنث ولا تثنى, ولا تجمع, ولا تذكر, وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل. وقوم يقولون: إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
يشير إلى قول سيبويه: واعلم: أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان، وانظر الكتاب 1/ 290.
ووجه الغلط أنهم رأوا أن معنى: إنهم: ذاهبون هم ذاهبون، فاعتقد سقوط "أن" من اللفظ، ثم عطف عليه بالرفع.

ج / 1 ص -258- وذكرت نحو قولك: إنه قائمة جاريتك/ 390 وإنها قائمة جاريتك. وقالوا إذا قلت: إنه قائم جواريك, ذكرت لا غير, فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك: إنه في الدار جاريتك, وإنها في الدار جاريتك.
وحُكي عن الفراء أنه قال: لا أُجيز: إنه قام؛ لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين, لاسم وخبر, وكان يجيز فيما لم يسم فاعله: إنه ضُرِب, وقال: لأن الضمة تدل على آخر.
والكسائي يجيز: إنه قام, قال: والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر1 الهاء إلا صفة متقدمة, وإن جاءوا بعدها بأفعال -يعنون بالأفعال اسم الفاعل- أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم: إن رجلًا قائمًا, وإن رجلًا أخوك, وإذا أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون: إن رجلًا وزيدًا, لأن خبر المعرفة لا يُضمر عندهم ويقولون: كل أداة ناصبة/ 291 أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع "إن", فإن كانت الأداة لا تعمل شيئًا دخلت اللام عليها.
وقد أجاز الفراء حذف الخبر في: "إن الرجل" وإن المرأة, وإن الفأرة, وإن الذبابة, ولا يجيزه إلا بتكرير "إن"2.
ويقولون: "ليت" تنصب الأسماء والأفعال, أي: الأخبار نحو: ليت زيدًا قائمًا, وقال الكسائي: أضمرت: "كان"3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
حذفت "يضمروا" لأنها زائدة.
2
هذا مذهب سيبويه والبصريين، قال: هذا باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة لإضمارك ما يمكن مستقرا لها وموضعا لو أظهرته وليس هذا المضمر نفس المظهر. وذلك: إن مالا، وإن ولدا، أي: إن لهم مالا، فالذي أضمرت "لهم". وانظر الكتاب 1/ 284.
3
إذا قلت: ليت زيدا قائما، فالتقدير عند الكسائي: ليت زيدا كان قائما، بإضمار "كان"، لأنها تستعمل هنا كثيرا، نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}، و{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما الفراء: فأجاز نصب الاسمين جميعا بأن قال: ليت زيدا قائما. على معنى "تمنيت" فكأنه قال: أتمنى زيدا قائما، أو تمنيت زيدا قائما، كأنه يلمح الفعل الذي ناب عنه الحرف. وانظر ابن يعيش 8/ 64.



ج / 1 ص -259- وقالوا: "لعل" تكون بمعنى: "كي"1 وبمعنى: خليق وبمعنى: ظننت, وقالوا: والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين, والدليل على "عسى" أن تجيء بأن, وقالوا: "ليت" قد ذهب بها إلى "لو" وأولوها الفعل الماضي, وليتني أكثر من ليتي, ولعلي أكثر من لعلني, وإنني وإني سواءٌ.
وذكر سيبويه: لهنك لرجل صدق2 قال: وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في "إن" ولكنهم/ 292 أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك: هرقت3. ولحقت هذه اللام "إن" كما لحقت "ما" حين قلت: "إن زيدًا لما لينطلقن فلحقت" اللام في اليمين والثانية لام "إن" وفي: لما لينطلقن اللام الأولى: لام "لئن" والثانية: لام اليمين. والدليل على ذلك النون التي معها. وقال: قول العرب في الجواب إنه, فهو بمنزلة أجل4 وإذا وصلت قلت: إنَّ يا فتى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تأتي لعل بمعنى: "كي" للتعليل، كقولك: ابعث إليّ بدابتك لعلي أركبها، أي: كي أركبها، وجعلوا منه قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}، أي: كي تتقوا، وكي تعقلوا، وكي تذكروا، قال الكسائي والأخفش: ومنه لعله يتذكر.
انظر التصريح جـ1/ 213.
2
انظر الكتاب 1/ 474.
3
من قال: هراق، فالهاء عنده بدل من همزة "أراق" على حد: هردت أن أفعل في أردت ونظائره. ومن قال: إهراق، فجمع بين الهمزة والهاء، فالهاء عنده زائدة كالعوض من ذهاب حركة العين على حد ضيعهم في "اسطاع" وانظر شرح المفصل لابن يعيش 10/ 5.
4
قال سيبويه: وأما قول العرب في الجواب: إنه بمنزلة أجل، وإذا وصلت قلت: إن يا فتى وهي بمنزلة أجل، قال الشاعر:

ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه

الكتاب 1/ 475 و2/ 279.



ج / 1 ص -260- واعلم: أن "إنَّ وأخواتها" قد يجوز أن تفصل بينها وبين, أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه؛ لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده وذلك قولك: إن زيدًا فافهم ما أقول رجل صالح, وإن عمرًا والله ظالم, وإن زيدا هو المسكين مرجوم؛ لأن هذا في الرفع يجري مجرى/ 293 المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}1, فأولئك هو الخبر.
ومذهب الكوفيين والبغداديين في "إن" التي تجاب باللام, يقولون: هي بمنزلة "ما" وإلا وقد قال الفراء: إنها بمنزلة "قد" وتدخل أبدًا على آخر الكلام نحو قولك: إن زيدًا لقائم, تريد: ما زيد إلا قائم, وقد قيل: إنه, يريد: قد قام زيد, وكذلك: إن ضرب زيد لعمرًا, وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول: هي مع الأسماء والصفات -يعني بالصفات والظروف- إن المثقلة خففت, ومع الأفعال بمعنى ما وإلا, وقال الفراء: كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا: وقد حكى: إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه, وقد حُكي مع الأسماء وأنشدوا2:
فقلت:

إن القوم الذي أَنَا مِنهم لأَهل مَقَامَات وشَاء وجامِلِ3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكهف: 30.
2
رد ما ذهب إليه الكسائي بسماع الإعمال. يؤيد ذلك ما ذكره سيبويه من جواز إعمالها مع التخفيف، فحال "إن" المخففة كحالها وهي مشددة في جميع الأحكام إلا في شيء واحد، وهو أنها لا تعمل في الضمير بخلاف المشددة، تقول: إنك قائم، ولا تقول: إنك قائم، وانظر الارتشاف/ 583. والأشباه والنظائر 2/ 61.
3
لم أعثر لهذا الشاهد على ترجمة في كتب النحو واللغة والأدب.



ج / 1 ص -261- وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه, وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك: إن ظننت زيدًا لفي الدار قائمًا, فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها, وإن كان من صلة "قائم" دخلت اللام على "قائم" يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ, ألا ترى أنه لو خلا الكلام من "ظننت": كان زيد في الدار قائمًا, فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال, والعامل فيه "في الدار" فهو من صلة "في الدار" فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على "قائم" لأنه من صلة الثاني, وهو الخبر, وقالوا: كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب, وكذلك صلة الثاني في قولك: إن ضربت رجلًا لقائمًا, لا يدخلون/ 295 عليها اللام, و"قائمًا" صلة رجل هذا خطأ عندهم, وعند غيرهم, ولا يجوز: إن زال زيد قائمًا, لأنه لا يجوز, زال زيدٌ قائمًا وتقول: إن كان زيدٌ لقائمًا.











========================.



13



















الأصول في النحو



ج / 1 ص -262- باب كسر ألف إن وفتحها1:
ألف إن تكسر في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والابتداء جميعًا, وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلًا داخلًا على جملة, وتلك الجملة مبتدأ وخبر, والجملة التي بعد "إنَّ" لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف, ألا ترى أنك تقول: إن عمرًا منطلق, فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول: عمرو منطلق, ويصلح أن يقع الفعل موقع المبتدأ, فتقول: انطلق عمرو, وهذه الجملة لا موضع لها من الإِعراب, لأنها غير مبنية على شيء. و"إنَّ" المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام/ 296 مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها2 ولا تدخل اللام في خبر "إن" إذا كانت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الذي يجمع بين "إن وأن" هو العمل وحده، وذلك لو تتبعنا المواضع التي تفتح فيها الهمزة والتي تكسر لوجدناها تختلف اختلافا كليا. فإن ما بعد المكسورة كلام تام لفظا ومعنى، وهو يأتي لتحقيق مضمون الجملة بخلاف المفتوحة، لأن ما بعدها مفرد معنى، ولذلك تتعين المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، قال سيبويه: وأما إن فهي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في "أن" كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء.
وانظر الكتاب 1/ 461، والسيرافي 4/ 18.
2
لا يجوز مع لام الابتداء إلا كسر "إن" لأن لها صدر الكلام، وإنما أخرت إلى موضع الخبر، لئلا يجمع بين حرفي تأكيد، وموضعهما واحد لما في ذلك من إيهام الفساد باختلاف المعنى وإن أحدهما أحق بالتقديم من الآخر فأخرت اللام إلى موضع الخبر...
وانظر شرح الرماني 2/ 7.



ج / 1 ص -263- "إن" محمولة على ما قبلها. واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك: قد علمت إن زيدًا لمنطلق, وأظن إن زيدًا لقائم, فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه. ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال, لا تقول: وعدتك إنك لخارج, إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل, ألا ترى أنك تقول: قد علمت أيهم في الدار, وكل موضع تقع فيه "إن" بمعنى اليمين وصلة القسم1 فهي مكسورة, فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى اليمين: أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك, وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم, قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}2 / 297 "فإن" تدخل صلة "للذي", لأن صلة الذي لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر. فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضًا مكسورة, لأنك تحكي الكلام مبتدأ, والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول: قال عمرو: إن زيدًا خير منك.
قال سيبويه: كان عيسى يقرأ هذا الحرف: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ}3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
تكسر همزة "إن" في جواب القسم ليفصل بين القسم والمقسم عليه، لأن هذا موقع لا يصلح فيه إلا الكسر كما لا يصلح إذا تقدم كلام دخوله وخروجه واحد في أنه لا يجوز أن يعمل في "إن" لأنه موضع قطع عن الكلام الأول كقولك: قد تكلم الناس في أمور كثيرة إني لأعجب منها، فهذا موضع قطع عن الكلام الأول فهو بمنزلة: إني لأتعجب من أمور كثيرة قد تكلم الناس فيها...
وانظر شرح الرماني 2/ 183.
2
القصص: 76. وانظر الكتاب 1/ 473. وقال الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}. "فإن" صلة "لما" وتكسر همزة "إن" الواقعة في بدء جملة الصلة.
3
القمر: 10.



ج / 1 ص -264- أراد أن يحكي كما قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ}1 كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم2, فعلى هذا عندي قراءة: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} أي: دعا ربه فقال: إني مغلوب. وتكسر أيضًا بعد إلا في قولك: ما قدم علينا أمير إلا إنَّهُ مكرم لي, لأنه ليس هنا شيءٌ يعمل في "إن" ولا يجوز أن تكون عليه.
قال سيبويه: ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء3. قال الله تعالى/ 298: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}4, فإن زال ما بعد إلا عن الابتداء وبنيته على شيء فتحت تقول: ما غضبت عليك إلا أنك فاسق, كأنك قلت: إلا لأنك فاسق, وأما قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ}5. فإنما حمله على "منعهم" أي: ما منعهم إلا أنهم كفروا, فموضع: أنهم كفروا, رفع, أي: ما منعهم إلا كفرُهم, فلما صار لها موضع فتحت.
و"حتى":
تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في "إن" وذلك قولك: قد قاله القوم حتى إن زيدًا يقوله: وانطلق الناس حتى إن عمرًا لمنطلق. وأحال6 سيبويه أن تقع المفتوحة ههنا, وكذلك إذا قلت: مررت فإذا إنَّهُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الزمر: 3. وانظر الكتاب 1/ 471: كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم، ويزعمون: أنها في قراءة ابن مسعود كذا. ومثل ذلك كثير في القرآن.
2
انظر الكتاب 1/ 471.
3
انظر الكتاب 1/ 472. وشرح الرماني 2/ 184.
4
الفرقان: 20. وفي الكتاب 1/ 472، ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء.
5
التوبة: 54.
6
قال سيبويه: ولو أردت أن تقول: حتى إن في هذا الموضع, أي: موضع الابتداء كنت محيلا، لأن أن وصلتها بمنزلة الانطلاق.
الكتاب 1/ 471، وشرح الرماني 2/ 184.



ج / 1 ص -265- يقول ذاك, قال: وسمعت رجلًا من العرب ينشد هذا البيت1 كما أخبرتك به:

وكُنْتُ أُرى زيدًا -كَما قِيلَ- سِيدًا إذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللُّهَازمِ

وإذا/ 299 ذكرت "إن" بعد واو الوقت كسرت, لأنه موضع ابتداء نحو قولك: رأيته شابا وإنه يومئذ يفخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 471. على جواز فتح همزة أن وكسرها بعد إذا فالكسر على نية وقوع المبتدأ والخبر بعد إذا، فالتقدير إذا هو عبد القفا، والفتح على تأويل المصدر: فإذا العبودية حاصلة... والمعنى: كنت أظن زيدا سيدا شريفا كما قيل فيه، فظهر أنه لئيم. ومعنى قوله: عبد القفا واللهازم، أي: إذا نظرت إلى قفاه ولهازمه تبينت عبوديته ولؤمه، لأن القفا موضع الصفع واللهزمة موضع اللكز، وهي بضيعة في أصل الحنك الأسفل.
وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها.
وانظر المقتضب 2/ 351، وشرح الرماني 2/ 183، والخصائص 2/ 269، وابن يعيش 8/ 61.

ذكر أن المفتوحة:
أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام: شأنًا وقصة وحديثًا, ألا ترى أنك إذا قلت: علمت أنك منطلق, فإنما هو: علمت انطلاقك, فكأنك قلت: علمت الحديث, ويقول القائل: ما الخبر؟ فيقول المجيب: الخبر أن الأمير قادم.
فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها, لا تريد بها الابتداء, تقول: بلغني أنك منطلق, "فأن" في موضع اسم مرفوع, كأنك قلت: بلغني انطلاقك, وتقول: قد عرفت أنك قادم, "فأن" في موضع اسم منصوب, كأنك قلت: عرفت قدومك, وتقول: جئتك لأنك1 كريم/ 300 "فأن" في موضع اسم مخفوض, كأنك قلت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
وهذا الموقع الذي يدخل فيه حرف الجر على "أن".



ج / 1 ص -266- جئت لكرمك, و"أن" إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل. وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الاسم, والفعل لا يعمل في الفعل, فلذلك لا يعمل الفعل في "إن" المكسورة, ويعمل في "أن" المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر, والمصدر اسم.
قال سيبويه: يقبح أن تقول: أنك منطلق بلغني, أو عرفت1. وإنما استقبح ذلك -وإن أردت تقديم الفعل لامتناعهم- من الابتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة "أَنْ" الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر. وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه, فلا يجوز أن يتصرف تصرف "أن" الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها. فأما "أَنْ" الخفيفة التي تنصب الفعل, فإنها يبتدأ بها, لأن الفعل صلة لها, وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل, ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و"أَنَّ" الشديدة ليست كذلك, لأنه/ 301 لا يليها إلا الاسم, وهي بعد للتأكيد, كما إن "إن" المكسورة للتأكيد, تقول: إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز: أنْ زيد قائم خير لك, قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}2, وتقول: ليت أن زيدًا منطلق, فأصل هذا الابتداء والخبر, فينوب عن خبر "ليت" ولا يجوز: أن يقوم زيد, حتى يأتي بخبر, وأنت مع "أن" تلفظ بالفعل ومع "أن" المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل, نحو قولك: قد علمت أن زيدًا أخوك, والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة لا تقع فيها "إن" المكسورة, فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد, فاعلم: أن المعنى والتأويل مختلف. وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها, نحو: جئتك أنك, تريد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الكتاب 1/ 463. ونص الكتاب: ألا ترى أنه قبيح أن تقول: إنك منطلق بلغني أو عرفت، لأن الكلام بعد أن وإن غير مستغن كما أن المبتدأ غير مستغن، وإنما كرهوا ابتداء "أن" يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها "إن" ولئلا يشبهوها بأن الخفيفة، لأن أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إن وأن.
2
البقرة: 184.



ج / 1 ص -267- الخير1, ويقول الرجل للرجل: لم فعلتَ ذلك؟ فيقول: لم2 أنه ظريف, تريد: لأنه.
قال سيبويه: سألت الخليل3 عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}4 / 302 فقال: إنما هو على حذف اللام5, وقال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين}6: إنما أراد: بأني, وإذا عطفت "إن" على أن, وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحتَ المعطوفَ أيضًا, إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف, وتأتي بجملة نحو قولك: قد عرفتُ أنه ذاهب, ثم إنه معجل فتحت الثانية لأن "عرفت" قد عمل فيها, وتقول قد عرفتُ أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل, لأنك ابتدأت "بأني". وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت, كما أخبرتك وتقع بعد "لو" مفتوحة فتقول: لو أنك في الدار لجئتك.
قال سيبويه: "فأن" مبنية على "لو" كما كانت مبنية على "لولا" تقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
أي: لأنك تريد الخبر.
2
في الأصل "لما". وانظر الكتاب 1/ 463.
3
انظر الكتاب 1/ 464.
4
المؤمنون: 52. قال شعيب: الآية في الأصل: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وكذلك جاءت في نسختين خطيتين من أصول سيبويه كما ذكر عبد السلام هارون، والصواب: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} كما أثبتنا، وهي الآية 52 من سورة المؤمنين، فإنها هي التي اختلف فيها القراء فبعضهم قرأ بكسر همزة إن وبعضهم قرأ بفتحها بخلاف الآية في سورة الأنبياء "92" فإنهم اتفقوا على قراءتها بكسر الهمزة. وفي البحر المحيط 6/ 408-409: قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف والحرميان وأبو عمرو بالفتح والتشديد، أي: ولأن وابن عامر بالفتح والتخفيف. وانظر النشر 2/ 327، والإتحاف/ 319.
5
انظر الكتاب 1/ 464، وفي المقتضب 2/ 247: وزعم قوم من النحويين: أن موضع إن خفض في هذه الآية وما أشبهها. وأن اللام مضمرة وليس هذا بشيء.
6
هود: 25، قال شعيب: قرأ ابن كثير وأبو عمرو، والكسائي: "أنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ" بفتح الألف، وقرأ الباقون بالكسر، "حجة القراءات" ص337.



ج / 1 ص -268- لولا أني منطلق لفعلت, "فأن" مبنية على "لولا" كما تبنى عليها الأسماء, وقال في لو: كأنك قلت: لو ذاك, وهذا تمثيل, وإن كانوا لا يبنون على "لو", غير أن كما كان "تسلم" في قولك بذي تسلم في1 / 303 موضع اسم.
قال أبو العباس -رحمه الله: إن "لو" إنما تجيء على هيئة الجزاء, فإذا قلت: لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب, لأن معناها: إن الزيارة امتنعت لامتناع الكرامة فلا بد من الجواب, لأنه علة الامتناع2 و"إن" المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء, لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و"أن" المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين: أحدهما أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه. فإن قال قائل إذا قلت: لو أنك جئتني لأكرمتك فلِمَ لا تقول: لو مجيئك لأكرمتك, قيل له: لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة "أن" والمصدر ليس كذلك, ألا ترى أنك تقول: ظننت أنك منطلق فتعديه إلى "أن" وهي وصلتها اسم واحد؛ لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين. وغيرهما من الأسماء/ 304 لا بد معه من مفعول ثان. والوجه الآخر أن الأسماء تقع بعد "لو" على تقديم الفعل الذي بعدها, فقد وليتها على حال وإن كان ذلك من أجل ما بعدها, فلذلك وليتها "أن", لأنها اسم وامتنعت المكسورة, لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد, والحروف لا تلي "لو" فمما وليها من الأسماء قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ}3. وقال جرير:

لَوْ غَيْرُكُم عَلقَ الزُّبيرُ بِحبْلِه أدى الجِوَارَ إلى بني العَوَّامِ4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر الكتاب 1/ 462.
2
انظر المقتضب 3/ 76.
3
الإسراء: 100 وتكملة الآية: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}.
4
الشاهد فيه: أن "لو" لا يليها إلا الفعل ظاهرا، وأما إن وليها مضمر فذلك خاص بالشعر كالبيت، والأصل: لو علق بغيركم فالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأنه لفعل. وكذلك كل شيء للفعل. نحو: الاستفهام والأمر والنهي. والخطاب في البيت للفرزدق وقومه، يعيرهم بقتل ابن جرموز للزبير في جوارهم. قال المبرد: "فغيركم" يختار فيها النصب، لأن سببها في موضع نصب. وانظر المقتضب 3/ 78، والكامل/ 185، والكافية للرضي 2/ 325، والمغني 1/ 296، والديوان 553.



ج / 1 ص -269- وفي المثل: لو ذات سوارٍ لطمتني1.. وكذلك: لو أنك جئت, أي: لو وقع مجيئك, لأن المعنى عليه, قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- عن قول العرب: ما رأيته مذ أنّ الله خلقني. فقال: إن في موضع اسم كأنك قلت: مذ ذاك2, فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره, لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى وذلك نحو قوله/ 305 تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}3 أي: ولأن المساجد, وإنما جاز ذلك لأن اللام مقدرة قبل "أن" وهي العاملة في "أن" لا الفعل, وكل موضع تقع فيه "أن" تقع فيه "إنما" وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ولا تكون هي عاملة فيما بعدها, كما لا يكون الذي عاملًا فيما بعده, فمن ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
معناه: لو ظلمني من كان كفؤا لها عليّ، ولكن ظلمني من هو دوني، وقيل: أراد: لو لطمتني حرة فجعل السوار علامة للحرة، ولأن العرب قلما تلبس الإماء السوار. وفي حاشية الأمير على المغني 1/ 212. أصله لحاتم الطائي أسر في حي من العرب، فقالت له امرأة رب المنزل: أقصد ناقة، وكان من عادة العرب أكل دم الفصاد في المجاعة فنحرها، وقال: هذا فصدي. فطلمته جارية فقال ذلك... وانظر مقدمة ديوان حاتم/ 26، ومجمع الأمثال 2/ 174، قال المبرد والصحيح من روايتهم: لو غير ذات سوار لطمتني، وفيه خبر لحاتم، وانظر المقتضب 3/ 77، وفي الكامل/ 185: لو ذات سوار لطمتني كرواية ابن السراج.
2
أجاز الأخفش الكسر ومنعه بعضهم، لأن الجملة بعدها بتأويل مصدر. أما سيبويه وابن السراج فقد جوزا الفتح ساكتين عن إجازته وامتناعه، ولم يقل أحد بتعيين الكسر وامتناع الفتح.
وانظر الكتاب 1/ 462، وشرح السيرافي 3/ 138 ورقة.
3
الجن: 18، وانظر الكتاب 1/ 464.



ج / 1 ص -270- وَاحِدٌ}1, فلو قلت: يوحي إليّ أن إلهكم إله واحد, كان حسنًا, فأما إنما مكسورة فلا تكون اسمًا وإنما هي -فيما زعم الخليل: بمنزلة فعل ملغى, مثل: أشهد لزيد خير منك2. والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه "أن" لا تكون "إنما" إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك: وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت: وجدتك أنك صاحب كل خنيِّ لم يجز.
"
وإنما وأن" يُصيّران الكلام: شأنًا وقصةً وحديثًا, ولا يكون الحديث الرجل/ 306 ولا زيدًا ولا ما أشبه ذلك من الأسماء. ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثًا وقصةً, تقول: بلغتني قصتك أنك فاعل, وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك: "أنهم منطلقون" هو الحديث. وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لاشتمال المعنى عليه نحو قوله عز وجل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}3. "فأن" مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها, كأنك قلت: وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم, وهذا يَتَّضِح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأنبياء: 108.
2
انظر الكتاب 1/ 466.
3
الأنفال: 7.

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن: المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف.
تقول: إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق. فتفتح وتكسر, قال سيبويه: وسألت الخليل عن ذاك فقال: إذا فتحت فإنك تجعله كقولك: حقا أنه منطلق, وإذا كسرت فكأنه قال: إلا/ 307 أنه ذاهب. وتقول: أمَا والله إنه ذاهب, كأنك قلت: قد علمت والله إنه ذاهب. وأمَا والله أنه ذاهب, كقولك: إلا أنه والله ذاهب. قال: وسألته عن قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ



ج / 1 ص -271- أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}1, ما يمنعه أن يكون كقولك: ما يدريك أنه يفعل, فقال: لا يحسن ذا في هذا الموضع, إنما قال: وما يشعركم, ثم ابتدأ فأوجب, فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال: ولو كان: "وما يشعركم أنها" كان ذلك عذرًا لهم, وأهل المدينة يقرءون: أنَّها, فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: إئت السوق أنك تشتري لنا شيئًا, أي: لعلك. فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وتقول: إن لك هذا على وأنك لا تؤذي, فكأنه قال: وإن لك أنك لا تؤذي, وإن شاء ابتدأ2. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}3. وتقول: / 308 إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم, أي: إني نَجْدٌ إذا ابتدأت, كما تقول: أنا نَجْدٌ وإذا شئت قلت, أي: أني نَجْدٌ. كأنك قلت: أي: لأني نَجْدٌ. وتقول: ذاك وإن لك عندي ما أحببت4, قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}5. كأنه قال: يعني الأمر ذلك, وإن لك. قال سيبويه: ولو جاءت مبتدأة لجاز.
قال: وسألت الخليل عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}6. فقال: إنما هو على حذف اللام قال: ولو قرأها قارئ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأنعام: 109، وانظر الكتاب 100/ 462.
2
انظر الكتاب 1/ 462-463.
3
طه: 118-119 في سيبويه 1/ 463. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: قال بعضهم: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} وقال بعضهم: {وإِنَّكَ}. القراءتان بفتح همزة "إنك" وكسرها سبعيتان، الفتح بالعطف على: "ألا تجوع" والكسر بالعطف على جملة أن الأولى أو على الاستئناف. انظر النشر 2/ 322، الكشاف 2/ 449، البحر المحيط 6/ 284.
4
انظر الكتاب 1/ 463.
5
الأنفال: 14.
6
المؤمنون: 52، فاعبدون والصواب ما أثبتناه، انظر ص324 ق4 والآية من سورة المؤمنين "52".



ج / 1 ص -272- "وإِنَّ" كان جيدًا1. وتقول: لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك, وإن شئت قلت: أنَّ الحمد, قال ابن الأطنابة:

أَبْلِغِ الحارِثَ بنَ ظَالم المو عِدِ والناذرَ النذورِ عليّا

إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا تقتُل يقظانَ ذا سلاحٍ كميا2

وإن شئتَ قلت: إنما تقتل النيامَ على الابتداء زعم ذلك3 الخليل.
وقال الخليل4 / 309: في قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}5, قال: ولو قال: فإن كانت عربية جيدة6. وتقول: أول ما أقول أني أحمد الله, كأنك قلت: أول ما أقول الحمدُ لله. و"إن" في موضعه فإن أردت أن تحكي قلت: أول ما أقول: إني أحمد الله, وتقول: مررت فإذا إنه عبد, وإذا أنه عبد, تريد: مررت فإذا العبودية به واللؤم,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف. انظر البحر المحيط 6/ 409.
2
من شواهد الكتاب 1/ 465-466 على فتح همزة "إن" حملا على "أبلغ" وجريها مجرى "أن" لأن ما فيها صلة فلا تغيرها عن جواز الفتح والكسر.
يقول هذا للحارث بن ظالم المري، وكان قد توعده بالقتل ونذر دمه إن ظفر به، وإنما قال: تقتل النيام لأنه قتل خالد بن جعفر بن كلاب غيلة وهو نائم في قبته، ولما سمع الحارث هذا أقبل في سلاحه واستصرخ عمرو بن الأطنابة، فلما بعد عن الحي قال له: ألست يقظان ذا سلاح، قال: أجل، قال: فإني الحارث بن ظالم فاستخذي له، ومنّ عليه الحارث بن ظالم وخلى سبيله. والكمي: الشجاع. وانظر شرح السيرافي 4/ 23، والاشتقاق 2/ 453، والمفصل للزمخشري/ 465، وابن يعيش 8/ 56.
3
أضفت كلمة "ذلك" لأن المعنى يقتضيها.
4
انظر الكتاب 1/ 466.
5
التوبة: 63.
والقراءة بكسر الهمزة من "فأن" من الشواذ، انظر البحر 5/ 65، وانظر الكتاب 1/ 467.
6
انظر: الكتاب 1/ 467.
والكسر على جعلها مبتدأة بعد الفاء، لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء.



ج / 1 ص -273- وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق, كأنه قال: حتى حمقكم, وهذا قول الخليل1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: الكتاب 1/ 473.

مسائل في فتح ألف "أن" وكسرها:
تقول: قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط, ويجوز أن تكسر, تريد معنى الفاء وتقول: أحقا أنك ذاهب والحق أنك ذاهب, وأكبر1 ظنك أنك ذاهب, وأجهد رأيك أنك ذاهب, وكذلك هما إذا كانا خبرًا غير استفهام, حملوه على: أفي حق أنك ذاهب, قال العبدي2 / 310:

أَحَقًَّا أن جِيرَتَنا استَقَلُّوا فنِيَّتُنا ونِيَّتُهُم فَرِيقٌ3

قال: فريق ولم يقل فريقان, كما يقال للجماعة: هم صديق. وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}4 ولم يقل: قعيدان, والرفع في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 468: وكذلك: أأكبر ظنك.
2
انظر: الكتاب 1/ 468.
3
من شواهد سيبويه 1/ 468، على أن "حقا" منصوب على الظرفية ولذا تفتح بعدها همزة "إن".
ويروى: ألم تر أن جيرتنا.. ولا شاهد فيه حينئذ. والمعنى: أحقا أنهم ارتحلوا، فإن وجهتنا ووجهتهم مفترقان. ومعنى استقلوا: نهضوا مرتفعين مرتحلين، والنية: الجهة التي ينوونها، والفريق: يقع للواحد والمذكر وغيره: كصديق، والبيت نسبه المصنف للعبدي، وقد نسب إلى المفضل السكري من عبد القيس واسمه عياض بن معشر بن سمي.
وانظر: المغني 1/ 56، تحقيق د. مازن المبارك، والهمع 2/ 71، والتصريح 1/ 221، والأشموني 1/ 484، وابن سلام/ 233، والدرر اللوامع 2/ 87، والعيني 2/ 235، ونسبه إلى رجل من عبد القيس.
4
سورة ق: 17.



ج / 1 ص -274- جميع هذا قويّ, إن شئت قلت: أحق أنك ذاهب, وأكبر ظني أنك ذاهب, تجعل الآخر هو الأول.
قال أبو العباس: سألت أبا عثمان1 لِمَ لا تقول: يوم الجمعة أنك منطلق قال: هذا يجيزه قوم -وهم قليل- على التقديم والتأخير, يجيزون: أنك منطلق يوم الجمعة, وإنما كان الوجه: يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون: في يوم الجمعة انطلاقك قلت: فلِمَ أجازوا: أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال: لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب "يومَ الجمعة" بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال: مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك: زيد في الدار "اليوم" نصبت اليوم بمعنى الاستقرار في قولك: في الدار, قلت: أتجيز كيف إنك صانع على قولك: كيف أنت صانع؟ قال: من أجازه/ 311 في يوم الجمعة أجازه ههنا.
قال أبو العباس: لا يجوز هذا في "كيف" لأن كيف لا ناصب لها قال: قال أبو عثمان: قرأ سعيد بن جبير: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}2, ففتح إن وجعل اللام زائدة, كما زيدت في قوله: أُم الحُلَيسِ لعجوزٌ شهربهْ3...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني أستاذ المبرد، عالما بالنحو متسعا في الرواية. مات سنة: 249هـ، وقيل: سنة "236هـ" ترجمته في أخبار النحويين/ 57، وفهرست ابن النديم/ 67، وتاريخ بغداد 7/ 93، ووفيات الأعيان 1/ 254، وطبقات النحويين للزبيدي/ 92، ونزهة الألباء/ 124، ومعجم الأدباء 7/ 107، وإنباه الرواة 1/ 246.
2
الفرقان: 20 وانظر الخزانة 4/ 328، وقال ابن السراج في الأصول: قال أبو عثمان: وقرأ سعيد ابن جبير: {إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} فتح "إن" وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله: أم الحليس لعجوز شهربه.
3
الشاهد فيه زيادة اللام في "لعجوز" على توهم "إن" لكثرة دخولها على المبتدأ.
والحليس: بضم الحاء وفتح اللام -وهو تصغير "حلس" بكسر الحاء وسكون اللام- وهو كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وأصل هذه كنية الأتان، شهربه: العجوز لكبير الطاعنة في السن وأراد من رضاها بعظم الرقبة بدل اللحم أنها خرفت فهي لا تميز بين الحسن والقبيح، وذلك لأن لحم الرقبة مرذول مستقذر عندهم. ونسب هذا الشاهد لرؤبة بن العجاج، وانظر الاشتقاق/ 544، ابن يعيش 3/ 130، واللسان 1/ 492، مادة "حلس".



ج / 1 ص -275- وتقول: قد علمت أن زيدًا لينطلقن, فتفتح لأن هذه لام القسم وليست لام "إن" التي في قولك: قد علمت إن زيدًا ليقوم لأن هذه لام الابتداء, والأولى لام اليمين فليست من "إن" في شيء.
قال أبو عثمان: في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}1 إن "مِثْلَ" و"ما" جُعِلا اسمًا واحدًا مثل: خمسة عشر وإن كانت ما زائدة, وأنشد:

وتَدَاعى مَنخرَاهُ بِدَم مثلَ ما أثمرَ حُماضُ الجبَل2

قال سيبويه والنحويون يقولون: إنما بناه -يعني مثل- لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله: إنكم وإن شاء أعربَ "مثلًا" لأنها كانت معربة قبل الإِضافة فترفع فتقول: مثل ما أنكم كما تقول في "يومئذ" من النباء والإِعراب/ 312 فتعربه كما كان قبل الإِضافة ويبينه. لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهمًا. فإنما حصر بالثاني. وكذلك:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الذاريات: 23. قرأ حمزة والكسائي "مثل" بالرفع على الصفة "لحق" والباقون على النصب. انظر ابن يعيش 8/ 135، والكتاب 1/ 270.
2
لم أعثر على قائل هذا البيت، قال ابن يعيش: أنشد أبو عثمان البيت: وتداعى منخراه... قال: أبو عثمان: سيبويه والنحويون يقولون: إنما بني "مثل" لأنه أضيف إلى غير معرب، وهو: أنكم. وقال أبو عمر الجرمي: هو حال من النكرة وهو "حق" والمذهب الأول وهو رأي سيبويه، وما ذهب إليه الجرمي صحيح، إلا أنه لا ينفك من ضعف لأن الحال من النكرة ضعيف، وفي اللسان: وأنشد ابن بري: فتداعى منخراه... والحماض: بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسائل الماء ولها ثمرة حمراء وهي من ذكور البقول. وانظر ابن يعيش 8/ 135، واللسان "حمض" وأمالي ابن الشجري 2/ 266.



ج / 1 ص -276- عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا1

وكذلك:

لم يَمْنَعِ الشّربَ منها غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ2

وكل المبهمات كذلك, ولا يدخل في هذا: ضربني غلام خمسة عشر رجلًا لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك, وأبو عمرو يختار أن يكون نصب: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} على أنه حال للنكرة "لحقٌ" ولا اختلاف في جوازه على ما قال. وتقول: إن زيدًا إنه منطلق,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب 1/ 269. على إضافة "حين" إلى الفعل وبناؤها معه على الفتح، وإعرابها على الأصل جائز.
وهذا صدر بيت للنابغة الذبياني، وعجزه:

وقلت ألما أصح والشيب وازع

والوازع: الناهي. وأوقع الفعل على المشيب اتساعا. وصف أنه بكى على الديار في حين مشيبه ومعاتبته لنفسه على صباه وطربه.
وانظر معاني القرآن 1/ 327، والكامل/ 105، وشرح السيرافي 1/ 48، والجمهرة 3/ 492، وأمالي ابن الشجري 2/ 264، والارتشاف/ 278، وابن يعيش 8/ 136، والديوان 110.
2
من شواهد سيبويه 1/ 69 على بناء "غير" على الفتح لإضافتها إلى غير متمكن وإن كانت في موضع رفع وذلك إن "أن" حرف توصل بالفعل، وإنما تأولت اسما مع ما بعدها من صلتها لأنها دلت على المصدر ونابت منابه في المعنى، فلما أضفت "غير" إليها مع لزومها للإضافة بنيت معها، وإعرابها على الأصل جائز.
والأوقال: الأعالي، ومنه التوقل في الجبل وهو الصعود فيه. والمعنى: لم يمنع الناقة من الشرب إلا سماعها صوت حمامة على أغصان ذات ثمرات.
والبيت لرجل من كنانة، وقيل: لأبي قيس بن الأسلت -صفي بن عامر- وينسب للشماخ معقل بن ضرار وليس موجودا في ديوانه. وانظر معاني القرآن 1/ 383، وشرح السيرافي 3/ 116، والمفصل للزمخشري/ 125، وأمالي الشجري 1/ 46، والارتشاف/ 228، والإنصاف/ 130، وابن يعيش 8/ 134، والمغني 1/ 171، والعيني 1/ 233.

ج / 1 ص -277- كأنك قلت: إن زيدًا هو منطلق. والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}1, وقال عبد الله بن وهب الفزاري الأسدي جاهلي/ 313:

زَعَمَتْ هُنَيْدَةُ أنها صَرَمَتْ حَبْلي وَوَصْلُ الغَانِيَاتِ غُرُورُ

إني وحالِك إنَّني لمشيّعٌ صُلْبُ القَناةِ بصرحكن جَدَير

قال سيبويه2: وسألته -يعني الخليل- عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة: حقا أنك ذاهب؟ فقال: هذا بمنزلة حقا إنك ذاهب كما تقول: أما إنك ذاهب بمنزلة: حقا إنك وكما كانت "لو" بمنزلة "لولا" ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى "إن" نحو: لو أنك ذاهب ولولا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة "لولا" وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها, وإن شئت جعلت: شد ما كنِعْمَ ما كأنك قلت: نعم العملُ أنك تقول الحق قال: وسألته عن قوله. كما أنَّه لا يعلم ذلك فتجاوزَ الله عنه, وذلك حق كما أنك ههنا فزعم أنَّ العاملة في "أنَّ" الكاف وما لغوٌ, إلا أن "ما" لا تحذف من ههنا3 كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ "كأن" التي للتشبيه كما ألزموا النون "لأفعلن" واللام في قولهم: إن كان ليفعل: كراهية أن يلتبس اللفظان, ويدلك4 على/ 314 أن الكاف هي5 العاملة قولهم: هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا "أن" وبعض العرب يرفع "مثل" حدثنا به يونس6 فما أيضًا لَغْو لأنك تقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النحل: 119.
2
لم أعثر لهما على مرجع نحوي أو لغوي.
3
انظر الكتاب 1/ 470.
4
انظر الكتاب 1/ 470.
5
أضفت كلمة "هي".
6
انظر الكتاب 1/ 470.



ج / 1 ص -278- مثل ما أنك ههنا, ولو جاءت "ما" مسقطة من الكاف في الشعر جاز. قال النابغة الجعدي:

قُرُومٌ تَسَامَى عِنْدَ بَابِ دِفَاعِه كَأَنْ يُؤْخَذَ المرءُ الكريمُ فيقتلا1

يريد: كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان: أنا لا أنشده إلا "كأن" يؤخذ المرء. فأَنصُب يؤخذ لأنها "أن" التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه "يقتل" فنصبه لذلك.
قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- هل يجوز: إنه لحق كما أنك ههنا على حد قولك: كما أنت ههنا؟ فقال: لا, لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع, ألا ترى أنك لا تقول: يوم الجمعة أنك ذاهب ولا: كيف أنك صانع "فكما" بتلك المنزلة2 قال: وسألتُ الخليل عن قوله: أحقا أنه لذاهب فقال: لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب3 / 315. وقال: يجوز في الشعر: أشهد أَنهُ ذاهب, يشبهه بقوله والله أنه ذاهب4, لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال: أشهد أَنتَ ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام, ومثل ذلك في الضعف: علمت أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد الكتاب جـ1/ 470، حذف "ما" ضرورة من قوله "كأن" يؤخذ، والتقدير عنده كما أنه يؤخذ. وقد خولف في هذا التقدير، وجعلت أن الناصبة للفعل، ونصب يؤخذ بعدها، واستدل صاحب هذا القول على ذلك بقوله. فيقتلا بالنصب، وجعلت الكاف جارة لأن على تقدير: دفاعه كأخذ المرء وقتله، قال الأعلم وكلا القولين منهما خارج. والآخر منهما أقرب وأسهل. القروم: السادة وأصل القرم الفحل من الإبل.
ومعنى. تسامى، يفخر بعضهم على بعض ويسمو بنسبه وعشيرته.
وانظر: الأشباه والنظائر 2/ 300 والرواية "قروم تسامى عند باب رفاعة".
2
الكتاب 1/ 472.
3
الكتاب 1/ 474.
4
في الكتاب 1/ 474 وقد يجوز في الشعر: أشهد أن زيدا ذاهب، يشبهها بقوله: والله أنه لذاهب "أدخل اللام على ذاهب".



ج / 1 ص -279- زيدًا ذاهب, كما أنه ضعيف: قد علمت عمرو خير منك, ولكنه على إرادة اللام, كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}1... وهو على اليمين, وكان في هذا حسن حين طال الكلام, يعني أن التأويل: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}2, لقد أفلح.
قال أبو العباس -رحمه الله: والبغداديون يقولون: والله إن زيدًا منطلق, فيفتحون "إن" وهو عندي القياس لأنه قسم فكأنه قال: أحلف بالله على ذاك, أشهد أنك منطلق. قال: والقول عندي في قوله تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}3 -والله أعلم- أن "لا" زائدة للتوكيد, وجرم فعل ماض فكأنه قال -والله أعلم: جرم أن لهم النار وزيادة "لا" في/ 316 هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}4 وإنما تقول: لا يستوي عبد الله وزيد, وكقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}5 ونحوه من الفواتح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشمس: 9، في إعراب ثلاثين سورة/ 100، وقد أفلح، ههنا لام مضمرة هي جواب القسم. والأصل: لقد أفلح. وانظر التبيان لابن القيم/ 18.
2
الشمس: 1.
3
النحل: 62، في سيبويه جـ1/ 469، وأما قوله عز وجل: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}، فإن جرم عملت فيها لأنها فعل ومعناها: لقد حق عليهم أن لهم النار، لقد استحق أن لهم النار.
وقول المفسرين: معناها: حقا أن لهم النار يدلك على أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت. فجرم قد عملت في أن سيبويه وابن السراج على أن فتح همزة أن واجب بعد "لا جرم" وهو ما جاء في القرآن الكريم في الآيات الخمس في القراءات السبعية وغيرها يجيز كسر الهمزة بعد "لا جرم" وقد قرئ في الشواذ بالكسر في قوله: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون: شواذ ابن خالويه/ 72، البحر المحيط جـ5/ 484، 506.
4
فصلت: 34.
5
البلد: 1.



ج / 1 ص -280- وتقول: أما جهد رأيي فإنك راحل, وأما يوم الجمعة فإنك سائر, لأن معنى "أما" مهما يكن1 من شيء فإنك سائر يوم الجمعة, فما بعد الفاء يقع مبتدأ, ألا ترى أنك تقول: أما زيدًا فضربت, على التقديم, لأن المعنى: مهما يكن من2 شيء فزيدًا ضربت. وفضربت.
قال أبو العباس: فيلزم سيبويه أن يقول على هذا: أما زيدًا فإنك ضارب3.
قال سيبويه وإذا قلت: أما حقا فإنك قائم وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف, لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفًا إذا كانت "أما" إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير: مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقا4, وفيما قال نظر/ 317 وشغب: ولا يجوز عندي على هذا أن يقول: أما هندًا فإن عمرًا ضارب لأن تقدير الاسم الذي يلي "أما" أن يلي الفاء ملاصقًا لهما. فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي "أما" وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي "أما" فلا يجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن هندًا عمرًا ضارب فتنصب هندًا بضارب ويجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن أكبر ظني عمرًا ذاهب فيكون: أكبر ظني ظرفًا "لذاهب" وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد "أن" في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك: أما حقا فإنك قائم: أن تعمل معنى "أما" في "حقا" كأنك قلت: مهما يكن من شيء حقا فإنك قائم وأحسبه قول/ 318 المازني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "في".
2
في الأصل "في".
3
انظر: المقتضب 2/ 354-355.
4
انظر: الكتاب 1/ 468-469.



ج / 1 ص -281- وتقول: أيقول: إنَّ عمرًا منطلق, إذا أردت معنى: أتظن, كأنك قلت: أتظن أن عمرًا منطلق, فإن أردت الحكاية قلت: أتقول: إنَّ, وتقول: ظننت زيدًا أنه منطلق, لأن المعنى: ظننت زيدًا هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح؛ لأنه يصير معناه: ظننت زيدًا الانطلاق ولو قلت: ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت: ظننت أمرك الانطلاق, والأخفش يقول: إذا حسن في موضع "إن" وما عملت فيه "ذاك" فافتحها نحو قولك: بلغني أنه ظريف لأنك تقول: بلغني ذاك قال: وما لم يحسن فيه "ذاك" فاكسرها قال: وتقول: أما أنه منطلق؛ لأنه لا يحسن ههنا أما ذاك, ثم أجازه بعد على معنى: حقا أنه منطلق وقال: لأن أما في المعنى: "حقا", لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقا فجعلها ظرفًا قال: وقد قال ناس: حقا إنك ذاهب على قولهم: إنك/ 319 منطلق حقا فتنصب "حقا" على المصدر كأنه قال: أحِقُّ ذاك حقا قال: وهذا قبيح وهو من كلام العرب.









========================.



14



















الأصول في النحو

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع, والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى:
المستثنى يشبه المفعول إذا أتي به بعد استغناء الفعل بالفاعل, وبعد تمام الكلام. تقول: جاءني القوم إلا زيدًا, فجاءني القوم: كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر "زيدًا" بعد هذا الكلام بغير حرف الاستثناء ما كان إلا نصبًا. لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت "إلا" حدت معنى الاستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا, فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيدًا من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك: ضربت القومَ إلا زيدًا ومررت بالقومِ إلا زيدًا فكأنك قلت في جميع ذلك: أستثني زيدًا فكل ما أستثنيه/ 320 "بإلا" بعد كلام موجب فهو منصوبٌ وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت: قام القوم إلا زيدًا فالمعنى: قام القوم لا زيد, إلا أن الفرق بين الاستثناء والعطف, أن الاستثناء لا يكون إلا بعضًا من كلّ, والمعطوف يكون غير



ج / 1 ص -282- الأول, ويجوز أيضًا في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك: قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الاستثناء: قام زيد إلا عمرو1.
لا يكون المستثنى إلا بعضًا من كل وشيئًا من أشياء و"لا" إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول, و"إلا" تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجبًا كان أو منفيا, ومعناها الاستثناء والاسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني قومك إلا قليلًا منهم فهو بمنزلة قولك: جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإِضافة فإن فرغت الفعل/ 321 لما بعد إلا عمل فيما بعدها, لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسمًا من الأسماء وهو بعضها, فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا, وزال ما كنت تستثني منه2, وذلك نحو قولك: ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك: ما ضربت إلا زيدًا وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه. فإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من "أحد". فكأنك قلت: ما قام إلا زيد وكذلك البدل من المنصوب والمخفوض تقول: ما ضربت إلا أحدًا إلا زيدًا وما مررت بأحد إلا زيد فالمبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام وهذا يبين في باب البدل فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك: ما قام أحد كلامًا تاما لا ينوي فيه الإِبدال من "أحد" نصبت فقلت: ما قام أحد إلا زيدًا3,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "لا".
2
انظر الكتاب 1/ 360.. فأما الوجه الذي يكون فيه الاسم بمنزلته قبل أن تلحق "إلا" فهو أن تدخل الاسم في شيء تنفي عنه ما سواه وذلك قولك: ما أتاني إلا زيد، وما لقيت إلا زيدا. وما مررت إلا بزيد، تجري الاسم مجراه إذا قلت: ما أتاني زيد، وما لقيت زيدا، وما مررت بزيد، ولكنك أدخلت "إلا" لتوجب الأفعال لهذه الأسماء وتنفي ما سواها.
3
فإن لم تقدر البدل, وجعلت قولك "ما قام أحد" كلاما تاما, لا تنوي فيه الإبدال من "أحد" ثم استثنيت، نصبت فقلت: ما قام أحد إلا زيدا فعلى هذا يكون للزوم النصب بعد النفي شيئان التراخي وعروض الاستثناء. وانظر التذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 247.



ج / 1 ص -283- والقياس عندي إذا قال قائل: قام القوم/ 322 إلا أباك, فنفيت هذا الكلام, أن تقول: ما قام القوم إلا أباك؛ لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته, فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبني كلامه على البدل قال: ما قام القوم إلا أبوك, فإن قدمت المستثنى لم يكن إلا النصب نحو قولك: ما لي إلا أباك صديق, وما فيها إلا زيدًا أحدًا, لأنه قد بطل البدل فلم يتقدم ما يبدل فيه لأن البدل كالنعت, إنما يجري على ما قبله, فإن أوقعت استثناء بعد استثناء قلت: ما قام أحد إلا زيد إلا عمرًا. فتنصب عمرًا, لأنه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف فهذا مما يبصرك أن النصب واجب بعد استغناء الرافع بالمرفوع. ولك أن تقول: ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمرًا, وإلا زيدًا إلا عمرو, فتنصب أيهما شئت وترفع الآخر. وتقول: ما أتاني إلا عمرًا إلا بشرًا أحد. فإن استثنيت/ 323 بعد الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين نحو: أعطيتُ زيدًا درهمًا قلت: أعطيتُ الناس الدراهم إلا زيدًا ولا يجوز أن تقول: إلا عمرًا الدنانير؛ لأن حرف الاستثناء إنما تستثني به واحدًا, فإن قلت: ما أعطيتُ أحدًا درهمًا إلا عمرًا دانقًا1 وأردت الاستثناء أيضًا لم يجز فإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرًا من أحد ودانقًا من قولك: درهمًا فكأنك قلت: ما أعطيت إلا عمرًا دانقًا.
واعلم: أنهم قد يحذفون المستثنى استخفافًا نحو قولهم: ليس إلا وليس غير كأنه قال: ليس إلا ذاك وليس غير ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
ذهب ابن السراج في: ما أعطيت أحدا درهما، إلا عمرا دانقا إلى إبدال المرفوع من المرفوع والمنصوب من المنصوب أو هو على أن تجعل أحدهما بدلا، والثاني معمول عامل مضمر، فيكون "إلا زيدا" بدلا من "أحد" وانظر: التذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 247.



ج / 1 ص -284- واعلم: أيضًا: أنهم ربما يحملون في هذا الباب الاسم على الموضع وذلك قولهم: ما أتاني من أحد إلا زيد, وما رأيت من أحد إلا زيدًا؛ لأنه يقبح أن تقول: ما أتاني إلا من زيد. فإذا قلت: لا أحد فيها إلا عبد الله فلا بد من إجرائه على الموضع ورفعه؛ لأن أحدًا مبني مع "لا" وسنذكره في بابه إن شاء الله.
ولا يجوز أن يعمل ما بعد "إلا" فيما قبلها, لا يجوز ما أنا زيدًا/ 324 إلا ضارب, تريد, ما أنا إلا ضاربٌ زيدًا, وقد جاءت ألفاظ قامت مقام "إلا" وأصل الاستثناء "لا لا" ونحن نفرد لها بابًا إن شاء الله.
ولا يجوز أن تستثني النكرة من النكرات في الموجب, لا تقول: جاءني قوم إلا رجلًا؛ لأن هذا لا فائدة في استثنائه, فإن نَعَتَّه أو خَصَصْتَه جاز, وهذا امتناعه من جهة الفائدة, فمتى وقعت الفائدة جاز.



ج / 1 ص -285- هذا باب ما جاء من الكلم في معنى إلا:
اعلم: أنه قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف ما فيه إلا:
أما الأول من ذلك: فما جاء من الأسماء نحو: غير وسوى, وقوم يحكون: سوى وسواء1 ويضمون إليها: بيد, بمعنى: غير, وحكم "غير" إذا أوقعتها موقع إلا أن تعربها بالإِعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إلا, تقول: أتاني القوم غير زيد, لأنك كنت تقول: أتاني القوم إلا زيدًا, وتقول: ما جاءني أحد غير زيد؛ لأنك كنت/ 325 تقول: أتاني القوم إلا زيدا. وتقول ما جاءني أحد غير زيد؛ لأنك كنت تقول: ما جاءني أحد إلا زيد, وما رأيت أحدًا غير زيد, كما تقول: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا, وما مررت بأحد غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الكتاب 1/ 377 وأما أتاني القوم سواك، فزعم الخليل: أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك. وما أتاني أحد مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء. وقال المبرد 4/ 249 في المقتضب: ومما لا يكون إلا ظرفا، ويقبح أن يكون اسما سوى وسواء ممدودة بمعنى "سوى".



ج / 1 ص -286- الموضع الذي ضارعت فيه إلا, ألا ترى أنك تقول: مررت برجل غيرك, ولا تقع إلا في مكانها, لا يجوز أن تقول: جاءني رجل إلا زيد, تريد غير زيد على الوصف, والاستثناء ههنا محال, ولكن تقول: ما يحسن بالرجل إلا زيد أن يفعل كذا, لأن الرجل: جنس, ومعناها بالرجل الذي هو غير زيد, كما قال لبيد:

إنما يُجزَى الفتى غَيرُ الجَمَل1

وكذلك: مررت بالقوم إلا زيد, كما قال:

أُنيخَتْ فألقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَة قَلِيل بها الأَصْوَات إلا بُغَامُها2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 370 على نعت "الفتى" وهو معرفة "بغير" وإن كانت نكرة، والذي سوغ هذا أن التعريف بالألف واللام يكون للجنس، فلا يخص واحدا بعينه، فهو مقارب للنكرة، وإن غيرا مضافة إلى معرفة فقاربت المعارف لذلك وإن كانت نكرة.
والشاهد عجز بيت صدره:

وإذا أقرضت قرضا فاجزه وإنما يجزى الفتى ليس الجمل

ويروى:
وعلى هذه الرواية استشهد البغداديون على أن ليس عاطفة وانظر: المقتضب 4/ 410، ومجالس ثعلب/ 515، والصاحبي/ 141 وشرح السيرافي 3/ 116، وحماسة البحتري/ 252 والأمثال للميداني/ 24، والعيني 4/ 176، والديوان/ 12 طبعة فيينا.
2
من شواهد سيبويه 1/ 370، على وقوع "إلا" صفة. قال الأعلم: والمعنى: قليل بها الأصوات غير بغامها، أي: الأصوات التي هي غير صوت الناقة. وأصل البغام للظبي فاستعاره للناقة. ويجوز أن يكون البغام بدلا من الأصوات على أن يكون "قليل" بمعنى النفي، فكأنه قال: ليس بها صوت إلا بغامها. ولما كانت "إلا" التي تقع صفة في صورة الحرف الاستثنائي نقل إعرابها الذي تستحقه إلى ما بعدها فرفع "بغامها" إنما هو بطريق النقل من "إلا".
وأنختها: أبركتها. والبلدة الأولى الصدر، والثانية: الأرض. أي: بركت فألقت صدرها على الأرض. وبغام الظبية: صوتها، وكذا بغام الناقة صوت لا تفصح به. والبيت لذي الرمة في وصف ناقة بركت بصدرها على الأرض. وانظر المقتضب 4/ 409. وشرح السيرافي 1/ 71. والمغني 1/ 75، والمسلسل 199، واللسان 4/ 81، والديوان 638.



ج / 1 ص -287- وذكر سيبويه قولهم: أتاني القوم سواك, وحكى عن الخليل أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك, إلا أن في سواك معنى1 / 328 الاستثناء وسواء تنصب في هذا كله, لأنها تجري مجرى الظروف وتخفض ما بعدها. وأما الثاني: فما جاء من الأفعال في موضع الاستثناء وهي: لا يكون وليس وعدا وخلا فإذا جاءت وفيها معنى الاستثناء ففيها إضمار وذلك قولك: أتاني القوم ليس زيدًا وأتوني لا يكون عمرًا وما أتاني أحد لا يكون زيدًا كأنه قال: ليس بعضهم زيدًا. وترك "بعضًا" استغناءً بعلم المخاطب والخليل يجيز في ليس ولا يكون أن تجعلهما صفتين وذلك قولك: ما أتاني أحد ليس زيدًا وما أتاني رجل لا يكون عمرًا فيدلك على أنه صفة أن بعضهم يقول: ما أتاني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة2.
وأما "عدا" و"خلا" فلا يكونان صفة, ولكن فيهما إضمار كما كان في "ليس". ولا "يكون" وذلك قولُك: ما أتاني أحد خلا زيدًا وأتاني القوم عدا عمرًا فإن أدخلت "ما" على عدا وخلا وقلت: / 329 أتاني القومُ ما عدا زيدًا, وأني ما خلا زيدًا "فما" هنا اسم وخلا وعدا صلة له, قال: ولا توصل إلا بفعل3.
قال سيبويه: وإذا قلت: أتوني إلا أن يكون زيد, فالرفع جيد بالغ وهو كثير في كلامهم و"أن يكون" في موضع اسم مستثنى والدليل على أن "أن يكون" هنا ليس فيها معنى الاستثناء أن ليس وخلا وعدا لا يقَعْنَ هنا,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: الكتاب 1/ 377.
2
المصدر السابق 1/ 376-377.
3
انظر: الكتاب 1/ 377.



ج / 1 ص -288- ومثل الرفع قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}1, وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون2.
وأما الثالث: فما جاء من الحروف في معنى "إلا" قال سيبويه: من ذلك "حاشا" وذكر أنه حرف يجر ما بعده كما تجرُّ "حتى" ما بعدها وفيه معنى الاستثناء قال: وبعضُ العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبدِ الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا, فإذا قلت: ما خلا فليس فيه إلا النصب؛ لأن "ما" اسم ولا يكون صلتها إلا الفعل وهي "ما" التي في قولك: أفعل ما3 فعلت4.
وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد5: قال: سمعتُ أعرابيا/ 330 يقول: اللهم أغفر لي ولمن سَمِعَ حاشا الشيطان وأبا الأصبع, نصب بـ"حاشا"6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
النساء: 39، وقراءة رفع "تجارة" ونصبها من السبعة، فعاصم وحده نصب "تجارة". "فكان" ناقصة واسمها ضمير مستتر. أي: المبايعة، والباقون بالرفع. النشر 2/ 237، والبحر المحيط 2/ 353.
2
انظر: الكتاب 1/ 377.
3 "
ما" هنا بمعنى الذي.
4
انظر: الكتاب 1/ 377.
5
أبو زيد: هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء، كما كان أيضا من تلاميذ المفضل الكوفي، وله كتاب النوادر في اللغة، توفي سنة "214هـ" أو "215هـ"، ترجمته في تاريخ بغداد 9/ 77، ونزهة الألباء/ 173، والإرشاد لياقوت 4/ 138، وبغية الوعاة/ 254، وأخبار النحويين البصريين/ 41.
6
أنكر سيبويه فعلية "حاشا" وقال بحرفيتها خلافا للمبرد الذي يجيز الأمرين في "حاشا" فقد جاء في المقتضب: أما ما كان من ذلك اسما فغير وسوى وسواء. وما كان حرفا سوى إلا فحاشا وخلا، وما كان فعلا فحاشا وخلا، وإن وافقا لفظ الحروف. انظر الكتاب 1/ 359، والمقتضب 4/ 491.



ج / 1 ص -289- قال أبو العباس: إنما حاشا بمنزلة خلا, ولأن خلا إذا أردت به الفعل إنما معناه جاوزه من قولك: خلا يخلو, وكذلك حاشا يحاشي, وكذلك قولك: أنت أحب الناس إليّ ولا أُحاشي أحداُ, أي: ولا أستثني أحدًا, وتصييرها فعلًا بمنزلة خلا في الاستثناء قول أبي عمر الجرمي, وأنشد قول النابغة:

وَلاَ أَرَى فَاعِلًا في النَّاسِ يُشبِهُهُ ولا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ مِنْ أَحَد1

والبغداديون أيضًا يجيزون النصب والجر بـ"حاشا".
واعلم: أن من الاستثناء ما يكون منقطعًا من الأول, وليس ببعض له وهذا الذي يكون "إلا" فيه بمعنى لكن. ونحن نفرد له بابًا يلي هذا الباب إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
استشهد بهذا البيت لمذهب الجرمي والمبرد من أن "حاشا" كما تكون حرفا تكون فعلا بدليل تصرفها في مثل هذا البيت.
والضمير البارز المتصل في قوله: يشبهه راجع إلى النعمان بن المنذر ممدوح النابغة، والبيت من قصيدة له يمدحه ويعتذر له. وانظر مجالس ثعلب/ 504 وشرح السيرافي 3/ 129، وابن يعيش 2/ 85، والمغني 1/ 130، وأمالي ابن الشجري 2/ 85، والإنصاف/ 278، والديوان / 42
الأصول في النحو

ج / 1 ص -290- باب الاستثناء المنقطع من الأول:
إلا في تأويل "لكن" إذا كان الاستثناء منقطعًا عند البصريين1. ومعنى سوى عند/ 331 الكوفيين, والاختيار فيه النصب في كل وجه2. وربما ارتفع ما قبل إلا, وهي لغة بني تميم, وإنما ضارعت إلا "لكن", لأن "لكن" للاستدراك بعد النفي, فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول, فمن ههنا تشابها, تقول: ما قام أحدٌ إلا زيد, فزيد قد قام ويفرق بينهما: أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب, إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك: جاءني عبد الله لكن زيد لم يجئ ولو قلت: مررت بعبد الله لكن عمرو, لم يجز, وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح؛ لأن الاستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه, ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
قال سيبويه: هذا باب ما يكون إلا على معنى "ولكن" فمن ذلك قوله عز وجل: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}، أي: ولكن من رحم: انظر الكتاب 1/ 366.
2
في الكتاب 1/ 363. هذا باب يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول، وهي لغة أهل الحجاز وذلك قولك: ما فيها أحد إلا حمارا، جاءوا به على معنى ولكن حمارا وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه فحمل على معنى ولكن وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم، وأما بنو تميم فيقولون لا أحد فيها إلا حمارا، أرادوا: ليس فيها إلا حمار ولكنه ذكر أحدا توكيدا.
وانظر المقتضب 4/ 412-413.



ج / 1 ص -291- يدخل فيهم, نحو: جاءني القوم إلا زيدًا, فإن قال: ما جاءني زيد إلا عمرًا, فلا يجوز إلا على معنى لكن/ 332.
واعلم: أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء, وأنها لا بد من أن تخرج بعضًا من كل, فإذا كان الاستثناء منقطعًا, فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يُستَثْنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ, فمن ذلك قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}1, فالعاصم الفاعل, من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة. فكأنه قال -والله أعلم: لكن من رحم يُعصم أو معصوم, ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ}2, وهذا الضرب في القرآن كثير. ومن ذلك من الكلام: لا تكونن من فلان في شيء إلا سلامًا بسلام, وما زاد إلا ما نقص, وما نفع إلا ما ضرَّ, "فما نفع" مع الفعل بمنزلة اسم3. ولولا "ما" لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام؛ لأنه لما قال: ما زاد دل على قوله هو على حاله, فكأنه/ 333 4 قال: هو على حاله إلا ما نقص, وكذلك دل بقوله: ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرَّ وقال الشاعر:

نَجَا سَالِم والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقهِ ولم يَنْج إلا جَفْنَ سيفٍ ومئزَرا5


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
هود: 43 الاستثناء في الآية يكون منقطعا إذا أبقى عاصم على أصل معناه، ويكون المراد عن رحم المعصوم أما إذا أريد بمعنى من رحم الله تعالى، أي: الراحم، أو أريد بعاصم معنى معصوم فاعل بمعنى مفعول أو صيغة نسب، أي: ذي عصمة أو قدر حذف مضاف، أي: مكان من رحم -كان الاستثناء متصلا- وانظر: العكبري 2/ 21، والبحر المحيط 5/ 227، وابن يعيش 2/ 81، وشرح الكافية للرضي 1/ 210، والكشاف 2/ 217، والتذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 215.
2
يونس: 98. أي: ولكن قوم يونس. وانظر الكتاب 1/ 366.
3
نحو النقصان والضرر.
4
انظر الكتاب 1/ 367.
5
الشاهد فيه نصب "جفن" على الاستثناء، وإلا هنا بمعنى: لكن وهو لحذيفة بن أنس الهذلي وقيل: لأبي خراش. ويروى: نجا عامر، أي: نجا والنفس في شدقه، وزعم يونس: أن معناه: لم ينج إلا بجفن سيف. وانظر الجمهرة 2/ 366. والصاحبي/ 8.



ج / 1 ص -292- فقوله: نجا, ولم ينج كقولك: أفلت ولم يفلت, أي: لم يفلت إفلاتًا صحيحًا كقولك: تكلمت ولم أتكلم, ثم قال: إلا جفن سيف ومئزرًا, كأنه قال: لكن جفن سيف ومئزرًا, وقال الآخر:

وما بالربَّعِ من أحدِ

ثم قال:

إلا أَوَ آرِيَّ1...

فهذا كأنه كما قال: من أحد اجتزأ بالبعض من الكل, فكأنه قال: ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 364، على إبدال الأواري بالرفع من موضع "أحد" على لغة تميم في المنقطع. وهما بيتان للنابغة الذبياني روى منها عجز البيت الأول وقسما من صدر البيت الثاني وهما بتمامهما:

وقفت فيها أصيلالا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد

إلا أواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب، وروي البيت الأول:

وقفت فيها أصيلا كي أسائلها.

كما روي:

وقفت فيها طويلا ووقفت فيها أصيلانا

وفيه ثلاثة أقوال:
1-
أنه مصغر أصيل على غير قياس كأنه تصغير أصلان.
2
أنه تصغير أصلان جمع أصيل، كرغفان جمع رغيف، وفيه أن جمع الكثرة لا يصغر إلا برده إلى المفرد.
3-
أنه مصغر أصلان وهو اسم مفرد بمعنى الأصيل، مثل التكلان والغفران. وفيه رواية أخرى: أصيلالا على إبدال النون لاما.
والربع: محلة القوم ومنزلهم أينما كانوا، والمربع كجعفر منزلهم في الربع.
والأواري: جمع آرية بمد الهمزة: وتشديد الياء، وهي التي تحبس فيها الخيل من وتد أو حبل. والنؤي: حاجز حول الخباء يدفع عنه الماء ويبعده. والمظلومة: أرض حفر فيها الحوض لغير إقامة لأنها في فلاة.
وانظر: المقتضب 4/ 414، ومعاني القرآن 1/ 480، وإصلاح المنطق 47، وابن يعيش 2/ 80، وشرح المعلقات للزوزني/ 196، وشرح القصائد السبع 242، والإنصاف/ 269، والديوان 16.



ج / 1 ص -293- بالربع من شيء واكتفى بأحد لأنه من الاستثناء فساغ ذلك له لأنه لم يلبس وأما قول الشاعر:

مَنْ كَانَ أَسْرَعَ في تَفَرٌّقِ فَالِجٍ فَلَبُونُه جربت مَعَا وأغَدَّتِ

إلا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضيَّعَتُمُ كالغُصْنِ في غُلوائِهِ المتنبّتِ1

وقال الآخر:

كَلاَّ وَبَيْتِ الله حتى يُنْزِلوا مِنْ رأسِ شاهقةٍ إلينا الأسْوَدا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 378، على الاستثناء المنقطع ثم قال: كأنه قال: ولكن هذا كناشرة، وكان المبرد يجعل الكاف في قوله: "كناشرة" زائدة، ولا يحتاج إلى زيادتها لأنه أراد ناشرة، وكذلك فعل ابن جني في سر صناعة الإعراب كما فعل المبرد وابن السراج، ورواية سيبويه: من كان أشرك...
وفالج: هو فالج بن مازن أساء إليه بعض بني مازن حتى رحل عنهم إلى بني ولحق ببني ذكوان بن بهشة بن سليم بن قيس عيلان فنسب إليهم.
وناشرة: رجل من بني مازن ضيف عليه قومه فانتقل عنهم إلى بني أسد، فدعا هذا الشاعر المازني على بني مازن حيث اضطروه إلى الخروج عنهم، واستثنى ناشرة منهم لأنه لم يرض فعلهم، ولأنه امتحن محنة فالج بهم.
أغدت: صارت فيها الغدة. وهي كالذبحة تعتري البعير فلا تلبثه فالهمزة للصيرورة. والغلواء: سرعة الشباب، وهو من الغلو أي: الارتفاع. المتنبت: المنمى المغذى، وقيل: هنا المتأصل. ونسب الشعر في سيبويه وشراحه إلى عنز بن دحاجة المازني. ونسب ابن سيده البيت الثاني إلى الأعشى وليس في ديوانه. وللأعشى تائية على هذا الروي، ولكنها من بحر الطويل. والبيتان من الكامل. وانظر المقتضب 4/ 417، وسر صناعة الإعراب 1/ 301، والمخصص لابن سيده 16/ 68، والمفضليات/ 209، واللسان "نبت".



ج / 1 ص -294- ثم قال:

إلا كَخَارِجَةِ المكلّفِ نفسَه وابنى قبيصة أن أَغِيبَ ويُشْهدا1

فإن الكاف زائدة كزيادتها في قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشاهد فيه زيادة الكاف عند المصنف, وكذلك عند المبرد وابن جني. وتقديره: إلا خارجة، وهو من الاستثناء المنقطع عن الأول معناه "لكن".
ولم ينسبهما سيبويه لقائل معين وكذلك المحققون لكتاب.
والبيتان من قصيدة للأعشى في ديوانه/ 277-233، قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن، والاستثناء من قوله:

آليت لا نعطيه من أبنائنا رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا

والمعنى: آليت ألا نجيبه إلى ما يسألنا من تقديم الرهائن من أبنائنا، إلا ما سبق من أمر خارجة -وهو رجل من شيبان- الذي يكلف نفسه أن يحضر حين أغيب، وابني قبيصة اللذين أخذ منهما الخوف فأرهقا أنفسهما وحملا إليك الرهائن، والخائف جدير بأن يرهق نفسه. وانظر: الكتاب 1/ 368، والمقتضب 4/ 418، وسر صناعة الإعراب 1/ 302، وشرح المفضليات 209.
2
الشورى: 11. "في الروض الأنف 1/ 47" الكاف تكون حرف جر وتكون اسما بمعنى: "مثل". ويدلك على أنها حرف وقوعها صلة للذي. وتكون اسما بمعنى: "مثل" ويدلك على أنها تكون اسما دخول حرف الجر عليها وإذا دخلت على مثل، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فهي إذن حرف إذ لا يستقيم أن يقال: مثل مثله..
وفي البحر المحيط 7/ 501 تقول العرب: مثلك لا يفعل كذا، يريدون به المخاطب، كأنهم إذا أنفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص وهو من باب المبالغة.. فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلا زائدة للتوكيد ليس بجيد، لأن مثلا اسم، والأسماء لا تزاد بخلاف الكاف فإنها حرف فتصلح للزيادة. ويحتمل أيضا أن يراد بالمثل الصفة وذلك سائغ.. فيكون المعنى: ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره وهذا محمل سهل، والوجه الأول أعوص. انظر: شرح الكافية 2/ 319، والمغني 1/ 153، وسر الصناعة 1/ 291-292، والخزانة 4/ 273.



ج / 1 ص -295- وكقول رؤبة:

لواحقُ الأقرابِ فيها كالمقَق1

والمقق: الطول وإنما المعنى: فيها طول, كما يقال: فلان كذا الهيئة أي: ذو الهيئة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشاهد فيه زيادة الكاف، لأن المقق معناه: الطول فلا يقال في الشيء كالطول، وإنما يقال: فيه طول، فكأنه قال: مقق، أي: طول.
ونقل البغدادي عن ابن السراج قوله: أما مجيء الكاف حرفا زائدًا لغير معنى التشبيه فكقولهم -فيما حدثناه عن أبي العباس: فلان كذي الهيئة، يريدون: فلان ذو الهيئة فموضع المجرور رفع، ومنه: لواحق الأقراب فيها كالمقق، أي: فيها مقق، لأنه يصف الأضلاع بأن فيها طولا، وليس يريد أن شيئا مثل الطول نفسه. ومنه: ليس كمثله شيء.
اللواحق: جمع لاحقة اسم فاعل من لحق كسمع لحوقا: ضمر وهزل: والأقراب: جمع قرب بضمه فسكون وبضمتين: الخاصرة. يريد أنها خماص البطون، وضمير "فيها" للأقراب.
وانظر: المقتضب 4/ 119، وشرح الحماسة 4/ 1649، وارتشاف الضرب 259، والخزانة 4/ 266، و1/ 38، وديوان رؤبة 106.

مسائل من باب الاستثناء:
تقول: ما مررتُ بأحدٍ يقول ذاك إلا زيد. وما رأيت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا, هذا وجه الكلام, وإن حَملْتَه على الإِضمار الذي في الفعل, أعني: المضمر في "يقول" فقلت: ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدٌ, فعربي. قال عديُّ بن زيد:

في لَيْلَةٍ لا نَرَى بها أحَدًَا يَحْكِي علينا إلا كَواكِبُها1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
من شواهد سيبويه 1/ 361 على إبدال "كواكبها" من الضمير المستتر في "يحكي" لأنه منفي في المعنى. ولو نصب على البدل من "أحد" لكان أحسن لأن أحدا منفي في اللفظ والمعنى.
قال ابن الشجري: وجدت هذا البيت في كتاب لغوي منسوبا إلى عدي بن زيد. وتصفحت نسختين من ديوان شعر عدي فلم أجده فيهما، وجدت له قصيدة على هذا الوزن وهذه القافية. وقال البغدادي: إنما هذا البيت لأحيحة بن الجلاخ الأنصاري أثبتها الأصبهاني في الأغاني. ثم ذكرها والقافية فيها مرفوعة. ويحكي علينا: بمعنى يروي، و"على" بمعنى عن أو ضمن "يحكي" معنى "يتم" وانظر المقتضب 4/ 402، وأمالي ابن الشجري 2/ 73، والأغاني 13/ 115، والمغني 1/ 153، والخزانة 2/ 18، ومهذب الأغاني 1/ 113، وملحقات ديوان عدي بن زيد/ 194.



ج / 1 ص -296- وإنما تكلَّموا بذلك لأن "تقول" في المعنى منفي, إذ كان وصفًا لمنفي أو خبرًا, كما قالوا: قد عَرَفْتُ زيدًا أبو من هو, لأن معناه معنى المستفهم عنه. ويجوز: ما أظنُّ أحدًا فيها إلا زيدٌ, ولا أحدٌ منهم اتخذت عنده يدًا إلا زيد, رفعت زيدًا في المسألة الأولى على البدل من المضمر في فيها/ 325 المرفوع وخفضته في الثانية على البدل من الهاء المخفوضة. في "عنده" وتقول: ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا لا يكون في ذلك إلا النصب؛ لأن القول غير منفي هنا, وإنما أخبرت: أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدًا, والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيد. ولكنك قلت: رأيت أو ظننت ونحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت ولو جعلت: رأيت من رؤية العين كان بمنزلة "ضربت".
قال الخليل: ألا ترى أنك تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد, وما أظنُّه يقوله إلا عمرو, فهذا يدلك على أنك إنما انتحيت على القول1, وتقول: قل رجل يقول ذاك إلا زيد, وليس "زيد" بدلًا من الرجل في "قل".
قال سيبويه: لكن "قل رجل" في موضع "أقل رجل" ومعناه كمعناه, وأقل رجل مبتدأ 2 / 333 مبنى عليه. والمستثنى بدل منه لأنه يدخله في شيء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
انظر: الكتاب 1/ 361.
2
المصدر السابق: 1/ 361.



ج / 1 ص -297- يخرج منه من سواه, وكذلك أقل من وقل من إذا جعلت من بمزلة رجل, قال حدثنا بذلك يونس عن العرب. يجعلونه نكرة1 -يعني من- قال أبو العباس: إذا قلت: قل رجل يقول ذاك إلا زيد فهذا نفي. كثر رجل2 يقول ذاك إلا زيد وليست هذه قل التي تريد بها قل الشيء وإنما تريد ما يقول ذاك إلا زيد. والدليل على أن رجل في معنى رجال, أنك لو قلت: قل زيد إلا زيد, لم يجز لأنك لا تستثني واحدًا من واحد هو هو, وقولك: إلا زيدًا يدلُّ على معنى أقل رجل3 فهو بدل من قولك: قل رجل. وتقول: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, من قبل "أن بشيء" في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبح أن يحمله على الباء صار كأنه 4 / 337 بدل من اسم مرفوع, وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع اسم منصوب ولكنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, استوت اللغتان وصارت "ما" على أقيس الوجهين5, وهي لغة تميم.
وتقول: لا أحد فيها إلا عبد الله, تحمل عبد الله على موضع "لا" دون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المصدر السابق 1/ 361.
والنص في الكتاب:... وكذلك أقل من يقول ذلك وقل من يقول ذاك، إذا جعلت "من" بمنزلة رجل. حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة.
2
المقتضب 4/ 405.
3
للنحويين كلام طويل في إعراب قولهم: أقل رجل يقول ذاك إلا زيد.
فأقل مبتدأ لا خبر له واستغنى، لأنه شابه حرف النفي عند ابن جني، أو لأنه بمعنى الفعل في قولهم: قل رجل يقول ذاك إلا زيد عند النحاس، واستغنى بصفة المضاف إليه عن الخبر، ولا يجوز أن تكون جملة: "يقول ذاك" خبرا للمبتدأ لأنها جرت على المضاف إليه في تثنيته وجمعه وتأنيثه يقولون: أقل امرأة تقول ذاك، وأقل امرأتين تقولان ذاك، وأقل رجال يقولون ذاك. انظر: الخصائص 2/ 124، والأشباه 2/ 45، والخزانة 2/ 26، وشرح الكافية 1/ 77.
4
انظر: الكتاب 1/ 362.
5
المصدر السابق 1/ 362، لأنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به فكأنك قلت: ما أنت إلا شيء لا يعبأ به.



ج / 1 ص -298- لفظه وكذلك تقول: ما أتاني من أحد إلا عبد الله, ألا ترى أنك تقول: ما أتاني من أحد لا عبدُ الله ولا زيدٌ, من قبل أنه خطأ أن تحمل المعرفة على "من" في هذا الموضع كما تقول: لا أحدَ فيها إلا زيدٌ, لا عمروٌ؛ لأن المعرفة لا تحمل على "لا"1. وتقول: ما فيها إلا زيد, وما علمت أن فيها إلا زيدًا, ولا يجوز: ما إلا زيد فيها, ولا ما علمت أن إلا زيدًا فيها2, وإنما حسن لما قدمت وفصلت بين أن وإلا لطول الكلام, كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتحسن. ولا يجوز أن تقول: ما علمت أن إلا زيدا فيها, من أجل أنك/ 338 لم تفصل بين "أن" وإلا كما فصَلْت في قولك ما علمت أن فيها إلا زيدًا.
قال سيبويه: وتقول إن أحدًا لا يقول ذاك وهو خبيث ضعيف3 فمن أجاز هذا قال: إن أحدًا لا يقول هذا إلا زيدًا, حمله على "إن" وتقول: لا أحد رأيته إلا زيد, وإن بنيت جعلت "رأيته" خبرًا لأحد أو صفة. وتقول ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدًا كأنه قال: قد قالوا ذاك إلا زيدا. وتقول: ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا و"أن" في موضع اسم مرفوع قال الشاعر:

لم يَمْنَعِ الشَّربَ منها غَيْرَ أن هَتَفت حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ4

وناس يقولون: غير أن نطقت5, وقد مضى تفسيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
المصدر السابق 1/ 362 وذلك لأن هذا الكلام جواب لقوله: هل من أحد أو هل أتاك من أحد.
2
لأنك إذا قلبته وجعلته يلي "أن" و"ما" في لغة أهل الحجاز قبح ولم يجز لأنها ليست بفعل فيحتمل قلبهما كما لم يجز فيهما التقديم والتأخير.
3
الكتاب 1/ 363، لأن أحدا لا يستعمل في الواجب وإنما نفيت بعد أن أوجبت.
4
مر تفسير هذا البيت، انظر 312 من المخطوط وهو لأبي قيس بن رفاعة. ورواه سيبويه 1/ 369 غير أن نطقت.
5
انظر: الكتاب 1/ 369.



ج / 1 ص -299- وتقول: ما أتاني زيد إلا عمرو, إذا أردت بذكرك زيدًا: بعض من نَفَيْتَ توكيدًا للنفي فهي بمنزلة ما لم تذكره ولا يجوز أن تقول: ما زيد إلا قام, فإن قلت: ما زيد إلا يقوم كان جيدًا/ 339 وذلك أن الموضع موضع خبر والخبر اسم فلو كان: ما زيدًا إلا يقوم كان جيدًا لمضارعة يفعل الأسماء. ولم يقولوا: أكثر من ذلك.
قال أبو العباس -رحمه الله: والتقدير: ما زيد شيئًا إلا ذا فلا يجوز أن يقع بعد إلا شيء إلا اسم في معنى شيء الذي هو حدُّ زيد؛ لأنه واحد من شيء لأنه شيء في معنى جماعة, وتقدره: ما زيد شيئًا من الأشياء إلا قائم, فلا يجوز أن يقع بعد "إلا" إلا اسم أو مضارع له, ومن ههنا وجب أن تقول ما زيد إلا الجبن آكل وإلا الخبز آكله هو, وفيمن قال زيدًا ضربته: قال: ما زيد إلا الخبز آكله ولا يجوز: ما الخبز إلا زيد آكل. لا يجوز أن تعمل الفعل الذي بعد إلا في الاسم الذي قبلها بوجه من الوجوه, لأن الاستثناء إنما يجيء بعد مضي الابتداء, لأن المعنى: ما الخبز شيئًا إلا زيد آكله, فإن حذفت الهاء من "آكله" أضمرتها ورفعت الخبز. لا يجوز إلا ذلك/ 340. فإن قلت: ما زيد إلا قد قام, فهو أمثل ولو لم يجزه مجيز كان قاصدًا فيه إلى مثل ترك إجازة ما قبله لأن "قد" إنما أكدت وصارت جوابًا لتوقع خبر والفعل الماضي على حاله ومن أجازه فعلى وجه أن "قد" لما زادت ضارع الفعل بالزيادة التي قبله الأفعال المضارعة والأسماء لأن الأفعال المضارعة يدخلها السين, وسوف والأسماء يدخلها الألف واللام فتقول: ما زيد إلا قد قام ألا ترى أن "قد" إذا لحقت الفعل الماضي صلح أن يكون حالًا نحو: جاء زيد قد ركب دابة ولولا "قد" كان قبيحًا فإن قيل: ألست تقول: ما جاءني زيد إلا تكلم بجميل, فقد وقع الفعل الماضي بعد إلا, قيل: إنما جاز وجاد لأنه ليس قبله اسم يكون خبرًا له وإنما معناه: كلما جاءني زيد تكلم "بجميل" فإن قال: فأنت قد تقول: ما تأتيني إلا قلت حسنًا وما تحدثني إلى صدقت فمن أين وقع الماضي بعد إلا/341 والذي قبله مضارع؟ قيل: فالمضارع الذي قبله في معنى الماضي, لأنه حكاية الحال,



ج / 1 ص -300- ألا ترى أن معناه: كلما حدثتني صدقتني, وكلما جئتني قلت: حقا, ولو قلت: ما زيد إلا أنا ضارب, لأضمرت الهاء في "ضارب", لأن زيدًا لا سبيل لضارب عليه لأن تقديره: ما زيد شيئًا إلا أنا ضاربه, فإن كانت ما الحجازية فهي الرافعة لزيد, وإن كانت التميمية فإنما جاء الفعل بعد أن عمل الابتداء فصار بمنزلة قولك كان زيد ضربت في أنه لا بد من الهاء في "ضربت" وتقول: ما كان أخاك إلا زيد, وما ضرب أباك إلا زيد؛ لأن الفعل فارغ لما بعده فتقديره, ما كان أحد أخاك إلا عمرو, وما كان أخوك أحدًا إلا زيدًا1, فما بعد "إلا" من فاعل أو مفعول مستثنيًا من اسم في النية أو خبر ولا يجوز: ما منطلقًا إلا كان زيد, من حيث استحال ما زيدًا إلا ضرب عمرو, وتقول ما كان زيد قائمًا إلا أبوه وما زيد قائمًا إلا أبوه لأن "ما" في قائم منفي/ 342 في المعنى, والأب هو الفاعل كما تقول: ما قام إلا زيد. فإن قلت: ما زيد قائمًا أحد إلا أبوه كان جيدًا لأن الاستثناء معلق بما قبله غير منفصل منه ونظير ذلك: زيد ما قام أحد إلا أبوه وزيد ما كان أحد قائمًا إلا أبوه. وتقول: ما أظنُّ أحدًا قائمًا إلا أبوك والنصب في الأب أجود على البدل من "أحد" ولو قلت: ما زيد قائمًا أحد إليه إلا أبوه كان أجود حتى يكون الاستثناء فضلة. ويقول: إن أخويك ليسا منطلقًا إلا أبوهما كما تقول: إن أخويك ليسا منطلقة جاريتهما وكذلك: إن أخويك ليسا منطلقًا أحد إلا أبوهما, كما تقول: مررت برجالٍ ليسوا إلا منطلقًا آباؤهم.
قال أبو العباس -رحمه الله: يزعم البغداديون: أن قولهم: إلا في الاستثناء, إنما هي إن ولا2, ولكنهم خففوا إن لكثرة الاستعمال, ويقولون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
فما بعد إلا من زيدا جملة زائدة مقحمة أظنها من عمل الناسخ.
2
مذهب الفراء: أن "إلا" مركبة من إن ولا العاطفة حذفت النون الثانية من إن وأدغمت الأولى في لام لا، فإذا انتصب الاسم بعدها فبإن وإذا تبع ما قبلها بالإعراب فبلا العاطفة فكأن أصل قام القوم إلا زيدا، قام القوم إلا زيدا لا قام. أي: لم يقم فلا لنفي حكم ما قبل إلا ونقضه نفيا كان ذلك الحكم أو إثباتا فهو كقولك: كأن زيدا أسد الأصل عند بعضهم إن زيدا كأسد فقدموا الكاف وركبوها مع إن. انظر الإنصاف/ 150، وشرح الكافية 2/ 247، وشرح المفصل 2/ 77.





ج / 1 ص -301- إذا قلنا: ما جاءني أحد إلا زيد. فإنما رفعنا زيدًا "بلا" وإن نصبنا فبإن. ونحن في ذلك مخيرون في هذا لأنه قد/ 343 اجتمع عاملان "إن ولا" فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولون: جاءني القوم إلا زيد وإلا زيدًا, ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون: ما جاءني إلا زيدًا إذا أعملوا "إن" وهم لا يقولون1 به, فسألناهم: لِمَ2 ذلك؟ فقالوا: لأن أحدا مضمرة, قلت: ذاك أجدر أن يجوز النصب, كما يجوز إذا أظهرت أحدًا, فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة, وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظا فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الاستثناء بلا تنوين لأن: لا تنصب النكرات بلا تنوين, قال سيبويه: إذا قلت لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا, الدليل على أنه وصف أنك لو قلت: لو كان معنا إلا زيد لهلكنا, وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ3 لَفَسَدَتَا}4 ومثل ذلك قوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}5 ومثله قول لبيد: / 335

وإذا جُوزِيتَ قَرْضًَا فَاجْزهِ إنّما يَجْزِي الفَتَى غَيْرُ الجَمَل6

قال أبو العباس -رحمه الله: لو كان معنا إلا زيدًا لغلبنا أجود كلام وأحسنه, والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي, نحو قولك: ما جاءني أحد إلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل: لا يقولوا.
2
في الأصل "لما".
3
انظر: الكتاب 1/ 370.
4
الأنبياء: 22. وانظر: الإنصاف 1/ 175، والكعبري 2/ 69، والبحر المحيط 6/ 304-305، وشرح الكافية للرضي 1/ 277.
5
النساء: 95.
6
مر هذا الشاعر ص348.



ج / 1 ص -302- زيد وما جاءني إلا زيد, أنك لو قلت: لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}1 والله تعالى فيهما2. وتقول: لو كان لنا إلا زيدًا أحد لهلكنا كما تقول: ما جاءني إلا زيدًا أحد والدليل على جودة الاستثناء أيضًا أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفًا إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز. ألا ترى أنك تقول: ما جاءني أحد إلا زيد على الوصف إن شئت وكذلك: جاءني القوم إلا زيد على ذلك, ولو/ 345 قلت: جاءني رجلًا إلا زيد, تريد: غير زيد على الوصف لم يجز؛ لأن الاستثناء هنا محال وتقول: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا لأن معنى: ما أكل أحد إلا الخبز أنه قد أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان إلا زيدًا وكذلك ما مسلوب أحد إلا ثوبًا إلا زيدًا؛ لأنك أردت: كل إنسان سلب ثوبًا إلا زيدًا وتقول: ما ضربت أحدًا إلا قائمًا فتنصب "قائمًا" على الحال وكذلك: ما مررت بأحد إلا "قائمًا" وما جاءَني أحد إلا راكبًا فإن قلت: ما مررت بأحد إلا قائمًا إلا زيدًا نصبت: زيدًا ولم يجز أن تبدله من "أحد" لأن المعنى: مررت بكل أحد قائم, وإن شئت: قائمًا إلا زيدًا وتقول: ما مر بي البعير إلا إبلك وذهب الدنانير إلا دنانيرك وفي كتاب الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}3.
قال الأخفش: لو قلت: أين إلا زيدًا قومك/ 346 وكيف إلا زيدًا قومك. لجاز لأن هذا بمنزلة أههنا إلا زيدًا قومك, ويجيز ضرب إلا زيد قومك أصحابنا, على أن يستثنى زيدًا من الفاعلين. وقال: لو استثنيته من المفعولين لم يحسن؛ لأنك لم تجئ للمفعولين بذكر في أول الكلام و"ضرب" هو من ذكر الفاعلين لأن الفعل "لهم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الأنبياء: 22.
2
انظر: المقتضب 4/ 408، والانتصار لابن ولاد/ 123.
3
العصر.



ج / 1 ص -303- واعلم: أنه لا يجوز أن تجمع بين حرفين من هذه الحروف, إلا ويكون الثاني اسمًا, مثل قولك: قام القوم إلا خلا زيدًا, هذا لا يجوز أن تجمع بين إلا وخلا فإن قلت: إلا ما خلا زيدًا وإلا ما عدا جاز1 ولا يجوز إلا حاش زيدًا والكسائي: يجيزه إذا خفض "بحاشا", والبغداديون يجيزون في: ما عندي إلا أباك أحدًا, الرفع والنصب في "أبيك" يجيزون: ما عندي إلا أبوك أحد. وقد مضى ذكر هذا. وما يجوز فيه وما لا يجوز.
وإذا قلت: ما قام القوم إلا زيد, وهل قام القوم إلا زيد, فالرفع عند/ 347 البصريين على البدل2, وعند الكوفيين على العطف3, ويقولون: إذا اجتمعت "إلا وغير" فاجعل إحداهما تتبع ما قبلها وإحداهما استثناء, فيقولون: ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو, ترفع زيدًا وتنصب "غير" وهذا عندنا إنما انتصب الثاني, لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك, وإذا نَسَقْتَ جاز رفعهما جميعًا فقلت: ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو, قال الشاعر:

مَا بِالمِدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ دَار الخليفةِ إلا دَارَ مَرْوَانَا4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
لأن "ما" اسم فلا توصل "إلا" بالفعل فخلا وعدا هنا صلة "لما".
2
انظر: الكتاب 1/ 360.
3
لأن الكوفيين يذهبون إلى أن "إلا" تكون بمعنى "الواو" واحتجوا بقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: ولا الذين ظلموا، يعني: والذين ظلموا لا تكون لهم حجة أيضا. ويأبى البصريون هذا.. وانظر: الإنصاف/ 155-156.
4
من شواهد سيبويه 1/ 373 على جعل "غير" نعتا للدار فلذلك رفع ما بعد "إلا". والمعنى: ما بالمدينة دار غير واحدة، وهي دار الخليفة إلا دار مروان وما بعد "إلا" بدل من دار الأولى، ولو جعل "غير واحدة" استثناء بمنزلة، إلا واحدة. لجاز نصبها على الاستثناء ورفعها على البدل.
وأراد مروان بن الحكم. وقد نسب سيبويه هذا الشاهد إلى الفرزدق وليس في ديوانه. وفي الديوان قصيدتان من بحر الشاهد ورويه. ص/ 875-877.
وانظر: معاني القرآن 1/ 90، والمقتضب 4/ 425، وشرح السيرافي 3/ 306، والأبيات المشكلة للفارقي/ 271.



ج / 1 ص -304- ترفع "غير" وتنصب دارَ مروان, ولك أن تنصبهما جميعًا على قولك: ما جاءني أحد إلا زيدًا, ورفعهما جميعًا, لا يجوز إلا على أن تجعل "غير" نعتًا فيصير الكلام كأنك قلت: ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان. ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل/ 348 لا يجوز: ما أكل إلا عبد الله طعامَكَ. ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله, وقد مضى تفسير هذا فإن جعلت "إلا" بمعنى غير فقد أجازه قوم.
وإذا قال القائل: الذي له عندي مائة دِرهم إلا درهَمَين, فقد أقر بثمانية وتسعينَ وإذا قال: الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمائة لأن المعنى: له عندي مائة غير درهمين. وكذلك لو قال: له عليَّ مائة غير ألف. كان له مائة, ألا ترى أنه لو قال: له عليَّ مائة مثل درهمين, جاز أن يكون المعنى: أن المائة درهمان.
وكذلك لو قال: له عليَّ مائة مثل ألف كان عليه ألف "فغير" نقيض مثل, وإذا قلت: ما له عندي إلا درهمين, فأردت أن تقر بما بعد "إلا" رفعته لأنك إذا قلت: ما له عندي مائة إلا درهمان, فإنما رفعت درهمان, بأن جعلته بدلًا من "مائة" فكأنك قلت: ما له عندي إلا درهمان, وإذا نصبت فقلت: ما له عندي مائة إلا درهمين, فما أقررت بشيء لأن "عندي" لم ترفع شيئًا فيثبت له عندك/ 349 فكأنك قلت: ما له عندي ثمانية وتسعون.
كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهمًا, فإذا قلت: ما لك عشرون إلا خمسة, فأنت تريد: ما لك إلا خمسة وتقول: لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهمًا فالذي له ستة. وكل استثناء فهو مما يليه والأول: حط والثاني: زيادة وكذلك جميع العدد, فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار



ج / 1 ص -305- المستثنى أربعة. ولا ينسق على حروف الاستثناء "بلا" لا تقول: قام القوم ليس زيدًا ولا عمرًا, ولا: قام القوم غير زيد ولا عمرو, والنفي في جميع العربية ينسق عليه "بلا"1 إلا في الاستثناء, وقال بعضهم: "لا سيما" يجيء شبيهًا بالاستثناء وحكي: ولا سيما يوم ويومًا, من رفع جعله في صلة "ما" ومن خفض خفض بشيء. ههنا وجعل "ما" زائدة2 للتوكيد والسي/ 350. والمثل ومن نصب جعله ظرفًا وحكي عن الأحمر3: أنه كان يجيز: ما قام صغير وما خلا أخاك كبير وإنما قاسه على قول الشاعر:

وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بها طُورِي ولا خلا الجن بها إنسي4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
في الأصل "بولا".
2
في الكتاب 1/ 350 قال سيبويه: وسألت الخليل عن قول العرب: ولا سيما زيد، فزعم، أنه مثل قولك: ولا مثل زيد، و"ما" لغو وقال: ولا سيما زيد كقولهم: دع ما زيد، وكقوله مثلا، ما بعوضة في هذا الموضع بمنزلة مثل فمن ثم عملت فيه "لا" كما تعمل رب في "مثل".
فالجر: بالإضافة إلى "سي" وما زائدة، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو، ولا تكون "ما" اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى "سي" وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول، والنصب على التمييز "لسي" وما لغو، وهذا الوجه الأخير لم يذكره ابن السراج، وإنما قال: ومن نصب جعله ظرفا.
3
الأحمر: علي بن الحسن، والأحمر في الأصل صفة للرجل الذي فيه الحمرة، صاحب الكسائي، وهو أحد من اشتهر بالنحو واتساع الحفظ، وكان فطنا، مات بطريق مكة قبل الفراء بمدة سنة "194هـ"، ومات الفراء سنة: "204هـ"، ترجمته في تاريخ بغداد جـ12/ 104-105، وطبقات الزبيدي/ 95، ومعجم الأدباء جـ13/ 5-11، والأنساب/ 20، وإنباه الرواة جـ2/ 313.
4
الشاهد فيه جواز تقديم المستثنى، لأن تقدم المستثنى غير المنسوب شاذ، والأصل: ولا بها إنسي خلا الجن. قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام نحو: إلا طعامك ما أكل زيد، نص عليه الكسائي وإليه ذهب الزجاج في بعض المواضع. واستدلوا بهذا البيت ونحوه، ومنعه البصريون، وأجابوا عن البيت بأن تقديره: "وبلدة ليس بها طوري ولا إنسي ما خلا الجن".
فحذف إنسيا وأضمر المستثنى منه، وما أظهره تفصيل لما أضمره. وقيل: تقديره: ولا بها إنسي خلا الجن، فيها مقدرة بعد "إلا" وتقديم المستثنى للضرورة فلا يكون فيه حجة.
وهذان بيتان من الرجز للعجاج. والبلدة: الأرض، يقال: هذه بلدتنا، أي: أرضنا. وقوله: ليس بها طوري, أي: ليس بها أحد، ولا يجيء "طوري" إلا مع النفي. ويروى: وليس بها طوئي. وانظر: النوادر/ 226، والمنصف 3/ 62، والإنصاف/ 274، وشرح الكافية للرضي 1/ 209، والخزانة 2/ 3، وأمالي القالي 1/ 251، وديوان العجاج/ 68.



ج / 1 ص -306- وليس كما ظن لأن إنسي مرتفع "بها" على مذهبهم ولو قلت: ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله, إذا كان أبو عبد الله زيدًا كان جيدًا.
قال أبو بكر: قد كنا قلنا عند افتتاحنا ذكرنا الأسماء المنصوبات أنها تنقسم قسمة أولى على ضربين. وأن الضرب الأول: هو العام الكثير. وقد ذكرناه بجميع أقسامه وبقي الضرب الآخر وهو "إلا" ونحن ذاكرون إن شاء الله الضرب الآخر من الأسماء المنصوبة من القسمة الأولى. هذا الضرب كل اسم نذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة قد تما بالإِضافة والنون وحالت النون بينهما أو/ 351 الإِضافة ولولاها لصلح أن يضاف إليه والفرق بين هذا الضرب من التمييز وبين التمييز الذي قبله أن المنصوب هنا ينتصب عند تمام الاسم وذلك ينتصب عند تمام الكلام, وهذا الضرب أكثر ما يكون في نوعين يميزان المقادير والأعداد, وقد نصبوا أشياء نصب الأسماء بعد المقادير.

 

 

التعريف بكتاب الأصول في النحو

 

كتاب: الأصول في النحو

تأليف: محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي 316هـ  
دراسة وتحقيق: عبد الحسين الفتلي -الناشر: مؤسسة الرسالة لبنان - بيروت

قمت:عبد الغفار.jpgالدكتورعبد الغفار سليمان عبد الغفار البنداري بحول الله تعالي وقوته بجمع الكتاب من موسوعة اللغة وجعله في اربعة أجزاء كما يري القاريء والكتاب من تأليف محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي 316هـ  دراسة وتحقيق: عبد الحسين الفتلي وقامت مؤسسة الرسالة لبنان – بيروت بنشره 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...