65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج7.مواهب الجليل الحطاب الرعيني منفردا


    ج7.مواهب الجليل
    الحطاب الرعيني ج 7

    [ 1 ]
    مواهب الجليل لشرح مختصر خليل تأليف ابي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني المتوفى سنة 954 ه‍ ضبطه وخرج آياته واحاديثه الشيخ زكريا عميرات الجزء السابع دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

    [ 2 ] 
  [ 3 ]
    باب الصلح قال في التوضيح: قال النووي: الصلح والاصلاح والمصالحة قطع المنازعة وهو مأخوذ من صلح الشئ بفتح اللام وضمها إذا كمل وهو خلاف الفساد، يقال صالحته مصالحة وصلاحا بكسر الصاد، وذكره الجوهري وغيره، والصلح يذكر ويؤنث اه‍. وقال ابن عرفة: الصلح انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه. وقول ابن رشد: هو قبض الشئ عن عوض يدخل فيه محض البيع، وقول عياض: هو معاوضة عن دعوى يخرج عنه صلح الاقرار اه‍. وقد يقال: إن حده غير جامع لانه لا يدخل فيه الصلح على بعض الحق المقر به فتأمله. فائدة: قال في المقدمات: روي أن كعب بن مالك تقاضى من أبي حدرد دينا له عليه في عهد النبي (ص) في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما النبي (ص) وهو في بته فخرج حتى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك فقال: يا كعب: فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر فقال كعب: قد فعلت. فقال رسول الله (ص): قم فاقضه، وهذا الحديث أصل لما صرح به العامة من قولها خير الصلح الشطر ولا صلح إلا بوزن اه‍. قال ابن عرفة: وهو أي الصلح من حيث ذاته مندوب إليه، وقد يعرض وجوبه عند تعيين مصلحة، وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة الدرء أو راجحته كما مر في النكاح للخمي وغيره، ابن رشد: لا بأس بندب القاضي الخصمين إليه ما لم يتبين له الحق لاحدهما لقول عمر لابي موسى: احرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء، وقيل في بعض المذاكرات: لا بأس به بعد البينتين إن كان أرفق بالضعيف منهما كالندب لصدقه عليه، ورد بأنه يوهم ثبوت الحق على من له الحق أو سقوطه له بخلاف الصدقة. ابن رشد: إن أباه أحدهما فلا يلح عليهما إلحاحا يوهم الالزام. قلت: ونقل عن بعض قضاة طرابلس جبره عليه فعزل اه‍. ص: (على غير المدعي بيع) ش: قال ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والخمسين: والصلح بيع من البيوع إن وقع على الاقرار، وكذا إن وقع على الانكار عند مالك

    [ 4 ]
    لاشتراطه فيه ما يشترط في البيع اه‍. وقاله فيها أيضا. ويشترط في المصالح والمصالح أهلية المعاملة اه‍. تنبيه: يجوز الصلح على المجهول إذا جهل القدر المصالح عليه ولم يقدرا على الوصول إلى معرفته، وأما إذا قدرا على الوصول إلى المعرفة فلا يجوز الصلح إلا بعد المعرفة بذلك. قال في آخر كتاب الشفعة من المدونة: ومن ادعى حقا في دار بيد رجل فصالحه منه، فإن جهلاه جميعا جاز ذلك، وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه، وإن لم يسم بطل الصلح ولا شفعة فيه، والزوجة إن صالحت الورثة على ميراثها، فإن عرفت هي وجميع الورثة مبلغ التركة جاز الصلح، وإن لم يعرفوه لم يجز اه‍. قال الشيخ أبو الحسن إثر كلام المدونة: انظر قال هنا إن جهلاه جميعا جاز وتقدم في مسألة الحميل قال: لا يجوز حتى يعلما ما على المطلوب. وفي كتاب القسمة قال: من باع من رجل موروثه من هذه الدار، فإن عرفا جميعا مبلغه جاز. وقال في كتاب الصلح: ومن لك عليه دراهم نسيتما مبلغها جاز إن تصالحا على ما شئتما من ذهب أو ورق، فمسألة كتاب الصلح ومسألة من ادعى حقا في دار مخالفة لهذه النظائر، ومثل مسألة بيع الصبرة لا يعرفان كيلها، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر إن جهلا معاصفة الارض جاز. وحاصله أن كل موضع يقدران على الوصول إلى المعرفة بذلك فلا يجوز الصلح إلا بعد المعرفة به، وكل موضع لا يقدران على الوصول إلى المعرفة بذلك فالصلح جائز على معنى التحلل إذ هو أكثر المقدور. وقوله: والزوجة إذا صالحت الورثة على ميراثها فإن عرفت هي والورثة مبلغ التركة جاز الصلح، وإن لم يعرفوه لم يجز لانهم قادرون على الوصول إلى المعرفة اه‍. ونحوه لابن ناجي ونصه إثر كلام المدونة المتقدم قوله: ومن ادعى حقا في دار بيد رجل الخ وعرفاه جميعا.، قلت: قال فضل: إنما يجوز إذا جهلاه لانه على وجه التحلل، ومثله مسألة الصلح على دراهم لا يعرفان عددها، ومثله بيع الصبرة لا يعرفان كيلها، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر إن جهلا جميعا الارض جاز، قيل: ولا يعارض ما ذكره بقولنا أول مسألة من كتاب القسم قال مالك: ومن باع من رجل موروثه من هذه الدار، فإن عرفا مبلغه جاز، وإن جهله أحدهما أو كلاهما لم يجز. والفرق أن بيع الميراث اختياري يقدران على رفع الغرر منها ويتوصلان إلى معرفة النصيب، وما هنا مع ما نظره به لا يقدران على رفع الغرر فصارت صورة ضرورة فيتحلل منه. وقوله: والزوجة إذا صالحت الورثة الخ أتى بها في الام على وجه الدليل، ووجه ذلك أنهم يقدرون على تصوره حائزا بالوصول إلى معرفة كل واحد اه‍. وقال في التوضيح: يعتبر قيمة معرفة ما يصالح عنه فإن كان مجهولا لم يجز، ولذلك شرط في المدونة في صلح الولد للزوجة عن إرثها معرفتها لجميع التركة وحضور أصنافها وحضور من عليه الارض وإقراره وإلا لم يجز اه‍. ونحوه في الشامل فيقيد قولهما فإن كان مجهولا بما إذا لم يجهلاه جميعا ليوافق كلامهما ما في المدونة، وبأنهما لم يقدرا

    [ 5 ]
    على الوصول إلى معرفة ذلك ليوافق ما تقدم فتأمله والله أعلم. فرع: فإن صالح على عبد ادعى عليه أنه سرقه ثم ظهر المعبد فلا رجوع لصاحبه فيه، وليس للمدعى عليه أيضا رده إن وجد معيبا إلا أن يقر المدعي أن المدعى عليه ما سرق عبده وأنه ادعى عليه باطلا. قاله في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح. قال في الكافي في الصانع تضيع عنده السلعة ويغرم قيمتها ثم توجد: إنها للصانع، وكذا لو ادعى على رجل أنه سرق عبده فأنكره فصالحه على شئ ثم وجد العبد قال ابن رشد في سماع يحيى: وهو للمدعى عليه ولا ينقض الصلح معيبا كان أو صحيحا إلا أن يجده عنده قد أخفاه فيكون لربه. وفي التهذيب في المكتري يتعدى في الدابة فتضل فيغرم قيمتها ثم يوجد هي للمكترى. اه‍ من المسائل الملقوطة، وما ذكره عن سماع يحيى هو في الرسم المذكور ومسألة التهذيب في كتاب الشفعة. تنبيه: صلح الفضولي جائز، قال ابن فرحون في تبصرته: ويجوز للرجل أن يصالح عن غيره بوكالة أو بغير وكالة، وذلك مثل أن يصالح رجل رجلا على دين له على رجل ويلزم المصالح ما صالح به اه‍. وقاله في المدونة في باب الصلح ونصه: ومن قال لرجل هلم أصالحك من دينك الذي على فلان بكذا ففعل أو أتى رجل رجلا فصالحه على امرأته بشئ مسمى، لزم الزوج الصلح ولزم المصالح ما صالح به وإن لم يقل أنا ضامن لانه إنما قضى عن الذي عليه الحق اه‍. ص: (أو إجارة) ش: لم يتكلم الشارح على هذه القولة. وقال ابن غازي: مثاله أن يدعي على رجل شيئا معينا فيصالحه على سكنى دار أو خدمة عبد أو ما أشبه ذلك إلى أجل معلوم وقد أبعد من ضبطه إجازة بالزاي المعجمة اه‍. وقال في الذخيرة: الصلح في الاموال ونحوها دائر بين خمسة أمور: البيع إن كانت المعاوضة فيه عن أعيان، والصرف إن كان أحد النقدين عن الآخر، والاجارة إن كانت عن منافع ودفع الخصومة إن لم يتعين شئ من ذلك، والاحسان وهو ما يعطيه المصالح من غير إلحاح، فمتى تعينت أحد هذه الابواب روعيت فيه شروطه لقوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا اه‍. قال في التوضيح: رواه الترمذي وحسنه. وعزاه غيره لابن حبان. قال

    [ 6 ]
    المازري: فأما تحليل الصلح للحرام فمن أمثلته كمن صالح على دار ادعاها بخمر أو خنزير أو غير ذلك مما لا تجوز المعاوضة به، وأما قوله: أو حرم حلالا فمن أمثلته أن يصالح عن هذه الدار التي ادعاها على أمة بشرط أن لا يطأها أو بثوب بشرط أن لا يلبسه أو لا يبيعه إلى غير ذلك من وجوه التحجير الممنوعة مع ما يدخل في هذا المعنى من تحريم المحلل اه‍. من أول شرح كتاب الصلح من التلقين ص: (وجاز عن دين بما يباع به) ش: هذا إذا كان المأخوذ من غير الجنس، وأما إذا أخذ عن دين من جنسه فإنه يجوز أن يأخذ عنه أقل منه ولا يجوز بيعه بأقل

    [ 7 ]
    من جنسه. ص: (كمائة دينار ودرهم عن مثلهما) ش: هذه مسألة المدونة. قال أبو الحسن عن ابن يونس: وسواء أخذ منه الدرهم نقدا أو أخذ منه المائة دينار نقدا أو أخره بها لانه لا مبايعة هنا وإنما هو قضاء وحطيطة فلا تهمة في ذلك، ولو كانت المائة الدينار أو المائة الدرهم لم تحل لم يجز لانه ضع وتعجل اه‍. ص: (وعلى الافتداء من يمين) ش: يعني أن الصلح يجوز على أن يفتدي الشخص من يمين لزمته بالشئ المصالح به اليمين هو نحو قوله في كتاب النذور من المدونة: ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك اه‍. وظاهر ذلك الاطلاق سواء كان يعلم براءته أم لا، وهو ظاهر كلام أبي الحسن فإنه قال في شرح كلام المدونة المتقدم: لا يقال أطعمه ماله بالباطل لانه يقول دفعت عني الظلم. والاصل في هذا أن الصحابة رضي الله عنهم منهم من افتدى ومنهم من حلف اه‍. وجعل الشارح ما ذكره في التوضيح عن ابن شهاب من أنه إذا علم براءته ولم يحلف وافتدى أنه آثم تقييدا وجزم به شامله وهو غير ظاهر، ولم أر شيئا يعارض هذا الاطلاق بل رأيت ما يقويه. قال ابن عرفة في كتاب الاستحقاق: وحكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في الربع على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه مباح كغير الربع لان الحلف مشقة اه‍. وفي مسائل الاقضية والشهادات من البرزلي: إن من قام له شاهد على حق واحتفت به قرائن يحصل له العلم بقول الشاهد فله أن يحلف ويستحق، ولو ترك الحلف

    [ 8 ]
    والحالة هذه فليس من إضاعة المال اه‍. ومسائل البيوع منه الشعبي عن ابن الفخار: لا يجوز صلح الوصي عن الايتام في يمين القضاء حتى يرى العزيمة من المصالح على أنه يحلف، وإن ظهر له على أن الغريم لا يحلف فلا يصالح لذلك لعله لا يحلف، وتعرف عزيمته وعدمها بقرائن الاحوال والاشارات والكلام ونحو ذلك اه‍. وفي مسائل الصلح والمعاوضة والرهون من نوازل ابن رشد: سأله القاضي عياض عن المصالحة عن الغائب هل أجازها أحد ؟ فقال: رأيت لبعض من لا يعتد به من الموثقين إذا شهد فيها بالسداد للغائب مثل أن يثبت عليه حق فيلزم مثبته يمين الاستبراء فيدعو إلى المصالحة عنها بما يشهد به بالسداد الفرق بينه وبين المحجور الذي يتفق على جواز الصلح عنه بين إذ المصالحة مبايعة ومعاوضة وذلك سائغ للمحجور دون الغائب. الجواب: تصفحت سؤالك هذا أعزك بالله بطاعته ووقف عليه، ولا يجوز لوكيل الغائب المصالحة عليه إذا لم يفوض ذلك إليه. هذا هو المنصوص عليه في الروايات على علملك، ومن خالف ذلك برأيه من الموثقين فقد أخطأ. ومصالحة الوصي على المحجور عليه بخلاف ذلك كما ذكرت وبالله التوفيق، وقال صاحب المقصد المحمود في تلخيص العقود في الكلام على بيع صاحب المواريث وذكر إذا كان في الورثة زوجة لها كالئ أنها تأخذه بعد ثبوته وجعلها يمين القضاء. ثم قال: وإن كانت قد صالحت الزوجة على إسقاط يمين القضاء. قلت: بعد قولك وأمر بيمنها في ذلك واصطلحت فلانة مع فلان صاحب المواريث والموصى له و الوارثين المذكورين على إسقاط يمين القضاء بإسقاطها النصف الكالئ أو ثلثه، وكذا صلحا صحيحا ثبت عند القاضي السداد والنظر لجماعة المسلمين اه‍. ص: (أو السكوت) ش: قال

    [ 9 ]
    في التوضيح: قال ابن محرز: وإن وقع الحكم على السكوت فيعتبر فيه حكم المعاوضة في الاقرار ويعتبر فيه على مذهب مالك الوجوه الثلاثة التي بيناها في أول الانكار اه‍. قلت: إذا اعتبر فيه الوجوه الثلاثة التي في الانكار فقد اعتبر فيه حكم المعاوضة فلا يحتاج إلى قوله: يعتبر فيه حكم المعاوضة في الاقرار كما يظهر ذلك بأدنى تأمل، اللهم إلا أن يريد أن حكم المعاوضة معتبر فيه على كل قول ويزيد على مذهب مالك باعتبار الوجوه الثلاثة والله أعلم. ص: (فلو أقر بعده) ش: يعني إذا صالح على الانكار ثم أقر المنكر بعد الصلح فللمدعي نقض الصلح. قال ابن الحاجب: لانه مغلوب. قال في التوضيح: لانه كالمحجور عليه ودل قوله: فله نقضه على أن له إمضاءه. ونص سحنون على ذلك اه‍. وفي نوازل سحنون من كتاب الكفالة مسألة مما ينقض فيه الصلح ونصها: وسئل عن الحميل ينكر الحمالة والمتحمل عنه غائب فيصالحه المتحمل له ببعض الحق ثم يقوم المتحمل عنه، أيرجع المتحمل له ببقية الحق أو لا يكون له شئ لرضاه بالصلح ؟ قال: بل يرجع فيأخذ ما نقص من حقه ويدفع المتحمل عنه إلى الحميل ما صالح به عن نفسه. قال ابن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أنه لا يرجع عليه ببقية حقه إلا بعد يمينه بالله أنه ما صالح الغريم رضي بالصلح من جميع حقه إلا أن يكون أشهد أنه إنما صالح الحميل لانكاره الحمالة وأنه على حقه على الغريم، فلا يكون عليه يمين واليمين يمين تهمة فيجري الامر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة إلا أن يحقق عليه الغريم الدعوى فيخلف قولا واحدا اه‍. فرع: إذا كان الصلح حراما أو مكروها فذكر في التوضيح عن اللخمي ثلاثة أقوال. ونصه اللخمي: واختلف في الصلح الحرام أو المكروه فقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن كان الصلح حراما صراحا فسخ أبدا فيرد إن كان قائما، والقيمة إن كان فائتا، وإن كان من

    [ 10 ]
    الاشياء المكروهة مضى. وقال ابن الماجشون: إن كان حراما فسخ أبدا، وإن كان مكروها فسخ بحدثان وقوعه، فإن طال أمده مضى. وقال أصبغ: يجوز حرامه ومكروهه وإن كان بحدثان وقوعه. خليل: لعل المراد بالحرام المتفق على تحريمه وبالمكروه المختلف فيه اه‍. وما ذكره عن أصبغ من عدم الفسخ مخالف لما ذكره فوقه عن ابن رشد من الاتفاق على فسخه ونصه: فلو ادعى على رجل دراهم وطعاما من بيع فاعتبر البائع بالطعام وأنكر الدراهم فصالحه على طعام مؤجل أكثر من طعامه أو اعترف له بالدراهم وصالحه على دنانير مؤجلة أو دراهم أكثر من دراهمه، فحكى ابن رشد الاتفاق على فساده وفسخه لما في ذلك من السلف بزيادة والصرف والمؤخر اه‍. فتأمله والله أعلم. تنبيه: وأما إذا وقع الصلح على وجه جائز وأراد نقضه والرجوع إلى الخصومة لم يجز ذلك لما فيه من الانتقال عن المعلوم إلى مجهول. اه‍ من شرح الرسالة للقلشاني ص: (أو وجد وثيقة بعده) ش: يريد وقد ذكر ضياعها عند صلحه كما قاله في التوضيح. ص: (كمن لم يعلن أو يقر سرا) ش: تصوره ظاهر. تنبيه: إذا أشهد في عقد الصلح أنه أسقط الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء وكان أشهد أنه إن فعل ذلك فإنما يفعله للضرورة إلى ذلك، فنقل ابن رشد في اللباب في كتاب الصلح أن ذلك ينفعه، والذي نقله ابن عرفة عن المتيطي أنه لا ينفعه، ونقل ابن غازي كلام

    [ 11 ]
    ابن عرفة هنا ونقل عن ابن رشد في البيان نحوه، وذكر ابن فرحون في الباب الخامس والثلاثين من التبصرة في ذلك خلافا فانظره. ص: (وعن إرث زوجة من عرض الخ) ش: كذا فرضها في المدونة في مصالحة الزوجة فقال أبو الحسن: هذا باب صلح أحد الورثة وذكر هنا صلح الزوجة، وإن كان قد تصالح البنت وغيرها من الورثة، وإنما ذكر الزوجة لانها في الغالب التي

    [ 12 ]
    تصالح لان رابطتها بالسبب وغيرها بالنسب، ومسألة مصالحة أحد الورثة مشكلة لانها يعتبر فيها الفساد من جهتي الربا والغرر وله طرق اه‍. ص: (إن عرفا جميعها) ش: هذا نحو قول المدونة المتقدم: فإن عرفت هي وجميع الورثة مبلغ التركة. قال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر قولها: مبلغ التركة يتناول أنهم لو اتفقوا على أنهم اطلعوا على جميع التركة ولم ينصوا عليها بالتسمية أنه كاف، وأفتى شيخنا رحمه الله غير ما مرة بعدم الجواز إلا مع التسمية وهو بعيد اه‍. ص: (لا غرر) ش: لما ذكر أن دم العمد يجوز الصلح عنه بما قل أو كثر، نبه على أنه لا يجوز الصلح عنه بما فيه غرر، وهذا مذهب ابن القاسم في المدونة خلافا لابن نافع. قال في كتاب الصلح منها: ولا يجوز الصلح من جناية عمد على ثمرة لم يبد صلاحها، فإن وقع ذلك ارتفع القصاص ومضى بالدية كما لو وقع النكاح بذلك وفات بالبناء قضى بصداق المثل. وقال غيره: يمضي ذلك إذا وقع وهو بالخلع أشبه لانه أرسل من يده بالغرر ما كان له أن يرسله بغير عوض وليس كمن أخذ بضعا ودفع فيه غررا اه‍. قال أبو الحسن: الغير هنا ابن نافع. وقوله: عمدا ليس بشرط، وكذلك الخطأ. وإنما ذكر العمد لئلا يتوهم أنه غير مال فيجوز فيه الغرر من الآبق والشارد والجنين وما في معناها. واعترض على تعليل ابن نافع بأنه يلزمه في سائر التصرفات لانه يجوز له أن يهب متاعه بلا عوض اه‍ بالمعنى، وحمل كلام

    [ 13 ]
    المصنف على أنه أراد أن من ادعى دينا لا يجوز أن يصالح بغرر ليس فيه كبير فائدة لان ذلك معلوم من قوله أول الباب أن ذلك بيع. ص: (ورطل من شاة) ش: قال الشارح: وظاهر كلام الشيخ سواء كانت الشاة حية أو مذبوحة، وظاهر كلام المدونة يخالفه لتقييده المنع بما إذا كانت حية اه‍. وتبع في الشامل ما في المختصر: وهو صواب. وقد قال المشذالي في حاشية المدونة: قوله يعني في المذبوحة حية لا مفهوم له لمنعه بيعها قبل السلخ في التجارة والاجارة اه‍. وأصله للشيخ أبي الحسن ونصه: انظر قوله: حية مفهومه لو كانت بعد الذبح جاز وليس كذلك. قال في التجارة إلى أرض الحرب: وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقا فلا يجوز لانها في ضمان البائع. وقال أيضا: لا يجوز أن يجعل بيعه رطلين من لحم شاة قبل ذبحها وسلخها، وقال في الجعل: ولا يجوز أن تبيع لحم شاة حية أو مذبوحة أو لحم بعير كل رطل بكذا من حاضر أو مسافر اه‍. ص: (ورجع بقيمته) ش: والقيمة يوم الصلح. قاله أبو الحسن الصغير ص: (وإن صالح مقطوع ثم نزى فمات إلى قوله الدية في الخطأ) ش: قال في كتاب الصلح من المدونة: ومن قطعت يده عمدا فصالح القاطع على مال أخذه ثم نزى فيها فمات، فللاولياء أن يقسموا ويقتلوا ويرد المال ويبطل الصلح، وإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوا في قطع اليد. وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة

    [ 14 ]
    ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه، ولو قال قاطع اليد للاولياء حين نكلوا عن القسامة قد عادت الجناية نفسا فاقتلوني وردوا المال فليس له ذلك، ولو لم يكن صالح وقال لهم ذلك وشاء الاولياء قطع اليد ولا يقسموا فذلك لهم وإن شاؤا قسموا وقتلوه اه‍. وإلى قوله: ولو قال القاطع إلى آخره أشار المصنف بقوله لا له. وقوله: في المدونة: نزى قال أبو الحسن أي تزايد وترامى إلى الهلاك، وأصله من زيادة جريان الدم. وقد أعاد المصنف هذه المسألة في باب الجنايات فقال: فإن عفا عن جرحه أو صالح فمات فلاوليائه القسامة والقتل ويرجع الجاني فيما أخذ منه. وهناك ذكرها ابن الحاجب وتكلم عليها في التوضيح. وهذا إذا وقع الصلح على الجرح دون ما ترامى إليه، وفي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا، والثاني أنه ليس لهم التمسك بالصلح لا في الخطأ ولا في العمد، والثالث الفرق بين العمد فيخيرون فيه والخطأ فلا يخيرون وليس لهم التمسك به. وذكر هذه الاقوال ابن رشد في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الديات، وعزا الثالث لابن القاسم في المدونة، ونقل كلامه المصنف وابن عرفة في الجنايات. قلت: ونص المدونة المتقدم كالمقول لها خلاف ما عزا لها ابن رشد فتأمله. قال: وأما إذا صالح على الجرح وما ترامى إليه فقلل ابن رشد في الرسم المذكور: فيه تفصيل: أما جرح الخطأ الذي دون الثلث كالموضحة فلا خلاف أن الصلح فيها على ما ترامت إليه من موت أو غيره لا يجوز، لانه إن مات كانت الدية على العاقلة فهو لا يدري يوم صالح ما يجب عليه، وإن وقع الصلح على ذلك فسخ متى عثر عليه واتبع فيه مقتضى حكمه لو لم يكن صلح، فإن برأ كانت عليه دية الموضحة، وإن مات كانت الدية على العاقلة بقسامة، وإن بلغ الجرح ثلث الدية ففيه قولان: أحدهما أنه لا يجوز وهو قوله في هذه الرواية وظاهر ما حكى ابن حبيب في

    [ 15 ]
    الواضحة، والثاني أنه جائز. وأما جرح العمد فما فيه القصاص فالمصالحة فيه على وضع الموت جائزة على ظاهر ما في الصلح من المدونة، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة خلاف ما في هذه الرواية والجواز فيها أظهر، لانه إذا كان للمقتول أن يعفو عن دمه قبل موته جاز أن يصالح عنه بما شاء، وأما جراح العمد التي لا قصاص فيها فلا يجوز الصلح فيها على الموت. حكاه ابن حبيب في الواضحة، ولا أعرف فيها نص خلاف. وأما الصلح فيها على الجرح دون الموت فأجازه ابن حبيب فيما له دية مسماة كالمأمومة والمنقلة والجائفة. قال في موضع واحد: إن الصلح فيها جائز على ما ترامى إليه مما دون النفس. وقال في موضع آخر: لا يجوز فيه إلا بعينه لا على ما ترامى إليه من زيادة، ولم يجز الصلح فيما لا دية له مسماة إلا بعد البرء، فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة. اه‍. ملخصا من الرسم المذكور، ونقله في التوضيح في كتاب الجنايات برمته، ونقله أيضا ابن عرفة هناك، ونقله في الشامل هناك أيضا مختصرا. وبهذا يعلم أن قول المصنف: وإن وجب لمريض على رجل جرح عمدا فصالح في مرضه بأرشه أو غيره ثم مات من مرضه جاز ولزم، وهل مطلقا أو إن صالح عليه لا ما يؤل إليه تأويلان ليس معارضا للمسألة الاولى لان المسألة الاولى وقع الصلح فيها على الجرح فقط ثم نزى فيه ومات منه. وهذه المسألة تكلم فيها على أن الصلح إذا وقع من المريض على جرحه عمدا ومات من مرضه لا من الجرح أن الصلح جائز لازم، ولا يقال هذا صلح وقع من المريض فينظر فيه هل فيه محاباة أم لا. ثم نبه على أن هذا الصلح هل هو جائز مطلقا أي سواء صالح هل هو جائز مطلقا أي سواء صالح المريض على الجرح فقط دون ما يؤل إليه، أو صالح عليه وعلى ما يؤل إليه، أو إنما يجوز صلحه إذا كان على الجرح فقط، وأما إن صالح على الجرح وعلى ما يؤل إليه فلا يصح الصلح تأويلان. فعلى هذا التأويل الثاني إن وقع الصلح على الجرح فقطجاز، فإن مات من مرضه لزم الصلح الورثة، وإن ترامى في الجرح. فمات فالحكم ما تقدم في المسألة الاولى، وإن صالح عليه وعلى ما يؤل إليه فالصلح باطل ويعمل فيها بمقتضى الحكم ولو لم يكن صلح. وعلى التأويل الاول يجوز الصلح مطلقا إن وقع الصلح على الجرح فقط. فالحكم فيه ما تقدم إن مات من مرضه لزم الصلح، وإن ترامى فيه فكما تقدم. وإن صالح عليه وعلى ما يؤول إليه لزم الصلح. وإن نزي فيه ومات منه فلا كلام للاولياء. وليس معنى هذا القول أنه إذا صالح على الجرح فقط ثم نزى فيه ومات أن الصلح لازم للورثة إذ لم يقل بذلك أحد فيما علمت والله أعلم. وهذه المسألة أيضا في كتاب الصلح من المدونة والتأويلان ذكرهما عياض في التنبيهات ونص المدونة قبل المسألة التي ذكرناها ثولا. وإذا وجب لمريض على رجل جراحة عمدا فصالح في مرضه على أقل من الدية أو من أرش تلك الجراحة ثم مات من مرضه، فذلك جائز لازم إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وأن يدع مالا اه‍. قال عياض: تأولها الاكثر على أن الصلح على الجراحة فقط لا على الموت. وتأولها ابن العطار على مآل الموت، ونقل ابن عرفة التأويلين في

    [ 16 ]
    كتاب الجنايات بعد كلام ابن رشد المتقدم، وكلام ابن رشد المتقدم يدل على أنه تأول المدونة على ما تأولها ابن العطار والله أعلم. ص: (وإن صالح أحد الوليين فللآخر الدخول معه وسقط القتل) ش: يعني أن من قتل عمدا وله وليان فصالح أحدهما عن حصته بالدية كلها أو أكثر منها، فللولي الآخر أن يدخل معه فيما صالح به بأن يأخذ نصيبه من القاتل على حساب دية العمد ويضمه إلى ما صالح به صاحبه ويقتسمون الجميع لانه هو المصالح به كما ذكر ذلك ابن عبد السلام في باب الديات. وله أن يترك للمصالح ما صالح به ويتبع القاتل بحصته من دية عمد. هذا قول ابن القاسم. وقال غيره: إن من صالح على شئ اختص به وهذا القول الثاني في المدونة أيضا قال فيها: ومن قتل رجلا عمدا له وليان فصالح أحدهما على عرض أو قرض، فللآخر الدخول معه ولا سبيل إلى القتل. وقال غيره: إن صالح بحصته على أكثر من الدية أو على عرض قل أو كثر، فليس له غيره وإن لم يكن لصاحبه على القاتل إلا بحساب ديته اه‍. قال في التوضيح في كتاب الجنايات: قال ابن عبد السلام: ولو عفا البعض عن جميع الدية فللباقين نصيبهم على حساب دية عمد ثم يضمون كلهم ما حصل لهم ويقتسموه كأنهم اجتمعوا على الصلح به اه‍. ص: (وإن صالح مقر بخطأ بمال لزمه وهل مطلقا أو ما دفع تأويلان) ش: اعلم أنه اختلف فيمن أقر بقتل خطأ على أربع روايات ذكرها في التوضيح قال: وحكاها في الجلاب: الاولى منها أنه إن اتهم أن يكون أراد غنى ولد المقتول كالاخ والصديق لم يصدق، وإن كان من الاباعد صدق، وإن كان ثقة مأمونا ولم يخف أن يرشي على ذلك ثم تكون الدية على العاقلة بقسامة، فإن لم يقسموا فلا شئ لهم. الرواية الثانية أنه على المقر في ماله بقسامة. الثالثة لا شئ عليه وعلى عاقلته، الرابعة تفض عليه وعلى عاقلته فما أصابه غرمه وما أصاب العاقلة سقط عنه اه‍ كلام التوضيح: وما ذكره في الرواية الثانية أنها

    [ 17 ]
    على المقر في ماله بقسامة ليس في الجلاب فيها ذكر القسامة والذي فيه إنما هو أن الدية كلها واجبة عليه في ماله. هذا لفظه. ونقله ابن عرفة عنه أيضا بغير لفظ القسامة فتأمله مع نقله عنه في التوضيح والله أعلم إذا علم ذلك فما ذكره المؤلف أنه إذا صالح المقر بالخطأ بماله لزم الصلح هذا على القول بأن المقر بالخطأ لا تلزمه الدية وإنما تكون على العاقلة بقسامة إذا لم يتهم المقر بأنه أراد غنى ورثة المقتول. وهذا القول هو الذي اقتصر عليه في ديات المدونة، واقتصر عليه ابن الحاجب في كتاب الديات. قال في كتاب الصلح من المدونة: ولو أقر الرجل بقتل خطأ ولم تقم بينة فصالح الاولياء على مال قبل أن تلزم الدية العاقلة بقاسمة وظن أن ذلك يلزمه، فالصلح جائز. وقد اختلف عن مالك في الاقرار بالقتل خطأ فقيل على المقر في ماله، وقيل على العاقلة بقسامة في رواية ابن القاسم وأشهب اه‍. واختلف الشيوخ في تأويل المدونة فتأولها

    [ 18 ]
    أبوعمران على أنه يلزمه فيما قبض وفيما لم يقبض لانه التزمه وأوجبه على نفسه. وتأولها ابن محرز على أنه يلزمه ما قبض دون ما لم يقبض ذكرهما أبو الحسن، وإليهما أشار المصنف بقوله: وهل مطلقا أو ما دفع تأويلان. وذكر أبو الحسن قولا آخر أنه لا يلزمه شئ وأنه رجع بما دفع على العاقلة، وهذا القول يظهر أنه مخالف لما تقدم عن المدونة والله أعلم. ص: (إلا الطعام ففيه تردد) ش: ظاهر كلامه أنه إذا صالح أحد الشريكين فللآخر الدخول معه إلا في الطعام ففي دخوله معه تردد وليس هذا مراده، بل مراده أن ينبه على أنه في المدونة استثنى الطعام لما تكلم على هذه المسألة فتردد المتأخرون في وجه استثنائه فقال ابن أبي زمنين: إنه مستثنى من آخر المسألة، وخالفه عبد الحق ويتبين ذلك بجلب كلام المدونة وكلامهما. قال في المدونة: وإذ كان بين رجلين خلطة فمات أحدهما وترك ولدين فادعى أحد الولدين أن لابيه قبل خليطه مالا فأقر له، أو أنكر فصالحه على حظه من ذلك بدنانير أو دراهم أو عرض جاز، ولاخيه أن يدخل معه فيما أخذ، وكل ذكر حق لهما بكتاب أو بغير كتاب إلا أنه من شئ كان بينهما فباعاه في صفقة بمال أو عرض أو بما يكال أو يوزن غير الطعام وإلا دام أو من شئ أفرضاه من عين أو طعام أو غيره مما يكال أو يوزن أو ورث هذا الذكر الحق، فإن ما

    [ 19 ]
    قبض منه أحدهما يدخل فيه الآخر. وكذلك إن كانوا جماعة فإنه يدخل فيه بقية أشراكه إلا أن يشخص المقتضي بعد الاعذار إلى إشراكه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا، فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى لانه لو رفعهم حلى الامام لامرهم بالخروج أو التوكيل، فإن فعلوا وإلا خلى بينه وبين اقتضاء حقه ثم لم يدخل معه أحد منهم فيما اقتضى اه‍. قال ابن أبي زمنين وغيره: إنما استثنى الطعام هنا من قوله: إلا أن يشخص المقتضي بعد الاعذار إلى شركائه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى قال: فإذا كان الذي على الغريم طعاما من بيع لم يجز لاحدهما أن يأذن لصاحبه في الخروج لاقتضاء حقه خاصة لان إذنه في الخروج مقاسمة له والمقاسمة له كبيعه قبل استيفائه، فلذلك قال في صدر المسألة: غير الطعام والادام وقال عبد الحق: يحتمل عندي استنثاؤه إلا دام والطعام إنما هو لما ذكر من بيع أحدهما نصيبه أو وصلحه منه لانه إذا كان الذي لهما طعاما أو إذا ما لم يجز لاحدهما بيع نصيبه أو مصالحته منه لان ذلك بيع الطعام قبل قبضه، وهذا الذي يشبه أن يكون أراده والله أعلم. ص: (أو يكون بكتابين) ش: يعني أن الحق إذا كان بكتابين فلا يجوز أن يدخل أحد الشريكين على الآخر فيما اقتضى، وإن كان ذلك ثمن شئ واحد أصله بينهما وباعه في صفقة واحدة كعبد أو ثوب قال في المدونة: والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى ولم يدخل عليه فيه شركاؤه وإن كان من شئ أصله بينهم أو باعه في صفقة ص: (وفيما ليس لهما وكتب في كتاب قولان) ش: قال ابن يونس: وهذا إذا جمعا سلعتهما في البيع على قول من يجيز ذلك لانهما كالشريكين قبل البيع. ألا ترى أنه لو استحقت سلعة أحدهما وهو وجه الصفقة أن للمشتري نقض البيع كما لو كانا شريكين فيها، فكذلك يكون حكمهما في الاقتضاء حكم الشريكين اه‍. وقال أبو محمد بن أبي زيد: لا توجب الكتابة في كتاب واحد الشركة بينهما ولكل واحد ما اقتضى اه‍. قلت: إذا كانت هذه المسألة بقرعة

    [ 20 ]
    على القول بجواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع فلا حاجة لذكرها لانها بقرعة على غير المشهور والله أعلم. ص: (كعبد أبق) ش: ليس هذا مثالا لما قبله وإنما هو مشبه به في جواز الصلح نظرا إلى القيمة أي وكذلك يجوز لك أن تصالح من غضبك عبدا أو أبق منه على دنانير مؤجلة أو دراهم مؤجلة إذا كانت الدنانير أو الدراهم كالقيمة فأقل جاز. وليس هذا من بيع الآبق والله أعلم.

    [ 21 ]
    باب ص: (شرط الحوالة رضا المحيل والمحال فقط) ش: قال في التوضيح: عياض وغيره: هي مأخوذة من التحول من شئ إلى شئ لان الطالب تخول من طلبه لغريمه إلى غريم غريمه اه‍. وقال ابن عرفة: الحوالة طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بما هو له اه‍. ويخرج من حده من تصدق على رجل أو وهبه شيئا ثم أحاله به على من له عليه مثله فإنها حوالة كما نقله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: فلو أحال البائع على المشتري ولفظ الدين لا يطلق عليهما عرفا والله أعلم. ثم قال عياض: قال الاكثر: لانها مبايعة مستثناة من الدين بالدين والعين بالعين غير يد بيد لانها معروف. وأشار الباجي إلى أنها ليست كالبيع ولا هي من هذا الباب بل من باب النقد. قلت: لفظه ليس من الدين بالدين لبراءة المحيل بنفسه الاحالة فهي من باب النقد. عياض: في حمل الحوالة على الندب أو الاباحة قولا الاكثر وبعضهم. الباجي: هي على الاباحة اه‍. ونحوه في التوضيح: وقوله رضا المحيل أو المحال قال ابن عرفة: صرح ابن الحاجب وابن شاس أنهما من شروطها. ولم يعدهما اللخمي وابن رشد منها وهو أحسن، والاظهر أنهما جزءان لانهما كلما وجدا وجدت اه‍. والظاهر أنهما شرطان كما قال لا جزءان كما قال ابن عرفة، لعدم توقف تعقلها ووجودها عليهما، ولذلك اختلف العلماء في اشتراط

    [ 22 ]
    رضا المحال. وإنما أركانها رضا المحيل والمحال والمحال عليه والمحال به. وقول ابن عرفة كلما وجد أو وجدت ممنوع فقد يوجدان ولا توجد كما إذا فقد شرط من شروطها، قال في المدونة: وإذا أحالك على من ليس قبله دين فليست حوالة وهي حمالة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: نص شيخنا أبو مهدي على أن حدها يدل على أنهما شرطان لا جزءان إذ لم يذكرا في الحد اه‍. وقوله: فقط إشارة إلى أنه لا يشترط رضا المحال عليه على المشهور. قال في التوضيح: وعلى المشهور فيشترط في ذلك السلامة من العداوة. قاله مالك. المازري: وإنما يعرض الاشكال لو استدان رجل من آخر دينا ثم حدثت بينهما عداوة بعد الاستدانة هل يمنع من له الدين من اقتضاء دينه ويرضى عدوه فيؤمر أن يوكل غيره، أو لا يمنع لانها ضرورة تردد ابن القصار: في هذا وإشارته تقتضي الميل إلى أنه لا يمكن من الاقتضاء بنفسه اه‍. وكلام المازري هذا هو في الجواب عن السؤال الثاني من أول الحوالة. وقال البساطي: لو كان المحال عدوا للمحال عليه اشترط رضاه، واختلف على ذلك إذا تجددت العداوة بعد الحوالة هل يجب التوكيل أم لا، كما قالوا فيمن له على شخص دين وتجددت بينهما عداوة اه‍. والله أعلم. فرع: قال في التوضيح: وعلى المشهور، هل يشترط حضور المحال عليه وإقراره كما في بيع الدين وهو قول ابن القاسم، أو لا وهو قول ابن الماجشون ؟ وللموثقين الاندلسيين أيضا القولان. وفي المتيطية عن مالك: إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه، وهل الخلاف مبني على الخلاف الذي بين الشيوخ هل الحوالة مستثناة من بيع الدين بالدين فنسلك بها مسلك البيوع أو هي أصل بنفسه ؟ اه‍ كلام التوضيح وأصله لابن عبد السلام ونقله في الشامل. وقال ابن سلمون: ولا يشترط رضا المحال عليه عند جميع العلماء، وكذلك لا يشترط علمه وحضوره على المشهور. وفي الاستغناء لا تجوز الحوالة على الغائب، وإن وقع ذلك فسخ حتى يحضر وإن كانت له بينة لانه قد تكون للغائب براءة من ذلك. وفي المشتمل: لا تجوز الحوالة إلا على حاضر مقر اه‍. وعلى قول ابن القاسم اقتصر الوقار في مختصره ونصه: ولا يجوز أن يحال أحد بحق له قد حل على غائب لانه لا يدري ما حاله في ماله، ولا يجوز أن يحال به على ميت بعد موته وهو بخلاف الحي الحاضر، لان ذمة الميت قد فاتت وذمة الحي موجودة. وعليه أيضا اقتصر صاحب الا رشاد وصاحب الكافي، وكذلك أيضا المتيطي وابن فتوح وقبله ابن عرفة. وفي الحوالة من المدونة: ولا بأس أن تكتري من رجل عبده أو داره بدين لك حال أو مؤجل على رجل آخر مقر حاضر ملئ وتحيله عليه إن شرعت في السكنى والخدمة. قال أبو الحسن: اشترط هنا حاضرا مقرا، وفي بعض المواضع لم يشترط فيها ذلك، الشيخ: فحيث ذكر يقيد به ما لم يذكر فيه اه‍. وقال المشذالي في حاشيته: قوله مقر حاضر مفهومه لو كان غائبا لم تجز الحوالة. قال في الطرر عن أبي زيد القرطبي: لا تجوز الحوالة على غائب، فإن وقع لم تجز وفسخ لانه قد يكون

    [ 23 ]
    للغائب من ذلك براءة اه‍ ص: (وثبوت دين لازم) ش: احترز باللازم من دين غير لازم. قال البساطي: كالدين المرتب على العبد من غير إذن سيده وما أشبه ذلك اه‍. قلت: ومن ذلك الكتابة فلا تجوز الحوالة على الكتابة إلا إذا كان السيد هو المحال كما إذا أحاله مكاتبه بما حل عليه على مكاتب للمكاتب كما سيأتي والله أعلم. ص: (وصيغتها) ش: انظر هل مراده بصيغتها أنها لا تنعقد إلا بلفظ الحوالة وعليه حمله الشارح في شروحه ولكنه أتى بعده بكلام البيان وهو يدل على خلاف ذلك، أو مراده أنه لا بد في الحوالة من لفظ يدل على ترك المحال دينه من ذمة المحيل، وهذا هو الذي نص عليه في البيان ولم يذكر خلافه وعليه اقتصر ابن عرفة. قال في أول سماع يحيى من كتاب الحوالة والكفالة: قال يحيى: قال ابن القاسم في الرجل يطلب الرجل في حقه فيذهب به إلى غريم له فيقول له خذ حقك من هذا ويأمره بالدفع إليه فيتقاضاه إياه فيقضيه بعض حقه أو لا يقضيه، فيريد أن يرجع على الاول ببقية حقه: إن ذلك له وليس هذا بوجه الحق اللازم لمن أحال بحقه لان له أن يقول لم أحتل عليه بشئ وإنما أردت أن أكفيك التقاضي. وأما وجه الحول اللازم أن يقول أحيلك على هذا بحقك وإبراء ذمتك ملكت مما تطلبني وأن لا أرجع عليه بحقه. ابن رشد: هذا كما قال، لان الحوالة بيع من البيوع ينتقل بها الدين عن ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا يكون ذلك إلا بيقين وهو التصريح بلفظ الحوالة، أو ما ينوب منابه مثل أن يقول له خذ من هذا حقك وأنا برئ من دينك وما أشبه ذلك. وقد قال بعض الشيوخ: اتبع فلانا

    [ 24 ]
    بحقك في حوالة لقوله (ص): ومن اتبع على ملئ فليتبع قال: فلما أتى بلفظ يشبه النص كان حوالة إذا كان ذلك على المحال عليه وليس ذلك بالبين، وإنما البين في ذلك أن يقول له: قد أتبعتك على فلان. وأما إذا قال اتبع فلانا فيتخرج ذلك على قولين، فذكرهما في آخر أول رسم من سماع أشهب من جامع البيوع وهو الامر من الآمر، هل يحمل على الايجاب عليه أم لا ؟ اختلف في ذلك قول مالك اه‍. والقولان اللذان أشار إليهما هما الروايتان في قولي البائع خذ هذا الثوب بكذا هل هو إيجاب للبيع كقوله بعتك أم لا. وقال ابن عرفة: الصيغة ما دل على ترك المحال دينه من ذمة المحيل بمثله في ذمة المحال عليه اه‍. نعم وقع في عبارة الشيخ أبي الحسن الصغير أن من شروط الحوالة أن تكون بلفظ الحوالة وأطلق. ونصه: وللبراءة بالحوالة أربع شروط: أن يكون برضا المحيل والمحال، وأن يكون بلفظ الحوالة، وأن يكون على أصل دين، وأن لا يغر من عدم بعلمه فتأمله والاول أظهر والله أعلم. ويؤيده ما قال ابن القاسم: إذا أتى بلفظ يحتمل الحوالة ويحتمل الوكالة كما إذا قال خذ الذي لك على من الدين الذي علي فلان فقال ابن القاسم: للمحال أن يرجع على المحيل ويقول: إنما طلبت منه نيابة عنك لا على أنها حوالة أبرأتك منها اه‍. والله أعلم. ص: (وحلول المحال به وإن كتابة) ش: يعني أنه يشترط في الحوالة أن يكون الدين المحال به حالا، ووقع في السلم الثاني من المدونة ما يوهم خلافه ونصها: ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي وسأله أن يوفيك أو أحالك به ولم تسأل أنت الاجنبي، فذلك جائز قبل الاجل وبعده. فأورد بعضهم على ابن عبد السلام حين إقرائه هذا المحل أنه خلاف المذهب في اشتراط حلول المحال به فلم يحضره ولا غيره جواب. ثم قال ابن عرفة: ثم بان لي سره بأن شرط الحلول في الحوالة الحقيقية التي هي على أصل دين وهذه مجاز

    [ 25 ]
    لانها على غير أصل دين في حمالة اه‍. من شرح الرسالة لابن ناجي. وقوله: وإن كتابة يريد أنه يشترط الحلول في الدين المحال به ولو كان من كتابة، وهذا مذهب ابن القاسم وخالفه غيره في ذلك. تنبيه: قال ابن جزي في قوانينه: الحوالة على نوعين: إحالة قطع وإحالة إذن، فأما إحالة القطع فلا تجوز في المذهب إلا بثلاثة شروط: الاول أن يكون الدين المحال به قد حل. الثاني أن يكون الدين المحال مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار. الثالث أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم. وأما الاذن فهو كالتوكيل على القبض والاقطاع فيجوز بما حل وبما لم يحل، ولا تبرأ به ذمة المحيل حتى يقبض المحال من المحال عليه ماله ويجوز للمحيل أن يعزل المحال في الاذن عن القبض ولا يعزله في حالة القطع اه‍. ص: (لا عليه) ش: يعني أنه لا يشترط حلول الدين المحال عليه كان كتابة أو غيرها. نعم يشترط في الحوالة على الكتابة أن يكون المحال هو السيد كما إذا أحاله مكاتبه بما حل عليه على مكاتب للمكاتب، ولا يصح أن يحيل السيد أجنبيا له عليه دين على مكاتبه. نص على ذلك التونسي ونقله في التوضيح. وعزا ابن شاس وابن الحاجب لابن القاسم اشتراط حلول الكتابة المحال عليها السيد. قال في التوضيح: واعترض عليهما ما حكياه من شرط حلولها ثم قال: وأما الكتابة المحال عليها فلا يشترط ابن القاسم وغيره فيها الحلول ولا يعرف من قال به. ونص المدونة ابن القاسم: وإن أحالك مكاتبك بالكتابة على مكاتب له وله عليه مقدار ما على الاعلى فلا يجوز ذلك إلا أن تبت أنت عتق الاعلى فيجوز. ابن القاسم: يريد وإن لم تحل كتابة الاعلى فيجوز بشرط تعجيل العتق كما لا تجوز الحمالة بالكتابة إلا على شرط تعجيل العتق. وقال في المدونة: ثم إن عجز الاسفل كان لك رقا ولا ترجع على المكاتب الاعلى بشئ، لان الحوالة كالبيع وقد تمت حريته. وهذا كله بشرط أن يكون المحال السيد لا الاجنبي. التونسي: والمكاتب جائز له أن يحيل سيده بما حل من كتابته على ما لم يحل وإن كان المحال أجنبيا لم تجز. قال: وهو لو حلت لم تجز من الاجنبي لان الحوالة إنما أجيزت في الاجنبي إذا أحيل على مثل الابن، وهاهنا قد يعجز المكاتب المحال عليه فتصير الحوالة على غير جنس الدين كما لو حل على رجل دين لاجنبي فأراد أن يحيله بذلك على مكاتبه ما جاز لذلك، لانه قد يعجز فتكون الحوالة قد خالفت ما رخص فيه منها وهو أن يكون المحال عليه من جنس المحال به. فإن قيل: أنتم تجيزون بيع الكتابة مع إمكان أن يشتري كتابته تارة ورقبته أخرى. قيل: أصل الحوالة رخصة لانها الدين بالدين فلا يتعدى بها ما خلف منها. اه‍. كلام التوضيح برمته ونقله في

    [ 26 ]
    الشامل. و نصه: وحلول محال به ثم قال: لا حلول محال عليه مطلقا وللمكاتب أن يحيل سيده إلا أجنبيا فما حل من كتابته على نجوم مكاتب له وإن لم يحل اه‍. ص: (وفي تحوله على الادنى تردد) ش: يعني أن الاشياخ المتأخرين ترددوا في جواز تحوله من الدين الاعلى إلى أدنى منه، يريد أو من الكثير إلى أقل منه، وأكثر الشيوخ على الجواز، وظاهر كلامه في التوضيح وكلام غيره أن التردد جار في التحول من الكثير إلى القليل، بل كلامهم صريح في ذلك فإن لفظ صاحب المقدمات القائل بالمنع شرطها تماثلهما في الصفة والقدر لا أقل ولا أكثر ولا أدنى ولا أفضل اه‍. قلت: هذا والله أعلم إذا كانت الحوالة مجملة كما إذا كان قال له أحيلك بالمائة التي لك على فلان ابن فلان بعشرة لي عنده. أما إذا قال له أسقط عنه التسعين وأحتال بالعشرة الباقية على فلان، فالظاهر أنه لا يتأتى فيه التردد والله أعلم. قال في التوضيح: وما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب من جواز التحول بالاعلى على الادنى موافق للخمي والمازري وابن شاس، ووجهه أنه أقوى في المعروف اه‍. وقال ابن رشد وعياض: لا يجوز. وأما التحول من الادنى إلى الاعلى فقال في التوضيح: وقع في بعض نسخ ابن الحاجب في قوله: فيجوز بالاعلى على الادنى موضع على عن فتكون بمعنى على ولا يصح أن تكون باقية على معناها لانه يكون المعنى حينئذ فيجوز أخذ الاعلى عن الادنى وذلك لا يجوز، صرح بذلك غير واحد اه‍. وقال ابن عرفة: ويشترط تماثل صنف الدينين وفي شرط تساويهما في الصفة والقدر مطلقا، وجواز كون المحال عليه أقل أو أدنى قول المقدمات شرطها تماثلهما في الصفة والقدر لا أقل ولا أكثر ولا أدنى ولا أفضل. ونص اللخمي مع المازري والمتيطي وقال: شروطها ستة: كونها على دين واتحاد جنس الدينين واتحاد قدرهما وصفتهما أو كون المحال عليه أقل أو أدنى اه‍. كلام ابن عرفة. وفي الجواهر: الشرط الثالث أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا، فإن كان بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة أو الرضا دون المعاوضة لم يجز، وإن لم يفتقر بل كان مما يجبر على قبوله كأداء الجيد عن الردئ فيتحول عن الاعلى إلى الادنى، وعن الاكثر إلى الاقل اه‍. يعني وإن كان التفاوت بين الدينين لا يفتقر إلى المعاوضة ولا إلى الرضا بل كان مما يجبر على قبوله كأداء الجيد عن الردئ، فيجوز فيه اختلاف الدينين لكن بشرط أن يتحول من الاعلى إلى الادنى، أو من الاكثر إلى الاقل فتأمله.

    [ 27 ]
    ومقتضى كلامه أنه إذا أعطى من له أدنى أعلى أنه يجبر على قبوله. وقال في السلم من التوضيح: إن ظاهر المذهب خلافه فاعلمه. فرع: قال في التوضيح إثر الكلام المتقدم: وحيث حكم بالمنع في هذا الفصل فإنما ذلك إذا لم يقع التقابض في الحال، وأما لو قبضه لجاز ففي الموازية: إذا اختلفا في الصنف أو في الجودة والصنف وأحدهما طعام أو عين أو عرض من بيع أو قرض أو أحدهما من بيع والآخر من قرض، فلا تصح الحوالة وإن حلا. محمد: أن يقبضه قبل أن يتفرقا فيجوز إلا في الطعام من بيع فلا يصح أن يقبضه إلا صاحبه قال: وكذلك إن كان أحدهما ذهبا والآخر ورقا فلا يحيله به وإن حلا إلا أن يقبضه مكانه قبل افتراق الثلاثة وطول المجلس اه‍. ص: (لا كشفه عن ذمة المحال عليه) ش: تقدم في كلام التوضيح في القولة الاولى من هذا الباب أنه قال: وفي المتيطية عن مالك إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه اه‍. ويعني بهذا أن الحوالة مخالفة لبيع الدين، وما ذكره المتيطي عن مالك جعله اللخمي وغيره المذهب. ونص اللخمي في كتاب الحوالة من تبصرته فصل: وإجازة مالك الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه إن كان لا يدري أموسر هو أو معسر انتهى. وإليه أشار المؤلف بقوله: لا كشفه عن ذمة المحال عليه والله أعلم. ص: (ويتحول حق المحال على المحال عليه وإن أفلس أو جحد) ش: هذا نحو قوله في المدونة: وإذا أحالك غريمك على من له عليه دين فرضيت باتباعه فلا ترجع عليه بشئ في غيبة المحال عليه أو عدمه. أبو الحسن الصغير: قال اللخمي: إلا أن يشترط أنه يرجع فإن أفلس أو مات فله شرطه وهو قول المغيرة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: نقله الباجي كأنه

    [ 28 ]
    المذهب. وقال ابن رشد: هذا صحيح ولا أعرف فيه خلافا انتهى. وقال في التوضيح: ومسألة الفلس صحيحة في المدونة وغيرها وقيدها المغيرة فقال: إلا أن يشترط المحال الرجوع على المحيل إذا فلس المحال عليه فيكون له شرطه انتهى. وقال ابن عرفة: وحدوث فلس المحال عليه لغو يوجب فيه نقضا. وسمع سحنون المغيرة أن شرط المحال على المحيل إن أفلس المحال عليه رجع على المحيل فله شرطه، ونقله الباجي كأنه المذهب. وقال ابن رشد: هذا صحيح لا أعرف فيه خلافا. قال ابن عرفة: قلت: فيه نظر، لانه شرط مناقض لعقد الحوالة وأصل المذهب في الشرط المناقض للعقد أنه يفسده وفي بعضها يسقط الشرط ويصح العقد كالبيع على أن لا جائحة. انتهى فتأمله. فرع: قال ابن سلمون: فإن أفلس المحال عليه قبل الاحالة ولم يعلم بذلك المحال فله الرجوع على المحيل ولا تلزمه الحوالة، فإن انعقد في الوثيقة بعد معرفة المحال بملاء المحال عليه وموضعه من المال فلا رجوع له بوجه، وإن كان إفلاسه بعد الاحالة فلا كلام للمحال انتهى. ويأتي في القولة التي بعد هذه ما ينبغي أن يقيد به كلامه هذا. فرع: فلو دفع المحال عليه الدين بعد الاحالة للمحيل لم أر فيه نصا، والظاهر أنه إن علم بالحوالة لزمه غرمه للمحتال وإلا لم يلزمه. كما قال في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الصدقات في دفع الدين الموهوب للواهب. ص: (إلا أن يعلم المحيل بإفلاسه فقط) ش: أما إذا علما جميعا بفلسه فلا رجوع له عليه. قاله مالك ونقله الشارح وغيره. فأحرى إذا علم وحده فإن جهلا فلسه جميعا فالذي يفهم من كلام المصنف أنه لا رجوع عليه، وهو الذي يفهم من كلام عبد الحق الذي نقله أبو الحسن والمصنف في التوضيح وغيره، بل هو صريح في ذلك فإنه نقل عن ابن عبد السلام أنه قد اعترض هذه المسألة غير واحد، فإن فلس المحال عليه حين الحوالة إن كان عيبا فله الرجوع على المحيل بفلس المحال عليه أو لم يعلم، وإن لم يكن عيبا فلا رجوع له مطلقا. قال: وأجيب بأنه عيب مع علم المحيل لغروره. وأجاب عبد الحق بأن الحوالة معروف فسهل على المحيل إلا أن يغر انتهى. فينبغي أن يقيد كلام

    [ 29 ]
    ابن سلمون السابق بهذا. ص: (فلو أحال بائع على مشتر بالثمن ثم رد بعيب أو استحق لم ينفسخ واختير خلافه) ش: يعني إذا أحاله بثمن ما باعه ثم رد المبيع بعيب أو استحق فإن الحوالة لا تنفسخ عند ابن القاسم، وتنفسخ عند أشهب واختاره الائمة ابن المواز وغيره: وما ذكره المؤلف غير جار على قاعدته من وجهين، لان مادة الاختيار للخمي، وإذا كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره في نفسه وليس للخمي هنا اختيار، والخلاف منصوص بين ابن القاسم وأشهب والمختار لقول أشهب ابن المواز وغيره. تنبيه: وهذا الخلاف مقيد بما إذا كان البائع باع ما ظن أنه ملكه، وأما لو باع ما يعلم أنه لا يملكه مثل أن يبيع سلعة من رجل ثم يبيعها من ثان ويحيل عليه بالثمن، فلا خلاف أن الحوالة باطلة ويرجع المحال على المحيل. قاله ابن رشد في نوازله ونقله في التوضيح والشامل وابن سلمون ونص كلامه: سئل ابن رشد عمن باع حصة له من كرم وأحال عليه بالثمن فأثبت رجل أنه ابتاع الحصة من المحيل قبل بيعه واستحق الحصة وفسخ البيع. قال: إذا كان الامر على ما وصفت فتنتقض الاحالة ويرجع المحال بدينه الذي أحاله، ولا يكون له قبل المحال عليه شئ لسقوط الثمن بالاستحقاق، وهذه المسألة خارجة عندي من الاختلاف لكون الاستحقاق فيها من جهة المحيل بخلاف إذا لم يكن من جهته. وقد كنت سئلت عن هذه المسألة من مدة فأجبت فيها بمثل هذا الجواب في المعنى وإن خالفه في اللفظ. انتهى كلام ابن رشد والله أعلم.

    [ 30 ]
    باب ص: (الضمان شغل ذمة أخرى بالحق) ش: قال المازري في شرح التلقين: الحمالة في اللغة والكفالة والضمانة والزعامة كل ذلك بمعنى واحد، فتقول العرب: هذا كفيل وحميل وضمين وزعيم. هذه الاسماء هي المشهور. وتقول العرب أيضا قبيل بمعنى ضمين. ومفهوم قوله: شغل ذمة أخرى بال‍ حق ومفهوم قوله بعد بدين لازم أو آيل أنه لا يصح التحمل على السفيه إلا بما يلزمه من ذلك وذلك أن ما أخذ السفيه أو اقترضه أو باع به شيئا من متاعه فلا يخلو إما أن يكون صرفه فيما لا بد منه أو فيما هو مستغنى عنه. فالاول يرجع به على الراجح من القول ويصح ضمانه منه ويرجع عليه الضامن في ماله إذا أدى عنه، وأما ما لا يلزم المحجور فلا يرجع به عليه، فإن ضمنه في إنسان رشيد فهل يلزم الضامن غرم أم لا ؟ لا يخلو الضامن للمحجور والمضمون له المحجور بأن يعلما أنه محجور أو لا يعلما، أو يعلم الضامن دون المضمون له، أو يعلم المضمون له دون الضامن، ففي الوجه الرابع لا يلزم الضامن شئ اتفاقا، وفي الثالث يلزمه ما ضمن اتفاقا، ويختلف في الوجهين الاولين، فعند ابن القاسم يلزمه، وعند ابن الماجشون لا يلزمه. هذا ما حصله ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الحمالة. ولا شك أنه إذا ألزم الضامن غرم ما ضمن لا يرجع به على المحجور. ومن هذا الباب لو ضمن المحجور

    [ 31 ]
    شخصا لشخص آخر ثم ضمن المحجور الضامن شخص آخر رشيد، فضمان المحجور لا يلزمه شئ. وهل يرجع رب الحق على الرشيد الذي ضمن له المحجور أو لا ؟ يأتي التفصيل المتقدم. قلت: وهذا يشكل على قولهم إذا برئ الاصل برئ الضامن إلا أن يقال: لما ضمن ما عليه فكأنه متبرع بذلك الحق. وذكر اللخمي خلافا آخر ونقله عنه القرافي ونص كلام اللخمي في باب الحمالة من تبصرته: الكفالة على المولى عليه على ستة أوجه تلزم في ثلاثة وتسقط في اثنين ويختلف في السادس. فإن كانت الكفالة في أصل العقد والحامل والمتحمل له عالمان بأنه مولى عليه، أو كان الحامل وحده عالما، كانت الحمالة لازمة. وإن كان المتحمل له عالما دون الحميل كانت الحمالة ساقطة، وإن كانا يجهلان والكفالة بعد العقد كانت ساقطة أيضا. وإن كان في أصل العقد وهما لا يعلمان أنه مولى عليه جرت على قولين. فقال عبد الملك في كتاب محمد: الكفالة لازمة، وعلى قول مالك لا يكون للحالم شئ، وعلى هذا يجري الجواب في الحمالة عن الصبي، ينظر هل كانت في أصل العقد أو بعده، وهل يجهلان أن مبايعة الصبي ساقطة أم لا، أو كان أحدهما مما يعلم والآخر يجهل، وإن كانت تلك المداينة والمطالبة مما يلزم السفيه أو الصبي لانها كانت في غير مغابنة وصرفاها فيما لا بد لهما منه من نفقة أو كسوة أو إصلاح متاع أو عقار جريا على حكم البالغ أو الرشيد ؟ انتهى مختصرا. وانظر ما في النوادر وانظر ابن فرحون في شرح ابن الحاجب والله أعلم. ص: (كمكاتب ومأذون أذن سيدهما) ش: لا حاجة إلى تقييد المأذون بأن لا يكون عليه دين يغترق ماله، لان من عليه دين يغترق ماله لا تجوز كفالته وإن كان حرا وهو خارج بقوله من أهل التبرع. ولا يقال تخصيصه المكاتب والمأذون له يقتضي أن غيرهما من المدبر وأم الولد والقن لا يجوز منهم ضمان وإن أذن السيد مع أن ضمانهم بإذن السيد جائز كما صرح به في المدونة، لانا نقول: إنما قصد رفع توهم أنهما لا يحتاجان إلى إذن السيد لان المكاتب أحرز نفسه وماله والمأذون قد أذن له في المعاملة، وسيأتي كلام المدونة الموعود به عند قول المصنف: واتبع ذو الرق بها إن عتق. ص: (وزوجة) ش: فإذا تكلفت المرأة بشئ أكثر من ثلث فلزوجها رد الجميع. قال في

    [ 32 ]
    كتاب الحمالة من المدونة: وإن كاتبت أو تكفلت أو أعتقت أو تصرفت أو وهبت أو صنعت شيئا من المعروف، فإن حمل ذلك ثلثها وهي لا يولى عليها جاز ذلك وإن كره الزوج، وإن جاوز الثلث فللزوج رد الجميع وإجازته لان ذلك ضرر، إلا أن تزيد على الثلث كالدينار وما خف، فهذا يعلم أنها لم ترد فيمضي الثلث مع ما زادت اه‍. ثم قال فيها: وإذا أجاز الزوج كفالة زوجته الرشيدة في أكثر من الثلث جاز، تكفلت عنه أو عن غيره. وإن تكفلت عنه بما يغترق جميع ما لها فلم يرض لم يجز ذلك لا ثلث ولا غيره اه‍. وقال ابن عرفة: وإن تكفلت لزوجها ففيها قال مالك: عطيتها لزوجها جميع مالها جائزة وكذلك كفالتها عند الباجي، يريد بإذنه. وانظر ما نقله عن الباجي فهو ما تقدم في نص المدونة فكيف ينقله عن الباجي. إذا علم ذلك فلا حاجة في كلام المصنف إلى تقييدها بكونها حرة وغير مولى عليها لانها ليست من أهل التبرع ولا إلى التقييد بكونها لم تضمنه فإن ضمنته جاز وإن استغرق ذلك جميع ما بيدها لان ذلك لا يجوز بإذنه. وقد قال في المدونة في الكلام السابق: فإن تكفلت عنه بما يغترق جميع مالها فلم يرض لم يجز ذلك لا ثلث ولا غيره، فعلم أن الزوج وغيره في ذلك سواء. نعم يقيد كلام المصنف بأن لا تكون الزيادة على الثلث يسيرة كالدينار وما خف فيمضي ذلك كله والله أعلم. ص: (واتبع به ذو الرق إن أعتق) ش: هذا إذا لم يرد ذلك السيد، وأما إذا رده فإنه يسقط عنهم وإن لم يصرح بإسقاطه عنهم لان رد السيد رد إبطال لا رد إيقاف. قال في المدونة: ولا يجوز لعبد ولا مكاتب ولا مدبر ولا أم الولد كفالة ولا عتق ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو معروف عند الناس إلا بإذن السيد، فإن فعلوا بغير إذنه لم يجز إن رده السيد، فإن رده لم يلزمهم ذلك وإن أعتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك علم به السيد قبل عتقهم أو لم يعلم. قال أبو الحسن: جعل رد السيد هنا رد إبطال ومثله في العتق، وجعله في كتاب الاعتكاف رد إيقاف. تقدم كلام المدونة في آخر باب الحجر عند قول المصنف: كعتق العبد والله أعلم. ص: (وليس للسيد جبره عليه) ش: قال اللخمي في تبصرته: فصل: وللسيد أن يجبر عبده على الكفالة إذا كان في يده مال بقدرها، واختلف إذا كان فقيرا وليس في يديه مال فقال ابن القاسم: إنه لا يجبر. وقال محمد: يجبر اه‍. وكأنه المذهب ونقله عنه ابن عرفة ثم قال ابن عرفة: ولو أشهد سيده أنه ألزمه الكفالة لم تلزمه إلا برضاه اه‍. ص: (وعن الميت المفلس) ش: قال في المقدمات: الحمالة على مذهب مالك تجوز

    [ 33 ]
    على الحي والميت غير أنه إن تحمل عن الحي فأدى عنه كان له الرجوع عليه بما إدى عنه واتباعه به إن كان معدما، كان تحمل عنه بإذنه أو بغير إذنه. وإن كان تحمل عن ميت لا وفاء له بما تحمل عنه لم يكن له أن يرجع بما أدى عنه في ماله إن طرأ له اه‍. وفي السؤال الثالث من كتاب الحمالة من المازري عن التلقين: لم يختلف أحد من أهل العلم في جواز الحمالة عن الحي موسرا كان أو معسرا ولا في الحمالة عن الميت إذا كان موسرا. وإنما اختلفوا في الحمالة " عن الميت إذا كان معسرا، فالجمهور على جواز الحمالة وانفرد أبو حنيفة والثوري فمنعنا ذلك اه‍. وقال ابن الحاجب: ولو تنازعا في أنه دفعه فالقول قول الدافع إلا لقرينة. قال في التوضيح: يعني إذا أدى رجل عن رجل دينا ثم قام الدافع يطلب المال وقال المدفوع عنه إنما دفعت عني على وجه المعروف احتسابا، فالقول قول الدافع لان الاصل عدم خروج ملكه إلا على الوجه الذي قصده إلا أن تقوم قرينة تدل على كذب الدافع كما إذا دفع عن الميت المفلس ثم طرأ له مال لم يعلم به طلب الرجوع. ابن عبد السلام: إلا أن تقوى القرينة فينبغي أن يحلف الدافع وحينئذ يأخذ ما دفع اه‍. فيؤخذ من كلام ابن عبد السلام أنه لو لم تقم قرينة بالكلية لصدق بلا يمين، وإذا قويت القرينة لا يصدق أصلا. وفي كتاب المديان من المدونة: ومن مات وعليه دين فتبرع رجل فضمن دينه فذلك لازم له ولا رجوع له عن ذلك، فإن كان للميت مال رجع فيه بما أدى إن قال إنما أديت لارجع في ماله، وإن لم يكن له مال والضامن عالم فإنه لا يرجع في مال إن ثاب للميت لانه بمعنى الحسبة. قال أبو الحسن: التبرع ما كان من غير سؤال والنظر ما كان عن سؤال. ص: (والضامن عالم) ش: جعل له الرجوع إلا أن يكون عالما بأنه لا مال له وقال ثاب أي ظهر اه‍. ثم قال فيها: ومن ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له فقد لزمه

    [ 34 ]
    ذلك، قال أبو الحسن: اللخمي: وأرى إذا ضمن القضاء عن ميت وكان ظاهره اليسر ثم تبين أنه معسر أن لا ون عليه شئ لانه يقول إنما تحملت لارجع ولو علمت أنه معسر لم أضمن اه‍. ص: (والضامن) ش: يعني أنه يصح الضمان عن الضامن. قال في المدونة: ومن أخذ من الكفيل كفيلا لزمه ما لزم الكفيل اه‍. قال في الشامل: وإن كانا معا بحال غرمه الاول إن حل وغاب غريمه، فإن أعدم فالثاني، فإن غاب الاول أيضا فأحضر الثاني أحدهما موسرا برئ وإلا غرم، فإن غاب الكل برئ بمال غريمه إن وجد وإلا فالاول ثم الثاني. وإن كانا معا بوجه فغاب غريمه أحضره الاول وإلا غرم، فإن كان عديما برئ الثاني لحضور من ضمنه، وإن غاب الاول أيضا أحضر الثاني أحدهما وإلا غرم، وإن غاب الكل أخذ من غريمه إن كان وإلا فالاول ثم الثاني إن لم يثبت فقد غريمه مع الاول، وإن كان بمال دون الثاني فغاب غريمه غرم الاول دون الثاني إن كان غريمه فقيرا، فإن غاب الاول أيضا فأحضر الثاني غريمه موسرا والاول مطلقا وإلا غرم، وإن غاب الثاني ووجد له مال أخذ منه إلا أن يثبت فقر الاول، وإن كان الاول بوجه دون الثاني فغاب غريمه أحضر الاول وإلا غرم، فإن أعدم غرم الثاني، وإن غاب الاول أيضا برئ الثاني إن أحضر غريمه مطلقا والاول موسرا، فإن مات الغريم برئ الثاني لبراءة الاول وكذا لو مات الاول على الاصح، ولو مات الثاني جرى على حكم حمل المال إذا مات على الاظهر اه‍. وأصله للخمي إلا أن كلام الشامل أخصر والله أعلم. ص: (بدين لازم أو آيل) ش: هذا من أركان الضمان وهو المال المضمون قال ابن عرفة: المضمون ما يتأتى عليه من الضامن أو ما يستلزمه، فدخل الوجه وكل كلي إلا الجزء الحقيقي كالمعين، ولذا جازت

    [ 35 ]
    بعمل المساقاة لانه كلي حسبما دلت عليه أجوبتها مع غيرها وتوقف فيه بعض المفتيين. ص: (وداين فلانا) ش: قال ابن عرفة: ومن تحمل لفلان بماله قبل فلان في لزوم غرمه ما أقر به فلان بإقراره أو وقفه على ثبوته ببينة نقلا اللخمي قولي ابن القاسم في الدمياطية والمدونة قال: والاول أحسن في البزاز وما العادة المداينة فيه بغير بينة، وسمع عيسى رواية ابن القاسم: من قال أنا حميل بما بويع به فلان لم يلزمه شئ مما بويع به إلا ببينة إلا بإقراره. وكذا من شكى إليه مطل رجل فقال ما عليه علي لم يلزمه ما أقر به المطلوب إلا ما ثبت ببينة. ابن رشد: مثله قولها من قال لرجل بايع فلانا فما بايعته به من شئ فأنا ضامن ثمنه، لزمه إذا ثبت ما بايعه به. زاد غيره على وجه التفسير: إنما يلزمه ما يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه. ولا خلاف عندي فيه ولا في مسألة الشكوى. وقال من أدركنا من الشيوخ: هاتان المسألتان خلاف دليل قولها فيمن قال لي على فلان ألفا درهم، فقال رجل أنا بهما كفيل، فأنكر فلان أنه لا شئ على الكفيل إلا ببينة على الحق لان الذي عليه قد جحده، فقوله: لان الذي عليه الحق قد جحده يدل على أنه لو أقر لزمته الحمالة وليس بصحيح، لان المسألتين مفترقتان. من قال لمن قال: لي على فلان ألف دينار أنا بها كفيل لزمت الكفالة بإقرار المطلوب اتفاقا، ولو قال: لي على فلان حق فقال رجل: أنا به كفيل فأنكر فلان أنه لا شئ على الكفيل لم تلزمه الكفالة بما أقر به المطلوب إلا ببينة قولا واحدا، كمن قال لرجل أنما ضامن لما بايعت به فلانا أو لما بويع به. وما نقله عياض في قولها من ادعى على رجل حقا فأنكر أنه تلزمه الحمالة بإقرار المطلوب. وأخذ ذلك من دليل قولها لان الذي عليه الحق يجحده وإن عيسى سمع مثله خلافا لنقل ابن رشد الاتفاق على عدم لزومه، وفي دعوى ابن رشد الفرق دون تبيينه نظر، لان رد مستدل عليه بدعوى عارية عن دليل لغو اه‍. ونص كلام عياض المشار إليه من التنبيهات قوله في الكتاب فيمن ادعى قبل رجل حقا وهو منكر فقال له رجل أنا كفيل لك به إلى غد فإن لم آتك به فأنا ضامن للمال فلم يأت به في غد، فلا يلزم الحميل شئ حتى يثبت الحق ببينة فيكون حميلا. ظاهر هذا اللفظ أن إقرار المنكر بعد لا يلزم الكفيل شيئا إلا بثبات البينة، وهو نص ما في كتاب محمد، ومثله في سماع عيسى، وعلى هذا حمل بعضهم مذهب الكتاب. واستدل أيضا بقوله بعد هذا في مسألة بايع فلانا. وقيل: بإقراره كقيام البينة وهو دليل الكتاب في المسألة الاخرى في قوله: إن الذي عليه الحق قد جحده فدليله أنه لو أقر لزمه ومثله في سماع عيسى أيضا اه‍. وانظر لم لم يعارض ابن عرفة كلام ابن رشد بكلام اللخمي المتقدم،

    [ 36 ]
    والظاهر أيضا أنه معارض للاتفاق الذي ذكره. وهذه المسألة في رسم الثمرة من سماع عيسى من الكفالة ثم قال ابن عرفة: وهو بقية كلام ابن رشد ما نصه: وإنما اختلف فيمن قال: أنا كفيل لفلان بألف دينار له على فلان في غرمها الكفيل، ولو أنكر المطلوب ثالثها إن كان عديما وعلى الاول لا يلزم المطلوب غرم للحميل إلا ببينة لسماع يحيى بن القاسم مع كتاب ابن سحنون ورواية أشهب وما يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات. قلت: وفي الشفعة منها: من تكفل بنفس رجل ولم يذكر ما عليه جاز، فإن غاب المطلوب قيل للطالب: أثبت حقك ببينة وخذه من الكفيل، فإن لم تقم بينة وادعى أن له على المطلوب ألف درهم فله أن يحلف الكفيل على علمه، فإن نكل حلف الطالب واستحق. قلت: انظر هذا مع ما تقدم من قول ابن رشد لم تلزم الكفالة بما أقر به المطلوب إلا ببينة قولا واحدا اه‍. وقال في وثائق الجزيري: لا مطالبة لصاحب الدين للحميل إلا بعد ثبوت الدين، فإن عجز وزعم أن الحميل يعرف الدين حلف الحميل على علمه وبرئ، فإن نكل أو أقر حلف الطالب أن الحميل يعرف حقه قبل الغريم وغرم الحميل فإذا أوجد الحميل الغريم، فإن أقر له غرم، وإلا حلف وبرئ وحبس الحميل ولا رجوع له على الطالب. اه‍. فرع: قال المتيطي في عقد الوثيقة في الضمان ما نصه بعد معرفة الضامن فلان بوجوب العدة للمضمون له قبل المضمون عنه ثم قيل: فإن حضر المضمون عنه ضمنته في عقد الاشهاد، وإن لم يحضر فتكتفي بما ذكرنا في النص من معرفة الضامن بوجوب العدة له قبل الغريم فلان بإقراره بذلك، أو يكون على أصل الحق بينة وحضوره أتم وأكمل اه‍. مسألة: إذا قال شخص عامل فلانا فهو ثقة. ذكر البرزلي في مسائل الحمالة فيه خلافا هل هو ضامن، ويفهم من كلامه أن المشهور عدم الضمان وأنه من باب الغرور بالقول. ص: (وهل يقيد بما يعامل به تأويلان) ش: التقييد بما يعامل به هو قول الغير في المدونة. قال ابن عرفة: قال ابن عبد السلام: للشيوخ كلام في قول الغير هل هو تقييد أو خلاف. قال ابن عرفة: لا أذكر من حمله على الخلاف بل نص ابن رشد والصقلي على أنه وفاق اه‍. وعمدة المصنف في ذكر التأويلين كلام ابن عبد السلام فيما يظهر فإنه نقله عنه في التوضيح وبه فسر

    [ 37 ]
    الشارحان التأويلين، فعلم أن جعله تقييدا هو المذهب والمعروف منه والله أعلم. ص: (بخلاف احلف وأنا ضامن) ش: قال ابن يونس: قال مالك فيمن قال لرجل احلف في أن الذي تدعي قبل أخي حق وأنا ضامن ثم رجع أنه لا ينفعه رجوعه، ويلزم ذلك إذا حلف الطالب، وإن مات كان ذلك في ماله، فإن أقر المطلوب بما غرم الحميل غرم له ذلك، وإن أنكره كان للحميل أن يحلفه، فإن نكل غرم وليس له أن يحلف الحميل إذ لا علم عنده، ولا له أن يحلف الطالب لانه قد حلف أولا وأشبهت يمينه يمين التهم التي بالنكول عنها يغرم. اه‍ من أبي الحسن. ص: (وإن أمكن استيفاؤه من ضامنه) ش: قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة الابدان فيما إذا مرض أحد الشريكين: ولو كانت الاجارة على عمل رجل لم يجز أن يضمن عنه آخر ذلك الفعل إن مرض أو مات أو غاب اه‍. ص: (وإن جهل) ش: من صور هذه المسألة ما قال في المدونة: ومن قال لرجل ما ذاب لك قبل فلان الذي تخاصم فأنا لك به جميل، فاستحق قبله مالا كان هذا الكفيل ضامنا له. قال في التنبيهات: ذاب بالذال المعجمة وألف ساكنة ومعناه ما ثبت لك وصح اه‍. قال في التوضيح إثر هذه المسألة: ولا إشكال إن ثبت الدين ببينة وإن أقر له بعد الضمان فقولان. واستقرأ هما عياض وغيره من المدونة ابن المواز: وأما ما أقربه قبل الحمالة فيلزمه غرمه. وقيد ابن سحنون القول بأنه لا يلزمه بما إذا كان

    [ 38 ]
    الغريم معسرا، وأما الموسر فلا تهمة فيه اه‍. وهذا أيضا مخالف لما نقله ابن رشد من الاتفاق والله أعلم. ومن صور المسألة ما ذكر المصنف في التوضيح وابن عرفة وأصله في العتيبة ونصه: قال في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب المديان: سئل مالك عمن هلك وعليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك إلا ألفا ولم يترك وارثا إلا ابنا له، فيقول ابنه لغرمائه خلود بيني وبين الالف دينار التي ترك أبي وانظروني بدين أبي إلى سنتين وأنا ضامن لكم جميع دين أبي. قال: أرأيت لو كان معه وارث غيره وترك مالا لا يعرف أنه وفاء أم لا قلت له: قد سمعت منك قولا قال: ما هو ؟ قلت له: قلت: إن كان فيه فضل بينه وبين ورثته على كتاب الله فلا بأس به، وإن كان على أنه إن كان له فضل كان له بما ضمن من النقصان فلا خير فيه. قال: نعم. قلت له: إنما أردت منه أنه وارث واحد لم يترك إلا ألفا وعليه ثلاثة آلاف وسأل أن يؤخروه على أنه ضامن. فقال: أما مثل هذا فلا بأس به. وقد بلغني عن ابن هرمز مثل ذلك. ابن رشد: رأيت لابن دحون أنه قال: هذه مسألة ردية. قال: لو أنه تبع فيها ابن هرمز ما أجازها لانه أخذ عينا ليعطي أكثر منها إلى أجل ولانه ضمن ما على أبيه من دين وهو مجهول إذ لو قدم غريم لم يعلم به للزمه دينه، ولو شرط أن لا يؤدي إلا لمن حضر لم يجز لان الغائب إذا قدم أخذ حصته وكله غرر. وقول ابن دحون هذا غير صحيح إذ لا يصح أن يتأول على مالك ولا غيره من أهل العلم أنه أجاز هذه المسألة اتباعا لهرمز وهو يرى أنه كمن أخذ عينا ليعطي أكثر منه وليضمن ما يطرأ على المتوفى من دين وهو مجهول، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم فيما يرى باجتهاده أنه أخطأ. وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من نظر فيها واجتهد أم لا. ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك ابن هرمز في هذه المسألة دون نظر بل رآها جائزة، وحكى إجازة ابن هرمز استظهارا واحتجاجا على من خالفه. والوجه في ذلك أن الالف دينار التي ترك الميت لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونون قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه وكانت مصيبة الالف من الوارث، فلما كانت على ملك الميت جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء ما كان يجوز أن يعمله معهم لو كان حيا. ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا الالف دينار وللغرماء ثلاثة آلاف دينار، لجاز أن يتركوا له الالف ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها ويوفيهم ذلك ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل وإن كانوا قد ملكوا أخذ الالف إذ لم تحصل بعد في ضمانهم فلذلك خير الوارث، فهذا هو الذي ذهب إليه مالك، والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لاحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم لان تجارته فيها إنما هو على ملك الميت. فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة

    [ 39 ]
    من هذا المعنى سنتكلم عليها إن شاء الله تعالى اه‍. وزاد في المسألة هناك أنه إذا طرأ غريم لزم الابن ضمان ماله والله أعلم. فرع: قال ابن يونس في كتاب الحمالة: قد تقدم أن الحمالة بالمال المجهول جائزة فكذلك الحمالة بالمال إلى أجل مجهول جائزة، ويضرب له من الاجل بقدر ما يرى. قال ابن القاسم: ومن قال لرجل إن لم يوفك فلان حقك فهو علي ولم يضرب لذلك أجلا، تلوم له السلطان بقدر ما يرى ثم لزمه المال إلا أن يكون الغريم حاضرا مليا. وإن قال إن لم يوفك فلان حقك حتى يموت فهو علي، فلا شئ على الوكيل حتى يموت الغريم يريد يموت عديما. ابن يونس: ولو مات الحميل قبل موت فلان وجب أن يوقف من ماله قدر الدين، فإن مات المحمول عنه عديما أخذ المحمول له ذلك المال الموقوف اه‍. وفي المدونة: ولا بأس أن يتكفل بمال إلى الغريم إلى خروج العطاء وإن كان مجهولا إن كان في قرض أو في تأخير بثمن بيع صحت عقدته، وإن كان في أصل بيع لم يجز إذا كان العطاء مجهولا اه‍. وفي اللخمي نحو ذلك وكذلك في الذخيرة. وسيقول المؤلف: أو إن مات ص: (كأدائه رفقا) ش: ظاهره أنه يلزم رب الدين قبوله ولا كلام له ولا لمن عليه الدين، وهذا ظاهر إذا دعا أحدهما إلى القضاء، فإن امتنعا معا فالظاهر أنه لا يلزمهما حينئذ. ثم وقفت على كلام ابن عرفة الآتي عند قوله: أو بتسليمه نفسه إن أمره به وهو نص في المسألة ص: (لا عنتا) ش: أي لا إن أدى عنه الدين ليعنته أي ليتعبه فإنه يرد. قال اللخمي: إلا أن يغيب الطالب بالمال فيقيم القاضي وكيلا يقتضي ذلك من الغريم اه‍.، ونقله أبو الحسن في كتاب المديان ص: (كشرائه) ش: أي لقصد الضرر. قال أبو الحسن: أداؤه عنه عنتا وشراؤه لقصد الضرر من أفعال القلوب، وهذا لا يعلم إلا بإقراره قبل

    [ 40 ]
    ذلك أو بقرائن تدل الشهود على أنه قصد ذلك اه‍. ص: (إن لم يثبت حقه ببينة وهل بإقراره تأويلان) ش: الشرط وما بعده راجع للمسألتين قبله. انظر المدونة في الحمالة وكلام أبي الحسن عليها منه ذلك. ص: (كقول المدعى عليه أجلني اليوم فإن لم أوفك غدا فالذي تدعيه علي حق) ش: يحتمل أن يقرأ قوله أوفك بألف بعد الواو وتخفيف الفاء من الموافاة وهي الملاقاة، ويشير إلى ما قاله في مفيد الحكام لابن هشام ومن كتاب الجدار: وسئل عيسى عن الخصمين يشترط أحدهما لصاحبه إن لم يوافه عند القاضي إلى أجل سمياه فدعواه باطلة إن كان مدعيا، أو دعوى صاحبه حق إن كان مدعى عليه فيخلفه، هل يلزمه هذا الشرط ؟ فقال: لا يوجب هذا الشرط حقا لم يجب ولا يسط حقا قد وجب وهذا باطل. وسئل عن الخصمين يتواعدان إلى الموافاة عند السلطان وهو على بعد منهما ليوم يسميانه، فيقول أحدهما لصاحبه: إني أخاف أن تخلفني فأنقلب وأغرمك دابتي، فيقول له صاحبه: إن أخلفتك فعلي كراء الدابة ثم يخلفه. قال: لا أرى ذلك يلزمه اه‍. ويحتمل أن يقرأ: أوفك بإسقاط الالف و تشديد الفاء من الوفاء ونحوه في الحمالة من المدونة ونصها: وإن أنكر مدعى عليه ثم قال للطالب: أجلني اليوم فإن لم أوفك غدا فالذي تدعيه قبلي حق، فهذا مخاطرة ولا شئ عليه. وابن يونس: أي ولا شئ عليه إن لم يأت به إلا أن يقيم عليه بذلك بينة اه‍. وقال أبو الحسن: لانه قد لا يقدر أن يأتي به إذ يتعذر ذلك عليه اه‍.

    [ 41 ]
    فرع: قال أبو الحسن الصغير في كتاب الخيار في شرح قوله: ولو شرط إن لم يأت بالثوب قبل غروب الشمس. الشيخ: وكذلك ما يقوله الناس اليوم من لم يحضر مجلس القاضي وقت كذا فالحق عليه لا يلزمه ما التزمه اه‍. فرع: قال في مفيد الحكام: لو قال لغريمه إن عجلت لي من حقي كذا وكذا فبقيته موضوعة عنك إما الساعة أو إلى أجل سماه فيعجل ذلك في الساعة أو في الاجل إلا الدرهم أو نصفه أو أكثر منه، هل يلزمه الوضيعة ؟ فقال عيسى في كتاب الجدار: ما أرى الوضيعة تلزمه إذا لم يعجل جميع حقه. اه‍ بالمعنى ص: (ورجع بما أدى ولو مقوما) ش: قال ابن رشد في رسم الاقضية من سماع يحيى من كتاب الحمالة: أما إذا اشترى الكفيل العرض الذي تحمل به فلا اختلاف أعرفه في أنه يرجع على المطلوب بالثمن الذي اشتراه به ما لم يحاب البائع فلا رجوع له بالزيادة على القيمة اه‍. ص: (إن ثبت الدفع) ش: والدفع إنما يثبت بالبينة المعاينة للدفع أو بإقرار صاحب الدين، وأما إقرار المطلوب فلا يثبت به الدفع. فيفهم من كلام المؤلف أن الحميل لا يرجع إذا لم يكن الاقرار المضمون عنه بأنه دفع الحق للطالب إذا أنكر الطالب القبض وهو كذلك. قال في التوضيح: ولا أعلم في هذا خلافا إذا ادعى الضمان ذلك بغير حضرة الغريم، وأما بحضرته فلابن القاسم في سماع عيسى أنه لا يرجع لتقصيره في الاشهاد، وله في سماع أبي زيد أنه يرجع لان التقصير كان من الغريم لان الحميل أداها عنه بحضرته. ابن رشد: والاول أظهر لان المال للضامن فهو بالاشهاد على دفعه أحق اه‍. يشير بذلك لقوله في سماع عيسى: ولو أن الحميل دفعها من مال نفسه بحضرة الذي عليه الحق ثم جحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا والذي عليه الحق يشهد أنه دفعها من مال نفسه بحضرة الذي عليه الحق، أخذت من الذي عليه الحق إن كان موسرا ولم يتبعه الحميل بشئ من العشرة التي دفع، وكان مصيبة العشرة الاولى من الحميل. قال ابن رشد: إذا دفع عشرة من ماله إلى الطالب بحضرة المطلوب ولم يشهد فجحد القابض فقال في هذه الرواية: إن مصيبة العشرة دنانير من الحميل الدافع وتؤخذ العشرة من المطلوب، فإن لم تؤخذ منه على قوله وأخذت من الحميل ثانية رجع بها على المطلوب. وقال في سماع أبي زيد: إنه إن أخذت من الحميل ثانية بحضرة المطلوب أيضا رجع عليه بعشرين، فإن لم تؤخذ منه ثانية على قوله وأخذت من المطلوب رجع بالعشرة الاولى على المطلوب. والمعنى فيه ما ذهب إليه في رواية أبي زيد هذه أنه رأى التقصير

    [ 42 ]
    في ترك الاشهاد على الدافع كان من المطلوب إذا أداها الحميل عنه بحضرته إلى الطالب فجحدها لانه أتلفها عليه بتضعيفه الاشهاد، فوجب أن يرجع بها، ورأى في رواية عيسى أن التقصير في ترك الاشهاد على الدافع كان من الحامل، لان المال ماله فهو أحق بالاشهاد لا من المطلوب الحاضر فلم ير له بها عليه رجوعا من أجل أنه هو أتلفها على نفسه وهو الاظهر، لان المال ماله فهو أحق بالاشهاد على دفعه من المطلوب وإن كان حاضرا. فهذا معنى اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة، وذهب بعض الناس إلى أن معنى اختلاف قول ابن القاسم غير هذا ثم ذكره ثم قال: وليس ذلك بصحيح بل معناه ما ذكرناه وبالله التوفيق. تنبيه: هذا إذا دفع الحامل المال من مال نفسه. ولو دفعها الذي عليه الحق للحامل ليدفعها إلى صاحب الدين فدفعها له ثم أنكر، فإن دفعها بحضرة الذي عليه الحق فلا ضمان على الحامل الدافع ويغرمها المطلوب ثانية بعد يمين الطالب الجاحد، فإن كان المطلوب عديما أو غائبا وأخذت من الحميل ثانية لعدم المطلوب أو غيبته فإنه لا يرجع بها على المطلوب لعلمه أنه قد أداها. وإن دفعها الحميل من مال المطلوب بغير حضرة المطلوب فهذا ضامن لرب المال، ويسوغ لرب المال تضمينه وإن علم أنه جحده لانه أتلف عليه إذ لم يشهد على دفعه. اه‍ من رسم أوصى لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الحمالة. ص: (وجاز صلحه عنه بما جاز للغريم) ش: تعقبه البساطي بقوله في كتاب الكفالة: ولا يجوز له صلح الكفيل بعد محل أجل السلم على مثل الكيل والجنس أجود صفة أو أدنى، ويجوز أن يأخذ من الغريم بعد الاجل مثل الكيل أجود صفة أو أردأ، لان ذلك بدل وتبرأ ذمته، وفي الكيل يدخله بيع الطعام قبل قبضه

    [ 43 ]
    لان المطلوب مخير إن شاء أعطاه مثل ما أدى أو ما كان عليه اه‍. قالوا: والقياس أن ذلك جائز كما في الدنانير والدراهم. ص: (أو لم يبعد إثباته) ش: كذا في بعض النسخ وهي الصواب، لان المراد نفي مطالبة الدائن مشروط بأحد شيئين: إما حضور الغريم موسرا أو غيبته إذا لم يبعد على الطالب إثبات حقه بأن يكون له مال يعدى فيه وعلى النظر فيه. فرع: قال في شرح رجز ابن عاصم لولد المصنف ما نصه: ومما يجب أن ينظر فيه هنا ما سبق عقد لازم للكفيل على عقد الكفالة يتعارض طلب صاحبها العقد السابق مع طلب المتحمل له بالحمالة. ومقتضى المذهب إعمال العقد السابق ففي النوادر قال محمد بن عبد الحكم: من تكفل بوجه رجل فغاب الرجل فأخذ به الكفيل فأقام الآخر البينة على الكفيل أنه استأجره قبل ذلك أن يبني له داره أو يسافر معه إلى مكة، فالاجارة أولى ولا يحبس في الدين لان الكفالة في الدين معروف تطوع به. ولو كانت ظئرا استؤجرت لرضاع قبل الكفالة لم

    [ 44 ]
    تحبس في الكفالة أيضا والرضاع أولى، فإذا انقضت أجرة الرضاع طولبت بالحمالة اه‍. وسيأتي في باب الاجارة عن اللخمي شئ من هذا والله أعلم. ص: (والقول له في ملائه) ش: هذا خلاف ما استهره ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب الكفالة فإنه ذكر عن سحنون أن القول للطالب إلا أن يقيم الحميل بينة بملاء الغريم. قال ابن رشد: وهو أظهر لقوله (ص): الزعيم غارم فوجب أن يغرم حتى يثبت ما يسقط ذلك عنه، ولكن المصنف في التوضيح استظهر القول الآخر بأن القول قول الحميل. تنبيه: من كان القول قوله هل بيمين أولا ؟ لم أر من صرح بشئ من ذلك والظاهر أنه لا يمين في ذلك إلا أن يدعي عليه خصمه العلم ويفهم ذلك من كلام المقدمات. قال فيها قال سحنون: القول قول المتحمل له وعلى الكفيل إقامة البينة أن الغريم ملئ، فإن عجز عن ذلك وجب عليه الغرم لانه قال إذا لم يعرف للغريم مال ظاهر فالحميل غارم. (وإن مات) ش: قال في أواخر كتاب الحمالة من المدونة: وإن قال إن لم يوفك حقك حتى يموت الغريم فهو على لا شئ عليه حتى يموت الغريم انتهى. وتقدم ذلك في كلام ابن يونس عند قول المصنف: وإن جهل وأنه قيد ذلك بقوله: يريد يموت عديما ولو مات الحميل قبل موت فلان وجب أن يوقف من ماله بقدر الدين، فإن مات المحمول عنه عديما أخذ المحمول له ذلك المال الموقوف انتهى. وتوقف الشيخ أبو إسحاق في هذا ونصه: انظر لو مات الحميل هاهنا هل يؤخذ الحق من تركته على مذهب ابن القاسم، ويجعل الذي له الدين كالحميل الذي لم يترك شيئا، وورثته يقولون: إنه لم يوجب على نفسه حمالة إلا بعد موت فلان فيجب أن يوقف قدر الدين. قيل: لان من قال أنا حميل بفلان والدين إلى أجل معناه إن حل الاجل وهو عديم فهو إذا مات أيضا قبل

    [ 45 ]
    الاجل لم يأت الوقت الذي تحمل إليه انتهى. ونقله أبو الحسن ص: (وله طلب المستحق بتخليصه قبل أجله) ش: كلامه رحمه الله صريح في طلب الضامن رب الدين بأن يتخلص دينه من الغريم إذا حل الاجل، وها حاجة إلى أن يقال في ظاهره سواء طلب الكفيل بما على الغريم أم لا، لان الكفيل لا يتوجه عليه طلب في حضور الغريم وليسره غير أن قوله بعده: لا بتسليم المال إليه لا يلائمه كل الملاءمة لكن يتفرع عليه قوله بعد: ولزمه تأخير ربه المعسر الخ ويشهد له كلام المدونة في هذه المسألة أعني قوله: ولزمه تأخير ربه، وقول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب للضامن المطالبة بتخليصه عند الطلب يعني أن رب الدين إذا توجه له الطلب على غريمه فسكت عنه أو نص على تأخيره، فللحميل أن لا يرضى بذلك ويقول لرب الدين إما أن تطلب حقك من الغريم معجلا وإلا أسقط عني الحمالة، لان في ترك المطالبة بالدين عند وجوبه ضررا بالحميل لاحتمال أن يكون الغريم موسرا الآن ويعسر فيما يستقبل، وإنما تصح المطالبة إذا كان الغريم موسرا، وأما إن كان معسرا فلا مقال للحميل لان الطلب لم يتوجه على الغريم في هذا الحال انتهى. وأما طلب الضامن المديان بأن يخلص الدين الذي عليه فلم يتعرض له المصنف. وقال في الجواهر: للكفيل إجبار الاصل على تخليصه إذا طلب وليس له ذلك قبل أن يطلب انتهى. ونقله القرافي في ذخيرته والمصنف في التوضيح. قلت: وهو مخالف لقولها في السلم الثاني: وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد

    [ 46 ]
    الاجل ليوصله إلى ربه، وله طلبه حتى يوصله إلى ربه ويبرأ من حمالته انتهى. وهذا هو الملائم لقول المصنف: لا بتسليم المال فلو قال المصنف: وله طلب المديان بتخليصه عند أجله لا بتسليم المال إليه لكان حسنا. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح إثر نقله كلام الجواهر: وهذا إنما يأتي على قول مالك المرجوع إليه انتهى. وكذا في النسخ التي رأيت المرجوع إليه، والصواب المرجوع عنه لان المعنى إنما يستقيم كذلك إذ فرض المسألة أن للكفيل أن يطلب الاصل الذي هو الغريم بالدين إذا طولب به، وليس له ذلك قبل الطلب أما كون فرض المسألة كذلك فلان لفظ الاصل إنما يطلق في الاغلب على الغريم، وأما كون الصواب أن يكون المرجوع عنه فلان فرض المسألة أن الغريم معسر، وإذا كان موسرا فلا يطالب الحميل إلا على القول المرجوع عنه لا على القول المرجوع إليه فتأمله، فلعل صاحب التوضيح فهم الاصل على أصل الدين وهو بعيد من لفظه. الثاني: حمل المصنف في التوضيح أولا كلام ابن الحاجب المتقدم وعلى المسألة الثانية وهي طلب الضامن المديان بأن يخلص الدين الذي عليه ثم قال: وقال ابن عبد السلام وذكر كلامه المتقدم برمته وقال إثره: وجمل كلام المصنف على هذا أحسن لانه المتبادر من الفهم انتهى. والله أعلم. الثالث: حمل الشارح كلام صاحب الجواهر على الفرع الذي ذكره المؤلف وهو طلب الضامن رب الدين أن يخلص دينه وليس كذلك، بل كلامه إنما هو في طلب الضامن المدين كما تقدم والله أعلم. ص: (وضمنه إن اقتضاه لا أرسل به) ش: تصوره من الشارح واضح ولرب الدين أن يطلب أيهما شاء كما صرح بذلك الرجراجي وغيره، ويفهم من كلامه في التوضيح وقد أشبع الكلام عليها الرجراجي في شرحه على مشكلات المدونة. وهذه المسألة في السلم الثاني من المدونة فيمن أسلم في طعام وأخذ كفيلا. ونص كلام الرجراجي لا يخلو قبض الكفيل الطعام من الذي عليه السلام من خمسة أوجه. الاول: أن يقبضه على معنى الرسالة، فلا يخلو الطعام من أن يكون قائما بيده أو فائتا. فإن كان قائما فالطالب مخير إن شاء اتبع الكفيل وإن شاء اتبع الاصل، ولا خلاف في ذلك، وإن فات الطعام فلا يخلو من أن يكون بتلف أو إتلاف فإن كان بتلف فهو مصدق ولا ضمان

    [ 47 ]
    عليه ويبقى عليه الطلب بطريق الكفالة خاصة ثم يجري على الخلاف المعهود في الحمالة، هل المطالبة على التبدئة أو التخيير ؟ وإن كان بإتلاف من الكفيل فهو ضامن للاصل مثل ذلك الطعام، فإن غرم الكفيل الطعام للطالب فلا تراجع بينه وبين الاصل، فإن غرمه للاصل فإنه يرجع على الكفيل بمثل طعامه وأخذه ثمنه إن باعه، ولا خلاف في هذا الوجه، وإن غرم الكفيل الطعام للطالب بعد أن باع ما أخذ من الاصل غرمه للاصل فأراد الاصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك. الثاني: أن يقبضه على معنى الوكالة فإذا قبضه برئت ذمة الوكيل قولا واحدا، فإن الطالب يجوز له بيعه بقبض الكفيل، فإن تعدى عليه الكفيل بعد صحة قبضه فالعداء على الطالب وقع بلا إشكال. الثالث: أن يقبضه على معنى الاقتضاء إما بحكم حاكم على وجه يصح القضاء بذلك كما إذا غاب الطالب وحل الاجل وخاف الكفيل إعدام الاصل وإحداث الفلس ليؤول ما وقع في المدونة من قوله: قبضه بحكم قاض أو يكون قبضه برضا الذي عليه الطعام بغير حكم فالكفيل في هذا الوجه ضامن بوضع اليد على الطعام وذمته به أو بمثله عامرة حتى يوصله إلى الطالب، وللطالب مطالبة من شاء منهما اتفاقا مع قيام الطعام بيد الكفيل وفواته. فإن غرم الاصل كان له الرجوع على الكفيل بطعامه أو مثله إن استهلكه أو بثمنه إن باعه إن شاء أخذ الثمن، ولا يجوز للطالب أن يبيعه بذلك القبض إن كان قائما، ولا أخذ ثمنه إن باعه، لان ذلك بيع الطعام قبل قبضه. فإن أخذ منه الطالب مثل طعامه بعد أن باع ما اقتضاه كان الثمن سائغا له، فإن أراد الاصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك. الرابع: إذا اختلفا في صفة القبض الوكيل يدعي أنه قبضه على معنى الرسالة، والاصل يقول بل على معنى الاقتضاء، فقد اختلف المذهب فيه على معنى قولين قائمين من المدونة: أحدهما أن القول قول الاصل وهو قول مالك في كتاب القراض حيث قال: إذا قال القابض قبضته على معنى الوديعة، وقال رب المال بل قراضا، إن القول قول رب المال. والثاني أن القول قول القابض وهو قول أشهب وغيره وهو ظاهر المدونة في غير ما موضع، وسبب الخلاف تعارض أصلين: أحدهما أنهما قد اتفقا على أن المال المقبوض للدافع ولا شئ فيه للقابض، وقد أقر بقبضه ثم ادعى ما يسق الضمان عنه فكان الاصل أن لا يقبل منه إلا بدليل، والاصول موضوعة على أن وضع اليد في مال الغير بغير شبهة توجب الضمان، وبهذا القول قلنا القول قول الاصل. والاصل الثاني أن الاصل في الحضر والاباحة إذا اجتمعا أن يغلب حكم الحضر والكفيل هاهنا قد ادعى قبضا صحيحا والاصل قد ادعى قبضا فاسدا، فوجب أن يكون القول قول القابض الذي هو الكفيل لان قوله قد أشبه وقد ادعى أمرا مباحا، والاصل قد ادعى

    [ 48 ]
    الفساد لان الكفيل لا يجوز له قبض الطعام من المكفول وإنما عليه مطالبته ليدفع إلى الطالب لكي يبرأ من الكفالة، فإذا ادعى عليه أنه قبضه على الاقتضاء فقد ادعى أمرا محظورا فيوجب أن لا يصدق. الخامس: إذا أبهم الامر وعرا القبض عن القرائن وقد مات الكفيل أو الاصل هل يحمل على الرسالة حيث يثبت القبض على الاقتضاء، أو يحمل على الاقتضاء حتى تثبت الرسالة ؟ فهذا مما يتخرج به قولان انتهى. ولم يذكر في الوجه الاول إذا قبضه على معنى الرسالة وادعى التلف أنه يحلف. وقال ابن رشد في شرح أول مسألة من سماع عيسى من كتاب الكفالة: وإن قبض على معنى الرسالة فالضمان من الدافع والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف، ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل اه‍. وقال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس: قال ابن المواز: والقول قول الحميل في ضياعه بغير يمين لانه مؤتمن وإن اتهم أحلف اه‍ فتأمله. وقال ابن رشد في الوجه الثاني: إذا قبضه على معنى الوكالة فهو مصدق على ما يدعي من التلف بعد يمينه إن اتهم كالمودع، وإذا صدق فيما يدعي من التلف وكانت المصيبة من الطالب برئ المطلوب وسقطت الكفالة. وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع، وأما إذا لم تكن له بينة فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف، ولا اختلاف في هذا إلا أن يدخله الاختلاف بالمعنى من مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالات من المدونة، وإنما اختلف إذا غرم الدافع هل له أن يرجع على القابض أم لا ؟ فقال مطرف: ويرجع لانه فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى تلف. وقال: لا يرجع حتى يتبين منه تفريط. وهذا إذا قامت بينة على الوكالة أو أقر بها، وأما إن ادعاها الوكيل فقيل القول قوله، وقيل القول قول الموكل اه‍. وقوله في الوجه الثالث: إذا قبضه على معنى الاقتضاء إن الكفيل ضامن سواء قبضه بحكم حاكم أو برضا من عليه الحق في كلام الشيخ أبي الحسن خلاف لانه قال قوله بقضاء سلطان. قال عبد الحق: قال ابن وضاح: إن سحنون أنكر هذا اللفظ وقال: ليس للسلطان هنا حكم قال: ورأيت فيما أملاه بعض مشايخنا أنه قال: معناه أن يكون الذي له الحق غاب غيبة بعيدة فحل الاجل فقام الكفيل على الذي عليه الحق وقال: أخشى أن تعدم إلى أن يقوم الذي عليه فأغرم أنا، فإن السلطان ينظر، فإن كان الذي عليه الحق مليا فلا يكون للحميل عليه شئ، وإن كان يخاف عليه العدم أو كان ملدا قضى عليه السلطان بالحق وأبرأه منه وجعل على يد رجل عدل أو على يد الكفيل إن كان ثقة. ونقله ابن محرز عن فضل بن مسلمة. قال الشيخ: إلا أن في هذا إحالة للمسألة على وجهها إذ لا ضمان في هذا الفرض الذي ذكر، ومسألة الكتاب فيها الضمان فتأمل هذا. اه‍. كلام الشيخ أبي الحسن الصغير، وما قاله أبو الحسن صرح به في الذخيرة في الحكم السادس والعشرين من الباب الثاني من كتاب الكفالة: وإذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله والطالب غائب وقال أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه قبل قدوم الطالب أو لا يخاف إلا

    [ 49 ]
    أنه كثير اللدد والمطل مكن من ذلك، فإن كان الحميل أمينا أقر عنده وإلا أودع لبراءة الحميل والغريم وضمان المال من الغائب لانه قبض له بالحاكم، وإن كان المطلوب مليا وفيها فلا يؤخذ منه شئ لعدم الضرورة اه‍. تنبيهات: الاول: قال في المدونة في الوجه الثالث: لو قضاه الغريم متبرعا أو باقتضاء من الكفيل قال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس: معنى تبرعا أنه اقتضاه فدفع ذلك إليه تبرعا ولم يكفله أن يقضي عليه به سلطان، وأما لو لم يقبضه فتبرع للغريم بدفع ذلك إليه، فظاهر هذا أنه على الرسالة. عبد الحق: إن قيل إذا قبضه الكفيل بأي شئ يعلم قبضه على الاقتضاء أو على الرسالة وهو قد قال: سواء تبرع بدفعه أو اقتضى عند الكفيل، فعلى أي وجه يحمل قبضه إياه إذا وقع محملا ؟ فالجواب أنه إذا لم تكن له قرينة تدل على الاقتضاء أو الرسالة فهاهنا إن كان المطلوب قد تبرع بدفعه للكفيل حمل على الرسالة، وإن كان الكفيل اقتضاه فيه فهو على الاقتضاء فيضمنه، وإن قال له خذ على أني برئ منه أو نحو هذا من الكلام فهذه قرينة تدل على الاقتضاء فيضمنه قابضه، وإن لم يسأله الكفيل بدا فيه اه‍. وقال الشيخ أبو إسحاق التونسي بعد أن ذكر كلام المدونة: وجه الاقتضاء أن يكون هذا المقتضي له ليبرأ من حمالته وتبرأ ذمة الذي عليه الطعام، فكأنه يقول أنا أجير المطلوب دونك فهذا كله أبرأ ذمة الذي عليه الطعام وصار هو المطلوب اه‍. الثاني: قد تقدم في كلام الرجراجي أنه لا يجوز للكفيل أن يأخذ الحق على وجه الاقتضاء من الغريم فاعلمه. الثالث: قد تقدمت الاشارة إلى بعض عبارة التهذيب فينبغي أن يذكرها بكمالها هنا، وإذا قبض الكفيل الطعام من الغريم بعد الاجل ليؤديه إليك فتلف عنده، فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه، قامت بهلاكه بينة أو لا، كان مما يغاب عليه أولا، قضاه ذلك الغريم متبرعا أو باقتضاه من الكفيل، بقضاء سلطان أو غيره، وأما إن أقبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن اه‍. قال أبو الحسن: إنما ضمنه إذا أخذه على وجه الاقتضاء لانه تعدى فهو ضامن عداء فلذلك ضمنه ولو قامت البينة. ص: (ولزمه تأخير ربه المعسر) ش: الهاء من لزمه عائدة على الضامن في موضع المفعول وتأخير هو فاعل لزمه وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو ربه، وهاء ربه عائدة على الدين والمعسر صفة لمحذوف أي المدين المعسر وهو مفعول المصدر.

    [ 50 ]
    وإنما نبه على هذا لان الكفيل يقول للغريم لما أن حل الاجل ووجدت الغريم موسرا كان حقك أن تطلبني، فتأخيرك للغريم إسقاط للكفالة عني، فأفاد المصنف أن التأخير لازم له ولا تسقط عنه الكفالة، وهذه المسألة في آخر سماع أشهب من كتاب الحمالة والله أعلم. ص: (أو الموسر إن سكت) ش: قال في المدونة: وإن سكت الحميل وقد علم بالتأخير لزمته الحمالة اه‍. قال أبو الحسن في التقاييد: سكت حتى حل الاجل. وانظر ما في التقاييد في كلام ابن رشد: والمقصود أن يسكت قدر ما يرى أن سكوته رضا. قال في العيوب في الجارية التي دلس البائع بحملها: قال أشهب: إلا أن يبادر بالطلب ولم يفرط عندما ظهر بها الطلق اه‍. فتأمله وانظر إذا ادعى عليه أنه علم وسكت هل يحلفه أم لا. ص: (أو لم يعلم إن حلف أنه لم يؤخره مسقطا) ش: قال اللخمي في تبصرته: وإن لم يعلم الحميل بالتأخير حتى حل الاجل، حلف الطالب أنه لم يؤخره ليسقط الكفالة ويكون على حقه. وهذا قول ابن القاسم. ومحمل قوله إن ذمة الغريم يوم حل الاجل الاول والثاني سواء، ولو كان موسرا يوم حل الاجل ثم أعسر، الآن لم يكن له على الحميل شئ لانه فرط في حقه حتى تلف مال غريمه ولم يعلم الكفيل فيعد راضيا اه‍. فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة كما قاله ابن رشد وابن يونس وغيرهما ونقله في التوضيح والشارح. وانظر لو أشهد رب الدين وقت التأخير أنه أخر المدين غير مسقط للحمالة، هل لا يحتاج إلى حلفه ؟ والظاهر أنه لا يحتاج إلى حلفه مع قيام البينة والله أعلم. ص: (وإن أنكر حلف أنه لم يسقط ولزمه) ش: أي وإن أنكر الضامن التأخير حين علم به حلف الطالب أنه لم يسقط الحمالة ولزم الضمان الضامن وسقط التأخير ويبقى الحق حالا، فإن نكل لزمه التأخير وسقطت الكفالة. هذا مذهب ابن القاسم في المدونة: الكفالة ساقطة بكل حال أي سواء حلف أو نكل. وقيل: إنها لازمة بكل حال. هكذا نقل ابن رشد في آخر سماع

    [ 51 ]
    أشهب من كتاب الحمالة، ونقله عنه ابن عرفة ونصه: وإن أخره مليا فأنكر حميله ففي سقوط حمالته وبقائها ثالثها إن أسقط الحمالة صح تأخيره وإلا حلف ما أخر إلا على بقائها وسقط تأخيره، وإن نكل لزمه وسقطت الكفالة للغير فيها وغيره وابن القاسم فيها اه‍. غير أنه وقع في النسخة التي رأيت من البيان إثر قوله: وإن نكل لزمه التأخير والكفالة ساقطة بكل حال. وكذا نقله عنه أبو الحسن وصاحب الذخيرة. وقوله: بكل حال مشكل لاقتضائه بسقوط الكفالة مع حلفه أيضا، ولا فرق حينئذ بينه وبين القول الثاني. ونقل في التوضيح كلام ابن رشد بلفظ والكفالة ثابتة بكل حال إثر قوله وإن نكل حلف واستشكله بأنه مثل القول الثالث. وكذا نقله الشارح في غالب نسخه وهو مشكل فإنه يقتضي أن مذهب ابن القاسم لزوم الكفالة إذا نكل وليس كذلك، ونص كلام التوضيح المذكور الذي نقله عن البيان الاول أن يعلم فينكر فلا يلزمه تأخير الطالب، ويقال له إما أن تسقط الكفالة وإلا فاحلف أنك ما أخذته إلا على أن يبقى الكفيل على كفالته، فإن حلف لم يلزمه التأخير، وإن نكل لزمه التأخير والكفالة ثابتة على كل حال. هذا مذهب ابن القاسم في المدونة. وإن سكت فيها عن اليمين. وقال غيره في المدونة: الكفالة ساقطة بكل حال. وقيل: إنها لازمة بكل حال. انظر هذا فإنه كالقول الاول اه‍. هكذا في نسختين من التوضيح وكذا نقله البساطي أعني القول الاول ثابتة بكل حال، والثاني ساقطة، والثالث لازمة. واستشكله البساطي من وجه آخر ونص كلامه بعد ذكره قول ابن القاسم الاول أنها ثابتة بكل حال. قلت: فيه شئ لان يمينه كانت على أنه إنما قصد بالتأخير الكفالة، فإذا نكل كان القياس أن تسقط الكفالة وهو مذهب غير ابن القاسم في المدونة اه‍. واستشكاله هذا يرتفع بما تقدم عن البيان من أن الموجود فيه ساقطة بكل حال لا ثابتة، ويبقى الاشكال من الوجه الذي ذكره في التوضيح لكن ما في البيان يبقى القول الثاني كأنه الاول لا كما استشكله المصنف من كون القول الثالث كالاول، ولكن يزيل الاشكال من واحدة بزوال قوله في كل حال من القول الاول على ما في البيان. والظاهر أنه في النسخ الصحيحة كذلك لان ابن عرفة كذلك نقله كما تقدم، وكان القول الاول الذي لابن القاسم يفرق بين أن يحلف فلا تسقط الكفالة ويسقط التأخير، وبين أن ينكل فتسقط الكفالة ولا يسقط التأخير، والقول الذي للغير يقول

    [ 52 ]
    الكفالة ساقطة في كلا الوجهين بمجرد التأخير، والثالث يقول ثابتة في كلا الوجهين والله أعلم. ص: (وبطل إن فسد متحمل به) ش: هذا أحد الاقوال الثلاثة التي ذكرها في التوضيح وهي في البيان، قال في البيان في رسم العرية من سماع عيسى من الكفالة بعد أن ذكر الخلاف: وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا كانت الكفالة في أصل البيع الفاسد، وأما إن كانت بعد عقد البيع الفاسد فهي ساقطة قولا واحدا. هذا تحصيل القول في حكم الكفالة في اللزوم إذا وقع الفساد بين المتبايعين، وأما إن وقع بين الكفيل والمطلوب بغير علم الطالب لزمته الكفالة اه‍. وهذا الاخير مما يدخل تحت قول المصنف: أو فسد بكجعل. فروع: الاول: قال في الذخيرة في باب الحجر فرع في النوادر قال عبد الملك: إذا بعت مولى وأخذت حميلا بالثمن فرد ذلك السلطان وأسقطه عن المولى، فإن جهلت أنت والحميل حاله لزمت الحمالة لانه أدخلك فيما لو شئت كشفته، وإن دخلت في ذلك بعلم سقطت الحمالة علم الحميل أم لا لبطلان أصلها. الثاني: قال في رسم باع شاة من السماع المذكور: وسئل عن النصراني سلف نصرانيا خمرا أو خنزيرا وتحمل له نصراني بالخمر والخنزير فأسلم الحميل وأعدم الذي عليه الحق قال: فليس على الحميل الذي أسلم شئ ويتبع النصراني غريمه النصراني. قال ابن القاسم: وكل حمالة كان أصل شرائها حراما فليس على المتحمل مما تحمل شئ اه‍. الثالث: قال ابن عرفة: قبل تراجع الحملاء ابن حارث: لا تجوز حمالة المكاتب اتفاقا ولو تحمل مع حر بحق على أن كل واحد حميل بالآخر ففي لزوم كل الحق أو شرط قولا ابن عبد الحكم ونقله اه‍. الرابع: قال في رسم أسلم من السماع المذكور في رجل أسلف رجلا دينارا إلى أجل وأخذ به حميلا، فلما حل الاجل جعلا الدينار في عشرة أرادب إلى الغلة فلقي الحميل فقال قد برئت ذمتك من الدينار الذي تحملت لي به، وأشهد بالبراءة. ثم رجع فقال هذا مكروه

    [ 53 ]
    ولم أعلم وتعلق بالحميل. قال: ليس له أن يرجع على الحميل وقد برئ في الحمالة، ولا ينفعه ما جهل من ذلك ولا ينفعه الحرام الذي دخل فيه، ويرجع على صاحبه والحميل برئ. قال ابن رشد: إنما بطلت الحمالة بالدينار من أجل أنه أبرأ منها بما ظن من جواز فسخ الدينار في الشعير إلى أجل فلم يعذره بالجهالة، وهو أصل مختلف فيه فيأتي على القول أنه يعذر بها إذا كان ممن يمكن أن يجهل ذلك بعد أن يحلف ما أبرأه إلا وهو يظن أن الدينار قد بطل. وهذا نحو ما يحكي ابن حبيب عن أصبغ في الحميل بما على الغريم إذا أخذ له الحق من الغريم عبدا بالحق ثم استحق ذلك العبد من يده فرجع إلى الغريم بما كان عليه، فلا سبيل إلى الحميل وقد برئ الحميل حين أخذ من الغريم بالحق ما أخذ وبالله التوفيق انتهى. ص: (أو فسدت بكجعل من غير ربه لمدينه) ش: هذا هو الموجود في غالب النسخ ومعناها فاسد كما يفهم من كلام ابن غازي، فالنسخة الصحيحة هي النسخة الاولى التي ذكرها ابن غازي ونص كلامه

    [ 54 ]
    كذا في كثير من المسخ غير بالغين المعجمة والياء والراء وكمدينه بالكاف التي للتشبيه فهو كقوله في توضيحه: لا يجوز للضامن أن يأخذ جعلا سواء كان من رب الدين أو من المدين أو غيرهما. وفي بعض: وإن من عند ربه لمدينه بلفظ عند بالعين المهملة والنون والدال ولمدينه باللام، وصوابه على هذا أن يقول: لا من عند ربه لمدينه بلا النافية حتى يكون موافقا لقوله في التوضيح اختلف إذا كان رب الدين أعطى المديان شيئا على أن يعطى حميلا فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم. وعن أشهب في العتبية أنه لا يصح وعنه أيضا أنه كرهه. وقال اللخمي وغيره: الجواز أبين انتهى. وهاتان النسختان اللتان ذكرهما غير مشهورتين، والنسخة المشهورة من غير ربه لمدينه كما ذكرته أولا بإسقاط وإن وغير بالغين المعجمة والياء والراء ولمدينه بلام الجر. وهذه النسخة معناها فاسد لانها تدل على أن الضمان يفسد إذا دفع غير رب الدين للمديان جعلا على أن يعطي لرب الدين حميلا وهذا لا يصح، لانه تقدم في كلام ابن غازي أن الجعل لو كان من رب الدين للمديان لصح، فأحرى إذا كان من غيره، ولو كان بدل دللام كاف لصحت لانها ترجع إلى الاولى غير أنه يدعي فيها أنه إذا كان

    [ 55 ]
    الجعل من عند ربه أحرويا فأولى النسخ، وأحسنها النسخة الاولى التي ذكرها ابن غازي ويدخل في قوله: بكجعل جميع الصور التي لا يجوز فيها الحمالة لدخول الفساد بين الكفيل والطالب أو المطلوب كما تقدم في كلام ابن رشد تنبيه: ظاهر كلام المؤلف أن الضمان سقط في جميع الوجوه. ونقل ابن عرفة عن اللخمي خلافه وفصل فيه ونصه: والضمان بجعل لا يجوز. ابن القطان عن صاحب الانباء إجماعا اللخمي: من جعل لرجل دينارا ليتحمل له بثمن ما باعه لاجل بطلت الحمالة والجعل لا البيع، لان المشتري لا مدخل له فيما فعلاه. ولو كان الجعل من المشتري ولا علم للبائع صح

    [ 56 ]
    البيع ولزمت الحمالة لانه غره حتى أخرج سلعته، ولو علم البائع ففي سقوط الحمالة قولا ابن القاسم ومحمد قائلا: إن لم يكن للبائع في ذلك سبب. اللخمي: وعلى الاول يخير البائع في إمضاء البيع دون حمالة وفسخه ولو جهلا حرمته فلاصبغ: لا شئ على الحميل. وعلى قول محمد تلزم الحمالة إن لم يكن للبائع في ذلك سبب. ويختلف على هذا إن باع سلعته من

    [ 57 ]
    رجل على أن يزن عنه فلان ثمنها بجعل من المشتري فلا يجوز على قول ابن القاسم أن يطلب فلانا بالثمن إن علم ذلك لانه سلف بزيادة، وله أخذه سلعته إن عجز المشتري عن ثمنها. وعلى قول محمد يمضي ويلزم فلانا يريد ويسقط الجعل. قال: والاول أحسن. ولمحمد عن مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم: من قال لرجل ضع من دينك عن فلان وأتحمل لك بباقيه لاجل آخر، لا بأس به لان له أخذه بحقه حالا. روى أشهب عنه جوازه وكراهته. وقال مالك في العتبية: لا يصلح كمن قال: أعطني عشرة دراهم وأتحمل لك فالحمالة على هذا حرام والاول أبين. ولابن القاسم في العتبية، لا بأس أن تقول: خذ هذه العشرة دنانير وأعطني بما عليك حميلا ورهنا، وعلى أحد أقوال مالك لا يجوز. ولو قال: أتحمل لك على أن تعطي فلانا غير الغريم دينارا لم يجز. ولمحمد عن أشهب: من له على رجل عشرة دنانير لاجل فأسقط عنه قبل الاجل دينارين على أن يعطيه بالباقي رهنا أو حميلا فلا بأس به. وقال ابن القاسم: لا يجوز. اللخمي: لان أخذه الحميل خوف عسر الغريم عند الاجل فيجب تأخيره، فأخذه الحميل بما وضع مثل ضع وتعجل انتهى. وسيأتي لفظ اللخمي. وفي شرح أول مسألة من كتاب الكفالة من البيان خلافه أيضا ونصه: إذا تحمل الرجل بجعل يأخذه من الطالب أو من المطلوب بعلم الطالب، سقطت الحمالة ورد الجعل. وأما إن تحمل بجعل يأخذه من المطلوب بغير علم الطالب، فالجعل ساقط والحمالة لازمة. قاله مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأصبغ في الواضحة وابن القاسم فيها. وفي كتاب ابن المواز: وكذا إذا التزم العهدة عن البائع للمشتري بجعل يأخذه من المشتري أو من البائع بعلم المشتري، فالجعل مردود والالتزام ساقط انتهى. وانظر قوله: فالجعل لازم والظاهر أنه سقط منه لفظة غير فقد قال اللخمي: إذا كان الجعل تصل منفعته للحميل رد الجعل قولا واحدا، ويفترق الجواب في ثبوت الحمالة وسقوطها وفي صحة البيع وفساده وذلك على ثلاثة أوجه: فتارة تسقط الحمالة ويثبت البيع، وتارة تثبت الحمالة والبيع، والثالث مختلف فيه في الحمالة والبيع جميعا. فإذا كان الجعل من البائع جعل لرجل دينارا ليتحمل له بما يبيع به سلعته من فلان كانت الحمالة ساقطة لان محلها محل البيع لانها حمالة بعوض، فإذا لم يصح للحميل العوض لم تلزمه الحمالة والبيع صحيح، لان المشتري لا مدخل له فيما فعله البائع مع الحميل، وإن كان الجعل من المشتري فقال له تحمل عني بما أشتري به هذه السلعة ولك

    [ 58 ]
    دينار والبائع غير عالم بما فعلاه، كان البيع جائزا والحمالة لازمة لانه غره حتى أخرج سلعته. واختلف إذا علم البائع فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا كان ذلك بعلم صاحب الحق سقطت الحمالة، يريد ويكون بالخيار في بيعه بين أن يجيزه بغير حميل أو يرده. وقال محمد: الحمالة لازمة وإن علم إذا لم يكن لصاحب الحق في ذلك سبب انتهى. وقد حمل الشارح كلام المصنف على أن الحمالة تبطل مطلقا وعطف عليه بقيل التفصيل بين أن يعلم أو لا يعلم مشى على ذلك في شرحه الاوسط والاصغر وفي الشامل، بل كلامه في الشامل مضطرب لا يفهم لانه قال مشبها في الفساد كجعل من غير ذي دين لغريم. وقيل: إن علم رب الدين وإلا لزم والجعل مردود مطلقا، ولو دفع الطالب للغريم شيئا ليأتيه بحميل جاز على الاصح، وثالثها يكره انتهى. وقد علمت أنه إذا لم يعلم صاحب الدين فلا تسقط الحمالة كما تقدم والله أعلم. فرع: قال في أحكام ابن سهل في ترجمة امرأة تزوجت رجلا له ولد. وفي وثائق ابن العطار: إذا انعقدت المبارأة بضمان الاب أو غيره بالحق أو غيره من درك فثبتت عليها ولاية أو غيرها مما يسقط عنها الالتزام، لزم ذلك الضامن وقضى عليه به. وأنكر أبو عبد الله الفخار قوله هذا وقال: إذا سقط الالتزام عن المضمون بثبوت ضرر سقط عن الضامن إذا لم يرتبط بذمتها حق لانه قد ثبت ما أسقط عنها، وكذلك الضامن لانه ضمن ما ظنه لازما للمضمون عنها، وإذا سقط الاصل فالفرع أولى بالسقوط انتهى. وكان ابن الفخار أنكر عموم قوله: أو غيرها فأخرج من ذلك ثبوت الضرر وبقي ما عداه، ويقيد بما في النوادر من أن المضمون له لم يعلم بموجب السقوط والله أعلم. ص: (وللزوج رده من زوجته) ش: ظاهره ولو كان المال الذي على المضمون دون ثلثها وهو ظاهر ما ذكره في التوضيح والشامل. وابن عرفة عن ابن عبد الحكم: وقبلوه وزاد: ولو شرطت عدم الغرم. قال في التوضيح: ولو تكفلت ذات زوج بوجه رجل على أن لا مال عليها فلزوجها رد ذلك لانه يقول قد تحبس وامتنع منها وتخرج للخصومة وليس ذلك علي هذا فيمتنع أيضا تحملها بالطلب فتأمله والله أعلم. ص: (وإن

    [ 59 ]
    بسجن) ش: قال المازري في وعلى أثناء كلامه: ولو سلم الكفيل الغريم وهو محبوس في حبس القاضي فإن هذا التسليم يسقط الكفالة لكون المتكفل له يتمكن من طلبه وهو في الحبس بمحاكمته عند القاضي الذي حبسه حتى يمكنه من حقه ويقضي بذلك على المحبوس، وإن وجب حبسه زاد في مقدار أمد الحبس لاجل هذا الطلب الثاني بحسب ما يقتضيه الاجتهاد اه‍. وتقدم كلامه هذا عند قول المؤلف في باب التفليس وأخرج لحد بمعنى آخر. وقال ابن عرفة: الباجي: ولو كان حبسه في دم أو دين أو غيره، ويكفي قوله: برئت منه إليك وهو بالسجن فشأنك به كان سجنه في حق أو تعديا. قال ابن عرفة: قلت: في التعدي نظر، لانه مظنة لاخراجه به بدفع التعدي عنه اه‍. ص: (إن أمره به) ش: مفهومه أنه إذا لم يأمره به لا يبرأ وهو كذلك. قال ابن عرفة عن الموازية: فهذا إذا لم يرد الطالب قبوله حتى يسلمه له الحميل. ولو قبله برئ كمن دفع دينا عن أجنبي للطالب أن لا يقبله إلا بتوكيل الغريم وله قبول فيبرأ. زاد الصقلي عن محمد: إن أنكر الطالب أن يكون الحميل أمره بدفع نفسه إليه فإن أشهد له بذلك أحد برئ الحميل اه‍. وفي الشامل: ولو أنكر الطالب أمره له برئ إن أشهد له أحد اه‍. ص: (وبغير بلده) ش: يصح أن يعود الضمير على الاشتراط المفهوم من قوله إن لم يشترط، ولعل المصنف رجح هذا القول لقول المازري أنه يلاحظ فيه مسألة الشروط التي لا

    [ 60 ]
    تفيد وكونه قد يفيد في بعض الصور كما ذكر ابن عبد السلام لا يمنع ذلك، لان الصورة النادرة لا تراعى. والمعنى أنه إذا اشترط الطالب على الحميل أن يحضر له المديان ببلده فأحضره في غيره فإنه يبرأ إن كان الموضع الذي أحضره فيه تأخذه فيه الاحكام، وإذا حمل كلام المصنف على هذا كانت مسألة المدونة مفهومة منه بالاحروية وهي ما إذا لم يشترط إحضاره في موضع معين فأحضره الحميل في غير البلد الذي وقع فيها الضمان والله أعلم. ص: (ولا يسقط بإحضاره إن حكم) ش: أي إن حكم بالغرم ولو لم يغرم على المشهور، وأما لو دفع المال قبل إحضاره مضى اتفاقا. قاله في الشامل وأصله في التوضيح. وعلى المشهور فرب الدين مخير في اتباع الغريم الحاضر أو الحميل المحكوم عليه بالغرم. قاله ابن يونس ونقله في التوضيح. ص: (ولو بغير بلده) ش: هذا مذهب المدونة أن الحمالة تسقط بموت المديان مطلقا، سواء

    [ 61 ]
    مات في بلده أو في غير بلده من غير تفصيل. ص: (ورجع به) ش: يعني إذا غرم الحميل ثم أثبت ببينة أن الغريم قد مات في غيبته قبل القضاء رجع الحميل بما أدى على رب الدين كما

    [ 62 ]
    قال في المدونة. وانظر إذا غرم ثم أثبت أنه كان عديما قبل القضاء هل يرجع أم لا والله أعلم. ص: (وغرم إن فرط أو هربه وعوقب) ش: ظاهر كلام المصنف أنه يجمع بين التغريم والعقوبة. والذي في الرواية أنه يحبس إذا حصل منه تفريط في الطلب حتى يجتهد في ذلك، وأما إذا ثبت تفريطه فيه بأن يكون لقيه وتركه أو غيبه وهربه فإنه يغرم المال فقط ولم يذكر في ذلك عقوبة. ص: (وأذين) ش: هو بالذال المعجمة. قال في المقدمات: والاذين مأخوذ من قوله تعالى * (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة) *. ومن قوله * (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم) * قال الشاعر: فقلت قري وغضي اللوم إني أذين بالترحل والافول

    [ 63 ]
    وقال امرؤ القيس: وإني أذين إن رجعت مملكا بسير ترى منه الغرانق أوزرا وإنما كان الاذين بمعنى الحميل لان الاذين والاذان والاذن وما تصرف من ذلك إنما هو بمعنى الاعلام، فلما كان ذلك بمعنى الاعلام الذي لا يكون إلا بمعلوم متيقن لا يصح أن يوجد بخلافه إذ هو من العلم الذي هو معرفة المعلوم على ما هو به بخلاف الاخبار الذي يصح أن يؤخذ بخلاف مخبره لما يدخله من الصدق والكذب، فكان قول الرجل أنا أذين بما لفلان على فلان إيجاب منه على نفسه أداء المال إليه إذ لا يستعمل ذلك اللفظ إلا في الواحد المتيقن اه‍. ص: (ولم يجب وكيل لخصومة) ش: أي يخاصم عنه ويسمع البينة. ص: (إلا بشاهد) ش: الاستثناء راجع لمسألة الكفيل كما يفهم من كتاب الكفالة من المدونة. وفي كتاب الشهادات من المدونة خلاف هذا، وأنه يجب الكفيل بالوجه ولو لم يأت بشاهد. وقد ذكر المصنف كلام المدونة في باب الشهادات، وذكر كلام الشيوخ عليه هل هو خلاف أو وفاق والله أعلم.

    [ 64 ]
    باب الشركة ضبطها في التوضيح بكسر الشين وسكون الراء وكذا الشارح وغيره. وقال البساطي: قال بعضهم: لم يثبت فيها إلا كسر الشين وسكون الراء وخالفه بعضهم انتهى. وضبطها غير واحد بكسر الشين المعجمة وسكون الراء وبفتح الشين المعجمة وكسر الراء. وصدر الجلال الاسيوطي في حاشية البخاري بالثاني. وقال ابن حجر: والشركة بفتح المعجمة وكسر الراء وبكسر أوله وسكون الراء، وقد تحذف الهاء وقد يحذف أوله مع ذلك فتلك أربع لغات، وهي ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح وقد يحصل بغير قصد كالارث انتهى. ص: (إذن في التصرف لهما مع أنفسهما) ش: يعني أن الشركة هي أذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في التصرف يفي ماله أو ببدنة لهما أي له ولشريكه أي أن يتصرف له ولشريكه مع أنفسهما أي مع تصرفهما أنفسهما أيضا. فمعنى الحد أن الشركة هي أذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في أن يتصرف في ماله أو ببدنه له ولصاحبه مع تصرفهما أنفسهما أيضا. فقوله: إذن في التصرف بمنزلة الجنس يشمل الوكالة والقراض. وقوله: لهما فصل يخرج به الوكالة لانها ليس فيها أذن من الموكل للوكيل في أن يتصرف في الشئ الموكل فيه للموكل وحده. وقول الشارحين إن الوكالة خرجت بقول المؤلف مع أنفسهما ليس بظاهر، وبهذا يخرج أيضا قول ملك شيئا لغيره أذنت لك في التصرف فيه معي. وقول الآخر له مثل ذلك لان كل واحد لم يأذن لصاحبه في أن يتصرف في ذلك الشئ له ولصاحبه، وإنما أذن له أن يتصرف فيه لمالكه نيابة عنه، فبطل بهذا اعتراض ابن عرفة على هذا الحد بقوله: وقول ابن الحاجب أذن لهما في التصرف مع أنفسهما قبوله فيبطل طرده

    [ 65 ]
    بقول من ملك شيئا لغيره أذنت لك في التصرف فيه معي. وقول الآخر مثل ذلك وليس بشركة لانه لو هلك ملك أحدهما لم يضمنه الآخر وهو لازم الشركة، ونفي اللازم ينفي الملزوم انتهى. ولو قال كل واحد لصاحبه أذنت لك في التصرف في هذا الشئ لي ولك لكانت شركة، ثم تجري على أحكام الشركة فيما يصح منها وما يفسد بسبب الخلط وعدمه وما يثبت به الضمان وما لا يثبت على ما سيأتي. وقوله: مع أنفسهما فصل ثان خرج به قول كل واحد لصاحبه تصرف في هذه المائة ونحوها أنت وحدك على أن الربح لي ولك بشرط أن يتصرف كل واحد في مال نفسه، فليس ذلك بشركة. فقوله: لهما متعلق بالتصرف، وقوله: مع أنفسهمد حال من الاذن أي حال كون ذلك الاذن في التصرف مع تصرفهما بأنفسهما. وعلق ابن عرفة قوله: لهما بالاذن فأورد ما أورده ثم قال ابن عرفة: ويبطل عكسه بخروج شركة الجبر كالورثة، وشركة المتبايعين بينهم شيئا. وقد ذكرهما يعني ابن الحاجب إذ لا إذن في التصرف لهما، ولذا اختلف في كون تصرف أحدهما كغاصب أم لا. ثم استدل بما في سماع ابن القاسم في ضرب أحد الشريكين العبد بغير إذن شريكه ونظائر ذلك، فقال في سماع ابن القاسم: ليس لاحد مالكي عبد ضربه بغير إذن شريكه، وإن فعل ضمنه إلا في ضرب لا يعيب مثله أو ضرب أدب. قال سحنون: نضمنه مطلقا ولو ضربة واحدة كأجنبي. ابن رشد: رأى مالك شركته شبهة تسقط الضمان في ضرب الادب وهو أظهر من قول سحنون، لان تركه ضربه أدبا يفسده، وعليه زرع أحد الشريكين وبناؤه في أرض بينهما بغير إذن شريكه في كونه كغاصب يقلع بناؤه أو زرعه أو لا لشبهة الشركة فيكون له الزرع وإن لم يفت الا بان ويكون عليه الكراء في نصف شريكه ويكون له قيمة بنائه قائما. وعليه قول ابن القاسم في إيلاد العبد أمة بينه وبين حر نصف قيمتها جناية في رقبته. وقول سحنون هذا دين في ذمته يتبع بما نقص نصف ثمنها عن نصف قيمتها انتهى. والمسألة مذكورة في أول رسم من سماع ابنت القاسم في كتاب الشركة. قلت: ويجاب عن خروج ما ذكر بأن سياق الكلام يدل على أن القصد إنما هو حد شركة في التجر إنها هي المعقود لها الترجمة، وإن ذكر غيرها معها فبطريق التبع والله أعلم. وقال ابن عرفة: الشركة الاعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكا، والاخصية بيع ملك كل بعضه ببعض كل الآخر موجب صحة تصرفهما في الجميع، فيدخل في الاول شركة الارث و الغنيمة لا شركة التجر، يريد أنها تخرج بقوله ملكا فقط لان فيها زيادة التصرف. قال: وهما في الثانية على العكس. وشركة الابدان والحرث باعتبار العمل في الثانية وفي عوضه في الاولى، وقد يتباينان في الحكم شركة الشريك فالاولى جائزة والثانية ممنوعة فيها ليس لاحدهما أن يفاوض شريكا دون إذن شريكه، وله أن يشاركه في سلعة بعينها دون إذنه انتهى. وانظر ما

    [ 66 ]
    معنى تسمية الاولى أعمية مع خروج بعض أنواع الشركة منها كما ذكر فتأمله والله أعلم. ص: (وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل) ش: يعني أنه يشترط في صحة عاقدي الشركة أن يكونا من أهل التوكيل والتوكل هكذا. قال ابن شاس وابن الحاجب: قال ابن عرفة: وقبله ابن عبد السلام وغيره وكلهم تبعوا الوجيز ويرد بوجوب زيادة وأهلية البيع لان كلا منهما بائع لصاحبه نصف ماله ولا يستلزمها أهلية الوكالة جواز توكيل الاعمى اتفاقا وتوكله، وتقدم الخلاف في صحة كونه بائعا انتهى. وذكره ابن غازي كالمنكت به على المصنف. قلت: ولا يحتاج المصنف إلى زيادة أهلية البيع لان بيع الاعمى جائز على المشهور، والمصنف إنما يفرع عليه. نعم لو اقتصروا على أحد اللفظين فقالوا من أهل التوكيل والتوكل، أو قالوا من أهل الوكالة لكان أنسب بالاختصار، فقد قال ابن الحاجب في باب الوكالة: من جاز أن يتصرف لنفسه جاز أن يوكل وأن يتوكل إلا لمانع وقبله ابن عرفة. وقال: وقول ابن شاس من جاز تصرفه لنفسه جاز كونه وكيلا إلا لمانع ومسائل المذهب واضحة به انتهى. فإن قلت: قد يجوز للشخص أن يوكل ولا يجوز له أن يتوكل كالذمي، يجوز توكيله ولا يجوز أن يتوكل على مسلم، وكالعدو فإنه لا يصح توكيله على عدوه كما أشار إلى ذلك ابن الحاجب وابن شاس بقولهما: إلا لمانع على ما قال ابن عبد السلام، فلعل المصنف أراد إخراج ذلك من الشركة أيضا. قلت: أما أولا فعلى تسليمه فكان يمكنهم أن يقتصروا على قولهم من أهل التوكل لانه يستلزم أن يكون من أهل التوكل على ما قررتم، وأما ثانيا فلا نسلم أن الذمي والعدو ليسا من أهل التوكل لان توكيلهما، إنما يمتنع بالنسبة إلى بعض الاشخاص فقط. وأيضا فلا يحتاج إلى ذلك في هذا الباب لان الظاهر في مشاركة العدو أنها جائزة، وأما مشاركة الذمي فالظاهر من كلامه في المدونة أنها صحيحة وإن كانت لا تصح ابتداء. قال فيها في كتاب الشركة: ولا تصح لمسلم أن يشارك ذميا إلا أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء ولا قضاء ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة: اللخمي: فإن وقع استحب صدقته بربحه إن شك في عمله بالربا بجميع ماله إن شك في عمله به في خمر وإلا لم يكن عليه شئ انتهى. قوله: وإلا لم يكن عليه شئ أي وإن علم سلامته من عمل الربا وتجر الخمر فلا شئ عليه. كذا قال اللخمي ونقله القرافي، والظاهر أن حكم مشاركة المسلم الذي لا يحافظ على دينه في التصدق بالربح كذلك، وانظر إذا تحقق عمله بالربا أو في الخمر ما الحكم ؟ هل يجب التصدق أو يستحب أيضا ؟ والظاهر

    [ 67 ]
    الوجوب لما سيأتي في الوكالة عن المازري، فمقتضى هذا أن الشركة صحيحة بل وجائزة إذا لم يغب الذمي على البيع والشراء، وصرح بذلك في الشامل فقال: وكرهت مشاركة ذمي ومتهم في دينه إن تولى البيع والشراء وإلا جاز. وعلى ما ذكر في السؤال تكون مشاركة الذمي غير صحيحة، وكذلك مشاركة العدو وهو خلاف المفهوم مما تقدم فتأمله والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال في التوضيح: فإن قيل: فقد قالوا: إن الذمي لا يوكل على مسلم، فهل يأتي هنا أي في باب الشركة أنه لا يشاركه ؟ قيل: لا يبعد فقد قال ابن حبيب: لا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا أهل الدين والامانة والتوقي للخيانة والربا والتخليط في التجارة ولا يشارك يهوديا ولا نصرانيا ولا مسلما فاجرا إلا أن يكون هو الذي يتولى البيع والشراء، وإنما للآخر فيه البطش والعمل انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. فقلت: وكأنهما لم يقفا على كلام المدونة المتقدم. قال ابن عرفة بعد نقله كلام المدونة المتقدم: ويستشكل بأن الشركة ملزومة للبيع فيلزم عليه أن يشترط في بيع المسلم للذمي شيئا أن لا يبيعه الذمي إلا بحضرة المسلم. قال: ويجاب بأن ما ذكر في الشركة من عدم غيبته على البيع معتبر وقوعه لا أنه شرط، وإن سلم اشتراطه فإنما هو لكونه وكيلا لا لكونه مبتاعا انتهى بالمعنى. الثاني: قال بعضهم: كيف أجاز مالك شركة المسلم للذمي بشرط أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء، ومنع الشركة إذا شرط أحد الشريكين أن يمسك رأس المال ؟ فأجاب بعضهم بأن الشرط في مسألة الذمي بعد العقد وهذا ليس بظاهر. وقال بعضهم: الفرق بينهما ظاهر لانه في مسألة الذمي لم يخرج المال من يده بالكلية بخلاف المسألة الاخرى. الثالث: قال في التوضيح: في قول ابن الحاجب المتقدم: إلا لمانع أي من الموانع المتقدمة في الحجر انتهى. وليس هذا مراده لان موانع الحجر قد دخلت في مفهوم قوله: من جاز تصرفه لنفسه جاز أن يوكل أو يتوكل. وإنما مراده المانع المختص بهذا الباب وهو ما ذكره إثره من كون الوكيل ذميا ومن كونه عدوا للموكل عليه كما قدمناه. وأما ما حمله عليه المؤلف فربما يوهم أن المانع من الحجر مستثنى من المانع في الوكالة فتأمله. ولهذا قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب إثر الكلام المتقدم: وفيها لا يوكل الذمي إلى آخره لما استثنى المؤلف في المسألة السابقة فقال: إلا لمانع احتاج أن يبين المانع ما هو الخ كلامه. ويوضح ذلك كلام الذخيرة فإنه قال: الركن الاول الموكل. قال في الجواهر: من جاز تصرفه لنفسه جاز له الاستنابة. ثم تكلم عليه نحو الخمسة أسطر ثم قال: الركن الثاني الوكيل. قال في الجواهر: من جاز له أن يتصرف لنفسه جاز له أن ينوب فيه عن غيره إذا كان قابلا للاستنابة إلا أن يمنع مانع فقد منع في الكتاب توكيل الذمي إلى آخره. الرابع: قال فيها: وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال. قال اللخمي: يريد إن

    [ 68 ]
    كانت متجالة أو شابة ولا تباشره في التجارة لان كثرة محادثة الشابة للرجل يتقى منها الفتنة، فإن كان بينهما واسطة فلا بأس. قال ابن عرفة: يريد واسطة مأمونة. المتيطي عن ابن الهندي: وإنما تجوز بين الرجل والمرأة إذا كانا صالحين مشهورين بالخير والدين والفضل وإلا فلا انتهى. قال أبو الحسن: أو مع ذي محرم انتهى. الخامس: قال فيها: وتجوز شركة العبيد إذا أذن لهم في التجارة. قال ابن عرفة: اللخمي: إن لم يكن مأذونا له وولي البيع والشراء لم يضمن الحر وضيعة المال ولا تلفه، وكذا إن وليا معا البيع والشراء ووزن كل واحد منهما منابه وأغلقا عليهما ولم ينفرد الحر بها، وإن انفرد الحر بتولي ذلك ضمن رأس المال إن هلك وخسر انتهى. فإن كانا عبدين فلا ضمان على من تولى ذلك منهما وهو ظاهر والله أعلم. وكذا في المسألة الاولى لا ضمان على العبد في ضياع مال الحر. وانظر لو غره، والظاهر أنه جناية في رقبته والله أعلم. السادس: اقتضى كلام ابن شاس وابن الحاجب أن توكيل المحجور وتوكله غير جائز وهو الذي يؤخذ من كلام المصنف هنا وفي ذلك اضطراب، فإنهم أجازوا له التوكيل في بعض الصور بل أخذ بجواز توكيله مطلقا كما سيأتي. وفي توكيله خلاف وظاهر المدونة جوازه كما سيأتي. قال في التوضيح في باب الوكالة في كلام ابن الحاجب المتقدم: وعلى هذا فيجوز للمحجور عليها أن توكل في لوازم عصمتها انتهى. بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها. قال ابن فرحون في تقسيم المدعى عليهم: وليس للاب ولا للوصي القيام عمن في نظرهما من ابنة أو يتيمة إذا أضر بها زوجها في نفسها إلا بتوكيلها. ثم قال: وإذا أقامت سبع سنين ثم أراده أبوها أن يطالب زوجها بالكالئ أو غيره من حقوقها لم يكن له ذلك إلا بتوكيلها ألا يتصل سفهها انتهى. وفي هذا الاخير خلاف انظره في باب الصداق. وقال في اللباب: ويصح التوكيل من المحجور على الخصومة وللوصي أن يوكل في حق محجوره من يطلب حقوقه ولا يجعل له الاقرار ولا يشترط في الوكيل أن يكون رشيدا انتهى. وقال في معين الحكام في باب الوصايا وما يتعلق بها مسألة: يجوز للمحجور طلب حقوقه عند قاض أو غيره ولا يمنع من ذلك في حضور وصيه أو غيبته، قال أبو بكر: وله أن يوكل على ذلك ليعلم ما يتوجه إليه وخالفه غيره في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم الذي نقله عن ابن شاس وهو قوله: من جاز تصرفه لنفسه جاز توكيله، ومن جاز تصرفه لنفسه جاز كونه وكيلا إلا لمانع، ومسائل المذهب واضحة به وبامتناع توكيل من ليس جائز الامر في سماع يحيى في توكيل بكر من يخاصم لها توكيلها غير جائز لانها لا تلي مثل هذا من أمرها إنما يليه وصيها أو من يوكله السلطان. ووقع في المدونة ما يوهم صحة وكالة المحجور عليه ففي عتقها الثاني إن دفع العبد مالا لرجل على أن يشتريه ويعتقه ففعل فالبيع لازم، فإن استنثى ماله لم يغرم الثمن ثانيا وإلا غرمه ويعتق العبد ولا يتبع بشئ. وفي سماع يحيى من العتق ما هو كالنص

    [ 69 ]
    في ذلك قال فيه: إن دفع عبد إلى رجل مائة دينار وقال له: اشترني لنفسي فاشتراه لنفس العبد واستثنى ماله كان حرا، ولا رجوع لبائعه على العبد ولا على المشتري بشئ وولاؤه لبائعه. ابن رشد: مرض الاصيلي هذا الشراء بأن وكالة العبد لا تجوز إلا بإذن سيده. فعلى قياس قوله: إن لم يعلم السيد أنه اشتراه للعبد كان له رد ذلك وإن علم فلا كلام له. قلت: كان يجري لنا الجواب عن تعقب الاصيلي بأن حجر العبد إنما هو ما دام في ملك سيده وهو ببيعه خرج عن ملكه وصح توكيله ولزم عتقه ضربة واحدة كقولها فيمن باع عبده بعد أن تزوج بغير إذنه ولم يعلم به مضى نكاه وليس لسيده فسخه إلا أن يرجع لملكه برده مبتاعه بعيب في نكاحه انتهى. وما نقله ابن عرفة عن سماع يحيى في مسألة العتق لم أجدها فيه وإنما هي في سماع عيسى. ومسألة وكالة البكر في الخصومة في كتاب البضائع والوكالات، وما ذكره من أن البكر لا تلي ذلك يعني المخاصمة قبله ابن رشد، وهو خلاف ما ذكره صاحب معين الحكام كما تقدم. وقول ابن عرفة في جواب الاصيلي وهو بيعه خرج عن ملكه وصح توكيله ولزم عتقه ضربة واحدة فيه نظره، لان التوكيل باطل على ما يقول الاصيلي قبل انتقال الملك فلا ينتقل الملك بالشراء الواقع به، وأما إذا صح البيع وخرج عن ملك السيد فلا حاجة إذا إلى تصحيح التوكيل أو عدم تصحيحه، وفي قياسه أو تشبيهه بمسألة نكاح العبد غير ظاهر وذلك بين. ويمكن الجواب عما قال الاصيلي بأن يقال: سلمنا أن توكيله لا يجوز غاية ما فيه أنه شراء فضولي وهو جائز صحيح على المشهور، فإذا أمضاه العبد بعد ذلك ورضيه مضى وصح العتق. وفاعل استثنى من قوله: واستثنى ماله ضمير يعود على المشتري الذي دفع إليه العبد المائة. ثم قال ابن عرفة: وأما منع كون الوكيل محجورا عليه فقال اللخمي: لا يجوز توكيله لانه تضييع للمال. قلت: وعليه عمل أهل بلدنا وظاهر كتاب المديان جوازه فيها منه ما نصه: قلت: إن دفع إلى عبد أجنبي محجور عليه مالا يتجر به أو ليتيمم محجور عليه ثم لحقهما دين أيكون في ذمتهمأ ؟ قال: قال مالك: يكون في المال الذي دفع إليهما وما زاد عليه فهو ساقط لا يكون في ذمتهما. قلت: ظاهره جواز توكيلهما إلا أن يقال إنما تكلم عليه بعد الوقوع، والاول أظهر وهو الاكثر من أخذ المشايخ من مفهومات المدونة الاحكام، ويؤيده سماع أصبغ في العتق أن من قال أشهدكم إنما أعتق ابني أو أحدث رقيقي فأمره جائز وابنه سفيه، ثم باع ابنه من رقيق أبيه عشرة جاز بيعه على أبيه وإن كره إلا أن يبيع بما لا يتغابن بمثله من محاباة بينة ووكالة السفيه كغيره. ابن رشد: هذا بين لا خلاف فيه ولا إشكال، والتوكيل في الحياة بخلاف الوصية بمال ولده لا تجوز لسفيه بخلاف وصية بتنفيذ ثلثه إلى سفيه أو غير عدل ذلك جائز لان ثلثه له حيا

    [ 70 ]
    وميتا، وظاهر كلام ابن رشد في رسم أسلم من كتاب العتق جواز توكيل المحجور عليه. وفي نوازل ابن الحاج: من وكل على قبض ديون له صبيا قبل بلوغه فقبضه براءة للغريم لان رب الحق رضيه وأنزله منزلته انتهى. ولفظ التهذيب في مسألة كتاب المديان المتقدمة: فألحقهما من دين فيه كان في ذلك المال خاصة ولا يلزم ذمتهما ولا ذمة الدافع شئ انتهى. وما ذكره عن سماع أصبغ في العتق إنما رأيته في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب العتق وكلام ابن رشد المذكور فيه. وفيه بعد قوله هذا بين لا خلاف فيه، ولا إشكال لان للرجل أن يوكل على نفسه في حياته من رضي توكيله من رشيد أو سفيه، فيلزمه من فعل السفيه ما يلزمه من فعل الرشيد. ثم ذكر بقية الكلام المتقدم. وما نقله ابن عرفة عن نوازل ابن الحاج نقله عن ابن سلمون. قال في التوضيح في باب الوكالة في قول ابن الحاجب المتقدم: من جاز تصرفه لنفسه جاز توكيله لنفسه. فإن قلت: يرد عليه ما في المدونة ومن وكل عبدا مأذونا له في التجارة أو غير مأذون له ليسلم له في طعام ففعل فذلك جائز لانه لا يتصرف لنفسه، فالجواب أن ذلك محمول على المأذون له باتفاق انتهى. ولفظ المدونة أو محجور عليه عوض قول التوضيح أو غير مأذون له. وأجاب ابن عبد السلام بقوله: لا شك أن معنى مسألة المدونة عند الجميع أن ذلك مشروط بإذن سيد العبد فلا إشكال، لانه كما يجوز له أن يتصرف بإذن سيده فكذلك يجوز له أن يتوكل وأن يوكل على السلم بإذنه انتهى. وعبارته أوضح من عبارة المؤلف فلذلك ذكرتها. ومسألة المدونة في السلم الثاني وما ذكره ابن عبد السلام والمؤلف من الجواب لم يذكره أحد ممن رأيت من شراح المدونة، بل ذكر أبو الحسن عن ابن محرز ما يؤخذ منه خلاف ذلك ونصه: قال ابن محرز: أما المأذون له فلا أجر على من وكله لانه كأنه مأذون له في هذا المقدار الخفيف من العمل. ألا ترى أنه قد يودع فيحفظ الوديعة بغير إذن سيده ولا يكون له في ذلك أجر، وأما غير المأذون فينبغي أن تكون له أجرة يدفعها من وكله إلى سيده. الشيخ إلا أن يكون عمله ذلك لا خطب له لكون المسلم إليه أتى إلى منزل العبد فلا يكون له أجرة كما قال في كتاب الاجارة في مناولة القدح والنعل انتهى. ونحوه في المشذالي قال: قوله أو محجور لم يتكلم هنا هل لسيده أن يطالب الموكل بقيمة عمله ؟ وفصل بعضهم فقال: إن كان عمل له بال فله قيمة عمله إن كان محجورا، وإن كان مأذونا فلا انتهى. وكذلك قال اللخمي: من وكل عبدا فأسلم له في طعام مضى والسلم للآمر، فإن كان العبد محجورا كان لسيده إجارته في ذلك، وإن كان مأذونا وفعل ذلك ليصلح به وجهه في تجارته لم يكن لسيده شئ لان الغالب في إجارته ذلك يسيرة انتهى من السلم الثالث من تبصرته. فتحصل من هذه النقول أن توكيل المحجور عليه في الخصام في تخليص ماله وطلب حقوقه لا يجوز على ظاهر المذهب، ويصح على ما قاله في اللباب ونقله في معين الحكام عن أبي بكر بن عبد

    [ 71 ]
    الرحمن، وتقدم أنه يقال: إن غيره خالفه فيه. وأما توكيل على البيع والشراء في ماله فلا يجوز ولم أر فيه خلافا بعد البحث إلا ما يؤخذ من مسألة العتق التي في المدونة والعتبية المتقدم ذكرهما. وأما توكيل المرأة المحجور عليها في لوازم عصمتها فيجوز كما صرح به في التوضيح، بل ليس لوليها القيام في ذلك إلا بتوكيل منها كما تقدم. وأما كون المحجور عليه وكيلا فيجوز على ما صرح به في العتبية في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب العتق، وصرح به ابن رشد في شرحها من أنه يجوز بلا خلاف، وصرح به ابن راشد في اللباب وأفتى به ابن الحاج، ويؤخذ من مسألة السلم الثاني من المدونة ومن مسألة كتاب المديان منها ولا يجوز على ما قاله اللخمي. وقال ابن عرفة: عليه عمل أهل بلدنا ومشى عليه صاحب الجواهر وتابعيه كالقرافي وابن الحاجب، وقبله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وغيرهم. فتحصل في ذلك طريقان، وإنما أطلت الكلام في هذا لان المصنف لم يتكلم عليه في الوكالة. ويؤخذ من كلامه هنا المنع من توكيله وتوكله وهو أحد الطريقين كما علمت لكن يقيد ذلك بما عدا توكيل المحجور عليها في لوازم العصمة والله أعلم. ص: (ولزمت بما يدل عرفا) ش: يعني أن حكم الشركة ابتداء الجواز فإذا انعقدت لزمت. قال ابن عرفة: وحكمها الجواز كجزءيها البيع والوكالة وعروض ما يوجبها بعيد بخلاف موجب حرمتها وكراهتها. ودليلها الاجماع في بعض صورها، وحديث أبي داود بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (ص): إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر فإذا خانه خرجت من بينهما ذكره عبد الحق وصححه بسكوته عنه والحاكم في مستدركه انتهى. وفي التوضيح: الاجماع على جوازها من حيث الجملة انتهى. وذكر صاحب المقدمات واللخمي وشراح المدونة آيات وأحاديث تذل على الاصل في الشركة كآية المواريث وقوله: * (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء) *. وقوله: * (وإذا حضر القسمة) *. وحديث: أيما دار قسمت في الجاهلية وحديث: الشفعة في كل ما يقسم وغير ذلك. وقال ابن عبد السلام: الاصل فيها قوله تعالى: * (فابعثوا أحدكم بورقكم) *. والحديث المتقدم وحديث السفينة وهو قوله عليه الصلاة والسلام: مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها

    [ 72 ]
    يصعدون فيستقون الماء فيضيقون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا. فقال الذين في أسفلها: فإننا نثقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا. قال الترمذي: حديث حسن صحيح انتهى. والعجب من عزوه الحديث للترمذي مع أنه في صحيح البخاري وكأنه تبع في ذلك عبد الحق في أحكامه فتأمله والله أعلم. وأما لزومها بعد العقد ففيه طريقان. قال ابن عبد السلام في شركة الاموال: المذهب لزومها بالعقد دون الشروع. واختلف في شركة الحرث هل هي كشركة الاموال وهو قوم سحنون، أو لا تلزم إلا بالعمل وهو قول ابن القاسم ؟ وقال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام: إن المذهب لزوم الشركة بالعقد دون الشروع هو مقتضى قول ابن إلحاجب: يجوز التبرع بعد العقد بخلاف قول ابن رشد في سماع ابن القاسم: أنها من العقود الجائزة وهو مقتضى مفهوم السماع: أنه إن شرط ذلك بعد العقد لا يجوز، ونحوه قوله في المقدمات: هي من العقود الجائزة لكل منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء، ولهذه العلة لم تجز إلا على التكافؤ والاعتدال لانه إن فضل أحدهما صاحبه فيما يخرجه فإنما يسمح في ذلك رجاء بقائه معه على الشركة فصار غررا انتهى. وقال في التوضيح: قال في المقدمات: هي من العقود الجائزة لكل واحد أن ينفصل متى شاء إلا الشركة في الزرع ففي لزومها خلاف، ونحو ذلك اللخمي. وخرج قولا بعدم لزومها لاول نصه من الشاذ في كراء المشاهرة قال: وأما إن أخرجا شيئا ليشتريا به شيئا معينا فإنه يلزم إن لم يمكن كل واحد اشتراؤه بانفراده أو أمكنه ولكن اشتراؤهما أرخص وإلا فقولان، وهما على الخلاف في شرط ما لا يفيد. وفي معين الحكام: الشركة تنعقد بالقول على المشهور من قول مالك وأصحابه، وكذلك قال ابن يونس إنها تلزم بالعقد كالبيع ولا رجوع لاحدهما فيها كالبيع بخلاف الجعل والقراض. ولعياض نحوه: والظاهر أنه لا مخالفة بينهم. ومراد ابن يونس ونحوه أنها تلزم بالعقد باعتبار الضمان أي إذا هلك شئ بعد العقد يكون ضمانه منهما خلافا لمن يقول إنها لا تنعقد إلا بالخلط انتهى. قلت: بل الظاهر أن كلام ابن يونس وعياض وصاحب المعين وابن عبد السلام مخالف لكلام ابن رشد واللخمي، وقول ابن عرفة هو مقتضى قول ابن الحاجب: يجوز التبرع بعد العقد ظاهره أنه لم يقف عليه لغيره وقد نص على ذلك في كتاب الشركة من المدونة فقال بعد أن ذكر أنها تفسد: إذا عقداها على التفاوت في الربح أو العمل أو التساوي في ذلك مع التفاضل في رؤوس الاموال ما نصه: ولو صح عقد المتفاضلين في المال ثم تطوع الذي له الاقل

    [ 73 ]
    فعمل في الجميع جاز ولا أجر له انتهى. قال أبو الحسن: ظاهره أن الشركة تلزم بالعقد ولو لم تلزم بالعقد لما جالانه إنما تطوع رجاء البقاء معه وذلك لا يلزمه فصار ذلك غررا. الشيخ: كأنه نورشوة ويقوم منه أنه يجوز أن يسلف أحدهما الآخر بعد صحة العقد انتهى. فما ذكره ابن الحاجب والمصنف من جواز التبرع بعد العقد موافق لما في المدونة، ومقتضاه لزوم العقد كما قال المصنف. قوله: بما يدل عرفا أي بما يدل على إذن كل واحد لصاحبه في التصرف على الوجه المذكور عرفا، وسواء كان لفظا أو ما يقوم مقامه. فمن اللفظ الدال على الشركة قولهما اشتركنا إذا فهم منه مقصودهما عرفا. قال في اللباب: الصيغة لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على إذن كل واحد في التصرف لصاحبه، ويكفي قولهما اشتركنا إذا فهم المقصود عرفا انتهى. قال في التوضيح: ومثل الفعل الدال لو خلطا ماليهما وباعا انتهى. واعترض البساطي على المؤلف كونه لم يقل لغة أو عرفا غير ظاهر والله أعلم. ص: (بذهبين) ش: أركان الشركة أربعة: العاقدان والصيغة والمحل، فلما ذكر الثلاثة الاول أتبعها بالرابع وهو المحل وهو المال أو العمل فبدأ بالمال فقال بذهبين أو ورقين. ص: (اتفق صرفهما) ش: يريد ووزنهما ويغتفر التفاوت اليسير. قال ابن عرفة: وفيها قصر اعتبار التساوي بين النقدين في الوزن والقيمة لا السكة ويسير اختلافهما في الصرف لغو انتهى. قال في المدونة: وإن أخرج أحدهما دنانير هاشمية وأخرج الآخر مثل وزنها دنانير دمشقية، أو أخرج هذا دراهم يزيدية والآخر وزنها محمدية، وصرفهما مختلف لم يجز إلا في الاختلاف اليسير الذي لا بال له فيجوز، وهما فيما كثر كتفاضل المالين، ولو جعلا الربح والعمل بينهما بقدر فضل ما بين السكتين لم يجز إذ صرفاهما إلى القيم وحكمهما الوزن في البيع والشركة انتهى. فحاصله أنه إذا اختلف الصرف لا تجوز الشركة ولو جعلا الربح على قدر قيمة صرف كل دينار. قال أبو الحسن: وصورة قدر القيمة أن يقال: ما قيمة المحمدية ؟ فيقال: عشرة وما قيمة اليزيدية ؟ فيقال: خمسة. فيشتركان على الثلث والثلثين فيؤدي إلى التفاضل. قال ابن المواز: فإن نزل أخذ كل واحد مثل رأس ماله بعينه في سكته وكان الربح بقدر وزن رأس ماله لا على فضل ما بين السكتين. وقاله مالك. قال بعض القرويين: لعل محمدا يريد إذا لم يختلف سوق السكتين من يوم الشركة إلى يوم القسمة، وأما إذا اختلف فيظلم الذي زاد سوق سكته صاحبه إذا أعطاه مثل رأس ماله وقيمته أكثر مما دفع انتهى. وانظر سماع ابن القاسم من الشركة.

    [ 74 ]
    فرع: قال في المدونة: وإن كانت السكتان متفقتي الصرف يوم الشركة جاز، فإن افترقا وقد حال الصرف لم ينظر إلى ذلك ويقتسمان ما بأيديهما عرضا كان أو طعاما أو عينا انتهى. ص: (وبعين وبعرض) ش: يريد ولو كان العرض طعاما. قال في المدونة: وتجوز الشركة بطعام ودراهم أو بعين وعرض على ما ذكرنا من القيم وبقدر ذلك يكون الربح والعمل انتهى. ص:

    [ 75 ]
    (وكل بالقيمة يوم أحضر لا فات) ش: هو راجع إلى مسألة العرضين وإلى مسألة العين والعرض كما تقدم عن المدونة. والمعنى وكل من أخرج عرضا فهو شريك بقيمته يوم أحضر، وقال ابن غازي: هذه العبارة توهم أن المعتبر في الفاسدة القيمة يوم الفوت وعبارة ابن الحاجب أبين منها إذ قال: فلو وقعت فاسدة فرأس ماله ما بيع به عرضه. وقال الصقليان عبد الحق وابن يونس: فإن لم يعرفا ما بيعت به سلعتهما فلكل واحد قيمة عرضه يوم البيع وحمله على هذا بعيد انتهى. ومثل ذلك لو خلطا الطعامين. قال: في المدونة: وإذا وقعت الشركة بالطعام فاسدة فرأس مال كل واحد ما بيع به طعامه. إذ هو في ضمانه حتى يبيع، ولو خلطاه قبل البيع جعلت رأس مال كل واحد قيمة طعام كل واحد يوم خلطاه انتهى. ص: (إن خلطا) ش: ظاهر كلامه أن الخلط شرط في حصول الشركة بينهما بالنسبة إلى الربح وإلى الخسارة وليس كذلك، وإنما هو شرط في الضمان. قال الرجراجي: ذهب ابن القاسم إلى أن الخلط شرط في الانعقاد في التوى أي في الهلاك لا في النماء لانه قال: ما اشتراه أحدهما بماله قبل الخلط فهو بينهما وما ضاع فهو من صاحبه انتهى. وقال ابن عرفة: وفي شرط ثبوت لازمها وهو ضمان

    [ 76 ]
    المشترك منهما بالخلط الحكمي فضلا عن الحسي أو بالحسي قولا ابن القاسم وغيره فيها، والحكمي كون المالين في حوز واحد ولو عند أحدهما. انتهى والله أعلم. ص: (وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه أو مطلقا إلا أن يدعي الاخذ له تردد) ش: الاليق باصطلاحه أن يقول تأويلان ولم أقف عليهما على ما ذكر المصنف. فإن قال في المدونة وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع بها أمة على الشركة وتلفت الصرة الاخرى والمالان متفقان، فالامة بينهما والصرة من ربها. قال ابن يونس: قوله فالامة بينهما يريد بعد أن يدفع لشريكه نصف ثمنها لانه إنما اشتراها على الشركة. قال بعض أصحابنا: إن اشترى الامة بعد التلف عالما به فشريكه مخير أن يشركه فيها أو يدعها إلا أن يقول إنما اشتريتها لنفسي فهي له، وإن لم يعلم بالتلف حتى اشترى فالامة بينهما كما لو اشترى ثم تلفت صرة الاخير، وهذا على أصل ابن القاسم انتهى. قال أبو الحسن: ولابن رشد عكس هذا قال: إن اشترى بعد التلف وهو لا يعلم فهو بالخيار بين أن يلزمه ما اشتراه أو ينفرد به لانه يقول: لو علمت تلفه لم أشتر إلا لنفسي، وما اشترى بعد أن علم بتلف ما أخرجه صاحبه فهو له خاصة اه‍. فالتأويل الاول في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله: وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه. والذي يناسب ما ذكره

    [ 77 ]
    أبو الحسن عن ابن رشد. والمعنى أن ما ذكره من أن من اشترى بالسالم يكون بينهما محله ما إذا لم يعلم بالتالف، وأما إذا علم بالتالف فهي له خاصة إلا أن كلام المصنف يقتضي أنه إذا لم يعلم بالتلف فالسلعة بينهما ولا خيار لاحدهما، وكلام ابن رشد يقتضي أن المشتري مخير. فإن قيل: قول المصنف بعد هذا إلا أن يدعي الاخذ فهم منه أنه بالخيار. قلت: ليس كذلك لانه إذا أقر أنه اشترى للشركة ولم يدع الاخذ لنفسه، فكلام ابن رشد يقتضي أن له الخيار، وكلام المصنف يقتضي أنه لا خيار له وأنه بينهما فتأمله، والتأويل الثاني في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله: أو مطلقا هو الذي يناسب ما ذكره ابن يونس إلا أن كلام المصنف يقتضي أنه بينهما ولا خيار لاحدهما، سواء اشترى بعد العلم بالتلف أو قبله. وما ذكره ابن يونس يقتضي أنه إذا اشترى بعد علمه بالتلف يخير الشريك الذي تلفت صرته في أنه يشاركه أو يدعها له فتأمله والله أعلم. ص: (ولا يفسدها انفراد أحدهما بشئ) ش: قال البساطي:

    [ 78 ]
    يحتمل أن يريد أن شركة المفاوضة لا يفسدها أن يعين كل صنفا للآخر يعمل فيه ويشتركان في غيرهما في العمل، ويحتمل أن يزيد أن عمل كل في مال لنفسه لا يفسدها إذا استويا في عمل الشركة، والثاني هو المنصوص ولا يبعد الاول إذا كان المنفردان قريبين. فإن قلت: ظاهر قوله: أحدهما غير الصورتين المذكورتين. قلت: يجب حمله على أن كلا انفرد ليوافق النقل انتهى. فظاهره أنه لا بد من انفراد كل واحد بشئ وأن النقل كذلك وهو خلاف ظاهر المدونة أو نصها قال فيها: ويكونان متفاوضين ولاحدهما عين أو عرض دون صاحبه، ولا يفسد ذلك المعاوضة بينهما انتهى. وقال في التوضيح: ولا يفسدها عندنا وجود مال لاحدهما على حدته خلافا لابي حنيفة انتهى. فتأمله والله أعلم ص: (وله أن يتبرع إن استألف) ش: قال في المدونة: وإن أخر أحدهما غريما بدين أو وضع له منه نظرا أو استئلافا في التجارة ليشتري منه في المستقبل جاز ذلك، وكذلك الوكيل على البيع إذا كان مفوضا إليه وما صنعه مفوضا إليه من شريك أو وكيل لم يلزم، ولكن يلزم الشريك في حصته ويرده صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل من ذلك فيضمنه انتهى. وقال اللخمي: تأخير أحد الشريكين على وجه المعروف لا يجوز، ولشريكه أن يرد التأخير في نصيبه من ذلك الدين. وأما نصيب صاحبه فإن كان لا ضرر عليهما في قسمة الدين حينئذ مضى التأخير في نصيب من أخر، وإن كان عليهما في ذلك ضرر وقال من أخر لم أظن أن ذلك يفسد علي شيئا من الشركة رد جميع ذلك، وإن لم يعلم بتأخيره حتى حل الاجل لم يكن على من أخر في ذلك مقال، فإن أعسر الغريم بعد التأخير ضمن الشريك لشريكه نصيبه منه، وإن كان تأخيره إرادة الاستئلاف جاز ذلك على شريكه ولا ضمان على من أخر إذا أعسر الغريم بعد ذلك إلا أن يكون الغريم ممن يخشى عدمه والعجز عن الاداء فيرد التأخير ويعجل جميع الحق، وإن لم يرده حتى أعسر ضمن الشريك إذا كان عالما بذلك. انتهى ونقله أبو الحسن عد المودنة كأنه المذهب. ثم قال اللخمي عقب الكلام المتقدم: قيل لا يجوز التأخير إرادة الاستئلاف لانه من باب سلف بزيادة، والقول الاول أحسن وليس هذا داخلا في معنى الحديث في النهي، ولان هذا إنما يرجو به حسن المعاملة من سائر الناس وقد يعامله هذا الغريم أو لا يعامله انتهى. ونقله أبو الحسن نحوه

    [ 79 ]
    عن ابن يونس، وهذا الكلام يشهد لابن عبد السلام فيما قاله في المأذون له في التجارة إذا أخره استئلافا ونصه: ومنع سحنون من التأخير بالثمن لانه إن كان عن غير فائدة فظاهر، وإن كان لمنفعة الاستئلاف فهو سلف جر منفعة، وأجيب باختيار القسم الثاني ولا يلزم عليه ما ذكر لانها منفعة غير محققة الحصول. وأيضا فإنه منقوض بالحر فإنه يجوز له التأخير بالاثمان طلبا التحصيل محمدة الثناء انتهى. قال ابن عرفة: رد ابن عبد السلام على سحنون يرد بأنه إن أراد بنفي تحقق المنفعة نفي ظنها منع، وإن أراد نفي علمها لم يضر لان الظن كاف، وقوله بجوازه في الحر طلبا للثناء ممنوع انتهى. فقوله: إن الظن كاف في المنع يرده كلام اللخمي ونحوه لابن يونس عن بعض القرويين، وقوله: إنه في الحر ممنوع لطلب الثناء يرده أيضا قول اللخمي: يرجو به حسن المعاملة من سائر الناس فتأمله والله أعلم. ثم قال اللخمي: وإن وضع أحد الشريكين كان الجواب على ما تقدم في التأخير، فلا يجوز على وجه المعروف، ثم ينظر هل يمضي نصيب الذي وضع من ذلك، أو يجوز إن أراد الاستئلاف إلا أن يكثر فيها حط فيرد الزائد على ما يراد به الاستئلاف ؟ انتهى. فعلم من كلام اللخمي أن مقدار التبرع لاجل الاستئلاف يرجع فيه للعادة والله أعلم. ص: (أو خف كإعارة آلة أو دفع كسرة) ش: قال في المدونة: وليس لاحد المتفاوضين أن يعير من مال الشركة إلا أن يوسع له في ذلك شريكه أو يكون شيئا خفيفا كعارية غلام ليسقي دابة ونحوه، فأرجو أن لا يكون بذلك بأس، والعارية من المعروف الذي لا يجوز لاحدهما أن يفعله في مال الشركة إلا بإذن صاحبه إلا أن يكون أراد به استئلاف التجارة. وإن وهب أحدهما أو أعان على المعروف ضمن حصة شريكه إلا أن يفعل ذلك للاستئلاف فلا يضمن انتهى. ص: (ويبضع ويقارض) ش: قال في المدونة: ولاحد المتفاوضين أن يبضع ويقارض دون إذن الآخر انتهى. قال اللخمي: هذا إذا كان المال واسعا يحتاج فيه إلى مثل ذلك، فإن لم يكن فيه فضل عنهما لم يخرجه عن نظره إلا برضا شريكه أو يكون ذلك في شئ بار عليهما وبلغه عن بلد نفاق ولا يجد إلى السفر به سبيلا، أو يبلغه عن سلع نفاق ببلد فيبعث ما يشبه أن يبعث به من مثل ما بأيديهما، ومثل هذا يعرف عند النزول انتهى. ونقله أبو الحسن وظاهره أنه وفاق للمدونة.

    [ 80 ]
    تفريع: قال في المدونة: وإن أبضع أحدهما مع رجل دنانير من الشركة ثم علم الرجل بموت الذي أبضعها معه أو بموت شريكه، فإن علم أنها من الشركة فلا يشتري بها شيئا وليردها على الباقي وإن بلغه افتراقهما فله أن يشتري لان ذلك لهما بعد وفي الموت يقع بعضه للورثة وهم لم يأمروه انتهى. قال أبو الحسن: ولا يشتري بنصيب الباقي لان نصيبه مشاع في جميع المال وليس للمبضع معه أن يقسم ذلك انتهى. قال اللخمي: وإن علم في الموت أن المال من غير المفاوضة لم يكن له أن يشتري إن مات المبضع، وإن مات من لم يبضع كان له أن يشتري، وإن لم يعلم ذلك المال من المفاوضة أو مما يخصه لم يشتر لان أمره موقوف على الكشف بعد الوصول فقد يكون من مال المفاوضة انتهى. ونقل أبو الحسن هذا الاخير عن ابن يونس واللخمي والله أعلم. فرع: يجوز لاحد الشريكين أن يستأجر من ينوب عنه. قال اللخمي في باب الشركة فصل: قال مالك في رجل أخرج مائتي دينار يشارك بها رجلا له مائة دينار، وكان صاجب المائتين ضم غلامين له يعملان عنه فدخل عليهما نقصان، أن النقص على قدر المالين ولا يكون للشريك في ذلك أجرة لانهم اعتدلوا في الابدان. قد أقام صاحب المائتين رجلين مقامه قال: وقال قبل ذلك له أجرة مثله، والاول أحسن إذا كان الغلامان يحسنان الاجارة، وإن كانا يخدمان كان للعامل إجارة مثله في المائتين وعلى إجارة الغلامين فيما ينوبه من خدمتهما انتهى. ونقله في الذخيرة. فظاهر كلامه جواز ذلك وأنه يجوز ابتداء وهو ظاهر كلام العتبية أيضا ونصها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ بن الفرج من كتاب الشركة: قيل لاشهب: إن اتسأجر رجلان أجيرين فاشتركا فيما يكسبان وكل واحمنهما مستأجر لاجيره على حدة ؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان الاجيران يعملان جميعا عملا واحدا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، لان يد كل واحد منها كيد مستأجر، فإذا تعاون أجراؤهما في العمل كان كتعاونهما أنفسهما فيه فتأمله والله أعلم. انتهى بلفظه. وإذا جاز له ذلك، فهل يجوز له أن يدفع الاجرة لشريكه على أن يتولى العمل جميعه ؟ فتأمله والله أعلم. ص: (ويودع لعذر وإلا ضمن) ش: قال اللخمي: ولا يجوز لاحد الشريكين أن يودع شيئا من مال الشركة إلا لعذر، وكذلك أحد المتفاوضين، وله أن يقبل الوديعة اختيارا من غير عذر، فإن مات المودع ولم توجد

    [ 81 ]
    الوديعة كانت في ذمته كان شريكا أو مفاوضا انتهى. وقال في المدونة: وأما إيداعه فإن كان لوجه عذر لنزوله بلدا يرى أن يودع إذ منزله الفنادق فذلك له، وأما إن أودعه لغير عذر ضمنه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: فذلك له أي عليه وإنما قال ذلك له ليرفع إيهام من يتوهم أنه لا يجوز له انتهى والله أعلم. ص: (ومستعير دابة بلا إذن وإن للشركة) ش: يشير إلى قوله في المدونة: وإذا استعار أحدهما ما حمل عليه لنفسه أو لمال الشركة فتلف فضمانه على المستعير ولا شئ على شريكه، لان شريكه يقول: كنت استأجرت لان لا أضمن. وقال غيره: لا يضمن الدابة في العارية إلا بالتعدي. قال أبو الحسن: ظاهر هذا أن ابن القاسم تكلم في الدابة، وهذا خلاف أصله فيما لا يغاب عليه أنه لا يضمن في العارية إلا بالتعدي، فذهب حمديس إلى أن معنى قول ابن القاسم فيما يغاب عليه أبو الحسن: فيكون قوله: ما حمل عليه يحتمل أن يكون إلا كاف. وقال أبو محمد: يريد بعد أن يتبين كونه في الحيوان فقول الغير تفسير.

    [ 82 ]
    وذكر عن القابسي أنه إنما يضمن إذا قضى به قاض يرى ذلك وهو رأي أهل الكوفة، وكان القاضي بمصر يومئذ ممن يرى ذلك انتهى. فحاصله أن معنى استبداده بالخسر هنا أن الضمان عليه، والضمان إنما يكون بالتعدي أو بأن يظهر كذبه أو يحكم به حاكم يرى ذلك، وأما استبداده بالربح هنا فلم أر من صرح به، وانظر هل معناه أنه يطالب شريكه بما ينوبه من كرائها ولم أقف على شئ في ذلك فتأمله. فرع: قال فيها: وإن استعارها أحدهما لحمل طعام من الشركة فحمله شريكه الآخر عليها بغير أمر شريكه لم يضمن إن فعل بها ما استعيرت له وشريكه كوكيله والله أعلم. ص: (إلا أن يعلم شريكه بتعديه في الوديعة) ش: اقتصر المصنف على العلم. والذي في المدونة: فإن علم شريكه بالعداء ورضي بالتجارة بها بينهما فالربح بينهما والضمان عليهما، ولا شك أن الرضا أخص من العلم فتأمله. ص: (وكل وكيل) ش: أي كل واحد من الشريكين وكيل عن الآخر فلذلك لا شفعة لاحدهما فيما باعه الآخر. قاله في كتاب الشفعة من المدونة. وإن ادعى أحدهما بما قيمته ربع دينار فليس له تغليظ اليمين لان الذي يجب لكل نصف ذلك، وإن ادعى عليهما بربع دينار فتغلظ اليمين لان كل واحد عليه نصف الحق وهو كفيل بنصف الذي على صاحبه. قال في كتاب الدعاوى من الذخيرة والله

    [ 83 ]
    أعلم. وسيأتي في الشفعة في قول المؤلف: وشفع لنفسه أو ليتيم آخر شئ من ذلك والله أعلم. ص: (وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد) ش: ظاهر كلام ابن عرفة وابن غازي أنه لا يجوز بعد العقد، وقد صرح بجواز ذلك بعد العقد في كتاب الشركة من المدونة قال بعد أن ذكر أنهما إذا عقداها على شرط التفاوت تفسد ما نصه: ولو صح عقد المتفاوضين في المال ثم تطوع الذي له الاقل فعمل في الجميع جاز ولا أجر له انتهى. وتقدم كلامه هذا

    [ 84 ]
    عند قول المؤلف: ولزمت بما يدل عرفا ص: (ولمقيم بينة بأخذ مائة أنها باقية إن شهد بها عند الاخذ أو قصرت المدة) ش: يعني أن القول لمن أقام من الشريكين بينة بأن صاحبه

    [ 85 ]
    أخذ مائة أن المائة باقية إن شهد بها عند أخذه لها، سواء طالت المدة أو قصرت، وكذا إن لم يشهد بها عند الاخذ إن قصرت المدة، هذا ظاهر كلامه والمسألة في آخر كتاب الشركة من المدونة قال فيها: وإن مات أحد الشريكين فأقام صاحبه بينة إن مائة دينار من الشركة كانت عند الميت فلم توجد ولا علم مسقطها، فإن كان موته قريبا من أخذها فيما يظن أن مثله لم يشغلها في تجارة فهي في حصته وما تطاول وقته لم يلزمه. أرأيت لو قالت البينة أنه قبضها منذ سنة وهما يتجران، أيلزمه ؟ أي أنه لا شئ عليه انتهى. وذكر في النوادر عن كتاب محمد نحو هذا وأن محمد بن المواز قيده بما نصه محمد إن أشهد على نفسه بأخذ المائة شاهدين لم يبرأ منها إلا ببينة أنه ردها، وإن طال ذلك، وأما إقراره بغير تعمد إشهاد ولا كتاب فكما قال في صدر المسألة انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره مسألة المدونة وتقييد محمد: انظر قوله ولا كتاب ظاهره إن كان بكتاب لم يبر إلا ببينة، ووجهه أنه إذا أخذها فقد وثق أخذها فلا يبرأ إلا بدليل على البراءة انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكره كلام المدونة وتقييد محمد: وحاصله أن كلامه في المدونة مقيد بما إذا لم يشهد، وأما إذا أشهد على نفسه بأخذ المائة فلا يبرأ منها إلا بإشهاد أنه ردها، طال ذلك أو قصر. والظاهر أن مراد

    [ 86 ]
    محمد بقوله: أشهد أن تكون البينة قصد بها التوثق كما قالوا في البينة التي لا تقبل دعوى المودع معها الرد هو أن يأتي بشهود يشهدهم على دفع الوديعة للمودع، وأما لو دفع بحضرة قوم ولم يقصد التوثق بشهادتهم فلا، ولانه الذي يفهم من قول محمد. وأما إن كان إقراره من غير قصد إشهاد فكما ذكر ابن القاسم انتهى. إذا علمت ذلك فيتعين أن يكون قول المصنف: إن أشهد بهمزة في أوله على أنه رباعي أي أشهد بها قاصدا للتوثق كمسألة المودع، وقد نبه على ذلك ابن غازي والله أعلم. تنبيه: علم مما تقدم أن الموجب للضمان هو الاشهاد بأخذها بقصد التوثق، وإن مما يدل على ذلك كون الاشهاد بكتاب كما قال ابن عرفة: وإذا حصل الاشهاد المقصود به التوثق فلا يسقط بطول الزمان ولو زاد على عشرين كما في الوديعة فإنه سيأتي إن شاء الله أن قول المصنف في باب الوديعة: إلا كعشر إنما هو إذا كانت بغير إشهاد مقصود به التوثق، وأما مع الاشهاد فلا يبرأ إلا بدفعها. فإذا مات الشريك وليوص بشئ مما أشهد أنه عنده من مال الشركة ولم يوجد فيحمل على أنه عنده، وأما إذا كانت بغير إشهاد أو إشهاد لم يقصد به التوثق فيكفي في سقوط الضمان بها مضي سنة ونحوها بخلاف الوديعة كما سيأتي. وفرق بينهما ابن رشد بأن الشريك مأذون له في التصرف فيحمل على أنه ردها بخلاف المودع. تنبيه: علم من هذا أن هذا إنما يفيد حيث يكون المال الذي للشركة تحت يده وهو يتصرف فيه، فيحمل على أنه رالبعض الذي أخذه، وأما لو علم أنه لم يصل إلى ذلك فلا يفيد. والظاهر أيضا أنه لا فرق بين مائة أو جميع مال الشركة أعني إذا أشهد بأنه حبسه تحت يده، فإن كان الاشهاد مقصودا منه التوثق لم يبرأ منه إلا بإشهاد وإلا فلا و الله أعلم. ص: (وإن اشترى " جارية لنفسه فللآخر ردها) ش: ذكر رحمه الله لشراء الجارية ثلاثة أوجه كما قال في التوضيح: الاول أن يشتريها لنفسه للوطئ أو للخدمة بغير إذن شريكه، وهذا هو الوجه الذي أشار إليه بقوله: فللآخر ردها يعني أن للشريك الآخر أن يردها للشركة، وله أن يمضيها له بالثمن الذي اشتراها به. وقاله في المدونة. وهذا إذا لم يطأها المشتري، فإن وطئها فحكمها حكم من وطئ أمة الشركة وسيأتي.

    [ 87 ]
    فرع: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة: فإن قال له اشتر سلعة كذا للشركة ففعل ثم جحد أن يكون أمره بذلك وزعم أنه إنما اشتراه لنفسه خالصا من ماله فأقام عليه البينة أنه أمره قال: أراه بينهما على ما أمره. قال ابن رشد: قوله في هذه المسألة ثم جحده دليل هو كالنص أنه لو أقر أنه أمره بذلك وقال: لم أرد أن أشتري لك شيئا فاشتريته لنفسي لم يكن ذلك له وكان معه شريكا شاء أو أبى. فرع: قال في السؤال المذكور: فإن قال: إني أشركتك فيه فلانا وفلانا عند الاشتراء ولا يعلم ذلك إلا بقوله قال: أرى ذلك بينهما على ما أمره ولا يصدق في قوله: إنه أشرك فيه فلانا وفلانا. قال ابن القاسم: ويدخل فيه اللذان يزعم أنه أشركهما بذلك على اللذين أقر لهما إن كان أقر لهما بالنصف كان لهما نصف ما في يديه، وإن كان الثلث فلهما الثلث مما بقي في يديه أو أقل من ذلك أو أكثر، فعلى هذا يحسب. ولا يؤخذ ما في يديه كله لانه أقر لهما بهذا الذي في يديه والذي صار لصاحبه. قال ابن رشد: قوله: ولا يصدق في قوله إنه أشرك فيه فلانا وفلانا دليل على أنه لو كان لفلان وفلان بينة على أنه أشركهما في ذلك لوجب أن يكونا أحق بالنصف وفي ذلك اختلاف. قيل: إنه لا يكون لهما إلا نصف النصف لانه إنما أشركهما في ماله ومال غيره فهو يقول: لهما إني أشركتكما في حقي وحق غيري فليس لكما إلا نصف ما بيدي، والثاني أنه يكون لهما جميعا النصف لانهما يقولان له: اشتركنا في نصف ذلك ولك نصفه وأسلمه إلينا، وهذا القول الثاني مخرج من مسألة الحانوت بين رجلين باع أحدهما نصفه على الاشاعة. انتهى مختصرا والله أعلم. ص: (إلا للوطئ بإذنه) ش: هذا هو الوجه الثاني. قال في التوضيح: الثاني أن يشتريها للوطئ بإذن شريكه فلا شك أن شريكه أسلفه نصف ثمنها وأن ربحها له وعليه نقصها انتهى. قلت: وقوله يشتريها للوطئ فيه إجمال والاحسن أن يقول: أن يشتريها لنفسه بإذن شريكه للوطئ أو غيره وهكذا نقله ابن يونس وأبو الحسن. قال أبو الحسن: الوجه الثاني أن يشتريها لنفسه بإذن شريكه على أن يضمنها إن هلكت فله ربحها وعليه خسارتها، وهذا قد أسلف شريكه نصف ثمنها فله النماء وعليه النقصان انتهى. وأما لو اشتراها بإذن شريكه ليطأها وعلى أنها للشركة بمعنى أن الربح والخسارة على المال. فنص اللخمي على أنها كالمحللة، فإن لم

    [ 88 ]
    يطأها ردت للشركة، وإن لم يعلم بذلك حتى وطئها لزمته قيمتها من غير خيار لواحد منهما. فهذا الوجه والذي قبله اشتركا في أنه اشتراها لنفسه، وافترقا من جهة أن الاول اشتراها بغير إذن شريكه والثاني اشتراها بإذن شريكه. ولهذا قال ابن غازي: إن ما وقع في بعض النسخ من قوله: إلا لوطئ أو بإذنه بجر اللفظين بالباء وعطف أحدهما على الآخر بأو قبل قوله: إلا للطوء أتم فائدة حسبما يظهر بالتأمل، وذلك أن هذه النسخة تفيد أنه اشتراها لنفسه في كلا الوجهين لكن في الاول بغير إذن شريكه، وفي الثاني بإذنه، ويفيد أن التخيير في الوجه الاول محله ما لم يطأ. ص: (وإن وطئ جارية للشركة بإذنه أو بغير إذنه وحملت قومت) ش: هذا هو الوجه الثالث وهو أن يشتري الجارية للشركة ثم يطؤها. وهذا الوجه على ثلاثة أقسام: أحدها أن يطأها بإذن شريكه فهذه محللة يلزم الواطئ قيمتها، حملت أو لم تحمل، وإلى هذا أشار بقوله: بإذنه وجوابها محذوف أي قومت، سواء حملت أو لم تحمل. ومثله ما إذا اشتراها ليطأها على أن ربحها وخسرها على المال ووطئها كما تقدم عن اللخمي. والثاني أن يطأ جارية الشركة بغير إذن شريكه وتحمل فيجب عليه قيمتها وإليه أشار بقوله: أو بغير إذنه وحملت قومت. فقوله: وحملت جملة حالية قيد في الوجه الثاني. تنبيه: هذان الوجهان وإن اشتركا في وجوب القيمة فهما مختلفان لانه إذا أعدم في الوجه الاول وحملت الامة لم تبع واتبع بالقيمة في ذمته، وأما إذا لم تحمل فتباع عليه لاجل القيمة. قاله في كتاب القذف من المدونة في الامة المحللة. وأما في الوجه الثاني فالذي رجع إليه مالك أن الشريك مخير، فإن شاء تمسك بنصيبه واتبعه بنصف قيمة الولد، وإن شاء أخذه بنصف قيمتها يوم حملت ويباع ذلك النصف على الواطئ بعد أن تضع فيما لزمه من نصف قيمتها فيأخذه الشريك إن كان كفافا بما لزم من نصف نصيب الواطئ وتبعه بنصف قيمة الولد دينا، وإن نقصت ما بيعت به عن نصف قيمتها يوم حملت اتبعه بالنقصان مع نصف قيمة الولد، ولو ماتت قبل الحكم كان عليه نصف قيمتها مع نصف قيمة ولده. قاله في كتاب القذف وسيذكر المصنف ذلك في كتاب أمهات الاولاد. ص: (والاخير الآخر في إبقائها وتقويمها) ش: أي وإن لم تحمل. وهذا هو القسم الثالث من الوجه الثالث وهو أن يطأ جارية الشركة بغير إذن شريكه ولم تحمل. واختلف فيها على أقوال. المشهور منها أن الشريك الذي لم يطأ مخير في أن يقومها على الواطئ أو يتماسك بحصته منها، وهذا القول هو الذي ذكره في كتاب أمهات الاولاد من المدونة. وفي كتاب القذف. وقال ابن رشد في نوازل سحنون

    [ 89 ]
    من كتاب الاستبراء. هذا قول في المدونة وهو المشهور في المذهب انتهى. وقال عياض في التنبيهات في كتاب أمهات الاولاد: وإن لم تحمل فالمعروف من مذهب المدونة والمفسر فيها في هذا الكتاب وغيره أن سيدها بالخيار في التقويم والتماسك، وقد جاء لفظان في كتاب الشركة ظاهرهما خلاف هذا انتهى. وصدر ابن الحاجب بهذا القول فعزاه في التوضيح لغير ابن القاسم في المدونة، واعترض على ابن الحاجب بأن مقتضى المدونة إنما هو التخيير في إبقائها على الشركة أو إمضائها بالثمن لا بالقيمة، وكأنه رحمه الله اعتمد ما حكى في توضيحه عن جماعة من علمائنا أن الامة المشتراة للتجارة ثم يطؤها على ضربين: أحدهما أن يشتريها للتجارة من غير قصد وطئ ثم يطؤها. والثاني أن يشتريها ليطأها وعلى أن الربح والخسارة فيها على المال، وهذه الثانية هي التي ذكر في المدونة فيها الخلاف، وأما الاولى فيخير شريكه بين مطالبته بالقيمة أو تركها بينهما إن لم تحمل انتهى. فكأنه حمل ما في أمهات الاولاد والقذف على الاولى، وما في الشركة على الثانية. والذي في التنبيهات والبيان يدل على أن الخلاف جار في الصورتين، ومذهب المدونة فيهما التخيير بين أن يتماسك بنصيبه أو يقومها عليه فتأمله. ومشى رحمه الله في هذا الكتاب على المشهور المعروف من مذهب المدونة، وعلى ما وقع في بعض النسخ من قوله: في إبقائها وتقويمها بصيغة التفعيل من القيمة. ويقع في كثير من النسخ ومقاومتها بصيغة المفاعلة ويرجع إلى الاول بتكلف، وفي بعض النسخ مقاواتها والمقاواة المزايدة وهذا يوافق ما في كتاب الشركة لمالك لكنه خلاف المشهور من المذهب والله أعلم. تنبيه: علم مما تقدم أنه لا فرق بين أن يشتريها للشركة من غير قصد وطئ ثم يطؤها، أو يشتريها للوطئ وعلى أن الربح والخسارة للمال، ومثله أيضا ما إذا اشترى الامة لنفسه بغير إذن شريكه ووطئها. فرع: قال في البيان إثر كلامه المتقدم: وإذا تمسك الشريك بنصيبه ولم يقومها على شريكه منع الشريك من الغيبة عليها لئلا يعود إلى وطئها ويعاقب على ما فعل من ذلك، وإن كان جاهلا لم يعذر بجهله إلا أن عقوبته أخف من عقوبة العالم. قاله ابن حبيب انتهى. قلت: هو خلاف قولها في كتاب القذف: وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما وهو عالم بالتحريم لم يحد لشبهة الملك وعليه الادب إلا أن يعذر بجهل انتهى. وفي كتاب

    [ 90 ]
    أمهات الاولاد من التوضيح: ويؤدب إلا أن يعذر بجهالة على المشهور. ص: (وإن اشترطا نفي الاستبداد فعنان) ش: قال ابن عرفة: قال عياض: عنان ضبطناه بكسر العين وهو المعروف، وفي بعض كتب اللغة فتحها ولم أره انتهى. وقال ابن عبد السلام: منهم من يضبطها بفتح العين، منهم من يضبطها بالكسر انتهى. وهي جائزة ويلزم الشرط. قاله ابن شاس وابن الحاجب. ونص ابن الحاجب: فإن شرطا نفي الاستبداد لزم وتسمى شركة العنان، قال ابن عبد السلام: يعني أن كل واحد من الشريكين يجوز تصرفه في مال الشركة في حضرة صاحبه ومع غيبته، فلو شرط أنه لا يتصرف واحد منهما إلا بحضرة صاحبه وموافقته على ذلك وهو معنى نفي الاستبداد لزم الشرط وتسمى شركة عنان، وظاهر كلامه أنه يكفي في تسميتها بهذا الاسم حصول الشرط المذكور، سواء كانت في نوع من المتاجر أو لا. ومنهم من قال: هي الشركة في نوع مخصوص، سواء حصل ذلك الشرط أو لم يحصل. ومنهم من قال: هي الشركة في شئ بعينه يعني كثوب واحد أو دابة واحدة، واختلف في الاشتقاق مماذا هو اختلافا كثيرا. قال ابن القاسم: وأما شركة عنان فلا نعرفه من قول مالك، ولا رأيت أحدا من أهل الحجاز يعرفه. قيل: إنه لم يعرف استعمال هذا اللفظ ببلدهم. قلت: وقد علق ابن القاسم الحكم على شركة العنان في غير موضع من المدونة لكنه لم يفسرها اه‍. ص: (وجاز لذي طير وذي طيرة أن يتفقا على الشركة في الفراخ) ش: قال ابن سلمون: وسئل بعض فقهاء الشورى عن الرجل يجعل ديكا ويجعل الآخر دجاجة ويشتركان في الفلاليس. فقال: لا يجوز ذلك لانهما لا يتعاونان على الحضانة. قال: فإن جعل أحدهما حمامة أنثى والآخر ذكرا

    [ 91 ]
    جازت الشركة لانهما يتعاونان على الحضانة انتهى. وانظر البرزلي في الشركة. ص: (إن لم يقل وأنا أبيعها لك) ش: فإن وقع ذلك عثر عليه قبل النقد أمر كل واحد أن ينقد حصته ويتولى بيعها، وإن عثر على ذلك بعد النقد أمر المنقود عنه أن يدفع ما نقده عنه معجلا ولو شرط تأجيله، ولا يلزمه بيع حظ المسلف إلا أن يستأجره بعد ذلك استئجارا صحيحا، فإن كان قد باع فله جعل مثله. ص: (وإن أسلف غير المشتري جاز إلا لكبصيرة المشتري) ش: أي فلا يجوز لانه يصير سلفا بمنفعة. قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة من البيان مسألة: قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن ما لك أنه قال في رجل دعا أخا له إلى أن يسلفه ذهبا ويخرج مثلها ويشاركه فيها ويتجران جميعا بها في موضعها أو يسافران في ذلك. قال ابن القاسم: إذا كان ذلك على وجه الصلة والمعروف منه إلى أخيه ولا حاجة إليه في شئ إلا الرفق به فلا بأس بذلك، وأما إن كان يحتاج إليه في بصر في البيع والاشتراء أو إنفاذه في التجارة ولعلمه ونحوه فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وقال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على كل حال، وتفسيره الاول هو أحب إلي. قال ابن رشد: قوله: إذا كان منه على وجه الصلة والمعروف منه إليه ولا حاجة له في شئ من ذلك إلا الرفق صحيح لانه إذا فعل ذلك لارتفاقه بمشاركته إياه في وجه من الوجوه كان سلفا جر منفعة، وقد نهى (ص) عن سلف جر نفعا. ولا اختلاف في أنه لا بأس بذلك إذا صحت نيته في ذلك، ولا في أنه لا

    [ 92 ]
    يجوز إذا قصد به منفعة نفسه. وإنما الخلاف إذا لم يقصد فمرة رأى مالك النية في ذلك محتملة فسأله عنها فصدقه فيها، ومرة رآها بعيدة، والاظهر منه أنه قصد منفعة نفسه بدليل سؤاله إياه الشركة فنهاه عن ذلك. وقال: لا خير فيه، ولو كان الشريك هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه لوجب أن يسأل عن نيته في ذلك قولا واحدا. وهذا كله فيما يؤمر به ابتداء وينهى عنه، وأما إذا وقع ذلك وادعى أنه قصد بسلفه منفعة نفسه ليأخذ سلفه معجلا إن كان ضرب له أجلا أو قيمته إن كان عرضا وفات، فعلى القول بأنه يسأل عن نيته ابتداء لا يصدق في ذلك، وعلى القول بأنه لا يسأل عن نيته ابتداء وينهى عن الفعل يصدق في ذلك مع يمينه ويأخذ سلفه معجلا انتهى. فإن لم يطلع عليه حتى فاتت الشركة وعملا فللمقرض ربح المائة القرض، وإن كان المقترض اشترط عليه الانفراد في العمل فله ربح المائة القرض، وله أجرة عمله في مائة صاحبه، هذا الذي يقتضيه الفقه فتأمله. وقال إثر هذه المسألة مسألة: قال ابن القاسم قال مالك في رجلين اشتركا في مال لهما لا يستويان فيه لاحدهما مائة وللآخر خمسون. ثم إن صاحب المائة دعا صاحب الخمسين إلى أن يسلفه نصف الخمسين التي يفضله بها حتى يستويا في الشركة. قال: إذا كان ذلك على غير شرط المشاركة ولا لحاجة من المسلف الذي أسلفه في بصر ولا على شئ إلا الرفق به فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا كان ذلك شرطا في أصل الشركة فلا يجوز من أجل أنه إذا كان ذلك شرطا في أصلها، وذلك مثل أن يقول له لي مائة دينار فأنا أسلفك منها خمسة وعشرين على أن تشاركني بأن أخرج أنا الخمسة والسبعين الباقية لي وتخرج أنت مثلها بالخمسة والعشرين التي أسلفتك، فقد تبين أن المسلف قصد منفعة نفسه فكان ذلك سلفا جر منفعة. وكذلك لو قال له ذلك بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هذا مائة وهذا خمسين يشتركان فيها على الثلث والثلثين، لما جاز أيضا لان الشركة من العقود الجائزة التي لا تلزم بالعقد. وإنما يفترق أن يقول له ذلك في العقد أو بعده إذا قاله على وجه غير الشرط مثل أن يقول له: تعال أسلفك خمسة وعشرين فتضيفها إلى الخمسين التي لك فأخرج أنا خمسة وسبعين مثلها فنشترك فيها، أو يقول له ذلك بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هو مائته وهذا خمسينه فيشتركان فيها على الثلث والثلثين، لانه إذا قال له ذلك في العقد ابتداء كان الاظهر منه أنه قصد منفعة نفسه فصدق في ذلك مع يمينه إن ادعاه حسبما مضى في المسألة قبلها. وإذا قال له ذلك بعد العقد كان محمولا على أنه لم يقصد منفعة نفسه إذ قد رضي بشركته فأشبه أن يكون المشترك هو الذي سأله ذلك. ولو قال له ذلك بعد أن عقد الشركة واشتريا بها عروضا للتجارة على الثلث والثلثين مبلغ رؤوس أموالهما لكان ذلك بيعا جائزا أو إن سمياه سلفا لانه باع منه سدس العرو ض بالخمسة والعشرين التي سمياه سلفا انتهى. والله أعلم. ص:

    [ 93 ]
    (وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره) ش: يريد ولم يبين المشتري أنه إنما يشتريه لنفسه فقط، فإن تبين ذلك لم يكن لاحد ممن حضره دخول معه. قاله ابن الحاجب وغيره. قلت: والمراد أن يبين ذلك لتجار تلك السلعة الذين يريدون مشاركته كما يؤخذ ذلك من كلام ابن عبد السلام وغيره بعد أن ذكر أنهم يشاركونه قال ما نصه: ما لم يبين متولي الشراء أنه لا يشارك منهم أحدا، ومن شاء منهم أن يزيد عليه زاد، فإذا بين لهم هكذا لم يكن لاحد ممن حضر دخول معه انتهى. وهو كلام حسن. ص: (وهل وفي الزقاق لا كبيته قولان)

    [ 94 ]
    ش: صدر في الشامل بأنهم لا يشاركونه إذا اشترى في الزقاق وعطف القول بالشركة فيه بقيل. ص: (إن اتحدا أو تلازما) ش: يريد والله أعلم بالتلازم أن يكون صنعة أحدهما لا تنفق إلا بنفاق الاخرى. تنبيه: قال في النكت: واعلم أنه إنما لا تجوز شركة ذوي صنعتين متى كانا يعملان بأيديهما. فأما إن كانا يتجران في صنعتين بأموالهما فذلك جائز. وكذلك رأيت لاشهب في كتاب ابن المواز. قال: لا بأس أن يخرجا مالا متساويا على أن يقعد مدا بزازا وهذا قطانا انتهى

    [ 95 ]
    والله أعلم. ص: (وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر أو لا بد من ملك أو كراء تأويلان) ش: ذكر رحمه الله مسألتين: الاولى منهما: هل يكفي في الشركة أن يخرج كل منهما آلة مساوية لآلة الآخر وهو قول سحنون وتؤول المدونة عليه، أو لا بد أن يشتركا في الآلة بملك أو كراء ولو بأن يكتري من شريكه وهو ظاهر المدونة بل صريحها كما سيأتي في مسألة الرحا والبيت والدابة ؟ لكنه قال في المدونة: إن وقع مضى وصحت الشركة. وسيأتي بيان ذلك في قوله: كذي رحا وذي بيت وذي دابة، وعلى كلا التأويلين فذلك لا يفسد الشركة كما تقدم عن المدونة الثانية هل يكفي في الاشتراك في الآلة أن تكون لاحدهما ويستأجر الآخر منه نصفها. قال في التوضيح: قال عياض وغيره: هو ظاهر الكتاب. قال ابن عبد السلام: وهو المشهور من المذهب وعليه اقتصر ابن الحاجب أو لا بد من التساوي في الملك والكراء من غيرهما وهو مروي عن ابن القاسم. قلت: كلامه في المدونة في مسألة تطوع أحد الشريكين بكثر الآلة وفي مسألة صاحب البيت والرحا، صريح في الاول وسيأتيان. ففي تسوية المصنف بين التأويلين في هذه المسألة نظر والله أعلم. وهذا فيما يحتاج فيه إلى الآلة التي لها قيمة، وأما ما لا يحتاج

    [ 96 ]
    إلى الآلة أو يحتاج إلى آلة لا قدر لها كالخياطة فلا كلام في ذلك. انظر التوضيح. ص: (وصائدين في البازين وهل وإن افترقا رويت عليهما) ش: مقتضى كلامه أنه لا بد في شركة الصائدين من اشتراكهما في البازين. ثم هل تجوز وإن افترقا أو لا بد مع ذلك من اجتماعهما ؟ في ذلك قولان رويت المدونة عليهما. وقد يتبادر هذا إلى الفهم من كلامه في التنبيهات لكن إذا تأملته وجدته يدل على أن المدونة رويت على قولين: أحدهما أنه لا بد أن يشتركا في البازين وأن لا

    [ 97 ]
    يفترقا قابل يكون طلبهما واحدا. والثاني أن الشرط أحد شيئين إلا أن يشتركا في البازين فتجوز الشركة وإن افترقا أو يجتمعا في الطلب فتجوز وإن لم يشتركا في رقاب البازين. ولفظ المدونة: ولا يجوز أن يشتركا على أن يصيدا ببازيهما أو كلبيهما إلا أن يملكا رقابهما أو يكون البازان أو الكلبان طلبهما واحدا لا يفترقان. قال في التنبيهات: كذا في روايتي عن شيوخي يعني بأو وفي بعض الروايات ويكون البازان فعلى هذا لا يتفرق الصائدان وإن اشتركا فيهما كالصانعين، ونحوه في كتاب محمد. وأما على رواية أو فاستدل منه الاشياخ على الاشتراك إذا حصل بينهما لم يلزم اجتماعهما وجاز الافتراق، ويستدل منه أيضا على أن التساوي في الآلة يجوز مع الاشتراك وإن لم يشتركا فيها. انتهى بالمعنى. فآخر كلامه يدل على أن أحد الامرين كاف فتأمله. ونص اللخمي على أن أحد الامرين كاف فقال: إن كانت البزاة أو الكلاب مشتركة جاز وإن افترقا في الاصطياد، وإن لم يفترقا في البزاة والكلاب جازت الشركة إذا كان الصيد بهما معا يتعاونان ولا يفترقان، فيكون مضمون الشركة عملا بعمل ولا يجوز إذا افترقا انتهى. فلو قال المصنف: وصائدين وهل وإن اشتركا في البازين ولم يفترقا أو أحدهما كاف رويت عليهما لكان موفيا بالروايتين. وعلى رواية: أو اختصرها ابن يونس وأبو سعيد وغيرهما، ثم ذكر ابن يونس عن ابن القاسم من رواية ابن المواز قولا كالرواية الاخرى والله أعلم. فرع: قال التونسي: وكذلك إن كان لاحدهما وللآخر كلب وكانا يتعاونان في الصيد لجاز انتهى والله أعلم. ص: (ولم يستحق وارثه بقيته وأقطعه الامام وقيد بما لم يبد) ش: قوله: بقيته أي بقية المعدن. وقوله: وقيد بما لم يبد أي وقيد ذلك بأن هذا فيما لم يبد من النيل، وأما ما بدا فلورثته والمقيد بذلك القابسي. ولفظ المدونة على اختصار ابن يونس: ومن مات منهما بعد إدراكه النيل لم يورث حظه من المعدن، وللسلطان أن يقطعه لمن رأى وينظر في ذلك للمسلمين انتهى. قال في النكت: ذكر بعض القرويين عن الشيخ القابسي أنه قال: معنى قول ابن القاسم أدركا نيلا أنهما أخرجاه واقتسماه فليس لورثة الميت التمادي على العمل في المعدن على سبيل المعدن إلا بقطيعة من الامام يقطعه لهم أو لغيرهم. ولم يتكلم ابن القاسم

    [ 98 ]
    على أنهما لم يخرجا شيئا انتهى. فمعنى كلام المصنف أن قوله في المدونة: ولم يستحق وارثه بقيته يريد به الانيال التي لم تبد، وأما النيل الذي بدا أو عمل فيه وقارب أن يبدو فلورثته فتأمله والله أعلم. ص: (ولزمه ما يقبله صاحبه وضمانه وإن تفاصلا) ش: يعني أن أحد شريكي العمل إذا قبلا شيئا ليعملا فيه لزم شريكه الآخر أن يعمله معه، ولا يشترط أن يعقدا معا، ويلزم أحدهما الضمان فيما أخذه صاحبه ولو افترقا كما لو أخذ أحدهما شيئا ليعملا فيه فتلف ثم تفرقا فجاء صاحبه يطلب به الذي دفعه له فالضمان عليهما معا. قال في المدونة: وما يقبل أحد الشريكين للصنعة لزم الآخر عمله وضمانه يؤخذ بذلك وإن افترقا. ص: (وألغى مرض كيومين وغيبتهما لا إن كثر) ش: يعني أن شريكي العمل إذا مرض أحدهما يوما أو يومين أو غاب يوما أو يومين وعمل صاحبه في اليومين المذكورين فالعمل بينهما ويلغى مرض اليومين وغيبتهما، وأما ما كثر فلا يلغى وهو يشير إلى قوله في المدونة: وإذا مرض أحد شريكي الصنعة أو غاب يوما أو يومين فعمل صاحبه، فالعمل بينهما لان هذا أمر جائز بين الشركاء إلا ما تفاحش من ذلك وطال فإن للعامل إن أحب أن يعطي لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك. وإن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما انتهى. فاختصار المصنف مطابق للمدونة إلا أنه يحتاج إلى تنبيهات. الاول: أن المؤلف قال: كيومين فيفهم منه أن ما قارب اليومين له حكمهما. واقتصر في المدونة على ذكر اليومين وكان المصنف اعتمد على مفهوم قوله في الشق الثاني إلا ما تفاحش من ذلك وطال ولم يبينه وكأنه أحال على العرف. وقد تقدم عن الشيخ أبي الحسن في مسألة الرد على أحد الشريكين ما باعه صاحبه في غيبة البائع أنه يفرق في ذلك بين القرب والبعد، وأن القرب اليومان والثلاثة والبعد العشرة قال: وما بينهما من الوسائط يرد ما قارب القرب إلى القرب، وما قارب البعد إلى البعد انتهى. وينبغي أن يجري مثل ذلك في ما شابه مثل ذلك من الابواب. الثاني: الضمير في غيبتهما راجع إلى اليومين وتحير الشارح في ذلك في الكبير ورده إلى الشريكين، وتكلف له بأن فيه تجوزا وأن المراد غيبة أحدهما. وإنما قال: غيبتهما لئلا يتوهم أن الغيبة لو حصلت من أحدهما ثم حصلت من الآخر لم تغتفر فنبه على ذلك، وإن اغتفر ذلك مع غيبتهما فلان يغتفر مع غيبة أحدهما من باب أولى، والصواب ما تقدم وهو شامل لما ذكره الشارح والله أعلم.

    [ 99 ]
    الثالث: لم يفهم من قول المصنف: لا إن كثر كيف يعمل في ذلك، وإنما فهم منه أنه لا يلغى، واقتصر البساطي في شرحه على ذلك وكلام الشارح يوهم أن العامل يختص بأجرة ذلك. قال في الشرح الكبير: أي فإن كثر اختص به العامل وليس كذلك، وكذلك كلامه في المدونة ليس فيه ما يدل على ذلك وقد صرح بذلك اللخمي وغيره، وأن معناه أن الاجرة بينهما وللعامل على المريض أجر عمله. قال اللخمي في تبصرته: وإذا عقد الشريكان الاجارة على عمل ثم مرض أحدهما أو غاب أو مات كان على الآخر أن يوفي بجميع ذلك العمل، وسواء كانت الشركة على أن العمل مضمون في الذمة أو على أعيانهما لانهما على ذلك يشتركان، وعليه يدخل الذي يستأجرهما لانهما متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر. وإن كانت الاجارة في الصحة ثم مرض أحدهما مرضا خفيفا أو طويلا أو غاب أحدهما إلى موضع قريب أو بعيد كان على الصحيح الحاضر القيام بجميع العمل، وكذلك إذا عقد الاجارة على شئ في أول المرض ثم برأعن قرب أو بعد أو في سفر أحدهما إلى قرب من المكان ثم رجع عن قرب أو بعد أن بعد فكل ذلك سواء، فإن على الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل. هذا في حق الذي له العمل، وكذلك في المسمى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان في الوجهين جميعا. ويفترق الجواب في رجوع الذي عمل على صاحبه، فإن كان المرض الخفيف والسفر القريب لم يرجع لان العادة العفو عن مثل ذلك ولولا العادة لرجع، فإن طال المرض أو السفر رجع على صاحبه بإجارة المثل انتهى. ويكون ربح العمل بينهما. ونقله القرافي في ذخيرته وقبله، وكذلك الشيخ أبو الحسن ونحوه للرجراجي ونصه: وأما البدنية فإن كان المرض يسيرا مما الغالب فيه التسامح فالربح بينهما ولا شئ للمعافى على الموؤف، فإن كان كثيرا فهل يكون المعافى متطوعا أم لا ؟ قولان: أحدهما أنه متطوع له وهو قول أشهب. والثاني لا يكون متطوعا له وهو قول ابن القاسم. فعلى قوله يكون الربح بينهما ويطالبه بأجرة عمله انتهى. وأطلق الربح على الاجرة ويعني بالموؤف المريض والله أعلم. الرابع: انظر هل يلغى من الكثرة يومان ؟ قال البساطي: ظاهر كلامه أنه لا يلغى منه شئ انتهى. قلت: ويأتي الخلاف فيه في القولة التي بعدها. الخامس: علم من قول اللخمي في كلامه المتقدم حيث قال: ثم مرض أحدهما أو مات أو غاب إن الموت كالغيبة والمرض، وعليه فينبغي أن يقال: إن عمل بعد موته يوما أو يومين ألغى ذلك وإن كثر لم يلغ كما تقدم. السادس: علم أيضا من كلامه أنه لا فرق بين أن يكونا أخذا الشئ الذي يعملان فيه في الصحة أو بعد مرض أحدهما أو سفره، وهو جار على ما تقدم من أن ما أخذ أحدهما لزم شريكه عمله وضمانه والله أعلم.

    [ 100 ]
    السابع: قال ابن يونس عن ابن حبيب: هذا في شركة الابدان، وأما في الشركة بالمال فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه والفضل بينهما لان المال أجره انتهى. وقال الرجراجي قبل كلامه المتقدم: وإذا مرض أحد الشريكين فإن كانت مالية فالربح بين المعافى والموؤف وله أجر عمله لان المال سبب الربح، وأما البدنية وذكر ما تقدم والله أعلم. الثامن: قال اللخمي: ولو عقد أحدهما إجارة بعد طول المرض أو بعد السفر كان ذلك له وحده لان الشركة حينئذ قد انقطعت، وكذلك ضمان ما هلك إذا كان العقد عليه في موضع لم تنقطع الشركة كانت القيمة عليهما، وإن كانت بعد إن انقطعت كانت عليه وحده انتهى. ونقل ابن يونس صدر هذا الكلام عن بعض القرويين وأقره. التاسع: علم من هذا الكلام أن ما عقد عليه أحد الشريكين قبل طول الغيبة وطول المرض يكون ضمانه منهما وهو جار على ما تقدم. العاشر: الفرق بين شريكي العمل وبين الاجيرين إذا استأجرهما أحد على عمل فمرض أحدهما فعمل الآخر جميع العمل قال في المدونة: للمريض نصيبه ولا شئ عليه وصاحبه متطوع. وقال الرجراجي: إن الشريكين كل واحد منهما حميل عن صاحبه ضامن عنه ما يقبلاه إذا كان المتاع مما يضمن فلهذا لم يصر الصحيح متطوعا، وأما الاجيران فليس أحدهما ضمينا ولا حميلا فلهذا صار الحافر متطوعا انتهى. واعلم أن القول بأنه لا شئ للعامل في مسألة الاجيرين لا يجري على القول بالرجوع بالقيام بالواجب، بل الجاري عليه أن يقال: إن المريض إن كان يمكنه عمل ذلك بأجيره أو بنفسه إذا صح فصاحبه متطوع، وإن كان لا يعمل ذلك بنفسه ولا بد أن يستأجر فالعامل له أجره، وراجع المسألة في كتاب الاجارة والله أعلم. ص: (وفسدت باشتراطه ككثير الآلة وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد) ش: يعني أن الشركة تفسد إذا شرط فيها إن مرض أحدهما الكثير وغيبته مغتفران للغرر. قال في المدونة إثر قوله السابق في القولة التي قبل هذه: إنت لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما أو

    [ 101 ]
    غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما وإن عقدا على هذا لم تجز الشركة، فإن نزل ذلك كان ما اجتمعا فيه من العمل بينهما على قدر عملهما وما انفرد به أحدهما له خاصة انتهى. زاد القرافي بعد قوله: لم تجز الشركة للغرر. قال ابن يونس إثر كلام المدونة المذكور: يريد قل أو كثر. ثم قال: قال بعض فقهائنا القرويين: وإن لم يعقدا على هذا لا ينبغي أن يكون القدر الذي لو صح هذا كان بينهما أن يكون بينهما، ويكون الزائد على ذلك للعامل وحده ويسمح في الشركة الصحيحة عن التفاضل اليسير. وأما إذا فسدت الشركة لم يسمح بذلك انتهى. ونقله أبو الحسن وقال بعده: وخالفه اللخمي وقال: لا يكون ذلك القدر له وهذا نقل بالمعنى. الشيخ: والخلاف يبنى والله أعلم على الجزء من الجملة هل يستقل بنفسه أم لا، كمن يسجد على أنفه بدلا من الايماء انتهى. وهذا هو الخلاف الذي أشرنا إليه في التنبيه الرابع من القولة التي قبل هذه في لغو اليومين من المدة الكثيرة في الشركة الصحيحة. وعلى قول بعض القرويين ينبغي أن يلغى ذلك، وعلى ما نسبه أبو الحسن للخمي لا يلغى أيضا، وليس كلام اللخمي صريحا في المخالفة لما قاله بعض القرويين وقد تقدم لفظه ولهذا قال والله أعلم. وهذا نقل بالمعنى. وجعل الشارحان هذا الكلام هو معنى قول المصنف: وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد قال الشارح في الكبير: ذكر عن بعض القرويين أن ذلك يلغى وإنما يرجع بما زاد. وقال اللخمي: لا يلغى واقتصر عليه ولهذا أشار بالتردد، ونحوه في الصغير. وقال في الشامل: فإن شرط عدمه في العقد أو كثير آلة فسدت ولا يلغى اليومان فيها على الاظهر انتهى. قلت: وهذا الذي ذكره لم أقف عليه، وتقدم كلام بعض القرويين أن الفاسدة لا يسامح فيها وإنما يسامح باليسير في الصحيحة، فكلام بعض القرويين موافق لكلام اللخمي فإنه قال بعد أن تكلم على المدة الطويلة: ولو اشتركا على العفو عن مثل ذلك كانت شركة فاسدة، ولو فسدت الشركة بينهما من غير هذا الوجه لكان التراجع بينهما في قريب ذلك وبعيده انتهى. ولم أقف على القول بلغو اليومين في الفاسدة بعد مراجعة اللخمي وابن يونس وأبي الحسن والرجراجي والذخيرة وابن عرفة، ولم يذكر هذه المسألة في التوضيح، ولعل المصنف أراد أن يقول: وهل يلغى اليومان كالقصيرة تردد، ويكون مراده وهل يلغى اليومان من المدة الطويلة كما يلغيان في المدة القصيرة وهو الذي يقوله بعض القرويين، أو لا يلغيان. وهو الذي نسبه أبو الحسن الصغير للخمي والله أعلم. وأما قوله: ككثير الآلة فيشير به المصنف إلى أن الشركة كما تفسد بشرط إلغاء المدة الكثيرة، فكذلك تفسد الشركة إذا أخرج أحدهما الآلة الكثيرة من عنده، يريد ولو كان بغير شرط. واحترز بذلك من يسير الآلة فإنه إذا تفضل به أحدهما لا تفسد الشركة، وما ذكرنا من فساد الشركة بالآلة الكثيرة ولو كان بلا شرط هو الموافق لما في المدونة، وبه فسر الشارح كلام المصنف وقيده البساطي بالشرط وهو مخالف للمدونة قال فيها: وإن تطاول أحد القصارين على صاحبه بشئ تافه من الماعون لا قدر له في الكراء كالقصرية

    [ 102 ]
    والمدقة جاز ذلك، وأما إن تطاول أحدهما على صاحبه بأداة لا يلغى مثلها لكثرتها لم يجز حتى يشتركا في ملكها ويكتري من الآخر نصفه انتهى. قلت: وانظر إذا تطوع بها أحدهما بعد العقد فالظاهر الجواز والله أعلم. والقصرية قال الشيخ أبو الحسن: هي الصفحة التي يغسل فيها الثياب والمدقة، قال في التنبيهات: بضم الميم والدال وبكسر الميم وفتح الدال وهي الارزبة بكسر الهمزة التي يكمد بها الثياب انتهى. ويقال فيها مرزبة بكسر الميم والتخفيف وتشدد مع الهمزة، والاداة بفتح الهمزة الآلة. قاله في التنبيهات والله أعلم. ص: (وباشتراكهما بالذمم أن يشتريا بلا مال وهو بينهما) ش: أي وفسدت الشركة بسبب اشتراك المتشاركين بالذمم وتسمى شركة الوجوه، ثم فسرها بأن يشتريا بلا مال يعني أن يدخلا على أن يبيعا ويشتريا على ذمتهما فما اشتراه أحدهما كان في ذمتهما معا. وهذا إذا لم يكن اشتراكهما في شئ معين، وأما الاشتراك في شئ معين فهو جائز. قال في أول كتاب الشركة من المدونة: ولا تجوز الشركة إلا بالاموال وعلى عمل الابدان إذا كانت صنعة واحدة، فأما بالذمم بغير مال على أن يضمنا ما ابتاع كل واحد منهما فلا يجوز، كانا في بلد واحد أو بلدين، يجهز كل واحد منهما على صاحبه تفاوضا كذلك في تجارة الرقيق وفي جميع التجارات أو بعضها. وكذلك إن اشتركا بمال قليل على أن يتداينا لان كل واحد يقول لصاحبه تحمل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة أو غائبة فيبتاعاها بدين فيجوز ذلك إذا كانا حاضرين لان العقدة وقعت عليهما، وإن ضمن أحدهما صاحبه فذلك جائز انتهى. وقد أشار المصنف إلى هذا في باب الضمان حيث قال: إلا في اشتراء شئ بينهما. وقوله في المدونة: وكذلك إن اشتركا بمال قليل الخ قال أبو الحسن: ليس بشرط قال فيما يأتي: وأكره أن يخرجا مالا على أن يتجرا به وبالدين مفاوضة، فإن فعلا فما اشترى كل واحد منهما فبينهما وإن جاوز رأس مالهما انتهى. والمراد بالكراهة المنع. وقول المصنف: وهو بينهما بيان

    [ 103 ]
    للحكم بعد الوقوع كما قال ابن غازي. قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولو باع واشترى بنسيئة الخ بعد ذكر كلام المدونة. قال أصبغ: وإذا وقعت بالذمم بما اشتريا بينهما على ما عقدا وتفسخ الشركة من الآن. أبو الحسن: والفسخ دليل على أن المراد بالكراهة المنع انتهى. فمعنى قول المصنف: وهو بينهما أي وما اشترياه فهو بينهما على ما دخلا عليه على المشهور. وقال سحنون: من اشترى شيئا فهو له والله أعلم. فرع: قال في سماع عيسى من كتاب الشركة في الرجل يقول لصاحبه اقعد في هذا الحانوت تبيع فيه وأنا آخذ المتابع بوجهي والضمان علي وعليك قال: الربح بينهما على ما تعاملا عليه ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به في العمل. ابن رشد: وهذا كما قال، لان الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به كما هو تابع للمال بما أخرجه كل واحد منهما من المال. فرع: قال في المدونة: وإن أقعدت صانعا في حانوت على أن تنقل عنه المتاع ويعمل هو فما رزق الله بينكما نصفين لم يجز انتهى. قال في سماع عيسى من كتاب الشركة قبل الكلام المتقدم في رجل قال لرجل اقعد في حانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت أو ثلثه، لم يصلح ذلك فإن عملا عليه كان للذي في الحانوت أجرة مثله ويكون الربح كله للذي أجلسه في الحانوت، ابن رشد: وهذا كما قال، لانها إجارة فاسدة من أجل أن الربح تابع للضمان، فإذا كان ضمان السلع من الذي أجلسه وجب أن يكون له جميع الربح وللعامل أجرة مثله انتهى. ص: (وكبيع وجيه مال خامل بجزء من ربحه) ش: هذا تفسير ثان لشركة الذمم. ص: (وكذي رحى وذي بيت وذي دابة ليعملوا إن لم يتساوى الكراء وتساووا في الغلة وترادوا الاكرية) ش: أي ومما يشبه ما تقدم في الفساد أن يشتركا ثلاثة: أحدهم صاحب رحا، والآخر صاحب بيت، والآخر صاحب دابة على أن يعملوا، وكراء كل واحد من الرحا والبيت والدابة غير متساو، وشرطوا أن يتساووا في الغلة فإن وقع ذلك فالحكم أن يتساووا في الغلة لان رأس مالهم عمل أيديهم وقد تكافؤا فيه ويترادون في الاكرية فمن له فضل رجع به على صاحبه. وأشار بهذا إلى مسألة المدونة ونصها: وإن اشترك ثلاثة: أحدهم

    [ 104 ]
    برحا، والآخر بدابة، والآخر ببيت، على أن يعملوا بأيديهم والكسب بينهم أثلاثا فعملوا على ذلك وجهلوا أن ذلك لا يجوز، فإن ما أصابوه يقسم بينهم أثلاثا إن كان كراء البيت والرحا والدابة معتدلا وتصح الشركة لان كل واحد أكرى متابعه بمتاع صاحبه. ألا ترى أن الرحا والبيت والدابة لو كان ذلك لاحدهم فأكرى ثلثي ذلك من صاحبيه وعملوا جازت الشركة، وإن كان كراء ما أخرجوه مختلفا قسم المال بينهم أثلاثا لان رؤوس أموالهم عمل أيديهم وقد تكافؤا فيه ويرجع من له فضل كراء على صاحبه فيترادون ذلك بينهم وإن لم يصيبوا شيئا، لان ما أخرجوه مما يكرى قد أكرى كراء فاسدا ولم يتراجعوا في عمل أيديهم لتساويهم فيه انتهى. فظاهرها أن الشركة لا تجوز ابتداء حتى يكري أحدهما نصيبه بنصيب صاحبه لكنها إن وقعت صحت إذا تساوت الاكرية، وعليه حملها أبو محمد وغيره. وتأول سحنون المدونة على أنها إنما تمتنع إذا كان كراء هذه الاشياء مختلفا واحتج بقوله: وتصح الشركة لان كل واحد أكرى متاعته بمتاع صاحبه. وقال أبو محمد: معنى قوله: تصح أنها تؤل إلى الصحة لا أنها تجوز ابتداء. وعلى تأويل سحنون مشى المصنف لان مفهوم الشرط أعني قوله: إن لم يتساو الكراء يقتضي أنه إذا تساوى الكراء جازت. وقول المصنف: وتساووا في الغلة قابل لان يكون بيانا لفرض المسألة أو تقريرا لحكمها بعد الوقوع كما قال ابن غازي، وصفة التراد ذكرها ابن يونس عن ابن أبي زيد ونقلها أبو الحسن ونقلها الشارح في الكبير. ص: (وإن شرط عمل رب الدابة فالغلة له وعليه كراؤها) ش: هذا قول ابن القاسم في المدونة، ولا خصوصية لرب الدابة وإنما ذكره المصنف لانه فرضها في المدونة كذلك. وقد قال اللخمي: وكذلك إن كان العامل صاحب الرحا، فعلى قول ابن القاسم يكون له ما أصاب وعليه إجارة المثل للآخرين وليس هذا بالبين وأرى أن يكون كل ما أصيب مفضوضا على قدر إجارة الرحا

    [ 105 ]
    والدابة، فما ناب الرحا من العمل رجع عليه العامل فيه بإجارة مثله لان صاحب الرحا لم يبع منافعهما من العامل وإنما قال له آجرها ولك أجر ما تؤاجرها به فإنما يؤاجرها على ملك صاحبها ثم يغرمان جميعا أجرة البيت انتهى. وكذلك إذا كان العامل رب البيت وهو ظاهر لان الغلة تابعة للعمل في هذا الباب والله أعلم. ص: (وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يباع) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح وابن غازي، ويستثنى من ذلك العين أو البئر تكون مشتركة قد قسمت أراضيها ولم يكن عليها زرع ولا شجر مثمر يخاف عليه، فإنه لا خلاف أن الآبي من العمل لا يلزم به ويقال لصاحبه اعمل ولك الماء كله وما زاد بعملك إلى أن يأتيك صاحبك الآبي بما يصيبه من النفقة، قاله ابن رشد في أول كتاب السداد. قال ابن يونس: ظاهر كلام سحنون أنه يجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل وإن كان مقسوما انتهى.

    [ 106 ]
    بالمعنى. وهو مخالف لما حكاه ابن رشد من الاتفاق. ثم قال ابن رشد: وأما إذا كان عليها زرع أو شجر فقال ابن القاسم: ذلك كما إذا لم يكن عليها شئ. وقال ابن نافع والمخزومي: إن الشريك في العين أو البئر يجبر على أن يعمر معه أو يبيعه نصيبه ممن يعمر كالعلو يكون لرجل والسفل لآخر فينهدم وهو تنظير غير صحيح إذ لا يقدر صاحب العلو أن يبني علوه حتى يبني صاحب السفل سفله ويقدر الذي يريد السقي بماء البئر المشتركة بينهما إذا انهدمت أن يصل إلى ما يريد من السقي بأن يصلح البئر فيكون أحق بجميع الماء إلى أن يأتيه صاحبه بما ينوبه من النفقة: فقول ابن القاسم أصح من قول ابن نافع والمخزومي والله أعلم انتهى. وقد نص في حريم البئر من المدونة على أن من عمر أحق بالماء ونصها: وإذا كانت بئر بين رجلين فانهارت أو عين فانقطعت فعملها أحدهما وأبى الآخر أن يعمل، لم يكن للذي لم يعمل من المال قليل ولا كثير وإن كان فيه فضل إلا أن يعطي شريكه نصف ما أنفق. وإذا احتاجت بئر أو قناة بين شركاء لسقي أرضهم إلى الكنس لقلة سمائها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخرون وفي ترك الكنس ضرر على الماء وانتقاص والماء يكفي أو لا يكفي إلا الذين شاؤا الكنس خاصة، فللذين شاؤا الكنس أن يكنسوا ثم يكونوا أولى بالذي زاد في الماء كنسهم دون من لم يكنس حتى يؤدوا حصتهم من النفقة فيرجعوا إلى أخذ حصتهم من جميع الماء، وكذلك بئر الماشية إذا قل ماؤها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخر فهي كبئر الزرع، فإن كنسه بعضهم كان جميعهم في ما كان من الماء قبل الكنس على قدر حقوقهم فيه، ثم يكون الذي كنسوا أحق بما زاد الماء بكنسهم، فإذا رووا كان الناس وأباة الكنس في الفضل سواء حتى يؤدوا حصصهم من النفقة، فإذا أرادوا كان جميع الماء بينهم على قدر ما كان لهم ثم الناس في الفضل سواء انتهى. فعلم أن مذهب المدونة في البئر والعين عدم الجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، وبهذا فارقت هذه المسألة مسألة الرحا الآتية فإن الآبي من العمل يجبر على أن يعمر أو يبيع ممن يعمر والله أعلم. فروع: الاول: إذا كان أحد الشريكين غائبا فإن القاضي يحكم على الغائب بالبيع إن لم يجد له من ماله ما يعمر به نصيبه. نقله البرزلي في أوائل القسم. الثاني: إذا كان المشترك لا يقبل القسمة كالفرن ثم إنه خرب حتى صار أرضا يقبل القسمة فإنه يقسم. قال البرزلي في القسمة عن بعض فقهاء الاسكندرية: إذا صارت الارض براحا كما كانت قبل بنائها فرنا صار حكمها حكم الارض بحيث لو طلب أحد الشريكين من شريكه بناءها فرنا لم يحكم عليه لدعائه إلى بناء عرصة تقسم، فإذا قسمت فعلى كل واحد في نصيبه ما أحب، فإذا رفع الامر للقاضي بسبب القسمة على الغائب فهو الواجب، فإن لم ينقسم فيجب الحكم بالبيع على الغائب إن لم يجد من ماله ما يعمر به نصيبه. ثم ذكر البرزلي كلاما في القسمة هل يشترط أن يحصل لكل واحد ما

    [ 107 ]
    ينتفع به على حد ما كان ينتفع به أو لا، وأطال في ذلك ومحله كتاب القسمة. الثالث: قال ابن سهل في أحكامه في أوائل كتاب الدعاوى في دار بين ورثة ليسكنها بعضهم وباقيهم يسأل إخلاءها لبيعها ودعا ساكنيها إلى غرم كرائها على الاباحة للتسويق. فأفتى ابن عتاب: إذا لم تحمل القسمة فإنها تخلى من جميعهم لتسوق خالية إلا أن يوجد من يكتريها من غير الورثة على شرط التسويق فتكرى منه إذا أمن منه الميل إلى بعض الورثة ولم يكن من ناحية أحدهم ولا من سببهم. وأجاب ابن القطان: بقاء الدار هكذا ضرر على من يذهب إلى الارتفاق بنصيبه إن كانت دارا يكرى مثلها، فوجه العمل أن يقال لهم: إن اتفقتم الآن على التقاوم في الكراء إلى أن ينفذ البيع فيها فتقاوموها ثم يسكنها من أراد، وإن أبيتم أخليت منكم ثم أشيدت للكراء كما تشاد للبيع، فإذا بلغ كراؤها ثمنا ما كان لمن أراد السكنى أن يضم حصص أصحابه بما بلغت ويسكن إلا أن يزيد عليه من يشركه فالزائد أحق والاشادة للكراء على شرط التسويق للبيع إلا أن يثبت في ذلك ضرر من الساكن فيها من الورثة يخل بالبيع، فإن أثبت أكريت من غيره، وإن أثبت أن التسويق للبيع خالية أفضل وأوفر للثمن أخليت. وأجاب ابن مالك: إن كانت الدار لا تحمل القسمة فلا أجد فيما أظهر الله لي من العلم على مذهبنا إلا ما قاله ابن القطان. أعرف أنه الحاصل من مذهبنا كما يعرف الناس أبناءهم. قال ابن سهل: كان جواب ابن عتاب مقنعا لو كان إنصاف وائتلاف ولم يكن تنافر ولا اختلاف، وإليه يرجع ما أطال فيه ابن القطان الكلام انتهى. وقوله: على الاباحة أي إباحة نظرها لمن يريد شراءها وفهم من ذلك أنهم لو لم يريدوا بيعها لكان الحكم أن يتقاوموا كراءها فتأمله، وإن كان ذلك حبسا فقال في سماع سحنون من كتاب الحبس من العتبية: وإن كانت الدار واسعة فقال الاغنياء نحن لا نحتاج للسكنى ولكن ينظر إلى قدر ما يصير لنا من السكنى فنسكنه من أحببنا أو نكريه لهم. قال ابن رشد: فإن استووا في الفقر والغنى ولم تسعهم السكنى أكرى ذلك عليهم وقسم الكراء بينهم شرعا سواء إلا أن يرضى أحدهم أن يكون عليه ما يصير لاصحابه من الكراء ويسكن فيها فيكون ذلك له. قاله ابن المواز انتهى. الرابع: قال اللخمي في أوائل كراء الدور: وإن كانت الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فلم يجز ذلك، ودعا إلى البيع كان ذلك له إذا كانت لا تنقسم، وإن لم يدع إلى البيع ورضي ببقاء الشركة وطلب الاخذ بالشفعة وكان الكراء في نصف شائع فاختلف في ذلك، فقال مالك مرة: لا شفعة فيه. ومرة قال: فيه الشفعة. وهذا إذا كانت الدار تحمل القسمة وأراد الشريك أن يأخذ بالشفعة ليسكن، وإن أراد ذلك ليكريه لم يكن ذلك له وهو بمنزلة من يأخذ الشفعة ليبيع. وكذلك الحانوت يكون بين الشريكين فيكري أحدهما نصيبه شائعا فلا شفعة للآخر إذا كان لا يحمل القسمة وكان يأخذ بالشفعة ليكري، وإن كان يحمل

    [ 108 ]
    القسمة وأراد أن يأخذ بالشفعة ليجلس فيه للبيع جاز، فإن كان يكريه ممن يجلس فيه معه لم يكن ذلك له انتهى. الخامس: قال ابن يونس في أواخر كتاب الرواحل في الكلام على كراء السفن من العتبية: قال سحنون في رجلين لهما سفينة فأراد أحدهما أن يحمل في نصيبه متاعا وليس لصاحبه شئ يحمله، فقال الذي ليس له شئ للآخر لا أدعك تحمل فيها شيئا إلا بكراء، وقال الآخر إنما حمل في نصيبي قال: فله أن يحمل في نصيبه ولا يقضي لشريكه عليه بكراء، فإما أن يحمل مثل ما حمل صاحبه من الشحنة والمتاع وإلا بيع المركب عليهما انتهى. ونقله اللخمي وزاد بعده: ولو أوسق أحدهما ولم يجد الآخر ما يوسق لكان لهذا أن يسافر بالمركب ولا مقال لشريكه عليه في كراء ولا بيع، لان وسقه بحضرة صاحبه وذلك رضا بتسفيره تلك الطريق. ولو كان غائبا حين أوسق فلما قدم أنكر ولم يجد كراء لكان له أن يدعوه إلى البيع على أنه لا يوسق فيه، فإن صار لمن أوسقه أقر وسقه إن شاء، وإن صار للغائب أو لاجنبي أمر أن يحط وسقه إلا أن يتراضوا على كراء فيترك، وهذا إذا كان يتوصل إلى معرفة حال المركب تحت الماء انتهى. ونقله ابن عرفة بكماله في كراء السفن. وقال ابن رشد في نوازله في مسائل الشركة: وقد سئل عن مركب بين رجلين أراد أن يسافر أحدهما في حصته إلى العدوة وليس للآخر ما يحمل في نصفه ولا وجد من يكريه، فهل له نصف ما حمل شريكه من الكراء ؟ فأجاب: للذي لم يجد ما يحمله في نصيبه أن يأخذ شريكه بحصته من الكراء، وله منعه من السفر حتى يعامله على ذلك أو ينفصلا من المركب ببيعه وقسمة ثمنه. وذكره البرزلي في أثناء مسائل المزارعة وقال بعده: قلت: والدواب والعبيد حكمهما حكم المركب. وذكر عن أبي حفص مثل كلام ابن رشد، وذكر كلام ابن يونس في أواخر مسائل الاجارة. والظاهر أنه لا معارضة بين كلام ابن رشد وبين ما ذكره ابن يونس واللخمي، لان حاصل كلامهم أنه لا يقضي للشريك الذي لم يجد ما يحمله بكراء على الآخر ولا يمنعه من السفر مطلقا، ولا يقضي للآخر بأن يسافر به مطلقا، بل إما أن يتراضيا على كراء أو شئ وإلا بيع المركب عليهما والله أعلم. وذكر البرزلي في مسائل المزارعة مسألة زرع أحد الشركاء في بعض الارض بغير إذن شريكه، وذكرها في البيان في كتاب الاستحقاق وفي كتاب الشركة، وذكر في سماع عيسى من كتاب الشركة إذا كان الشريك حاضرا فإنه يحلف بالله ما كان تركه إياه رضا منه بذلك ونقله في النوادر.

    [ 109 ]
    فرع: قال ابن يونس في كتاب الرواحل في مركب بين رجلين نصفين، خرب أسفله حتى لا ينتفع به فأصلحه أحدهما بغير إذن شريكه، فطلب من شريكه نصف النفقة فأبى قال لانك أنفقت بغير إذني قال: فالشريك بالخيار إما أن يعطيه نصف ما أنفق ويكون المركب بينهما، أو يأخذ من شريكه نصف قيمته خرابا إن شاء ذلك شريكه، فإن أبيا فالمركب بينهما يكون للذي أنفق بقدر ما زادت نفقته فيه مع حصته الاولى مثل أن يكون قيمته خرابا مائة وقيمته مصلوحا مائتين فيكون للذي عمل ثلاثة أرباعه ولشريكه ربعه. ابن يونس: والذي أرى أن يكون شريكه مخيرا بين أن يعطيه الاقل من نصف ما أنفق ومن نصف ما زادت نفقته في المركب ويكونا شريكين فيه بقدر ما زادت نفقته فيه، لان له أن يقول له: بعه الآن وخذ ما زادت نفقتك في المركب، فلما كان له ذلك كان له أن يعطيه نصف ما زادت نفقته ويكون المركب بينهما، وله أن يعطيه نصف ما أنفق إذا كان ذلك أقل انتهى. ونقل اللخمي كلام أبي محمد ولم يزد عليه شيئا. وقال بعده: ومثله إذا كانت دارا لا تنقسم وأصلحها أحدهما بغير إذن شريكه يكون شريكا بما زادت النفقة، ولو كانت تنقسم لكان الجواب على ما قال عبد الملك في الارض يبني فيها أحد الشريكين قبل القسم أنها تقسم، فإن وقع البناء في حق من لم يبن أعطاه قيمته منقوضا، وإن وقع لمن بناه كان له مسلما انتهى. ونقل ابن عرفة كلام أبي محمد عن ابن يونس وعن اللخمي ولم يذكر ما اختاره ابن يونس من نفسه، وما قاله ظاهر والله أعلم. فرع: قال ابن فرحون في آخر باب القسمة من الفصل التاسع من القسم الثالث: والاشياء التي لا تنقسم أو في قسمها ضرر يجبر على البيع من أباه إذا طلب البيع أحدهما وإنما جبر على البيع من أباه دفعا للضرر اللاحق للطالب، لانه إذا باع نصيبه مفردا نقص ثمنه، وإذا قلنا يجبر من أبى البيع فإنه إذا وقف المبيع على ثمن وأراد طالب البيع أخذه بما وقف عليه لم يمكن من ذلك، لان الناس قد يتحيلون بطلب البيع إلى إخراج الناس عن أملاكهم، وأما إن طلب الشراء من آبي البيع فله ذلك انتهى. وانظر هل يجري ذلك هنا فيمن امتنع من العمارة فيما لا ينقسم وقلنا: إنه يجبر على بيع جميع ما يخصه أنه ليس لمن أراد العمارة أن يشتري نصيب شريكه للعلة المذكورة، أو يفرق في ذلك بين من يفهم منه إرادة ذلك وبين غيره ؟ فتأمله والله أعلم. ص: (كذي سفل إن وهي وعليه التعليق والسقف) ش: قال في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من الاقضية في المنزل بين الرجلين لاحدهما العلو وللآخر السفل،

    [ 110 ]
    فينكسر سقف البيت الاسفل: إن عليه إصلاحه، وكذلك لو انهدم جداره الاسفل كان عليه أن يبنيه حتى يسقفه. ابن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها. ولا اختلاف أعلمه فيها. والدليل على صحتها قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) *. فلما أضاف السقف إلى البيت وجب أن يحكم بالسقف لصاحب البيت إذا اختلف فيه مع صاحب الاعلى فادعاه كل منهما لنفسه، وإن لم يحكم عليه أنه له فيلزم بناؤه إذا بناه كل منهما لنفسه، وإن لم يحكم عليه أنه

    [ 111 ]
    له فيلزم بناؤه إذا نفاه كل واحد منهما عن نفسه وادعى أنه لصاحبه ليوجب عليه بنيانه انتهى. فرع: إذا كان سبب الانهدام وهاء العلو، فإن كان صاحب السفل حاضرا عالما ولم يتكلم لم يضمن صاحب العلو. واختلف إذا كان صاحب السفل غائبا، فإن كان وهاء العلو مما لا يخفى سقوطه هل يضمن أو لا يضمن ؟ لانه لم يتقدم إليه اللخمي والاول أحسن، وإن تقدم إليه ولم يفعل ضمن اتفاقا، وكذلك إن كان سبب الانهدام وهاء السفل وصاحب العلو حاضر ولم يتكلم ولم يتقدم إليه أو كان عائبا. انتهى من التوضيح ونقله ابن عرفة. تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وتعليق الغرف عليه المراد بالتعليق حمله على خشب ونحوها والغرف جمع غرفة وهي ماله نفع من بيوت المنزل، ومعنى وهي ضعف ضعفا شديدا انتهى. ص: (وبالدابة للراكب) ش: تصوره ظاهر. فإن كان عليها راكبان وتنازعا فيها فذكر الشارح في الكبير عند قول المصنف ورب الدابة أولى بمقدمها عن المقدمات أنه يقضي بها للمقدم من الراكبين، وذكره الباجي وذكره ابن ناجي على كلام المدونة في كتاب الصلاة الاول، وقد نقلت كلامه عند قول المؤلف: ورب الدابة أولى بمقدمها. ص:

    [ 112 ]
    (وإن أقام أحدهم رحا إن أبيا فالغلة لهم ويستوفي منها ما أنفق) ش: هذا خلاف ما قدمه ابن الحاجب وما رجحه ابن رشد في نوازل عيسى من كتاب السداد والانهار. ونص ابن الحاجب: وإذا انهدمت الرحا المشتركة فأقامها أحدهم إذا أبى الباقي، فعن ابن القاسم: الغلة كلها لمقيمها وعليه أجرة نصيبهم خرابا، وعنه أيضا: يكون شريكا في الغلة بما زاد بعمارته، فإذا كانت قيمتها عشرة وبعد العمارة خمسة عشر فله ثلث الغلة بعمارته والباقي بينهم. ثم من أراد أن يدخل معه فليدفع ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفعه. وقيل: الغلة بينهم ويستوفي منها ما أنفق انتهى. ونص كلام ابن رشد بعد ذكره المسألة وما فيها من الخلاف فيتحصل في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال: الاول أن يحاص بالنفقة في الغلة كانت الرحا مهدومة أو انخرق سدها. والثاني أنه لا يحاص بالنفقة في الغلة في الوجهين. والثالث الفرق بينهما وكلها مروية عن ابن القاسم، الاولان في السماع المذكور، والثالث في المبسوطة. فإذا قلت إنه لا يحاص بالنفقة في الغلة ففي حكم الغلة ثلاثة أقوال: أحدها أنها كلها تكون للعامل إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بما يجب عليه في ذلك ولا كراء عليه في حظ شريكه من الرحا، وهو بمنزلة البئر يغور ماؤها أو ينهدم منها ناحية فيريد أحد الشريكين العمل ويأبى صاحبه، فيقال لمن أبى اعمل معه أو بع، فإن أبى وخلى بينه وبين العمل وحده كان الماء كله للعالم حتى يدفع إليه نصيبه من النفقة، فكذلك الرحا وهو قول ابن القاسم. ووجه قوله في أنه لا كراء عليه في حظ شريكه من الرحا أن الرحا مهدومة لا كراء لها، وإنما صار لها كراء ببنائه فوجب أن لا يكون عليه في حظ شريكه كراء. والثاني أن الغلة تكون للعامل أيضا ويكون عليه كراء حصة شريكه من الرحا، وهو قول عيسى ابن دينار. ووجهه أن الكراء فيها موجود إذا أكريت على أن تبني وقد بناها العامل وانتفع بها، فوجب أن تكون عليه حصة شريكه من الكراء وهو أظهر والله أعلم. فليس قول عيسى بخلاف لقول ابن القاسم إلا فيما ذكر من أن يكون عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحا، لان ابن القاسم لا يرى عليه في ذلك كراء. والثالث أن الغلة تكون بينهما فيكون للذي لم يعمل منهما بقدر قيمة حظه من الرحا على ما كانت عليه، وللذي عمل بقدر حظه منها أيضا وبقدر عمله إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بالواجب عليه فيما عمل. انتهى كلامه بلفظه بتقديم وتأخير. ونقل ابن عرفة كلام العتبية وابن

    [ 113 ]
    رشد برمته وقال بعده: قلت: لا يخفى من فهم هذا التحصيل إجمال نقل ابن الحاجب، ونقل كلامه المتقدم، واعتمد المؤلف هنا على ما قاله في توضحه إثر كلام ابن الحاجب المتقدم ناقلا له عن ابن عبد السلام، والقول الثالث مروي عن ابن القاسم أيضا وهو قول ابن الماجشون، وبالقول الثاني قال ابن دينار: قال ابن عبد السلام: والثالث أقوى الاقاويل عندي، وفي الثاني إلزامهم الشراء منه بغير اختيارهم أو ينفرد بأكثر الغلة عنهم وهو أقوى من الاول لاستلزامه الاول الذي حجر عليهم ملكهم ولم يجعل لهم فيهم إلا أجرة الخراب. فإن قيل: والثالث ضعيف أيضا لان متولي النفقة أخرج ما أنفق من يده دفعة واحدة ويأخذه مقطعا من الغلة. قيل: هو الذي أدخل نفسه في ذلك اختيارا ولو شاء لرفعهم إلى القاضي فحكم عليهم بما قاله عيسى ابن دينار عن مالك: إما أن يصلحوا أو يبيعوا ممن يصلح انتهى. ص: (وبالاذن في دخول جاره لاصلاح جدار ونحوه) ش: يحتمل أن يعود الضمير في نحوه على الجدار فيكون المعنى له الدخول لاصلاح الجدار ونحو الجدار كالخشب ونحوه، وهو ظاهر كلام الشارح في الوسط. ويحتمل عوده على إصلاح فيكون المعنى أن له الدخول لاصلاح الجدار وكنحو إصلاح الجدار كما إذا وقع ثوب في دار جاره فإن عليه أن يأذن له في الدخول لاخذه أو يخرجه إليه، وهو الظاهر من كلام البساطي إلا أن هذا ليس خاصا بالجار بل كل من وقع له شئ في دار رجل حكمه كذلك. قال ابن عرفة عن النوادر: لو قلعت الريح ثوب رحل فألقته في دار آخر ليس له منعه أن يدخل فيأخذه أو يخرجه له انتهى. وجعل البساطي مثل هذا إذا دخلت دابة دار رجل ولا يستطيع أخذها إلا مالكها وهو واضح. وعود الضمير على إصلاح أحسن لشموله لما ذكر وللاول أيضا فتأمله. وظاهر قول المؤلف لاصلاح أن لا يدخل إلا إذا كان هناك ما يحتاج إلى الاصلاح ولا يدخل لتفقد جداره، وهو ظاهر كلام ابن فتوح. وقال المشاور: له ذلك. قال ابن عرفة وفي طرر ابن عات عن المشاور: لمن له حائط بدار رجل له الدخول إليه لافتقاده كمن له شجرة في دار رجل. ابن فتوح: من ذهب إلى طر حائطه من ناحية دار جاره فمنعه من ذلك نظر، فإن كان الحائط يحتاج إلى الطر كان ذلك، وإن لم يحتج كان لجاره منعه. قلت: وهذا كالمخالف لقول الماشاور له الدخول لافتقاده انتهى. وكلام المؤلف يقرب من كلام ابن فتوح، والظاهر أنه لا يخالف كلام المشاور، لان كلامه في الجدار الذي في دار

    [ 114 ]
    الرجل ويمكنه أن ينظر إليه إلا من دار جاره، ويؤيده تشبيه له بالشجرة وكلام ابن فتوح أن للرجل أن يطر جداره من جهة جاره. وقال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام. قال بعض أصحابنا: وليس لصاحب الجدار أن يطينه من دار جاره لان ذلك يزيد في غلظ الجدار. زاد ابن عبد السلام: وليس له أن يعيده أغلظ مما كان في جهة الجار انتهى. ولم يذكر غيره، وقال ابن عرفة في النوادر لابن سحنون عنه في جوابه حبيبا: من أراد أن يطين حائطه من دار جاره ليس له منعه أن يدخل داره فيطين حائطه. ثم ذكر كلام ابن فتوح المتقدم ثم قال إثره ابن حارث: وقيل: ليس له ذلك لان الطر يقع في هواء جاره إلا أن ينحت وحائطه ما يقع عليه الطر انتهى. فكان الراجح عند ابن حارث ما ذكره ابن فتوح فتأمله والله أعلم. فرعان: الاول: قال ابن عرفة عن ابن حارث: ومن أراد أن يطين داخل داره ولجاره حائط فيها فيمنعه من ذلك لم يكن له ذلك لان له فيه نفعا ولا مضرة على جاره انتهى. الثاني: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد عند قوله وعليه أن يأذن له في الدخول لاصلاح جداره من جهته. يعني أن الجار يجبر على إدخال جاره لداره لاصلاح جداره من جهته لانه حق له قالوا: وكذا لاخراج ما سقط له عنده أو يخرجه له، وليس له في الاصلاح الهدم إلا بإذنه وذكر ابن حبيب عن سحنون ليس له أن يمنع جاره الدخول ليطين جداره، وله أن يمنعه من إدخاله الجص والطين ويفتح في حائطه كوة لاخذ ذلك، انتهى بلفظه. وقال ابن فرحون في تبصرته: فإن أراد طر حائطه فذهب جاره إلى أن يمنعه من الدخول فله ذلك، وليس له أن يمنع البناء والاجراء الذين يتولون ذلك بأنفسهم، ويقال لصاحب الحائط صف لهم ما تريد، وأما أنت فلا تتولى ذلك وقد يكره جارك دخولك داره، فإن منع الطين ونحوه من الباب أمر صاحبه بفتح موضع في حائطه ليدخل منه الطين والطوب والصخر وما يحتاج إليه الحائط ويعجن الطين في داره ويدخل إلى دار جاره، فإذا تم العمل أغلق ذلك الموضع وحصنه. ص: (وبقسمته إن طلبت لا بطوله عرضا) ش: ما ذكره ابن غازي في شرح هذه المسألة

    [ 115 ]
    كاف في بيانها، وملخص النقول التي ذكرها أنه إن أريد قسمه بالتراضي قسم على ما تراضوا عليه من الطول أو العرض وإن أريد قسمه بالقرعة فالذي مشى عليه المصنف يقسم طولا، وطوله هو امتداده بينهما، وعرضه هو سمك ظهره. فإذا كان الجدار مثلا طوله جاريا بينهما من المشرق إلى المغرب، وعرضه جهة الشمال إلى أحدهما، وجهة الجنوب إلى الآخر، قسم طوله نصفين: نصف يلي المشرق، ونصف يلي المغرب، ولا يقسم عرضا بأن يأخذ كل واحد منهما نصف عرض الجدار كما إذا كان عرضه مثلا شبرين فلا يأخذ أحدهما شبرا مع طول الجدار، ويأخذ الآخر شبرا مع طوله أيضا لانه قد يقع لاحدهما الجهلا التي تلي الآخر فيفوت المراد من القسمة. قال عيسى بن دينار: ولا تصلح القرعة في مثل هذه القسمة. قال أبو الحسن: إلا أن يقتسماه على أن من صار ذلك له يكون للآخر عليه الحمل انتهى. تنبيه: قال صاحب المسائل الملقوطة: وإذا كان حائط بين رجلين فانهدم فأراد أحدهما بناءه مع صاحبه وامتنع الآخر من ذلك، فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما أنه لا يجبر الذي أبى منهما على البنيان، ويقال لطالب لك استر على نفسك وابن إن شئت، وله أن يقسم معه عرض الجدار ويبني لنفسه. والرواية الاخرى أنه يؤمر بالبنيان مع شريكه ويجبر على ذلك. قال ابن عبد الحكم: وهذا أحب إلينا. انتهى من الكافي. انتهى كلام صاحب المسائل الملقوطة،

    [ 116 ]
    ونقل الروايتين في الجلاب في باب البنيان والمرافق ونفي الضرر، وصدر المسألة بقوله: إذا كان حائط مشترك بين اثنين فليس لاحدهما أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه، وكذلك كل مال مشترك. وإذا انهدم الحائط المشترك وكان سترة بين اثنين وأراد أحدهما بناءه وأبى الآخر ففيها روايتان: إحداهما أنه يجبر الذي أبى على بنيانه مع شريكه، والاخرى أنه لا يجبر ولكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه ثم يبني من شاء منهما لنفسه انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: ولو تنازع اثنان حائطا بين دارين ولا بينة، حكم به لمن إليه وجوه الآجر واللبن والطاقات ومعاقد القمط، فإن لم تدل أمارة على الاختصاص فهو مشترك وليس لاحد الشريكين أن يتصرف بهدم أو بناء أو فتح باب أو كوة ونحو ذلك إلا بإذن الشريك. فلو كان المشترك سترة بينهما فانهدم فأراد أحدهما إصلاحه فهل يجبر الآخر ؟ روايتان. وعلى القول بعدمه تقسم العرصة ليبني من شاء منهما فلو هدمه أحدهما لغير ضرورة للزمه إعادته كما كان، وكذلك حكم البئر المشتركة تنهار انتهى. وقال في الارشاد في فصل الاتفاق: وإذا تداعيا جدارا ولا بينة فهو لم إليه وجوه الآجر والطاقات، فإن استويا فهو مشترك فلا يتصرف إلا بإذن الشريك، فمن هدمه لغير ضرورة لزمه إعادته، فإن انهدم فإن أمكن قسم عرصته وإلا أجبر على إعادته، فإن بنى أحدهما فله منع الآخر من الانتفاع ليؤدي ما ينو به انتهى. فكلامه في الارشاد مخالف للروايتين اللتين حكاهما في الجلاب والعمدة، فإن ظاهر ذلك أن الرواية الاولى أنه يجبر على البناء ولا يقسم معه الحائط وهو مقتضى كلام الكافي أيضا بخلاف ما قاله في الارشاد، ولذلك اعترضه شارحه الشيخ سليمان البحيري بأن القسم إنما هو مفرع على الرواية الاخرى بعدم الجبر، ونصه إثر كلام صاحب الارشاد المتقدم: وجملة ذلك أنه إذا لم تكن لاحدهما بينة تشهد له باختصاصه حكم فيه بشهادة العوائد فإن العادة أن توجيه الجدار إنما يكون من جهة المالك، وكذلك مغارز الاخشاب ونحو ذلك. والقمط هي الخشب التي تكون بين البنيان قاله ابن ناجي. ثم قال: فإن لم تدل أمارة على اختصاص أحدهما به كان مشتركا بينهما. قاله في العمدة. وقال بهرام في الشامل: وحلفا عند عدم ترجيح واشتركا فلا

    [ 117 ]
    يفتح فيه بابا ولا رزونة ولا يضع عليه خشبه ونحو ذلك إلا بإذن ذلك، فإن انهدم الجدار بنفسه أو هدمه الشريكان أو أحدهما لمصلحة اقتضت ذلك، فلا يخلو من أن يمكن انقسام عرصته من غير ضرر أو لا، فإن أمكن قسمها قسمت وإلا بأن طلب أحدهما الاصلاح وأبى الآخر أجبر على أن يبني مع شريكه. هذا ظاهر كلامه، والذي في الجلاب: وإن انهدم الحائط. وذكر كلام الجلاب المتقدم بلفظه ثم قال: فأنت تراه إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على القول بعدم جبره على البناء. وتبعه على ذلك المؤلف في العمدة وشرحها ولم أقف على مستند لما قاله في إرشاده في كلامه ولا في كلام غيره، والذي اختاره ابن عبد السلام والتلمساني في شرح الجلاب الرواية الاولى القائلة بأنه يجبر على البناء من أباه منهما. انتهى كلام الشيخ سليمان البحيري بلفظه. قلت: فسر التلمساني في شرح الجلاب الرواية الاولى بأنه إما بنى معه، أو قاسم إن كان مثله ينقسم، أو يبيع ممن يبني من الشريك. قال: وهذا القول أقيس فلا اعتراض على صاحب الارشاد. وقال ابن عرفة: ولابن عبدوس عن ابن كنانة: لا يجبر أحدهما على بنائه ومن شاء منهما ستر على نفسه. وقال ابن القاسم: يقال لمن أبى إما أن تبني أو تبيع أو تقاسم. ولابن حبيب عن ابن الماجشون: يجبر الآبي منهما على البناء وإن طلب قسم موضع الجدار فليس له ذلك انتهى. فالحاصل من كلام صاحب التوضيح وصاحب الارشاد أنه إن أمكن قسمه قسم، وإن لم يمكن قسمه فإما بنى معه أو باع. وهذا هو الراجح الذي رجحه صاحب الكافي وابن عبد السلام والتلمساني، واقتصر عليه في الارشد، وهذا دخل تحت قول المصنف وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع والله أعلم. وعلى ذلك حمل التتائي كلام صاحب الارشاد ورد على من اعترض ونصه في قول صاحب الارشاد المتقدم: أي وإن انهدم الجدار بنفسه، فإن أمكن قسم عرصة بينهما قسمت وإلا يمكن قسمتها أجبر الممتنع على البناء معه أي مع الشريك والطالب لذلك. ومسألة المصنف هذه داخلة تحت قول صاحب المختصر وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع. وما اعترض به بعضهم على المصنف من أن هذه مسألة الجلاب ذات الروايتين: الاولى الجبر على البناء مع شريكه، والاخرى عدم الجبر لكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه ثم يبني من شاء منهما لنفسه وأن ابن الجلاب إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على الرواية بعدم الجبر على البناء سهو، ولان المصنف إنما ذكر الجبر مع عدم إمكان القسم، وابن الجلاب مع إمكانه، وأين أحدهما من الآخر فتأمله. انتهى كلامه بلفظه والله أعلم. فرعان: الاول: قال ابن عرفة وفيها مع غيرها: منع أحد الشريكين بمجرد الملك في شئ تصرف فيه دون إذن شريكه لملزوميته التصرف في ملك الغير بغير إذنه. الشيخ لابن حبيب عن الاخوين: ليس لاحد مالكي جدار أن يحمل عليه ما يمنع صاحبه من حمل مثله عليه إن احتاج

    [ 118 ]
    إلا بإذنه، وإن كان لا يمنع صاحبه أن يحمل عليه مثل سقف بيت أو غرز خشبه فذلك له وإن لم يأذن انتهى. وقال ابن الحاجب: ولكل المنع في الجدار المشترك. قال في التوضيح: يعني لكل واحد من الشريكين منع شريكه من التصرف في الجدار المشترك حتى يأذن له شريكه كسائر المشتركات. ونحوه لابن عبد السلام. وفي المعونة: الحائط المشترك ليس لاحد الشريكين أن يتصرف فيه ولا أن يحدث فيه شيئا إلا بإذن شريكه انتهى. ونحوه في التلقين. ونحوه لابن جزي في القوانين، وتقدم في كلام ابن الجلاب وصاحب العمدة والتلمساني نحو ذلك فانظر ما حكاه ابن عرفة عن الشيخ لابن حبيب عن الاخوين من التفصيل المتقدم، هل هو مخالف لما عزاه للمدونة وغيرها من الاطلاق أو مقيد له ؟ فتأمله والله أعلم. الثاني: قال في النوادر من كتاب ابن سحنون من سؤال ابن حبيب سحنونا عن الحائط بين الرجلين وهما مقران بذلك ولكل واحد منهما خشب، وخشب أحدهما أسفل من الآخر، فأراد رفعها إلى حذاء خشب صاحبه فمنعه قال: ليس له أن يمنعه، فإن أنكر الذي خشبه أعلا أن يكون لصاحب الخشب السفلي من فوق خشبه شئ قال: القول قوله يريد مع يمينه. قال: لانه حائز لما فوق خشب الاسفل، يريد ولا عقد في ذلك الزائد الاسفل انتهى. وقوله أنكر الذي خشبه أعلى إلى آخره معناه أن صاحب الخشب الاعلى ادعى أن ما فوق خشب الاسفل خاص به وليس ثم ما يشهد في ذلك الزائد الاسفل من عقد جدار أو ربط ونحو ذلك، ومراده بالزائد الاسفل ما تحت خشب الاعلى إلى خشب الاسفل والله أعلم. ص: (وبهدم بناء بطريق ولو لم يضر) ش: ذكر رحمه الله فيمن اقتطع سبيلا من طريق المسلمين وتزيده وأدخله في بنيانه قولين: أحدهما وهو المشهور أنه يهدم عليه ما يزيده من الطريق وأدخل في بنائه ولو كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطعه منه. والقول الثاني أنه إن كان ما اقتطعه يضر

    [ 119 ]
    بالطريق هدم عليه وإلا فلا، وهو المشار إليه بلو في قوله ولو لم يضر. وفهم من كلام المصنف أن الخلاف المذكور إنما هو بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا يجوز البناء بلا خلاف وهو كذلك، وكذلك فهم من كلامه أنه لو كان البناء مضرا بالطريق لهدم عليه بلا خلاف وهو كذلك أيضا كما ستقف عليه في كلامهم. قال في العتبية في كتاب السلطان في سماع عبد الملك الملقب بزونان وسألته عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين، فإذا بنى جدارا وأنفق عليه وجعله بيتا قام عليه جاره الذي هو مقابله من جانب الطريق، فأنكر عليه ما تزيد ورفعه إلى السلطان وأراد أن يهدم ما تزيد من الطريق وزعم أن سعة الطريق كان رفقا به لان ذلك كان فناء له ومربطا لدابته، وفي بقية الطريق ممر للناس وكان فيما بقي من سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة، هل لذلك الجار إلى هدم بنيان جاره الذي بنى سبيل، أو رفع ذلك بعض من كان يسلك تلك الطريق وفي بقية سعته ما قد أعلمتك ؟ فقال: يهدم ما بنى، وإن كان في سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة لا ينبغي لاحد التزيد من طريق المسلمين، وينبغي للقاضي أن يقدم في ذلك إلى الناس وينهى إليهم أن لا يحدث أحد بنيانا في طريق المسلمين. وذكر أن عثمان بن الحكم الخزاعي حدثه عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين قال: فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه فقال: لقد انتقصتم السوق، ثم أمر به فهدمه. قال أشهب: نعم يأمر السلطان بهدمه، رفع ذلك إليه من كان يسلط الطريق أو رفع ذلك جيرانه، لا ينبغي لاحد التزيد من ريق المسلمين، كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه. وينبغي للسلطان أن يتقدم في ذلك إلى الناس أن لا يتزيد أحد من طريق المسلمين. قال ابن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لاحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا فيتزيده في داره ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، واختلفوا إن تزيد في داره من الطريق الواسعة جدا ما لا يضر بها ولا يضيقها على المارة فيها، فقال ابن وهب وأشهب: يهدم عليه ما تزيد من الطريق وتعاد إلى حالها وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وقول مطرف وابن الماجشون في الابرجة يبنيها الرجل في الطريق ملصقة بجداره، واختيار ابن حبيب على ظاهر ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكير الذي أنشئ في السوق فأمر به فهدم. ووجه هذا القول أن الطريق حق لجميع المسلمين كالحبس فوجب أن يهدم على الرجل ما تزيده في داره منها كما يهدم عليه ما تزيد من أرض محبسة على طائفة من المسلمين أو من ملك الرجل بعنيه. وقيل: إنه لا يهدم عليه ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها لسعتها لماله من الحق فيه إذ هو بناؤه له الانتفاع به وكراؤه. والاصل في ذلك ما جاء من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بالافنية لارباب الدور وأفنيتها ما أحاط بها من جميع نواحيها، فلما كان أحق بدلانتفاع من غيره ولم يكن لاحد أن

    [ 120 ]
    ينتفع به إلا إذا استغنى هو عنه، وجب أن لا يهدم عليه بنيانه فيذهب ماله هدرا وهو أعظم الناس حقا في ذلك الموضع، بل لا حق لاحد معه فيه إذا احتاج إليه، فكيف إذا لم يتوصل إلى أخذه منه مع حاجته إليه إلا بهدم بنيانه وتلف ماله ؟ وهذا بين لا سيما ومن أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها: إن الاقربين إليها يقتطعونها على قدر ما شرع فيها من رباعهم بالحصص، فيعطى صاحب الربع الواسع بقدره، وصاحب الصغير بقدره، ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع، قال ابن رشد: وإنما قالوا ثمانية أذرع احتياطا والله أعلم. ليستوفي فيها لسبعة الاذرع المذكورة في الحديث على زيادة الذراع ونقصانه. وهذا القول الثاني أظهر، والقائلون بالاول أكثر، وكل مجتهد مصيب. وقد نزلت بقرطبة قديما واختلف الفقهاء فيها فأفتى ابن لبابة وأبو صالح أيوب بن سليمان ومحمد بن الوليد بأنه لا يهدم ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها. وأفتى عبد الله بن يحيق وابنه يحيى ويحيى بن عبد العزيز وسعد بن معاذ وأحمد بن بيطير بأن يهدم ما تزيد منه على كل حال وبالله التوفيق انتهى. وما استظهره ابن رشد بأنه لا يهدم عليه ما تزيد من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها، أفتى به أيضا في نوازله ورجحه في سؤال كتب به إليه القاضي عياض يسأله عن شخص بنى حائطا بجنته في بطن واد وقد كان حائطه دون ذلك. فأجابه إن كان الحائط الذي بناه يضر بالطريق أو بجاره فيهدم ما بناه، وإن كان الحائط لا يضر بالطريق ولا بجاره لم يهدم عليه. وهذا على القول بأن من تزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق لا يهدم بنيانه والذي يترجح عندي من القولين أنه لا يهدم عليه بنيانه إذا لم يضر بالطريق لماله من الحق في البناء، وهو الذي أقول به في هذه المسألة وإن من أهل العلم من يبيح ذلك ابتداء انتهى. وقال في العتبية أيضا في رسم الاقضية والحبس من كتاب السلطان: قال أصبغ: سألت أشهب عن رجل يهدم داره وله الفناء الواسع فيزيد فيها من الفناء يدخله بنيانه، ثم يعلم بذلك. قال: لا يتعرض له إذا كان الفناء واسعا وبرا حالا يضر الطريق. وقد كرهه مالك وأنا أكرهه ولا آمر به ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعا وبراحا لا يضر ذلك بشئ منه ولا يحتاج إليه ولا يقاربه المشي. قال أصبغ في الرجل يبني دارا له فيأخذ من طريق المسلمين شيئا يزيده فيها كان ذلك مضرا بطريق المسلمين أو لا يضر، أترى ذلك جائزا ؟ وهل تجوز شهادة مثل هذا ؟ قال أصبغ: إن كان اقتطعه اقتطاعا فما يضر بالطريق والمسلمين وأدخله في بنيانه وكان إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة أو وقف عليه فلم يبال، فلا أرى أن تجوز شهادته ويهدم بنيانه إذا أضر جدا، وإن كانت الطريق واسعة جدا كبيرة وكان الذي أخذ الشئ اليسير جدا الذي لا يضر ولا يكون فسادا في صغير ما أخذ وسعة الطريق وكثرته، فلا أرى أن يهدم بنيانه ولا يعرض له. وقد سألت أشهب عنها بعينها ونزلت عندنا فكان هذا رأيي فيها، فسألته عنها فقال لي مثله.

    [ 121 ]
    قال ابن رشد: هذا من قول أصبغ وروايته عن أشهب خلاف ما مضى قبل هذا في سماع زونان، وقد مضى القول على ذلك هناك مجودا مستوفي فلا وجه لاعادته. هنا وبالله التوفيق. ويشير بذلك لكلامه المتقدم ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم مختصرا فقال: قال ابن رشد: ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره، فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه ورد كما كان، وإن كان لا يضر ففي هدمه قولان: لسماع زونان ابن وهب مع أشهب، وأصبغ مع سماعه من أشهب، والقائلون بالاول أكثر والثاني أظهر انتهى. وقد استوفى ابن سهل في أحكامه الكبرى الكلام على هذه المسألة في مسائل الاحتساب في ترجمة الاحتساب على ابن السليم فيما اقتطعه من المحجة وضمه إلى جنته. وذكر النازلة بقرطبة التي أشار إليها ابن رشد في كلامه المتقدم، وذكر فتاوى المشايخ الذين ذكرهم ابن رشد وغيرهم ولم يخرج أحدا منهم في استدلاله عن مسألة العتبية، وقد نقل في أثناء جواب يحيى بن عبد الله بن يحيى عن محمد بن أصبغ أن أباه أصبغ رجع عن قوله أنه لا يهدم ما لا يضر إلى أنه يهدم ونصه وحدثني محمد بن أصبغ بن الفرج أن أباه أصبغ رجع عن قوله فيمن اقتطع من أفنية المسلمين شيئا وأدخله في داره أنه إذا كان واسعا رحراحا أنه لا يهدم، فرجع عذلك وقال: ويهدم ويرد إلى حالته. وقال: إن الافنية والطريق كالاحباس للمسلمين لا يجوز لاحد أن يحدث فيها حدثا إلا من ضرورة واضطر إلى ذلك، ثم نقل عن ابن غالب في أثناء جوابه ما نصه: ورأيت بعض أصحابنا قد ذهب إلى اختيار قول أصبغ أنه لا يهدم على المقتطع من طريق المسلمين ما اقتطع إذا كان الطريق و اسعا رحراحا فاختار برأيه ما رآه صوابا، والذي نراه والله نسأله التوفيق اتباع قول المتقدمين يعني الهدم وهو إلى التوفيق أقرب إن شاء الله. والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر المعروف عنه وما علمته أرخص فيها لاحد قط، وما أظن به إلا أنه اجتهد والله نسأله التوفيق. ثم قال في آخر كلامه بعد ذكر أجوبتهم: وقد ذكر ابن حبيب رحمه الله هذه المسألة في كتابه بأحسن مساق وأقرب ألفاظ وأبين معان مما وقع في العتبية، ولم يذكر ذلك كل واحد ولا خرجوا عما في العتبية، فدل على مغيب ما في كتاب ابن حبيب عنهم وعزوبه عن ذكرهم ورأيت نقله إذ فيه تتميم لمسألتهم. قال ابن حبيب: سألت مطرفا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره، هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل ذلك ؟ فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئا ينتقصه به وإن كان ما أبقى من الطريق واسعا لمن سلكه. قال ابن حبيب: وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك فقال لي: إن له ذلك إذا كان ما وراءها من الطريق واسعا. قال لي أصبغ: وذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالافنية لارباب الدور وقال لي: فالافنية دون الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون بها ما لم تضيق طريقا أو يمنع ما يضر بالمسلمين، فإذا كان لهم

    [ 122 ]
    الاتساع بغير ضرورة حموه إن شاء الله، ومن أدخل منهم في بنيانه ما كان له أن يحميه ببرج يسد داره أو حظر حظيرة وزاده في داره، لم ير أن يعرض له ولا يمنع إذا كان الطريق وراءه وساعة منبسطة لا تضر بوجه من الوجوه ولا تضيق قال: وأكره له ابتداء أن يحظره أو يدخله في بنيانه مخافة الاثم عليه، وإن فعل لم أعر عليه فيه بحكم ولم أمنعه منه وقلدته منه ما تقلد. وقد بلغني أن مالكا كره له البنيان، وأنا أكره له بدأ، فإذا فات على ما وصفنا لم أر أن يعرض له فيه. قال أصبغ: وقد نزل مثل هذا عندنا واستشارني فيه السلطان وسألني النظر إليه يومئذ، فنظرت فرأيت أمرا واسعا جدا فجا من الفجوج وكان له محيط محظور عن الطريق يجلس فيه الباعة فكسره وأدخله في بنيانه، فرأيت ذلك واسعا وأشرت به على السلطان فحكم به، وسألت عنه أشهب يومئذ فذهب مذهبي وقال مثل قولي. قال ابن حبيب وقول مطرف وابن الماجشون فيه أحب إلي وبه أقول إلا أن يكون له أن ينتقص الطريق والفناء ببناء يسد به جداره أو يدخله في داره وإن كانت الطريق واسعة صحراء في سعتها لانها حق لجميع المسلمين لي لاحد أن ينتقصه كما لو كان حقا لرجل لم يكن لهذا أن ينتقصه إلا بإذنه ورضاه، وقد قال رسول الله (ص) من أخذ شبرا من الارض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين. وإنما يفسر قضاء عمر بن الخطاب بالافنية لارباب الدور بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيه للبياعات الخفيفة والافنية، وليس بأن تحاز للبنيان والتحظير، وكذلك سمعت من أرضي من أهل العلم يقول في تأويل ذلك، ثم ذكر ابن حبيب خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هدم كير الحداد وأثر عن النبي (ص) في اقتطاع الافنية والطرق والوعيد في ذلك في المجموعة. روى ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها أن الاقربين يقتطعونها بالحصص على قدر ما شرع فيها من رباعهم، فيعطى صاحب الربعة الواسعة بقدر ما شرع فيها من ربعهم، وصاحب الصغيرة بقدرها ويتركون لطريق المسلمين. قال القاضي ابن سهل: وهذا أشد ما أنكره منكرهم من قو أصبغ، لان أصبغ كرهه ابتداء ورأى أن تركه لمن فعله إذا كان واسعا رحراحا فجا من الفجوج، وقال ابن أبي زيد في نوادره: قال لنا أبو بكر بن محمد اختلف أصحابنا فيمن يزيد في بنيانه من الفناء الواسع لا يضر فيه بأحد، فروى ابن وهب عن مالك أنه ليس له ذلك. وقال عنه ابن القاسم: لا يعجبني ذلك. ولابن وهب عن ربيعة في المجموعة: من بنى مسجدا في طائفة من داره فلا يتزيد فيه من الطريق. وقال مالك: لا بأس بذلك إن كان لا يضر بالطريق. وفي كتاب ابن سحنون: وسأله ابن حبيب عمن أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ شيئا فلم يشهد به

    [ 123 ]
    الجيران إلا بعد عشرين سنة. قال: إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق ولا تحاز الازقة. وفي موضع آخر: إن كان ضرر ذلك بينا ولا عذر للبينة في ترك القيام فهي جرحة، وهذا كله لم يقف القوم عليه ولا بلغهم مطالعته، ولو علموه لنقلوه وآثروا ذكروه، وقول محمد بن غالب والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر، هو أعجب مما تعجب منه لانه تكلم بغير تدبر وأنكر قبل أن يفكر، لان قول أصبغ قد رواه عن أشهب فصار ذلك مختارا لقولهما، وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليها ما ذكر لابن سمعان عمن أدرك من العلماء ويوشك أن يكونوا من التابعين مع اختلاف قول مالك في هذا الاصل. ومن استظهر بهذا كله في جوابه لا يتسع عليه في مخالفة عمر رضي الله عنه لان هؤلاء كلهم لم يخالفوه إلا إلى أصل اجتمعوا على القول به إلا عن علم مع أن حديث عمر وجواب أصبغ ومن وافقه مختلف المعنى في الظاهر، لان المعهود في طريق الاسواق أن فيها الضيق في ساحتها على أن ينتقص منها وهي مجتمع الناس، فهم يحتاجون إلى حيث يجولون ويتصرفون، وكذلك في حديث عمر إنه قال حين أمر بهدم الكير يضيقون على الناس، والطريق في مسألة أصبغ كان واسعا ظاهر الاتساع غير مضر بالمارة، وكان الاستحسان عنده لمن تزيد من مثل هذا الطريق أن يترك لئلا يفسد عليه ما بنى ويذهب إنفاقه باطلا، ولعله كان مضطرا إلى ذلك لضيق ساحة داره وتقصيرها عما يقوم به في مسكنه، فالمختار على هذا غير مخالف بل هو مجتهد في النظر واضع للاستحسان في موضعه والله ولي التوفيق. انتهى كلام ابن سهل بلفظه. تنبيهان: الاول: تحصل من هذا ما تقدم في كلام ابن رشد أنه اتفق مالك وأصحابه أنه لا يجوز لاحد ابتداء أن يقتطع من الطريق شيئا ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، فإن اقتطع منها شيئا وأدخله في بنيانه فإن كان مما يضر بها ويضيقها على المارة هدم عليه ما تزيد منها وأعيدت إلى حالها بلا خلاف، وإن كان مما لا يضر بها ولا يضيقها على المارة فاختلف في ذلك على قولين: الاول: أنه يهدم عليه ما تزيد منها وتعاد إلى حالها وهو الذي شهره المصنف. والثاني: أنه لا يهدم عليه ما تزيد منها إذا كان ذلك لا يضر بها ولا يضيقها على المارة لسعتها، واستظهره ابن رشد في البيان ورجحه في نوازله وهو المشار إليه بلو في قول المصنف ولو لم يضر والله أعلم. الثاني: إن قيل: قول ابن رشد في أول كلامه اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لاحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا إلى آخر كلامه السابق، يناقضه قوله في آخر كلامه في البيان بعد استظهاره للقول بعدم الهدم، لا سيما من أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء واستشهاده على الجواز ابتداء بما في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان عمن أدرك من العلماء بما قالوه في الطريق، يريد أهلها بنيان عرصتها إذا مقتضى ذلك وجود الخلاف في البناء ابتداء، وكذا قوله في نوازله بعد ترجيحه للقول بعدم الهدم إذ من أهل العلم من يبيح

    [ 124 ]
    له ذلك ابتداء، فالجواب أن مراده بأهل العلم خارج المذهب كما دل على ذلك كلام ابن سهل المتقدم حيث قال: وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليها ما ذكره ابن سمعان عمن أدرك من العلماء ويوشك أن يكونوا من التابعين والله أعلم. ص: (و بجلوس باعة بأفنية الدور للبيع إن خف) ش: قال ابن عرفة: وفناء الدار هو ما بين يدي بنائها فاضلا عن ممر الطريق المعد للمرور غالبا، كان بين يدي بابها أو غيره. وكان بعض شيوخنا يشير لانه الكائن بين يدي بابها، وليس كذلك لقولها في كتاب القسم: وإن قسما دارا على أن يأخذ كل واحد طائفة فمن صارت له الاجنحة في حظه فهي له ولا يعد من الفناء وإن كانت في هواء الافنية، وفناء الدار لهم أجمعون الانتفاع به انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على نص في تفسير الفناء إلا ما أخذه من كتاب القسم وقد صرح بذلك ابن بطال في مقنعه فقال: الافنية دور الدور كلها مقبلها ومدبرها انتهى. فرع: قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان: سئل ملك عن الافنية التي تكون في الطريق يكريها أهلها أذلك لهم وهي طريق المسلمين ؟ قال: أما كل فناء ضيق إذا وضع فيه شئ أضر ذلك بالمسلمين في طريقهم فلا أرى أن يمكن أحد من الانتفاع به وأن يمنعوا، وأما كل فناء إن انتفع به أهله لم يضيق على المسلمين في ممرهم لسعته فلا أرى به بأسا. ابن رشد: وهذا كما قال إن لارباب الافنية أن يكروها ممن يصنع فيها ما لا يضر بالطريق على المارة لانهم إذا كان لهم أن ينتفعوا بها على هذه الصفة وكانوا أحق بذلك من غيرهم، كان لهم أن يكروها لان ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه وهذا مما لا أعلم فيه خلافا انتهى. وقال قبله في رسم طلق بن حبيب في السماع المذكور: وسئل مالك عن رجل له داران وهما في رحبة وأهل الطريق ربما ارتفقوا بذلك الفناء إذا ضاق الطريق عن

    [ 125 ]
    الاحمال وما أشبهه، فدخلوا عليه فأراد أن يجعل عليه نجافا وبابا حتى تكون الرحبة له فناء ولم يكن على الرحبة باب ولا نجاف. قال: ليس له ذلك. قال ابن رشد: هذا كما قال إنه ليس له أن يجعل على الرحبة نجافا وبابا ليختص بمنفعتها ويقطع ما للناس من الحق في الارتفاق بها، لان الافنية لا تحجر إنما لاربابها الارتفاق بها وكراؤها فيمالا يضيقها على المارة فيه من الناس ولا يضربهم فيه على ما يأتي في رسم تأخير صلاة العشاء بعد هذا. وقد اختلف فيمن تحجر من الفناء الواسع الشئ اليسير الذي لا يضر تحجيره بمن يمر في الطريق، هل يقر ذلك أم يهدم عليه على ما يأتي في رسم زونان وسماع أصبغ بعد هذا انتهى. ويشير برسم تأخير صلاة العشاء لكلامه الذي فوق هذا وبسماع زونان وسماع أصبغ لما تقدم في شرح قول المصنف: ويهدم بناء بطريق ولو لم يضر. والنجاف قال في الصحاح: العتبة وهي أسكفة الباب انتهى. تنبيه: قال ابن عرفة في إحياء الموات والطرق إثر قول ابن رشد المتقدم لان ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه ما نصه: قلت: وهذه الكلية غير صادقة لان بعض ما للرجل أن ينتفع به لا يجوز له أن يكريه كجلد الاضحية وبيت المدرسة للطالب ونحوه انتهى. ولم يتعقبه بنقل يرده لكن قال قبله بنحو السبعة الاوراق ابن الحاجب تابعا لابن شاس: والمحفوفة بالملك لا تختص ولكل الانتفاع بملكه وحريمه. قلت: في تسوية الانتفاع بحريمه وملكه بمجدر عطفة عليه نظر، لان مسمى حريمه المغاير لمسمى ملكه لعطفه عليه إنما يصدق على الفناء وليس انتفاعه به كانتفاعه بملكه لجواز كرائه ملكه مطلقا. وأما فناؤه فسمع ابن القاسم ونقل كلام العتبية المتقدم وكلام ابن رشد وكلامه المتقدم ذكره. ويشهد لما قاله ابن عرفة من أنه ليس انتفاعه بفنائه كانتفاعه بملكه قول ابن رشد في شرح ثاني مسألة من الاقضية أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لارباب الدور كالاملاك المحوزة التي لاربابها تحجيرها على الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذا ضاق الطريق عنهم بالاحمال وشبهها إلا أنهم أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرحا وغيره. وسيأتي في الفرع الذي في آخر القولة عن ابن رشد وابن أبي زيد نحو هذا، ورأيت في مسائل الضرر من البرزلي ما نصه: لا شك أنه أي رب الفناء مقدم في الانتفاع بالفناء في ربط دابته وإلقاء كناسته وحفر بئر مرحاض ونحو ذلك ما لم يضر بالمارة حتى ادعى ابن رشد أن له كراءه لان من ملك المنفعة جاز له كراؤها، والصواب أن له الانتفاع فقط فليس له فيه التصرف التام انتهى. قلت: في قوله ادعى ابن رشد نظر، لانه يقتضي أن ابن رشد قال ذلك من نفسه، وقد علمت أنه قول مالك كما تقدم. وقال الابي في شرح مسلم في كتاب الصلاة في حديث اتخاذ المساجد الفناء ما يلي الجدرات من الشارع المتسع النافد فلا فناء للشارع الضيق لانه لا يفضل منه شئ عن المارة، وكذا لا فناء لغير النافذة ولان للافنية حكم الطريق وهي لا تملك وإنما لاربابها الانتفاع بها، واختلف هل لهم أن يكروها ؟ انتهى. ويفهم من كلام المصنف أنه لا

    [ 126 ]
    كراء لهم خصوصا من قوله بعده وللسابق والله أعلم.، وقوله: إن خف هو نحو قول ابن الحاجب: ولا يمنع الباعة منها فيما خف ولا غيرهم. قال في التوضيح في إحياء الموات: احترز بقوله: فيما خف مما يستدام. خليل: وعلى هذا فلا ينبغي أن يشتري من هؤلاء الذين يغرزون الخشب في الشوارع عندنا لانهم غصاب للطريق. وقاله سيدي أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله انتهى. قال ابن عرفة في إحياء الموات والطرق: الشيخ في المجموعة والواضحة: روى ابن وهب أنه (ص) قال: من اقتطع من طريق المسلمين وأفنيتهم شبرا من الارض طوقه الله من سبع أرضين وقضى عمر بالافنية لارباب الدور. ابن حبيب: تفسيره يعني بالانتفاع بالمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة للبيع الخفيف، ومر عمر بكير حداد في الطريق فأمر به فهدم وقال: يضيقون على الناس السوق انتهى. تنبيه: قوله والمساطب لعل المراد به الدكك التي تبنى إلى جانب الابواب، ويؤيده ما ذكره في النوادر بعد هذا الكلام الذي ذكره ابن عرفة ونصه: وسأل ابن حبيب سحنونا عمن بنى على باب داره في السكة دكانا وهي لا تضر بالزقاق غير أنها قبالة دار رجل وهي تضر به لانه يقعد عليها ويقعد ناس، فقال: يمنع من بنائها إذا كانت تضر بالآخر انتهى. ومفهومه أنها لو لم تضر بالآخر لم يمنع من بنائها. ونقله أبو إسحاق التونسي أيضا في كتاب القسمة وابن بطال في مقنعه. فرع: قال ابن رشد في شرح ثاني مسألة من الاقضية إثر قوله المتقدم: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لارباب الدور كالاملاك المحوزة، فإذا كان لقوم فناء وغابوا عنه واتخذ مقبرة فمن حقهم أن يعودوا إلى الانتفاع بها للرمي فيها إذا قدموا إلا أنه كره لهم مالك درسها إذا كانت جديدة مسنمة لم تدرس ولا عفت لما جاء في درس القبور، فعنه (ص): لان يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه وقال: إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته. وقال ابن أبي زيد: إنما كره لهم درسها لانها من الافنية، ولو كانت من الاملاك المحوزة لم يكن لهم ذلك. وروي عن علي رضي الله عنه: واروا وانتفعوا بظهرها. ابن رشد: لو كانت من الاملاك المحوزة ودفن فيها بغير إذنهم كان من حقهم نبشها وتحويلهم إلى مقابر المسلمين، وقد فعل ذلك بشهداء أحد لما أراد معاوية إجراء العين انتهى. فرع: وأما اقتطاع شئ من الافنية والتحويز عليه ببناء أو غيره فقال ابن عرفة: قال ابن رشد: ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره، فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه ويقر كما كان، وإن كان لا يضر ففي هدمه قولان: لسماع زونان ابن وهب وأشهب وأصبغ مع سماعه، والقائلون بالاول أكثر، والثاني أظهر، ورجحه ابن رشد في نوازله في كتاب الدعوى والخصومات في سؤال كتاب به القاضي عياض يسئل عن شخص بنى حائطا بجنبه في بطن

    [ 127 ]
    واد وقد كان حائطه دون ذلك فأجابه: إن كان الحائط الذي بناه يضر بالطريق أو بجاره فيهدم ما بناه، وإن كان الحائط لا يضر بالطريق ولا بجاره لا يهدم عليه. وهذا على القول بأن من تزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق لا يهدم بنيانه، والذي يترجح عندي من القولين أنه لا يهدم عليه بنيانه إذا لم يضر بالطريق لماله من الحق في البنيان، وأن من العلماء من يبيح له ذلك ابتداء وهو الذي أقول به في هذه المسألة انتهى. ص: (وللسابق كمسجد) ش: تصوره واضح، وقد ذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد، فحكى الماوردي عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه، وقيل: هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان أولى به. قال في الشامل في إحياء الموات: وللباعة وغيرهم الجلوس فيما خف والسابق أحق من غيره كمسجد، ويسقط حقه إن قام لا بنية عوده وإلا فقولان انتهى. وقاله في التوضيح. وذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد، فحكى الماوردي عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه. وقيل: هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان أولى به. ثم قال: وهذا الذي اختصر المصنف حيث قضى للسابق للافنية بها ثم شبه به السابق للمسجد انتهى. فيفهم من كلام ابن غازي أن المصنف رجح القول الثاني. وذكر ابن غازي عن شيخه القوري عن العوفية أن من وضع بمحل المسجد شيئا يحجره به حتى يأتي إليه يتخرج على مسألة هل ملك التحجير إحياء انتهى. ولم يذكر غير هذا. قلت: سيأتي في إحياء الموات أن التحجير ليس بإحياء، ونص في المدخل على أنه لا يستحق السبق في المسجد بإرسال سجادته وأنه غاصب لذلك المحل. ونص كلامه في فصل اللباس في ذم الطول في ذلك والتوسع فيه بأن أحدهم إذا كان في الصلاة وضم ثوبه حصل في النهي الوارد في ذلك وإن لم يضمه انفرش على الارض وأمسك به مكانا ليس له أن يمسكه لانه ليس له في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين وإذا بسط شيئا يصلي عليه احتاج أن يبسط شيئا كثيرا لسعة ثوبه فيمسك بذلك موضع رجلين أو نحوه، فإن هابه الناس لكمه وثوبه وتباعدوا منه ولم يأمرهم بالقرب فيمسك ما هو أكثر من ذلك، فإن بعث سجادة إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي يتخطى رقابهم فيقع في محذورات جملة منها:

    [ 128 ]
    غصبه لذلك الموضع الذي عملت فيه السجادة لانه ليس له أن يحجره وليس لاحد فيه إلا موضع صلاته، ومن سبق كان أولى، ولا نعلم أحدا يقول إن السبق للسجادة وإنما هو لبني آدم فيقع في الغصب لكونه منع ذلك المكان ممن سبقه. ومنها تخطيه لرقاب المسلمين وقد نص النبي (ص) على أن فاعل ذلك مؤذ وقد ورد كل مؤذ في النار انتهى. وظاهر كلام القرطبي في تفسيره في سورة المجادلة إنه يستحق السبق بذلك فإنه قال: إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه، فإذا جاء الآمر يقوم له المأمور لا يكره لما روي أن ابن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس فيه، فإذا جاء قام له منه. ثم قال: فرع: وعلى هذا من أرسل بساطا أو سجادة فتبسط له في موضع من المسجد انتهى. ونقله الشيخ عبد الله بن فرحون في تاريخ المدينة محتجا به. قلت: وتخريجه إرسال السجادة على إرسال الغلام غير ظاهر، والصواب ما قاله في المدخل وإن السبق لا يستحق بها وهذا أسلم من تخطي رقاب الناس إليها، وأما مع ذلك فلا يشك في المنع. فرع: قال القرطبي: إذا قعد أحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه انتهى. فرع: قال القرطبي: إذا قام القاعد في مكان من المسجد حتى يقعد غيره فيه نظر، فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الاول في سماع الامام لم يكره له ذلك، وإن كان أبعد كره له ذلك لان فيه تفويت حظه انتهى. فرع: قال ابن فرحون في تاريخ المدينة الشريفة: قال علماؤنا: يستحب للقاضي والعالم والمفتي اتخاذ موضع من المسجد حتى ينتهي إليه من أرادهم، وبذلك قال علماء الحنفية. ونقل في المدارك أن مالكا رحمه الله تعالى كان له موضع في المسجد وهو مكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهو المكان الذي كان يوضع فيه فرش النبي (ص) إذا اعتكف. ثم قال: وفي إقليد التقليد لابن أبي جمرة: إن اتخاذ العلماء المساطب والمنابر في المسجد جائز للتعليم والتذكير أحق بذلك، وما في جوامع مصر من ذلك، ولم ينكره أهل العلم دليل على ذلك وأما موضع لطلب الاجرة كالمعلمين فلا يكونون أحق بذلك بل ينبغي إزالتها، وكذلك إن وضع للعالم في موضع حصير فهو أحق بذلك وإن تأخر حتى سبقه غيره ويراعى في ذلك حق من يقصد العلماء فيجدهم في مكانهم انتهى والله أعلم. ص: (وبسد كوة فتحت أريد سدها

    [ 129 ]
    خلفها) ش: قال أبو الحسن: الكوة بفتح الكاف وضمها والفتح أشهر وهي عبارة عن الطاق انتهى. ونحوه في الصحاح، وعلى الفتح فجمعها كوى بكسر الكاف والقصر وكواء بالمد، وعلى الضم فجمعها كوى بالضم والقصر. والمعنى أن من فتح كوة على جاره فلما قام عليه أراد أن يسد خلفها بشئ فإنه لا يكتفي بذلك بل لا بد من سدها. وفهم من قوله فتحت أنها محدثة وهو كذلك، أما لو كانت قديمة فإنه لا يقضي بسدها على المشهور. قال في كتاب تضمين الصناع من المدونة: ومن فتح في جداره كوة أو بابا يضر بجاره في الشرف عليه منه منع، فأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه وفيه مضرة على جاره فلا يمنع منه. قال ابن يونس في حريم البئر: وقد رأيت بعض فقهائنا يفتي ويستحسن أن له أن يمنعه من التكشف وإن كانت قديمة، وإن رضيا بذلك لم يتركا لانهما رضيا بما لا يحل لهما وهو خلاف المنصوص. والصواب أن يجبر المحدث أن يستر على نفسه انتهى. يعني المحدث للبنيان. قال أبو الحسن: والقدم الذي أراد إنما هو طول المدة وليس أنه أقدم من بناء جاره انتهى. ومن حريم البئر. وقال في تضمين الصناع والقدم: إما سكوت هذا الثاني أو كان متقدما على بنائه وسكوته مدة حيازة الضرر فيكون مذهبه على هذا أن الضرر يحاز انتهى. وقال القلشاني في شرح الرسالة: سمعت شيخنا أبا مهدي يحكي عن ابن عرفة أنه أفتى بأن الكوة القديمة تسد قال: لان المحكوم عليه كان سئ انتهى. ولعل ابن عرفة إنما أفتى بذلك لكون الجار كان سيئ الحال، وإلا فمذهب المدونة أنه لا يقضي بالسد وإن كان فيه ضرر على الجار. وقال ابن يونس: وهو المنصوص: وقال ابن فرحون في تبصرته: إنه المشهور وقوى ابن عبد النور في الحاوي القول بسدها. تنبيه: قال ابن فرحون في وثائق ابن الهندي: إذا كان للرجل كوة قديمة يشرف منها على جاره، فلا قيام للجار فيها ويجب في التحفظ بالدين أن يتطوع بغلقها من جهة الاطلاع على العورات، وأن يكون التحفظ بالدين أوكد من حكم السلطان انتهى. تنبيه: أطلق المصنف رحمه الله القضاء بسد الكوة وهو مقيد بما إذا كانت قريبة يمكن الاطلاع منها. قال في إحياء الموات من المدونة: ومن رفع بناءه ففتح كوة يشرف منها على جاره منع. وكتب عمر في هذا أن يوقف على سرير، فإن نظر إلى ما في دار جاره منع وإلا لم يمنع. وقال مالك: يمنع من ذلك ما فيه ضرر، وأما ما لا ينال منه النظر إليه فلا يمنع. قال في التنبيهات: المراد بالسرير السرير المعلوم ومثله الكرسي وشبهه لما قال بعضهم: إنه السلم لان في وضع السلم إيذاء والصعود عليه تكلفا لا يفعل إلا لامر مهم وليس يسهل صعوده لكل أحد. وقال ابن أبي زمنين: السرير فرش الغرفة، وكذا سمعت بعض مشايخنا يفسره، وما ذكرناه أولى لقوله يوضع وراءها لان الغرفة لا تسمى غرفة إلا إذا كانت بفرش. قال أبو الحسن: ففهم عياض أنه أراد أرض الغرمة وهذا بعيد، ولعله أراد الفرش المعلوم عند الناس. وانظر هل يؤخذ

    [ 130 ]
    من فعل عمر وكتابه إجازة رفع البنيان ؟ انتهى. ثم قال في التنبيهات: ومعنى قوله فإن نظر إلى ما في دار جاره منع معناه إذا اطلع من هذه الكوة واستبان منها من دار الآخر الوجوه، فإن لم تستبن الوجوه لم يكن ذلك الاطلاع ضررا انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: قال مالك يمنع من ذلك ما فيه ضرر يعني الاطلاع من غير تقييد بسرير ولا غيره انتهى. فرع: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها ظاهر كلام الشيخ وإن كان يشرف منها على بستان جاره فإنه يمنع وهو أحد نقل ابن الحاج في نوازله قال: ولا خلاف أن له أن يطلع المزارع انتهى. وقال ابن عرفة في نوازل ابن الحاج: لا خلاف في منع الاطلاع على الدور، وأما الفدادين والمزارع فلا خلاف في إباحة البناء الذي يطلع منه عليها، والجنايات مختلف فيها أخبرت به عن ابن الطلاع: والكروم القريبة كالجنايات لا سيما عندنا لكثرة تكرار أهلها بعيالهم إليها. انتهى والله أعلم. فرع: قال المشذالي: فيما سد بالحكم أزيلت شواهده فليقلع عتبة الباب لانها إن تركت وطال الزمان ونسي الامر كانت حجة للمحدث ويقول إنما أغلقته لاعيده متى شئت. وقال بعده: وحكى ابن رشد في كيفية قطع ضرر الاطلاع قولين: أحدهما وجوب الحكم بسده وإزالة أثره خوف دعوى قدمه لسماع أشهب. الثاني: عدم وجوب سده والاكتفاء بجعل أمام ذلك ما يستره. قاله ابن الماجشون انتهى. وقال المتيطي في مسائل الضرر: إن الباب إذا حكم بسده أزيلت أعتابه وعضائده حتى لا يبقى له أثر، كذلك روي عن سحنون. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: من أحدث على غيره ضررا من اطلاع أو خروج ماء مرحاض قرب جداره أو غيره ذلك من الاحداثات المضرة، وعلم بذلك ولم ينكره ولا عارض فيه عشرة أعوام ونحوها من غير عذر يمنعه من القيام به، فلا قيام بعد هذه المدة وهو كالاستحقاق، وهذا مذهب ابن القاسم قاله ابن الهندي وابن العطار. وقال أصبغ: لا ينقطع القيام في إحداث الضرر إلا بعد سكوت عشرين سنة ونحوها وبالاول القضاء. وقال ابن رشد في البيان في آخر نوازل أصبغ من جامع البيوع: اختلف في حيازة الضرر المحدث، فقيل إنه لا يحاز أصلا وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وقيل إنه يحاز بما تحاز به الاملاك العشرة الاعوام ونحوها وهو قول أصبغ. وروي عنه أيضا: لا يحاز إلا بالعشرين سنة ونحوها. وكان ابن زرب يستحسن في ذلك خمسة عشر عاما، وروي ذلك عن ابن الماجشون. وقال سحنون في كتاب ابنه: إنه يحاز بالاربع سنين والخمس لان الجار قد يتغافل عن جاره فيما هو أقل من ذلك السنة والسنتين. وقيل: إن كان ضرره على حد واحد فهو الذي يحاز بالسكوت عليه، وما كان يتزايد كالمطمورة إلى جنب الحائط وشبه ذلك فلا حيازة فيه وبالله التوفيق انتهى. ونقله ابن عرفة وجعل كلامه متضمنا لستة أقوال ثم قال بعده: قلت: هذا يعني القول الاخير الذي

    [ 131 ]
    يفصل بين ما يتزايد وما لا يتزايد. عزاه ابن سهل لنقل ابن أبي زمنين عن فتوى يحيى بن إبراهيم بن مزين، ومثل لما لا يزيد بفتح الابواب والكوى، وما يزيد كالكنف، وسابعها أي الاقوال مطلق ما زاد على عشرة، وثامنها مطلق ما زاد على عشرين لمفهوم نقل ابن سهل عن ابن لبابة قوله العشرين قليل، ونقله عنه سمعت بعض شيوخنا المفتين يقول لا يستحق الضرر بالعشرين سنة إلا بما زاد. وذكر ابن سهل الفتوى بالثاني لعبد الله بن يحيى وابن لبابة وأيوب بن سليمان وابن الوليد قال: والقول الآخر لاصبغ في آخر كتاب الاستحقاق فيمن أحدث كوة أو بابا على دار غيره أو أندر على جنانه أو ميازيب على حائطه وهو ينظر ولا ينكر لا يستحق هذا بعشرين سنة بعد أن يحلف أنه ما كان عن رضا ولا تسليم إلا أن يطول بالدهور الكثيرة جدا فيستحقه. قلت: والاظهر عنده تاسعها انتهى. فرع: قال ابن فرحون في آخر تبصرته في الفصل الثالث عشر في القضاء بنفي الضرر: إذا أحدث الرجل من البنيان ما يجب عليه القيام فيه بالضرر فقام جاره عليه بالقرب من الفراغ من البنيان، فعليه اليمين أن سكوته حتى كمل البنيان لم يكن عن إسقاط حقه الواجب له في ذلك من القيام بقطع الضرر انتهى. ففهم من ترتب اليمين عليه إذا قام بقرب الفراغ من الاحداث ترتبها من باب أولى إذا قام به بعد طول، وقلنا إن له القيام به ولو طالت المدة وقد تقدم في الفرع الذي قبل هذا في كلام ابن عرفة عن أصبغ أنه إنما يستحق القيام بالضرر بعد العشرين سنة حتى بحلف أنه ما كان سكوته عن رضا ولا تسليم اه‍. وما ذكره ابن فرحون في الحلف بالقيام بالقرب، نص عليه في العتبية في أثناء نوازل أصبغ من جامع البيوع ونصه: فإذا قام بذلك بعد سنة أو سنتينت كما ذكرت، فلا أرى ذلك يلزمه أي الضرر المحدث، ولا يوجب عليه بعد أن يحلف بالله ما كان سكوته بذلك رضا للابد ولا تسليما، ثم يصرف عنه إذا حلف إلا أن يطول زمان ذلك جدا، فلا أرى له بعد ذلك دعوى ولا تبعة انتهى. فرع: من أحدث عليه ضرر في ملكه فباعه بعد علمه، فهل ينتقل للمشتري ما كان للبائع أم لا ؟ أو يفرق بين أن يكون باعه بعد أن خاصم فللمشتري القيام وإلا فلا ثلاثة أقوال. انتهى من بهرام الكبير في شرح قوله في النكاح وللسيد رد نكاح عبده بطلقة فقط بائنة إن لم يبعه وعزاه لابن الجلاب. وقال في التوضيح: ومن باع داره وقد أحدث عليه جاره مطلعا أو مجرى ماء أو غيره من الضرر فقال مطرف وابن الماجشون: إن كان البائع لم يقم في ذلك حين باعها فلا قيام للمشتري، ولو كان قد قام يخاصم فلم يتم له الحكم حتى باع فللمشتري أن يقوم ويحل محله. وفي أحكام ابن بطال: معناه أن الحاكم قضى به وأعذر وبقي التسجيل والاشهاد، ولو بقي شئ من المدافع والحجج لم يجز البيع لانه بيع ما فيه خصومة، وهذا أصل مختلف فيه انتهى. وعلى هذا القول اقتصر في الشامل فقال: وحل مبتاع محل بائع خاصم وباع قبل الحكم لا قبل قيامه انتهى. وقال في أواخر تبصرة ابن فرحون: الذي أفتى به ابن

    [ 132 ]
    عتاب أنه إذا باع بعد علمه به أي بالاحداث فهو رضا منه ولا كلام للمبتاع ولا له وروى ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ ثم ذكر بقية ما في التوضيح ثم قال: في معين الحكام: وفي العتبية ما يدل على أن للمبتاع القيام. وفي المتيطية: وقال في مسائل حبيب بن نصران: كان البائع لم يبين للمبتاع ذلك فهو عيب يوجب الرد إن كان من العيوب الموجبة للرد، وليس للبائع القيام على محدث الضرر، وإن لم يطلع البائع على الضرر جتى باع ورد عليه بالعيب وجب للبائع القيام. قال المتيطي: ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن بيعه بعد العلم رضا بترك القيام. والثاني أنه ليس برضا وأن للمبتاع القيام بما كان للبائع القيام به. والثالث أنه ليس برضا من البائع ولا قيام من المشتري إلا أن له الرد على البائع بالعيب إن لم يعلم به، فإن رد عليه فللبائع القيام انتهى. وقال ابن رشد في رسم الاقضية من سماع أشهب من كتاب الاقضية في مسألة من ترك أرضا براحا فاقتسمها الورثة ثم باعوها من غيرهم فأقامت بيد المشتري نحو أمن أربعين سنة أو أكثر، ثم إن بعضهم باع حظه من شخص وعليه في حظه مجرى ماء، فأراد المشتري أن يمنع من له مرور الماء في تلك الارض أو يمر به عليه فقال مالك: أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قسموا عليه فإن أتوا به حملهم عليه، وإن لم يكن إلا ما هم عليه أقروا على ذلك، وما أرى شيئا الآن أمثل من أن يقروا على حالهم إذا لم يكن قسمهم معروفا. قال ابن رشد: قوله أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قسموا عليه فإن أثوابه حملهم عليه يريد إن كان في أصل ما اقتسموا عليه مرور الماء على البائع لزمه ولم يكن للمشتري في ذلك كلام إلا أن يكون لم يعلم بذلك فيكون عيبا فيما اشترى إن شاء أن يمسك وإن شاء أن يرد به. وإن لم يكن في أصل ما اقتسموا عليه أن يمر الماء عليه لم يلزمه ذلك، وكان للمشتري أن يمنع منه. فلم ير في هذه الرواية مرور الماء على البائع في أرضه أربعين سنة حيازة عليه، وهذا على القول بأن الضرر لا يحاز. ولم يعجل بيعه للارض رضا منه بترك القيام على المار بمائه فيها، وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ في أن من أحدث عليه ضرر فلم يتكلم فيه حتى باع لزم المشتري ولم يكن له فيه قيام وأحل المشتري محل البائع في القيام عليه بما كان للبائع أن يقوم به عليه إذ قال إن القاضي ينظر له بما كان ينظر به للبائع بأن يدعو بأصل القسم فيحملهم عليه. ويدخل في هذا اختلاف بالمعنى لانه إذا لم يجعل بيعه رضا بترك القيام فهو بمنزلة إذا باع ولم يعلم بما أحدث عليه أو باع بعد أن علم في حال الخصام قبل أن يقضي له. وقد قال في كتاب النكاح الاول من المدونة في الذي يتزوج عبده بغير إذنه فيبيعه قبل أن يعلم أن دلمشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد، فلا يكون له من الخيار في التفرقة ما كان للبائع. وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا باع في حال الطلب والخصام قبل أن يتم له القضاء أن المشتري يتنزل منزلة البائع

    [ 133 ]
    ويكون له من الطلب ما كان له فما كان في كتاب النكاح الاول معارض لهذه الرواية ولما في الواضحة. ويتحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن بيعه بعد العلم الرضا منه بترك القيام. والثاني أنه ليس برضا ويقوم المشتري بما كان للبائع أن يقوم به. والثالث أنه ليس برضا من البائع ولا قيام للمشتري وإنما له الرد على البائع بالعيب إذا لم يعلم به، فإن رد عليه كان للبائع القيام. وكذلك إن باع السيد العبد الذي تزوج بغير إذنه بعد أن علم بتزوجه يدخل في ذلك الثلاثة الاقوال انتهى. وقال ابن عرفة في حريم البئر: الباجي: فمن باع داره وقد أحدث عليه مطلع أو مجرى ماء أو غيره من الضرر فقال الاخوان وأصبغ: إن لم يقم حتى باع فلا شئ للمتشري، ولو كان خاصم فيه فلم يتم له الحكم فباع فللمشتري القيام ويحل محله ابن زرقون في أحكام ابن بطال: معناه أن الحاكم قضى به وأعطر وبقي التسجيل الاشهاد. ولو بقي شئ من المدافع والحجج لم يجز البيع لانه بيع ما فيه خصومة وهذا أصل فيه تنازع. وفيها: من أقام بينة غير قاطعة في أرض فلمن هي بيده بيعها. وقال سحنون: بيعها حينئذ غرر. وهذا إن كان البائع في المسألة الاولى قام على محدث الضرر، وإن باع قبل أن يعلم ذلك ففي صحة قيام المبتاع على المحدث وتنزله منزلة البائع ويقوم قيامه. ثالثها إنما له الرد على البائع لحبيب عن سحنون. وتقدم قول الاخوين وقولها في العبد يتزوج بغير إذن سيده ثم يبيعه قبل أن يعلم أن لمشتريه رده بالعيب، فإن رده فلبائعه القيام به. كذا أخذته عمن أرضى من شيوخنا أنها ثلاثة أقوال. وتأملت قول الاخوين، وظاهره أن البائع باع بعد علمه بإحداث الضرر ولم يقم به وهذا لا يختلف في سقوط القيام فيه فتأمله. ابن سهل: نزل أن رجلا فتح بابا في زقاق غير نافذ وسكت عنه أهل دوره نحو ثلاثة أعوام وباعوا دورهم، فأراد مبتاعوها سد الباب المحدث، فأجاب ابن عتاب: لا كلام فيه للمبتاع إنما الكلام فيه للبائعين، فإن لم يفعلوا حتى باعوا فهو رضا منهم، وقال أحمد بن رشيق فقيه المرية مثله، وقال ابن مالك: روى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا قيام في ذلك إلا أن يكون البائعون باعوا وقد خاصموا في ذلك، وعلى أن ليس لهم ذلك يدل ما في النكاح الاول من المدونة. ابن سهل: يريد مسألة العبد يتزوج بغير إذن سيده. وفي سماع القرينين من الاقضية ما يدل على خلافه، وكذا في وثائق المعروف بالمكوى للمبتاع القيام على محدث الضرر كوكيل البائع على ذلك. قلت: وما أشار إليه في سماع القرينين فيه سكوت ذي أرض على إحداث مرور ماء على أرضه أربعين عاما ثم باع أرضه تلك لا يمنع القيام عليه. فقال ابن رشد: لم يلزمه ذلك. ونقل كلام ابن رشد المتقدم ثم قال: قلت: وزعم ابن زرقون أن بيعه بعد علمه بالاحداث مع عدم قيامه به يسقط القيام اتفاقا، يرد بأنه إنما يصح هذا أن لو كان ضرر الاحداث يحاز بالعلم به مع السكوت عنه اتفاقا وليس الامر كذلك لما قاله ابن رشد هنا. وفي نوازل أصبغ:

    [ 134 ]
    والعجب من قول ابن زرقون هذا مع كثرة اعتماده على كلام ابن رشدانتهى. ص: (وأندر قبل بيت) ش: الاندر بفتح الدال المهملة، كذا ضبطه في ضياء الحلوم ولم أقف على غيره. وقوله قبل بيت لا مفهوم له بل وكذلك إذا أحدث الاندر إلى جنب بيت وأضر به فإنه يمنع منه، وكذا أضر بالجنان فإنه يمنع. نقله ابن فرحون وغيره والله أعلم. ص: (ومضر بجدار) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال ابن فرحون في الباب الثالث عشر في القضاء بنفي الضرر: قال ابن الهندي: وإن قام رجل على جاره في شئ يريد إحداثه وادعى أنه ضرر وأقام بينة تشهد بأن الذي يذهب إلى إحداثه يكون فيه ضرر على جاره من اطلاع وغيره، فليس يمنع جاره من عمل ما يريد، فإذا تم عمله وثبت الضرر هدم عليه إذا اختار ذلك ولم يكن عنده فيه مدفع، انتهى. فتأمله والله أعلم. ص: (وإصطبل) ش: قال النووي: هو بكسر الهمزة وهمزة أصلية فكل حروف الكلمة أصلية، وهو عجمي معرب وهو بيت الخيل ونحوها، وكلام ابن غازي عليه حسن والله أعلم. ص: (وحانوت قبالة باب) ش: قال ابن غازي: هذا في غير النافذة لقوله

    [ 135 ]
    في مقابله وباب بسكة نافذة على أن ما هنا مستغنى عنه بمفهوم قوله آخر إلا بابا إن نكب لانه في غير النافذة انتهى. قلت: كلام ابن غازي يقتضي التسوية بين الحانوت والباب، وهو الذي حكاه ابن رشد في كتاب السلطان وأفتى به ابن عرفة. قال البرزلي في أول مسائل الضرر: وقع في الرواية التسوية بين الحانوت وباب الدار، وأن الخلاف فيهما واحد وحكاه ابن رشد في كتاب السلطان من الشرح، ورأيت في التعليقة المنسوبة للمازري على المدونة عن السيوري وغيره من القرويين أن الحانوت أشد ضررا من الباب لكثرة ملازمة الجلوس فيه، وأنه يمنع بكل حال، ووقعت بتونس فأفتى شيخنا الامام يعني ابن عرفة بالتسوية، والصواب ما قال بعض القرويين انتهى. ص: (وإلا فقولان) ش: أي وإن لم تكن الشجرة متجردة فقولان. نقل ابن عرفة في باب إحياء الموات عن ابن رشد أنه قال في سماع عبد الملك: الاظهر قطع ما أضر ما طال من أغصانها يعني وإن لم تكن الشجرة متجردة قال: واختاره ابن حبيب ونص كلامه: وسمع عبد الملك ابن وهب: من شكا شجرة بدار جاره لاشراف من يطلعها لاجتنائها على داره وخوف أن ينظروا إليه منها، لم يكن له قطعها وله قطع ما دخل من أغصانها في أرضه ابن رشد: له قطع ما طال من الحادثة فأضر حائطه أو دخل هواء حقه وقلعها إن أضرت حائطه، وإن كانت الشجرة قديمة قبل دار الجار فليس للجار قلعها ولو أضرت بجداره، وفي قطعه ما أضر به مما طال من أغصانها قولا أصبغ مع مطرف وابن الماجشون، لانه علم أن هذا يكون من حال الشجرة فقد حاز ذلك من حريمها، والاول أظهر واختاره ابن حبيب انتهى.

    [ 136 ]
    ص: (لا مانع ضوء شمس وريح) ش: هذا هو المشهور في الثلاثة. وأما إحداث ما ينقص الغلة فلا يمنع اتفاقا كإحداث فرن قرب فرن آخر أو إحداث حمام قرب حمام آخر. قاله في معين الحكام وفي التبصرة. ص: (وباب بسكة نفذت) ش: يعني أن من أراد أن يفتح لداره

    [ 137 ]
    بابا في سكة نافذة فإن ذلك له ولا يمنع من ذلك. وظاهره ولو كان في مقابلة باب جاره، وسواء كانت السكة واسعة أو ضيقة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله. والسكة بكسر السين المهملة الزقاق. قاله في الصحاح. والنافذة بالذال المعجمة هي التي يخرج منها من طرفيها. واحترز بقوله نفذت عن السكة التي ليست بنافذة وهي التي تكون منسدة من أحد الطرفين، قال ابن الحاجب: والطريق المنسدة الاسفل كالملك لارباب دورها. قال ابن عبد السلام: إنما جعل الجانب المنسد من أسفلها وإن أمكن أن يكون أعلاها في المكان لانه غاية تلك الطريق فشبه أولها بالاعلى وأقصاها بالاسفل لانها كالوعاء لمن دخل فيها انتهى. فإذا كانت السكة غير نافذة فليس له أن يفتح فيها بابا بغير إذن أهل السكة إلا إذا كان منكبا عن باب جاره المقابل له كما سيصرح بذلك المصنف في قوله إلا بابا إن نكب، وسيأتي الكلام عليه بعد ذكر كلام المدونة وكلام ابن رشد إن شاء الله. وما ذكره المصنف في المسألتين هو مذهب المدونة. قال في آخر كتاب القسمة منها: وليس لك أن تفتح في سكة غير نافذة بابا يقابل باب جارك أو يقار به، ولا تحول بابا لك هنا لك إذا منعك لانه يقول الموضع الذي تريد أن تفتح فيه بابك لي فيه مرفق أفتاح فيه بابي وأنا في سترة ولا أدعك تفتح قبالة بابي أو قربه فتتخذ علي فيه المجالس وشبه هذا. فإذا كان هذا ضررا فلا يجوز أن تحدث على جارك ما يضره، وأما في السكة النافذة فلك أن تفتح ما شئت وتحول بابك حيث شئت منها انتهى. وقال ابن رشد في سماع عبد الملك الملقب بزونان من كتاب السلطان بعد أن ذكر الخلاف في المسألتين: فيتحصل في فتح الباب وتحويله عن موضعه في الزقاق الذي ليس بنافذ ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك لا يجوز بحال إلا بإذن جميع أهل الزقاق، وهو الذي ذهب إليه ابن زرب قياسا على مسألة المدونة في الدار الكبير، وبه جرى العمل بقرطبة. والثاني أن ذلك له فيما لم يقابل باب جاره ولا قرب منه فقطع به مرفقا عنه، وهو قول ابن القاسم في المدونة وقول ابن وهب هاهنا. والثالث أن له تحويل بابه على هذه الصفة إذا سد الباب الاول، وليس له أن يفتح فيه بابا لم يكن قبل بحال وهو ذليل قول أشهب هاهنا.

    [ 138 ]
    ويتحصل في فتح الرجل بابا أو حانوتا في مقابلة باب جاره في الزقاق النافذ ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك له جملة من غير تفصيل وهو قول ابن القاسم في المدونة وقول أشهب هاهنا. والثاني أن ذلك ليس له جملة من غير تفصيل إلا أن ينكب، وهو قول سحنون ورواه عنه ابنه محمد وابن حبيب. والثالث أن ذلك له إذا كانت السكة واسعة، وهو قول ابن وهب هاهنا. والسكة الواسعة ما كان فيها سبعة أذرع فأكثر لما جاء أن رسول الله (ص) قال: الطريق الميتاء سبعة أذرع وقع ذلك في مسند ابن أبي شيبة من رواية ابن عباس. فوجب أن يكون ذلك حد سعة الطريق انتهى. ونقله الشيخ أبو الحسن في شرح كلام المدونة السابق وقال فيه: إلا بإذن جميع أهل الزنقة. وهذه اللفظة يستعملها المغاربة بمعنى الزقاق وليست في كلام ابن رشد وقال في الصحاح: الزنقة السكة الضيقة انتهى. والقول الذي عزاه لابن زرب في السكة الغير النافذة عزاه أبو إسحاق لابن القاسم في كتاب البيان لسحنون ونصه: قال في كتاب البنيان: قال ابن القاسم: ليس لك في زقاق غير نافذ أن تفتح بابا أو تقدمه. ثم قال: وقال سحنون: لا تفتح في غير النافذة شيئا بحال إلا أن يرضى الجماعة. تنبيهات: الاول: تقدم أن ظاهر كلام المصنف أن له أن يفتح الباب في السكة النافذة ولو كان في مقابلة باب جاره، وسواء كانت السكة واسعة أو ضيقة، وهذا ظاهر كلام المدونة السابق. وصرح ابن رشد بأن ذلك قول ابن القاسم في المدونة فإنه عزا القول بالتفصيل بين الواسعة والضيقة لابن وهب كما تقدم في كلامه. وقال قبله: إن قول ابن وهب يخالف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب القسمة إذ لم يشترط في المدونة سعة السكة. وعلى كلام ابن رشد اعتمد المصنف وصاحب الشامل فقال في الامور التي لا يمنع منها ولا من باب بسكة نافذة وإن ضاقت عن سبعة أذرع على الاصح، وثالثها إن نكب عن باب جاره وإلا فلا انتهى. إلا أنه قد يتبادر من كلام صاحب الشامل أن مقابل الاصح أنه يمنع من فتح الباب في السكة النافذة ولو كانت أكثر من سبعة أذرع وليس كذلك فتأمله. وأما المتيطي فجعل قول ابن وهب في العتبية مقيدا لما في المدونة فقال: وأما فتح الابواب في المحاج النافذة، فروى ابن القاسم عن مالك قولا مجملا أن ذلك مباح لمن شاء، ويؤمر أن ينكب قليلا عن مقابلة باب دار جاره إلا أن تكون السكة واسعة جدا حتى لا يرى من الباب المفتوح إلا ما يرى من سلك الطريق فله أن يفتخه كيف شاء. وقال قبله: من فتح بابا في سكة نافذة فمنعه جاره وزعم أن في ذلك ضررا على جاره وشهدت البينة بأن الزقاق ضيق وأن من في أسطوان أحدهما بنظر من في أسطوان الآخر، فإنه يحكم بغلق الباب المحدث. وكلام ابن رشد السابق يقتضي أنه مذهب المدونة أنه لا يمنع من فتح الباب في الزقاق النافذ ولو كان من في أسطوان إحداهما ينظر من أسطوان في الاخرى. وجواب ابن رشد في نوازله يقتضي أنه راعى ما في العتبية فإنه ذكر في مسائل الدعوى والخصومات من نوازله أنه

    [ 139 ]
    سئل عن رجلين متجاوزين بينهما زقاق نافذ فأحدث أحدهما في داره بابا أو حانوتين يقابل ذلك باب جاره، ولا يكا يدخل أحد من أهل داره ولا يخرج إلا على نظر من الذين يجلسون في الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم وذكل ضرر بين لصاحب الدار وعياله. فأجاب: إذا كان الامر على ما وصفت فيؤمر أن ينكب بابه وحانوتيه عن مقابلة باب جاره، فإن لم يقدر على ذلك ولا وجد إليه سبيلا ترك ولم يحكم عليه بغلقها انتهى. فدل كلامه على أنه لو وجد سبيلا لتنكيب الباب والحانوتين عن باب جاره حكم عليه بذلك إذا ثبت أن على جاره في ذلك ضررا. فيتحصل من كلامه أنه إذا لم يكن على جاره في ذلك ضرر فله أن يفتح الباب والحانوت قبالة باب جاره، وأما إذا كان على جاره في ذلك ضرر، فإن لم يمكنه التنكيب لم يحكم عليه، وإن أمكنه ذلك حكم عليه به فتأمله. والاسطوان بضم الهمزة وبعدها سين مهملة ساكنة هو الدهليز بكسر الدال المهملة. ورأيته في المتيطية بالصاد المهملة فلعل ذلك لغة فيه. الثاني: قول المصنف في السكة التي ليست بنافذة إلا بابا إن نكب يقتضي أنه إذا كان الباب الذي يفتحه منكبا عن باب جاره الذي يقابله جاز فتحه ولو كان ذلك بقرب باب دار جاره الملاصق له بحيث إنه يضيق عليه فيما بينه وبين بابه ويقطع ارتفاقه بذلك وليس كذلك، لما تقدم في كلام المدونة وكلام ابن رشد. فلو قال المصنف إلا بابا إن نكب ولم يضر بجار ملاصق لو في بما في المدونة وبما في كلام ابن رشد. الثالث: يدخل في كلام المصنف من له حائط في سكة غير نافذة وليس له فيها باب وأراد أن يفتح في حائطه بابا، فله ذلك إن كان منكبا عن باب جاره المقابل ولم يقرب من باب جاره الملاصق له، لكن قيد ذلك في الشامل بما إذا كان قصده الارتفاق بذلك، وأما إن جعل ذلك طريقا يدخل الناس من باب داره ويخرجون من هذا الباب المحدث، فليس له ذلك وهو ظاهر، ولم أر من صرح به ولكنه يؤخذ من مسألة المدونة الآتية. ونص ما في الشامل: وغير النافذة كالملك لجميعهم فبالاذن إلا بابا إن نكب على الاصح وثالثها إن سد بابه الاول ونكب وإلا فلا، ولا من فتح بابا آخر بظهر داره ليرتفق به إلا أن يجعله طريقا انتهى. الرابع: لم يذكر المصنف ولا غيره قدر ما ينكب الباب عن باب جاره في السكة الغير النافذة، لكن قد تقدم في كلام ابن رشد عن سحنون أنه ليس له أن يفتح بابا في السكة النافذة إلا أن ينكبه. ونقله أبو إسحاق التونسي في كتاب القسمة ثم قال: قيل له: ينكبه قدر ذراع أو ذراعين ؟ قال: قد ما يرى أنه يزال به الضرر عن الذي قبالته انتهى. ونقله ابن يونس وابن بطال في مقنعه ومثله يقال هنا والله أعلم. الخامس: قال البرزلي في مسائل الضرر ناقلا عن نوازل ابن الحاج: إن من كان له حائط

    [ 140 ]
    مصمة في سكة فكان ابن العطار يقول: ليس له منع من أراد فتح باب في السكة حذاء حائطه. وكان ابن عتاب يقول: له منعه كما لو كان له باب. البرزلي قلت: هذا الذي يجري على الحق في الفناء هل يختص بمنفعته فيكون له حق في الزقاق أو لا فلا يكون له حق انتهى. قلت: سيأتي في كلام الشيخ أبي الحسن أن لكل واحد منهما أن يمنع صاحبه من أن يفتح بقرب جداره لانه يقول أنا أريد أن أفتح أيضا في جداري فلا تقرب مني حتى تضيق علي، فإما أن يفتحا جميعا أو يمنعا جميعا والله أعلم. السادس: قال ابن عرفة في إحياء الموات لما تكلم على السكة التي ليست بنافذة ونقل كلام ابن رشد السابق ما نصه: ولم يحك المتيطي إلا منع إحداث الباب أو تحويل القديم لقرب باب جداره بحيث يضره ذلك. ثم قال: ولو حوله على بعد لم يكن له عليه قيام لانه لم يزدهم شيئا على ما كان عليه انتهى. قلت: ما ذكره عن المتيطي هو في آخر كلامه وكرر الكلام فيه قبل ذلك، وذكر أن ذلك هو الذي به القضاء. ثم قال: قال الباجي: وفي ذلك اختلاف. ثم كتب في هامش النسخة: وفي آخر كتاب القسمة من المدونة لابن القاسم أنه راعى الضرر في ذلك وكتب عليه أصل والله أعلم. السابع: تقدم أن ظاهر قول المصنف: إلا بابا إن نكب أنه لا فرق في ذلك بين السكة الطويلة والقصيرة. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة في السكة غير النافذة، ظاهره طويلة كانت أو قصيرة، والتفريق بين النافذة وغير النافذة إنما هو بعذر كثرة المرور، فإذا كانت السكة طويلة كانت كالنافذة. سئل الشيخ يعني نفسه عمن له في أقصى هذه السكة غير النافذة قاعة، هل له أن يكريها ممن يبنيها أو لاهل السكة منعه فقال: ليس لهم منعه كما له هو أن يبني فيها ويسكن معه من شاء انتهى. وما ذكره لم أر من وافقه عليه وهو مخالف لما سيأتي في التنبيه الخامس عشر عن ابن يونس وابن بطال. الثامن: قال أبو الحسن أيضا: قوله في المدونة: لانه يقول الموضع الذي تفتح فيه بابك لي فيه مرفق وأفتح فيه بابي وأنا في سترة الشيخ: معنى ذلك أن الباب كان هناك مفتوحا لا أنه أراد إنشاء الباب وكأنه يقول أحل فيه بابي وأنا في سترة. وأما لو أراد الانشاء لكان للآخر أن يحتج عليه بهذه الحجة فلا يكون أحدهما أولى من الآخر، فإما أن يمنعا جميعا أو يفتحا جميعا انتهى. وقوله: أحل فيه بابي هذا اللفظ يستعمله المغاربة بمعنى افتح بابي المغلوق. التاسع: قال ابن عرفة في إحياء الموات ولما ذكر المتيطي الحديث السابق في تحديد الطريق قال: الميتاء الواسعة انتهى. قلت: ولم أقف على ما ذكره عن المتيطية بل رأيت في هامش نسخة منها تأمل الميتاء ما هي. وتفسير الميتاء بالواسعة قول ذكره في فتح الباري وغيره ولكنه خلاف المشهور عند أهل اللغة وأهل غريب الحديث. قال في الصحاح في فصل الهمزة

    [ 141 ]
    من باب المعتل: والميتاء الطريق العامرة، ومجتمع الطريق أيضا ميتاء وسيراء انتهى. وقال المطرزي في المقرب: وطريق ميتاء تأتيه الناس كثيرا وهو مفعال من الاتيان ونظيره دار محلال التي تحل كثيرا اه‍. وقال في النهاية في باب الميم من التاء وفي حديث اللقطة: ما وجدت في طريق ميتاء فعرفة سنة أي طريق مسلوك وهو مفعال من الاتيان والميم زائدة وبابه الهمزة انتهى. يعني أنه إنما ذكره في باب الميم تسهيلا على الطالب على عادته. وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات في باب الميم: وفي الحديث طريق ميتاء بكسر الميم وبعدها همزة وبالمد، وتسهل فيقال ميتاء بياء ساكنة كما في نظائره. قال صاحب المطالع: معناه كثير السلوك عليه مفعال من الاتيان انتهى. وقال في فتح الباري في كتاب المظالم: الميتاء بكسر الميم وسكون التحتانية بعد مثناة ومد بوزن مفعال من الاتيان والميم زائدة. قال أبو عمر والشيباني: الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس بها، وقال غيره: هي الطريق الواسعة. وقيل: العامرة انتهى. وما ذكره من التشديد سهو يرده قوله بوزن مفعال ولم يذكره أحد غيره، ورأيته في البيان والمتيطية ومختصر ابن عرفة بالثاء المثلثة وليس بظاهر، قال في الصحاح في فصل الميم من باب التاء: الميتاء الارض السهلة، والجمع ميت مثل هيفاء وهيف انتهى. ونحوه في القاموس وليس ذلك مرادا هنا. العاشر: قال في المتيطية: قال أحمد بن سعيد الهندي وغيره من الموثقين: وإنما يشهد على ضيق الطريق مجملا دون تحدي يذرع ما حده أهل العلم من الضيق والسعة. وأما أن يشهدوا فيه على الجملة وهم من غير أهل العلم فلا تعمل شهادتهم شيئا، ولا يجب أن يقضي بها. وروى في سعة الطريق سبعة أذرع وما نقص منها فهي ضيقة، ويدل عليه ما في مسند ابن أبي شيبة أن رسول الله (ص) قال: الطريق الميتاء سبعة أذرع قال ابن الهندي: وقد حضرت الفتيا بذلك، وذكر أبو محمد في نوادره أنه اختلف في ذلك فقيل: الواسعة ثمانية أشبار. وقيل: سبعة انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: قال ابن أبي حمراء في وثائقه: الزقاق الواسعة سبعة أذرع فأكثر، والضيق ما دون ذلك انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن الهندي الاخير أعني قوله: وقد حصرت الفتيا بذلك وذكر كلام الشيخ أبي محمد ثم قال بعده: حديث سبعة أذرع إنما ذكره عبد الحق من مصنف عبد الرزاق وقال: في سنده جابر الجعفي ولم يزد. وقال المزي في رجال الكتب الستة: هو من أكبر علماء الشيعة وثقه شعبة وتركه جماعة، وروى عنه شعبة والسفيانان انتهى. قلت: قال شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر في تقريبه: جابر بن يزيد بن الحرث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل سنة اثنين وثلاثين. أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي صحيح البخاري في كتاب المظالم إذا اختلفوا في الطريق الميتاء وهي الرحبة تكون بين الطريقين ثم يريد أهلها البنيان فيترك منها للطريق سبعة أذرع. قال في فتح الباري: هو مصير منه يعني من البخاري إلى اختصاص الحكم

    [ 142 ]
    بالصورة التي ذكرها، وقد وافقه الطحاوي على ذلك فقال: لم نجد لهذا الحديث معنى أولى من حمله على الطريق التي يراد ابتداؤها إذا اختلف‍ من يريد ابتداءها في قدرها كبلد يفتحه المسلمون وليس فيها طريق مسلوك، وكموات يقطعه الامام لمن يحييه إذا أراد أن يجعل فيها طريقا للمارة، وقال غيره: مراد الحديث أن أهل الطريق إذا تراضوا على شئ كان ذلك لهم، وإن اختلفوا جعل سبعة أذرع انتهى. ثم ذكر البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قضى النبي (ص) إذا تشاجروا في الطريق سبعة أذرع. قال في فتح الباري: قوله تشاجروا وتفاعلوا من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعوا وللاسماعيلي: إذا اختلف الناس في الطريق. ولمسلم: إذا اختلفتم. وأخرجه أبو عوانة في صحيحه وأبو داود والترمذي وابن ماجة بلفظ: إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع. وزاد المستملي في روايته الميتاء ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة، وإنما ذكرها المؤلف يعني البخاري في الترجمة مشيرا بها إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي (ص) إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع. وروى عبد الله بن محمد في زيادات المسند والطبري من حديث عبادة بن الصامت: قضى رسول الله (ص) في الطريق الميتاء فذكر في أثناء حديث طويل. ولابن عدي من حديث أنس قضى رسول الله (ص) في الارض الميتاء التي تؤتى من كل مكان قد كره، وفي كل من الاسانيد الثلاثة مقال. وقوله سبعة أذرع الذي يظهر أن المراد بالذراع قدر ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل. وقيل: ذراع البنيان المتعارف انتهى. والمستملي أحد روات البخاري. قلت: قال ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب الاقضية فيى أثناء الكلام على مسألة الساباط: وإذا اختلف البانيان والمتقابلان في الفحص فيما يجعل للطريق أو تشاحا فأراد كل واحد منهما أن يقرب جداره من جدار صاحبه، جعلا الطريق سبعة أذرع بالذراع المعروفة بذراع البنيان، فإذا بنى كل واحد منهما فيما بنى ميزابا للمطر على الطريق لم يمنع انتهى. الحادي عشر: تقدم في كلام بعضهم إثبات التاء في سبعة أذرع وفي كلام بعضهم حذفها لان الذراع يذكر ويؤنث قال في الصحاح: ذراع اليد يذكر ويؤنث. الثاني عشر: قال في المدونة: إذا كانت دار لرجلين ولاحدهما دار تلاصقها فأراد أن يفتح في المشتركة بابا يدخل منه إلى داره، فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح، فإن قسما فقال اجعلوا نصيبي إلى جنب داري حتى أفتح فيها بابا لم يقبل منه وقسمت الدار بالقيمة فحيث وقع سهمه أخذه وإن كان في الناحية الاخرى. وإن قسما هذه الدار فاشترى أحد النصيبين رجل يلاصق داره ففتح إلى النصيب من داره بابا وجعل يمر من داره إلى طريق هذا النصيب هو ومن اكترى منه أو سكن معه، فذلك له إن أراد دار اتفاقا ولا يمنع إلا أن

    [ 143 ]
    يجعل ذلك كسكة نافذة لممر الناس يدخلون من باب داره ويخرجون كالزقاق فليس ذلك له انتهى. قال أبو الحسن: قوله فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح مفهومه لو لم يكن معه فيه شريك لكان له أن يفتح. قال محمد: لو فتح في حائط نفسه ليدخل منه في دار الشركة لم أر به بأسا وكان ذلك له انتهى. ونقل ابن يونس أيضا كلام محمد وقبله. وقال أبو إسحاق بعد أن ذكر كلام محمد: في هذا نظر، لانه يحدث على دار الشركة بابا من داره فقد يطول الامر فيظن أن فتح الباب حق على دار الشركة وذلك يحط من ثمنها إذا كان عليها حق فتح باب من دار أخرى انتهى. قلت: ما قاله أبو إسحاق ظاهر لا شك فيه، والظاهر إبقاء كلام المدونة على إطلاقه وأنه ليس له أن يفتح بابا لشركته معه في موضع الفتح من الارض ولو كان الجدار له فتأمله والله أعلم. ثم قال أبو الحسن: قوله وقسمت الدار بالقيمة فحيث وقع سهمه أخذه زاد ابن يونس: فإن وقع بجنب داره فتح فيه بابا إن شاء. ثم قال أبو الحسن: قوله فاشترى أحد النصيبين رجل يلاصق داره فذلك له إن أراد ارتفاقا قال أبو إسحاق: ما لم يغلق باب الدار الاخرى فلا يكون له ذلك انتهى. قلت: لفظ أبي إسحاق إنما أراد به إذا أحدث بابا يخرج منه إلى باب داره فقد خفف عن صاحب النصيب الآخر بعض المرور لانه قد كان له سكنى النصيب الذي صار له بالقسمة بأهله ثم يمر منه على نصيب صاحبه فصار يمر عليه تارة وتارة يخرج من باب داره فذلك أخف على صاحبه، وأما لو عطل الخروج من باب داره وجعل عياله وحشمه الذين في الدارين جميعا يمرون من هذا الباب الذي على شريكه لكان لشريكه في ذلك متكلم لان ضرر عيال دار واحدة ليس مثل ضرر دارين إذا قطع الممر من باب داره ويصير شبيها بما منع منه من السكة النافذة انتهى. وما قاله ظاهر. الثالث عشر: فيمن في أرضه طريق فأراد أن يحولها إلى موضع منها أرفق به وبأهل الطريق فليس له ذلك. قال في الواضحة في كتاب القضاء في ترجمة القضاء في الطريق يشق أرض رجل: سئل ابن القاسم عن رجل يكون له الارض البيضاء والطريق يشقها فأراد أن يحول الطريق عن موضعه إلى موضع آخر من أرضه هو أرفق به وبأهل الطريق فقال: ليس ذلك له ولا لاحد أن يحول طريقا عن موضعها إلى ما هو دونها ولا إلى ما فوقها وإن كان مثل الطريق الاول في السهولة وأسهل منه وإن أضر ذلك به، لانه على ذلك اشترى أو ورث أو وهب له، وإن رضي له بذلك من جاوره من أهل القرى إذا كان ذلك طريق عامة لان ذلك حق لجميع المسلمين فلا يجوز فيه إذن بعضهم إلا أن يكون ذلك طريق قوم بأعيانهم فيأذنون له فيجوز ذلك. وقال لي ابن الماجشون: أرى أن يرفع أمر تلك الطريق إلى الامام فيكشف عن حالها،

    [ 144 ]
    فإن رأى تحويلها عن حالها منفعة للعامة ولمن جاورها وحولها في مثل سهولتها أو أسهل وفي مثل قربها أو أقرب، فأرى أن يأذن له بذلك. وإن رأى في ذلك مضرة بأحد ممن جاورها أو بأبناء السبيل وعامة المسلمين منعه من ذلك. وإن هو فعل ذلك فحول الطريق دون رأي الامام وإذنه. نظر الامام في ذلك، فإن كان صوابا أمضاه وإن كان غير ذلك رده، لان الامام هو الناظر لجميع المسلمين وهو مكانهم في ذلك. وقال ابن نافع مثله أيضا وهذا أحب إلي وبه أقول انتهى. ونقله ابن أبي زيد في النوادر في كتاب القضاء في المرافق وابن أبي زمنين في المنتخب وابن فرحون في تبصرته. الرابع عشر: قال ابن أبي زمنين في المنتخب: قال سحنون: قلت له: فلو أن دارا في جوف دار الداخلة لقوم والخارجة لغيرهم وممر الداخلة على الخارجة، فأراد أهل الخارجة أن يحولوا باب دراهم في موضع غير الموضع الذي كان فيه، فقال: إن كانوا أرادوا أن يحولوه إلى جنب الباب القديم ولا ضرر فيه على أهل الدار الداخلة فمنعهم أهل الداخلة، رأيت أن لا يمنعوا من ذلك. وإن أرادوا أن يحولوه في غير قرب الموضع الذي كان فيه فليس لهم ذلك. قلت: فإن أراد أهل الدار الخارجة أن يضيقوا باب الدار فقال ليس لهم ذلك انتهى. وهذه المسألة في المدونة في آخر كتاب القسمة. الخامس عشر: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما الزقاق غير النافذ الذي فيه أزقة فكل زقاق مستقل بنفسه، فإن أذن أهل زقاق في فتح باب بزقاقهم المستقبل بهم فليس للباقين كلام. بذلك أفتى بعض شيوخنا في القديم على ما بلغني ممن يوثق به وبه أقول انتهى. وقاعدته أنه إذا قال بعض شيوخنا يشير به إلى ابن عرفة. وانظر هذا مع ما نقله ابن يونس عن سحنون في كتاب ابنه أن حبيبا سأل سحنونا عن درب كبير غير نافذ فيه زابعة في ناحية غير نافذة ولرجل في أقصاها باب، فأراد أن يقدمه إلى طرف الرابعة فمنعهم أهل الدرب قال: لهم أن يمنعوه ولا يحركه عن موضعه إلا برضا أهل الدرب. وقال نحوه يوسف بن يحيى في الدرب الذي لا ينفذ والزوابع وكل مشترك منافعه بين ساكنه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق ولا باطنه حدثا إلا باجتماع أهله. قال ابن يونس: هذا خلاف لما في المدونة وما في المدونة أصوب، وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن وهب. وهذا بخلاف الدار المشتركة المشاعة لا يتميز حظ أحدهم عن صاحبه فما يفتح به مشترك لا يجوز إلا باجتماعهم والدور في الزوابع والدروب الغير النافذة متميزة، فلكل واحد أن يصنع في ملكه ما يضر بجاره لقوله (ص): لا ضرر ولا ضرار انتهى. وكأنه يعني بالزابعة الزقاق ولم أقف على ذلك في اللغة إلا أن كلام ابن بطال في مقنعه يرشد لذلك ونصه: قال سحنون في كتاب ابنه: الدرب الكبير غير النافذ مثل الزنقة غير النافذة، فإن كان في الدرب زنقة الكبير في ناحية منه غير نافذة ولرجل في أقصاها باب فأراد أن يقدمه إلى طرف الزنقة قال: لاهل الدرب أن يمنعوه ولا

    [ 145 ]
    يحركه عن موضعه إلا برضا جميع أهل الدرب. فما ذكره سحنون وإن كان مخالفا للمشهور في منع فتح الباب إلا برضا جميع أهل السكة. لكنه يدل على أن أهل الدرب لهم المنع ولو رضي أهل الزنقة وهو خلاف ما قاله ابن ناجي فتأمله. وسيأتي في القولة التي بعد هذه عن الوقار ما يوافق ما قاله ابن ناجي عن بعض شيوخه. السادس عشر: قال البرزلي في مسائل الضرر: سكة غير نافذة لرجل فيها دار نقضها له وقاعتها لغيره فأراد أهل السكة أن يقيموا فيها سربا فمنعهم صاحب النقض، فله ذلك إذا كان ذلك يعيب الموضع ولصاحب القاعة ذلك أيضا انتهى والله أعلم. السابع عشر: تقدم عند قول المصنف وسد كوة فتحت عن المتيطي و المشذالي أنه إذا حكم بسد باب فتح لغير وجه شرعي أن تقلع العتبات والعضائد حتى لا يبقى هناك أثر باب ونقله عنه ابن فرحون في تبصرته وصنه: تنبيه: وفي المتيطية قال ابن زرب: وإذا سد باب للضرر فلا يكون سده بغلقه وتسميره ولكن ينزع الباب وعضائده وعتبته وتغير آثاره، لانه إذا بقي على حاله وسد بالطوب وبقيت العضائد والعتبة كان في ذلك ضرر على من أحدث عليه، وبهذا قال سائر الفقهاء بقرطبة وغيرها: لانه إذا تقادم الزمان يكون له شاهدا وحجة، ولعله يقول إنما سددته لافتحه متى شئت فلذلك ألزموه بتغير معالمه ورسومه حتى لا يبقى له أثر. انتهى والله أعلم. ص: (وروشن وساباط لمن له الجانبات بسكة نفذت) ش: قوله لمن

    [ 146 ]
    له الجانبان راجع إلى الساباط وحده لا إلى الروشن. وقال في الجواهر: يجوز إخراج العساكر والرواشن والاجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين، ثم ذكر مسائل الساباط. وقال البساطي: يعني أنه يجوز لمن له دار مجاورة لسكة نافذة أن يخرج في أعلى الحائط خشبا ويسقفها ويبني عليها متى شاء إذا رفع ذلك عن رؤوس المارة رفعا بينا، وهو الذي عني بالروشن. ويجوز لمن له دار أن الطريق المذكورة بينهما، أن يلقي على حائطه خشبا كذلك وهو الذي عنى بالساباط، فقوله لمن له الجانبان متعلق بالساباط على ما لا يخفى انتهى. وقوله نفذت مفهومه أنها إن لم تنفذ ليس له ذلك إلا بإذن الباقين وهو كذلك. وقال ابن غازي: أصل التفصيل بين النافذة وغيرها لابي عمر في كافيه ونقله عنه المتيطي وعليه اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف. وأما ابن عرفة فقال: لا أعرفه لاقدم من أبي عمر بن عبد البر، وظاهر سماع أصبغ ابن القاسم في الاقضية خلافه ولم يقيده ابن رشد بالطريق النافذة فتأمله. انتهى كلام ابن عرفة. قال ابن غازي: لم أجدها في سماع أصبغ بل في نوازل سحنون انتهى. قلت: ذكره في النوادر في كتاب القضاء في الكلا والآبار والاودية في آخر ترجمة إحداث العساكر والرواشن ونصه: قال يوسف بن يحيى في الدروب التي ليست بنافذة والزوابع التي لا تنفذ: ذلك كله مشترك منافعه بين ساكنيه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق ولا باطنه حدثا إلا باجتماعهم في فتح باب أو إخراج عساكر أو حفرة يحفرها ويردمها انتهى. ونقله ابن يونس أيضا في كتاب القسمة عن يوسف بن يحيى، وتقدم كلامه في التنبيه الخامس عشر من القولة التي قبل هذه، ونقله عنه أيضا ابن بطال في مقنعه إثر كلامه السابق في التنبيه المذكور ونصه: قال يوسف بن يحيى في الدروب التي ليست بنافذة وشبهها: إن ذلك مشترك منافعه بين ساكنيه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق ولا باطنه حدثا إلا باجتماعهم في فتح باب أو إخراج عساكر أو حفرة يحفرها أو يواريها انتهى. ونحوه في مختصر أبي بكر الوقار وهو أقدم من أبي عمر فإنه تفقه بابن عبد الحكم وأصبغ ونصه: وإذا كان القوم في زقاق غير نافذ وأراد بعضهم أن يشرع في الزقاق بابا أو سقيفة أو عسكرا فلهم أن يمنعوه من ذلك، فإن أذن بعضهم وأبى بعض، فإن كان من أذن له هم آخر الزقاق وممرهم إلى منازلهم على الموضع الذي يريد أن يحدث فيه ما يحدث فإذنهم جاز، ولا حق لمن ليس له عليه ممر في شئ مما يريد أن يحدثه. وإن كانت الدار بطريق مسلوكة في حظ للمارة نافذ فليس لاحد أن

    [ 147 ]
    يمنعه من باب يشرعه ولا من قناة كنيف ينشئها إذا كان بئرها مغيبة في حائطه ولا من سقيفة يعليها إذا كانت غير مضرة بما يمر تحتها من محمل عليه قبة ونحوها، ولا من عسكر يشرعه إذا أعلاه ولم ينل المارة منه أذى، وإن كان له جار محاذيه وشاحه في العسكر قسم ما بينهما من الهواء بينهما نصفين انتهى. وذكر البرزلي عن صاحب الكافي نحو ما ذكره الوقار، وما ذكره ظاهر إلا قوله في الباب إذا أراد فتحه في الزقاق غير النافذ فإنه مخالف للقول الذي مشى عليه المصنف من أنه إذا كان منكبا فليس لهم منعه. وأما ما ذكره فيما إذا أذن له بعض أهل الزقاق فيوافق ما قاله ابن ناجي في التنبيه الخامس عشر من القولة التي قبل هذه ومخالف لما نقله ابن يونس عن سحنون فتأمله. فقد وجد النص لاقدم من أبي عمر على أن ذكر أبي عمر لذلك وقبول الجماعة المذكورين له كاف في الاعتماد عليه والله أعلم. فرع: لو سقط الروشن أو الساباط على أحد فمات فلا شئ على من بناه. قال في النوادر: ومن المجموعة قال ابن القاسم: قال مالك: لا بأس بإخراج العساكر والاجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين. قال ابن القاسم: وهي تعمل بالمدينة فلا ينكرونها واشترى مالك دارا لها عسكر. قال مالك في جناح خارج في الطريق فسقط على رجل فمات فقال مالك: لا شئ على من بناه. قيل: فأهل العراق يضمنونه ؟ قالوا لانه جعله حيث لا يجوز له فأنكر قولهم. قال: ومن أخرج جناحا أسفل الجدار حيث يضر بأهل الطريق منع من ذلك انتهى. فرع: قال ابن أبي زمنين في أواخر المنتخب في أواخر الآيات ناقلا عن المدونة: قال مالك: من حفر شيئا في طريق المسلمين أو في داره مما يجوز له حفره فعطب فيه إنسان فلا ضمان عليه. قلت: وما الذي يجوز أن يحفره في طريق المسلمين قال: مثل بئر المطر والمرحاض يحفره إلى جنب حائطه هذا وما أشبهه انتهى. وذكره في التوضيح في أول باب الجراح وفي المنتخب لابن أبي زمنين في باب ما يحدث في الطرق والافنية في كتاب ابن حبيب. قلت لمطرف وابن الماجشون: والكنف التي تتخذ في الطريق يحفرها الرجل بلصق جداره ثم يواريها أله أن يمنع من ذلك ؟ قال: لا إذا واراها وغطاها واتقن غطاءها وسواها بالطريق حتى لا يضر مكانها بأحد، فلا أرى أن يمنع وما كان من ذلك ضرر بأحد منع منه انتهى. وقال في المقنع: قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: من حفر بلصق جداره كنيفا فليغطه ويتقن غطاءه ويسوه بأرض الطريق حتى لا يضر، فإن لم يفعل منع. وقاله أصبغ انتهى. وقال بعده: قال سحنون فيما يحدث الناس من آبار الكنف في الافنية في الطرق: ينبغي أن تكون تحت الحيطان إلى داخل الدار ويخرج منها إلى الطريق قدر ما دخل فيه القلة للاستقاء، ويرى غيره ذلك من الضرر البين انتهى. وقال بعده: قال سحنون في زنقة غير نافذة فيها أبواب لقوم ودبر دار رجل إليها ولا باب له فيها وبلصق داره في الزنقة كنيف محفور قديم مطوي وتخرج إليه من داره قناة مبنية إلا أنها لم يجر فيها شئ منذ زمان، فأراد أن يجري فيها العذرة إلى هذا

    [ 148 ]
    البئر، فمنعه أهل الزنقة أن ذلك ليس لهم إلا أن يدعوا في رقبة البئر فيكشف عن دعواهم وإلا فالبئر لصاحب الدار بهذه الرسوم الظاهرة، ولو أن هذا مشترى من غيره لكان من ذلك له ما كان لبائعه انتهى. استطراد: سئلت عن رجلين كانت بينهما دار مشتركة فاقتسماها على أن أخذ أحدهما الجانب الايسر ومخزنا من الجانب الايمن والدهليز الذي بين الجانبين، وأخذ الآخر بقية الجانب الايمن وعلو المخزن الذي في الجانب الذي أخذه صاحب الجانب الايسر، ثم أراد صاحب الايسر أن يركب على جدار المخزن الذي له في الجانب الايمن بستلا ليبني عليه جدارا والحال أن ذلك يضر ببناء صاحب العلو، فهل له ذلك أم لا ؟ فأجبت بما صورته: الحمد لله، إذا أراد صاحب المخزن الاسفل أن يركب على جدار مخزنه بستلا ليبني عليه جدارا وكان ذلك يضر ببناء صاحب العلو، فله منعه من ذلك والله أعلم. وقد نص في النوادر في ترجمة الجدار سترة بين الرجلين يدعيه كل واحد منهما من كتاب القضاء في البنيان ما نصه في جواب سحنون لحبيب: إذا كان عقد الحائط إلى أحدهما وللآخر عليه حمل خشب سقف معقودة، فالحائط لمن له العقد وللآخر حمل السقوف. وإن أراد صاحب العقد أن يبني على حائطه غرفة أو غيرها فلينظر، فإن أضر ذلك بحمل الآخر فليس له ذلك، وإن كان لا يضر فله أن يبني مالا يضره عند أهل المعرفة انتهى. ص: (وإلا فكالملك لجميعهم إلا بابا إن نكب) ش: تصوره واضح مما تقدم في شرح قول المصنف وباب بسكة نفذت. فرع: قال البرزلي في أوائل مسائل الضرر: سئل ابن رشد عمن غرس في فناء رجل وردا واستغله فقام صاحب الفناء يطلب زوال الورد وقيمة ما اغتل. فأجاب ابن رشد بأنه لاحق

    [ 149 ]
    للقائم على غارس الورد في الفناء على ما مضى من المدة، لان الافنية ليست فيها حقية الاملاك وإنما هو مقدم في الانتفاع بها إن احتاج، وليس له أن يمنع الجار إن استغنى عنه، وله إذا قام عليه أن يقلع الورد عن الفناء وينفرد بالانتفاع به، أضر الورد بجداره أو لم يضر إلا أن يتفق معه على ما يجوز بينهما انتهى. ص: (وأندر بطلوعه) ش: قال في المسائل الملقوطة عن مطرف: أحب إلي أن يعلمهم لموضع حق الجوار وإن لم يفعل فلا شئ عليه من فتاوى ابن زرب انتهى. ص: (وندب إعارة جداره) ش: قال البرزلي في مسائل الضرر: وسئل شيخنا

    [ 150 ]
    الامام عمن أذن لجاره بغرز خشب في جداره فسقط جدار الآذن وأقامه، فطلب جاره أن يرد خشبه على ما كان في الاذن الاولى فأبى عليه. فأجاب: إن كان سقوط الجدار بتوهله لا بسبب زيد اختيارا لم يقض عليه بعود الغرز وإثبات كونه لتوهله إن تنازعا على ربه وإلا قضى عليه بعود الغرز إن كان غير مؤجل، قال البرزلي: نحو هذا في الواضحة انتهى. فرع: قال في التوضيح: وهل لجار المسجد أن يغرز خشبه في جدار المسجد للشيوخ قولان انتهى. وقال ابن عرفة في كتاب العارية: ابن سهل: أفتى ابن عتاب بجواز التعليق من المساجد إن اتصلت بالدور ولم يضرها وجواز غرز جارها خشبه بحائطها. ونقله الشيوخ قال: ولم يتكلموا في المسجد الجامع ولا يجوز ذلك فيه لعدم اتصال الدور به ولو اتصلت به جاز عندي. وأفتى ابن القطان بمنع الغرز، وابن مالك بمنعه ومنع التعليق. قال ابن عرفة قلت: هو الصواب الجاري على حمله على الندب انتهى. وذكره ابن عرفة أيضا في آخر باب الشركة وابن سهل في مسائل الوقف.

    [ 151 ]
    فرع: في أحكام ابن سهل في مسائل الحبس يمنع من فتح باب في المسجد للانتفاع به والله أعلم. ص: (وله أن يرجع) ش: ظاهره مطلقا طال الزمان أم لا، قصد الضرر أم لا، وهذا مذهب المدونة في العرصة المعارة لمن يبني فيها لكن جمع ابن رشد في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الاقضية وابن زرقون في مسألة الجدار والعرصة وحكيا الخلاف فيهما وتبعهما المصنف. ص: (وفيها إن دفع ما أنفق أو قيمته) ش: إنما ذكر هذا أيضا في المدونة في مسألة العرصة المعارة لمن يبني فيها، ولكن ابن رشد وابن زرقون جمعا مسألة الجدار والعرصة وحكيا الخلاف فيهما جميعا وتبعهما المصنف. انظر التوضيح هنا وفي العارية. ص: (وفي موافقته ومخالفته تردد) ش: يأتي هذا في العارية مبينا إن شاء الله تعالى.

    [ 152 ]
    فصل الزراعة قال ابن عرفة: المزارعة شركة في الحرث، وبالثانتي عبر اللخمي وغيره، وعبر بالاول كثير سمع عيسى: سئل ابن القاسم عن رجلين اشتركا على مزارعة. وروى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت وروى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي (ص) قال: لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شئ إلا كانت له صدقة انتهى. قال البرزلي في حديث آخر: لا لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله أبو هريرة لقوله تعالى: * (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (كمثل حبة) * [ البقره: 261 ] الآية دليل على أن اتخاذ الحرث من أعلا الحرف المتخذة للمكاسب ويشتغل بها العمال ولهذا ضرب الله بها المثل. قال: وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها عنه (ص) قال التمسوا الرزق في خبايا الارض يعني الزرع. وفي حديث مدح النخل من الراسخات في الوحل والمطعمات في المحل. قال: والمزارعة من فروض الكفايات يجب على الامام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الاشجار. وعن عبد الله بن عبد الملك أنه لقي ابن شهاب الزهري فقال: دلني على مال أعالجه فأنشأ يقول: أقول لعبد الله يوم لقيته وقد شد أحلاس المطي مشرقا تتبع خبايا الارض وادع مليكها لعلك يوما أن تجاب فترزقا

    [ 153 ]
    ص: (لكل فسخ المزارعة إن لم يبذر) ش: قال في التوضيح: المزارعة دائرة بين الشركة والاجارة، فلهذا اختلف في لزومبا لعقد، فقيل تلزم به تغليبا للاجارة وهو قول سحنون وابن الماجشون وقول ابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وقيل لا تلزم تغليبا للشركة، ولكل واحد أن ينفصل عن صاحبه ما لم يبذر. ابن رشد: وهو معنى قول ابن القاسم في المدونة، ونص رواية أصبغ عنه في العتبية. وقيل: لا تلزم إلا بالشروع في العمل، وهو قول ابن كنانة في المبسوط وبه جرت الفتوى عندنا بقرطبة، وهو على قياس رواية ابن زياد عن مالك أن الجاعل يلزمه الجعل بشروع المجعول له في العمل انتهى. قال ابن عبد السلام: والاقرب عندي أنها شركة حقيقة إلا أنها مركبة من شركة لاموال والاعمال انتهى، قال ابن

    [ 154 ]
    عرفة: وفي لزومها بالعقد أو الشروع ثالثها بالبذر لابن رشد عن سحنون مع ابن الماجشون، وابن كنانة، وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وابن كنانة في المبسوط، وبه جرت الفتيا بقرطبة، وهو على قياس رواية على ما في لزوم الجعل بالشروع وقول ابن القاسم فيها مع سماعه أصبغ، ولم يحك ابن حارث عن ابن القاسم غير الاول وقال: اتفقوا على انعقادها بابتداء العمل انتهى. ص: (وتساويا) ش: لا شك في إغنائه عما تقدم فشرطها شيئان كما قال أبو الحسن الصغير: لا تصح الشركة في المزارعة إلا بشرطين: أن يسلما من كراء الارض

    [ 155 ]
    بما يخرج منها، وأن يعتدلا فيما بعد ذلك. ص: (وخلط بذران كان ولو بإخراجهما) ش: يعني أنه يكفي في خلط البذر أن يخرجاه، ولو زرع هذا في ناحية وهذا في ناحية، وزرع أحدهما متميز عن الآخر. وهذا قول مالك وابن القاسم وعليه يتفرع قوله بعد هذا: فإن لم ينبت بذر أحدهما إلى آخره. وأشار بلو إلى قول سحنون إنه لا يكفي ذلك بل لا بد من خلطهما في المزارعة حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر. قال ابن الحاجب: والبذر المشترك شرطه الخلط كالمال. قال في التوضيح: لما كان الخلط ظاهرا في عدم تمييز أحدهما عن الآخر بين أنه ليس المراد ذلك بقوله كالمال فأشار إلى ما قدمه وهو إما أن يكون تحت أيديهما أو أحدهما. وهكذا قال مالك وابن القاسم. اللخمي: واختلف عن سحنون فقال مرة بقول مالك، وقال مرة إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو جمعاها في بيت أو حملاها إلى فدان، ونص هذا الثاني عند ابن يونس، ومن كتاب ابن سحنون: وإذا صحت الشركة في المزارعة وأخرجا البذر جميعا إلا أنهما لم يخلطا فزرع هذا في فدان أو في بعضه وزرع الآخر في الناحية الاخرى ولم يعملا على ذلك، فإن الشركة لا تنعقد ولكل واحد ما أنبت حبه ويتراجعان في فضل الاكرية ويتقاصان، وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجاه من الزريعة أو جمعاها في بيت واحد أو حملاها جميعا إلى الفدان وبذر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة ثم زرعا الاخرى فهو جائز، كما لو جمعاها في بيت بعض القرويين، وعند ابن القاسم أن الشركة جائزة خلطا أو لم يخلطا. ابن عبد السلام: ولعل المصنف إنما سكت لاحتماله جواز الاقدام على ذلك ابتداء أو أنه ممنوع أولا لكنه إذا وقع مضى، وهو الظاهر من تفريعه انتهى. وقال اللخمي:

    [ 156 ]
    فصل: اختلف إذا كان البذر من عندهما، هل من شرط الصحة أن يخلطاه من قبل الحرث. فأجاز مالك وابن القاسم الشركة إذا أخرجا قمحا أو شعيرا وإن لم يخلطاه، وهو أيضا أصلهما في الشركة في الدراهم والدنانير. واختلف عن سحنون فذكر مثل ما تقدم انتهى، فأشار المصنف إلى أن الخلط يكفي فيه إخراجهما البذر ولو لم يخلطاها كما هو عند مالك وابن القاسم وأحد قولي سحنون، وأشار إلى قول سحنون الثاني بلو كما تقدم بيانه. وحمل الشارح كلام المصنف على أنه مشى على قول سحنون وهو غير ظاهر، ولا يتأتى عليه ما فرعه المؤلف وإن لم ينبت إلى آخره فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب المتقدم: والبذر المشترك شرطه الخلط بعد أن تكلم على فروع المسألة. تنبيه: بقي على المصنف شرط آخر في البذر وهو تماثلهما جنسا، فإن أخرج أحدهما قمحا والآخر شعيرا أو سلتا أو صنفين من القطنية فقال سحنون: لكل واحد ما أنبت بذره ويتراجعان في الاكرية. ثم قال: يجوز إذا اعتدلت القيمة. اللخمي: يريد والمكيلة انتهى. ونقله ابن عرفة عن ابن يونس عن سحنون وزاد بعده: قال بعض القرويين: من لم يجز الشركة بالدنانير والدراهم لم يجز المزارعة بطعامين مختلفين ولو اعتدلت قيمتهما لعدم حصول المناجزة لبقاء يد كل واحد على طعامه ولكل واحد ما أنبت طعامه، ولا يكون التمكين قبضا كالشركة الفاسدة بالعروض لا يضمن كل واحد سلعة صاحبه وإنما يشتركان بأثمان السلع التي وقعت الشركة فيها فاسدة انتهى. ص: (وإن لم ينبت أحدهما وعلم لم يحتسب به إن غر الخ)

    [ 157 ]
    ش: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: إذا شرط في الحب الزراعة فلم ينبت والبائع عالم أو شاك، رجع بجميع الثمن لان البائع غره، والشراء في أن الزراعة بثمن ما يزرع كالشرط. وإن اشتراه للاكل فزرعه لم يرجع بشئ إلا أن يكون ذلك ينقص من طعمه أو فعله يرجع بقيمة النقص لو اشتراه للزراعة. قال ابن يونس: فإن شارك بهذا غيره فنبتت زريعة الغير دونه، فإن دلس البائع رجع عليه بنصف المكيلة ونصف كراء الارض التي أبطل عليه وإلا فنصف قيمة العيب وما ينبت في الوجهين بينهما. قال أصبغ: قال سحنون مثله إلا في الكراء سكت عنه وزاد: إن دلس دفع نص المكيلة زريعة صحيحة، ودفع إليه شريكه نصف مكيلة لا تنبت، وهذا إذا زال الا بان وإلا أخرج زريعته صحيحة انتهى. وقال ابن عبد السلام: سكت في الرواية عن رجوع المغرور على الغار بقيمة نصف العمل فيما لم ينبت إن كان العمل على المغرور، وينبغي أن يكون له الرجوع بذلك لانه غرور بالفعل. قال بعده في التوضيح: خليل: وينبغي أن يرجع عليه بنصف قيمة كراء الارض التي غر فيها انتهى. وكأنه لم يقف على نص. وقال ابن عرفة

    [ 158 ]
    بعد ذكره كلام ابن عبد السلام قلت: قوله: سكت في الرواية هو كما قال في الرواية هنا ولكن ذكر الصقلي في الرد بالعيب ما يدل على الخلاف في ذلك. قال ما نصه: قال ابن حبيب: لو زرع بما لا ينبت فنبت شعير صاحبه دون شعيره، فإن دلس رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من شعير صحيح وبنصف كراء الارض الذي أبطل عليه. وقاله أصبغ. وقال سحنون مثله إلا الكراء لم يذكره. قلت: ظاهر قول سحنون سقوط الكراء وهو مقتضى قول ابن القاسم فيها فيمن غر في إنكاح غيره أمة أنه يغرم للزوج الصداق ولا يغرم له ما يغرمه الزوج من قيمة الولد. ونحوه قوله في كتاب الجنايات: باع عبدا سارقا دلس فيه فسرق من المبتاع فرده على سيده بالعيب، فذلك في ذمته إن عتق يوما. وأظن في نوازل الشعبي: من باع مطمورة دلس فيها بعيب التسويس فخزن فيها المبتاع فاستاس ما فيها أنه لا رجوع له على البائع بما استاس فيها. قال: ولو إكراها منه لرجع عليه انتهى. ومسألة عدم نبات البذر ذكرها ابن يونس في العيوب والبرزلي في الرد بالعيب. ص: (كإلغاء أرض وتساويا غيرها) ش: يريد إلا أن تكون تافهة لا خطب لها كما قاله في المدونة. ص: (أو لاحدهما أرض رخيصة وعمل على الاصح) ش: ليس مراده رحمه الله بهذا التنبيه على استثناء الارض التافهة التي لا خطب لها، وإنما أشار به لما ذكره ابن يونس عن سحنون وابن عبدوس ونصه بعد أن ذكر عن المدونة جواز إلغاء الارض التي لا خطب لها قال سحنون: إذا أخرج أحدهما الارض والآخر البذر فلا يجوز إلا أن يكون

    [ 159 ]
    أرضا لا كراء لها وقد تساويا فيما سواها، فأخرج هذا البذر وهذا العمل وقيمة ذلك سواء، فهو جائز لان الارض لا كراء لها، وأنكر هذا ابن عبدوس وقال: إنما أجاز مالك أن تلغى الارض إذا تساويا في إخراج الزريعة والعمل، فأما إذا كان مخرج البذر غير مخرج الارض لم يجز وإن كان لا كراء لها ويدخله كراء الارض بما يخرج منها ألا ترى لو أكريت هذه الارض ببعض ما يخرج منها لم يجز، وهذا هو الصواب انتهى والله أعلم. ص: (أو كل لكل) ش: يعني وكذا تفسد الشركة ويكون الزرع كله للعامل إذا كان كل واحد من الارض والبذر والعمل من عند كل واحد من الشركاء، الارض لواحد، والبذر من واحد، والعمل على واحد، فتكون المزارعة من ثلاثة أنفس، قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وإن كان البذر فقط من المالك أو من أجنبي فقال ابن القاسم: الزرع للعامل. وقال سحنون: الزرع لرب البذر ثم يقومان بما يلزمهما من مكيلة البذر وأجرة الارض والعمل، دل كلامه على أنها تقع على وجهين: الاول أن يكون البذر من المالك للارض ومن الآخر العمل. والوجه الثاني أن يكون البذر من أجنبي فتكون الارض لواحد والبذر لآخر والعمل لآخر، وتكون الشركة من ثلاثة أشخاص، ولا إشكال في فساد الوجه الثاني لمقابلة جزء من الارض بجزء من البذر، وأما الوجه الاول فقد يقال فيه نظر. وقوله فقال ابن القاسم الزرع للعامل يعني في الوجهين وهذا ظاهر ما لمالك وابن القاسم في الموازية. ونص ما نقله ابن يونس: قال ابن المواز: ومن قول مالك وابن القاسم إن الزرع كله في فساد الشركة لمن تولى القيام به كان مخرج البذر صاحب الارض أو غيره. وعليه إن كان هو مخرج البذر كراء أرض صاحبه وإن كان صاحبه مخرج البذر، عليه له مثل بذره

    [ 160 ]
    كراء أرض صاحبه وإن كان صاحبه مخرج البذر عليه له مثل بذره. وهكذا نقل الشيخ أبو محمد هذا القول. واعترض بعض القرويين على أبي محمد ما نقله عن ابن القاسم أنه لصاحب العمل وقال: لم نجد لابن القاسم أن الزرع للعامل دون أن يضاف إليه شئ. وقوله: وقال سحنون ظاهره أيضا في الوجهين، ولم أر النص عن سحنون إلا في الوجه الاول وهو إذا كان البذر من عند رب الارض، فإن ابن يونس نقل عنه أن الزرع لرب الارض وذكر عنه صورة أخرى فقال سحنون: وإذا اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الارض ونصف البذر، والآخر نصف البذر فقط، والثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا لم يجز، فإن نزل فالزرع على مذهب ابن القاسم بين العامل ورب الارض ويغرمان لمخرج نصف البذر مكيلة بذره، ومذهب سحنون أن الزرع لصاحب الزريعو عليهما كراء الارض والعمل. وقال ابن حبيب: قد أخطؤا والزرع بينهم أثلاثا، والذي ذكره ابن المواز على أصل ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا أسلمت الارض إليه يؤدي مثل البذر لمخرجه وكراء الارض لربها انتهى. باب الوكالة قال ابن عرفة: نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروط بموته. فتخرج نيابة إمام الطاعة أميرا أو قاضيا وصاحب صلاة والوصية انتهى. والظاهر أن قوله نيابة ذي حق من إضافة المصدر إلى فاعله وأنه سقط من النسخة المنقول منها بعد قوله لغيره فيه إما له أو التصرف كماله كما يظهر هذا بتأمل الكلام الآتي من أوله إلى آخره. قال ابن عرفة إثر ما تقدم: ولا يقال إن النيابة في حق ذي إمرة وكالة لقول اللخمي: يجوز الوكالة في إقامة الحد لان إقامته مجرد فعل لا إمرة فيه. هذا ظاهر استعمال الفقهاء، وجعل ابن رشد ولاية الامراء وكالة، ونحوه قول عياض: استعمل لفظ الوكالة في عرف الفقهاء في النيابة خلاف

    [ 161 ]
    ذلك، ومن تأمل وأنصف علم صحة ما قلناه لانه المتبادر للذهب عرفا، ويحتمل أن يقال: النيابة مساوية للوكالة في المعرفة فتعريفها بها دور فيقال: هي جعل ذي أمر غير إمرة التصرف فيه لغير الموجب لحوق حكمه لجاعله كأنه فعله، فتخرج نيابة إمام الطاعة أميرا أو قاضيا أو إمام صلاة لعدم لحوق فعل النائب في الصلاة الجاعل والوصية للحوق حكم فاعلها غير الجاعل انتهى. ثم قال: وحكمها لذاتها الجواز. روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله (ص) فسلمت عليه وقلت: أردت الخروج إلى خيبر. وقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية فضع يدل على ترقوته. وصححه عبد الحق بسكوته عليه وتعقبه ابن القطان أنه من رواية ابن إسحاق. وقال عبد الحق فيه في كتاب الصلاة: رماه مالك بالكذب، وقال: نحن نفيناه من المدينة. ويعرض لها سائر الاحكام بحسب متعلقها كفضاء دين تعين لا يوصل إليه إلا بها والصدقة والبيع المكروه والحرام ونحو ذلك انتهى. ص: (في قابل النيابة) ش: قال ابن عرفة: قال المازري: لا تجوز النيابة في أعمال الابدان المحضة كالصلاة والطهارة والحج إلا أنه تنفذ الوصية به. وينقض قوله في أعمال الابدان المحضة بقولها مع غيرها في العاجز عن الرمي لمرضه في الحج يرمى عنه انتهى. ص: (وحوالة) ش: يعني أنه يجوز أن يوكل من يحيل غريمه على مدينه ابن عرفة: قال ابن شاس: وتجوز في الكفالة كالحوالة والبيع ابن عبد السلام: ولا يجوز أن يوكل من يتحمل عنه في حق وجب عليه. قلت: فيه نظر لان الوكالة إنما تطلق حقيقة عرفية فيما يصح للموكل مباشرته وكفالة الانسان عن نفسه ممتنعة فتأمله. وقال ابن هارون: هو أن يوكله على أن يتكفل لفلان بما على فلان، وهذا أقرب من الاول لان الموكل هنا يصح منه الفعل، وينبغي أن يزاد فيه: كأن التزم لرب الدين الذي على فلان أن يأتيه بكفيل به عنه بحيث يكون الاتيان بالكفيل حقا على

    [ 162 ]
    الموكل المذكور انتهى. ص: (وإبراء وإن جهله الثلاث) ش: قال ابن عرفة: وتبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله: والتوكيل بالابراء لا يستدعي علم الموكل بمبلغ الدين المبرإ منه ولا علم الوكيل ولا علم من عليه الحق. قلت: وهذا كضروري من المذهب لانه محض ترك والترك لا مانعية للغرر فيه، ولذا قال الغير في إرخاء الستور: لانه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذ به انتهى. وانظر أواخر رسم الاقضية الثاني من سماع أشهب بالوصايا. ص: (أو واحد في خصومة) ش: قال ابن فرحون في تبصرته في الفصل السادس في حكم الوكالة على الدعوى: وليس لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد، ولا يجوز توكيل وكيلين، ويلزم الموكل ما أقر به عليه وكيله كان له أو عليه إذا كان في نص الاقرار والانكار انتهى. وقال في المتيطية: ولا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد، ولا يجوز توكيل وكيلين. تنبيهات: الاول: هنا مسألة واقعة عمت بها البلوى وهي أن الخصمين إذا فرغا من الخصومة واتفقا على أمر وأرادا أن يثبتاه عند الحاكم، فمن الناس من يمتنع من الرواح إلى مجلس الحاكم تكبرا، ومنهم من يمتنع لعذر، فيشهد كل واحد من الخصمين أنه وكل كل أحد من المسلمين في الدعوى والاعذار والثبوت وطلب الحكم، فيأتي الشهود على الوكالة إلى رجل من الناس ويشهدون عن الحاكم أنه وكيل فلان. وشخص آخر أنه وكيل فلان الآخر، ويكملون أمرهم، فهل هذا التوكيل صحيح أم لا ؟ فاعلم أنه لا يخلو إما أن يريد الموكل بقوله وكلت كل أحد من المسلمين في إثبات كذا إلى آخره أنه يوكل كل واحد من المسلمين لا بعينه وهذا هو المتبادر، فلا مرية في عدم صحة هذا الوجه للجهل بعين الوكيل. قال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الاول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول من الوكالة: لا يسمع القاضي من أحد دعوى الوكالة حتى يثبت عنده ذلك بشاهدين

    [ 163 ]
    أو بشاهد ويمين على قول مالك وابن القاسم، ولا بد أن يشهد الشهود على معرفة عين الموكل ويثبت عنده أيضا عين الوكيل، إما بالشاهدين الاولين أو بغيرهما وإذا حضر الوكيل والخصم وتقاررا على صحة الوكالة فلا يحكم بينهما بمجرد قولهما لانه حق لغيرهما يتهمان على التواطؤ، ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى. وإن أراد بقوله كل أحد من المسلمين أن جميع المسلمين وكلاء عنه في ذلك فيمكن هنا الشهادة على عين كل أحد من المسلمين أنه وكيل، لكن الذي يظهر أنه يمنع من جهة أخرى وهو أن توكيل أكثر من واحد على الخصام لا يجوز، ولا شك أن هذه وكالة في دعوى وإنكار وإثبات. وبحث سيدي الشيخ العلامة أحمد بن عبد الغفار في كون ذلك وكالة في خصومة فتأمل. وقال في آخر كتاب الوكالة من النوادر: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن شرط في ذكر حقه ومن قام به فله أن يقضيه فلا يجوز هذا ولا يقضي له إلا بوكالة انتهى. وما قاله ابن فرحون من عدم جبره الحاكم على الدفع فيما إذا صدر والخصم الوكيل على الدعوى فاعترف بالمدعى عليه، موافق لما في المعونة وتبصرة اللخمي، ومخالف لما جزم به في الفصل السادس من تبصرته ونصه: مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها: وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك الحق فأقر المطلوب بالدين أو المهر واعترف بصحة الوكالة فإنه يلزمه دفع ذلك إليه، فإن كان صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به لانه إنما يقضى عليه أولا بإقراره والمصيبة منه انتهى. وله في الباب السبعين في القضاء بالامارات وقرائن الاحوال ما يوافق ماله في الفصل السادس وعزاه للمتيطية ونصه: وفي المتيطية حكي عن ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل ما قاله لرجل وكلني فلان على قضاء دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزم الدفع إليه، فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر لان الحكم كان بإقراره انتهى. وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس فتأمله والله أعلم انتهى. الثاني: قال ابن عرفة: سمع عيسى ابن القاسم: إن ادعى شريكان على رجل حقا فقالا للقاضي من حضر منا خاصمه، فليس لهما ذلك لقول مالك: من قاعد خصمه عند القاضي فليس له أن يوكل إلا من علة. وقال في ورثة ادعوا منزلا في يد رجل لا يخاصمه كل واحد عن نفسه بل يقدمون رجلا يخاصمه. ابن رشد: وهذا كما لا يجوز للرجل يوكل وكيلين يخاصمان عنه إن غاب أحدهما خاصم له الآخر، وكذا لم يجز لمن قاعد خصمه أن يوكل غيره إلا لعذر من مرض أو سفر أو إساءة خصمه له فحلف لا خاصمه أو يظهر من وكيله ميل لخصمه ولا خلاف في هذا انتهى هذا السماع في كتاب البضائع والوكالات والله أعلم.

    [ 164 ]
    الثالث: قال ابن سلمون: إذا شهد شاهدان بمعرفة الوكالة ولم يبينا في شهادتهما أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما ساقطة ولا يعمل بها انتهى. الرابع: قال ابن فرحون في الفصل السادس في حكم الوكالة في الدعوى مسألة: وإذا وكله على الخصام في قضية فخاصم عنه وانقضت تلك القضية وأراد الوكيل أن يخاصم عنه في غيرها، فإن كان بقرب الخصام الاول كان له ذلك إذا كانت الوكالة مبهمة لم يذكر فيها أنه وكله على مخاصمة فلان أو في أمر كذا وكذا إن اتصل بعض ذلك ببعض أو كان بينهما أيام، وإن تطاول ذلك بسنين والموكل غائب لم يحتج إلى تجديد التوكيل إذا لم يقصره على مطلب سماه كما قدمنا. فأما إذا قصره على مطلب معين وكان بين المطلبين الاشهر فليس له أن يخاصم عنه إلا فيما وكله فيه، ويستحسن في مثل هذا أن يجدد له التوكيل ثم يتكلم عنه انتهى. الخامس: قال ابن فرحون قبل كلامه المذكور مسألة: قال ابن سهل: وسئل سحنون عمن وكل رجلا على مخاصمة رجل فلم يقم الوكيل بذلك إلا بعد سنين وقد أنشبت الخصومة قبل ذلك ثم أتى بالبينة، أو لم ينشب الخصومة ولم يتعرض في شئ حتى مرت السنتان، ثم قام بعدهما يطلب بتلك الوكالة القديمة، أله ذلك أم يجدد الوكالة ؟ قال سحنون: يبعث الحاكم إلى الموكل ليسأله أهو على وكالته أو خلعه عنها، وإن كان غائبا فالوكيل على وكالته. قال ابن سهل: رأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساكه الوكالة ستة أشهر أو نحوها، ويرى تجديد الوكالة إن أراد الخصومة. قال ابن المناصف: أما إذا خاصم واتصل خصامه وطال سنين فهو على وكالته الاولى. انتهى كلامه. وقال ابن عرفة في الانعزال بطول مدة التوكيل ستة أشهر وبقائه. قول ابن سهل رأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساك الوكيل على الخصومة ستة أشهر ونحوها ويرى تجديد التوكيل مع قول المتيطي في الوكالة على الانكاح إن سقط من رسمه لفظ دائمة مستمرة وطال أمر التوكيل بستة أشهر سقطت إلا بتوكيل ثان، ونقل ابن سهل عن سحنون: من قام بتوكيل على خصومة بعد سنين وقد أنشب الخصومة قبل ذلك أو لم ينشبها بعد مضي سنين سأل الحاكم موكله على بقاء توكيله أو عزله، فإن كان غائبا فهو على وكالته. ابن فتوح: إن خاصم واتصل خصامه سنين لم يحتج لتجديد توكيل انتهى. ونص كلام ابن سهل: قال سحنون في الوكيل تم له سنتان لم ينشب خصومة ثم يقوم بها، فإن كان الموكل حاضرا سئل أهو على وكالته أم لا، وإن كان غائبا فهو على وكالته قال القاضي: يعني نفسه. ورأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساكه عن الخصومة ستة أشهر أو نحوها، ويرى تجديد الوكالة إن أراد الخصومة انتهى. ولعل بعض شيوخه هو الغرناطي، فإن البرزلي نقل ذلك عنه ولم ينقل كلام سحنون ولا غره ونصه: قال يعني الغرناطي: وإذا مضى لتاريخ الخصام ستة أشهر لم يكن للوكيل متكلم إلا أن يكون اتصل خصامه معه ولو طالت سنيه. قلت: أو في

    [ 165 ]
    قضية معينة فلا تنقضي إلا بتمامها. قاله بعض الموثقين انتهى. ص: (وإن كره خصمه) ش: قال في الجواهر: ويجوز التوكيل بالخصومة في الاقرار والانكار برضا الخصم وبغير رضاه في حضور المستحق وفي غيبته انتهى. فرع: قال في الجواهر أيضا: وكما لا يفتقر إلى حضور الخصم في عقد الوكالة لا يفتقر إلى حضوره في إثباتها عند الحاكم انتهى. بل قال في الذخيرة: ولو قال وكلتك لمخاصمة خصم جاز وإن لم يعينه، لان المخاصمة لا تعلم غايتها فاعتبر جنسها خاصة انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته مسألة: وليس في التوكيل إعذار ولا آجال. وفي أحكام ابن زياد فيمن طلب أن يعذر إليه في توكيل خصمه قال: لم ير أحدا من القضاة ومن غير هم من السلاطين ضرب لاحدهم أجلا في توكيل، وإنما السيرة عند القضاة أن يثبت التوكيل عندهم ثم يسمع من الطالب وينظر فيما جاء به، فأما إذا ادعا إلى أن يؤجل في المدفع أجله ثلاثة أيام ونحوها انتهى. ونقله ابن عرفة. ونصه في أحكام ابن زياد فيمن طلب أن يعذر إليه في توكيل خصمه السيرة أن يثبت الوكالة ثم ينظر في المطلب انتهى. فرع: قال ابن فرحون إثر كلام ابن زياد المتقدم: وقال ابن الهندي في وثائقه: والاعذار إلى الموكل من تمام الوكالة وإن لم يعذر إليه جاز. قال ابن عتاب: كان الاعذار بالشأن القديم ثم ترك. قال ابن بشير القاضي: وإنما ترك الاعذار من تركه في الوكالة لانه لا بد أن يعذر إليه عند إرادة الحكم له أو عليه في آخر الامر فاستغنى عنه أولا. قال ابن سهل: وهذه نكتة حسنة انتهى، وإنما أوجبوا الاعذار إليه لانه مشهود عليه بالتوكيل، وإذا ثبتت الوكالة ثبت للوكيل التصرف في مال الموكل وغير ذلك من وجوه التصرف انتهى. ونقله ابن عرفة أيضا قبل الكلام الاول ونصه المتيطي عن ابن الهندي: والاعذار إلى الموكل من تمام التوكيل وإن لم يعذر إليه جاز. ابن عتاب: كان الشأن في القديم الاعذار ثم ترك قال: ويعذر أيضا في الموت والوراثة. ابن مالك: ولا بد من الاعذار للموكل لان الوكيل يقر على موكله ويلزمه ابن بشير: إنما ترك الاعذار في الموت والوكالة لانه لا بد أن يعذر إليه في آخر الامر. قال أبو الأصبغ: هذه نكتة حسنة إذ لا بد للقاضي أن يقول للخصمين أبقيت لكما حجة انتهى. تنبيه: قال ابن بطال في كتاب المقنع: ويوكل على الخصام عند القاضي إن شاء وحيثما وكل فهو جائز إذا ثبت ذلك عند الحاكم. وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم في الشهود على الوكالة لا يكونون إلا عدولا ويحتاط فيهم بما يحتاط في الشهود على غير الوكالة، وما

    [ 166 ]
    سمعت أحد أرخص في ذلك انتهى. وأما وكالة الفاسق فتصح كما يؤخذ ذلك من قول صاحب الذخيرة يحصل الابراء بالدفع للوكيل الفاسق وسيأتي كلامه عند قول المصنف ولو قال غير المفوض قبضت. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: قال ابن زرب: إذا وقع التوكيل عند حاكم وصرح الموكل في التوكيل باسم الحاكم لم يكن له التكلم عند حاكم غيره، وإن كان التوكيل مجملا فله أن يخاصمه حيث شاء انتهى فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: ومن عزل وكيله فأراد الوكيل أن يتوكل لخصمه فأبى الاول ولما اطلع عليه من عوراته ووجوه خصوماته، فلا يقبل منه قوله ويتوكل له من كتاب الاستغناء انتهى. زاد في شرحه على ابن الحاجب: وينبغي أن لا يمكن من الوكالة لانه صار كعدوه ولا يوكل عدو على عدوه انتهى. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: ولا تجوز الوكالة على المتهم يدعي الباطل ولا المجادلة عنه. قال ابن العربي في أحكام القرآن في قوله تعالى: * (ولا تكن للخائنين خصيما) * [ النساء: إن النيابة عن المبطل المتهم في الخصومة لا تجوز بدليل قوله تعالى لرسول الله (ص): * (واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما) * انتهى. وفي المتيطية: وينبغي للوكيل على الخصومة أن يتحفظ بدينه وأن لا يتوكل إلا في مطلب يقبل فيه يقينه أن موكله فيه على حق، فقد جاء في جامع السنن عن عبد الله بن عمر أنه قال: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن توكل في خصومة لا علم له بها لم يزل في معصية الله حتى ينزع عن علي رضي الله عنه أنه وكل عبد الله بن جعفر على الخصومة وقال: إن للخصومة قحما يعني اقتحام المهالك في الاحتجاج بما لا يصلح عند شدة الخصام انتهى. فرع: قال في المتيطية: وكره مالك لذي الهيئات الخصومات. قال مالك: كان القاسم بن محمد يكره لنفسه الخصومة ويتنزه عنها، وكان إذا نازعه أحد في شئ قال له: إن كان هذا الشئ لي فهو لك، وإن كان لك فلا تحمدني عليه. قال: وكان سعيد بن المسيب إذا كان بينه وبين رجل شئ لم يخاصمه وكان يقول: الموعد يوم القيامة. قال مالك: من علم أن يوم القيامة يحاسب فيه على الصغير والكبير ويعلم أن الناس يوفون حقوقهم وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شئ فليطب بذلك نفسا، فإن الامر أسرع من ذلك وما بينك وبين الدنيا وما فيها إلا خروج روحك حتى تنسى ذلك كله حتى كأنك ما كنج فيه ولا عرفته. قال ابن شعبان: وقال مالك: المخاصم رجل سوء. وقال ابن مسعود: كفى بك ظالما أن لا تزال

    [ 167 ]
    مخاصما. وقاله أبو الدرداء. وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي (ص) أبغض الرجال إلى الله الالد الخصم انتهى. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: قال في وثائق ابن العطار: ولا يصلح للرجل أن يوكل أباه ليطلب له حقه لان ذلك استهانة بالاب. ص: (لا إن قاعد خصمه كثلاث إلا لعذر وحلف في كسفر) ش: قال في المتيطية: وإذا خاصم الرجل عن نفسه وقاعد خصمه أيضا ثلاث مجالس وانعقدت المقالات بينهما. لم يكن له بعد ذلك أن يوكل خصما يتوكل عنه إذا منعه من ذلك إلا أن يمرض أو يسافر سفرا ويعرف ذلك، ولا يمنع الخصمان من السفر ولا من أراده منهما ويكون له أن يوكل عند ذلك. قال ابن العطار: وتلزمه حينئذ اليمين أنه ما استعمل السفر ليوكل غيره، فإن نكل عن اليمين لم يبح له توكيل غيره إلا أن يشاء خصمه ذلك. وقال ابن الفخار: لا يمين عليه ويكون له أيضا أن يوكل إذا شاتمه خصمه وأخرجه فحلف أن لا يخاصمه بنفسه. قال ابن الفخار: فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل. انتهى كلامه بلفظه وهو حاو لما قاله المصنف: وقال ابن عرفة في مسألة التوكيل للسفر بعد أن ذكر القولين قلت: الاظهر أنها كأيمان التهم. وقال في المسألة الثانية: قلت في عطف شاتمه على أحرجه بالواو أو بأو اختلاف نسخ انتهى. وقول المصنف كثلاث يعني فكثر وانظر قوله في كسفر ما مثل السفر. فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: من وكل ابتداء ضرر الخصمة لم يمكن من ذلك انتهى. فرع: قال فيها أيضا، قال محمد بن لبابة: كل من ظهر منه عند القاضي لدد وتشغيب في خصومة فلا ينبغي له أن يقبله في وكالة ولا يحل إدخال اللدد على المسلمين. قال ابن سهل: والذي ذهب إليه الناس في القديم والحديث قبول الوكلاء إلا من ظهر منه تشغيب ولدد، فذلك يجب على القاضي إبعاده وأن لا يقبل له وكالة على أحد انتهى

    [ 168 ]
    . فرع: قال ابن عرفة: والوكالة على الخصام لمرض الموكل أو سفره أو كونه امرأة لا يخرج مثلها جائزة اتفاقا. المتيطي: وكذا العذر يشغل الامير أو خطة لا يستطيع مفارقتها كالحجابة وغيرها، وفي جوازها لغير ذلك ثالثها للطالب لا للمطلوب للمعروف مع قول المتيطي هو الذي عليه العمل، ونقله عن سحنون في رسالته إلى محمد بن زياد قاضي قرطبة وفعله، وعلى المعروف في جوازها مطلقا أو بعد أن ينعقد بينهما ما يكون من دعوى إقرار نقلا ابن سهل قائلا: وذكر ابن العطار أنه له أن يوكل قبل المجاوبة وإن كان الموكل حاضرا، والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك لان اللدد فيه ظاهر، ومراده أن يحدث عتنه ما فيه تشغيب انتهى. ونص كلام ابن سهل ومن المحاضر لابن حارث: وإن أراد الخصمان أو أحدهما في أول مجلس جلسا فيه التوكيل ففيه اختلاف، من الفقهاء من يرى ذلك لهما أو لاحدهما ومثله لابن العطار، ومنهم من لا يرى ذلك إلا بعد أن ينعقد بين المدعي والمدعى عليه ما يكون من كل واحد منهما من الاقرار والانكار، ثم يوكل بعد من شاء منهما وهو الصحيح انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته: مسألة: وإذا ادعى الرجل على خصمه عند الحاكم، فهل للمدعى عليه أن يوكل قبل أن يجيب عن تلك الدعوى بإقرار أو إنكار ؟ فقيل: إنه لا يمكن من التوكيل حتى يجيب، فإن لم يجب حمله الحاكم على الجواب بالادب. قال ابن الهندي: وقول من قال إن له أن يوكل قبل أن يجيب أصح، لانه قد أجيز للحاضر أن يوكل. قال ابن سهل: والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك لان اللدد فيه ظاهر. وقال ابن العطار: له أن يوكل قبل المجاوبة: إذا كان الوكيل بالحضرة فيجاوج عنه، فإن لم يوكل فإنه يقال له بعد الادب قل الآن ما كنت تأمر به وكيلك أن يقر له عنك، فإن أبى علم أنه ملد انتهى. وكلام المتيطية أتم ونصه: وإذا سأل الخصمان أو أحدهما القاضي في أول مجلس تقدما إليه أن يوكل كل واحد منهما من يتكلم عنه في الدعوى والاقرار والانكار فقال ابن الحارث: في محاضرة ذلك اختلاف من رأي الفقهاء وعمل القضاة فمنهم من يرى ذلك لهما أو لاحدهما، ومنهم من لا يراه إلا بعد أن ينعقد بين الخصمين ما يكون من كل واحد منهما من الدعوى والاقرار والانكار ثم يوكل من شاء منهما. قال ابن الهندي: والذي جرى عليه العمل أن يقرأ وينكر في مجلسه إذا كان ما وقف عليه قريب المعنى يتبادر فهمه في وقته ثم يوكل، فإن أبى أن يتكلم حمل عليه القاضي الادب حتى يتكلم. قال: وقول من قال إن له أن يوكل قبل الاقرار والانكار أصح إنه قد أجيز للحاضر التوكيل فإذا أجيز للحاضر التوكيل فخصمه مكانه. قال القاضي أبو الأصبغ: والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك لان اللدد فيه ظاهر، والمراد منه أن يحدث كلاما يكون فيه تشغيب على صاحبه. ثم ذكر كلام ابن العطار الذي ذكره ابن فرحون في آخر كلامه ثم قال: والظاهر أن مرادهم بهذا إذا لم يوكلا في أول الامر حتى حضرا عند القاضي، أما لو وكلا أولا فلا كلام في ذلك، والظاهر أيضا أن مرادهم ما لم يجلسا ثلاثة مجالس عند

    [ 169 ]
    الحاكم انتهى. ص: (وليس له حينئذ عزله) ش: يعني ليس للموكل عزل وكيله بعد مناشبته للخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا. ومفهوم ذلك أن له عزل قبل ذلك وهو كذلك إذا أعلن بعزله وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلام الوكيل بذلك، وأما إن عزله سرا فلا يجوز عزله ويلزمه ما فعله الوكيل وما أقربه عليه إن كان جعل له الاقرار. قاله ابن رشد وابن الحاج في نوازلهما. ونص كلام ابن رشد على ما نقله ابن فرحون في الفصل السادس في أحكام الوكالة: سئل ابن رشد عن الوكيل إذا قيدت عليه مقالة بإقراره على وكيله الذي وكله، فلما طلب ذلك الاقرار استظهر موكله بعزلة عزله إياها قبل الاقرار المذكور دون أن يعلم الوكيل شيئا من ذلك، هل يسقط الاقرار المذكور أم لا ؟ فأجاب: ما يقيد على الوكيل لازم لموكله إلا أن يكون عزله قبل مناشبة الخصام عزلا أعلن به وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلامه، وأما بعد مناشبة الخصام أو قبله سرا فلا يجوز عزله انتهى. فظاهره ولو أشهد في السر بعزله وهو كذلك، بل الظاهر أن فرض المسألة إنما هو مع إشهاده سرا، وأما لو لم يشهد وإنما كان قوله فقط فلا يلتفت إليه وهو كذلك. وبقية الجواب في نوازله ما نصه: إذ لا يجوز لمن وكل وكيلا على الخصام أن يعزله بعد أن ناشب خصمه في الخصام وقاعده فيه ولا قبل ذلك سرا إذ لو جاز ذلك لم يشأ أحد أن يوكل وكيلا عن المخاصمة عنه ويشهد في السر على عزله إلا فعل ذلك، فإن قضى له سكت وإن قضى عليه قال قد كنت عزلته. قال القاضي أبو الوليد: هذا الذي أقول به ولا يصح سواه على أصولهم فلا يلتفت إلى ما يؤثر في ذلك من خلاف انتهى. وقال قبله: لا يلزم اليتيم إقرار وكيل وصيه عليه إلا بما يلزمه فيه إقرار الوصي مما لا يجوز له فعله ابتداء، فإن وكله على الاقرار عليه فيما سوى ذلك لم يلزمه، وما يقيد على وكيل الخصام من المقالات لازم لمن وكله ما لم يعزله عند الحاكم الذي وكله عنده على الخصام انتهى. ونص كلام ابن الحاج: إذا وكل رجل رجلا في مجلس القاضي على أن يبيع عليه ويفاصل في بلد آخر فذهب الوكيل بالتوكيل إلى ذلك البلد ففاصل وباع، ثم إن الموكل استظهر بأنه عزله بعد أن وكله فلا يلتفت إلى هذه العزلة وينفذ عليه ما عمله الوكيل إلا أن يعلن بعزلته أو يعزله في مجلس القاضي فلا يمضي عليه فعله، لان عزله في السر من الخدعة والقصد إلى الغش فلا يلتفت إليه ولا يعلم به. انتهى من ابن سلمون. وهذا كله إنما هو على أحد المشهورين أنه ينعزل قبل علمه بعزله، وأما على القول الثاني أنه لا ينعزل قبل علمه وإنما ينعزل بعد علمه بالعزل فلا

    [ 170 ]
    إشكال في عدم انعزاله بعزله سرا، ويبين هذا قول المصنف في التوضيح قول ابن الحاجب ومهما شرع في الخصومة فلا ينعزل ولو بحضورهما. قال: لما ذكر العزل وأفهم كلامه أن للموكل العزل بين هنا أنه مشروط بأن لا يتعلق بالوكالة حق للغير انتهى، ونحوه في الذخيرة أو أصرح منه. وفي كتاب الرهون من الذخيرة عن الجلاب: إذا وكلت وكيلا في بيع رهن ليس لك عزل الوكيل إلا برضا المرتهن، لان القاعدة أن الوكالة عقد جائز من الجانبين ما لم يتعلق بها حق للغير. وفي المبسوط: لك العزل كسائر الوكالات انتهى. وقال في المنتقى: فإذا أراد الراهن فسخ وكالة الوكيل في بيع الرهن، فحكى الشيخ أبو القاسم والقاضي أبو محمد عن المذهب ليس له عزله إلا بإذن المرتهن. وقال القاضي أبو إسحاق: له ذلك اه‍ ثم قال في التوضيح. فرع: واختلف إذا وكله على بيع سلعة أو اشترائها أو سمى له شخصا معينا هل له أن يعزله كما لو أطلق أو لا ؟ على قولين المازري: وعدها الاشياخ من المشكلات والاصح عندي في ذلك إن عين له المشتري وسمى له الثمن وقال له شاورني إن له عزله، وإن لم يسم له الثمن ولا قال له شاورني فهذا موضع الاشكال والاضطراب. واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها. فهل له أن يعزله ؟ فرأى اللخمي وعبد الحميد وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا: بخلاف أن يوكله على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين، ورأى غيرهم أنه يختلف فيه كالطلاق، واستشكل المازري الطريقة الاولى لانه لا منفعة للموكل في هذه الوكالة فكان الاولى أن يكون له عزله إلا أن يقال: لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه انتهى. وما ذكره المؤلف من أنه إذا وكله على الخصام ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا هو أحد الاقوال الخمسة. قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام شيوخ أهل المذهب: وما في ذلك من الخلاف ففي منع العزل بمجرد انتشاب الخصام أو بمقاعدته ثالثها، ثالثها بعد مقاعدته مقاعدة يثبت فيها الحكم. ورابعها ما لم يشرف على تمام الحكم، وخامسها على الحكم. لابن رشد مع اللخمي والمتيطي عن المذهب: وله عن أحد قولي أصبغ وثانيهما ومحمد انتهى. تنبيهات: الاول: ما ذكره من أن ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا إنما هو إذا لم يظهر منه غش أو تدخيل في الخصومة وميل مع المخاصم له، وإن ظهر منه ذلك فله عزله ولو بعد مناشبته للخصام. قال ابن فرحون في تبصرته: للموكل عزل الوكيل ما لم يناشب الخصومة، فإن كان الوكيل قد ناشب خصمه وجالسه عند الحاكم ثلاث مرات فأكثر لم يكن له عزله إلا أن يظهر منه غش أو تدخيل في خصومته وميل مع المخاصم له فله عزله، وكذلك لو وكله بأمر فظهر غشه كان عيبا وله أن يفسخ الوكالة انتهى، ونحوه في شرحه لابن الحاجب. وقال ابن عرفة: قال المتيطي: وإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع الخصم أو مرض فلموكله عزله انتهى. الثاني: مفهوم كلام المصنف أن الوكالة لو كانت في غير الخصام لكان للموكل عزله وللوكيل عزل نفسه وهو كذلك. قال ابن عرفة: ولابن رشد: للموكل عزله وكيله وللوكيل أن

    [ 171 ]
    يبخل عن الوكالة متى شاء أحدهما اتفاقا إلا في وكالة الخصام فليس لاحدهما بعد ذلك إن انتشب الخصام والمفوض إليه والمخصوص سواء انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته: وإن كانت الوكالة بغير عوض فهي معروف من الوكيل يلزمه إذا قبل وللموكل عزله متى شاء إلا أن تكون الوكالة في الخصام. ويجوز للوكيل في غير الخصام أن يعزل نفسه متى شاء من غير اعتبار رضا موكله إلا أن يتعلق به حق لاحد، ويكون في عزله نفسه إبطال لذلك الحق فلا يكون له ذلك لانه قد تبرع بمنافعه انتهى. وقال قبله: وإن كانت بعوض فهي إجارة تلزمهما بالعقد، ولا يكون لواحد التخلي وتكون بعوض مسمى وإلى أجل مضروب وفي عمل معروف انتهى. وأصله لابن رشد، وقد صرح المصنف بهذا المفهوم في آخر هذا الباب بقوله وهل لا تلزم أو إن وقعت بإجارة أو جعل فلهما وإلا لم يلزم تردد. وانظر التوضيح في قول ابن الحاجب: والوكالة بأجرة لازمة كالاجارة فإنه أشبع الكلام في ذلك. الثالث: قال في النوادر في آخر كتاب الصدقات والهبات: ومن كتاب ابن المواز: ومن له على رجل غائب دينار وخمسة دراهم فآجر رجلا في تقاضيه الخمسة الدراهم وقال له فإذا قبضت ذلك فتصدق بالدينار، فلما قدم كلمه فدفع إليه بلا مؤنة ولا خصومة قال: يتصدق بالدينار ويرسل بالخمسة دراهم إلى ربها انتهى. ص: (ولا الاقرار إن لم يفوض له أو يجعل) ش: يعني أنه ليس للوكيل الاقرار على موكله ولو وكله على الخصام إلا أن يكون الوكيل مفوضا إليه أو يكون قد جعل له موكله أن يقر عنه ونص له على ذلك. قال في التوضيح: المعروف من المذهب أن الوكالة على الخصام لا تستلزم الوكالة على الاقرار إذا لم يجعله إليه ولو أقر لم يلزمه. وقال ابن عرفة: وفي نوازل أصبغ: إن الوكالة على الخصام فقط لا تشمل صلحا ولا إقرارا ولا يصح من الوكيل أحدهما إلا بنص من موكله عليه، ولم يذكر فيه ابن رشد خلافا انتهى. ثم قال في التوضيح عن الكافي: وهذا في غير المفوض ونقله ابن عرفة أيضا عن الكافي. وقال في المدونة في كتاب الشفعة: ولك أن توكل من يأخذ بالشفعة حضرت أو غبت، ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض إليه في الاخذ والترك، ولو أقر الوكيل إنك سلمتها فهو كشاهد يحلف معه المبتاع، فإن

    [ 172 ]
    نكل حلفت أنت وأخذت، فإن أقام الوكيل بينة أن فلانا الغائب وكله على طلب شفعته في هذه الدار مكن من ذلك انتهى. وفي كتاب الشفعة من النوادر: وإذا وكلته على طلب شفعة فسلم الوكيل فإن المفوض إليه بذلك يلزمك، وإن لم يكن مفوضا لم يلزمك. قال ابن القاسم وأشهب قالا: وإن أقر بتسليمك فهو طلبها يحلف معه المبتاع ويلزمك، فإن نكل حلفت أنت وبرئت. قيل لاشهب: فيطلب لي شفعتي وقد شهد علي بالتسليم ؟ قال: لا ينبغي للوكيل أن يطلب لك شفعة يزعم أن طلبها لا يجوز، فإن تمادى فليسمع منه الامام ويقضي به. تنبيهان الاول: ذكر المصنف في التوضيح وابن عرفة عن الكافي أنه قال فيه عن ابن خويز منداد: اتفق العلماء فيمن قال ما أقر به فلان على فهو لازم لي أنه لا يلزمه قال ابن عرفة: وقبله ابن عات وقال قبله: وفي نوازل أصبغ تصح الوكالة على الاقرار نصا ولم يحك ابن رشد فيه خلافا ثم قال: وظاهر قول ابن عبد السلام إثر نقله قول أصبغ هذا معروف المذهب. وقال أبو عمر: قال ابن خويز منداد إلى آخر كلام ابن خويز منداد المتقدم أنه خلاف، والاظهر أنه ليس بخلاف لان مسألة أصبغ نص فيها على توكيله على الاقرار عليه وهو ملزوم لجعله قوله ومسألة ابن خويز منداد إنما صدر منه أن ما أقر به فهو لازم فصار ذلك كقوله ما شهد به على فلان حق وهذا لا يلزمه حسبما يذكره في موضعه انتهى. وما قاله ظاهر والله أعلم. الثاني: إنما يلزم الموكل إقرار الوكيل فيما كان من معنى الخصومة التي وكله عليها على الاصح. قال ابن عرفة عن المتيطي: قال فقهاء طليطلة: من وكل على طلب حقوقه والمخاصمة عنه والاقرار والانكار، فإقرار موكله بأنه وهب داره لزيد أو قال لفلان على موكله مائة دينار أن ذلك لازم لموكله. وأنكره ابن عتاب وغيره وقال: إنما يلزم إقراره فيما كان من معنى المخاصمة التي وكل عليها. قال القاضي أبو الأصبغ بن سهل: وهذا هو الصحيح عندي، واستدل بقول ابن القاسم في كتاب الشفعة: وكل على قبض شفعته فأقر الوكيل أن موكله سلمها فهو شاهد. قال ابن عرفة مضعفا لاستدلاله بمسألة الشفعة: لا يلزم من لغو إقرار الوكيل على الشفعة لغو إقرار من جعل له الاقرار لعدم صدق الاخذ بالشفعة على إقراره بإسقاطها، وصدق مطلق الاقرار على الاقرار بالهبة انتهى. قلت: لا شك أن ما قاله ابن عتاب هو الظاهر وأن أخذه من مسألة الشفعة ضعيف، لكن يؤخذ مما سيأتي من أن الوكالة تتخصص وتتقيد بالعرف، ولا شك

    [ 173 ]
    أن العرف قاض بأن من وكل على المخاصمة وجعل لوكيله الاقرار والانكار إنما أراد لاقرار فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها فتأمله والله أعلم. ص: (وإن قال أقرعني بألف فإقرار) ش: هكذا نقل ابن شاس عن المازري، وكلام المازري ليس صريحا في ذلك ونصه على ما نقل ابن عرفة المازري: لو قال للوكيل أقر عني لفلان بألف درهم ففي كونه إقرارا من الآمر وجهان للشافعية. والظاهر أن ما نطق به الوكيل كالنطق من الموكل لقوله أقرعني، فأضاف قول الوكيل لنفسه وقد قال أصبغ: من وكل رجلا وجعله في الاقرار عنه كنفسه فما أقر به الوكيل يلزم به موكله. وظاهره أنه يقول كذلك في أقرعني وقال ابن عبد السلام: ليس فيما ذكر من قول أصبغ كبير شاهد يرد بأنه محض دعوى من غير دليل في مقابلة مستدل عليه، واستشهاد المازري واضح لانه لا فرق بين أمر الموكل وكيله بفعل شئ، وبين جعله ذلك الامر بيده كقوله بع هذا الثوب أو جعلت بيعه بيدك. هذا إن حملنا قول المازري على أن قول الوكيل ذلك كقول الموكل فيكون حاصله لزوم إقرار الوكيل لموكله ما وكله على الاقرار به عنه وهو ظاهر قوله، والظاهر أن ما نطق به الوكيل كالنطق من الموكل لقوله أقر عني. وإن حملناه على ما فهمه ابن شاس منه أن قوله أقر عني بكذا إقرار منه بذلك صح قول ابن عبد السلام وليس فيما ذكره كبير شاهد والله أعلم. ص: (ومعصية) ش: قال ابن الحاجب: الوكالة نيابة فيما لا يتعين فيه المباشرة ابن عرفة: وأبطله ابن هارون بالنيابة في المعاصي كالسرقة والغصب وقتل العدوان، وغره في ذلك قول ابن شاس: ولا تصح في المعاصي كالسرقة وقتل العمد العدوان. ويرد بمنع صدقية النيابة على ذلك لان الاستقراء والاستعمال يدل على أن شرط النيابة استحقاق جاعلها فعل ما وقعت النيابة فيه انتهى. وانظر هذا مع قوله إن الوكالة تعرض لها الحرمة ومثله بالبيع الحرام فتأمله. ص: (بما يدل عرفا) ش: اعلم أن أركان الوكالة أربعة

    [ 174 ]
    : الموكل والوكيل وقد تقدم الكلام على شروطهما في باب الشركة عند قول المؤلف وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل. والثالث ما فيه التوكيل وقد أشار إلى المؤلف بقوله في قابل النيابة. والرابع الصيغة وأشار إليها المصنف بقوله بميدل عرفا وهو متعلق بقوله أول الباب صحت الوكالة. والمعنى أن الوكالة تصح وتنعقد بكل ما دل عليها في العرف، ولا يشترط لانعقادها لفظ مخصوص. قال في اللباب: من أركان الوكالة الصيغة أو ما يقوم مقامها مما يدل على معنى التوكيل انتهى. وقال ابن الحاجب: المعتبر الصيغة أو ما يقوم مقامها، قال في التوضيح: إن المعتبر في صحة الوكالة الصيغة كقوله وكلتك أو أنت وكيلي أو ما يقوم مقامه من قول أو فعل كقوله تصرف عني في هذا أو كإشارة الاخرس ونحوه انتهى. قلت: وهذا من جانب الموكل. ولا بد أن يقترن به من جانب الوكيل ما يدل على القبول ويطلب فيه أن يكون على الفور. قال في اللباب إثر كلامه المتقدم: ولا بد من قبول التوكيل، فإن تراخى قبوله بالتوكيل الطويل فيخرج فيه قولان من الروايتين في المملكة والمخيرة في المجلس قبل الاختيار انتهى. وأصله للمازري ونقله في الجواهر ونقله في الذخيرة وزاد فيه عن الجواهر عن المازري قال: والتحقيق في هذا يرجع إلى العادة، هل المقصود من هذا اللفظ جوابه على الفور أم لا. وقال ابن عرفة: قال ابن شاس: ولا بد في الصيغة من القبول، فإن وقع بالفور فواضح، وإن تأخر ففي لغوه قولان على الروايتين في لغو التخيير بانقضاء المجلس.

    [ 175 ]
    المازري: التحقيق الرجوع لاعتبار المقصود والعادة. هل المراد من اللفظ استدعاء الجواب عاجلا أو ولو كان متأخرا انتهى. ونحوه في التوضيح. وهذا الذي ذكرناه في تفسير كلام المصنف هو الظاهر وعليه حمله البساطي، وحمله الشارح على معنى آخر وهو أن يكون الموكل فيه معلوما بالعرف، وهذا مستغنى بقوله: حتى يفوض ثم قوله: أو يعين بنص أو قرينة وتخصص وتقيد بالعرف. قال البساطي: أو لجأ الشارح إلى ذلك قول المصنف لا بمجرد وكلتك فإنه ظاهر فيما قال، ويمكن حمل هذا على معناه مع حمل الاول على ما قلناه والتقدير: وصحت الوكالة بلفظ يدل عرفا وليس مطلق ما يدل عليها كافيا في ذلك إذا قد يصدق المطلق مع التفويض والتعيين والاعم لا يدل على الاخص. انتهى. بعضه بالمعنى. ويحتمل أن يكون أراد بقوله بما يدل عرفا أي بما يدل على الوكالة وعلى الموكل فيه لانه يصح أن يتعلق بالركن الثالث أعني الموكل فيه كما فعله صاحب الجواهر وصاحب الذخيرة، ويصح أن يتعلق بالركن الرابع الذي هو الصيغة ويكون المعنى: وتصح الوكالة بما يدل عرفا على الوكالة وعلى الشئ الموكل فيه، ولهذا عقبه بقوله لا بمجرد وكلتك فهذا يدل على ما قلناه فتأمله والله أعلم. تنبيهات: الاول: قال البساطي في شرح كلام المصنف: يعني ليس للوكالة صيغة خاصة بل كل ما دل لغة أو عرفا فإنها تنعقد به، فإن خالف العرف اللغة فالمعتبر العرف انتهى. وهو راجع لما قلناه من أن المعتبر العرف والله أعلم. الثاني: من العرف في الوكالة الوكالة بالعادة كما إذا كان ربع بين أخ وأخت وكان الاخ يتولى كراءه وقبضه سنين متطاولة فالقول قوله أنه دفعه لاخته. قال ابن ناجي عن بعض شيوخه: لانه وكيل بالعادة وسيأتي كلامه برمته عند قول المصنف وصدق في الرد كالمودع وتصرف الرجل في مال امرأته محمول على الوكالة حتى يثبت التعدي، قاله مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات ورسم البز من سماعه من كتاب المديان. الثالث: عد بعضهم أركان الوكالة ثلاثة، وجعل الوكيل والموكل ركنا واحدا منهم المشذالي ونصه: وأركان الوكالة ثلاثة: العاقدان والمعقود عليه والصيغة. فالعاقدان الوكيل والموكل، وشرط الموكل جواز تصرفه فيما وكل عليه فيصح من الرشيد مطلقا ومن المحجور في الخصومة انتهى. الرابع: تقدم في باب الشركة عند قول المصنف وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل أن وكالة العبد المأذون له جائزة وفي توكيل الاجنبي غير المأذون له طريقان. فرع: قال في النوادر في كتاب العتق الرابع في ترجمة عتق عبده على مال: وإذا وكل

    [ 176 ]
    السيد عبده لزمته الوكالة وإن لم يقبل انتهى. ص: (بل حتى يفوض فيمضي النظر إلا أن يقول وغير نظر إلا الطلاق وإنكاح بكره وبيع دار سكناه وعبده) ش: قال ابن الحاجب: الموكل فيه شرطه أن يكون معلوما بالنص أو بالقرينة أو بالعادة، فلو قال وكلتك لم يفد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر، فلو قال بمالي من قليل وكثير مضى في جميع الاشياء إذا كان نظرا إلا أن يقول وغير نظر. قد ذكر المصنف إن إطلاق التوكيل لا يفيد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر، وهذا الفرع مثال للتفويض وشرط فيه المصنف وغيره أن يكون تصرفه على وجه النظر إلا أن يزيد في التعميم فيقول أو غير نظر، وهذه هي التي للاباحة وبها يتم تعميم الوكالة. وقد جرى عمل الناس عندنا في هذه الجهات أنه يتصرف الوكيل المفوض إليه في كل شئ مع وجود هذا القيد الذي ذكره المصنف إلا في بيع دار سكنى موكله وطلاق زوجته انتهى. ونقله في التوضيح. ويعلم من هذا أن قول المصنف إلا الطلاق وما بعده مستثنى من قوله وغير نظر. وجعلها ابن فرحون في شرح ابن الحاجب تبعا لابن راشد وغيره مستثناة من مطلق الوكالة المفوضة وهو صحيح، لانها إذا استثنيت منها مع وجود هذا القيد فيها فأحرى أن تستثنى مع عدمه لكن لا يصح ذلك في كلام المصنف لانا إذا جعلناها مستثناة من قوله فيمضي النظر اقتضى قوله بعده إلا أن يقول وغير نظر أنه إذا ذكر هذا القيد لا تكون مستثناة وإنما تمضي وهو خلاف ما قاله ابن عبد السلام فتأمله. تنبيهات: الاول: اعترض المصنف عن ابن الحاجب في قوله إلا أن يقول نظرا أو غير نظر فقال: شرط المصنف في تصرف الوكيل أن يكون نظرا لانه معزول عن غيره بالعادة إلا أن يصرح له بذلك فيقول نظرا وغير نظر. خليل: وفيه نظر، إذ لا يأذن الشرع في السفه فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك انتهى. وذكر ابن عرفة أن ابن الحاجب تبع في ذلك ابن بشير وابن شاس، ثم اعترض عليهم فقال: مقتضى أصل المذهب منع التوكيل على غير

    [ 177 ]
    وجه النظر لانه فساد، وفي البيوع الفاسدة تقييد بيع التمر قبل بدو صلاحه إذا لم يكن فسادا. ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل الفسيه انتهى. وفهم ابن فرحون كلام ابن الحاجب على خلاف ما فهمه المصنف وابن عرفة فقال إثره: هذا مثال لوكالة التفويض ولفظ ما يقتضي العموم. فلو قال وكلتك بماء إلى تعاطيه من بيع وشراء وطلاق وعتق وقليل الاشياء وكثيرها جاز فعل الوكيل في ذلك كله بشرط أن يكون على وجه النظر، وعكسه هو معزول عنه بالعادة إلا أن يقول له افعل ما رأيت كان نظرا عند أهل البصر والمعرفة أو غير نظر، وليس مراده افعل مما شئت وإن كان سفها كما فهمه صاحب التوضيح انتهى. قلت: هذا الذي ذكره إنما يتم على القول بمنع توكيل السفيه وهو أحد الطريقين في المسألة كما تقدم في باب الشركة، وأما على القول بجواز ذلك فيرجع ذلك إلى ما قاله في التوضيح. والحق أن النظر ها هنا في مقامين: أحدهما جواز التوكيل على هذا الوجه. والثاني مضى أفعال الوكيل وعدم تضمينه، فأما جواز التوكيل على هذا الوجه، فإن أريد به الاذن بما هو سفه عند الوكيل فالظاهر أن ذلك لا يجوز ولا ينبغي أن يتوقف في ذلك، وإن أريد به الاذن فيما يراه الوكيل صوابا وإن كان عند الناس سفها، فإن كان الوكيل معلوم السفه فكذلك لا يجوز، وإن كان على خلاف ذلك جاز. وأما مضي أفعال الوكيل وعدم تضمينه فالظاهر أن أفعاله ماضية ولا ضمان عليه في شئ لان الموكل أذن له في ذلك. وقد قالوا في كتاب الجراح فيمن أذن لانسان في قطع يده فقطعها أنه لا قود عليه لاذنه له في ذلك، فالمال أحرى. وهذا والله أعلم هو الذي أراده ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب، بل هو المتبادر من قولهم مضى أي وإن كان لا يجوز ذلك ابتداء فتأمله. نعم هنا وجه يمكن أن يحمل معه كلامهم على الجواز ابتداء وذلك أنه قال في كتاب الشركة من المدونة: وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف لم يلزم ولكن يلزم الشريك في حصته ويرد صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل فيضمنه الموكل انتهى. فإذا كان الوكيل ممنوعا من التبرعات فيمكن أن يقال: معنى قولهم يمضي النظر أي ما فيه مصلحة تعود بتنمية المال لا التبرعات كالعتق والهبة والصدقة إلا أن يقول وكلتك وكالة مفوضة وأذنت لك أن تفعل جميع ما تراه وإن كان غير نظر أي ليس فيه مصلحة تعود بتنمية المال، وإن كان فيه مصلحة في نفسه الامر فتمضي التبرعات ولا يقضى في هذه الاشياء أنها سفه أو فساد إلا ما تفاحش من ذلك وخرج عن الحد ولم يكن فاعله من أهل اليقين والتوكل فتأمله والله أعلم. الثاني: علم من كلام المدونة المتقدم أن الوكيل المفوض ممنوع من التبرع فأحرى غيره. وقال ابن عبد البر في كافية ما نصه: وأما الوكيل المفوض إليه فله أن يقبل وأن يؤخر وأن يهضم الشئ على وجه النظر وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان لذلك وجه، وفعله كله محمول على النظر حتى يتبين خلاف ذلك، فإذا بان تعديه أو فساده ضمن وما خالف فيه

    [ 178 ]
    الوكيل المفوض إليه وغيره ما أمر به فهو متعد، ولموكله تضمينه إن شاء ذلك انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل قوله وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان لذلك وجه على أن المراد إذا كان لذلك وجه يعود بتنمية المال كما قالوا في الشريك إن ذلك يمضي إذا قصد به الاستئلاف وإلا كان كلام الكافي مخالفا لما في المدونة والله أعلم. الثالث: علم من كلام صاحب الكافي أن فعل الوكيل محمول على النظر حتى يتبين خلافه وكلامه في التوضيح لا ينافيه والله أعلم. الرابع: قال ابن فرحون إثر كلامه السابق: ذكر بعضهم أنه يستثنى من الوكالة المفوضة بيع دار السكنى وطلاق الزوجة وبيع العبد القائم بأمور الوكيل وزواج البكر، لان العرف قاض بأن ذلك لا يندرج تحت عموم الوكالة وإنما يفعله الموكل بإذن خاص انتهى. وقال في اللباب في كتاب الطلاق: إنه إن وكله على الطلاق معينا لزمه. قال: وإن فوض إليه جميع أموره ولم يسلم له طلاق زوجته، فظاهر ما في الجواهر أن له ذلك. والذي حكاه ابن أبي زيد أنه معزول عرفا عن طلاق الزوجة وبيع دار السكنى وتزويج البنت وعتق العبد انتهى. الخامس: قال في النكاح من الاول من المدونة: وزوج أخته البكر بغير أمر الاب لم يجز، وإن أجازه الاب إلا أن يكون ابنا فوض إليه وجميع أمره وجميع شأنه فيجوز بإجازة الاب، وكذلك في أمة الاب وكذلك في الاخ والجد يقيمه هذا المقام انتهى. وقال المصنف في باب النكاح: وإن أجاز مجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز انتهى. فقول المدونة وقول المصنف هذا لا ينافي قولهم هنا أن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويج البكر بل هو موافق له لان معنى ما هنا أنه لا يمضي بل يوقف على إجازة الموكل وإن اتفقا. نعم قال أبو الحسن الصغير إثر كلام المدونة المذكور: قوله فوض له يعني بالعادة، وأما لو كان بالصيغة لكان له أن يزوجها ولا يحتاج إلى إجازة الاب لان الوكيل له أن ينكح ويطلق ويقر على موكله انتهى. فهذا مخالف لما قالوه هنا أن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويجا ولا طلاق الزوجة، وكأنه اعتمد على ظاهر كلام ابن شاس كما تقدم في كلام صاحب اللباب في التنبيه الذي قبل هذا، وأما إقراره على موكله فهو جائز كما تقدم، وأما توكيل لوكيل المفوض إليه غيره من غير أن ينص له على ذلك موكله فسيأتي الكلام عليه. السادس: إذا ابتدئت الوكالة بشئ معين ثم قال في توكيله إنه وكله وكالة مفوضة أقامه مقام نفسه وأنزله منزلته وجعل له النظر بما يراه، فإنما يرجع التفويض لما سماه ولا يتعدى الوكيل ما سمى له، لان ذلك كله يحمل على ما سماه ويعاد إليه. وأما إن لم يسم شيئا بالكلية وإنما قال وكلته وكالة مفوضة، فهذا توكيل تام في جميع أمور الوكالة، ويجوز فعله في كل شئ من بيع أو شراء أو صلح أو غيره. قاله ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب

    [ 179 ]
    الوكالات. قال: وإن قال وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين في التفويض. ونقله عنه ابن عرفة. وقال في المقدمات: إذا وكل الرجل الرجل وكالة مطلقة لم يخصه بشئ دون شئ فهو وكيل في جميع الاشياء، وإن سمى بيعا أو ابتياعا أو خصاما أو شيئا من الاشياء فلا يكون وكيلا إلا فيما سمى. وإنما قال في آخر الكلام وكالة مفوضة لان ذلك إنما يرجع لما سمى خاصة، وهذا قولهم في الوكالة إذا طالت قصرت وإذا قصرت طالت. ونقله في التوضيح. وقال البرزلي: قال ابن الحاج: قال ابن عات: الذي جرى به العمل وأفتى به الشيوخ أنه متى انعقد في التوكيل تسمية شئ ثم ذكر بعد ذلك التفويض فإنما يرجع لما سمى، وإن لم يسم شيئا وذكر التفويض التام فهو تفويض تام في جميع أمور الوكالة، وكلما فعل من بيع بيع وغيره، وعليه تدل رواية مطرف وغيره عن مالك. انتهى من مسائل الوكالات ص: (وتعين بنص أو قرينة) ش: يعني أن الوكالة إما على سبيل التفويض في جميع الامو، أو يعين الموكل فيه فيتعين فليس له حينئذ أن يتعداه. فرع: قال في كتاب الشهادات من المدونة: لو وكلت رجلا بقبض مالك على فلان فجحده فحلفه الوكيل ثم لقيته أنت لم يكن لك أن تحلفه. قال ابن يونس: لان يمينه لوكيلك يمين لك. وقال عياض: معناه أنه وكله على خصام أو فوض إليه الوكالة، وأمالو كان موكلا على القبض مجردا لم يكن له ذلك وكان لرب المال بعد خصامه وتحليفه انتهى. وهذا ظاهر ففهم منه إذا وكله على الخصام فله أن يحلفه والله أعلم. مسألة: قال ابن رشد في نوازله: ومن وكل رجلا على القيام بعيب في سلعة اشتراها من رجل والموكل غائب فأنكر المدعى عليه أن يكون باع من موكله ووجبت عليه اليمين لعدم البينة فردها على الغائب، فالذي أراه إذا لم يسم المقدم عليه من باع منه السلعة أو سمى رجلا غائبا بعيد الغيبة فتبين بذلك لدده، أن يؤخذ منه حميل بالثمن إلى أن يكتب للموكل في الموضع الذي هو فيه ويحلف، وسواء كان قريب الغيبة أو بعيدها. ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في وكيل الغائب على قبض الدين يقربه الغريم ويدعي أنه قضاه، لان هذا مقر للغائب بشئ وأما أخذ الثمن منه أو إيقافه فلا أراه إذا لم يثبت عليه بعد شئ انتهى. ص: (وتخصص وتقيب العرف) ش: فاعل تخصص وتقيد ضمير يعود على الشئ الموكل فيه،

    [ 180 ]
    أو على لفظ الموكل. والمعنى أنه إذا كان لفظ الوكيل عاما فإنه يتخصص بالعرف كما إذا قال وكلتك على بيع دوابي وكان العرف يقتضي تخصيص ذلك ببعض أنواع الدواب فإنه يتخصص به، وكذلك إذا قال له وكلتك على بيع هذه السلعة فإن هذا اللفظ عام في بيعها في كل مكان وزمان، فإذا كان العرف أن تلك السلعة إنما تباع في سوق مخصوص أو في زمان مخصوص فإن العرف يخصص ذلك العموم، وكذا إذا كان الشئ الموكل فيه مطلقا أو لفظ الموكل فإنه يتقيد بالعرف كما لو قال اشتر لي عبدي فإنه يتقيد بما يليق به، والعام هو اللفظ المستغرق الصالح له من غير حصر، والمطلق هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد ص: (إلا على بيع فله طلب الثمن وقبضه) ش: هو نحو قول ابن الحاجب: ويملك الوكيل المطالبة بالثمن وقبضه. قال في التوضيح: يعني أن التوكيل على البيع يستلزم أن يكون للوكيل المطالبة بالثمن وقبضه، ولذلك لو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه انتهى. تنبيهات: الاول: قوله فله طلب الثمن يقتضي أن له ترك ذلك وليس كذلك كما دل عليه قوله في التوضيح، ولذلك لو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه. الثاني: قال في التوضيح: هذا مقيد بما إذا لم تكن العادة الترك فقد نص أبوعمران: على أنها لو كانت العادة في الرباع أن وكيل البيع لا يقبض الثمن فإن المشتري لا يبرأ بالدفع إليه انتهى. وقال في الشامل: وله قبض ما وكل في بيعه إلا لعادة. وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الرابع في تقسيم المدعى لهم مسألة: والوكيل على بيع الدار والعقار إذا أراد قبض الثمن من المشتري وأراد أن يقيم البينة أنه وكيل على البيع لم يمكن من ذلك، لان العرف والعادة أن وكيل البيع في الدار والعقار لا يقبض الثمن فليس له ذلك إلا بتوكيل خاص على قبض الثمن إلا أن يكون أهل بلد جرت عادتهم بأن متولي البيع يتولى قبض الثمن فيجزئه إقامة البينة على الوكالة على البيع، وهذا بخلاف الوكيل على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به انتهى. الثالث: لو قال المصنف فله قبض الثمن لاغنى عن قوله فله طلب الثمن والله أعلم. ص: (أو اشتراء فله قبض المبيع) ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: والوكيل بالشراء يملك

    [ 181 ]
    قبض المبيع وتبعه ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون وفي قبوله مطلقا نظر، ومقتضى المذهب عند التفصيل فحيث يجب عليه دفع الثمن يجب له قبض المبيع، وحيث لا يجب لا يجب للنكتة التي فرقوا بها بين وجوب قبض الوكيل ثمن ما باعه وعدم صحة قبض ولي البنت نقد وليته دون توكيل عليه، فإنه في البيع هو مسلم المبيع لمبتاعه وليس الولي كذلك في النكاح انتهى. وما قاله ظاهر، وسيذكر المصنف الموضع الذي يجب على الوكيل فيه قبض الثمن. ص: (ورد المعيب إن لم يعينه موكله) ش: إذا عين الموكل السلعة المشتراة فليس للوكيل أن يردها بالعيب اتفاقا لاحتمال أن يكون الموكل علم بالعيب أو يغتفره عند اطلاعه عليه لغرضه فيه. واختلف إذا لم يعينها فقال ابن القاسم: للوكيل أن يرده لانه ضامن بمخالفة الصفة. وقال أشهب: ليس له أن يرده وإن رد فللموكل أن لا يجيز الرد ويضمنه قيمتها إن فاتت. قال أبوعمران: وإذا كان يلزمه الضمان بإمساكه السلعة على قول ابن القاسم وبرده لها على قول أشهب، فالحيلة في التخلص منه أن يرفع للحاكم فيحكم له بأحد المذهبين فيسقط عنه الضمان. تنبيه: قال في التوضيح: قيد اللخمي قول ابن القاسم بما إذا كان العيب ظاهرا قال: وأما إن كان العيب مما يخفى فلا شئ على الوكيل، وإذا لم يكن عليه ضمان لم يكن له أن يرد انتهى. ولم يذكر ابن عرفة هذا التقييد ولا صاحب الشامل ص: (إلا المفوض) ش: كذا في بعض النسخ وعليها شرح الشارح وهو صحيح والله أعلم ص: (لا لاشتري منك) ش: أي

    [ 182 ]
    فالثمن على الوكيل إلا أن يقر الموكل فليتبع أيهما شاء. نقله في التوضيح. زاد ابن عرفة: إلا أن يدعي الآمر أنه دفع الثمن للمأمور فيحلف ويبرأ ويتبع المأمور. ص: (وبالعهدة) ش: تصوره ظاهر. مسألة: قال ابن عبد الحكم: إذا أقررت أن وكيلا لك باع عبدك من فلان بمائة وفلان مصدق والوكيل منكر، فالعبد يلزم فلانا بمائة والعهدة على بائعه ولا عهدة على الوكيل، ولا يلزم الوكيل قول سيد العبد انتهى ص: (وتعين في المطلق نقد البلد إلى آخره) ش: هذا كله مستفاد من قوله وتخصص وتقيد بالعرف وإنما ذكره ليبين الحكم بعد الوقوع بقوله وإلا

    [ 183 ]
    خير ص: (وثمن المثل) ش: أي وتعين أيضا ثمن المثل إذا أطلق له ولم يسم له الثمن، وأما إن سمى له ثمنا فيتعين. قال ابن عرفة: قال المازري: وفي كون التسمية للثمن مسقطة عن الوكيل النداء والشهرة والمبالغة في الاجتهاد أم لا. ابن بشير: لو أمره ببيع سلعة بثمن سماه فباعها به من غير إشهاد فقولان: أحدهما إمضاؤه، والثاني رده لان القصد عدم نقص الثمن وطلب الزيادة ولو ثبت أحد القصدين ما اختلف ما اختلف فيه انتهى. ص: (أو بيعه بأقل أو اشتراؤه بأكثر كثيرا) ش: أي وكذا يخير الموكل إذا باع الوكيل الشئ الموكل على بيعه بأقل

    [ 184 ]
    مما سمى له أو اشترى ما وكل على شرائه بأكثر مما سمى له بشئ كثير. وظاهر كلامه هنا أنه يخير مطلقا وليس كذلك، بل ذلك مقيد بأن لا يؤدي إلى فسخ الدين في الدين وإلى بيع الطعام قبل قبضه كما سيقوله المصنف أعني قوله: والرضا بمخالفته في سلم ويقيد كلامه هنا أيضا بما إذا لم يلتزم الوكيل الزائد كما سيقوله المنصف أيضا. فرع: قال في النوادر عن أشهب: إذا وضع الوكيل من الثمن بعد البيع فذلك باطل والآمر مخير في أن يجيز أو يرجع بذلك على المشتري ولا رجوع له على الوكيل. قال: ولو تحاكما لبعض قضاة المشرق فحكم بالوضيعة على الوكيل لانفذت ذلك، أولم أر على المبتاع شيئا. ونزلت بأشهب وهو المبتاع فحكم له بالوضيعة على الوكيل فصالح أشهب البائع على نصف الوضيعة وصار له انتهى. والمسألة في سماع أصبغ من كتاب الوكالات ص: (إلا كدينارين في أربعين) ش: يعني أن الوكيل إذا خالف في الاشتراء فإنه يخير الموكل إلا أن تكو المخالفة بزيادة في الثمن زيادة يسيرة كالدينارين في الاربعين فإنه يلزمه ذلك وفي بعض النسخ لا كدينارين بلا النافية بدل إلا الاستثنائية وهي أحسن كما قال ابن غازي: وتخصيصه اغتفار المخالفة باليسير بالاشتراء هو الذي مشى عليه عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطي وصاحب الجواهر. وذكر صاحب النظائر اغتفار المخالفة باليسير في البيع أيضا، وهو ظاهر إطلاق ابن الحاحب. ولم ينص في المدونة على اغتفار اليسير إلا في الشراء ومثله كالثلاثة في المائة وكالاثنين في الاربعين. وما ذكره من اغتفار اليسير في الشراء، ظاهره سواء كانت السلعة معينة أم لا وهو كذلك. قال ابن محرز: وخالف فيه بعض المذاكرين. وقال ابن عرفة: المازري: واليسير في المائة الديناران والثلاثة. التونسي: لا تكون الزيادة في قليل الثمن مقصورة على هذا الحساب، إنما ينظر إلى ما زاد في مثله عادة، ولا يجب على الوكيل أن يزيده على ذلك إنما هذا إذا زاده لزم الموكل. ولو اشترى السلعة لنفسه لما لم يبعها ربها بالمسمى كانت له إذا قلنا إنه لا يلزمه أن يسلف من وكله. قال ابن عرفة: قلت: الظاهر أنه لو كان بيد المأمور للآمر ما يدفع منه الزيادة لزمه الشراء بها فلا يتم له شراؤها لنفسه، وكذا إن كان المأمور مالكا لقدر الزيادة غير محتاج إليها، لان قبوله التوكيل على شرائها التزام منه للوازم شرائها. ويؤيده قول أصبغ في سماع أشهب: من أمر بشراء سلعة بخمسة عشر فاشتراها لنفسه بستة عشر وقال أبي البائع بيعها بخمسة عشر فاشتريتها لنفسي بستة عشر قبل قوله وكانت له. قال

    [ 185 ]
    أصبغ: أرى أن وحلف واستحسن أن الامر في أخذها بالخيار. ابن رشد: استحسانه بعيد إذ لا يلزمه أن يسلفه الزيادة انتهى والله أعلم. ص: (وحيث خالف في اشترائه لزمه إن لم يرضه موكله) ش: تضمن هذا لكلام مسألتين: إحداهما أن الموكل مخير في الرضا بالشئ المشتري وعدم الرضا به وهذه تقدمت. والثانية أنه إذا لم يرض به الموكل فإنه يلزم الوكيل. وهذه من هنا استفيدت وأتى المؤلف بهذا الكلام لاجلها. مسألة: من أمر رجلا بشراء سلعة فاشتراها لنفسه ففيها أربعة أقوال: الاول القول قول المأمور مع يمينه إن اتهم وإن دفع له الآمر الثمن وهو رواية محمد بن يحيى الشيباني عن مالك. والثاني السلعة للآمر وإن لم يدفع الثمن وهو رواية غير ابن القاسم في المدونة وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في المدونة، وسواء أشهد المأمور أنه اشتراها لنفسه أم لم يشهد حتى يرجع الامر إلى الآمر فيبرأ من وعده بالشراء. والثالث الفرق بين أن يكون دفع إليه الثمن أم لا. والرابع أنه للآمر إلا أن يكون المأمور أشهد أنه إنما يشتريها لنفسه. انتهى مختصرا من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة، وكرر المسألة في كتاب البضائع والوكالات في أول رسم من سماع ابن القاسم منه. ص: (كذى عيب إلا أن يقل وهو فرصة) ش: قال ابن عرفة: وشراؤه معيبا تعمدا عداء إلا ما يغتفر عرفا فيها إن أمرته بشراء سلعة فابتاعها معيبة، فإن كان عيبا خفيفا يغتفر مثله وقد يكون شراؤها به فرصة لزمتك، وإن كان عيبا مفسدا لم تلزمك إلا أن تشاء وهي لازمة المأمور. قال ابن عرفة قلت: لو كان العيب مغتفرا بعموم الناس وحال الآمر لا يقتضي اغتفاره، هل يلزم الآمر أم لا ؟ والاظهر أنه يتخرج على القولين في أول كتاب الغصب في أثر العداء إذا كان يسيرا بالنسبة إلى عموم الناس، وغير يسير بالنسبة إلى حال المتعدى عليه، هل يحكم فيه بحكم اليسير أو الكثير ؟ وعبر عن هذا ابن الحاجب بقوله فإن علم بالعيب كان له ولا رد إلا في اليسير. قلت: استثناؤه إلا في اليسير يستحيل رده لمنطوق ما قبله ولهما يستقيم رده لمحذوف تقديره ولا يلزم الآمر، ومثل هذا الحذف لا ينبغي في المسائل العلمية مع يسر العبارة عنه بقوله فإن علم بالعيب لزمه لا الآمر إلا في اليسير انتهى. قلت: واقتصر المصنف في فصل التعدي على القول بأنه يحكم له بحكم الكثير. ص: (أو في بيع فيخير موكله) ش: هذا مستفاد مما تقدم لكنه أعاده ليكمله بقوله ولو ربويا وبقوله إلا

    [ 186 ]
    أن يلتزم الوكيل الزائد فإنه راجع إلى المخالفة في الشراء والبيع كما قاله ابن الحاجب وغيره. والمعنى وحيث خالف في بيع فيخير موكله في إجازة البيع وأخذ الثمن الذي بيعت به ورده وأخذه سلعته إن كانت قائمة، وهذا بعد أن يثبت أن السلعة ملك الموكل ويحلف على التعدي كما سيأتي ذلك في اختلاف الوكيل والموكل، وصرح به في التوضيح في شرح قوله ولا بيع بعرض ولا نسيئة. تنبيه: ولا يعدو الوكيل بتعديه ملتزما لما سمى له الموكل من ثمن السلعة على المشهور. قاله في التوضيح في شرح المسألة المذكورة والله أعلم. ص: (ولو ربويا بمثله) ش: هذا إذا لم يعلم المشتري بتعدي الوكيل، وأما إن علم بذلك فالعقد فاسد. قاله المازري ونقله ابن عرفة. ص: (إن لم يلتزم الوكيل الزائد على الاحسن) ش: هذا راجع إلى مسألة المخالفة في البيع والشراء كما تقدم، لكن معناه مختلف بالنسبة إلى المسألتين، فمعناه في مسألة الشراء الزائد على الثمن الذي سمى له، وفي مسألة البيع الزائد على الثمن الذي باع به. ص: (أو اشتر

    [ 187 ]
    بها فاشترى في الذمة ونقدها وعكسه) ش: هكذا قال ابن شاس وابن الحاجب. قال في التوضيح: وينبغي أن يتخرج على القول بوجوب الوفاء بشرط ما لا يفيد أن يكون للموكل الخيار، أما إن ظهر لاشتراط الموكل فائدة فإنه يعمل على قوله بلا إشكال، وقد نص المازري عليه انتهى. وهكذا نقل عنه ابن عرفة فإنه قال: ذكر المازري للشافعية فيها كلاما ثم قال: النكتة عندي غرض الموكل إن ظهر فيما رسم غرض فمخالفته عداء، وإن لم يكن غرضه إلا تحصيل السلعة فليس بعداء. وقال ابن عبد السلام: لو دفع الدنانير وديعة فدفعها الوكيل في الثمن لم يبعد أن يكون متعديا إذا قيل بتعيين الدنانير والدراهم إذ قد يتعلق للآمر بعينها غرض صحيح، إما لشبهة فيها فلا يجب فوتها بالشراء بها حتى ينظر في إصلاح تلك الشبهة، أو لتحقيق طيب كسبها فيجب أن يشتري بها لقوته لا لتجارة أو لغير ذلك مما يقصده الناس. ابن عرفة: إن أراد أنه يحكم عليه على هذا القول بحكم التعدي بقيد كون الدنانير والدراهم قائمة بعينها فمسلم، وإن أراد، أنه يحكم عليه بحكم التعدي مطلقا وهو ظاهر قوله رد بأنه لا فائدة في الحكم عليه حينئذ بالتعدي، لان الواجب عليه بتعديه غرم مثل دنانير الآمر ويجب على الآمر غرم مثلها وهذا لا فائدة فيه انتهى. ص: (وإلا خير في الثانية) ش: يعني وإن أمكن إفراد أحدهما عن الآخر فتلزم الموكل واحدة منهما ويخير في الثانية بين أن يقبلها أو يردها ويأخذ

    [ 188 ]
    ما ينوبها من الثمن. هذا إن اشتراهما في عقد واحد، وإن اشتراهما في عقدين فالاولى للموكل ويخير في الثانية، فقول المصنف خير في الثانية شامل للصورتين ونحوه لابن عبد السلام ص: (وفي ذهب في بدراهم وعكسه قولان) ش: قال في تصحيح ابن الحاجب: القول بالامضاء اختيار اللخمي، وتأول المدونة عليه وأشار في الشامل لتصحيحه بذلك انتهى. ونص الشامل: ومضى في بعه بذهب فباع بورق وعكسه على المختار والمؤول. ص: (وحنث بفعله في لا أفعله إلا بنية) ش: قال في المقدمات: ويد الوكيل كيد موكله فيما وكله عليه فيمن حلف أن لا يفعل فعلا فوكل غيره على فعله حنث إلا أن يكون نوى أن لا يفعل هو بنفسه، وكذلك من حلف أن يفعل فعلا فوكل غيره على فعله فقد برئ إلا أن يكون نوى أن يلي هو الفعل بنفسه انتهى. ونقله المتيطي. وفي مسائل الطلاق من البرزلي: إذا حلف أن لا يدخل داره سلعة كذا فأدخلها أخوه بغير إذنه، فلا شئ على الحالف إذا لم يقدر على إخراجها انتهى. ص: (ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض) ش: كذا في السلم الثاني من المدونة بلفظ: لا يجوز. قال: وكذلك عبدك النصراني. ابن يونس: لا تأمره ببيع ولا شراء ولا اقتضاء انتهى.

    [ 189 ]
    تنبيه: مناقشة ابن عبد السلام وابن عرفة لابن الحاجب في قوله فيها لا يوكل الذمي على مسلم أو بيع أو شراء إلى آخر كلامه، وإنما هو في غزوه للمدونة بلفظ على مسلم لا في تقييد المسألة بذلك، لان كلام ابن يونس يدل على ذلك فتأمله. فرع: قال ابن عرفة: المازري: لو وقع تفاوض الذمي بوكالته في خمر تصدق الموكل بجميع ثمنه وفي الربا بالزيادة فقط، ولو فعل ذلك وهو يعلم حرمته وعدم إرادة المسلم ذلك غرم له ما أتلف عليه بفعله ذلك انتهى. ونقله القرافي في الذخيرة. فيؤخذ منه أنه إذا عمل في الخمر يجب التصدق بالجميع، وإذا عمل بالربا يجب التصدق بالزائد. ويلزم مثله في الشركة يعني إذا شارك الذمي وتحقق أنه عمل بالربا أو في الخمر، وأما إن شك في ذلك ولم يتحقق فقال اللخمي: يستحب له التصدق. قاله في الشركة ويأتي مثله في الوكالة. وقال في الشركة: وأما لو تحقق أنه لم يعمل بالربا ولا في الخمر ونحوه لم يكن عليه شئ ويأتي مثله هنا أيضا والله أعلم. ص: (وعدو على عدوه) ش: قال ابن رشد: لا يباح لاحد توكيل عدو خصمه على الخصام ولا عدو المخاصم على خصمه لان الضرر في الوجهين بين اه‍. وقال ابن سلمون:

    [ 190 ]
    وسئل ابن رشد فيمن وكل وكيلا على الخصام فوكل وكيله وكيلا آخر وبين أحد الموكلين والذي وكل الآخر عداوة، هل يمنع من توكيله ؟ فقال: الذي أراه في هذا أن لا يباح لاحد توكيل عدو خصمه على الخصام ولا عدو المخاصم عنه لان الضرر في الوجهين بين انتهى. وذكره البرزلي وزاد على ما ذكرت أنه لا يسلم من دعواه الباطل لاجل عدواته لخصمه. ابن الحاج: للرجل أن يخاصم عن نفسه عدوه بخلاف توكيل العدو وعلى عدوه إلا أن يسرع لاذاه فيمنع من ذلك ويقال له: وكل غيرك بدليل أنه يجوز لليهودي مخاصمة المسلم في حقه وهو أشد عداؤه انتهى. تنبيه: انظر هل المنع من توكيل العدو على عدوه لاجل حقه، فإذا رضي العدو بذلك جاز له، وبه صرح مصنف الارشاد في شرح المعتمد كما نقله الشيخ سليمان البحيري في شرح

    [ 191 ]
    الارشاد والمنع من ذلك لحق الله تعالى، فلا يجوز ولو رضى به العدو لان من أذن لشخص في أذاه فلا يجوز ونص كلام الشيح سليمان في شرح الارشاد: قال مصنفه في شرح المعتمد: إذا أراد الرجل أن يوكل وكيلا في مخاصمة جاز ذلك، كان خصمه غائبا أو حاضرا، رضي أو لم يرض. وهذا إذا لم يكن بين الخصم والوكيل عداوة، فإن كان بينهما عداوة لم يجز توكيله عنه إلا برضاه انتهى. فصريح كلامه أن المنع من توكيل العدو على عدوه إنما هو لاجل حقه، فإذا رضي العدو بذلك جاز، ويحتمل أن يكون المنع من ذلك لحق الله تعالى فلا يجوز ولو رضي به العدو ولان من أذن لشخص في إذاية لا يجوز. ولم أقف على نص في ذلك غير ما لصاحب الارشاد فتأمله والله أعلم. ص: (وتوكيله إلا أن يليق به أو يكثر) ش: يعني أنه يمتنع توكيل الوكيل إلا إذا كان الشئ الموكل فيه لا يليق بالوكيل تعاطيه فيجوز له أن يوكل من يتعاطاه، أن يكون الموكل فيه كثيرا يعلم بقرينة العادة أن الموكل لا يستقل بالتصرف فيه فيجوز له أن يوكل من يعينه. ابن عبد السلام: وهذه القرينة تسوغ له الاستعانة بوكيل ولا تسوغ له أن يجعل وكيلا أو وكلاء ينظرون فيما كأن ينظر فيه والقرينة الاولى تسوغ ذلك. ثم قال: ويكون للوكيل الاعلى النظر على من تحته اه‍. ونحوه في التوضيح. اعلم أن هذا في الوكيل المخصوص، أما المفوض فله التوكيل. قال ابن الحاجب:

    [ 192 ]
    والوكيل بالتعيين لا يوكل إلا فيما لا يليق به ولا يستقل لكثرته، قال في التوضيح: احترز بالتعيين من المفوض فإن له أن يوكل على المعروف. وحكى في البيان قولا أنه لا يوكل قال: والاظهر أن له ذلك لان الموكل أحله محل نفسه فكان كالوصي انتهى. وكلام ابن رشد الذي أشار إليه هو في نوازل عيسى من كتاب الوكالة ونصه: لا اختلاف أحفظه في أن الوكيل على شئ مخصوص لا يجوز له أن يوكل ثم قال: وأما الوكيل المفوض إليه في جميع الاشياء فلا أحفظ في أنه هل له أن يوكل أو لا قولا منصوصا لاحد العلماء المتقدمين، وكان الشيوخ المتأخرون يختلفون فيها، والاظهر أن له أن يوكل انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: قالوا: للوصي أن يوصي بلا خلافويوكل الوكيل المخصوص ومقدم القاضي ليس لهما أن يوكلا بلا خلاف والوكيل المفوض. قال ابن رشد: فذكر كلامه المتقدم. وقوله إلا أن لا يليق به قال في التوضيح: ولاشك فيه. زاد ابن عبد السلام عن الشيوخ: إذا علم الموكل بجلالة الوكيل، وأما إلم يعلم فقطع بعضهم بأنه لا التفات إلى علمه. وقال التونسي: انظر إن لم يعلم بذلك رب المال، فإن كان الوكيل مشهورا بأنه لا يلي مثل ذلك فالاشبه أن لا يضمن، وإن كان غير مشهور فرضاه بالوكالة يدل على أنه هو المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى، وليس له أن يوكل على ما وكل عليه ولا أن يوصي به بعد مماته بخلاف الوصي إلا أن يجعل ذلك إليه الموكل، فإن فعل وتلف المال ضمنه على مذهب ابن القاسم، وإن علم أنه لا يلي مثل ذلك إذا لم يعلم به الموكل وفي ذلك نظر. وقال أشهب: إذا كان مثله في الكفاية فلا ضمان انتهى. ومشى في البيان في الكلام على المسألة الاولى على ما ذكره المصنف عن التونسي ونصه: لا يجوز له أن يوكل، واختلف إن فعل هل يضمن إلا أن يكون ممن لا يلي مثل ذلك لنفسه. وهذا في غير المشهور أنه ممن لا يلي ذلك لان رضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى، وهو محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم. وأما المشهور فلا ينبغي أن يضمن لان الموكل يحمل على أنه علم ولا يصدق في أنه لم يعلم اتهى. فتحصل من هذا أن الوكيل المفوض يجوز له التوكيل على ما رجحه ابن رشد وغيره، وأما الوكيل غير المفوض فإن كان ممن يلي ما وكل فيه بنفسه فليس له أن توكل في ذلك وإن كان ممن لا يليق به أن يلي ذلك بنفسه، فإن علم الموكل بأنه لا يلي ذلك بنفسه فليس له أن يوكل، وأما إن لم يعلم بذلك، فإن كان مشهورا قد عرف عند الناس أنه لا يلي ذلك بنفسه فله ذلك ويحمل الوكيل على أنه علم بذلك ولا يصدق في أنه لا يعلم، وأما إن لم يكن مشهورا بذلك فرضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حين يعلم رب المال أنه لا يتولى وهذا متعد بالوكالة وضامن للمال ورب المال محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم. فرع: ولو تعدى الوكيل ووكل حيث لا يجوز له، فإن علم وكيله بالتعدي فهو ضامن، وإن لم يعلم فلا ضمان عليه. قاله بان رشد في نوازله في آخر مسائل البيع. وانظر كلام ابن

    [ 193 ]
    رشد فيما إذا قال الراهن للمرتهن ضع الرهن على يد عدل فوضعه على يد غير عدل فلا ضمان على الغير، وانظر البرزلي في مسائل الوكالة. تنبيه: حيث يجوز له التوكيل فقال ابن الحاجب وغيره: لا يوكل إلا أمينا والله أعلم. ص: (فلا ينعزل الوكيل الثاني بعزل الاول) ش: يعني فإذا أجزنا له التوكيل في الموضعين فلا ينعزل الثاني بعزل الاول لانه صار كالوكيل عن الاصل إذ إنا لا نجيز له الوكالة إلا بنص أو بحسب العادة، ونحوه للمازري وابن الحاجب وغيرهما، لكنهم إنما قالوا: فلا ينعزل الثاني بموت الاول. وكان المصنف رحمه الله رأى أنه لا فرق بين عزله وموته، ورآه منصوصا. ولا يفهم من كلام المصنف أن الوكيل الثاني لا ينعزل إذا عزله الاول، لان الظاهر أن ذلك له كما سيأتي في كلام ابن فرحون. وقال ابن عبد السلام: ولا يتخرج في هذا الفرع خلاف من وكيل القاضي على النظر لليتيم فإن فيه خلافا هل هو نائب عن القاضي أو عن والد الميت. وتقديم القاضي إنما هو جبران لما أهمله الميت، وأيضا فإن القاضي الذي قدم ناظرا على الميت لو مات لم يكن موته عزلا لذلك الناظر انتهى. وقال ابن عرفة نقله لهذا الكلام. قلت: في هذا الكلام تناف، بيانه أنه نقل أولا القول بأن ناظر اليتيم نائب عن القاضي لا عن الاب، ولازم هذا انعزال الناظر بموت القاضي ثم قال على وجه الاستدلال بأنه لو مات القاضي لم ينعزل الناظر، وظاهره اتفاقا وهو خلاف لازم كونه نائبا عن القاضي، والقول بانعزال ناظر اليتيم بموت القاضي ثابت في المذهب حسبما يذكر في الاقضية إن شاء الله، وبعد الاعراض عن هذا التنافي. فالذي يتحصل من كلامه فرقا مانع من التخريج كما زعم هو أن ناظر القاضي نائب عنه في قول، ووكيل الوكيل نائب عن الموكل لا عن الوكيل. وهذا يرد بمنع انحصار نيابة وكيل الوكيل لان الوكيل له عزل وكيله واستقلاله بفعل نفسه اتفاقا، ولو لم يكن نائبا عنه لما صح عزله إياه، ويفرق بأن نيابة القاضي عن الاب إنما هي بأمر عام وهو ولايته الصالحة له ولغيره فهو بالنسبة إليه كدلالة العام على بعض أفراده ونيابة الوكيل عن الموكل إنما هي بتوليته إياه بعينه فهي كدلالة الخاص على نفس مدلوله وهي أقوى من دلالة العام اتفاقا، ولا يلزم من نقص أثر الاضعف نقص أثر الاقوى اه‍. فاستفيد من كلام ابن عرفة فرع، وهو أن للوكيل عزل وكيله اتفاقا ونقل ابن فرحون في ألغازه فرعا آخر ونصه: فإن قلت: رجل غير الحاكم يجوز له أن يعزل وكيل رجل ولم يأذن له الموكل في عزله ولا علق عزله على شئ. قلت: إذا وكل الرجل وكيلا وجعل له أن يوكل فوكل الوكيل رجلا، فللموكل الاول عزل وكيل وكيله اه‍. وهذا الفرع وفرع ابن عرفة فرعان عزيزان.

    [ 194 ]
    فرع: قال ابن سلمون: ولا ينعزل الوكيل الثاني بموت الذي وكله وينعزلان معا بموت الموكل انتهى. فرع: قال ابن رشد في نوازله: ما قبض وكيل الوكيل من مال موكل موكله فيلزمه أن يدفعه إلى من أراد قبضه منه من موكله ومن صاحب المال إذا ثبت أن المال له ببينة أو بإقرار من الوكيل، وليس له أن يمتنع من ذلك لانه يبرأ بالدفع إلى من دفع إليه منهما. يبين هذه مسألة كتاب السلم الثاني من المدونة وهي: من وكل رجلا على أن يسلم له في طعام ففعل ثم أتى الآمر وأراد قبض السلم انتهى. ومسألة المدونة المذكورة سيقول المصنف فيها ولك قبض سلمه لك إن ثبت ببينة فتأمله والله أعلم. ص: (وفي رضاه إن تعدى به تأويلان) ش: أي وفجواز رضا الموكل يريد بفعل الوكيل الثاني إن كان الوكيل الاول متعديا بتوكيله تأويلان. قال في التوضيح: قال في السلم الثاني من المدونة: ومن وكل رجلا يلسم له في طعام فوكل الوكيل غيره لم يجز، ثم قال: واختلف في معنى قوله في الكتاب لم يجز فحمله بعضهم على أن للآمر فسخه وإجازته، وحمله ابن يونس على أن المعنى لم يجز رضا الآمر بما يعمل وكيل وكيله إذ بتعديه صار الثمن عليه دينا للآمر فلا يفسخه في سلم الوكيل الثاني إلا أن يكون قد حل وقبضه لسلامته من الدين بالدين انتهى. فيقيد ذلك بالسلم كما قيده ابن غازي ص: (كرضاه بمخالفته في سلم إن دفع الثمن بمسماه) ش: الباء في بمسماه بمعنى في أي ومنع رضاه في السلم بمخالفته في الثمن الذي سماه، فالمخالفة هنا في المسمى، وفي المسألة الاولى في النوع أو الجنس، وقد جمعهما في المدونة فقال في السلم الثاني: وإن دفعت إليه

    [ 195 ]
    دراهم ليسلمها لك في ثوب هروي فأسلمها في بساط شعر، أو ليشتري لك بها ثوابا فأسلمها لك في طعام، أو في غير ما أمرته بما أو زاد في الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله وتطالب بما أسلم فيه من عرض أو طعام أو ترفع إليه ما زاد، لان الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه دينا ففسختها فيما لا تتعجله وذلك دين بدين. ويدخل في أخذك للطعام الذي أسلم فيه أيضا مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه لا شك فيه لان الطعام قد وجب للمأمور بالتعدي فليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له ولا له ولا لك فسخه ولا شئ لك أنت على البائع وإنما لك على المأمور ما دفعت إليه من الثمن. ولو لم تدفع إليه الثمن وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو في جارية أو في ثوب ولم تصفها له، فإن أسلم في غير ما أمرته به من طعام أو فيما لا يشترى لمثلك من جارية أو ثوب فلك أن تتركه ولا يلزمك الثمن أو ترضى به ويدفع إليك الثمن لانك لم يجب لك عليه دين ففسخته وكأنه ولاك، ولا يجوز هاهنا أن يؤخرك بالثمن وإن تراضيتما بذلك لانه لم يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك فكأنه بيع مؤتنف لدين له وتولية، فتأخير الثمن فيه دين بدين انتهى. وتفريق المصنف لذلك مشوش، فلو جمعهما كما في المدونة واستغنى بقوله أولا والرضا بمخالفته في سلم إلى آخره لكان أحسن لان المخالفة تشمل جميع ذلك والله أعلم. ص: (أو بدين إن فات) ش: هو معطوف على قوله: بمخالفته، ويصح أن يعطف على قوله بمسماه. والمعنى أن من وكل رجلا على بيع سلعة بالنقد أو لم يسم له نقدا ولا مؤجلا فباعها بدين، فإن الوكيل متعد في بيعه بالدين، وسواء سمى له الموكل قدر رأس الثمن أم لا. ثم لا يخلوا الحال من أمرين: إما أن يطلع على ذلك بعد فوات السلعة أو قبل فواتها، فإن فاتت السلعة فإنه لا يجوز للموكل أن يرضى بالثمن المؤجل لانه قد وجب له على الوكيل التسمية إن كان سمى له ثمنا، أو القيمة إن كان لم يسم، فرضاه بعد ذلك بالدين المؤجل فسخ دين في دين. وإن كانت القيمة أو التسمية أقل من الثمن المؤجل وهو الغالب لزم منه بيع قليل بأكثر منه إلى أجل وهو عين الربا. وقيل: يجوز له الرضا بالمؤجل. وقيل: للموكل أن يلزم الوكيل القيمة إن لم زيسم أو التسمية إن سمى ويبقى الثمن المؤجل لاجله، والمشهور المنع من ذلك. ومفهوم الشرط قوله إن فات أنه إذا لم تفت السلعة لم يمتنع رضاه بالثمن المؤجل وهو كذلك، لان رضاه حينئذ كإنشاء عقدة، وقد تقدم

    [ 196 ]
    أنه إذا خالف الوكيل في البيع فإنه يخير الموكل في رد البيع وفي إجازته فكذلك هنا يخير الموكل في إجازة البيع بالثمن المؤجل وفي رد المبيع وأخذ سلعته، وسواء سمى له الثمن الوكيل أم لا، ونص على ذلك في التوضيح، ووجهه أنه جعل الوكيل لما باع بالدين متعديا، فإذا كانت السلعة قائمة فالموكل مخير كما تقدم فجاز له الرضا لان ذلك كإنشاء عقدة. ص: (وبيع فإن وفى بالقيمة أو التسمية وإلا غرم) ش: لما ذكر أنه يمتنع رضا الموكل بالثمن المؤجل، نبه على أنه لا يجوز له أن يلزم الوكيل القيمة أو التسمية لانه يؤدي إلى دفع قليل في كثير، وإن الحكم في ذلك أن يباع الدين المؤجل فإذا بيع، فإن وفى بقيمة السلعة إن كان الموكل لم يسم له ثمنا أو بالتسمية إن كان سمى لها ثمنا فلا كلام. وقوله: وإلا غرم أي وإن لم يوف ما بيع به الدين بالقيمة في الصورة الاولى أو بالتسمية في الصورة الثانية، فإن الوكيل يغرم للموكل ما نقص، فإن بيع بأكثر أخذ الموكل الجميع إذ لا ربح للمتعدي. ص: (وإن سأل غرم التسمية ويصبر ليقبضها أو يدفع الباقي جاز إن كانت قيمته مثلها فأقل) ش: يعني فلو قال الوكيل أنا أغرم جميع التسمية يريد إذا كان الموكل سمى لها ثمنا، ومثله إذا قال أغرم جميع القيمة فيما إذا لم يسم وأصبر في الصورتين حتى يحل الدين المؤجل فآخذ منه التسمية، أو القيمة التي دفعتها وما زاد على ما دفعته أعطه للموكل فإن ذلك جائز بشرط أن تكون قيمة الدين إذا بيع الآن مثل التسمية فأقل إذا لم يسم، لان الواجب للموكل إذا بيع بالدين ما بيع به إن وفى بالقيمة أو التسمية أو تكملة ذلك إذا لم يوف، فإذا طاع الوكيل بدفع ذلك الآن من عنده ثم بدفع ما كان من الدين زيادة فقد أحسن. ومفهوم الشرط في قوله إن كانت قيمته مثلها فأقل

    [ 197 ]
    أنها إن كانت قيمة الدين الآن أكثر من التسمية إن كان سمى، أو القيمة إن كان لم يسم لم يجز ذلك وهو كذلك، لان الموكل كان له أن يقبض قيمة الدين التي هي أكثر من التسمية أو القيمة فكأنه فسخ الزائد في بقية الدين المؤجل كما لو كانت قيمة الدين المؤجل اثني عشر والتسمية أو قيمة السلعة عشرة والدين الذي بيعت به خمسة عشر، وسأل الوكيل أن يدفع العشرة التي هي التسمية أو القيمة ويصبر حتى يحل الدين المؤجل الذي هو خمسة عشر، فيأخذ منه العشرة التي دفعها ويدفع الباقي للموكل، فإن ذلك لا يجوز لان الموكل كان له أن يأخذ الآن قيمة الدين التي هي اثنا عشر، فكأنه أخذ الدينارين ليأخذ عنهما خمسة وقيمة الدين تكون أقل منه غالبا. وإن كانت قيمة الدين أقل من القيمة أو القيم وسأل الوكيل غرم أحدهما ويصبر إلى آخر ما تقدم فاختلف في ذلك، فأجازه ابن القاسم، ومنعه أشهب، ومشى المصنف على قول ابن القاسم فقال: إن كانت قيمته أي الدين مثلها أي مثل التسمية فأقل. وقوله ويصبر ليقبضها منصوب بأن مضمرة بعد الواو والعاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل ويقبضها بكسر الباء في المضارع وتفتح في الماضي. والضمير في قوله ليقبضها راجع للتسمية التي عرفها والله أعلم. ص: (وإن أمر ببيع سلعة وأسلمها في طعام أغرم التسمية أو القيمة واستؤني في الطعام لاجله وغرم النقص والزيادة لك) ش: يشير إلى قوله في السلم الثاني من المدونة: وإن أمرته أن يبيع سلعة فأسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم ثم استؤني بالطعام، فإذا حل أجله استوفي ثم بيع فكانت الزيادة لك والنقص عليه. قال أبو الحسن: لان هذا لا يجوز بيعه قبل قبضه بخلاف ما تقدم. وانظر من يتولى البيع ؟ ابن يونس: قال بعض أصحابنا: إنما يكون على المأمور أن يبيع من الطعام مقدار القيمة أو التسمية التي لزمته والزائد ليس عليه بيعه إلا أن يشاء، لان بقية الطعام للآمر انتهى. فيفهم مما حكاه ابن يونس أن الذي يتولى البيع هو الوكيل والذي تقدم هو قوله في المدونة قبل الكلام المذكور: وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل أو باعها بدنانير مؤجلة، فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقدا أبيعت الدنانير بعرض نقدا ثم بيع العرض بعين

    [ 198 ]
    نقدا، فإن كان ذلك مثل القيمة أو التسمية فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور ولو أسلمها في طعام إلى أخر كلامه المتقدم. هذا لفظ المدونة والله أعلم ص: (وضمن أن أقبض الدين ولم يشهد) ش: يقع في بعض النسخ بحذف مفعول أقبض فيعم الدين والمبيع كما قاله ابن غازي. وظاهر كلام المصنف سواء كانت العادة جارية بترك الاشهاد أو لم تكن وهو المشهور. وقيل: إذا كانت العادة جارية بذلك لم يضمن وهذه إحدى الطريقتين في المذهب وهي طريقة الرجراجي. قال في كتاب الوكالات: فإن جحده الثمن جملة هل يصدق أم لا ؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه لا يصدق ويضمن لتفريطه في ترك الاشهاد وهو قول ابن القاسم في الكتاب وهو مشهور المذهب، والثاني أنه لا يصدق ولا ضمان عليه وهو قول عبد الملك في الوكيل في المبعوث معه المال ليدفعه إلى رجل فأنكر المبعوث إليه أن يكون دفع إليه فقال عبد الملك: لا ضمان عليهما لان العادة اليوم ترك الاشهاد على مثل هذا، وابن القاسم يضمنها في الجميع انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو سلم المبيع ولم يشهد فجحد المشتري الثمن ضمن، ولو أقبض الدين فكذلك. وقيل: إلا أن تكون العادة الترك انتهى. قال في التوضيح: قوله وقيل الخ قال ابن عبد السلام: هو قول ثان ذكره بعض الشيوخ انتهى. والطريقة الاخرى أنه لا يختلف في سقوط الضمان إذا كانت العادة جارية بتر ك الاشهاد، وإنما الخلاف إذا كانت العادة جارية بالامرين أو لم تكن عادة، وهذه الطريقة تشبه أن تكون طريقة اللخمي والشيخ أبي الحسن. قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم: وأشار بعضهم إلى أنه لا يختلف في سقوط الضمان إن كانت العادة ترك الاشهاد، وأنما يحتلف إذا كانت العادة بالامرين معا الاشهاد وعدمه أو لم تكن عادة انتهى. تنبيه: قال في المدونة: إن الوكيل ضامن ولو صدقه الموكل على الدفع ما لم يكن ذلك بحضرته، ففي كتاب القراض منها: وإذا دفع العامل ثمن سلعة بغير بينة فجحده البائع وحبس السلعة فالعامل ضامن، وكذلك الوكيل على شراء سلعة بعينها أو بغير عينها يدفع الثمن فجحده البائع فهو ضامن ولرب المال، أن يغرمها. وإن علم رب المال بقبض البائع الثمن بإقراره عنده ثم جحده أو بغير ذلك ويطيب له ما يقضى له به من ذلك إلا أن يدفع الوكيل الثمن بحضرة رب المال فلا يضمن انتهى. وقاله ابن الحاجب في كتاب الوديعة على ما في نسخ التوضيح، ونقله هنا في التوضيح وتقدم في الحمالة عن البيان نحوه ص: (أو

    [ 199 ]
    باع بكطعام نقدا ما لا يباع به وادعى الاذن فنوزع) ش: يعني أن الوكيل إذا باع السلعة التي وكل على بيعها بطعام أو عرض أو نحوه وكانت السلعة مما لا تباع بذلك وادعى أن الموكل أذن له في ذلك ونازعه الموكل في ذلك وأنكر الاذن فإنه يضمن، ولم يبين رحمه الله ما الذي يضمنه، وهل ذلك مع قيام السلعة أو مع فواتها ؟ والحكم في ذلك أنه إن كانت السلعة قائمة خير الموكل في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به أو نقض البيع وأخذ سلعته، وإن فاتت خير في أخذ ما بيعت به أو تضمين الوكيل قيمتها. قال في كتاب الوكالات من المدونة: إن باع المأمور سلعة بطعام أو عر ض نقدا وقال بذلك أمرتني وأنكر الآمر، فإن كانت مما لا يباع بذلك ضمن. وقال غيره: إن كانت السلعة قائمة لم يضمن المأمور وخير الآمر في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به من عرض أو طعام أو يضمن الوكيل قيمتها ويسلم ذلك إليه. قال أبو الحسن: قوله ضمن ظاهره فاتت السلعة أم لا ؟ وليس كذلك، وإنما معنى قوله ضمن إذا فاتت السلعة، فقول الغير وفاق. قاله في التنبيهات انتهى. فقول المصنف ضمن أي ضمن قيمة السلعة يريد مع فواتها، وأما إذا كانت قائمة فهو مخير في إجازة البيع ورده وذلك بعد يمينه كما سيأتي، ويؤخذ ذلك من كلام عياض الآتي هنا. وقول المصنف نقدا احترز به مما إذا باع بذلك إلى أجل فإنه لا يجوز الرضا به ولا أخذ القيمة كما تقدم. ثم قال في التنبيهات: وانظر إذا كان المأمور لم يعلم المشتري أنها لغيره واحتاج إلى إثبات ذلك والخصام فيه، هل هو فوت ؟ والاشبه إنه فوت، وكذلك لو ثبت ولزمته اليمين، وإنما الذي لا إشكال فيه إذا أعلم المأمور المشتري بتعديه انتهى. وهذا والله أعلم هو الذي أشار إليه بقوله، وادعى الاذن فنوزع فأراد أن ينبه على أن منازعته في الاذن ومخاصمته في ذلك وتوجيه اليمين عليه بسبب ذلك فوت يوجب الضمان، ولهذا لم يذكر هل اللعة قائمة أو فاتت، ولو لم يرد التنبيه على هذا لما كان لذكره هذ المسألة فائدة فإنها مستفادة مما تقدم. فرع: قال في المسائل الملقوطة: للموكل رد البيع بالغبن الفاحش ويضمن الوكيل القيمة إن تلف المبيع. انتهى من الجزيري انتهى. وفي الذخيرة فرع قال علي البصري في تعليقه: إذا باع الوكيل بما لا يتغابن به الناس رد. وقاله الشافعي لعزله عن ذلك عادة. وقال أبو حنيفة: يصح لان اسم البيع يتناوله لانه أعم وجوابه عمومه مقيد بالعادة، وكذلك منع مالك والشافعي بيعه بالدين، وجوزه أبو حنيفة من الاطلاق وجوابه ما تقدم انتهى. ص: (وإن أنكر القبض فقامت البينة فشهدت بالتلف كالمديان) ش: يعني أن الوكيل إذا أنكر أن يكون قبض

    [ 200 ]
    ما وكل عليه أو قبض ثمن ما وكل على بيعه فلما قامت عليه البينة قال تلف أو رددته، فإنه لا يقبل قوله، ولو أقام بينة بذلك لم تسمع البينة كالمديان ينكر الدين فلما قامت عليه البينة ادعى قضاء الدين فإنه لا تسمع بينته. قال البرزلي: ومثل ذلك من ادعى عليه بحق فأنكره ثم أقر به وادعى القضاء هو بمثابة من أنكر حقا فقامت عليه بينة فادعى القضاء الخلاف في المسألتين سواء انتهى. وما ذكره المصنف هو المشهور. وقيل في هذا الاصل: إن البينة تقبل وقد ذكر في التوضيح هنا أعني في باب الوكالة مسائل وجزم فيها بأنها لا تسمع بينته. ثم ذكر في كتاب الوديعة هذا الاصل وذكر فيه خلافا وذكر ابن زرقون أنه قال: إن المشهور أن بينته تنفعه ولكن المصنف لم يعتمد تشهيره. وقال في التوضيح في باب الوديعة وفي باب القراض بعد أن ذكر الخلاف فيمن أنكر ما لا يتعلق بالذمة من قراض أو وديعة: أما إن أنكر شيئا يتعلق بالذمة أو أنكر الدعوى في الربع أو فيما يفضي إلى الحدود ثم رجع عن إنكاره لامر ادعاه أو أقام عليه البينة، ففيها أربعة أقوال: الاول لابن نافع يقبل منه في جميع الاشياء. الثاني لغير ابن القاسم في كتاب اللعان من المدونة لا يقبل منه ما أتى به في جميع الاشياء. الثالث لابن المواز يقبل منه في الحدود وغيرها. الرابع يقبل منه في الحدود والاموال ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها من المتمولات، وهو قول ابن القاسم في المدونة. انتهى من كتاب الوديعة. ونحوه في كتاب القراض ونصه: أما إن أنكر ما لا يتعلق بالذمة وما أشبه ذلك من ربع أو ما يفضي إلى حد ثم رجع عن إنكاره لامر ادعاه وأقام عليه بينة فاختلف فيه على أربعة أقوال: قال ابن نافع: ينفعه في كل شئ. والثاني مقابله قاله غير ابن القاسم في الحدود التي تدرأ بالشبهات فأحرى غيرها. الثالث لابن القاسم ولابن كنانة لا ينتفع بذلك إلا في الربع والحدود. الرابع لابن المواز لا ينتفع بذلك إلا في الحدود اه‍. وما ذكره عن ابن كنانة نقله عنه في النوادر من المجموعة ونصه: ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن ادعى عليه رجل مالا فجحده ثم أتى ببينة أنه رده إليه قال: لا تنفعه البراءة إلا أن يأتي بوجه له فيه عذر. قال: ومن ادعى على رجل أرضا في يديه قد حازها عشر سنين فأنكر الذي هي في يديه أن يعرف أنها له فأثبت المدعي ببينة أنها له فجاء هذا ببينة أنه ابتاعها منه أو من أبيه قال: ذلك يقبل منه لانه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني وليس هذا كالدين انتهى. وقد ذكر ابن رشد الاقوال الاربعة في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي رسم إن خرجت من كتاب الشركة، وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح. ونص كلامه في كتاب الدعوى، والصلح: قيل: إن البينة

    [ 201 ]
    تقبل منه بعد الانكار. وقيل: إنما تقبل منه في الاصول ولا تقبل منه في الحقوق وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدونة قالا: ولو أن رجلا ادعى أرضا في يد رجل فقال مالك عندي أرض وما علمت لك أرضا قط فأقام البينة أنها أرضه وأثبتها ثم أقر الذي هي في يديه فقال نعم هي والله أرضك ولكن قد اشتريتها منك وأقام بشرائه بينة: فإن اشتراءه لذلك يقبل منه وتكون له الارض ولا يضره إنكاره، أو لانه يقول كان والله حوزي ينفعني أصنع بالارض ما شئت فأبيت أن أقر أنها له فيكون على العمل فكرهت أن أعنت في ذلك فإذا قد احتجت إلى شرائي بعد أن أثبتها فهذا شرائي قالا: فذلك له وليس مثل الذي ادعى عليه الحق فجحده. وأدخل ذلك ابن أبي زيد في النوادر ومن المجموعة قال: وسواء أقام بينة بشراء من المدعي أو من أبيه لانه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني وليس ذلك سأل الدين. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إن ادعى رؤية بعد إنكراه القذف وأراد أن يلاعن، وكذلك ما أشبه اللعان من الحدود وهو قول محمد بن المواز. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه في اللعان وهو قول غير ابن القاسم في المدونة أنه يحد ولا يلاعن. فتحصل في المسألة أربعة أقوال: أحدها أن ذلك لا يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في شئ من الاشياء وهو قول غير ابن القاسم، هذا في اللعان لانه إذا لم يقبل منه ذلك في اللعان فأحرى أن لا يقبله فيما سواه من الديون والاصول. والثاني أن يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في جميع الاشياء. والثالث ما ذهب إليه ابن المواز من الفرق بين الحدود وما سواها من الاشياء. والرابع أنه يقبل منه ما أتى به في الاصول أو الحدود ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها، وهو الذي يأتي على ما في المدونة لابن كنانة وابن القاسم لانه إذا قبل منه ما أتى به بعد الجحود في الاموال فأحرى أن يقبل منه ذلك في الحدود انتهى. وحكى ابن عرفة كلام ابن رشد في كتاب الوديعة. وأما في باب الوكالة فاقتصر على أنه لا تقبل بينته وقال: تمامها في الوديعة. وذكر في باب القراض كلام ابن رشد وقال في باب الوديعة: الشيخ قال ابن حبيب عن القاسم وأشهب والاخوين: من أودع وديعة ببينة ثم جحدها ثم أقام بردها بينة أنه ضامن لانه أكذب بينته بحجدها. يريد إن قال ما أودعتني شيئا، ولو قال مالك عندي من هذه الوديعة شئ نفعته بينته انتهى. ثم قال ابن عرفة في آخر كلامه عن اللخمي: وإن قال أودعتني مائة درهم ثم قال لم أقبضها لم يصدق، ولو قال اشتريت منك ثوبا ثم قال لم أقبضه قبل قوله مع يمينه لان أودعتني يدل على القبض والشراء يقع على العقد انتهى. تنبيه: ما ذكره ابن عرفة عن الشيخ ابن أبي زيد من التفرقة بين قوله ما أودعتني شيئا فلا تسمع بينته وبين قوله ما لك عندي من هذه الوديعة شئ فتسمع بينته ظاهر وهو جار في جميع مسائل هذا الباب، فقد قال ابن فرحون في الباب السادس والخمسين من القسم الثاني من تبصرته: من ادعى على رجل دينا من سلف أو قراض أو وديعة أو بضاعة أو رسالة

    [ 202 ]
    أو رهن أو عارية أو هبة أو صدقة أو حق من الحقوق فجحد أن يكون عليه شئ من ذلك، فلما خاف أن تقوم عليه البينة أقر وادعى فيه وجها من الحقوق الوجوه يريد إسقاط ذلك عن نفسه، لم ينفعه ذلك وإن قامت له البينة على ما زعم أخيرا لان جحوده أولا أكذب البينة فلا تسمع وإن كانوا عدولا. تنبيه: وكذلك الحكم إن لم يقر ولكن قامت بذلك بينة فأقام هو بينة أيضا على رد السلف أو الوديعة أو القراض أو البضاعة أو الرسالة أو على هلاك ذلك، فلا ينفعه لانه بإنكاره مكذب لذلك كله. هذا قول الرواة أجمعين: ابن القاسم وأشهب وابن وهب ومطرف وابن الماجشون. فرع: وأما إن قال مالك علي سلف ولا ثمن سلعة ولا لك عندي وديعة ولا قراض ولا بضاعة، فلما ثبت ذلك قبله بالبينة أقر بذلك وزعم أن الوديعة والسلعة أو غير ذلك مما يدعي عليه أو ادعى هلاكه وأقام على ذلك بينة، فها هنا تنفعه البراءة لان قوله ما لك شئ يريد في وقتي هذا. وأما في الصورة الاولى إذا قال ما أسلفتني ولا أودعتني فليس مثل قوله هنا مالك علي سلف. قال ابن حبيب: وهذا مما لا أعلم فيه خلافا عند الرواة إلا أني رأيت في كتاب الاقضية من السماع شيئا يخالف هذا، وأظن له وجها يصحح معناه إن شاء الله. وذلك أنه سئل مالك عن رجل بعث معه رجل بعشرين دينارا يبلغها إلى الجار - والجار موضع - وكتب إليه كتابا وأشهد عليه عند دفعه إليه، فحمل الكتاب وبلغه إلى من أرسل إليه، فلما قرأه مسأله عن الذهب فجحده إياه، ثم إنه قدم المدينة فسأله الذي أرسل معه الذهب وقال له: إني أشهدت عليك. فقال له: إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع. فقال مالك: ما أرى عليه إلا يمينه، وأرى هذا من مالك إنما هو في الجاهل الذي لا يعرف أن الانكار يضره، وأما العالم الذي يعلم أنه يضره ثم يندم عليه بعد ذلك فلا يعذر. من كتاب الرعيني انتهى كلام ابن فرحون. وهذا كله كلام الرعيني في كتاب الدعوى والانكار غير أن الرعيني زاد بعده: ورأيت لابن مزين لفظة: إنه قبل ببينة على القضاء وإن جحده وقال ما أسلفتني قط شيئا، والاول أصوب إن شاء الله. وفي مسائل العيوب من البرزلي فيمن قيم عليه بعيب فأنكر البيع فلما ثبت عليه زعم أن المشتري اعتمر وعرض للبيع بعد اطلاعه على العيب فقال هاشم بن محمد: هذا تناقض لانه كذب بينته. قلت: هذه المسألة تجري على مسألة من طولب بشئ فأنكره وأقيمت عليه البينة فأتى بحجة توجب قبول قوله، وفيها خلاف مشهور في المدونة من مسألة اللعان والتخيير والوديعة وغيرها حكاه ابن رشد وغيره انتهى. قلت: فيتحصل مما تقدم جميعه أنه إذا أنكر أصل المعاملة ثم أقر أو قامت عليه البينة وادعى ما يسقط ذلك فلا تسمع دعواه ولا بينته ولو كانت بينة عادلة بخلاف ما إذا قال مالك

    [ 203 ]
    علي سلف ولا وديعة أو لا قراض أو قال مالك عندي حق ثم أقر بعد ذلك أو قامت عليه البينة فادعى ما يسقط ذلك، فإنه تسمع دعواه أو بينته. وقد صرح بذك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وبذلك صرح المصنف في باب الاقضية فقال: وإن أنكر مطلوب المعاملة فالبينة، ثم لا تقبل بينته بالقضاء بخلاف لا حق لك علي انتهى. وينبغي أن يقيد ذلك أيضا بما قاله الرعيني وهو أن يكون المدعى عليه يعرف أن الانكار يضره، أما إن كان يجهل ذلك ولا يفرق بين قوله: ما أسلفتني وما أودعتني وبين قوله: مالك عندي سلف ولا وديعة فيعذر بالجهل إلا إذا حقق عليه وقدر عليه، وقيل له أنت تنكر هذا أصلا، فإذا قامت عليك البينة فلا تسمع بينتك، فإذا استمر على ذلك فحينئذ لا تسمع بينته، وينبغي أن يقيد ذلك بغير الحدود والاموال لان هذا قول ابن القاسم وابن كنانة كما تقدم في كلام صاحب التوضيح وابن رشد وصاحب النوادر. وأما ما ذكره الرعيني عن ابن مزني فهو قول ابن نافع كما تقدم في كلامه في التوضيح، وما ذكره من من مسألة المرسل معه إلى الجار هو في سماع عيسى، وجعله ابن رشد خلافا وما قاله الرعيني ظاهر فتأمله، وانظر كلام ابن بطال في المقنع في باب ابتداء القضاء بالاقرار والانكار فقد ذكر من ذلك مسائل والله أعلم. ص: (ولو قال غير المفوض قبضت وتلف برئ ولم يبرأ الغريم إلا ببينة) ش: كرر هذه المسألة في المدونة في كتاب الشهادات من المدونة. وفي كتاب المديان، ولا يعارضها ما في كتاب الوكالات ولا ما في كتاب النكاح الاول والله أعلم. فرع: قال في الذخيرة في باب كتاب الزكاة في الكلام على خروج الساعي يحصل الابراء بالدفع إلى الوكيل الفاسق وإن لم يوصل الحق لمستحقه انتهى. ومراده إذا دفع إليه ما وكل فيه أو كان وكيلا مفوضا والله أعلم. فرع: قال ابن رشد في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية: اختلف فيمن ادعى وكالة رجل فقبض له ماله وادعى تلفه، فقيل يصدق فيا ادعى من الوكالة مع يمينه لان الغريم الدافع إليه قد صدقه ويسقط عند الضمان، ويرجع صاحب المال به على الغريم بعد يمينه

    [ 204 ]
    إن كان للغريم بينة على معاينة الدفع. وهذا يأتي على رواية عيسى هذه، ولا يرجع الغريم على الوكيل بشئ لانه قد صدق فما يدعي من الوكالة بيمينه فكان ذلك، كما لو ثبت بالبينة أو أقر بها صاحب المال على ما في كتاب النكاح الاول من المدونة إلا أن يكون فرط في دفع المال للموكل حتى تلف عنده. قال ابن الماجشون وهو مذهب ابن القاسم، وحمله مطرف على التفريط فأوجب للغريم الرجوع عليه. وقيل: لا يصدق وهو ضامن يحلف صاحب المال ما وكله ويرجع بماله على من شاء منهما، فإن رجع على الغريم رجع الغريم على الوكيل، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع على أن أحد وهو يأتي على ما في كتاب الوديعة من المدونة وعلى ما في سماع سحنون لابن القاسم وأشهب، فعلى القول بأن الوكيل يصدق فيما ادعاه يحلف ويسقط عنه الضمان وهو قوله في هذه الرواية، وأما على القول بأنه لا يصدق فيما ادعاه من الوكالة فيلزم الغريم بعد يمين صاحب المال أنه ما وكله. واختلف إن كان عبدا هل يكون ذلك في رقبته أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك يكون في رقبته وإن كان الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة ودفع إليه باختياره لانه قبله، وهو قول أشهب وابن القاسم في سماع سحنون. والثاني إن ذلك لا يكون إلا في ذمته لان الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة ودفع إليه باختياره. و الثالث أن ذلك لا يكون في رقبته إلا أن يقر بالعداء انتهى. ص: (وصدق في الرد كالمودع فلا يؤخر للاشهاد) ش: يعني أن كل من كان

    [ 205 ]
    يصدق في دعواه الرد من وكيل أو مودع فليس له أن يؤخر الدفع إذا طولب بدفع ما عنده ويعتذر بالاشهاد لانه مصدق في دعواه الرد من غير إشهاد انتهى. وقوله صدق في الرد أي مع يمينه، وسواء كان بقرب ذلك بالايام اليسيرة أو طال، سواء كان مفوضا إليه أم لا. هذا قول مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الوكالات ومذهب المدونة. قاله في آخر كتاب الوكالات وفي المسألة أربعة أقوال ذكرها ابن رشد في كتاب الوديعة من المقدمات في الرسم المذكور، ونقله ابن عرفة وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. ونص كلام ابن رشد: اختلف في الوكيل يدي أنه دفع إلى موكله ما قبض له من الغرماء أو ما باع به متاعه على أربعة أقوال: أحدها أن القول قوله مع يمينه جملة من غير تفصيل وهو قوله في هذه الرواية وفي رسم البزي من سماع ابن القاسم من المديان والتفليس وفي آخر الوكالة من المدونة. والثاني أنه إن كان بقرب ذلك بالايام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض شيئا وعلى الوكيل البينة، وإن تباعد الامر كالشهر ونحوه فالقول قول الوكيل مع يمينه، وإن طال الامر جدا لم يكن على الوكيل بينة فهو قول مطرف. والثالث إن كان بحضرة ذلك في الايام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه، وإن طال الامر جدا صدق دون يمين، وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم. والرابع تفرقة أصبغ بين الوكيل على شئ بعينه غارم حتى يقيم البينة، وإن طال الامر والوكيل المفوض يصدق في القرب مع يمينه، وفي البعد دون يمين انتهى. وعلى هذا فلو قال المصنف والقول قوله لكان أحسن لان لفظ: صدق إنما يستعمل فيما يصدق فيه من غير يمين. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح قول الرسالة: ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه هذا لان الوكيل والمودع والرسول مؤتمنون فيما بينهم وبين الموكل والمودع والمرسل، فإذا ذكروا أنهم ردوا ما دفع إليهم إلى أربابه قبل ذلك منهم، لان أرباب الاموال قد ائتمنوهم على ذلك فكان قولهم مقبولا فيما بينهم وبينهم، وكذلك العامل في القراض مؤتمن في رد القراض ما بينه وبين المالك إلا أن يكون واحد منهم أخذ المال ببينة فلا تبرئه دعوى رده إلا أن يكون له بينة لان رب المال حينئذ لم يأتمنه لما استوثق منه بالبينة انتهى. ونقله عنه الزناتي وهو نص كتاب الوديعة من المدونة إلا الوكيل. ونص عليه أيضا الفاكهاني والمشذالي. وأما العارية فقال ابن رشد في المقدمات: إن له أن يشهد على المعير في رد العارية عليه وإن كان دفعها إليه بلا إشهاد لان

    [ 206 ]
    العارية تضمن والوديعة لا تضمن اه‍. تنبيهات: الاول: قول المصنف كالمودع يشير به والله أعلم إلى أن الوكيل إنما يصدق في رد ما وكل عليه إلى ربه إذا قبضه بغير إشهاد، وأما ما قبضه بإشهاد فلا يصدق في رده كما صرح به القاضي عبد الوهاب والفاكهاني والزناتي وغيرهم. الثاني: يظهر من كلام ابن رشد المتقدم أنه لا بد من اليمين مطلقا طال الزمان أو لم يطل، ويظهر من كلام ابن عرفة أن اليمين تسقط مع طول المدة. الثالث: الوكيل مصدق في الرد إلى موكله ولو ادعى ذلك بعد موت موكلهم كما يفهم ذلك من عموم كلام ابن رشد في سماع ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وكما يصرح به البرزلي في مسائل الوكالات. وهذا والله أعلم ليس خاصا بالوكيل والموكل بل هو عام في كل ما كان يصدق في دعواه الرد وكيل أو مودع إذا ادعى إيصال ذلك إلى اليد التي دفعت إليه، سواء كان الدافع حيا أو ميتا أنه يصدق في ذلك والله علم. وهذا واضح، وإنما نبهت عليه لان بعض أهل العصر من أهل المغرب توقف في ذلك حتى أطلعته على النص في ذلك والله أعلم. الرابع: قال ابن ناجي في قول المدونة: ومن ذبح أضحيتك بغير أمرك فإما ولدك أو بعض عيالك فمن فعله ليكفيك مؤنتها فذلك مجزئ. يقوم منها إذا كان ربع بين أخ وأخت وكان الاخ هو الذي يتولى عقد كرائه وقبضه سنين متطاولة، فجاءت أخته تطالب بمنابها من الكراء في جميع المدة المذكورة، وزعمت أنها لم تقبض شيئا وادعى هو دفع لها، أنه يقبل قوله مع يمينه إذ هو وكيلها بالعادة، ووقعت بالمدينة المهدية وأفتى فيها بعض شيوخنا بما ذكرناه دون استناد لدليل أو تأخرا لحكم بينهما حتى مات يعني المفتي وهو ابن عرفة، فأفتى فيها شيخنا أبو مهدي بعكسه، وجئ لقاضيها بالفتوتين فتوقف حتى وصل تونس فناول شيخنا أبا مهدي ما أفتى به فقال: نعم هذا خطي. ثم ناوله ما أفتى به الشيخ المذكور فكتب تحته: رأى رحمه الله أنه وكيل بالعادة فقبل قوله وبه أقول وقطع ما أفتى به. وأراه أن يحكم بما أفتى الشيخ المذكور وكان يقول رحمه الله: ما خالفته في حياته وأخالفه بعد وفاته. انتهى كلام ابن ناجي وبعض شيوخه هو ابن عرفة كما تقدم أنه إذا قال بعض شيوخنا يعني ابن عرفة. ص: (ولا حد الوكيلين الاستبداد إلا لشرط) ش: ما ذكره ابن غازي هنا كاف فيما يتعلق بكلام

    [ 207 ]
    المؤلف ونحو عبارته لصاحب الارشاد في إرشاده وفي معتمده وشرحه، واعترضه الشيخ سليمان بما اعترض به المصنف على ابن الحاجب والله أعلم. ص: (وإن بعت وباع فالاول إلا لقبض) ش: قال في كتاب الوكالات من المدونة. تنبيهان الاول: إنما يكون الثاني أحق إذا قبض السلعة ولم يعلم ببيع الاول، لا هو ولا الذي باعه. أما إن باع الثاني منهموهو عالم ببيع الاول وقبض المشتري الثاني السلعة وهو يعلم ذلك في وقت قبضه فالاول أولى. قاله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات. الثاني: إذا أكرى الوكيل والموكل فهي للاول على كل حال. قاله ابن رشد في الرسم المذكور ونقله أبو الحسن. قال ابن رشد: لانه لا يدخل في ضمان من قبضه والله أعلم. ص: (ولك قبض سلمه لك إن ثبت ببينة) ش: قال في كتاب السلم الثاني من المدونة: ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ إذا دفعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه لك وإن لم يكن دفع إليك ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: حكي عن القابسي أنه قال: ولو أقر الذي عليه الطعام بأن المأمور أقر عنده أن الطعام للمقر له، لا يجبر على دفعها ولا يكون شاهدا لان في شهادته منفعة له لانه يجب أن يفرغ ذمته. قال: وقد رأى بعض أصحابنا أنه يؤمر بالدفع إلى المقر له، فإن جاء المأمور فصدقه برئ وإلا غرم له ثانية. وقال بعض القرويين: إن ما قاله القابسمن أن من عليه الحق لا يكون شاهدا، ونحوه

    [ 208 ]
    في كتاب ابن سحنون عن أبيه. وقابعض القرويين: شهادته في هذا جائزة إذا كان عدلا ويحلف المقر معه ويستحق وتهمة في ذلك إذا حل الاجل انتهى. فحاصله أنه اختلف هل يقضى عليه بإقراره أو لا على قولين. وعلى القول بعدم القضاء، فهل يكون شاهدا ؟ قولان. قال في الشامل: وفي جبر مسلم إليه على الدفع لمن أقر له المسلم الغائب قولان، وفي كونه كشاهد إن كان عدلا يحلف معه المستحق ويأخذ ذلك قولان، أما إن ثبت ببينة فله قبضه اتفاقا انتهى. وما ذكره عن القابسي من عدم جبره على الدفع هو الذي جزم به القاضي عبد الوهاب في المعونة فقال: إذا وكله على قبض دين له على رجل أو وديعة عنده فصدق الغريم الوكيل وليس للوكيل بينة، فلا يجبر الغريم على دفع الشئ للوكيل خلافا لابي حنيفة لانه لا يلزم الغريم أن يدفع إلا ما يبرأ به بدليل أنه لو كان عليه حق ببينة فطالب صاحبه به كان له أن يمنعه حتى يحضر الوثيقة وتسقط شهادة الشهود، والدافع بالاقرار لا يبرأ به بدليل أن صاحب الحق إن جحد الوكالة لزمه دفعه إليه ثانية، وإن كان كذلك لم يلزمه الدفع. وتحريره أن يقال: كل من لا يبرأ بالدفع إليه لم يجبر على دفعه إليه كالاجنبي، ولانه أقر على غيره بالتوكيل فلم يلزمه علم ذلك الاقرار بتسليم ما في يده إلى الوكيل انتهى. وعليه اقتصر اللخمي في كتاب الوديعة. وقال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الاول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول إنه المشهور ونصه: ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى واعترف بالمدعي به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى. وتقدم كلامه هذا عند قوله المؤلف وواحد في خصومه. وقال في آخر الفصل السادس في حكم الوكالة على الدعوى: إنه إذا صدقه على الوكالة وأقر بالدين ألزم بالدفع إليه. ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها: وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك فأقر المطلوب بالدين أو بالمهر واعترف بصحة الوكالة، فإنه يلزمه دفع ذلك إليه، فإن قام صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به لانه إنما يقضى عليه أولا بإقراره والمصيبة منه انتهى. وله في الباب السبعين في القضاء بالامارات وقرائن الاحوال ما يوافق ذلك، وعزاه للمتيطية. ونصه في المتيطية: حكى ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل وكلني فلان على قبض دينه منك وعدده كذا، فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزمه الدفع إليه، فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر لان الحكم كان بإقراره انتهى. وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس، وما ذكره من لزوم الدفع جار على ما ذكره ابن يونس عن بعض أصحابنا، وما ذكره عن القابسي أرجح، ويكفي في ترجيحه اقتصار القاضي عبد الوهاب واللخمي عليه وتشهير ابن فرحون له، والظاهر عندي من القولين في شهادته عدم قبولها والله أعلم، وهو الذي يؤخذ من مسألة السلم الثاني التي ذكرها المؤلف

    [ 209 ]
    هنا وهو مفهوم قول المؤلف إن ثبت ببينة بأن مفهومه لو ثبت بإقرار المسلم إليه لم يأخذه لانه لم يثبت ببينة. تنبيه: قال في المعونة إثر كلامه المتقدم فصل: إذا ثبت أنه لا يجبر على الدفع فمتى دفع إلى من يعترف له بأنه وكيل بغيز بينة على الوكالة، فإن اعترف له صاحب الحق فقد برئ، وإن أنكر الوكالة وأقر أنه قبض الحق برئ الغريم أيضا، لان ثبوت الوكالة ليس بشرط في الابراء كما لو بعث به الغريم على يد رسول ابتداء واعترف صاحب الحق بقبضه لبرئ الغريم، فإن أقر صاحب الدين بالوكالة وأنكر أن يكون الغريم دفع الحق إلى الوكيل لم يلتفت إلى إقرار الوكيل بالقبض أو إنكاره ولزم الغريم إقامة البينة بالدفع إلى الوكيل، فإن لم تقم بينة غرم ذلك لصاحب الحق لان الغريم هو الذي أتلف ماله حين دفع إلى من لا يبرأ بالدفع إليه. وكذلك لو كانت الوكالة ببينة فدفع الغريم إلى الوكيل بغير بينة وأنكر صاحب الحق، فإن الغريم يغرم المال لان إقرار الوكيل بالقبض غير مقبول على الموكل: لان الوكيل أمين فيما بينه وبين موكله لا فيما بينه وبين غيره. وإذا كان كذلك فإن الغريم يغرم المال ثانية، وله إحلاف صاحب الحق إنه لم يقبضه ولم يعلم بدفعه الحق إلى وكيله ثم ينظر، فإن ادعى الوكيل أنه دفع المال إليه ببينة وأقامها فإن الغريم يبرأ بذلك ولا يحتاج إلى إقامة بينة على الدفع إلى الوكيل لان البينة قد شهدت بقبض صاحب الحق لحقه، وإن ادعى الدفع إلى صاحب الحق بغير بينة فلا يلزم ذلك صاحب الحق على ما بينا. انتهى بلفظه. ص: (والقول لك إن ادعى الاذن) ش: قال ابن عرفة: وفيها: إن باع الوكيل السلعة وقال بذلك أمرتني، وقال ربها بل أمرتك أن ترهنها، صدق ربها ولو فاتت، يريد ويحلف ويأخذها إن كانت قائمة لان فرض المسألة أن الآمر ثابت ملكه لها وحق المشتري إنما هو متعلق بدعوى الوكالة. انتهى انظر تماها. فرع: وإذا اشترى لفلان فأنكر فلان فالشراء لازم للوكيل كما تقدم في الكلام على بيع الفضولي ص: (إلا أن يشتري بالثمن فزعمت أنك أمرته بغيره وحلف) ش: هذا مذهب

    [ 210 ]
    المدونة. فإن نكل المأمور عن اليمين فالقول قول الآخر، والظاهر أن ذلك بعد يمينه. وهذا إذا فات الثمن، أما إذا كان باقيا بيد البائع وكان الوكيل أعلمه أنه إنما يشتري لفلان فالقول قول الموكل اتفاقا. قاله اللخمي ونحوه في الرجراجي والله أعلم. ص: (كقوله أمرت ببيعه بعشرة وأشبهت وقلت بأكثر وفات المبيع بزوال عينه) ش: أي وكذلك يكون القول قول الوكيل مع يمينه إذا قال لموكله أمرتني ببيع الشئ الموكل على بيعه بعشرة وكانت العشرة تشبه قيمته وقلت أنت بأكثر وفات المبيع بزوال عينه، فإن نكل الوكيل عن اليمين حلف الموكل ولزم الوكيل غرم ما قاله الموكل، فإن نكل الموكل أيضا فلاشئ له. قاله أبو الحسن في كتاب السلم الثاني. وهذا إذا لم يكن للموكل بينة، فإن كانت له بينة لزم الوكيل الغرم. قاله اللخمي: واحترز بقوله وأشبهت مما إذا ادعى ما لا يشبه فلا يكون القول قوله بل القول قول الآمر. قاله في التوضيح: واحتر بقوله وفات المبيع مما إذا لم يفت فإن القول قول الموكل مع يمينه ويأخذ سلعته، وله أن يجيز البيع ويأخذ العشرة. واختلف هل له أن يجيز البيع ويلزم الوكيل الزائد أو ليس له ذلك ؟ قولان ذكرهما الرجراجي، والمشهور أنه ليس له ذلك كما تقدم. قال الرجراجي: واختلف إذا اعترف الوكيل بالتعدي، هل يسقط ذلك اليمين عن الموكل أو لا ؟ على قولين فقيل: إن ذلك يسقط عنه اليمين، وقيل لا يسقطها لحق المشتري لان الوكيل يتهم أن يكون قصد بتصديقه إبطال حق المشتري. انتهى بالمعنى. قلت: الثاني وهو الظاهر. فرع: فإن أراد المشتري أن يأخذها بما قال الموكل، فهل يجبر الموكل على ذلك أم لا ؟

    [ 211 ]
    على قولين. فإن نكل الموكل عن اليمين كان القول قول الوكيل مع يمينه ويمضي البيع بالعشرة. قاله ابن بشير: وقال ابن المواز: إذا نكل الموكل كانت له بالعشرة بغير يمين. قال أبو الحسن: إن أراد دون يمين الوكيل كان خلاف المذهب، وإلى ما قاله ابن بشير أشار المصنف بقوله أو لم يفت ولم يحلف فإن نكل الوكيل بعد نكول الموكل لزم غرم ما قال الموكل. نقله أبو الحسن عن ابن يونس ص: (فإن لم تفت خيرت في أخذها بما قال) ش: نحوه في المدونة. قال أبو الحسن: يريد بعد يمين المأمور لقد اشتراها بمائة وخمسين والله أعلم. ص: (وهل إن قبضت تأويلان) ش: قيد الرجراجي الخلاف بغير المفوض قال: لانه بعد فراغه مما وكل معزول. قال: وأما المفوض فلاخلاف أن قوله فيما قبله مقبول ويلزم الآمر البدل. تكميل: قال عياض: ثم إذا أبدلها الآمر فلا يمين على المأمور إلا أن يدعي الآمر أنه أبدلها فيتصور فيه ما يتصور في المودع. وحكى أشهب أنه يبدلها بعد يمين البائع أنها هي لانها قد خرجت من يد أمينة وغابت عنه. قال أبو الحسن: ولعل قول أشهب لاحتمال أن يكون

    [ 212 ]
    على يمينه انتهى. وقال الرجراجي: وهل ذلك لازم بعد يمين البائع وهو قول أشهب لان البائع غاب عليها، والثاني أنه لا يمين عليه إلا أن يدعي الآمر أنه قد أبدلها انتهى. ص: (وفي المبدأ تأويلان) ش: ذكر الرجراجي في المسألة ثلاثة أقوال: تبدئة الآمر، وتبدئة المأمور، وتخيير البائع. قال: وتؤولت المدونة على كل واحد من هذه الثلاثة الاقوال. ويظهر من كلام المصنف أنه لم يذكر إلا التأويلين الاولين بتبدئة المأمور وهو الذي في كتاب محمد، وتأول أبو محمد المدونة عليه واختصرها عليه. وتبدئة الآمر ولم يعزه الرجراجي لاحد وإنما ذكره وقال: تؤولت المدونة عليه. والثالث تأويل ابن يونس. تكميل: فإن بدئ بالآمر فنكل حلف البائع وغرم الآمر، ثم لا رجوع له على المأمور إلا أن يتهم ببدلها فيحلفه، وإن نكل البائع هنا لم يكن له أن يحلف المأمور لان نكوله عن يمين الآمر نكول عن يمين المأمور. وإن بدئ بالمأمور ونكل حلف البائع وأبدلها المأمور، ثم هل له تحليف الآمر ؟ قولان. قاله الرجراجي وأبو الحسن ص: (وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان) ش: جعل ابن رشد الخلاف في الموت والعزل سواء، وظاهر كلامه في التوضيح ترجيح القول بعدم العزل قبل بلوغ العلم في العزل والموت وهو الظاهر. وهذا إذا أعلن بالعزل

    [ 213 ]
    وأشهد عليه ولم يكنمنه تفريط في تأخير إعلامه بذلك، وأما إن عزله سرا فإنه لا ينعزل بذلك. قاله ابن رشد في نوازله كما تقدم أول الباب عند قوله: وليس له حينئذ عزله. وهذا أيضا إذا لم يتعلق بالوكالة حق للغير فليس للموكل عزله كما قاله في التوضيح هنا في شرح قول ابن الحاجب: ومهما شرع في الخصومة فلا ينعزل. وقاله في كتاب الرهون من الذخيرة والله

    [ 214 ]
    أعلم. ص: (وهل لا تلزم أو إن وقعت بأجرة أو جعل فكهما وإلا لم يلزم تردد) ش: تصوره واضح. فرع: إذا وكل عبدا على عمل وطلب سيده الاجرة فقال في كتاب السلم الثاني من المدونة: ومن وكل عبدا مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه يسلم له في طعام ففعل فذلك جائز. أبو الحسن: قال ابن محرز: أما المأذون له فلا أجرة له على من وكله في ذلك لانه كأنه مأذون له في هذا المقدار الخفيف. ألا ترى أنه قد يودع فيحفظ الوديعة بغير إذن سيده ولا يكون له في ذلك أجر، وأما غير المأذون له فينبغي أن يكون له الاجرة يدفعها من وكله إلى سيده. الشيخ: إلا أن يكون عمله ذلك لا خطب له لكون المسلم إليه أتى إلى منزل هذا العبد فلا يكون له أجرة كما قال في كتاب الاجارة كمناولة القدح والنعل انتهى. وفي شرح المازري على التلقين في آخر السؤال الثالث من فصل الوكالة: وقد أجاز في الكتاب وكالة العبد، لكن لو وكل عبدا أجنبي والعبد الوكيل محجور عليه لكان لسيده طلب إجارته فيما تولى من سعي في العقد لكون سعيه ومنافعه يملكها عليه، فليس لغيره أن يتملكها ولا أن ينتفع بها دون

    [ 215 ]
    سيده. وأما إن كان العبد مأذونا له في التجارة والسعي في مثل هذا والنيابة فيه من مصالح تجارته ومن جملة ما تضمنه إذن السيد له فيه فإنه لا أجرة على من وكله انتهى. ونحوه اللخمي. كتاب الاقرار قال في الذخيرة: وهذه المادة هي الاقرار والقرار والقر والقارورة ونحو ذلك من السكون والثبوت، لان الاقرار يثبت الحق، والمقر أثبت الحق على نفسه، والقرار السكون، والقر البرد وهو يسكن الدماء والاعضاء، والقارورة يستقر فيها مائع انتهى. ومنها قاعدة الاقرار والدعوى والشهادة كلها إخبارات. والفرق بينها أن الاخبار إن كان يقتصر حكمه على قائله فهو الاقرار، وإن لم يقتصر فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع وهو الشهادة، أو يكون هو الدعوى انتهى. وقال السبكي في نكته في تفسير القرآن العظيم: قوله تعالى * (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) * يدل على تغاير الاقرار والشهادة. انتهى وفيه خلاف. وفي المدونة: إن الاقرار شهادة. وقال ابن عرفة: الاقرار لم يعرفوه وكأنه عندهم بديهي، ومن أنصف لم يدع بداهته لان مقتضى حال مدعيها أنه قول يوجب حقا على قائله. والاظهر أنه نظري فيعرف بأنه خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو بلفظ نائبه، فيدخل إقرار الوكيل وتخرج الانشاءات كبعت وطلقت ونطق الكافر بالشهادتين ولازمهما عنها الاخبار ككنت بعت وطلقت وأسلمت ونحو ذلك. والرواية والشهادة وقوله زيد زان لانه وإن أوجب حكما على قائله فقط فليس له هو حكم مقتضى صدقه انتهى. ص: (يؤاخذ المكلف بلا حجر بإقراره)

    [ 216 ]
    ش: خرج بالمكلف إقرار المكره فإنه غير مكلف على الصحيح. وقال القرطبي في شرح مسلم في آخر باب الديات: شرط صحة الاقرار أن لا يكون بإكراه، وأما المحبوس والمتهدد فاختلف في أخذه بإقراره، واضطرب المذهب في إقراره بعد الحبس والتهديد هل يقبل جملة أو لا يقبل جملة، أو الفرق فيقبل إذا عين ما اعترف به من قتل وسرقة، أو لا يقبل إذا لم يعين. ثلاثة أقوال انتهى. وقال الدماميني في شرح البخاري في قوله: زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع. وعن الامام مالك: إن المذعور لا يلزمه ما صدر منه في حال ذعره من بيع وإقرار وغيره. انتهى بلفظه. مسألة: امرأة ادعت على أخيها بميراثها من أبيها في أملاك سمتها، فقال وكيل الاخ إن أخاها قد قاسمها جميع الاملاك وقبضت حصتها من ذلك. فقال ابن رشد في نوازله: إن كان الاخ جعل لوكيله الاقرار فقوله إن موكله قد قاسم أخته في جميع الاملاك التي وقف عليها إقرار منه عليه بمشاركة أخته له في جميعها، فيقضي لها بميراثها في سائرها إن كانت في يديه انتهى. وفي مسائل الاقضية من البرزلي عن ابن أبي زيد: إن من طلبت منه أخته ميراثها من أملاك أبيها فقال بيدي ذبع ملكته من أبي وربع ملكته بكسي. وغفل عنه حتى مات: إن على ورثته إثبات ما ادعى أنه استفاده بعد موت أبيه وإلا حلفت ما علمت بما استفاده وقسم بينهما انتهى. فرع: قال في الكافي في كتاب الوكالة عن ابن خويز منداد: وقد اتفق الفقهاء فيمن قال ما أقر به على فلان فهو لازم لي أنه لا يلزمه انتهى. فرع: يتعلق بحكم الاقرار بالمجمل. قال في وثائق الجزيري في إقرار الزوج لزوجته والسيد لام ولده يقول: أشهد فلان أن جميع ما يغلق عليه البيت الذي يسكنه مع زوجته فلانة أو مع أم ولده من الوطاء والغطاء والثياب والتوابيت والمواعين والحلي والاثاث لزوجته فلانة ما لها ومن كسب يدها، لا حق لي معها في شئ منه بوجه من الوجوه. ثم قال فيه: يجوز إقرار الزوج لزوجته والسيد لام ولده، فإن سمى ما أقر به كان أتم، وإن أجمل جاز. فإن مات وادعى الورثة أنه للميت اكتسبه بعد الاشهاد فعليهم البينة ولا يمين عليها إلا أن يقطعوا أنه اكتسب شيئا معلوما يسمونه بعد تاريخ الاشهاد فلهم عليها اليمين ولها ردها عليهم انتهى. قاله في باب الوصايا، فصريح كلامه أن الاقرار بالمجمل يصح. ولابن رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الشهادات الثاني ما يخالفه، ونص السماع مسألة: وسئل عن الذي يشهد لامرأته أن كل شئ يغلق عليه باب بيتها فهو لها إلا أن يكون اشترى لها من متاع الرجال شيئا وأشهد لها. فقال: سواء أشهد لها أو لم يشهد لها، ما في البيت مما يعرف أنه متاع النساء فهو لها أنه إنما يشتريه لها. قال ابن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المشهد لامرأته بهذه الشهادة توفي فقامت تدعي ما في البيت من متاع النساء والرجال فلم ير لها فيما أشهد لها به

    [ 217 ]
    منفعة إذا لم يشهد لها على شئ بعينه أنه لها، وإنما أشهد لها بما في بيتها، ولعل ما تدعيه من متاع الرجال لم يكن في بيتها يوم الاشهاد فقال: سواء أشهد لها أو لم يشهد لها ما في البيت مما يعرف أنه من متاع النساء فهو لها، يريد وما كان فيه من متاع الرجال فهو لورثته إلا أن يكون اشترى لها من متاع الرجال شيئا فأشهد لها أنه إنما يشتريه لها. وفي قوله إلا أن يكون اشترى لها إلى آخر قوله، دليل على أنه لو أشهد لها على شئ بعينه من متاع الرجال أنه لها لم يكن لها وفي ذلك نظر، لانه إن لم يعلم أصل الملك له صح الاقرار لها، وإن علم أصل الملك له كان إقراره هبة تصح لها بحيازتها إياها لكونها في بيتها وتحت يدها إلا ما في سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات في نحو هذه الحيازة أن هذا آل إلى الضعف، وهو القياس على مذهب ابن القاسم، لان يد الزوج عنده هي المغلبة على يد الزوجة إذا اختلفا فيما هو من متاع الرجال والنساء، ولو قامت في حياته تدعي ما في بيتها من متاع الرجال وتحتج بما أشهد لها به من أن جميع ما في بيتها لها فناكرها في ذلك وادعى لنفسه وزعم أنه لم يكن في بيتها يوم أشهد لها بما أشهد وأنه إنما اكتسبه بعد ذلك، لوجب أن ينفعها الاشهاد ويكون القول قولها مع يمينها إلا أن يقيم هو البينة أنه اكتسب ذلك بعد الاشهاد، ويحتمل أن يكون معنى المسألة أنه أشهد لها بذلك في مرضه الذي مات فيه فلا يكون في بطلان الشهادة إشكال ولا في أنها لا يكون لها من متاع الرجال إلا ما أشهد عند اشترائه أنه إنما يشتريه لها فلا كلام انتهى. فقوله فلم ير لها فيما أشهد لها به منفعة إذ لم يشهد لها على شئ بعينه إلى آخر كلامه، صريح في أن الاقرار بالمجمل لا يصح. ونقل ابن سلمون في وثائقه في باب الوصايا فيه الخلاف عن ابن رشد وغيره. ونصه بعد أن تكلم على أم الولد: فإن قال في مرضه هذه ولدت مني ولا ولد لها، فإن كان له ولد من غيرها جاز إقراره وعتقت من رأس ماله وإلا لم يصدق ورقت. وكذلك إذا مات سيدها وقد كان أقر لها في صحته بجميع ما في بيتها من الثياب والماعون والحلي والقليل والكثير، فإنه يكون لها. وكذلك إن أشهد لها به مجملا وإن لم يشهد لها بذلك فلا يكون لها إلا الشئ الخفيف مثل كسوتها وشبه ذلك. وإن ادعته وكان من زيها وهي في ذلك بخلاف الحرة ويكتب في ذلك عقدا أشهد فلان على نفسه أنه برئ من أم ولده فلانة من علقه كلها وتبعاته أجمعها، وأقر أنه لا مرفوع له عندها ولا مودع ولا في ذمتها ولا في أمانتها، وأن ما يغلق عليه موضع سكناها معه من الاثاث والمتاع وما بيدها من الحلي وغيره مما هو شاكلة النساء فهو مالها ومتاعها لا حق له معها في شئ من ذلك، فمن ادعى في شئ من ذلك بدعوى أو طالبها بمطلب بسببه في حياته أو بعد وفاته فمطلبه باطل ودعواه كاذبة، أو قصد تحليفها أو تحنيثها فالله حسيبه وسائله إشهادا صحيحا، وكذلك تعقد للزوجة إن نسبها إلى ذلك. وقد اختلف في موجب هذه الوثيقة، فقال ابن زرب: ذلك لها ويصح إشهاده بذلك ولا بد من اليمين. وحكى أن بعض الشيوخ كان يفتي بأن لا يمين عليها إلا أن

    [ 218 ]
    يحقق الورثة عليها ما يجب عليها فيه اليمين. قال: وهو ضعيف ولا بد فيه من اليمين. وقال ابن رشد: عقد مثل هذه الوثيقة لا يجوز وإقراره لا يصح وإشهاده وعدم إشهاده سواء. وهذا كله إذا كان الاشهاد في حال الصحة، وأما إذا كان الاشهاد وهو مريض فلا خلاف بينهم أنه لا ينفد. وسئل ابن زرب في ذلك أيضا فقال: أما ما كان من زيها أو زيه فلا تأخذه إلا بعد يمينها، وأما ما كان من زيها فإنها تأخذه بلا يمين. وأفتى ابن وضاح المرسي بأن ذلك عام إلا في الذهب والفضة، وأما ما كان من ثيابه أو زيه أو عروض أو طعام فهو موروث إلا أن يعين ذلك في صحته ويعينه الشهود انتهى. ص: (لاهل لم يكذبه) ش: احترز بقوله: لم يكذبه مما إذا قال لا أعلم لي عليك شيئا ثم رجع فقال نعم لي عليك فأنكر المقر، فإنه لا ينفعه إنكاره. نقله ابن عرفة عن النوادر. ونص النوادر: من أقر أن لفلان عليه ألف درهم فقال ما لي عليك شئ فقد برئ بذلك، فإن أعاد المقر الاقرار بالالف فقال الآخر أجل هي لي عليك أخذته بها. قال سحنون: إذا قال لك علي ألف درهم فقال الآخر ما لي عليك شئ، ثم رجع فقال هي لي عليك فأنكرها المقر، فالمقر مصدق ولا شئ للطالب. ولكن إن قال الطالب ما أعلم لي عليك شيئا ثم قال نعم هي لي عليك فأنكر المقر، فهاهنا يلزمه اليمين ولا ينفعه إنكاره. وإن قال هذه الجارية غصبتها من فلان فقال فلان ليست لي، لم يلزم المقر شئ، فإن أعاد الاقرار فادعاها الطالب دفعت إليه. ولو قال هذا العبد لك فقال الآخر هو ليس لي ثم قال هو لي قبل أن يعيد المقر الاقرار، لم يكن له العبد ولم تبل بينته عليه إن أقامها لان برئ منه انتهى. وحصل ابن رشد في ذلك ثلاثة أقوال ونصه إثر قول العتبية في رسم يوصى من سماع عيسى من الدعوى والصلح: وسئل عن الرجل يقول للرجل المائة دينار التي استودعتكها، فيقول ما استودعتنيها ولكن اعطيتنيها قراضا وهذه مائة دينار ربحت فيها فلك منها خمسون، فأبى أن يأخذ الخمسين قال: إن أبى أن يأخذها حبسها واستأنى سنين لعله أن يأخذها، فإن أبى أن يأخذها تصدق بها. قيل له: إن مات فأحب ورثته أن يأخذوها ؟ قال: يأخذونها إن شاؤا إذا أحب المقر أن يدفعها إليهم. قلت: ولا يقضى عليه بدفعها إلى ورثته ؟ قال: لا يقضى عليه بدفعها إليهم. قال ابن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه ليس له أن يأخذ

    [ 219 ]
    الخمسين التي أقر بها إلا أن يكذب نفسه ويرجع إلى تصديقه، وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم في كتاب الرهون من المدونة وما لاشهب في كتاب إرخاء الستور منها وهو أحد قولي سحنون. والثاني أنه ليس له أن يأخذ الخمسين وإن رجع إلى تصديقه وكذب نفسه إلا أن يشاء أن يدفعها إليه باختياره، وهو ظاهر قول ابن القاسم ها هنا وفي ورثته إن مات ونص ما في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح، والثالث أن له أن يأخذها وإن كان مقيما على الانكار، وهو قول سحنون في نوازله من كتاب الاستلحاق. وإنما يكون له على القول بأن يأخذها إن كذب نفسه ورجع إلى تصديق صاحبه ما لم يسبقه صاحبه بالرجوع إلى قوله وتكذيب نفسه، فتحصل من القول إن من سبق منهما بالرجوع إلى قول صاحبه كانت له الخمسون دون يمين وبالله التوفيق، انتهى. و انظر آخر كتاب السرقة من المدونة فيمن أقر أنه سرق فلانا وكذبه، ومسألة إرخاء الستور والنكاح الثالث فيما إذا أقر الزوج بالوطئ وأنكرته المرأة، ومسألة كتاب الرهون في اختلاف البائع والمبتاع في الاجل والثمن. مسألة: قال في الذخيرة في كتاب الدعوى. فرع: قال أشهب: إن قلت بعتك هذا العبد ودبرته وأنكر لزمك التدبير وتأخذ الثمن من خدمته التي تدعي إلا أن يقر فتعطيه ما بقي منه، فإن استوفيت بقي مدبرا مؤاخذة لك بإقرارك، فإن مت وهو يخرج من الثلث عتق وإن كان عليك دين. انتهى والله أعلم. ص: (كالعبد في غير المال) ش: وأما في المال فلا يقبل إقراره. قال في المدونة: كقول مالك في ثوب بيد العبد

    [ 220 ]
    يقول فلان أو دعنيه وسيده يدعيه، فالسيد مصدق إلا أن يقيم فلان البينة انتهى. قال في النكت: قال بعض أصحابنا: ويحلف فإن قال هو لي حلف على البت، وكذلك إن قال لعبدي اعلم أصل شرائه أو ملكه. وأما إن قال هو بيد عبدي أو جوزه فيحلف ما أعلم لك فيه حقا انتهى. وهذا في غير المأذون له يؤخذ ذلك من قول المصنف بلا حجر لان المأذون له غير محجور عليه فإقراره جائز فيما بيده، وما جاوز ذلك فهو في ذمته وليس للسيد فسخه. وكذلك ما كان بيده من وديعة أو أمانة فاستهلكه فهو في ذمته وليس للسيد فسخه. قاله في كتاب المأذون له من المدونة. وأما غير المأذون له فلا يصح إقراره ولا يلزمه في ماله ويكون في ذمته إن عتق إلا أن يسقطه السيد أو السلطان. قاله في الكتاب المذكور. ص: (ومريض) ش: قال في المدونة في كتاب الخمالة: وما أقر به المريض أنه فعله في صحته من عتق أو كفالة أو حبس أو صدقة أو غيره لوارث أو غيره، فإقراره باطل ولا يجوز ذلك في ثلث ولا غيره ويكون ميراثا. وإن أوصى مع ذلك بوصايا كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعد ذلك، فإن ضاق الثلث عن وصيته ولم تدخل الوصايا في شئ مما أقر به انتهى. قال في الذخيرة: وقوله في العتق لا يلزم في ثلث ولا غيره هو كذلك إلا أن يقول انفذوا هذه الاشياء فتخرج من الثلث انتهى. وما ذكره في المدونة من الاقرار في المرض بالكفالة في الصحة فيه كلام الشيوخ، فانظر ابن يونس وأبا الحسن والله أعلم. ص: (أو لملاطفه أو لمن لم يرثه) ش: يعني لقريب لا يرثه ولا يريد بذلك الاجنبي لانه يوهم حينئذ أنه يشترط في صحة إقراره للاجنبي أن يرثه ولد وليس كذلك، فإن إقراره للاجنبي جائز سواء كان له ولد أو لم يكن وعلم ذلك من تقييده بالولد، ولا بد من أن يكون ليس عليه دين محيط لغير الملاطف والقريب الذي لم يرثه وإلا فلا يقبل إقراره لما قدمه في باب التفليس أنه لا يقبل إقراره لمن يتهم عليه إذا أحاط الدين بماله. ص: (أو لمجهول حال) ش: سواء أوصى أن يتصدق به عن صاحبه أو يوقف، هكذا قال في البيان ونقله في التوضيح. وقول الشارح إن أوصى أن يتصدق به أو يوقف لهم يوهم إن ذلك شرط والله أعلم.

    [ 221 ]
    تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه إذا لم يكن له ولد لا يصح إقراره للمجهول وفي ذلك ثلاثة أقوال، ذكرها في البيان والمقدمات ونقلها في التوضيح، وليس فيها قول بعدم الصحة مطلقا كما يفهم من كلام المصنف. الاول أن إقراره جائز إن أوصى أنه يوقف حتى يأتي له طالب، وإن أوصى أن يتصدق به عنه لم يصح لا من الثلث ولا من غيره، والقول الثاني أنه من الثلث، والقول الثالث أنه إن كان يسيرا فمن رأس المال، وإن كان كثيرا لم يجز من رأس المال ولا من الثلث.، وظاهر كلام صاحب الشامل أن فيها قولا بالبطلان وكأنه اعتمد على ظاهر كلام المصنف. ص: (كزوج علم بغضه لها أو جهل إلى آخره) ش: سئلت عن رجل أقر أن جميع ما بيد زوجته من قماش وكذا وكذا ملك لها لاحق له فيه وكتب بذلك خطه في شهر شوال. ثم لم يزل حيا إلى أن توفي في صفر من السنة الثانية وانحصر إرثه في زوجته وبنت وبيت المال، فوضعت زوجته المذكورة يدها على أعيان كثيرة مما كان للمقر من كتب ومصاغ وكذا وكذا، وادعت أن ذلك كله مما يشمله الاقرار، فإذا ادعى وكيل بيت المال أو وارث أو مدع شرعي على الزوجة أن جميع ما وضعت يدها عليه مما ذكر أعلاه لم يكن بيدها حين الاقرار المذكور هل تسمع دعواه بذلك ؟ وإذا قلتم تسمع، فإذا وقعت الدعوى بذلك، فهل عليها إقامة البينة أو يمين شرعية ؟ فأجبت: تسمع الدعوى على المرأة المذكورة بما ذكره وعلى المدعي إقامة البينة بأنها وضعت يدها بعد الاقرار، فإن لم تقم له البينة فله تحليفها على ذلك، وإن اتهمها فإن الاقرار لا حقيقة له وإنما مراده تخصيصها بما

    [ 222 ]
    ذكره فله تحليفها على ذلك. هذا إذا كان الاقرار في الصحة. وأما إن كان في المرض فهو باطل إذا علم ميله لها، وإن علم بغضه لها فالاقرار صحيح، وإن جهل حاله وكان له منها ولد صغير فهو باطل، وهذا كله فيما عدا الديون السابقة على الاقرار فإنها مقدمة على من أقر به بلا خلاف. وانظر ابن سلمون في البيوع في بيع التوليج والتصيير وفي كتاب الاقرار والوصايا. ص: (ومع الاناث والعصبة قولان) ش: يعني أنه إذا أقر للزوجة التي جهل بغضه لها ولم يكن لها ابن ولا بنون، وإنما كان لها بنات وعصبة، ففي صحة إقراره لها قولان، وسواء كانت البنات واحدة أو أكثر صغارا أو كبارا، إذا كن من غيرها أو كبارا منها. وأما إن كن صغارا منها فلا يجوز إقراره لها قولا واحدا. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب التفليس، وهذا مستفاد من قول المصنف أولا إلا أن تنفرد بالصغير ونقل في التوضيح كلام ابن رشد والله أعلم. ص: (أو لامه) ش: هذا كأنه مستثنى من قوله إنه يصح إقراره للزوجة التي جهل بغضه لها إذا كان لها ابن أو بنون كما قال إلا أن يكون الولد عاقا ففي صحة إقراره للزوجة قولان، صرح بهما ابن رشد ونقلهما في التوضيح إلا أن المصنف قيد ذلك بقوله لامه، وابن رشد فرضه في الزوجة كانت أمه أم لا. ص: (لا المساوي والاقرب) ش: تصوره ظاهر. مسألة: من باع من بعض ولده دارا أو ملكا وذكر في العقد أنه باعه ذلك بيعا صحيحا بثمن قبضه فقام باقي الورثة على المشتري فذكروا أن البيع ليس بصحيح وأنه لم يدفع فيه ثمنا وأنه توليج من الاب إليه، فلا وجه لدعواهم عليه ولا يمين عليه إلا أن يثبتوا أن الاب كان يميل إليه فتتعلق اليمين عليه.

    [ 223 ]
    تنبيه: قالوا: ولو شهدت البينة بمعاينة القبض لم تترتب يمين على الابن وإن شهدت البينة بميل الاب إليه وانحرافه عن سائر ولده، وإن كان الاب أقر بعد ذلك بالتوليج لم يضر ذلك الابن انتهى. من معين الحكام وفي وثائق الغرناطي: ولا يثبت التوليج إلا بإقرار المولج إليه. انتهى من المسائل الملقوطة. فرع: في حكم من أقر بشئ فيى صحته لبعض ورثته فيقدم المقر له بعد موت المقر ويقيم البينة على الاقرار، قال في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح: وسألته عن الرجل يقر لولده ولامرأته ولبعض من يرثه بدين في الصحة ثم يموت الرجل بعد سنين فيطلب الوارث الدين الذي أقر له به قال: ذلك له إذا أقر به في الصحة، امرأة كانت أو ولدا، فما أقر له به في الصحة فذلك له. ابن رشد: هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك المشهور في المذهب. ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أنه لا شئ له وإن أقر له في صحته إذا لم يقم عليه بذلك بينة حتى هلك إلا أن يعرف سبب ذلك عسى أن يكون قد باع له أصلا أو أخذ من موروث أمه شيئا، فإن عرف ذلك وإلا فلا شئ له وهو قول له وجه من النظر، لان الرجل يتهم أن يقر بدين في صحته لمن يثق به من ورثته على أن لا يقوم به حتى يموت فيكون وصية لوارث وبالله التوفيق انتهى. وقال في آخر سماع أصبغ من كتاب الوصايا، وسئل عن الرجل يموت فيترك عمه وأمه وتقوم الام بدين لها كان أقر لها به في الصحة قال: لا كلام للعم. قلت: أرأيت إن طلب منها اليمين أن ذلك كان توليجا، قال أصبغ: أما في الحكم فلا يلزمها. قال ابن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن إقرار الرجل لوارثه بالدين في الصحة جائز وإن لم يقم به إلا بعد موته. وقال ابن كنانة: يجوز له إقراره لها في حياته ولا يجوز له بعد وفاته لا أن يعرف لذلك سبب مثل أن يكون باع له رأسا أو أخذ له موروثا، وبه قال المخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة. وقول أصبغ في اليمين إنها لا تلزمها في الحكم يريد من أجل أنها يمين تهمة، فقوله على القول بسقوط يمين التهمة والاظهر في هذه المسألة لحوق اليمين مراعاة لقول من لم يعمل الاقرار بعد الموت والله أعلم اه‍ وصرح ابن سلمون بلزوم اليمين إن ثبت ميل الميت للمقر له. ذكره في فصل التصيير في ترجمة البيوع. ومثل الاقرار بالدين ما إذا صير الاب لابنه دارا أو عرضا في دين أقر به له، فإن كان يعرف سبب ذلك الدين جاز له التصيير، سواء كان في الصحة أو في المرض، وإن لم يعرف أصله فحكمه حكم الاقرار بالدين، فإن كان في الصحة ففيه قولان. أحدهما: أنه نافذ ويأخذه من تركته في الموت ويحاص به الغرماء. وهو قول ابن القاسم في المدونة والعتبية. قال المتيطي: وعليه العمل. والثاني: أنه لا يحاص به الغرماء

    [ 224 ]
    ولا يأخذه من التركة، وهو قول المدنيين. انتهى من ابن سلمون. فتحصل من هذا أن الاقرار للوارث بشئ إذا قام به المقر له بعد موت المقر وشهدت به البينة، فإن كان يعرف وجه ذلك أو سبب يدل عليه جاز ذلك، وسواء كان الاقرار في الصحة أو في المرض، وإن لم يعرف وجهه ولا سببه وكان الاقرار في الصحة ففيه قولان: أحدهما: إنه نافذ ويؤخذ من تركته في الموت ويحاص به الغرماء في الفلس، وهو قول ابن القاسم في المدونة والعتبية: والثاني: أنه لا يحاص به الغرماء في الفلس ولا يأخذه من التركة في الموت. وهو قول المدنيين للتهمة عندهم. قال ابن رشد: لا يحاص به على قول ابن القاسم إلا مع الدين الذي استدانه بعد الاقرار، وأما القديم قبل الاقرار فإن ثبت ميله إليه فيلزم المقر له اليمين على صحة ترتب ذلك قبله. واختار ابن رشد إبطال الاقرار بالدين مراعاة لقول المدنيين والله أعلم. مسألة: وإن ولاه ما اشتراه بثمن كثير بثمن يسير أو أشهد أنه باعه منزله بشئ يسير وهو يساوي شيئا كثيرا، فذلك توليج كما صرح به في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي رسم كتب عليه ذكر حق، وفي سماع أصبغ الثاني الواقع بعد سماع أبي زيد منه. واختلف بعد ذلك هل يبطل ذلك مطلقا وهو قول أصبغ، لانه لم يسم هبة فيكفي فيه الحوز وعزاه لابن القاسم، أو يكون كالهبة إن حازه الاب له حاز وهو قول مالك وغيره، وأما إذا أقر له بشئ في يده من مال أو متاع فحكمه حكم الهبة. قال ابن رشد في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا: إقرار الرجل بما في يديه من الدور والمتاع التي لا يعرف ملكه لها إنها لابنه من ميراثه في أمه كإقراره له في مرضه بالدين من ذلك لا يجوز إلا أن يشبه قوله ويعرف وجه إقراره أنه كان لامه من المال نحو ما أقر به، وكذلك في كتاب ابن المواز إن أقر الرجل في مرضه بالدين لابنه لا يقبل منه إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل، وإن لم يكن قاطعا، ولو كانت الدور التي أقر أنها لابنه من ميراثه في أمة يعرف ملكه لهالم يجز إقراره لابنه بها في مرضه على حال، ولو أقر له بها في صحته لكان إقراره له بها كالهبة تصح له إن حازها بيد تحويز الآباء لمن يلزمهم من الابناء على ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقة والهبة، وفي غيره من المواضع خلاف قول أصبغ في سماعه منه انتهى. يعني أن أصبغ يقول: لا يصح ذلك للابن ولو حازه الاب لانه لم يسمه هبة. وقال ابن رشد في آخر رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا إقرار الرجلب في صحته أو في مرضه بما يعرف ملكه له من شئ بعينه أنه لفلان وفلان، وارث أو غير وارث، يجري مجرى الهبة والصدقة ويحل محلهما ويحكم له بحكمها إن حاز ذلك المقر له به في صحة المقر جاز له وإلا لم يجز. هذا مما لا اختلاف فيه أحفظه إلا أن يكون أقر له بذلك على سبيل الاعتذار فلا يلزمه حسبما مضى القول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وانظر نوازل ابن رشد في مسائل البيوع والمشذالي في آخر البيوع الفاسدة،

    [ 225 ]
    وأحكام ابن سهل، وقال البرزلي في كتاب الاقرار ما نصه عن نوازل ابن الحاج: من أقر بمال في يده أنه لرجل هو كالهبة، إن قام في صحته أخذه، وإن قام في مرضه أو بعد موته هو ميراث، قال البرزلي: قلت: الاظهر أنه بمنزلة إذا قال رجل أو وجد بخطه لفلان قبلي كذا وثبت إقراره أو خطه بلفظه قبلي وقد مرت قبل هذا، وهذا إذا لم يذكر سببا انتهى. وله نحو ذلك في مسائل الهبة يشير إلى ما قدمه في مسائل القراض، وفي مسائل البيوع عن نوازل ابن الحاج أيضا ونصه: إذا قال لرجل أو وجد بخطه لفلان قبلي كذا وثبت إقراره أو خطفلفظه: قبلي محتملة أن يكون أوجب له قبله هبة أو صدقة فموته أو فلسه قبل القبض يبطلها بعد الاستظهار بيمين الورثة في الموت لا يعلمون موروثهم تصدق عليه ولا أوجبها قبله ولا أعلمهم بذلك، ويحتمل أن يكون لفظه قبلي يستوجب بها الحكم بالدين، وينبغي أن ينظر في حال الرجلين: فإن قال قبلي من سلف أو معاملة فلا إشكال في لزومه هنا انتهى. مسألة: قال القرافي في قواعده في الفرق الثاني والعشرين بعد المائتين: إذا أقر الوارث أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة وعلى ما يحمل عليه الديانة، ثم جاء بشهود أخبروه أن أباهم أشهده أنه تصدق عليه في صغيره بهذه الدار وحاز هاله أو أقر أنه ملكها عليه بوجه شرعي، فإنه إذا رجع عن إقراره بأن التركة كلها موروثة، إلا هذه الدار المشهود له بها دون الورثة واعتذر بأخبار البينة له وأنه لم يكن عالما بذلك بل أقر بناء على العادة، ومقتضى ظاهر الشريعة أنه تسمع دعواه ويقبل عذره ويقيم بينته ولا يكون إقراره السابق مكذبا للبينة وقادحا فيها، لان هذا عذر عادي يسمع مثله. انتهى كلام القرافي بلفظه: وسلمه ابن الشاط، وانظر ما قاله القرافي مع ما نقله في النوادر عن سحنون في كتاب ابنه في أواخر كتاب الدعوى والبينات في ترجمة المدعي يكذب ببينته ونصه: ومن كتاب ابن سحنون: وسأله شجرة عمن ادعى دارا بيد امرأة ابنه أنها لابنه تركها بين ورثته سماهم، ثم جاء ببينة أخرى أن أباه أشهد له في صحته بنصفها صيره إليه في حق له قبله من قبل ميراثه لامه وذلك عند مخرجه إلى الحج، ثم رجع فسكنها حتى مات، فقال له الحاكم قد ادعيتها أولا ميراثا والآن لنفسك، قال لم أعلم بهذه البينة الاخيرة. قال سحنون: لا يقبل منه، يريد لانه كذب بينته بدعواه الاولى انتهى. فعلل عدم قبول دعواه الثانية بأنه كذب بينته بدعواه الاولى فتأمله معخ ما قاله القرافي والله أعلم. ونزلت مسألة وهي أن امرأة توفيت ولها زوج وإخوة وأب، فادعى بعض الاخوة أن بعض متخلفها ملك لامهم، فأثبت الزوج أنه ملك لزوجته فادعى بقية الاخوة أنها أوصت له بتلك الحوائج، فهل دعواهم الاولى مكذبة لدعواهم الثانية أم لا ؟ فأجبت بما صورته: إذا كان المدعي الوصية من الاخوة المدعين على الزوج أن الحوائج ملك لامهم، فالظاهر أن ذلك مكذب لدعواهم الوصية فلا تسمع وإن كان المدعي لملكية أو غيرهم من الورثة فدعواه مسموعة والله أعلم. وسئلت أيضا عمر أقر أنه لاحق له في هذه العزلة التي هي وقف من قبل فلانة وأنها لم تزل جارية في ملكها إلى حين وقفها ثم مات شخص قريب للمقر فادعى أن

    [ 226 ]
    لمورثه فيها حصة، فهل تسمع دعواه أم لا ؟ فأجبت: إقرار الشخص أنه لا حق له في هذه العزلة التي هي وقف قبل فلانة وأنها لم تزل جارية في ملكها إلى حين وقفها مبطل لدعواه أن لمورثه فيها حصة والله أعلم. ص: (ولزم الحمل) ش: سواء أطلق الاقرار كقوله لحمل فلانة ألف أو قيده بقوله ألف من هبة أو صدقة ولا إشكال إذا قيد ذلك بوجه يصح للجنين كما ذكرنا، وأما إن قال اقرضنيها ونحو ذلك فذكر في التوضيح عن سحنون وابن عبد الحكم أنه يلزمه قال: وخرج عدم اللزوم من أحد القولين في مسألة من علق طلاق زوجته على مسألة الحجر، وخرج عدم اللزوم أيضا فيما إذا طلق من الموازية انتهى. وقال ابن عرفة: المازري: في الاقرار لحمل إن قيده بما يصح كقوله لهذا الحمل عندي مائة دينار من وصية أوصى له بها أو ميراث صح، وإن قيده بما يمتنع بطل كقوله لهذا الحمل عندي مائة دينار من معاملة عاملني بها. وقال ابن سحنون: يلزمه وتقييده بما ذكر ندم ذكر. ثم عن المازري التخريج فيما إذا أطلق فتحصل فيما إذا قيده بوجه لا يصح للجنين قولان: لسحنون مع ابن عبد الحكم ونقل المازري. وفهم من كلام المصنف أن الاقرار لصبي لا يعقل أو لمجنون صحيح من باب أحرى وهو كذلك كما صرح به صاحب الشامل وغيره. قال ابن عرفة: وما أقر به لمحنون أخذه وليه أو السلطان، إن لم يكن له ولي انتهى. ص: (ووضع لاقله) ش: كذا في كثير من النسخ ونحوه لابن الحاجب وقد تعقبه ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف. قال ابن عبد السلام: لان حكم الستة في ذلك حكم ما زاد عليها اتفاقا، وإنما تبع ابن الحاجب ابن شاس من غير تأمل وصوب ابن عرفة تعقبهم ثم قال: إلا أن لابن شاس وابن الحاجب في ذلك عذرا وهي أول مسألة من كتاب أمهات الاولاد، وذكر لفظ المسألة ثم قال: فالتعقب عليهما في لفظهما بما هو نص المدونة أخف من التعقب عليهما في لفظ هو من قبل أنفسهما انتهى. وانظر إذا كانت المرأة ظاهرة الحمل يوم الاقرار وتأخر أكثر من ستة أشهر، والظاهر أن ذلك لا يضر، ويلزم الاقرار للحمل كما قالوه في غير مسألة فتأمله والله أعلم. ص: (وإلا فلا كثره) ش: أي وإن لم تكن الامة موطوءة فإن الاقرار يلزم لما تضعه لاكثر الحمل وهو أربع سنين أو خمس على الخلاف المتقدم في باب العدة. وانظر هل يعتبر أكثر الحمل من يوم وطئت أو من يوم الاقرار. قال ابن عرفة، ذكر المازري ما يدل على وجود الحمل يوم الاقرار وهو وضعه لاقل من ستة أشهر،

    [ 227 ]
    وما يدل على عدمه وهو وضعه لاكثر من أربع سنين من يوم الاقرار. قال: وإن وضعته لما بين هذين الوقتين وليست بذات زوج ولا سيد يطؤها حمل على أن الولد كان مخلوقا لا تحل إضافته للزنا انتهى. قلت: أول كلامه صريح في أن ذلك من يوم الاقرار، وآخر كلامه يدل على أن المعتبر في يوم وطئت لقوله: حمل على أن الولد كان مخلوقا لا تحل إضافته للزنا وهذا هو الظاهر فتأمله والله أعلم. ص: (أو وهبته لي) ش: لان ذلك دعوى. واختلف هل يحلف المقر له أم لا. قال

    [ 228 ]
    الشارح في الكبير: ولعلهما جاريان على الخلاف في اليمين هل تتوجه على دعوى المعروف أم لا انتهى. ص: (لا أقر) ش: هو بلا النافية الداخلة على الفعل المضارع المثبت كما قال ابن غازي ومعناه ظاهر من كلامه وكلام الشارح. مسألة: من ادعى عليه بشئ فلم يقر ولم ينكر بل قال عقب دعوى المدعي وأنا أيضا لي عليك مال أو شئ سماه، فلا يكون ذلك إقرارا. نقله ابن فرحون عن المازري في الفصل السابع في الكلام على النيات. مسألة: اختلف في السكوت هل هو كالاقرار أم لا، قال في العتبية في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب التفليس مسألة: وسئل عن رجل جاء قوما في مجلس فقال أنا أشهد كم أن لي على فلان كذا وكذا دينارا وفلان ذلك مع القوم في المجلس فسكت ولم يقل نعم ولا لا، ولم يسأله الشهود عن شئ ثم جاء يطلب ذلك قبله فأنكر أن يكون عليه شئ قال: نعم ذلك لازم إذا سكت ولم يقل شيئا. قال محمد بن رشد: اختلف في السكوت هل هو يعد إذنا في

    [ 229 ]
    الشئ وإقرارا به على قولين مشهورين في المذهب منصوص عليهما لابن القاسم في غير ما موضع من كتابه: أحدهما: أنه إذن. والثاني: أنه ليس بإذن وهو قول أبي القاسم أيضا في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وفي سماع أصبغ من كتاب المدبر. وأظهر القولين أنه ليس بإذن لان في قول النبي (ص): والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها دليلا على أن غير البكر بخلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمتستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا برضا منه فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكره ثم ينكره بعد ذلك وما أشبه ذلك. وقد مضى هذا المعنى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي غير ما موضع من كتابنا هذا انتهى. ونقل ابن سلمون في وثائقه في باب الاقرار كلام ابن رشد هذا، وذكر قبله مسألة من له دين على ميت وقسمت تركته بحضرته ولم يتكلم أن ذلك مسقط لحقه، وتقدم كلامه في كتاب التفليس عند قول المصنف: وإن ظهر دين وكلام ابن رشد في نوازل عيسى وكلام ابن فرحون والمتيطي: زاد ابن فرحون إثر كلامه المتقدم في باب التفليس مسألة: قال ابن القاسم فيمن سئل عند موته هل لاحد عندك شئ ؟ فقال: لا قيل له: ولا لامرأتك والمرأة ساكتة ولم تتكلم وهي تسمع فإنها تحلف أن حقها عليه يريد إلى الآن وتأخذه إن قامت لها به بينة ولا يضرها سكوتها من المذهب لابن راشد. ثم ذكر مسألة العتبية المذكورة هنا ولم ينقل كلام ابن رشد عليها ثم قال. فرع: وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل فلان الساكن في منزلك لم أسكنته ؟ فقال: أسكنته بالكراء والساكن يسمع ولا ينكر ولا يغير، ثم ادعى أن المنزل له فقال: لا يقطع سكوته دعواه إن أقام البينة أن المنزل له، ولا يحلف لانه يقول ظننت أنه يداعبه انتهى. ونقل ذلك ابن سلمون أيضا إثر كلامه المتقدم في باب التفليس وزاد بعده: وكتب شجرة إلى سحنون: رجل أوصى بعتق أمته وهي حاضرة ساكتة تسمع ولا تدعي الحرية، فلما مات الموصي قالت: إنها حرة فلا يصرها سكوتها انتهى. وذكر البرزلي في أوائل القسمة عن التونسي أنه إذا قسم بعض العقار وترك بعضه فلم يتكلم من له دين على ميت حين القسمة ثم تكلم بعد ذلك واعتذر بأنه إنما ترك الكلام لان بقية الربع لم يقسم أنه يقبل منه ذلك انتهى. مسألة: قال ابن سهل في أحكامه في مسائل الاقرار: إذا دفع وديعة لرسول بغير بينة ثم جاء ربها فأعلمه بذلك فسكت ثم طالبه، فإنه يحلف ما أمر فلانا بقبضه وما كان سكوته رضا بقبضه ثم يغرمه، ولو علم بذلك فقال للدافع كلم فلانا القابض يحتال لي في المال كان رضا بقبضه فليطلبه به والدافع برئ انتهى. وقال في النوادر في أواخر كتاب الوديعة في ترجمة المودع يأتيه من يذكر أن ربها أمره بأخذها فيدفعها إليه. قال محمد بن عبدوس في الذي قال للمودع بعثني ربها لآخذها منك فدفعها إليه، ثم اجتمع مع ربها فذكر له ذلك فسكت ثم طالبه بعد ذلك قال: يحلف أنه ما أمر فلانا بقبضها وما كان سكوته رضا بقبضه ثم يغرمه، ولو أن رب المال علم بقبض

    [ 230 ]
    القابض فجاء إلى المودع فقال له كلم فلانا القابض يحتال لي في المال فقال: هذا رضا بقبضه فليطلبه به ويبرأ الدافع قال: ولو طلبها ربها فجحد الدافع فقال ربها احلف ما أودعتك قال: يحلف له مالك على شئ قال أبو محمد: يريد على قول ابن الماجشون، ويعني أيضا أن الدافع أيقن بأمر رب الوديعة له انتهى. ص: (ولزم إن نوكر في ألف من ثمن خمر) ش: يريد ويحلف المقر له أنها ليست من ثمن خمر. نقله ابن عرفة عن كتاب ابن سحنون. ص: (أو عبد ولم أقبضه) ش: هذا قول ابن القاسم وسحنون وغيرهما. قال أصبغ: ولا يحلف البائع إلا أن يقوم عليه بحضرة البيع. نقله ابن عرفة أيضا وهو يؤخذ من فصل اختلاف المتبايعين. ص: (أو اتريت عبدا بألف ولم أقبضه) ش: فإن قيل: لم لم يقولوا بتبعيض الاقرار في هذه المسألة كما قيل به في مسألة له علي ألف من ثمن عبد ولم أقبضه ويعد قوله: ولم أقبضه ندما ؟ فالجواب على ما قال ابن عبد السلام أنا لا نسلم أن قوله: اشتريت عبدا بألف يوجب عمارة ذمته بالالف إلا بشرط القبض في البيع وهو لم يقر به، لكن قال في التوضيح: فيه بحث لا يخفى عليك انتهى. قلت: كأنه يشير والله أعلم إلى ما تقرر أن الضمان ينتقل في البيع الصحيح بالعقد ولا

    [ 231 ]
    يشترط القبض لكن قد تقدم أنه إذا تنازع المتايعان فيمن يبدأ بالتسليم أنه يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا. فهذا يقتضي أنه يقبل قوله في عدم القبض لانه يقول: من حق البائع أن يمتنع من تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه مني. وذكر ابن فرحون في الفصل الثاني من القسم السابع من الركن السادس أنه لو قال الشاهدان نشهد أن له عنده مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها منه، فقال ابن عبد الحكم: لا يقبل ذلك منهما ولا يلزمه اليمين حتى يقولا وقبض السلعة انتهى. ص: (أو أقررت بكذا وأنا صبي) ش: قال في العمدة: وإن أقر بالغا عاقلا أنه استهلك مالا في جنونه أو في صبوته لزمه، ومن ادعى عليه بأنه أقر بالغا فقال بل أقررت غير بالغ، فالقول قوله مع يمينه. قال القاضي أبو محمد: وأظن بعض أصحابنا جعل القول قول المدعي. ولو ادعى أنه أقر مجنونا ولم يعلم له سبق جنون فهل يقبل قوله أو قول المقر له روايتان. ولو قال لا أدري هل كنت بالغا أم لا، أو كنت عاقلا أم لا، لم يلزمه شئ. قال القاضي: وعلى القول المظنون يشبه أنه يلزمه انتهى. قلت: الظاهر أن يفرق بين الصبا والجنون، فإذا قال لا أدري أكنت صبيا أو بالغا لا يلزمه شئ حتى يثبت أنه بالغ، وإذا قال لا أدري أكنت بالغا عاقلا أم لا، لزمه لان الاصل العقل حتى يثبت انتفاؤه فتأمله. ص: (أو بقرض شكرا على الاصح) ش: كلام ابن غازي عليها حسن. ومفهوم قول المصنف بقرض أنه لو أقر بغير القرض على وجه الشكر يلزمه وهو

    [ 232 ]
    كذلك. قال ابن عرفة: قال ابن رشد: والشكر إنما هو معتبر في قضاء السلف لانه معروف يوجب شكرا، ولو أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه لم يصدق، ورواه ابن أبي أويس. وسواء قال كان عندي على وجه الشرك أو لا انتهى. وما ذكره عن ابن رشد في شرح المسألة الثالثة من سماع سحنون من كتاب المديان والتفليس وزاد فيه إذ ليس بموضع شكر على ما مضى القول فيه رسم توضأ من سماع عيسى، ويشير بذلك إلى ما قاله ابن القاسم فيمن أشهد رجلا أنه تقاضى من فلان مائة دينار كانت له عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه شئ، فقال المشهود له قد كذب إنما أسلفته المائة سلفا: إن القول قول المشهود له. قال ابن رشد: هذا مثل ما في آخر المديان منها. وما في رسم المكاتب من سماع يحيى من هذا الكتاب: إن من أقر بالاقتضاء لا يصدق في أنه اقتضاه من حق له وإن كان إقراره على وجه الشكر، وقال في كتاب الشهادات من المدونة: وفي سماع سحنون من هذا الكتاب: إن من أقر بسلف وادعى قضاءه على وجه الشكر لا يلزمه. والفرق بني القضاء والاقتضاء أن السلف معروف يلزمه شره لقوله تعالى: * (أن اشكر لي ولوالديك) * وقوله * (ولا تنسوا الفضل بينكم) * وقوله عليه الصلاة والسلام: من أزكت عليه يد رجل فليشكرها فحمل المقر على أنه إنما قصد إلى أداء ما تعين عليه من الشكر لفاعله لا إلى الاقرار على نفسه بوجوب السلف عليه إذ قد قضاه إياه على ما ذكر، وحسن القضاء واجب على من عليه حق أن يفعله، فلم يجب على المقتضى أن يشكره، فلما لم يجب ذلك عليه وجب أن لا يكون له تأثير في الدعوى، وهذا على أصل ابن القاسم، وعلى أصل أشهب في أنه لا يؤخذ بأكثر مما أقر به يكون القول قول المقتضي، وما قاله ابن الماجشون نص في هذه المسألة. انتهى مختصرا. ص: وقبل أجل مثله الخ) ش: ما ذكره ابن عرفة صحيح لا شك فيه، وما ذكره المصنف وابن الحاجب إنما يأتي على أصل الشافعية من أن الاصل في القرض الحلول والله أعلم

    [ 233 ]
    . ص: (إلا في غصب فقولان) ش: كذا ذكر القولين في التوضيح عن أشهب عدم لزوم الغصب، وعن ابن عبد الحكم اللزوم وكأنه لم يقف على المسألة في المدونة وهي في كتاب الغصب منها ونصها: من أقر أنه غصب هذا الخاتم ثم قال: وفصه لي، أو أقر لك بجبة ثم قال وبطانتها لي، أو أقر لك بدار وقال بناؤها لي لم يصدق إلا أن يكون كلامه نسقا انتهى. ونقل أبو الحسن عن أشهب نحو قول ابن عبد الحكم أنه لا يصدق، ونقل عن ابن القاسم في سماع أصبغ نحوه خلاف قوله في المدونة ثم قال: قول ابن رشد في السماع ضعيف وما في المدونة أصح وأولى. انتهى والله أعلم. ص: (كفى على الاحسن) ش: كلامه رحمه الله يقتضي أن الخلاف في قوله: له في هذا الدار حق وأما قوله: من هذا الدار حق فلا خلاف فيه وليس كذلك، فإن سحنونا اختلف قوله إذا قال له من هذه الدار حق أو في هذه الدار حق، فقال مرة يقبل تفسيره بما ذكر ثم رجع فقال لا يقبل ذلك منه. وقال ابن عبد الحكم: إن قال: من لم يقبل قوله وإن قال: في قبل والخلاف في قوله في وفي قوله: من لكن لما كان القول بقبول تفسيره في من إنما هو القول المرجوع عنه لم يلتفت إليه والله أعلم. وكأن المصنف رحمه الله رأى أن القول بقبول تفسيره إنما هو القول المرجوع عنه فصار كالعدم فلذلك لم يذكر الخلاف إلا في قوله في هذا الدار.

    [ 234 ]
    فرع: قال في النوادر في كتاب الاقرار في ترجمة من أقر لرجل بشاة في غنمه أو بعير في إبله: قال ابن عبد الحكم: ومن بيده صبرة قمح فقال إن لفلان منهج خمسين أردبا فلم يكن فيها إلا دون ذلك فجميعها للمقر له، وإن زادت على خمسين فالزيادة للمقر. ولو قال له من هذه الصبرة عشرة دنانير بيع له منها بعشرة دنانير وما بقي فللمقر، وإن لم يف ثمنها بالعشرة فليس له على المقر غير ذلك. وإن قال له من ثمنها عشرة دنانير سئل ما أراد، فإن أراد كان له من ثمنها إذا اشتريت سئل كم كان ثمنها فكان المقر له شريكا فيها بعشرة، وإن قال أردت من ثمنها إذا بيعت فهو كذلك، وإن طلبت منه اليمين حلف على ما يقول، فإن مات قبل أن يسأل فللمقر له الاقل من الوجهين والله الموفق انتهى. وقوله فكذلك أي فكالوجه الاول يباع له منها بعشرة دنانير. ص: (وسجن له) ش: أي للتفسير فيما يقبل فيه تفسيره على كل قول.

    [ 236 ]
    ص: (وجل المائة أو قربها أو نحوها الثلثان فأكثر بالاجتهاد) ش: هكذا قال سحنون في نوازله له من كتاب المديان والتفليس وقال ابن رشد بعد أن ذكر الخلاف في ذلك ما نصه: وهذا كله إنما يحتاج إليه في الميت الذي يتعذر سؤاله عن مراده، وأما المقر الحاضر فيسأل عن تفسير ما أراد ويصدق في جميع ذلك مع يمينه إن نازعه في ذلك المقر له إن ادعى أكثر مما أقر له به وحقق الدعوى في ذلك، وإما إن لم يحقق الدعوى فعلى قولين في إيجاب اليمين عليه

    [ 237 ]
    انتهى. وما قاله ظاهر إن فسره المقر بأكثر من النصف، وأما إن فسره بالنصف أو دونه فلا يقبل تفسيره والله أعلم. ص: (كأن حلف في غير الدعوى) ش: هذا جمع المصنف بين نقلي سحنون رحمه الله وفرق بينهما ابن عرفة بغير ذلك. ونص كلامه الشيخ عن ابن سحنون: من قال لفلان علي مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو حين يحلف أو مع يمينه أو في يمينه أو بعد يمينه، فحلف فلان على ذلك ونكل المقر فلا شئ عليه في إجماعنا. وقاله ابن عبد الحكم قائلا: وإن حلف مطلقا إن بطلاق أو عتق أو صدقة أو استحل ذلك أو إن كان يعلم ذلك أو إن أعارني دابته أو داره فأعاره ذلك أو إن شهد به على فلان فشهد، ولو قال إن حكم بها على فلان فتحاكما إليه فحكم بها عليه لزمه. ابن سحنون: من أنكر ما ادعى به عليه فقال له المدعي احلف وأنت برئ أو متى حلفت أو أنت برئ مع يمينك أو في يمينك فحلف فقد برئ، ولو قال له الطالب لا تحلف لم يكن له ذلك. وكذلك إن قال المطلوب للمدعي احلف وأنا أغرم لك فحلف لزمه ولا رجوع له عن قوله. ونوقض قول سحنون بعدم اللزوم في قوله: إن حلف فحلف بقوله احلف وأنا أغرم أنه يلزمه. ومثله قول حمالتها احلف أن الحق الذي تدعيه قبل أخي حق وأنا ضامن أنه يلزمه ولا رجوع له، ويلزمه ذلك إن حلف المطلوب وإن مات كان ذلك في ماله. ويجاب بأن يشرط لزوم الشئ إمكانه وهو غير ثابت في قوله: إن حلف وإخواته لما علم أن ملزومية الشئ للشئ لا تدل على إمكانه فلم يلزمه الاقرار لعدم إتيانه في لفظه بشرطه وهو الامكان، ولزمه ذلك في قوله: احلف لاتيانه بما يدل على ثبوت شرط اللزوم وهو الامكان لدلالة صيغة افعل عليه، لان كل مطلوب عادة

    [ 238 ]
    ممكن انتهى. وانظر المسألة في سماع أصبغ من كتاب الدعوى من العتبية. ص: (أو شهد فلان غير العدل) ش: مفهومه إن كان عدلا لزمه ما شهد به عليه بمجرد شهادته عليه فقط. والذي حصله ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات أنه إن قال ذلك على التبكيت لصاحبه والانزاه للشاهد عن الكذب، فلا اختلاف أنه لا يلزمه ما شهد به عليه، وإن لم يقل ذلك على وجه التبكيت ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يلزمه ما شهد به عليه كأن يحقق علم ما نازعه فيه خصمه من ذلك أو لا يحققه إلا أن يحكم عليه بشهادته مع شاهد آخر أو يمين المدعي، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وعيسى بن دينار. والثاني أنه يلزمه ما شهد به عليه كأن يحقق علم ما نازعه فيه خصمه من ذلك ولا يحققه ويؤخذ منه دون يمين المدعي وهو قول مطرف. والثالث أنه يلزمه إذا كان لا يحقق معرفة ما نازعه فيه خصمه ولا يلزمه إن كان يحقق معرفة ذلك. وهو قول ابن دينار وابن كنانة واختيار سحنون، وسواء كان الشاهد في هذا كله عدلا أو مسخوطا أو نصرانيا. وقد قيل: لا يلزم القضاء بشهادة النصراني بخلاف المسخوط. وإذا لم يتبين من صورة تراجعهما التبكيت من غير التبكيت فهو فيما نازعه فيه من قول قاله أو فعل فعله محمول على التبكيت حتى يتبين منه الرضا، والتزام الحكم به على نفسه على كل حال وفيما نازعه من حدود أرض أو دين على أبيه وما أشبه ذلك محمول على غير التبكيت حتى يتبين منه التبكيت. ولا اختلاف في أن له أن يرجع عن الرضا بقوله في جميع ذلك قبل أن يشهد، وذلك بخلاف الرضا بالتحكيم إذ لا يختلف في أنه ليس لواحد منهما أن ينزع بعد الحكم، ويختلف هل له الرجوع قبل الحكم انتهى. فعلم من هذا أن الشاهد إن كان عدلا لم يلزم ما شهد به بمجرد شهادته على الراجح من الاقوال الذي هو قول ابن القاسم، وإنما اقتصر المصنف على غير العدل لان شهادته لا تؤثر أصلا لاحدهما ولا مع شاهد آخر أو يمين، وأول كلامه في التوضيح يوهم أنه يلزم ما شهد به العدل بمجرد شهادته فإنه قال: ونص مالك في مسألة إن شهد على أنه لا يلزمه، وقيده ابن القاسم بما إذا لم يكن عدلا. وأما العدل فيقبل عليه يوهم أنه يلزم ما شهد به العدل ونحوه في

    [ 239 ]
    المجموعة انتهى. ويمكن حمل قوله فيقبل عليه أي تقبل شهادته عليه، وكان النوادر قريب من هذا فإنه لما نقل عن مالك أنه قال لا يلزمه ذلك قال ما نصه: قال ابن القاسم: لكن إن كان الشاهد عدلا قبل عليه. ونحوه في المجموعة عن ابن القاسم انتهى. والله أعلم. وانظر المسألة أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وفي نوازل أصبغ من كتاب الدعوى والصلح والتبكيت. قال في الصحاح: كالتقريع والتعنيف وبكته بالحجة أي غلبه انتهى. ص: (ولك أحد ثوبين عين الخ) ش: هذه المسألة في أول رسم من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وانظر هذه المسألة مع ما قال في النوادر في ترجمة من أقر بعدد من صنفين لم يذكركم من كل صنف. قال ابن المواز: وإذ قال المريض لفلان علي مائة دنانير ودراهم، فإن أمكن مسألته سئل والقول قوله ويجبر حتى يبين، فإن مات فورثته بمثابته يقرون بما شاؤا من كل صنف ويحلفون، فإن أنكر واعلم ذلك جعل على النصف من كل صنف بعد أيمان الورثة أنهم لا يعلمون له شيئا وبعد يمين المقر له أنه ليس حقه أقل من ذلك على البت لا

    [ 240 ]
    على العلم انتهى. ونقله ابن بطال في أحكامه في باب ما يلزم المقر في أواخر كتابه. ص: (وإن أبرأ فلانا مما له قبله أو من كل حق أو أبرأه برئ مطلقا ومن القذف والسرقة) ش: قال في النوادر في كتاب الاقرار في ترجمة الاقرار بالمجهول: ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه لا حق له قبل فلان فهو جائز عليه وفلان برئ في إجماعنا من كل قليل وكثير دينا أو وديعة أو عارية أو كفالة أو غصبا أو قرضا أو إجارة أو غير ذلك. ثم قال بعد أسطر من هذه الترجمة: وإن أقر أنه لا حق له قبل فلان ثم ادعى قبله قذفا أو سرقة فيها قطع وأقام بينة فلا يقبل ذلك إلا أن تقول البينة أنه جعله بعد البراءة، وإن أقر أنه لا حق له قبله فليس له أن يطلبه بقصاص ولاحد ولا أرش ولا كفالة بنفس ولا بمال ولا دين ولا مضاربة ولا شركة ولا ميراث ولا دار ولا أرض ولا رقيق ولا شئ من الاشياء من عروض وغيرها إلا ما يستأنف بعد البراءة في إجماعنا انتهى. وقال قبله: قال سحنون في بعض أقاويله: إذا قال فلان برئ من كل حق لي عليه أو قال مما لي عليه أو مما لي عنده أو قال لا حق لي قبله، فذلك كله سواء وهو برئ من كل شئ من أمانة أو ضمان. قال محمد: وأنا أستحسن قوله هو برئ من حقه قبله ولم يقل من جميع حقه، ثم قال أنا برئ من بعض حقي وبقي البعض، فلا يصدق والبراءة جائزة في إجماعنا في جميع حقه انتهى. وهو معنى ما أشار إليه المصنف. ومثل ذلك إذا قال وهذا آخر حق لي عليه. قال في النوادر من كتاب الاقضية: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع الدعاوى وأنه آخر كل حق له مطلب من جميع المعاملات ثم أراد أن يستحلفه بعد ذلك وادعى أنه قد غلط أو نسي فليس ذلك له، وكذلك إن شهد عليه بذكر حق مسمى. وفي الكتاب إنه لم يبق له عليه ولا قبله حق ولا عنده أو شهدوا له أنه لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا الكتاب، فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير ذلك، يريد مما قبل تاريخ الكتاب، وكذلك لو قال الذي أقر بالحق ليس هذا الذي أديت علي وغلطت في الحساب فليس له أن يحلف رب الحق على ذلك، ولو كان له ذلك ما نفعت البراءة ولا انقطعت المعاملة. تنبيهات: الاول: ذكر صاحب الطراز في ترجمة مبارأة الوصي عن اليتيمة ما يخالف ما نقله صاحب النواد والمؤلف ونصه: انظر لو انعقد بين شخصين أنه لم يبق لواحد منهما دعوى ولا حجة ولا يمين ولا علقة بوجه من الوجوه كلها قديمها وحديثها، ثم قام أحدهما على صاحبه بحق قبل تاريخ الاشهاد المذكور وثبت ببينة أنه يأخذه صاحبه به ولا يضره الاشهاد، لان ظاهر الاشهاد المذكور لم يقصدا فيه لاسقاط البينة. قاله ابن عتاب. قال البرزلي: فعلى هذا

    [ 241 ]
    يفتقر إلى ذكر إسقاط البينة الحاضرة والغائبة في السر والاعلان، ومن أقام منهما بينة فهي زور وإفك لا عمل عليها. انتهى من آخر مسائل الانكحة من مختصر البرزلي، وما قاله خلاف المشهور. انظر نوازل ابن الحا ج. الثاني: ظاهر كلام المؤلف بل صريحه، وظاهر كلام المازري الذي نقله ابن غازي أن الابراء يشمل الامانات وهي معينات، وفي كلام القرافي في الذخيرة ما يقتضي مخالفة ذلك ونصه في آخر كتاب الدعاوى تنبيه: الابراء من المعين لا يصح بخلاف الدين فلا يصح برأتك من داري التي تحت يدك لان الابراء الاسقاط، والمعين لا يسقط. نعم يصح فيه الهبة ونحوها انتهى. وهو كلام ظاهر في نفسه إلا أن المراد من قول القائل أبرأتك من داري التي تحت يدك أي أسقطت مطالبتي بها. ولا شك أن المطالبة تقتضي الاسقاط فالكلام على حذف مضاف فتأمله، مع أن ما ذكره القرافي خلاف ما صرح به ابن عبد السلام في أول كتاب الصلح من الاسقاط في المعين، وأن لفظ الابراء أعم منه لانه يطلق على المعين وغيره فراجعه وتأمله والله أعلم. الثالث: قول المؤلف: برئ مطلقا يحتمل أن يريد سواء كان الذي أبرأه منه معلوما أو مجهولا كما قال في باب الوكالة: وأبرأ وإن جهله الثلاثة. وفي المذهب مسائل لا يفسدها الجهل. وانظر كلام ابن رشد المشار إليه عند كلام المصنف في الوكالة. قال القرافي في باب الحمالة نظائر قال العبدي: يجوز المجهول في الحمالة والهبة. زاد غيره: الوصية والبراءة من المجهول والصلح والخلع والصداق في النكاح والصدقة والقراض والمساقاة والمغارسة فتكون إحدى عشرة مسألة. الرابع: ما ذكره ابن عرفة عن ابن رشد من أن لفظة عندي تقتضي الامانة ولفظه عليه تقتضي الذمة. نقل مثله في المسائل الملقوطة عن الغرناطي ونصه: ومن أقر لرجل أنه لا حق له عليه عنده برئ من الحقوق الواجبة من الضمانات والديون، وإن أقر أنه لا حق له عنده برئ من الضمانات والامانات. انتهى من وثائق أبي إسحاق الغرناطي. فروع: الاول: إذا عم المبارات بعد عقد الخلع فأفتى ابن رشد أنه راجع لجميع الدعاوى كلها مما تتعلق بالخلع أو بغيره، وأفتى غيره بأنه يرجع إلى أحكام الخلع خاصة. ذكره البرزلي في مسائل الخلع وهي في نوازل ابن رشد من مسائل الطلاق، وذكرتها في الباب الاول من كتاب الالتزام الذي ألفته. الثاني: قال البرزلي في أثناء مسائل الاقضية والشهادات ناقلا له عن تعليقة التونسي ما نصه وهو: أن رجلا قام بعقد استرعاء وطلب إثباته على رجل فقال هذا الرجل إنه ساقط عني بإشهاد هذا القائم على نفسه بقطع دعواه عني وأن كل بينة مسترعاة قديمة أو حديثة فهي

    [ 242 ]
    ساقطة، فقال القائم إني لم أفهم هذه الوثيقة المنعقدة يبني وبينك وهي معقودة على الكمال. جوابها: إن شهد بها فإنها تمضي على القائم فإن قوله لم أفهمها إبطال لها وتزوير لشهودها، وهذا باب عظيم إن فتح للخصام بطلت به حقوق كثيرة وبينات محققة، وسد هذا الباب واجب انتهى. ويشهد لما قاله مسائل متعددة من نوازل ابن رشد والله أعلم. الثالث: قال البرزلي في أواخر مسائل الوكالات مسألة: لا يجوز للوصي أن يبرئ عن المحجور البراءة العامة وإنما يبرئ عنه في المعينات، وكذلك المحجور يقرب رشده لا يبرئه إلا من المعينات ولا تنفعه المباراة العامة حتى يطول رشده كستة أشهر فأكثر. ونص عليه المتيطي. ومن هذا لا يبرئ القاضي الناظر في الاحباس المبارات العامة وإنما يبرئه من المعينات، وإبراؤه عموما جهل من القضاة. وقد رأيت ذلك لقاض يزعم المعرفة ولا يعلم صناعة القضاء، وكذلك رأيت تقديم قاض آخر لناظر في حبس معين وجعل بيده من ذلك النظر التام العام وجعله مصدقا في كل ما يتولى دخله وخرجه دون بينة لثقته بالقيام به. وهذا أيضا جهل لان أحوال الاحباس كأموال الايتام وقد قال تعالى: * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم) * يقول لئلا تضمنوا ويقول الآخر لئلا تحلفوا، فعلى كل حال لا يصرف الامر إليهم على حد ما يصرفه الانسان في مال نفسه إذ ليس له تصرف إلاعلى وجه النظر فهو محجور عن التصرف التام انتهى. ص: (فلا تقبل دعواه وإن بصك إلا ببينة أنه بعده) ش: قال في سماع أبي زيد من الشهادات: وسئل عن رجل أتى بشاهدين يشهدان أن هذا المدعي أقر عندنا منذ شهرين أن ليس له قبل فلان شئ ولا يدري الشاهدان اللذان شهدا على الحق قبل هؤلاء أم بعد. قال: أرى أن يقضي بشاهد المطلوب. ابن رشد: المعنى أن المطلوب أقر بالعشرين وادعى البراءة منها واستظهر على ما ادعاه بإقرار الطالب أنه لا شئ عنده، فالطالب يقول إنما أقررت قبل أن تجب العشرون، والمطلوب يقول إنما أقررت بعد وجوبها فقيل: القول قول المطلوب، وهو قول

    [ 243 ]
    ابن القاسم في هذه الرواية، لانه قوله يقضي بشاهدي المطلوب معناه يقضي بأن يكون القول قوله من أجل شهادة شاهديه. وقيل: القول قول الطالب وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وهذا إذا كانت بينهما مخالطة، ولو لم تكن بينهما مخالطة لكان القول قول المطلوب قولا واحدا، ولو كان له قبله حق قديم غير هذا لكان القول قول الطالب قولا واحدا بدليل ما في سماع أشهب من الوديعة. وجه الاول أنه لا يشهد أحد بأنه لا حق له عند من يكون له عنده حق. ووجه الثاني أن الدين وجب على الطالب بإقراره قلا يسقط إلا بيقين وهو الاظهر، وكذلك إذا أقر المطلوب بالعشرين وأتى ببراءة منها وقال هي التي أقررت بها وقال الطالب غيرها، يكون القول قول الطالب إن كان له قبله غيرها، والقول قول المطلوب إن لم يكن له غيرها قبله ولا بينهما مخالطة، ويختلف إن لم يكن له قبله حق وكانت بينهما مخالطة على القولين المذكورين. ولسحنون في نوازله من المديان ثالث في المسألة وهو تفرقته بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق العدد، أو ببراءات متفرقات وهو قول ضعيف. وأما إن كان المطلوب منكرا للعشرين التي قامت عليه البينة بها فلا إشكال، ولا اختلاف أن القول قول الطالب إذ لا تسقط بينة بأمر محتمل، وإنما تختلف إذا أتى ببينته أنه قضاه العشرين بعد الانكار وبالله التوفيق انتهى. وقول ابن نافع الذي أشار إليه ابن رشد في سماع يحيى هو في رسم الاقضية ونصه: وسألت ابن وهب عن الرجل يدعي عليه رجل بمائة دينار فيدعي المدعى عليه أنه قضاه مائة دينار وعشرين ويأتي على ذلك بالبينة ولا تشهد البينة على المائة الدينار بعينها أنها دخلت في المائة والعشرين، فيقول الطالب إنما لي عليك مائة دينار من ثمن عطر بعتكه وثبت له ذلك بالبينة أو بإقرار المشتري، فيقول له الطالب هات البينة أنك قضيتني ثمن العطر بعينه ويقول المشتري قضيتك مائة وعشرين ثمن العطر فيها، فهل يبرأ المطلوب بهذه الشهادة ؟ وسألت ابن القاسم عنها فقال: يحلف المدعى عليه بالله لقد دخلت المائة دينار ثمن العطر في المائة والعشرين التي قضاه، ثم لا شئ عليه. قال: ولقد بلغني عن بعض العلماء أنه سئل عن رجل ادعى على رجل بألف دينار وأتى بذكر حق فأتى المدعى عليه ببراءة من ألفي دينار قال: يحلف المدعى عليه ويبرأ وهذا أمر الناس عندنا. قال يحيى: وسألت ابن نافع عن ذلك فقال: إن كانت بينهما مخالطة معروفة وملابسة فالبينة على المطلوب أن المائة دينار ثمن العطر دخلت في المائة والعشرين وإلا غرم، لان المخالطة اتي جرت بينهما تدل على أنه قد عامله في غير العطر. قال ابن رشد: سقط جواب ابن وهب في أكثر الكتب وثبت في بعضها قال: نعم. فقوله مثل قول ابن القاسم ومثل ما حكي عن بعض العلماء، وأما قول ابن نافع فهو خلاف لهم إذ لا فرق في مذهبهم بين أن يكون بينهما مخالطة أو لا يكون القول عندهم قول المطلوب في الوجهين جميعا حتى يأتي الطالب بمن يشهد له أنه كان له عليه دين سواه. ولا

    [ 244 ]
    اختلاف إذا لم تكن بينهما مخالطة أن القول قول المطلوب ولا في أنه إذا علم أنه كان له عليه دين غيره في أن القول قول الطالب، وإنما الخلاف إذا كان بينهما مخالطة وملابسة انتهى. وله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من الكتاب المذكور نحو ذلك ونصه: وسئل عن رجل كان له على رجل حق منذ عشرين سنة فقام به عليه اليوم، فزعم الذي عليه الحق أنه قد قضاه فتأتي البينة أنه قد قضاه منذ تسع سنين أو نحوها، ويأتي صاحب الحق بالبينة أنه أقر له منذ سنين فبأي الشاهدين يؤخذ ؟ قال: يؤخذ بأحدثهما وهي الشهادة على الاقرار. قال ابن رشد: هذا كما قال إن الذي يوجبه الحكم أن يؤخذ بالشهادة على الاقرار لانه لما أقر له بالحق بعد أن قامت البينة على القضاء حمل على أن القضاء نما كان له من حق آخر قبله كما لو أقر أنه كان له قبله حق آخر فقضاه فادعى صاحب الحق أنه إنما كان ذلك لحق قديم، لكان القول قوله. ولو كان أقام البينة على القضاء فادعى صاحب الحق أن القضاء إنما كان ذلك لحق آخر كان له قبله وأنكر المطلوب أن يكون له قبله سوى هذا الذي قد قضاه، لكان القول قول المطلوب باتفاق وإن لم يكن بينهما مخالطة قديمة. واختلف إن كان بينهما مخالطة فقيل القول قول الطالب، وقيل القول قول المطلوب. ولسحنون في نوازله من كتاب المديان ثالث انتهى، فعلم من هذا الكلام أنه إذا كان القول قول المطلوب أو الطالب فذلك مع يمينه. ونص على ذلك أيضا في النوادر في كتاب الدعوى والصلح وهو بين. واتضح به أيضا قول ابن رشد المتقدم في مسألة كتاب الشهادات وهو قوله ولو كان له قبله حق قديم كان القول قول الطالب قولا واحدا وإن كان ذلك لا يدخل في مسألة قيام البينة بالبراءة بل إذا قامت البينة بالبراءة سقط كل ما كان قبلها ولو أقر به كما سيأتي في كلام ابن رشد إن شاء الله. وإنما ذلك في قيام البينة بالقضاء بشئ مخصوص فيدعي الطالب أن له عليه حقين، وأن الذي ادعاه وقامت له به البينة غير الذي شهدت بينة المطلوب بقضائه ويدعي المطلوب أنه قضاهما جميعا. فهذا هو الذي لا خلاق في أن القول قول الطالب يحلف ويأخذ حقه وهو بين أيضا. ونص كلام ابن رشد المشار إليه هو في أول رسم من كتاب المديان. وسمعت مالكا يقول في الشريكين يتحاسبان فيكتب أحدهما لصاحبه البراءة من آخر حق قبله، ثم جاء بذكر حق قبله لم يقع في أصل البراءة اسمه، فادعى صاحب البراءة أنه قد دخل هو وغيره. قال: يحلف بالله لقد دخل في حسابنا ويبرأ منه لان القوم إذا تحاسبوا دخل أشباه هذا بينهم، فلو كان من جاء منهم بعد ذلك بذكر حق فيه شهداء أخذ بما فيه لم يتحاسبوا ليبرأ بعضهم من تباعة بعض. قال ابن رشد: هذا بين لا إشكال فيه ولا اختلاف، لان ذكر الحق الذي قام به الطالب قبل البراءة، وإذا كان قبلها فالقول قول المطلوب أنه قد دخل في البراءة لان الحقوق إذا كانت بتواريخ مختلفة، فالبراءة من شئ منها دليل على البراءة مما قبله، وهذا من نحو قولهم فيمن أكرى دارا مشاهرة أو مساناة إن دفع كراء شهر أو

    [ 245 ]
    سنة براءة للدافع مما قبل ذلك. ومثل ما في رسم الاقضية من سماع أشهب في التخيير والتمليك في الذي يبارئ امرأته وهي حامل على أن تكفيه مؤنة الرضاع ثم تطلبه بنفقة الحمل فقال: لا شئ عليه لانه يعرف أنه لم يكن يمنعها الرضاع أو يعطيها هذا. وإنما الاختلاف إذا قام بذكر حق فزعم أنه بعد البراءة وزعم المطلوب أنه قبل البراءة وأنه دخل فيها وذلك على ثلاثة أقوال. مضى تحصيلها في سماع أبي زيد من الشهادات انتهى. تنبيه: إنما يلزم المطلوب اليمين إذا حقق الطالب الدعوى وأنها بعد البراءة، ولو قال لا أعلم كانت اليمين يمين تهمة وتجري على أيمان التهم. قال في الرسم الثاني من كتاب المديان أيضا: وسئل مالك عمن كان له على رجل دين فقضاه واكتتب منه براءة فيها وهو آخر حق كان له عليه، فيأتيه بعد ذلك بذكر حق لا يعلم أكان قبل البراءة أو بعدها. قال: أرى براءته من ذلك أن يحلف لقد دخل هذا الذكر الحق في هذه البراءة ويبرأ من ذلك، ولعله أن يأتي بذلك عليه بعد موته فلا يكون له ذلك. قال ابن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الطالب لما أتى بذكر الحق أشكل، أكان قبل البراءة أو بعدها، إما لكونهما مؤرخين بشهر واحد أو عاريين من التاريخ أو أحدهما، ووقع قوله: لا يعلم أكان قبل البراءة معرى من الضبط، فإن كان أراد أن الطالب لا يعلم أكان ذكر الحق الذي قام به قبل أو بعد فإيجابه اليمين على المطلوب لقد دخل هذا الذكر الحق في هذه البراءة مختلف فيه لانها يمين تهمة من غير تحقق دعوى، فيجري على الخلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة وصرفها. وإن كان أراد أن الطالب ادعى أن ذكر حقه الذي قام به بعد البراءة و حقق الدعوى بذلك ولم يعلم صحة قوله لالتباس التواريخ، فلا اختلاف ولا إشكال في لحوق اليمين ولا في وجوب صرفها إلا أنه اختلف هل يكون القول قول الطالب أو المطلوب انتهى. ونص ما لسحنون في نوازله الذي أشار إليه ابن رشد قيل له: أرأيت إن أتى بذكر حق له على رجل فيه ألف دينار فأتى المشهود عليه ببراءة ألفي دينار يزعم أن تلك الالف دخلت في هذه المحاسبة والقضاء. قال: يحلف ويبرأ. قيل له: فإن أتى ببراءات متفرقة إذا اجتمعت مع الذكر الحق أو الذكورات الحق كانت أكثر أو أقل وليس شئ من ذلك منسوبا أنه من الذكورات الحق ولا غير ذلك. فقال: إذا كانت البراءات متفرقة وليس واحد منها إذا انفردت فيها جميع هذه الذكورات الحق أو الذكر الحق فإني لا أراها براءة مما ثبت قبله، وإن كان في واحد منها جميع هذا الحق وصارت بقية البراءات زيادة على ما ثبت قبله فإني أرى أن يحلف ويبرأ. قال ابن رشد: تفرقة سحنون هذه ضعيفة لا وجه لها لان الحق يقضى مجتمعا ومتفرقا شيئا بعد شئ. وقد روى ابنه أنه رجع إلى أن يبرأ بالبراءات المتفرفة، وإن كان ليس في واحدة منها إذا انفردت كفافا بالذكر الحق، ولو قيل إنه إن كان البراءة أو البراءات إذا اجتمعت أكثر من ذكر الحق لم تكن براءة لكان لذلك وجه بأن يقال: المعنى في ذلك أن المطلوب أنكر المخالطة وزعم أنه لم يبايعه سوى هذه المبايعة التي فيها ذكر

    [ 246 ]
    الحق وادعاها الطالب، فإذا لم يكن في البراءة الواحدة أو البراءات أكثر من ذكر الحق لم يكن للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة، فوجب أن يحلف المطلوب أنه لم يكن له سوى ذكر الحق وتكون البراءة أو البراءات براءة له منه وإن كان في البراءة الواحدة أو البراآت زيادة على ذكر الحق كان في ذلك للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة وأنه عامله غير هذه المعاملة، فوجب أن يحلف الطالب أنه قد عامله فيما سوى هذا الحق، وأن البراءة أو البراءات التي استظهر بها المطلوب إنما هي من ذلك فلا يكون شئ من ذلك براءة للمطلوب من ذكر الحق انتهى. وهذا إذا لم يكن في البراءة المتأخرة أنه لم يبق له قبله حق وأن هذا آخر حق له قبله، فإن كان فيها ذلك كان القول قول المطلوب بيمين إن لم يعلم التاريخ على قول ابن القاسم، ودون يمين إن كان ذكر الحق الذي بيد الطالب تاريخه مقدما على تاريخ البراءة التي فيها ذلك بلا خلاف كما تقدم. وقال في رسم الكراء والاقضية من سماع أصبغ وسمعت ابن القاسم: وسئل عن الرجل يأتي بذكر حق فيه شهود على رجل بمائة دينار ويأتي المطلو ب ببراءة دفعها إليه لا يدري شهودها، أكانت قبل ذلك الذكر بحق أو بعده ليس فيه تاريخ. قال: يحلف ويبرأ يعني صاحب البراءة. قلت: يعني يحلف أنه قضاء لذلك الحق ويبرأ. وقاله أصبغ. وهذا هو القضاء وصوابه، ولا يجعل له مالين كما لو كان للحق تاريخ والبراءة بعده بمال دفعه وادعى صاحب الحق أنه غيره لم يقبل قوله الآخر لانه هو برئ. وسئل عن رجل أتى بذكر حق على رجل فيه ألف دينار، فأتى المشهود عليه ببراءته بألفي دينار، فزعم أن تلك الالف دخلت في هذه المحاسبة والقضاء، وأتى ببراءات متفرقة إذا اجتمعت استوت مع الذكر الحق أو الذكورات الحق أو كانت أكثر أو أقل. وليس من ذلك شئ منسوب ليس فيه شئ يشبه أن يكون من الذكورات الحق ولا غير ذلك ويقول في الاكثر قد دخل فيه عند الحساب والقضاء مع غيره، فرأى ذلك كله سواء وأنه له براءة ويحلف في ذلك إن ادعى الآخر غير ذلك. وقاله لفظا ثابتا ويتم له بقية الذكورات إذا كانت البراءات أقل من ذلك. قال: وهو أحب إلي وهو الذي أرى واستحسن. قال أصبغ: رددتها عليه مرة بعد مرة فثبت على ذلك. قال أصبغ: كله باب واحد وهو كالطلاق وللطلاق تفسير. قال ابن رشد: مساواته في هذه الروايات بين أن تكون البراءة الواحدة أو البراءات أقل من ذكر الحق أو أكثر فإنها براءة للمطلوب هو المشهور في المذهب الاظهر من الاقوال، وقد قيل: إنها لا تكون له براءة، وهو قول ابن نافع في سماع يحيى من الدعوى والصلح وذلك إذا كانت بينهما مخالطة، وأما إن لم تكن بينهما مخالطة فلا اختلاف في أنها تكون له براءة انتهى. ثم تكلم على قوله: وهو كالطلاق الخ ونقلت كلامه في باب الرجعة فراجعه، واستظهار ابن رشد هنا للقول الاول خلاف ما تقدم له في سماع أبي زيد من الشهادات من استظهار قول ابن نافع، فلعله رجع إلى استظهار القول الاول لان كلامه هنا

    [ 247 ]
    متأخر عن ذلك، وصرح هنا بأن الاول هو المشهور. وما أشار إليه ابن رشد في كلامه المتقدم في سماع أشهب من الوديعة هو في رسم الاقضية ونصه: وسئل مالك فقيل له: كانت لي عند رجل ثلاثة وعشرون دينارا وديعة فكنت آخذ منه الشئ بعد الشئ حتى بقيت لي عنده ثمانية عشر، فسألته إياها فقال دفعتها في بعض حاجتي ولكن اكتبها علي فكتبتها عليه بالشهود والبينة مؤرخة، فغبت ثم رجعت فتقاضيته إياها فجاء ببراءة مكتوب فيها براءة لفلان بن فلان من أربعة دنانير ليست الاربعة مؤرخة ولا منسوبة من الثمانية عشر ولا من الثلاثة والعشرين، فهو يقول من الثمانية عشر وأقول من الثلاثة والعشرين التي كانت لي عليك قبل أن أكتب عليك الثمانية عشر فقال: أيقر لك بأنه قد كان لك عليه ثلاثة وعشرون ؟ فقال: لا. فأطرق طويلا ثم قال: إن أقمت البينة أنه قد كانت عليه ثلاثة وعشرون دينارا حلفت بالله ما هذه البراءة من الثمانية عشر وكانت له عليه. ابن رشد: وهذا كما قاله إنه إذا أقر أنه كانت له عليه ثلاثة وعشرون أو أقام عليه بذلك البينة كان القول قوله أن البراءة ليست من الثمانية عشر وأنها من الثلاثة والعشرين، ولو لم يقر بذلك ولا قامت عليه به بينة لكان القول قول المطلوب أنها من الثمانية عشر باتفاق إن لم يكن بينهما مخالطة. وقال في النوادر في كتاب الاقرار في الترجمة التي بعد ترجمة الاقرار بالمجهول: قال ابن المواز: وإذا دفع إليه خمسين دينارا وكتب له أن ذلك آخر حق له قبله ثم قام عليه بحق، فقال هو بعد البراءة وقال الآخر قبلها، فكلما أشكل من هذا أهو قبل البراءة أم بعدها فلا يقضى به، وكذلك لو أخرج هذا ذكر حق لا تاريخ فيه وبيد الآخر براءة لا تاريخ فيها فالبراءة أحق، وإن كان في أحدهما تاريخ حكم بالذي فيه التاريخ وبطل الآخر انتهى والله أعلم. فتحصل من هذه النصوص أنه إن كان الحق الذي يقوم به قبل تاريخ البراءة فلا اختلاف أن القول قول المطلوب بأنه دخل في البراءة كما قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب المديان وفي غير موضع. وظاهر كلامه أيضا أنه لا يلزمه يمين ولو ادعى عليه أنه نسيه أو غلط كما تقدم عن النوادر. ونقل ابن بطال في باب جامع في الايمان من مقنعه كلام النوادر برمته وقبله، ورأيته مكتوبا على هامش نسخته التي بيده ما صورته في هذا خلاف في لحوق اليمين وبلحوقها العمل، انظر نوازل ابن الحاج والمفيد والفتحونية فانظره. وما ذكره ابن رشد والمصنف من أنه لا يقبل دعواه بعد البراءة هو المعروف من المذهب، وما ذكره ابن عات في ترجمة مبارأة الوصي فهو بعيد. وأما إن كان الحق الذي يقوم به لم يتحقق أنه بعد تاريخ البراءة بل أشكل أمره، أكان قبلها أو بعدها، إما لكونهما مؤرخين بشهر واحد، أو عاريين من التاريخ، أو أحدهما مؤرخ والآخر غير مؤرخ، فلا يخلو إما أن يتحقق الطالب أنه بعد البراءة، أو يقول لا علم لي فإن حقق أنه بعد البراءة ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن القول قول المطلوب مع يمينه، وهو قول ابن القاسم في المدونة وابن وهب وغيرهما. قال ابن رشد في رسم الكراء والاقضية من كتاب المديان: وهو المشهور

    [ 248 ]
    في المذهب والاظهر من الاقوال كما تقدم. والثاني أن القول قول الطالب مع يمينه، وهو قول ابن نافع واستظهره ابن رشد أيضا في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات كما تقدم أيضا. والثالث تفرقة سحنون بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق جميع العدد فيكون القول قول المطلوب، أو يأتي ببراءات متفرقة إذا جمعت كانت مثل الحق أو أكثر أو أقل فلا يبرأ. قال ابن رشد في نوازل سحنون: وهذه تفرقة ضعيفة لا وجه لها كما تقدم أيضا. وهذا إذا كانت بينهما مخالطة، وأما إذا لم يكن بينهما مخالطة فالقول قول المطلوب قولا واحدا. قاله ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات كما تقدم، وأما إن لم يحق الطالب أن الحق الذي قام به بعد البراءة، وإنما قال لا علم لي، فالقول قول المطلوب ولم يحك ابن رشد فيه خلافا كما تقدم، وإنما حكى الخلاف في وجوب اليمين عليه وإجرائه على الخلاف في يمين التهمة قاله في الرسم الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب المديان. تنبيهان: الاول: علم مما تقدم أن قول المصنف: لا تقبل دعواه وإن بصك شامل لما علم أنه قبل تاريخ البراءة ولما جهل وأن القول في ذلك قول المطلوب، يريد مع يمينه إذا جهل التاريخ كما صرح به ابن رشد في الرسم الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب المديان. وفي رسم الاقضية من سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح وغيرهما. وأما إذا علم أنه قبل تاريخ البراءة ففي لحوق اليمين ما تقدم عن النوادر وابن رشد وما رأيته على هامش النسخة التي من كتاب ابن بطال. الثاني: ذكر ابن غازي رحمه الله استظهار ابن رشد لقول ابن نافع فقط ولم يذكر تشهيره للقول الذي مشى عليه المؤلف واستظهاره إياه مع أنه قول ابن القاسم وابن وهب وغيرهما فلذلك اعتمده المصنف وكأن ابن غازي لم يقف على الكلام الثاني والله أعلم. الاستلحاق قال ابن عرفة: هو ادعاء المدعي أنه أب لغيره فيخرج قوله هذا أبي وهذا أبو فلان انتهى. ص: (فصل إنما يستلحق الاب مجهول النسب) ش: أتى بأداة الحصر لينبه أن

    [ 249 ]
    الاستلحاق لا يصح إلا من الاب فقط وهذا هو المشهور. وحكى الباجي وغيره عن أشهب أن الجد يستلحق، وتأوله ابن رشد بما سيأتي فإنه قال في المسألة الثاني من نوازل أصبغ من كتاب الاستلحاق، قلت: فإن استلحق ولد ولد فقال هذا ابن ابني وابنه ميت، هل يلحق به إذا كان له وارث معروف كما يلحق به ابنه لصلبه ؟ قال: لا لان ولد الولد هذا بمنزلة الاخ والعصبة ولا ولي لا يجوز استلحاقه إذا كان له وارث معروف، وذلك أن ابنه لو كان حيا فأنكر أن يكون ابنه لم يكن للجد أن يستلحقه ابن رشد: هذا كما قال إنه لا يجوز للرجل أن يلحق بولده ولدا هو له منكر. وقيل: إذا استلحق الجد ولد ولده لحق به. حكاه التونسي وليس بصحيح إلا على ما يذكره. فإن قال هذا ابن ولدي أو ولد ابني لم يصدق، وإن قال أبو هذا ابني أو والد هذا ابني صدق. والاصل في هذا أن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولد بفراشه لا في إلحاقه بفراش غيره، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه اه‍. ونحوه في نوازل سحنون ونقله ابن عرفة وزاد بعده: قلت: قال الباجي: قال مالك في كتاب ابن سحنون: لا يصح استلحاق الجد ولا يصح إلا من الاب. سحنون: ما علمت فيه خلافا، وقال أشهب: يستلحق الاب والجد انتهى. ونقل كلام الباجي كالمنكت به على ابن رشد. وخرج بأداة الحصر استلحاق الام. قال ابن عرفة: واستلحاق الام لغو. وفي نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق في رجل له امرأة وله ولد فتزعم المرأة أن الغلام ولدها من زوج غيره، ويزعم الرجل أن الغلام ولده من امرأة غيرها، أنه يلحق بالزوج ولا يقبل قول المرأة. ابن رشد: لا اختلاف أعلمه أن المرأة لا يجوز لها استلحاق ولدها بخلاف الاب، لان الولد ينتسب إلى أبيه لا إلى أمه، ولولا ما أحكم الشرع لكان نسبته إلى أمه أولى لانها أخص به من أبيه لانهما اشتركا في الماء واختصت بالحمل والوضع انتهى. وقال ابن عرفة: وفي القذف منها إن نظرت امرأة إلى رجل وقالت ابني ومثله يولد لها وصدقها لم يثبت نسبه منها إذ ليس هنا أب يلحق به، وفي الولاء منها إن جاءت امرأة بغلام مفصول ادعت أنه ولدها لم يلحق بها في ميراث ولا يحد من افترى عليها به انتهى. وقول مجهول

    [ 250 ]
    النسب هو أيضا مما دخلت عليه أداة الحصر أي إنما يصح استلحاق الاب ولدا مجهول النسب، أما من كان نسبه معلوما فلا يصح استلحاقه. قال في كتاب أمهات الاولاد من المدونة: ومما يعرف به كذبه أن يكون لهم أب معروف أو هم من المحمولين من بلد يعلم أنه لم يدخله قط كالزنج والصقالبة، أو تقوم بينة أن أم هذا الصبي لم تزل زوجة لغير هذا المدعي حتى ماتت. فإن قالوا لم تزل ملكا لغيره فلا أدري ما هذا ولعله تزوجها انتهى. قال في تهذيب الطالب: قال بعض أشياخنا: إذا قامت بينة أن أم الصبي لم تزل زوجة لفلان وجب الحد على هذا المدعي، وكذلك عن بعض شيوخنا إذا عرف للولد نسب وادعاه رجل أنه يحد المدعي، وكأنه نفاه من نسبه وفي هذا عندي نظر انتهى. وقال أبو الحسن في المسألة التي قامت البينة إنها لم تزل زوجة لغيره ويحد حد القذف لانه نفاه من نسبه انتهى. وهو ظاهر. تنبيه: ثم قال في المدونة: وإن استلحق محمولا من بلدة دخلها لحق به، وهذا ينبني على أمر اختلف فيه هل يعتبر شرطا في الاستلحاق أم لا، وهو أن يعلم تقدم ملك أم هذا الولد أو نكاحها لهذا المقر. قال سحنون: يعتبر. قال ابن عبد السلام: وهو قول لابن القاسم، والمشهور أن ذلك لا يعتبر وهو ظاهر ما في المدونة وهو الاظهر في النظر، لانهم اعتبروا في هذا الباب الامكان وحده ما لم يقم دليل على كذب المقر. انتهى كلام ابن عبد السلام. وقال أبو الحسن في قوله في المدونة من بلد يعلم أنه لم يدخله قط في بعض الروايات لا يعلم أنه دخله قط. وعليها اختصرها ابن يونس. فعلى رواية البراذعي يكون محمولا على الصدق مع الاشكال، وعلى رواية ابن يونس يكون محمولا على غير الصدق والله أعلم. قلت: وكلامه في المدونة صريح في أنه لا يشترط علم ذلك. قال فيها: ومن استلحق ولدا لا يعرف له نسب لحق به وإن لم يعرف أنه ملك أمه بشراء أو نكاح، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته لحقا به إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله فلا يلحق به. ثم قال: ومما يعرف به كذبه أن يكون له أب معروف الخ ما تقدم. فحاصله أن سحنونا يشترط علم تقدم النكاح أو التسري، وابن القاسم لا يشترطه. أما لو فرض أنه علم أنه لم يقع منه نكاح ولا تسر أبدا لم يلحق به، وهذا داخل في قول المؤلف لم يكذبه العقل لان من علم منه عدمهما يستحيل منه الولد عقلا لكن العلم بعدم النكاح والتسري عسير والله أعلم. ص: (ولم يكن رقا لمكذبه أو

    [ 251 ]
    مولى لكنه يلحق به) ش: كذا في النسخ التي رأيناها وهو كلام متدافع لان أول الكلام يقتضي أن شرط الاستلحاق أن. لا يكون المستلحق رقا لم يكذب المستلحق أو مولى له، وأنه إن كان كذلك لم يصح الاستلحاق. وقوله آخر لكنه لا يلحق به مناقض فلا يصح حمله على قول ابن القاسم في المدونة وعلى قول أشهب. قال ابن القاسم في المدونة في كتاب أمهات الاولاد: ومن استلحق صبيا في ملك غيره وبعد أن أعتقه غيره لم يصدق إذا كذبه الحائز لرقه وولائه ولا يرثه إلا بينته تثبت. أبو الحسن: هذا هو الوجه الثالث لابن يونس ويشير إلى قول ابن يونس استحقاق الولد عند ابن القاسم على ثلاثة وجوه: وهو أن يستلحق ولدا ولد عنده من أمته أو ولد له بعد أن باعها بمثل ما تلحق فيه الانساب ولم يطلبه المبتاع ولا زوج ولا تبين كذبه، فهذا يلحق به بلا خلاف. والثاني أن يستلحق ولدا لم يولد عنده ولا علم أنه ملك أمه بشراء ولا نكاح، فهذا يلحق به عند ابن القاسم إذا لم يتبين كذبه، ولا يلحق به عند سحنون. والثالث أن يستلحق ولدا ولد في ملك غيره أو بعده أن أعتقه غيره، فهذا لا يلحق به عند ابن القاسم. وقال أشهب: يلحق به ويكون ابنا له ومولى لمن أعتقه أو عبدا لمن ملكه انتهى. والصواب حذف قول المصنف لكنه يلحق به ليكون جاريا على قول ابن القاسم في المدونة. أو عدم اشتراط ما ذكر وأن يلحق بمن اسلتحقه مع بقاء رقه وولائه لحائزهما ليكون

    [ 252 ]
    جاريا على قول أشهب كما نقله ابن يونس عنه، بل وقع لابن القاسم أيضا في أول سماع عيسى من كتاب الاستلحاق نحوه. وقال ابن رشد: هو الصحيح إذ لا يمتنع أن يكون ولدا للمقر به المستلحق له وعبدا للذي هو في يده. وقال: إنه خلاف ما في كتاب أمهات الاولاد من المدونة. ونص كلامه: قال عيسى: قال ابن القاسم في القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة ويستلحقون أولادا من زنا قال: إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم أحد لفراشه فإنهم يلحقون به. وقد ناط عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ولد في الجاهلية ممن ادعاهم في الاسلام إلا أن يدعيه زوج الحرة أو سيد الامة لانه قد قال رسول الله (ص) الولد للفراش وللعاهر والحجر فإذا ادعاه مع سيد الامة أو زوج الحرة فهو أحق. قلت: والنصارى يسلمون فيدعون أولادا من زنا كانوا في نصرانيتهم قال: يلحقون بهم لانهم يستحلون في دينهم الزنا وغيره. قلت: فإن استلحق رجل منهم ولد أمة مسلم أو نصراني قال: إذا ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولدها ورثته. قال محمد ابن رشد: قوله في أول هذه المسألة قال إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم لفراش فهم ولده يدل على أنهم إذا كانوا عبيدا لا يلحقون به وإن لم يدعهم أحد لفراش، وقد وقع مثل هذا في كتاب أمهات الاولاد من المدونة وهو خلاف قوله في آخر المسألة إذا ألحقه فإن أعتقه يوما ما كان ولده وورثه. وهذا الذي قاله في آخر المسألة هو الصحيح إذ لا يمتنع أن يكون ولدا للمقر به المستلحق له وعبدا للذي هو في يده. وقوله: إذا ألحقه به فإن اعتق. الخ يجوز أن يكون في اللفظ تقديم وتأخير، وحقيقته إذا ألحق به ويكون ولده، فإن عتق يوما ورثه وبالله التوفيق. انتهى بلفظه. وفي قوله: لانهم يستحلون في دينهم الزنا ليل على أنه لو كان ممن لا يستحلون الزنا لا يلحق بهم وهو كذلك، وقد نقله ابن عرفة إثر هذه المسألة ونصه أبو عمر: كان عمر ينيط أولاد الجاهلية بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش لان أكثر فعل الجاهلية كان كذلك، وأما اليوم في الاسلام فلا يلحق ولد الزنا بمدعيه عند أحد من العلماء كان هناك فراش أملا. الباجي: كان النكاح في الجاهلية على أربعة أضرب: الاول الاستبضاع وهو أن يعجب الرجل نجابة الرجل وسلبه فيأمر من تكون له من أمة أو حرة أن تبيح له نفسها، فإذا حملت منه رجع هو إلى وطئها حرصا على (النجابة وهذه)

    [ 253 ]
    الطريقة هي التي مال إليها ابن حيث قال: الذي يفيده كلام الائمة أن الخلاف إنما هو في النطق لا في نجابة الولد. والثاني أن تكون المرأة لا زوج لها فيغشاها جماعة فإذا حملت دعتهم وقالت لاحدهم هذا منك فيلحق به ولا يمكنه الامتناع. والثالث البغايا كن يجعلن الرايات على مواضعهن فيغشاها من شاء، فإن استمر بها حمل قالت لاحدهم هو منك فيلحق به. والرابع النكاح الصحيح أبطل الاسلا الثلاثة المتقدمة انتهى. تنبيه: لم يشرح الشارحان قول المؤلف لكنه يلحق به، وأما ابن غازي فقال: ظاهر هذا الاستدراك أنه يلحق به مع بقاء رقه أو ولائه لحائزهما، وهذا لا يقوله ابن القاسم هنا وإنما نسبه ابن يونس لاشهب ثم ذكر كلامه المتقدم ثم قال: نعم قال ابن القاسم نحو هذا في المدونة في المسألة الآتية فيمن ابتاع أمة فولدت عنده فادعى البائع بعد عتق المبتاع الام والولد قال: هناك ألحقت به نسب الولد ولم أزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما. قال أبو الحسن الصغير: الفرق بينهما أنه في الاول لم يملك أمه فليس معه قرينة تصدقه بخلاف هذه، وفي بعض نسخ هذا المختصر فإنه لا يلحق به وهو كالحشو اه‍. ص: (وفيها أيضا يصدق وإن أعتقه مشتريه إن لم يستدل على كذبه) ش: قال في المدونة بعد نصها المتقدم في المسألة الاولى: قيل لابن القاسم في باب آخر: أرأيت من باع صبيا ولد عنده فأعتقه المبتاع ثم استلحقه البائع، أتقبل دعواه وينقض البيع فيه والعتق ؟ قال: إن لم يتبين كذب البائع فالقول قوله. قال ابن يونس: قال سحنون: هذه المسألة أعدل قوله في هذا الاصل انتهى. فظاهر هذا أنه مخالف لنصها المتقدم أي في أمهات الاولاد في قولها ومن استلحق صبيا في ملك غيره وبعد أن أعتقه غيره الخ. وكلام المصنف يقتضي أنه حمله على الخلاف وهو المفهوم من كلام ابن عرفة فإنه قال: ولو استلحقه بائعه بعد أن أعتقه مشتريه فقال ابن القاسم في أول الباب: إن كذبه من أعتقه لم يصدق. وقال بعده: إن لم يتبين كذب البائع قبل قوله وهو قول غيره وهو أشهب ورجحه سحنون وقال: هو أعدل قوله انتهى. وفرق أبو الحسن بينهما بأنه في الاولى لم يملك أمه فليس معه قرينة تصدقه بخلاف هذا اه‍. وهذه التفرقة غير ظاهرة لما سيأتي، ولو فرق بينهما بأن الاولى لم يدخل العبد في ملكه والثانية كان في ملكه كان أبين، فإن جميع المسائل الآتية التي قال فيها في المدونة أنه يلحق به كان العبد أو أمه في ملكه فتأمله. والظاهر حمله على الخلاف

    [ 254 ]
    وهو المفهوم من كلام الرجراجي، والقول الثاني هو الظاهر وهو الموافق لما سيأتي من كلام المصنف وهو المأخوذ من أكثر مسائل المدونة قال فيها: ومن باع صبيا ولد عنده أو لم يولد عنده ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق به ورد الثمن إلا أن يتبين كذبه اه‍. فظاهر هذا سواء ملك أمه أو لا. وهذه المسألة هي التي أشار المصنف إليها بقوله أو باع ونقض. ثم قال فيها: ومن ابتاع أمة فولدت عنده ما بينه وبين أربع سنين ولم يدعه فادعاه البائع فإنه يلحق به ويرد البيع وتعود أم ولد له إن لم يتهم فيها، وإن ادعاه بعد عتق المبتاع للام والولد ألحقت به نسب الولد، ولم أزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما ويرد البائع الثمن، وكذلك إن استلحقه بعد موتهما. ولو عتقت الام خاصة لم أقبل قوله فيها وقبلته في الولد ولحق به ورد الثمن لاقراره أنه ثمن أم الولد، ولو كان الولد خاصة هو المعتق لثبت الولاء لمعتقه وألحقت الولد بمستلحقه وأخذ الام إن لم يتهم فيها لدناءتها ورد الثمن، وإن اتهم فيها لم ترد إليه. وكذلك الجواب إذا باع الامة وهي حامل فولدت عند المبتاع فيما ذكرنا انتهى. وهذه المسألة هي التي أشار إليها المصنف بقوله وإن باعها فولدت فاستلحقه الخ. وهو قول المصنف ولحق به الولد مطلقا أي سواء أعتق الام والولد أو لم يعتقهما أو أعتق أحدهما دون الآخر إلا أن قوله في المدونة في هذه المسألة ألحقنا به نسب الولد ولم أزل عن البائع ما ثبت له من ولائهما خلاف قوله في المسألة الاولى أنه ينقض البيع والعتق، فتحصل من هذا أنه إذا استلحق من هو في ملك غيره أو ولائه، هل يصدق ويلحق به أو لا ؟ قولان. وعلى القول بتصديقه وهو الظاهر فإن كان المستلحق من ملك غيره لم يدخل في ملكه فإنه يبقى في ملك مالكه كما تقدم عن ابن رشد في سماع عيسى، وإن كان هو البائع له فإنه يلحق به وينقض البيع إن كان المشتري لم يعتقه، وإن أعتقه المشتري فهل ينقض البيع والعتق أولا ؟ قولان. ويظهر من كلام ابن رشد ترجيح القول بنقض البيع والعتق فإنه قال في آخر نوازل سحنون: وإذا استلحق الولد الذي باع أمه وكان ولد عنده ولم يكن له نسب وهو حي، فلا اختلاف أنه يحلق به ويفسخ البيع فيه ويرد إليه ولد أو أمة أو أم ولدوإن كان الولد قد أعتق وينقض العتق وقيل: إنه لا ينقص اه‍. ولابن رشد كلام يأت عند قول المصنف وإن اشترى مستلحقه ص: (وورثه إن ورثه ابن) ش: ظاهره أن هذا الشرط إنما هو في إرثه منه، وأما النسب فلا حق به وهو كذلك كما صرح به أبو الحسن في كتاب اللعان. وذكر ابن عرفة في كتاب اللعان في ذلك خلافا، وظاهر كلام

    [ 255 ]
    المصنف أنه إنما يرثه إذا ورثه ابن ذكر، وأنه إذا ورثه بنت أو غيرها لم يرثه، وهو خلاف ما تقدم له في اللعان فإنه قال: وورث المستلحق الميت إن كان له ولد أو لم يكن له وقل المال. وما قاله في اللعان هو الموافق لما في المدونة وأبي الحسن في كتاب اللعان. ونص ما في المدونة: ومن نفى ولدا بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد عن مال، فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به، وإن لم يترك ولدا لم يقبل قوله لانه يتهم في ميراثه وحد ولا يرثه انتهى. قال أبو الحسن: قال فضل بن مسلمة: إلا أن يكون المال يسيرا. قال غيره: أو يكون ولده عبدا. وهذا إنما هو في الميراث، وأما النسب فلا حق لان إلحاق النسب ينفي كل تهمة. الشيخ: وكان ينبغي على هذا أن يرث ولكن سبق النفي إلى هذا الولد انتهى. وقال ابن عرفة في باب اللعان بعد نقله كلام المدونة: ظاهر كلامه المتقدم ولو كان الولد بنتا. وذكر بعض المغاربة عن أحمد بن خالد أنه قال: إن كان الولد بنتا لم يرث معها بخلاف إقرار المريض لصديق ملاطف إن ترك بنتا صح إقراره لانه ينقص قدر إرثها. ابن حارث: اتفقوا فيمن لاعن ونفى الولد ثم مات الولد عن مال وولد فأقر الملاعن به أنه يحلق به ويحد، وإن لم يترك ولدا لم يلحق به. واختلف في الميراث فقول ابن القاسم فيها يدل على وجوب الميراث وهو قوله: إن لم يترك ولدا لم يقبل قوله لتهمته في الارث، وإن ترك ولدا قبل قوله لانه نسب يلحق به. وروى البرقي عن أشهب أن الميراث قد ترك لمن ترك ولا يجب له ميراث وإن ترك ولدا. وذكر أبو إبراهيم عن فضل إن كان المال يسيرا قبل قوله ثم قال: وما ذكره ابن حارث من الاتفاق على عدم استلحاقه إن كان الولد قد مات مثله لابن المواز وابن القاسم وأصبغ. وقال أبو إبراهيم وغيره من الفاسيين: إنما يتهم إن لم يكن له ولد في ميراثه فقط وأما نسبه فثابت باعترافه انتهى. وقد صرح بذلك في نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق وقال في المسألة العاشرة منها قول سحنون في ابن الملاعنة يهلك ويترك ابنة وعصبة ثم يستلحق الاب ابنة الميت قال: تلحق ابنة الميت بجدها ويرجع الجد على العصبة بالنصف الذي أخذوا من ميراث ولده. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لان استلحاقه لابنة الميت الذي لاعن به استلحاق منه لابنته فهي تلحق بجدها، وهي مثل ما في المدونة من أن الملاعن له أن يستلحق ولده الذي لاعن به بعد أن مات ولا يتهم على أنه إنما استلحقه ليرثه إذا كان له ولد، فكما لا يتهم مع الولد وإن كان يرث معه السدس فكذلك لا يتهم مع الابنة وإن كان يرث معها النصف إذ قد يكون مال الذي ترك الولد الذكر كثيرا فيكون السدس عنده أكثر من نصف مال الذي ترك الابنة انتهى. فحمل ابن رشد لفظ الولد في المدونة على الذكر لكنه ساوى بينه وبين الابنة في الحكم. وظاهر كلام ابن غازي في باب اللعان أنه لم يقف على كلام ابن رشد هذا وكذلك ظاهر كلام ابن عرفة. فرع: ولو ورث المستلحق غير الابن والابنة لم يصدق لان العلة في ذلك إنما هي أن استلحاقه الميت استلحاق لمن ترك من الاولاد وذلك يرفع التهمة. وقد ذكر بعد هذه المسألة في

    [ 256 ]
    نوازل سحنون فيمن باع عبدا وأقام عند المشتري حتى جنى عليه جناية مات منها ثم استلحقه البائع أنه يلحق به ويرث منه إن كان له ولد، فإن كان ولد الميت حرا ورث معه الاب المستلحق حظه من الدية، وإن كان عبدا ورث جميع الدية قال: لان استلحاقه لولده بعد موته استلحاق لولد ولده، واستلحاق النسب يرفع التهمة في الميراث انتهى. واستفيد من هذه المسألة فائدتان: الاولى منهما أن وجود ولد للميت كاف وإن كان محجوبا من الميراث، وهو خلاف ما قاله المصنف في باب اللعان، وقد اعترضه ابن غازي. والثانية أن كلام المدونة المتقدم إنما هو في ابن الملاعنة وكلام المصنف أعم من ذلك، وما في نوازل ابن سحنون موافق له والله أعلم. ص: (ورجع بنفقته إن لم تكن له خدمة على الارجح) ش: قال في الشامل: وفي رجوع مبتاعه بنفقته ثالثها الارجح إن كانت له خدمة لم يرجع وإلا رجع انتهى. وفي معين الحكام مسألة: ويحكم على البائع بنفقته التي اعترف أنه باعها وكسوتها إلى حين ردها لانه مقر لانه باع منه من لا يجب عليه نفقته. قاله سحنون. وقال أبو الحسن: اللخمي: الظاهر من المذهب أنه لا شئ على البائع من النفقة التي أنفقها المشتري مدة بقائها عنده انتهى. ص: (ولم يصدق فيها إن اتهم بمحبة أو عدم ثمن أو وجاهة) ش: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم قوله: هذا إلا أن يتهم في الجارية بميل إليها أو زيادة في حالها أو يكون مغرما فتمضي بما ينوبها من الثمن ويرد الابن بما

    [ 257 ]
    ينوبه منه ويتبع به دينا في ذمته انتهى. فقول المصنف: أو وجاهة هو الذي أشار إليه ابن رشد بقوله: أو زيادة في حالها وفي كلام ابن الفرات ما يفهم منه أيضا أن المراد بالوجاهة أن تكون الجارية وجيهة أي جميلة حسنة والله أعلم. ص: (وإن اشترى مستلحقه والملك لغيره عتق) ش: ليس في كلامه رحمه الله ما يدل على أنه يلحق به وقد صرح في المدونة بأنه يلحق به. تنبيه: ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه يعتق عليه مطلقا وليس كذلك، بل إنما يعتق عليه حيث يصح استلحاقه ولو على قول، أما إذا تبين كذبه فلا يعتق عليه. قال في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق في رجل فارسي له غلام هندي قال هو ابني، هل يصير حرا ؟ قال مالك: ما ادعى من ذلك مما يعتقد الناس أنه ليس بابنه ولا ولده فهو أحق به. قال ابن رشد: هذا مما لا اختلاف فيه إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه وتبين كذبه فلا يلحق به. وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا استلحق من يشبه أن يكون ابنه ولم يعلم ما يدعي من ملكه لام المستلحق أو تزويجه إياها، فإن عرف ملكه إن كانت أمة أو تزويجه إن كانت حرة وأتت لما يشبه أن يكون منه ولم يجزه غيره بنسب لحق به باتفاق، فوجه يلحق به باتفاق، ووجه لا يلحق به باتفاق، ووجه يختلف في إلحاقه به. وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يختلف في إلحاقه به على القول بأنه لا يلحق به فإنه يعتق عليه إن كان عبدا له انتهى. ص: (كشاهد ردت شهادته) ش: قال في كتاب الولاء من المدونة: ومن شهد على رجل أنه أعتق عبده فردت شهادته ثم ابتاعه منه أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبدا له في وصية فصار العبد له في قسمه، أو أقر أنه بعد إن اشترى عبدا أنه حر، أو شهد أن البائع أعتقه والبائع ينكر، أو قال كنت بعت عبدي هذا من فلان فأعتقه وفلان يجحد ذلك، فالعبد في ذلك كله حر بالقضاء وولاؤه لمن زعم أنه أعتقه انتهى ص: (وإن استلحق غير ولد لم يرثه إن لم يك

    [ 258 ]
    وارث وإلا فخلاف) ش: اعلم أنه النسخ اختلفت في قول المصنف إن لم يكن وارث، ففي بعض النسخ الصحيحة يكن بلفظ المضارع وإسقاط لم وكتب عليها صاحبها إنها كذلك في نسخة مقابلة على خط المصنف. وفي بعض النسخ إن كان وراث وهي صحيحة أيضا موافقة لما قبلها، وهذا هو الموافق للنقل ولما قدمه المصنف في فصل اختلاف الزوجين. وفي بعض النسخ إن لم يك بثبوت لم وهي غير صحيحة لانها تؤدي عكس المراد. والمعنى على

    [ 259 ]
    النسخة الصحيحة أن من استلحق غير ولد لم يرث المستلحق الذي هو غير ولد هذا الذي استلحقه إن كان هناك وارث، وإن لم يكن هناك وارث فخلاف هذا الذي فرضه أهل المذهب في صورة هذه المسألة وإن كان ظاهر كلام ابن الحاجب عكس هذا فقد قال ابن عبد السلام: إنما هذا كان المقر ذا مال، ومسألة المؤلف يعني ابن الحاجب بالعكس فتأمل ذلك انتهى. ولكن الذي يظهر أنه لا فرق بينهما لانه إذا قال هذا أخي وصدقه الآخر، فكل منهما قد استلحق غير ولد ولهذا تركوا الكلام عليها فتأمل ذلك. تنبيهات: الاول: ظاهر قوله: وارث أنه إذا كان له وارث معروف لم يرثه المستلحق، وإن كان الوارث المعروف غير محيط بإرثه وليس كذلك، بل الخلاف جار في ذلك أيضا. قال ابن عرفة: إقرار من يعرف له وارث محيط ولو بولاء بوارث لغو اتفاقا، وإن لم يكن له وارث محيط أو كان ولم يحط كذي بنت فقط ففي إعمال إقراره قولان: لابن القاسم في سماعه من الاستلحاق مع ابن رشد عن قوله فيها مع غيرها، وسحنون في نوازله والباجي عن مالك وجمهور أصحابه وأصبغ وأول قولي سحنون وثانيهما مع أشهب انتهى. وعلم من هذا قوة القول بالارث وإن كان المتيطي جعله شاذا لان ابن عرفة إنما عزا مقابله لقول سحنون الثاني مع أشهب، وعزا القول بالارث للجماعة المذكورين قبله. وقال في مختصر الحوفي: وبه أفتى ابن

    [ 260 ]
    عتاب وقال به العمل. وقال المتيطي: وهو شاذ، واستحسنه بعض القرويين في زمانه قائلا: ليس ثم بيت مال انتهى. ونص المتيطية: فإن كان المعروف النسب ذا فرض لا يستوعب المال فإنه يأخذ فرضه وما بقي لبيت مال المسلمين عند أهل المدينة أو رد على الوارث المعروف عند من يذهب إلى الرد، ولا شئ للمقر له إلا في قوله شاذة وهي إحدى قولي ابن القاسم فإنه جعل ما بقي للمقر له إذا كان من العصبة انتهى. الثاني: قال ابن عرفة: المعبر في ثبوت الوارث وعدمه إنما هو يوم موت المقر لا يوم الاقرار. قاله أصبغ في نوازله ولم يحك ابن رشد غيره انتهى. ويشير إلى قوله في نوازل أصبغ من كتاب الاستلحاق فإن أقر بأن هذا الرجل وارثه وله ورثة معروفون فلم يمت المقر حتى مات ورثته المعروفون الذين كانوا يدفعون المقر له، أيجعل المال لهذا المقر له ؟ قال: نعم، لانه ليس هناك وارث معروف يدفعه فكأنه إنما أقر له الساعة ولا وارث له انتهى. الثالث: ظاهر كلام المصنف أن الميراث للمقر له على القول به دون يمين وهو كذلك، فإن ابن رشد قال في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق: قد قيل إن الميراث لا يكون إلا بعد يمينه أن ما أقر به المتوفى حق ويقوم ذلك من كتاب الولاء. وذكر ابن سهل أن مالكا كان يفتي به نقله عنه ابن عرفة. وحصل في آخر كلامه في ذلك ثلاثة أقوال يفصل في الثالث بين أن يبين المقر وجه اتصاله بالمقر له في جد معين فا يمين، أو لا يبين ذلك فيجب اليمين. وقال في مختصر الحوفي: وعلى القول بالقبول فعلى المقر له اليمين على حقيقة الاقرار وفاقا لابن العطار وابن مالك وخلافا لابن عتاب وأنكر ذلك، ثم أفتى فيمن أقرت بابن عم أبيها في عقد ولم يرفع العاقد نسبها الجد واحد بيمين المقر له. الرابع: إذا بين المقر له وجه نسبة المقر به إليه كقوله هذا أخى شقيق أو لاب أو لام فواضح. وإن أجمل قال ابن عرفة: ففي ذلك اضطراب. قال ابن رشد: والذي أقول به في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم إذا قال فلان وارثي ولم يفسر حتى مات أن له جميع الميراث إن كان المقر ممن يظن به أنه لا يخفى عليه من يرثه ممن لا يرثه، وأما الجاهل الذي لا يعلم من يرثه ممن لا يرثه فقوله فلان وارثي حتى يقول ابن عمي أو ابن ابن عمي أو مولاي أو أعتقني أو أعتق أبي أو أعتق من أعتقني أو ما أشبه ذلك، وكذا إن قال فلان أخي قاصدا للاشهاد له بالميراث كقوله أشهدكم أن هذا يرثي، أو يقال له هل لك وارث ؟ فقال: نعم هذا أخي وشبه ذلك. وأما إن قال من غير سبب هذا أخي أو فلان أخي ولم يزد على ذلك. فلا يرث من ماله إلا السدس لاحتمال أن يكون أخا لامه. ولو لم يقل فلان أخي أو هذا أخي وإنما سمعوه يقول يا أخي يا أخي لم يجب له بذلك ميراث لان الرجل قد يقول أخي أخي لمن لا قرابة بينه وبينه إلا أن تطول المدة السنين وكل واحد يدعو صاحبه باسم الاخوة أو العمومة فإنهما يتوارثان انتهى.

    [ 261 ]
    الخامس: فإن مات المقر له في حياة المقر ثم مات المقر وقام أولاد المقر له بهذا الاقرار لم يجب لهم به ميراث المقر إذا لم يقر إلا للميت إلا أن يشهد أنه لم يكن باقيا في حين موته فولده المذكور بنوا بن عمه وورثه المحيطون بميراثه. قاله في المتيطية. وذكر ابن عرفة المسألة في الاستلحاق عن ابن سهل قائلا: أفتى أكثر أهل بطليوس أن الولد يرث المقر وأن غير واحد من أهل بطليوس وابن مالك وابن عتاب أفتوا بأنه لا يرث والله أعلم. السادس: قال ابن رشد في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق: لا يجوز الاقرار بوارث إذا كان له وارث معطروف النسب أو ولاء إلا في خمسة مواضع: الاقرار بولد، أو ولد ولد، أو أب، أو جد، أو زوجة إذا كان معها ولد. فأما إذا أقر بولد فيلحق به نسبه في الموضع الذي ذكرنا على اتفاق واختلاف، وأما إذا أقر بولد ولد فلا يلحق به إلا أن يقر به الولد فيكون هو مستلحقه، أو يكون قد عرف أنه ولده فيكون إنما استلحق هو الولد. وكذلك الولد إذا أقر باب فلا يلحق به ويرثه إلا إذا أقر به الاب فيكون الاب هو الذي استلحقه، وأما إذا أقر بجد فلا يلحق به إلا أن يقر الجد بابنه ويقر أبوه به فيكون كل واحد منهما قد استلحق ابنه. وأما إذا أقر بزوجة لها ولد أقر به فإقراره بالولد يرفع التهمة بالزوجة فترثه، وإن لم تثبت الزوجية ولا عرفت وبالله التوفيق انتهى. وانظر كلام ابن سهل وكلام ابن رشد في آخر كتاب الاستلحاق ومختصر الحوفي لابن عرفة. السابع: فإن أقر هذا المشهود لآخر أنه وارث أو لا وارثه له غيره بعد إقراره الاول بطل الآخر أي الاقرار الثاني. قاله في المتيطية. الثامن: إذا لم يكن هناك وارث معروف ودفع للمستلحق على أحد المشهورين الميراث، ثم جاء شخص وأثبت أنه وارث معروف، فإنه يأخذ المال من المستلحق المذكور. قاله في الجواهر والله أعلم. ص: (وإن قال لا ولاد أمته أحدهم ولدى عتق الاصغر وثلثا الاوسط وثلث الاكبر) ش: هكذا قال سحنون في نوازله من كتاب الاستلحاق. وحصل ابن رشد في شرحها أن الاصغر حر بلا خلاف، وفي الاوسط والاكبر أبعة أقوال: الاول ما نوازل سحنون وهو ما ذكره المصنف وقال هو أضعف الاقوال قال: لانا لا نحيط علما أن الميت لم يرد ذلك ولا يحتمله لفظ. والثاني القرعة. والثالث أنهما يعتقان أيضا للشك. وخرجه من المسألة الثانية

    [ 262 ]
    أعني قوله وإن أقرميت بأن فلانة الخ. واستظهره. قلت: وظاهر كلام ابن رشد أنه غير منصوص، وقد ذكره في النوادر وابن يونس عن ابن عبد الحكم. والرابع أنه لا يعتق منهما واحد. فرع: قال في نوازل سحنون: ولا يثبت النسب لواحد منهم. قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك. فرع: قال فيها أيضا: ولا ميراث لواحد منهم. قال ابن رشد: فيه نظر، والذي يوجبه النظر عندي أن يكون حظ واحد من الميراث بينهم على القول بأنهم يعتقون جميعا على ما قاله في المسألة التي ذكرناها وهو الصحيح، إذ قد صح الميراث لواحد منهم ولا يدري من هو منهم، فإن ادعاه كل واحد منهم قسم بينهم بعد أيمانهم إن حلفوا جميعا أو نكلوا، وإن حلف بعضهم اختص به دون الناكل. وإن قالوا لا علم عندنا كان الميراث بينهم بعد أن يحلف كل واحد منهم أنه لا يعلم من أراده الميت منهم على الخلاف في لحوق يمين التهمة، وإن عتق بعضهم يعني على القول به كان له حظه من الارث ويوقف حظ من لم يعتق، فإن عتق أخذه، وإن مات قبل أن يعتق رد إلى الورثة. انتهى مختصرا والله أعلم. ص: (وإن افترقت أمهاتهم فواحد بالقرعة) ش: قال ابن رشد: ولا يثبت نسب واحد منهم ويكون الحكم في الميراث

    [ 263 ]
    على قياس ما تقدم انتهى والله أعلم. ص: (وإذا ولدت زوجة رجل وأمة آخر) ش: هذه المسألة في أول نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق وفرضها كما فرضها المصنف في زوجة رجل وأمة آخر ولا خصوصية لذلك. وقال ابن رشد المسألة على ثلاثة أوجه: أحدها أن يدعي كل واحد منهما صبيا بعينه غير الذي ادعاه صاحبه ويلحقه بنفسه وينفي الآخر عن نفسه، والواجب أن يلحق بكل واحد منهما من ادعاه. والثاني أن يقول كل واحد منهما لا أدري أيهما ولدي، والحكم في ذلك أن تدعى القافة. ولو أرادا في هذا الوجه أن يصطلحا على أن يأخذ كل واحد منهما ولدا يكون ابنه مع كونه لا يدعي علم ذلك لم يكن لهما ذلك بل تدعى القافة. والوجه الثالث أن يدعيا جميعا صبيا واحدا منهما يقل كل واحد منهما هذا ابني ويتنازعان فيه وينفيان الآخر عنهما قال: والواجب في هذا عندي على أصولهم أن تدعى له القافة أيضا إذا ليس لهما أن ينفيا الآخر عن أنفسهما وقد علم أنه ابن أحدهما والذي ادعياه جميعا ليس أحدهما أولى به من صاحبه انتهى. ولا يعترض على هذا بأن القافة لا يحكم بها في أولاد الحرائر على المشهور كما ذكره ابن رشد في سماع أشهب من كتاب الاستلحاق وغيره، لان العلة في ذلك هو قوة الفراش في النكاح فيلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد وذلك معدوم إذ لا مزية لاحد الفراشين على الآخر لصحتهما جميعا والله أعلم. فرع: قال البرزلي في مسائل النكاح، والطلاق: إذا فرض عدم القافة فإنه إذا كبر الولد وإلى أيهما شاء بمنزلة ما إذا أشكل الامر، فإن مات قبل ذلك ورثاه، وإن ماتا ورثهما معا انتهى والله أعلم. ص: (وعن ابن القاسم فيمن وجدت مع ابنتها أخرى لا تحلق به واحدة) ش:

    [ 264 ]
    كذا فعل ابن الحاجب لما ذكر المسألة الاولى أتى بعدها بهذه ونسبها لابن القاسم لكنه زاد بعد قول ابن القاسم: وقال سحنون: القافة فقال في التوضيح. كأنه أتى بهذا الفرع إثر الاول إشارة إلى التعارض بينهما فكأنه أشار إلى التخريج يعني تخريج الخلاف من الثانية في الاولى. كذا قال ابن عبد السلام. قال في التوضيح: وهو تخريج ظاهر، والظاهر أنه لا فرق بينهما انتهى. وما قاله ظاهر لا شك فيه والله أعلم. ص: (وإنما تعتمد القافة على أب لم يدفن) ش: تصوره ظاهر. واختلف أيضا في قصر القافة على الولد الحي وعمومها فيه حيا أو ميتا. قال ابن عرفة: وفي قصرها على الولد حيا وعمومها فيه حيا وميتا سماع أصبغ. ابن القاسم: إن وضعته تماما ميتا لاقافة في الاموات. ونقل الصقلي عن سحنون: إن مات بعد وضعه حيا دعي له القافة. قلت: ويحتمل ردهما إلى وفاق لان السماع فيمن ولد ميتا، وقول سحنون فيمن ولد حيا، ولم أقف لابن رشد على نقل خلاف فيها انتهى. فرع: قال في التوضيح: والمشهور أنه يكتفى بالقائف الواحد. وقيل: لا بد من اثنين. ص: (وإلا فحصة المقر كالمال) ش: أي وإن لم يكن المقر عدلا فإنما يرث هذا المقر به من حصة المقر فقط، ولم يبين ما يأخذ منها اعتمادا على ما سيقوله في باب الفرائض حيث يقول: وإن أقر أحد الورثة فقط بوارث فله ما نقصه الاقرار. قال ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الاستلحاق: وهذا هو المعلوم من قول مالك المشهور من مذهبه أن الوارث إذا أقر بوارث لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما زاد نصيبه في الانكار على نصيبه في الاقرار، وإن نقص نصيب المقر في الانكار أو لم يزد على نصيبه في الاقرار مثل أن تفر الزوجة بأخ وما أشبه ذلك فلا شئ

    [ 265 ]
    له، وفي ذلك خلاف في المذهب انتهى. وهذا الحكم على القول المعروف من المذهب أن إقرار العدل بالوارث كإقرار غير العدل لا يأخذ المقر به إلا من حصة المقر فقط، وهذا إذا كان المقر رشيدا، وأما إن كان سفيها فلا يؤخذ من حصته شئ والله أعلم. ص: (كالمال) ش: تشبيه في أصل المسألة أي إن شهد عدلان من الورثة بمال في ذمة الميت ثبت، وإن شهد عدل حلف معه وثبت، وإن لم يكن عدلا ففي صحة الشاهد قال في كتاب الشهادات من المدونة: وتجوز شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت، وإن شهد لصاحب الدين بذلك واحد من الورثة حلف معه إن كان عدلا واستحق حقه، فإن نكل أخذ من شاهده قدر ما يصيبه من الدين، وإن كان سفيها لم تجز شهادته ولم يرجع عليه في حصته بشئ انتهى. قال أبو الحسن: قال عياض: ظاهره اشتراط الرشد في العدالة وهو قول أشهب، وإن شهادة السفيه لا تجوز ولو كان عدلا في نفسه. وأجازها مالك، وفي كتاب التفليس في باب الشهادة على الميت بدين قبول شهادته وإن كان سفيها. وتكررت هذه المسألة هنا. وفي باب الشركة وفي المديان وفي الوصايا

    [ 266 ]
    الاول، وهذه المسألة لا تخلو من أربعة أوجه: عدل رشيد يؤخذ منه ويؤخذ بشهادته، عكسه سفيه مسخوط لا يؤخذ منه لانه سفيه ولا يؤخذ به لانه مسخوط، عدل سفيه لا يؤخذ منه وهل يؤخذ به قولان، رشيد غير عدل يؤخذ منه ولا يؤخذ به ولم أر فيه خلافا انتهى كلام أبي الحسن. والذي مشى عليه المصنف في باب الشهادات أن شهادة السفيه لا تجوز. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة أخذ من شاهده قدر ما يصيبه من الدين. هذا مذهب ابن القاسم، وأشهب يقول: يأخذ جميع دينه من نصيب المقر إذ لا ميراث إلا بعد أداء الدين بخلاف الوصية على قول أشهب أنه يكون شريكا مع الورثة إذا حلف وإن نكل كان شريكا للمقر، وهذا في الوصية بالجزء وأما بالعدد فكالدين انتهى. وانظر كتاب الوصايا من النوادر وآخر كتاب الاقرار منها فإنه عقد في كل واحد منهما بابا لاقرار الوارث بأن صورته أوصى بكذا أو عليه دين ص: (فإن أقر بذلك الورثة فهن أحرار) ش: يتنزل منزلة إقرار الورثة أن تشهد البينة أنه قال إحدى هؤلاء الثلاثة ابنتي ولم يسمها فالشهادة جائزة باتفاق. قاله ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق والله أعلم. ص: (وإن استلحق ولدا ثم أنكره ثم مات الولد فلا يرثه ووقف ماله) ش: هكذا قال في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب الاستلحاق.

    [ 267 ]
    وقال ابن رشد: وفي قوله ووقف نظر، والواجب أن يكون جميع ميراثه لجماعة المسلمين لانه مقر أن هذا المال لهم لاحق له معهم فيه وهم لا يكذبونه، فلا معنى لتوقيفه إذ لا يصح أن يقبل رجوعه فيه بعد موته برجوعه إلى استلحاق ابنه لانه قد ثبت لجماعة المسملمين ثبوته على إنكاره إلى أن مات. تنبيه: فإن مات الاب المستلحق قبل الابن ورثه الابن بالاقرار الاول والاستلحاق الذي سبق، ولا يسقط لشبه بإنكاره بعد استلحاقه. ثم إن مات الابن بعد ذلك ورثه عصبته من قبل أبيه المستلحق له. قاله ابن رشد في الرسم المذكور وابن بطال في مقنعه. ونص ابن بطال: وإن مات المستلحق الاب الاب قبل المستلحق ورثه بالاقرار الاول والاستلحاق الذي سبق ولا يلتفت إلى إنكاره بعد الاستلحاق انتهى. وقوله المستلحق الاب لو قدم الاب فقال الاب المستلحق لكان أوضح. فرع: قال في المقنع: وإن استلحق الرجل رجلا لحق به نسبا أولاد المستلحق، ومن نفى ولده ثم استلحقه ثبت نسبه منه انتهى. فائدتان: الاولى: يجتمع لحوق الولد والحر في خمس مسائل: إحداها: الرجل تكون عنده الامة فتلد منه فيقر بعد الولادة أنه غصبها فيلحق به الولد لانه يتهم على قطع نسبه ويلزمه الحد. الثانية: من اشترى أمة فولدت ثم استحقت بحرية فذكر أنه علم أنها كانت حرة ووطئها بعد ذلك فيحد ويلحق به الولد. الثالثة: من اشترى جاريتين على أن له الخيار في إحداهما فأقر أنه اختار واحدة ثم وطئ الاخرى فإنه يحد ويلحق به الولد. الرابعة: من اشترى جارية ووطئها فخاصمه ربها فقال ادفع ثمن جاريتي التي بعت منك، فيقول الواطئ إنما تركتها عندي أمانة ووديعة فإنه يحد ويلحق به الولد. الخامسة: الرجل يتزوج بأم امرأته عالما بذلك فتلد منه فإنه يحد ويلحق به الولد. انتهى من معين الحكام وذكرها في التوضيح في كتاب الاستلحاق عند قول ابن الحاجب ويحد الواطئ العالم والولد رقيق ولا نسب له. وقال بعدها: وليس ذكر هذه المسائل على سبيل الحصر بل الضابط أن كل حد يثبت بالاقرار ويسقط بالرجوع عنه فالنسب ثابت منه، وكل حد لازم بالرجوع عنه فالنسب معه غير ثابت انتهى. وهذه الزيادة أصلها لابن رشد في نوازله ذكر هذه المسائل الخمس في المسائل المتعلقة بالنكاح، ثم ذكر بعدها ما تقدم. ونقل الشيخ أبو الحسن كلامه في الرجم وأشار إليه في كتاب القذف، وذكره أيضا مختصرا في أمهات الاولاد وزاد بعده ما نصه الشيخ في محل الملك والنكاح وهو سياق كلامه انتهى. وزاد أيضا هذا الكلام في كتاب الرجم وعدها في المسائل الملقوطة ثمانية ناقلا لها عن ابن عبد السلام منها الخمس المذكورة، والسادسة: الرجل يشتري جارية فيولدها ثم يقر أنها ممن تعتق عليه وأنه عالم بذلك وقت الشراء ووقت الوطئ. السابعة:

    [ 268 ]
    الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ثم يقر أنه كان طلقها ثلاثا وارتجعها قبل أن تتزوج وهو عالم بأن ذلك لا يحل. الثامنة: الرجل يتزوج المرأة فيولدها ثم يقر أن له أربع نسوة سواها وأنه تزوجها وهو يعلم أن نكاح الخامسة حرام انتهى. وقال في المسألة الخامسة: وهي الرجل يتزوج أم امرأته عالما بذلك فتلد منه. قال ابن عبد السلام: وهذا إنما يصح عندي إذا لم يعلم منه أنه عالم بالتحريم إلا بعد تزويجها، وأما لو علم منه أنه عالم بالتحريم قبل نكاحه إياها فهو زنا محض لا يلحق معه الولد انتهى. وذكر في الذخيرة منها ست مسائل ناقلا لها عن عبد الحق، عد الثانية والثالثة والخامسة والثامنة والسادسة التي ذكرها عكس الرابعة وهو أن يقول: اشتريتها والسيد منكر ولا بينة قال: فيحد هو والجارية إن أقام السيد على إنكاره. وعبر عن المسألة الخامسة بأن يتزوجها ويقرأ أنه أولدها عالما أنها ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهر. الفائدة الثانية: قال السهيلي في شرح السيرة في حديث الاسراء: ومروره على النساء اللاتي أدخلن على الرجال ما ليس منهم من الاولاد، فإن بلغ الصبي وتابت أمه فأعلمته أنه لغير رشدة ليستعفف عن ميراثهم ويكف عن الاطلاع على عوراتهم أو علم بذلك بقرينة حال، وجب عليه ذلك وإلا كان شر الثلاثة كما في الحديث في ابن الزنى أنه شر الثلاثة، وقد يؤول على وجوه هذا أقربها إلى الصواب انتهى. وقيل: في تأويله أي إذا عمل بعمل أبويه. وفي آخر باب الزنا من النوادر عن كتاب ابن حبيب قال الشعبي: ولد الزنا خير الثلاثة إذا اتقى الله. قيل له: فقد قيل إنه شر الثلاثة ؟ قال: هذا شئ قاله كعب لو كان شر الثلاثة لم ينتظر بأمه ولادته، وكذلك قال ابن عباس. وقال ابن مسعود: إنما قيل شرهم في الدنيا لو كان شرهم عند الله ما انتظر بأمه أن تضع، وقال عمر بن الخطاب: أكرموا ولد الزنا وأحسنوا إليه. وقال ابن عباس: هو عبد من عبيد الله إن أحسن جوزي وإن أساء عوقب. وقال عمر: اعتقوا أولاد الزنا وأحسنوا إليهم واستوصا بهم اه‍. وانظر حاشيتي على مناسك الشيخ خليل عند قوله: ولا بأس أن يحج بثمن ولد الزنا. باب (الايداع توكيل بحفظ مال) قال ابن عرفة: الوديعة بمعنى الايداع، نقل مجرد حفظ

    [ 269 ]
    ملك ينقل، فيدخل إيداع الوثائق بذكر الحقوق، ويخرج حفظ الايصاء الوكالة لانهما لازيد منهما وحفظ الربع، وقول ابن الحاجب كابن شاس تابعين للغزالي استنابة في حفظ مال كخروجه ويبطل عكسه ما دخل، وطرده ما خرج، وبمعنى لفظهما متملك نقل مطلق حفظه ينقل وهو المستعمل في عرف الفقهاء ولا يتناوله لفظ ابن شاس انتهى. وقوله: ينقل صفة لقوله متملك ولو قدم إليه لكان أبين. ويدخل في حده استئجار حارس لمتاع ونحوه، وإخراجه حفظ الربع من الوديعة غير ظاهر. قال في كتاب الهبة من المدونة: وإذا قلت قبضت وبعت في الارض الغائبة لم يكن حوزا وذلك كالاشهاد على الاقرار بالحوز إلا أن يكون له في يديك أرض أو دار أو رقيق بكراء أو عارية أو وديعة ذلك ببلد آخر فوهبك ذلك فإن قولك قبلت حوز انتهى. وبهذا رد الوانوغي على ابن عرفة فقال: هذا ينقض قول ابن عرفة في مختصره ردا على ابن الحاجب أن حفظ الربع ونحوه مما لا ينتقل يبطل طرد حد ابن الحاجب. قال: ودعوى اللف والنشر في هذا المقام بعيد اه‍. وقال المشذالي: وجه النقض على ابن عرفة بمسألة المدونة لان ظاهر قوله أو وديعة راجع إلى الارض وما ذكر معها فص كون الربع عنده مما يصح إيداعه فبطل اشتراط كون المودع مما ينقل فيكون إذ ذاك مراد الدخول لا مراد الخروج. وأما قوله ودعوى الرد إلى آخره فهو استبعاد لدفع مقدر تقديره أن يقال: لا نسلم صحة النقض وقولكم إن وديعة راجع للجميع ممنوع بل الكلام فيه لف ونشر، فقوله عارية راجع إلى الارض، وقوله أو وديعة راجع إلى الرقيق، وقال المشذالي: وهذا وإن كان ممكنا إلا أنه بعيد كما قال لكونه على خلاف الظاهر، ولا دليل يصرف عنه فوجب الوقوف عنده انتهى. ولم يذكر أحد إخراج العقار من حكم الوديعة والله أعلم. وحكمها قال ابن عرفة: هي من حيث ذاتها للفاعل والقابل مباحة، وقد يعرض وجوبها كخائف فقدها لموجب هلاكه أو فقده إن لم يودعها مع وجود قابل لها يقدر على حفظها، وحرمتها كمودع شئ غصبه ولا يقدر القابل على جحدها أو ردها لربها أو للفقراء إن كان المودع مستغرق الذمة، ولذا ذكر عياض في مداركه عن بعض الشيوخ أن من قبل وديعة من مستغرق ذمة ثم ردها إليه ضمنها للفقراء. ابن شعبان: من سئل قبل وديعة ليس عليه قبولها وإن لم يوجد غيره. قلت: ما لم يتعين عليه قبولها بهلاكها إن لم يقبلها مع قدرته على حفظها كرفقة فيها

    [ 270 ]
    من يحترمه من أغار عليها أو ذي حرمة بحاضرة تعرض ظالم لبعض أهلها. وندبها حيث يخشى ما يوجبهدون تحققه. وكراهتها حيث يخشى ما يحرمها دون تحققه انتهى. وانظر الذخيرة وفي مسائل القابسي من البرزلي عن ابن المميسي أنه أتاه رجل من جيرانه يشاوره أن أحد هؤلاء القوم يعني الولاة أو الغصاب أراد أن يستودعه مائة دينار وذكر أنه لا يجد منه بدا فقال له ابن المميسي: يا أخي إن كنت تقدر على غرمها فتأخذها منه وتتصدق بها على المساكين فإن سألك فيها غرمتها له، ثم ذكر له أن أصحاب سحنون سألوا في كائنة تونسي أن رجلا ذهب له فيها شئ وذهب له فيها ذهب وثوب ديباج، فرآه يوما في يد جندي فلم يشك أنه ثوبه فاشتراه منه بسبع دنانير ثم مضى بالثوب، فلما فتحه إذا هو غير ثوبه ثم قال: فرجع إلى الجندي فقال: يا هذا إنما ظننت أنه ثوبي فلذلك اشتريته. فقال له: لا عليك ورد الجندي يده إلى منطقته فصب منها دنانير فعد منها سبعة فأعطاها له وانصرف. قال: فلم يختلف عليه أحد من أصحاب سحنون أن عليه أن يتصدق بالدنانير وبقيمة الثوب أيضا. قال الشيخ: لانه رد الثوب إلى غير مالكه انتهى. فرع: يجب حفظ الوديعة من التلف ولو أذن ربها في التلف ويضمن إن فعل. قال ابن سلمون: وفي كتاب الاستغناء: إذا قال رب الوديعة للمودع ألقها في البحر أو في النار ففعل فهو ضامن للنهي عن إضاعة المال كمن قال لرجل: اقتلني أو ولدي انتهى. ولا شك في الحرمة، وأما وجوب الضمان ففيه نظر، والظاهر دخول الخلاف فيه لاذن المالك في ذلك كمن أذن لرجل في قطع يده. فرع: قال في كتاب الغصب من المدونة: ومن غصب شيئا ثم أودعه فهلك عند المودع فليس لربه تضمين المودع إلا أن يتعدى انتهى. تنبيه: قال في اللباب: أركانها ثلاثة: الصيغة والمودع والمودع. أما الصيغة فهي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على الاستنابة في حفظ المال. انتهى من الذخيرة. قال الشافعي: تفتقر للايجاب والقبول كالوكالة، وأصلنا يقتضي عدم الاشتراط فيهما كما تقرر في البيع انتهى قوله فيهما أي في الايجاب والقبول. ونزلت مسألة وهي أن رجلا كان جالسا فجاء إنسان فوضع أمامه متاعا ثم ذهب، فقام الجالس وتركه فذهب المتاع. فالظاهر ضمانه لان سكوته حين وضع المتاع يدل على قبوله للوديعة والله أعلم. وقال ابن عرفة: المودع من له التصرف في الوديعة بملك أو تفويض أو ولاية كالقاضي في مال اليتيم والغائب والمجنون، والمودع من يظن حفظه، والاظهر أن شرطها باعتبار جواز فعلها وقبولها جاجة الفاعل وظن صونها من القابل، فتجوز من الصبي الخائف عليها إن بقيت بيده، وكذا العبد المحجور عليه، ويجوز أن يودعا ما خيف تلفه بيد مودعه إن ظن صونه بيد أحدهما لاحترامهما وثقتهما كأولاد المحترمين وعبيدهم عند نزول

    [ 271 ]
    بعض الظلمة ببعض البلاد ولقاء الاعراء القوافل، والاصل في هذه النصوص الرأفة على حفظ المال والنهي عن إضاعته. قال اللخمي في البخاري ومسلم: قال النبي (ص) نهى عن إضاعة المال انتهى. ص: (وإلا كقمح بمثله ودراهم بدنانير) ش: قوله كقمح بمثله شامل لحفظ كل جنس بجنسه المماثل له حتى الدراهم والدنانير بمثلها، وهي الصورة الاولى من الصورتين المستثناتين من الضمان بخلط الوديعة، والثانية هي التي أشار إليها الشيخ بقوله: ودراهم بدنانير وهي إذا خلط الجنس بغير جنسه ولكن يمكن ميزه بسهولة. قال في الجواهر الثالث: من أسباب التقصير في الوديعة خلط الوديعة بما لا يتميز عنه مما هو غير مماثل له كخلط القمح بالشعير وشبهه. فأما خلطها بجنسها المماثل لها جودة ورداءة كحنطة بمثلها أو ذهب بمثله أو بما يتميز عنه ولا يختلط به كذهب بورق فلا يضمن انتهى. وفي المدونة: من أودعته دنانير أو دراهم فخلطها بمثلها ثم ضاع المال لم يضمن. وإن ضاع بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما لان دراهمك لا تعرف من دراهمه، ولو عرفت بعينها كانت مصيبة دراهم كل واحد منه ولا يغيرها الخلط، طإن أودعته حنطة فخلطها بحنطة، فإن كانت مثلها وفعل ذلك بها على الاحراز والدفع فهلك الجميع لم يضمن، وإن كانت مختلفة ضمن، وكذلك إن خلط حنطتك بشعير ثم ضاع الجميع فهو ضامن لانه قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها انتهى. ص: (للاحراز) ش: قال ابن غازي: إنما ذكر هذا القيد في المدونة في الصورة الاولى، وأما الثانية فلم يذكره فيها أصلا انتهى. قال بعض الناس: وهو خاص أيضا ببعض أفراد الصورة الاولى وهو الحنطة ومشابهاتها، وأما الدنانير والدراهم فلا يشترط فيهما الاحراز وهذا ليس بصحيح، فقد قال أبو الحسن الصغير في قوله في المدونة المتقدم: ومن أودعته دراهم أو دنانير فخلطها يعني على وجه الاحراز والدفع لا على وجه التمليك. قاله أبوعمران في الطعام بعده انتهى. ويعني والله أعلم بقوله قاله أبوعمران في الطعام بعده أن أبا عمران لما تكلم على قوله في المدونة في الطعام وفعل ذلك بها على وجه الاحراز قال: وكذلك الدنانير والدراهم، فإن القاضي كذلك فعل في التنبيهات ونصه: قوله في خلط الحنطة إذا خلطها على وجه الدفع للاحراز فلا ضمان عليه. تنبيه: إن خلطه بما يخلط إنما يضمنه إذا كان لهذا وشبهه من النظر، لان جمعها أحرز

    [ 272 ]
    لها من تفريقها وأرفق بها من شغل مخزنين بذلك وكرائهما حفظهما وهو المراد بالدفع، وأن الخلط إذا كان لغير هذا من تعد أو أخذها لنفسه أنه فيه ضامن، ولا فرق في هذا بين الطعام والدراهم. وقوله لان دراهم هذا تعرف من دراهم هذيدل على أنها مختلفة. وإن خلط الدراهم المختلفة لا يضمن فيها لانها تتميز وكذلك يجب لو خلط دنانير عنده وديعة بدراهم في كيس لم يضمن فتأمله تجده يدل على أن الاحراز قيد في الصورتين معا والله أعلم. ص: (ثم إن تلف بعضه فبينكما إلا أن يتميز) ش: يشير به إلى ما تقدم عن المدونة. قال اللخمي: وإذا خلط الدراهم أو الطعام بمثله ثم ضاع بعد ذلك كانا شريكين في الباقي على قدر ما لكل واحد منهما. ويتفق في هذا مالك وابن القاسم لانهما كانا شريكين قبل الضياع بوجه جائز انتهى. ونقله ابن عرفة. وخلاف مالك وابن القاسم المشار له هو ما ذكره في المدونة في تضمين الصناع ونصه قال: ومن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره ثم ضاع من الجملة دينار فهما فيه شريكان، صاحب الدينار بجزء من مائة جزء وجزء وقال ابن القاسم وابن سلمة: لصا حب المائة تسعة وتسعون ويقتسمان الدينار الباقي. ابن يونس: ولو لم يبق إلا دينار واحد لقسم بينهما نصفين على قوليهما لان كل واحد يدعيه لنفسه انتهى. وقال المشذالي في حاشيته على هذا المحل: قال ابن سهل ابن القاسم وابن أبي سلمة: وكذلك الشاة تختلط بغنم فتبهم، ثم ذكر مسألتين: إحداهما من سماع عيسى، والثانية من سماع يحيى من كتاب الوديعة، ثم ذكر مسألة من ألغاز ابن فرحون فراجعه والله أعلم.

    [ 273 ]
    فرع: إذا خلط الوديعة بما لا يجوز خلطها به وقلنا يضمن فليس معناه أنه لا يضمن إلا إذا تلفت، بل يضمنها بمجرد الخلطيتبين ذلك بما قال اللخمي ونصه: إذا كان عند رجل وديعتان - قمح وشعير - فخلطهما ضمن لكل واحد مثل ما خلط له انتهى. ص: (وبانتفاعه بها) ش: انظر إذا انتفع بها وردها سالمة هل يلزمه كراء مثلها أم لا، وسيأتي في أول الغصب

    [ 274 ]
    عن التنبيهات ما يدل على أن عليه الكراء فراجعه. ص: (وحرم سلف مقوم ومعد وكره النقد والمثلي) ش: قال اللخمي: وكالمقوم ما يكال أو يوزن إذا كان يكثر اختلافه ولا يتحصل أمثاله ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف في القمح والشعير والدراهم: وأرى أن ينظر إلى المودع فإن كان يعلم منه أنه لا يكره ذلك فيما بينه وبين المودع أو معه كرم طبع جاز، وإن كان يعلم منه الكراهية لم يجز لانه لو حجر ذلك عليه من حين الدفع أو قال لا حرج عليك إن تسلفتها لم يختلف في أنه ممنوع من الانتفاع بها، وإن أشكل أمره كره ذلك انتهى. فرع: قال في الرسالة: وإن باع الوديعة وهي عرض فربها مخير في الثمن أو القيمة يوم التعدي. قال الجزولي وغيره: وإن كان مكيلا أو موزونا فربه مخير في الثمن أو المثل، وقال ابن يونس في كتاب الوديعة: ولو كانت الوديعة طعاما أو سلعة فرب الوديعة مخير إن شاء أغرمه مثل طعامه وقيمة سلعته إن فات ذلك، فإن لم يفت أخذه بعينه، وإن شاء أخذ ما أخذ

    [ 275 ]
    فيها من ثمن أو جارية أو غيره انتهى والله أعلم. ص: (كالتجارة والربح له) ش: قال الشارح في الوسط: أي وكذا تحرم التجارة بالوديعة بغير إذن ربها فإن تجر فربح كان لربح له. وقاله في المدونة ونحوه في الشرح الصغير. والذي في المدونة إنما هو الكراهة كما هو ظاهر كلام المصنف وعلى ذلك حمله في الكبير ويوجد ذلك في بعض نسخ الوسط وهو الصواب. ونص المدونة: ومن أودعته مالا فتجر به فالربح له وليس عليه أن يتصدق بالربح ويكره التجارة بالوديعة. قال أبو الحسن الصغير: وكذلك الوصي يتجر بمال الايتام أن الربح له بخلاف المبضع معه والمقارض. قال عبد الحق: الفرق بينهما أن المبضع معه والمقارض إنما دفع المال إليهما على طلب الفضل فيه فليس لهما أن يجعلا ذلك لانفسهما دون رب المال، والمودع لم يدخل على طلب الفضل، وإنما أراد حفظها له فله أصل المال دون الربح، صح من النكت الشيخ: والوصي أيضا إنما عليه حفظ مال اليتيم انتهى. وفي المدونة: ومن أبضغ معه ببضاعة يشتري بها شيئا فتجر فيها، فإن تلفت ضمن، وأن ربح فالربح للمالك بخلاف الوديعة لان المبضع طلب الربح فليس للمبضع معه قطعه عنه ونقله إلى ملكه، فإن تلف المال ضمن بتعديه والمودع إنما قصد الحفظ فقط فلم يكن له من الربح شئ انتهى. وفي أول كتاب القراض من المنتقى ما نصه: ولم

    [ 276 ]
    يختلف أصحابنا أن المبضع معه المال يبتاع به لنفسه أن صاحب المال مخير بين أن يأخذه ما ابتاع به لنفسه أو يضمنه رأس المال لانه إنما دفع إليه المال على النيابة عنه في عرضه وابتياع ما أمره به فكان أحق بما ابتاعه. وهذا إذا ظفر بالامر قبل بيع ما ابتاعه، فإن فات ما ابتاعه به فإن ربحه لرب المال وخسارته على المبضع معه انتهى. ص: (وبرئ إن رد غير المحرم) ش: هو كقول ابن الحاجب: وإذا تسلف مالا يحرم تسلفه، ثم رد مكانها مثلها فتلف المثل برئ على المشهور. ابن عبد السلام: قيد المسألة بما لا يحرم تسلفه ليدخل فيه المكروه ويخرج منه العرض وتسلف المعدم للعين، وفي خروج المعدم من ذلك نظر لانها ربها إنما يكره تسلفها للمعدم خشية أن لا يردها أو يردها بعسر فإن ردها فقد انتفت العلة التي لاجلها منع من تسلفها انتهى. ونحوه في التوضيح. وقال في المدونة: ولو كانت أي الوديعة ثيابا فلبسها حتى بليت أو استهلكها ثم رد مثلها لم تبرأ ذمته من قيمتها لانه إنما لزمه قيمة ذلك انتهى. أبو الحسن: مفهومه لو رد القيمة لبرئ وليس كذلك، فإن ذمته لا تبرأ سواء أوقف القيمة أو المثل انتهى. والمشهور أنه يبرأ، وقيل لا يبرأ، ثالثها يبرأ إن ردها بأشهاد، ورابعها يبرأ إن كانت منثورة ولو كانت مصرورة ضمنها ولو ردها. فرع: قال في التوضيح: وعلى المشهور فلا يصدق إلا بيمين. قاله أشهب وكذلك هو في الموازية انتهى. وقال ابن عرفة: وعلى براءته في تصديقه في ردها دون يمين أو بها ثالثها إن تسلفها بغير بينة صدق دون يمين وإلا لم يصدق لقول الشيخ لم يذكر في المدونة يمينا مع قول الباجي ظاهرها نفيها والشيخ عن محمد مع ابن الماجشون في المنثورة والموازية، وذكر اللخمي

    [ 277 ]
    الثالث اختيارا له ولم أقف على من نص على إخراج المعدم من البراءة إذا تلف النقد والمثلي ورده إلا ما يفهم من كلام ابن الحاجب ولم ينبه على ذلك ابن عرفة ولا غيره. ص: (إلا إن زاد قفلا) ش: قال ابن الحاجب: واقفل واحدا فقفل اثنين قولان. قال في التوضيح: القول بنفي الضمان لابن عبد الحكم وهو الذي اقتصر عليه في الجواهر وزاد: إلا أن يكون في حاله إغراء للص فيضمن. والقول بالضمان مال إليه ابن يونس ولا أعلمه منصوصا انتهى. وقال في الشامل: وبقفل نهاه عنه واختير سقوطه لا إن لم ينهه أو زاد قفلا، إلا في حال إغراء اللص. ص: (وبنسيانها في موضع إيداعها إلى قوله لا إن نسيها في كمه فوقعت) ش: هو كقول

    [ 278 ]
    ابن الحاجب: ولو نسيها في موضع إيداعها فقال مطرف وابن الماجشون وابن حبيب: عليه الضمان بخلاف ما إذا نسيها في كمه فلا ضمان عليه، وقيل سواء. قال في التوضيح: يحتمل في نفي الضمان ولم أر ذلك في الاولى منصوصا نعم خرجه جماعة من الثانية، وخرجه اللخمي وابن رشد من المودع مائة دينار فيدعيها رجلان ونسي أيهما أودعه، ومن اشترى ثوبين بالخيار من رجلين فاختلطا ولم يدر لمن الجيد منهما، فقد اختلف هل يضمن لهما أو لا شئ عليه. اللخمي: والعذر بالنسيان أبين لانه لا يعد بالنسيان مفرطا ويحتمل أن يريد بقوله سواء أي في الضمان لكن لم أر من قال في الثانية بالضمان والله أعلم. انتهى. كلام التوضيح: ونقل ابن عرفة كلام ابن حبيب وابن الماجشون المتقدم، ونقل قبله عن ابن شعبان ما نصه: ولو أودعه بالطريق فمضى لحاجة قبل إحرازها فضاعت ضمن، ولو جعلها في كمه ملقاة لم يكن حوزا انتهى. ثم قال ابن عرفة لما نقل كلام ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون: قوله في سقوطها من كمه خلاف ما تقدم في الزاهي وبه يفسر كلام ابن الحاجب انتهى. وقال في الشامل: ولو نسيها في محل إيداعها ضمن على المنصوص ثم قال: لا إن نسيها في كمه فسقطت على الاصح انتهى. وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة لما عدا الاشياء التي توجب الضمان: السابع النسيان، فلو نسيها في موضعه الذي أخذها فيه ضمن عند ابن حبيب، وكذلك لو نسيها فجعلها في كمه وهو يظن أنها له فتلفت فهو ضامن. وقال ابن عبد الحكم: إذا نسيها في مجلسه فضاعت لم يضمن قال: وهذا الاصل مختلف فيه بين أصحابنا من يجعل نسيانه جناية، ومنهم من لا يرى ذلك. انظر الجواهر انتهى كلامه. ونظرت الجواهر فلم أر فيها شيئا مما ذكره والله أعلم. ص: (وبإيداعها وإن بسفر) ش: يريد وإن لم يجد لها محملا معه إلا أن يعلم صاحبها أنه لا يجد لها محملا على مذهب المدونة خلافا لابن القاسم في أنه لا ضمان عليه إذا لم يجد لها محملا معه. قاله ابن رشد في رسم شك من سماع ابن

    [ 279 ]
    القاسم من البضائع والوكالات، وفيه مسألة من أودع معه وديعة لبلد فعرضت له إقامة في الطريق قصيرة كالايام، أو طويلة كالسنة، أو متوسطة كالشهرين، فإن بعثها في القصيرة ضمنها، وإن حبسها في الطويلة ضمنها، وهو في المتوسطة مخير، هذا الذي ارتضاه ابن رشد وجمع فيه بين أقوال مالك وأصحابه، وفي نوازل أصبغ من الكتاب المذكور مسألة تتعلق بهذا المعنى فراجعها، وانظر الشيخ أبا الحسن وابن يونس في شرح قوله في المدونة في كتاب الوديعة: وإن قال الرسول لم أجد الرجل فرددت إليك المال صدق قال: هذا إذا كان في البلد معه، وإن كان في غير البلد فهو متعد في الرد لان الواجب إذا لم يجده إيداعها، انظر بقية المسألة. وفي النوادر من كتاب ابن المواز: من أبضع معه ببضاعة فليس له أن يودعها غيره ولا أن يبعث بها مع غيره إلا أن تحدث له إقامة في بلد ولا يجد صاحبها ويجد من يخرج إلى حيث أمر صاحبها فله توجيهها. ثم قال: قال مطرف: ولو قال الآمر قد أمرتك أن لا تخرج من يدك ولا تدفعها إلى غيرك وأنكر ذلك المأمور، فالمأمور مصدق وإن لم تقم بينة. وقاله ابن الماجشون وأصبغ. وقال: قال مطرف فيه: ولو اجتهد في أنه أمين فإذا هو غير أمين فالضمان عليه انتهى. ونص على هذا الاخير ابن رشد في رسم أوصى من سماع عيسى من الرهون، وتقدم كلامه. وأما قوله أن المأمور مصدق فليس بمخالف لما قاله المصنف في باب الوكالة. والقول لك إن ادعى الاذن أو صفة له، وقد نص في سماع أصبغ من كتاب الوديعة على أن القول قول رب الوديعة، ونقل المسألة في الذخيرة ولم يحكيا خلافا والله أعلم. ص: (لغير زوجة وأمة اعتيدتا بذلك) ش: يعني فلا ضمان عليه وعكس المسألة نص عليه لمشذالي في حاشيته ونصه قوله فدفعه لزوجته. انظر العكس. قال الوانوغي قال عياض: كان أبو جعفر يفتي بعدم ضمانها إذا ضاعت عنده كما لا يضمن هو ما ضاع عندها. وقال غيره: تضمن هي ولا يضمن هو وهو ظاهر المدونة: المشذالي: ما حكاه الوانوغي عن عياض ذكره في المدارك. وأبو جعفر المشار إليه هو أحمد بن داود الصواف من علماء أفريقية انتهى. وأشار ابن ناجي في شرح الرسالة إلى هذا.

    [ 280 ]
    فرع: رجل طلع إلى سقف فقال لصاحب الحانوت احبس لي هذا الفرو حتى أهبط، فاحتاج صاحب الحانوت إلى القيام فقال لرجل آخر انظر الحانوت والفرو حتى آتي فضاع الفرو. فأجاب الفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد: على صاحب الحانوت الضمان. وهذا يأتي على الوديعة إذا أودعها غيره أنه ضامن إلا أن يكون عند إرادة سفر. قاله في مسائل ابن الحاج ونقله ابن سلمون عنها. فرع: منها: رجل حمل بضاعة لرجل فجاء إلى موضع خوف في الطريق فحبسها بيده

    [ 281 ]
    ثم نزل يبول فوضعها في الارض، ثم قام ونسي ثم تذكر فرجع إلى الموضع فلم يجدها أو لا يدري أين وضعها. فقال ابن الحاج: أفتيت أنا وابن رشد بأنه ضامن، وذكر لي عن الباجي أنه أفتى بأنه لا يضم. انتهى والله أعلم. ص: (وبإنزائه عليها) ش: تصوره واضح، قال ابن ناجي في شرح الرسالة: ولو ختن المودع علجا أسلم عنده وهو يطيقه فمات من ذلك فإنه ليس بتعد اتفاقا، وسواء قلنا الختان سنة أو واجب. قاله شيخنا أبو مهدي. انتهى والله أعلم. ص: (وبموته ولم يوص بها ولم توجد إلا لكعشر سنين) ش: هذا فيما إذا لم تكن الوديعة بإشهاد مقصود به التوثق، وإما إن كانت كذلك فلا يسقط الضمان بطول الزمان كما نبه عليه ابن عرفة،

    [ 282 ]
    واعترض على إطلاق ابن الحاجب وعلى سكوت شارحيه عليه والله أعلم. ص: (وأخذها إن ثبت بكتابة عليها إنها له أن ذلك خطه أو خط الميت) ش: فاعل ثبت قوله: إن ذلك خطه وبكتابة متعلق بأخذها ولو أخره لكان أبين، وتقديره: وأخذها بكتابة عليها أنها له

    [ 283 ]
    إن ثبت أن ذلك خطه أو خط الميت. ص: (وبدفعها مدعيا إنك أمرته به وحلفت وإلا حلف وبرئ إلا ببينة على الآمر) ش: قال في كتاب الوديعة من المدونة: ومن أودعته وديعة فادعى أنك أمرته بدفعها إلى فلان ففعل وأنكرت أنت أن تكون أمرته فهو ضامن إلا أن تقوم لك بينة أنك أمرته بذلك. قال أبو الحسن: قال سحنون: ويحلف ربها، فإن نكل حلف المودع وبرئ. قال أشهب: سواء أودعته ببينة أو بغير بينة صح من عياض. وفي المبسوط عن مالك: إن لم يشهد بها عليها بها صدق الرسول أنه أمره بذلك ويحلف. وفي كتاب ابن حبيب لعبد الملك: إن الرسول مصدق بكل حال، كان دينا أو صلة أنكره القابض أو أقر به إلا أن يقول له اقض عني فلانا دينه علي فيضمن إن لم يشهد انتهى. فرع: فلو مات المودع وادعى المودع أنه أمره بدفعها إلى فلان فإنه يضمن ويحلف الورثة على العلم. قال في المدونة في كتاب الصدقة: ولو دفعت في الصحة مالا لمن يفرقه في سبيل الله أو في الفقراء ثم مت أنت قبل إنفاذه، فإن أشهدت فإنه ينفذ ما فات وما بقي فهو من رأس المال، فإن لم يشهد فالباقي لورثتك، ولو فرق باقيه بعد موتك ضمن البقية لوارثك. قال أبو الحسن: قال عياض: معناه أن الورثة مقرون بذلك ولو نازعوه لضمن ما فرق وما بقي إن كان لم يشهد بعد أن يحلف منهم من يدعي علمه ممن يظن به ذلك. الشيخ: أي نازعوه أن الميت لم يأمره بذلك انتهى.

    [ 284 ]
    فرع: قال في المسائل الملقوطة: لا يجوز دفع الوديعة بأمارة أو بكتابة، فإن فعل وجاء المودع فأنكر حلف ما أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا حق له عليه وضمنها مثلها أو قيمتها، ثم يرجع المودع على القابض منه ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به ولا معرفته بصحة ما جاء به وشهادته بذلك. قاله ابن سهل في كتاب الاقرار انتهى. وذكر المسألة في موضع ثان ثم قال: وكذلك المحال عليه والوكيل حكمهم كذلك ولا يجبروا بالدفع إلا ببينة على المرسل انتهى. وذكر المسألة اللخمي في كتاب الوديعة بأتم من هذا ونصه: وليس على المودع أن يسلم الوديعة بأمارة المودع ولا بكتابته وإن اعترف المودع أنه خطه إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خط المودع. قال في كتاب محمد: لان صاحب الحق لو كان حاضرا لم يجب له أخذها حتى يشهد له بما يبرأ به، يريد أن من حقه الابراء وإشهاده على القبض لانه لا يبرأ إذا جحد المودع إلا أن يعترف المودع أنه رضي لصاحبها بتسليمها بذلك أو رضي الآن بتسليمها فيلزم ما رضي به، وإن رضي أيدفعها إلى الرسول بغير أمارة ولا كتاب والوديعة عين والمودع موسر جاز رضاه وألزم ما ألزم نفسه من ذلك، فإن أنكر المودع أن يكون أرسله قام المودع بالمثل ولم يكن على صاحبها في ذلك ضرر، وإن كانت عرضا أو غير ذلك مما لا يقضى على متلفه بالمثل أو عينا والمودع معسر لم يجز ورد رضاه، لان في ذلك ضررا على صاحبها إن قال لم أبعث إلا أن يكون الرسول ثقة مأمونا ممن يغلب على الظن صدقه فيمكن من قبضها ويلزم الآخر ما رضي به. وإن أوقع الدفع بأمارة أو بكتاب من غير ثبت أو بقول الرسول خاصة ثم قدم المودع فأنكر أن يكون بعثه كان القول قوله مع يمينه أنه لم يبعثه ولا كتب، ثم يكون بالخيار بين أن يغرم الرسول أو المودع، فإن غرم الرسول لم يرجع بها على المودع. واختلف إذا أغرمها المودع هل يرجع بها على الرسول فقال ابن القاسم في المدونة: إذا صدق الرسول ودفع إليه ثم قدم الغائب وأنكر وغرم المودع كان له أن يرجع بها على الرسول. وقال أشهب في مدونته: لا يرجع بها. وقال محمد بن المواز: إذا دفع بالكتاب أو بأمارة ثم أنكر المودع كان له أن يرجع على القابض، وعلى قول أشهب أنه لا يرجع. وإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان وصدقه عليه وأنكر صاحبها ذلك وأن يكون أذن له في خروجها عن يده، كان القول قوله مع يمينه ثم يغرمها أيهما أحب، فإن رجع صاحبها على متلفها لم يرجع به الغارم على الرسول. واختلف إذا رجع صاحبها على الرسول، هل يرجع الرسول على من قبضها، منه، فعلى قول أشهب لا يرجع عليه. وقال عبد الملك: يرجع. وأرى الرجوع في هذه الاسئلة الاربعة مفرعا فيسقط رجوعه في كل موضع يعترف المودع أن القابض قبض بوجه صحيح وأن المودع ظالم في إغرامه، ويرجع في كل موضع يكون من القابض على شك هل قبض بوجه صحيح أم لا ؟ فإذا كان دفعه بخط المودع أو بأمارة أو بقوله ادفعها صدقة عليه لم يرجع، وإن كان دفعه بقول القابض أرسلني إليك رجع لانه يقول حملت قولك على أنه مصدق

    [ 285 ]
    لك ولو علمت أن المودع يخالفك لم أدفع إليك شيئا انتهى. ص: (وإن بعثت إليه بمال فقال تصدقت به علي وأنكرت فالرسول شاهد وهل مطلقا أو إن كان المال بيده تأويلان) ش:. قال في كتاب الوديعة من المدونة: وإن بعثت إليه بمال فقال تصدقت به علي وصدقه الرسول وأنت منكر للصدقة، فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه ويكون المال صدقة عليه. قال: كيف يحلف ولم يحضر ؟ قال: كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه انتهى. قال أبو الحسن: قوله كيف يحلف نقله ابن يونس. قيل لمالك: كيف يحلف ؟ وانظر جعله يحلف هنا، وهل هي يمين غموس أو إنما يحلف إذا تحقق ذلك عنده أو غلب على ظنه. واختلف هل يحلف على غلبة الظن على قولين ذكرهما اللخمي في كتاب الشهادات انتهى. فرع: قال في الشهادة من المدونة: ومن أودعك وديعة فشهدت عليه أنه تصدق بها على فلان أو أقر له بها حلف فلان مع شهادتك واستحقها إن كان حاضرا، وإن غاب لم تجز شهادتك إن كانت غيبته تنتفع أنت في مثلها. قال أبو الحسن: فإن كانت غيبة لا تنتفع في مثلها جاز الشهادة لارتفاع التهمة انتهى. قال في النكت: سألت بعض شيوخنا من أهل بلدنا فقلت: أرأيت إن قال للسلطان خذها من يدي لا أريد إمساكها. فقال: إن كان ذلك حين أتى يشهد قال للحاكم: إن فلانا أودعني كذا وكذا وقد تصدق به على فلان الغائب فخذه فشهادته جائزة، وإن شهد ولم يذكر ذلك ثم أتى يقول هذا فيتهم أن يقول هذا لينفي الظنة عنه التي قد أبطلت شهادته انتهى. قال أبو الحسن: ولو قدم الغائب فأراد أن يقوم بشهادته قال

    [ 286 ]
    ابن شعبان: لا تقبل لانها قد ردت. انظر اللخمي انتهى. ص: (وبدعوى الرد على وارثك) ش قال ابن الحاجب: ولو ادعى الرد على الوارث لم يقبل وكذلك دعوى وارث المودع لانهما لم يأتمناه كاليتيم. ابن عبد السلام: وإذا كان الحكم كذلك في الصورتين فأحرى أن يكون كذلك لو ماخ المودع ورب الوديعة معا وادعى وارث المودع رد الوديعة إلى وارث بها انتهى. وقال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية: إن قال المودع أو العامل رددنا المال لوصي الوارث لموت رب المال لم يصدقا إلا ببينة أو إقرار الوصي ولو كان قبضهما بغير بينة لانهما دفعا لغير من قبضا منه انتهى. وفي الجواهر: أما دعوى الرد على غير من من ائتمنه كدعوى الرد على وارث المالك أو وكيله فلا تقبل إلا ببينة، وكذلك دعوى وارث المودع على المالك تفتقر إلى البينة، وسواء قبض في جميع هذه الصور الثلاث ببينة أو بغير بينة انتهى. ص: (أو المرسل إليه المنكر) ش: قال في الوديعة من المدونة: وإن دفعت إليه مالا ليدفعه إلى رجل فقال دفعته له وأنكر ذلك الرجل، فإن لم يأت الدافع ببينة ضمن ذلك، قبض ذلك منه ببينة أو بغير بينة. ولو شرط الرسول أن يدفع المال إلى من أمرته بغير بينة لم يضمن، وإن لم تقم له بينة بالدفع إذا ثبت هذا الشرط. قال أبو الحسن الصغير في شرحه الكبير: مفهومه لو أقر برئ الدافع انتهى. قال في المدونة بعد ذلك بيسير: ومن بعث معه بمال ليدفعه إلى فلان صدقة أو صلة أو سلفا أو من ثمن مبيع أو ليبتاع لك بها سلعة، فقال دفعته وكذبه الرجل لم يبرأ الرسول إلا ببينة قال أبو الحسن الصغير: ومفهوم قوله: فأكذبه أنه لو صدقه لبرئ وظاهره يعم جميع الصور وذكر فيها السلف وفيه من أمانة إلى ذمة. أما إن كان قائم الذمة فلا إشكال أنه يبرأ، أو إن كان

    [ 287 ]
    خرب الذمة فعلى ما تقدم، وعلى العملة أو ثمن السلعة فلا إشكال أنه يبرأ بتصديقه انتهى. وقوله على ما تقدم يشير إلى كلام ابن رشد وسيأتي إن شاء الله ملخصا. وقال في المدونة بعد هذا: وإن بعتث من رجل ثوبا وبعت معه عبدك أو أجيرك ليقبض الثمن فقال قبضته وضاع مني، فإن لم تقم للمشتري بينة بالدفع إلى رسولك ضمن بخلاف من دفعت إليه مالا ليدفعه إلى رجل فقال دفعته إليه بغير بينة وصدقه الرجل هذا لا يضمن. قال أبو الحسن: ظاهره قبض ذلك إلى أمانة أو اقتضى من حقه. عياض: اختلف في تأويلها فقال ابن لبابة وغيره: إن معنى المسألة أنه إذا صدقه المبعوث فهو مصدق والرسول برئ، سواء كان القابض لها قبضها من حق أو وديعة، وهو ظاهر الكتاب وعليه اختصر أكثرهم وهو بين في كتاب ابن حبيب. وقال حمديس: إنما يجب على أصله فيما أقر به المبعوث إليه من حقوقه أو على وديعة هي قائمة في يده، وأما التي أقر بقبضها وادعى تلفها أو جحد القبض فلا يبرأ الرسول إلا ببينة على الدفع. وقاله جماعة من نظار الاندلس، ولفظه في الكتاب محتمل أن يكون من حق أو وديعة انتهى. ونقل ابن عرفة هذين التأويلين عن عياض أيضا والله أعلم. وقال في المقدمات: من دفع الوديعة إلى غير اليد التي دفعتها إليه فعليه ما على ولي اليتيم من الاشهاد، فإن لم يشهد فلا يصدق في الدفع إذا أنكر القابض، ولا أحفظ في هذا الوجه نص خلاف إلا ما قاله ابن الماجشون فيمن بعث ببضاعة إلى رجل مع رجل أنه لا يلزمه الاشهاد في دفعها إليه وهو مصدق، وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة، ويمكن أن يكون قول ابن القاسم مثله بالمعنى في مسألة اللؤلؤ الواقعة في كتاب الوكالات، فإن أقر بالقبض وادعى التلف فلا يخلو إما أن يكون قبض إلى أمانة أو إلى ذمة، فإن كان قبض إلى أمانة فاختلف في ذلك قول ابن القاسم فقال فيها مرة يبرأ الدافع بتصديق القابض وتكون المصيبة من الآمر وهو قوله في الكتاب، وقال مرة لا يبرأ الدافع إلا بإقامة البينة على الدفع أو يأتي القابض بالمال وهو قوله في كتاب ابن المواز. وأما إن قبض إلى ذمة مثل أن يقول له ادفع الوديعة التي لي عندك إلى فلان سلفا أو تسليفا في سلعة أو إلى صانع يعمل فيها عملا، فإن كانت الذمة قائمة فإن الدافع يبرأ بتصديق القابض بلا خلاف، وأما إن كانت الذمة خربة فاختلف في ذلك، قيل: إن الدافع يبرأ بتصديق القابض وهي رواية عيسى عن ابن القاسم. وقيل: إنه لا يبرأ من تصديقه إياه الخراب ذمته. فصل وهذا التقسيم كله في دفع الامانة، وأما ما يثبت في الذمة فإن دفع ذلك إلى أمانة فإنه لا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف، ولا يبرأ إلا بإقامة البينة على معاينة الدفع أو يأتي قابض المال به. هذا نص ما في المدونة ولا أعرف في هذا خلافا إلا أن يدخله الخلاف بالقياس على الامانة. وإن دفع إلى ذمة فإن كانت قائمة فإنه يبرأ بتصديق القابض باتفاق، وإن كانت

    [ 288 ]
    خربة فإنه لا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف إلا أن يقيم بينة على الدفع. هذا الذي يصح عندي على مذاهبهم ولا أعرف فيها نص خلاف إلا أن دخلها الخلاف بالقياس على الامانة فهي أربعة وجوه: دافع من ذمة إلى ذمة، ومن أمانة إلى أمانة، ومن ذمة إلى أمانة، ومن أمانة إلى ذمة. انتهى مختصرا لكنه بلفظه والله أعلم. وقول ابن رشد إذا دفع من ذمة إلى أمانة لا يبرأ بتصديق القا بض إذا ادعى التلف يريد والله أعلم في غير الوكيل المفوض. قال ابن الحاجب: أما لو لم يمت وأكذبه لم يصدق إلا ببينة ولو صدقه المرسل إليه في قبضها منه. ابن عبد السلام: يريد فلو لم يمت الرسول أو دفع الوديعة إلى من أمره يدفعها إليه وضاعت وأنكر ربها فإنه لا يصدق في دفعها إليه حتى يقيم البينة على معاينة الدفع، فإن لم يقمها ضمن، سواء صدقه المرسل إليه في قبضها منه أو لم يصدقه في ذلك انتهى. فقول المصنف المنكر مفهومه أنه لو لم يكن منكرا لا يضمن وكأنه اعتمد ما تقدم عن المدونة وما نسبه ابن رشد لابن القاسم فيها، وترك ما مشى عليه ابن الحاج لقوة الاول، ولا منافاة على هذا بين ما قال هنا وبين ما قاله في باب الوكالة، ولو قال غير المفوض قبضت وتلف برئ ولم يبرأ الغريم إلا ببينة لان ما قاله في الوكالة محمول على القسم الثالث في كلام ابن رشد وهو الدفع من ذمة إلى أمانة الذي صرح بنفي الخلاف فيه بدليل قول المصنف الغريم ولذا قال الشارح هناك: يريد إذا قال الوكيل المخصوص قبضت ثمن ما بعت الخ. فتأمل ذلك والله أعلم. تنبيه: في إطلاق المصنف على هذه المسألة دعوى الرد مسامحة وإنما فيها دعوى إيصال الامانة. تنبيه: ثان: قال في النكت: اعلم أن الرسول إذا شرط عليه أن لا يشهد على من يدفع إليه ينفعه، وإذا شرط عليه أن لا يمين عليه لم ينفعه ذلك لان اليمين إنما ينظر إليها حين وجوب متعلقها فكأنه شرط سقوط أمر لم يجب بعد بخلاف شرطه ترك الاشهاد. وذكره ابن حبيب فيما أراه انتهى. وقد ذكر ابن رشد من هذا في رسم أوصى من سماع عيسى من الرهون مسألة المرتهن يأخذ الرهن على أن يضعه على يدي عدل ويدعي أنه وضعه ويصدقه على ذلك العدل أنه لا ضمان عليه، ويصدق على مذهب المدونة. وقال ابن عرفة: قلت: انظر هذا مع القول بالوفاء بشرط دعوى التصديق في دعوى عدم القضاء انتهى وسيقوله المصنف. تنبيه: إطلاق المصنف هنا في الضمان مع عدم الاشهاد هو المشهور، ومقابله أنه إذا كان العرف عدم الاشهاد صدق المودع كما تقدم في باب الوكالة، وتقدم فيه أيضا أن تصديق رب المال لا يسقط الضمان مع عدم الاشهاد وكما هو ظاهر قراض المدونة ولفظ ابن الحاجب هنا إلا أن يدفع ذلك بحضرة رب المال فتأمله وراجعه والله أعلم. فرع: قال في المدونة إثر المسألة الثالثة وهي قوله من بعثت معه بمال ما نصه: وكذلك إن

    [ 289 ]
    أمرته بصدقة على قوم معينين، فإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقة على غير معينين صدق مع يمينه وإن لم يأت ببينة انتهى. ابن يونس: يريد وإنما يحلف إذا كان متهما. ونقله أبو الحسن والله أعلم. فرع: قال في المدونة في كتاب الوديعة: وإن بعثت بمال إلى رجل ببلد فقدمها الرسول ثم مات بها وزعم الرجل أن الرسول لم يدفع إليه شيئا، فلا شئ لك في تركة الرسول ولك اليمين على من يجوز أمره من ورثته أنه لا يعلم لذلك سببا. ولو مات الرسول قبل أن يصل إلى البلد فلم يوجد للمال أثر، فإنه يضمن ويؤخذ من تركته. انتهى. زاد في مختصر الوقار: فإن نكلوا غرموا. وقال فيه: فإن مات المبعوث بها إليه بعد وصول المبعوث معه إلى البلد وادعى دفعها إلى الرجل لم يقبل قوله إلا أن يأتي على دفعها ببينة، وإن وصل المبعوث بها معه إلى البلد ولم يوصلها إلى المبعوث بها إليه ولم يذكر لها ذكرا حتى رجع إلى ربها وادعى تلفها فهو ضامن لها. انتهى من كتاب البضاعة منه ونحوه في النوادر في كتاب الوكالات ونصه: قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك، ومن أبضع مع رجل بضاعة وأمره أن يدفعها إلى آخر وأشهد الآمر عليه أو لم يشهد والبضاعة دين على الآمر أو على وجه الصلة، فعلى المأمور أن يشهد على الدافع وإلا ضمن إذا أنكر القابض أنه ما قبض منه شيئا أو كان ميتا أو ما أشبه ذلك من غاية الامور انتهى. ص: (كعليك إن كانت لك بينة) ش: قال في معين الحكام: إذا كانت الوديعة ببينة فادعى المودع رد الوديعة فعليه البينة وإلا ضمن بعد يمين ربها ولربها رد اليمين انتهى. وفي وثائق المجموعة: فإن زعم المستودع عنده المشهود عليه بالوديعة أنه رد الوديعة إلى ربها فعليه البينة بما زعمه ولا يبرئه قوله، وله اليمين على ربها فإن حلف ربها أنه لم

    [ 290 ]
    يقبضها غرمها المودع عنده، وإن نكل ربها عن اليمين ردت اليمين على المودع، فإن حلف برئ وإن نكل غرم انتهى. تنبيه: يشترط أن يعلم المودع أنه قصد المود بالبينة التوثق، قال أبو الحسن: وقوله يعني في المدونة: إلا أن يكون قبض ذلك ببينة ظاهره وإن كانت بينة الاسترعاء وليس كذلك، وأبو محمد هو الذي حرر هذا اللفظ في رسالته في قوله إلا أن يكون قبضها بإشهاد. ابن يونس: من أخذ الوديعة بمحضر قوم ولم يقصد إشهادهم عليه فهو كقبضه بلا بينة حتى يقصد الاشهاد على نفسه. اللخمي: إن كان القبض ببينة ليكون الرد ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة إن كان الاشهاد خوف الموت ليأخذها من تركته، أو قال المودع أخاف أن يقول هي سلف فأشهدني أنها وديعة وما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد التوثق من القابض، فيكون القول قوله في ردها بغير بينة، ولو تبرع المودع بالاشهاد على نفسه فقال أبو بكر بن زرب: لا يبرأ إلا بالاشهاد لانه ألزم نفسه حكم الاشهاد. وقال ابن عبد الحكم: هو مصدق انتهى. ص: (وعدم العلم بالتلف أو الضياع) ش: كذا في أكثر النسخ، والصواب عدم العلم بالرد. قال في التوضيح: قال في البيان: يريد بعد أن يحلف ما هي عنده ولقد ردها إليه أو تلفت. وقال في آخر كتاب الوديعة من الذخيرة: قال ابن يونس: قال أصبغ: إذا قال لا أدري أضاعت أو رددتها والقبض ببينة يضمن لان يده يد ضمان، وإنما أمن على الحفظ ولم يتحقق المبرئ. قال ابن عبد الحكم: ولو قال لك إن أودعتني شيئا فقد ضاع وقبضه ببينة ليس عليه إلا يمينه لجزمه بانحصار الطارئ في الضياع. انتهى والمسألة في نوازل أصبغ من كتاب الوديعة والله أعلم. ص: (وحلف المتهم) ش: هذا فيما إذا ادعى التلف ولم يحقق ربها عليه الدعوى أنها باقية

    [ 291 ]
    انتهى. انظر كتاب ابن حارث في باب الامناء، وابن جزي في باب الضمان بالتعدي والغصب، فإن نكل غرم ولا يرد اليمين. انظر ابن عرفة. وأما في دعوى الرد فإن القول قوله إلا أن يكون قبضه ببينة. وإذا قبل قوله فقال في التوضيح: الذي حكاه صاحب البيان وغيره أنه يحلف في دعوى الرد باتفاق انتهى. وقال ابن عرفة: وحيث يقبل قوله في الرد فلا خلاف أنه بيمين، واعترض على ابن الحاجب في حكايته الخلاف في ذلك وقال: وباشتمال كتابه على مثل هذا كان محققو شيوخنا ينكرون كتاب ابن الحاجب الفقهي والله أعلم. ص: (وبمنعها حتى يأتي الحاكم إن لم تكن ببينة) ش: تصوره ظاهر. فرعان: الاول: قال في النوادر في آخر كتاب الوديعة: ومن كتاب ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم قالا: ومن أودعته وديعة ثم أقررت أنها لزيد الغائب ثم طلبت قبضها، فلك ذلك بالحكم

    [ 292 ]
    وليس إقرارك أنها لزيد يمنعك من قبضها في غيبة زيد لانك ا لذي أودعتها، وكذلك ما أودعته عند سفرك من وديعة أو مال أنت فيه وكيل وأنت مقر أن ذلك لفلان، فلك أخذه، وكذلك ما أنت وكيل على بيعه فبعته فلك قبض الثمن. فلو قدم مالك الوديعة فطلب أخذها منك وأنت مقر أن من أودعها عندك ذكر أنها لهذا الطالب فلك منعها من ربها إلا بشاهدين على إقرار مودعها بذلك لانك لا تبرأ منه إن جحدها إلا بهذا أو يقوم شاهد معك فيقضي له السلطان بها أو بشاهد ذلك مع يمين طالبها، فإن لم يقض لق بشئ ثم قدم من أودعكها وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه. وإن علمت أنها لغيره. وكذلك لو كانت دارا فدفعها إليه فهدمها وأتلف نقضها فلا ضمان عليك إن جاء ربها لانك غير متعد فيما

    [ 293 ]
    فعلت، وكلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها إليه أو بدفع حق له عليك. ومر هذا في كتاب

    [ 294 ]
    الوكالات وكتاب الاقرار الاول في باب من إقرار الدين الذي له على فلان لفلان وفيه قول آخر انتهى. الثاني: قال في المسائل الملقوطة: إذا دعا الزوج زوجته لحاجة ودعاها من له عندها وديعة فالزوج مقدم انتهى. ص: (وإن أودع صبيا الخ) ش: قال المشذالي في حاشيته في كتاب المديان: وقعت مسألة في وصي دفع مركبا له لمولى عليه في حجره وصرفه إلى الاسكندرية فمضى به المولى عليه فعطب في رجوعه، فقال الوصي إنما أمرتك أن تسير به وتبقيه فغررت

    [ 295 ]
    ورجعت فعليك الضمان. قال أبوعمران: لا ضمان عليه لان من أطلق يد سفيه على ماله أو رباعه أو أودعه وديعة فتعدى السفيه فلا شئ عليه. فقيل: جناية الصبي لازمة له إلا فيما أطلق يده عليه والوصي يقول إنما أطلقت يده في الوصول فقط فبنفس الوصول انقطع تسليطي عليه فهو متعد. قال أبوعمران: هذا وإن كان كما قلت فهو قد بقي بيده كأن أودعه إياه حتى يبيعه، وقد قال مالك فيمن جعل للسفيه جعلا في آبق فباعه إلى آخر ما في المدونة وذكر مسائل على هذا المعنى انتهى. ص: (وإن أودع اثنين جعلت بيد إلا عدل) ش: قال في المدونة: ومن أودع رجلين وديعة أو استبضعها فليكن ذلك بيد أعدلهما كالمال بين الوصيين، وإن لم يكن في الوصيين عدل خلعهما السلطان ووضع المال بيد غيرهما. قال ابن القاسم: ولم أسمع من مالك في الوديعة والبضاعة شيئا وأراه مثله انتهى. قال في الذخيرة: قال في

    [ 296 ]
    التنبيهات: لو اقتسماها لم يضمناها في ظاهر قول ابن القاسم، والخلع عند عدم العدالة مختص بالوصيين لان الايداع مشروع عند البر والفاجر ولا يوصي الفاجر. وقال القاضي إسماعيل: هما بخلاف الوصيين لا يكون عند أحدهما ولا ينزع منهما ولا يقتسمان ويجعلان حيث يثقان به وأيديهما فيه واحد انتهى. باب العارية ص: (صح وندب إعارة مالك منفعة) ش: قال ابن عرفة: الجوهري: العارية بالتشديد

    [ 297 ]
    كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار والعارة مثل العارية، يقال هم يتعورون للعواري بينهم. وقيل: مستعار بمعنى متعاور أي متداول. وفي بعض حواشي الصحاح ما ذكره من أنها من العار وإن كان قد قيل فليس هو الوجه، والصحيح أنها من التعاور الذي هو التداول وزنها فعلية. ويحتمل أن تكون من عراه يعروه إذا قصده ويكون وزنها فاعولة أو فعلية على القلب. ولما ذكر ابن عبد السلام وكلام الجوهري قال: أنكر عليه كونها منسوبة إلى العار لانه لو كان كذلك لقالوا يتغيرون لان العار عينه ياء. قلت في المخصص لابن سيده ما نصه: وتعورنا العواري وتعاورنا الشئ تداولناه. وقيل: العارية من الياء لانها عار على صاحبها وقد تعيروها بينهم. قلت: وهذا نص بأنها من ذوات الياء يرد إنكار ابن عبد السلام يتعيرون، ولكن قال ابن سيده في المحكم: والعارية المنحة. قال بعضهم: إنها من العار وهو قول ضعيف غره قولهم يتعيرون العواري وليس على وضعه إنما هي معاقبة من الواو إلى الياء. قلت: وقد يرد بأن الاصل عدم المعاقبة انتهى. وفي رده على ابن سيده بمثل هذا انظر فتأمله. وفي القاموس: والعارية مشددة وقد تخفف، والعارية ما تداولوه بينهم والجمع عواري مشددة ومخففة انتهى. قال ابن عرفة: وهي مصدرا: تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض فتدخل العمرى وإلا خدام لا الحبس. واسما: مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض ويقال طرداهما بإرث ملك منفعة وارثها ممن حصلا له بعوض لحصولهما للوارث بغير عوض منه. ويجاب بأن عموم نفي العوض لانه نكرة في سياق النفي يخرجهما لانهما بعوض لمالك العين من الميت. وقول ابن شاس وابن الحاجب تمليك منافع العين بغير عوض يبطل طرده بالحبس وعكسه بأن لا يتناولها إلا مصدرا والعرف إنما هو استعمالها اسما وهي الشئ المعار وهي من حيث ذاتها مندوب إليها لانها إحسان والله يحب المحسنين. ويعرض وجوبها نعني عينها لمن يخشى بعدمها هلاكه، وحرمتها ككونها معينة على معصية، وكراهتها ككونها معينة على مكروه، وتباح لغني عنها وفيه نظر لاحتمال كراهتها في حقه انتهى. ونقل كلامه ابن ناجي. فائدة: قال القرطبي في تفسير سورة آل عمران: من الغلول منع الكتب عن أهلها وكذا غيرها. انتهى بالمعنى. ص: (بلا حجر) ش: مراده هنا بالحجر أعم من الحجر المتقدم في بابه ليشمل ما إذا منع المعير المستعير من الاعارة فإنه ليس له الاعارة. قال ابن سلمون: العارية مندوب إليها وتصح من كل مالك للمنفعة وإن كان ملكه لها بإجارة أو عارية ما لم يحجر

    [ 298 ]
    عليه ذلك، ومن استعار شيئا لمدة أو اكتراه فله أن يعيره لمثله في تلك المدة أو يكريه إلا أن يشترط عليه أن لا يفعل ذلك. ص: (لا مالك انتفاع) ش: انظر ما نقله ابن غازي. وانظر كلام القرافي الفرق الثلاثين وآخر كتاب العارية من الذخيرة وما نقله عن النوادر، وانظر اللخمي في الوقف. ص: (لمنفعة مباحة) ش: انظر ما يستعار ليتجمل به في الاعراس هل هو من باب المتشبع بما ليس له. انظر الابي في كتاب الايمان في حديث: من ادعى دعوى كاذبة وانظر

    [ 299 ]
    المدخل. ص: (وضمن المغيب عليه) ش: قال في المقدمات: إذا وجب على المستعير ضمان العارية فإنه يضمن قيمة الرقبة يوم انقضاء أجل العارية على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه بعد يمينه لقد ضاعت ضياعا لا يقدر على ردها انتهى. ص: (لا غيره) ش: يعني أنه لا يضمن ما لا يغاب عليه. قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة وهو مصدق في هلاكه ويحلف متهما كان أو غير متهم انتهى. وانظر كلام غيره في المسألة. فرع: قال في التوضيح: ابن المواز: وإذا قلنا لا يضمن الدابة فيضمن سرجها ولجامها. اللخمي: ولا يضمن العبد ولا ما عليه من الكسوة لان العبد جائز لما عليه انتهى. ص: (إن

    [ 300 ]
    شهد له أنه معه في اللقاء) ش: هذا هو مذهب المدونة. ص: (أو ضرب به ضرب مثله) ش: هذا قول آخر حكاه ابن رشد أنه لا يصدق إلا أن يكون له بينة أنه ضرب به في اللقاء ضربا يجوز له. قال: وهو أبعد الاقوال ولا يحتاج إليه على القول الاول الذي صدر به المصنف وهو مذهب المدونة. فرع: قال في التوضيح: اللخمي: وأما الرحى تستعار للطحن عليها فيأتي بها وقد

    [ 301 ]
    جففت فلا شئ عليه بالاتفاق. ص: (وإلا فالمعتاد وله الاخراج في كبناء) ش: قال ابن غازي: قوله وإلا فالمعتاد هو خلاف ما في المدونة إلا أن ابن يونس صوبه. وقوله وله الاخراج وفاق لما في المدونة وكلامه متناقض، وقد عدها ابن الحاجب قولين وقبله ابن عبد السلام وابن عرفة والمصنف ولو قال: فالمعتاد على الارجح وفيها له الاخراج في كبناء، الخ لاجاد انتهى. وما قاله ابن غازي صحيح لا غبار عليه، وعلى ما ذكره المصنف في البناء هنا مشى في كتاب الشركة في مسألة إعارة الجدار وما بعده، وهو أحد الاقوال الستة التي حصلها ابن زرقون على ما قاله في التوضيح كأنه والله أعلم أشار به إلى أخذها من كلام ابن رشد فإنه حصلها في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من الاقضية فراجعه. وقال البساطي هنا: فإن قلت قوله: وإلا فالمعتاد يقتضي أن العارية لازمة إلى انتهاء المدة وقول: وله الاخراج ينافي ذلك ولهذا لما قال ابن الحاجب وإلا فالمعتاد في مثلها غير بعد ذلك بقيل فقال وقيل

    [ 302 ]
    للمعار الاخراج فجعلها قولين. وقال الشارحان الذي عبر عنه بقيل هو مذهب المدونة والمصنف جمع بينهما. قلت: هو تابع في ذلك للمدونة ويبين لك ذلك بنصها قال: ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس فلما فعل أردت إخراجه، فإن كان بقرب ذلك مما يرى أنه لا يشبه أن يعير إلى تلك المدة فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق، فأنت ترى أنه جعلها لازمة إلى المدة ولكنه جعل للمعير الاخراج بشرط أن يعطيه ما أنفق فليس بين الكلامين خلاف. فإن قلت: فابن الحاجب جعله خلافا وقال الشارحان: القول الاول لمطرف وغيره. قلت: هذا أيضا صحيح، واتفق مطرف والمدونة على أنها لازمة ولكن مطرف يقول: ليس له الاخراج ولو أعطى بخلاف المدونة فكانا قولين بهذا الاعتبار انتهى كلامه. وما قاله رحمه الله ليس بظاهر فإنه إنما فرق في المدونة بين أن يطلبه بالقرب بعد ما يرى أنه أعار إلى مثله لاجل أنه ورطه حتى بنى، أما لو لم يبن أم كان المستعار مما لا يبنى فيه ولا يغرس كالثوب والدابة والعبد لاخذه صاحبه قرب الامد أو بعد. قال في المدونة إثر الكلام المتقدم في كلام البساطي: وقال في باب بعد هذا: قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الامد. وإن أردت إخراجه بعد أمد يشبه أنك أعرته إلى مثله فلك أن تعطيه قيمة البناء والغرس مقلوعا وإلا أمرته بقلعه إلا يكون مما لا قيمة له إذا قلع ولا نفع فيه من جص ونحوه فلا شئ للباني فيه، وكذلك لو ضربت لعاريته أجلا فبلغه وليس لك إخراجه ها هنا قبل الاجل، وإن أعطيته قيمة ذلك قائما. وكذلك لو لم يبن ولم يغرس حتى أردت إخراجه فليس لك ذلك قبل الاجل، ولو لم تضرب أجلا كان ذلك لك انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي: إن أجلت العارية بزمن أو انقضاء عمل لزمت إليه، وإن لم تؤجل كقولك أعرتك هذه الارض أو الدابة أو الدار أو هذا العبد أو الثوب في صحة ردها ولو بقرب قبضها ولزوم قدر ما تعار له، ثالثها إن أعاره ليسكن ويبني فالثاني وإلا فالاول لابن القاسم فيها مع أشهب وغيرهما وابن القاسم في الدمياطية. انتهى والله أعلم. ص: (إلا أن يأنف مثله عنه) ش: قال ابن الحاجب: إلا أن

    [ 303 ]
    يكذبه العرف. ابن عبد السلام: واعلم أن المراد بقوله ما لم يكذبه العرف ليس هو إلا أن تكون عادة المالك أن يكري ما جرى بينهما النزاع فيه، بل مرادهم مع ذلك أن يكون شرفه يأبى الكراء من غيره ويأنف عن مثل هذا، ونحوه في التوضيح. ص: (كدعواه رد ما لم يضمن) ش: قال ابن رشد في أول سماع عيسى من كتاب الرواحل والدواب: الاشياء المقبوضة من أربابها على غير وجه الملك إن قبضت لمنفعة القابض خاصة كالعواري والرهون، فالقابض ضامن لما يغاب عليه إلا أن يقيم البينة على التلف ومصدق فيما لا يغاب عليه أنه قد تلف مع يمينه إلا أن يتبين كذبه وإن قبضت لمنفعة أربابها خاصة كالبضائع والودائع فالقابض لها مصدق في دعوى التلف دون يمين إلا أن يتهم فيحلف، عينا كان أو عرضا أو حيوانا، وإن قبضت لمنفعتهما جميعا كالقراض والشئ المستأجر فكذلك لانه يعقب منفعة أربابها من جهة

    [ 304 ]
    أنها ملك لمتاعه ولو شاء لم يدفعه، وما يصدق فيه في دعوى التلف من الوديعة والبضاعة والقراض والشئ المستأجر وما لا يغاب عليه من الرهون والعواري فالقول قوله في دعوى الرد مع يمينه إلا أن يكون قبضه ببينة. وقد روى أصبع عن ابن القاسم في أول سماعه أن القول قول المستأجر في رد ما استأجره وإن قبضه ببينة، وكذلك يلزم في القراض والوديعة وما لا يصدق فيه في دعوى التلف مما يغاب عليه من العواري والرهون، فلا يكون القول فيه قوله في دعوى الرد وعليه إقامة البينة في ذلك إلا ما يدل عليه موقع في آخر رسم من سماع أبي زيد من الوديعة من أنه يصدق في رد الرهن إذا قبضه بغير بينة انتهى. وقال في سماع أبي زيد المذكور، في هذه المسألة دليل على أن القول قول المرتهن في رد الرهن إذا پقبضه بغير بينة كالوديعة وذلك بعيد. ثم قال: ولعله إنما تكلم في هذه الرواية على الرهن الذي لا يغاب عليه يصدق المرتهن فرده إذا قبضه بغير بينة كما يصدق في تلفه كالوديعة انتهى. وقال في آخر رسم الرهون الثاني من المدونة من سماع عيسى من كتاب الرهون في شرح مسألة فيه: وهذا كما قال لان ما لا يصدق في دعوى الضياع فيه من العواري والرهون التي يغاب عليها فلا يصدق في دعوى الرد فيه، سواء قبض ذلك ببينة أو بغير بينة. وهذا مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب إلا ما وقع في آخر سماع أبي زيد من الوديعة فإن فيه دليلا على أنه يصدق في دعوى الرهن إذا قبضه بغير بينة وهو بعيد، ولعله إنما تكلم على الرهن الذي لا يغاب عليه انتهى. وعلى هذا ففي كلام المصنف إشكال انظر المقدمات في كتاب الوديعة والتوضيح في كتاب الوديعة في شرح قوله: وإن ادعى الرهن قبل مطلقا.

    [ 305 ]
    مسألة: من استعار دابة ليحمل عليها شيئا فوكل من يحمله عليها أو حمله عليها شريكه، لم يضمن هو ولا شريكه بخلاف لو تعدى أجنبي وحمل عليها ما استعيرت له، فإن الاجنبي يضمن، قاله في كتاب الشركة من المدونة وقال أبو الحسن: قال ابن حبيب: ومن استعار دابة لركوب أو حمل ثم ردها مع عبده أو غلام فعطبت أو ضلت فلا يضمن لان شأن الناس على هذا وإن لم يعلم ضياعها إلا بقول الرسول وهو مأمون أو غير مأمون ذلك سواء فلا يضمن. ص: (فعليه وعليهم اليمين) ش: قال في رسم البراءة من سماع عيسى من العارية: ولو زعم الرسول أنه قد أوصله إلى الذين بعثوه وجحدوه لم يكن عليهم ولا عليه إلا اليمين ويبرؤون انتهى. وقوله: وجحدوه الظاهر أن مراده جحدوا الارسال ولو أقروا به ضمنوا والله أعلم. ص: (ومؤنة أخذها على المستعير كردها على الاظهر) ش: تصوره ظاهر وتقدم في الاقالة الكلام على حمل السلعة المقال منها والله أعلم.

    [ 306 ]
    باب الغصب قال في الذخيرة: الغصب لغة قال الجوهري: أخذ الشئ ظلما، غصبه منه وغلبه سواء، والاغتصاب مثله انتهى. ثم قال صاحب المقدمات: التعدي على رقاب الاموال سبعة أقسام لكل قسم منها حكم يخصه وهي كلها مجمع على تحريمها وهي: الحرابة والغصب والاختلاس والسرقة والخيانة والادلال والجحد انتهى. فوائد: قال عليه السلام في خطبة ثاني النحر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فورد سؤال وهو أن المشبه يجب أن يكون أخفض من المشبه به وهو هنا منحط عنه في نظر الشرع بكثير. وجوابه أن التشبيه وقع بحسب اعتقادهم فإنهم كانوا يعظمون البلد والشهر ويحتقرون الامور المذكورة. انتهى بالمعنى من الذخيرة ومنها أيضا في أدلة الغصب قوله (ص): من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين متفق عليه. فائدة: قال العلماء: لم يرد في السمعيات ما يدل على تعدد الارضين إلا قوله تعالى: * (الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن) * وهذا الحديث وقيل: المثلية في العظم لا في العدد فلا دلالة. فائدة: قال البغوي قبل طوفه أي كلف حمله يوم القيامة لا طوق التقليد. وقيل: تخسف الارض به فتصير البقعة المغصوبة في حلقه كالطوق قال: وهذا أصح لما في البخاري قال رسول الله (ص): من أخذ من الارض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين انتهى. وحديث البخاري هذا دليل أيضا على تعدد الارضين. وقوله: وقيل المثلية في العظم يظهر لي أنه ولو قيل به ففيه أيضا دليل على التعدد والله أعلم. ومنها أيضا قال

    [ 307 ]
    رسول الله (ص) من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق يروى بالتنوين في عرق على النعت، وبعدمه على الاضافة. وفي النكت: عرق الظالم ما يحدثه في المغصوب. قال ابن شعبان: العروق أربعة: ظاهران البناء والغرس، وباطنان في الارض الآبار والعيون. انتهى. ص: (أخذ المال قهرا تعديا حرابة) ش: هذا الرسم نحو رسم ابن الحاجب وهو متعقب من وجهين: الاول: أن فيه التركيب في قوله بلا حرابة لانه بتوقف على معرفة حقيقة الحرابة، و التركيب هو توقف معرفة الحدود على معرفة حقيقة أخرى ليست أعم منه ولا أخص من أعمه. وقد اعترض به ابن عرفة على ابن الحاجب وأصله لابن عبد السلام ولم يعزه ابن عرفة له. الثاني: أنه غير مانع لانه يدخل فيه أخذه المنافع كسكنى ربع وحرثه وليس غصبا بل تعديا، وهذا لابن عرفة أيضا. وحده بقوله: الغصب أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا لا بخوف قتال، فيخرج أخذه غيلة إذ لا قهر فيه لانه بموت مالكه وحرابته انتهى. وفي التنبيهات: الغصب في لسان العرب منطلق على أخذ كل ملك بغير رضا صاحبه من شخص أو مال أو منافع، وكذلك التعدي سرا أو جهرا أو اختلاسا أو سرقة أو جناية أو قهرا، غير أن الغصب استعمل في عرف الفقهاء في أخذ أعيان المتملكات بغير رضا أربابها وغير ما يجب على وجه القهر والغلبة من ذي سلطان وقوة، واستعمل المتعدي عرفا في التعدي على عينها أو منافعها، سواء كان للمتعدي في ذلك يد بيد أربابها أو لم يكن كالقراض والودائع والاجارة والصنائع والبضائع والعواري. وفرق الفقهاء بين الغصب والتعدي في وجوه منها: أن الغاصب ضامن للسلعة يوم الغصب لانه يوم وضع يده عليها بالتعدي والمتعدي يوم التعدي والغاصب يضمن الفساد اليسير، والمتعدي لا يضمن إلا الكثير، وعلى المتعدي كراء ما تعدى عليه وأجرته بكل حال

    [ 308 ]
    عند مالك. وقال في الغاصب: لا كراء عليه. وفي كثير من هذه الاصول اختلاف من أصحابنا معلوم انتهى. ويؤخذ منه أن من تعدى على دابة وديعة وركبها فعليه أجرتها فتأمله. وقال في الذخيرة: قال بعضهم: الغصب رفع اليد المستحقة ووضع اليد العادية قهرا. وقيل: وضع اليد العادية قهرا. وينبني على التعريفين أن الغاصب من الغاصب غاصب على الثاني دون الاول لكونه لم يرفع اليد المستحقة انتهى. وقال ابن عرفة: التعدي قال المازري: هو غير الغصب. وأحسن ما ميز به عنه أن التعدي الانتفاع بملك الغير بغير حق دون قصد الرقبة أو إتلافه أو بعضه دون قصد تملكه. قلت: وحاصل مسائل التعدي الانتفاع بمال الغير دون حق فيه خطؤه كعمده أو التصرف فيه بغير إذنه أو إذن قاض أو من يقوم مقامه لفقدهما، فيدخل تعدي المقارض وسائر الاجراء والاجانب. ص: (وأدب مميز) ش: قال ابن الحاجب: ويؤخذ بحق المغصوب من مال الصبي المميز ويؤدب، انتهى. قال في التوضيح: ولا خلاف في تأديب البالغ. وأما غير البالغ فقال ابن عبد السلام: ما ذكره المؤلف هو ظاهر المذهب للمتقدمين. وفي المقدمات: لا يؤدب من لم يبلغ الحلم لقوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاث وقيل: يؤدب كما يؤدب في المكتب انتهى. وقال في المقدمات: ويجتمع في الغصب حق الله وحق المغصوب منفيجب على الغاصب لحق لله تعالى الادب والسجن على قدر اجتهاد الحاكم ليتناهى الناس عن حرمات الله، ولا يسقط ذلك عنه عفو المغصوب منه انتهى. ونقله في التوضيح. ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة وقال عقيبه: وما ذكره خالفه فيه المتيطي فقال: لا يؤدب إن عفا عنه المغصوب منه. انتهى فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال ابن عرفة: والغصب بين الكافرين كالغصب بين المسلمين. بن شعبان: وكذا بين الزوجين وبين الوالد ولده، وفي اغتصاب الوالد من ولده خلاف وبهذا أقول انتهى. ونحوه في المقدمات. ويستوي في حكمه الاحرار البالغون من أهل الذمة والمسلمين القرابة والاجنبيين إلا الوالد من ولده والجد للاب من حفيده، فقيل لا يحكم لهم بحكم الغاصب الاجنبي لقوله

    [ 309 ]
    عليه السلام أنت ومالك لابيك انتهى قال البرزلي إثر نقله قول ابن شعبان: وبهذا أقول قلت: هو الذي ارتضاه الباجي في سنن الصالحين وروى فيه حديثا وإشعارا لقوله عليه السلام: أنت ومالك لابيك وقوله عليه السلام خير ما يملكه الانسان من كسبه وولده من كسبه وظاهر قول مالك أنه لا يجوز له القدوم عليه ابتداء إلا من ضرورة، فإن فعل فلا يطلب منه ما يطلب من الاجانب من القطع والايمان عند الانكار والقتل في باب التغليظ إلى غير ذلك، وحكم الجد جار على إلحاقه بالاب، وفي المذهب مسائل تشهد للقولين. انتهى من أول مسائل الغصب والله أعلم. ص: (كمدعيه على صالح وفي حلف المجهول قولان) ش: قال في كتاب الغصب منها: ومن ادعى على رجل غصبا وهو ممن لا يتهم بهذا عوقب المدعي، وإن كان متهما نظر فيه الامام وأحلفه، فإن نكل لم يقض عليه حتى يرد اليمين على المدعي كسائر الحقوق انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قال ابن يونس: الناس في هذا على ثلاثة أوجه: فإن كان المدعى عليه الغصب ممن يليق به ذلك هدد وسجن، فإن لم يخرج شيئا حلف، وفائدة تهديده لعله يخرج عين ما غصب إذا كان يعرف عينه، وأما ما لا يعرف فلا فائدة في تهديده إذ لو أخرج بالتهديد ما لا يعرف بعينه لم يؤخذ منه حتى يقر آمنا، وإن كان من وسط الناس لا يليق به سرقة لم يلزمه يمين ولا يلزم راميه بذلك شئ. وإن كان من أهل الدين والخير لزم القائل بطلك الادب. وقال في آخر كتاب السرقة من النكت: قال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: المتهم بالسرقة على ثلاثة أوجه: فمبرز بالعدالة والفضل لا شئ عليه ويؤدب له المدعى عليه، ومتهم معروف بهذا فيحلف ويهدد ويسجن على قدر ما يرى الحاكم فيه من الاجتهاد، ورجل متوسط الحال بين هذين يكون عليه اليمين انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: ومن ادعى عليه الغصب كان الحكم في تعلق اليمين والعقوبة راجعا إلى حال المدعى عليه، فإن كان معروفا بالخير والصلاح عوقب المدعي، وإن لم يكن معروفا بذلك وأشكل حاله لم يعاقب

    [ 310 ]
    المدعي ولم يحلف المدعى عليه، وإن كان ممن يشبه ذلك وليس معروفا به حلف ولم يعاقب المدعي، وإن نكل حلف المدعي واستحق، وإن كان معروفا بالتعدي والغصب حلف وضرب وسجن، فإن تمادى على الجحود ترك، واختلف إذا اعترف بعد التهديد على ثلاثة أقوال: فقيل لا يؤخذ بإقراره عين المدعى عليه أو لم يعينه لانه مكره. وقيل: إن عين أخذ به وإن لم يعين لم يؤخذ بإقراره. وقال سحنون: يؤخذ بإقراره عين المدعى فيه أو لم يعينه. قال ولا يعرف ذلك إلا من ابتلي به يريد القضاة وما شابههم يقول إن ذلك الاكراه كان بوجه جائز وإن كان من الحق عقوبته وسجنه لما عرف من حاله أخذ بإقراره، وإنما الاقرار الذي لا يؤخذ به ما كان ظلما أن يهدد ويضرب من لا يجوز فعل ذلك به، وقد أجمع الناس على من أسلم بعد القتال والسيف أنه مسلم كالطائع بغير إكراه لانه إكراه بحق. ولو أكره ذمي على الاسلام لم يكن إسلامه إسلاما إن رجع عنه وإن ادعى أن ذلك كان للاكراه، لان الذمة التي عقدت لهم تمنع من إكراههم، فإكراههم على ذلك ظلم. انتهى. وفي الفصل الثالث من القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون في الدعاوى بالتهم والعدوان ما نصه: إذا كان المدعى عليه بذلك ليس من أهل تلك التهمة، فهذا النوع لا تجوز عقوبته اتفاقا، واختلف في عقوبة المتهم على قولين، والصحيح منها أنه يعاقب. ثم قال في آخر الفصل: قال الباجي، وإذا كان المدعى عليه مجهول الحال فظاهر ما في المذهب يقتضي أن الادب على المدعى عليه وعليه اليمين. وفي الواضحة ما يقتضي أنه يخلى سبيله دون يمين، وقد أطال رحمه الله في هذا الفصل الكلام. فقوله المؤلف: وفي حلف المجهول قولا يشير إلى كلام ابن يونس المتقدم وكلام الباجي الذي نقله ابن فرحون، وانظر ما ذكره البساطي رحمه الله والله أعلم. فرع: قال في ثاني مسألة من سماع يحيى من كتاب الغصب فيمن عرف بالغصب لاموال الناس فسئل صاحب الحق البينة على أنه غصبه ما يدعيه فلا يجدها على حضور الغصب ومعاينته لكنهم إنما كانوا يعرفون الحق للمدعي إلى أن صار بيد الظالم لا يدرون كيف صار إليه إلا أن صاحب الحق كان يشكوا إليهم أنه غصبه أو سمعوا ذلك من جيرانهم أو لا يذكرون شيئا: إن ذلك يوجب للمدعي أخذ حقه إلا أن يأتي الظالم ببينة على اشتراء صحيح أو عطية ممن كان يأمن ظلمه أو يأتي بوجه حق ينظر فيه، فإن جاء بالبينة على أنه اشترى فزعم البائع أن ذلك البيع كان خوفا من شره وهو ممن يقدر على العقوبة إن امتنع من مبايعته قال: أرى أن يفسخ ذلك البيع إذا ثبت أن المشتري موصوف بما زعم البائع من استطالته وظلمه وأنه قد عمل ذلك بغيره. قلت: فإن زعم البائع أنه إنما دفع إليه الثمن في العلانية ثم دس إليه من يأخذه منه سرا ولو لم يفعل ذلك لقي منه شرا قال: لاأرى أن يقبل قوله، وعليه دفع الثمن بعد أن يحلف الظالم بالله لقد دفع إليه الثمن ثم لم يرتجعه ولم يأخذه منه بعد دفعه إليه. قال ابن رشد: أما ما

    [ 311 ]
    ذكره من أن الظالم المعروف بالغصب لا ينتفع بالحيازة وإن طالت فلا أعلم فيه خلافا، وأما إن ثبت الشراء ودفع الثمن فادعى البائع أنه أخذه منه في السر فهو مدع فوجب أن يكون القول قول الغاصب. وقد روي عن يحيى أن المشتري إذا عرف بالعداء والظلم أن القول قول البائع مع يمينه. وقاله ابن القاسم. وقع ذلك في بعض الروايات وهو إغراق إذا أقر أنه دفع إليه الثمن ثم ادعى أنه أخذه منه، وأما لو لم يقر بقبض الثمن، وقال إنما أشهدت له على نفسي بقبضه تقية على نفسي لاشبه أن يصدق في ذلك مع يمينه في المعروف بالغصب، وإنما يكون قول يحيى من تصديق البائع فيما ادعى من أنه دس إليه من أخذ منه الثمن في السر إذا شهد له أنه قد فعل ذلك بغيره وبالله التوفيق انتهى. ص: (وضمن بالاستيلاء) ش: تصوره واضح، سئلت عن رجل غصب بعيرا أو سرقه ثم إنه ضل منه فجعل جعلا لمن يأتيه به، فأتاه به شخص فأخذه وغاب، فهل لرب الجمل مطالبة الذي أتى بالجمل بعد هروبه أم لا ؟ فأجبت بأنه إن كان عالما بأنه غصبه أو سرقه فإنه ضامن وإن لم يعلم بذلك فلا ضمان عليه أخذا من مسألة الوكيل يتعدى ويوكل غيره، فحيث لا يجوز له فقد ذكر ابن رشد في نوازله هذا التفصيل والله أعلم. ص: (أو ذبح شاة) ش: قال ابن الحاجب: وإذا ذبح الشاة ضمن قيمتها. وقال محمد: إذا لم يشوها فلربها أخذها مع أرشها. قال ابن عبد السلام: ظاهره أنه ليس له في القول الاول إلا قيمتها وبعد ذبحها أفاته مطلقا، وهو ظاهر ما حكاه غيره. وقال بعضهم

    [ 312 ]
    عن ابن القاسم: إن ربها مخير بين أخذ قيمتها أو أخذها بعينها على ما هي عليه من غير زيادة انتهى. وقال ابن عرفة: الجلاب: من غصب شاة فذبحها ضمن قيمتها وكان له أكلها. وقال محمد بن مسلمة: لربها أخذها ويضمن الغاصب مابين قيمتها مذبوحة وحية، ثم ذكر كلام ابن الحاجب وابن عبد السلام ثم قال: ما ذكره من أن ذبحها فوت يوجب قيمتها لا أعرفه في الذبح نصا بل تخريجا مما حكاه المازري فيمن طحن القمح ثم ذكره ثم قال: وقوله: قال بعضهم عن ابن القاسم إن ربها مخير ظاهره أنه لم يقف عليه نصا لابن القاسم. وفي رسم الصبرة وذكر فيه عن ابن القاسم أنه يخير ثم قال: قبله ابن رشد ولم يزد شيئا ولا ذكر في أن لربها أخذها مذبوحة خلافا انتهى. وما ذكره ابن عرفة صحيح فقد شرح التلمساني كلام الجلاب المتقدم بأن ربها مخير، وذكر ابن رشد في أجوبته في أوائل كتاب الجامع في المسألة التي تكلم فيها على معاملة من ماله حرام أو بعضه، أن رب الشاة مخير ولم يذكر في ذلك خلافا، وذكر أنه لا يجوز شراؤها من الغاصب. وحصل هناك قاعدة وهي: إن ما فات عند الغاصب ولم يكن لربه أخذه بلا خلاف فهذا يكره له شراؤه، وما كان في فواته خلاف، والقول بعدم الفوات ضعيف فيكره وتشتد الكراهة. وما كان في فوته خلاف قوي فلا يجوز شراؤه، وكذا ما كان ربه مخيرا في أخذه لا يجوز شراؤه انتهى. ونقل ذلك البرزلي في

    [ 313 ]
    مسائل الغصب، وكلام ابن ناجي في شرح كتاب الاستحقاق من المدونة يقتضي أنه لم يقف على كلام ابن رشد، وكذلك ابن عرفة والله أعلم. ص: (أو أكره غيره على التلف) ش: انظر نوازل سحنون من كتاب الغصب، وسماع ابن القاسم في رسم حمل صبيا من كتاب الايمان بالطلاق، وكتاب الاكراه في النوادر، وكلام القرافي في شرح المحصول، وكلام ابن يونس في أوائل الوديعة. وقال في المسائل الملقوطة. العمد والخطأ والاكراه في أموال الناس سواء يجب ضمانها وهو من خطاب الوضع ولا يشترط فيه التكليف والعلم، فلا فرق في الاتلاف بين الصغير والكبير، والجاهل والعامد، ولا يلتفت للضرب والحبس وغير ذلك من أنواع التهديد والاكراه في مال نفسه ينفعه الرجوع فيه انتهى. وقال النووي: اتفق العلماء على

    [ 314 ]
    أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لانسان ليأخذها غصبا فسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به انتهى وذكر ابن ناجي في باب جمل من الفرائض أن الكذب الواجب هو الذي لانقاذ مسلم أو ماله انتهى. ص: (المثلي ولو بغلاء بمثله) ش: هذا إذا فات، أما إذا كان الشئ المغصوب موجودا وأراد ربه أخذه وأراد الغاصب إعطاء مثله فلربه أخذه. قال ابن رشد في أول كتاب الجامع من نوازله: إذا كان الحرام عند

    [ 315 ]
    آخذه لم يفت رد بعينه إلى ربه ومالكه، وسواء كان له مال حلال أو لم يكن يعني للغاصب ولا يحل لاحد أن يشتريه منه إن كان عرضا، ولا يبايعه فيه إن كان عينا، ولا يأكله إن كان طعاما، ولا يقبل منه شيئا هبة ولا يأخذه منه في حق كان له عليه، ومن فعل شيئا من ذلك وهو عالم كان سبيله سبيل الغاصب في جميع أحواله. وكذا إن فات عند الغاصب ولم يذهب بأمر من السماء أو بجناية من غير الغاصب عليه لان ذلك لا يقطع تخيير صاحبه أخذه، وكذلك أيضا لو أفاته الغاصب إفاتة لا تقطع تخيير صاحبه في أخذه مثل أن يكون شاة فيذبحها، أو بقعة فيبنيها دارا، أو ثوبا فيخيطه أو يصبغه أو ما أشبه ذلك. ولو أفاته إفاته تلزمه بها القيمة أو المثل فيما له المثل ويسقط خيار ربها في أخذها عند بعض العلماء كالفضة يصوغها حليا، والصفر يفعل منه قدحا، والخشب يصنع منه. توابيت وأبوابا، والصوف والحرير والكتان يعمل من ذلك ثيابا وما أشبه ذلك، لما جاز أيضا لاحد أن يشتريه ولا أن يستوهبه بخلاف من يقول من العلماء أن لرب هذه الاشياء أن يأخذ الفضة مصوغة والصفر معمولا والخشب مصنوعا والثياب منسوجة دون شئ يكون عليه للغاصب لقوله (ص) ليس لعرق ظالم حق انظر بقية كلامه. تنبيه: قال في التوضيح في كتاب الصرف عن ابن القاسم: إنهم اتفقوا على أن الدنانير والدراهم تتعين بالنسبة إلى من كان ماله حراما أو كان في ماله شبهة، فإذا أراد من هو من أهل الخير أخذ عين دنانيره ودراهمه من الغاصب الذي ماله حرام أو في ماله شبهة مكن من ذلك باتفاق. ثم قال: وانظر الاتفاق الذي حكاه المصنف مع قول ابن الجلاب: ومن غصب دراهم فوجدها ربها بعينها وأراد أخذها وأبى الغاصب أن يردها وأراد رد مثلها فذلك للغاصب دون ربها. قاله ابن القاسم انتهى. قلت: ذكر ابن عرفة عن ابن شاس أنه إذا أراد الغاصب إعطاء ربها غير عينها فإن افترقا في الحل والتحريم أو الشبهة فلربها أخذ عينها اتفاقا وإلا فالمشهور كذلك انتهى. وما ذكره عن ابن الجلاب ذكره هو في باب الغصب وقال بعده: وقال بعض أصحابنا وهو الشيخ أبو بكر الابهري: ذلك لربها دون غاصبها. وقال غيرها: لم يقل ذلك ابن القاسم في الغصب وإنما ذكره في البيوع لان البيع بها واقع على صفة لانها لا تراد لعينها ولا غرض في ذلك، وأما المغصوب فله غرض في أخذ عين ماله لانه حلال ومال الغاصب حرام فكيف يمنع من ذلك ولم يقله ابن القاسم فيه، وإنما تأول عليه في هذا قوله في البيع ولا شبهة انتهى. وقال الشيخ سليمان البحيري بعد أن ذكر كلام التوضيح: وما نقله ابن الجلاب عن ابن القاسم هو خلاف

    [ 316 ]
    المشهور انتهى. وذكر التلمساني في شرح الجلاب والقرافي عن المدونة في كتاب الشفعة ما يدل على أن لربها أخذها، والذي لابن القاسم في البيع هو ما في كتاب السلم فيمن أسلم ثم أقالك قبل التفرق ودراهمك في يده فأراد أن يعطيك غيرها فذلك له وإن كنت شرطت استرجاعها بعينها انتهى. فعلم مما تقدم أنه ليس للغاصب أن يحبس المثل حيث لم يجعل فيه مفوت ولم يدفع مثله والله أعلم. ص: (كإجازته بيعه معيبا زال وقال أجزت لظن بقائه) ش: قال في المدونة: ومن غصب أمة بعينها بياض فباعها ثم ذهب البياض عند المبتاع فأجاز ربها

    [ 317 ]
    البيع ثم علم بذهاب البياض فقال إنما أجزت البيع ولم أعلم بذهاب البياض وأما الآن فلا أجيزه، فلا يلتفت إلى قوله ولزمه البيع. وقال أبو الحسن الصغير: لم يلتفت إلى قوله وإن كان صادقا في قوله. وانظر قوله ثم ذهب البياض عند المبتاع فمفهومه لو ذهب عند الغاصب لكان الحكم خلاف هذا. ابن يونس: قال بعض الفقهاء: لو ذهب عند الغاصب وأجاز البيع لا نبغي أن يكون له متكلم لان البيع وقع على غير الصفة التي يعرفها فيقول إنما أجزت البيع على ما كنت أعرف. ابن يونس: لانه يقول إنما أجزت بيع جارية عوراء بهذا الثمن، ولو علمت أن بياضها قد زال قبل البيع ما بعتها بمثل هذا الثمن. وأما التي بيعت عوراء فقد بيعت على ما كان يعرف فقد رضي بتسليمها على ذلك الحال فلا حجة له.. ابن يونس: ويحتمل أن يقال لا حجة له في الوجهين، لانه لو شاء استثبت ولم يعجل وهي حجة مالك في الاولى. وقال عبد الحق: لا حجة له في الوجهين، وقول مالك لو شاء لم يعجل يعم الوجهين. انتهى كلام أبي الحسن.

    [ 318 ]
    ص: (وعصير تخمر) ش: قال اللخمي: وفي ثمانية أبي زيد: من تعدى على جرة عصير فكسرها، فإن دخله عرق خل ولم يتخلل غرم قيمته على الرجاء والخوف بمنزلة الثمرة، وإن ظهر أنه خمر ولم يدخله عرق خل فلا شئ عليه لانه كسره في حين لو علم به لم يحل إمساكه انتهى. ص: (وإن صنع كغزل وحلي وغير مثلي) ش: قال بعضهم: إنه رأى خط المؤلف بالضاد المعجمة والياء التحتية مبنيا للنائب وهو ظاهر أشار به إلى أن الغاصب إذا غصب غزلا ثم ضاع ذلك الغزل إما بسبب ذلك الغاصب أو بغير سببه، فإنه يلزم غرم قيمته. وهذا الذي صدر به ابن الحاجب، وكذلك الحلي إذا غصبه وتلف فإنه يلزمه غرم قيمته. ونبه بالغزل والحلي على مذهب ابن القاسم في المثلي إذا دخلته الصنعة أنه يصير من المقومات، وكذلك أيضا المثلي الجزاف يعني به أن ما كان من المثليات إذا كان لا يباع بكيل ولا وزن ولا عدد وإنما يباع جزافا فغصبه أحد وتلف كان عليه القيمة لانه صار من المقومات حيث لم يحصر مما ذكر. ص: (فقيمته يوم غصبه) ش: يعني أن المغصوب المقوم أو ما في حكمه مما تجب فيه

    [ 319 ]
    القيمة إنما تعتبر القيمة فيه يوم الغصب. هذا هو المذهب. وقال أشهب: تلزمه أعلى قيمة مضت عليه من غصبه إليوم تلفه. ونقله ابن شعبان عن ابن وهب وعبد الملك. ص (ولو قتله بعداء) ش: كذا في بعض النسخ بعداء بباء الجر الدخلة على عداء وهو بفتح العين المهملة والمد. قاله في الصحاح. وهو تجاوز الحد في الظلم. وفي بعض النسخ ولو تعديا بالتاء المثناة من فوق ويعني أنه يضمن المقوم بقيمته يوم غصبه ولو كان الغاصب قتل المغصوب تعديا منه، وهذا قول ابن القاسم وأشهب. وقال سحنون وابن القاسم في أحد قوليه: له أخذه بقيمته يوم

    [ 320 ]
    القتل كالاجنبي. ص: (وغلة مستعمل) ش: هذا هو المشهور أنه يضمن غلة ما استعمل من رباع وحيوان وهو خلاف مذهب المد فإنه قال في كتاب الغصب: إنه لا يرد غلة العبد والدواب. وقال في كتاب الاستحقاق: ولا يرد غلة الحيوان مطلقا. وما مشى عليه المصنف قال في التوضيح: صرح المازري وصاحب المعين بتشهيره وشهره ابن الحاجب. وقال ابن عبد السلام: هو الصحيح عند ابن العربي وغيره من المتأخرين.

    [ 321 ]
    فرع: من غصب منفعة دار واستأجر منه رجل تلك المنفعة فلربها أخذ المنفعة من الغاصب ومن المستأجر، عالما كان أو جاهلا، كما لو غصب طعاما وباعه واستهلكه المشتري

    [ 322 ]
    فلرب الطعام أن يضمن من شاء منهما بخلاف ما إذا غصب الرقبة وإكراها. قاله في نوازل عيسى من كتاب الغصب. ص: (وهل إن أعطاه فيه متعدد عطاء فيه أو بالاكثر منه ومن القيمة تردد) ش: يعني أن من كان له متاع أو سلعة أو شئ تسوق به فأعطاه فيه ناس متعددون ثمنا ثم تعدى عليه شخص فغصبه ذلك الشئ واستهلكه، فهل يضمن الغاصب لرب المتاع ذلك الثمن الذي أعطى فيه أو يضمن الاكثر منه ومن القيمة ؟ تردد. هذا حل كلامه والمسألة في سماع ابن القاسم من كتاب الغصب ونصها: قال مالك في رجل تسوق فيعطيه غير واحد ثمنا ثم يعدو عليه رجل فيستهلكها قال: أرى أن يضمن ما كان يعطى بها ولا ينظر في قيمتها قال: وذلك إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس ولو شاء أن يبيع به باع. فرع: ولا يضمن إلا قيمتها. قال عيسى: يضمن الاكثر من القيمة والثمن انتهى. وظاهر كلام العتبي وابن يونس أيضا أن المستهلك لا يضمن إلا ما أعطى فيها، سواء زاد على القيمة أو نقص، وكلام ابن رشد خلافه فأشار بالتردد لترددهم في فهم كلام ملك. فتأمله والله أعلم.

    [ 323 ]
    ص: (وإن وجد غاصبه بغيره وغير محله فله تضمينه) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال البرزلي: وقعت مسألة وهو أنه وجبت قناطر من كتان من عداء على رجل بتونس وكان تعديه عليها بالاسكندرية، فوقع الحكم عليه بدفع قيمته بالاسكندرية في تونس لتعذر الطريق إلى الاسكندرية عن قرب بر أو بحر، ولو لم يتعذر الطريق لم يقض إلا بمثلها. في الاسكندرية وهي مثل ما حكى ابن رشد فيمن سلف طعاما لاسير في بلاد الحرب أو في بلاد الاسلام ثم أخذها العدو، أو تعذر الوصول إليها فقيل: يقضي بقيمتها في ذلك البلد يوم الحكم يأخذه ربه إن وجده، وقيل: لا يقضي إلا بمثله في ذلك البلد إلا أن يتفقا على شئ يجوز. وكذلك لو دفعه نفي قرية الاسير وهي تجري على الخلاف هل هو استهلاك أو قرض، وأما لو كان الكتان جزافا أو الطعام كذلك لم يقض إلا بقيمته يوم العداء وأنه يأخذها حيث وجدها. انتهى. ص: (أو خصاه فلم ينقص) ش: قد تكلم عليه ابن غازي بما يغني، ويؤخذ من هنا أن الخصاء ليس بمثلة ولو كان مثلة لعتق على الغاصب وغرم لربه قيمته كما قال في كتاب الغصب من المدونة: وأما من تعدى على عبد رجل ففقأ عينه أو قطع له جارحة أو

    [ 324 ]
    جارحتين فما كان من ذلك فسادا فاحشا حتى لم يبق فيه كبير منفعة فإنه يضمن قيمته ويعتق عليه، وكذلك الامة والله أعلم. ص: (أو دل لصا) ش: انظر كيف مشى هنا على أنه لا يضمن مع أن الذي جزم به ابن رشد في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق أنه يضمن ولو أكره على ذلك، وهو الذي اختاره أبو محمد كما سيأتي فتأمله، ولعل المصنف مشى على هذا القول لانه يفهم من كلام ابن يونس في آخر كتاب الغصب أنه الجاري على مذهب ابن القاسم في مسألة دلالة المحرم على الصيد فتأمله. وأصل المسألة في النوادر ونقل فيها القولين بالتضمين وعدمه في آخر كتاب الغصب، ونقل القولين عنه ابن يونس في آخر كتاب الغصب ثم قال بعدهما. قال أبو محمد: وأنا أقول بتضمينه لان ذلك من وجه التغرير. وكذا نقل البرزلي عن ابن أبي زيد أنه أفتى بالضمان، وذكر الشيخ أبو محمد مسائل جملة في أواخر كتاب الغصب من الغرور بالقول، وذكر منها مسألة الصير في يغر من نفسه أو يقول في الردئ إنه جيد، وذكرها أيضا في آخر كتاب تضمين الصناع، وذكرها في المدونة

    [ 325 ]
    أيضا في كتاب تضمين الصناع. وانظر الغرور بالقول والفعل في ابن عرفة، وفي المسائل الملقوطة مسالة من أجوبة القرويين في القائل للرجل بع سلعتك من فلان فإنه ثقة ملئ فيجده بخلاف ذلك فقال: لا يغرم إلا أن يغره وهو يعلم بحاله انتهى. ص: (ككسره) ش: هذا التشبيه راجع إلى ما لا يغرم فيه القيمة وإنما يأخذ فيه الشئ المغصوب لكن يؤخذ هنا أيضا قيمة الصياغة. قال ابن الحاجب: ولو كسره أخذه وقيمة الصياغة، وسكت المؤلف هنا عنه لوضوحه والله أعلم. ص: (أو نقصت للسوق) ش: كذا في بعض النسخ بجر السوق بلام التعليل أي نقصت السلعة لاجل تغير سوقها لا لشئ في بدنها، وفي بعض النسخ نقصت السوق أي نقص سوقها. وعلى هاتين النسختين فيكون معطوفا على ما لا ضمان فيه بما قبلها، وفي بعض النسخ أو نقصت لا لسوق بإدخال لا النافية على السوق المنكر المجرور باللازم. والمعنى أن السلعة المغصوبة نقصت في بدنها لا لاجل سوقها، ويكون معطوفا على ما يضمن

    [ 326 ]
    فيه القيمة وهو قوله: وعلى غيرها فقيمته ككسره والله أعلم. ص: (أو رجع بها من سفر ولو بعد كسارق) ش: هذا مما دخل تحت قوله وغلة مستعمل وإنما ذكرها هنا ليبين أن هذا الفعل من الغاصب ليس بفوت يوجب تخيير ربها فيها وفي قيمتها، وليبين أنه يوجب ذلك من التعدي كالمستأجر ونحوه، وليس مقصوده أنه لا كراء على الغاصب فليس معارضا لما تقدم. ومن يحمله على نفي الكراء على الغاصب كما هو مذهب المدونة فيحتاج أن يقيد ما تقدم بذلك. قال ابن الحاجب لما أن عد بعض ما يكون فوتا يوجب تخيير رب السلعة فيها وفي قيمتها ما نصه: ولو رجع بالدابة من سفر بعيد بحالها لم يلزم سواها عند ابن القاسم، بخلاف تعدي المكتري والمستعير وفي الجميع قولان. قال ابن عبد السلام: ستأتي مسألة المدونة التي ذكرها المؤلف بعد هذا انتهى. ويشير إلقوله فإن استغل واستعمل. ثم قال ابن عبد السلام ما نصه: ثم هذا الحصر الذي أعطاه كلام المؤلف حيث قال لم يلزم سواها، يحتمل أن يبقى على ظاهره فلا يكون على الغاصب كراء في سفره على الدابة، ويحتمل أن يريد نفي قيمة الدابة التي يكون رب المال مخيرا فيها في التعدي لا كراء الدابة انتهى. ولما أن كان ابن الحاجب يذكر الاقوال في الغلة قال في كلامه هنا: يحتمل ويحتمل، فأما المصنف فلم يذكر أولا إلا المشهور وهو ضمان غلة المغصوب المستعمل مطلقا فيحمل كلامه هنا على نفي الضمان إلا أن يجعل كلامه الاول على مذهب المدونة ويقيد فيصح والله أعلم. ص: (وله في تعدي كمستأجر كراء الزائد إن سلمت وإلا خير فيه وفي قيمتها وقته) ش: فسر الشارح مثل المستأجر المستعير، ومعنى كلامه أن الدابة إذا سلمت في تعدي المستأجر وشبهه كالمستعير

    [ 327 ]
    فليس لربها إلا كراء الزائد فقط ولا تخيير له، وإنما يخير مع عدم السلامة. وظاهره أن ذلك يتعين. سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة، ولا يخير وهذا مخالف لما قدمه في فصل العارية وفي فصل كراء الدواب وفصل الوديعة، وخلاف لما في المدونة ولما قاله ابن الحاجب وقبله في التوضيح. قال في المدونة: وأما المكتري أو المستعير يتعدى المسافة تعديا يحبسها أياما كثيرة ولم يركبها ثم يردها بحالها، فربها مخير في أخذ قيمتها يوم التعدي أو يأخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو رجع بالدابة من سفر بعيد على حالها لم يلزمه سواها عند ابن القاسم، بخلاف تعدي المكتري والمستعير وفي الجميع قولان. قال ابن عبد السلام: بخلاف المكتري والمستعير يزيدان في المسافة زيادة بعيدة ثم يردان الدابة على حالها، فلرب الدابة أخذها وله تركها وأخذ القيمة. وقال في التوضيح: بخلاف تعدي المكتري والمستعير إذا زاد في المسافة زيادة بعيدة فإن ربها بالخيار، فإن أحب أخذها وكراءها من موضع التعدي إلى غايته، وإن أراد أخذ قيمة دابته من المكان الذي تعدى عليه وله الكراء الاول في الكراء. ثم قال: وفهم من قوله يعني ابن الحاجب سفر بعيد أنه لو تعدى المستعير والمكتري موضعا قريبا أو زمنا قريبا أنه لا يكون له تضمين الدابة. وفي الباجي: إذا أمسكها أياما يسيرة زائدة على أيام الكراء لا ضمان عليه، وإنما له الكراء في أيام التعدي مع الكراء الاول. قاله مالك وأصحابه انتهى. وما ذكره عن الباجي نحوه في المدونة كما سيأتي إن شاء الله. فلو زاد المؤلف مع قوله إن سلمت لفظ وقربت يعني مسافة التعدي لكان أحسن، لان قوله: إن سلمت لا يوافق المنصوص إذ لا فرق بين سلامتها وعدم سلامتها إلا مع قرب المسافة. قال في المدونة بعد الكلام المتقدم بأسطر: قال ابن القاسم: وإذا زاد المكتري للدابة أو المستعير في المسافة ميلا أو أكثر فعطبت ضمن وخير ربها، فإما ضمنه قيمتها يوم التعدي ولا كراء له في الزيادة، وإما ضمنه كراء الزيادة فقط ولا شئ له من قيمتها وعلى المكتري الكراء الاول بكل حال، ولو ردها بحالها والزيادة يسيرة مثل البريد أو اليوم وشبهه لم تلزم قيمتها ولا يضمن إلا كراء الزيادة فقط. انتهى والله أعلم. ص: (خير فيه) ش: يعني أنه يخير المغصوب منه في الشئ المغصوب، يريد وفي قيمته في ثلاث مسائل: الاولى إذا تعيبت بسماوي. الثانية إذا تعيبت بجناية. الثالثة إذا تعيبت بجناية الغاصب. أما الاول فليس له إلا أخذه بغير أرش أو أخذ القيمة. قال في المدونة: وما أصاب السلعة بيد الغاصب من عيب قل أو كثر بأمر من الله، فربها مخير في أخذها معيبة أو تضمينه قيمتها يوم الغصب، وإن كانت جارية فأصابها عنده عور أو عمى أو ذهاب يد بأمر من الله فليس لربها أن يأخذها، وما نقصها عند الغاصب إنما له أخذها

    [ 328 ]
    ناقصة أو قيمتها يوم الغصب، وليس للغاصب أن يلزم ربها أخذها ويعطيه ما نقصها. إذا اختار ربها أخذ قيمتها انتهى. وذكر هذه الصورة ابن الحاجب ولم يحك فيها خلافا، وأما الثانية فيخير بين أخذه وأخذ أرش الجناية من الجاني أو تضمين الغاصب القيمة ويتبع الغاصب الجاني قال في المدونة إثر الكلام المتقدم بسطرين: ولو قطع يدها أي الجارية أجنبي ثم ذهب فلم يقدر عليه فليس لربها أخذ الغاصب بما نقصها وله أن يضمنه قيمتها يوم الغصب، ثم للغاصب اتباع الجاني بما جنى عليها، وإن شاء ربها أخذها واتبع الجاني بما نقصها دون الغاصب انتهى. وذكرها أيضا ابن الحاجب ولم يحك فيها خلافا. وأما الثالثة فيخير أيضا بين أخذها مع أرش الجناية من الغاصب وبين أخذ القيمة منه. هذا مذهب المدونة قال فيها: ولو كان الغاصب هو الذي قطع يد الجارية فلربها أن يأخذها وما نقصها أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم الغصب. ابن يونس: قوله: وما نقصها يريد يوم الجناية انتهى. وذكر ابن الحاجب فيها قولين وعزا هذا لابن القاسم، ومقابله لاشهب وهو أنه ليس له إلا أخذها بغير أرش أو أخذ القيمة. وجعل البساطي هذا الثاني هو المذهب ونصه: والمنصوص أنه في جناية الاجنبي له أن يأخذه ناقصا ويتبع الاجنبي بأرش الجناية وليس له ذلك على المذهب في السماوي وفي جناية الغاصب انتهى. وفيه نظر لان الاول مذهب المدونة كما علمنا ولم أر من رجح الثاني ولا من شهره والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: أشهب: إن غصب أشياء مختلفة فنقصت في يده فلربها تضمينه قيمتها يوم الغصب أو أخذها ناقصة ولا شئ له وله أخذ بعضها بنقصه وقيمة باقيها انتهى. ص: (كصبغه في قيمته وأخذ ثوبه ودفع قيمة الصبغ) ش: قال ابن الحاجب: وإذا صبغ الثوب خير المالك بين القيمة والثوب ويدفع قيمة الصبغ. وقال أشهب: لا شئ عليه في الصبغ، أما لو نقصت القيمة فلا شئ عليه ولا له أن يأخذه. قال في التوضيح: يعني إذا صبغ الغاصب الثوب فزادت قيمته أو لم تزد ولم تنقص، فمذهب المدونة أنه يخير المالك فيما ذكر

    [ 329 ]
    ثم قال: ويدلك على ما قيدنا به كلام المؤلف يعني ابن الحاجب أن الثوب زادت قيمته أو لم تنقص قوله في قسيم المسألة أما لو نقصت إلى آخره وهو ظاهر لان ذلك عيب فكان كسائر العيوب انتهى. تنبيهان: الاول: قول التوضيح لان ذلك عيب الخ نحوه لابن عبد السلام وإذا كان عيبا فكان الظاهر أن يغرم الغاصب الارش إذا اختار في الثوب أخذه لان هذا العيب منه حدث، وقد تقدم أن مذهب المدونة تغريمه الارش مع أخذ السلعة إذا كان من الغاصب فتأمله، عل أنه أطلق المسألة أعني مسألة الصبغ في المدونة ولم يقيدها بزيادة الصبغ ولا بنقصو الله أعلم. الثاني: قال البساطي: فإن قلت: أطلق المصنف وقيدت المسألة بما إذا زادت قيمته، فهل له وجه ؟ قلت: المسألة متأولة كما ذكرت وإطلاق المؤلف لا يضر لانه إن نقصت لا يتأتى فيه ذلك، وإن كانت سواء فكذلك انتهى. فتأمل قوله وإن كانت سواء فإنه مخالف للتوضيح والله أعلم فرع: قال ابن عرفة: وفي تضمين الصناع منها: ولك أخذ ما خاطه الغاصب بلا غرم أجر الخياطة لتعديه. قلت: الفرق بينهما أن الصبغ بإدخال صنعة في المغصوب فأشبه البناء والخياطة مجرد عمل فأشبه التزويق. انتهى. ص: (كحر باعه وتعذر رجوعه) ش: قال في[ 330 ]مسائل أبي عمران القابسي من كتاب الاستيعاب وكتاب الفضول فيمن باع حرا ماذا يجب عليه ؟ قال: يحد ألف جلدة ويسجن سنة، فإذا أيس منه ودي ديته إلى أهله. انتهى ص: (وهل يضمن شاكيه لمغرم زائدا على قدر الرسول إن ظلم أو الجميع أو لا أقوال) ش: القول الاخير أنه لا غرم عليه وإنما عليه الادب هو قول أكثر الاصحاب. قاله الشيخ ابن أبي زيد وابن يونس، وانظر إذا شكا شخص رجلا لحاكم جائر لا يتوقف في قتل النفس فضرب المشكو حتى

    [ 331 ]
    مات، هل يلزم الشاكي شئ أم لا ؟ ص: (ولو غاب) ش: قال ابن الحاجب: وفيها: لو نقل الجارية لبلد ثم اشتراها من ربها في بلد آخر جاز. وقال أشهب: بشرط أن تعرف القيمة ويبذل ما يجوز فيها بناء على أصل السلامة ووجوب القيمة. ابن عرفة: إجراء القولين على الاصلين المذكورين واضح إذا اعتبر القولان من حيث ذاتهما لا من حيث قائلهما، وإجراؤهما على ذلك من حيث قائلهما مشكل لان الاول عزاه ابن عبد السلام لابن القاسم وهو يقول الواجب فيه القيمة ووجوب القيمة لا يتأتى أن يجري عليه اعتبار أصل السلامة، وإنما يتأتى اعتبار أصل السلامة على القول في النقل أن الواجب فيه في المغصوب أخذ شيئه، وهذا إنما هو قول سحنون والثاني عزاه المؤلف لاشهب، وقوله في نقل المغصوب إن ربه مخير في أخذه أو قيمته ولم يقل بوجوب القيمة إلا ابن القاسم حسبما تقدم اللخمي انتهى. ص: (ورجع عليه بفضلة أخفاها) ش: قال أشهب: ومن قال إن له أخذها فقد أخطأ كما لو نكل الغاصب عن اليمين وحلفت على صفتك ثم ظهرت خلاف ذلك كنت قد أظلمته في القيمة، فيرجع عليك بما زدت عليه ولا يكون له رد الجارية. انتهى من التوضيح. وانظر لو وصفها الغاصب ثم ظهرت أنقص مما وصفها، فهل له رجوع أم لا ؟ وكذلك لو وصفها المغصوب منه ثم ظهرت أزيد فتأمله. ص: (والقول له في تلفه ونعته وقدره) ش: لانه غارم فهو مدعى عليه فيسأل المغصوب منه عما يدعيه ثم يوقف له الغاصب لان المدعى عليه كما نبه على ذلك الباجي في كتاب الاقضية في قضية المزني لما نحر حاطب ناقته، وتقدم نحو هذا في آخر الرهون والله أعلم. ص: (وحلف) ش: قال في الوسط: أي الغاصب في دعوى التلف والقدر والوصف. وقاله في المدونة انتهى. وهذا يوهم أنه نص في المدونة على اليمين فيما إذا ادعى التلف وليس

    [ 332 ]
    كذلك. قال في التوضيح: ولم أر فالامهات وجوب اليمين على الغاصب إذا ادعى التلف لكن نص فيها في الشئ المستحق إذا كان مما لا يغاب عليه أنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه، وكذلك في رهن ما لا يغاب عليه ولا يمكن أن يكون الغاصب أحسن حالا منهما، وقد نص ابن عبد السلام على وجوب اليمين هنا في التلف انتهى. وما ذكره في التوضيح نحوه للشيخ أبي الحسن الصغير. قال في المدونة: وإذا ادعى الغاصب هلاك ما غصب من أمة أو سلعة فاختلفا في صفتها صدق الغاصب مع يمينه، الشيخ: ظاهره أنه يصدق في الهلاك من غير يمين، وقد ذكر الامة والسلعة، وقد تقدم في الشئ المستحق إذا كان مما يغاب عليه أنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه، وكذلك في رهن ما يغاب عليه وكيف يكون الغاصب أحسن حالا من هؤلاء إلا إن قال: إن معنى ما قال هنا إن المغصوب منه صدقه أو أقام بينة على ما ادعى. انتهى والله أعلم. ص: (كمشتر منه) ش: ظاهره أن القول قوله في التلف وفي النعت والقدر ويحلف والمنقول أنه يصدق في هلاك مالا يغاب عليه ولم يذكر واحلفه لكنهم شبهوه بالرهون ومن العواري، فيقتضي أنه يحلف. وإن كان مما يغاب عليه فيحلف على التلف ويغرم القيمة، وقيل لا يمين عليه وقالوا: إذا باعه يلزمه ثمنه. وقوله مقبول في قدره هذا ما رأيته في المسألة في التوضيح والبيان. قال في رسم استأذن من سماع عيسى من الغصب: وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتري السلعة في سوق المسلمين فيدعيها رجل قبله ويقيم البينة أنها اغتصبت منه، فيزعم مشتريها أنها قد هلكت. قال: إن كان حيوانا فهو مصدق، وإن كانت مما يغاب عليه لم يقبل قوله وأحلف ويكون عليه قيمتها إلا أن يأتي بالبينة على هلاك من الله أتاه من اللصوص والغرق والنار ونحو ذلك، فلا يكون عليه شئ. قيل له: فإن باعها ؟ قال: لا يكون عليه إلا ثمنها. قيل له: فإقال بعتها بكذا وكذا ولم تكن له على ذلك بينة إلا قوله،

    [ 333 ]
    أيصدق على ذلك ؟ قوله مقبول في ذلك لانه قد يعرف الشئ في يديه ثم يتغير عنده قبل أن يبيعه بكسر عور أو شئ يصيبه. ابن رشد: إنما قال إنه يحلف إذا ادعى تلف السلعة التي اشترى ويغرم قيمتها مخافة أن يكون غيبها انتهى. وقال في التوضيح: قيل: وإذا صدق فيما لا يغاب عليه فإنما ذلك إذا لم يظهر كذبه كالرهن والعارية. وقال أصبغ: يصدق في الضياع فيما لا يغاب عليه مع يمينه. ابن عبد السلام: وإذا بنينا على المشهور وضمناه فخرج بعضهم قولا بعدم اليمين. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (ولربه إمضاء بيعه) ش: قال في المدونة: ومن غصب عبدا أو أمة ثم باعها ثم استحقها رجل وهي بحالها فليس له تضمين الغاصب القيمة وإن حالت الاسواق، وإنماله أن يأخذها أو يأخذ الثمن من الغاصب كما لو وجدها بيد الغاصب وقد حالت أسواقها، فإن أجاز ربها البيع بعد أن هلك الثمن بيد الغاصب فإن الغاصب يغرموليس الرضا ببيعه يوجب حكم الامانة في الثمن انتهى. وقال اللخمي: إذا باع الغاصب العبد ثم أتى صاحبه ولم يتغير سوقه ولا بدنه، كان بالخيار بين أن يجيز البيع أو يأخذه ويرجع المشتري بالثمن. ثم قال: وإن كان العبد قائم العين وأجاز المغصوب منه البيع لزم المشتري إلا أن يكون المغصوب منه فاسد الذمة بحرام أغيره. واختلف إذا كان المشتري قد دفع الثمن إلى الغاصب والغاصب فقير وقد أجاز المستحق البيع، فقيل: لا شئ له على المشتري. وقيل: يأخذ منه الثمن. وهذا على القول بأن العقد بيع فيكون قد أجاز البيع دون

    [ 334 ]
    القبض، وعلى القول أن المبيع التقابض لا يكون له على المشتري شئ انتهى. ونقل في النوادر القولين وضعف الثاني وأنكره. انظره في كتاب الاستحقاق. تنبيه: قال اللخمي: وإن علم المشتري أن البائع منه غاصب وأحب المبتاع رد البيع قبل قدوم المغصوب منه، لم يكن له ذلك إذا كان قريب الغيبة، وله ذلك إذا كانت الغيبة بعيدة لان عليه فوقفه في ضمانه حتى يقدم ضررا. انتهى. فيكون بمنزلة بيع الفضولي. مسألة: إذا كان طعام أو غيره مشتركا بين شخصين فغصب منه ظالم حصة أحدهما، فهل ذلك بين الشريكين أو خاص بمن أخذ باسمه قال ابن أبي زيد: الذي عندي أن المأخوذ بينهما والباقي بينهما، وكذلك أفتى السيوري. ذكره عنه البرزلي في مسائل الغصب وبحث في ذلك فانظره. ص: (لا سماوي) ش: قال في المدونة: ولو مات عند المبتاع لا شئ عليه. قال أبو الحسن عن ابن يونس: قال ابن المواز: قال أشهب: وإن استحقت بحرية يعني وقد ماتت رجع المشتري على بائعها بالثمن، وكذا إذا استحقت بأنها أم ولد أو معتقة إلى أجل وقد ماتت، وإن كانت مدبرة لم يرجع بشئ، ابن المواز: ومثله عندنا المكاتبة. انتهى ونحوه في كتاب الاستحقاق من النوادر.

    [ 335 ]
    مسألة: من استحق بعد أن تداولته الاملاك بحرية تراجع بائعوه كل واحد على صاحبه، وكذلك إذا استحق برق وأخذه مستحقه وأجاز البيع الاخير، وهو صريح في كتاب الاستحقاق من النوادر. ويؤخذ من المسألة الثانية من سماع عبد الملك من الاستحقاق وهي أيضا في نوازل ابن رشد في الاستحقاق، وفي أحكام ابن سهل في الاستحقاق، وفي جامع القول في العمدة في الدرك من النوادر، وفي سماع أصبغ ويحيى من كتاب البيوع. وانظر أبا الحسن في كتاب الشفعة في مسألة الشقص إذا تكرر بيعه، وانظر رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العيوب، وانظر أول سماع عيسى من كتاب العارية. وقال في كتاب الرهون من المدونة: وقال

    [ 336 ]
    مالك فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها وقد دارت في أيدي رجال: إنه يأخذ الثمن من أيهم شاء. ص: (ولفق شاهد بالغصب لآخر على إقراره بالغصب الخ) ش: ظاهر كلامه أنه يحتاج إلى يمينين وهو كذلك. قال في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العارية: وسئل عن امرأة أعارت لا خرى حجلة لها ولم يشهد على ذلك إلا امرأتان فتزوجت المستعيرة ودخلت المعيرة إلى الريف فأقامت عشر سنين وماتت المستعيرة، فأتت المعيرة تطلب الحجلة وأنكر ورثة المستعيرة فشهد المرأتان بالعرية وقد غابت الحجلة. قال ابن القاسم: تحلف المرأة مع شهادة المرأتين بالله الذي لا إله إلا هو ما قضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت وتستحق ذلك في مال المتوفاة. قال محمد بن رشد: قوله إن المرأة تحلف مع شهادة المرأتين إلى آخره معناه بعد يمينها مع شهادتهما لقد أعارتها إياها وهذا ما لا خفاء به، وإنما سكت عنه للعلم به

    [ 337 ]
    إذ لا يخفى أنهالا تستحق العارية بشهادة المرأتين دون يمين فأراد أنها تكتفي بحلفها مع شهادة المرأتين أنها أعارتها دون أن تحلف ما قبضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت، ولا بد أيضا أن تحلف على صفتها فيكون في مال المتوفاة ما قومت به الصفة التي حلفت عليها وبالله التوفيق. انتهى. ص: (وإن ادعت استكراها على غير لائق بلا تعلق حدت له) ش: لم يشرح الشيخ بهرام هذه المسألة، ويوجد في كثير من روحه بياض لشرحها. ومفهوم قوله إنها

    [ 338 ]
    لو تعلقت به لم تحد له وأنه لو كان لائقا به لم تحد ولو لم تتعلق به. وقال في الاكمال في حديث جرير في كتاب البر والصلة: ولو ادعت امرأة مثل هذا عندنا على أحد من المسلمين، حدت له للقذف وكذبناها ولا يقبل منها دعواها، ولم يلحقه تبعة بقولها إلا أن تأتي به متعلقة تدمي مستغيثة لاول حالها وكان ممن لم يشتهر بخير ولا عرف بزنا. وأما إن جاءت متعلقة بمن لا يليق به ذلك فلا شئ عليه، واختلف عندنا في حدها لقذفه، فقيل تحد، وقيل لا تحد لما بلغت في فضيحة نفسها ولا حد عليها للزنا، ولبعض أصحابنا في المشتهرة بذلك مثل صاحبة جريج أنها تحد للزنا على كل حال ولا تصدق بتعلقها وفضيحتها نفسها لانها لم تزل مفتضحة بحالها، وهذا صحيح في النظر. انتهى. ص: (وإن لم يفته فنقصه) ش: تصوره ظاهر. مسألة: من استهلك فرد خف لرجل أنه لا يلزمه قيمته على انفراده وإنما يلزمه ما نقص

    [ 339 ]
    من قيمتهما جميعا. انتهى من شرح المسألة الثالثة من كتاب السداد والانهار من البيان. وفي المسائل الملقوطة: الصحيح فيمن استهلك أحد المزدوجين أو أحد الاشياء التي لا يستغني بعضها عن بعض أنه يغرم قيمة المستهلك مع قيمة عيب الباقي منهما. وقيل: بوجوب قيمتهما. واختلف فيمن استهلك سفرا من ديوان في سفرين بعضهم يرد السالم وما نقصه من ذهاب أخيه ويغرم قيمة الهالك. وفي شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب أنه يغرم قيمة الجميع اه‍. من تسهيل المهمات في قوله في بيع الخيار وإذا تعدد المبيع. انتهى كلام المسائل الملقوطة ونحو ذلك في التوضيح. مسألة: قال ابن كنانة: أكره أن يأخذ الرجل من شجرة غيره غرسا إلا بإذنه. قال محمد بن رشد: أما إذا أخذ من شجرة غيره ملوخا يغرسها في أرضه وكان ما امتلخ منها لا قيمة له ولا ضرر فيه على الشجرة التي امتلخت منها، فهذا الذي ذكره ابن كنانة والله أعلم. وأما إن كان لما امتلخ منها قيمة أو كان ذلك يضر بالشجرة التي امتلخت منها، فلا يجوز لاحد أن يفعله إلا بإذن صاحب الشجرة، قال رسول الله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم إلا

    [ 340 ]
    عن طيب نفس منه فإن فعل ذلك بغير إذنه دلالة عليه لسبب بينه وبينه يقتضي الا دلال عليه فعليه أن يتحلله من ذلك، فإن حلله وإلا غرم له ذلك عودا مكسورا يوم امتلخه وليس له أن يقلعه ويأخذه، وعليه مع ذلك قيمة ما نقص من الشجرة التي امتلخ منها. وإن فعل ذلك غصبا أو تعديا بلا إذن صاحبه ولا دلالة عليه ممن يستوجب الدلالة، فله أن يقلعه ويأخذه وإن كان قد علق إلا أن يكون بعد طول مدة زمان وبعد نماء أو زيادة بينة فلا يكون له أن يأخذه بعينه، وتكون له قيمته يوم امتلخه من شجرة عودا ميتا مكسورا، وإن كان أضر بالشجرة كان عليه ما نقص مع قيمة ما نقص من الشجرة. هذا قول أصبغ في الواضحة. وقال سحنون: إنما يكون أولى بغرسه إذا كان إن قلعه وغرسه ينبت، وإن كان لا ينبت فله قيمته ولا سبيل له إلى قلعه، وكان ربيعة يقول في مثل هذا: وإن نبت فإنما له قيمته أو غرس مثله، وأما إن قلع من بستانه غرسا فغرسه في أرضه دلالة على صاحب البستان، فله أن يقلعه ويأخذه وإن كان قد نبت وعلق إلا أن يتطاول أمره ونما نماء بينا فلا يكون له قلعه وتكون له قيمته يوم اقتلعه نابتا لان دلالته عليه إذا كان من أهل الدلالة شبهة تمنع، ولو كان اقتلعه غصبا غير مدل لكان صاحب الغرس أحق بغرسه وإن كان قد نبت في أرضه وطال زمانه وثبتت زيادته لانه شبهة بعينه أخذها حيا فنما وزاد ونبت فهو كالغاصب يغصب أو يسرق ثم يجده صاحبه وقد كبر ونبت ونما وزاد فهو أبدا أحق به، وسواء كان مما ينبت إن غرس بعد قلعه من أرض الغاصب أو مما لا ينبت، هو أحق به إلا أن يشاء أن يسلمه ويأخذ قيمته نابتا يوم قلعه فيكون ذلك له، ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ وبالله التوفيق. انتهى من أواخر كتاب الجامع من البيان. ومنه أيضا: وسئل ابن كنانة عن الكرم يقطف والزيتون يجنى والزرع يحصد، هل يجوز لاحد أن يأخذ بقيته ؟ قال: إن كان أهله تركوه لمن أخذوه فلا بأس بأكله، وإن كانوا يريدون الرجعة له فلا يجوز لاحد أخذه، قال ابن رشد: هذا كما قال، والمعنى فيه بين إن علم صاحبه تركه لمن أخذه من فقير أو غني، وأما إن خشي أنه إنما تركه لمن أخذه من المساكين فلا ينبغي لغني أن يأكل منه شيئا وبالله التوفيق. انتهى والله أعلم. باب الاستحقاق لم يبين المصنف حقيقته وحكمه وسببه وشروطه وموانعه ولا يتصور إلا بمعرفة ذلك.

    [ 341 ]
    قال ابن عرفة: وهو من تراجم كتبها. أما حقيقته فقال ابن عرفة: هو رفع ملك شئ بثبوت ملك قبله أو حرية كذلك بغير عوض. فيخرج العتق ومطلق رفع الملك بملك بعده وما وجد في المقاسم بعد بيعه أو قسمه لانه لا يؤخذ إلا بثمن انتهى. وقال في اللباب: هو الحكم بإخراج المدعى فيه الملكية من يد حائزه إلى يد المدعي بعد ثبوت السبب والشروط وانتفاء الموانع. وأما حكمة فقال ابن عرفة: حكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في الرفع على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه مباح كغير الربع لان الحلف مشقة انتهى. وأما سببه فهو قيام البينة على عين الشئ المستحق أنه ملك للمدعي لا يعلمون خروجه ولا خروشئ منه عن ملكه حتى الآن والشهادة في أنها لم تخرج عن ملكه إنما يكون على نفي العلم في قول ابن القاسم المعمول به. قاله في اللباب. وأما شروطه فثلاث، الاول: الشهادة على عينه إن أمكن وإلا فحيازته وهي أن يبعث القاضي عدلين، وقيل أو عدلا مع الشهود الذين شهدوا بالملكية فإن كانت دارا مثلا قالوا لهما مثلا هذه الدار هي التي شهدنا عند القاضي فيها الشهادة المقيدة أعلاه. الثاني: الاعذار في ذلك إلى الحائز فإن ادعى مدفعا أجله فيه بحسب ما يراه. الثالث: يمين الاستبراء واختلف في لزومها على ثلاثة أقوال: الاول: أنه لا بد منها في جميع الاشياء. قاله ابن القاسم وابن وهب وابن سحنون. والثاني: لا يمين في الجميع أيضا. قاله ابن كنانة. الثالث: أنه لا يحلف في العقار ويحلف في غيره وهو المعمول به عند الاندلسيين، وفي سجلات الباجي: لو استحق ذلك من يد غاصب لم يحلف. قال ابن سلمون: ولا يمين على مستحق الاصل إلا أن يدعي عليه خصمه ما يوجبها. وقيل: لا بد من اليمين كالعروض والحيوان انتهى. ثم قال: وأما غير الاصول من الدواب والرقيق والعروض وغيرهما فيكتب في استحقاقها يعرف شهوده فلانا

    [ 342 ]
    ويعلمون له مالا وملكا جارية صفتها كذا أو فرسا أو ثوبا صفته كذا، لا يعلمون له في ذلك بيعا ولا تفويتا ولا أنه خرج عن ملكه بوجه حتى الآن، وقيدوا بذلك شهادتهم على عين الثوب أو الفرس أو الجارية في كذا، فإذا ثبت هذا فلا بد من اليمين ونصه: حلف بإذن القاضي بعرية كذا فلان المذكور في رسم الاسترعاء بكذا بحيث يجب وكما يجب يمينا قال فيها: بالله الذي لا إله إلا هو ما بعت الفرس أو الثوب أو الجارية المشهود لي به فيه ولا فوته ولا خرج عن ملكي بوجه من وجوه الفوت حتى الآن. ومن حضر اليمين المنصوصة عن الاذن واستوعبها من الحلف وعرفه قيد على ذلك شهادته في كذا وكانت يمينه على عين الجارية والفرس وهو يشير إليهما في يمينه بيان اليمين في هذا واجبة على المشهور المعمول به بخلاف الاصول فإنه لا يمين فيها إلا على قول سحنون. وحكى ابن سهل عن ابن كنانة أنه لا يمين على مستحق العروض والحيوان إلا أن يدعي الخصم ما يوجبهما وتكون اليمين على النص المذكور أنه ما باع ولا وهب. وكان محمد بن الفرج يحلفه أنه ماله ومالكه وأنه ما باع ولا وهب. قال ابن سهل: وما تقدم هو نص المدونة، ولا يحتاج إلى ما ذكره محمد بن فرج. وفي المجموعة: إذا كانت الجارية غائبة فالشهادة فيها على النعت والاسم جائزة، فإن وجدت جواري كثيرة على تلك الصفة يحلف الحاكم المستحق وأثبتا عنده أنها واحدة منهن، وإن لم يوجد سواها لم يكلفه من ذلك شيئا. أو في مسائل ابن الحاج: سئل في الشهادة على الصفة فقال: وقفت على الكتابين في المملوكة السوداء الموصوفة بهما، والذي يظهر لي أن الشهادة على الصفة فيها عامله فالحكم له بها واجب بعد أن ينظر ويسأل هل في البلد مملوكة توصف بهذه الصفة، فإن لم توجد قضيت لربها وأسلمتها إليه بعد أن يحلف. وسئل في رجل ابتاع كتابا من كتب العلم ثم جاء رجل آخر فادعاه وأتى بكتاب بذلك وقد فات الكتاب فقال: لا يتوجه الحكم لمستحق الشئ

    [ 343 ]
    إلا بعد شهادة العدول على يمينه والاعذار إلى الذي هو في يده، ولا يصح الحكم دون تعيين المشهود فيه عند الحكم. انتهى كلام ابن سلمون. وأما المانع من لاستحقاق ففعل وسكوت بالفعل أن يشتري ما ادعاه من عند حائزه فقال، إنما اشتريت خوف أن يغيب عليه، فإذا أثبته رجعت عليه بالثمن لم يكن له مقال. وقال أصبغ: إلا أن تكون بينة بعيدة جدا أو يشهد قبل الشراء أنه إنما اشتراه لذلك فذلك ينفعه، ولو اشتراه وهو يرى أن لا بينة له ثم وجد بينة فله القيام أو أخذ الثمن منه. قال أصبغ: و القول قوله: وأما السكوت فمثل أن يترك القيام من غير مانع أمد الحيازة. قاله في اللباب. فرع: قال ابن سلمون: فإن ثبت ذلك لمن باعه ممن باعه من مستحقه فلا بد أن يحلف الذي ثبت له ومن بعده، فإذا حلفوا يمين القضاء فحينئذ يحكم به لمستحقه انتهى. ص: (كذي شبهة) ش: ظاهر التشبيه أن حكم من كانت الارض بيده بشبهة حكم الغاصب في جميع الوجوه وليس كذلك وإنما مراده بتشبيهه به فيما إذا استحقت من يده بعد أن زرعها وقبل فوات إبان الزراعة فإن كراء تلك السنة للمستحق، وأما إن استحقت من يده قبل أن يزرعها فسيأتي حكمه في قوله وللمستحق أخذها. وأما إذا استحقت بعد إبان الزراعة فإن كراءها للذي أكراها. قاله في المدونة: ودخل في ذي الشبهة المشتري والوارث والمكتري منهما إذا لم يعلموا بالغصب أو التعدي، وكذلك المكتري من الغاصب إذا لم يعلم بالغصب كما صرح به الرجراجي ويؤخذ من كلام المصنف في التوضيح والله أعلم. ص: (أو جهل حاله) ش: أي حال الزارع هل هو غاصب أو ذو شبهة وهذ أولى من حمله على أن المراد جهل حال مكتري الارض هل هو غاصب أو مبتاع، قد تقدم أن المكتري من الغاصب ذو شبهة إن

    [ 344 ]
    لم يعلم بالتعدي فتأمله والله أعلم. ص: وفاتت بحرثها فيما بين مكر ومكتر) ش: يشير بهذا إلى قوله في كتاب الاستحقاق من المدونة: ومن اكترى أرضا بثوب أو بعبد فاستحق أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه ثم استحق ذلك، فإن كان استحق قبل أن يزرع أو يحرث انفسخ الكراء، وإن كان بعد ما زرع أو أحدث فيها عملا فعليه قيمة كراء الارض، وقال في كراء الارضين: ومن اكترى أرضا بعبد أو بثوب بعينه فاستحق بعد الحرث أو الزراعة فعليه كراء مثلها، وكذلك إن اكتراها بحديد أو برصاص أو نحاس بعينه وقد عرفا وزنه فإن الكراء ينتقض إلا أن يكون قد زرعها أو حرثها أو أحدث فيها عملا فعليه كراء المثل انتهى. قال عياض: وهو بين إذ نفس الحراثة وإن لم يزرع فوت، وللمكتري كراء المثل كما لو زرعت، ولا يختلف أن ذلك فوت بين المكري والمكتري انتهى. فهذا مراد المصنف، ولا يصح أن يحمل كلامه على استحقاق الارض المكتراة لانه إذا استحقت الارض لم يبق للمكري كلام حرثت أو لم تحرث والله أعلم. ص: (وللمستحق أخذها ودفع كراء الحرث فإن أبى قيل له أعط كراء سنة وإلا أسلمها بلا شئ) ش: يصح أن يكون مراده مستحق الارض أو مستحق الثوب أو المعبد المكتري به لان الحكم فيهما واحد أو هما معا. قال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس في شرح كلام المدونة المذكور في كتاب كراء الارضين: قال بعض فقهائنا القرويين: وإن أراد مستحق العبد أن يجيز بيع عبده بكراء الارض ويأخذ الارض إن لم يحرث لكان له ذلك، وإن حرثت كان له أن يدفع إلى المكتري حق حرثه ويأخذ الارض لانه كمستحق لمنفعة هذه الارض وجد منفعتها باقية كمن استحق أرضا بعد أن حرثها المكتري أنه يدفع إليه حق حرثه

    [ 345 ]
    ويأخذ أرضه، فإن امتنع دفع إليه المكتري كراء سنة، فإن امتنع سلمها بحرثها فحكم مستحق العبد في ثمنه كحكم مستحق الارض. انتهى ونحوه في كتاب الاستحقاق، ونحوه في كلام عياض. وما ذكره المؤلف هو قول ابن القاسم وصححه ابن رشد واعترض قوله وإلا أسلمها بلا شئ بأنه كان ينبغي أن يجعلهما شريكين في كراء الارض ذلك العام محروثة المستحق بقمية كرائها غير محروثة، والمستحق منه بقيمة حرثه وعمله. وقال: هذا على أصله من الرجوع على المستحق بقيمة السقي والعلاج. انظر بقية الكلام في أول رسم من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق. ص: (إن عرف النسبة) ش: يشير إلى كلام ابن يونس: ولا يجيز الكراء

    [ 346 ]
    فيما بقي حتى يعلم ما ينوب ذلك ليجيز بثمن معلوم على مذهب من لا يجيز جمع السلعتين للرجلين في البيع انتهى. وانظر بقية المسألة في أول كتاب الاستحقاق في المدونة. ص: (أو المجهول للحكم) ش: في بعض نسخ الشارح أو المجهول الحكم بإضافة المجهول للحكم، والذي في أكثر النسخ للحكم بلام الجر وهو الصواب لافادته حكما، وقوله للحكم هو أحد الاقوال الثلاثة. قال في المقدمات: واختلف في الحد الذي يدخل فيه الشئ المستحق في ضمان المستحق وتكون الغلة له ويجب التوفيق به على ثلاثة أقوال: أحدها حتى يقضي له به وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة أن الغلة للذي هي في يده حتى يقضي بها للطالب، وعلى هذا القول لا يجب توفيق الاصل المستحق توفيقا يحال بينه وبينه ولا توقيف غلته، وهو قول ابن القاسم في المدونة أن الرباع التي لا تحول ولا نزول ولا توقف مثل ما يحول ويزول، وإنما توقف وقفا يمنع من الاحداث فيها. والقول الثاني أنه يدخل في ضمانه إذا ثبت بشهادة شاهدين أو شاهد وامرأتين والثالث إذا شهد له شاهد واحد. انتهى القولان الاخيران باختصار والاول باللفظ. فرع: قال في المقدمات: واختلف في الحد الذي تكون به الثمرة في استحقاق الاصل غلة فيستوجبها المستحق منه ببلوغها إليه، إما بالحكم والقضاء وإما بثبوت الحق بشهادة شاهد، وأما بأن يشهد للمستحق شاهد واحد على الاختلاف المذكور في ذلك، فروى أبو زيد عن ابن القاسم أن الثمرة تكون للمستحق ما لم تجد وفكتاب ابن المواز ما لم تيبس ويرجع عليه بالسقي والعلاج، وعلى ما قال في المدونة في الرد بالعيب ما لم تطب إذا لم يفرق بين المسلمين. وهذا إذا كان المستحق منه اشترى الاصول قبل إبار الثمرة، وأما إن كان بعد الابار

    [ 347 ]
    فالثمرة للمستحق على مذهب ابن القاسم. وإن جدت ويرجع عليه بالسقي والعلاج كالرد بالعيب. وعلى مذهب أشهب تكون الثمرة للمستحق ما لم تجذ. فإن جذت كانت للمشتري. وأما إن كان اشترى الاول والثمرة مزهية فاشترطها في كتاب ابن المواز: أن الثمرة تكون للمستحق كيف كانت يبست أو جدت أو باعها أو أكلها، ويغرم المكيلة إن عرفها ولا فالقيمة. وفي البيع يغرم الثمن الذي باعها إلى إن فاتت أو كانت بيد مبتاعها فهو مخير في أخذها أو إنفاذ بيعه أو أخذ الثمن، وإن تلفت عند المبتاع فليس إلا الثمن، وهذا على القول بأنها لا تصير غلة للمبتاع إلا باليبس أو الجداد، وأما على القول الذي يرى أنها تصير له غلة بالطيب فلا حق له فيها إذا أزهت عند البائع لانها قد صارت له غلة بطيبها ويأخذ المستحق النخل وحدها ويرجع المستحق منها على البائع بما ينوبها من الثمن ويسقط عنه ما ناب الثمرة لبقائها بيده إلا أن يكون اشتراؤه إياها من غاصب أو مشتر اشتراها بعد الابار على مذهب ابن القاسم فهي ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون المستحق منه اشتراها قبل الابار. والثاني أن يكون اشتراها بثمرتها بعد الابار. والثالث أن يكواشتراها بثمرتها بعد الازهاء والطيب انتهى. تنبيه: قال في البيان في شرح المسألة الرابعة من كتاب الاستحقاق بعد أن ذكر الخلاف في الحد الذي يدخل به الشئ المستحق في ضمان البائع ما نصه: وكذلك أيضا النفقة القياس فيها أن تجري على هذا الاختلاف، فعلى الاول لا يجب للمقضى عليه الرجوع بشئ من النفقة على المقضي له، لانه إنما أنفق على ما ضمانه منه فغلته له. وعلى القول الثاني يجب له الرجوع عليه. بما أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين أو شاهد وامرأتين لوجوب الضمان عليه وكون الغلة له من حينئذ، وعلى القول الثالث يجب له الرجوع عليه بما أنفق منذ وقف بشهادة الشاهد لوجوب الضمان عليه وكون الغلة له من حينئذ، وقد فرق في رسم حمل صبيا من رواية عيسى من كتاب الصلح بين النفقة والغلة فقال: إن النفقة ممن تصير له والغلة للذي هو في يديه لان الضان منه وساوى بين ذلك عيسى من روايته وهو القياس، وكذلك ظاهر المدونة أنه لا فرق بين الغلة والنفقة، والصواب أن لا فرق بينهما في أن يكونا جميعا للضمان إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد واحد، وإما من يوم وجوبه بشهادة شاهدين، وإما من يوم القضاء والحكم انتهى. وعلى ما في المدونة مشى المصنف في باب القضاء فقال: والغلة له للقضاء والنفقة على المقضى له به. ص: (كوارث) ش: ظاهره أن الغلة للوارث، سواء كان وارثا من غاصب أو مشتر وليس كذلك، فإن وارث الغاصب لا غلة له، قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: فإن بيع المغصوب أو ورث بأن علم فكالغاصب وإن لم يعلم فلا شئ

    [ 348 ]
    عليه في السماوي ولا في الغلة سكن أو زرع. وقوله: لا في الغلة ظاهره لان الغلة تكون للمشتري وللوارث إذا لم يعلم وهو صحيح في المشتري. وأما وارث الغاصب فلا غلة له باتفاق، سواء انتفع بنفسه أو أكرى لغيره ونحوه لابن عبد السلام وصرح بذلك اللخمي. ويفهم ذلك من قوله في باب الغصب: أو وارثه أو موهوبه إلى آخره، وقال في الاستحقاق منها: ومن ابتاع دارا أو عبدا من غاصب ولم يعلم فاستغلهم زمانا فالغلة للمبتاع بضمانه. وكذلك إن ورثهم عن أبيه ولم يدربما كانوا لابيه فاستغلهم ثم استحقوا فالغلة للوارث انتهى. فهذا في المورث والمجهول الذي لم يعلم أنه غاصب أو غير غاصب، ولذا قال اللخمي عقيبها: وهذا وارث لا يدري بما كانت لابيه انتهى. ص: (وموهوب) ش: يريد إذا كان الغاصب موسرا، وأما إذا كان الغاصب معسرا فإنه يرجع بالغلة على الموهوب. وقال اللخمي: فإذا وهب ما غصبه فاغتله الموهوب له فقال أشهب: الموهوب بمنزلة المشتري. وقال ابن القاسم: ليس بمنزلته ويرجع على الغاصب فإن عدم أو غاب فعلى الموهوب وهو أبين، ولا فرق بين الموهوب له ووارث الغاصب إذا كان غير عالم بالغصب ولم يختلفوا في الوارث أنه يلزمه ما يلزم الغاصب فكذلك الموهوب له. انتهى بالمعنى إلى قوله وهو أبين ومنه الخ باللفظ فالوارث هنا إما وارث المشتري أو وارث الموهوب أو وارث ذي الشبهة. ولابن رشد كذلك وسيأتي والله أعلم. ص: (ومشتر) ش: يعني أن الغلة للمشتري من الغاصب إذا لم يعلم بالغصب يريد ولا رجوع للمغصوب منه على الغاصب بالغلة من يوم باع على المشهور كما صرح به ابن الحاجب وغيره. ص: (إن لم يعلموا) ش: قال البساطي: وهذا إذا تحقق عدم علمهم وكذلك من جهلنا هل هو عالم أم لا، فحمله على عدم العلم استصحابا بالحال المسلم انتهى. وهو كلام صحيح جار على المذهب والله أعلم. فائدة: سئلت عن جماعة ورثوا دارا كبيرة، بعضها عامر وبعضها خراب، وبعض الورثة حاضر وبعضهم غائب، فاستولى الحاضر على الدار وسكن العامر وعمر الخراب وسكنه، فهل للغائبين الرجوع عليه بالاجرة في هذه المدة ؟ وهل لهم نقض ما عمره من الخراب لكونه بغير إذنهم ؟ أفتونا مأجورين. فأجبت: الحمد لله إن كان الوارث الحاضر الذي سكن لم يعلم بالغائب فلا رجوع له عليه فيما سكن، وله الرجوع عليه بحصته فيما أكراه أو اغتله. هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك قاله في أول كتاب الصدقات من البيان. وهو الذي مشى عليه المصنف بعد هذا حيث قال: كوارث طرأ عليه مثله إلا أن ينتفع. وأما إن علم به فإنه يرجع عليه بأجرة ما سكن وبحصته من الغلة وما عمره مما ليس بضروري، فإن أراد أحد منهم القسمه قسمت الدار، فإن وقع ما بناه في حصته كان له وعليه من الكراء بقدر ما انتفع من

    [ 349 ]
    نصيب أصحابه قبل القسمة، وإن وقع في نصيب غيره خير من وقع في حصته بين أن يعطيه قيمته منقوضا أو يسلم إليه نقضه، وعلى الباني من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة وإن أرادوا شركته ولم يرد واحد منهم القسمة فلهم ذلك بعد أن يدفعوا حصصهم من قيمة ما عمله. قيل قائما. وقيل منقوضا. هذا محصل كلام ابن رشد في أول كتاب الاستحقاق في البيان. والقول بأنه يأخذ قيمته منقوضا هو الظاهر لقول ابن يونس في كتاب العارية في ترجمة من أعار أرضه: كل من بنى في أرض غيره من زوجة أو شريك أو غيره بغير إذن ربها أو علمه فله قيمة علمه منقوضا والله أعلم. ص: (بخلاف ذي دين على وارث) ش: يشير إلى ما في أول سمايحيى من القسمة في الورثة يقتسمون التركة فتنمو في أيديهم ثم يطرأ دين يستغرق التركة بنمائها أنهم يردون ما أخذوا ولا ضمان عليهم فيما نقص إلا أن يستهلكو فيكون عليهم غرمه، وكذلك الموصى لهم بأشياء بأعيانها، وأما ما اشتراه الورثة من التركة فحوسبوا به في ميراثهم واشتراه الموصي لهم فحوسبوا به في وصاياهم فلهم نماؤه وعليهم ضمانه. قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك لانه لا فرق بين أن يشتريه الورثة فيحاسبوا به في ميراثهم وفي وصاياهم، وبين أن يباع من غيرهم ويدفع إليهم الثمن. ونحوه في رسم الاقضية من سماع يحيى من الوصايا، وفي كتاب القسمة من المدونة ما يدل على ذلك. وأما قول الشارح في شروحه الثلاثة والبساطي إن معنى كلام المصنف إذا كان لرجل دين على شخص فدفع له فيه ملكا ورثه فاغتله. ثم استحق من يده فإنه يرد الغلة فغير صحيح ولا وجه له، لانه قد نص المتيطي وابن سلمون وغيرهما من الموثقين على أن التصيير بيع من البيوع، وتقدم أن ما اشترى الورثة أو الموصى لهم وحوسبوا بثمنه فيما أوصي لهم به أو في ميراثهم لهم نماؤه وعليهم ضمانه والله أعلم. ويوجد في بعض نسخ الاوسط زيادة على ما تقدم

    [ 350 ]
    ونصها، لانه من باب جر النفع لانتفاعه مع بقاء الدين على صاحبه. وهذا أيضا غير صحيح لانه يلزم مثله في جميع صور الاستحقاق والله أعلم. ص: (وإن غرس أو بنى قيل للمالك أعطه قيمته قائما فإن أبى فله دفع قيمة الارض) ش: تصوره ظاهر. فرع: فلو قال رب الارض ما عندي ما أعطيه الآن وما أريد إخراجه ولكن يسكن وينتفع حتى يرزقني الله ما أؤدي منه لم يجز ذلك، ولو رضي الذي عمر الارض لانه سلف جر منفعة قاله في سماع يحيى من كتاب الاستحقاق ونصه: إن كره المستحق أن يدفع ما عليه من القيمة أو كان معدما، قيل للعامل: ادفع إليه قيمة أرضه ثم يكون لك، فإن أبى أو كان معدما كانا شريكين على قدر قيمة الارض وقيمة العمارة، ولو رضي الذي عمر الارض أن يؤخر المستحق على أن ينتفع بها ما حل لانه سلف جر منفعة. قال ابن رشد: ولو أكراه المستحق بما وجب عليه من قيمة البناء لم يجز عند ابن القاسم للدين بالدين، ويجوز على مذهب أشهب لان قبض أوائل الكراء عنده كقبض جميعه والله أعلم. وانظر أول رسم من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق فيما يكون قيمة بنائه منقوضا وما له قيمة قائما والله أعلم. وسئلت عن مسألة محصلها شريك غرس أو بنى في بعض أرض مشتركة بينه وبين جماعة بغير إذنهم، فهل للشركاء إلزامه بقلع ما غرسه أو بناه ؟ فأجبت: إذا غرس الشريك أو بنى الارض المشتركة بغير إذن شركائه فليس للشركاء إلزامه بقلع ما غرسه أو بناه، بل لو أراد هو أو أحدهم القسمة قسمت الارض فإن وقع غرسه وبناؤه فيما خصه كان له وعليه الكراء بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة، وإن وقع الغرس أو البناء في حصة غيره خير من وقع في حصته

    [ 351 ]
    بين أن يعطيه قيمة ذلك منقوضا أو يسلم له نقضه، وعليه أيضا من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة. وإن لم يرد أحد منهم القسمة بل أرادوا بقاء الارض مشتركة فلهم أن يدخلوا معه ويشاركوه بقدر حصصهم من الارض بعد أن يسلموا إليه قدر حصصهم من قيمة عمله، قيل: قائما، وقيل: منقوضا، وهو الراجح الجاري على مذهب المدونة. وانظر المسألة في أول كتاب الاستحقاق من البيان وتكررت بعد ذلك في سماع عيسى منه، وفي رسم القطعان من سماع عيسى من الشركة وابن يونس في كتاب العارية وغير ذلك والله أعلم. ص: (إلا المحبسة فالنقض) ش: يعني أن الارض المحبسة تحبس فليس للباني إلا حمل أنقاضه، قال في التوضيح بعد ذكره مسألة الاستحقاق: والخلاف فيها وهذا كله ما لم تستحق الارض بحبس فليس للباني إلا حمل أنقاضه إذ ليس ثم من يعطيه قيمة البناء قائما، وليس له أن يعطي قيمة النفقة ولا يكونان شريكين لانه من بيع الحبس انتهى. وهذا إن لم يوجد من يعطيه قيمة النقض، وأما إن وجد من يعطيه ذلك فيدفع، ولا امتناع له من ذلك كما صرح بذلك في أحكام ابن سهل في مسائل الحبس. ونصه عن ابن حبيب عن مطرف فيمن بنى مسجدا وصلى فيه نحو السنتين ثم باعه ممن نقضه أو بناه بيتا أتصدق به قال: يفسخ ما فعل ويرد إلى ما كا عليه مسجدا وهو كالحبس لله لا يجوز بيعه ولا تحويله، وللباني نقض بنائه وإن شاء فليحتسب في تركه، وإن أراد نقضه فأعطاه محتسب قيمته مقلوعا ليقره للمسجد أجبر الباني على ذلك إلا ما لا حاجة للمسجد بد منه ولا بد من نقضه فيتركه كذلك. قلت: فنقض المسجد الاول أيجب على من نقضه أن يعيده كما كان ؟ قال: عليه قيمته قائما لانه متعد في نقضه وهدمه ثم يبني بتلك القيمة. قال ابن حبيب: وقال لي أصبغ مثله وكما يفهم ذلك أيضا من نوازل ابن رشد في مسائل الاكرية. وذكر ابن عبد الرفيع في مختصر النوازل في مسائل الحبس ونصها مسألة: من أكرى الارض المحبسة عليه لمن يبني فيها لمدة فله أن يأخذ الانقاض بقيمتها مقلوعة، وليس عليه أن يلحقها بالحبس، ولو كان الحبس على رجلين فأكرى أحدهما حصته بشئ فليس لصاحبه الدخول عليه انتهى. ص: (وضمن قيمة المستحقة وولدها

    [ 352 ]
    يوم الحكم) ش: يعني أن من اشترى أمة فأولدها ثم استحقها إنسان فإن سيدها الذي أولدها يضمن قيمتها وقيمة ولدها الذي أولدها إياه، واحدا كان أو أكثر. ولا يضمن من مات وهو القول الذي رجع إليه مالك، وكان أولا يقول لمستحقها أخذها إن شاء مع قيمة الولد. قيل: ثم رجع عنها إلى أنه يلزمه قيمتها فقط يوم وطئها، وبه أفتى لما استحقت أم ولده إبراهيم. وقيل: أم ولده. محمد: وعبر عنه ابن رشد بقوله: وبحكم عليه في استحقاق أم ولده، فإن أعدم الوالد اتبعه بقيمة الولد وقيمتها، فإن كان الولد موسرا أخذ منه قيمته فقط ولا يرجع عليه الاب. انظر استحقاق المدونة. وقال ابن يونس: انظر قول ابن القاسم إذا كان الاب عديما والابن مليا فليأخذ الاب قيمة نفسه وهو إنما يأخذ منه قيمته يوم الحكم، وكان يجب إنما يستحق قيمته يومئذ بماله وقيمته بماله أكثر مما في يده، فكيف يصح أخذ قيمته منه ؟ وأظن أن ابن القاسم إنما يقول: قيمته بغير مال وبه يصح قوله. قال في المجموعة: فإن كان للولد مال كسبه لم يقوم بماله لكن بغير ماله كقيمة عبد ويؤدي ذلك الاب ولا يؤخذ من أموال الولد شئ انتهى. فرع: قال ابن عرفة: اللخمي: لو استحقت حاملا فعلى أن له أخذها يؤخر لوضعها فيأخذها وقيمة ولدها، فإن أسقطته أو ماتت فلا شئ على الاب وعلى أخذ قيمتها يأخذ قيمتها الآن على ما هي عليه ولا ينتظر وضعها، وعلى القول الآخر: ليس له إلا أخذ قيمتها يوم

    [ 353 ]
    حملت انتهى. ص: (لا صداق حرة أو غلتها) ش: انظر كتاب الاستحقاق من المدونة وشراحها والمشذالي، وانظر رسم يدير من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق وابن عرفة وما ذكره هو المذهب من أن العبد إذا استحق بحرية لا يرجع على سيده بما اغتله منه من خراجه وأجرة عمله، ولا بأجرة ما استخدمه فيه، وكذا لو كاتبه ثم استحق بحرية بعد أن قبض السيد الكتابة لم يرجع عليه بها بخلاف ما لو جرح فأخذ السيد لذلك أرشا فله الرجوع على سيده بما أخذه من أرش جراحه، وكذا لو كان له مال اشتراه معه أو أفاده عبد من فضل خراجه أو عمله أو تصدق به عليه أو وهب له فانتزعه السيد، فله الرجوع على سيده بما انتزعه من ذلك. أما لو وهب له السيد مالا أو استخبره بمال فاستفاد فيه وقال: إنما دفعته إليه لانه عبدي وكنت أرى أن لي أن أنتزعه منه متى شئت، فللسيد أن يرجع في ذلك كله، وأما إذا قال: اتجر بهذا المال لنفسك فليس له إلا رأس ماله. واختلف إذا أعطاه أو تصدق عليه ثم أعتقه أو أعطاه بعد أن أعتقه وهو يرى أنه مولاه ثم استحق بحرية أو ملك، فقيل له: الرجوع عليه بذلك، وقيل: لا رجوع له عليه. قاله جميعه في رسم يدير من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. وكذلك الارض المستحقة بحبس لا يرجع بغلتها على القول المفتى به كما صرح بذلك ابن رشد في مسائل الحبس من نوازله. قال في التوضيح: وهو الذي جرى به العمل انتهى. وهذا والله أعلم إذا لم يعلم المستحقة من يده بالحبس، وأما إذا علم بالحبس واستغله فيرجع عليه بالغلة إذا كان البائع للحبس هو المحبس عليه وكان كبيرا عالما بالحبس فإنه لا رجوع له بالغلة ولو كان المشتري عالما كما يأتي ذلك في كلام ابن سهل في مسائل الحبس ونصه: قال ابن العطار: وإذا فسخ بيع الحبس فالغلة فيما سلف قبل ثبوت تحبيسه للمبتاع لا يرجع عليه بشئ منها إذا لم يعلم بالحبس بعد أن يحلف أنه لم يعلم، وما كان في رؤوس الشجر من الثمر وقت الاستحقاق فهو للذي ثبت لهم أصل التحبيس في حين بنائه. وإن كان في إبان الحرث فعليه كراء الارض، وإن كان بائع الحبس هو المحبس عليه رجع عليه بالثمن، فإن لم يكن له مال وثبت عدمه حلف للمبتاع وأخذ من غلة الحبس عاما بعام، فإن مات المحبس عليه قبل استيفاء الثمن رجع الحبس إلى من يستحقه ولم يكن للمبتاع منه شئ، فإن كان بائع الحبس كبيرا عالما بالتحبيس عوقب بالادب والسجن على بيعه إن لم يكن له عذر. قال القاضي ابن سهل: ينبغي إن كان مالكا لنفسه مع ذلك إلا أن يكون له طلب المبتاع بشئ من الغلة، وإن علم حين ابتياعه أنه حبس. وقد نزلت بقرطبة في مسألة القرشية وأفتيت فيها

    [ 354 ]
    بذلك، وكان غيري خالفني فيها وخلافه خطأ انتهى. وظاهره أنه إذا علم البائع بالحبس وكان هو المحبس عليه أن لا رجوع عليه بالغلة ولو علم المشتري أيضا بالحبس كما يفهم، وقد صرح بذلك المشذالي في أواخر كتاب الاستحقاق ونصه: وسئل اللؤلؤي عمن حبس عليه حبس فباعه والمشتري عالم بأنه حبس أم لا، فاستغله مدة ثم نقض البيع فقال: لا يرد الغلة لان البائع عالم فهو واهب للغلة إلا أن يكون له شريك أو يكون الحبس معقبا فليس لشريكه نصيبه من الغلة. وانظر المتيطي والطرر وانظر ابن سهل فإنه أشار إلى مسألة اللؤلؤي وأنها نزلت بقرطبة وأن غيره خالفه. انتهى كلامه والله أعلم. سئلت عن مسألة وهي شخص باع وقفا عليه يعلم بوقفيته لشخص يجهل الوقفية، ثم باعه المشتري لشخص يعلم الوقفية، ثم إن المشتري الثاني باعه مجهة أخرى موقوفة على البائع الاول تعدى هذا المشتري عليها، فهل للبائع الاول مطالبته بالغلة في ذلك أم لا ؟ فأجبت: الحمد لله وحده إذا ثبت وقفية هذه الجهات بشروطه نقض البيع في جميعها وأعيدت على ما كانت عليه ولا رجوع للبائع الاول بغلة ما باعه وهو عالم بوقفيته، وأما الجهة التي تعدى عليها المشتري الثاني وباعها فللبائع الاول الرجوع عليه بغلتها، ولا رجوع له على المشتري الثالث لجهل المشتري الوقفية والله أعلم. وانظر أحكام ابن سهل فيما إذا باع القاضي الحبس، وانظر ابن سلمون في مسائل الحبس. ص: (وإن هدم مكتر تعديا فللمستحق النقض وقيمة الهدم) ش: هذا كقوله في المدونة: ومن اكترى دارا فهدمها تعديا ثم قام مستحق، فله أخذ النقض إن وجده وقيمة الهدم من الهادم. قال في التنبيهات: قوله: بقيمة الهدم قيل: بما بينها بقعة وما بينها من القيمة بذلك البناء فيغرمه. وقيل: قيمة ما أفسد من البناء. وعند ابن حبيب يضمن له ما أنفق في البناء. وقيل: يأخذ النقض من مستحقها ثم يغرم له ما أفسد من الهدم. قال الشيخ أبو الحسن: قول عياض: بما بينها بقعة يعني مع الانقاض انتهى. ثم نقل بقية كلام التنبيهات وقال عقبه: كذا في التنبيهات. ورأيته يعني القول الاخير في كلام التنبيهات في موضع آخر يأخذ النقض مستحقه، فعلى ما في التنبيهات يغرم قيمة البناء قائما ويكون له النقض كمن تعدى على سلعة فأفسدها إفسادا كبيرا فإنه إذا ضمن قيمتها تكون له، وعلى ما في الموضع الآخر يكون هو التأويل الثاني انتهى. والله أعلم.

    [ 355 ]
    تنبيه: قال القرطبي في شرح حديث جريج عن مسلم في قوله: ولكن أعيدوها من طين كما كانت يدل على أن من تعدى على جدار أو دار وجب عليه أن يعيده على حالته إذا انضبطت صفته وتمكنت مماثلته، ولا تلزم قيمة ما تعدى عليه. وقد بوب البخاري عليه من هدم حائا بنى مثله وهو تصريح بما ذكرنا، فإن تعذرت المماثلة فالمرجع إلى القيمة وهو مذهب الكوفيين والشافعي وأبي ثور. وفي العتبية عن مالك مثله، ومشهور مذهب مالك وأصحابه وجماعة من العلماء أن فيه وفي سائر المتلفات المضمنات القيمة إلا ما يرجع إلى الكيل والوزن بناء منهم على أنه لا تتحقق المماثلة إلا فيهما. انتهى ونحوه في الاكمال قال: ولا حجة لاولئك بهذا الحديث لانه في شرع غيرنا، وليس فيه أن نبينا أمر بذلك ولعله بتراضيهما. ألا ترى إلى أن قولهم: نبنيها لك بالذهب وهذا كان من طيب نفوسهم فكذلك بناؤها بالطين انتهى. ص: (وله هدم المسجد) ش: هذه مسألة ذكرها في كتاب الاستحقاق من المدونة. وتكلم الشيخ أبو الحسن على حكم النقض هل لا يؤخذ إلا عين النقض أو إن كان بشبهة أخذت قيمته قائما وإلا أخذ النقض، وأطال وجلب كلام الاشياخ ومحصله اختصره ابن عرفة فقال: وفي جعل نقض المسجد في حبس مطلقا أو إن كان بانيه غاصبا وإن كان ذا شبهة جعلت قيمته في حبس قولان، الظاهر قول ابن القاسم فيها والصقلي عن سحنون وصوبه اللخمي وقال لي: لا بد من هدمه لمخالفته بناء المسجد، جعل نقضه في حبس مثله وما شاكلها أخذه المستحق بقيمته، وإن بنى بشبهة وأبى المستحق من دفع قيمة البناء والآخر من قيمة الارض وكانا شريكين، فإن حمل القسم وفي حظ الحبس ما يصح مسجدا قسم وإلا بيع وجعل منابه في مثله. انتهى. ومعنى القولين على ما ذكرناه أول الكلام. وقوله وقال: ذكره اللخمي تفريعا على قول ابن سحنون. وقوله: لمخالفته بناء المسجد لعله بناء الدور لانه الذي يصح به الكلام وهو كذلك في التبصرة والله أعلم. فرع: قال أبو محمد: وعلى قول ابن القاسم بجعل النقض في مسجد آخر، فإن لم يكن في موضعه مسجدا نقل ذلك النقض إلى أقرب المساجد إليه ويكون الكراء على نقلانه منه

    [ 356 ]
    ويجوز لمن أخذه في كرائه ملكه انتهى. ص: (وإن استحق بعض فكالمبيع) ش: كذا في بعض النسخ فكالمبيع، شبه مسألة الاستحقاق للبعض بمسألة استحقاق بعض المبيع في البيع ولا معنى لهذا التشبيه، لان فرض المسألة استحقاق بعض المبيع ففيه تشبيه الشئ بنفسه. وفي بعضها فكالعيب يعني أنه إذا اشترى الشخص شيئا واستحق بعضه فحكمه حكم ما إذا ظهر عيب ببعض المبيع فهذه النسخة أنسب، ولكن على كل حال فقد قدم المؤلف حكم استحقاق البعض في فصل الخيار وإنما نبه عليه هنا لانه بابه والله أعلم. ولا بأس بذكر حكم استحقاق البعض على سبيل الاختصار وذكر كلام المؤلف بعده فنقول: إذا استحق بعض المبيع فلا يخلو إما أن يكون شائعا فإنه يخير المشتري في التمسك ويرجع بحصة الجزء المستحق من الثمن وفي رده لضرر الشركة، وسواء استحق الاقل أو الاكثر. وإن استحق جزء معين فلا يخلو إما أن يكون مقوما أو مثليا. فإن كان مقوما كالعروض والرقيق والحيوان فإن استحق البعض رجع بحصته بالقيمة لا بالتسمية، وإن استحق وجه الصفقة تعين رد الباقي ولا يجوز التماسك بالاقل، وإن كان مثليا، فإن استحق الاقل رجع بحصته من الثمن. وفي الرد قال في المدونة: ومن ابتاع ثيابا كثيرة أو صالح بها عن دعواه فاستحق بعضها أو وجد بها عيب قبل قبضها أو بعده، فإن كان ذلك أقلها رجع بحصته من الثمن، وإن رضي البائع إذ لا يعرف ثمنه حتى يقوم وقد وجب الرد فصار بيعا مؤتنفا بثمن مجهول انتهى. وهذا أيضا يخالف فيه أشهب وابن حبيب ويجيزان التمسك بالاقل. قاله أبو الحسن. وقال: قوله: فإن كان ذلك أقلها إلى آخره لان هذا ليس بيعا مؤتنفا بثمن مجهول لان البيع لم يزل جائزا بالعقد الاول انتهى. ويقال: لاي شئ ينتقض البيع إذا استحق الاكثر ولا ينتقض في الاقل والله أعلم. ثم قال في المدونة

    [ 357 ]
    إثر الكلام المتقدم: ولو كان ما ابتاع مكيلا أو موزونا فإن استحق القليل منه رجع بحصته من الثمن ولزمه ما بقي، وإن كان كثيرا فهو مخير في أن يحبس ما بقي بحصته من الثمن أو يرده، وكذلك في جزء شائع مما لا ينقسم لان حصته من الثمن معلومة قبل الرضا به انتهى. ص: (وله رد أحد عبدين استحق أفضلهما بحرية) ش: كذا قول أبي سعيد في تهذيبه: ومن ابتاع عبدين في صفقة فاستحق أحدهما بحرية بعد أن قبضه أو قبل فإن كان وجد الصفقة فله رد الباقي. قال الشيخ أبو الحسن: ليس في الامهات فله رد الباقي وإنما فيه رد الباقي وهذه متعقبة لان ظاهره له الرد وله التمسك فيكون كقول ابن حبيب وأشهب انتهى. وما ورد على أبى سعيد يرد على المصنف. وقوله: بحرية وكذلك برق وقد دخل في قوله: وإن استحق بعض فكالعيب وإنما نبه عليه لانه قد يتوهم في هذه أنها صفقة جمعت حلالا وحراما فترد كلاهما لانهما في هذه لم يدخلا على ذلك والله أعلم. ص: (كأن صالح عن عيب بآخر)

    [ 358 ]
    ش: الذي في أكثر النسخ كان وهو الصواب ويعني أن حكم ما إذا اشترى عبدا ثم اطلع فيه على عيب قديم فصالح عنه بعبد آخر ثم استحق أحدهما كحكم اشترائهما في صفقة واحدة. قال في المدونة: ومن اشترى عبدا فأصاب به عيبا فصالحه البائع عن العيب على عبد آخر دفعه إليه جاز، وكأنهما في صفقة واحدة. فإن استحق أحدهما فليفض الثمن عليهما وينظر، هل هو وجه الصفقة أم لا على ما ذكرنا. أبو الحسن: يعني فيمن باع عبدين في صفقة واحدة انتهى. وشبه المؤلف هذه المسألة بتلك كما في تهذيب أبي سعيد إلا أن الحكم الذي يؤخذ من كلامهما في المسألة الاولى ليس كذلك كما تقدم فيكون في هذه أيضا كذا، ولذلك قال اللخمي: قال ابن القاسم فيمن اشترى عبدا ثم وجد به عيبا فصالح عنه على عبد آخر ثم استحق أحدهما: فسبيلهما سبيل ما اشترى صفقة واحدة يريد إن كانا متكافئين أو استحق الادنى رجع بما ينوب المستحق ولزم الآخر، وسواء كان المستحق الاول أو الآخر، وإن كان المستحق الاجود رد الآخر انتهى. والله أعلم. ص: (وإلا ففي عوضه كإنكار على الارجح) ش: أي وإن فاتت. قال في المدونة: بتغير بدن أو سوق فيرجع في عوضه أي عوض الشئ المقر به وهو مثل المثلي وقيمة المقوم كما يرجع في الانكار بعوض الشئ المصالح فيه، فات أو لم يفت، وهو مثل المثلي وقيمة المقوم وهذا يفرقه ذهن الطالب لان في الاقرار ثبت الشئ له، وأما في الانكار فلم يثبت فكيف يتوهم أن يأخذه، فيتعين أن يكون المراد عوض الشئ المصالح

    [ 359 ]
    به والله أعلم. ص: (وفي الاقرار لا يرجع) ش: قال أبو الحسن الصغير في صلح الاقرار على عوض بعد أن على ما إذا استحق العوض: ولو استحق ما بيد المدعى عليه فقال أشهب في المجموعة: إن استحق بالبينة والحكم فليرجع على المدعي بما دفع إليه. وقال الطحاوي في كتابه: لا يرجع بشئ لانه أقر أنه للمدعي وأن ما أخذ منه ظلم. وذكر أن هذا قول لاهل المدينة وابن أبي ليلى ومن قال بقولهم ثم قال الشيخ: والعمل عندنا اليوم على ما في كتاب الطحاوي والمدنيين أنه لا يرجع ويقال للمستحق من يده تأخذ النسخة وترجع على بائعك بالثمن أو تخاصم ثم لا رجوع لك انتهى. وانظر ما معنى قوله: ويقال للمستحق إلى آخره والله أعلم. وفي معين الحكم: فإذا أعذر للذي ألفى في يده العبد أو الدابة فالصواب أن يقال: لا حجة لي إلا أن أرجع على من باع مني، فإن ادعى الذي ألفى في يده العبد أو الدابة مطعنا في الشهود أجل، فإن عجز بعد ذلك حكم عليه، ثم لا يكون له رجوع على البائع لان قيامه عليه إنما هو بالبينة التي أعذر فيها فإذا طعن فيها لم يكن له قيام انتهى. وصرح ابن سلمون بأن من استحق شيئا وادعى فيه دافعا وعجز عنه لم يبق له رجوع على بائعه والله أعلم. مسألة: قال في النوادر في كتاب الاقضية الاول في ترجمة من قيم عليه في شئ، هل يقوم على من باع منه قبل الحكم وهو في أثناء ترجمة كبيرة. وفي كتاب ابن سحنون: سأل حبيب سحنونا فيمن اعترف من يده شئ وثبت عليه بشاهد واحد فيريد المشهود أن يأخذ حميلا على من باع ذلك لئلا يحكم عليه في وقت يغيب هذا فيه قال: لا حميل له عليه ولا يعرض له حتى يحكم عليه انتهى. تنبيهات: الاول: من ادعى الحرية وذكر أنه من بلد كثر فيه بيع الاحرار ووافقه المبتاع على أنه اشتراه من تلك البلد فقال ابن سهل: قال محمد بن الوليد ويحيى بن عبد العزيز: إنه يكلف المشتري إثبات رقه. وقاله سحنون. وقال ابن لبابة: البينة على مدعي الحرية. وكان عبد الاعلى يفتي بما قال: قال أصحابنا: الفساد الزمان ولست أراه. وقال ابن زرب: على السيد الاثبات على صحة ابتياعه ممن كان ملكا له وبذلك أفتوا في فتنة ابن حفصون. انتهى من مسائل العتق وهي قبل مسائل النكاح. الثاني: إذا ادعت الحرية ثم أقرت بالرق فقال ابن سهل في المحل المذكور: قالت طائفة: لا يقبل رجوعها لانها قد استحقت بدعواها، فليس لها أن ترق نفسها وقالت طائفة يقبل

    [ 360 ]
    رجوعها وتبقى مملوكة لسيدها قال ابن عتاب: وبه أفتيت واختاره القاضي. ابن بشير: ولم يذكر لنا ابن عتاب إذ ذكرها في سماع ابن القاسم قال مالك: يسمع نزوعها إلا أن يخاف أنها إنما نزعت من خوف وأرادت ذكره واستحيت منه انتهى. الثالث: إذا اعترف المملوك بالرق ثم ادعى الحرية، هل يقبل منه ؟ انظر ابن سلمون في بيع الرقيق فإنه ذكر فيه قولين. وعلى أنه يقبل منه فإذا ثبت ذلك وكان البائع عديما، فهل يرجع عليه بالثمن ؟ فيه خلاف ذكره ابن رشد في آخر سماع عيسى من كتاب الجهاد ورسم لم يدرك من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق. الرابع: إذا شهد الشهود على الحرية في العلم هل يفيد ذلك أم لا ؟ انظر الباب الثالث والاربعين من التبصرة لابن فرحون، وانظر ابن سهل في المحل المذكور أولا فإنه ذكر في ذلك خلافا وفيه مسائل من هذا الباب، وانظر الباب الثاني والعشرين من التبصرة فإن فيه أن الاصل الحرية وفي أول الكتاب في الفرق بين المدعي والمدعى عليه. الخامس: إذا أراد وضع قيمة العبد المستحق والذهاب إلى البلد التي فيها بائعه فله ذلك في المستحق برق لا بحرية كما قاله في وثائق الجزيري، وفي سماع عيسى المذكور، وفي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الاستحقاق والله أعلم. ص: (كعلمه صحة ملك بائعه) ش: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في شرح مسألة الصلح المتقدمة: وقد اختلف إذا كان في عقد الشراء وعلم المبتاع صحة ملك البائع المذكور حين انبرام البيع وانعقاده، فقال ابن القاسم وأشهب: لا يرجع إذا استحق ذلك من يده. وقال غيرهما: يرجع. انتهى. وفي أول البيوع من معين الحكام مسألة: إذا صرح المبتاع بصحة ملك البائع لما باع ثم طرأ استحقاق. فهل له رجوع على البائع أو لا ؟ في ذلك روايتان: إحداهما أنه يرجع على البائع ولا يضره إقراره، والاخرى أنه لا يرجع عليه بشئ. رواها أصبغ وعيسى عن ابن القاسم. قال ابن العطار: وبالرواية الاولى القضاء قالوا: وهو دليل المدونة لانه قال في كتاب الاستحقاق منها فيمن له

    [ 361 ]
    على رجل ألف درهم فحط عنه خمسمائة درهم على أن أخذ منه عبده ميمونا بخمسمائة ثم استحق العبد أنه يرجع بالالف. فقوله: عبده ميمونا تصريح بإضافة العبد إليه. ص: (لا إن قال داره) ش: قال في المتيطية في أوائل البيوع: وقولنا: ابتاع منه جميع الدار أولى من إضافتها إلى البائع، فيقال: جميع داره، وكذلك جميع ما يبتاع من ملك أو سلعة لما وقع في ذلك من الاختلاف، فقد ذكر بعض الموثقين أنه إذا أضيف شئ من ذلك إلى البائع ثم استحق من يد المبتاع فإنه لا يرجع على البائع بشئ لان في إضافة ذلك إليه إقرارا من المبتاع بتحقيق تمليك البائع لما باع منه، فإذا استحق من يده فقد علم أنه لم يستحق بحق فلم يكن له الرجوع، وكان يرى أن يعقد الموثق ابتاع منه جميع الدار الذي ذكر البائع أنها له أو ابتاع منه جميع الدار التي بموضع كذا، ولا يرى أن يقول جميع الدار التي له. وقال غيره من الموثقين: إن قولك: جميع الدار أو جميع داره بإضافة أو بغير إضافة سواء إن استحق ذلك من يد المبتاع رجع به على البائع، وقد أشار إلى ذلك أشهب في المجموعة فقال: إنه يرجع بالثمن على البائع، والظلم إنما وقع عليه دون المبتاع لان بينة المستحق تقول: إنه باع ما ليس له. قال ابن الهندي: والذي تدل عليه الاصول أن قول الموثق: جميع الدار التي له ليس بمانع للمبتاع من الرجوع على البائع بالثمن عند الاستحقاق إذ قد أحكمت السنة الرجوع عليه حتى لو لم يقل في الوثيقة ومرجع دركهم، والدليل على ذلك ما نص عليه أهل العلم في نص الوثائق في بيع جميع الاملاك فإنهم استفتحوا ذلك: اشترى فلان من فلان جميع ما جرته أملاكه وضمته فوائده وجمعته مكاسبه. وقولهم هذا كقول الموثق جميع الدار التي لا فرق في ذلك، فلو كان هذا عندهم لرجوع المبتاع عند الاستحقاق على البائع ما كتبوه. وقد دارت غير مرة فقضي فيها بالرجوع بالدرك، وقد أوقفت على ذلك جماعة من أهل العلم الماضين فلم نجد عند أحد منهم

    [ 362 ]
    أن ذلك يمنع الرجوع. قال غير واحد من الموثقين: وهذا هو الصواب لانه ليس في إضافة ذلك إلى البائع إقرار من المبتاع بتمليك البائع له وإنما معنى قوله: ابتاع منه جميع داره أي جميع الدار التي ذكر البائع أنها له. وأيضا فلو أن المبتاع صرح بتمليك البائع للمبيع ثم استحق ذلك من يده فإن في رجوعه على البائع روايتين: إحداهما أنه يرجع على البائع ولا يضره إقراره، والاخرى أنه لا يرجع عليه بشئ رواها أصبغ وعيسى عن ابن القاسم. قال ابن العطار: وبالرواية الاولى القضاء. هذا في صريح الاقرار فكيف بلفظ لا يحتمل إلا على بعد. والذي وقع لابن القاسم في العتبية من سماع عيسى وحكاها أيضا فضل ابن مسلمة عن ابن القاسم أنه إذا أقر المبتاع أن جميع المبيع للبائع منه ثم استحق من يده أنه لا يرجع على البائع بشئ. وقال أشهب وعبد الملك وابن وهب وسحنون وغيرهم: لا يمنع ذلك من الرجوع عليه، وهذا اختيار الشيوخ بالاندلس وهو دليل ما في كتاب الاستحقاق من المدونة فيمن له على رجل ألف درهم فحط عنه خمسمائة على أن يأخذ منه عبده ميمونا بخمسمائة ثم استحق العبد أنه يرجع بالالف. فقوله: على أن أخذ منه عبده ميمونا كقول الموثق: ابتاع منه داره. وقال عباس في وثائقه: سألت عن ذلك محمد بن إدريس الفقيه، فذكر أن ابن القاسم لا يبطل رجوع المبتاع بذلك على البائع إلا أن يقر أنها من خطة آبائه وأجداده فيبطل دركه حينئذ عنده، وكذلك في العبيد والدواب لا يبطل دركه إلا أن يقر أن ذلك من تلادة البائع فيبطل دركه. انتهى ونحوه في الوثائق المجموعة. وقوله: من خطة آبائه أي من بناء آبائه، وقوله: من تلادة أي ولد عنده والله أعلم. وفي حاشية المشذالي في آخر كتاب الاستحقاق بعدأن ذكر قول ابن العطار: وبالرواية الاولى القضاء ابن عبد السلام: والاصح من القولين عدم الرجوع انتهى. وفي أبي الحسن الصغير إثر الكلام المتقدم وذكر الباجي أنه اختلف أيضا إذا كان في عقد الشراء داره أو الدار التي له قال: ينبغي أن يتحرز الموثق من الخلاف فيسقطه ويكتب دارا أو الدار التي ذكر أنها له. وذكر ابن العطار في وثائقه القولين قال: والقضاء بأنه يرجع. قال ابن الهندي: إذا قال في آخر الوثيقة على سنة المسلمين ومرجع دركهم فإنه يسقط الخلاف ويكون له الرجوع قولا واحدا انتهى. والظاهر أن قوله: وذكر ابن العطار الخ راجع إلى كلامه الاول في المسألة الاولى. وذكر ابن رشد القولين في سماع عيسى من كتاب الاستحقاق فقف عليه إن أحببته فقد ظهر معنى قول المصنف: لا إن قال داره أي لا إن قال الموثق في الوثيقة داره أو الدار التي له، وقد علمت أن هذا هو الصحيح. وأما المسألة الاولى فلو أشار المؤلف فيها إلى القول الثاني ولو بصحح أو عمل به لكان حسنا والله أعلم. ص: (أو قيمته) ش: والقيمة يوم البيع.

    [ 363 ]
    قاله في كتاب الاستحقاق من المدونة أبو الحسن، لان البيع صحيح وإنما يراعى يوم القبض في البيع الفاسد أو الهبة على أحد القولين انتهى. والفوات بتغير السوق والبدن والعتق والاستيلاد وتزويج الامة. قاله في المدونة والله أعلم. ص: (إلا نكاحا) ش: ذكر ست نظائر والسابعة مسألة الصلح على الانكار إذا استحق الشئ المصالح به. وانظر لو مات العبد في يدها ثم استحقت في أبي الحسن الصغير في كتاب الاستحقاق. ص: (أو مقاطعا به) ش: قال في كتاب البيوع من المدونة: وإذا بعت عبدك من نفسه بأمة له فقبضتها ثم استحقت أو وجدت بها عيبا لم يكن لك ردها عليه وكأنك انتزعتها منه وأعتقته، ولو بعت بها نفسه وليست له يومئذ رجعت عليه بقيمتها لا بقيمته كما لو قاطعت مكاتبك على أمة في يده فقبضتها وأعتقته وتمت حريته ثم استحقت أو وجدت بها عيبا فإنك ترجع عليه بقيمتها دينا، وهذا كالنكاح بها بخلاف البيوع انتهى. قوله: ولو بعته بها نفسه وليست له يومئذ قال ابن يونس: قال يحيى: وهو بعينها في ملك غيره. وقوله: كما لو قاطعت مكاتبك إلى آخره يريد ويجوز أن يقاطع المكاتب على عبد في يديه، فإن استحق أو وجد بها عيب رجع بقيمته بلا خلاف في هذا لان سيده كان غير قادر على أخذ ماله فهو بخلاف العبد، وإن أعتق عبده على عبد موصوف فاستحق أو وجد به عيب رجع عليه بمثله في صفقة. ابن يونس: فصار ذلك على ثلاث رتب: في المعين لا يرجع عليه بشئ، وفي الموصوف يرجع عليه بمثله، وإذا كان المعين لغيره رجع بقيمته انتهى من ابن يونس ونقله أبو الحسن ونقل بقية

    [ 364 ]
    النظائر والله سبحانه أعلم. ص: (أو عمرى) ش: يريد أن من أعمر رجلا حياته دارا ثم أعطى المعمر دارا ثم أعطى ال‍ - بكسر الميم - المعمر - بفتحها - عبدا عوضا عما جعله له من العمرى، ولا يجوز أيعطي رجل عبد الرجل ليعمره دارا فليس مرادا هنا والله أعلم. ص: (إن عرف بالحرية) ش: هذا كقوله في كتاب الاستحقاق من المدونة: فإن كان معروفا بالحرية لم يضمن الوصي ولا متولي الحاج. قال أبو الحسن: ظاهره أن مع الجهل يحمل على الرق. وفي آخر كتاب الرجم أن الناس محمولون على الحرية. فمعنى قوله هنا: إن كان معروفا بالحرية فيمن ظهرت فيه مخايل الرق أو صفة تؤذن بالرق، وأما مع الجهل بحاله فمحمول على الحرية كما قال بعض في كتاب الرجم فيفسر هذا الموضع بما قلناه ثم قال: ومفهوم قوله: إن كان معروفا أنه لو كان غير معروف لضمن لانه تعدى على مال الغير انتهى. ويعني تغيير المعروف من ظهرت عليه مخايل الرق أو من فيه ريبة كما تقدم. ص: (وأخذ السيد ما بيع ولم يفت بالثمن) ش: قال في المدونة: ويأخذ السيد ما كان قائما من التركة لم يبع، وما بيع وهو قائم بيد مبتاعه فلا يأخذه السيد إلا بالثمن ويرجع بذلك الثمن على البائع. قال أبو الحسن قوله: يرجع على البائع وقال أولا: لم يضمن الوصي قالوا: معنى ما تقدم أن الثمن فات وصرفه في مصارفه. ومعنى قوله: يرجع على البائع أن الثمن قائم بيده انتهى. يريد أو صرفه في غير ما لم يوص به الميت. ص: (وإلا فكالغاصب) ش: قال في المدونة: فإن لم تأت البينة بما تعذر به من شبهة دخلت عليهم فذلك كتعمدهم الزور فيأخذ متاعه حيث وجده. قال الرجراجي: وسواء كانت شهادتهم عند الورثة أو عند القاضي. وتأول القاضي إسماعيل المدونة على أنهم شهدوا عند الورثة، وأما إن شهدوا عند القاضي فلا سبيل إلى متاعه إلا بالثمن. قال الرجراجي: وهذا الذي قاله مخالف لنص المدونة والله أعلم. تنبيه: قال أبو الحسن: وحملهم على الكذب حتى يأتوا بالشبهة والله أعلم. ص: (وما فات فالثمن) ش: هذا قسم قوله: ما بيع ولم يفت يعني وأما ما فات فإنما له الرجوع بالثمن على الذي باع ذلك. وقاله في المدونة.

    [ 365 ]
    فرع: قال في كتاب الرهون من المدونة: وإذا باع السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن ثم استحق الرهن وقد فات عند المبتاع أو غاب عليه المبتاع فلم يوجد، فللمستحق إجازة البيع وأخذ الثمن من المرتهن ويرجع المرتهن بحقه على الراهن. وقاله مالك فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها. وقد دارت في أيدي رجال أنه يأخذ الثمن من أيهم شاء. انتهى من أبي الحسن وفوات الشئ المستحق إنما هو بزوال عينه أو ما يقوم مقام زوال عينه. وقوله: أو غاب به المبتاع في الامهات وغاب، واختصار أبي سعيد أحسن لانه معنيان، ومفهومه أنه لو لم يفت لكان الحكم غير هذا وهو أنه يأخذه المستحق من غير ثمن. ولا يرد هذه مسألة محمد في الذي يباع عليه ماله وهو غائب ثم قدم فأثبت البراءة من الدين أنه قال: يأخذ ذلك بالثمن. والفرق بينهما أن مسألة محمد بيع على ملك الغائب، وهذا بيع على غير ملك المستحق. وانظر مسألة محمد في كتاب الاقضية لابن يونس انتهى. وانظر ابن سلمون في باب من أحاط الدين بماله. وقال أبو الحسن: قوله: فللمستحق إجازة البيع وأخذ الثمن من المرتهن. عياض: الذي يقطع به أن مذهب المدونة أن رجوعه على المرتهن. والذي قال ابن حبيب وأصبغ عن ابن القاسم أنه إنما يرجع على الراهن إلا أن يكون عديما فيرجع على المرتهن. الشيخ: وسبب الخلاف هل هذا الراهن إنما بيع على الراهن وفيما عليه أو إنما بيع لحق المرتهن وأنه بحكم الحاكم. بالبيع زال ملك الراهن ؟ وبعضهم حمل المدونة على أن الراهن عديم ثم قال: قوله: يأخذ الثمن من أيهم شاء إلا الاخير فإنه لا يرجع على أحد، فإن أخذه من الاول صحت جميع الصفقات بخلاف الشفعة إن أخذه من الاول بطلت جميع الصفقات. والفرق بينهما أنه إنما يرجع بالثمن والشفعة إنما يرجع في الدار انتهى. وتقدم في آخر باب الغصب شئ من هذا. وقال البرزلي في أثناء كتاب الاقضية: قال اللخمي في كتاب التخيير: من أثبت

    [ 366 ]
    دينا على غائب وباع فيه داره ثم قدم الغائب وأثبت أنه قضاه دينه بعد البيع إذا فات لانه لم يتعد على الذمة. ابن عات: هو مخالف لما قاله أبو الوليد أنه يجوز بيع الرهن دون الحكم، سواء كان في وثيقة الدين تصديق المرتهن في الاقتضاء أم لا. فإن ادعى بعد ذلك دفع الدين، فإن لم يشترط التصديق في الاقتضاء وأقام البينة على الدفع انتقض البيع، وإن لم تقم بينة حلف المرتهن ونفذ البيع، وإن نكل حلف الراهن لقد أداه وسقط الدين ونفذ البيع. ذكره ابن فتحون. قلت: لعل مسألة اللخمي باع بحكم حاكم، ومسألة ابن فتحون بغير حاكم. انتهى من مسائل الاقضية. باب الشفعة قال ابن رشد في المقدمات: والاصل في تسميتها بذلك هو أن الرجل في الجاهلية كان إذا اشترى حائطا أو منزلا أو شقصا من حائط أو منزل، أتاه المجاور أو الشريك فشفع له في أن يوليه إياه ليتصل له الملك أو يندفع عنه الضرر حتى يشفعه فيه، فسمي ذلك شفعة، وسمي الآخذ شفيعا والمأخوذ منه مشفوعا عليه انتهى. والشفعة بسكون الفاء قاله عياض. ص: (أخذ شريك) ش: تمام الرسم قوله ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة عقارا بمثل الثمن أو قيمته

    [ 367 ]
    أو قيمة الشقص. وهو قريب من قول ابن الحاجب. واعترضه ابن عرفة بأنه رسم الاخذ لا رسم ماهية الشفعة، ورسمها هو استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه انتهى. قلت: قد يقال إنه غير جامع لخروج ما يكون فيه الشفعة بقيمة الشقص فتأمله، واعتراض ابن عرفة المذكور هو في مختصره. ونقل عنه تلميذه البرزلي أنه نقض رسم ابن الحاجب أيضا بأخذ الشريك الثوب إذا وقف على ثمن وبما إذا وقع ثوب مسلم في الغنائم وأخذه رجلان فأخذه من أحدهما ثم أراد الاخذ من الآخر. انتهى. وقوله: أخذ شريك أي بجزء مشاع. وأما لو كان شريكا بأذرع وهي غير معينة ففيها خلاف. قال مالك: لا شفعه، وأثبتها أشهب ورجح ابن رشد الاول وأفتى به وحكم به بأمره. قاله في آخر كتاب الشفعة من المقدمات. ص: (ولو ذميا باع المسلم لذمي كذميين تحاكموا إلينا) ش: قال في آخر كتاب الشفعة من المدونة وإذا كانت دار بين مسلم وذمي فباع المسلم حصته من مسلم أو ذمي فلشريكه الذمي أن يشفع كما لو كان مسلما انتهى. وفي التبصرة للخمي. وإن باع النصراني نصيبه من مسلم أو نصراني كانت للمسلم الشفعة انتهى ثم قال في المدونة إثر الكلام المتقدم: ولو كانت بين ذميين فباع أحدهما لم أقض بالشفعة بينهما إلا أن يتحاكموا إلينا انتهى. وفي أول سماع يحيى من الشفعة: وسألت ابن القاسم عن النصرانيين الشريكين في الاصل يبيع أحدهما حظه من مسلم أو نصراني فتجب الشفعة لشريكه، أيقضي له بها ؟ قال: أما على المسلم فيقضي بها للنصراني لاني قد كنت أقضي بها للمسلم على النصراني وأما إذا كان الشفيع نصرانيا وكان شريكه مسلما أو نصرانيا فاشترى نصراني، فلا أرى أن يقضى بينهما بشئ لان الطالب والمطلوب نصرانيان فهما يردان إلى أهل دينهما لان المطلوب يقول: ليس في ديننا الحكم بالشفعة فلا أرى للمسلم أن يحكم بينهما إلا أن يتراضيا على ذلك. ابن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن كان الشفيع الذي لم يبع أو المشتري المشفوع عليه مسلما قضي بالشفعة لكل واحد منهما على صاحبه باتفاق المذهب لانه حكم بين مسلم ونصراني. واختلف إن كان الشفيع والمشتري المشفوع عليه نصرانيين والشريك البائع مسلما فقال في هذه الرواية: إنه لا يقضى في ذلك بالشفعة ويردان إلى أهل دينهما لان الشافع والمشفوع نصرانيان. وقال في أصل الاسدية: وهو في بعض روايات المدونة أنه يقضى في ذلك بالشفعة من أجل أن

    [ 368 ]
    الشريك البائع مسلم. وهو قول أشهب في المجموعة انتهى. فالقول الثاني هو الذي مشى عليه المؤلف فقال: ولو كان الشريك الآخذ بالشفعة ذميا والحالة أن شريكه مسلم باع لذمي وأشار بلو إلى القول الاول في كلام ابن رشد ودخل في كلامه بالاحروية ما إذا باع الشريك المسلم لمسلم فيكون لشريكه الذمي الشفعة أو باع النصراني حصته لمسلم أو ذمي فلشريكه المسلم الشفعة أو كانت بين ذميين فباع أحدهما حصته من مسلم لان هذه متفق على وجوب الشفعة فيها كما تقدم. وقول الشارح قوله: الذمي لو باع المسلم لا شفعة له وليس كذلك. لا يرد على المصنف لان هذه الصورة داخلة في كلامه بالاحروية فليتأمل. وقول البساطي واعترضوا عليه بأنه مخالف للمدونة. قلت: ولعله رجح ما لابن القاسم في المجموعة أن المسلم إذا باع لنصراني وشريكه نصراني فلا شفعة للنصراني فيه سهو ظاهر والله أعلم. قوله: كذميين تحاكموا إلينا هذه الصورة السادسة فإن للمسألة سبع صور، لان الدار تارة تكون شركة بين ذمي ومسلم، فتارة يبيع المسلم حصته من مسلم أو ذمي، وتارة يبيع الذمي حصته من مسلم أو ذمي، فإن كانت الدار بين ذميين، فتارة يبيع أحدهما حصته من مسلم أو ذمي فهذه ست. والسابعة إذا كانت الدار بين مسلمين فباع أحدهما حصته من ذمي، فواحدة صريحة في كلام المؤلف وهي ما إذا باع المسلم حصته لذمي وكان شريكه ذميا وهو على الخلاف والخامسة الاخرى داخلة في كلام المؤلف بالاحروية لانها متفق عليها، وبقيت واحدة وهي ما إذا كانت بين ذميين فباع أحدهما لذمي فأشار إليها بقوله: كذميين تحاكموا. وهكذا قال في المدونة: ولو كانت بين ذميين فباع أحدهما نصيبه لم أقض بالشفعة بينهما إلا أن يتحاكموا إلينا. وقال أشهب: إذا كان المبتاع مثلهما فلا شفعه وإن تحاكموا إلينا انتهى. فقول المؤلف: كذميين تحاكموا إلينا يعني كما إذا كانت لذميين والحالة أنه باع أحدهما لذمي ويدل على أن أحدهما باع لذمي قوله: باع المسلم لذمي وقوله: ذميين بالجمع لا بالتثنية كما تقدم وحذف الجار والمجرور في قوله: إلينا للعلم به والله أعلم. ص: (ليحبس) ش: يريد وأما لو أخذها لنفسه فليس له ذلك.

    [ 369 ]
    تنبيه: لو أعمر إنسان إنسانا جزءا مشاعا من دار وله فيها شريك فباع شريكه، فللمعمر - بكسر الميم - أن يأخذه بالشفعة لان الحصة ترجع إليه بعد موت المعمر - بفتح الميم - قاله ابن الحاجب. ص: (وجار وإن ملك تطرقا) ش: قال في كتاب الشفعة من المدونة: ولا شفعة بالجوار والملاصقة في سكة أو غيرها ولا بالشركة في الطريق، ومن له طريق في دار فبيعت الدار فلا شفعة له فيها انتهى. قال ابن يونس: لانه إنما له حق في الجوار لا في نفس الملك انتهى. ص: (وناظر وقف) ش: لا إشكاق في عدم أخذه بالشفعة على القول الذي مشى عليه المصنف من أن المحبس عليه ليس له أن يأخذ بالشفعة ولو ليحبس. وقد يؤخذ ذلك من قول أبي الحسن في آخر كتاب الشفعة لما ذكر قوله في المدونة أن المحبس عليهم ليس لهم أن يأخذوا بالشفعة. قال ابن سهل: به يستدل على أن صاحب المواريث لا يشفع لبيت المال والمساجد انتهى. والله أعلم. ص: (وكراء) ش: أي وكذا لا شفعة في الكراء. وما ذكره المصنف هو أحد قولي مالك ورواية ابن القاسم عنه. وإنما اقتصر عليه لانه مذهب المدونة في أول كراء الدور والارضين حسبما أشار إلى ذلك في توضيحه. وصرح ابن ناجي في شرح المدونة بمشهوريته وسيأتي لفظهما. قال في المدونة في كراء الدور: وإذا اكترى رجلان دارا بينهما فلاحدهما أن يكري حصته قال مالك: ولا شفعه فيه لشريكه بخلاف البيع انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره من عدم الشفعة هو المشهور. وقال أشهب وابن المواز: له الشفعة. وقال

    [ 370 ]
    في التوضيح في كتاب الشفعة في شرح قول ابن الحاجب: وفي الثمار والكتابة وإجارة الارض للزرع قولان قوله: وإجارة الارض للزرع لا يريد خصوصية هذه المسألة بل كل كراء، والقولان لمالك ومذهب ابن القاسم في المدونة سقوطها وهو قول عبد الملك والمغيرة، وبوجوبها قال مطرف وأشهب وأصبغ، واختلف أيضا في المساقاة كالكراء والاقرب سقوطها في هذه الفروع لان الضرر فيها لا يساوي الضرر في العقار الذي وردت الشفعة فيه انتهى. وأصله لابن عبد السلام ونصه: وليس في قول المؤلف: إجارة للزرع دليل على خصوصية هذه الصورة بالخلاف في ثبوت الشفعة فيها، بل ذلك عام في كراء العقار، لكن مذهب ابن القاسم سقوط الشفعة في الكراء وهو قول المغيرة وعبد الملك. وقال أشهب ومطرف وأصبغ: فيه الشفعة وهو قول ابن القاسم أيضا، والقولان مرويان عن مالك. واختلف أيضا في المساقاة كما اختلف في الكراء، والاقرب في هذه المسائل على أصل المذهب سقوط الشفعة فإن الضرر اللاحق بسبب المشاركة فيها قاصر عن الضرر اللاحق في المسائل المتفق على ثبوت الشفعة فيها انتهى. تنبيهات: الاول: اعترض الشارح على المصنف في اقتصاره على القول بعدم الشفعة وعدم تعرضه للقول بوجوبها قال في الوسط بعد نقله القولين عن الموازية فانظر كيف اقتصر الشيخ على عدم الشفعة ولم يحك القول الآخر وهو أولى بالذكر هنا لانه أحد قولي مالك ورواية ابن القاسم عنه، وبه أخذ هو وأشهب ومطرف وأصبغ وابن المواز وابن حبيب، أو كان يذكر القولين معا انتهى. ونحوه في الكبير وقال بدل قوله وهو أولى بالذكر هنا فكان هذا القول أولى بالاقتصار عليه أو يذكر القولين معا، وعلى هذا فلو قال: وفي الكراء وناظر الميراث قولان لكان أحسن والله أعلم. وعلى التسوية بين القولين من غير ترجيح مشى في شامله فقال: وفي الكراء روايتان. وتبع البساطي الشارح في الاعتراض على المؤلف فقال: وكان الاحسن أن يذكر المصنف في الكراء القولين كما في ناظر الميراث لانهما لمالك. ورجح جماعة الثاني ولم يتعرض ابن غازي لما ذكره الشارح من الاعتراض على المصنف بنفي ولا إثبات، وتعرض له الشريف الفاسي ونظر في اعتراضه، وأجاب عن الشيخ في اقتصاره على القول بعدم الشفعة بما قدمناه ونص إثر قول ابن الحاجب المتقدم قوله: وإجارة الارض للزرع لا يريد خصوصية هذه المسألة بل كل كراء كذلك، والقولان لمالك ومذهب ابن القاسم في المدونة في كراء الدور وسقوطها، وعليه اقتصر الشيخ خليل واعترضه شارحه الشيخ تاج الدين بأن القولين لمالك ورواية ابن القاسم، وبثبوت الشفعة أخذ هو وأشهب ومطرف وأصبغ وابن المواز وابن حبيب، فكان ذكره لهذا القول أولى أو كان يذكرهما، ولهذا حكى في شامله القولين من غير ترجيح وفيه نظر لقوله في التوضيح مذهب المدونة السقوط، ولعله لما لم ير المسألتين في كتاب الشفعة من المدونة لم يعتبر كلامه والله أعلم انتهى. فظهر من هذه النصوص صحة ما قاله المصنف وسقط عنه اعتراض الشارح والبساطي والله أعلم

    [ 371 ]
    الثاني: سيأتي كلام المصنف في الثمار إذا لم تيبس أن فيها الشفعة. وقال في حاشية المشذالي في كتاب الشفعة: فإن قيل: ما الفرق بين الشفعة في الثمار وعدمها في السكنى وكل منهما غلة ما فيه الشفعة ؟ قيل: الفرق أن الثمار لما تقرر لها وجود في الاعيان ونمو في الابدان من الاشجار صارت كالجزء منها. وإليه أشار ابن العربي فأعطيت حكم الاصول ولا كذلك السكنى فلذلك صرح في المدونة بعدم الشفعة فيها. المشذالي: قال الشيخ أبو الحسن في ترجمة اكترى حمامين أو حانوتين من كراء الدور، أن الفرق أن الثمرة أعيان وهي مشتبهة بالاصول ولا كذلك المنافع ألا ترى إذا اشترى الثمرة بعد يبسها في رؤوس الاشجار أنه لا شفعة فيها انتهى. وتأمل الفرق بين الزرع والثمار والله أعلم. الثالث: على القول بوجوب الشفعة في الكراء فقال اللخمي بشرطين: أن يكون مما ينقسم وأن يشفع ليسكن. قال المشذالي قال الشيخ أبو الحسن في الترجمة المذكورة: قال ابن يونس: قال محمد: وأشهب يرى الشفعة في الكراء وبه أقول، اللخمي: وبه العمل بشرط أن يكون مما ينقسم وأن يشفع ليسكن انتهى. ونقله الباجي عن أبي الحسن أيضا وزاد إثره: قلت: وليس العمل عليهما عندنا بإفريقية انتهى. أي ليس العمل عندهم بإفريقية على اشتراط الشرطين المذكورين، والشرطان المذكوران ذكرهما اللخمي وعنه نقلهما الشيخ أبو الحسن فإنه بعد أن ذكر الشرطين المذكورين أتى بكلام اللخمي عقب ذلك كالمستدل بذلك، ولنذكر كلامه برمته ونصه ابن المواز: وأشهب يرى الشفعة في الكراء وبه أقول. الشيخ: وعليه العمل وذلك بشرطين: أن يكون مما ينقسم وأن يشفع ليسكن. اللخمي: اختلف إذا كان الكراء في نصف شائع فقال مالك مرة: لا شفعة فيه، ومرة قال: فيه الشفعة. وهذا إذا كانت الدار تحتمل القسمة، فإن أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة ليسكن كان ذلك له، وإن أراد ذلك ليكري لم يكن له ذلك وهو بمنزلة من يأخذ الشفعة بالبيع. وكذلك الحانوت يكون بين الشركاء فيكري أحدهم نصيبه شائعا فلا شفعة في الآخر إذا كان لا يحمل القسم أو كانوا يأخذون بالشفعة ليكرون، وإن كان يحمل القسم وأراد أن يأخذ بالشفعة ليجلس فيه للبيع كان ذلك له، وإن كان يكريه لمن يجلس فيه لم يكن له ذلك. انتهى. الرابع: قال المشذالي في حاشيته في كراء الدور إثر كلام المدونة المتقدم: وقوله: فلاحدهما أن يكري حصته ظاهره ولو من غير شريكه وأنه لا يكون شريكه أحق به من الغير، وهو خلافما في سماع ابن القاسم في رجلين وهبت لهما ثمرة شجر عشر سنين حبسا عليهما، ثم اراد أحدهما بيع حصته من ذلك بعد الطيب فشريكه أولى بها انتهى. وهذه المسألة في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كراء الدور والارضين زاد بعد قوله أولى بها ممن أراد شراءها بالذي بذل فيها. قال سحنون: وقال مالك: لا شفعة في الاكرية، وقاله ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قول مالك: أراد شريكه أولى بها في مسألة الكراء ومسألة

    [ 372 ]
    الثمرة يريد أولى بها من المشتري بالثمن الذي بذل فيها لانه يأخذا لثمرة من المشتري بالشفعة يوم تمام الشراء، والكراء من المكتري بالشفعة بعد تمام الكراء. فليس ما قاله مالك في مسألة الثمرة والكراء خلافا لما حكاه سحنون عن مالك وابن القاسم من أنه لا شفعة في الاكرية لانهما مسألتان، فالمسألة الاولى وهي أن الشريك أولى بالثمرة وبالكراء بما بذل المشتري والمكتري فيها من الثمن والكراء لا خلاف فيها، وكذلك يجب في كل مشترك لا شفعة فيه، ومثله قول مالك في الذي تكون تحته الامة لقوم فتلد منه فيبيعونها وولدها أنه أحق بها بما يعطى فيها، وقد مضى القول في ذلك في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النكاح، والمسألة الثانية وهي هل تكون الشفعة في الكراء بعد تمامه وفي الثمرة بعد الشراء أم لا ؟ فيها اختلاف، اختلف في ذلك قول مالك وقع اختلاف في قوله في المدونة في الثمرة وفي الكراء في الواضحة، وأخذ بوجوب الشفعة في ذلك ابن الماجشون وابن عبد الحكم وبأن لا شفعة في ذلك ابن القاسم ومطرف وأصبغ وبه أخذ ابن حبيب. وكذلك اختلف قول مالك أيضا في الشفعة في الكتابة والدين يباعان هل يكون للمكاتب والذي عليه الدين الشفعة في ذلك أم لا ؟ فقال مرة: لهما الشفعة في ذلك وأخذ به مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأشهب وأصبغ وابن عبد الحكم وإليه ذهب ابن حبيب وحكى في ذلك حديثا من مراسيل سعيد بن المسيب أن رسول الله (ص) قال: الشفعة في الكتابة والدين. وحكى عن مالك من رواية ابن القاسم عنه أنه استحسن الشفعة في ذلك ولم ير القضاء بها انتهى. وقال ابن الفاكهاني في شرح عمدة الاحكام: إنه لم يقف على نص في مسألة الامة ومسألة بيع الدين. وقد تقدمت مسألة الامة في النكاح عند قول المصنف: وفسخ إن طرأ بلا طلاق والله أعلم. واقتصر في المسائل الملقوطة على القول بالشفعة في الدين والله أعلم. الخامس: ما عزاه ابن رشد لابن الماجشون وابن عبد الحكم من الاخذ بوجوب الشفعة في الكراء وبأن لاشفعة لابن القاسم ومطرف وأصبغ وابن حبيب عكس ما نقل صاحب النوادر فإنه عزا لابن الماجشون وابن عبد الحكم عدم الاخذ بالشفعة، ولابن القاسم ومن ذكر معه الاخذ بالشفعة ونصه: قال ابن حبيب: اختلف قول مالك في الشفعة في الكراء، فأخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم بقوله: أن لا شفعة، وأخذ مطرف وابن القاسم وأصبغ بقوله: أن فيه الشفعة وبه يأخذ وذلك في كراء الدور والمزارع سواء انتهى. وعلى نقل النوادر مشى ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح والشارح كما تقدم في كلامهم، وعلى نقل ابن رشد مشى ابن عرفة ونصه: ابن رشد: إنما وقع اختلاف قول مالك في الشفعة في الكراء في الواضحة وبقوله: بالشفعة فيه. قال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وبنفيها فيه. قال ابن القاسم ومطرف وأصبغ وابن حبيب انتهى. ولم يتعرض ابن عرفة لما بين النقلين من المخالفة مع أنه نقل عن النوادر بعض فروع الترجمة التي فيها كلام النوادر المذكور، ولعل لكل من مطرف وأصبغ وابن حبيب قولين

    [ 373 ]
    في المسألة أيضا مثل ما لمالك وابن القاسم فتأمل ذلك أيضا والله الموفق للصواب. السادس: قول ابن رشد: وقع اختلاف قول مالك في الثمرة في المدونة وفي الكراء في الواضحة ظاهره قول مالك لم يختلف في الكراء في المدونة واستقرأ الخلاف منها الشيخ أبو الحسن الصغير من قوله في المدونة في كتاب الشفعة: ومن أعمر عمرى على عوض لم تجز وردت ولا شفعة فيه لانه كراء فاسد. ظاهر هذا التعليل أن الشفعة في الكراء الصحيح وهو خلاف ما في كراء الدور وهو قول أشهب، وقاله ابن القاسم أيضا ورجحه ابن المواز وبه مضى عمل القضاة. أبو محمد صالح: قوله: لانه كراء فاسد راجع للرد خاصة تقديره لم يجز ورد لانه كراء فاسد ولا شفعة فيه، وعلى هذا لا يلزم الاستقراء. انتهى ونحوه لابن ناجي ونصه: ظاهر تعليله يقتضي أن الشفعة في الكراء الصحيح وهو مخالف لقولها في كتاب كراء الدور والارضين بنفي الشفعة. ورد أبو محمد صالح هذا الاخذ بأن التعليل راجع لقوله: لم يجز ورد لعدم الشفعة وتقديره لم يجز ورد لانه كراء فاسد ولا شفعة فيه انتهى. السابع: انظر ما حكاه ابن رشد من الخلاف في الشفعة في الدين مع قول ابن ناجي في شرح الرسالة ولا شفعة في الدين باتفاق، واختلف هل يكون المديان أحق به أم لا، ولعل الذي نفى ابن الحاجب الخلاف فيه إذا باع أحد الشركاء في الدين حصته منه فتأمله. واقتصر في المسائل الملقوطة على القول بالشفعة في الدين والله أعلم. فرع: وهل لاحد الشريكين أن يلزم صاحبه أن يقاومه ؟ سيأتي عن النوادر أنه ليس له ذلك في البيع والكراء مثله. وانظر في الاجارة الكلام على أنهما يؤجران أو يسكن أحدهما بما يقف عليه الكراء. ص: (ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة) ش: يدخل في قوله: بمعاوضة البيع وهبة الثواب والمهر والخلع وجميع المعاوضات والصلح ولو كان على إنكار. وقد قال في الجواهر في آخر كتاب الصلح: إذا ادعى رجل على رجلين دارا فكذبه أحدهما وصدقه الآخر فصالحه المصدق على مال فأراد المكذب الاخذ بالشفعة فله ذلك انتهى. وخرج

    [ 374 ]
    به الهبة لغير ثواب والصدقة والله أعلم. ص: (لا موصى له ببيع جزء) ش: أي فليس للورثة عليه شفعة، وأما لو كان شريكه أجنبيا لكانت له الشفعة، وصرح به الشارح في الكبير فأحرى أن الشفعة للاجنبي في المسألة التي قبلها. ونص عليه اللخمي في الاولى. ص: (وبمثل الثمن) ش: تصوره واضح.

    [ 375 ]
    فرع: قال في المدونة: إذا قال الشفيع بعد الشراء: اشهدوا أني أخذت بشفعتي ثم رجع فإن علم بالثمن قبل الاخذ لزمه، وإن لم يعلم كان له أن يرجع انتهى. فعلم من هذا أنه يصح الاخذ بالشفعة قبل علم الثمن، وقال اللخمي: تسليمه الشفعة قبل معرفة الثمن جائز. واختلف في الاخذ قبل المعرفة بالثمن، فقيل جائز: وهو ظاهر الكتاب لانه قال: إذا أشهد أنه أخذ قبل المعرفة بالثمن ثم قال: بدا لي فإن له أن يترك إن أحب فجعله بالخيار في التمسك، ولو كان عنده فاسدا لم يكن له أن يمسك. وفي كتاب محمد: إن ذلك فاسد ومجبور على رده انتهى. ونص ما في كتا ب محمد على ما في النوادر: إذا تشاهد المتبايعان على البيع وكتما الثمن لم تجب الشفعة حتى يظهر الثمن انتهى. وقال ابن رشد في اللباب: الشرط الثالث معرف الثمن فلو لم يعرفه فلا شفعة. وقد قال ابن القاسم في رجل تصدق على أخته بسهم في أرض عوضا عما ذكر أنه أصابه من مورثها مما لا يعلم قدره لا شفعة فيه انتهى. والمسألة في كتاب الشفعة من البيان في رسم شهد في سماع عيسى من ابن القاسم وفي المسألة المذكورة أن الجهل بالثمن إن كان لطول المدة فإن الشفعة تسقط بذلك، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى عند قوله: إلا إن غاب أولا. فرع: قال في شرح أول مسألة من سماع يحيى من كتاب الشفعة: واختلف إذا باع نصراني من نصراني شقصا بخمر أو خنزير والشفيع مسلم، فقيل: إنه يأخذ الشفعة بقيمة الشقص وهو قول أشهب فكأنه لم ير للخمر قيمة. وقد قال ابن الماجشون في المسلم يستهلك الخمر للنصراني: إنه لا قيمة عليه فإذا دفعها بطوعه فأحرى أن لا تكون لها قيمة. وقيل: يأخذ قيمة الخمر والخنزير وهو قول ابن عبد الحكم وهو أشبه على مذهب ابن القاسم، لان ذلك مما يضمن للنصراني فأشبه شراء الشقص بعرض. انتهى ونقله ابن عرفة وغيره. فرع: وما بيع بعين فدفع عنه عرض وعكسه في الشفعة فيه بما دفع أو بما عقد به ثالثها هذا أحب. الشيخ عن محمد عن عبد الملك مع ابن عبدوس عن سحنون ونقل محمد: وقوله:

    [ 376 ]
    ورابعها لابن عبد الحكم بما عقد عليه إلا أن يدفع ذهبا عن ورق وعكسه فيما دفع كالمرابحة، وخامسها لابن عبدوس عن سحنون بالاقل منهما. قلت: هو نحو قولها في المرابحة. انتهى من ابن عرفة. فرع: قال في المدونة: ومن ابتاع شقصا من دار بعرض فاختلف المبتاع مع الشفيع في قيمته وقد فات بيد المبتاع أو لم يفت، فإنما ينظر إلى قيمته يوم الصفقة لا اليوم، فإن كان مستهلكا صدق المبتاع مع يمينه في قيمته، فإن جاء بما لا يشبه صدق الشفيع فيما يشبه، فإن جاء بما لا يشبه وصفه المبتاع وحلف على صفته وأخذ الشفيع بقيمة تلك الصفة يوم الصفقة أو ترك، فإن نكل المبتاع حلف الشفيع على ما يصف هو وأخذه بقيمة صفقته. انتهى. تنبيه: قول المؤلف: بمثل الثمن قال في التوضيح: فإن لم يجد مثل المثلي غرم قيمته. قاله مالك في المجموعة فيمن اشترى بعبد فلم يجده الشفيع انتهى. وانظر كتاب الشفعة من النوادر. ص: (أو قيمته) ش: أي قيمة الثمن إذا كان من المقومات. فرع: وإنما ينظر إلى قيمته يوم الصفقة لا يوم القيام في ذلك. قاله في المدونة في كتاب الشفعة. ص: (وأجرة دلال وعقد شراء وفي المكس تردد) ش:. تنبيه: قال في اللباب: إذا زاد المبتاع للبائع شيئا بعد البيع ففي لزوم ذلك للشفيع قولان لابن القاسم وأشهب. فإذا قلنا: لا يلزم فقال المبتاع: إنما زدته فرارا من الشفعة فإنه يحلف ويرجع. انتهى ومذهب المدونة عدم اللزوم.

    [ 377 ]
    فرع: من اشترى شقصا فصالح أحد الشفعاء على تسليم شفعة في مغيب إشراكه ثم قدموا وأخذوا شفعتهم فلا رجوع على المصالح بشئ. قاله ابن رشد فنوازله والله أعلم. ص: (أو قيمة الشقص في كخلع) ش: قال في المدونة: ومن نكح أو صالح أو خالع على دم عمد على شقص ففيه الشفعة بقيمته إذ لا ثمن معلوم بعوضه انتهى. قال ابن الحاجب: فقيمة الشقص يوم العقد انتهى. فرع: قال ابن عرفة: أبوعمران: من نكح على تفويض فدفع لزوجته شقصا قبل بنائه شفع فيه بقيمته اتفاقا، فإن دفعه بعد بنائه شفع فيه بمهر المثل اتفاقا فيهما انتهى. والشقص بكسر الشين المعجمة هو النصيب. نقله في التوضيح عن عياض وغيره ص: (وصلح عمد) ش: احترز بالعمد من الخطأ ففيه الشفعة بالدية، فإن كانت العاقلة أهل إبل أخذه بقيمة الابل، وإن كانت أهل ذهب وورق أخذه بذهب وورق ينجم على الشفيع كالتنجم على العاقلة. قاله في المدونة. ص: (وإلى أجله إن أيسر) ش: تصوره واضح.

    [ 378 ]
    فرع: فلو لم يقم الشفيع إلا بعد حلول الاجل فهل يضرب له أجل مثل الاجل الذي مضى ويأخذ بالنقد ؟ قولان لاصحابنا رجح ابن رشد وغيره الاول. قاله في التوضيح. ص: (أو باع قبل أخذه) ش: يعني أن الشفيع لا يجوز له أن يبيع الشقص الذي يأخذه بالشفعة قبل أخذه وقاله في المدونة. ص: (كشجر وبناء بأرض حبس أو معير) ش: يعني أن الشفعة كما تكون في العقاتكون في الشجر والبناء الكائنين بأرض حبس أو بأرض عارية. ص: (وقدم المعير بنقضه أو ثمنه) ش: أي بالاقل من قيمة نقضه أو الثمن الذي باعه كما قال في المدونة.

    [ 379 ]
    وإذا بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه ثم باع أحدهما حصته من النقض فلرب الارض أخذ ذلك النقض بالاقل مقيمته أو من الثمن الذي باعه انتهى. وهذا في العارية المطلقة، وأما

    [ 380 ]
    المقيدة بمدة فقال ابن راشد: إذا باع قبل انقضائها على البقاء فللشريك الشفعة ولا كلام لرب الارض، وإن باعه على النقض قدم رب الارض. نقله في التوضيح قال: وينبغي أن يتفق في الاحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في البناء القائم فيها لا العادة عندنا أن رب الارض

    [ 381 ]
    لا يخرج صاحب البناء أصلا فكان كمالك الارض. وقاله شيخنا انتهى. ص: (وعرصة وممر) ش: قال اللخمي: إذا كانت دار بين أشراك اقتسموا بيوته دون ما لها من حق في ساحة وبئر وماجل وطريق، ثم باع أحدهم ما صار له من البيوت بجميع حقوقه مما لم يقسم، لم يستشفع ما قسم بالشرك فيما لم يقسم ولا يستشفع الساحة والبئر والماجل والطريق لاجل بقاء الشركة فيها لانها من منفعة ما قسم ومصلحته. وإن باع نصيبه من البئر والماجل خاصة كان للشركاء أن يردوا بيعه إذا كان البائع يتصرف إلى البيوت لان في ذلك زيادة مضرة، وإن كان قد أسقط حقه في تصرفه من عندهم وجمع بيوتهم إلى حق آخر وفتح لها من دار أخرى فإن كان بيعه من أهل الدار جاز وكان لبقية الورثة الشركاء الشفعة على أحد القولين في وجوب الشفعة فيما لم يقسم، وإن كان بيعه من غير أهل تلك الدار كان لهم أن يردوا بيعه لان ضرر الساكن أخف من ضرر من ليس بساكن ولهم أن يجيزوا بيعه ويأخذوا بالشفعة إن أحبوا. قال أبو الحسن بن القصار: اختلفت الرواية عن مالك في وجوب الشفعة فيما لا ينقسم مثل الحمام والبئر والطريق والارحية، ولم يبين كيف كان صفه البيع، و موضع الفقه فيه ما تقدم ذكره. انتهى بلفظه ونقله ابن عرفة وقبله والجزولي والشيخ يوسف بن عمر وزاد بعد قوله ويأخذوا بالشفعة إن أحبوا على القول بأن الشفعة فيما لا ينقسم.

    [ 382 ]
    فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: وقال في النوادر: ومن المجموعة وكتاب محمد قال ابن القاسم قال مالك: إذا قسمت البيو ت وبقيت العرصة فلاحدهم بيع نصيبه من البيوت والعرصة ولا شفعة لشريكه في العرصة بها ولا فيها. قال أشهب: وليس لاحدهم بيع حصته من العرصة خاصة إلا نصيبه من البيوت وإن كانت العرصة واسعة إلا أن يجتمع ملؤهم على بيعها فيجوز، فإن أباه أحدهم فهو مردود لانها بقيت مرفقا بينهم انتهى، وكذلك لا شفعة في النهر ولا فسبيل الماء. قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج الخلاف فيهما من الخلاف في النخلة الواحدة. ص: (وهبة بلا ثواب) ش: قال في المدونة في كتاب الشفعة: ومن وهب شقصا لغير ثواب فعوض فيه فقبل، فإن رأى أنه لصدقة أو لصلة رحم فلا شفعة فيه، ومن عوض من صدقة وقال: ظننت أنه يلزمني فليرجع في العوض إن كان قائما، وإن فات فلا شئ له. ومن وهب شقصا من دار لابنه الصغير على عوض جاز وفيه الشفعة ولا تجوز محاباته في قبول الثواب ولا ما وهب أو تصدق أو أعتق من مال ابنه الصغير ويرد ذلك إلا أن يكون الاب موسرا انتهى. أبو الحسن: قوله: ومن وهب شقصا من داره لابنه الصغير تقدير الكلام ومن وهب شقصا من دار ابنه. انتهى. فرع: وهل تلزمه اليمين أنه بغير ثواب ؟ قال في الكبير: لم يحلف إلا أن يكون متهما. وقال مطرف وابن الماجشون: يحلف مطلقا. المتيطي: والقضاء بالاولى انتهى. ص: (وخيار إلا بعد مضيه) ش: قال ابن سهل في أحكامه: إن سلمها في أيام الخيار في شقص بيع بالخيار بعرض أو غيره لم يلزمه وهو على شفعته ويرد العرض، وإن رضيا بإمضاء ذلك العرض بعد تمام

    [ 383 ]
    البيع لم يجز حتى يفسخاه ثم يستأنفا ما أحبا. انتهى. ص: (وسقطت إن قاسم الخ) ش: قال الجزيري في وثائقه وتبطل الشفعة مساومة الشفيع للمبتاع وطلبه المقاومة أو الكراء أو القسمة انتهى فظاهره أنه بإرادة ذلك تسقط الشفعة وإنما تسقط هذه الاشياء إذا فعلها الشفيع من المشتري كما صرح به في النوادر وذكره المصنف، وانظر أبا الحسن الصغير. ص: (أو باع حصته) ش: يعني أن الشفيع إذا باع حصته قبل أخذه بالشفعة سقط أخذه لانه لم يبق له حصة في العقار المشترك ويصير للمشتري الاول الشفعة على المشتري الثاني. هذا إذا باع جميع حصته وهذا هو الجاري على مذهب المدونة إذ قال فيها: ومن ابتاع شقصا بالخيار وله شفيع

    [ 384 ]
    فباع الشفيع شقصه قبل تمام الخيار بيع بتل، فإن تم بيع الخيار فالشفعة للمبتاع، وإن رد فهو لبائعه انتهى. وهذه المسألة الاخيرة تقدمت في كلام المصنف وظاهر كلام المصنف إذا باع حصته قبل أخذه بالشفعة سقط أخذه، سواء كان عالما بالبيع أم لا، وفي المسألة خلاف. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفي بيع الحصة المستشفع بها قولان. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام ابن القاسم التفرقة بين أن يبيعه غير عالم فالشفعة، وبين أن يبيعه عالما فلا شفعة له. وفي البيان: ظاهر ما في المدونة أنه لا شفعة له إذا باع نصيبه وإن باع غير عالم لانه قال: فيمن باع شقصا بالخيار ثم باع صاحبه بيع بتل أو الشفعة لمشتري الخيار على مشتري البتل، وليست التفرقة بين أن يعلم أم لا. لابن القاسم في سماع عيسى قال: وقال أشهب: وأحب إلي أن لاشفعة له بعد بيع نصيبه أو بعضه لانه إنما باع راغبا في البيع، وإنما الشفعة للضرر فلم تكن له شفعة، فهو قول رابع. ونص ابن ميسر على أنه إذا باع لا شفعة له إلا أن يبقى له بقية. قال في البيان: وقوله: إلا أن يبقى له بقية يحتمل وله الشفعة بقدرها كأحد قولي مالك وظاهر المدونة، ويحتمل فله أخذ الجميع فيكون قولا خامسا. قال: و أظهر هذه الاقوال الفرق بين أن يبيع عالما وغير عالم. وقال اللخمي: اختلف بعد القول إن الشفعة تسقط إذا باع بعض نصيبه هل يسقط من الشفعة بقدر ما باع، والذي أرى أن يستشفع الجميع لان الشفعة تجب الجزء اليسير في الكثير البيع انتهى. ص: (وإلا سنة) ش: تصوره ظاهر. مسألة: من ابتاع شقصوله شفعاء فيهم أقرب وأبعد فليس للابعد أن يأخذ بالشفعة حتى يوقف الاقرب، فإما أخذ أو ترك. فإذا قال: أنا آخذ ولم يحضر نقده أجل اليومين والثلاثة، فإن لم يأت بالمال لم يكن له شفعة ووجبت لمن بعده، وإن لم يقم واحد من الشفعاء

    [ 385 ]
    لا الاقرب ولا الابعد حتى مضى أمد انقطاعها على الاختلاف في ذلك بطلت شفعتهم جميعا، القريب والبعيد، ولا حجة للبعيد في أن يقول: إنما سكت لانه كان أمامي من هو أحق بالشفعة مني فلما رأيت الامد قد تم له حينئذ طلبتها أنا، لان سكوته على أن يقوم بشفعته فيأخذها إن كان الاقرب غائبا أو يوقف على الاخذ والترك إن كان حاضرا سقط لحقه فيها. انتهى مختصرا من نوازل ابن رشد والله أعلم. ص: (وحلف إن بعد) ش: هذا راجع لقوله: وإلا سنة. والمعنى إذا قلنا: إن الشفعة للحاضر في السنة فإنه يحلف إذا كان قيامه بعيدا من العقد، وحد البعد في ذلك السبعة الاشهر وما بعدها. قال في التوضيح: وهل يحلف إذا لم تسقط شفعته في السنة ؟ نقل في الكافي عن مالك أنه إن قام عند رأس السنة فلا يحلف، وروي عنه أنه يحلف ولو قام بعد جمعة. وفي المدونة: ولم ير مالك السبعة الاشهر ولا السنة كثيرا أي قاطعا لحقه في الشفعة إلا أنه إن تباعد هكذا يحلف ما كان وقوفه تركا للشفعة. وفي الموازية عن مالك: يحلف في سبعة أشهر أو خمسة لا شهرين. ابن العطار وابن الهندي وغيرهما من الموثقين: وظاهر المدونة أنه لا يحلف في السبعة الاشهر. وحمل ابن رشد المدونة على أنه يحلف في السبعة انتهى. وإذا قلنا: إن الحاضر إذا قام بعد البعد في السنة يحلف، فمن باب أولى إذا علم وغاب وكان يظن الاوبة قبل السنة فعيق وقلنا إن له الشفعة بعد السنة أنه يحلف أنه لم يكن مسقطا للشفعة، ولا يصح أن يكون قوله: وحلف راجعا إلى قوله: إلا أن يظن الاوبة قبلها فعيق لانه يصير قوله بعده: إن بعد لا معنى له فتأمله والله أعلم. ص: (وصدق إن أنكر علمه) ش: يعني أن الشفيع الحاضر إذا أنكر علمه فإنه يصدق ولا تسقط شفعته. وهل تلزمه اليمين ؟ قال في الواضحة: لو أنكر الشفيع العلم وهو حاضر فنقل أبو الحسن عن ابن القاسم وأشهب أنه يصدق وإن طال لان الاصل عدم العلم. المتيطي: وهو ظاهر المذهب وقاله غير واحد من الموثقين ويحلف على ذلك. وقال محمد بن عبد الحكم وابن المواز: يصدق ولو بعد أربعة أعوام. ابن المواز: وإن الاربعة كثيرة ولا يصدق في أكثر منها. فرع: قال أبو الحسن: ولو علم بالشراء وادعى جهل الشفعة قال: لا يصدق. قال ابن كوثر: وإن كانت امرأة فلا تعذر بالجهل. انتهى ونقله ابن رشد ص: (لا إن غاب أولا) ش:

    [ 386 ]
    قال في المدونة: قال مالك: والغائب في شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء فإن لم يعلم فذلك أحرى ولو كان حاضرا قال ابن يونس: قال ابن المواز: وقاله مالك وأصحابه وقد روى أشهب أن النبي (ص) قال: ينتظر إن كان غائبا. قال أشهب: وقضى عمر بن عبد العزيز بالشفعة للغائب بعد أربع سنين. قال مالك: إلا أن يقوم بعد طول الزمان مما يجهل في مثله أصل البيع ويموت الشهود فأرى الشفعة منقطعة، فأما في قرب الامد مما يرى أن المبتاع أخفى الثمن لقطع الشفعة فلتقوم الارض على ما يرى من ثمنها يوم البيع فيأخذها بها انتهى. وقال الرجراجي في قول المدونة: وإن طالت غيبته إلا أن يطول الزمان جدا فيما يجهل في مثله أصل البيع ويموت الشهود فإن ذلك يقطع شفعته وهو قول مالك في كتاب محمد انتهى. وانظر سماع ابن القاسم من كتاب الشفعة. وقال في النوادر من كتاب محمد وهو في العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا قال المبتاع: نسيت الثمن، فإن مضى طول من السنين ما يندرس فيه العلم وتموت البينة وترتفع فيها التهمة فالشفعة ساقطة، وكذلك إن كان صغيرا أو غائبا. وأما إن كان على غير ذلك فالشفعة قائمة بقيمة الشقص. قال ابن عبدوس: قال ابن الماجشون: إذا جاء الشفيع إلى ولد المبتاع بعد طول الزمان فيحلف ما عنده علم ذلك ثم يأخذ بالقيمة، وكذلك لو كان المبتاع حيا قال: لا أدري بكم اشتريت فيحلف، فإن نكل أخذه الشفيع إن شاء وقيل للمبتاع: متى أحببت حقك فخذه، وإن حلفت فلك قيمته يوم أسلمته إلى الشفيع. وإن قال الشفيع: لا أقبضه لعل ثمنه كثير فلا بد أن يحلف المبتاع ما يعلمه أو يسجن. وقال غيره: إذا اختلفوا في الثمن فجاء المشتري بمالا يشبه أو جهلوا الثمن استشفعه بقيمته يوم ابتاعه انتهى. وقال اللخمي: اختلف إذا قال المشتري: نسيت الثمن وطال السنون مما ينسى فيه الثمن أو مات المشتري وقال الورثة: لا علم عندنا وكان

    [ 387 ]
    الشفيع غائبا أو صغيرا فقال ابن القاسم في كتاب محمد ونقل كلام النوادر المتقدم برمته ولفظه وزاد بعده فأسقط ابن القاسم الشفعة إن طال السنون، وأثبتها عبد الملك بالقيمة ولم يبين هل القيمة يوم البيع أو اليوم، والقول: أن لا شفعة أحسن لان الشفعة كانت لتغليب أحد الضررين أن يعود إلى هذا ثمنه ويشفع الآخر بدفع مضرة الشريك، وإذا جهل الثمن وأمكن أن يؤخذ بأقل مما كان به وذلك ظم على المشتري لم يؤخذ منه انتهى. قال في المسائل الملقوطة: ومما يسقط الشفعة أن ينسيا الثمن أو يجهلاه وأن يموت الشهود قال: وفي ذلك خلاف. انتهى بالمعنى. وقال الجزيري في وثائقه: وبجهله الثمن مع طول الزمان وموت الشهود يسقط الشفعة، وإن قرب واتهم البائع بإخفاء الثمن شفع بقيمة الشقص انتهى. تنبيه: علم من كلام ابن يونس والنوادر أنه إذا تجاهل المشتري الثمن في الامد القريب أنه يؤخذ الشقص بقيمته إلا أن في النوادر لم يقل يوم البيع، وصرح بذلك ابن يونس وصرح بذلك ابن بطال في مقنعه فقال: يأخذه بقيمته يوم ابتاعه المبتاع والله أعلم. فرع: قال في المدونة: وإن كانت الدار بغير البلد الذي هما فيه فهو كالحاضر مع الدار فيما تنقطع فيه الشفعة، ولا حجة للشفيع أنه لا ينقد حتى يقبضها لجواز النقد في الربع الغائب انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال ابن المواز: وكذلك لو كانا حاضرين بموضع الشقص ثم سافرا جميعا في موضع أو في مدينة والشفيع عالم بوجوب الشفعة فهو كالحاضر، وإنما ينظر إلى حضور الشفيع مع المشتري ولا ينظر إلى غيبة الدار انتهى. فرع: قال فيها أيضا: ويقضى للشفيع بالشفعة في غيبة المبتاع كالقضاء عليه ويكون على حجته انتهى. قال أبو الحسن: هذا إذا رفع الشفيع إلى القاضي. وهل تسقط إذا لم يرفع أو لا تسقط ؟ ابن يونس: لو أراد الشفيع أن يأخذ شفعته والمبتاع غائب ولا وكيل له حاضر فذلك له، ويوكل السلطان من يقبض الثمن للغائب. قيل: وإن كان ذلك له ويقضي له به فكيف لا يقطع عنه الشفعة إذا طال زمان ذلك قبل أخذه لموضع العذر في استثقال اختلاف الناس إلى القضاة وربما ترك المرء حقه إلا بالسلطان انتهى. وذكر ابن سهل مسألة القضاء على الغائب في الشفعوإن طال فيها في مسائل الاقضية وقال فيها: إن كان للغائب وكيل يقبض ما يجبقبضه أسلم إليه الثمن. انتهى. فرع: قال في المدونة: ومن اشترى شقصا من دار لرجل غائب كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة. قال أبو الحسن: تقديره ومن اشترى لرجل غائب شقصا. فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وهذا في الغيبة البعيدة، وأما ما قرب ولا مؤنة في الشخوص منه على الشفيع فهو فيه كالحاضر ونص عليه أشهب انتهى. واختلف في المريض فقيل: إنه كالغائب ولو علم بالشفعة، وقيل: كالحاضر، نقلهما ابن ناجي وغيره. ص: (أو

    [ 388 ]
    أسقط أب أو وصي بلا نظر) ش: ظاهر المدونة أن الشفعة تسقط ولو كان غير نظر قال فيها: ولو أسلم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة الصبي لزمه ذلك ولا قيام له إن كبر انتهى. قال أبو الحسن: قال في الوثائق المجموعة: إلا أن يكون الاخذ نظرا فيكون له الاخذ، وظاهر الكتاب سواء كان الاخذ نظرا أم لا، وبه قال أبوعمران، وسبب الخلاف هل الشفعة استحقاق أو بمنزلة الشراء. انتهى. فرع: قال في المدونة: ولو كان له أب فلم يأخذ له شفعة ولم يترك حتى بلغ الصبي وقد مضى لذلك عشر سنين فلا شفعة للصبي لان والده بمنزلته. قال أبو الحسن: قال أبو محمد: وقد قيل غير هذا وهذا. وحكى ابن أبي زمنين في سكوت الوصي قولين. الشيخ: ومقدم القاضي أحرى أن يدخله الخلاف. وقال ابن المواز: سكوت القاضي ومقدم القاضي سنة يسقط شفعة الصبي انظر بقية كلام أبي الحسن. فرع: قال في المدونة في كتاب الشفعة: ولا يأخذ الوصي للحمل بالشفعة حتى يولد ويستهل والله أعلم. ص: (وشفع لنفسه أو ليتيم آخر) ش: يعني أن الوصي أو الاب إذا باع شقصا من ولايته فإن له أن يأخذ بالشفعة لنفسه إن كان شريكه، أو يأخذ ليتيم آخر في حجره يشاركه فيه. قال في المدونة: ومن وكل رجلا يبيع له شقصا أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته انتهى. أبو الحسن: فعلى ما في الكتاب إذا باع الاب شقص ابنه من دار بينهما أن له الشفعة، وكذلك الوصي. ونص عليه اللخمي فقال: إذا كانت دار بين رجل وولده فباع الاب نصيب نفسه كان له أن يستشفع نصيبه لولده، وإن باع نصيب ولده كان له أن يستشفع لنفسه، وكذلك الوصي يكون شريكا لمن يلي عليه إن باع نصيب نفسه كان له أن

    [ 389 ]
    يستشفع لنفسه إلا أن ذلك بعد أن يرفع إلى السلطان لما يتعلق بذلك من التهمة أن يبيع نصيب الصغير ببخس ليستشفع أو يواطئ على بيع نصيبه بغلاء ليأخذه له، فإن فعل وأخذ من غير مطالعة السلطان رفع إليه، فإن رآه سدادا أمضاه، وإن وجد تهمة رده، والاب والوصي في ذلك سواء. صح من اللخمي. وقال ابن زرب: أربعة بيعهم إسقاط لشفعتهم: الاب يبيع حصة ابنه الصغير من دار شركة بينهما، والوصي يبيع حصة محجوره، وأحد المتفاوضين، والوكيل على بيع شقص هو شفيعه، فهؤلاء لا شفعة لهم لان البيع تسليم بخلاف الشراء. وقيل في الوكيل: له الشفعة انظر الخصال. وما حكاه ابن زرب خلاف للكتاب إلا في أحد المتفاوضين لانه قال فيما سيأتي: ليس لاحد المتفاوضين فيما باع الآخر شفعة انتهى. وقال في التوضيح: للوصي على يتيمين إذا باع نصيب أحدهما أن يأخذ بالشفعة ليتيمه الآخر أو لنفسه وإن كان شريكا لكن يدخل معه نظر القاضي إن أخذه لنفسه إذ يتهم أن يبيع نصيب يتيمه بثمن بخس ليأخذه بالشفعة، وكذلك إن باع نصيب نفسه وأراد أخذه ليتيمه فلا بد من نظر القاضي، وقد تقدم في أي موضع يباع عقار اليتيم فلا بد من مراعاة ذلك هنا، ولا بد أن يكون الشقص المباع لليتيم لا يقل ثمنه إذا بيع منفردا عما لو بيع الجميع، وأما لو كان وهو الغالب إذا بيع الجميع كان ذلك أوفر لنصيب اليتيم يباع الجميع انتهى. تنبيه: استفيد من كلام المدونة إن وكل رجلا يبيع له شقصا أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته والله أعلم. ص: (أنكر المشتري الشراء وحلف وأقر به بائعه) ش: هذه مسألة المدونة. قال في كتاب الشفعة: وإذا أنكر المشتري الشراء وادعاه البائع فتحالفا وتفاسخا، فليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة بإقرار البائع لان عهدته على المشتري، فإذا لم يثبت المشتري على الشراء فلا شفعة للشفيع انتهى. فرع: قال في المدونة في كتاب الشفعة: وإن أقر رجل أنه ابتاع هذا الشقص من فلان الغائب فقام الشفيع، فلا يقضى له بالشفعة بإقرار هذا حتى يقيم بينة على الشراء لان الغائب إذا قدم وأنكر البيع أن يأخذ داره ويرجع على مدعي الشراء بكراء ما سكن، فإذا قضى بهذا قاض للشفيع بإقرار هذا لم يرجع عليه الغائب بذلك ولا على مدعي الشراء فيبطل من الغائب من الغلة بلا بينة. انتهى وانظر أبا الحسن. ص: (وهي على الانصباء) ش: هذه مسألة المدونة أول كتاب الشفعة.

    [ 390 ]
    فرع: قال في الجواهر: إذا باع بعض حصته لم يأخذ مع الشريك بالشفعة لان بيعه رغبة في البيع وإنما الشفعة للضرر، وكذلك لو باع السلطان بعض نصيبه في دين وهو غائب ثم قدم لان يده كيده. قال أبو محمد: لو باع شقصه ثم باعه المشتري له الشفعة لانه بيع ثان فلعله يرضى بالمشتري الاول دون الثاني. انتهى من الذخيرة والله أعلم. وتقدم كلام التوضيح فيما إذا باع بعض حصته عند قوله: أو باع حصته ص: (وترك للشفيع حصته) ش: انظر المدونة في كتاب الشفعة وابن عرفة. ص: (وطولب بالاخذ بعد اشترائه لا قبله) ش: يعني أن الشفيع يطالب بالاخذ بالشفعة أو ترك الاخذ بها بعد اشتراء المشتري للشقص لا قبله والمطالب له بذلك المشتري لما يلحقه من الضرر في تأخيره عدم الاخذ. تنبيه: علم من هذا أنه لا يمنع المشتري أن يشتري دون إعلام الشفيع، ولا للبائع أن يبيع دون علمه وهو كذلك لكنه مكروه. قال القرطبي في شرح مسلم في شرح قوله (ص): من كان له شريك في ربع أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك وفي رواية: لا يحل أن يبيع حتى يؤذن شريكه هو محمول على الارشاد إلى الاول بدليل قوله: فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به ولو كان في ذلك على التحريم لزم البائع ويفسخ البيع لكنه أجازه وصححه ولم يذم الفاعل فدل على ما قلناه. وقد قال بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه انتهى. وكذلك قال النووي: هو محمول عند أصحابنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه وليس بتحريم، ويتأولون الحديث على هذا. ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى المباح وهو المستوي الطرفين، والمكروه ليس بمستوى الطرفين بل هو راجح الترك انتهى. وقال سند في باب إحرام من يولى عليه: للعبد أن يحرم، وللسيد أن يرضى أو يمنع، وللشريك أن يبيع، وللشفيع أن يطرد المبتاع. انتهى.

    [ 391 ]
    تنبيه: وأما بعد الشراء فقال القرطبي: هي حق للشريك على المشتري فيجب عليه أن يشفعه ولا يحل له الامتناع من ذلك انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في شرح قوله في المدونة في كتاب الجهاد فيمن وقع في سهمه أمة من المغنم أو ابتاعها أو علم أنها لمسلم فلا يطؤها حتى يعرضها عليه. أقام ابن محرز من هذه المسألة من اشترى شقصا فيه الشفعة وهو يعلم أن فيه شفعاء فلا يتصرف فيه حتى يعلم الشفيع، وهذا إذا لم يعلم الشفيع، وأما إن علم فلا معنى لتوقيفه انتهى. وذكر ابن عرفة في كتاب الجهاد كلام ابن محرز ونقل عن ابن بشير في المسألة قولين، ونقل عن ابن عبد السلام كلامه في ذلك فراجعه، وانظر كلام ابن سهل وعياض في التنبيهات وكلام ابن عبد السلام في باب الجهاد عند قول ابن الحاجب: ومن صارت إليه جارية أو غيرها في آخر الباب. ص: (ولم يلزمه إسقاطه) ش: قال في المدونة: ولو قال الشفيع للمبتاع قبل الشراء: اشتر فقد أسلمت لك الشفعة وأشهد بذلك، فله القيام بعد الشراء لانه سلم ما لم يجب له، وإن سلم بعد الشراء على مال أخذه جاز، وإن كان قبل الشراء بطل ورد المال وكان على شفعته. انتهى. ص: (والثمن لمعطاه إن علم شفيعه) ش: يعني إن علم أن له شفيعا، ومفهومه إن لم يعلم فالثمن له. قال ابن رشد في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، ومثله لو اشترى رجل جارية وتصدق بها على رجل ثم توفي المتصدق واعترفت الجارية أنها حرة فأخذ الثمن من البائع، فإنه لورثة المتصدق لا للمتصدق عليه، وشبههما بمسألة الشفعة فقال: وقد اختلف هل هو محمول على العلم أو على عدم

    [ 392 ]
    العلم، وفي الشفعة من المدونة دليل القولين جميعا. انتهى والله أعلم. ص: (وملك بحكم أو دفع ثمن أو إشهاد) ش: انظر كلام ابن غازي الذي أتى به هتا فإنه جيد. وقال ابن راشد في اللباب: ثم الآخذ إنما يتوجه له الاخذ عند وجود المقتضي وهو وجود الشرط والسبب وانتفاء المانع والسبب نفس البيع. ويشترط في كونه سببا خمسة شروط: أن يكون الشفيع مالكا للرقبة، وأن يخرجه البائع عن ملكه بمعاوضة من بيع ونحوه، وأن يكون البيع صحيحا إذ لا يشفع في الفاسد إلا بعد الفوات، وأن يكون لازما فلا شفعة في الخيار إلا بعد لزومه، وأن يكون الملك سابقا على البيع، فلو اشترى رجلان دارا صفقة واحدة فلا شفعة لاحدهما على الآخر. وأما الشروط فأربعة: الاول: أن يشفع ليملك لا ليبيع، الثاني: بقاء الحصة التي يستشفع بها، الثالث: معرفة الثمن فلو لم يعلمه فلا شفعة. وقد قال ابن القاسم في رجل تصدق على أخته بسهمه في أرض عوضا عما ذكره أنه أصاب من مورثها مما لا يعلم قدره لا شفعة فيه. الرابع: أن يكون البيع ثابتا، إما بالبينة أو بإقرار المتبايعين، ولو أنكر المبتاع وأقر البائع والشقص بيده لم يكن له الشقص على المشهور وأوجب ذلك أشهب، وأما المانع فهو التصريح بالاسقاط أو ما يقوم مقامه. انتهى باختصار. وفي المدونة: من ابتاع شقصا بعبد بعينه فمات بيده فمصيبته من البائع وللشفيع الشفعة بقيمة العبد، وعهدته على المبتاع لان الشفعة وجبت له بعقد البيع. انتهى. فرع: قال ابن سهل: تنازع بنو حفص في العرصة التي بينهم ودعت أميرة إلى القسم بعد أن أثبتت موت حفص ووراثته وملكه للعرصة وأنه أورثها ورثته، وادعت أن آمنة اشترت حصة أخيها عبد الحميد فطلبت الشفعة وأنكر عبد الحميد وآمنة التبايع. قال ابن لبابة: على عبد الحميد اليمين أنه ما باحصته من أخته آمنة، فإذا حلف وجب القسم وسقطت دعوى الشفعة، وإن نكل لم تجب الشفعة حتى تحلف آمنة أنها لم تشتر، فإذا حلفت سقطت أيضا الشفعة بينهما، وإن نكلت مع نكول عبد الحميد حلفت أميرة أنهما تبايعا بثمن كذا، فإذا حلفت وجبت لها الشفعة. وقال أيوب: لا يمين على عبد الحميد ولا على آمنة، لان المدعي البيع قال لعبد الحميد: إنك قد بعت من آمنة، فقال عبد الحميد: لم أبع ولكن وهبت لله تعالى، وقالت آمنة: لم أبتع ولم أهب، فلا يمين على واحد منهما حتى يأتي بسبب بيع أو هبة فتجب اليمين، ولان المدعى عليهما التبايع قد تنافيا وتناكرا ما ادعى عليهما، فهذا أبعد في

    [ 393 ]
    إيجاب اليمين. وقاله محمد بن الوليد ومحمد بن عمر بن لبابة وأحمد بن يحيى وعبد الله بن يحيى. قال القاضي: كذا وقع في الاصل بتكرار ابن لبابة فإن كان صحيحا فهو رجوع عن جوابه الاول خطأ، والصواب ما قاله أبو محمد صالح لان المستشفع منه إذا أنكر الابتياع والهبة وانتفى من ملك الشقص المستشفع فيه سقط بطلب الشفيع انتهى. وجواب ابن لبابة الاول واضح إذ قد يكون لهما غرض في إنكار البيع كجعلهما حيلة تسقط بها الشفعة في رأي بعض القضا فأنكر البيع ليستحكما حاكما يرى سقوط الشفعة بتلك الحيلة، وطلب الشفيع أن يأخذ بالشفعة قبل ذلك عند حاكم لا يرى تلك الحيلة مسقطة، ولو خطر هذا ابن سهل لم يتوقف في لزوم اليمين. وإنما أنكر ذلك لعدم الاختلاف في بلادهم ووقتهم بدليل ما حكى بعدها ونصه: يلزم وكيل ابن مالك وزوجته أن يأتي بشاهد ثان على توكيلهما إياه ويضرب له في ذلك أجل يومين، فإن جاء بالشاهد الثاني ضرب له أجل في إثبات الابتياع الذي طلب به الشفعة، فإن ثبت ذلك وجبت الشفعة بعد الاعذار إلى البائع منهم، وإن لم يثبت البيع لزمه قيمة الدار على عدد ورثة حفص بعد أن يحلف البائع والمشتري لما تبايعا ولهما رد اليمين على زوجة ابن مالك. قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد. قال القاضي: ظاهر هذه المسألة أن جوابهم فيها خلاف جوابهم في التي قبلها إلا إن كان عندهم فيها معنى لم يظهر في حكايتها أوجب هذا الجواب انتهى. وقد حصل في هذه الازمان هذا المعنى ولا شك أنه موجب اليمين فتأمله والله أعلم. ص: (إلا كساعة) ش: ينبغي أن يعود الاستثناء إلى قوله: أو

    [ 394 ]
    نظر المشتري فقط لا لقوله: إن قصد أرتياء. ص: (وإن اتحدت الصفقة الخ) ش: مفهوم قوله: اتحدت الصفقة أنها لو تعددت لكان خذلك وهو كذلك. وقال في المدونة: ومن اشترى حظ ثلاثة رجال من دار في ثلاث صفقات فللشفيع أن يأخذ ذلك أو يأخذ أي صفقة شاء، فإن أخذ الاولى لم يشفع معه فيها المبتاع، وإن أخذ الثانية كان للمبتاع معه الشفعة بقدر صفقته الاولى فقط وإن أخذ الثالثة خاصة شفع فيها بالاولى والثانية انتهى. وقال ابن عرفة: وتعد الصفقات يوجب انفراد كل صفقة بحكمها انتهى. فرع: فلو تعدد الشفيع فقط فقافي المدونة: ومن ابتاع شقصا من دارين في صفقة وشفيع كل دار على حدة فأسلم أحدهما فللآخر أن يأخذ شفعته في التي هو شفيعها دون الاخرى. أبو الحسن: تعدد هنا الشفيع والصفقة واحدة والبائع واحد والمبتاع واحد. وانظر لم لم يجعل للمبتاع حجة بتبعيض صفقته ؟ وظاهره وإن كان الشقص المأخوذ بالشفعة جل الصفقة، ولعله إنما جرى على القول بأن الشفعة ابتداء بيع انتهى. فرع: فلو تعدد الشفعاء مع تعدد البائع ففي النوادر قال ابن القاسم وأشهب: من ابتاع حظا من دار من رجل وحظا من حائط من آخر وشفيعهما واحد، فليس للشفيع إلا أخذ الجميع أو يترك الجميع. ابن عبدوس: وقاله عبد الملك. محمد: وأنا أنكر أن يجمع الرجلان سلعتيهما في صفقة واحدة وليرد ذلك إن علم به المشتري ما لم يفت بحوالة سوق أو بيع، أو يأخذ بالشفعة فينفذ ويقسم الثمن على القيمة. قال أشهب متصلا بكلام عبد الملك: وكذا إن كان الشفعاء جماعة فليس لهم أن يأخذوا النخل دون غيرها، فإماأخذوا الجميع أو تركوا، فإن

    [ 395 ]
    أخذوا الجميع على أن النخل لاحدهم وللآخر الدور فليس للمشتري أن يأبى ذلك ولا حجة له وليس بقياس وهو استحسان. انتهى ونقله ابن عرفة أيضا. ولا منافاة بين هذا وبين ما في المدونة فإن في هذا تعدد الشفعاء واشتركوا في كل حصة والله أعلم. ص: (وكان أسقط بعضهم أو غاب) ش: قال ابن الحاجب: وإذا اتحدت الصفقة وأسقط بعضهم أو غاب فليس إلا أخذ الجميع. ابن عبد السلام: وأما غيبة بعض الشفعاء فلا أعلم فيه خلافا وأن الحكم ما قاله المؤلف يعني ابن الحاجب انتهى. وأما في الاسقاط فما قال الشيخ هو المشهور. وقال أصبغ وابن حبيب: وإن كان تسليم أخذ الشفعاء على وجه الهبة أو الصدقة فليس لمن أراد الاخذ إلا بقدر سهمه وللمبتاع سهم من سلم، وإن كان على وجه الترك وكراهة الاخذ فللمتمسك أخذ جميعها. وفي مختصر الوقار: ليس لمن لم يحز إلا مصابه. اللخمي: وهو أقيس الاقوال. قاله في التوضيح وهذا لفظه. وقال ابن عرفة بعد كلام الوقار: وحاصله أن نصيب التارك للمشتري مطلقا. وابن حبيب خصص ذلك بكون الترك لوجه المشتري. وظاهر المدونة والعتبية أنه لمن بقي مطلقا فالاقوال ثلاثة. ص: (ولمن حضر حصته) ش: قال الشارح: أي فإن أخذ الشفيع الحاضر جميع الحصة ثم قدم الغائب فله أن يدخل معه إن أحب فيأخذ بقدر ما كان له من شفعته انتهى. قال ابن غازي: أي ولمن صار حاضرا بعد الغيبة ولو قال: ولمن قدم كان أبين انتهى. وقال البساطي: يعني إن حضر واحد من الغيب بعد أن أخذ الحاضر الجميع فلمن حضر حصته إن أراد فيأخذ بقدر حصته انتهى. وظاهر كلامهم وكلام المصنف إن كان الشفعاء الغيب

    [ 396 ]
    جماعة وقدم واحد منهم فله أن يأخذ بقدر حصة إشراكه الغيب حتى يقدموا وليس كذلك، إنما له أن يأخذ نصف ما أخذه الحاضر إن ساوت حصته حصة الحاضر وإلا فعلى قدر حصصهما كأنه ليس لهما شريك غائب. قال في المنتقى: وإن كان إشراكه غيبا لم يكن للشفيع أن يأخذ حصته دون حصة إشراكه الغيب حتى يقدموا وليأخذ الآن الكل أو يترك، فإن ترك فلا حق له مع أصحابه إذا قدموا وأخذوا بالشفعة، فإذا قدم واحد ممن غاب قيل له: خذ الجميع أو اترك الجميع، فمن قدم دخل معه في الشفعة إن أراد ذلك على قدر حصصهما كما لو لم يكن شريك غيرهما. قاله ابن القاسم في المدونة وقاله أشهب في غيرها انتهى. وفي النوادر قال ابن القاسم وأشهب: فإن قدم الغائب وقد أخذ الحاضر الجميع دخلوا معه بقدر سهامهم، وإن أبى بعضهم الاخذ فللآخرين من الشفعة بقدر حصصهم من حصص من أخذ لا بقدر حصصهم من حصص جميع الشركاء. قالا: فإن أبوا إلا واحدا ومصابه مثل مصابك فجميع ما أخذته بينكما شطرين، فلو لم يقدم لا واحد فليس له بقدر حصصه من حصص أصحابه ولكن يأخذ نصف ما أخذت إن كان نصيبه مثل نصيبك انتهى. وصرح بذلك ابن رشد في نوازله وقد تكلم في ذلك وأطال. وبهذا يتضح ما نقله ابن رشد عن أشهب وذكره أبو غازي عنه في العمدة وهو قوله: وإن جاء ثالث كان مخيرا إن شاء كتب عهدته على المشتري، وإن شاء على الشفيع الاول، وإن شاء عليه وعلى الثاني. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (وهل العهدة عليه أو على المشتري) ش: هذا قول أشهب الذي اختار ابن رشد أنه مفسر لقول ابن القاسم. قال في النوادر بعد أن نقله: وليس لهم أي الشفعاء الغيب أن يكتبوا ذلك عليكما جميعا انتهى. أي على الشفيع الاول والمشتري. ص: (وهل العهدة عليه أو على المشتري كغيره) ش: يعني أنه إذا أخذ من حضر من الشفعاء جميع الشفعة ثم قدم أحد

    [ 397 ]
    الشفعاء الغيب وأخذ بالشفعة، هل تكون العهدة على الشفيع الاول أو على المشتري المأخوذ منه بالشفعة كما تكون العهدة عليه في غير مسألة الغائب إذا قدم على شريكه ؟ قال في النوادر: قال ابن المواز: أجمع مالك وأصحابه أن عهدة الشفيع على المشتري. قال أشهب: وإليه يدفع الثمن إن كان المبتاع دفعه إلى البائع وعلى المشتري قبض الشقص ودفعه إلى الشفيع، فإن كان المشتري حاضرا ولم يدفع الثمن دفع الشفيع الثمن إلى البائع وعلى المشتري قبض الشقص للشفيع، وإن شاء الشفيع قبضه من البائع وعهدته في ذلك كله على المبتاع. ومن كتاب ابن المواز: فإن غاب المبتاع ولم يكن ثقة فأبى البائع من دفع الشقص. قال ابن القاسم: ينظر فيه السلطان. وقال أشهب في الكتابين: إن قربت غيبته كتب حتى يقدم فيكتب عليه العهدة، وإن

    [ 398 ]
    بعدت غيبته قضى للشفيع بشفعته وقضى للبائع بقبض الثمن منه إن لم يكن قبضه، وإن كان البائع قبضه أخذه الامام من الشفيع فأوقفه للمبتاع وكتب عليه العهدة، فإذا قدم أشهد بذلك على نفسه. محمد: وإن مات فالعهدة على ورثته يريد في تركته. قال ابن حبيب: وإذا حكم على المبتاع بشفعته فأبى من أخذ الثمن قال: يحكم بها ويكتب له العهدة على المبتاع ويأخذ الثمن فيوقف له من أمواله والشفيع منه برئ انتهى. ونقل ابن عرفة هذا الكلام والله أعلم. ص: (كذي سهم على وارث) ش: تنبيه: أما العصبة فكلهم سواء ولو كان بعضهم شقيقا لبعض. قال في أول الشفعة: ومن هلك وترك ثلاث بنين اثنان منهم شقيقان والآخر لاب وترك بينهم دارا فباع أحد الشقيقين حصته قبل القسمة، فالشفعة بين الشقيق والاخ للاب سواء إذ بالبنوة ورثوا، ولا ينظر إلى الاقعد بالبائع ولو ولد ولد لاحدهم ثم مات فباع بعض ولده حصته فبقية ولده أشفع من أعمامهم لانهم أهل مورث ثان، فإذا سلموا فالشفعة لاعمامهم. وإن باع أحد الاعمام فالشفعة لبقية الاعمام مع بني أخيهم لدخولهم مدخل أبيهم. وإن ترك ابنتين وعصبة فباعت إحدى الابنتين فأختها أشفع من العصبة لانهما أهل سهم، فإذا سلمت فالعصبة أحق ممن شركهم بملك، ولو باع أحد العصبة فالشفعة لبقية العصبة والبنات، وكذلك الاخوات مع البنات حكم العصبة لان العصبة ليس لهم فرض مسمى انتهى. ص: (وأخذ بأي بيع

    [ 399 ]
    شاء) ش: هذا إذا كان غير عالم أو غائبا، وأما إن كان حاضرا عالما فإنه يسقط شفعته من البائع الاول. قال اللخمي فصل: فإذا باع المشتري نصيبه والشفيع حاضر عالم ولم يقم برد البيع سقطت شفعته في البيع الاول وكانت له الشفعة في البيع الثاني، وكذلك إن بيع بيعات وهو حاضر سقطت إلا من بيع آخر، وإن كان غير عالم كان بالخيار يأخذ بأيهما أحب انتهى. ص: (وعهدته عليه) ش: أي على من أخذ منه. قال في المدونة: وعهدة الشفيع على المبتاع خاصة وإليه يدفع الثمن كان بائعه قد قبض الثمن أم لا، ولو غاب المبتاع قبل أن ينقد الثمن ولم يقبض الدار. انظر الامام في ذلك. والبائع له منع الشقص حتى يقبض الثمن فإن شاء الشفيع أن ينقده فذلك له ويقبض الشقص وعهدته على المبتاع لانه أدى عنه. ص: (وفي فسخ عقد كرائه تردد) ش: حاصله أن له الاخذ بالشفعة من الآن.

    [ 400 ]
    واختلف الطليطليون والقرطبيون في فسخ الكراء وعلى القول بعدم الفسخ فالكراء للمشتري

    [ 401 ]
    كما نقله في التوضيح ونقله أبو الحسن. ص: (وإن اختلفا في الثمن فالقول للمشتري بيمين فيما يشبه) ش: قال في المدونة: وإن اختلف الشفيع والمبتاع في الثمن صدق المبتاع لانه مدعى عليه إلا أن يأتي بما لا يشبه مما لا يتغابن الناس عن مثله فلا يصدق إلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم في الدار اللصيقة بداره فيثمنه، فالقول قوله إذا أتى بما يشبه انتهى. وقول المصنف: بيمين ظاهره سواء حقق الشفيع عليه الدعوى أم لا وليس كذلك. قال في الشامل: بيمين إن حقق الشفيع لا إن اتهمه وإلا فبدون يمين على الاشهر. انتهى ونقله في التوضيح وأصله لابن رشد. ص: (ككبير يرغب في مجاورته) ش: هذا مثال لما أشبه فيه قول المشتري قال ابن غازي: يرغب مبنيا للفاعل ومجاورته بكسر الواو اسم فاعل وهو كقوله في المدونة إلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم في الدار الملاصقة به انتهى. قلت: ما ذكره هو الظاهر، ويحتمل أن يقرأ يرغب بالبناء للمفعول ومجاورته بفتح الواو مصدر جاور يجاور. وقد جوز أبو الحسن في كلا المدونة المتقدم أن يكون المراد به ما تقدم قال: وإنه أراد يرغب أحد المشترى يفي الدار التي تلاصق الملك إذا كان عادلا. قال في

    [ 402 ]
    الوثائق المجموعة: وكذلك الشريكان والجار اللصيق انتهى. وقال أبو الحسن: وقوله في المدونة إذا أتى بما يشبه يريد ما يمكن أن يزيده فيها انتهى. ص: (فإن لم يشبها حلفا ورد إلى الوسط) ش: قال أبو الحسن: قال ابن يونس: اختلفا إذا أتيا بما لا يشبه فأعدل الاقوال أن يحلفا جميعا ويأخذ الشفيع بالقيمة، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف. ابن رشد: وإن أتى بما لا يشبه لان صاحبه قد أمكنه بنكوله من دعواه. الشيخ وغيره: أعدل الاقاويل أن تسقط الشفعة كنسيان الثمن انتهى. فرع: وإن أقاما بينة وتكافأت في العدالة كانا كمن لا بينة لهما ويصدق المبتاع لان الدار في يديه. قال أبو الحسن: قال هنا: لان الدار في يديه، وقال فيما تقدم لانه مدعى عليه ومعناهما واحد لانه يريد أخذها من يديه بأقل مما ادعاه انتهى. ص: (وإن ابتاع أرضا بزرعها الاخضر فاستحق نصفها فقط واستشفع بطل البيع في نصف الزرع لبقائه بلا أرض) ش:. تتمة: هذه المسألة قوله ورد البائع نصف الثمن وله نصف الزرع، وخير الشفيع أولا بين أن يشفع أو لا فيخير المبتاع في رد ما بقي ويشير إلى قوله في المدونة: ومن ابتاع أرضا بزرعها الاخضر فاستحق رجل نصف الزرع الاخضر خاصة واستشفع، فالبيع في النصف المستحق باطل ويبطل في نصف الزرع لانفراده بلا أرض، ويرد البائع نصف الثمن ويصير له نصف الزرع، وللمستحق نصف الارض، ثم يبدأ الشفيع بالخيار في نصف الارض الباقي. فإن أحب أخذه بالشفعة ولم يكن له في نصف الزرع شفعة، وإن لم يستشفع خير المبتاع بين رد ما بقي في يديه من الصفقة وأخذ جميع الثمن لانه استحق من صفقته ما له بال، وعليه فيه الضرر، وبين أن يتماسك بنصف الارض ونصف الزرع ويرجع بنصف الثمن انتهى. قوله في المدونة:

    [ 403 ]
    واستشفع فالبيع في النصف المستحق باطل وهو نحو قول المصنف: واستشفع وهو يوهم أن الاستشفاع شرط في بطلان البيع في نصف الارض لانه علل بطلان البيع فيه لبقائه بلا أرض. ويفهم من قوله: ورد البائع نصف الثمن لانه يقتضي أنه يرد نصف جميع ثمن الارض والزرع وذلك مقتض لبطلان البيع فيهما. وقوله: وله نصف الزرع أي للبائع نصف الزرع الذي في النصف المستحق. ونقل الشارح في الكبير عن النوادر أن البائع الكراء في النصف المستحق من الارض. قلت: وينبغي أن يجري على ما تقدم في فصل الاستحقاق وقول المصنف: وخير الشفيع أولا بين أن يشفع أم لم يبين ما يترتب على أخذه بالشفعة وقد بين ذلك في المدونة وقال: إنه إن أخذ النصف الباقي من الارض بالشفعة لم يكن له في نصف الزرع شفعة وذلك

    [ 404 ]
    على المشهور من أن الزرع لا شفعة فيه لكنه لم يبين في المدونة لمن يكون هذا النصف من الزرع، وذكر في النكت والتنبيهات فيه قولين: أحدهما: أنه للبائع مع النصف الاول فيصير جميع الزرع له، والثاني: أنه للمشتري وصوبوا هذا القول الثاني وجعلوا الاول خطأ لان الشفعة بيع والاخذ إنما هو من الشفيع، وعليه العهدة، وفي التنبيهات أنه إذا أخذ بالشفعة فض الثمن على نصف الارض ونصف الزرع فانظره ولاكراء على الشفيع في نصف هذا الزرع لانه بمنزلة من اشترى أرضا فزرعها ثم أخذها الشفيع فلا أجرة له. انظر التوضيح. وأما إن لم يأخذ الشفيع بالشفعة فقد بين ما يترتب على ذلك في المدونة. ويفهم من كلام المصنف. وأما قول المصنف: كمشتري قطعه من جنان إلى قوله: ثم استحق جنان البائع فهي مسألة أخرى شبهها بمسألة بطلان البيع في نصف الزرع لبطلان البيع فيها لكون المشتري لا طريق له إلى الانتفاع بما اشتراه، لكن البطلان في مسألة الزرع إنما هو لان الزرع الاخضر لا يجوز بيعه إلا تبع للارض، ولا يجوز بيعه بانفراده، لانه لم يبد صلاحه وصلاحه يبسه. وليس المعنى أنه ليس لك أرض يبقى فيها وأنه يحكم بقلعه. ألا ترى أنه للبائع بخلاف مسألة الجنان فإن موجب الفساد أنه لم يبق للمشتري طريق إلى الانتفاع بما اشتراه، فالتشبيه بينهما إنما هو في فقد شرط من شروط صحة البيع، ففي مسألة الزرع من شروط صحة بيعه كونه منتفعا به وقد صار غير منتفع به فتأمله والله أعلم. مسألة: قال اللخمي في تبصرته في آخر كتاب الشفعة: إذا باع أحد الشريكين لنفسه طائفة بعينها كان شريكه بالخيار بين خمسة أوجه: بين أن يمضيها الشريكة وللمشتري ويبقى له ما لم يبع، أو يكون ما لم يبع شركة بينهما وما بيع بينهما والثمن بينهما، أو يرد " البيع في نصيبه من المبيع ولا يستشفع، أو يستشفع أو يدعو إلى المقاسمة، فإن صارت الطائفة المبيعة للبائع مضى البيع، وإن صارت للآخر كان بالخيار في إجازة البيع ورده، وإن صار بعضها عند من لم يبع فإن أجاز البيع فيه مضى البيع وإن رد البيع في نصيبه كان للمشتري أن يرد البيع فيما بقي في يده إلا أن يكوالذي رده للشريك أيسر الطائفة المبيعة فلا يكون له رد الباقي. واختلف إذا قال البائع: ليس لك أن تبقى ما لم يبع شركة بيني وبينك وتشاركني فيما بعته ولكن نتقاسم فيصير ذلك لي أو لك، فقيل: لا مقال له في ذلك والمبدأ الشريك الذي لم يبع.

    [ 405 ]
    وقيل: له ذلك وهو أحسن، لان كون ما لم يبع شركة ضرر عليه وإنما رضي أن يكون ذلك على وجه المقاسمة، فإذا رضي مضى ذلك على وجه المقاسمة أو يرده ويرجعان إلى المقاسمة انتهى. والمسألة في آخر كتاب الشفعة من المدونة، وانظرها في أول رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى من كتاب الشفعة، وانظر ابن سلمون في أواخر الشفعة وفيه مسألة من له حصة فباع جزءا دون حصته. وسئلت عن هذه المسألة فأجبت بما ذكره اللخمي. وفي السؤال: وحكم في البيع المذكور حاكم بثبوت المبيع أو بموجبه، فهل الحكم بذلك مقتض للحكم بالقسمة إذا ادعاها البائع أو المشتري ؟ فأجبت بأن حكم الحاكم بثبوت البيع أو بموجبه لا يقتضي الحكم بالقسمة والله أعلم. باب القسمة قال ابن عرفة: تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو قراض. فيدخل قسم ما على مدين ولو كان غائبا، نقله الشيخ عن ابن حبيب: ورواه ابن سهل في طعام سلم. ويخرج تعيين معتق أحد عبديه أحدهما، وتعيين مشتر أحد ثوبين أحدهما، وتعيين مطلق عدد موصى به من أكثر منه بموت الزائد عليه قبل تعينه بالقسمة. انتهى. ص: (تهايؤ) ش: قال الرجراجي: وقسمة المهايأة تقال بالنون لان كل واحد منهما هنى صاحبه بما أراده، ويقال بالباء أيضا لان كل واحد منهما وهب لصاحبه الاستمتاع بحقه في ذلك الشئ مدة معلومة، ويقال بالياء تحتية ثنتان لان كل واحد منهما هيأ لصاحبه ما طلب منه انتهى. ابن عرفة: وهي أي المهايأة اختصاص شريك بمشترك فيه عن شريكه فيها زمنا معينا من متحد أو متعدد، ويجوز في نفس منفعته لا في غلته. ص: (في زمن كخدمة عبد شهرا أو سكنى دار

    [ 406 ]
    سنين كالاجارة) ش: نبه بهذا على أن قسمة التهايؤ في زمن معين تكون كالاجارة لازمة. وشمل كلامه ما إذا كان المقسوم متحدا أو يأخذه كل واحد مدة معينة ولا يشترط تساوي المدة فيهما. ومفهوم قوله: في زمن كالاجارة أنها لو كانت من غير تعيين زمن لم تكن كالاجارة وهو يشير إلى قول ابن الحاجب: فالاولى يعني المهايأة إجارة لازمة يأخذها كل واحد منهما أو أحدهما مدة معينة وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد سكنى دار انتهى. قال في التوضيح: وهذا القسم أي المهايأة على قسمين: مقاسمة زمان ومقاسمة أعيان. أشار المصنف إليهما بقوله: فالاولى إلى قوله: مدة معينة. وقوله: أو أحدهما راجع إلى الدارين، وقوله: مدة معلومة يحتمل الصورتين ويحتمل عوده إلى الثانية ويضمر بعد الاولى مثله، والدار الواحدة إنما يتصور فيها قسمة زمان بخلاف الدارين فإنها مقاسمة أعيان. وقوله: وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد منهما سكنى دار من غير تعيين مدة انتهى. وقال ابن عبد السلام: وقوله: غيلازمة هذا نوع من أنواع الاجارة على الخيار ولا يشترط فيها ضرب الاجل لان كل واحد منهما له أن ينحل متى شاء، ولا يمكن تصويرها بالمثال الاول من مثالي الملازمة إلا أن يأخذ أحدهما بيتا من الدار مثلا ويأخذ الآخر كذلك انتهى. ص:

    [ 407 ]
    (ومراضاة فكالبيع) ش: هذا هو القسم الثاني من أقسام القسمة وهي قسمة المراضاة، وبعضهم يسميها قسمة بيع. قال ابن عرفة: وهي أخذ بعضهم بعض ما بينهم على أخذ كل واحد منه ما يعدله بتراض ملكا للجميع انتهى. وهو على قسمين بعد تقويم وتعديل. قال في معين الحكام وغيره واللفظ للمعين: فهذه لا يقضى بها على من أباها ويجمع فيها بين حظين في القسم وبين الاجناس والاصناف والمكيل والموزون خشي ما يدخر من الطعام مما لا يجوز فيه التفاضل ويقام فيها بالغبن إذا ظهر، والاظهر أنها بيع من البيوع. وقسمة المراضاة بلا تعديل ولا تقويم حكمها حكم التي بعد التعديل والتقويم إلا في القيام بالغبن وهي بيع من البيوع بلا خلاف انتهى. وفي التوضيح نحوه وقاله في التنبيهات. ص: (وقرعة) ش: قال ابن عرفة: وهي فعل ما يعين حظ كل شريك مما بينهم مما يمتنع علمه حين فعله من القسمة. ثم قال ابن عرفة: والصواب أن بيع القرعة بيع لا تميز انتهى. تنبيه: قال في اللباب: المقسوم لهم الشركاء المالكون فلا يقسم لغير المالك كالمحبس عليهم قسمة قرعة ولا مراضاة، ولا يمنع أن يقسم بينهم قسمة مهايأة في الازمان في الدور والارضين دون الشجر انتهى. وفي مسائل القسمة من البرزلي مسألة في المجموعة: اختلف في قسمة الحبس قسمة اغتلال، فكرهه قوم وأجازه آخرون، ويحتمل أن يريد الارض لا الشجر لنصهم على منع قسمة الشجر. قلت: هذه قسمة المهايأة وذكر كلام ابن عرفة المتقدم في حد قسمة المهايأة والخلاف في قدرها، ثم قال في المجموعة: اختلف في قسمة الحبس على التعديل والاتساع فكرهه قوم وأجازه آخرون، فهذا يحتمل أن يريد الارض والشجر وغيرهما انتهى. ولما ذكر ابن عرفة قسمة المهايأة قال: قال ابن رشد: منها قسمة الحبس للاغتلال في جبر المحبس عليهم ما لم يزد عددهم بولادة أو نقص بموت ومنعه، ثالثها تجوز برضاهم لبعضهم محتجا بقولهم فيمهن حبس في مرضه على ولده وولد ولده يقسم الحبس على عددهم وغير ذلك من الظواهر الموجودة في مسائلهم، وبعضهم محتجا بقول مالك فيها لا يقسم الحبس وغيرهم.

    [ 408 ]
    قلت: عن ابن سهل الاول لعبيد الله بن يحيى ولمحمد بن لبابة وابن وليد وأيوب بن سليمان وابن أيمن، والثاني لابن الاعين قال: ويفسخ إن نزل. وعزا أحد القولين من المدونة لابن عات فقال عن محمد بن يحيى بن لبابة: حملها على الخلاف غلط إنما حمل القسم على ثمن المنفعة ومنعه على الربع المحبس نفسه انتهى. وسئلت عن مال موقوف على وصي وأيتام فاقتضى رأي الوصي ورأي جماعة من المسلمين قسم المال الموقوف، فهل يقسم أم لا ؟ فأجبت: إن كان المراد بالقسمة الاستبداد والاختصاص بحيث يصير كل واحد يفعل فيما بيده ما شاء فهذا لا يجوز، وإن أريد قسمته قسمة مهايأة بمعنى أن كل واحد من المحبس عليهم يسكن ناحية منه أو يستغله مدة وكلما تغير عدد الموقوف عليهم بزيادة أو نقص تغيرت القسمة، فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: إن ذلك لا يجوز، وقيل: يجوز إذا رضي الموقوف عليهم أجمعون، وقيل: يجبرون على ذلك، والقول الثاني هو الظاهر والله أعلم. ص: (وكفى قاسم لا مقوم) ش: قال القرافي في الفرق الاول من قواعده في الصور المركبة من الشهادة والرواية: رابعها المقوم للسلع وأرش الجنايات والمساقاة والغصوبات وغيرها. قال مالك: يكفي الواحد بالتقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين، وروي لا بدمن اثنين في كل موضع. ومنشأ الخلاف حصول ثلاثة أشياء شبه الشهادة لانه إلزام لمعين وهو ظاهر، وشبه الرواية لان المقوم متصد لما لا يتناهى كالمترجم والقائف وهو ضعيف لان الشهادة كذلك، وشبه الحاكم لان حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو أظهر من شبه الرواية، فإن تعلق بأخباره حد تعين مراعاة الشهادة لوجهين أحدهما قوة ما يفضي إليه هذا الاخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي معصوم وثانيهما أن الخلاف في كونه رواية أو شهادة شبهة يدرأ بها الحد ثم قال: وخامسها القاسم. قال مالك: يكفي واحد والاحسن اثنان. وقال أبو إسحاق: لا بد من اثنين، وللشافعية في ذلك قولان. ومنشأ الخلاف شبه الحكم والرواية أو الشهادة والاظهر شبه الحكم لان الحاكم استنابه في ذلك وهو المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا انتهى. وفي الكتاب الرابع

    [ 409 ]
    عشر من القسم الثاني من تبصرة ابن فرحون: قال ابن القصار: ويقبل قول التاجر في قيم المتلفات إلا أن يتعلق بالقيمة حد فلا بد من اثنين. وروي عن مالك أنه لا بد من اثنين عند مثل القيمة التي يتعلق بها حد كتقويم العرض المسروق، وهل بلغت قيمته إلى النصاب أم لا ؟ فهنا لا بد من اثنين انتهى. ثم قال: قال ابن القصار: يجوز تقليد القاسم على ما رواه ابن نافع عن مالك كما يقلد المقوم لارش الجنايات لمعرفته بذلك. وقال الابهري: يجب أن يكون اثنين ثم رجع عن ذلك انتهى. فلعل المصنف ترجح عنده الرواية الثانية في المقوم، والفرق بين القاسم والمقوم أن القاسم نائب عن الحاكم انتهى. فاكتفي فيه بالواحد والمقوم كالشاهد على القيمة فيترجح فيه جانب الشهادة.

    [ 410 ]
    تنبيهات: الاول: الذي يظهر أن مراد المصنف بالمقوم المقوم للسلع المتلفات ولاروش الجنايات ونحوهما كما تقدم في كلام القرافي، وليس المراد به المقوم للسلعة المقسومة فإن الذي يظهر من كلامهم أن القاسم هو الذي يقوم المقسوم ويعدله. الثاني: قال القرافي في الذخيرة: قال في النوادر: قال ابن حبيب: لا يأمر الحاكم بالقسم إلا من هو عنده مأمون بصير. وقال الشافعية: يشترط في منصوب الامام الحرية والعدالة والتكليف والذكورة لانه حاكم وعلمه بالمساحة والحساب والتقويم، ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية لانه وكيل، ولم أر لاصحابنا ما يخالف هذا. انتهى والله أعلم. الثالث: فهم من قول المصنف: كفى قاسم أن الاولى خلاف ذلك وهو كذلك، قال ابن الحاجب: الاثنان أولى من الواحد، وقال ابن عرفة: الشيخ عن ابن حبيب: لا يأمر القاضي بالقسم إلا المأمون المرضي وإن كانا اثنين فهو أفضل وإن لم يجد إلا واحدا كفى انتهى. ص: (وأفرد كل نوع) ش: يعني أنه لد يجوز جمع جنسين ولا نوعين متباعدين في قسمة القرعة. قال في المدونة: ولا تقسم أصناف مختلفة بالسهم مثل أن يجعلوا الدور حظا والرقيق حظا ويستهمون وإن اتفق قيم ذلك لانه خطر، وإنما تقسم هذه الاشياء كل نوع على حدة، البقر على حدة، والغنم على حدة، والعروض على حدة، إلا أن يتراضوا على شئ بغير سهم. وكذلك لا يجوز أن يجعلوا دنانير ناحية وما قيمته ما ماثلها ناحية من ربح أو عرض أو حيوان أو يقترعوا وأما بالتراضي بغير قرعة فجائز وإما داران في موضع وإن تفاضلتا في البناء كواحدة جديدة وأخرى رثة، أو دار بعضها رث وباقيها جديد فذلك يجمع في القسم لانه نوع واحد منه جديد ودون بالقيم كقسم الرقيق على تفاوتها. وكل صنف لابد فيه من ذلك، فإن كان كل صنف من ذلك لا يحمل القسمة بيع عليهم الجميع إلا أن يتراضوا على شئ بغير سهم فيجوز. انتهى. ص: (وجمع دور وأقرحة) ش: كذا في بعض النسخ بالواو، وفي بعضها بأو، وعلى النسخة الاولى فالواو بمعنى أو والمراد أن الدور تجمع على حدة والاقرحة على حدة ولا يريد أن الدور تجمع مع الاقرحة. قال ابن الحاجب: وتجمع الدور المتقاربة المكان

    [ 411 ]
    المستوية نفاقا ورغبة مهما دعا إليه أحدهم ثم قال: وكذلك بالقرى والحوائط والاقرحة يجمع ما تقارب مكانه كالميل ونحوه، وتساوى في كرمه وعيونه بخلاف اليوم. قال ابن عبد السلام: لا يريد المؤلف هذه الانوع التي ذكرها من قرى وحوائط وأقرحة تجمع في القسم، ولكن كل نوع من هذه يجمع انتهى. وقال الرجراجي: اتفقوا على أنه لا يجمع في قسمة القرعة الدور مع الحوائط، ولا الحوائط مع الارضين، ولا الدور مع الارضين إنما يقسم كل شئ من ذلك

    [ 412 ]
    على حدته، ويضم بعضه إلى بعض على شروط يذكرها انتهى. والاقرحة جمع قراح بفتح القاف. قال في المدونة: هي الفدادين. وقال ابن عبد السلام: الاقرحة هي المزارع التي ليس فيها بناء ولا شجر. قاله الجوهري والله أعلم. ص: (وأفرد كل صنف كتفاح إن احتمل) ش: يعني أن كل صنف من أصناف الفواكه كالتفاح والرمان إذا كان يحمل القسمة بين الشركاء فإنه يفرد، يريد إذا كان كل واحد في حائط بدليل قوله إلا في كحائط فيه شجر مختلفة فإنه يعني أن الحائط إذا كان فيه أشجار الفواكه فإنه يقسم بالقيمة. قاله في المدونة. وإن كانت قرية ذات دور وأرض بيضاء وشجر فليقسموا الارض والدور على ما وصفنا، وأما الاشجار فإن كانت مختلفة مثل تفاح ورمان وأترج وغيرها وكلها في جنان واحد فإنى قسم كله مجتمعا بالقيمة كالحائط يكون فيه البرني والصيحاني والعجوة والجعرور وأصناف التمر فإنه يقسم على القيمة، ويجمع لكل واحد حظه من الحائط في موضع، فإن كان كل صنف من تفاح ورمان وغيره في جنان على حدة قسم بينهم كل جنان على حدته بالقيمة إن انقسم انتهى. مسألة: قال في الطراز في كتاب السلم لما تكلم على القطنية وأنها أصناف إنها لا تجمع في القسم، وتقدم كلامه عند قول المصنف: وقطنية ومنها كرسنة. ص: (أو أرض

    [ 413 ]
    بشجر مفترقة) ش: يعني أن الارض إذا كان فيها شجر مفترقة فإنه يقسم الارض مع الشجر جميعا، ولو أفردنا قسمة الاصول وقعت أصول الرجل في أرض غيره انتهى. ص: (وخيار أحدهما كالبيع) ش: قال في المدونة: ولو اقتسما على أن لاحدهما الخيار أياما يجوز مثلها في البيع في ذلك الشئ فجائز، وليس لمن لا خيار له منها رد وذلك لمشترطه، وإذا بنى من له الخيار أو هدم أو ساوم الجميع فذلك رضا كالبيوع. انتهى. ص: (وغرس أخرى إن انقلعت) ش: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الاقضية: إن سقطت

    [ 414 ]
    الشجرة ونبتت فيها خلوف فالخلوف لصاحب الشجرة، ابن رشد: معناه إذا نبتت في مواضع الشجرة لان من كانت له شجرة في أرض رجل فله موضعها من الارض، وليس لقدر ذلك حد معلوم عند مالك وهو بقدر ما تحتاج إليه الشجرة في شربها، وأما إن نبتت الخلوف خارجة عن قدر حق صاحب الشجرة فإن كان له فيها منفعة بغرسها في حقه كان له قلعها وإلا فهي لرب الارض بقيمتها حطبا إن كان لها قيمة وإلا فبغير شئ، وإن كان بقاؤها مضرا بأصل الشجرة كان لصاحب الشجرة قطعها بكل حال إلا أن يقطع الذي ظهرت في أرضه العروق المتصلة حتى لا تضر بها فله ذلك، ويعطيه قيمتها إكان لها قيمة. انتهى باختصار. فرع: وعلى رب الشجرة سقيها، فإن امتنع من ذلك وكانت تشرب مع شجر صاحب البستان فالظاهر أنه يلزمه أجرة سقيها كما قال صاحب البيان في رسم الشجرة من سماع عيسى من جامع البيوع فيمن اشترى زيتونة على أن يقطعها فتوانى في قطعها حتى أثمرت. قال ابن القاسم: الثمرة لمشتري الشجر. قال صاحب البيان: ويكون عليه أجرة قيامه عليها إن كان يسقيها ولم يكن المطر يسقيها. قاله ابن القاسم في رواية ابن جعفر عنه. ويكون عليه كراء موضعها من الارض إن كان غائبا باتفاق، وإن كان حاضرا على اختلاف انتهى. وقال في كتاب العرايا من المدونة: ولو وهب ثمن حائط أو جزءا منه أو تمر نخلة معينة سنين قبل الزهو أو أعمر ذلك لم يجز له شراء تمرة ذلك أو بعضه بخرصة ولكن بعين أو بعرض، والسقي في ذلك على الموهوب أو على المعرى، وعليه الزكاة إن بلغ حظه ما فيه الزكاة، وإن لم يبلغ فلا زكاة على واحد منهما. قاله ابن القاسم. وقال أكابر أصحابنا: العرية مثل الهبة، وفرق بينهما مالك في الزكاة والسقي انتهى. وعلى قول مالك مشى المؤلف في باب العرايا، والقصد

    [ 415 ]
    منه أن من له نخلة معينة في بستان رجل فعليه سقي ذلك كما دلت عليه نصوص المذهب والله أعلم. فرع: قال في وثائق ابن سلمون: قال في مسائل ابن الحاج: إذا اتفق الجيران على أن يحرس لهم جناتهم أو كرومهم فأبى بعضهم من ذلك فإنه يجبر معهم. وكذلك أفتى ابن عتاب في الدور يتفق الجيران ويأبى بعضهم من ذلك. قال القاضي: إلا أن يقول صاحب الكرم: أنا أحرسه بنفسي أو يحرسه غلامي أو أخي فله ذلك وبذلك أفتيت. وسئلت عن قوم لهم زرع استأجروا من يحرسه فأبى بعضهم من ذلك وقال: معي من يحرس زرعي، وزرع كل واحد منهم على حدته واستأجروا من يحرسه وأبى هو من الدخول معهم فلم يحرس له أحد حتى كمل الزرع. فأفتيت أنهم يرجعون عليه بما ينوبه من الاجرة. قال: وأما الاجرة على الصلاة للامام فمن أباها من الجيران لم يجبر عليها ولا يحكم عليه بها، لان الاجارة عليها مكروهة في أصلها، ولان شهودها في الجماعة سنة لا فريضة، وينبغي في أجرة الجمعة أن تلزم من أباها لان شهودها فرض. انتهى. ص: (لا شهادة) ش: قال في المدونة في كتاب الاقضية: ولا تجوز شهادة القسام على ما قسموا انتهى. يريد بعد عزل القاضي الذي بعثه. قال ابن الحاجب: ولا يقبل قولهما بعد العزل. قال في التوضيح: لا يقبل قولهما بعد عزل القاضي الذي بعثهما انتهى. وحاصل المسألة أن شهادة القسام فيما قسموه بأمر القاضي جائزة عنده ولو كان ذلك بعد إنفاذ الحكم بالقسمة عند اختلاف الورثة وضياع المستند الذي فيه القسمة، ولا تجوز شهادتهم عند غير من أمرهم لا وحدهم ولا مع غيرهم. قاله ابن عرفة ناقلا عن ابن رشد وعن النوادر. قال: وكذلك العاقد والخاطب والمحلف والكاتب والناظر للعيب والله أعلم. مسألة: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عن الاندار إذا جمعتهم السيول في موضع واحد بعد الخلط، فقيل: يقبل قول الحراثين إذا قالوا الماء هذا أندر فلان وقالوا: رأيناه وقد قلع الماء إياه، وكيف قسمة الشعير والزيتون عند الخلط، وهل يصدق وكل واحد منهم عما كان في أندره ويحلف أولا ؟ فأجاب: إن كان إنما اختلط بشهادة الحراثين وهم عدول فهي جائزة، وأما غير العدول فشهادتهم غير جائزة. وأرباب الزيتون والعصر إن تقارروا بينهم على شئ معلوم فهو كذلك، وإن تجاهلوا فليس إلا الاصلاح.

    [ 416 ]
    قلت: كثيرا ما يقع عندنا بتونس تأتي السيول بالزيتون في تلك الاودية وحكمه هكذا، وكذا ما اختلط على أيدي اللصوص من الزرع والزيتون على هذا المنوال، وكذا ما وقع في الرواية في السفن إذا اختلط فيها الطعام المشحون فإنه يقبل كل واحد فيما ذكر بعد يمينه إذا ادعى ما يشبه، وهذا كله يجري على أصل واحد انتهى. وانظر مسائل اللقطة فيه. ص: (وفي قفيز أخذ أحدهما ثلثيه الخ) ش: قال في المدونة: ولا يجوز في قسم تمر الحائط تفضيل أحد في الكيل لرداءة حظه، ولا التساوي في المقدار على أن يؤدي آخذ الجيد ثمنا لصاحبه، ولا يجوز بيع حنطة ودراهم بمثلها. ولو اقتسما ثلاثين قفيزا قمحا وثلاثين درهما على أن أخذ أحدهما الدراهم وعشرة أقفزة وأخذ الآخر عشرين قفيزا، فإن كان القمح مختلفا سمراء ومحمولة أو نقيا ومغلوثا لم يجز، وإن تساوى القمح في النقاء والجودة والجنس أو كان من

    [ 417 ]
    صبرة يتفق أعلاها وأسفلها فذلك جائز بخلاف المتبايعين، لان هنا لم يأت أحدهما بطعام والآخر بطعام ودراهم فيكون فاسدا. ولو قسما مائة قفيز قمحا ومائة شعيرا فأخذ ستين قمحا وأربعين شعيرا، وأخذ الآخر ستين شعيرا وأربعين قمحا فذلك جائز. قال الشيخ أبو الحسن: جعل

    [ 418 ]
    القسمة هنا تمييزا فلذلك أجازها يدل عليه قوله لان أحدهما لم يأت بطعام الخ. ولو جعلها بيعا لمنع كما قال في السلم فيما إذا أخرج أحدهما مد قمح ومد شعير والآخر مثله أنه لا يجوز. ص: (أو فيه فساد كياقوتة أو كجفير) ش: كذا في كثير من النسخ أو كجفير بالجيم والفاء وبعدها ياء ثم راء، وفي بعضها كخفين تثنية خف. فعلى النسخة الاولى يكون المعنى ظاهرا وهو أن ما يفسد بالقسمة لا يجوز قسمه، لا بالقسمة ولا بالمراضاة، وذلك اللؤلؤة والفص والخاتم وجفير السيف وأما على النسخة الثانية فلا يخلو الكلام عن إشكال لانه لا يخلوا إما

    [ 419 ]
    أن يكون المنفي قسمة القرعة فيفهم منه أن قسمة المراضاة جائز في الياقوتة والخفين جميعا وليس كذلك، لان قسم اللؤلؤة والفص والخاتم والياقوتة لا يجوز بالمراضاة ولا بالقرعة. وإما أن يكون المنفي القسمة مطلقا فيفهم منه أن الخفين لا ينقسمان بالمراضاة وليس كذلك، بل يجوز قسم الخفين والنعلين والمصراعين والباب والثوب الملفق من قطعتين والرجاء بالمراضاة. قاله في المدونة. وقال أبو الحسن في قسم الرحا بأن يأخذ هذا حجرا وهذا حجرا قلت: ومثله الكتاب من سفرين أو أسفار والله أعلم. ومثله السواران والقرطان كما قاله ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الصرف فيما إذا ظهر العيب بأحد المزدوجين فإنه كظهوره فيهما جميعا. وقال ابن راشد في اللباب في باب القسمة: وماله أخ لا يقسم إلا بالتراضي انتهى.

    [ 420 ]
    وقال الرجراجي: وما له زوج لا يستغني أحد عن صاحبه كالخفين والبابين والغرارتين فلا يقسم بين الشريكين إلا بالتراضي. انتهى والله أعلم. ص: (أو فيه تراجع إلا أن يقل) ش: يعني أنه لا يجوز قسم القرعة إذا كان فيها تراجع إلا أن يكون ذلك قليلا. قال في الرسالة: وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد الشريكن ثمنا، وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض انتهى. وقال في المدونة: ولا يجوز أن يجعلوا دنانيرنا حية وما قيمة مثلها ناحية من ربع أو عرض أو حيوان ويقرعوا، وأما بالتراضي بغير قرعة فجائز. قال الشيخ أبو الحسن: تقدم ما للخمي ويشير إلى ما قدمه عنه في أول كتاب القسمة ونصه: وإن اختلفت قيمة الدارين فكان بينهما يسير مثل أن يكون قيمة أحدهما مائة والاخرى تسعين، فلا بأس أن يقترعا على من صارت له التي قيمتها مائة أعطى صاحبها خمسة دنانير لان هذا مما لا بد منه ولا يتفق في الغالب أن يكون قيمة الدارين سواء. الشيخ: انظر هذا الذي قاله اللخمي مع ما في الرسالة وما تقدم لعياض أن يقال معنى ما قال أبو محمد تراجع كثير انتهى. وما قدمه عن عياض هو ما ذكره في أول كتاب القسمة لما تكلم على قسمة القرعة فقال: ولا يجوز تعديل السهام بزيادة دراهم أو دنانير أو غير ذلك من غير جنس المقسوم من إحدى الجهتين انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن نقل كلام اللخمي: قلت: ظاهر الروايات منع التعديل في قسم القرعة بالعين انتهى. وجز المصنف في التوضيح بما قاله اللخمي ونصه: فرعان: الاول: اختلف في قسم العلو السفل بالقرعة. الثاني: يجوز في القرعة أن يكون بينهما الشئ اليسير كما لو كانت قيمة أحدهما مائة والاخرى تسعين إلى آخر كلام اللخمي والله أعلم. ص:

    [ 421 ]
    (ويجبر على قسم مجرى الماء) ش: قال في كتاب القسمة من المدونة: فإن ورثوا قرية على أجزاء مختلفة ولها ماء ومجرى ماء ورثوا أرضها وماءها وشربها وشجرها، قسمت الارض بينهم على قدر مواريثهم منها ولا يقسم مجرى الماء ويكون لهم من الماء على قدر مواريثهم منه انتهى. أبو الحسن: أطلق المجرى هنا على الماء الجاري ولم يرد موضعه الذي يجري فيه، ومثله في كتاب الغرر لا يجوز أن يشتري مسيل ميزاب أي الماء الذي يسيل منه انتهى. ثم قال في آخر كتاب القسمة من المدونة: ولا يقسم أصل العيون والآبار ولكن يقسم شربها بالقلد انتهى. ونقله عياض بلفظ ولم تقسم الآبار ولم أسمع واحدا يقول إن العيون والآبار تقسم، ولا أرى

    [ 422 ]
    أن يقسم إلا على الشرب انتهى. ثم قال: ظاهر المذهب أنه أراد قسم الواحد منها، فإن الواحد منها إذا اعتدل في القسم قسم وهو قول سحنون وتأويله على الكتاب، وهو قول ابن نافع وابن حبيب. وحمل ابن لبابة منع القسم فيها على العموم واستدل بمخالفته في الآبار والعيون لا أرى أن يقسم إلا على الشرب ولم يقل فيهما بل قال في المآجل: ولم يفرق بين قليلها وكثيرها. قال عياض: ولا حجة لبينته في هذا لانه إنما تكلم على ما جل واحد وهو يمكن إذا قسم وكان كثيرا أن يصير منه مآجل، ولا يمكن أن يصير العين عيونا ولا البئر آبارا فظاهر كلامه أنه إنما أراد العين الواحدة والبئر الواحدة وأنه لا يمنع قسم الكثير كما قال سحنون ومن معه انتهى.

    [ 423 ]
    ويشهد لقول سحنون ومن معه قوله في أوائل القسمة: فإن ورث قوم أراضي وعيونا كثيرة، فإن أراد أحدهم قسم كل عين وأرض وأراد غيره اجتماع حصته من ذلك، فإن استوت الارض في الكرم والعيون في الغرر قسمت كل أرض وعيونها على حدة انتهى. ص: (ومنع اشتراء الخارج) ش: قال الشارح: يعني أنه لا يجوز لاجنبي أن يشتري ما يخرج لاحدهم بالسهم وهو مراده بالخارج، وهكذا قال في المدونة وزاد: لانه لا شرك له في ذلك، وإنما جاز ما أخرج السهم في تمييز حظ الشريك خاصة لان القسمة عند مالك بالقرعة ليست من البيوع انتهى. وظاهر كلامه رحمه الله يوهم أنه يجوز للشريك اشتراء بالخارج، وكذلك لفظ المدونة وليس كذلك، وإنما أراد التفرقة بين جواز القسمة في تمييز حظ كل واحد وعدم جواز البيع. قال أبو الحسن في شرح كلام المدونة: هذا جواب سؤال مقدر كأنه قيل: لم أجزت ما أخرج السهم بالقسم لاحد الشريكين ولم تجزه لاجنبي وكلاهما مبيع، لان كل واحد من المتقاسمين باع بعض نصيبه ببعض نصيب الآخر وذلك مثل قسمة المجهول إذ لا يدري أيهما يصير له وما قدره كالاجنبي ؟ فقال: وإن كانت القسمة عند مالك بيعا فإن القسمة تفارق البيع في بعض الحالات. وقوله: إذ لا شركة له إنما ذكر هذا التفريق بين الشريك والاجنبي، وكذلك لا يجوز للشريك شراء ما يخرج بالسهم لشريكه. انتهى والله أعلم. ص: (إن تفاحش أو ثبت نقضت) ش: أي ثبت الجور والغلط. قال أبو الحسن الصغير في أول كتاب القسمة: قال الباجي في وثائقه: إنما يرجع بالغبن في القرب انتهى. وقال في معين الحكام: قال بعض الاندلسيين: وأما ما يقام بالغبن فيما قرب، وأما ما بعد أمره وطال تاريخه فلا يقام فيه بغبن انتهى. وقال ابن سهل عن أبي إبراهيم: وحد ذلك العام ويفيته أيضا البناء والغرس انتهى. وقال

    [ 424 ]
    في معين الحكام أيضا: وإذا ثبت الغبن في القسمة انتقضت ما لم تفت الاملاك ببناء أو هدم أو غير ذلك من وجوه الفوات، فإن فاتت الاملاك بما ذكرنا رجعا في ذلك إلى القيمة يقتسمونها، وإن فات بعضه وبقي سائره على حاله اقتسم ما لم يفت مع قيمة ما فات انتهى. ص: (كالمراضاة إن أدخلا مقوما) ش: نحو هذه العبارة نقلها أبو الحسن عن أبي عمران ونصها: قال ابن حبيب: وإذا ادعى أحدهما الغلط بعد القسم، فإن قسموا بالتراضي بلا سهم وهم حائز والامر فلا ينظر إلى دعوى ذلك وإن كان الغلط ببينة أو بغير ذلك من أمر ظاهر لانه كبيع التساوم يلزم فيه التغابن، وإن قسم بالسهم على تعديل القسم فلا يقبل قوله إلا ببينة أو يتفاحش الغلط فترد فيه القسمة كبيع المرابحة. قال أبوعمران: إنما يصح قول ابن حبيب على وجه وهو إذا تولوا القسمة بأنفسهم، وأما إن أدخلوا بينهم من يقوم لهم ثم ظهر فيها الغبن فسخت القسمة بينهم لانا وإن سميناه تراضيا فلم يدخلوا فيه إلا على التساوي انتهى. وظاهرها أن الشركاء إذا لم يدخلوا مقوما وإنما قوموا لانفسهم أنه لا يقام في ذلك بالغبن، والظاهر أن ذلك ليس بمراد وإنما المراد أن قسمة المراضاة إذا كانت بتعديل وتقويم فإنما يقام فيها بالغبن. قال اللخمي: دعوى الغلط بعد القسم على أربعة أوجه: أحدها: أن يعدل ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذ ذلك بغير قرعة ثم يدعي أحدهما غلطا، فهذا ينظر إليه أهل المعرفة، فإن كان سواء أو قريبا من السواء وإلا نقض القسم وكان القول قول من ادعى الوهم والغلط. والثاني: أن يقولا: هذه الدار تكافئ هذه، وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر القيمة، ثم يقترعان أو يأخذان ذلك بغير قرعة، والجواب فيه كالاول، لان مفهوم ذلك التعدي والمساواة في القيم، وكذلك إذا قالوا: هذه الدار تكافئ هذا المتاع، أو هذه العبيد ثم أخذ كل واحد منهم أحد الصنفين بالتراضي بغير قرعة ثم تبين أن القيمة غير مختلفة. والثالث: أن يقول أحدهما: خذ هذه الدار وهذا العبد من غير تقويم ولا ذكر مكافأة، فإن كانت القسمة بالتراضي مضت المغابنة على ما كانت في نصيبه إلا على قول من لم يمضها في البيع، وإن كانت القسمة بالقرعة وهما عالمان بتغابنهما كانت فاسدة تفسخ بالجبر وإن لم يدع واحد منهما إليه لان القرعة على ذلك غرر، وإن كانا يظنان إنها متساوية كانت جائزة والقيام في ذلك كالعيب. والرابع: أن يختلفا في الصفة التي وقع القسم عليها مثل أن يقتسما عشرة أثواب فكان بيد أحدهما ستة وقال: هي نصيبي على هذا اقتسمنا، وقال الآخر: الواحد منها لي وأنا سلمته غلطا، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال. وقال ابن القاسم: القول قول الحائز له مع يمينه إذا أتى بما يشبه لان الآخر أقر بالقسم وادعى ما في يد صاحبه. وقال أشهب: القول قول الحائز مع يمينه. وقال محمد بن

    [ 425 ]
    عبدوس: يتحالفان ويتفاسخان ذلك الثوب وحده، ثم ذكر كلاما لابن حبيب في هذا القسم الرابع. قال الرجراجي: إذا ادعى أحدهم الغلط في القسمة فذلك على وجهين: أحدهما: أن يلوا القسم بأنفسهم، والثاني: أن يقدموا من يقسم بينهم فإن ولوا القسم بأنفسهم ثم ادعى أحدهم الغلط فذلك على أربعة أوجه، وذكر هذه الاوجه الاربعة التي ذكرها اللخمي ثم قال: وأما إذا قدموا من يقسم بينهم فادعى أحدهم أن القاسم جار أو غلط فقال ابن القاسم في المدونة: لا يلتفت القاسم إلى قولهم وليتم قسمته، فإذا فرغ منها نظر السلطان فيها، فإن وجدها على التعديل مضى ما قسم ولا يرد، فإن رضي جميعهم برده ونقضه ليستأنفا القرعة أو التراضي بقسمته مرة أخرى لم يجز لانهم ينتقلون من معلوم إلى مجهول وهو ما يخرج لهم في المستقبل ولو تراضوا بنقضه بشرط أن يأخذ كل واحد شيئا معلوما معينا جاز. وإن وجد السلطان غبنا فاحشا نقضه قولا واحدا، وإن كان غير فاحش فقال ابن القاسم في المدونة: إنه يرد. وقال أشهب: لا يرد انتهى. وقال في التنبيهات: القسمة على أربعة أضرب: قسمة حكم وإجبار وهي قسمة القرعة، وقسمة مراضاة وتقويم، وقسمة مراضاة على تعديل، وحكم هذه حكم البيوع في كل وجه، ولا يرجع فيها بغبن على القول أنه لا يرجع في البيوع، ويرجع بالغبن في الوجهين في الاولين ويعفى عن اليسير في ذلك في قسمة المراضاة. واختلف في اليسير في قسمة القرعة كالدينار والدينارين من العد الكثير، فذهب ابن أبي زيد وبعضهم إلى أنه معفو عنه، وأبى ذلك آخرون وقالوا: تنقض القسمة لانه خطأ في الحكم يجب فسخه ولا يفرق فيه بين القليل والكثير انتهى. ونحو لابن ناجي كما نقله ابن عرفة والله أعلم. ص: (وأجبر لها كل إن انتفع كل) ش: فلا يقسم الفرن والرحى والمعصرة، فلو خربت أرضه حتى صارت براحا لابناء فيها، فهل تقسم ؟ انظر البرزلي في أوائل القسمة فإنه حكى في ذلك خلافا، وتقدم بعض كلامه في باب الشركة. وسئلت عمن له سهمان وخمسة أسهم في أرض متعددة بعضها مشتمل على نخل وهي كلها بوادي نخلة وسقيتها ثلاث وجبات وثلث، فطلب من شركائه القسمة بأن يقوموا الارض ويعطوه من ذلك قطعة بقدر ما يخصه، فإن فضل له شئ أخذه، وإن فضل عليه شئ سلمه وقال له شركاؤه: ما نعطيك إلا قدر حصتك من كل أرض ونخل. فأجبت بجمع الاراضي التي فيها النخل على حدة إذا كانت متقاربة بحيث يكون بينها كالميل ونحوه وكانت متساوية في النفاق والرغبة فيها، وكذلك تجمع الاراضي التي لا نخل فيها إذا كانت متقاربة كذلك وكانت متساوية في النفاق والرغبة،

    [ 426 ]
    ويقسم كل صنف على حدته إذا كان يحصل لاقل الشركاء حصة بشئ ينتفع به، فإن لم يحصل له شئ ينتفع به لم يجبر على القسم، فإن دعا أحد الشركاء إلى البيع جبر له بقية الشركاء إذا كانت حصته تنقص إذا بيعت مفردة، وليس لشركائه أن يقولوا له: نعطيك من كل قطعة في الارض بقدر حصتك إذا كان لا ينتفع بذلك، إما تراضوا على أن يقوموا الاراضي ويعطوه قطعة منها، إما بقدر حقه أو بأقل أو بأكثر وإلا بيع عليهم والله أعلم. ص: (وللبيع إن نقصت حصة شريكه مفردة لا كربع غلة أو اشترى بعضا) ش: يعني وأجبر الشركاء لبيع الشئ المشترك من عقار وحيوان وعروض إذا لم يمكن قسمه وكانت حصة أحدهم إذا بيعت مفردة نقص ثمنها. قال ابن عرفة: إذا دعا أحدهم لقسم ثوب بينهما لم يقسم وقيل لهما: تقاوماه بينكما أو بيعاه، فإن استقر على ثمن فلمن أبى البيع أخذه وإلا بيع. وفيها أيضا: وإن لم ينقسم ما بينهم من ربع أو حيوان أو عرض وشركتهم بميراث أو غيره فمن دعا إلى بيعه جبر عليه من أباه ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه انتهى. وانظر كلام ابن غازي فإنه جامع حسن. وقال في آخر كتاب البيوع من النوادر قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون وأصبغ في شئ لا ينقسم بين الرجلين فيريد أحدهما المقاومة فيه قال: لا يلزم صاحبه المقاومة فيه، وعليه أن يبيع معه، وإن رضيا بالمقاواة تقاوياه بينهما بالمزايدة وبما أحبا بلا قيمة، ولا يقوم بقيمته ثم يتزايدان عليها. وإذا أمر بالبيع معه فإذا بلغ فمن شاء أخذه منها بذلك، ومن شاء تركه. ولو باع أحدهما نصيبه وحده مضى ذلك ولم يكن له أخذه بالثمن ليعمل مع من دار له إن شاء كما كان يعمل مع الشريك الاول، يريد إن لم يقم بالشفعة فيما فيه شفعة ولم يكن بائعا معه انتهى. وقد تقدم في كلام ابن رشد أن أحد الشريكين أحق بالشئ المشترك بالثمن الذي يأخذه الغير بلا خلاف قبل البيع، فإن وقع البيع مضى وإن لم يكن أحق به إلا فيما فيه الشفعة وكذلك الكراء. وانظر المدونة في كتاب القسمة أيضا. فرع: قال في النوادر في الجزء الثاني من كتاب الاقضية في القضاء على الغائب: وكتب شجرة إلى سحنون في عبد بين رجلين غاب أحدهما وقام شريكه يطلب بيع نصيبه قال: إن قربت غيبته استؤني حتى يحضر فيقاويه أو يجتمعا على البيع، وإن بعدت غيبته فليبع

    [ 427 ]
    للحاضر العبد وتوقف حصة الغائب من الثمن انتهى. ونقله أيضا ابن بطال في المقنع في باب القضاء على الغائب. وذكر البرزلي في مسائل القسمة عن المازري أن القاضي يبيع ما لم ينقسم من العقار إذا كان الشريك غائبا ويوقف ثمنه له. فرع: إذا طلب أحد الشركاء إخلاء الدار قبل القسمة أو قبل البيع، وقال الآخر: تقسم وأنا فيها أو ينادى عليها وأنا فيها. انظر ذلك في مسائل القسمة من البرزلي، وانظرها في مسائل الدعوى والحيازات عن ابن سهل والتوضيح وبهرام في هذا المحل، وتقدم الكلام على ذلك في باب الشركة والله أعلم. ص: (وإن وجد عيبا بالاكثر فله ردها) ش: يريد ونصيب صاحبه السالم لم يفت يدل عليه قوله: فإن فات وقوله: بالاكثر يريد وكذلك وجه الصفقة ولو لم يكن الاكثر. قال ابن الحاجب: فلو ظهر عيب في وجه نصيبه ولم يفت الباقي فله رد الجميع انتهى. قاله ابن عبد السلام. وكماله الرد باطلاعه على العيب في وجه ما أخذ فكذلك يكون له الرد بإطلاعه على العيب في أكثره انتهى. وفي المدونة ما نصه باختصار ابن عرفة وفيها: إن وجد أحد الشريكين بعد القسم في حظه عيبا، فإن كان المعيب وجهه أو أكثر رد الجميع وابتدأ القسم، فإن فات ما بيد صاحبه رد قيمته يوم قبضه يقتسمانها مع المردود، وإن كان الاقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وإن لم يفت، فإن كان المعيب سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم يقتسمان المعيب كان قسم قرعة أو تراض انتهى. وقول المؤلف: فله ردها وابن الحاجب: فله رد الجميع الظاهر أن اللام فيه للاباحة. وانظر ما يقابل قولهما: فله رد الجميع هل وله المعيب ويرجع بنصف ما يخصه ثمنه كما في عيب الاقل أم لا، أو له التمسك بما حصل له فقط من غير رد وهو الذي يظهر من لفظ المدونة فتأمله والله أعلم. ص: (فإن فات ما بيد صاحبه بكهدم رد نصف قيمته يوم قبضه وما سلم بينهما) ش: لا يدخل في قوله: كهدم البيع وإن كان قد ذكره أبو سعيد في تهذيبه لان القاضي عياضا تعقبه. ونقله عنه في التوضيح وكذلك حوالة الاسواق. قال في المدونة: وليس حوالة الاسواق في الدور فوتا انتهى. وقال ابن عرفة: ولو اقتسما قمحا. فظهر عيب بحظ أحدهما بعد طحنه ففي رد قيمته أو مثله ثالثها يكون شريكا بقيمة الطحن في الدقيق وما بقي، وحصة الآخر بينهما، لها ولابن عبدوس عن أشهب. سحنون: ليس الطحن بفوت فكذا في الخشب. انتهى والله أعلم. وقوله: يوم قبضه قال ابن عبد السلام: إن كان معناه أن يوم القبض هو يوم البيع فصحيح وإلا فانظر هل يقال القيمة في البيع الصحيح يوم البيع وهذا بيع صحيح، أو يقال لما انتقضت القسمة انتقض البيع فلا يضمن إلا يوم القبض انتهى. قال ابن

    [ 428 ]
    عرفة: هذا هو الصحيح وعليه حمله الاشياخ، ونحوه قول الغير في النكاح الثاني: إذا وهبت المرأة صداقها ثم طلقها قبل البناء أنه يرجع عليه بقيمة ذلك يوم قبضه، ولابن القاسم يوم وهبته، لانها لا تضمن هلاكه بأمر من الله وهنا يضمنه بذلك من هو في يده انتهى. فرع: قال ابن عرفة: ابن حبيب: إن فات بعضه رد قيمة ما فات وإن فات نصف المعيب رد نصفه. فرع: فإن فات النصيبان معا فإنه يرجع على من أخذ السالم بنصف ما زادت قيمته على قيمة المعيب. قاله ابن عبد السلام وهو ظاهر. ص: (وما بيده رد نصف قيمته) ش: قال ابن عبد السلام: يوم القبض على ما تقدم انتهى. فإن فات بعضه فقد تقدم فرق هذا عن ابن عرفة والله أعلم. ص: (وما رد بينهما) ش: كذا في بعض النسخ ويعني به ما رد بسبب العيب الذي اطلع عليه. وفي بعض النسخ: وما سلم بينهما ويعني به أيضا المعيب الذي اطلع عليه وعبر عنه بقوله: وما سلم أي ما سلم من الفوات في مقابلة نصيب صاحبه الذي فات فتأمله والله أعلم. ص: (وإلا رجع بنصف المعيب مما في يده ثمنا والمعيب بينهما) ش: يشير إلى قوله في المدونة: إن كان المعيب الاقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وإن لم يفت إذا لم ينقض القسم ولكن ينظر، فإن كان المعيب قدر سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم يقتسمان هذا المعيب انتهى. فقوله: بنصف المعيب فيه حذف مضافين والتقدير بنصف قيمة مثل المعيب. وقوله: مما في يده من السالم الذي في يد شريكه كما قال في المدونة، وهذا أبين من قول المصنف: فيه حذف مضافين أي بمثل قيمة نصف المعيب من الصحيح والله أعلم. تنبيه: هذا ظاهر إذا كان المعيب متميزا عن السالم، وأما إذا كان المعيب يعم جميع

    [ 429 ]
    ما أخذه أحدهما لكنه ينقص ثمنه يسيرا فلا يتأتى شئ منه على من أخذ السالم لكن يرجع بنصف قيمة ما زاده السالم على المعيب. قاله ابن عبد السلام. ولم يتعرض المؤلف في هذا الشق لتفريق الفوات من غيره. أما فوات النصيب السالم نصيبه من المعيب فهو مساو لعدم فواته كما قاله في المدونة ونقله عنه غير واحد، وأما فوات نصيب المعيب نصيبه فالظاهر أن حكمه حكم ما إذا كان العيب يعم جميع النصيب لكنه ينقص من ثمنه يسيرا، وهو والله أعلم المشار إليه بقوله في المدونة: ولو بنى أحدهما في حصته من الد وهدم بعد القسمة ثم وجد عيبا فذلك فوت ويرجع بنصف قيمة العيب ثمنا على ما فسرنا. انتهى والله أعلم. ص: (وإن استحق نصف أو ثلث خير لا ربع وفسخت في الاكثر) ش: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون المستحق شائعا من جميع المقسوم أو من حصة أحدهم أو معينا وليس كذلك، وإنما هذا الحكم فيما إذا استحق معين أو شائع من حصة أحدهم فيفصل فيه على ما ذكر، وفيه ما نبه عليه ابن غازي وغيره. وأما إذا استحق جزء شائع من جميع المقسوم فلا كلام لاحد الشريكين على صاحبه لانه استحق من نصيب أحدهما مثل ما استحق من نصيب الآخر وهذا ظاهر، وقد أشار إلى ذلك ابن الحاجب بقوله: وإن استحق بعض معين. واعلم أن مسألة وجود العيب والاستحقاق ببعض الانصباء بعد القسمة قال عياض في التنبيهات: جاءت فيها ألفاظ مشكلة وأجوبة مختلفة ومقالات مطلقة، واضطرب بسببها تأويل الشيوخ ومذاهبهم في تحقيق مذهبه في ذلك انتهى. وقد لخص في اللباب من ذلك كلاما ونصه: وإذا وقع الاستحقاق في شائع ينقض القسم واتبع المستحق كل وارث بقدر ما صار من حقه ولا يتبع الملئ على المعدم وإن استحق نصيب أحدهم بعينه، فإن استحق جميعه رجع فيما بيد شريكه كان الميت لم يترك

    [ 430 ]
    غيره، وإن استحق بعضه فثلاثة لابن القاسم قال: مرة ينتقض القسم كله إن كان المستحق كثيرا، وإن كان يسيرا رجع بقيمته. وقال: مرة يرجع فيساوي صاحبه فيما بيده بقدر نصف ذلك كان المستحق كثيرا أو قليلا. وقال: مرة ينتقض في الكثير ويرجع في اليسير شريكا. تنبيه: مسائل العيب والاستحقاق وقعت فيها ألفاظ مختلفة في المدونة وأجوبة مختلفة اضطربت فيها مسائل الشيوخ في تحقيق مذهبه، وقد نبه عليها القاضي عياض في تنبيهاته. قال بعض الشيوخ: والذي يظهر من مذهبه المعلوم في البيع أن الثلث فأزيد كثير يرد منه البيع، وأن القسمة تستوي مع البيع في اليسير الذي لا يردان منه وهو الربع فما دونه، وفي الجل الذي يرد فيه البيع ويفسخ معه القسمة، ويفترقان في النصف والثلث ونحوهما فيرد البيع بذلك، ولا تفسخ القسمة باستحقاق النصف أو الثلث ويكون بذلك شريكا فيما بيد صاحبه وكذلك العيب. ابن يونس: وهذا تحصيل حسن وليس في مسائل الباب ما يخالفه إلا مسألة الدار يأخذ أحدهما ربعها والآخر ثلاثة أرباعها فيستحق نصف نصيب أحدهما فإنه قال: يرجع بقيمة ذلك فيما بيد صاحبه، ولو قال: يرجع فيما بيد صاحبه لاستوت المسائل وحسن التأويل ولم يكن في الكلام تناقض. انتهى كلام اللباب بلفظه. ص: (كطرو غريم أو موصى له بعدد على ورثة أو وارث وموصى له بالثلث والمقسوم كدار وإن كان عينا أو مثليا رجع على كل ومن

    [ 431 ]
    أعسر فعليه إن لم يعلموا وإن دفع جميع الورثة مضت كبيعهم بلا غبن واستوفى مما وجد ثم تراجعوا ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا) ش: ذكر رحمه الله أربع مسائل: الاولى: أن يطرأ غريم على الورثة بعد أن اقتسموا التركة. الثانية: أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة بعد القسمة أيضا. الثالث: أن يطرأ غريم على الورثة والموصى لهم بالثلث بعد القسمة. الرابعة: أن يظرأ موصى له بعدد على الورثة والموصى لهم بالثلث بعد القسمة أيضا. وذكر أن الحكم في الصورة الاربع نقض القسمة لانه شبهها بمسألة استحقاق الاكثر حيث قال: وفسخت في الاكثر كطر وغريم الخ. إلا إن شرط في نقض القسمة أن يكون المقسوم دارا أو ما يشبه الدار،

    [ 432 ]
    يريد المقومات كالعبيد والثياب ونحوها. واحترز بذلك مما لو كان المقسوم عينا أو مثليا فإن القسمة لا تنقض كما صرح به في قوله: وإن كان عينا أو مثليا رجع على كل من الورثة بحصته. ويشترط في نقض القسمة إذا كان المقسوم كدار أن لا يدفع الورثة يريد أو أحدهم جميع الدين، فإن دفعوا الدين من أموالهم أو دفع بعضهم لم تنتقض، وكذلك إذا دفعوا العدد الموصى به لم تنتقض القسمة، وهذا الشرط يفهم من قول المصنف: وإن دفع جميع الورثة مضت. وأما قول المؤلف في مسألة ما إذا كان المقسوم عينا أو مثليا إن من أعسر فعليه إن لم يعلموا فمشكل لانه يقتضي أن الورثة إذا اقتسموا التركة وكانت عينا أو مثليا ثم طرأ عليهم غريم فوجد بعضهم موسرا وبعضهم معسرا فإنه إنما يرجع على الموسر بحصته ويتبع المعسر بحصته إذا لم يكونوا عالمين بالدين وليس كذلك، وإنما يكون هذا فيما إذا طرأ غريم على غرماء أو وارث على ورثة أو موصى له على موصى لهم، وأما إذا طرأ الغريم على الورثة فإنه يرجع على الملئ منهم بجميع الدين حتى يستوفي جمع ما أخذه الوارث، ثم يتبع الوارث بقيمة الورثة، سواء علموا بالدين أو لم يعلموا، ومثله في الاشكال قوله بعد: ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا قال في كتاب القسمة من المدونة: ومن هلك وعليه دين وترك دورا ورقيقا وصاحب الدين غائب، فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة أو لم يعلموا بالدين فاقتسموا ميراثه ثم علموا بالدين، فالقسمة ترد حتى يستوفى الدين. وإن كان ما اقتسموا قائما فإن أتلف بعضهم حظه وبقي في يد بعضهم حظه فلرب الدين أخذ دينه مما بيده، فإن كان دينه أقل مما بيده أخذ قدر دينه وضم ما بقي بيد هذا الوارث بعد الدين إلى ما أتلف بقية الورثة، فإن كان هو التركة وما بقي بيد الغارم كان له ويتبع جميع الورثة بتمام موروثه من مال الميت بعد الدين إن بقي له شئ، ويضمن كل وارث ما أكل وما استهلك مما أخذ وما باع فعليه ثمنه إن لم يحاب. قال مالك: وما فات بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله من عرض وغيره فلا ضمان على من هلك ذلك بيده وضمانه من جميعهم. قال ابن القاسم: لان القسمة كانت بينهم باطلة للدين الذي على الميت ثم قال: وإن قسم القاضي بينهم ثم طرأ دين انتقضت القسمة كقسمتهم بغير أمر قاض وهم رجال. ثم قال بعد هذا: وإذا طرأ على الورثة وارث أو موصى له بالثلث بعد القسم والتركة عين أو عرض فإنما يتبع كل واحد بقدر ما صار إليه من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك، ولا يكون لهذا الوارث الذي طرأ على ورثة الميت أن يتبع الملئ بما على المعدم، وليس كغريم طرأ على وارث ولكن كغريم طرأ على غرماء. ولو قسموا مال الميت أجمع وأعدم بعضهم فلا يتبع الملئ إلا بما عنده من حصته بالحصاص، وإن كانت التركة دورا وليس فيها عين فاقتسمها الورثة ثم قدم وارث أو موصى له بثلث نقض القسم كانوا قد جمعوا الدور في القسم أو قسموا كل دار على حدة. ولو قدم موصى له بدنانير أو دراهم والثلث يحملها كان كلحوق دين أو دون أو نقض القسم، ولا يجبر الورثة على أدائه من مالهم ومال الميت

    [ 433 ]
    قائم. ثم قال: ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية والدين وأبى أحدهم وقال: انقضوا القسم وبيعوا لذلك واقتسموا ما بقي فذلك له، ثم قال: ولو دعوا إلى نقض القسم إلا واحدا قال: أنا أؤدي جميع الدين أو الوصية، عينا كانت أو طعاما، ولا أتبعكم بشئ ولا تنقضوا القسم لرغبته في حظه وقد قسموا ربعا وحيوانا فذلك له انتهى. وعلم أن التفريق بين كون المقسوم عينا أو مثليا وكونه كدار إنما ذكره ابن الحاجب فيما إذا طرأ وارث على مثله، ولكنه يفهم من كلام غيره وصرح به في اللباب قال: وإذا طرأ دين على القسمة يغترق التركة أخذ ذلك من يد الورثة وإن كان لا يغترقها وكلهم حاضر موسر غير ملد، أخذ من كل واحد ما ينوبه، وإن كان بعضهم غائبا أو معسرا أو ملدا أخذ دينه من الحاضر الموسر غير الملد ويتبع هو أصحابه. وإن كانت التركة عقارا أو رقيقا فسخت حتى يوفى الدين، علموا به أو لم يعلموا. قاله في المدونة. وقال أشهب وسحنون: لا يفسخ ويفض الدين على ما بأيديهم في الحصص. وإذا طرأ غريم آخر رجع على الغرماء ولا يرجع على الموسر بما على المعدم ولا يرجع على الورثة إذا لم يعلموا بدين الطارئ ولا كان موصوفا بالدين، ولو فضل بأيديهم شئ رجع عليهم به ويرجع بما بقي على الغرماء، وإذا طرأ وارث والتركة عين فيرجع على كل واحد بما ينوبه، فإذا كان معسرا أخذ فيها من الموسر ما نابه فقط، قاله ابن القاسم. وقيل: بل يقاسم الموسر فيما صار إليه ويتبعان المعسر معا. ولو ترك دارا فاقتسماها ثم طرأ وار ث خير في نقض القسم أو يشارك كل واحد فيما صار إليه اه‍. ومسألة بيع الورثة تقدمت في التفليس في شرح قول المصنف في باب التفليس واستؤني به إن عرف بالدين في الموت فقط وتقدم الكلام عليها. وقال هنا في كتاب القسمة من المدونة: ومن هلك وعليه دين وترك دارا بيع منها بقدر الدين ثم اقتسم الورثة باقيها إلا أن يخرج الورثة الدين من أموالهم فتبقى لهم الدار يقتسمونها. قال أبو الحسن: إذ لا حجة للطالب إلا في دينه كما لو أداه أجنبي لم يكن له مقال. وظاهره إن كانت أموال الورثة غير طيبة. الشيخ: أما إن كانت أموالهم غير طيبة فله مقال إذا كان مال الميت أطيب منها. انظر بقية كلامه. تنبيه: قال ابن غازي: اشتمل كلامه يعني المصنف على ثمانية أنواع من الاحد عشر نوعا التي في المقدمات، وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية كما أشار إليه في المقدمات انتهى. قلت: والثلاثة الباقية هي طر والغريم على الغرماء والورثة فإن كان فيما أخذه الورثة كفاف دين الغرماء رجع عليهم كما تقدم في طرو الغريم على الورثة، وإن لم يكن فيه كفاف دينه رجع على الغرماء بقيمة دينه كالعمل في رجوع الغريم على الغرماء. والثانية: طرو الموصى له بجزء على الموصي له بجزء وعلى الورثة. والحكم فيها أن كان ما أخذه الورثة زائدا على الثلث كفاف الجزء الطارئ كان كطرو الموصى له بجزء على الورثة، وإن لم يكن فيه كفاف رجع بالباقي على الموصى لهم. والثالثة: طرو الغريم على الورثة والموصى لهم بأقل من الثلث.

    [ 434 ]
    والحكم فيها أن ينظر، فإن كان ما قبضه الموصى له بجزء من الثلث بعد أداء الدين فلا رجوع للغريم عليه إلا في عدم الورثة، وإن كان لا يخرج من الثلث بعد ذلك فيرجع بالزائد على الثلث على من وجد من الموصى لهم مليئا، وأما قدر الثلث فلا يرجع به على الموصى له إلا في عدم الورثة والله أعلم. ص: (وإن طرأ غريم أو وارث أو موصى له على مثله أو موصى له بجزء على وارث اتبع كلا بحصته) ش: هذا إذا كان المقسوم عينا، وأما إن كان دارا فإن للوارث نقض القسمة. قاله في المدونة وابن الحاجب. قال ابن الحاجب: ولو طرأ وارث والمقسوم كدار فله الفسخ، وإن كان المقسوم عينا رجع عليهم، ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا به. وقال أشهب: من أعسر فعلى الجميع. قال في التوضيح: قوله: فله الفسخ أي وله أن يكون شريكا لكل واحد بما ينوبه انتهى. وقد تقدم لفظ المدونة ولفظ اللباب لابن راشد فتأمله والله أعلم. مسألة: قال البرزلي في مسائل الشهادات: سئل المازري عمن قسم موروثه من ربع أو غيره بمعاينة أو غيرها ثم أخرج ولد الميت كتابا بخط الميت أنه صار له ربع من التركة بمبايعة وطلب القيام، فهل يحلف أنه لم يرد هذا الكتاب إلا الآن وأنه لم يسقط حقه بعد عثوره ؟ فأجاب: يحلف بعد القسمة أنه لم يعلم بالكتاب إلا الآن، لان ظاهر القسمة تسليم الاملاك المقتسمة إلا أن يثبت المطالب أنه من أهل العدالة والدين بحيث لا يتهم. وأما حلفه أنه لم يسقط حقه بعد عثوره على الكتاب فيلزم إلا أن يظهر من طول زمانه بعد عثوره وقرائن الاحوال ما يستراب به حاله في إسقاط حقه فينظر في هذا انتهى. وقال في النوادر: ومن

    [ 435 ]
    كتاب ابن سحنون سئل عمن ادعى دارا بيد امرأة أبيه أنها لابيه تركها لورثته وسماهم، ثم جاء ببينة أخرى إن أباه أشهد له في صحته بنصفها صيرها إليه في حق له قبله من قبل ميراثه من أمه وذلك عند خروجه إلى الحج ثم رجع فسكنها حتى مات، فقال له الحاكم: قد ادعيتها أولا ميراثا والآن لنفسك، فقال: لم أعلم بهذه البينة الاخيرة. فقال سحنون: لا يقبل منه لانه كذب بينته بدعواه الاولى، انتهى فتأمل ذلك مع ما تقدم والله أعلم. ص: (وأخرت لحمل لا دين وفي الوصية قولان) ش: يعني أن القسمة تؤخر إذا كان في الورثة حمل، ولا تقسم التركة حتى يوضع الحمل وإن قال له الورثة: نحن نجعل الحمل ذكرا ونعزل له ميراثه، قال ابن رشد: باتفاق. وأما قضاء الدين فلا يؤخر ويؤدى باتفاق، وفي إنفاذ الوصية قولان. هكذا حصل ابن رشد في شرح المسألة الثالثة من سماع أشهب من كتاب القسمة، وذكر فيه عن ابن أيمن أن الدين يؤخر أيضا واعترضه وقال: إنه من الغلط الذي لا يعد خلافا ولا حجة له. قال ابن عرفة في تغليطه ابن أيمن: وقوله: لاحجة فيه له نظر بل هو الاظهر وبه العمل عندنا ودليله من وجهين: الاول: أن الدين لا يجوز قضاؤه إلا بحكم قاض وحكمه يتوقف على ثبوت موت المديان وعدد ورثته، ولا يتصور عدد ورثته إلا بوضع الحمل، فالحكم متوقف عليه، وقضاء الدين متوقف على الحكم، والمتوقف على متوقف على أمر متوقف على ذلك الامر. الثاني: أن حكم الحاكم متوقف على الاعذار لكل الورثة والحمل من جملتهم، ولا يتقرر الاعذار في جهته إلا بوصي ومقدم وكلاهما يستحيل قبل وضعه فتأمله. انتهى من آخر كتاب الفرائض من مختصره وذكرها هناك تبعا لابن الحاجب. قلت: ما استدل به لابن أيمن مبني على أنه لا يكفي في الحكم بالحمل ثبوت عدد الورثة الموجودين والحمل وأنه لا يكون للحمل وصي ولا ولي. وابن رشد: لا يسلم ذلك وهو الظاهر، وقد صرح في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح بأن للناظر للحمل أن يصالح الزوجة على ميراثها إذا لم يكن فيه غرر كأن يترك زوجة حاملا وبنين

    [ 436 ]
    ونصه: ولا خلاف عندي في أن للناظر للحمل أن يجيز الصلح عليه ويمضيه إذا رآه نظرا له ولم يكن فيه غرر ولا فساد لعلم الزوجة بنصيبها، ولا في أن للناظر للحمل أن يصالح الزوجة عنه قبل أن يوضع إذا كان نصيبها معلوما انتهى. وذكر في رسم العتق الثاني من سماع أشهب أن الورثة إذا عزلوا للحمل ميراثه على أنه ذكر وقسموا بقية الميراث لم يكن لهم رجوع على ما عزلوه للحمل إن نقص ما بأيديهم أو هلك، وإن تلف ما وقفوه له رجع عليهم إن وجدهم أملياء وإن أعدم بعضهم رجع على الاملياء فقاسمهم فيما بأيديهم ثم رجع هو وهم على العدماء، فإن نما ما بأيديهم كان له الرجوع في ذلك لان قسمهم لا يجوز عليه، ولو نما ما وقفوه لم يكن لهم في ذلك قول لانهم قد رضوا بما أخذوا، فالقسمة تجوز عليهم ولا تجوز عليه. ولو كان للحمل ناظر قسم عليه لجازت القسمة لهم وعليهم. وقال بعد فيمن ترك زوجة حاملا وأبوين: الواجب أن يوقف الميراث حتى تضع، فإن ترك الميت ولدا وجلعوا الحمل ذكرا وعزلوا له ميراثه واقتسموا ما بقي كانت مقاسمتهما، والحكم فيها على ما تقدم في المسألة التي قبلها. انتهى يعني ما تقدم. وقال في رسم الاقضية قبله: قال مالك‍ في المبسوط: فإن جهل الورثة فأعطوها ميراثها ثم تلف المال بعد ذلك، لم أر أن يرجعوا عليها بشئ مما أعطوها. قال ابن القاسم مفسرا لقول مالك: أما من قاسمها فلا يرجع عليها بشئ، وأما الحمل فله أن يرجع على من كان من الورثة مليا فليقاسمهم ما في أيديهم ويتبع هو وهم المعدمين لانهم فعلوا ما لا يجوز لهم، ولو أعطاها الورثة والناظر لليتيم ثمنها أو صالحوها عنه لجاز ذلك، ولم يكن للورثة وللحمل رجوع عليها بما تلف من المال أو هلك أو نقص انتهى. وقال في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا بعد أن ذكر نحو ما ذكره في سماع أشهب من كتاب القسمة ما نصه: ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها: أن من أثبت حقا على صغير قضى له به عليه ولم يجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك. فإذا قضى على الصغير بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل لتأدية دين الميت، وهذا كله بين لا ارتياب فيه انتهى. وقال فيه: ولو كانت الوصية إنما هي بعدد من دنانير أو دراهم لوجب أن يعجل تنفيذ الوصية وتؤخر قسمة بقية المال حتى يوضع الحمل قولا واحدا، إذ لا اختلاف في أن الوصية بالعدد كالدين في وجوب إخراجها من التركة قبل القسمه. انتهى. فرع: فلو خلف الميت عقارا وأراد بعض الورثة أن يبيع ما خصه القسمة. انتهى منه مما هو له على كل حال كما لو أرادت الزوجة بيع الثمن ونحو ذلك، فلم أر الآن فيه نصا صريحا، و الظاهر أنه جار على القسمة. فعلى المشهور لا يجوز وإن وقع جاز عليها وعلى من معها من الكبار، ولا يجوز على الحمل إلا أن يجيزه الناظر على الحمل والله أعلم. وتقدم كلام الشامل في بيع الورثة قبل قضاء الدين في باب التفليس وكلام المودنة وأبي الحسن، وانظر البرزلي في مسائل القسمة.

    [ 437 ]
    ص: (وقسم عن صغير أب أو وصيه) ش: اعلم أنه إذا كان الصغير متحدا وشريكه كبيرا أو أجنبيا فإنه يجوز قسم الوصي من غير مطالعة حاكم بلا خلاف، وأما إذا تعدد الصغار وكان الشريك كبيرا، فإن كان حظ الصغار مشتركا جاز القسم أيضا بلا خلاف، وإن كان حظ كل

    [ 438 ]
    واحد متميزا فاختلف فيه على قولين بالجواز والكراهة. وأما إذا كان القسم إنما هو بين الصغار فقط ففي ذلك ثلاثة أقوال: مذهب المدونة عدم الجواز، وقيل: بالكراهة، وقيل: بالجواز والله أعلم. وأما إن كان القسم بين الاب وبنيه أو بين الوصي ومحاجيره فقال ابن ناجي في شرح قول المدونة: ويقاسم عن الصغير أبوه أو وصيه. أبو إبراهيم الاعرج: أي مع الاجانب، وأما مع الاب أو الوصي فليرفع إلى القاضي انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع القرينان: قوله: لامرأة وصية على ولدها خذي ثمن المتروك واقسمي ما بقي بأمر العدول لا السلطان ابن رشد: ظاهره جواز قسمها لنفسها على أولادها بأمر العدول دون السلطان، والمشهور المعلوم أنه لا يجوز إلا بأمر السلطان، فإذا فعلت نقض قسمها إلا أن يجيزه السلطان. وقيل: يجوز إن علم السداد والنظر فيه لهم وهو قوله في هذا السماع، لانه إنما شرط العدول ليشهدوا بالسداد انتهى. والمسألة في سماع أشهب وابن نافع في رسم الوصايا من كتاب الوصايا الثاني والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة: المتيطي: قسم الوصي على يتيمه بالسهم جائز، وفي جواز قسمه عليه مراضاة بالتعديل قولا ابن أبي زمنين مع ابن القطان والباجي محتجا بمسألة الرهون وابن الهندي انتهى. ومقتضى كلامه أن القول بعدم الجواز لابن الهندي فقط، وقال قبله المتيطي: إن شركهم الوصي مع غيرهم ففي جواز مقاسمتهم له ومعهم الاجنبي مراضاة قول ابن أبي زمنين وغيره والله تعالى أعلم. باب القراض قال في المقدمات: القراض مأخوذ من القرض وهو ما يفعله الرجل ليحازى عليه من خير أو شر، فلما كان صاحب المال والعامل فيه متفقين جميعا يقصد كل واحد منهما إلى منفعة صاحبه لينفعه هو، اشتق له من معناه اسما وهو القراض، والمقارضة لانه مفاعلة من اثنين، هذا اسمه عند أهل الحجاز، وأهل العراق لا يقولون قراضا البتولا عندهم كتاب القراض، وإنما

    [ 439 ]
    يقولون مضاربة وكتاب المضاربة أخذوا ذلك من قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الارض) * (وآخرون يضربون في الارض) * وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يدفع إلى الرجل ماله على الخروج به إلى الشام غيرها فيبتاع المتاع على هذا الشرط. وفي قول الصحابة لعمر رضي الله عنه في قصة عبد الله وعبيد الله: لو جعلته قراضا دليل على صحة هذه التسمية في اللغة لانهم هم أهل اللسان وأرباب البيان، وإذا كان يحتج في اللغة بقول امرئ القيس والنابغة فالحجة بقول هؤلاء أقوى وأولى اه‍. وفي الذخيرة: له اسمان: القراض والمضاربة، أما لفظ القراض فقال صاحب العين: أقرضت الرجل إذا أعطيته ليعطيك، فالمقارض يعطي الربح كما يعطي المقترض مثل المأخوذ. قال غيره: هو من المقارضة وهي المساواة ومنه تقارض الشاعران إذا تساويا في الانشاد لانهم ايستويان في الانتفاع بالربح، وقيل: من القرض الذي هو القطع لانك قطعت له من مالك قطعة وهو قطع له مما تحت يده أو لاشتراكهما في العقد على سبيل المجاز من باب لك جزء من الربح الحاصل بسعيه. " وسمي مقارضا مع أن المفاعل لا يكون إلا من المفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين، إما لان كلا منهما يساوي صاحبه في الربح أو يقطع له مما تحت يده، أو لاشتراكهما في العقد على سبيل المجاز من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق، أو هو من الصيغ التي لا تقتضي المشاركة نحو سافر وعافاه الله وطارقت النعل إذا حعلته طاقا على طاق وأما المضاربة فهو إما أن كليهما يضرب في الربح بنصيب، وإما من الضرب في الارض الذي هو السفر. قال ابن عطية في تفسيره: فرق بين ضرب في الارض وضرب الارض أن الاول للتجارة، والثاني للحج والغزو والقربات، كأنه للتجارة منغمس في الارض ومتاعها فقيل: ضرب فيها، والمتقرب إلى الله تعالى برئ من الدنيا فلم يجعل فيها. وسمي مفاعلة على أحد التأويلات المتقدمة في المقارض، والمقارض بالكسر رب المال، وبالفتح العامل. والمضارب بالكسر العامل عكس الاول لانه هو الذي يضرب بالمال. قال بعض اللغويين: ليس لرب المال اسم من المضاربة بخلاف القراض اه‍. وفي اصطلاح الفقهاء ما قال المؤلف: توكيل الخ وعدل عن أن تكون إجارة كما قال ابن الحاجب لسلامة ما قال المؤلف من بعض ما ورد عليه. قال في التوضيح: أورد على حده أنه غير مانع وغير جامع. أما عدم منعة فلانه لا ينعقد بلفظ الاجارة، فلو قال: أجرتك على هذا التجر في هذا المال بجزء من ربحه صدق عليه الحد وليس بقراض. وأيضا فلو أجره على التجر إلى أجل أو قارضه بعروض لم يكن قراضا صحيحا. وأما عدم جمعه فلانه يجوز القراض على أن يكون الربح لغيرهما أو لاحدهما. وأجيب عن عدم منعه بأن حقيقة القراض ما ذكره وكونه

    [ 440 ]
    لا ينعقد بلفظ الاجارة شرط في الصيغة، وكذا كونه لا يكون إلى أجل شرط في العمل، وكذا كونه لا يكون بعرض شرط في المال والشرط لا يتوقف تصور الماهية عليه. وأجيب عن عدم جمعه بأن الصورة المقترض بها إنما هي من باب التبرعات وإطلاق القراض عليها مجاز انتهى. وقال ابن عرفة: القراض تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة، فيدخل بعض الفاسد كالقراض بالدين والوديعة، ويخرج عنه قولها قال مالك: من أعطى رجلا ما لا يعمل به على أن الربح للعامل ولا ضمان على العامل لا بأس به. عياض: قال سحنون: هو ضامن كالسلف. فضل هذا إن لم يشترط أن لا ضمان عليه. محمد: إن قال خذه قراضا فهو ضامن. الباجي: يجوز شرط كل الربح لاحدهما في مشهور مذهب مالك، وإن أريد إدخاله على أنه قراض قيل عقد على التجر بمال العوض ليس من غير ربحه انتهى. ويخرج من الاخير ما إذا شرط الربح لرب المال فتأمله والله أعلم. وحكمه قال في التوضيح: لا خلاف بين المسلمين في جوازه وهو مستثنى من الاجارة المجهولة ومن السلف بمنفعة، وهو معنى قول بعض شيوخنا إنه سنة أي أباحته السنة، والرخصة فيه جائزة بالسنة لا بمعنى السنة التي يحض على أمثالها، ولهذا قال ابن عبد الحكم: لا أقول هي سنة انتهى. قال ابن عرفة: وقول عياض: هي مستثناة من السلف بمنفعة يرد بأنه ليس بمضمون وكل سلف مضمون انتهى. وحكمة مشروعيته قال في المقدمات: والقراض مما كان في الجاهلية فأقر في الاسلام لان الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم وتنميتها بالتجارة فيها، وليس كل أحد يقدر على ذلك بنفسه فاضطر فيه إلى استنابة غيره، ولعله لا يجد من يعمل له فيه بإجارة لما جرت عادة الناس فيه في ذلك على القراض فرخص فيه لهذه الضرورة، واستخرج بسبب هذه العلة من الاجارة المجهولة على نحو ما رخص فيه في المساقاة وبيع العرية والشركة في الطعام والتولية فيه انتهى. فائدة: قال في المقدمات: أول قراض كان في الاسلام قراض يعقوب مولى الحرقة مع عثمان رضي الله عنه، وذلك أن عمر رضي الله عنه بعث من يقيم من السوق من ليس بفقيه فأقيم يعقوب فيمن أقيم فجاء إلى عثمان فأخبره فأعطاه مزودتين قراضا على النصف وقال: إن جاءك من يعرض لك فقل: له المال لعثمان، فقال ذلك فلم يقم فجاء بمزودين، مزود رأس المال ومزود ربح. ويقال: إن أول قراض كان في الاسلام قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الاشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت ثم قال: بل ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح فقالا: وددنا ففعل وكتب إلى عمر رضي الله عنه أن يأخذ منهما المال. فلما قدما باعا فربحا، فلما دفعا ذلك إلى أمير المؤمنين قال: أكل الجيش أسلفه مثل الذي أسلفكما ؟ قالا: لا، فقال عمر:

    [ 441 ]
    ابنا عمر أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو هلك المال أو نقص لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا ؟ فقال عمر: قد جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف الربح انتهى. قال في الذخيرة: ويقال: إن الرجل عبد الرحمن بن عوف ثم قال: سؤال أبو موسى حاكم عدل وقد تصرف بوجه المصلحة لان المال يصير مضمونا في الذمة فهو أولى من بعثه على وجه الامانة مضافا إلى الحرام من ينبغي إكرامه، فهو تصرف جامع للمصالح فيتعين تنفيذه وعدم الاعتراض عليه. جوابه: أن عدم التعرض إنما هو بين النظراء من الامراء، أما الخليفة فله النظر في أمر نوابه وإن كان سدادا أو نقول: كان في هذا التصرف تهمة تتعلق بعمر بسبب أنه إكرام لبنيه فأراد إبطالها والذب عن عرض الامامة بحسب الامكان انتهى. وقوله: قد تصرف فيه بوجه المصلحة لان المال يصير مضمونا في الذمة فيه نظر، لدنه لو كان الدفع لهذا القصد أو له ولغيره كان هذا هو السفاتج والمشهور من مذهب مالك أنه غير جائز، ولهذا قال الباجي في شرح هذا الاثر من الموطأ: لم يرد رضي الله إحراز المال في ذمتهما وإنما أراد منفعتهما بالسلف ومن مقتضاه ضمانهما المال، وإنما يجوز السلف لمجرد منفعة التسلف. ثم قال: وسواء كان السملف صاحب المال أو غيره ضمن له النظر عليه من إمام أو قاض أو وصي أو أب، فلا يجوز للامام أن يسلف شيئا من مال المسلمين ليحرزه في ذمة المتسلف، وكذلك القاضي والوصي ثم قال: وفل أبي موسى هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون فعل هذا المجرد منفعة عبد الله وعبيد الله وجاز له ذلك وإن لم يكن الامام فوض له لان المال كان بيده بمنزلة الوديعة لجماعة المسلمين فاستسلفه بإسلافهما إياه، فلو تلف المال ولم يكن عند عبد الله وعبيد الله وفاء لضمنه أبو موسى. والوجه الثاني: أن يكون لابي موسى النظر في المال بالتثمير والاصلاح، وإذا أسلفه كان لعمر الذي هو الامام تعقب فعله فتعقبه ورده إلى القراض انتهى. نكتة: قال في المنتقى أيضا: وقول عمر: أكل الجيش أسلفه الخ تعقب منه لفعل أبي موسى ونظر في تصحيح أفعاله وتبيين لموضع المحظور منه لانه لا يخفى على عمر أنه لم يسلف كل أحد من الجيش وإنما أراد أن يبين لابنيه موضع المحاباة لموضعهما من أمير المؤمنين، وهذا مما كان يتورع عنه أن يخص أحد من أهل بيته أو ممن ينتمي إليه بمنفعة من مال المسلمين لمكانه منه. وقوله: أديا المال وربحه نقض منه لفعل أبي موسى وتغيير لسلفه. قال ابن دينار: وإنما كره تفضيل أبي موسى لولديه ولو لم يكن يلزمهما وهذا على قولنا: إن أبا موسى استسلف المال وأسلفهما إياه لمجرد منفعتهما وأن المال كان بيده على وجه الوديعة، وأما إذا قلنا: إنه بيده على وجه التثمير والاصلاح فإن لعمر تعقبه والتكلم فيه والنظر في ذلك لهما وللمسلمين بوجه الصواب. وقوله لولديه بعد اجتماع عبيد الله وعبد الله: أديا المال وربحه إعراض عن حجة

    [ 442 ]
    عبيد الله لان المبضع معه يضمن البضاعة إذا اشترى بها لنفسه، وإن دخلها نقص جبره ومع ذلك فإن ربحها لرب المال. انتهى باختصار. تنبيه: قال في الذخيرة: سؤال: كيف يمكن جعله قراضا بعد ما كان قرضا وإلزام ذلك في القرض خلاف الاجماع وأكل المال بالباطل لان الربح ملك للمقترض إجماعا فأخذه غصب ؟ جوابه: قال الطرطوشي في سراج الملوك: جعل عمر رضي الله عنه انتفاعهم بجاه العمل للمسلمين له نصف الربح كأن المسلمين ساعدوهما في ذلك وهو مستنده في تشطير عماله في أموالهم فهو كالقراض انتهى. وإيراد السؤال على هذا الوجه إذا تؤمل لا يخلو من نظر، لانه قد قرر أن لعمر رضي الله عنه نقض فعل أبي موسى فله أخذه جميع الربح، وينبغي أن يقال: كيف يمكن أن يكون قراضا وهما إنما دخلا على أنه قرض، وغاية ما هناك أنه كان لعمر رد فعل أبي موسى وإمضاؤه فإما أن يرد الجميع أو يمضي الامر على ما هو عليه ؟ فالجواب عنه ما قال الباجي ونصه: والقراض الذي أشار إليه الرجل من جلساء عمر أحد نوعي الشركة يكون فيها المال من أحد الشريكين والعمل من الثاني، والنوع الثاني من الشركة أن يتساويا في المال والعمل. انتهى والله الموفق. ص: (مضروب) ش: ظاهره أن المضروب يجوز القراض به كان التعامل به أو في التبر، كما لو فرض أن السكة المضروبة لا يتعامل بها في بلد أصلا كما في غالب بلاد السودان على ما قيل. وقد نقل الشيخ زروق في شرح الرسالة عن التنبيهات أنه لا يجوز القراض به حينئذ ولعله فهمه من كلامه فإني لم أر من صرح به، لا في التنبيهات ولا في غيرها، لان القاضي قال: ولا خلاف أنه جائز بالدنانير والدراهم غير جائز بالعروض ما كانت. واختلفوا في الشروط التي بها يصح فعندنا أن شروطه عشرة: نقد رأس المال للعامل، وكونه معلوما وكونه غير مضمون على العامل، وكونه مما يتابع به أهل بلد من العين مسكوكا كان أو غير مسكوك، ومعرفة الجزء الذي تقارضا عليه من ربحه، وكونه مشاعا لا مقدرا بعدد ولا تقدير، وأن لا يختص أحدهما بشئ معين سواء إلا ما يضطر إليه العامل من نفقة ومؤنة في السفر، واختصاص العامل بالعمل، وأن لا يضيق عليه بتحجير أو بتخصيص يضر بالعامل، وأن لا يضر ب له أجل انتهى. فقوله: وكونه مما يتباع به الخ ربما يفهم منه ما قاله الشيخ زروق. تنبيه: قال أبو الحسن الصغير في قوله: ولا تقدير ذكر بعضهم أن ابن شاس فسره بأنه مثل ما قارض به فلان انتهى فتأمله. ثم قال بعد أن ذكر هذه الشروط: فإذا توفرت هذه الشروط جاز القراض، وإن اختل منها شرط فسد القراض انتهى. ص: (مسلم) ش: أي للعامل

    [ 443 ]
    واحترز بما مما إذا شرط بقاء يده معه أو أمينا عليه ومما لو قارضه بدين في ذمته. وقد زاد ابن الحاجب لاخراج ذلك قيدا آخر فقال المال شرطه نقد معين معلوم مسلم ثم قال: ولا يجوز بدين ولو أحضره. قال في التوضيح: هذا يتعلق بقوله: معين لان الدين ليس بمعين فلا يجوز لرب الدين أن يقول لمدينه: اعمل بالدين الذي في ذمتك قراضا. مالك في المدونة: ولو أحضره إلا أن يقبضه منه ويعيده عليه. ابن القاسم: مخافة أن يكون أخره به ليزيده فيه. اللخمي: ولانهما قد يظهران القراض ويبطنان أن يأيته ربح من دينه فيكون فسخ دين في دين. اللخمي والمازري: وينزل منزلة القبض إحضاره مع الاشهاد. انتهى وسيذكر ذلك المصنف. ص: (إن علم قدرهما) ش: تصوره واضح وسيصرح المؤلف ببعض مفهومه ومنه ما قال ابن عرفة: وشرط ابن شاس كون المال معلوما قال: احترازا من دفع صرة عينا قراضا لان جهل المال يؤدي إلى جهل الربح واضح من مقتضى الروايات انتهى. وفي الشامل: ولا يجوز بمجهول وزن. انتهى. ص: (ولو مغشوشا) ش: أشار بهذا لقول ابن الحاجب: ويجوز بالمغشوش على الاصح انتهى. وظاهر كلام المؤلف وابن الحاجب أن الاصح يجوز به مطلقا، ومقابله لا يجوز مطلقا، وكذا فهمه في التوضيح وقبله وعزا مقابل الاصح لعبد الوهاب وأن الباجي قيده ببلد لا يتعامل بالمغشوش مطلقا. قال الباجي في المنتقى مسألة: وأما المغشوش من الذهب والفضة فحكى القاضي أبو محمد أنه لا يجوز القراض به مضروبا كان أو غير مضروب وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن كان الغش النصف فأقل جاز، وإن كان أكثر من النصف لم يجز، واستدل القاضي بأن هذه دراهم مغشوشة فلم يجز القراض بها، أصل ذلك إذا زاد الغش على النصف. والذي عندي أنه إنما يكون ذلك إذا كانت الدراهم ليست بالسكة التي يتعامل الناس بها، فإذا كانت سكة التعامل فإنه يجوز القراض بها لانها قد صارت عينا وصارت أصول الاثمان وقيم المتلفات، وقد جوز أصحابنا القراض بالفلوس فكيف بالدراهم المغشوشة. ولا خلاف بين

    [ 444 ]
    أصحابنا في تعلق الزكاة بأعيانها، ولو كانت عروضا لم تتعلق الزكاة بأعيانها وإن اعترض في ذلك أنه يجوز أن تقطع فتستحيل أسواقها فمثل ذلك يعترض في الدراهم الخالصة إذا قطع التعامل بها انتهى. ولم ينقل ابن عرفة غيره ونصه: ومنعه القاضي بالعين مغشوشة، الباجي: إلا حيث يتعامل بها لتقويم المتلف بها كالطيبة والاتفاق على تعلق الزكاة بها. ومقابل ابن الحاجب تجوز بالمغشوش على الاصح، فقول ابن عبد السلام: بإطلاق يرد باتفاق القاضي والباجي على منعه حيث لا يتعامل به انتهى. وقوله: مقابل لعله، وقول ابن الحاجب وهو الذي يظهر من معنى الكلام ويدل عليه نقل الباجي كلام ابن عرفة في شرح الرسالة، ولم يذكر في الجواهر ولا في الذخيرة غير كلام القاضي والباجي. فتأمله. وقال في الجواهر إثر كلام الباجي: والضابط لهذا الحكم أن كل ما تختلف قيمته بالارتفاع والانخفاض لا يجوز أن يجعل رأس المال لانه إذا رد بالاجرة إليه لم يتميز الربح إذ ربما ارتفعت قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح أو بعضه، أو تنقص قيمته فيصير بعض رأس المال ربحا. انتهى والله أعلم. ص: (ما لم يقبض أو يحضره ويشهد) ش: يحتمل أن يكون راجعا لقوله: لا بدين ويحتمل أن يرجع إلى قوله واستمر وهو الظاهر من كلام ابن عبد السلام. قال في شرحه: لا يجوز أن يكون رأس المال دينا على العامل ثم قال: فإن وقع ذلك وأحضر الدين قبل التجربة وأشهد على وزنه وزال عنه ضمانه وقبضه منه كان الربح بينهما والخسارة على رب المال انتهى. وقوله: ما لم يقبض نحوه في المدونة. ومقتضاه أنه بمجرد القبض ويصح القراض وإن أعاده بالقرب وهو كذلك. وانظر التوضيح وأبا الحسن والله أعلم. فرع: فإن عمل به قبل الاشهاد عليه قال في التوضيح: ففي الموازية: الربح للعامل والخسارة عليه. وقال أشهب: الربح بينهما واختلف في التأويل عليه. فقال اللخمي: وعلى قوله تكون الخسارة من صاحب المال. وقال التونسي: لا يصدق وإن ادعى الخسران إلا ببينة. وحكى ابن يونس وابن رشد وغيرهما عن أشهب أنه قال: هو مكروه، فإن نزل مضى وهو ظاهر ما نقله المصنف عنه لان قوله: يستمر دينا خلافا الاشهب يقتضي أنه عنده لا يستمر

    [ 445 ]
    دينا بل يبقى قراضا. وحكى ابن عبد البر عن أشهب أن ما اشترى وباع فلرب المال وللعامل أجر مثله. وحكى ابن حارث عن محمد بن عبد الحكم أن الربح بينهما والخسارة على رب المال على أصل القراض. وهذا مثل قول أشهب بالكراهة انتهى. ص: (ولا برهن أو وديعة) ش: ظاهر كلام ابن رشد في سماع سحنون أن حكم القراض بالوديعة إذا وقع قبل قبضها حكم القراض بالدين على مذهب المدونة. ص: (ولا تبر لم يتعامل به ببلده) ش: أما إذا كان يتعامل به فالاتفاق على جواز القراض به، وإن لم يتعامل به فالذي رجع إليه مالك منع القراض به وهو المشهور. قال في التوضيح. فرع: فإن وقع على المشهور ففي الموازية عن ابن القاسم يمضي بالعمل. وقال أصبغ: لا يفسخ عمل به أم لا لقوة الخلاف فيه. ابن حبيب: وإذا عمل بالنقار رد مثلها عند المفاصلة إن عرف وزنها، وإن لم يعرف فرأس المال ما باعه به أو ما خرج في الضرب انتهى. وقال في الشامل: فإن نزل مضى بالعمل، وقيل: وقبله ورد مثله عند المفاصلة إن عرف وزنه وإلا فما بيع به أو خرج في الضرب إلا أن يقول: بعها واشترها فليرد ثمنها أو ما صرفها به فإن شرط صرفها أو ضربها على العامل فله أجره في ذلك إن كان له مؤنة وقراض مثله انتهى. والفرق بين اشتراط ربها صرفها أو بيعها وعدم اشتراطه ذلك مع علمه أن مآل أمرها لذلك أنه مع الاشتراط إنما أراد أن يكون القراض بعد نضوض المال، ومن لم يشترط جعلها قراضا من يوم دفعت أشار إلى هذا الفرق في التوضيح عن بعض القرويين. ص: (كفلوس) ش: يريد ولو كان التعامل بها كما يفهم من أول كتاب القراض من المدونة. وقال في الشامل: ولا تجوز بالفلوس على الاصح، وثالثها إن كثرت ورابعها الكراهة، وعلى المنع فله أجره في بيعه وقراض مثله فيما نض ويرد فلوسا انتهى. وفي هذا الكلام سقوط وصوابه، وقيل: يمضي ويرد فلوسا. قال في التوضيح: الباجي: وإذا قلنا بالمنع فقال محمد: القراض بالنقار أخف والفلوس

    [ 446 ]
    كالعروض، وهذا يقتضي الفساد ويكون له في بيع الفلوس أجرة مثله وفيما نض من ثمنها قراض مثله، وقال أصبغ: هي كالنقار، وقال ابن حبيب مثله ويرد فلوسا زاد غيره في قول ابن حبيب: إلا أن يشترط عليه أن يصرفها ثم يعمل بها فيكون الحكم كما فهمه الباجي من قول محمد والله أعلم. ص: (وعرض إن تولى بيعه) ش: يعني أنه لا يجوز أن يكون رأس المال القراض عرضا على أنه رأس المال، ويرد مثله عند المفاصلة لاحتمال أن يغلي غلوا يستغرق رأس المال والربح فيؤدي إلى بطلان عمل العامل ويرخص فيأخذ العامل بعض رأس المال، ولا على أن رأس المال قيمته الآن أو عند المفاصلة وكأنه والله أعلم للغرر، ولا على أن يبيعه ويكون ثمنه رأس المال. قال في المدونة: ويفسخ ذلك وإن بيع ما لم يلعم بالثمن. وقيد اللخمي المنع بما إذا كان في بيعه كلفة ولذلك أجرة لها خطب قال: وإن كانت الاجرة لا خطب لها أو كان يعلم أنه يتكلف ذلك ولو لم يعطه إياه قراضا أو يقول: كلف من يبيع ويأتيك بالثمن ولم يلتفت المصنف لتقييد اللخمي وجعله خلافا. وقال المازري: لو قال: آخذ هذا العرض وأمضي به إلى البلد الفلاني وأدفعه إلى فلان يبيعه ويقبض ثمنه فخذه منه واعمل به قراضا بيني وبينك، فإن ذلك جائز بلا خلاف ولا يدخله القراض بالعروض لان المدفوع إليه العروض ولا يتولى البيع بنفسه، انتهى من التوضيح. واعتمده المصنف لقول المازري بلا خلاف فقال: إن تولى بيعه والله أعلم. ص: (أو أجل أو ضمن) ش: قال في المدونة: وما لم يشترط زيادة لاحدهما من

    [ 447 ]
    القراض الفاسد ففيه إن نزل قراض مثله كالقراض على ضمان أو إلى أجل فإنه فيه يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه انتهى. وفي أول كتاب القراض من حاشية المشذ الي: المتيطي: لو تطوع العامل بضمان المال ففي صحة القراض خلاف بين الشيوخ، فذهب ابن عتاب إلى أنه صحيح، وحكى إجازته عن شيخه مطرف. ابن بشير: وقال غيرهما لا يجوز ومال إليه ابن سهل وفي العتبية ما يدل على القولين، انظر الوصايا من ابن سهل، انتهى كلام المشذالي. ص: (أو ما يقل) ش: قال في المدونة ثم قال: فإن اشترى غير ما أمر به فقد تعدى، فإن ربح فله

    [ 448 ]
    فيما ربح قراض مثله، وإن خسر ضمن ولا أجر له في الوضيعة ولا أعطيه إن ربح إجارته إذ لعلها تغترق الربح وتزيد فيصل بتعديه إلى ما يريد انتهى. ص: (كاشتراط يده) ش: تصوره واضح. مسألة: قال في رسم حلف أن لا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب القراض عن الرجل يدفع إلى الرجل المال فيقيم في يديه أيماما ويتجهز بذلك يريد سفرا، فيلقى صاحب المال فيقول له: هل لك أن أخرج معك فأخرج ذهبا آخر مثل الذي أعطيتك ونشترك جميعا. قال مالك: ما أرى أمرا بينا وما يحضرني فيه مكروه وكأنه خففه من غير تحقيق. قال ابن القاسم: ولا أرى بذلك بأسا إذا صح ذلك على غير موعد، ولا رأي ولا عادة. قال أصبغ: لا خير فيه. قال سحنون: هو الربا بعينه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم

    [ 449 ]
    مفسرا لقول مالك لان مالكا إنما خفف ذلك على السلامة من التواطؤ على ذلك من قبل أن يتجهز بالمال إذ لو أتاه قبل أن يتجهز بالمال فقال ذلك له وفعله معه لما جاز لانه يصير كأنه قد استأجره ليعمل معه في ماله على أن له نصيبا من ربحه. وكرهه أصبغ فقال: لا خير فيه مخافة أن يكون تواطأ معه على ذلك قبل أن يتجهز بالمال، فإن وقع ذلك مضى، ولم يفسخ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وفسخ على مذهب أصبغ ما لم يفت بالعمل، فلو فات مضى وكان العامل على شرطه من الربح. وأما على مذهب سحنون الذي قال فيه: إنه الربا

    [ 450 ]
    بعينه فيفسخ متى ما عثر عليه ويكون الربح كله لرب المال ويكون للعامل أجرة مثله. وإنما قال: إنه هو الربا على سبيل التجوز في اللفظ في المنع منه إذ ليس ربا بعينه كما قال الله، وإنما هو على مذهبه استئجار للعامل على عمله معه بجزء من ربح المال، وذلك ما لا يحمل ولا يجوز على قول النبي (ص): من استأجر أجيرا فليعطه أجره ولقوله: من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل وليقه عن بيع الغرر والاجارة بيع من البيوع لا يجوز فيها الغرر والجهل، فلما كان ذلك لا يحل كما لا يحل الربا قال فيه: إنه ربا انتهى. ص: (أو بعد اشترائه إن أخبره بقرض) ش: كذا في كثير من النسخ، وفي بعض النسخ: وبعد اشترائه بالواو وهو أحسن والله أعلم. ص: (أو عين شخصا أو زمنا دو محلا) ش: يعني ففيه أجرة المثل وقد صرح بذلك في المنتقى. وقال ابن غازي: تحرير عجيب في أن تعيين الزمان من قبيل ما يترجح فيه أجرة المثل كما أن القراض إلى أجل من قبيل ما يترجح فيه قراض المثل وتصور الفرق بينهما جلي انتهى. كأنه يشير إلى أن تعيين الزمان هو أن يشترط عليه أن يشغل جميع المدة بالبيع والشراء مثل أن يدفع له مال القراض ويبيع ويشتري فيه شهرا أو شهرين ونحو ذلك على أن يبيع ويشتري جميع الزمان، وأن القراض إلى أجل مثل أن يدفع له مال القراض إلى شهر

    [ 451 ]
    ونحوه ولا يشترط عليه أن يبيع في جميع الزمان والله أعلم. ص: (ورضاهما بعد على ذلك) ش: هذا هو المشهور وإن كانت الزيادة للعامل فهو أحق بها في الموت والفلس لقبضه لها، وإن كانت لرب المال فقيل: تبطل لعدم الحوز. وخرج اللخمي قولا بالصحة، قال في التلقين: ومال المتأخرون إلى النفوذ. انتهى من التوضيح. تنبيه: أجاز في المدونة هنا التراضي على جزء قل أو كثر. وقال في باب الآجال: وإن قارضت رجلا مالا أو أسلفته إياه فلا تقبل منه هدية. قال أبو الحسن: والفرق بينهما أن الهدية محققة وهذه متوهمة أو أنه في كتاب الآجال لم يعمل وهنا عمل انتهى بالمعنى ص: (وهي للمشترط وإن لم تجب) ش: قال في التوضيح: كما لو شرط أحدهما ثلث الربح مثلا

    [ 453 ]
    لاجنبي وأبى من أخذه فإنه لمشترطه انتهى. ص: (والثمن عينا) ش: كذا في بعض النسخ عينا بالنصب على أنه خبر لكان المحذوفة، وفي بعض النسخ: والثمن عين على أنه مبتدأ

    [ 454 ]
    وخبر. ص: (وضمن إن خالف) ش: انظر إذا شرط عليه أن لا ينزل واديا ولا يركب بحرا أو لا يمشي بليل ففعل ذلك وسلم، ثم إنه اشترى وخسر هل يضمن أم لا ؟ وظاهر كلامه في المدونة أنه لا يضمن فإنه قال: وإن نهيته عن الخروج بالمال من مصر فخرج به إلى إفريقية عينا قبل أن يتجر به ثم تجر به بمصر فخسر أو ضاع منه بمصر لم يضمن لانه رده قبل أن يحركه. قال أبو الحسن: ليس التحريك بشرط فمتى رده إلى موضعه لم يضمن وإن حركه. الشيخ: وهو مصدق في الرد. وانظر هذا مع ما حكاه اللخمي في مسألة ما إذا زرع أو ساقى جورا وظلم له أي للعامل يعني في الآتية في كلام التوضيح في القولة التي بعد هذه والله أعلم. ص: (كأن زرع أو ساقى في موضع جور له) ش: يعني أنه إذا زرع أو ساقى بموضع جور وظلم له أي للعامل يعني في موضع يرى أنه يظلم فيه فإنه يضمن. واحترز بقوله: له مما إذا كان الموضع فيه ظلم أو جور ولكنه كان يرى أنه هو لا يظلم لوجاهة ونحو ذلك، وأشار

    [ 455 ]
    بذلك لما قاله في توضيحه في شرح قول ابن الحاجب: وله أن يزرع ويساقي ما لم يكن موضع ظلم فيضمن. ظاهر كلام المصنف أنه بمجرد كون الموضع موضع ظلم يضمن. وفي المدونة: وإن خاطر به في موضع ظلم أو غرر يرى أنه خطر فهو ضامن، فزاد المخاطرة وقد يكون الموضع موضع ظلم ولا يعد الزارع مخاطرا لوجاهته أو نحو ذلك، وكان ابن غازي لم يقف على هذا الكلام فتحير في معناه فانظره والله أعلم. فرع: قال في التوضيح: وإذا ضمناه بالتعدي لمخاطرته في موضع الظلم فلا فرق بين أن تكون الخسارة من سبب الزرع أو من سبب الظلم. قاله اللخمي للتعدي في أصل فعله والله أعلم. ص: (والربح لهما ككل آخذ مال للتنمية فتعدى) ش: يعني أن العامل إذا تعدى في الصور المتقدمة وقلنا: إنه ضامن للمال إن تلف أو خسر فلا يختص بالربح، ويقال كما أنه يضمن الخسارة فليستبد بالربح بل الربح لهما على ما شرطا. قال في التوضيح: لانه يتهم أن

    [ 456 ]
    يكون قصد الاستبداد بالربح فعوقب بنقيض قصده، ولانا لو قلنا: الربح للعامل بتعديه لكان ذلك حاملا له على التعدي ليستقل بالربح، ولهذا لو قلنا: إن كل من أخذ مالا لينميه فيتعدى فيه كالوكيل والمبضع معه فالغرم عليه والربح لرب المال، وأما المقارض فالربح لهما على شرطهما وقد صرح المصنف يعني ابن الحاجب بإطراد هذا بقوله: وكذلك كل تعد فيه وكل من أخذ مالا على الامانة وتعدى فيه فالربح له فقط كالمودع. ابن عبد السلام: وذهب بعضهم إلى أن العامل يجب له الربح كله في مسائل الضمان بسبب المخالفة لانها توجب انتقال مال القراض إلى ذمته، وذلك موجب لكونه مالكا للربح. انتهى. ص: (ولا أخذه من غيره إن

    [ 457 ]
    كان الثاني يشغله عن الاول) ش: قال في المدونة في كتاب القراض: وللعامل أن يأخذ مالا قراضا من رجل آخر، إن لم يكن الاول كثيرا يشغله الثاني عنه فلا يأخذ حينئذ من غيره شيئا، فإن أخذهما وهو يحتمل العمل بهما فله أن يخلطهما ولا يضمن، ولا يجوز أن يكون ذلك بشرط من الاول أو الثاني، انتهى. فإن كان الثاني يشغله عن الاول وأخذه فقال اللخمي في تبصرته في باب القراض: وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان قادرا على التجر بهما، وإن كان لا يقدر على التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له، فإن فعل وتجر في الثاني

    [ 458 ]
    وعطل الاول لم يكن عليه في الاول سوى رأس المال على المشهور من المذهب، وعلى القول الآخر يكون عليه قدر ما حرمه من الربح، وكذلك إذا تجر في الاول ثم اشتغل بالثاني عن بيع الاول حتى نزل سوقه فيختلف، هل يضمن العامل ما حط السوق لانه حرمه ذلك وإن فسد لاجل شغله عنه ضمن ؟ وكذلك إذا أخذ قراضا بعد قراض فلا يمنع من الثاني إذا كان يقدر على التجر فيهما، فإن كان لا يقدر إلا على التجر في أحدهما منع من التجر في الثاني، فإن فعل ضمن ما كان في الاول من ضيعة أو نزول أسواق أو فساد نحو ما تقدم، وإذا اشتغل بالاول وعطل الثاني ضمن قدر ما حرمه من ربحه على أحد القولين، وإن ضاع ضمنه لانه متعد في أخذه. وهذا إذا لم يعلمه أن في يديه قراضا لغيره أو أعلمه ولم يعلمه أنه عاجز عن القيام بالمالين انتهى. ونقله ابن عرفة واقتصر عليه. ونصه اللخمي: له خلطه بماله إن قدر على التجر بهما، وإن عجز عن التجر بالزائد عليه منع من خلطه، فإن تجر في الثاني وعطل الاول فلا شئ عليه على المشهور، وعلى القول الآخر يغرم قدر ما حرمه من الربح إن تجر بالاول واشتغل بالثاني عن بيع الاول حتى نزل سوقه أو فسد ففي ضمانه نقصه أوكله إن فسد القولان. وأخذه قراضا بعد قراض جائز إن قدر على التجر بهما وإلا منع من التجر بالثاني، فإن فعل ففي ضمانه لترك الاول ونزول سوقه أو فساده ما تقدم، وإن اشتغل بالاول ضمن ذلك في الثاني إن لم يعلم هذا الثاني أن بيده قراضا لغيره أو أعلمه ولم يعلم عجزه عن القيام بالمالين. انتهى والله أعلم. ص: (وإن تعدد فالربح كالعمل) ش: قال في المدونة: وإن قارضت رجلين على أن لك نصف الربح ولاحدهما الثلث وللآخر السدس لم يجز، كما لو اشترك

    [ 459 ]
    العاملان على مثل هذا لم يجز، لان أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه بغير شئ. انتهى. أبو الحسن: قوله: على أن لك ظاهره أن الشرط من رب المال على العاملين، وأما في الصورة الثانية فهو من العامل خاصة، وظاهر الكتاب أن الحكم فيهما سواء انتهى. ثم قال: زاد في الامهات: وإنما يجوز من هذا إذا عملا على ما يجوز في الشركة بينهما. عياض قال بعضهم: عملهما على قدر إجزائهما من الربح جائز ونحوه لحمديس. وفي سماع أصبغ: لا خير فيه فإن عملا مضى. وقال بعض مشايخنا المتأخرين: الصواب جوازه انتهى. وبعض مشايخه المشار إليه هو ابن رشد، كذا نسبه في التوضيح له وهو له في رسم البيوع من سماع أصبغ من القراض، وهذا هو المشهور. وعليه فإذا فات قال في التوضيح: قال محمد وابن حبيب: يقسم الربح على ما سموا ويرجع صاحب القليل على صاحب الكثير بفضل عمله. وقال أحمد بن خالد: بل على رب المال. وقال جماعة:: بل يردان إلى حكم القراض الفاسد. ثم اختلف هؤلاء فقال التونسي: يكونان أجيرين. وقال فضل: لهما قراض مثليهما. ابن عبد السلام: وقول التونسي أظهر عندي وأجرى على قواعد المذهب انتهى. وهو الجاري على ما قدمه الشيخ في قوله: وفيما فسد غيره أجرة مثله انتهى. ص: (لغير أهل) ش: فإن سافر من بلد له بها أهل إلى بلد له بها أهل أيضا فلا نفقة له في ذهابه ولا في رجوعه، ولو أخذه من بلد ليس فيه أهله ثم خرج إلى بلد له فيها أهل فلا نفقة في ذهابه ولا في إقامته وله النفقة في رجوعه. قاله في المدونة. ص: (لا دواء) ش: قال أبو الحسن: قال الباجي: وله أن يحتجم ويحلق رأسه ويفصد

    [ 460 ]
    ويدخل الحمام إن احتاج إليه انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: وللعامل نفقته

    [ 461 ]
    في السفر وفي إقامته بغير وطنه بالمال بالمعروف هكذا في المدونة أي من غير سرف من طعامه

    [ 462 ]
    وشرابه وركوبه ومسكنه. أشهب عن مالك: وحجامته وحمامه قالوا: وليس له دواء. انتهى. ص: (ولكل فسخه قبل عمله) ش: نحوه لابن الحاجب. قال في التوضيح: أي رده والرجوع وإذا كان العقد غير لازم فلا يطلق عليه الفسخ إلا بطريق المجاز. انتهى. ص: (كربه وإن تزود لسفر ولم يظعن) ش: يعني وأما العامل فليس له حينئذ الفسخ. قال في التوضيح: اللهم إلا أن يدفع لرب المال رأسه ماله. وقوله: ولم يظعن مفهومه أنه إذا ظعن فليس له الفسخ. ولو قال له رب المال: أنا أنفق عليك حتى أردك وهو كذلك. قال في المدونة: ولرب المال رد المال ما لم يعمل به العامل أو يظعن به لسفر، وليس له أن يقول بعد ظعنه: ارجع وأنا أنفق عليك. انتهى. ص: (والقول للعامل في تلفه وخسره ورده) ش: وهل يحلف ؟ أما في دعوى الرد

    [ 463 ]
    فيحلف اتفاقا. قاله ابن الحاجب. وأما في التلف فأجراه ابن الحاجب على الخلاف في أيمان التهم. تنبيهات: الاول: حكم المبضع معه حكم المقارض في دعوى الرد والتلف كما تقدم في العارية. الثاني: قولهم: إنه يقبل قوله في رد المال يعني إذا قبضه بغير بينة، وقد تقدم كلام القاضي عبد الوهاب في الوكالة وكلام ابن رشد في العارية. وهذا إن ادعى أنه رد جميعه أو

    [ 464 ]
    رد بعضه وكان الباقي لا يفي برأس المال وإنما يفي بما رده، وأما لو كان الباقي يفي برأس المال لكان القول قول رب المال ما دام في الباقي ربح. قال في المدونة في كتاب القراض: وإن قال العامل: رددت إليك رأس مالك والذي بيدي ربح، وقال رب المال: لم تدفع إلي شيئا، صدق رب المال ما دام في المال ربح وعلى العامل البينة. قال ابن يونس: وحكي عن القابسي أنه قال: معنى ذلك إذا قال: ما في يدي هذا ربح بيني وبينك لانه أقران حق رب المال قائم بيده بعد، وأما إن قال: رددت إليك المال وحصتك من الربح وما في يدي حصتي من الربح لكان القول قول العامل إذا كان قبضه بغير بينة كما لو لم يكن في المال ربح فادعى أنه رده إلى صاحبه لكان القول قوله مع يمينه. انتهى. وقال اللخمي في تبصرته بعد كلام المدونة: وينبغي أن يقبل

    [ 465 ]
    قوله، وكذلك إذا قال: هذا ربحي وكما لو قال: رددت بعض رأس المال، ولا فرق بين قوله: رددت بعض رأس المال أو جميعه دون الربح أو لم أربح شيئا أو ربحت وسلمت إليك رأس المال ونصيبك من الربح. وقد قال مالك في كتاب محمد في المساقي يقول بعد جذاذ الثمرة لصاحب الحائط: قد دفعت إليك نصيبك، فالقول قول العامل وإن كان يقول: هذا الذي في يدي نصيبي فكذلك القراض. انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره ما تقدم: ففي قبول دعوى العامل رد المال مقرا ببقاء ربح بيده، ثالثها إن ادعى رد حط رب المال منه. للخمي ولها وللقابسي انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ومن قال: رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك، فالقول قوله يريد إلا أن يقول له: رددت إليك رأس المال والذي بيدي ربح بيني وبينك، وقال رب المال: لم تدفع لي شيئا، صدق رب المال ما دام في المال ربح وعلى العامل البينة، وهذا نص ما في المدونة اه‍. وقال أبو الحسن في شرح قوله في المدونة في كتاب الوديعة: ومن بيده وديعة أو قراض لرجل فقال: رددت إليك ذلك فهو مصدق، ظاهره كان قبل المفاصلة أو بعد المفاصلة. قال في كتاب القراض: وإذا قال: رددت إليك رأس مالك وما بيدي ربح الخ. فهي تقييد بهذا انتهى الثالث: لو ادعى العامل أنه لم يعمل بالمال، فهل يكون القول قوله ؟ الظاهر أن القول قوله ويحلف على ذلك ولم أر الآن فيه نصا والله أعلم.

    [ 466 ]
    باب إنما مساقاة شجر قال ابن عرفة: المساقاة عقد على مؤنة نمو النبات بقدر، لا من غير غلته، لا بلفظ بيع أو

    [ 467 ]
    إجارة أو جعل،. فيدخل قولها لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل ومساقاة البعل انتهى. ويبطل طرده على قول ابن القاسم بالعقد عليها بلفظ عاملتك لانها ليست بمساقاة عند ابن القاسم. قال بعد ذلك الصيغة. ابن رشد: لا تنعقد إلا بلفظ المساقاة على قول ابن القاسم انتهى. ص: (وإن بعلا) ش: قال في التوضيح: قال مالك في المدونة وغيرها: تجوز المساقاة على شجر البعل، وكذلك ما يشرب بالسيح لانه قد يعجز عن الدواب والاجراء. قيل لمالك: فزرع البعل كزرع أفريقية ومصر وهو لا يسقى. قال: إن احتاج من المؤنة إلى ما يحتاج إليه شجر البعل ويخاف هلاكه إن ترك جازت مساقاته، وإن كان لا مؤنة فيه إلا حفظه وحصاده ودراسته لم تجز وتصير إجارة فاسدة، وليس زرع البعل كشجر البعل وإنما تجوز مساقاة زرعه على الضرورة والخوف عليه انتهى. قلت: وقوله: قيل فزرع البعل الخ هو من كلامه في المدونة. قال ابن ناجي: معناه لا يشترط في شجر البعل خوف الهلاك كما يشترط في زرعه بل مجرد الحاجة. انتهى والله أعلم. ص: (ذي ثمر) ش: قال ابن غازي: أخرج به الشجر الذي لم يبلغ حد الاطعام كالودي فإن مساقاته غير جائزة حسبما صرح به اللخمي، وسيقول في الممنوعات: وشجر لم يبلغ خمس سنين وهو يبلغ أثناءها. انتهى. تنبيه: فإن كان في الحائط ودي لم يبلغ حد الاطعام إلا أنه قليل، فهل تجوز المساقاة في الحائط جميعه ويكون تبعا ؟ الذي يفهم من كلام الباجي في المنتقى الجواز، فيكون قول المصنف إلا تبعا راجع إلى المسائل الثلاث قبله. ونص الباجي عند قوله في الموطأ: ولا يشترط على العامل ابتداء عمل جديد من بئر يحفرها أو غرس يغرسه فيأتي به من عنده يعني أنه يشترط على العامل غرسا يأتي به من عنده فيغرسه في أرضه أو حائطه فإن ذلك لا يجوز. ورواه ابن المواز عن مالك. قال محمد: إن كان يسيرا أجزت المساقاة وأبطلت الشرط، وإن كان له قدر لم تجز. قال مالك: ولو شرط العمل في ذلك فقط ويكون أصل الغرس من عند صاحب

    [ 468 ]
    الحائط، فإن كان يسيرا لا تعظم فيه المؤنة فجائز، وإن كان كثيرا لم يجز، فإن وقع ذلك على الوجه الذي يجوز فقد روى ابن المواز عن مالك أنه أجير له أجر مثله، قال عيسى: إن كان العمل الكثير دون الاصل يرد إلى مساقاة مثله، وإن كان الودي من العامل رد إلى إجارة مثله وله قيمة غرسه مقلوعا انتهى. وقوله: على الوجه الذي يجوز كذا في النسخة التي نقلت منها، والظاهر أنه سقط منه لا كما يدل عليه بقية كلامه فتأمله، فصواب العبارة أن يقول: على الوجه الذي لا يجوز ونقله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح والله أعلم. وقال في رسم كتب عليه حق: ولا بأس أن يشترط على العامل أن يسقي الجداول إذا كانت يسيرة. قال ابن رشد: هو من العمل اليسير الذي جوز اشتراطه. ص: (ولم يحل بيعه) ش: احترازا مما إذا حل بيعه كما إذا أزهى بعض الحائط فلا تجوز مساقاته، قال في المدونة: وإذا أزهى بعض الحائط لم تجز مساقاة جميعه لجواز بيعه. انتهى. قال ابن ناجي: تسامح في قوله: لم تجز مساقاة جميعه وإنما أراد لم تجز مساقاة شئ منه إذ لا ضرر على ربه في ذلك لجواز بيعه، وهذا هو المشهور. وقال سحنون: تجوز مساقاته. انتهى. قلت: وكذلك ينبغي أن لا تجوز المساقاة إذا أزهى ما يجاوره من الحوائط، على ما تقدم في بيع الثمار. تنبيه: فإذا عمل رب الحائط في حائطه مدة ثم ساقاه قبل أن يثمر أو بعد أن أثمر ولم يحل بيع الثمرة جاز ذلك بشرط أن لا يرجع بأجرة ما سقى ولا بشئ منه. قاله في رسم مسائل البيوع من سماع أشهب من كتاب المساقاة. قال ابن رشد: فإن ساقاه بعد أن أسقى أشهرا على أن يتبعه بما سقى فإنه يرد إلى أجرة مثله انتهى. ص: (ولم يخلف) ش: احترز به مما يخلف كالبقول والقضب - بالضاد المعجمة - والموز والقرط - بالطاء المهملة - قاله في المدونة.

    [ 469 ]
    قال اللخمي: والكراث وكل ما ليس بشجر، وإذا جزأ خلف فلا تجوز مساقاته وإن عجز عنه ربه. قاله في المدونة. والفرق بين البصل والكراث أن البصل جرت العادة فيه أنه إنما يجذ بأصوله بخلاف الكراث فإنه يجز وتبقى أصوله في الارض. ص: (إلا تبعا) ش: هو راجع إلى المسائل الثلاث التي قبله كما ذكرنا عن الباجي قبل وليس خاصا بالمسألتين قبله كما قال ابن غازي. تنبيه: وإذا كان ما يخلف تبعا فلا يجوز اشتراطه لرب المال ولا إلغاؤه للعامل. قاله. في رسم سن من سماع ابن القاسم. ص: (بجزء قل أو كثر) ش: لا مفهوم لقوله: بجزء وإنما نبه به على أنه لا تجوز المساقاة بكيل مسمى من الثمرة، ولم يرد أنه لا بد أن يكون المأخوذ جزءا من الثمرة بل تجوز المساقاة على أن تكون الثمرة جميعها للعامل. قاله في المدونة وغيرها. قال ابن ناجي: وظاهرها أنها مساقاة حقيقة ويجبر العامل أو يستأجر من يعمل إلا أن يقوم دليل على أنه أراد الهبة لقلة المؤنة وكثرة الخراج. قال اللخمي: وهو مقتضى ما رواه ابن حبيب. وقال التونسي: هي كالهبة وإن انتفع ربها يسقي أصوله ولو مات قبل الحوز بطلت انتهى. قلت: قال اللخمي متمما للكلام الاول: ومتى أشكل الامر حملا على المعاوضة لقوله: أساقيك ورب الحائط أعلم بمنافعه ومصلحه ماله انتهى. ونقله أبو الحسن. وقال في المقدمات: وتجوز المساقاة على أن تكون الثمرة كلها للعامل بعمله، وقد قيل فيه: إنه منحة فيفتقر إلى الحيازة ويبطل بالموت وهو بعيد انتهى. قلت: وأما عكس هذا فظاهر جوازه وهو أن تكون الثمرة كلها لرب المال لان العامل هنا متبرع بعمله. تنبيه: يشترط في الجزء المأخوذ إن لا يكون مختلفا، فلو كان في الحائط أصناف من الثمرة وشرط أن يأخذ من صنف منها النصف ومن صنف منها الثالث لم يجز، وكذلك لو كان فيه أنواع من الثمار فساقاه في نوع من الثمار منها بالنصف وفي نوع بالثلث لم يجز. قال ابن عرفة: والحائط مختلف نوع شجرة مختلطا كمتحد. اللخمي: واختلاف ثمرته بالجودة والرداءة كتساويها، وتعدد الحوائط وثمرها سواء في الجودة والرداءة والعمل أو تقارب كواحد

    [ 470 ]
    انتهى.. فرع: وقع في الموطأ وغيره في حديث خيبر أنه (ص) كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول لهم: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلنا بخرصها ونؤدي إليكم نصفها، هكذا ذكره في المقدمات، وفي الموطأ نحوه. قال الباجي: قال ابن مزين: سألت عيسى عن فعل عبد الله، أيجوز ذلك للمساقين والشريكين ؟ فقال: لا يعمل ولا يصلح اقتسامه إلا كيلا إلا أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص. قال الباجي: وهذا الذي حمل عيسى الحديث عليه وأنه كان يسلم إليهم جميع الثمرة ليضمنوا حصة المسلمين منها لا يجوز لانه بيع التمر بالتمر بالخرص في غير العرايا، فلذلك تأول الحديث على أن الخرص للقسمة خاصة. وإذا حمل الحديث على أنه إنما كان الخرص للزكاة سلم مما جاء به وأنكره وهو محتمل لذلك، ويكون قوله: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلنا على سبيل التحقيق لصحة خرصه. انتهى بالمعنى. وخرص الحائط للقسمة إنما يجوز إذا كان للاكل بشروط تقدمت في باب القسمة. وقال في المقدمات: جاء في بعض الآثار تضمين اليهود نصيب المسلمين وفي بعها تخييرهم من غير ذكر ضمان فأما تخييرهم في أخذهم الثمرة في رؤوس النخل بما فيه خرص عليهم من الثمرة يؤدونه عند الجداد من غير تضمين فليس بضيق، وقد أجازه جماعة من أهل العلم وهو على قياس ماقاله مالك في الخرص بسبب الزكاة، وأما تخييرهم في التزامهم ذلك مضمونا عليهم فهو من المزابنة ولا يكون إلا مفسوخا، وقد ذكر عن بعض أهل العلم إجازته وهو بعيد انتهى. فرع: قال في المدونة: وليس للعامل أن يعري من الحائط إذ ليست له نخلة معينة إلا أن يعري حصة من نخلات معينات فيجوز. قال أبو الحسن: أو يعري جميع حظه من الحائط قال: فإن أعرى شيئا بعينه فإنه يمضي نصيبه للمعري ويرجع نصيب رب الحائط وليس للمعري أن يقول: اجمعوا حظي في هذه النخلات لانه إنما أعراه شيئا بعينه فاستحق فلا يلزم خلفه انتهى. وقاله اللخمي وزاد: وكذلك لو أعرى رب الحائط جميع حظه أو بعضه أو شيئا بعينه. ص: (بساقيت) ش: قال في المقدمات: والمساقاة أصل في نفسها فلا تنعقد إلا بلفظ المساقاة على مذهب ابن القاسم، فلو قال رجل: استأجرتك على عمل حائطي هذا بنصف ثمرته لم يجز على مذهبه كما لا تجوز الاجارة عنده بلفظ المساقاة وذلك بين من قوله في الكتاب: إذا ساقاه في ثمرة قد طاب بعضها أن ذلك لا يجوز بخلاف قول سحنون فإنه يجزيها ويجعلها إجارة، ولمالك في كتاب ابن المواز مثله وكلام ابن القاسم أصح انتهى. قلت: وعلى قول سحنون اقتصر ابن شاس وابن الحاجب. قال ابن الحاجب: الصيغة

    [ 471 ]
    مثل ساقيتك أو عاملتك على كذا فيقول: قبلت وما في معناها من قول أو فعل انتهى. ص: (ولا نقص من في الحائط) ش: يعني أنه يشترط في صحة المساقاة أن لا يخرج رب الحائط ما كان في الحائط من عبيد ودواب وأجراء وآلة يوم عقد المساقاة، فإن شرط ذلك فسدت المساقاة. قال في المدونة: وما كان في الحائط يوم عقد المساقاة من رقيق وداب لربه فللعامل اشتراطهم، ولا ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع ذلك منه فيصير كزيادة شرطها إلا أن يكون قد نزعهم قبل ذلك. ثم قال فيها: ولو شرط رب المال إخراج رقيقه ودوابه منه لم يجز، فإن نزل ذلك منه فللعامل أجرة مثله والثمرة لربها انتهى. قال أبو الحسن: قوله: لا ينبغي معناها المنع يدل عليه التعليل، وقوله: إلا أن يكون قد نزعهم استثناء منقطع انتهى. وقال ابن ناجي: قوله: لا ينبغي على التحريم للتعليل وصرح بذلك عبد الحق انتهى. قلت: وآخر كلام المدونة صريح في أن ذلك على التحريم لانه جعل ذلك مما تفسد المساقاة به. وقال ابن نافع ويحيى: وإذا كان في الحائط رقيق لا يدخلون إلا بشرط ووجه الاول أنه (ص) لما ساقى أهل خيبر لم يخرج شيئا مما في الحوائط. قاله في التوضيح. تنبيه: في المدونة: إلا أن يكون قد نزعهم قبل ذلك. لفظه في الام قلت: إن لم يشترطهم العامل وأراد المالك إخراجهم قال: قال مالك: أما عند معاملته واشتراطه فلا ينبغي إخراجهم، وإن كان إخراجهم قبل ذلك فلا بأس. هكذا نقله ابن عرفة وقال: انظر قولها: وإن كان إخراجهم قبل ذلك فلا بأس هل هو مطلقا لاجل أنه مختلف فيه أو ما لم يكن ذلك لقصد إخراجهم من المساقاة كمن أراد طلاق زوجته فأخرجها من مسكنها لكي تعتد. ومال أبو حفص العطار إن أراد أن يساقي حائطه فأخرجهم ثم أقبل يسوم به فلا بأس إنما الذي لا يجوز أن يخرجهم عند إرادة عقدها مع من تكلم معه فيه انتهى. قلت: ما قاله أبو حفص هو الذي يفهم من كلام المدونة. فرع: وليس للعامل أن يعمل بعمال رب المال ودوابه في غير الحائط المساقى عليه، ولا يجوز له أن يشترط ذلك. قاله في الموطأ. قال الباجي: لا يجوز للعامل أن يعمل بهم في غير الحائط المساقى عليه، سواء كان يعمل بهم في حوائط يملكها أو حوائط ساقى عليها من أجنبي أو عمل فيها بأجر، وأما رقيقه وعماله فله أن يستعملهم حيث شاء ويستبدل بهم كيف شاء لانه إنما عليه العمل في الحائط، فإن اشترط ذلك على رب الحائط فسدت المساقاة لانها زيادة اشتراطها، فإن فاتت بالعمل فقياس قول ابن القاسم أن يرد إلى إجارة مثلهم، وإن عمل بهم من

    [ 472 ]
    غير شرط منع من ذلك ولا يفسد العقد بذلك. انتهى بالمعنى. قلت: إلا أن يكون ذلك بإذن رب المال فيجوز والله أعلم. ص: (ولا تجديد) ش: يعني أنه يشترط أيضا في صحة المساقاة أن لا يشترط العامل على رب الحائط أن يجدد فيه دواب وأجراء لم يكن فيه حين العقد، فإن شرط ذلك فسدت المساقاة يريد إلا أن يكون ذلك يسيرا كاشتراط دابة أو غلام في الحائط الكبير فإن ذلك جائز بلا خلاف كما سيذكره المصنف في الجائزات، فإطلاقه هنا مقيد بما سيأتي. قال في المدونة: وما لم يكن في الحائط يوم العقد فلا ينبغي أن يشترطه العامل على رب الحائط إلا ما قل كغلام أو دابة حائط كبير ولا يجوز ذلك في صغير، ورب حائط تكفيه دابة واحدة لصغره فيصير هذا يشترط جميع العمل على ربه، وإنما يجوز اشتراط ما قل فيما كثر، ولا يجوز للعامل أن يشترط على رب المال دواب أو رقيقا ليسوا في الحائط. قال أبو الحسن: قوله: لا ينبغي معناه لا يجوز. وقال ابن ناجي: لا ينبغي على التحريم يدل عليه ما بعده وأخرج منه قوله ولا يجوز وهذا هو المشهور. وقال ابن نافع: لا بأس أن يشترط من الرقيق ما ليس فيه. قال اللخمي: وهو أقيس انتهى. ص: (وعمل العامل جميع ما يفتقر إليه عرفا) ش: كذا في أكثر النسخ عمل بصيغة الفعل الماضي من , العمل والعامل فاعله وجميع مفعوله، وفي بعض النسخ بجر العامل ب‍ على الجارة ورفع جمع على أنه مبتدأ تقدم خبره. والمعنى واحد غير أن على أبين في الدلا لة على اللزوم قال في المدونة: ووجه العمل في المساقاة أن جميع العمل والنفقة وجميع المؤنة على العامل وإن لم يشترط ذلك عليه انتهى. يريد جميع الذي تفتقر إليه الثمرة ويقطع بانقطاعها أو يبقى منه بعدها الشئ اليسير. قال في المقدمات: عمل الحائط إن لم يتعلق بإصلاح الثمرة لم يلزم العامل ولا يصح أن يشترط عليه منه إلا اليسير يعني كسد الحظيرة وإصلاح الضفيرة قال: وإن تعلق بإصلاح الثمرة وكان ينقطع بانقطاعها أو يبقى بعدها الشي اليسير فهذا يلزم المساقي وذلك كالحفر والسقي وزبر الكروم وتقليم الشجر والتسريب والتسديد وصلاح مواضع السقي والتذكير والجداد وما أشبه ذلك.

    [ 473 ]
    قال: وإن كان يتأبد ويبقى بعد الثمرة كإنشاء حفر بئر أو إنشاء ضفيرة أو إنشاء غراس أو بناء بيت تجنى فيه الثمرة كالجرين وما أشبه ذلك، فلا يلزم العامل ولا يجوز اشتراط ذلك عليه عند المساقاة انتهى. ص: (كإبار) ش: قال في الصحاح: وتأبير النخل تلقيحه، يقال: نخلة مؤبرة مثل مأبورة، والاسم منه الابار على وزن الازار انتهى. ولم يذكر الفاكهاني في شرح الرسالة غير هذا والجاري على الالسنة الابار بالتشديد وهو جائز، قال الزمخشري في قوله تعالى: * (وكذبوا بآياتنا كذابا) * فعال في باب فعل فاش من كلام فصاح من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال: لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله، وقال غير الزمخشري: هي لغة لبعض العرب يمانية والله أعلم. وقال أبو الحسن: التلقيح والتذكير والابار ألفاظ مترادفة. قال في المدونة: ولا بأس باشتراط التلقيح على رب المال، فإن لم يشترط فهو على العامل. وقال بعده: وإنما يجوز لرب المال أن يشترط على العامل ما تقل مؤنته وذكر أشياء منها إبار النخل وهو تذكيرها انتهى. قال اللخمي: اختلف قول مالك في الابار فجعله مرة على رب الحائط، ومرة على العامل فتأول بعضهم ذلك على أن على رب الحائط الشئ الذي يلقح به وعلى العامل العمل، قال اللخمي: وليس بالبين انتهى. قال في التوضيح بعد أن ذكر القولين: حمله بعضهم على الخلاف. قلت: الذي يظهر من المدونة أنه على العامل إلا أن يشترطه على رب المال وكلامه الاخير لا يعارض الاول ولذلك والله أعلم أطلق المصنف فيه.

    [ 474 ]
    ص: (وأنفق وكسا) ش: يعني أن العامل يلزمه أن ينفق على الدواب والاجراء وأن يكسوهم، سواء كان له أو لرب الحائط. وهذا مذهب المدونة. قال فيها: وعليه نفقة نفسه ونفقة دواب الحائط من رقيقه كانوا له أو لرب الحائط، ولا يجوز أن يشترط نفقتهم أو نفقة العامل نفسه على رب الحائط. قال ربيعة: ولا تكون بينهما ولا شئ يكون من النفقة في ثمر الحائط، قال أبو الحسن: قول ربيعة تفسير، وقال اللخمي في مختصر ما ليس في المختصر: إن نفقة دواب رب الحائط عليه. ص: (لا أجرة من كان فيه) ش: يعني أن حكم الاجرة مخالف لحكم النفقة والكسوة فإنه إنما يلزم العامل أجرة من استأجره هو وأما من كان في الحائط عند عقد المساقاة فأجرته على ربه. قال في التوضيح هكذا. قال في الواضحة. وقيده اللخمي بما إذا كان الكراء وجيبة قال: وإن كان الكراء غير وجيبة فحكمه حكم ما لا إجراء فيه وخالف في ذلك الباجي، ورأى أن ذلك على ربه ولو كان غير وجيبة قال: وهذا إذا كان مستأجرا لجميع العام، وإن كان مستأجرا لبعضه فلم أر الآن في ذلك نصا، وعندي أن عليه أن يستأجر من يتم العمل لانه لو مات للزمه ذلك، فكذلك إذا انقضت مدة إجارته. وما ذكره عن الواضحة هو ظاهر المدونة لقوله فيها: وأما ما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب ورقيق فخلف من مات منهم على رب الحائط وإن لم يشترط العامل ذلك عليهم إذ عليهم عمل العامل ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز انتهى. وليس في المدونة التصريح بأن الاجرة على رب الحائط كما قال الشارح، وأما كلام اللخمي فمخالف لظاهر المدونة لانه إذا كان عليه خلف من مات من الاجراء فذلك يقتضي أن الاجرة عليه، سواء كانت وجيبة أو غير وجيبة، وكذلك إذا انقضت الاجرة في بعض العام فظاهر المدونة أنه يلزمه إتمام الاجرة في بقية السنة أو استئجار شخص آخر خلفه. قال ابن ناجي في شرح المدونة: ذكر الموت في الكتاب طردي لقول اللخمي الاباق والتلف في أول العمل كالموت انتهى. قلت: وقال اللخمي أيضا: لو أراد رب الحائط أن يخرج

    [ 475 ]
    من فيه ويأتي بمن يعمل عملهم لم يكن للعامل في ذلك مقال والله أعلم. ص: (كما رث على الاصح) ش: يعني أن ما كان في الحائط من حبال أو أدلية وآلات من حديد ونحو ذلك يوم عقد المساقاة فإنه يكون للعامل، ولا يجوز لرب الحائط إخراجه. كما تقدم. وما لم يكن في الحائط فعلى العامل الاتيان به، فإذا رث ما كان في الحائط من الآلات أي بلي، فهل يجب على رب المال خلفه أو لا يلزم ربه خلفه ويكون خلفه على العامل ؟ ذكر الباجي في ذلك قولين. قال: وكونه على العامل أظهر لانه إنما دخل على أن ينتفع به حتى تهلك عينه وأمد انتهائها معلوم بخلاف العبد والدابة فإنه لا يعلم أمد ذلك. وجزم اللخمي بأن خلف ذلك على العامل ولم يحك فيه خلافا إذا علم ذلك فقول المصنف: كما رث إن كان بكاف التشبيه كما هو في غالب النسخ فكان من حقه أن يذكر قبل قوله: لا أجرة من كان فيه كما قال ابن غازي، لانه مشبه بما هو على العامل، وإن كان بلا النافية فهو مخرج من المنفي قوله أي ليس على العامل خلف من مات أو مرض ممن كان فيه وعليه خلف ما رث. فرع: فلو سرق ما كان في الحائط من الاثاث كان على رب الحائط إخلافها اتفاقا قاله في التوضيح. فإذا أخلفها ربه انتفع به العامل قدر ما كان ينتهي إليه المسروق ثم يختلف فيه حينئذ، فمن قال إذا بلي يلزم ربه خلفه قال يستمر العامل على الانتفاع به، ومن قال الخلف على العامل قال لربه أن يأخذه والله أعلم. ص: (كزرع وقصب وبصل ومقثاة) ش: تقدم الكلام على مساقاة زرع البعل أول الباب، والمقثاة بالثاء ا لمثلثة قبل الالف والتاء الفوقية بعدها. ص: (أو كالاول وعليه الاكثر) ش: كلامه في المدونة كالصريح في هذا ونصه: ولا بأس

    [ 476 ]
    بمساقاة الورد والياسمين والقطن، وأما المقاثئ والبصل وقصب السكر فكالزرع تساقى إن عجز ربه انتهى. قال في التوضيح: وقول من حمل المدونة على الجواز مطلقا أظهر انتهى. وقال في المقدمات: لا ينبغي أن يختلف أن المساقاة في الياسمين والورد جائزة على مذهب مالك وإن لم يعجز صاحبها عن عملها انتهى. وأما القطن فاستبعد ابن رشد الخلاف فيه على الاطلاق. وذكر في التوضيح عن ابن يونس أنه أشار إلى أن الخلاف في القطن ينبغي أن يكون خلافا في حال، ففي بعض البلاد يكون شجرة كالاصول الثابتة تجنى سنين وفي بعضها تكون كالزرع يساقى إن عجز ربه انتهى. قال في التوضيح: ليس له أصل ثابت وهذا ظاهر فليتأمل والله أعلم. ص: (وأقتت بالجداد) ش: يعني أن الشأن في المساقاة أن تؤقت بالجداد، ولم يبين رحمه الله هل التوقيت بذلك شرط في صحة المساقاة أو ليس بشرط، والذي يقتضيه كلامه في المدونة أن ذلك ليس بشرط قال فيها: والشأن في المساقاة إلى الجداد ولا يجوز شهرا ولا سنة محدودة وهي إلى الجداد إذا لم يؤجلا انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ويشترط تأقيتها وأقله إلى الجداد وإن أطلق حمل عليه اشتراط الاجل مع الحكم بصحة عقد المساقاة المطلقة بعد. فإن قلت: مراده أن وجود الجهالة في العقد يفسده وهو أمر زائد على إطلاق العقد. قلت: فعلى هذا تكون الجهالة مانعة من الصحة لان التأقيت شرط في الصحة انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: ولا تجوز شهرا ولا سنة محدودة ظاهره كان الاجل ينقضي قبل الجداد أو بعده فهذا لا يجوز لانه إن كان لا ينقضي إلا بعد الجداد فهي زائدة اشترطها العامل على رب الحائط لان رب الحائط يعمل في نصيبه فلهذا قال: لا تجوز شهرا ولا سنة محدودة انتهى. وقال ابن رشد في سماع أشهب مسألة: وسألته عن الذي ساقى ثلاث سنين، أليس ذلك من جداد إلى جداد ؟ قال: بلى. قال ابن رشد: هذا مما لا اختلاف فيه أعلمه لان السنين في المساقاة إنما هي بالاجدة لا بالاهلة بخلاف القبالات التي إنما هي بالاهلة لا بالاجدة، فإن ساقاه السنين واشترط أحدهما على صاحبه الخروج قبل الجداد أو بعده رد في ذلك إلى مساقاة مثله انتهى. وقال اللخمي: المساقاة إلى السنتين والثلاث على وجهين: إن أريد انقضاء السقي بانقضاء الثمرة التي تكون في تلك السنين جاز، وإن كان القصد التمادي بالعمل إلى انقضاء شهور تلك السنة وإن جدت الثمرة لم تجز وكان العامل في السنين الاولى على مساقاة مثله، وفي العام الاخير من حين تجد الثمرة إلى آخر ذلك العام على إجارة مثله انتهى. قلت: فتحصل من هذا أن المطلوب في المساقاة أن تؤقت بالجداد، سواء عقداها لعام واحدأ ولسنين متعددة، فإن عقداها وأطلقا حملت على الجداد وعلى أنها لعام واحد، وإن

    [ 477 ]
    عقداها لسنة أو لسنتين وأطلقا حملت أيضا على الاجدة، وإن أراد التحديد بالسنة العربية أو السنين العربية لم يجز وتفسد المساقاة بذلك وسيأتي شئ من هذا عند قول المصنف: وسنين. ص: (وحملت على أول لم يشترط ثان) ش: فإن اشترط الثاني جاز. قال في المدونة: وإن كانت تطعم في العام مرتين فهي إلى الجداد الاول حتى يشترط الثاني. ثم قال في آخر الكتاب: ولا بأس بمساقاة نخل يطعم في السنة مرتين كما تجوز مساقاة عامين، وليس ذلك مثل ما ذكره هنا من مساقاة القضب لان القضب يحل بيعه وبيع ما يأتي بعده والشجر لا يباع ثمارها قبل أن تزهي انتهى. يعني أن النخل والشجر وإن كان يطعم في السنة مرتين فليس هو كالقضب الذي يخلف لما ذكره، والقضب بالضاد المعجمة والله أعلم. ص: (وكبياض نخل أو زرع) ش: قال في التوضيح: البياض عبارة عن الارض الخالية عن الشجر، وسواء كان البياض بين أضعاف السواد أو منفردا عن الشجر. قاله ابن المواز انتهى. ولو قال المصنف: وكبياض شجر لكان أشمل ومراده أن يجوز إدخال البياض الكائن مع الشجر أو مع الزرع في مساقاة الشجر وفي مساقاة الزرع بالشروط المذكورة والله أعلم. ص: (وبذره العامل) ش: فإن دخلا على أن البذر من عند رب الحائط أو منهما جميعا لم يجز. قاله في المدونة. وبقي شرط رابع وهو أن يكون حرثه والعمل فيه على العامل. قال في المدونة: ولا يجوز أن يشترط فيه نصف البذر على رب الحائط أو حرث البياض فقط وإن جعلا الزرع بينهما، وإن كان على

    [ 478 ]
    أن يزرعه العامل من عنده ويعمله وما أنبت بينهما فجائز. انتهى. ص: (كاشتراط يرد به) ش: هذا إذا كان العامل يسقيه أو يبذره أو يعمل فيه. قال في المدونة: وكذلك إن كان يناله سقي العامل. قاله في الموطأ. قال ابن حبيب: وإن كان بعلا وإن كان لا يسقى بماء الحائط فجائز. قال في التوضيح: وهذا ينبغي أن يكون تقييدا لما في الموطأ انتهى. قلت: وسياق كلام أبي الحسن يقضتي أنه تقييد ولا فرق في ذلك بين كون البياض كثيرا أو يسيرا والله أعلم. ص: (وألغى للعامل إن سكتا عنه) ش: يعني أن المتعاقدين إذا سكتا عن البياض حين عقد المساقاة فلم يشترطه ولا اشتر طه رب المال فإنه يكون للعامل، يريد إذا كان يسيرا لان الكلام فيه. ص: (أو اشترطه) ش: يعني أن العامل إذا اشترط البياض لنفسه فإن ذلك جائز، يريد إذا كان يسيرا كما تقدم. وهذا لا خلاف فيه ونص في المدونة وغيرها على أن إلغاء البياض للعامل هو المطلوب. ولفظ المدونة قال مالك: وأحب إلي أن يلغى البياض فيكون للعامل وهذا أصله. قال عبد الحق: فإن اعترض معترض وقال: أليس قد ساقى عليه الصلاة والسلام أهل خيبر على شطر ما أخرجت من تمر أو حب، فلم استحب مالك إلغاء البياض ولم يستحب ما في الحديث من كونه بينهما ؟ فالجواب أنه جاء في حديث آخر أنه ترك لهم بياض النخل فاستحب مالك هذا إذا كان في كون البياض بينهما كراء الارض بما يخرج منها والله أعلم.

    [ 479 ]
    فرع: فلو اشترط العامل البياض اليسير وزرعه ثم أجيحت الثمرة قال مالك في سماع سحنون عليه كراء البياض. قال ابن رشد: ومعنى ذلك أن العامل لما أجيحت الثمرة أبى أن يتادى على عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه من سقائه، ولو تمادى على ذلك لم يكن عليه في البياض كراء. قال: ويبين ذلك قول مالك في كتاب ابن سحنون: وكذلك لو عجز العامل عن الاصل كان عليه البياض بكراء مثله، فشبه المسألة الاولى بعجز العامل عن العمل، انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (وغائب إن وصف ووصله قبل طيبه) ش: يعني أنه تجوز المساقاة على الحائط ولو كان غائبا، وظاهره سواء كان قريب الغيبة أو بعيدها وهو كذلك إذا حصل الشرطان المذكوران: الاول: أن يوصف للعامل، والمراد بالوصف أن يذكر جميع ما يحتاج إليه من العمل فيذكر ما فيه من الرقيق والدواب أو لا شئ فيه، وهل هو بعل أو سقي بالعين أو بالغرب، وتوصف أرضه وما هي عليه من الصلابة أو غيرها، ويذكر ما فيه من أجناس الاشجار وعددها والقدر المعتاد مما يوجد فيها. أشار إلى ذلك اللخمي ونقله أبو الحسن. تنبيه: وانظر هل يكتفي بوصف رب الحائط أو لا بد أن يصفه غيره، و الظاهر أنه يكتفي بوصف كما في البيع ولم أقف عليه منصوصا، والظاهر أيضا أن رؤية العامل للحائط قبل عقد المساقاة بمدة لا يتغير بعدها تقوم مقام الوصف، وانظر هل يجوز أن تعقد المساقاة معه من غير وصف على أنه بالخيار إذا رآه كما في البيع ؟ والظاهر الجواز أيضا كما في البيع. وقد يؤخذ ذلك من قوله في المدونة: ولا بأس بمساقاة الحائط الغائب ببلد بعيد إذا وصف كالبيع انتهى. الشرط الثاني: أن يعقد المساقاة في زمن يمكن وصول العامل فيه قبل طيب الحائط. وهذا معنى قول المصنف: ووصله قبل طيبه. وأما إن كان لا يصل إليه إلا بعد طيبه فلا تجوز قاله الشيخ أبو محمد. قال عبد الحق: هذا على أصل ابن القاسم. وقال بعض شيوخنا: ويجوز ذلك على قول سحنون وإن كان لا يصل إلا بعد الطيب. فرع: فإن عقد المساقاة في زمن يمكن وصوله قبل الطيب فتوانى في طريقه فلم يصل إلا بعد الطيب لم تفسد المساقاة بذلك. ذكره أبو الحسن عن بعض القرويين ونقله في الشامل

    [ 480 ]
    . فرع: ونفقة الحمل في خروجه عليه وليس كالقراض. قاله في المدونة ص: (واشتراط جزء الزكاة) ش: يعني أنه يجوز أن يشترط أن الزكاة تخرج من حصة أحدهما. قال في المدونة: ولا بأس أن يشترط الزكاة في حظ أحدهما لانه يرجع إلى جزء معلوم ساقاه عليه، فإن لم يشترطا شيئا فشأن الزكاة أن يبدأ بها ثم يقتسمان ما بقي انتهى. واعلم أن الحائط في المساقاة إنما يزكى على ملك ربه فتجب الزكاة فيه إذا كان ربه حرا مسلما وكان في الحائط خمسة أوسق، وكذا إن كان أقل إذا كان لربه حائط آخر إذا ضم ثمره إلى ما خرج من هذا الحائط بلغ خمسة أوسق، وسواء كان العامل حرامسلما أم لا، وسواء حصل له نصاب أو دون النصاب، فتخرج الزكاة من جملة الحائط ثم يقسم ربه والعامل ما بقي على ما اتفقا عليه من الاجزاء، وإن كان رب الحائط ممن لا تجب عليه الزكاة بأن كان عبدا أو كافرا فلا تجب الزكاة في حصته ولا في حصة العامل، ولو كان حرا مسلما وحصل له نصاب ولو حصل للعامل من حائط له غير الحائط المساقى عليه بعض النصاب لم يضم إلى ما حصل له في الحائط، سواء وجبت في الزكاة أم لم تجب. قاله ابن رشد في سماع أشهب من كتاب المساقاة. وفي نوازل أصبغ من كتاب القراض وقال: إنه لا خلاف في ذلك. قال ابن عرفة: وزكاة المساقاة. قال في البيان: الواجب إخراجها من جملة الثمرة إن بلغت نصابا أو كان لرب الحائط ما إن ضمه إليها بلغت ثم يقتسمان ما بقي. اللخمي: قول مالك: إنها مزكاة على ملك رب الحائط يجب ضمها لما له من ثمر غيرها ويزكى جميعها ولو كان العامل ممن لا تجب عليه، وتسقط إن كان رب لحائط ممن لا تجب عليه والعامل ممن تجب عليه انتهى. فرع: قال في التوضيح: ولو شرط رب المال الزكاة على العامل ونقص الحائط عن النصاب فقيل: يقتسمان الثمرة نصفين. وقال سحنون: لرب الحائط ستة أعشارها وللعامل أربعة أعشارها. وقال ابن عبد السلام: يقتسمان الثمرة أتساعا لرب الحائط خمسة. وقيل: يقتسمانها من عشرين لرب الحائط أحد عشر جزءا وللعامل تسعة أجزاء. وقال في الشامل: ولو شرطت على العامل فلم تجب فله نصف الغلة كان سكتا عنها، وقيل: أربعة أعشارها، وقيل: تسعة

    [ 481 ]
    أجزاء من عشرين وزكى على ملك ربه انتهى. وهذا حيث دخلا على أن للعامل نصف الثمرة وإلا فله بحسب ما دخلا عليه. ص: (وسنين ما لم تكثر جدا بلا حد) ش: يعني أنه يجوز أن تعقد المساقاة على سنين متعددة ما لم تكثر جدا ولم يحد مالك في الكثرة حدا ويشير إلى قوله في المدونة: ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جدا. قيل: فعشرة ؟ قال: لا أدري تحديد عشرة ولا ثلاثين ولا خمسين انتهى. قال في التوضيح: وهذا يحتمل معنيين: أحدهما أنه لم يثبت عنده شئ من السنة، والثاني أنه رأى أن ذلك يختلف باختلاف الحوائط إذا لجديد ليس كالقديم، فلو حدد لفهم الاقتصار على ذلك الحد، ثم ذكر عن صاحب المعين أنه قال: يستحب أن تكون المساقاة من سنة إلى أربع قال: فإن طالت السنون جدا فسخت انتهى. قلت: وما ذكره عن صاحب المعين ذكره في المتيطية. تنبيه: قال ابن الحاجب: وتجوز إلى سنين والاخيرة بالجداد. قال في التوضيح: قال في البيان: لا خلاف في ذلك وسواء تقدم الجداد أو تأخر عنها. انتهى. قلت: ونقله في المتيطي بلفظ: فإن انقضت المدة قبل الجداد فعلى العامل التمادي إلى الجداد انتهى. ثم قال في التوضيح: ولما نقل أبو الحسن أنها تؤرخ بالسنة العجمية قال: هذا في السنين الكثيرة لان السنين بالعربي تنتقل. انتهى قلت: فإن قصد التحديد بالعربي سواء تقدم على الجداد أو تأخر، فإن المساقاة تفسد بذلك كما تقدم عند قوله: وأفتت بالجداد والله أعلم. ص: (أو عمل دابة أو غلاما في الكبير) ش: هذا معطوف على قوله: سنين لكن الاول من باب إضافة المصدر للمفعول، وهذا من إضافته للفاعل. وانظر هل يجوز ذلك في العربية ؟ وقوله: في الكبير بالباء الموحدة والمعنى أنه يجوز أن يشترط العامل على رب المال أن يعينه بالدابة أو غلام إذا كان الحائط كبيرا وأما إن كان صغيرا فلا يجوز ذلك. تنبيه: قوله: دابة أو غلاما بأو ومثل لفظ المدونة. وقال أبو الحسن: ظاهره أحدهما على البدل لا مجموعهما والمقصود إنما هو اليسارة كما قال فيما يأتي. وإنما يجوز اشتراط ما قل فيما كبر انتهى. قلت: فظاهره أنه إذا كان الحائط كبيرا فتأمله. فرع: قال أبو الحسن: قال ابن يونس: إذا اشترط الغلام أو الدابة فحلف ما مات من ذلك على رب المال إذ عليهم عمل العامل فهو بمنزلة ما لو كانوا فيه. وقال اللخمي: إن شرط من ذلك غير معين كان على ربه خلفه، وإن كان معينا فقال هذا العبد أو هذه الدابة لم يجز

    [ 482 ]
    إلا دن يشترط الخلف انتهى. وقال في التوضيح: إذا شرط غلاما أو دابة فقال سحنون: لا يجوز ذلك إلا بشرط الخلف وقيل: يحوز وإن لم يشترط الخلف والحكم يوجبه. قال في البيان: وهو ظاهر ما في الواضحة. وما في البيان محتمل للوجهين، والذي أقول به وهو تفسير لجميع الروايات أنه إن عين الغلام أو الدابة بإشارة أو تسمية فلا تجوز المساقاة، إلا بشرط الخلف، وإن لم يكن معينا فالحكم يوجبه وإن لم يشترط. انتهى. ص: (وقسم الزيتون حبا كعصره على أحدهما) ش: ظاهر كلامه أنه يجوز اشتراط قسم الزيتون حبا، ويجوز اشتراط عصره على أحدهما، فإن لم يشترط واحدا من الامرين لزمهما أن يعصراه ولا يقتسماه إلا بعد عصره وهو ظاهر لفظ المدونة لكنه خلاف ما ذكره أبو الحسن الصغير عن سحنون أن منتهى المساقاة في الزيتون جنيه. قال في المدونة: قال مالك في الزيتون: إن شرط قسمه حبا جاز، وإن شرط عصره على العامل جاز ذلك. قال أبو الحسن: زاد ابن يونس في نقله ليسارته. قال أبو إسحاق: إن شرطا عصره على رب الحائط جاز. قال ابن يونس: وإن لم يكن فيه شرط فعصره بينهما. وحكاه اللخمي عن ابن المواز وسحنون. قال سحنون: منتهى المساقاة جناة انتهى. ومقتضى كلام ابن رشد في سماع عيسى من كتاب المساقاة أن كلام سحنون هو المذهب، ويمكن أن يحمل كلام المصنف على أن المراد أن قسم الزيتون حبا إن شرطه أحدهما عمل به ولو كان العرف أن عصره على أحدهما عمل به، إن لم يشترطا ذلك وكان عرف عمل به فإن لم يكن عرف ولا شرط فعصره عليهما، وإن أحب قسمه حبا جاز فتأمله. ص: (أو ما قل) ش: لو

    [ 483 ]
    قدمه على قوله: وإصلاح جدار وأدخل عليه الكاف فقال: كإصلاح جدار لكان أحسن لان فيه تنبيها على أن العلة في جوازه اشتراطهما على العامل هو يسارتها كما قال في المدونة. وإنما يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل ما تقل مؤنته قبل سرو الشرب وهو تنقية ما حول النخل من مناقع الماء وجم العين وهو كنسها وقطع الجريد وإبار النخل وهو تذكيره وسد الحظار واليسير من إصلاح الضفير ونحوه مما تقل مؤنته، فيجوز اشتراطه على العامل وإلا لم يجز وسرو الشرب بفتح السين المهملة وسكون الراء من السرو وبفتح الشين المعجمة والراء من الشرب. ص: (وتقايلهما هدرا) ش: يعني أن العامل إذا عقد المساقاة على حائط ثم أراد المقايلة من رب الحائط أو ممن صار إليه ببيع أو إرث فإن ذلك جائز إذا تقايلا هدرا من غير أن يدفع أحدهما للآخر شيئا، قال في المدونة: ومن ساقى رجلا ثلاث سنين فليس لاحدهما المتاركة حتى تنقضي لان المساقاة تلزم بالعقد وإن لم يعمل، وليس لاحدهما الترك إلا أن يتتاركا بغير شئ يأخذه أحدهما من الآخر فيجوز، لان هذا ليس ببيع ثمر لم يبد صلاحه إذ للعامل أن يساقي غيره فرب الحائط كأجنبي إذا تركه انتهى. وقال بعده في المدونة: ومن ساقيته حائطك لم يجز أن يقيلك على شئ تعطيه إياه كان قد شرع في العمل أم لا، لانه غرر إن أثمر النخل فهو بيع الثمرة قبل زهوه، وإن لم يثمر فهو أكل المال بالباطل انتهى. فرع: فإن خرج من المساقاة قبل العمل أو بعده فلرب الحائط أو للمبتاع على شئ يعطاه لم يجز باتفاق، فإن وقع ولم يعثر على ذلك حتى فات بالعمل رد فيما عمل إلى إجارة مثله. وإن خرج على جزء مسمى فإن كان قبل العمل فلا خلاف في جواز ذلك، وإن كان بعد العمل فأجاز ذلك ابن القاسم في رسم الاقضية من سماع أصبغ، ومنعه في رسم البيوع من سماع أشهب خوف أن تكون المساقاة التي أظهر أولا وآخرا ذريعة لاستئجار العامل في المدة التي عمل فيها بالجزء الذي جعل له من الثمرة، فإن وقع ذلك رد إلى إجارة مثل. قال ابن رشد: فإن فعلا ذلك لامر بدا لهما دون دلسة فلا حرج عليهما لانها بانفرادها مساقاة صحيحة. انتهى مختصرا من رسم البيوع. وظاهر كلام ابن رشد أن هذا هو المذهب وحكاه في التوضيح وقبله وذكره في الشامل بقيل وليس بظاهر.

    [ 484 ]
    تنبيه: قال أبو الحسن قوله: إذ للعامل أن يساقي غيره فاستدل على متاركة رب الحائط بمساقاة الغير فجعلها مساقاة تنعقد بغير لفظ المساقاة وإنما أجازها بغير لفظها لانها إقالة والاقالة معروف. ص: (ومساقاة العامل اخر) ش: أما إذا ساقى على مثل الجزء الذي سوقي عليه فذلك جائز قبل العمل وبعده على مذهب مالك أنها من العقود اللازمة، وعلى القول بأنها من العقود الجائزة فلا تجوز قبل الشروع في العمل إلا برضا ربه. وإن ساقاه على أن للعامل الثاني أقل من الجزء الذي جعله له رب الحائط فكذلك وإن كان على أن للعامل الثاني أكثر فقال ابن رشد في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب المساقاة: فإن ساقاه على أكثر من الجزء الذي ساقى عليه صاحب الحائط مثل أن يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف، وساقى هو الآخر على أن يكون له الثلثان، فإن كان بعد أن عمل كان له الفضل أيضا على مذهب مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول، ولم يكن على مذهب من يرى أنها من العقود الجائزة التي لا تلزم بالقول انتهى. ص: (ولم تنفسخ بفلس ربه وبيع مساقي) ش: ظاهر قوله: بيع سواء كان مساقي سنة أو سنتين، ومنعه سحنون في السنتين. وصرح ابن عبد السلام والمصنف بأن قول سحنون خلاف قول ابن القاسم والله أعلم. فرع: قال ابن عرفة عن اللخمي: ولو أحب المفلس تأخير بيع الثمرة لطيبها وطلب الغرماء تعجيله فالقو قولهم إن كانت الثمرة غير مأبورة انتهى. فرع: منه وفي أكرية الدور منها لمن أخذ نخلا مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى أن ينفق فيها بقدر حظ رب الارض من الثمرة لسنته تلك الاكثر في مثله، سمع ابن القاسم: ابن رشد:

    [ 485 ]
    ظاهره أن ما زادت النفقة على حظ رب الارض لا يلزمه، ومثله في رهونها خلاف سماع سحنون لزوم الراهن إصلاحها ويلزم ذلك في المساقاة، وإن لم يكن لرب الحائط غيره بيع منه بما يصلحها لئلا يذهب عمل العامل. انتهى. ص: (ودفعه لذمي لم يعصر حصته خمرا) ش: قال في المدونة: ولا بأس أن تدفع نخلك إلى نصراني مساقاة، إن أمنت أن يعصره خمرا. قال ابن ناجي: قال ابن العربي: كيف يقول هذا مالك وقد ساقى رسول الله (ص) أهل خيبر ولم يشترط إلا من عصر الخمر إلا أن يقال الممنوع إذا كان يسقونه مسلما ولا يقال كان ذلك قبل تحريم الخمر لان فتح خيبر بعد تحريمها. قال ابن ناجي: قال بعض شيوخنا: وظاهر المدونة أنه محمول على عدم الامن حتى يعلم الامن انتهى. فرع: قال في المدونة: وكره مالك أخذك من نصراني مساقاة أو قراضا ولست أراه حراما. قال أبو الحسن: لان فيه بعض الاذلال. وقال ابن ناجي مثله اختصرها ابن يونس وفيه نظر لانه على اختصارهما يكون مالك نص على المسألتين وليس كذلك، إنما نص على كراهة القراض، وقاس ابن القاسم عليه كراهة المساقاة، وكلام ابن القاسم يدل على أنه حمل كراهة مالك على التحريم ولم يرتضه فيكون كلامه يدل على قولين: التحريم لمالك، والكراهة لابن القاسم. ص: (لا مشاركة به) ش: يشير به والله أعلم إلى ما في رسم البيوع من سماع أشهب من كتاب المساقاة ونصه: قال: وسئل عن رب الحائط يقول لرجل: تعال اسق أنا وأنت حائطي هذا ولك نصف الثمرة قال: لا يصلح هذا وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى الداخل. قال ابن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن ذلك لا يصلح، فإن وقع وفات بالعمل كان العامل فيه أجيرا لان رب الحائط اشترط أن يعمل معه فكأنه لم يسلمه إليه وإنما

    [ 486 ]
    أعطاه جزءا من الثمرة على أن يعمل معه بخلاف إذا شرط العامل أن يعمل معه رب الحائط هذا. قال فيه ابن القاسم في المدونة وغيرها: إنه يرد إلى مساقاة مثله. وقال أشهب: إلى إجارة مثله. وقال سحنون: يجوز ولا يرد إلى أجرة كما لو اشترط عليه غلاما يعمل معه إذا كان الحائط كبيرا يجوز فيه اتشراط الغلام والدابة انتهى. ص: (وفسخت فاسدة بلا عمل أو في أثنائه أو بعد سنة من أكثر إن وجبت أجرة المثل وبعده أجرة المثل إن خرجا عنها كان ازداد عينا أو عرضا وإلا فمساقاة المثل كمساقاته مع ثمر أطعم أو مع بيع أو اشترط عمل

    [ 487 ]
    ربه أو دابة أو غلام وهو صغير أو حمله لمنزله أو يكفيه مؤنة آخر واختلف الجزء سنين أو حوائط كاختلافهما ولم يشبها) ش: لما ذكر أركان المساقاة الصحيحة وشروطها علم أن الفاسدة ما اختل منها ركن أو شرط، ثم ذكر أن لها ثلاثة أحوال: الاولى: أن يطلع على فسادها قبل الشروع في العمل، والحكم حينئذ فسخها وإليها أشار بقوله: وفسخت فاسدة بلا عمل. الحالة الثانية: أن يطلع على فسادها في أثناء العمل ولو بعد سنة من سنين كما إذا كانت المساقاة وقعت على سنين كثيرة، والحكم في هذا الوجه أن ينظر إلى عقد المساقاة فإن كانت مما تجب فيه أجرة المثل وجب فسخ المساقاة حين يعثر على ذلك، وإن كان عقد المساقاة مما تجب فيه مساقاة المثل لم تفسخ المساقاة ويستمران إلى تمام العمل، وإلى هذه الحالة الثانية أشار المصنف بقوله: أو في أثنائه أو بعد سنة من أكثر إن وجبت أجرة المثل. وقول المصنف: أو بعد سنة هو داخل في قوله: أو في أثنائه ولهذا لو قال: أو في أثنائه وإن بعد سنة لكان أوضح، بل لو أخره عن قوله: إن وجبت أجرة المثل فإنه قد يقال كان ينبغي إذا اطلع على فسادها عند كمال السنة أن تفسخ مساقاة المثل في باقي السنين، لان العامل قد تم عمله في تلك السنة وأخذ مساقاة مثله فيها فلم يذهب عمله باطلا فلم يتركونه يعمل في بقية السنين ؟ والله أعلم. والجواب عن ذلك أن يقال: إن الحائط قد تقل ثمرته في عام وتكثر في آخر، فلو لم يتماد على العمل في جميع السنين لكان فيه غبن على أحدهما كما أشار إلى ذلك في المدونة في مسألة من ساقى حائطه وقد أطعم على تلك السنة التي أطعم فيها أو على سنين بعدها. وذكر ابن عبد السلام عن الموازية أنه إنما تفوت كل سنة بظهور الثمرة فيها، فلو قال المصنف: أو في أثنائه إن وجبت أجرة المثل وإلا تمادى ولو بعد سنة وكان مشيرا إلى ما

    [ 488 ]
    ذكره ابن عبد السلام عن الموازية لكان أبين. فقوله: إن وجبت أجرة المثل راجع إلى قوله: أو في أثنائه الخ. وقول البساطي: إنه راجع إلى المسألة الاولى أيضا أعني قوله: بلا عمل خلاف ما يقضتيه كلامهم. قال ابن الحاجب: وللفاسدة ثلاثة أحوال قبل العمل فتفسخ. قال ابن عبد السلام: يعني إذا عثر على المساقاة الفاسدة قبل العمل وجب فسخها على أصل المذهب وإلا لما كانت فاسدة، وإذا فسخوا البياعات المكروهة قبل الفوات فالفاسد أولى بالفسخ انتهى. وكذا أطلق ابن شاس الفسخ قبل الفوات بالعمل، وكذا ابن عرفة ناقلا عن ابن رشد. ونص المقدمات: إذا وقعت المساقاة على غير الوجه الذي جوزه الشارع فإنها تفسخ ما لم تفت بالعمل ورد الحائط إلى ربه انتهى. ومفهوم قول المصنف: إن وجبت أجرة المثل أنها لو لم تجب أجرة المثل وما تجب فيه مساقاة المثل في الحالة الثالثة وهي ما عثر على فساد المساقاة بعد تمام العمل وكان ينبغي له رحمه الله تأخير الكلام على الحالة الثانية عن الحالة التي بعدها لانها محتاجة إليها في بيانها كما فعل ابن الحاجب. تنبيه: إنما قلنا: المساقاة تفسخ إذا عثر عليها في أثناء العمل إن كان الواجب فيها أجرة المثل لانه يكون للعامل حينئذ بحساب ما عمل وإذا كان الواجب فيها مساقاة المثل فلا تفسخ لان الضرورة داعية إلى تمام العمل لان العوض على هذا التقدير إنما يرجع للعامل من الثمرة، ولانه لو فسخناها لزم أن لا يكون للعامل شئ لما تقدم أنها كالجعل لا شئ للعامل إلا بتمام العمل. قاله في التوضيح ثم قال: وعلى هذا فلا بد أن يكون شرع في العمل بماله بل أشار إليه عياض انتهى. فرع: قال ابن عبد السلام في آخر كلامه على هذه المسألة: وقد انتهى هذا أن إجارة المثل تتعلق بذمة رب الحائط، وأن مساقاة المثل لا تتعلق بذمته بل تكون في الحائط، وقد تقدم هذا المعنى في القراض مختلفا فيه انتهى. الحالة الثالثة: أن يطلع على فساد المساقاة بعد تمام العمل، والحكم فيها على مذهب ابن القاسم أنه يجب في بعض الصور إجارة المثل وفي بعضها مساقاة المثل، وإليه أشار المصنف بقوله: وبعده أجرة المثل إلى قوله: ولم يشبها. والمعنى وإن اطلع على فساد المساقاة بعده أي بعد الفراغ من العمل فمذهب ابن القاسم أنه يجب في بعض الصور إجارة المثل، وفي بعضها مساقاة المثل، فتجب أجرة المثل إن خرجا عنها أي عن المساقاة إلى الاجارة الفاسدة أو إلى بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ومثل ذلك بقوله: كان ازداد أحدهما على الجزء الذي اشترط في المساقاة عينا أو عرضا، لانه إذا كانت الزيادة من رب الحائط فقد خرجا عن المساقاة إلى الاجارة الفاسدة فكأنه استأجره على أن يعمل له في حائطه بما أعطاه من الدنانير أو الدراهم أو بالعروض وبجزء من ثمرته وتلك إجارة فاسدة، فوجب أن يرد إلى أجرة المثل ويحاسبه رب الحائط بما كان أعطاه من أجرة المثل ولا شئ له في الثمرة، وإذا كانت الزيادة من العامل فقد خرجا عن المساقاة أيضا إلى بيع الثمرة

    [ 489 ]
    قبل بدو صلاحها فكأنه اشترى منه الجزء المسمى في المساقاة بما دفع من الدنانير أو الدراهم أو العروض أو بأجرة عمله، فوجب أن يرد إلى أجرة مثله ويأخذ من رب الحائط ما زاده ولا شئ له من الثمرة وإلا - أي وإن لم يكونا خرجا عن المساقاة، وإنما جاءها الفساد من جهة أنهما عقداها على غرر أو نحو ذلك: فمساقاة المثل هي الواجبة في ذلك. ثم ذكر المسائل التي تجب فيها مساقاة المثل وعدها تسعا فقال: كمساقاته مع ثمر أطعم يشير إلى قوله في المدونة: ومن طابت ثمرة نخله فساقاه هذه السنة وسنتين بعدها لم يجز وفسخ، وإن وجد العامل الثمرة كان له أجرة مثله وما أنفق فيها، فإن عمل بعد جداد الثمرة لم تفسخ بقية المساقاة وله استكمال الحولين الباقيين، وله فيهما مساقاة مثله، ولا أفسخهما بعد تمام العام الثاني إذ قد تقل ثمرة العام الثاني وتكثر في الثالث فأظلمه، وهذا كأخذ العرض قراضا إن أدرك بعد بيعه وإن أدى وبعد أن يعمل فسخ وله أجر بيعه انتهى. ففهم منه أنه إذا اطلع على ذلك في العام الاول فسخت وكان له أجر مثله فيما سقى، وإن لم يطلع عليه حتى شرع في الثاني كان له أجرة المثل في الاولى ومساقاة المثل فيما بعدها كما صرح به اللخمي وصاحب المقدمات، أو مع بيع يعني أنه إذا ساقاه حائطه بجزء وباعه سلعة مع المساقاة ففي ذلك مساقاة المثل. نص عليه ابن رشد في البيان في أول كتاب المساقاة قال: أو مع إجارة أو ما أشبه ذلك انتهى. وانظر الشرح الكبير لبهرام: أو اشترط عمل ربه يشير إلى قوله في المدونة: ولا يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط بنفسه فإن نزل فله مساقاة مثله انتهى. وهذا بخلاف المسألة السابقة عند قوله: أو مشاركة ربه إذا قال رب الحائط لرجل: تعال اسق أنا وأنت حائطي ولك نصف ثمره، فإن في ذكل أجرة المثل كما تقدم، وقوله: أو حمله لمنزله يشير إلى ما قال في رسم البيوع من سماع أصبغ في أثناء المسألة الثانية منه. قلت: أرأيت إن اشترط عليه حمل نصيبه إلى منزله إلى المدينة أو اشترط ذلك المساقي على العامل ؟ قال: لا خير فيه هذه زيادة تزدادها. قلت: أرأيت إن كان ذلك قريبا ؟ قال: ما يعجبني إلا أن يكون شئ ليس عليه فيه مؤنة. قلت: أرأيت إن كان قريب الميل وما أشبهه ؟ قال: ما يعجبني. وقاله أصبغ. قال: وإن وقعت فيه المساقاة في المكان البعيد وفاتت رد إلى مساقاة مثله بلا حملان عليه، وسقط الجزء الذي بينهما في الشرط. ابن رشد: أما اشتراطه على العامل حمل نصيبه إلى منزله فكرهه ابن القاسم إلا أن يكون شيئا ليس فيه مؤنة، وكراهيته بينة لانها زيادة زادها رب الحائط على العامل إلا أنه لم يبين وجه الحكم في ذلك إذا وقع، والذي يأتي على الاصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم أن يرد إذا فات إلى إجارة مثله إلا في المكان القريب فيشبه أن يرد فيه إلى مساقاة مثله استحسانا. وأما قول أصبغ إنه يرد إلى مساقاة مثله في المكان البعيد فهو بعيد لا يتخرج إلا على قول من يرد العامل في المساقاة الفاسدة كلها إلى مساقاة مثله جملة من غير تفصيل انتهى. وقال ابن رشد أيضا في

    [ 490 ]
    المقدمات إثر كلامه السابق: واختلف إذا فاتت بالعمل ماذا يجب للعامل فيها بحق عمله على أربعة أقوال: أحدها: أن يرد إلى مساقاة مثله جملة من غير تفصيل. والثاني: أنه يرد إلى أجرة مثله من غير تفصيل. والثالث: أنه يرد في بعض الوجوه إلى إجارة مثله وفي بعضها إلى مساقاة المثل، وهو قول ابن القاسم وذلك استحسان وليس بقياس، والاصل عنده أن المساقاة إذا خرجا فيها عن حكمها إلى حكم الاجارة الفاسدة أو إلى بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها بما اشترطه أحدهما على صاحبه من زيادة يزيدها إياه خارجة عنها، فإنه يرد إلى إجارة المثل، وذلك مثل أن يساقيه في حائط على أن يزيد أحدهما صاحبه دنانير أو دراهم أو عرضا من العروض وما أشبه ذلك لانه إذا ساقاه على أن يزيده صاحب الحائط دنانير أو دراهم أو عرضا من العروض فقد استأجر على عمل حائطه بما أعطاه بجزء من ثمرته، فوجب أن يرد إلى إجارة مثله. وإذا زاده العامل فقد اشترى منه الثمرة بما أعطاه وبعمله فيرد إلى إجارة مثله. وأما إذا لم يخرجا عن حكمها وإنما عقداها على غرر مثل أن يساقيه حائطا على النصف وآخذ على الثلث أو ما أشبه ذلك، أو اشترط أحدهما على صاحبه من عمل الحائط ما لا يلزم مما لا يبقى لرب الحائط منفعته مؤبدة، فإنه يرد في ذلك إلى مساقاة مثله، وهذه جملة يأتي عليها مسائل كثيرة. والرابع: أنه يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان الشرط للمساقي أو أقل انتهى. والقول الثالث في كلام ابن رشد الذي هو قول ابن القاسم هو الذي ذكره المصنف ونقله عياض أيضا، وأطلقه ولم يقيده بقرب المكان ولا بغيره، ونقله عنه في التوضيح وتبعه هنا. وقوله: أو على أن يكفيه مؤنة آخر يشير إلى ما في أول سماع عيسى قيل له: فحائط ساقاه صاحبه رجلا على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر ؟ قال: هذا حرام. قيل له: فقد وقع. قال: يعطى في الذي اشترط عليه كفايته أجرة مثله ويرد إلى مساقاة مثله في الآخر. ابن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة أنه يعطي أجرة مثله في الحائط الذي اشترط عليه كفاية مؤنته، ويرد في الآخر إلى مساقاة مثله وهو على الاصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم انتهى. وقال أبو الحسن: فإن نزل فله مساقاة مثله في الذي يعمل فيه وله أجرة مثله في الآخر. قاله في سماع عيسى. وفي الموازية: هو أجير في الحائطين. وقوله: كاختلافهما ولم يشبها قال في كتاب القراض من المدونة: وإذا اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل رد المال إلا أن يرضى بقول ربه، وإن اختلفا بعد العمل فالقول قول العامل كالصانع إذا جاء بما يشبه وإلا رد إلى قراض المثل وكذلك المساقاة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: هذا التشبيه إنما يرجع للوجه الثاني إذا اختلفا بعد الفعل ولا يرجع للوجه الاول، لان في المساقاة إذا اختلفا يتحالفان ويتفاسخان. وقال قبله في قوله: وإذا اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل رد المال لان القراض عقد جائز غير لازم بخلاف المساقاة أنهما يتحالفان وإن لم يعلم لانها عقد لازم انتهى. وقال في المدونة في كتاب المساقاة: وإن اختلفا

    [ 491 ]
    في المساقاة فالقول قول العامل فيما يشبه. قال أبو الحسن: يعني في قلة الجزء وكثرته، وقوله: القول قول العامل يريد بعد العمل فإن لم يعمل تحالفا وتفاسخا، ثم ذكر لفظها في القراض ثم قال: قوله: وإلا رد إلى قراض مثله يعني إذا أتى رب المال بما لا يشبه، وكذلك المساقاة إذا أتيا بما لا يشبه رد إلى مساقاة مثله. انتهى مختصرا. وقال اللخمي: إن اختلفا في الجزء قبل العمل وأتيا بما لا يشبه تحالفا وتفاسخا ويختلف، وإن أتى أحدهما بما يشبه دون الآخر هل القول قوله مع يمينه أو يتحالفان ويتفاسخان ؟ قال: وإن اختلفا بعد العمل فالقول للعامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه وأتى الآخر بما يشبه حلف ولم يكن للعامل إلا ما حلف عليه صاحبه، فإن نكل عن اليمين أو أتيا بما لا يشبه رد إلى مساقاة المثل. انتهى وعزا الشارح والمصنف في التوضيح هذه المسألة للقرافي. تنبيهان: الاول: يفهم من كلامهم أنه إذا أتى كل واحد منهما بما يشبه كان القول قول العامل فتأمله والله أعلم. الثاني: قال ابن عرفة: عبد الحق عن بعض شيوخ صقلية: ما فيه مساقاة المثل فالعامل فيه أحق من الغرماء بالثمرة في الموت والفلس، وكذا ما يرجع فيه لقراض المثل في القراض، يريد وما يرجع فيه لاجرة المثل لا يكون في القراض أحق في موت ولا فلس وفي المساقاة يكون أحق في الفلس لا في الموت انتهى، وهذه آخر مسألة في كتاب المساقاة منه والله أعلم. ص: (وإن ساقيته أو أكريته فألفيته سارقا لم تنفسخ وليتحفظ منه) ش: قال في كتاب المساقاة من المدونة: ومن ساقيته حائطك أو أكريت منه دارك ثم ألفيته سارقا لم يفسخ لذلك سقي " ولا كراء وليتحفظ منه، وكذلك من باع من رجل سلعة إلى أجل وهو مفلس ولم يعلم البائع بذلك فقد لزمه البيع انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قل اللخمي: في كل هذا نظر، وهذا عيب وليس يقدر أن يتحفظ من السارق ثم قال: قوله: سارقا يخاف أن يذهب بالثمرة أو يقلع الجذوع وفي المكتري يخاف منه أن يبيع أبوابها. انتهى. وفي كتاب الجعل والاجارة من المدونة في آخر ترجمة الاجير يفسخ إجارته في غيرها: ومن استأجر عبدا للخدمة فألفاه سارقا فهو عيب يرد به. فقيل: الفرق بينهما أن الاجير في الخدمة لا يقدر أن يتحفظ منه. قال الشيخ أبو

    [ 492 ]
    الحسن: وقال عبد الحق وابن يونس: الفرق بينهما أن الكراء في العبد للخدمة ووقع في منافع معينة فهو كمن اشترى دابة فوجد بها عيبا بخلاف المكتري والمفلس والمساقي إنما وقع الكراء على الذمة، فإن لم يقدر على التحفظ منه أكرى عليه وسوقي عليه ولم يفسخ العقد انتهى. فقول المصنف: أو أكريته أي أكريت منه بيتك أو متاعك، واحترز به مما لو أكرى نفسه للخدمة فإنه عيب يرد به كما تقدم عن المدونة. وقول المصنف: وليتحفظ منه يريد إذا أمكن التحفظ فإن لم يكن أكرى عليه الحاكم أو ساقى كما تقدم عن أبي الحسن. ص: (وساقط النخل كليف كالثمرة) ش: قال في الشامل: وساقط النخل من ليف وجريد ونحوهما كالثمرة انتهى. وقال في المدونة: وما كان من سواقط النخل أو ما يسقط من بلح وغيره والجريد والليف ومن الزرع بينهما على ما شرطا من الاجزاء. انتهى. ص: (والقول لمدعي الصحة) ش: هكذا قال في المدونة. قال في الشامل: وصدق مدعي الصحة بعد العمل وإلا تحالفا وفسخت انتهى. وقال اللخمي: القول قول مدعي الحلال، سواء كان اختلافهما قبل العمل أو بعده، ويحلف على ذلك قبل العمل. وفصل في توجيه اليمين في اختلافهما بعد العمل، وكان ابن رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسى يدل على أن القول قول مدعي الصحة قبل العمل وبعده أيضا فتأمل ذلك مع كلام الشامل والله أعلم. ص: (وإن قصر عامل عما شرط حط بنسبته) ش: وهذا بخلاف ما لو جاء مطر ودخل الحائط فل يحتج إلى سقي في مدة من الزمان فلا رجوع عليه بشئ من أجرة السقي. قاله في رسم سن سماع ابن القاسم. قال ابن رشد: هذا لا خلاف فيه أنه لا رجوع لواحد منهما على صاحبه إن زاد العمل على المعهود أو نقص منه بخلاف ما لو استأجر لسقي حائط في زمن معلوم فجاء المطر فأقام فيه حينا لوجب أن يحط من إجارته بقدر ما أقام الماء في الحائط. انتهى بالمعنى والله الموفق

    [ 493 ]
    كتاب الاجارة قال في القاموس: الاجر الجزاء على العمل كالاجارة مثلثة انتهى. وقال القرافي في الذخيرة: ويقال آجر بالمد والقصر وأنكر بعضهم المد وهو منقول قال: ولما كان أصل هذه المادة الثواب على الاعمال وهي منافع خصصت الاجارة ببيع المنافع على قاعدة العرف في تخصيص كل نوع تحت جنس باسم ليحصل التعارف عند الخطاب. قال: وقد غلب وضع الفعالة بالكسر للصنائع نحو الصناعة والخياطة والتجارة والفعالة بالفتح لاخلاق النفوس نحو السماحة والشجاعة والفصاحة. والفعالة بالضم لما يطرح من المحقرات نحو الكناسة والقلامة والفضالة والنخالة انتهى. وقال في اللباب: حقيقتها تمليك منفعة غير معلومة زمنا معلوما بعوض معلوم. انتهى. وقال ابن عرفة: حدها عرفا بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها، فيخرج كراء الدور والارضين والسفن والرواحل والقراض والمساقاة والمغارسة والجعل. وقول القاضي: معاوضة على منافع الاعيان لا يخفى بطلان طرده. ونحوه قول عياض: بيع منافع معلومة بعوض معلوم مع خروج فاسدها انتهى. وقال البرزلي: قال الغرناطي: الاجارة تطلق على منافع من يعقل والاكرية على منافع من لا يعقل. البرزلي: يريد اصطلاحا، وقد يطلق أحدهما على الآخر ففي غررها إن استأجرت منه دارا بثوب إلى آخره، انتهى. وقال في اللباب: وقد خص تمليك منفعة الآدمي باسم الاجارة، ومنافع المتملكات باسم الكراء انتهى. والموثقون المتقدمون يستفتحون عقود الاراضي والجنات بلفظ تقبل ومعنى الجميع واحد انتهى. وقال ابن عرفة: وقولها: يجوز أن يستأجر طريقا في

    [ 494 ]
    دار رجل ومسيل مصب مرحاض لا يخفى أنه من بابع المجاز لانه أخف من الاشتراك اه‍. قال في اللباب: وحكمها الجواز ابتداء واللزوم بنفس العقد ما لم يقترن به ما يفسدها. وقال ابن عرفة: محمد: وهي جائزة إجماعا الصقلي: خلاف الاصم فيها لغو لانه مبتدع وفيها مع غيرها عقدها لازم كالبيع انتهى. وقد يعرض لها الوجوب إذ لم يجد الانسان من يستأجره بل بنفسه ووجبت إعانته. نقله الابي عن ابن عرفة في حديث نزول السيد عيسى وحكمة مشروعيتها، قال في اللباب: التعاون ودفع الحاجات وقد نبه الله على ذلك بقوله: * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * انتهى. باب صحة الاجارة بعاقد وأجر كالبيع ذكر رحمه الله من أركانها: العاقد وهو شامل للمؤجر والمستأجر وذكر الاجر، وسيذكر المنفعة ولم يذكر الصيغة، وكذلك ابن شاس وابن الحاجب والقرافي وابن عرفة وذكرها صاحب اللباب فقال: هي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك المنفعة بعوض. انتهى. تنبيه: لا يرد على المصنف مسألة الخياط المخالط يستخيطه الثوب فإذا فرغ أرضاه قال مالك: لا بأس بها لانها نادرة وبهذا اعتذر عن ابن الحاجب. ومسألة الخياط هذه هي في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من الجعل والاجارة ونصها: وسئل عن الخياط الذي بيني وبينه الخلطة ولا يكاد يخالفني أستخيطه الثوب، فإذا فرغ منه وجاء به أراضيه على شئ أدفعه إليه ؟ قال: لا بأس بذلك. قال ابن رشد: وهذا كما قال لان الناس استجازوه ومضوا عليه وهو نحو ما يعطى الحجام من غير أن يشارط عى عمله قبل أن يعمله، وما يعطى في الحمام، والمنع من هذا وشبهه تضييق على الناس وخرج في الدين وغلو فيه. قال الله تعالى: * (وما جعل

    [ 495 ]
    عليكم في الدين من حرج) * وقال * (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * ومما يدل على جوازه من السنة ما ثبت من أن رسول الله (ص) حجمه أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا من خراجه. وكره النخعي أن يستعمل الصانع حتى يقاطع بشئ مسمى. وكره ذلك ابن حبيب أيضا قال: ولا يبلغ التحريم والامر في ذلك واسع. انتهى ونقله ابن عرفة. فرع: قال في الذخيرة عن ابن يونس: إذا قلت: خطه بدرهم وقال: بدرهمين فخاطه فليس له إلا درهم. قاله ابن القاسم. لانك أعلمته بما ترضى به وكذلك قول ساكن الدار انتهى. وفي النوادر عن مالك من رواية ابن المواز: من دفع ثوبا بالخياط فقال: لا أخيطه إلا بدرهمين، وقال ربه: لا أخيطه إلا بدرهم وجعله عنده فخاطه، ليس له إلا درهم. قال: ومن سكن منزلا فقال له ربه: بدينارين في السنة، وقال الساكن: لا أعطي إلا دينارا وإلا خرجت إن لم ترض، فسكن ولم يجبه بشئ حتى تمت السنة قال: لا يلزمه إلا دينار انتهى. ومسألة الخياط لا تشبه مسألة كراء المنزل، لان رب الثوب لم يتول استيفاء المنفعة بنفسه فلذلك لم يفرقوا فيها بين تقدم قول الخياط وقول صاحب الثوب بخلاف لمنزل فإن المستأجر تولى استيفاء

    [ 496 ]
    المنفعة بنفسه مع علم رب المنزل بذلك، ففرقوا في ذلك بين تقدم قول الساكن وتأخر قوله عن قول صاحب المنزل. قاله ابن رشد في نوازل سحنون من جامع البيوع. وذكر فيه أيضا أن حكم ما أتلفه المشتري من السلع بحضرة ربه حكم ما ذكر من استيفاء المستأجر للمنفعة مع علم رب المنزل بذلك أنه يلزم من قوليهما الآخر. وقد تكلم على هذه المسألة بكلام جيد، وفرق فيه بين مسألة نوازل سحنون ومسألة سماع عيسى من كراء الدور وغيرهما من الروايات فانظره الله أعلم. تنبيه ثان: علم من تشبيه الاجرة بالثمن أنه يشترط فيها أن تكون معلومة الجملة والتفصيل أو التفصيل دون الجملة لان المذهب جواز ذلك في البيع. وقيل: لا يجوز. وقيل: بالكراهة على ما تقدم في البيع. ونقل القول بالمنع في التوضيح عن خارج المذهب، ونقله ابن عرفة عن ابن أبي مسلمة وسحنون. فعلى هذا لا تمتنع حراسة الاندر كل أردب مثلا بقدح لانه معلوم التفصيل مجهول الجملة ما لم يقترن بذلك ما يفسده من أعمال مجهولة ونحو ذلك. وقد ذكر البرزلي في أوائل مسائل الجعل والاجارة أن ابن أبي زيد سئل عن حراس الزرع والزيتون ليلا ونهارا بالضمان أو بغيره على أن كل قفيز عليه مدان أو ثلاثة، وهل يلزمهم تفريغ الشباك والاحمال أم لا ؟ فقال: أما استئجارهم لكل قفيز مدان فجائز، فإن شرطوا تفريغ الشباك ونزول الاحمال فيلزم، وشرط الضمان عليهم لا يلزم وله أجرة مثله ممن لا ضمان عليه. البرزلي: يجري على شرط ضمان ما لا يضمن في الاجارات والعواري وفيه خلاف، والمشهور ما قاله. وقوله: كل قفيز بمدين جائز معناه إذا عرف صفتهما كما قال. ويتوصل إلى معرفته بفرك سنبله ولا يراعى كثرة الاقفزة من قلتها لانه مأخوذ من كل قفيز فهو مجهول الجملة معلوم التفصيل، وهو جار على المذهب أيضا من جواز بيع الحنطة في سنبلها. وفي الذخيرة عن

    [ 497 ]
    الابهري ما يقتضي المنع. قال الابهري: يمتنع حمل الزرع على أن له في كل مائة أردب تخرج عشرة أرداب إذ لا يدري كم يخرج أردب وتجوز بالقتة لانها تحزر، ولعل هذا على القول بعدم جواز ذلك البيع وهذا هو الظاهر والله أعلم. وسئل أيضا عن حراستهم الاندر كلها بأقفزة معلومة ومنهم من يصيب ألفا ومائة قفيز أو أقل أو أكثر، هل هو على قدر الرؤوس أو الصابة ؟ فأجاب: استئجارهم الاندر بأقفزة معلومة إن كان قبل حصوله في الاندر ورؤيته فلا يجوز، وبعد رؤيته وحصوله فجائز ويكون مفضوضا على قدر الصابة. ووقع لسحنون أنه على الرؤوس والاول أحب إلي. قال البرزلي: وهذه إحدى المسائل التي اختلف فيها هل هي على قدر الانصباء أو على الرؤوس. انتهى والله أعلم. فرع: قال في المدونة في أكرية الدور: ولو سكن أجنبي طائفة من دارك وقد علمت به فلم تخرجه لزمه كراء ما سكن. أبو الحسن: لاحتمال تركه له للارفاق وكونه على جهة الاجارة، فلما احتمل الوجهان كان الاصل أن الاملاك على ملك مالكها ولا يمين عليه إلا أن يدعي عليه بالنص أنه أرفقه فيختلف في يمينه على الخلاف في دعوى المعروف، وأما إن لم يقم عليه إلا بسكوته فلا يمين انتهى. فرع: قال البزرلي في أواخر الوكالات وفي نوازل ابن الحاج: إذا أخرج أحد الشريكين في دين لاقتضائه دون إذن صاحبه فاقتضاه أو بعضه وطلب الاجرة من صاحبه وجبت له بعد حلفه أنه ما خرج لذلك متطوعا. قلت: إلا أن تشهد الغادة أن مثله لا يأخذ أجرة فيما ولي. أصله مسألة كتاب العارية وكراء الدور إذا سكن طائفة من داره بغير إذنه انتهى. وفي رسم طلق من سماع ابن القاسم من الرهون: وسئل مالك عن رجل يرهن الدار من رجل يضعها على يديه ويقتضي غلتها ويقوم في ذلك، ثم يطلب أن يعطى في ذلك أجرا فيما قام به. قال: من الناس من يكون له ذلك، ومنهم من لا يكون له ذلك. فأما الرجل الذي مثله يشبه أن يعمل بأجر ومثله يؤاجر نفسه في مثله، فإن طلبه فأرى ذلك له. وأما من مثله يعني فلا أرى له ذلك. ابن رشد: هذا نحو ما في رسم جامع من كتاب الجعل من سماع عيسى أنه يكون له إجارة مثله إن كان يشبه أن يكون مثله يعمل بالاجارة، وإنما له ذلك بعد يمينه ما أقام في ذلك وعنى به احتسابا، وإنما فعل ذلك ليرجع بحقه فيه على معنى ما قاله في أول سماع يحيى من الكتاب المذكور انتهى. وله أيضا في سماع يحيى من كتاب البضائع والوكالات قريب من هذا، وفي سماع ابن القاسم منه مسألة طالب النفقة على البضاعة كالقراض. وفي التوضيح وابن عرفة: في كتاب القراض شئ من هذا المعنى. وقال في آخر كتاب الرهون من الذخيرة: إذا تهدمت دار فتقوم عليها فلك الاجرة إن كان مثلك يعمل ذلك بأجرة بعد أن تحلف ما تبرعت انتهى. والقاعدة المذهبية في إيصال النفع للغير ذكرها ابن الحاجب في أواخر الاجارة، وكذا ابن عرفة، وذكرها القرافي في الرهون وفي اللقطة. وقال في المسائل الملقوطة:

    [ 498 ]
    إذا عجز صاحب الدابة عن علفها وسيبها فأعلفها غيره ثم وجدها ربها قال مالك: هو أحق بها لانه مكره على تركها بالاضرار لذلك، ويدفع ما أنفق عليها وقيل: هي لعالفها لاعراض المالك عنها. ذكر ذلك القرافي في الفرق التاسع والثلاثين والمائة. وفي الذخيرة في الركن الثالث من الاجارة: ولا شئ عليه في قيامه عليها لانه قام لنفسه انتهى. وعلم من تشبيه العاقد هنا بعاقد البيع أن الصبي المميز إذا أجر نفسه بغير إذن وليه صح ووقف على رضاه، وقد نص على ذلك في المدونة. قال في المتيطية: وليس لذي الاب والوصي أن يؤاجر أنفسهما دون إذنهما، فإن فعلا نظر في ذلك، فما رأياه من رد أو إمضاء فعلاه ما لم يعملا، فإن عملا كان لهما الاكثر من المسمى وأجرة المثل، فإن أصابهما من سبب العمل شئ فلهما قيمة ما نقصهما أو ديتهما إن هلكا، ولهما الاجرة إلى يوم أصابهما ذلك وليس لهما فيما أصابهما من غير سبب العمل شئ. انتهى. فرع: قال في المتيطية: وإن آجر الرجل ابنه من نفسه أو من غيره ومثله لا يؤاجر فسخت الاجارة وأنفق الاب عليه إن كان الاب غنيا والابن عديما لا مال له، فإن كان له مال أنفق عليه منه، وله أن يؤاجره فيما لامعرة على الابن فيه. وإن كان الاب فقيرا أو مقلا أو يريد تعليم الابن فيجوز له ذلك حينئذ وينفق عليه من أجرته، فإن فضل شئ حبسه عليه، وليس له أن يأكل مما فضل من عمل الصبي، وإن كان فقيرا خوفا من أن لا يتمكن الصبي من العمل فيما يستقبل أو يمرض فلا يجد ما يأكل. وقال ابن لبابة: لا بأس أن يكون بالمعروف انتهى. فرع: قال ابن عرفة: قال المتيطي وابن فتوح: ويجوز عقد الحاضنة على محضونها أما كانت أو غيرها، ولا ينفسخ إلا أن يزاد الصبي في أجرته فتقبل الزيادة ويفسخ عقد الام وينظر له أحسن المواضع ولو كان بأقل من موضع آخر، ولا تقبل الزيادة في عقد الوصي إلا أن يثبت أن فيه غبنا على اليتيم انتهى. فرع: قال في المتيطية: ولا يجوز استئجار الاعزب المرأة لتخدمه في بيته مأمونا كان أو غيره، فإن كان له أهل جاز إن كان مأمونا وكانت المرأة متجالة لا أرب للرجال فيها، أو كانت شابة ومستأجرها شيخ كبير فإن ذلك جائز. انتهى ونحوه في اللخمي. ونقله ابن عرفة. وفي الجعل منها في ترجمة إجارة نزو الفحل: وأكره للاعزب أن يؤاجر حرة ليس بينه وبينها محرم، أو أمة لخدمة يخلو معها أو يعادلها في محمل. انتهى. أبو الحسن الكبير: انظر هل الكراهة على بابها أو على المنع، لان فيه خلوة ؟ وعلى هذا حمله اللخمي وقال: لم يجز. وكذا نقله المتيطي وابن فتوح. وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى من النكاح: وسئل عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة، هل ترى له ذلك حسنا ؟ قال: لا بأس به وليدخل معه غيره أحب إلي ولو تركها الناس لضاعت. ابن رشد: وهذا على ما قال: إنه جائز

    [ 499 ]
    للرجل أن يقوم للمرأة الاجنبية في حوائجها ويناولها الحاجة إذا غض بصره عما. لا يحل له النظر إليه مما لا يظهر من زينتها لقوله تعالى: * (ويبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * [ النور: وذلك الوجه والكفان على ما قاله أهل التأويل فجائز للرجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة، فإن اضطر إلى الدخول عليها أدخل غيره معه ليبعد سوء الظن عن نفسه، فقد روي أن رجلين من أصحاب النبي (ص) لقيا النبي (ص) ومعه زوجته صفية رضي الله عنها فقال لهما: إنها صفية فقالا: سبحان الله يا رسول الله: فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإن خشيت أن يقذف في قلوبكما فتهلكا. انتهى. ص: (وعجل إن عين أو بشرط أو عادة أو في مضمونة لم يشرع إلا كري حج فاليسير وإلا فمياومة) ش: اعلم أن

    [ 500 ]
    التعيين تارة يكون في الاجرة، وتارة يكون في المنفعة المستأجرة. واعلم أنه يقضى بتعجيل الاجرة إذا شرط التعجيل، سواء كانت لاجرة شيئا بعينه أو شيئا مضمونا في الذمة. وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل، سواء كانت الاجرة شيئا معينا أو شيئا مضمونا، وسواء في ذلك الاجرة المعينة والمضمونة. وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت المنفعة المستأجرة مضمونة في ذمة الاجير وتأخر شروعه في العمل يومين، وأما لو أخره إلى يوم واحد فيجوز التقديم والتأخير. وقول المصنف: إن عين مستغنى عنه لان الاجر إذا كان معينا فإن شرط تعجيله أو كان العرف تعجيله صحت الاجارة وقضى بتعجيله للشرط والعرف، وهو مستفاد من قوله: أو بشرط أو عادة وإن لم يكن شرط ولا عرف فالاجارة فاسدة كما سيصرح به المؤلف فتأمله. ولا يرد هذا على ابن الحاجب لانه لا يفسد عنده إلا إذا كان العرف التأخير، فيحمل قوله: يعجل إن كان معينا على ما إذا لم يكن عرف ولا اشترط التعجيل، وهو خلاف قول ابن القاسم كما قاله في التوضيح قال في أوائل كراء الرواحل منها: ومن اكترى دابة لركوب أو حمل أو دارا أو استأجر أجيرا بشئ بعينه من عين أو عرض أو حيوان أو طعام فتشاحا في النقد ولم يشترط شيئا، فإن كانت سنة الكراء في البلد بالنقد جاز وقضى بقبضها،

    [ 501 ]
    وإن لم تكن سنتهم بالنقد لم يجز الكراء، وإن عجلت هذه الاشياء إلا أن يشترط النققد في العقد كما لا يجوز بيع ثوب أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ويفسخ. ابن القاسم: وإن اكترى ما ذكرناه بدنانير معينة ثم تشاحا في النقد، فإن كان الكراء بالبلد بالنقد قضى به وإلا لم يجز الكراء إلا أن يعجلها انتهى. قال أبو الحسن: قال عياض: قوله: إلا أن يعجلها أي يشترط ذلك في أصل العقد، يبين ذلك ما تقدم واختصره ابن يونس إلا أن يشترط تعجيله في العقد. وقوله أولا: إلا أن يشترط النقد في العقد الاستثناء منقطع كأنه يقول: لكن إن اشترط النقد في العقد جاز انتهى. ثم قال في المدونة إثر الكلام السابق كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غير، فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز وإلا لم يجز البيع، فأرى إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز إلا أن يشترط عليه إن تلفت فعليه مثلها، ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ولا عرض في بيع ولا كراء لانه مما يبتاع لعينه فلا يدري أي الصفقتين ابتاع ولا يراد من المال عينه. وقال غيره: في الدنانير هو جائز وإن تلفت فعليه الضمان انتهى. أبو الحسن: قوله: فأرى الكراء إن كان لا ينقد في مثله معناه ليس من سنتهم النقد. وذكر بعضهم عن بعض الشيوخ أنه قال: يحتمل أن يريد بقوله إن كان لا ينقد في مثله كبيع الخيار قال: ولم أره لغيره انتهى. وهذا الذي أشار إليه المؤلف في فصل كراء الدابة بقوله: وبدنانير عينت إلا بشرط الخلف انتهى. وقوله: أو في مضمونة لم يشرع فيها يريد لم يشرع فيها إلا بعد طول، وأما إن قرب الشروع فيجوز تأخير الكراء ويجوز اشتراط ذلك. قال المتيطي: فإن كان المضمون في الكراء إنما هو على أن يأتيه بها تلك الليلة أو في الغد، فلا بأس باشتراط تأخير الكراء إلى أجل. وقوله: إلا كري حج فاليسير لو أدخل الكاف لكان أشمل. قال المتيطي: روى أبو زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون ولم يذكر الحج ونصه: تعجيل النقد في الكراء المضمون إلى أجل هو الاصل. ولا يجوز تأخيره بشرط. واختلف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه دون شرط فقال مالك فيمن أكرى إلى الحج في غير إبان الحج ليخرج في إبانه لا بأس أن يقدم منه الدينار والدينارين ولا يجوز في غيره. وروى أبو زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون ولم يذكر الحج وقال: كم من كري ذهب بالكراء. وروى ابن المواز عن مالك كراهة تأخير النقد إلا أينقد أكثره أو ثلثيه. وقال مثله أشهب ثم قال: قال مالك: قد اقتطع الاكرياء أموال الناس فلا بأس أن ينقده الدينار والدينارين

    [ 502 ]
    يريد في غير الحج انتهى. وفي التوضيح عن الموازية: مثل الحج في غير إبانه واليسير الدينار والديناران على ما رجع إليه مالك والله أعلم. وقوله: وإلا فمياومة أي وإن لم تكن الاجارة مضمونة بل كانت معينة أو كانت مضمونة إلا أنه شرع فيها ولم يكن شرط ولا عرف والاجر غير معين فإنما تستحق الاجرة مياومة، وهذا عند المشاحة وإلا فيجوز التقديم والتأخير. صرح بذلك في أول مسألة من كتاب الجعل والاجارة من البيان ونقله ابن عرفة. تنبيهات: الاول: يعترض على المصنف بما اعترض به على ابن الحاجب في قوله فإن لم يكن شرطه ولا عادة أخذ مياومة. قال: ظاهر كلامه يتناول الصنائع بل الاجارة في العرف مقصورة عليها، والمذهب أن الصانع لا يستحق الاجرة عند الاطلاق إلا بعد تمام العمل انتهى. ومثله يقال عليه. وما قال: إنه المذهب هو في كتاب الجعل والاجارة من المدونة قبل ترجمة الدعوى في الاجارة ونصها: وإذا أراد الصناع والاجراء تعجيل الاجر قبل الفراغ وامتنع رب العمل حملوا على المتعارف بين الناس، فإن لم تكن لهم سنة لم يقض لهم به إلا بعد فراغ أعمالهم. وأما في الاكرية في دار أو راحلة أو في إجارة بيع سلعة ونحوه فبقدر ما مضى، وليس للخياط إذا خاط نصف القميص أخذ نصف الاجرة حتى يتم إذا لم يأخذه على ذلك. انتهى. الثاني: ما تقدم من أنه إذا كانت الاجارة غير مضمونة بل معينة يجوز التقديم والتأخير محله ما إذا شرع في العمل أو تأخر الشروع نحو العشرة الايام، وإن طال ذلك لم يجز تقديم الاجرة. قال ابن رشد في أول كتاب الجعل والاجارة من البيان: الاجارة على شئ بعينه مثل نسج الغزل وخياطة الثوب على قسمين: مضمونة في ذمة الاجير فلا تجوز إلا بتعجيل الاجر أو الشروع في العمل أو تعجيلهما، ومعينة في عينه فتجوز بتعجيل الاجر وتأخيره على أنه يشرع في العمل، فإن شرع إلى أجل لم يجز النقد إلا عند الشروع في العمل انتهى. وتأخير الشروع إلى يومين لا يضر. قاله في المدونة. أبو الحسن: وإلى عشرة أيام. وانظر كلامه عند قول المؤلف: وكراء دابة إلى شهر، ونقل كلام ابن رشد. فعلى هذا إذا كان العمل معينا على أن لا يشرع في العمل إلا إلى أجل وكان الاجر شيئا معينا تفسد هذه الصورة، لان كون الاجر معينا يقتضي تقديمه، وكون العمل في عين الاجير إلى أجل يقتضي تأخيره والله أعلم. الثالث: قال ابن رشد: إن صرح بكون العمل مضمونا كقوله: استأجرتك على كذا في ذمتك إن شئت عملته بيدك أو بغيرك، أو معينا كاستأجرتك على عمل كذا بنفسك، فلكل منهما حكمه وإن لم يصرح. وظاهر اللفظ أنه مضمون كقوله: أعطيتك كذا على خياطة هذا الثوب، حمل على المضمون اتفاقا إلا أن يعرف أنه يعمله بيده أو كان عمله مقصودا لرفقه وأحكامه. وإن كان ظاهره التعيين كاستأجرتك على خياطة هذا الثوب أو على أن تخيطه ولا

    [ 503 ]
    يقول أنت، ففي حمله على المضمون أو المعين قولان، المشهور أنه يحمل على المضمون أيضا إلا أن يعلم أنه يعمله بيده أو يكون قصد عمله لرفقه وأحكامه. انتهى. الرابع: قال ابن عرفة عن ابن فتوح: إن قام من آجر عبده يطلب أجره بعد تمام عمله فأجرته تجري مجرى الحقوق في الفسحة وضرب الاجل، وإذا آجر العبد نفسه أو الحر وطلب ذلك بعد الخدمة قال ابن حبيب: لا ينبغي أن يحملا كالحقوق عند وجوبها ويجب تعجيل أجرهما لقوله عليه الصلاة والسلام: أعطوا الاجير حقه قبل أن يجف عرقه إلا أن يؤخر الاجير من استأجره بأجرة سنة ثم يطلب فيحمل محمل الحقوق. انتهى. الخامس: قال في الذخيرة عن ابن يونس: كره مالك نقد الكراء في السفن لانها لا تجب إلا بالبلاغ، وجوزه ابن نافع وقال: له من الكراء بحساب ما قطع. فإن عطب قبل البلاغ وادعيت النقد صدق عليك لان الاصل عدمه ولا يشهد بعضهم لبعض للتهمة. وقيل: يجوز كما في قطع الطريق. انتهى. ص: (كمع جعل) ش: أي وكذلك تفسد الاجارة إذا جمعها مع الجعل. وقاله في أول كتاب الجعل من المدونة. فرع: لا يجوز اجتماع الاجارة مع السلف. قال في المدونة: وإن دفعت إلى حائك غزلا ينسج لك ثوبا بعشرة دراهم على أن يسلفك فيه رطلا من غزل لم يجز لانه سلف وإجارة انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قال ابن يونس: الاجارة بيع من البيوع يحرم فيها ما يحرم من البيع وقد ورد النهي عن بيع وسلف. انتهى. ص: (لا بيع) ش: يعني أن الاجارة مع البيع ليست بفاسدة بل يجوز اجتماعها معه، وأطلق رحمه الله في ذلك وفيه تفصيل، فإن كانت الاجارة في غير الشئ المبيع فذلك جائز، وإن كانت الاجارة في الشئ المبيع كما لو باع له جلودا على أن يحذوها البائع نعالا للمشتري فقال في التوضيح عن ابن عبد السلام: في ذلك قول مشهور بالمنع. خليل: هو قول سحنون. قال في النوادر: وهو خلاف قول ابن القاسم وأشهب. انتهى. وقول سحنون هذا هو الذي في العتبية في آخر سماع سحنون من باب البيع والاجارة ونصه: وسئل عن البيع والاجارة فقال: جائز في غير ذلك الشئ بعينه. قال ابن

    [ 504 ]
    رشد: هذا معلوم مشهور من مذهب سحنون أن البيع و الاجارة في الشئ المبيع عنده لا يجوز على حال، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح إن كان ذلك فيما يعرف وجه خروجه كبيعه ثوبا على أن على البائع خياطته أو قمحا على أن يطحنه أو فيما لا يعرف وجه خروجه ولكن يمكن إعادته للعمل كبيعه صفرا على أن يعمل البائع منه قدحا وما أشبه ذلك فذلك جائز، وأما ما لا يعرف وجه خروجه ولا يمكن إعادته للعمل كبيعه غزلا على أن على البائع نسجه أو الزيتون على أن على البائع عصره أو الزرع على أن على البائع حصاده ودرسه وما أشبه ذلك فلا يجوز باتفاق انتهى. وقاله ابن رشد أيضا في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من جامع البيوع. وفي رسم أمهات الاولاد من سماع عيسى من تضمين الصناع: وفي كراء الرواحل من المدونة قريب من ذلك وصرح به في أواخر كتاب التجارة إلى أرض الحرب ونصه: وأما إن ابتعت ثوبا على أن يخيطه لك أو نعلين على أن يحذوهما فلا بأس به، وإن ابتعت منه قمحا على أن يطحنه لك فاستخفه مالك بعد أن كرهه وكان وجه ذلك عنده معروفا، وجل قوله فيه التخفيف على وجه لانه القيام. قال أبو الحسن في شرحه الكبير: فإن هلك الثوب أو القمح قبل خياطته أو قبل طحنه سقط عن المشتري قدر الاجارة وكان ضمان الباقي منه، وهذا إذا كان غير البائع يتولى عمل ذلك كله، وأما إن كان البائع هو الذي يتولى عمله لضمنه لانه صانع انتهى. تنبيهات: الاول: قال القباب في باب بيع الغرر: زاد اللخمي فيما لا يعرف وجه خروجه وتمكن إعادته إلا أن يكون اشترى جملة ما يعمل منه فلا يجوز، لانه كلما أعيد نقص منه فلا يقدر أن يعمل منه إلا دون الاول كالفضة على أن على البائغ صياغتها، والصفر على أن يعمل منه أقداحا وما أشبه ذلك. الثاني: من البيع والاجارة أن يدفع الانسان ثوبه لمن يرقعه له أو نعله لمن يشركها فلا يجوز ذلك حتى يريه الجلد والرقعة لان ذلك مبيع، فلا بد من رؤيته أو ما يقوم مقام الرؤية من الصفة في الشئ الغائب الذي يتعذر الوصول إليه حالة العقد. هذا إذا كان عند الصانع الجلود والرقاع، فإن لم يكن عنده انضاف إلى ذلك بيع ما ليس عنده من غير أجل السلم إلا أن يكون لا يعدم ذلك فلا يحتاج إلى طول الاجل، ويكفي الوصف التام كما في سائر السلم ولا يكتفى بالوصف إلا إذا كان ما يريد أن يعمل منه غير موجود عنده حين العقد ولا يتعذر عليه غالبا لكونه لا يعدمه ويكثر عنده. قاله القباب في الباب المذكور. الثالث: صورة المسألة أن يشتري منه المبيع بكذا على أن يعمل فيه كذا أو يعمل له في غيره، وأما لو اشترى المبيع بثمن على حدة ثم استأجره بأجرة أخرى فليس من هذا الباب، لان المراد أن يجتمعا في عقد واحد وذلك واضح.

    [ 505 ]
    الرابع: إذا اشترى جبنا أو لحما بالوزن على أن على البائع أن يقلي ذلك، فذكر سيدي أبو عبد الله بن الحاج في فصل خروج العالم إلى السوق من المدخل أن في ذلك وجوها من المنع منها: أنه اشترى منه الدهن الذي يقلى به وهو مجهول، وأنه اشترى منه ما يوقد به تحته وهو مجهول كذلك، وأنه لا يعلم وزنه بعد القلي، وأنه لا يعلم أجرة قليه، وهذان الاخيران لا يضر جهلهما كما يظهر ذلك مما تقدم، وأما الاولان فالمنع بسببهما ظاهر. الخامس: إذا هلك المبيع قبل أن يعمل العمل المستأجر عليه فيه فقال في الرسم المتقدم في تضمين الصناع: لا ضمان على البائع ويحط عن المشتري بقدر الخياطة والطحن من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصناعات بنفسه فيسلك به مسلك الصناع في الضمان فيكون عليه قيمة الثوب يوم البيع وهو الصحيح. وقيل: يوم ذهب ويقوم غير معمول ويفض الثمن الذي وقع به البيع على الثوب والعمل فيكون للبائع منه ما ناب الثمن، فإن كان له فضل على القيمة أخذه، وإن كان عليه أداه، وإن قامت على الضياع بينة سقط عنه الضمان وفض الثمن أيضا على الثوب والعمل فلا يكون للبائع منه إلا ما ناب الثوب. انتهى بالمعنى. وقال الشيخ أبو الحسن في شرحه الكبير إثر كلام المدونة السابق: فإن هلك الثوب أو القمح قبل خياطته أو قبل طحنه سقط عن المشتري قدر الاجارة وكان ضمان الباقي منه. وهذا إذا كان غير البائع يتولى عمل ذلك، وأما لو كان البائع هو الذي يتولى عمله لضمنه لانه صانع انتهى. وفهم من هذا أنه لو ضاع بعد العمل لم يحط عن المشتري شئ من الثمن، ويفضل فيه بين أن يكون البائع هو الصانع أو غيره على ما تقدم. السادس: لو اختلفا في الضياع هل هو قبل العمل أو بعده، لم أر فيه نصا، والظاهر أن القول قول المشتري فتأمله. السابع: علم من هذا أن البيع والاجارة يجوز اجتماعهما ولو كان البائع لا يتولى العمل المستأجر عليه بنفسه والله أعلم. وهذه التفريعات كلها إنما هي على المشهور من جواز اجتماعهما، وقد حكى اللخمي عن القاضي قولا بالمنع والله أعلم. الثامن: البيع والكراء كالبيع والاجارة يجوز اجتماعهما في عقد واحد. صرح به في المدونة في أول كراء الرواحل وغيره. ص: (وكجلد لسلاخ) ش: هو كقول ابن الحاجب:

    [ 506 ]
    ولو استأجر السلاخ بالجلد لم يجز. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن تكون الشاة حية أو مذبوحة وهو كذلك، ولعله إنما منع من ذلك لانه لا يستحقه السلاخ عنده إلا بعد السلخ، ولا يدري كيف يخرج هل يخرج سليما من القطع أم لا، وفي أي جهة يكون القطع. انتهى ونقله في التوضيح. وأتى المصنف بالكاف ليدخل اللحم. قال في أوائل كتاب الجعل والاجارة من المدونة: ولا يجوز الاستئجار على سلخ شاة بشئ من لحمها انتهى. وانظر لو استأجره برأس الشاة أو بالاكارع هل يجوز أم لا ؟ والظاهر أنه إن استؤجر على الذبح فقط أو عليه وعلى السلاخ فلا يجوز لانه لا يدري هل تصح ذكاتها أم لا، وأما إن استأجره على السلخ وحده بعد الذبح فذلك جائز لانه غرر فيه فتأمله والله أعلم. تنبيه: قال في التوضيح: خليل: قد تقدم في بيع الجلود على ظهور الخرفان في البيوع ستة أقوال، فينبغي أن تأتى هنا اه‍. وجزم به ابن عرفة كما سيأتي. ص: (ونخالة لطحان) ش: قال ابن عبد السلام: للجهل بقدرها لانه كالجزاف غير المرئي، ولو استأجره بصياع من النخالة بأن يقول له: اطحنه ولك صاع من نخالته فيحتمل أن يتخرج على القولين في الاجارة على الطحن بصاع من الدقيق، ويحتمل الجواز على القولين لاختلاف صفة الدقيق دون النخالة غالبا والنفس أميل إلى المساواة بالدقيق لان من الطحن ما تخرج نخالته كثيرة الاجزاء ومنه ما لا تخرج كذلك. انتهى ونقله الشيخ في التوضيح. وقال ابن عرفة: ابن شاس: لو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة لم تجز. قلت: الجلد جار على ما تقدم في بيعه، والنخالة تجري على حكم الدقيق انتهى. ونقل ابن غازي كلام ابن عرفة بلفظ: النخالة تجري على الخلاف في الدقيق. وعبارته أصح وأحسن لايهام العبارة الثانية أن الخلاف في كل من صورتي النخالة - أعني صورة الجزاف وصورة المكيل - فتأمله. والمشهور في مسألة الدقيق جواز الاستئجار بصاع منه كما سيأتي، فتجوز الاجارة بصاع من النخالة، وإذا علم هذا ففي قول صاحب الشامل: وجاز طحن بجزء من دقيقه على الاصح لا بالنخالة أو صاع منها وجاز بدرهم وصاع منها نظر من وجهين ظاهرين. أحدهما: أنه قد علم أن الاستئجار بصاع منها جائز، أما على القولين اللذين في الدقيق أو على المشهور منهما. الثاني: قوله: وجاز بدرهم وصاع منها يناقض قوله الاول وهذا ظاهر والله أعلم. ص: (وجزء ثوب لنساج) ش: يعني أن الاجارة تفسد إذا جعل أجرة النساج جزء الثوب الذي ينسجه للجهل، وكذلك جزء جلد أو جلود لدباغ. قال في كتاب الجعل والاجارة من المدونة:

    [ 507 ]
    ولايجوز أن تؤاجره على دبغ جلود أو عملها أو ينسج ثوبا على أن له نصف ذلك إذا فرغ، لانه لا يدري كيف يخرج ذلك، ولان ما لا يجوز أن يؤاجر به انتهى. فهذا مجهول وقال عليه الصلاة السلام: من استأجر أجيرا فليعلمه بأجرة وقال في حديث آخر: فليؤاجره بشئ معلوم. وفهم من قول المؤلف: جزء ثوب أنه لو استأجره بجزء من الغزل أو بجزء الجلد أو الجلود قبل الدباغ أن ذلك جائز، وهو كذلك إذاشرعليه تعجيل ذلك أو يكون العرف وإلا فسدت الاجارة. وكذلك لو دفع له نصف الجلود ونصف الغزل من الآن وشرط عليه نسج الجميع أو دبغ الجميع ثم يأخذ جزأه فلا يجوز للتحجير، فإن أعطاه الغزل على جزء ولم يبين هل من الثوب أو من الغزل فقاابن حبيب: يجوز. قال المصنف في التوضيح: أصل ابن القاسم المنع وجزم به في الشامل فقال: فلو دخل على جزء غير معين منع خلافا لابن حبيب. تنبيهات: الاول قال اللخمي في الجعل والاجارة وإن قال: ادبغ نصف هذه المائة بنصفها وشرطا نقد النصف جاز إذا كانت تعتدل في القسم والعدد أو تتقارب، وإن تباين اختلافهما لم يجز من أجل الجهل بما يدبغ لانه لا يدري هل يدبغ ستين أو أربعين، وليس يفسد من أجل الجهل بما يصير للعامل في أجرته لانه شراء نصفها على الشياع جائز وإن لم يعتدل في القسم انتهى. الثاني: منه: فإن لم يفسخ قال في هذه الصورة: حتى قاسمه ودبغ جميعها كان له النصف الذي أخذه أجرة بقيمته يوم قبضه بعد المقاسمة وله إجارة المثل في النصف الآخر انتهى. وكذا لو فات النصف الذي أخذه أجرة بغير الدبغ للزمه قيمته يوم قبضه، ولو كان النصف قائما لرده وكان له أجرة مثله وهذا بين والله أعلم.

    [ 508 ]
    الثالث: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو استأجر السلاخ بالجلد والنساج بجزء من الثوب والطحان بالنخالة لم يجز، فإن وقعت المسألة على ما قاله المصنف فقال أصبغ: له أجرة مثله والثوب والجلود لربها. ابن عبد السلام: يريد أصبغ لانه لم يجعل له النصف إلا بعد الفراغ من العمل، فعلى هذا إن فاتت الجلود بيد الصانع بعد الدبغ فله نصفها بقيمتها يوم خرجت من الدباغ ولربها النصف الآخر وعليه أجرة المثل في دباغ الجميع، ولو دفع إليه نصف الجلود قبل الدبغ على أن يدبغها مجتمعة فأفاتها بالدباغ فله نصفها بقيمتها يوم قبضها، وله أجرة عمله في نصفها للتحجير في نصف الدابغ وهذا بين. وأشار بعضهم إلى أنه يختلف في ضمان الصانع لنصفها في هذا الوجه الاخير إذا شرع في دباغها، ويختلف في فواتها بالشروع لان قبضه ليس قبضها حقيقيا لانه غير متمكن من الانتفاع بما قبضه. الرابع: قال اللخمي: في الوجه الاول. أعني إذا قاله له: ادفع المائة على أن لك نصفها بعد الدفع إن شرع في العمل من التمادي حتى يفرغ، وكذلك النسج إن شرط أن ينسج له غزلا بنصفه فأخذ في النسج مكن من التمادي لان في نزعها عليه حينئذ مضرة. واعترضه ابن عرفة وقال: هذا خلاف قول أهل المذهب في المساقاة الفاسدة أن ما يرد منها لاجارة المثل يفسخ ولو بعد العمل بخلاف ما يرد لمساقاة المثل. وما قال ابن عرفة هو الظاهر فقد قال اللخمي في باب المساقاة بعد أن ذكر مسائل يرجع فيها إلى أجرة المثل: وأخرى يرجع فيها إلى مساقاة المثل وهكذا الجواب في كل موضع يرجع فيه إلى أجرة المثل فإنه يعطي العامل أجرة عن الماضي ولا يمكن من التمادي، وكل موضع يرجع فيه إلى مساقاة المثل لا ينزع منه بعد العمل حتى يتم ما دخل فيه، وعلله بأنه مساقاة المثل العوض فيها من الثمرة، فلو فسخت ذهب عمله باطلا، وفي الاجارة العوض في الذمة لا يذهب عمله باطلا. وذكر ابن عرفة كلامه هذا في

    [ 509 ]
    آخر المساقاة، وذكره أيضا عن عبد الحق عن غير واحد من شيوخ صقلية، وزاد مع المساقاة القراض قال: وذكره ابن رشد غير معزو وكأنه المذهب وكذا عياض، وقيد الفوات بعمل له بال فتأمله والله. أعلم. ص: (أو رضيع وإن من الآن) ش: يعني أن الاجارة تفسد أيضا فيما إذا استأجر من يرضع صبيا بجزء منه. وقوله: وإن من الآن مبالغة في هذه المسألة فقط دون ما قبلها ويعني به أن الاجارة فاسدة، سواء شرط أخذ الجزء المستأجر به بعد تمام مدة الرضاع أو شرط أخذه الآن. أما الاول فظاهر لانه معين يتأخر قبضه وهو شامل لوجهين أيضا: الاول: أن يشترط أخذه بعد المدة ويكون فيها على ملك ربه. الثاني: أن يشترط أخذه بعد المدة لكنه على ملك المستأجر كما تقدم في مسألة الجلود والغزل. وأما الوجه الثاني وهو ما إذا شرط أخذ الجزء المستأجر به من الآن فيتبادر جوازها كما في مسألة الجلود والغزل، وعلله ابن عبد السلام بأن الصبي لما كان مما يتعين ولو تعذر تعليمه بموت أو غير ذلك لم يلزم ربه خلفه صار نقد الاجرة فيه كالنقد في الامور المحتملح بشرط، وعلى هذا التقدير فسواء كانت الاجرة جزءا منه أو غير ذلك انتهى. وتصور كلام المصنف من الشرح والحاشية ظاهر. تنبيه: ذكر ابن أبي زيد رحمه الله في مسألة التعليم التي جعلها المصنف وابن عرفة مساوية لهذه أنه إذا وقع وشرط قبض نصفه بعد السنة فسخ، فإن فات وعلمه سنة ولم يفت العبد فله قيمة تعليمه والعبد لسيده، وإن فات بعد السنة بيعد المعلم فالعبد خينهما وعلى ربه قيمة تعليمه وعلى المعلم نصف قيمته يوم تمام السنة معلما، وإن شرط قبضه الآن وفات بيد

    [ 510 ]
    المعلم بعد تمام السنة فله نصف قيمة تعليمه وعليه نصف قيمة العبد يوم قبضه ويكون بينهما والله أعلم ص: (وبما سقط أو خرج من نفض زيتون أو عصره) ش: أي وكذا تفسد الاجارة إذا استأجره على نفض الزيتون بما يسقط منه أي بجزء مما يسقط. وعلى عصره بما خرج منه من الزيت أي بجزء مما يخرج منه للجهل بقدر ما يسقط وما يخرج من العصر ولو في شئ منه وكيف يخرج. قاله في المدونة. قال: ولانه لا يقدر على الترك إذا شرع. ونص كلامه في آخر كتاب الجعل والاجارة: وإن قال له: انفض شجري أو حركها فما نفضت أو سقط فلك نصفه لم يجز، لانه مجهول. وإن قال: اعصر زيتوني أو جلجلاني فما عصرت فلك نصفه لم يجز، لانه لا يدري كم يخرج ولا كيف يخرج وإذا لا يقدر على الترك إذا شرع وليس هكذا الجعل والحصاد يدعه متى شاء إذا قال: فما حصدت من شئ فلك نصفه انتهى. فقد بين وجه عدم جواز عصر الزيتون بجزء مما يخرج منه، وأما وجه عدم جواز النفض والتحريك فقال الشيخ أبو الحسن عن القاضي إسماعيل: لان الشجر يختلف، فمنه ما هو ناجح يقل ما يسقط منه، ومنه ما هو بخلافه انتهى. فلا يصح ذلك إجارة ولا جعلا للجهل المذكور بخلاف مسألة الحصاد الآتية في قول المصنف: فما حصدت فلك نصفه فإنه يقدر على الترك متى شاء وما يحصده فله نصفه فهو معلوم، ومثل الحصاد اللقط. قال في المدونة: وإن قال له: فما حصدت أو لقطت فلك نصفه جاز وله الترك متى شاء لانه جعل، وكذلك الجداد إذا قال له: جد من نخلي ما شئت فما جددت فلك نصفه. صرح به ابن رشد في أوائل كتاب الجعل. والفرق بين الحصاد والجداد واللقط وبين النفض والعصر، أن الحصاد والجداد وا للقط من مقدوره ولا مانع له إلا الكسل، وكلما أراد أن يقطع عرجونا أو يحصد موضعا أو يلقط شيئا علم أن له نصف ذلك قبل عمله بخلاف النفض والتحريك فإنه غير منوط بمقدوره فهو يعمل العمل ولا يدري هل يسقط شئ أم لا، وهل يقدر أو يترك وكذلك العصر فتأمله.

    [ 511 ]
    تنبيهات: الاول: قال أبو الحسن عن ابن القصار: ومعنى التحريك هنا النفض باليد، وأما بالقضيب فهو كالحصد قال: وهذا بعيد لان النفض باليد غير معتاد انتهى. ونقله في التوضيح. قال في التوضيح بعد ذكره مسألة النفض: ابن يونس: لو قال: انفضه كله ولك نصفه جاز انتهى. وكلامه يوهم أنه تقييد لقول ابن القاسم وكلام ابن عرفة يفهم أنه إنما نقله عن ابن حبيب وأن ابن القاسم يخالفه فتأمله والله أعلم. الثاني: إذا وقع شئ من هذه الوجوه الفاسدة وأتم العمل على ما قالا فللعامل أجرة مثله وجميع الزرع لربه، فإن قسما على ما قالا فما أخذه العامل حرام، وما أخذه رب الزرع فلا يحرم عليه لان الزرع جميعه له، ذكر ذلك الشيخ أبو الحسن الصغير ويأتي ما يشبه ذلك في كراء الارض بالطعام. الثالث: ما يسقط من التمر بين الكرانيف والسعف يسمى الجلالة، لا يجوز الاستئجار عليه بجزء منه إذ لا يحاط بقدره لاختفائه بين الكرانيف. قاله في رسم قطع الشجرة من سماع ابن القاسم من الاجارة. ص: (كاحصد وادرس ولك نصفه) ش: قال في المدونة: وإن قال: احصده وادرسه ولك نصفه لم يجز لانه استأجره بنصف ما يخرج من الحب وهو لا يدري كم يخرج ولا كيف يخرج، وكذلك لو بعته زرعه جزافا وقد يبس على أن عليك حصاده

    [ 512 ]
    ودرسه وذريه لم يجز لانه اشترى حبا جزافا لم يعاينه. ولو قال: على أن كل قفيز بدرهم جاز لانه معلوم بالكيل وهو يصل إلى صفة القمح بفرك سنبله، وإن تأخر درسه إلى مثل عشرة أيام أو خمسة عشر يوم فهو قريب. وقال قبله: ومن قال لرجل: احصد زرعي هذا ولك نصفه أو جد نخلتي هذه ولك نصفها جاز، وليس له تركها لانها إجارة وكذلك لقط الزيتون. انتهى. أي إذا قال له: القط زيتوني ولك نصفه قال أبو الحسن عن الامهات: فحين يحصده وجب له نصفه. عياض: ظاهر هذا أنه إنما يجب له بعد الحصاد، والذي يأتي على أصولهم أنه وجب له بالعقد. ألا تراهم جعلوا ما هلك قبل حصاده وبعده من الاجير ؟ قال الرجراجي: هذا هو المشهور. وقال في التوضيح: ابن حبيب: والعمل في تهذيبه بينهما. ابن يونس: يريد ولو شرط في الزرع قسمته حبا لم يجز وإن كان إنما يجب له بالحصاد فجائز، وكذلك في كتاب ابن سحنون. عبد الحق: ولا يجوز قسمه قتا ويدخله التفاضل وفي هذا خلاف في الربويات وغيرها. واعترض منع قسمته حبا بأنه شرط يوافق مقتضى العقد لان الاجير لا يستحقه إلا بعد عمله وحينئذ لا يتمكن من أخذ نصيبه إلا مهذبا. وأجيب بمنع أنه لا يملكه إلا بعد الحصاد فقد قال ابن القاسم: إذا تلف قبل أن يحصده أو بعد أن حصد بعضه هو منهما وعليه أن يستعمله في مثله أو مثل ما بقي منه وخالف في ذلك سحنون. انتهى بالمعنى وا للفظ. فقد ظهر الفرق بين هذه المسألة الممنوعة والمسألة الجائزة الآتية في قوله: واحصد هذا ولك نصفه بأن هنا لما استأجره على حصاده ودرسه فكأنه استأجره بالحب وذلك لا يجوز، وفي المسألة

    [ 513 ]
    الاخرى إنما استأجره بنصف الزرع القائم الذي يحصده وذلك صحيح والله أعلم. ص: (لا كخشب) ش: قال في المدونة: لا يجوز كراؤها بشئ مما تنبت ولو كان من غير الطعام من قطن أو كتاب أو إصطبة وهي المشاق أو قصب أو قرط أو تبن أو علف، ولا بزعفران ولا بطيب يشبهه ولا بعصفر ولا بطعام ولو لم تنبته، فلا يجوز بلبن محلوب أو في ضروعه أو بجبن أو عسل أو بسمن أو تمر أو صير وهي نوع من الحيتان تملح أو بشئ من الانبذة والاشربة أو بفلفل أو بزيت الكتاب أو الجلجلان أو بسمك أو بطير الماء الذي هو للسكين أو بشاة اللحم. أبو الحسن: يعني العلوف أو الشارف. وقوله: الاشربة يعني التي تشرب لا التي يتداوى بها إلا أن تكون طعاما. ثم قال في المدونة: ولا بأس بكرائها بالعود والصندل والحطب والجذوع وبالعين انتهى. وقال ابن عرفة: ولا بأس بكرائها بالماء. قلت: ولا يتخرج منعها به على أنه طعام لانه قول ابن نافع وهو يجيزه بالطعام غير الحنطة وجنسها. قال: وجعل ابن الحاجب وابن شاس القصب كالجذوع وقبله. ابن هارون: لا أعرفه بل قولها: لا يجوز كراؤها بالقصب انتهى. وقال في التوضيح: هو بفتح بالصاد المهملة. ونقل الجواز عن صاحب التلقين، وإذا كان كذلك فيرد إنكار ابن عرفة، وأما ما ذكره عن المدونة فإنما هو القضب بالضاد المعجمة كذا رأيته في نسخة مصححة، وبدليل ذكره له مع القرط والتبن والعلف ولعله ظن كلام ابن الحاج أنه كذلك. تنبيهات: الاول: قال ابن ناجي: ابن عرفة: قول اللخمي يجوز كراؤها بالمصطكي نص في أنها غير طعام. الثاني: شدد سحنون فقال: من أكراها بما يخرج منها فذلك جرحة، وتأوله أبو محمد على من كان عالما أنه لا يجوز وهو مذهبه أو قلد من مذهبه المنع. سحنون: ولا يأكل طعامه ولا يشترى منه ذلك الطعام الذي أخذه في كرائها، وتأوله ابن رشد على أنه من الورع. الثالث: إذا وقع ذلك فإنما له كراؤها بالدراهم. وذكر الشيخ أبو محمد أن عيسى بن مسكين وغيره من قضاة أصحابنا بإفريقية حكموا بأن يعطى له قيمة الجزء الذي يقع له من ثلث أو ربع دراهم، لانه لا يعرف لها بالمغرب قيمة كراء بالعين، ولم يعتبروا قيمة كرائها يوم العقد لانه لا كراء على المكتري في , الارض إذا لم يصب فيها شيئا. ابن عرفة عن المتيطي: قال بعض الموثقين: أرض الاندلس عندي بخلاف ذلك الكراء فيها معروف فيجب أن يقضى فيها بكراء المثل. قلت: وكذا الامر عندنا في أرض تونس وفي قولهم: ينظر إلى ما يقع له من ذلك الجزء ربع أو ثلث دراهم نظر، لان ظاهر البناء على ما دخلا عليه من الجزء وهو عقد فاسد

    [ 514 ]
    فيجب لغو ما دخلا عليه، وينظر إلى قيمتها بالجزءان لو جاز فيها، ثم ينظر إلى قيمة ذلك الجزء انتهى. وما قاله ظاهر لا شك فيه ولا يعدل عنه والله أعلم. الرابع: قال في آخر الجامع من الجواهر لما تكلم على الزرع: كره مالك شراء طعام من مكتري الارض بالحنطة، هذا ومذهبه أن الطعام كله له وإنما عليه كراء الارض عينا. انتهى. وهذا والله أعلم إذا لم يتب ويصلح ما وقع له على الوجه الشرعي، وأما لو فعل ذلك فلا يظهر للتوقف حينئذ وجه، وقد ذكر الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر الشفعة أنه يقوم من مسألة الاخذ بالشفعة ممن اشترى بدراهم مغصوبة جواز شراء ما يحصل بالمعاملة الفاسدة قبل أن يصلحا شأنهما. قال: فعلى هذا يجوز شراء مكتري الارض بالطعام قبل أن يصلح شأنه مع ربها، فالكلام الاول على التنزه وما هو الاولى والله أعلم. الخامس: قال فيها: ومن أكرى أرضه بدنانير مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعاما ولا إداما وليأخذ ما يجوز أن يبتدئا به كراءها والله أعلم. السادس: يجوز كراء الارض بشجر بأصولها يأخذها من المكتري إن لم يكن فيها ثمر، فإن كان فيها ثمر لم يجز. قاله في المدونة. السابع: قال فيها: ويجوز بيع رقبة الارض بشجر فيها ثمر كما تباع بطعام عاجل وآجل انتهى. وقال في النوادر بعد أن ذكر منع كراء الارض بما يؤكل أو يشرب من الاشربة وبما يخرج من الارض ما نصه: ولا بأس بشرائها بذلك كله ما لم يكن فيه يومئذ طعام انتهى. كذا في النسخة، وصوابه: ما لم يكن فيه يومئذ طعام ثم قال في النوادر: ولا بأس أن تكتري بئرا إلى جانب أرضك لتسقيها بمائها بما شئت عن الطعام انتهى. وقد تقدم أن الماء غير ربوي وأنه يجوز بيعه بطعام إلى أجل كما صرح به في السلم الثالث من المدونة. الثامن: قال اللخمي: يجوز كراؤها بثياب القطن والكتان لان الصنعة غيرتها والله أعلم. ص (وحمل طعام لبلد بنصفه إلا أن يقبضه الآن) ش: أي إلا أن يشترط أن يقبض نصفه الآن. قال في كتاب الجعل والاجارة من المدونة: ولا يجوز أن يحمل لك طعاما إلى بلد كذا

    [ 515 ]
    بنصفه إلا أن تنقده نصفه مكانك لانه شئ بعينه بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل انتهى. قال أبو الحسن: هذا بالشرط، ولو اشترط أن ينقده فلا إشكال في المنع، وإن وقع الامر مبهما فعلى مذهب ابن القاسم هو على الفساد حتى يشترط قبض نصفه الآن، وعلى مذهب أشهب وابن حبيب وسحنون هو جائز حتى يشترط أن لا يقبضه إلا بعد البلاغ، ونحوه في ابن يونس. تنبيهان: الاول: قال في كتاب الجعل والاجارة من المدونة: ولا يجوز أن يقول له: احمل طعامي هذا إلى بلد كذا ولك نصفه إلا أن يعطي نصفه نقدا، ولا يجوز على تأخيره إلى البلد لو اكتال نصفه هاهنا ثم يحمل الجميع إلى البلد لم يجز أيضا. قال ابن حبيب: ولو سلم له نصفه إن شاء حمله أو حبسه لجاز انتهى. فمعنى الاول أنه كان له نصفه وشرط عليه أن يحمل الجميع إلى البلد والله أعلم. الثاني: إذا وقع ذلك وحمله للبلد فذكر ابن يونس عن ابن أخي هشام أن للحمال نصفه وعليه مثله في الموضع الذي حمله منه وله كراؤه في النصف الآخر ما بلغ. قال: وعاب هذا بعض شيوخنا. وقال: يلزم عليك إذا هلك الطعام أن تضمن نصفه لانه على قوله بالقبض لزم ذمته وهذا بعيد، لان فساد المعاملة منع المكاري من قبض حصته إلى أن يصل للبلد المحمول إليه، فكيف يضمن إذا هلك قبل البلد وهو إنما يصير له بعد الوصول إليها، وإنما يكون الطعام كله لربه وعليه إجارة حمله كله، وهذا هو الصواب كما في مسألة دبغ ئالجلود ونصها: ونسج الثوب على أن له نصف ذلك إذا فرغ فعمل على ذلك فإن له أجر عمله والثوب والجلود لربها فكذلك هذا. انتهى. أبو الحسن: ويظهر لي أن قول ابن أخي هشام هو ظاهر الكتاب من قوله، لانه لا شئ بعينه بيع على أن يتأخر قبضه تأمله. وفي مسألة الجلود والثوب شرط أنه إنما يقبض بعد الفراغ انتهى. فإن أفات الحمل النصف بعد وصوله للبلد المحمول إليه فعليه مثله في ذلك الموضع وله جميع الكراء والله أعلم. ص: (وكان خطته اليوم بكذا وإلا فبكذا) ش : قال فيها: وإن آجرت رجلا يخيط لك ثوبا إن خاطه اليوم فبدرهم، وإن خاطه غدا فنصف

    [ 516 ]
    درهم أو قلت له إن خطت خياطة رومية فبدرهم، وإن خطته خياطة عربية فبنصف درهم، لم يجز وهو من وجه بيعتين في بيعة، فإن خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص. قال غيره في المسألة الاولى: إلا أن يزيد على الدرهم أو ينقص من نصف الدرهم فلا يزاد ولا ينقص. أبو الحسن: ويعتبر في التقويم التعجيل والتأخير أي يقال كم قيمة خياطة هذا الثوب اليوم ؟ وكم قيمة خياطته إلى غد ؟ ونحوه في ابن يونس سحنون وقول ابن القاسم أحسن. فرعان: الاول: إذا استأجره على خياطة ثوب بدرهم ثم قال له عجله لي اليوم وأزيدك نصف درهم، فإن كان على يقين من أنه يمكنه تعجيله فذلك جائز، وإن كان لا يدري إذا أجهد نفسه هل يتم أم لا، فكرهه مالك، ومثله استئجار رسول على تبليغ كتاب لبلد بكذا ثم زيادته على أن يسرع في السير فيبلغه في يوم كذا يفصل فيه كما تقدم. هذا الذي ارتضاه ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من الاجارة ونصه: سئل مالك عن الرجل يستخيط الثوب بدرهم ثم يقول له بعد ذلك عجله لي اليوم ولك نصف درهم قال مالك: لا أرى به بأسا، وأرجو أن يكون خفيفا ولم يره كالرسول يزاد لسرعة السير. قال ابن رشد: أما الذي يستخيط الرجل الثوب بأجل مسمى ثم يزيده بعد ذلك على أن يعجله له فلا إشكال أن ذلك جائز، لان تعجيله ممكن له، ولا ينبغي أن يتعمد تأخيره ومطله إضرارا به لغير سبب، وله أن يتسع في عمله ويؤخره لعمل غيره قبله أو للاشتغال بما يحتاج إليه من حوائجه على ما جرى من عرف الصناع في التراخي في أعمالهم، فإذا زاده على أن يتفرغ له ويعجله جاز لانه أخذ ما زاده على فعل ما يقدر عليه ولا يلزمه انتهى. ونقله ابن عرفة وبعض الكلام في التوضيح والله أعلم. الثاني: من استأجر غلمانا يخيطون الثوب كل شهر بشئ مسمى فلا يجوز أن يطرح على أحد منهم ثيابا على أنه إن فرغ منها في يوم فله بقيته، وإن لم يفرغ منها في يوم كان عليه يوم آخر لا يحبسه له في شهر إن كان ذلك كثيرا لكثرة الغرر في ذلك، وإن كان ذلك يسيرا فذلك خفيف. قاله في أول سماع ابن القاسم من الاجارة. ص: (واعمل على دابتي فما حصل فلك نصفه) ش: قال ابن غازي: أي فما حصل من ثمن أو أجرة بدلالة لقوله بعد: وجاز بنصف ما يحتطب عليها انتهى. وقوله: من أجرة لعله يريد في صورة العكس التي

    [ 517 ]
    في قوله عكس لتكريها وإلا فليس في هذه الصورة أجرة إنما فيها ثمن، ولفظ المصنف نحو لفظ المدونة وفسر الشارح بأن المراد الثمن. تنبيهات: الاول: لا فرق في ذلك بين الدابة والسفينة والابل قاله في المدونة. وكذلك في عكس هذه المسألة لا فرق بينهما، وزاد في المدونة معها في هذه مسألة الدار والحمام أعني فيما إذا دفع إليه هذه الاشياء ليكريها، وسكت في المسألة الاولى أعني قوله: اعمل على دابتي عن الدار والحمام. فقال عياض: لان ما لا يذهب به ولا عمل فيه لمتوليه كالرباع فهو فيها أجير والكسب لربها ويستوي فيها اعمل وآجر، ونقله أبو الحسن وقبله، وكذلك قال اللخمي: قوله في السفينة اكرها واعمل عليها سواء إن كان فيها قومه ربها لانه إنما يتولى العقد فغلتها لربها وله أجر مثله، ولو كان سافر فيها بمتاعه فالربح له ولربها الاجارة، والحمام والفرن إن لم يكن فيهما دواب ولا آلة الطحن كان ما يؤاجر به للعامل أجر المثل، وإن كانا بدوابهما ويشتري الحطب من عند صاحبهما أو من غلتهما فما أصاب لربهما وللعامل وعليه أجرة المثل وإنما هو قيم فيهما، وكذا الفندق ما أكرى به مساكنه لربه وللقيم إجارته. انتهى. الثاني: لا فرق أيضا فيما إذا قال: اعمل على دابتي أو في سفينتي أو إبلي، وبين أن أيقول لي أو لا يقولها على ظاهر رواية الاكثرين وصريح رواية الدباغ. وفي الجلاب: إذا قال: اعمل لي كان الكسب كله لرب الدابة. قال عياض: والصواب الاول ولافرق بين أن يقول لي أو لم يقلها إذ هو المقصود. نقله أبو الحسن. الثالث: إذا أصيب ما عمل عليها قبل بيعه فهو من العامل. نقله أبو الحسن.

    [ 518 ]
    الرابع: إذا قال: اعمل على دابتي قال ابن عرفة الصقلي: لو عمل فلم يجد شيئا فعليه الكراء لانه في ذمته. ولابن حبيب: إن عرف أنه عاقه عائق فلا شئ عليه إذا لم يكرها بشئ مضمون عليه. قلت: وهذا نحو اختلافهم في القرض على الاداء من شئ بعينه يتعذر وهو مذكور في القراض. وقال قبله اللخمي: إن قال: أكر دابتي ولك نصف ما تكريها به فمضى بها ثم ردها وتعسر عليه كراؤها لم يكن له شئ لانه فاسد، والحكم أن يردها ولا يتم ذلك الفاسد. الخامس: لو قال أكرها فعمل عليها كان الكسب للعامل ولربها كراء المثل لانه تعدى على منافع الدابة على غير ما أذن له، وإن قال اعمل عليها فأكراها فقال ابن القاسم: ما أكريت به للاجير ولربها إجارة المثل. وقال في كتاب الشفعة: ما أكريت به لربها لان ضمان منافعها منه. انتهى من ابن عرفة. السادس: من هذا الباب لو قلت له: بع سلعتي والثمن بيني وبينك أو ما زاد على مائة بيني وبينك فقال في المدونة: ذلك لا يجوز والثمن له وللبائع أجر مثله. ابن يونس عن بعض القرويين: الفرق بين إن وقف وساوم ولم يأته أحد فالاشبه له أجر مثله إلا أن يتأول أنه جعل فاسد والاشبه الاول. أبو الحسن: وهذا على أن الجعل الفاسد يرد إلى صحيح أصله وعلى أنه يرد إلى صحيح غيره له أجر مثله. ص: (وجاز بنصف ما يحتطب عليها) ش: وكذا إن قال: لك نقلة ولي نقلة، أو ما تنقل اليوم لي وغدا لك، أو تعمل عليها اليوم لي وتبيعه وتعمل عليها غدا لك، فإن شئت بعته وإن شئت أخذته لنفسك. نقله ابن عرفة وغيره. تنبيهات: الاول: إذا قال: بنصف ما تحتطب عليها لي جائز كما تقدم، وقد يعرض له

    [ 519 ]
    ما يفسده كقوله: ولا تأخذ نصفك إلا بعد بيعه مجتمعا أو نقله لموضع كذا مجتمعا. قاله ابن عرفة. الثاني: إذا وقع على الوجه الفاسد فالكسب بينهما نصفان، ويرجع العامل على ربها بنصف إجارة مثله ويغرم لربها نصف كراء الدابة في ذلك العمل. قاله ابن عرفة أيضا. الثالث: إذا قال: اعمل عليها اليوم لي وغدا لك فقد تقدم أنه جائز أيضا. اللخمي: فإن عمل اليوم ثم تلفت الدابة فللعامل على ربها أجر مثله وليس له أن يكلفه أن يأتي بأخرى، فلو عمل ما للعامل وتلفت قبل أن يعمل ما لربها فهل لربها كراؤها أو يأتيه بدابة أخرى يعمل عليها لان المعمول عليه لا يتعين ؟ والاول أبين لان خلف ذلك يتعذر. ابن عرفة: القول الاول قول ابن القاسم في العتبية. ولما ذكره الصقلي قال الشيخ: أعرف فيها أن على رب الدابة أن يأتيه بأخرى يعمل عليها وهو على أصلهم. قال في الطرر فيمن أعطى دابته وفأسد على أن الحطب مناصفة فضاع الفأس، فضمانه من ربه ويحلف الاجير إن كان متهما ونقله الوانوغي

    [ 520 ]
    هنا. ص: (واستئجار المالك منه) ش: يريد ما لم يؤد إلى دفع قليل في كثير كما في بيوع الآجال. ص: (وتعليمه بعمله سنة من أخذه) ش: قال أبو الحسن في الكبير بعد أن نقل عن عبد الحق والتونسي كلاما طويلا، تحقيق هذا الذي قالوه في مسألة الغلام أو معلم الصناعة باع منافعه بمنافع الغلام سنة، فإذا مات الغلام عند تمام المدة فلا كلام، وإن مات قبل الشروع في المدة فلا " كلام أيضا في فسخ الاجارة بينهما، وإن مات قبل تمام المدة فلا بد من المحاسبة، فإن وفى الصانع ثلثي الصنعة ووفى الغلام ثلث العمل فقط وجب المردود للصانع وهو ثلث إجارته يرجع به على سيد الغلام إذ هي بقية قيمة منافعه التي وفى. ولو كان الحال بالعكس بأن يوفي العامل ثلثي العمل ولم يحد له المعلم إلا ثلث الصنعة لوجب المردود للسيد يرجع بثلث أجرة الغلام، ولو استويا فيما وفى كل واحد لصاحبه لسقطت المراجعة بينهما انتهى. ابن عرفة: بعض شيوخ عبد الحق ما حاصله إن مات في نصف السنة فإن كان قيمة تعليمه في النصف الاول مثلي قيمة تعليمه في النصف الثاني، وقيمة عمله في النصف الاول نصف قيمة عمله في النصف الثاني، رجع ربه بثلث قيمة تعليمه. قلت: الاظهر منع إجارته بعمله لانه يختلف بحسب سرعة تعلمه وبعده انتهى. ص: (وإجارة دابة لكذا على أن استغنى فيها حاسب) ش: لو قال: على أن استغنى عنها لكان أبين ويريد بشرط لا أن ينقد لانه إن نقد يكون تارة ثمنا وتارة سلفا. قاله في التوضيح وعزاه لمالك في العتبية والموازية، والمسألة في أول كتاب الرواحل من البيان، ولا مفهوم لقوله: دابة بل وكذلك غيرها إذ يجوز أن يستأجر الرجل الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا على أن المستأجر متى شاء أن يترك ترك إذا لم ينقد. ثم نقله في التوضيح عن المدونة ثم قال: ومنعهما سحنون قال في البيان: والجواز ووافق أظهر سحنون

    [ 521 ]
    على الجواز في كراء الدار سنة على أنه إن خرج قبلها حاسبه. انتهى كلام التوضيح. ومسألة كراء الدار هذه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الدور والارضين. فرع: فإن اكترى دابة لبلد معين على أنه إن لم يجد حاجته فيها تقدم خلى موضع آخر فقال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كراء الدور: في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز إلا أن يسمي الموضع الذي شرط أنه بالخيار في أن يتقدم إليه ويكون تبعا للكراء الاول وبحسابه، فإن لم يكن تبعا للكراء الاول أو كان بخلافه أرخص أو أغلا أو مبهما لا يدري إن كان بحسابه أم لا إلا بعد النظر لم يجز، وهو مذهب ابن الماجشون. والثاني: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه أو كان وجهه معروفا، فإن لم يسمه كان بحساب الكراء الاول وإن لم يكن تبعا وهو ظاهر قول مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا وما في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا. والثالث: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه أو كان وجهه معروفا وإن كان بخلاف الكراء الاول أو غير تبع له، وهذا قول ابن القاسم. انتهى. وانظر توجيهها فيه، والمراد بكونه تبعا يعني أقل من الاول والله أعلم. ص: (واستئجار مؤجر) ش: تصوره ظاهر. فرع: قال في كتاب الجعل والاجارة من معين الحكام: إذا اكترى دارا عشر سنين بعدد

    [ 522 ]
    معلوم دفعه إليه وسكن الدار شهرا أو سنة ثم أراد اشتراءها من ربها فقال أبو بكر بن عبد الرحمن: شراء المكتري لها عندي جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء، وعلى هذا لو انهدمت الدار قبل انقضاء أمد الكراء كانت المصيبة من المشتري إذ الكراء قد انفسخ. وقال الشيخ أبو عمران: شراء المكتري لها جائز ويكون ذلك فسخا للكراء ويكون بقية الكراء مضافا إلى ثمن الدار فيجعل ذلك كله ثمنا للدار انتهى. ونقل الوانوغي في الثمن قولين: الاول: أنه ما وقع به البيع دون الاجرة، والثاني: ما وقع به البيع وما يجب لبقية المدة من الكراء ونصه: ما نقل ابن الرفيع عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبى عمران الفاسي نقله ابن سهل وابن عات، وقد اتفقا على أن ذلك فسخ لما بقي من المدة. فقال أبو بكر: الثمن ما وقع به البيع دونه. وصوبه ابن سهل. وقال أبوعمران: الثمن ما وقع به البيع وما يجب لبقية المدة من الكراء انتهى. ومنه قبل هذا بنحو الورقتين: ومن آجر أمته لم يمنع من وطئها، فإن حملت انفسخت الاجارة إذا كان الحمل منه، ومن أجر عبده ثم باعه فالاجارة أولى به، فإن كانت الاجارة كاليوم واليومين جاز البيع، وإن بعدت مدة الاجارة فسخ البيع. ونحو هذا في المدونة. قال أبو الحسن في الكبير: قال عبد الحق: وهذا إذا رضي المبتاع وإلا فله القيام بهذا العيب إذا لم يعلم أنه في إجارة انتهى. وقال في معين الحكام أيضا مسألة: لو أجره شهرا ثم باعه فلم يعلم المشتري حتى انقضى الشهر قال بعض المتأخرين: البيع ماض وهو كعيب ذهب وللمشتري أجرة الشهر أحب البائع أم كره، ولا يدخله بيع عبد وذهب بذهب لان هذا أمر جرت إليه الاحكام. قال بعضهم: الاجارة للبائع ويخير المشتري في أن يأخذه بغير إجارة أو يرده، ولا يجوز أن يتراضيا على أخذ العبد وإجارته، انتهى منه. قال أبو الحسن عن ابن يونس: وقيل: بل يقوم العبد على أن يقبض يوم عقد البيع ثم يقوم على أن يقبض بعد شهر، فما نقص رجع بحصة ذلك من الثمن وهذا أحسنها صح منه وهو لابي إسحاق ومنه: وإن كان إنما علم بها بعد انقضاء الاجارة وكانت قريبة كاليوم واليومين جاز. ويختلف هل له متكلم في إجارة هذين اليومين على ما سيأتي انتهى. ويشير إلى الاختلاف المتقدم في الامد البعيد والله أعلم. وفي الاجارة من المعونة فصل: يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الاجارة مالا يكون غررا يخاف

    [ 523 ]
    تغيرها في مثله خلافا لابي حنيفة ولاحد قولي الشافعي لقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * ولانه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر، لان المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء أمد الاجارة، وكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع أصله إذا باع أمة قد زوجها. وقال فيها أيضا: ويجوز بيع العين المستأجرة من مستأجرها وغيره والمنفعة للمستأجر إلى انقضاء الاجارة وللمؤجر جميع الاجرة، وفي جهل المشتري الاجارة يثبت له الخيار انتهى. وقال ابن جزي في القوانين: ويجوز بيع الارض والرباع المكتراة خلافا للشافعية، ولا ينفسخ الكراء ويكون واجب الكراء في بقية أمد الكراء للبائع، ولا يجوز أن يشترطه المشتري لانه يؤل إلى الربا إلا إن كان البيع بعروض، وإن لم يعلم المشتري أن الارض مكتراة فذلك عيب وله القيام به انتهى. وفي كتاب الاجارة من الجلاب: ومن اكترى دارا أو أرضا مدة معلومة فلا بأس أن يبيعها من مكتريها قبل تمام المدة، ولا بأس أن يبيعها من غيره لانه إذا أعلمه بالاجارة فإن باعها منه ولم يعلم المشتري بالاجارة فهو عيب إن شاء المشتري رضي به، وإن شاء رد، ولا سبيل له إلى فسخ الاجارة قبل مضي المدة، والاجرة على كل حال للبائع دون المبتاع. قال التلمساني: لانه ليس في ذلك أكثر من أنه باع دارا أو أرضا يتأخر قبضها مدة من الزمان لا تتغير في مثلها، ولا يجوز أن يشترط الاجرة المشتري لنفسه لانه يدخله الذهب بالذهب متفاضلا. ثم قال: قال مالك: ومن ساقى حائطا ثم باعه فالبيع ماض والمساقاة ثابتة لا ينقضه البيع. الابهري: لان عقد المساقاة لازم كعقد الاجارة. انتهى ونحوه للقرافي. وفي أواخر مسائل الاجارة من البرزلي ما نصه: مسألة ابن عات: من أكرى داره ثم باعها فإما أن يبيعها من المكتري أو من غيره، فإن باعها من غيره فإن لم يعلم بالكراء فهو عيب إن شج ء رد وإن شاء تماسك، وإن علم به فلا رد له ولا كراء إلا أن يشترطه، وإن اشترطه فإن وجب الكراء للبائع أو بعضه بمضي المدة فلا خلاف في المنع إذا بيعت الدار بذهب وهو ذهب ولد بالورق على قول ابن القاسم إلا أن يكون الثمن نقدا أو يكون أقل من صرف دينار وإن لم يجب شئ من الكراء على المكتري للبائع لكونه لم يمض من المدة شئ، وإن اشترطه في العقد ففي جوازه قولان، فابن رزق يجيزه ووافقه غيره، ومنهم من منعه ونسب لابن القاسم في الدمياطية، ومنهم من قال: هو للمبتاع اشترطه أم لا، وأما إن باعها من المكتري فقال ابن عبد الرحمن وأبو عمران: هو جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول أبي بكر بن عبد الرحمن ولما بقي من المدة قول أبي عمران. ابن سهل: وجواب أبي عمران أميل إلى الصواب. وسئل الشارقي وابن دحون وابن الشقاق عن المكتري إذا ابتاعها بشرط أن الكراء عنه محطوط، فأجابوا أن ذلك لا يجوز. ابن دحون: هذا إن كان إسقاطه مشترطا في العقد وإن وضعه البائع بعد البيع جاز. قال الشارقي: وأجازه ابن حزم وهو خطأ. يريد أنه ابتاع الدار والكراء عليه بالثمن الذي دفع فصار ذهبا

    [ 524 ]
    وعرضا بذهب وهو بين الفساد. ابن سهل: وجوابها ولاء لا يدل على أن الكراء لا يفسخه الشرط انظر تمامه. انتهى. وانظر الجواهر وكلام الوانوغي في جوابه والله أعلم. ص: (وعدم التسمية لكل سنة) ش: قال في التوضيح: يجوز ذلك كما يجوز أن يستأجر سنة بكذا وإن لم يعين لكل شهر شيئا وكان المقصود من شهور السنة بعضها كما أشار إليه في المدونة في دور مكة ويرجع إلى التقويم عند حصول مانع. تفريع: فإن شرطا الرجوع إن حصل مانع إلى القيمة دون التسمية جاز اتفاقا، وإن شرطا الرجوع للتسمية دون القيمة امتنع اتفاقا، وإن دخلا على السكة فمذهب ابن القاسم وروايته في المدونة أن التسمية لغو ويقضي بالقيمة، وهو قول أصبغ وسحنون. ولمالك في العتبية أن الكراء فاسد. ذكر ذلك في البيان، وانظر ابن عرفة في ابتداء مدة السكنى والله أعلم. ص: (والنقض لربه) ش: انظر على من تكون أجرة نقضه، والظاهر أنها على البائع. قال اللخمي: وإن أكرى أرضه لمن يتخذها مسجدا وضربا لذلك أجلا جاز، فإن انقضى الاجل كان له أن ينقض ذلك ما لا يصح بقاؤه للسكنى ولا يوافق بناء الدور، وما يصح بقاؤه إن لم يجعله حبسا كان لصاحب الارض أن يأخذه بقيمته منقوضا وإن حبسه فاختلف هل له أخذه وأن ذلك له أحسن انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله كلام اللخمي هذا: قلت: قوله: له نقض ما لا يصح للسكنى تبع فيه التونسي قال: لان رب الارض لا يقدر أن ينتفع بها على صورة مسجد دارا الصقلي

    [ 525 ]
    عن بعض القرويين: إلا أن يلتزم إبقاءه مسجدا فيأخذه بقيمته منقوضا ويلزمه إبقاؤه مسجدا. انتهى. ص: (وعلى طرح ميتة) ش: قال في المدونة: ولا بأس بالاستئجار على طرح الميتة والدم والعذرة. انتهى. ونبه على هذا لئلا يتوهم أن هذه الاشياء لما كانت محرمة كان الاجر على ذلك محرما كالاستئجار على حمل الخمر، لان المحرم الاستئجار على حمل الخمر للانتفاع بها، ولو استؤجر على طرحها وإراقتها جاز. قال أبو الحسن في الكبير: والفرق بينهما أنه في مسألة الخمر آجر نفسه على حمل الخمر للانتفاع بها وذلك حرام، وفي مسألة الميتة الاجارة على طرحها لا للانتفاع بها، ولو كانت الاجارة على الميتة للانتفاع بها لم يجز كالخمر، انتهى. فرع: قال في المدونة: ولا يؤاجر على طرح الميتة بجلدها إذ لا يجوز بيعه وإن دبغ. انتهى ص: (والقصاص والادب) ش: قال أبو الحسن الصغير: قال اللخمي: الاجارة على القتل والجراح جائزة وإذا كان عن قصاص أو لحق الله تعالى، ولا يستأجر في ذلك إلا من يرى أنه يأتي الامر على وجهه ولا يعبث في القتل ولا يجاوز في الجرح انتهى. وقال في المدونة: ولا بأس بالاجارة على قتل قصاص أو على ضرب عبدك وولدك للادب، وأما لغير ما ينبغي من الادب فلا يعجبني، وإن آجره على قتل رجل ظلما فلا أجر له. انتهى. أبو الحسن: قوله: أو على ضرب ولدك أو عبدك قالوا: أو يصدق أنه فعل ما يوجب ذلك. فلو أقر في العبد أنه لم يفعل ما يوجب عليه الادب فهل يمكن من الضرب اليسير دون سبب أو لا ؟ في ذلك اختلاف ويصدق في الزوجة أنها فعلت ما يستوجب الضرب. انتهى. وانظر تمامها فيه والله أعلم. ص: (وعبد خمسة عشر عاما) ش: نحوه في المدونة. وفي سماع أشهب من الاجارة: سئل مالك عمن استأجر أجيرا خمسة عشر عاما قال: هذا كثير لا يصلح ولكن لا بأس أن يستأجر عاما وينقده إجارته. ابن رشد: قوله: وينقده إجارته دليل على أنه إنما كره

    [ 526 ]
    الخمسة عشر عاما مع النقد. وظاهر ما في الجعل والاجارة إجازة النقد في الخمسة عشر عاما خلاف قول غيره فيها. انتهى. اللخمي: الامد في المستأجر يختلف باختلاف الامن والخوف في تلك المدة. فأوسعها في الاجل الارضون ثم الدور ثم العبيد ثم الدواب ثم الثياب، فيجوز كراء الارض ثلاثين سنة وأريعين بغير نقد إلا أن تكون مأمونة الشرب، فيجوز مع النقد، ويجوز مثل ذلك في الدور إذا كانت جديدة مأمونة البناء وإن كانت قديمة فدون ذلك قدر ما يرى أنه يؤمن سلامتها في الغالب، واختلف في العبيد فأجاز في كتاب محمد العشرين سنة بالنقد، وفي المدونة خمسة عشر سنة، ومنعه غير ابن القاسم في العشرين، وأرى أن ينظر في ذلك إلى سن العبد، وكذلك الحيوان يختلف في إجارتها باختلاف العادة في أعمارها، فالبغال أوسعها أجلا لانها أطول أعمارا، والحمير دون ذلك، والابل دون ذلك والملابس في الاجل مثل ذلك، ويفترق الاجل في الحرير والكتان والصوف والقد يم والجديد فيضرب من الاجل لكل واحد بقدره انتهى. فرع: قال في المدونة: والموصى له بخدمة عبد عشر سنين لا بأس أن يكتريه عشر سنين. أبو الحسن: معناه ويجوز النقد فيه بشرط، وأما الموصى له بخدمة عبد حياته فلا يجوز أن يكريه عشر سنين. ابن يونس: يريد بالنقد وأما إذا لم ينقد فجائز لانه كلما عمل أخذ بحسابه والله أعلم. ص: (ويوم أو خياطة ثوب مثلا وهل تفسد إن جمعهما وتساويا أو مطلقا خلاف) ش: يعني أن المنفعة التي هي أحد أركان الاجارة إذا كانت صنعة يجوز أن تقيد بالزمن كخياطة يوم مثلا أو بمحل تلك الصنعة كخياطة ثوب مثلا، فإن جمع بينهما أي بين التقييد بالمحل والزمن فقال في البيان في شرح أول مسألة من كتاب الجعل والاجارة فإن كان الامر في ذلك مشكلا فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، وإن كان الاشكال في أن العمل يمكن تمامه قبل انقضاء الاجل فقد قيل: إن ذلك جائز، والمشهور أن ذلك لا يجوز. انتهى ونقله في

    [ 527 ]
    التوضيح وكذا قال اللخمي، إلا أنه اختار القول بإمضاء هذه العقدة نقله عنه ابن عرفة. وقال ابن عبد السلام: الذي قاله من يرتضي من الشيوخ أن الزمن الذي قيدت به الاجارة إن كان أوسع من العمل بكثير فلا يختلف في الجواز، وإن كان أضيق بكثير فلا يختلف في المنع، وإن كان الزمن مساويا لمقدار العمل ففيه قولان، اختلف الشيوخ في تعيين المشهور منها. انتهى باختصار. فالضيق لا يجوز، والمساوي لا يجوز أيضا عند ابن رشد باتفاق، وعند ابن عبد السلام على أحد المشهورين فجزم المصنف بالفساد فيه لقوة القول بالفساد لحكاية ابن رشد الاتفاق. والواسع يجوز عند ابن عبد السلام باتفاق، ويمنع عند ابن رشد على المشهور وإلى اتفاق ابن عبد السلام هذا ومشهور ابن رشد أشار بالخلاف والضيق لم يتعرض له لانه واضح الفساد ولانه لما لم يحك مع التساوي قولا بالجواز علم أن الضيق أحرى منه. فقوله: وتساويا مفهومه إن لم يتساويا يريد بأن كان أوسع فلا تفسد على القول الاول ثم قال: أو مطلقا أي تفسد مطلقا، سواء كان مساويا أم واسعا خلاف والله أعلم. فرع: قال في شرح مسألة من أول رسم سماع أشهب: فعلى القول بأن ذلك لا يجوز يكون للاجير إن فاتت الاجارة بالعمل أجرة مثله بالغة ما بلغت على تعجيلها أو تأخيرها، فأما على القول بأن ذلك جائز، فإن فرغ منه في اليوم الذي سمى كانت له الاجارة المسماة، وإن لم يفرغ منه إلا بعد ذلك كانت له إجارته على غير التعجيل لان المستأجر إنما رضي به من

    [ 528 ]
    الاجرة على التعجيل، فإذا أعطاه ذلك لم ينبغ أن يأخد ماله باطلا انتهى. ص: (والعرف في كغسل خرقة) ش: قال ابن غازي: أي وجاز اعتبار العرف أو واعتبر العرف انتهى. قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: ويحمل في الدهان وغسل الخرق وغيره على العرف، وقيل على الظئر: قوله: وغيره أي كحميمه ودق ريحانه ونحو ذلك على العرف. فإن اقتضى أنه على الظئر فعليها، وإن اقتضى أنه على الاب فعليه، وهذا مذهب المدونة. ولم يصرح فيها بالحكم إذا لم يكن عرف نعم نص ابن حبيب على أنه مع عدم العرف على الاب. وقوله: وقيل على الظئر أي مع عدم العرف لان العرف محل اتفاق، وهذا القول لابن عبد الحكم وكلامه يوهم أن هذا القول يخالف مع ثبوت العرف. انتهى. ص: (ولزوجها فسخه إن لم يأذن) ش: تصوره واضح ونحوه في المدونة قال فيها: وترضعه حيث اشترطوا فإن لم يشترطوا موضعا فشأن الناس الرضاع عند الابوين إلا امرأة لا يرضع مثلها عند الناس أو يكون الاب وضيعا لا يرضع مثلها عنده فذلك لها. وقال أبو الحسن: اللخمي: ورضاع الولد في بيتها إلا أن تكون العادة رضاعه عند أبويه لان من باع سلعة معينة لم يكن عليه نقلها إلى دار المشتري. ص: (كأهل الطفل إذا حملت) ش: ولهم فسخ الاجارة إلا أن يخاف على الصبي الموت فيكون عليهم فسخ الاجارة، وإن خيف عليه ضرر غير الموت فيكون لهم تركه ولكن على الكراهة هذا. قاله أبو الحسن. وذا والله أعلم إذا لم يتحقق الضرر. فرع: قال في المدونة: ولا يلزمها أن تأتي بغيرها. أبو الحسن: ولا يلزم الاب ذلك إذا طلبته هي وإن تراضيا على ذلك، فإن كان نقدها الاجرة فلا يجوز لانه فسخ دين في دين على أصل ابن القاسم، وإن لم ينقد جاز. انتهى. وكرر المصنف المسألة في آخر الباب في قوله: وحمل ظئر أو مرض ص: (وموت إحدى الظئرين) ش: الظئر بالظاء المعجمة والهمزة المرضع، ويريد المصنف إذا استأجرهما جميعا أو استأجر الثانية بعد الدولي وعلمت بها. قال في المدونة: ومن آجر ظئرين فماتت واحدة فللباقية أن لا ترضع وحدها، ومن آجر واحدة ثم آجر

    [ 529 ]
    أخرى فماتت الثانية فالرضاع للاولى لازم كما كانت، وإن ماتت الاولى فعليه أن يأتي بمن ترضع مع الثانية. قال أبو الحسن: عبد الحق: هذا إن علمت حين الاجارة أن معها غيرها، وإن لم تعلم فلا كلام لها لانها دخلت على أن ترضع وحدها وكذلك ذكر حمديس. فرع: قال في المدونة: وإذا مرضت الظئر مرضا لا تقدر معه على الرضاع فسخت الاجارة، ولو صحت في بقية منها أجبرت على الرضاع بقيتها ولها من الاجر بقدر ما أرضعت، وليس أن ترضع ما مرضت قال غيره: إلا أن يكون الكراء انفسخ بينهما فلا تعود قال ابن القاسم: وإن تمادى بها مرضها حتى مضى وقت الاجارة فلا تعود إلى رضاع. أبو الحسن: مفهوم كلامه ولو كان مرضا تقدر معه على الرضاع لم ينفسخ وإن كان يضر به وليس كذلك. قال اللخمي: تفسخ الاجارة بمرضها إن لم يرج برؤها عن قرب، فإن كان يرى أنه لا يذهب عن قرب ثم تبين خلاف ذلك وذهب قريبا لم تنقض الاجارة إن لم يكونا تفاسخا، ويختلف إن كانا تفاسخا هل ذلك حكم مضى أو يرد لانهما أخطأ فيما ظنا. أبو الحسن: وإن كان يذهب عن قرب فلا تفسخ الاجارة، وظاهر قوله فيها ولو صحت في بقية المدة أجبرت سواء فسخت الاجارة أو لم تفسخ فيكون قول الغير خلافا. وقد اختلف الشيوخ في ذلك هل هو خلاف أو تفسير، ويكون معنى قول ابن القاسم أجبرت ما لم يتفاسخا انتهى. قلت: وهذا هو الظاهر وسيذكر المصنف مسألة مرض المرضعة في آخر الباب. فرع: قال أبو الحسن: اللخمي: إن تكفلت قبل الاجارة ووجب سجنها سجنت. ثم ينظر في فسخ الاجارة حسبما تقدم في موضعها. وإن تكفلت بعد الاجارة لم تسجن لان ذلك تطوع يمنع من قبض ما باعته انتهى. وقد تقدم في باب الضمان نحو هذا وأوسع منه فانظره. ص: (وموت أبيه ولم تقبض أجرة إلا أن يتطوع بها متطوع) ش: قال في المدونة: وإن مات الاب ولم يدع مالا ولم تأخذ الظئر من إجارتها شيئا فلها فسخ الاجارة، ولم تطوع رجل بأدائها لم تفسخ وما وجب للظئر فيما مضى ففي مال الاب وذمته ولا طلب فيه على الصبي انتهى. قال ابن يونس: ولو قبضت إجارتها ولم يدع الاب شيئا لم يكن للورثة أن

    [ 530 ]
    يفسخوا الاجارة، ويأخذوا منها حصة باقي المدة ولكن يتبعون الصبي بما ينوبهم من أجرة باقيها، وهذا استحسان وتوسط بين القولين انتهى. وقال في المدونة قبل ذلك: وإن هلك الاب فحصة باقي المدة من الاجر في مال الولد. قدمه الاب أو لم يقدمه، وترجع حصة باقي المدة من الاجرة إن قدمه الاب ميراثا، وليس ذلك عطية وجبت إذ لو مات الصبي لم تورث عنه وكانت للاب خاصة دون أمه ففارق معنى الضمان انتهى. قاله في النكت. وهذا بخلاف ما إذا قدم الاب أجرة تعليم ولده ثم مات فإنها لا تكون ميراثا، والفرق بينهما أن التعليم لا يلزم الاب فلما أوجبه على نفسه لزمه حيا وميتا، وأما أجرة الرضاع فهي واجبة على الاب فإنما قدم ما يلزمه فإذا مات سقط ذلك إلا أن يعلم أن الاب قدم ذلك للولد خوف الموت فيكون عطية أوجبها في صحته. فلا سبيل إلى أن تكون ميراثا وتستوي إجارة الظئر وإجارة التعليم، وأعرف نحو هذا التفسير لابن المواز. انتهى ص: (وكظهور مستأجر استؤجر كله أكولا) ش: يعني أن الاجارة تنفسخ بذلك، ويريد إلا أن يرضى الاجير بطعام مثله، وليس للاجير أن يجبره على ذلك لئلا يضربه بعض الاصحاب، ويحتمل أن يعطيه طعاما وسطا كمن استؤجر على حمل رجلين لم يرهما فأتى بهما عظيمين فلا يلزمه حملهما ويأتي بالوسط وفيه نظر، لان المحمول لا يتعين فلذلك لزم فيه الوسط. قاله في كتاب النفقات من التوضيح والله أعلم. ص: (ومنع زوج رضي من وطئ ولو لم يضر) ش: فإن تعدى ووطئ فلاب الرضيع فسخ الاجارة لما يتقى من الضرر. قاله مالك وابن القاسم وخالفهما ابن الماجشون ولم يفسخه من الوثائق. انتهى

    [ 531 ]
    من المسائل الملقوطة، وأظن أن مراده وثائق الجزيري أو الوثائق المجموعة والله أعلم. ص: (وسفر) ش: قال أبو الحسن: قال ابن عبد الحكم: إذا أراد الزوج السفر بها فإن أجرت بإذنه لم يكن له ذلك، وإن كان بغير إذنه كان له فسخ الاجارة. فرع: قال في المدونة: وإن سافر الابوان فليس لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع الاجرة أبو الحسن عن ابن يونس: كلما صنعت الظئر أو والد الصبي مما تنفسخ به الاجارة فليس له ذلك إلا بالطوع من الآخر، وكل ما نزل بهما من أمر من الله مما لا صنع لهما فيه فهذا يفسخ الاجارة وإن كره الآخر. فرع: قال المشذالي: نزلت هذه المسألة آجرت نفسها بغير إذن زوجها ولم يعلم إلا بعد مدة فتنازعت معه لمن يكون ما أخذت في أجرة رضاعها، فوقع الحكم بأن ما مضى من المدة لها بحسابه وله فسخ الاجارة فيما يستقبل ولا حجة للزوج بأنه ملك منافعها فباعتها بغير إذنه، لانه ليس له عليها إلا منافع الاشياء الباطنة انتهى. ص: (وبيعه سلعة على أن يتجر بثمنها سنة) ش: قال الشارح: أي وهكذا يجوز أن يبيع له سلعة على أن يبيع تلك السلعة ويتجر بثمنها سنة. انتهى. قلت: قوله: على أن يبيع تلك السلعة ليس هو من تمام صورة المسألة بل هو مفسد للعقد إن وقع كذلك، وصورة المسألة التي أشار إليها المصنف هي أن يبيع له سلعة

    [ 532 ]
    بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة كما ستقف عليه في كلام المدونة في القولة التي بعد هذه والله أعلم. ص: (كغنم لم تعين وإلا فله الخلف على آجره) ش: كذا في كثير من النسخ بلم قبل الفعل المضارع المبني للمفعول وهي مشكلة لاقتضائه أن الغنم إذا لم تعين لا تجوز الاجارة عليها إلا بشرط الخلف وليس كذلك، ويصير قوله: وإلا فله الخلف لا معنى له لانه إن حمل على أن المعنى وإن عينت فله الخلف ويريد مع عدم الشرط فليس بصحيح لان العقد فاسد إذا لم يشترط الخلف في المعينة، وإن أريد مع الشرط فيكون مستغنى عنه. وقد تكلف البساطي رحمه الله في توجيه ذلك فقال: التشبيه وقع بين الغنم إذا لم تعين، وبين التجر بثمن السلعة سنة مع شرط الخلف في أن على المالك الخلف لا في صحة الاجارة بالشرط وعدم صحتها مع عدمه، يعني أن الغنم إذا لم تعين صحت الاجارة عليها وإن لم يشترط الخلف والحكم أنه يقضى عليه بالخلف بخلاف المعينة فإنها لا تصح إلا بشرط الخلف فافهمه فإنه كاللغز. ويحتمل أن يكون التشبيه في الجواز أي يجوز كذا كما يجوز الاستئجار على رعي

    [ 533 ]
    غنم لم تعين، وذكر لفظ المدونة الآتي قال: وقوله: وإلا فله الخلف معناه على الاول أنه يقضى عليه بالخلف في غير المعينة، وإن عينت مع الشرط فله أن يأتي بالخلف أو يدفع جميع الاجرة ومعناه على الثاني أن الاستئجار على الغنم المعينة لا يجوز يعني إلا بشرط الخلف وهو على أجره الاول انتهى. وهو في غاية التكلف بعيد الملاءمة لكلام المصنف. وفي بعض النسخ المصححة: كغنم عينت بالفعل الماضي المبني للمفعول وإلا فله الخلف على آجره وهذه لا إشكال فيها ومعناها أن الغنم إذا كانت معينة فإنه تجوز الاجارة على رعيها إذا شرط الخلف، وإن لم تكن معينة فلا يحتاج إلى شرط وله الخلف على آجره، ويريد أو يدفع له الاجرة كاملة، قال في كتاب أوائل الاجارة من المدونة: ومن باع من رجل سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة كان كمن آجره على أن يتجر له بهذه المائة سنة أو يرعى له غنما بعينها سنة، فإن شرط في العقد خلف ما هلك أو تلف جاز وإلا لم يجز، فإن شرط ذلك فهلك من ذلك شئ فأبى ربه من خلفه قيل له: أد الاجارة واذهب بسلام وتكون له أجرته تامة، ولو آجره على رعاية مائة شاة غير معينة جاز وإن لم يشترط خلف ما مات منها، وله خلف ما مات منها بالقضاء فإن كانت معينة فلا بد من الشرط انتهى. وكلام المصنف كما ترى مطابق لهذا على النسخة الثانية. وقوله: على آجره أتى به لزيادة البيان وإلا فمعلوم أن الذي له الخلف إنما هو الآجر أعني رب الغنم والله أعلم، وبقية الكلام على شروط المسألة وتفريعاتها مبسوط في شرح المودنة. وذكروا من جملة شروط المسألة أن لا يشترط عليه أن يتجر بالربح بخلاف أولاد الغنم يجوز أن يشترط عليه أن يرعى أولادها قالوا: لان الربح مجهول وما تلده الغنم معروف. والذي يظهر أنه غير معروف لاحتمال ولادتها واحدا أو أكثر إلا أنه أقل غررا من الثمن فتأمله. ص: (كراكب) ش: يعني أن الراكب إذا تعذر ركوبه فإنه لا ينفسخ الكراء ويلزمه أو ورثته إن مات أن يأتوا بالخلف أو يدفعوا جميع الاجرة فإنه لا يتعين بالتعيين والله أعلم. ص: (وطريق في دار) ش: إذا كان

    [ 534 ]
    يصل بذلك إلى منفعة. أبو الحسن عن أشهب: وإلا فهو أكل المال بالباطل. ص: (أو مسيل مصب مرحاض) ش: قال في المحكم: المرحاض المغتسل ومنه قيل لموضع الخلاء مرحاض. ص: (وكراء رحا ماء بطعام) ش: نحوه في الاجارة من المدونة. قالوا: نبه عليه لكون الطحن بالماء فربما يتوهم في الماء أنه لا يباع بطعام أو أن الرحا لما كانت متشبثة بالارض فيكون من كراء الارض بالطعام. المشذالي: ونحوه كراء المعصرة بالزيت والملاحة بالملح والله أعلم. ص: (أو على الحذاق) ش: بالذال المعجمة كذا في الصحاح وغيره.

    [ 535 ]
    وقال الشيخ زروق: الحداق بكسر الحاء والدال المهملتين، انتهى وفيه نظر فإني لم أره لغيره. ص: (وعل حفر بئر إجارة وجالة) ش: ويجوز الجعل سواء كانت في ملك الجاعل أم لا عند ابن القاسم خلافا لابن المواز. ذكره الشيخ خليل في باب الجعل في شرح قول ابن الحاجب. وفي جوازه في الشئ الكثير قولان. وانظر الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق، فإنه اقتصر على قول ابن المواز. ونقل ابن عرفة في آخر كتاب الجعل عن المتيطي أن الجم الغفير على هذا القول أعني قول ابن المواز. وقال قبله بنحو الورقتين: إن الجعل على الحفر لا يكون فيما يملكه الجاعل على المشهور. ذكره إثر الكلام الآتي ذكره فراجعه والله أعلم. وذكر شرطين آخرين: أحدهما اختبار الارض في لينها وقساوتها، والثاني استواء الجاعل والمجعول له في العلم بها والجهل وهذان الشرطان متدافعان كما يظهر لان الاول يقتضي أن من شرط الجعل العلم بحال الارض، والثاني يقتضي أن شرط الجعل استواء الجاعل والمجعول له في العلم بها أو الجهل، ويفهم من كلام ابن عبد السلام أن الاول اشترطه في المدونة، والثاني اشترطه في العتبية فهما قولان، قال ابن عرفة في باب الجعل: ابن الحاجب: العمل كعمل الاجارة إلا أنه لا يشترط كونه معلوما فإن مسافة الآبق والضالة غير معلومة. ابن عبد السلام: كلامه يوهم العموم في كل أنواع الجعالة وليس كذلك مذهب المدونة لا يجوز الجعل في حفر البئر إلا بعد خبرتهما الارض معا. وشرط في العتبية استواء حال الجاعل والمجعول له في العلم بحال الارض. قلت: عزوه للمدونة شرط الخبرة لا أعرفه في الجعل نصا ولا ظاهرا، بل بلزوم يأتي محله إنما ذكره في الاجارة ولعله اعتمد في ذلك على ظاهر لفظ الصقلي قال ما نصه: قال

    [ 536 ]
    مالك: لا بأس بالاجارة على حفر بئر بموضع كذا وقد خبرا الارض وإن لم يخبراها لم يجز. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن عرفا الارض بلين أو شدة أو جهلاها معجاز، وإن علم ذلك أحدهما وجهله الآخر لم يجز الجعل فيه. انتهى. وهذا كالنص في حمل مسألة المدونة على الجعل لذكره عليها نقل يحيى عن ابن القاسم في الجعل. قلت: لفظها في الام قلت: إن استأجرت من يحفر لي بئرا بموضع من المواضع: قال: إن خبروا الارض فلا بأس، وإن لم يخبروها فلا خير فيه. كذا سمعت مالكا وسمعته في الاجارة على حفر فقر النخل يحفرها إلى أن يبلغ الماء إن عرفا الارض فلا بأس وإن لم يعرفاها فلا أحبه. قلت: فلفظ الاجارة مع ذكر فقر النخل كالنص في عدم الجعل لان حفر فقر النخل إنما يكون في الارض المملوكة دائما أو غالبا، والجعل على الحفر على المشهور لا يكون فيما يملكه الجاعل، وتقدم نقل الشيخ عن محمد عن ابن القاسم إن كانت الارض لمستأجر لم يجز فيها جعل على بناء أو حفر، وما نسبه لابن الحاجب من إيهام العموم مثله لفظ المقدمات والتلقين. اه‍ كلام ابن عرفة بلفظه. ص: (كإيجار بعض مستأجر دابة أو ثوبا لمثله) ش: كذا في بعض النسخ وهي بينة موافقة لما في الاجارة من المدونة. وفي بعض النسخ كإيجار مستأجر دابة أو لفظ لمثله بأو العاطفة، ولفظ بلام الجر ولفظ من الفظاظة وهي عبارة غلقة، ولعله وقع فيها تقديم أو على لفظ غلطا من الناسخ، ويكون أصلها لفظ أو لمثله ويكون المعنى أنه يكره أن يؤجرها لفظ أو لمثله ويكون المؤلف في عهدة أن إجارتها لفظ مكروه فإن الذي ذكره في كتاب الاجارة من المدونة أنه كره إجارتها لمثله أو أخف منه، وأما من هو أفظ منه أو ليس مثله في الامانة فقد صرح اللخمي بأنه يكون متعديا وظاهره المنع. ونص على المنع أبو الحسن الصغير وصرح به في العتيبة عن أصبغ في سماع عيسى من كتاب الاجارة، فلو قال المصنف لمثله أو أخف كان جاريا على

    [ 537 ]
    لفظ المدونة ولمالك في كراء الرواحل إجازة كراء الدابة لمثله أو أخف. تنبيه: ما ذكره من الكراهة إنما هو إذا اكتراها للركوب. قال في الاجارة منها. وكره مالك لمكتري الدابة لركوبه كراؤها من غيره كان مثله أو أخف منه، فإن أكراها لم أفسخه، وإن تلفت لم يضمن إن كان أكراها فيما اكتراها فيه من مثله في حاله وأمانته وخفته، ولو بداله عن السفر أو مات أكريت من مثله. وكذلك الثياب في الحياة والممات وليس ككراء الحمولة والسفينة والدار هذا له أن يكري ذلك من مثله في مثل ما اكتراها له. أبو الحسن عن ابن يونس: يعني من غير كراهة انتهى. وقيد اللخمي جواز كرائها إذا كانت مكتراة للحمل بأن يصحبها ربها في السفر، وأما إن كان المكتري هو الذي يسافر بها فهي بمنزلة التي للركوب، وكذلك ذكر ابن يونس عن ابن حبيب وقبله. وزاد ابن حبيب: إلا أن يكون ربها يعلم أن المكتري لا يسوقها بنفسه فلا حجة له وذكر اللخمي أنه إذا أراد كراءها من غيره وكان اكتراها للركوب أو للحمل لم يكن له ذلك حتى يعلم صاحبها، فإن أعلمه وسلم أن الثاني كالاول أكراها وإن كره. وإن خالف في ذلك رفع للحاكم فإن كان الامر على ما قال صاحب الدابة منعه، وإن كان لا مضرة عليه أمضى كراءه ومكن الثاني، فإن لم يعلم صاحبها حتى سافر الثاني أو علم وغلبه نظر في ذلك، فإن كان الامر لو رفع للحاكم مكنه من السفر لم يكن عليه شئ، وإن كان يمنعه من السفر كان على حكم المتعدي. فإن سلمت أخذه بفضل كراء الثاني عن الاول، وإن حدث عيب ضمنه إن كان العيب لاجل ركوبه، وإذا كان متعديا في كرائها من الثاني فإن كان غير مأمون فادعى ضياعها ضمن الاول لانه متعد ولم يرجع على الثاني لانه أذن له ولو كان الاول عديما إلا أن يكون الثاني عالما بتعديه ضمن لانه متعد. واختلف إن حدث عيب من غير سبب الركوب هل يضمنه الاول أو لا يضمنه، وكذلك إذا علم الضياع ببينة أو أكراها من مثله في الامانة وأضر منه في الركوب وادعى الضياع. هل يضمن أم لا، لانه غير الوجه الذي تعدى به. ولا أرى أن يضمن الاول إلا أن يؤتى من سبب الوجه الذي تعدى به. انتهى من كراء الرواحل وعلم منه أنه إذا أعلم صاحبها عند كرائها من غيره لم يكره، وإن كراءه إياها لمن ليس مثله ممنوع لانه جعله متعديا والله تعالى أعلم. وقال في العمدة: ويجب تعيين المركوب لا الراكب، وله استيفاء المنفعة بنفسه أو بمثله خفة وحذقا بالمسير. ثم قال: ومن اكترى دارا فله أن يسكنها أو يسكنها أو يؤجرها من مؤجرها أو أجنبي مثل الآجر أو أقل أو أكثر انتهى. وله نحوه في الارشاد. قال الشيخ سليمان في شرح الارشاد: قال في العمدة: ثم إن محل استيفاء المنفعة لا يتعين وإن عين، بل للمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه وبغيره، وله أن يؤجر مؤجره وغيره بمثل الاجارة وبالاقل والاكثر. قال في شرحه: معناه إذا استأجر الرجل دارا ليسكنها أو دابة ليركبها ونحو ذلك لم يتعين عليه أن

    [ 538 ]
    يسكنها أو يركبها هو بنفسه، ولو عين نفسه للسكنى أو للركوب، بل له أن يسكنها أو يكريها لمن شاء ممن هو في رفقه في السكنى وفي خفته في الركوب وحذقه في المسير، وذلك لانه قد ملك المنفعة بالعقد فله أن يملكها لمن شاء كسائر أملاكه، ولهذا يكون له إجارة ما استأجره ممن شاء بما شاء. هذا وقد قال في المدونة: وكره مالك لمكتري الدابة لركوبه كراءها لغيره وإن كان أخف منه أو مثله وإن أكراها لم أفسخه، وعلى هذا اقتصر خليل في مختصره انتهى. وقال ابن الحاجب: ولا يتعين الراكب ولو عين لم يلزم تعيينه وجعل مثله فأدنى. واستثقله مالك في الدابة خاصة إلا أن يموت أو يبدو له. انتهى. فرع: لو شرط رب الدابة على المكتري أنه لا يكريها لغيره فكنت كتبت أولا بأني لم أر الآن فيه نصا صريحا، والظاهر أنه يجوز له أن يكريها لمثله أو أخف ويبطل الشرط لما تقدم في كلام ابن الحاجب وصاحب العمدة أن ما يستوفى به لا يتعين ولو عين. وقال في كتاب الدور من المدونة: ومن اكترى دارا فله أن يكريها من مثله بأكثر من الكراء أو بأقل، ومن اكترى حانوتا للقصارة فله كراؤه من حداد أو طحان أو غيره إلا أن يكون ذلك أكثر ضررا بالبنيان فيمنع، وله ذلك في المساوي ثم قال: ومن اكترى بيتا وشرط أن لا يسكن معه أحدا فتزوج أو ابتاع رقيقا، فإن لم يكن في سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له أن يمنعه، وإن كان في سكناهم ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر في ذلك. انتهى. وقال في الوثائق المجموعة: وإن اكترى غرفة فشرط عليه ربها أن لا يسكن معه غيره فيها لضعف خشب الغرفة وما أشبهه فله شرطه انتهى. فإن كان إذا شرط أن لا يسكن معه غيره لا يوفي له بذلك إذا لم يكن فيه ضرر فمن باب أولى أن لا يوفي له إذا أراد أن يسكن من هو مثله فتأمله. ثم رأيت النص فيه نقله الشارح عن ابن يونس في شرح قوله: وشهر على أن يسكن يوما لزم إن ملك البقية، في أول فصل جاز كراء حمام ونصه ابن يونس عن بعض القرويين: ظاهره أن العقد جائز وأنه بالخيار ما لم يسكن فإذا سكن انعقد الكراء في الشهر، فإن أراد إن سكنت فالكراء لي لازم وليس لي أن أكري من غيري كان هذا من بيع الشروط التي يبيع منه على أن لا يبيع ولا يهب، فهذا لو أسقطوا الشرط على أحد القولين تم الكراء، وأما إن شرط إن خرجت عاد المسكن للمكري وعليه جملة الكراء فهذا فاسد لا بد من فسخه لانه غرر. انتهى. فرع: قال في المدونة في مسألة كراء الثوب: فإن هلك بيدك لم تضمنه وإن دفعته إلى غيرك كنت ضامنا إن تلف، أبو الحسن: ظاهره ولو كان مثله. وقال سحنون: لا يضمن إذا كان مثله، ومسألة من اكترى فسطاطا إلى مكة فأكراه من مثله في مثل حاجته إليه هي الاصل. وقال ابن القاسم فيها: ذلك جائز. قال في التوضيح: وفي استدلال سحنون نظر لان

    [ 539 ]
    الاختلاف في اللبس أكثر من الاختلاف في الفسطاط. ص: (وتعليم فقه وفرائض) ش: أي وتكره الاجارة على تعليم فقه وفراض، ونحوه في المدونة. اللخمي: ويجوز للمفتي أن يكون له أجر من بيت المال ولا يأخذ أجرا ممن يفتيه، وقد تقدم ذلك ونقله ابن عرفة وقال: قلت: في الاجر على الشهادة خلاف. وكذلك في الرواية وكذلك من يشغله ذلك عن جل تكسبه فأخذه الاجرة من غير بيت المال لتعذرها منه عندي خفيف، وهو مجمل ما سمعته من غير واحد عن بعضص شيوخ شيوخنا وهو الشيخ أبو علي بن علوان أنه كان يأخذ الاجر الخفيف في بعض فتاويه انتهى. وفي باب الاقضية شئ منه. ص: (وقراءة بلحن) ش: حمله الشيخ بهرام على أن مراده ذكر كراهية القرآن بالالحان لانه الذي ذكره هنا في المدونة إلا أنه يصير تكرارا مع قوله في فصل سجود وقراءه تلحين. وحمله البساطي على أن مراده ذكر كراهة الاجارة على تعليم القرآن بالالحان قال: لانه الآن ليس في عد المكروهات من غير هذا الباب، وهذا الثاني هو الانسب بسياق كلام المؤلف. وكان الحامل للشارح على حمله على الاول أنه لم يصرح في المدونة بكراهة الاجارة عليها، وهو إن كان كذلك قد يؤخذ من كونه مكروها أن تكون الاجارة عليه مكروهة والكلام في كون الكراهة في كلام مالك على بابها أو على المنع تقدم في سجود التلاوة. واللحن بسكون الحاء ذكره البساطي وغيره. فرع: قال في المدونة: وأكره الاجارة على تعليم الشعر والنوح أو على كتابة ذلك أو إجارة كتب فيها ذلك أو بيعها. عياض: معناه نوح المتصوفة وأناشيدهم المسمى بالتغني على طريق النوح والبكاء، ورواه بعضهم نحوا وهو غلط وخطأ انتهى. فرع: قال القرطبي في شرح أوائل مسلم: واعلم أن أخذ الاجرة والجعل على ادعاء علم الغيب أو ظنه لا يجوز للاجماع على ما حكاه أبو عمر بن عبد البر. انتهى ص: (ومعزف)

    [ 540 ]
    ش: بكسر الميم. عياض: المعازف عيدان الغناء. ص: (وكراء عبد لكافر) ش: كذا في بعض النسخ بإضافة كراء لعبد واحد العبيد وجر كافر باللام وفي بعضها وكراء لعيد كافر بإدخال اللام على عيد واحد الاعياد، وإضافته لكافر وكلاهما واضح. وفي بعضها وكراء كعبد كافر بإدخال كاف التشبيه على عبد واحد العبيد وتجريد كافر من اللام والظاهر أنها ترجع للنسخة الاولى ويكون كراء مضافا إلى عبد على أنه فاعله، وفصل بينهما بكعبد فيكون كافر مجرورا أو يكون كراء مضافا إلى كعبد على عادة المصنف في الاضافة إلى المجرور بكاف التشبيه وكافر مرفوع على أنه فاعل كراء. وما ذكره الشيخ رحمه الله من أن إجارة العبد المسلم للكافر مكروهة فإنما ذلك إذا لم يغب عليه، وأما إن كان يغيب عليه في بيته فلا يجوز لما في ذلك من المفاسد منها: استيلاء الكافر على المسلمين وإهانتهم والتمكن من إذا يتهم وقد قال الله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * [ النساء: 141 ومنها ما يخشى أنهم يفتنونهم عن دينهم والعياذ بالله لتمكنهم منهم، ومنها ربما أطعموهم شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير، ومنها أنهم يمنعونهم من الواجبات، ومنها ما يخشى من وطئ الاماء فإن وقعت الاجارة على الصفة المذكورة فسخت. وقد ذكر ابن رشد في البيان أن إجارة المسلم نفسه من النصراني واليهودي على أربعة أقسام: جائزة ومكروهة ومحظورة وحرام، فالجائز لان يعمل له المسلم عملا في بيت نفسه كالصانع الذي يعمل للناس، والمكروهة أن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا أو مساقيا، والمحظورة أن يؤاجر نفسه في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته وإجارة المرأة لترضع له ابنته في بيته وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت وكانت لها الاجرة. والحرام أن يؤاجر نفسه منه فيما لا يحل من عمل الخمر أو رعي الخنازير، فهذا يفسخ قبل العمل، فإن فات تصدق بالاجرة على المساكين، فإذا كان هذا في إجارة الحر نفسه فكيف في إجارة العبد، فلا شك أن إجارة العبد المسلم للكافر إذا كان يغيب عليه في بيته لا يجوز ويفسخ ويؤدب

    [ 541 ]
    المستأجر والمؤجر أدبا يليق بحالهما والله أعلم. ص: (وبناء مسجد للكراء) ش: قال في التهذيب: ولا يصلح أن يبني مسجدا ليكريه ممن يصلي فيه أو يكري بيته ممن يصلي فيه، وأجاز ذلك في غيره في البيت انتهى. وقال ابن يونس: ولا يجوز لاحد أن يبني مسجدا ليكريه ممن يصلي فيه ثم قال: قال ابن القاسم: ومن آجر بيته لقوم ليصلوا فيه رمضان لم يعجبني ذلك كمن أكرى المسجد، وقال غيره: لا بأس بذلك في كراء البيت انتهى. ونقل ابن عرفة لفظ التهذيب مع زيادة ونصه وفيها: ولا يصلح أن يبني مسجدا ليكريه ممن يصلي فيه ولا بيته، وإجارتهما لذلك غير جائزة، وأجازه غيره في البيت. عياض: لان ذلك ليس من مكارم الاخلاق. اللخمي: من بنى مسجدا ليكريه جاز. قلت: اقتصاره على هذا دون ذكر قولها أنه لا يجوز غير صواب وإن وافق مفهوم نقل الصقلي عن سحنون إنما لم يجز كراء المسجد لانه حبس لا يباع ولا يكرى، والبيت ليس مثله وكراؤه جائز. اللخمي: إن أكرى بيته أو داره ممن يصلي فيهما في أوقات الصلوات فقط كره لانه ليس من مكارم الاخلاق، فإن نزل مضى وإن أخلى البيت وسلمه جاز. قال ابن عرفة قلت: هذا يخالف قوله: من بنى مسجدا ليكريه جاز إلا أن يريد ليكريه في غير الصلاة وهو بعيد انتهى. قال في التنبيهات: قوله في الرجل يبني مسجدا ليكريه ممن يصلي فيه جاز وكراهيته له في رواية ابن القاسم. وكذلك الذي آجر بيته من قوم ليصلوا فيه فلا يعجبني وهو كمن أكرى المسجد. وقول غيره في البيت لا بأس باستئجاره يصلي فيه وإجازته كراء الدار على أن تتخذ مسجدا بين هذه المسائل فرق، وأما الذي بنى مسجدا فأكراه، فلو أباحه للمسلمين لكان حبسا لا حكم فيه له ولا لاحد فيه، وإن كان لم يبحه وإنما فعل ذلك ليكتريه فليس من مكارم الاخلاق وهو معنى قوله والله أعلم في كراء المسجد: لا يصلح وفي كراء البيت: لا يعجبني وأنه يجوز له فعله كما أجاز إجارة المصحف لكنه ليس من مكارم الاخلاق وأفعال أهل الدين، وهذا معنى منع محمد عندي لاجارة المصحف انتهى. وقال أبو

    [ 542 ]
    الحسن في الكبير: وانظر قوله: لا يصلح هل هو على الكراهة أو على المنع ؟ فعلى ما نقل ابن يونس عن سحنون هو على المنع لانه قال: إنما لم يجز في المسجد لانه حبس لا يباع ولا يكرى وعلى ما تقدم لعياض هو على الكراهة لانه قال: ليس هو من مكارم الاخلاق انتهى. يشير إلى ما تقدم عن التنبيهات ولم يثبت عنده زيادة. ابن عرفة: وثبتت عند ابن ناجي فقال: قوله: لا يصلح على التحريم لزيادته فيها وإجارتهلا لذلك غير جائزة انتهى. وعلى كل حال فأكثر عبارات أهل المذهب عدم الجواز لا الكراهة كما قال المصنف. وقال أبو الحسن في التقييد الصغير إثر قوله في التهذيب: وأجاز ذلك غيره في البيت. الشيخ: وأجاز هو وغيره أن يكري الارض ممن يتخذها مسجدا عشر سنين، فالمسجد في طرف والارض لتتخذ مسجدا في طرف والبيت بينهما واسطة انتهى. وحكى الاصحاب في التوفيق بين ابن القاسم والغير في البيت وجهين: أحدهما: أن الغير تكلم بعد الوقوع وابن القاسم قبل الوقوع. الثاني: أن قول ابن القاسم فيما إذا كان يكريه منهم في أوقات الصلاة فقط ويرجع إليه في غيرها، وقول الغير فيما إذا كان يكريه منهم لينتفعوا به مدج كرائه للصلاة وغيرها وفيما شاؤا مما هو من جنس الصلاة. انظر أبا الحسن واللخمي والله أعلم. ص: (وسكنى فوقه) ش: هذا الكلام موافق لظاهر ما في الجعل والاجارة من المدونة، ولظاهر كلام ابن يونس، ومخالف لظاهر ما يأتي للمصنف في إحياء الموات، ولظاهر كلام ابن شاس هناك أيضا ولتابعيه القرافي وابن الحاجب، أما المدونة ففي التهذيب في ترجمة الاجارة على القصاص: وكره مالك السكنى بالاهل فوق ظهر المسجد. قال أبو الحسن في الكبير: ونقلها ابن يونس. وقد كره مالك أن يبني الرجل مسجدا ثم يبني فوقه بيتا يسكنه بأهله. ابن يونس: يريد لانها إذا كانت معه صار يطؤها على ظهر المسجد وذلك مكروه، وذكر مالك أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يبيت على ظهر المسجد بالمدينة في الصيف فكان لا يقرب فيه امرأة. انتهى. وقال ابن الحاجب في إحياء الموات: ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ولا يجوز جعل علو سفله مسجدا ويسكن العلو لان له حرمة المسجد، ونحوه في الذخيرة وفي الجواهر. قال في التوضيح: نحوه في المدونة في باب الصلاة والواضحة. وفي كتاب الجعل من المدونة: وكره مالك السكنى إلى آخره. قال: فإن قلت: فقد صرح بالكراهة هنا خلاف ما في الواضحة ؟ قيل: الظاهر حملها على المنع توفيقا بين النقلين. انتهى كلامه في التوضيح. وما نسبه للواضحة هو في أوائل الصلاة منها. قال في مختصرها: وأجاز مالك للرجل يكون له سفل وعلو أن يجعل العلو مسجدا ويسكن السفل، أو لم يجز له أن يجعل السفل مسجدا ويسكن العلو. وفرق بين ذلك، أنه إذا جعل السفل مسجدا وقد صار لما فوقه حرمة المسجد انتهى. وأما ما نسبه للمدونة في كتاب الصلاة فليس بصريح فيما قاله. قال في آخر الصلاة الاول من التهذيب: ولا يبني فوق

    [ 543 ]
    المسجد بيتا ليسكن فيه انتهى. قال أبو الحسن في الامهات: لا يعجبني، انتهى. على أن ظاهر كلام ابن عرفة أن كلام المدونة محمول عنده على الكراهة ونصه في أواخر صلاة الجماعة وفيها: المسجد حبس لا يورث إذا كان صاحبه أباحه للناس، وأكره بيتا للسكنى فوقه لا تحته انتهى. نعم حمله ابن ناجي على التحريم كالمصنف وسيأتي كلامه. وتحقيق المسألة أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن حكم الاهوية تابع لحكم الابنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات، وهواء الملك ملك، وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والاوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها وبنى على رؤوس الخشب سقفا عليه بنيان، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع وهو إخراج الرواشن والاجنحة على الحيطان ثم أخذ يبين وجه خروجه إلى آخر الفرق. انتهى باللفظ ونحوه في الذخيرة ومثله في قواعد المقري. قاعدة: حكم الاهوية حكم ما تحتها فهواء الوقف وقف فلا يباع هواء المسجد لمن أراد غرس الخشب حولها وبناء الهواء سقفا وبنيانا انتهى. وقال اللخمي في كتاب الاجارة في ترجمة إجارة المسجد أو الدار: ومن بنى مسجدا لله أحيز عنه وأحب أن يبني فوقه لم يكن له ذلك انتهى بالمعنى. وأما إن كانت له دار لها علو وسفل، فأراد أن يحبس السفل مسجدا ويبقى العلو على ملكه، فظاهر ما تقدم للواضحة وما تقدم لابن الحاجب وتابعيه وما يأتي للمصنف في إحياء الموات، أن هذا لا يجوز. وصرح اللخمي بجوازه. قال إثر ما تقدم عنه: وإن قال: أنا أبنيه لله وأبني فوقه مسكنا وعلى هذا أبني جاز، وكذلك لو كانت الدار علوا وسفلا فأراد أن يحبس السفل مسجدا ويبقى العلو على ملكه جاز انتهى. وينبغي أن يوفق بين هذه النقول ويجعل معنى قوله في المدونة في كتاب الصلاة: لا يعجبني أو لا يبني لا يجوز، ويحمل هو وما في الواضحة وما لابن شاس وتابعيه القرافي وابن الحاجب وما يأتي للمصنف على الشق الاول الذي تقدم أنه لا ينبغي أن يختلف فيه، ويحمل ما في الجعل منها وكلام اللخمي الاخير وما للمصنف هنا على الشق الثاني وإن كان لفظ اللخمي الجواز لانه لا ينافي الكراهة ويساعد هذا التوفيق كلام ابن ناجي. ونصه على قوله في الصلاة الاول من التهذيب: ولا يبنى إلى آخره. قال في الام: لا يعجبني ذلك لانه يصير مسكنا يجامع فيها، وذلك كالنص على التحريم ولا أعلم فيه خلافا. وذكر أبوعمران النظائر المعلومة التي تدل على الخلاف. هل ظاهر المسجد كباطنه أم لا. وذلك يوهم جواز البناء عليه على قول وليس كذلك، لما ذكره في الام مع أن اللفظ يقتضي أن المسجد سبق فهو تغيير الحبس، بل ظاهرها أن من عنده علو وسفل فحبس العلو مسجدا فإنه جائز. ونص عليه اللخمي في الجعل انتهى. وقال على قولها في الجعل والاجارة وكره المتقدم، يريد يكون تحبيس المسجد متأخرا عنه. انتهى

    [ 544 ]
    والله أعلم. ولهذا لما أن حمل ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب والذي في الصلاة الاول من المدونة على ظاهر قال ما نصه: ذكر في المدونة مثل ما قاله المؤلف من التفرقة بين السكنى على ظهر المسجد أو تحته ولم يقل لان له حرمة المسجد أي لا على المسجد حرمته فإن ذلك ليس بالبين ولا سيما والكلام فيما إذا حبس على هذه الصورة. نعم ليس من الادب لاعتلاء على رؤوس المصلين الفضلاء وأهل الخير، وقد فعل ذلك أبو أيوب الانصاري رضي الله عنه لما أن نزل عليه رسول الله (ص) وسكن بيتا عنده وسكن أبو أيوب غرفة عليها وانهرقت جرة في الغرفة فخشي أن ينزل منها شئ على رسول الله (ص) فسد الكوة التي هناك بقطيفة عنده، ونقل رسول الله (ص) إلى الغرفة ونزل هو وأهله إلى البيت. واحتج في المدونة لما ذكره بأن عمر بن عبد العزيز كان يبيت بالمدينة فوق ظهر المسجد إذا كان أميرا فلا تقربه امرأة. وليس في هذا دليل لان مسجد المدينة سبق تحبيسه على أيام عمر بن عبد العزيز، والسكنى بالاهل أو المبيت بهم على ظهره مخالف لمقتضى ما بني له ذلك المسجد، وإنما الكلام فيمن أراد إنشاء تحبيس مسجد على هذه الصورة انتهى. ورأيت لبعض علماء الاندلس كلاما أجاب به حين سئل عن كلام المصنف هنا وفي إحياء الموات، وذكر في الجواب نحو ما ذكرناه إلا أنه جعل قول المصنف هنا وبناء مسجد للكراء وسكنى فوقه مسألة واحدة وهي أن يبني مسجدا ليكريه ويتخذ فوقه بيتا. قال: وكلامه في إحياء الموات في اتخاذ منزل فوق مسجد محبس مباح لعموم الناس انتهى. وفي جعله الفرعين فرعا واحدا نظر، والصواب ما قدمناه. وبعض علماء الاندلس المشار إليه هو الشيخ العلامة مفتي غرناطة أبو عبد الله محمد بن أحمد الجعدالي الغرناطي والله أعلم. ص: (بمنفعة) ش: يتعلق بقوله: صحت الاجارة. قال الشيخ بهرام: الباء سببية. وقال البساطي: للاستعانة. والظاهر الاول. قال ابن عرفة: المنفعة ما لا تمكن الاشار إليه حسا دون إقامة يمكن استيفاؤه غير جزء مما أضيف إليه. انتهى. فرع: قال للخمي في كتاب الشركة في شركة الابدان: اختلف فيمن استأجر أجيرا ليأتيه بالغلة فأجيز ومنع انتهى. ومذهب المدونة المنع نص على ذلك في كتاب الجعل والاجارة منهما. ص: (تتقوم) ش: في كثير من النسخ بضم التاء الاولى وفتح الثانية، والظاهر فتحهما معا، والمعنى أن لها قيمة. واحترز به من التافه الحقير الذي لا يجوز مقابلته بالمال في نظر الشرع. البساطي: كاستئجارنا ليوقد منها سراجا. وقد اختلف في جواز الاجارة ومنعها في فروع نظرا إلى أن المنفعة فيها متقومة أم لا. منها إجارة المصحف للقراءة فيه، وإجارة الاشجار

    [ 545 ]
    لتجفيف الثياب عليها على ما ذكره ابن الحاجب وابن شاس ومشى المصنف فيهما على الجواز، فقول الشارحين هنا احترز به من إجارة الاشجار لتجفيف الثياب عليها غير ظاهر والله أعلم. ص: (قدر على تسليمها) ش: قال القرافي: احترز من استئجار الاخرى للكلام والاعمى للابصار وأرض الزراعة لا ماء لها قطعا ولا غالبا وقاله الائمة، ومن فروع ذلك استئجار أرض الزراعة وماؤها غامر أي كثير وانكشافه نادر. ومذهب المدونة الجواز إذا لم ينقد وعليه مشى المصنف كما سيأتي فهو راجع لهذا القيد. تنبيهان: الاول: من فروع هذا القيد كراء المشاع. قال في المدونة: يجوز كراء المشاع كنصف عبد أو دابة. قال اللخمي: وإذا أكرى رجل من رجل نصف عبده أو دابته أو داره جاز ذلك، ثم هما في العبد والدابة بالخيار بين أن يقتسما المنافع يوما بيوم أو يومين بيومين فيستعمله المستأجر في الايام التي تصير إليه فيستخدم العبد ويركب الدابة، وإن شاء آجره من غيره، وإن شاء أن يؤاجر ذلك من أجنبي ويقتسما الاجرة، وإن لم يكن العبد من عبيد الخدمة وكانت له صنعة لا يمكن تبعيضها ترك لصنعته واقتسما خراجه. وأما الدار فإن كانت تنقسم قسمت منافعها وسكن المكتري فيما يصير إليه أو أكراه، وإن كانت لا تحمل القسم أكريت واقتسما كراءها إلا أن يحب أحدهما أن يأخذها بما يقف عليه كراؤها، وإن كان العبد أو

    [ 546 ]
    الدابة أو الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه بإذن شريكه جاز وعاد الجواب في قسمة منافعه إلى ما تقدم إذا كان جميعه لواحد، فإن أكرى ذلك بغير إذن شريكه فلم يجز ودعا إلى البيع كان له ذلك في العبد والدابة والدار إذا لم تنقسم، وإن لم يدع إلى البيع ورضي ببقاء الشركة لم يكن له رد الكراء. وإن كانت الدار تنقسم ودعا الشريك إلى قسمة المنافع كان ذلك له وقسمت بالقرعة، فما صار للمكري أخذه المكتري، وإن أراد المكري أن يقسم بالتراضي كان للمكتري منعه من ذلك. وإن دعا الشريك إلى قسم الرقاب كان له ذلك. ومن حق المكتري أن يقسم بالقرعة، فما صار للمكري كان حق المكتري فيه، وإن اعتدلت قسمة المنافع مع قسمة الرقاب كان ذلك للمكتري، فإن كان الذي صار للمكري أقل من النصف بما لا ضرر على المكتري فيه حطه من الكراء بقدره، وإن صار له أكثر وأمكن أن يميز ذلك القدر الزائد فعل وانتفع به المكري، وإن كان لا يتميز ولا يصاب فيه مسكن بانفراده بقي للمكتري ولا شئ عليه فيه، لانه يقول: كنت في مندوحة عنه ولا حاجة لي فيه. انتهى. الثاني: لم يذكر المؤلف من شروط المنفعة أن تكون مملوكة، وكذا ابن شاس وابن الحاجب وذكره القرافي وقال احترازا من الاوقاف والربط ومواضع الجلوس من المساجد والطرقات والمدارس وغير ذلك لان المملوك في هذه الامور كلها الانتفاع دون المنفعة. فرع: يتفرع على هذا الشرط كراء دور مكة. ونقل في المقدمات عن مالك فيها أربع روايات: الجواز والمنع والكراهة في أيام الموسم، ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة. وانظر الكلام على هذه المسألة مشبعا في حاشيتي على المناسك. قال القرافي: تنبيه: مقتضى هذه المباحث أن يحرم كراء دور مصر وأرضها لان مالكا صرح في المدونة وغيرها أنها فتحت عنوة، ويلزم على ذلك تخطئة القضاة في إثبات الاملاك وعقود الاجارات، والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعضها قضاء حاكم تعين ذلك القول وارتفع الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف وتعين ما حكم

    [ 547 ]
    به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما انتهى. ص: (ولو مصحفا) ش: قال في المدونة: وتجوز إجارة المصحف لجواز بيعه، وأجاز بيعه كثير من التابعين. قال ابن عباس: ما لم يجعله متجرا، أما ما عملته بيدك فجائز، وتجوز الاجارة على كتابته انتهى. أبو الحسن: انظر قول ابن عباس: ما لم يجعله متجرا هل فلا يجوز أيكره. انتهى والله أعلم. ص: (وأرضا غمر ماؤها وندر انكشافه) ش: هذه المسلة في كراء الدور والارضين من المدونة ونصها: ومن اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إن انكشف عنها الماء وإلا فلا كراء بينكما جاز إذا لم تنقد، ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافها. قال غيره: إن خيف أن لا ينكشف لم يجز وإن لم ينقد. أبو الحسن: انظره قال في التوضيح: قال صاحب المقدمات: تحصيل مذهب ابن القاسم جواز العقد كانت الارض أرض مطر أو نيل أو غيرهما، مأمونة أو غير مأمونة. وأما بالنسبة إلى جواز النقد ووجوبه فما كان من الارض مأمونا كأرض النيل والمطر المأمونة وأرض السقي بالعيون الثابتة والآبار المعينة فالنقد فيها للاعوام الكثيرة جائز، وما كان منها غير مأمون فلا يجوز النقد فيه إلا بعد أن تروى ويتمكن من الحرث، كانت من أرض النيل أو المطر أو السقي بالعيون أو الآبار، وأما وجوب النقد فيجب عنده في أرض النيل إذا رويت إذ لا يحتاج إلى غير ذلك، وأما غيرها فلا يجب فيها النقد حتى يتم الزرع ويستغنى عن الماء انتهى. ص: (وشجر لتجفيف الملابس عليها على الاحسن) ش: الاحسن هو اختيار ابن عبد السلام من القولين اللذين ذكر ابن الحاجب. وقال ابن عرفة: تبع ابن الحاجب ابن شاس في حكاية القولين وقبله شارحوه، ولا أعرف القول بالمنع، ومقتضى المذهب الجواز كإجارة مصب مرحاض وحائط لحمل خشب. انتهى. ص: (لا لاخذ

    [ 548 ]
    ثمرته) ش: أي الشجر وهذا راجع إلى قوله: بلا استيفاء عين قصدا. ص: (أو شاة للبنها) ش: يصح أن يقرأ بالجر عطفا على مقدر في قوله: لا لاخذ ثمرته أي لا شجر لاخذ ثمرته ولا شاة لاخذ لبنها فيكون من الممنوع، ويصح أن يقرأ بالنصب عطفا على قوله: وشجرا ويكون من الجائز. وعلى كل تقدير فلا بد من عناية في كلامه لانا إن جعلناه ممنوعا نقول: إلا بشروط يأتي ذكرها، يريد وكذا إذا جعلناه جائزا فتأمله والله أعلم. والشروط أن تكون الغنم كثيرة كالعشرة ونحوها، وأن يكون في الا بان، وأن يعرفا وجه حلابها، وأن يكون إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله، وأن يشرع في أخذ ذلك يومه أو إلى أيام يسيرة، وأن يسلم إلى ربها لا إلى غيره. هذا إذا كان جزافا، فإن كان على الكيل أسقطت الشرط الاول فقط. قاله في التوضيح. والمسألة في كتاب التجارة إلى أرض الحرب. وكلام أبي الحسن فيها مبسوط. ولا يقال قوله شاة بالافراد ينافي الاول لان المراد جنس الشاة والله أعلم. ص: (ولا تعليم غناء) ش: هو وما بعده إلى قوله: ولا متعين راجع لقوله: ولا حظر والحظر المنع. قال الابي في شرح مسلم في كتاب البيع في حديث مهر البغي وحلوان الكاهن. ولا خلاف في حرمة مهر البغي ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة، ولا خلاف في حرمة ما يأخذه الكاهن. قال الابي، وكذلك لا يحل ما يأخذه الذي يكتب البراءات لرد التليفة لانه من السحر. وسئل شيخنا يعني ابن عرفة عمن ذهبت له حوائج فقرأ في دقيق وأخذ يطعمه أناسا اتهمهم وكانت فيهم امرأة حامل فقالت: إن أطعمتموني فأنا أموت فأطعموها منه فماتت. فأجاب بأنه ليس عليه إلا الادب، وأما ما يؤخذ على حل المعقود فإن كان يرقيه بالرقى العربية جاز، وإن كان بالرقى العجمية لم يجز وفيه

    [ 549 ]
    خلاف. وكان الشيخ يقول: إن تكرر منه النفع بذلك جاز. انتهى ص: (ودخول حائض لمسجد) ش: فرضها ابن الحاجب في استئجار على كنس المسجد، وذكر المصنف ما هو أعم من الكنس وغيره، ويريد إذا كانت هي التي تكنس، وأمالو كانت الاجارة متعلقة بذمتها لجاز. وعكس هذه المسألة أن يؤاجر المسلم نفسلكنس كنيسة أو نحو ذلك أو ليرعى الخنازير أو ليعصر له خمرا فإنه لا يجوز، ويؤدب المسلم إلا أن يتعذر بجهالة، واختلف هل الاجرة من الكافر ويتصدق بها أم لا. ابن القاسم: التصدق بها أحب إلينا. قاله في التوضيح. ص: (ودار لتتخذ كنيسة) ش: تصوره واضح. فرع: إذا غصب النصراني سفينة مسلم لمسلم وحمل فيها الخمر. قال في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب الغصب: له أن يأخذ كراءها ويتصدق به. قال ابن رشد: معناه كراء مثلها على أن يحمل فيها خمرا أن لو أكراها نصراني من نصراني لذلك، وأما قوله: يتصدق به فهو بعيد أن يجب ذلك عليه إلا أن يعلم بتعديه فلا يمنعه من ذلك وهو قادر على منعه، وأما إن لم يعلم بذلك أو علم ولم يقدر على منعه فلا يجب أن يتصدق إلا بالزائد على

    [ 550 ]
    قيمة كرائها على أن يحمل عليها غير الخمر فحمل عليها خمرا. قاله ابن حبيب. انتهى. ص: (وبناء عل جدار) ش: تصوره واضح. وأما إذا اكترى أرضا ليبني فيها لم يلزمه أن يذكر قدر البناء لان الارض لا ضرر عليها في ثقل البناء بخلاف الجدار إذا أكراه ليبني عليه. انتهى من التوضيح. ص: (ومحمل) ش: بفتح الميم الاولى وكسر الثانية. ص: (ودابة لركوب وإن ضمنت فجنس ونوع وذكورة) ش: يعني أن الدابة إذا اكتريت للركوب فيلزم تعيينها إذا كانت معينة، وإن كانت مضمونة فيلزم أن يذكر جنسها ونوعها والذكورة والانوثة، وظاهر كلامه أنه يكتفى في التعيين بالوجه الاول ابن عبد السلام، وينبغي أن يختبرها الراكب لينظر سيرها في سرعته وبطئه قرب دابة - كما قال مالك - المشي خير من ركوبها. تنبيه: قال في التوضيح: محمد: وإن وقع الكراء على الاطلاق حمل على المضمون حتى يدل دليل على التعيين. قال: ولو اكترى منه أن يحمله إلى بلد كذا على دابة أو سفينة وقد أحضرها ولا يعلم له غيرها ولم يقل له تحملني على دابته هذه أو سفينتك هذه، فهلكت

    [ 551 ]
    بعد أن ركب فعلى الكري أن يأتيه بدابة أو سفينة غيرها، وهو مضمون حتى يشترط أنه إنما يكري هذه الدابة بعينها. محمد: أو يكريه نصف السفينة أو ربعها فيكون كشرط التعيين انتهى. ص: (كأجير لخدمة آجر نفسه) ش: ظاهره فتكون الاجارة لمن استأجره أولا وليس له غير ذلك. وخيره في المدونة بين ذلك وبين أن يسقط حصة ذلك اليوم من الاجرة. ونصه بعد مسألة الرعاية: وكذلك أجيرك للخدمة يؤاجر نفسه من غيرك يوما أو أكثر فلك أخذ الاجر أو تركه وإسقاط حصة ذلك اليوم من الاجر عنك. قال عبد الحق: خيره ابن القاسم في أجير الخدمة ولم يخيره في الراعي إذا شرط أن لا يرعى مع غنمه غنما أخرى وخالف والامر في ذلك سواء. وينبغي أن يقال كم تستوي إجارته على أن لا يرعى مع الغنم غيرها وتقوم على أن يرعى معها غيرها فيعرف ما بين ذلك، ثم يخير بين أن ينظر ما يخصه من الكراء الذي سمى فيسقطه من إجارته أو يأخذ ما أجربه نفسه والله أعلم انتهى. ونقله أبو الحسن وقال: صورته أن يعين إجارتها وحد همثلا عشرة ومع غيرها ثمانية فيسقط من نصيبه من المسمى الخمس أو يأخذ ما أجر بنفسه انتهى. ونقل عن أبي محمد صالح أنه قال: يتوهم أن الاجير بخلاف الراعي لان الاجير عطل ذلك اليوم والراعي لم يعطل. ثم ذكر كلام عبد الحق، وكلام عبد الحق ظاهر لا شك فيه قبله أبو الحسن وفسره. تنبيه: قال ابن يونس: قوله: لك أخذ الاجر الخ هذا فيما يشابه ما أجرته فيه أو يقاربه، وأما أن يؤاجره للرعاية شهرا بدينار فيؤاجر نفسه في الحصاد أو في مخوف كل يوم بدينار أو

    [ 552 ]
    تؤاجره لخدمتك في الغزو فيذهب يقاتل فيقع في سهمانه عشرة دنانير، فهذا وشبهه لا يكون له إلا إسقا ما عطل لك من عملك من الاجر. وقاله غير واحد من أصحابنا انتهى. وذكر أبو الحسن عن عبد الحق قريبا من ذلك ثم قال: قال أبو محمد صالح: انظر على هذا إذا أصاب بيض الحجل فهي للاجير انتهى. ص: (إلا لعرف) ش: فإذا لم يكن عرف لم يلزمه رعايتها. ابن يونس: قال أبو بكر بن اللباد: ولربها أن يأتي براع يراعي معه للتفرقة. أبو الحسن: راعي التفرقة في الحيوان البهيمي ومثله في سماع عيسى انتهى ابن عرفة بعد ذكر كلام ابن اللباد. قلت: معناه أن التفرقة تعذيب لها فهي من النهي عن تعذيب الحيوان انتهى. وتقدم الكلام على ذلك بأتم من هذا عند قول المصنف في فصل طعام الربا وتفريق أم فقط من ولدها. ص: (عكس إكاف) ش: كلام ابن غازي في شرح هذه المسألة كاف وهو ظاهر والله أعلم. ص:

    [ 553 ]
    (وبدل الطعام المحمول) ش: يعني إذا نقص الطعام المحمول ببيع أو أكل فأراد به أن يوفيه، فإن كان فيه عرف عمل به، وإن لم يكن عرف فعليه حمل الوزن الاول. نقله في التوضيح عن المدونة قال: وعكسه إذا استأجره على حمل مائة رطل فأصابه مطر حتى زاد فلا يلزمه إلا حمل الوزن الاول. قاله سحنون وانظره في ابن يونس. ص: (وتوفيره) ش: بالفاء كذا فسره الشارح. ص: (وهو أمين) ش: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه. قول الشيخ: مصدق يريد ويحلف إن كان متهما لقد ضاع ولا فرطت ولا يمين عليه إن كان غير متهم. قاله ابن القاسم. وقيل: يحلف مطلقا، وقيل: يحلف غير المتهم ما فرط. انتهى. فرع: والقول قول المستأجر في رد الشئ المستأجر إلا أن يكون قبضه ببينة. نص عليه ابن رشد وغيره وتقدم في العارية كلام ابن رشد فانظره، وانظر المقدمات، وانظر التوضيح في كتاب الوديعة في شرح قوله: وإن ادعى الرد الخ. تنبيه: قال ابن الحاجب: والمستأجر أمين على الاصح. قال ابن عبد السلام: يعني أن من ملك منفعة بعوض فالقول قوله في تلف الذات التي قبضها لاستيفاء تلك المنفعة، سواء كانت تلك الذات من نوع ما لا يغاب عليه كالحيوان أو مما يغاب عليه كالجفنة أو لا. هذا هو

    [ 554 ]
    المعروف في المدونة وغيرها، وأنكر بعضهم وجود الخلاف فيه في المذهب، ومن أثبته لم يثبته عموما كما يقتضيه ظاهر كلام المؤلف يعني ابن الحاجب: بل هو مقصور عندهم على ما يغاب عليه. انتهى ونحوه في التوضيح. قال في إجارة الحلي والثياب من كتاب الاجارة من المدونة: ومن استأجر فسطاطا أو بساطا أو غرائر أو آنية إلى مكة ذاهبا وجائيا جاز ذلك، فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الاشياء في البداءة صدق في الضياع ولزمه لكراء كله إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع، فإن كان معه قوم في سفره فشهدوا أنه أعلمهم بضياع ذلك وطلبه بمحضرهم حلف وسقط عنه من يومئذ حصة باقي المدة. انتهى. وقال ابن رشد في شرح المسألة الثانية من سماع أشهب من كتاب تضمين الصناع: وحكم اكتراء العروض بشرط الضمان على قول مالك في هذه الرواية حكم بيع الثنيا يفسخ الكراء إلا أن يرضى المكتري بإسقاط الشرط، فإن فات الكراء كان على المكتري الاكثر من الكراء المسمى أو كراء المثل على غير شرط الضمان، ثم قال: وأما قوله في الدمياطية فيمن اكترى دابة بالضمان أنه لا خير

    [ 555 ]
    فيه ويرد إلى كراء مثله مما لا ضمان عليه، فظاهره كان أكثر من المسمى أو أقل، ومعناه إن فات الكراء وأنه يفسخ قبل فوته وإن ترك المكري الشرط وهو القياس خلاف رواية أشهب اه‍. فقول المصنف: وهو أمين يمكن أن يكون الضمير عائدا على المستأجر بكسر الجيم فيكون أشار إلى هذا، ويمكن أن يعود الضمير على المستأجر بالفتح وهو الذي يظهر من قوله: ولو شرط إثباته إن لم يأت بسمة الميت، ويكون مشيرا بذلك إلى قوله في المدونة: ولا ضمان على الرعاة إلا فيما تعدوا فيه أو فرطوا في جميع ما رعوه من الغنم والدواب لاناس شتى أو لرجل واحد. ثم قال ابن القاسم: وإذا اشترط على الراعي الضمان فسدت الاجارة ولا شئ عليه وله أجر مثله بغير ضمان ناف على التسمية أو نقص. قال غيره: وإن كان ذلك أكثر من التسمية لم يزد عليها قال: ومحال أن يكون أكثر. قال ابن القاسم: وكذا إن شرطوا على الراعي أنه إن لم يأت بسمة ما مات منها ضمن فلا يضمن. وإن لم يأت بها، وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: ولا ضمان على الراعي فيما تلف أو ضل وعليه اليمين إن اتهم أنه ما فرط ولا تعدى ولا دلس، ويضمن إن فرط ولا ضمان عليه إن نام مغلوبا في إبان النوم إلا أن يأتي من ذلك ما ينكر، وإن شرط عليه الضمان فسخت الاجارة وله أجرة المثل فيما رعى انتهى. وعلى هذا فقول المصنف: ولو شرط إلى آخره صحيح في نفي الضمان إلا أنه يوهم أن ذلك مع صحة العقد، وقد صرح في المدونة بفساده فتأمله والله أعلم. مسألة: قال في الارشاد في باب الاجارة: وتلزم بالفاسدة أجرة المثل. قال الشيخ زروق عند الفوات بما تفوت به من انقضاء العمل ونحوه: نعم وكل ما يفيت البيع الفاسد يفيت الاجارة الفاسدة لانه كالبيع فيما يحل ويحرم، وقد يكون له الاقل من المسمى وأجرة المثل في بعض الصور الفاسدة وقد يكون له الاكثر، وقد يحكم بالمسمى فقط لشبه الصحيحة وقد تسقط لانتفاء الموجب، فانظر ذلك كله انتهى.

    [ 556 ]
    مسألة: قال في الطرر: وإذا ادعى الراعي أن بعض الغنم لم يصدق إلا أن يأتي بسبب يدل على صدقه فيحلف، ونقله عن نوازل ابن رشد. مسألة: إذا قال الصانع: هذا متاع فلان وقال فلان: ليس هو لي، فالظاهر أن القول قول الصانع. قال البرزلي مسألة: قال ابن الحاج: إذا احترق الخبز في الفرن فقال الفران: هو لفلان. وقال صاحبه: ليس هو لي، فالقول قول الفران. قاله ابن زرب ثم ذكر عن اللخمي ما مضمونه: إن كان ما يعمل للناس فإنه يصدق، وإن كان يعمل بنفسه لم يصدق. فانظره وأظنه في تضمين الصناع والله أعلم. فرع: قال في الطرر في ترجمة وثيقة باستئجار جماعة لرعاية غنم: لا يجبر أهل الافران وأهل الازحاء وأهل الحمامات على طبخ ولا طحن ولا غيره وكذلك الصناع كلهم، ثم ذكر أن القضاء بطليطلة على جبر الفران على طبخ خبز جاره إذا امتنع بمثل ما يطبخ به خبز مثله. انتهى. ص: (وأجير لصانع) ش: يعني أن الاجير الذي يعمل عند الصانع لا ضمان عليه والضمان على الصانع. قال في المدونة في أول كتاب تضمين الصناع: ويضمن القصار ما أفسد أجيره ولا شئ على الاجير إلا أن يتعدى أو يفرط. انتهى. ص: (وسمسار ظهر خيره على الاظهر) ش: هذا إذا ادعى ضياع المتاع، وأما لو ادعى أنه باعه من رجل والرجل ينكر فإنه يضمن لتفريطه بعدم الاشهاد. نص على ذلك ابن رشد في نوازله في آخر كتاب البيوع ونصه: وأما السمسار يدعي بيع السلعة من رجل عينه وهو ينكره فلا اختلاف في أنه ضامن لتركه الاشهاد لانه أتلف السلعة على ربها إذا دفعها إلى المبتاع ولم يتوثق عليه بالاشهاد، ولا يراعى

    [ 557 ]
    في هذا العرف بترك الاشهاد إذ ليس من المسائل التي يراعى فيها ذلك لافتراق معانيها. انتهى منه بلفظه. وانظر أول الاجارة من مسائل البرزلي، وانظر كلام القاضي عياض في آخر التدليس بالعيوب فقد أطال في ذلك. ص: (أو أنزى بلا إذن) ش:. فرع: قال في الطرر في ترجمة استئجار راع لغنم، سئل بعضهم عما كسر الراعي من الغنم. قال: أما ما كسره بالعصا حين يذودها بها فلا ضمان عليه، وأما ما كسره بالحجارة فعليه الضمان لانه من التعدي انتهى. فرع: قال في الترجمة المذكورة: قال في المؤلفة لابن لبابة: إذا عقر الراعي من الغنم مرة وثانية وثالثة ولم يضمنه صاحب الغنم وأمضاه على فعله ولم ينكر عليه ورضي لم يضمنه بعد ذلك انتهى. ص: (أو صانع في مصنوعه) ش: قال ابن الحاجب: تلف بصنعه أو بغير صنعه. قال في التوضيح: كما لو ادعى أن سارقا سرقه.

    [ 558 ]
    فرع: قال في المسائل الملقوطة. قال في الكافي في الصانع: تضيع عنده السلعة فيغرم قيمتها ثم توجد أنها للصانع، وكذا لو ادعى على رجل أنه سرق عبده فأنكر فصاحله على شئ ثم وجد العبد قال ابن رشد في سماع يحيى: هو للمدعى عليه ولا ينقض الصلح، صحيحا كان أو معيبا إلا أن يجده عنده قد أخفاه فيكون لربه. وفي التهذيب في المكتري يتعدى على الدابة فتضل فيغرم قيمتها ثم توجد هي للمكتري انتهى. تنبيه: قال في التوضيح: ابن رشد: والضمان بسبب الصنعة إنما هو إذا لم يكن فيها تغرير، وأما إن كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤة ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والثوب عند الصباغ فلا ضمان عليه فيها إلا أن يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه أخذها، ونحوه لابن المواز انتهى. تنبيه: تضمين الصناع من المصلحة العامة. قال في التوضيح: وذكر أبو المعالي أن مالكا كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين. المازري: وهذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح انتهى. وفي بعض نسخ التوضيح ولكنه في تضمين الصناع، وانظر كلام القرافي في آخر شرح المحصول فإنه تكلم في مسألة المصالح المرسلة بكلام حسن، وأنكر ما ذكره إمام الحرمين عن مالك وقال: إنه لا يوجد في كتب المالكية فتأمله والله أعلم.

    [ 559 ]
    فرع: قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة الابدان فيما إذا مرض أحد الشريكين: ولو أجر رجلان أنفسها بعمل شئ بعينه أو كانت الاجارة في الذمة لم يكن على أحدهما أن يوفي عمل الآخر وليس كالاول يعني شريكي الصنعة أولئك متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر انتهى. يعني متفاوضين في العمل كالمتفاوضين في المال. فرع: قال: وقبله إذا كانت الاجارة على عمل رجل لم يجز أن يضمن عنه رجل آخر ذلك الفعل إن مرض أو مات أو غاب اه‍. وقال في كتاب الجعل والاجارة من المدونة: وإن أجرت رجلين على حفر بئر كذا فحفرا بعضها ثم مرض أحدهما فأتمها الآخر فالاجرة بينهما، ويقال للمريض: أرض الحافر من حقك، فإن أبى لم يقض عليه والحافر متطوع له. انتهى. ص: (إن نصب نفسه) ش: ابن عرفة: اللخمي: المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التي استعمل فيها كان بسوقها أو داره، وغير المنتصب لها من لم يقم نفسه مقاولا منها معاشه. قلت: ظاهره ولو كان انتصابه لجماعة خاصة، ونص عياض على أن الخاص بجماعة دون غيرهم لا ضمان عليه. ونحوه لابن رشد في المقدمات. ونحو لفظ اللخمي سماع عيسى: لا ضمان على الصانع حتى ينصب نفسه للعمل. الصقلي إثر سماع عيسى قال بعض شيوخنا: معناه أنه عمله بغير أجر ولو أخذ عليه أجرا صار صانعا فيضمن وحكى أنه منصوص للمتقدمين. قلت: ففي ضمانه بمجرد نصب نفسه أو بقيد عمومه للناس قولا، الظاهر سماع عيسى مع بعض شيوخه. الصقلي: وطريق عياض مع ابن رشد ص: (وغاب عليها) ش: يريد

    [ 560 ]
    في بيته فشمل شرطين: الاول: أن لا يكون عمله في بيت رب السلعة وإن كانت في بيته فلا

    [ 561 ]
    ضمان عليه جلس معه ربها أم لا، عمل بأجر أم لا. الثاني: أن لا يكون ربه ملازمه وإلا فلا ضمان عليه. قاله في التوضيح. ص: (وصدق إن ادعى خوف موت فنحر) ش: قاله في المدونة: وهذا إذا جاءه بالشاة منحورة أو بثمنها أو ادعى أنها سرقت منه بعد الذبح، و أما لو أكلها فلا يصدق. قاله أبوعمران في الكافي ونقله أبو الحسن الصغير. وقال في المسائل الملقوطة: وإن أتى بشاة مذبوحة قال: خشيت عليها الموت، صدق في قول ابن القاسم. وكذلك إذا قال: سرقت بعد الذبح وضمنه غيره انتهى. وانظر هل يصدق في هذه المسائل بيمين أم لا. ص: (لا به إلا صبي تعليم ورضع وفرس نزو وروض) ش: قال الشارح في الوسط: الحق بهذه الاربع مسائل وهي أن من استأجر على أن يحصد أرضه وليس له غيرها، أو يبني له حائطا ثم حصل مانع من ذلك، و الخياط والحائك يدفع إليه ثوب ليعمله للباس لا للتجارة وليس عنده غيره، والطبيب يوافق على معافاة العليل مدة فيموت قبلها. وألحق بعضهم ما إذا استأجر على الجواهر النفيسة ليضع فيها شيئا فهلكت والعلة في ذلك تعذر الخلف غالبا انتهى. ونقلها صاحب المسائل الملقوطة

    [ 562 ]
    . فرع: قال في مسائل الاجارة من البرزلي: سئل ابن أبي زيد إذا أصاب الاجير في البناء مطر في بعض اليوم منعه من البناء في بعض اليوم قال: فله بحساب ما مضى ويفسخ في بقية اليوم. ومثله لسحنون، ولغيره يكون له جميع الاجر لان المنع لم يأت من قبله انتهى. وقال ابن عرفة: قال سحنون في وثائقه: إن منع أجير البناء أو الحصد أو عمل ما مطر لم يكن له بحساب ما عمل من النهار وأجيره لهع كل الا حجر لان المنع لم يكن منه. قال ابن عرفة: ولا يدخل هذا الخلاف في نوازل وقعت في بلدنا بتونس لان العرف تقرر عندهم بفسخ الاجارة بكثرة المطر ونزول الخوف. انتهى. ذكره في الكلام على ما تفسخ به الاجارة. ص: (وسن لقلع فسكنت كعفو القصاص) ش: قال ابن عرفة: ابن شاس: وتنفسخ بمنع استيفاء المنفعة شرعا كسكون ألم السن المستأجر على قلعها، أو عفو عن القصاص المستأجر على استيفائه. قال ابن عرفة: قلت: هذا إذا كان العفو من غير المستأجر، وانظر هل يقبل قول المستأجر في ذهاب

    [ 563 ]
    ألمه ؟ والاظهر أنه لا يصدق إلا أن يقوم على ذلك دليل وفي يمينه مع ذلك نظر، والاظهر أنها كأيمان التهم. انتهى. ص: (وحمل ظئر) ش: أو تنفسخ الاجارة بحمل الظئر أي المرضعة لانه يخاف على الولد من لبنها. قال في المدونة في كتاب الجعل والاجارة: وإذا حملت الظئر

    [ 564 ]
    فخيف على الولد فلهم فسخ الاجارة انتهى. قال البساطي: فإن قلت: كلام المدونة يخالف كلام المؤلف من وجهين: أحدهما أنه قال فيها: إذا خيف والمؤلف أطلق. والثاني أنه قال فيها فلهم الفسخ والمصنف جزم. قلت: قد يجاب عن الاول بأن الغيلة مضمونة بالحمل فأحال في المدونة على الخوف إشارة إلى العلة، وأطلق المصنف إشارة إلى المظنة مع أنك إذا تأملت وجدت الخوف على الولد مقطوعا به عند الحمل والذي قد يكون وقد لا يكون إنما هو حصول الضرر، وأما الثاني فالظاهر وروده على كلام المصنف انتهى. قلت: قد قدم المصنف هذه المسألة على ما في المدونة فقال: ولزوجها فسخه إن لم يأذن كأهل الطفل إذا حملت. وتقدم هناك عن الشيخ أبي الحسن أنه إن خيف على الصبي الموت وجب عليهم الفسخ، وإن خيف عليه ضرر غير الموت فلهم تركه على الكراهة، وقد تقدم أن هذا الذي قاله أبو الحسن إنما يكون والله أعلم مع عدم تحقق الضرر، وأما لو تحقق الضرر لوجب عليهم الفسخ فجزم المصنف هنا بالفسخ اعتمادا على ما قدمه على أنه لا دليل في كلامه على تحتم الفسخ بل أكثر المسائل التي ذكرها لا يتحتم فيها الفسخ. نعم يعترض على المصنف في تكرارها إلا أن يقال: أراد جمع النظائر التي تفسخ فيها الاجارة وفيه نظر، إذ ليس في كلامه استيفاء لها فتأمله والله أعلم. ص: (وبرشد صغير عقد عليه) ش: عبارة المدونة فاحتلم لكن قيده الشراح بأن يكون

    [ 565 ]
    رشيدا إذ لا يكفي مجرد الاحتلام في المحجور. انظر ابن عرفة. ص: (وبموت مستحق وقف آجر ومات قبل تقضيها على الاصح) ش: قال في الجواهر: إذا مات البطن الاول من أرباب الوقف بعد الاجارة قبل تقضي مدتها انفسخت الاجارة في باقي مدة الاجارة لانه تناول بالاجارة ما لا حق له فيه. وقيل: إذا أكرى مدة يجوز الكراء إليها لزم باقيها انتهى. ونقل ابن الحاجب القولين من غير ترجيح، قال ابن عرفة: ولا أعرف الثاني لغير ابن شاس، ولم يعزه ابن هارون ولا ابن عبد السلام، وظاهر أقوال الشيوخ نفيه ثم ذكر عن ابن رشد والمتيطي وابن فتوح أنه ينقض بموت المستحق. تنبيه: قال في الارشاد في باب الوقف: وتنفسخ بموت الآيل إليه الوقف لا المستأجر. قال الشيخ سليمان البحيري في شرحه ناقلا عن شرح مؤلفه المعتمد: معنى قولنا أنها تنفسخ بموت مستحق الاجرة أنه إن كان الوقف على بطن بعد بطن فآجر البطن الاعلى ثما مات قبل انقضائها انفسخت فيما بقي، لان ملك المنفعة انتقل بالموت للبطن الآخر ممن يرجع إليه الوقف، فقد تبين أنه آجر ملكه وملك غيره بخلاف موت الناظر إذا لم يكن من أهل الوقف وموت

    [ 566 ]
    المستأجر فإنه لا يفسخ انتهى. ص: (أو خلف رب دابة في غير معين وحج) ش: وله أن يرفع الامر إلى الحاكم فينظر في ذلك، فإن رأى أن في الصبر ضررا فسخ الكراء، وإن لم يضر لم يفسخ. نقله ابن عرفة عن اللخمي ثم قال ابن عرفة: ولو غاب كرى مضمون ووجد له مثله لم يستحقه مكتريه إلا بالحكم وإن لم يوجد وله ما يكرى به عليه أكرى عليه الحاكم منه، وإن لم يكن له شئ وضاع المكتري بسلفه جاز إن علم له مال، وإن لم يعلم ففي صحة سلفه لذلك قولا ابن القاسم ومحمد. ورجح اللخمي الاول بالقياس الاحروي على منع غرماء مفلس طاع برد ما ابتاعه لبائعه لعجزه عن ثمنه بسلفهم إياه الثمن لربح فيه انتهى. ص: (أو فسق مستأجر) ش: قال في المدونة: وإذا ظهر من مكتري الدار دعارة وخلاعة وفسق وشرب خمر لم ينقض الكراء، ولكن الامام يمنعه ويكف أذاه عن الجيران وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه وأكراها عليه. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: من اكترى دارا وله جيران سوء فله ردها لان ذلك عيب، ولهذا قال مالك فيمن اشترى دارا ولها جيران سوء: إنه عيب ترد به قال الشارع: يقولون لي بعت الديار رخيصة ولا أنت مديون ولا أنت مفلس فقلت لهم كفوا الملامة واقصروا بجيرانها تغلو الديار وترخص انتهى.

    [ 567 ]
    وقال ابن عرفة: وروى ابن حبيب في فساق ذي دار بين الناس يعاقبه السلطان ويمنعه فإن لينته بيعت عليه، اللخمي: وأرى أن يبدأ بعقوبته فإن لم ينته أكريت عليه، فإن لم ينته عن أذايته لاتيانه إليها بيعت عليه، وسمع أبو زيد ابن القاسم آخر مسألة من كتاب السلطان قال مالك في فاسق يأوي إليه أهل الفسق يخرج من منزله وتخارج عليه الدار والبيوت ولا تباع عليه لعله يتوب. ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثا فإن لم ينته أخرج وأكرى عليه. ابن رشد: رواية ابن حبيب يباع عليه خلاف هذا السماع، وقوله فيها أصح لما ذكره من رجاء توبته ولو لم تكن الدار له إلا بكراء أكريت عليه ولم ينفسخ كراؤه. ابن عرفة: لان فسخ الكراء مضرة على رب الدار، ويحتمل حمل رواية ابن حبيب على من لا ترتفع مضرة فسقه إلا برفع ملكه. وحمل رواية ابن القاسم على من ترتفع مضرته بمجرد كرائها عليه. ابن رشد: وروى يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أن يحرف بيت الخمار. قال: وأخبرني بعض أصحابنا أن مالكا كان يستحب حرق بيت المسلم الذي يبيع الخمر. قيل له: فالنصراني يبيعها بين المسلمين ؟ قال: إن تقدم إليه فإن لم ينته أحرقت بيته. قال: وحدثني الليث أن عمر بن الخطاب أحرق بيت رويشد الثقفي لانه كان يبيع الخمر وقال: أنت فويسق لا رويشد انتهى والله أعلم.

    [ 568 ]
    فصل كراء الدواب ص: (أو ليركبها في حوائجه أو ليطحن بها شهرا) ش: شهرا قيد في المسألتين. ص: ولم يلزم الفادح) ش: قال عياض: الفادح من الرجال والاحمال العظام الثقال التي

    [ 569 ]
    تهلك الدواب انتهى. ص: (وبيعها واستثناء ركوبها الثلاثة) ش: تصوره ظاهر والمسألة في المدونة وغيرها. قال القرطبي في شرح مسلم وغيره: يجوز بيع البعير واستثناء ركوبه لحديث جابر في الصحيحين، لكن قال مالك: إذا كانت المسافة معلومة قريبة وحمل الحديث عليه انتهى. ص: (وكراء دابة شهرا إن لم ينقد) ش: قوله: دابة يريد معينة، وقوله: شهرا يعني يكتريها ولا يركبها إلا بعد مضي شهر وهذا. لا يجوز النقد فيه لان الاجارة المعينة إذا لم يشرع فيها لم يجز النقد لانه يصير تارة ثمنا وتارة سلفا. قال في المدونة: ومن اكترى دابة بعينها على أن يركبها إلى يوم أو يومين، وما قرب جاز وجاز النقد فيه، وإن كان إلى شهر أو شهرين جاز ما لم ينقد اه‍. ص: (وإقالة بزيادة قبل النقد وبعده إن لم يغب عليه) ش:

    [ 570 ]
    يعني أنه لا يجوز الاقالة برأس المال وتجوز بزيادة قبل النقد وبعده وقبل الغيبة عليه من المكتري والمكري، ويريد إذا كانت الزيادة معجلة، وقد استوفى أقسامها في المقدمات. ص: (واشتراط هدية مكة إن عرف) ش: نحوه في المدونة. فائدة: قال بعده في المدونة: وأجاز للمكتري أن يحمل في غيبته ثوبا أو ثوبين لغيره ولا يخبر بذلك الحمال وهو من شأن الناس ولو بين هذه الاشياء ووزنها كان أحسن. انتهى ولله أعلم. ص: (ولا اشتراط إن ماتت معينة أتاه بغيرها) ش: قال في المدونة: وإن اشترط في

    [ 571 ]
    المعينة إن ماتت أتاه بغيرها لم يجز. انتهى. ص: (أو عطبت بزيادة المسافة أو حمل تعطب به) ش: يعني أن الدابة إذا عطبت بزيادة المسافة فإنه يثمنها، وسواء كانت الزيادة مما تعطب الدابة في مثلها أم لا، وكذا يضمن الدابة إذا عطبت بسبب زيادة في الحمل إذا كانت الزيادة مما تعطب الدابة بمثلها.

    [ 572 ]
    تنبيهات: الاول: قوله: أو عطبت بزيادة مسافة ظاهره أنه إذا زاد على المسافة التي اكترى إليها يضمن ولو كان اكترى ذاهبا وراجعا. ولا يعتبر قدر الرجوع مما زاد على المسافة كما تقول الشافعية إنه لا يضمن حتى يزيد على المسافة المشترطة قدر الرجوع الذي يستحقه وهو كذلك. قال في كتاب الرواحل من المدونة: قال مالك: وإن اكتراها إلى بلد ذاهبا وراجعا فعطبت الدابة يوم وصوله إلى البلد لم يضمن المكتري ولربها نصف الكراء فقط، وإن جاوزها فلربها أخذ قيمته يوم تعديه مع كرائها إلى ذلك الموضع وإن شاء أخذ دابته وكراء ما تعدى فيه. قال ابن يونس: يريد مع كراء الاول. ويفهم ذلك من مسألة المدونة الآتية في شرح قول المصنف إلا أن يحبسها كثيرا. الثاني: قول المصنف: ضمن في هذه المسائل معناه أن رب الدابة مخير في أن يأخذ قيمتها أو يأخذ الكراء الاول وكراء الزيادة. الثالث: ظاهر كلامه أن التعدي في زيادة المسافة من التعدي في زيادة الحمل وليس كذلك، فإطنه إذا تعدى بزيادة المسافة يخير رب الدابة في أن يأخذ قيمتها يوم التعدي مع كرائه الاوطل، أو يأخذ كراءه الاول مع كراء مثل ما تعدى، وأما إذا تعدى بزيادة الحمل فإن ربها يخير بين أن يأخذ كراء مثل ما زاد على الدابة بالغا ما بلغ مع الكراء الاول، أو قيمة الدابة يوم التعدي ولا كراء له،. قال في المدونة في المسألة الثانية: وإذا زاد المكتري على الدابة في الحمل الذي شرط فعطبت فإن زاد ما تعطب في مثله خير ربها في أخذ المكتري بقيمة كراء ما زاد على الدابة في الحمل بالغا ما بلغ مع الكراء الاول، أو قيمة الدابة يوم التعدي ولا كراء له. قال ابن يونس: يريد إذا زاد على ذلك في أول المسافة، وإن زاد بعد أن سار نصف الطريق واختار ربها أخذ قيمة الدابة فله قيمة الدابة يوم التعدي ونصف الكراء الاول، وكذلك في ثلث الطريق أو ربعه ثلث الكرادء أو ربعه مع قيمة الدابة انتهى. وقال في المسألة الاولى: وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها ثم زاد ميلا فعطبت الدابة فلربها كراؤه الاول والخيار في أخذ قيمة كراء الميل الزائد ما بلغ أو قيمة الدابة يوم التعدي

    [ 573 ]
    انتهى. ص: (وإلا فالكراء) ش: أي وإن لم تكن الزيادة التي في الحمل مما تعطب الدابة بمثلها فلا يلزم المكتري الاكراه الزيادة ولو عطبت الدابة وهذا هو المشهور، أعني أنه يفرق بين الزيادة في المسافة وبين الزيادة في الحمل. ففي زيادة المسافة يضمن إذا عطبت مطلقا، سواء كانت الزيادة مما تعطب بمثلها أم لا، وفي زيادة الحمل لا يضمنها إذا عطبت إلا إذا زاد زيادة تعطب بمثلها. قال أبو الحسن الصغير: والفرق بينهما أن التعدي بزيادة الحمل اليسير الذي لم تعطب بمثله مستندا إلى إذن وتعد، فالادن في الحمل المعتاد والزيادة في اليسير إنما هوتعد فقط والله أعلم. فرع: الشعبي عن أحمد بن عبد الله: إذا حمل على الدابة المكتراة إلى موضع أقل من الشرط غلطا منه حتى وصل فعليه الكراء كاملا إذ لو شاء لتثبت في حمل الجميع انتهى. ص: (كأن لم تعطب) ش: يعني أن الدابة إذا لم تعطب فلا يلزم المكتري إلا كراء ما زاد من الحمل أو المسافة إون كانت الدابة تعطب بمثل ذلك ثم استثنى من زيادة المسافة. ص: (إلا أن يحبسها كثيرا فله كحراء الزيادة وقيمتها) ش: ويشير به إلى قوله في المدونة: ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة ذاهبا وراجعا إلى مصر فتمادى إلى إفريقية وعاد إلى مصر، فرب الدابة مخير في أخذ قيمة كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهبا وراجعا إلى برقة ما بلغ مع كرائه الاول أو نصف الكراء الاول مع قيمتها ببرقة يوم التعدي ردها بحالها أو بغير حالها ؟ لان سوقها قد تغير وقد حبسها المكتري عن نفعه بها وعن أسواقها. انتهى. ص: (ولك فسخ عضوض أو

    [ 574 ]
    جموح أو أعشى أو دبرة فاحشا) ش: قال في الشامل: ولك فسخ كراء عضوض وأعشى وعثور وجموح وذي دبرة فاحشة وقيد إن كا بمستعتب وإلا تمادى وحط عنه قيمة العيب كما لو لم يعلم به حتى وصل انتهى. والاعشى هو الذي لا يبصر بالليل، والجموح القوي الرأس الذي لا يقاد إلا بعسر والعضوض الذي يعض من يقرب منه، والدبر العقر الذي يحصل في ظهور الابل. قاله بهرام. ص: (كان يطحن لك كل يوم أردبين بدرهم فوجد لا يطحن إلا أردبا) ش: هكذا قال في كتاب الرواحل من المدونة ونصها: وإن اكتريت ثور التطحن عليه كل يوم أردبين بدرهم فوجدته لا يطحن إلا أردبا فلك رده وعليك في الاردب نصف درهم انتهى. وظاهر كلام المدونة أن عقد الكراء صحيح وليس بفاسد وهو جار على أحد القولين المشهورين اللذين تقدما فيما إذا قيد العمل بالزمان وتحمل العمل كما أشار إلى ذلك القاضي عياض في التنبيهات في كتاب كراء الرواحل، وأشار إلى ذلك اللخمي، وتقدم أن الخلاف إنما هو فيما يمكن أن يعمل وأن يتمه في ذلك الزمان والله أعلم. ص: (وإن زاد أو نقص ما يشبه الكيل فلا لك ولا عليك) ش: لو جعل من تمام المسألة التي قبله ما بعد والله أعلم. فصل ص: (جاز كراء حمام ودار غائبة كبيعها) ش: قال في المدونة: ولا بأس بكراء أرض أو

    [ 575 ]
    دار غائبة ببلد قريب أو بعيد على صفة أو رؤية متقدمة وينقده كالبيع، ثم لا رد له إن وجدها على الصفة وإنما يجوز ذلك على رؤية متقدمة منذ أمد لا تتغير في مثله. انتهى. أبو الحسن: قوله: وينقده كالبيع قال أحمد: قال محمد بن إبراهيم: ولا ينقده على صفة ربها وإنما ينقده على صفة غيره أو يرسل المكتري رسولا يبصرها انتهى. ص: (أو نصفها أو نصف عبد) ش: قال في كراء الدور منها: وتجوز إجارة نصف دابة أو نصف عبد يكون للمستأجر يوما وللذي له النصف الآخر يوما كالبيع ثم قال: ولا بأس بكراء نصف دار أو سدسها أو جزء شائع قل أو كثر كالشراء، قال أبو الحسن في شرح الكلام الاول: قال اللخمي: فيستعمله المستأجر، وذكر كلام اللخمي المتقدم ذكره في التنبيه الاول عند قول المصنف: قدر على تسليمها ص: (إن ملك البقية) ش: يعني إن كان المكتري يملك منفعة البيت في بقية الشهر إن شاء سكن وإن شاء أسكن غيره، قال في المدونة: ومن استأجر بيتا شهرا بعشرة دراهم على أنه إن سكن فيه يوما واحدا فالكراء له لازم جاز إن كان له أن يسكن بقية الشهر أو يكريه إذا خرج وإلا لم يجز على حال انتهى. تنبيهان: الاول: زاد ابن عرفة عن المدونة ما لم يشترط عليه إن خرجت فليس لك أن تكري البيت ثم قال: ونقلها اللخمي بزيادة لا خير فيها والكراء لازم والشرط باطل. وإن كان على أنه إن خرج رجع البيت لربه ولا يحط من الكراء شيئا فهو فاسد وعليه قيمة ما سكن وفسخ متى أدرك وفيه نظر، لان ظاهر قولها: لا خير فيه أنه فاسد وهو مقتضى أصل المذهب في الشرط المنافي لمقتضى العقد.

    [ 576 ]
    الثاني: قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه. ابن يونس: وإن لم يكن شرط وكانت سنة البلد النقد قضى به. انتهى ص:

    [ 577 ]
    (كوجيبة) ش: الوجيبة المدة المعينة. ص: (وأرض مطر عشرا) ش: مراده سواء كانت مأمونة أو غير مأمونة، وكذلك سائر الارضين. وقوله: عشرا ذكر العشر لانه في المدونة كذلك وإلا فهو يجوز كراؤها أكثر من عشر. قال في المقدمات: السنين الكثيرة والله أعلم. ص: (إن لم ينقد) ش: قال في المدونة: ولا بأس بكراء أرض المطر عشر سنين إن لم ينقد، فإن شرط النقد فسد. أبو الحسن: قوله: إن لم ينقد معناه إن لم يشترط النقد يدل عليه قوله: فإن شرط. انتهى. وقد قال المؤلف في فصل الخيار: المواضع التي يمتنع النقد فيها مع الشرط وعدمه وعد هذا فيما يمتنع النقد فيه مع الشرط فقط إلا أن الشيخ بهراما قال هنالك: ظاهره أن التطوع بالنقد جائز. ونص الفاكهاني في شرح الرسالة على خلافه انتهى. وفي المدونة ما يوافق ظاهر كلام المؤلف ونصها في أكرية الدور: وإن أكريت من رجل أرضه قابلا وفيها زرع له أو لمكتري عامه جاز، فإن كانت مأمونة كأرض النيل جاز النقد فيها وإلا لم يجز بشرط انتهى. ص: (إلا المأمونة كالنيل والمعينة فيجوز) ش: أي الارض المأمونة من أرض المطر فيجوز اشتراط النقد فيها كما يجوز ذلك في أرض النيل المأمونة الري وفي الارض المعينة الماء المأمونة. هذا معنى كلامه، وقد صرح في التوضيح هنا بأنه يجوز اشتراط النقد في الارض الغالب ريها على قول ابن القاسم خلافا لابن الماجشون، وكلام البساطي فيه شئ فتأمله وللرجراجي كلام في

    [ 578 ]
    ذلك فانظره فيه والله أعلم. ص: (وعلى أن يحرثها ثلاثا أو يزبلها) ش: ابن عرفة: وشرط منفعة في الارض كشرط نقد بعض كرائها، فيها: من اكترى أرضا على أن يكر بها ثلاث مرات ويزرعها في الكراب الرابع جاز، وكذا على أن يزبلها بشئ معروف. الصقلي وغيره: يريد إن كانت مأمونة لان زيادة الكراب والتزبيل منفعة تبقى في الارض إن لم يتم زرعه، فإن

    [ 579 ]
    نزل في غير المأمونة ولم يتم زرعه نظركم يزيد كراؤها لزيادة ما اشترط على معتاد حرثها وهو عندنا حرثه على كرائها دون ما اشترطت زيادته على المعتاد فيرجع بالزائد لانه كنقد اشترطه

    [ 580 ]
    فيها، ولو تم زرعه كان عليه كراء مثلها بشرط تلك الزيادة لانه كراء فاسد. قاله التونسي انتهى. وقوله: نظركم يزيد كراؤها الخ يريد في السنة الثانية صرح به أبو الحسن الصغير وغيره. أبو الحسن: أجاز هنا بيع الزبل فهو يناقض ما في البيوع الفاسدة إن كان لمالك، وإن كان لابن القاسم فهو موافق انتهى. ص: (وفي السقي بالشهور إلى آخره) ش: قال في

    [ 581 ]
    الشامل: وفي السقي بتمامها، فإن تمت والزرع باق وكان ربه يظن تمامه فزاد الشهر ونحوه لزم رب الارض تركه لتمامه بكراء المثل فيما زاد. وقيل: نسب المسمى ولو بعد الامد وعلم ربه ذلك فلربها قلعه أو تركه بالاكثر من المسمى وكراء المثل، وليس له شراؤه على الاصح انتهى. ص: (أو عدمه بذرا أو سجنه) ش: قال في المدونة: ومن اكترى أرضا فلم يجد بذرا أو سجنه سلطان باقي المدة فالكراء يلزمه ولا يعذر بهذا، ولكن ليكريها إن لم يقدر هو على أن يزرعها. أبو الحسن الصغير: قال اللخمي: محمل قوله في البذر على أن المكتري وحده عجز عنه لانه قادر على أن يكريها، ولو كانت شدة فلم يجد أهل الموضع نذر أسقط عنه الكراء. وكذلك إذا قصد السلطان أن يحبسه ليحول بينه وبين زراعتها وكرائها فلا شئ عليه وإن لم يقصد ذلك وإنما طلبه السلطان بأمر فكان ذلك السبب في امتناع حرثها كان عليه كراؤها انتهى. ص:

    [ 582 ]
    (أو انهدمت شرفات البيت) ش: يريد ولم ينقص ذلك من قيمة كرائها، قاله في المدونة ص: (لا إن نقص من قيمة الكراء وإن قل) ش: يريد إذا قام بذلك، فإن سكت وسكن ولم يقم به فلا شئ له. قاله في المدونة ونقله في التوضيح وابن عرفة وغيرهما. والظاهر من كلامهم أن حكم انهدام البيت منها كذلك لا شئ له إن سكت، وإنما يخالف حكم بيت غيره في أنه يجوز له السكنى ولا يلزمه الخروج. وتحصيل مذهب المدونة في ذلك أنه إذا انهدم شئ من الدار، قليلا كان أو كثيرا، لم يجبر ربها على إصلاحه مطلقا كما قال في التوضيح ثم ينظر فيه، فإن كان فيه مضرة على الساكن فله الخيار بين أن يسكن بجميع الكراء أو يخرج، فإن خرج ثم عمرها ربه لم يلزمه الرجوع إليها، وإن عمرها وهو فيها لزمه بقية الكراء، وإن سكن الدار مهدومة لزمه جميع الكراء، وإن كان لا ضرر على المكتري في السكنى فالكراء له لازم وينظر إلى المتهدم، فإن نقص من قيمة الكراء حط ذلك النقص إذا قام به المكتري ولم يصلحه رب الدار، فإن سكت وسكن فلا شئ له، وإن لم ينقص من قيمة الكراء شيئا فلا كراء له والله أعلم. ص: (أو عطش بعض الارض أو غرق فبحصته) ش: قال في معين الحكام تنبيه: وصفة الحكم في ذلك أن يشهد أهل المعرفة بما عهد من حال هذه الارض في الاعوام

    [ 583 ]
    المتوسطة. فإن قيل للقفيز خمسة أو ثمانية نظر ما رفع الآن منها وأعطى من الكراء بحساب ذلك انتهى. ص: (وخير في مضر) ش: انظر اللخمي والرجراجي والجزولي في شرح الرسالة والله أعلم. ص: (أو عطش) ش: قال ابن عرفة: اللخمي: وإن غرقت الارض بعد الا بان ثم ذهب عن قرب بعد ما أفسد الزرع ثم لم تمطر بقية السنة وعلم أنه لو لم تفسد لم يتم الزرع سقط كراؤها. واختلف إن أذهبه السيل فروى محمد: عليه الكراء وقال: يريد إن أذهبه بعد

    [ 584 ]
    دلابان وأرى إن أذهب السيل وجه الارض قبل الا بان أو بعده أن لا كراء عليه لان منفعة الارض في وجهها وهو المكتري وهو المقصود. قلت: قوله: اختلف يدل على قولين ولا ثاني لما ذكر إلا اختياره. انتهى. ص: (وإن غارت عين مكري سنين بعد زرعه أنفقت حصة سنة فقط) ش: ابن عرفة: وفيها لمن اكترى أرضا ثلاث سنين فزرعها ثم غارت عينها أو انهدمت بئرها وأبى ربها إصلاحها أن ينفق عليها حصة تلك السنة فقط من الكراء وما زاد عليه فهو به متطوع. الصقلي عن محمد: إن كان قبضها ربها غرمه فإن كان عديما فللمكتري إنفاق قدره ويتبعه به، وإن كان ذلك في السنة الثانية فله إنفاق حصتها ولا ينفق عليها شيئا من حصة

    [ 585 ]
    الاولى، فإن كان ذلك قبل أن يزرعها فقال أشهب: لا شئ على ربها وللمكتري أن يفسخ، فإن أنفق من عنده فلرب الارض كراؤه كاملا ولا شئ للمكتري فيما أنفق إلا في نقض قائم من حجر ونحوه يعطيه قيمته منقوضا أو يأمره بقلعه. قلت: يجري الحكم بأن له ذلك ولو كره رب الارض أو يأمره على ما تقدم في ذهاب الرحى بسيل أو قيمة النقض على ما تقدم في بناء المكتري بإذن رب الدار أو بغير إذنه انتهى. ص: (وإن تزوج ذات بيت ولو بكراء فلا كراء إلا أن يتبين) ش: قال في كتاب كراء الدور والارضين من المدونة: ومن نكح امرأة وهي في بيت اكترته سنة فدخل بها فيه وسكنا باقي المدة فلا كراء لها عليه ولا لربها، وهي كدار تملكها هي إلا أن تبين له أني بالكراء فإما أديت أو خرجت. قال الشيخ أبو الحسن: قال اللخمي: يريد لان العادة أن ذلك على وجه المكارمة، وإن كان يسكن بها في مسكن لابيها أو أمها كان كمسكنها لا شئ لهما عن مدة ما كانت في العصمة، وأما الاخ والعم فالامر فيهما مشكل فيحلف ويستحق إلا أن تطول المدونة والسنون وهو لا يتكلم، ومثله إذا سكن عند أبويه ثم طلبا الكراء فلا شئ لهما وذلك لاخيه وعمه إن لم يقم دليل لهما على المكارمة. انتهى والله أعلم. ص: (والقول للاجير إنه وصل كتابا) ش: قال في كراء الدواب من

    [ 586 ]
    المدونة: وإن أجرت رجلا على تبليغ كتاب من مصر إلى إفريقية بكذا فقال بعد ذلك: أوصلته وأكذبته، فالقول قوله في أمد يبلغ في مثله لانك ائتمنته عليه وعليك دفع كرائه، وكذلك الحمولة كلها. وقال غيره: على المكري البينة أنه أوفاه حقه وبلغه غايته. انتهى. وقوله في المدونة: في أمد يبلغ في مثله يستفاد من قول المؤلف بعد أن أشبه فإنه عائد إلى الفروع الاربعة والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن الصغير: جعل القول قوله وإن كانت ذمته عامرة بما دفع فصدقه في أدائها. ابن يونس: كوكيل البيع يقول: بعت ويقول الموكل: لم تبع، فالقول قول الوكيل. قال أبو إسحاق: ولعل ابن القاسم إنما أراد أن مثل هذا لا يحتاج إلى إثبات لانه عرف عندهم أو لتعذر ذلك فصار كالمشترط أن يصدق في قوله أوصلته وإلا فهو إدخال في ذمة الذي أرسل إليه. وانظر مثل هذا ما قال في كراء الدور في مسألة الدم وفي كتاب الوكالات في مسألة اللؤلؤ، وانظر خلافها مسألة الصبرة في البيوع الفاسدة ومسألة الغرائر في السلم الثاني، وانظر ما هو أعم من هذا الرسول يقول: دفعت البضاعة من كتاب الشهادات، وفي تضمين الصناع، وفي كتاب الوكالات وفي غير ما موضع من الكتاب، وانظر وكيل البيع في المساقاة وفي الايمان بالطلاق، وانظرها في النكاح في المرأة توكل من يزوجها، وانظر لو مات الرسول في الطريق فإنه يكون له من الاجارة بحسب ما سار قال في العتبية فيمن استأجر رجلا على تبليغ غلام إلى موضع فيأبق في بعض الطريق: إنه له بحساب ما سار إلا أن يكون ذلك بمعنى الجعل. قال بعض الشيوخ: وكذلك مسألة الكتاب. الشيخ: وقول الغير بين لا إشكال فيه لانه جار على الاصل. انتهى ص: (وفي الاجرة إن أشبه وجاز) ش: تصوره من كلام الشارح وابن غازي واضح. فإن اختلف الصانع والمصنوع له فطلب أحدهما نقد يوم التعاقد والآخر يوم الفراغ فقال في النوادر في كتاب تضمين الصناع: إنه يقضى بنقد يوم

    [ 587 ]
    التعاقد. ونصه في آخر ترجمة تفليس الصناع. وإذا طلب الصانع بعد فراغ المتاع نقد يومئذ لم يكن له إلا النقد الذي كان جاريا يوم دفع إليه، وكذلك المكري له نقد البلد الذي حمله منه لا نقد البلغ الذي حمله إليه، وإن لم يجر عنه ببلد حمل إليه. انتهى ص: (ولا في رده فلربه) ش: قال في كتاب الاجارة من المدونة: وإذا أقر الصانع بقبض متاع وقال: عملته ورددته ضمن إلا أن يقيم بينة على الرد. أبو الحسن: زاد في تضمين الصناع قبضه ببينة أو بغير بينة. ابن يونس: فإن لم تقم بينة على الرد حلف ربه وأخذ قيمته بغير صنعة انتهى. ثم قال في المدونة: وإن ادعى على أحدهم فأنكر لم يأخذ إلا ببينة أن المتاع قد دفع إليه وإلا حلف. انتهى ونقله ابن يونس. فرع: قال ابن عرفة في آخر الاجارة: وإن اختلف الاجير من آجره في مرضه أو عطلته في مدة الاجارة ففي قبول قول من آجره إن أواه إليه ليله أو نهاره وإلا فالاجير وعكسه ثالثها الاول في العبد وفي الحر قول الاجير مطلقا، ورابعها القول قوله مطلقا، وخامسها عكسه لابن عات عن ابن مغيث عن ابن القاسم وأصبغ، وفتوى الشيوخ وعن اللخمي مع محمد مع أشهب، وعن ابن حبيب مع ابن الماجشون وعن التونسي عن أصل ابن القاسم وغيره. انتهى. ص: (وإن ادعاه وقال سرق مني إلى قوله حلفا واشتركا) ش: مشى رحمه الله على ما قيد به صاحب النكت والتونسي واللخمي قول ابن القاسم، فجعل رب الثوب تارة يريد أخذه،

    [ 588 ]
    وتارة يريد تضمين الصناع قيمته فقال: إن أراد أخذه دفع قيمة الصبغ ثم نظر، فإن زادت دعوى الصانع على قيمة الصبغ حلف رب الثوب ليسقط عنه الزائد على قيمة الصبغ من التمسية التي ادعى الصانع، وهذا معنى قول المؤلف: بيمين إلى آخره، وقوله: بيمين متعلق بمحذوف أي أخذه بيمين، ومفهوم الشرط وهو قوله: إن زادت دعوى الصانع عليها أنها لو كانت دعواه مساوية لها أو أقل أخذه بغير يمين وهو كذلك. وأما إن اختار رب الثوب تضمين الصانع فإنه يقال للصانع: ادفع له قيمة الثوب أبيض، فإن فعل فلا يمين على واحد منهما، وإن امتنع حلفا واشتركا. وكيفية حلفهما أن يبدأ برب الثوب فيقال: احلف له أنك لم تستعمله فإذا حلف قيل للصانع: احلف أنه استعملك وإلا ادفع قيمة الثوب أبيض، فإن حلف قيل لربه: ادفع قيمة عمله وخذه، فإن أبى قيل للصانع: ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبى كانا شركين هذا بقيمة ثوبه غير معمول وهذا بقيمة عمله. قال في المدونة: لان كل واحد منهما مدع على صاحبه. قال جميع ذلك في التوضيح. تنبيه: قال في المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن ادعى أن الصانع سرقه منه إلا أنه إن كان الصانع ممن لا يشار إليه بذلك عوقب رب الثوب وإلا لم يعاقب انتهى. ص: (لا إن تخالفا في لت السويق وأبى من دفع ما قاله اللات فمثل سويقه) ش: قال أبو الحسن الصغير

    [ 589 ]
    عن عياض: لت السويق بالتاء باثنتين من فوق هو بله بالسمن ونحوه انتهى. ويشير المؤلف إلى قوله في كتاب الاجارة من المدونة: ومن لت سويقا وقاله لربه: أمرتني أن ألته لك بعشرة دراهم، وقال له: لم آمرك أن تلته قيل لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له ما قال وخذ السويق ملتوتا، فإن أبى قيل للات اغرم له مثل سويقه غير ملتوت وإلا فأسلمه إليه بلتاته ولا شئ لك، ولا يكونان شريكين في الطعام لوجود مثله، وقال غيره: إذا امتنع رب السويق أن يعطيه ما لته به قضى له على اللات بمثل سويقه غير ملتوت انتهى. أبو الحسن: مسألة السويق هذه دائرة بين أن يقول ربه: أودعتك إياه أو يقول: سرق مني. فقوله في الكتاب: وقال ربه لم آمرك بلته أعم من ذلك. وكذا لفظه في الامهات ونقلها عبد الحق بلفظ: وقال ربه ما دفعت إليك شيئا. عبد الحق: فهذا مثل قوله في الثوب سرق مني. ثم ذكر قول ابن القاسم وقول الغير. وهل هو وفاق أو خلاف، والظاهر أن المؤلف حمله على الخلاف وترك قول ابن القاسم لترجيح غيره عنده. انظر أبا الحسن وابن يونس والنكت والله أعلم. ص: (وله وللجمال بيمين إلى قوله فلمكتريه بيمين) ش: قال في كتاب كراء الرواحل: قال ابن القاسم: وإن قال المكتري دفعت الكراء وأكذبه الجمال وقد بلغ الغاية فالقول قول الجمال إن كانت الحمولة بيده أو بعد أن سلمها بيوم أو يومين وما قرب وعلى المكتري البينة، وكذلك الحاج إن قام الكري بعد بلوغهم ما لم يبعد صدق مع يمينه، فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه إلا أن يقيم الجمال بينة، وكذلك قيام الصناع بحدثان رد المتاع، فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول رب المتاع وعليه اليمين انتهى. فقول المؤلف: وله أي للاجير يشير إلى قوله في المدونة: وكذلك قيام الصناع إلى أخره. وقول المؤلف: إلا لطول فلمكتريه استثناء من مسألة الاجير والجمال، وإطلاق المكتري على المستأجر وعلى المكري سائغ والله أعلم. قال أبو الحسن: قوله: فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه إلا أن يقيم الجمال البينة ظاهره أن الجمال يقيم البينة أن المكتري لم يقبضه وليس الامر كذلك. ابن يونس: يريد على إقرار المكتري أنه لم يدفع إليه شيئا فيقضي بها. انتهى. ويحمل أن يكون الضمير في قوله: له راجعا لرب الارض والدار المفهومة من السياق لانه في فصل أكرية الدور والارضين والحكم في المسألة كذلك قاله في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب أكرية الدور والارضين، وهي مسألة طويلة فراجعها.

    [ 590 ]
    ص: (وإن قال بمائة لبرقة وقال بل لافريقية حلفا وفسخ إن علم السير) ش: قال في الكبير عن ابن المواز: ويبدأ صا حب الظهر باليمين انتهى. قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب

    [ 591 ]
    السلم: سمعت شيخنا ينقل عن التونسي أن المراد بإفريقية حيث ما وقعت في المدونة القيروان. ص: (وإن قال أكريتك للمدينة بمائة وبلغاها وقال بل لمكة بأقل فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا وفسخ وإن لم ينقد فللجمال في المسافة وللمكري في حصتها مما ذكر بعد يمينهما وإن أقاما بينتين قضى بأعدلهما) ش: اعلم إن اختلافهما في المسألة الاولى إنما كان في المسافة فقط، والخلاف بينهما في هذه المسألة في المسافة وفي قدر الكراء معا. وقد اختصر المصنف الكلام فيها تبعا للمدونة فلم يذكر حكم ما إذا كان اختلافهما قبل الركوب أو بعد الركوب بيسير أو بعد ركوب كثير اعتمادا على ما تقدم في المسألة التي قبلها فإن الحكم فيها إذا تخالفا قبل الركوب أو بعد الركوب اليسير التحالف والتفاسخ كما تقدم. وأما بعد الركوب الكثيرة فالحكم في ذلك حكم ما إذا بلغا المدينة كما سيأتي في كلام الرجراجي والله أعلم. وقوله: فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا فسخ يعني أنه إذا كان اختلافهما بعد أن بلغا المدينة يريد أو بعد السير الكثير فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما قبل النقد أو بعده، فإن كان بعد أن انتقد الجمال الكراء فالقول قول الجمال فيما يشبه، ويشير بذلك لقوله في كتاب كراء الرواحل من المدونة ونصه: قال ابن القاسم: ولو قال الكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين وقد بلغاها وقال المكتري: بل إلى مكة بمائة، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه لانه ائتمنه ويحلف له المكتري في المائة الثانية ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة

    [ 592 ]
    ويتفاسخان. وقال الرجراجي: فإن أشبه قولهما أو قول الجمال فالقول قوله فيما انتقد مع يمينه، كان ما انتقد كل الذي ادعى أو بعضه. ويحلف له المكتري فيما لم ينقده. وهذا الذي قاله الرجراجي خلاف ما قاله أبو الحسن الصغير وهو ظاهر كلام ابن يونس فإنه نقل عن ابن يونس أنه قال في كلام المدونة: هذا إذا أشبه ما قالاه جميعا، وأما إن أشبه قول المكتري خاصة فإنه يحلف على دعوى المكتري ويكون له المائة. قاله فيما يأتي إذا لم ينقد فأحرى إذا انتقد انتهى. وهو ظاهر. ويمكن أن يقال: إن قول المصنف بعد هذا وإن أشبه قول المكري فقد عائد إلى المسألتين جميعا أعني مسألة الانتقاد وعدم الانتقاد، ولم يتكلم المصنف على ما إذا أشبه قول المكتري فقط. وقال الرجراجي: القول قوله مع يمينه وتفض المائة على المسافتين، فما ناب المسافة المتفق عليها كان للمكري، وما ناب المسافة المختلف فيها رده الكري على المكتري، يريد بعد حلف الجمال على أن الكراء إنما كان للمدينة والله أعلم. ثم قال: فإن نكل المكتري عن اليمين كان القول قول المكري ويأخذ ما ادعاه لان المكتري مكنه بنكوله، وإن لم يشبه قول واحد منهما فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ويكون للمكري في المسافة المتفق عليها كراء المثل. وقوله: إن لم ينقد هذا هو الشق الثاني من شقي المسألة، وهو ما إذا كان اختلافهما بعد أن بلغا المدينة، يريد أو بعد السير الكثير ولكن لم ينتقد الكراء فقال المصنف: القول للجمال في المسافة وللمكتري في حصتها مما ذكرا بعد يمينهما، وهذا الحكم إذا أشبه قول المكتري وحده أو أشبه قولهما معا يبين ذلك قوله: وإن أشبه قول المكري فقط فالقول له بيمين. قال في المدونة إثر كلامه السابق: وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما، ويفض الكراء على ما يدعي المكتري. وقال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالا أو ما قال المكتري، وأما إن أشبه قول المكري خاصة فالقول قوله ويحلف على دعوى المكتري انتهى. وقال الرجراجي: فإن أشبه قول كل منهما أو انفرد المكتري بالشبه فالقول قوله مع يمينه ويفض ما أقر به من الكراء على المسافتين، فما ناب مسافة المدينة كان للمكري، وما ناب مسافة مكة سقط عن المكتري، ويكون له الركوب إلى المدينة إن اختلفا قبل بلوغها. وإن أشبه قول المكري فقط فالقول قوله مع يمينه ويكون له جميع ما ادعاه. وبقي وجه لم يتكلم عليه المصنف وهو ما إذا لم يشبه قول واحد منهما، والحكم في ذلك - كما قال الرجراجي. أن يتحالفا ويكون للمكري كراء المثل في المسافة المتفق عليها بالغا ما بلغ، ومن نكل منهما قبل عليه قول صاحبه والله أعلم. فرع: وإذا اختلفا فيمن يبدأ باليمن فإنهما يقترعان. نقله أبو الحسن الصغير. وقوله: وإن أقاما بينتين قضى بأعدلهما وإلا سقطتا إنما نبه على هذه المسألة وإن كان الحكم في تعارض البينتين كذلك لينبه على غير قول ابن القاسم في المدونة فإنه قال: أقبل بينة كل منهما إذا

    [ 593 ]
    كانت عادلة لان كل واحد منهما ادعى فضلة أقام عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر وسوا انتقد أو لم ينتقد والله أعلم. مسألة: قال في كراء الرواحل: وإن طلب الجمال نقد الكراء قبل الركوب أو بعد السير القريب فامتنع المكتري حملا على سنة الناس في نقد الكراء أو تأخيره وإن لم يكن لهم سنة كان كالسكنى لا يعطيه إلا بمقدار ما سكن، وإن عجل الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه، فإن أراد أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه وطلب الآخر نقد بلد التعاقد قضى البلد الذي عقدا فيه الكراء انتهى. انظر المشذالي في هذا المحل فإنه ذكر اختلافهما في كراء الدور، وانظر أبا الحسن. فائدة: قال أبو الحسن: يقال: الكري والمكاري والمكري لبائع المنافع، ويقال: المكتري والمتكاري لمشتريها حيث دخلت التاء فهو مشتري المنافع، وجمع المكري مكروي. وجمع الكري أكرياء، وجمع المكتري مكترون، انتهى ص: (وإن قال اكتريت عشرا بخمسين وقال بل خمسا بمائة حلفا وفسخ) ش: يريد إذا كان ذلك بحضرة الكراء ولم يزرع شيئا يبينه مقابلته له بقوله: وإن زرع إلى آخره وهو كقوله في المدونة: فإن كان بحضرة الكراء تحالفا وتفاسخا. أبو الحسن: ولا يراعى الاشبه وظاهره انتقد أم لا، وهذا مذهب ابن القاسم لانه لم يجعل النقد فوتا. انتهى ص: (وإن أشبه وحلف) ش: أي إن أشبه قوله ويحلف وهو كقوله في المدونة: فلربها فيما مضى ما أقر به المكتري إن أشبه تغابن الناس. أبو الحسن: ظاهره وإن أشبه مع ذلك قول الآخر فهذان وجهان انتهى. الاول: إذا أشبه قول المكتري فقط. الثاني: إذا أشبها. قال ابن يونس: قوله: فلربها ما أقر به المكتري لانه غارم وهو خمسة في كل سنة انتهى. ص: (وإلا فقول ربها إن أشبه) ش: يريد مع يمينه. قال في المدونة: وإن لم يشبه أي قول المكتري قبل قول ربها مع يمينه. أبو الحسن: قوله: وإن لم

    [ 594 ]
    يشبه يريد أو نكل فالقول قول ربها وهذا وجه ثالث انتهى. والرابع إذا أتيا معابما لا يشبه والله أعلم ص: (وفسخ الباقي مطلقا) ش: هو كقوله في المدونة: ويفسخ باقي المدة على كل حال. أبو الحسن: يعني في الوجوه الاربعة ص: (وإن نقد فتردد) ش: أجمل رحمة الله في ذكر هذا التردد ولم يبين ذلك شراحه، وإنما يتبين ذلك بذكر كلام المدونة وشراحها قال فيها في كراء الدور بعد أن ذكر الاوجه الاربعة المتقدمة: وهذا إذا لم ينقد. قال أبو الحسن: مفهمومه لو نقد لكان القول قول ربها ولا يفسخ بقية الخمس سنين فيكون كقول الغير ومخالفا لقوله. ويفسخ باقي المدة على كل حال. فقيل معنى قوله: وهذا إذا لم ينقد أي هذا الذي سمعت من مالك ولم أسمع منه إذا انتقد والحكم عنده سواء فيهما. لكن يعترض هذا بقوله: ومن قول مالك أن رب الارض والدابة والدار مصدق في الغاية فيما يشبه وإن لم ينتقد، إذ هذا الكلام يظهر منه أنه مصدق إذا انتقد إذ هو من باب أولى، وهذا يعطي سماعه للوجهين، وقيل: إنه يعود على أول المسألة وهذا إذا زرع سنة أو سنتين إلا أن فيه تكرارا انتهى. ونص قول الغير فيها قال غيره: إذا انتقد فالقول قول ربها مع يمينه فيما يشبه من المدة، فإن لم يأت بما يشبه وأتى المكتري بما يشبه صدق فيما سكن على ما أقر به ويرجع ببقية المال على ربها بعد يمينه على ما ادعى عليه ويمين المكري فيما ادعى عليه من طول المدة، وإن لم يشبه واحد منهما تحالفا وفسخ الكراء، وعلى المكتري قيمة كراء ما سكن، وإن أتيا بما يشبه صدق رب الارض لانه انتقد مع يمينه انتهى. فجعله إذا أتى رب الارض بما يشبه لا ينفسخ، وكذا إذا أتيا معا بما يشبه فيكون في هذين الوجهين مخالفا لما تقدم فيما إذا لم ينتقد. فمن الشيوخ من حمل قول ابن القاسم: وهذا إذا لم ينتقد على معنى أنه إن انتقد فلا يفسخ يريد في هذين الوجهين، ويكون قول ابن القاسم موافقا لقول الغير، ومنهم من يرى أن مذهب ابن القاسم أنه يفسخ مطلقا ويكون قول الغير خلافا وهو تأويل ابن يونس فإنه قال: هذا الذي ذكر الغير غير موافق لقول ابن القاسم إلا قوله: إذا أشبه قول ربها أو أشبه ما قالا إن المكترى يلزمه أن يسكن على ما أقر به المكتري فهذا يخالف فيه ابن القاسم ويرى أنهما يتحالفان ويتفاسخان في بقية المدة لانها كسلعة قائمة لم تقبض والله أعلم.

    [ 595 ]
    باب ص: (صحة الجعل بالتزام أهل الاجارة جعلا علم) ش: قال ابن عرفة: الجعل على عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محله به لا يجب إلا بتمامه لا بعضه ببعض. فيخرج كراء السفن والمساقاة والقراض. وقولنا: به خوف نقض عكسه بقوله: إن أتيتني بعبدي الآبق فلك عمله كذا أو خدمته شهرا لانه جعل فاسد لجهل عوضه، والمعروف حقيقته المعروضة للصحة والفساد أو جزاء منه معاوضة على عمل آدمي يجب عوضه بتمامه لا بعضه ببعضه، فتخرج المساقاة والاجارات لاستحقاق بعضه ببعض فيهما، والقراض لعدم وجوب عوضه لجواز تجره ولا ربح. وقول ابن رشد: هو جعل الرجل جعلا على عمل رجل لو لم يكمله لم يكن له شئ ينتقض بالقراض انتهى. والضمير في قوله: به يعود للعمل أي بعوض غير ناشئ عن محل العمل بسبب ذلك العمل، فتخرج المغارسة والقراض لانه بعوض ناشئ عن محال العمل لكن ليس ذلك العوض ناشئا بسبب العمل فتأمله. وقال في التوضيح: الاصل في الجعالة قوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وحديث الرقبة انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكر الحديث قلت: تمسك به غير واحد من أشياخ المذهب في جواز الجعل وفيه نظر، لجواز كون إقراره (ص) على ذلك لاستحقاقهم إياه بالضيافة فأجاز لهم استخلاص ذلك بالرقية رخصة اتفاقا انتهى. وقد بحث ابن ناجي مع ابن عرفة في رد الاستدلال المذكور

    [ 596 ]
    والصواب مع ابن ناجي فتأمله والله أعلم. ص: (ككراء السفن) ش: تصوره واضح. فرع: قال في أوائل رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل: قال مالك في النفر يتكاردن السفينة فيحملون فيها طعاما لهم فإذا بلغوا قال أول من يمر بمنزله منهم: أنا آخذ طعامي فأخذ طعامه، ثم إن السفينة غرقت. قال: ليس عليه تبعة لاصحابه، أذنوا في ذلك أم لم يأذنوا، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ثم يرجع إلا أن يكتالوا فينقص الكيل فيكون عليه بقدر طعامه. ابن رشد: المعني في هذه المسألة أنهم اكترو السفينة على أن يحمل فيها الطعام إلى منازلهم فوجب كل ما مر أحد منهم بمنزله أن يأخذ طعامه لانه على ذلك حمله، فإن نقص الطعام بعد ذلك كان عليه من النقصان بحسب طعامه يرجع به عليه لانه حمله معهم على سبيل الشركة، وكذا لو وجد أسفل القمح قد اسود لموج ركبه إلا أن يعلم أن فساده إنما كان بعد أخذ طعامه فلا يكون عليه في ذلك تبعة، كما لو غرق المركب بعد أخذه طعامه فذهب بما فيه. وأما لو حملوا الطعام في سفينة إلى بلد واحد لتجارة أو لغير تجارة فخلطوه أو اختلط لم يكن لاحد منهم أن يأخذ طعامه بالطريق إلا أن يرضي أصحابه مخافة أن يكون أسفل طعامه فاسدا أو يفسد بعد ذلك أو ينقص في الكيل، فإن أخذ طعامه من الطريق برضا أصحابه لم يكن لهم عليه تباعة إن ألفوه فاسدا أو نقص كيله على ما قاله في رسم الاقضية

    [ 597 ]
    الثاني عن أشهب من كتاب الشركة، وما يأتي له بعد هذا في رسم حلف وفي رسم أخذ يشرب خمرا. ومن الناس من ذهب إلى أن رواية أشهب معارضة لهذه الرواية، والصحيح أن لا تعارض بينهما ولا اختلاف على ما بيناه انتهى. وقال في رسم حلف من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور: وسئل عن رجل حمل طعاما من الريف في سفينة فمر بأخ له في قرية أخرى. فقال: أفي سفينتك فضل تحمل لي مائة أردب ؟ قال: نعم وقد كان الاول حمل فيها خمسمائة أردب فألقى طعامه من فوق طعام صاحبه فانخرق المركب فدخل الماء في أسفله فأصاب منه نحو خمسين أردبا وهو يعلم أنه لم يصل إلى طعام الرجل الذي كان حمله فوق طعامه الاول قال: أراهما في ذلك شريكين. قلت: إنه لم يصل إلى الاول. قال: قد حملاه على وجه الشركة وخلط. ابن رشد: مضى القول في معنى هذه المسألة. وقال في رسم أخذ يشرب خمرا من السماع المذكور: قال مالك في الطعام الذي في السفينة الذي فسد بعضه ولم يفسد بعضه: إن كان كل واحد طعامه محجوزا على حدته قد حازه بشئ جعله حاجزا فيما بين القمح فأرى أن من سلم منهم فله ما سلم، ومن أصيب منه بما أصابه أو اسود لموج ركبه فمصيبته من صاحبه، وإن كانت تلك التي حجزوها قد انخرق بعضها إلى بعض حتى اختلط

    [ 598 ]
    الطعام كانوا شركاء جميعا فيما فسد لهم وضاع، يأخذ كل واحد منهم بحصة طعامه. ابن رشد: قوله: إن الطعام إذا انخرق ما حجز به بين طعام كل واحد فاختلط أنه يحكم بينهم فيما فسد منه بحكم الشركة فهو صحيح إذ لا فرق بين أن يحملوه على الشركة أو يختلط بغير اختيارهم فيما يجب من أن يكونوا شركاء فيه بحسب ما لكل واحد منهم انتهى. وفي رسم الاقضية الثاني من سماع أشهب من الشركة: وسئل عن القوم يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض، ثم يريد بعضهم البيع بالطريق. فقال: لا أرى له ذلك إلا أن يرضي أصحابه بأن يعطوه لاني أخاف أن يكون أسفل الطعام فاسدا أو يمطروا بعد ذلك فيفسد القمح، فلا أرى لواحد منهم أن يأخذ حتى يبلغوا جدة فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن يرضي أصحابه أن يسلموا له حقه، فأرى ذلك ولا أرى له عليهم تباعة إذا نزلوا فوجدوا القمح فاسدا. قلت: المعنى في هذه المسألة أنهم حملوا الطعام في السفينة على أن يمروا لبلد واحد لتجارة أو لغير تجارة، فلذلك لم ير لواحد منهم يأخذ طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة أن لو كانوا خلطوه وحملوه على الشركة لان اختلاطه يوجب اشتراكهم فيه، وذلك بخلاف ما لو حملوه على أن يمروا به على منازلهم كان من حق من يمر منهم بمنزله أولا أن يأخذ طعامه فيه، ولا يكون لاصحابه عليه تبعة إلا أن ينقص الطعام أو يكون قد أصابته آفة على ما قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كراء الرواحل حسبما بيناه في ذلك، فليس هذا بمخالف لها. ومن الناس من حملها على الخلاف وليس ذلك عندي بصحيح والله أعلم انتهى. وتقدم في باب القسمة عند قول المصنف: لا شهادته عن البرزلي أن السفن إذا اختلط فيها الطعام المشحون أنه يقبل كل واحد فيما ذكر يمينه إذا ادعى ما يشبه. وقال في رسم حلف أن لا يبيع سلعة من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات: وسئل عن الرجل يبعث معه قوم ببضائع لهم في قمح فيجمع ذهبهم فيشتري لهم دفعة واحدة ثم يصاب ذلك الطعام قال: لا يشبه هذا الذي ذكرت من الدقيق وليس بهذا بأس ولا ضمان عليه. قلت: هذا كما قال ومثله لابن القاسم من كتاب ابن المواز قال: وكذلك كل ما ينقسم بكيل أو وزن يشتريه لهم مشاعا ثم يقسمه، وأما ما لا يقسم إلا بالقيمة فهذا يضمن. قال محمد: بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين فيما يقسم بالقيمة لانه إليه البيع

    [ 599 ]
    وليس ذلك للاول. انتهى ص: (بخلاف موته) ش. فرع: ولو أعتقه سيده فقال في النوادر في كتاب الجعل والاجارة: قال عبد الملك: ومن جعل في آبق جعلا ثم أعتقه فلا شئ لمن وجده بعد ذلك وإن لم يعلم بالعتق، ولو أعتقه بعد أن وجده كان له جعله، فإن كان عديما فذلك في رقبة العبد لانه بالقبض وجب له الجعل. قال أحمد: إن كان العتق بعد القدوم فكما قال، وإن أعتقه بعد علمه أنه وجده لزمه جعله، وإن لم يجد عنده لم يصح عتق العبد حتى يقبض هذا جعله مبدأ على الغرماء. أحمد: كالمرتهن. انتهى ص: (في كل ما جاز فيه الاجارة) ش: قال في الذخيرة: الركن الثالث العمل. وفي ا لجواهر: هكل عمل يجوز الاستئجار عليه لكن لا يشترط كونه معلوما تحصيلا لمصلحة العقد احترازا ممن وجد آبقا أو الا بغير عمل فلا جعل له، وممن عرف مكانه فدل عليه لان ذلك واجب عليه انتهى. وقال قبله في مسألة طلب الآبق: فإن طلب من يعلم موضعه فشئ له لان ذلك واجب عليه انتهى. قال في الكتاب في شروط المعقود عليه: الاول أن يكون مما لا يلزم المجعول له عمله، فإن كان مما يلزمه لم يجز له أخذ الجعل عليه مثل أن يجد آبقا من غير عمل لان رده واجب عليه انتهى. وقال ابن سلمون: ومن رد آبقا أو ضالة من غير عمل فلا جعل له على رده ولا على دلالته لوجوب ذلك عليه انتهى. وقال في النوادر في كتاب الجعل والاجارة: وإنما يجوز الجعل على طلب عبد يجهل مكانه. فأما من وجد آبقا أو ضالا أو ثيابا فلا يجوز له أخذ الجعل على رده ولا على أن يدل على مكانه بل ذلك واجب عليه، فأما من وجد ذلك بعد أن جعل ربه فيه جعلا فله الجعل، علم بما جعل فيه أو لم يعلم، تكلف طلب هذه الاشياء أم لم يتكلف. وإن وجده قبل أن يجعل ربه فيه شيئا فانظر، فإن كان ممن يطلب الاباق وقد عرف بذلك فله جعل مثله، وإن لم يكن ممن نصب لذلك نفسه فليس له إلا نفقته، وكذلك لو جاء به بدأ ولم يبذل ربه فيه جعلا، وكذلك قال ابن الماجشون وأصبغ وكله قول مالك. وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا كان ليس من شأنه طلب الاباق فلا جعل له ولا نفقة قولا مجملا انتهى.

    [ 600 ]
    مسألة: إذا كان الآبق في موضع بعيد ونفقته تستغرق الجعل الذي جعل عليه فليرفع

    [ 601 ]
    المجعول له الامر للقاضي ليبيعه ويحكم بجعله، فإن جاء به فليس له غير الجعل الذي جعل له. انتهى من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والاجارة. باب ص: (موات الارض ما سلم عن الاختصاص بعمارة ولو اندرست) ش: هذا باب

    [ 602 ]
    إحياء الموات والموات بفتح الميم ويقال موتان بفتح الميم والواو الارض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها إلا أن يجري إليها ماء أو تستنبط فيها عين أو يحفر فيها بئر، ويقال لها ميتة، والموات - بضم الميم ويقال الموتان بضم الميم أيضا - الموت الذريع. وبدأ المؤلف رحمه الله بتعريف الموات إما لانه السابق في الوجود فلتقدمه طبعا قدمه وضعا، وإما لان حقيقة الموات متحدة والاحياء يكون بأمور كل منها مضاد للموات فاحتاج إلى ذكره أولا ليذكر أضداده. والتعريف المذكور تبع المصنف فيه ابن الحاجب وهو تبع ابن شاس وهو تبع الغزالي وهو قريب مما قال أهل اللغة في معناه. وقال ابن عرفة: إحياء الموات لقب لتعمير داثر الارض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها وموات الارض قال ابن رشد في رسم الدور من سماع يحيى ابن القاسم من كتاب السداد والانهار: روى ابن غانم: موات الارض هي التي لا نبات بها لقوله تعالى: * (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها) * فلا يصح الاحياء إلا في البوار. ثم قال بعد ذكره كلام ابن الحاجب: فتبع مع ابن شاس الغزالي وتركا رواية ابن غانم وهي أجلى لعدم توقف تصور مدلولها على الاختصاص وموجبه انتهى. وقال في اللباب: حقيقة الاحياء العمارة، والموات ما لم يعمر من الافنية، وحكمة الجواز وهي سبب في الملك، وحكمة مشروعيته الرفق والحث على العمارة انتهى. ص: (إلا لاحياء) ش: قال في التوضيح عن ابن رشد: وإنما يكون الثاني أحق إذا طالت المدة بعد عوده إلى حالته الاولى، وأما إن أحياه الثاني بحدثان عوده إلى الحالة الاولى، فإن كان عن جهل منه بالاول فله قيمة عمارته قائمة للشبهة، وإن كان عن معرفة فليس له إلا قيمة عمارته منقوضة بعد يمين الاول إن تركه إياه لم يكن إسلاما له وإنه على نية إعادته انتهى.

    [ 603 ]
    تنبيه: وينبغي أن يقيد بأن لا يكون الاول علم بعمارة الثاني وسكت عنه وإلا كان سكوته دليلا على تسليمه إياه فتأمله والله أعلم. ص: (وما لا يضيق على وارد ولا يضر بماء بئر) ش: قال الشارح: وقال ابن نافع: حريم البئر العادية خمسون والتي ابتدئ عملها خمسة وعشرون انتهى. والعادية بالتشديد قال في النهاية لابن الاثير: شجرة عادية أي قديمة كأنها تنسب إلى عاد وهم قوم هود عليه السلام، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم انتهى. ففهم من كلامه أن العادية بتشديد الياء. وفي الصحاح: وشئ عادي أي قديم كأنه منسوب إلى عاد. ص: (ولا يقطع معمور العنوة) ش: قال في كتاب التجارة لارض الحرب من التنبيهات: وأرض العنوة بفتح العين التي غلب عليها قهر انتهى. ص: (وبحمى إمام محتاج إليه قل من بلد عفا لكغزو) ش: يعني أن الوجه الرابع من أوجه الاختصاص التي تمنع إحياء

    [ 604 ]
    الموات الحمى يحمى للضعفاء من المسلمين لترعاه مواشيهم ويمنع منه الاغنياء، وكذلك يجوز للامام أن يحمي. والحمى بكسر الحاء المهملة وفتح الميم والقصر هو المكان الذي يمنع رعيه ليتوفر فيه الكلا فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها من رعيه. والكلا بالهمز من غير مد، هو المرعى رطبا كان أو يابسا. والخلا بالقصر من غير همز النبات الرطب. قال في المشارق: وضبطه السمرقندي والعذري بالمد وهو خطأ. وقال الحافظ ابن حجر: ومن مده فقد أخطأ. والحشيش هو العشب اليابس. وظاهر كلام صاحب القاموس أن الحمى يجوز فيه المد ولم يحك في المشارق فيه إلا القصر وسيأتي لفظه. فالحمى بمعنى المحمي فهو مصدر بمعنى المفعول وهو خلاف المباح وتثنيته حميان. وحكى الكسائي أنه سمع في تثنيته حموان بالواو والصواب الاول لانه يأتي. وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا انزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فحيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه. وأما الحمى الشرعي فهو أن يحمي الامام موضعا لا يقع به التضييق على الناس للحاجة العامة إلى ذلك، إما للخيل التي يحمل عليها الناس للغزو أو لماشية الصدقة. قاله الباجي ونقله عنه ابن عرفة، وهو قريب من كلام المصنف الذي ذكره هنا فإنه ذكر للحمى شروطا أربعة: الاول أن يكون الحامي هو الامام، يريد أو نائبه كما سيأتي التنبيه على ذلك وإليه أشار بقوله: حمى إمام فليس لآحاد الناس أن يحمي. والشرط الثاني أن يكون ذلك الحمى محتاجا إليه أي لمصلحة المسلمين، إما لخيل المجاهدين والابل التي يحمل عليها للغزو أو لماشية الصدقة. قال الشافعية: ويجوز للامام أن يحمي للضعفاء من المسلمين لترعاه مواشيهم ويمنع منه الاغنياء، وكذلك يجوز للامام أن يحمي للمسلمين ويمنع منه أهل الذمة ولا يجوز العكس في المسألتين. قلت: والظاهر أن هذا جار على مذهبنا كما يؤخذ من حديث الموطأ الآتي. وقوله أدخل رب الصريمة والغنيمة وإلى هذا أشار بقوله: محتاجا إليه لكغزو فقوله: لكغزو متعلق بقوله: محتاجا إليه فهو من تتمة الشرط الثاني، وأتي بالكاف في قوله: لكغزو ليدخل ماشية الصدقة. وما ذكرناه بعد هذا فلا يجوز للامام أن يحمي لنفسه لان ذلك من خصائصه (ص) أعني أن يحمي لنفسه كما تقدم في الخصائص. قالوا: ولم يقع ذلك منه (ص). قال الشيخ زكريا: ولو وقع لكان في ذلك مصلحة للمسلمين لان ما كان مصلحة له (ص) فهو مصلحة لهم وهو كلام صحيح. الشرط الثالث أن يكون ذلك قليلا لا يضيق على الناس بل يكون فاضلا عن منافع أهل ذلك الموضع وإليه أشار بقوله: قل. وصرح بذلك ابن الحاجب على ما في نسخة المصنف في

    [ 605 ]
    التوضيح، ويؤخذ من كلام سحنون الآتي، فلا يجوز أن يكون الحمى كثيرا يضر بالناس ويضيق عليهم. الشرط الرابع: أن يكون في المواضع التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء وإلى ذلك أشار بقوله: من بلد عفا أي ليس لاحد فيه أثر بناء ولا غرس. والمراد بالبلد الارض وأعاد الضمير عليها مذكرا اعتبارا بلفظ البلد، فلا يجوز أن يكون الحمى في المواضع المعمورة بالبناء والغرس. وأشار المصنف رحمه الله بما ذكره في هذين الشرطين إلى ما قاله سحنون ونقله عنه في النوادر وغيرها. قال في التوضيح: قال سحنون: الاحمية إنما تكون في بلاد الاعراب العفاء التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء، وإنما تكون الاحمية فيها في الاطراف حتى لا تضيق على ساكن، وكذلك الاودية العفاء التي لا مساكن بها إلا ما فلضل عن منافع أهلها من المسارح والمرعى انتهى. وجعل الشارح قول المصنف: قل من بلد عفا شرطا واحدا، وجعل قوله: لكغزو شرطا مستقلا وهو نحو كلام المصنف في التوضيح، والظاهر مذكرناه، نعم يمكن أن يكون الشرط الثالث والرابع شرطا واحدا كما قال الشارح فتكون الشروط ثلاثة. تنبيهات: الاول: الاصل في الحمى ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الشرب - بكسر الشين المعجمة - والمراد بالشرب الحكم في قسمة الماء الماء وضبطه الاصيلى بالضم. قال الحافظ ابن حجر: والاول أولى. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير. قال: حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد لله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة رضي الله عنه، قال: أن رسول الله (ص) قال: لا حمى إلا لله ولرسوله. قال: وبلغنا أن رسول الله (ص) حمى النقيع وأن عمر حمى الشرف والربذة. وأخرج منه أيضا في كتاب الجهاد في باب أهل الدار يبيتون الموصول منه، عن الصعب بن جثامة أيضا أعني قوله: لا حمى إلا لله ولرسوله. وقوله: وبلغنا أن رسول الله (ص) حمى النقيع هكذا وقع لجميع رواة البخاري غير أبي ذر فإنه وقع عنده قال أبو عبد الله بلغنا فاغتر بذلك بعض الشراح فظن أنه من كلام البخاري وأنه من تعليقاته وليس كذلك، وإنما القائل بلغنا هو ابن شهاب فهو موصول بالاسناد المذكور إليه لكنه مرسل من مراسيل ابن شهاب. وهكذا وقع في رواية لابي داود فقال عن الصعب بن جثامة أن رسول الله (ص) حمى وقال: لا حمى إلا لله ولرسوله قال ابن شهاب: وبلغني أن رسول الله (ص) حمى النقيع ثم ذكر أبو داود رواية أخرى بعدها عن الصعب بن جثامة أيضا أن رسول الله (ص) حمى النقيع وقال: لا حمى إلا لله ولم يقل ولرسوله وذكر الروايتين في آخر كتاب الجراح من سننه. واقتصر الحافظ ابن حجر في

    [ 606 ]
    فتح الباري على ذكر الرواية الاولى من روايتي أبي داود ولم يذكر الثانية، وذكرها فتخريجه لاحاديث الرافعي وعزاها للامام أحمد وأبي داود والحاكم وقال: إنها مدرجة يعني حمى النقيع، وذكر أن البخاري وهم من أدرجها. وقال أيضا في تخريجه لاحاديث الرافعي: أغرب عبد الحق في الجمع فجعل قوله: وبلغنا من تعليقات البخاري وتبعه على ذلك ابن الرفعة قال: ويكفي في الرد عليهما أن أبا داود صرح بأنه من مراسيل الزهري يعني في الرواية الاولى، ثم ذكر أن الامام أحمد وابن حبان أخرجا من حديث ابن عمر أن النبي (ص) حمى النقيع لخيل المسلمين، والصعب ضد السهل وعلى وزنه. وجثامة بجيم مفتوحة وثاء مثلثة مشددة ذكره النووي في أول كتاب الحج من شرح مسلم. الثاني: اقتصر عبد الحق في الاحكام على عزو الحديث لابي داود واقتصر على الرواية الثانية من روايتيه وزاد فيها لفظ ولرسوله فقال: روى أبو داود عن الصعب بن جثامة أن النبي (ص) حمى النقيع وقال: لا حمى إلا لله ولرسوله. وقال علي بن عبد العزيز في المنتخب: حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه، ثم ذكر حديثين آخرين ثم قال: وأصح هذه الاحاديث حديث الصعب بن جثامة وهو الذي يعول عليه. انتهى. تبعه على ذلك ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن عرفة. وقد علمت أن الحديث في صحيح البخاري. وأخرج النسائي في سننه في كتاب الحمى وفي كتاب السير من حديث مالك عن ابن شهاب الموصول منه أعني قوله: لا حمى إلا لله ولرسوله وعزا جماعة من الشافعية حديث أنه (ص) حمى النقيع لابن حبان، وقد علمت أنه في صحيح البخاري فعزوه له أولى وإن كان مرسلا لان مراسيل البخاري كلها صحيحة ولا سيما وقد اعتضد بحديث ابن عمر المذكور والله أعلم. الثالث: وقع للحاكم أن البخاري ومسلما اتفقا على إخراج حديث لا حمى إلا لله ولرسوله وتبعه على ذلك أبو الفتح القشيري في الالمام وابن الرفعة في المطلب. قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لاحاديث الرافعي: وقد وهم الحاكم في ذلك فإن الحديث من أفراد البخاري. الرابع: اقتصر ابن الاثير في جامع الاصول على عزو الحديث للبخاري وأبي داود ولم يذكر النسائي وقد علمت أنه رواه في موضعين من سننه. الخامس: قال في النهاية في معنى الحديث أعني قوله (ص): لا حمى إلا لله ولرسوله إنه (ص) نهى عما كانت تفعله الجاهلية، وأضاف الحمى لله ولرسوله أي إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد والابل التي يحمل عليها في سبيل الله انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب لما ذكر الحديث: تأوله الجمهور على معنى أنه لا ينبغي أن يحمى إلا كما حماه رسول الله (ص) لخيل المجاهدين وشبه ذلك مثل ما فعله الخلفاء بعده حمو الابل الغزاة

    [ 607 ]
    انتهى. وقال الجلال السيوطي في حاشية البخاري: قوله: لا حمى إلا لله ولرسوله قال الشافعي: يحتمل معنيين: أحدهما لا حمى إلا ما حماه (ص). والثاني لا حمى إلا مثل ما حماه. فعلى الاول ليس لاحد من الولاة أن يحمي بعده، وعلى الثاني يختص بمن قام مقامه فهو الخليفة دون سائر نوابه انتهى. ومقتضى كلامه أنه يتفق على أنه ليس لنواب الامام أن يحموا. وقال في فتح الباري: والارجح عند الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة، ومنهم من ألحق به ولاة الاقاليم، ومحل الجواز أن لا يضر بكافة المسلمين انتهى. والذي اقتصر عليه صاحب الارشاد من الشافعية أن الحمى لا يختص بالامام بل لولاته أن يحموا. وقال ابن أبي شريف في شرحه: إنه الاصح، والذي رأيته في كلام كثير من أصحابنا المالكية أنه يجوز للامام أن يحمي بالشروط التي تقدم ذكرها، ولم يتكلموا على نوابه، ولكن مقتضى كلام أهل المذهب أن ذلك بحسب عموم الولاية وخصوصها، فإذا عم الامام الولاية على بلد لامير جاز له أن يحمي، وأحرى إذا فوض إليه النظر في أمر الحمى والله أعلم. السادس: قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام عبد الحق المتقدم: لفظ النقيع وجدته في نسخة صحيحة من الباجي ومن أحكام عبد الحق بالنون قبل القاف، وذكره البكري بالباء قبل القاف، وكذا وجدته في نسخة صحيحة من النوادر وهو مقتضى قول اللغويين. قال الجوهري في حرف الباء: والبقيع موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى وبه سمى بقيع الغرقد وهو مقبرة المدينة، ونحوه في مختصر العين، ومثله لابن سيده وزاد: والغرقد شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم لازما للموضع. ولم يذكر أحد منهم النقيع بالنون قبل القاف أنه اسم موضع مع كثرة ما جلب فيه ابن سيده في المحكم. وقال الباجي في آخر الموطأ في ترجمة ما يتقى من دعوة المظلوم وفيه ذكر الحمى فقال الباجي: وهذا الحمى هو النقيع بالنون ولم يتكلم عياض في مشارقة على هذه الكلمة لعدم وقوعها في الموطأ والصحيحين انتهى. قلت: وكأنه رحمه الله لم يقف على ما ذكره القاضي عياض في المشارق في آخر حرف الباء الموحدة لما ذكر أسماء المواضع ونصه: بقيع الغرقد الذي فيه مقبرة المدينة بباء بغير خلاف. وسمي بذلك لشجرات غرقد هو العوسج كانت فيه، وكذلك بقيع بطحان جاء في الحديث وهو بالباء أيضا. قال الخليل: البقيع كل موضع من الارض فيه شجر شتى، وأما الحمى الذي حماه النبي (ص) ثم عمر بعده وهو الذي يضاف إليه في الحديث غرز النقيع وفي الآخر بقدح له لبن من النقيع وحمى النقيع وهو على عشرين فرسخا من المدينة وهو صدر وادي العقيق وهو أخصب موضع هنالك، وهو ميل في بريد وفيه شجر ويستجم حتى يغيب فيه الراكب. فاختلف الرواة وأهل المعرفة في ضبطه فوقع عند أكثر رواة البخاره بالنون وكذا قيده النسفي وأبو ذر والقابسي وسمعناه في مسلم من أبي بحر بالباء، وكذا روى عن ابن

    [ 608 ]
    ماهان وسمعناه من القاضي الشهيد وغيره بالنون. وبالنون ذكره الهروي والخطابي وغير واحد. قال الخطابي: وقد صحفه أصحاب الحديث فيروونه بالباء، وإنما الذي بالباء بقيع المدينة موضع قبورها. وأما أبو عبيد الله البكري فقال: إنما هو بالباء مثل بقيع الغرقد قال: ومتى ذكر البقيع بالباء دون إضافة فهو هذا. ووقع فيه في كتاب الاصيلي في موضع بالنون والباء وهو تصحيف قبيح. والاشهر فهذا النون والقاف. والنقيع بالنون كل موضع يستنقع الماء فيه وبه سمى هذا انتهى. وقوله: بقيع بطحان هو بضم الموحدة وسكون الطاء المهملة بعدها حاء مهملة. قال في المشارق: هكذا " يرويه المحققون وكذا سمعناه من المشايخ وهو الذي يحكي أهل اللغة فيه فتح الموحدة وكسر الطاء، وكذا قيده اللقاني في البارع وأبو حاتم والبكري في المعجم. وقال البكري: لا يجوز غيره وهو واد في المدينة انتهى. وقوله: غرز النقيع بفتح الغين المعجمة والراء وبعدها زاي. قال في المشارق: هكذا ضبطناه على أبي الحسن. وحكى فيه صاحب العين السكون قال: وواحده غرزة مثل تمرة وتمر، وبالوجهين وجدته في أصل الجياني في كتاب الخطابي. قال أبو حنيفة هو نبات ذو أغصان رقاق حديد الاطراف يسمى الاسل وتسمى به الرماح تشبه به، وقال صاحب العين: هو نوع من الثمار اه‍. ومقتضى كلام ابن عباس أنه لم يقف على كلام صاحب المشارق أيضا فإنه قال بعد أن ذكر كلام عبد الحق: هكذا ر أيت في نسخة من الاحكام منسوبة إلى الصحة بالنون والقاف. وذكره الجكري بالباء والقاف قال: وهو صدر وادي العقيق وقال: وهو منتدى للناس ومتصيد. وروي أن النبي (ص) صلى الصبح في المسجد بأعلى عسيب وهو جبل بأعلى قاع العقيق، ثم أمر رجلا صيتا فصاع بأعلى صوته فكان مدى صوته بريدا وهو أربعة فراسخ، فجعل ذلك حمى طوله وعرضه ميل وفي بعضه أقل من ميل انتهى. وقوله: منتدى بمعنى النادي وهو المجلس الذي يتحدث فيه، وذكر المصنف في التوضيح بعض كلام المشارق ولكن كلامه يقتضي أن أبا عبيد غير البكري، وكلام القاضي عياض في المشارق يقتضي أن أبا عبيد هو البكري، وكذا رأيته في كلام غير واحد من العلماء منهم ابن حجر في مقدمة فتح الباري إلا أنه ذكر عن البكري أنه حكى فيه وجهين، والذي حكان القاضي في المشارق عن البكري إنما هو وجه واحد كما تقدم. قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: النقيع بفتح النون وكسر القاف هو صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من المدينة. وقال الشافعي في مختصر المزني: وهو بلد ليس بالواسع الذي يضيق على من حوله إذا حمى ويعني بالبلد الارض. قال صاحب مطالع الانوار: مساحته ميل في بريد وذكر ما تقدم عن المشارق إلا أن قوله: على عشرين ميلا من المدينة خلاف ما قال في المشارق، والذي حكاه الحافظ ابن حجر وغيره أنه على عشرين فرسخا كما قال في المشارق. وذكر في النوادر عن كتاب ابن سحنون أن ابن وهب روى عن مالك أن قدر النقيع ميل

    [ 609 ]
    فثمانية أميال. قال: ثم زاد فيه الولاة بعد. وهكذا ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن موطأ ابن وهب أنه ميل في ثمانية أميال، وهو خلاف ما ذكره هو في مقدمة فتح الباري وما ذكره في المشارق وما حكاه النووي في تهذيب الاسماء واللغات من أنه ميل في بريد فإن البريد اثنا عشر ميلا. السابع: تقدم في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه حمى الشرف والربذة. قال في فتح الباري: وهو من بلاغ الزهري. والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور. وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء. قال وفي الموطأ ابن وهب بفتح المعجمة والراء قال: وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب. وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الالف واللام انتهى. وقال في مقدمته: قال أبو عبيد البكري: هو ماء لبني باهلة أو لبني كلاب انتهى. وقال الزركشي: هو من عمل المدينة، وأما سرف فمن عمل على ستة أميال وقيل سبعة، وقيل تسعة، وقيل اثنا عشر انتهى. وأما الربذة فهي بفتح الراء وفتح الموحدة وبعدها ذال معجمة قال في فتح الباري: موضع معروف بين مكة والمدينة انتهى. وقال الزركشي في كتاب العلم من حاشية البخاري: موضع على ثلاث مراحل من المدينة انتهى. وقال ابن عبد السلام المالكي: قال البكري: الربذة هي التي جعلها عمر حمى لابل الصدقة وكان حماه الذي حماه بريدا في بريد. قال: ثم تزيدت الولاة في الحمى أضعافا ثم أبيحت إلا حمية في أيام المهدي فلم يحمها أحد. وحمى عمر رضي الله عنه صرفة وزاد فيه عثمان انتهى. وقال في النوادر: وحمى أبو بكر رضي الله عنه الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله نحو خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك عمر لابل الصدقة التي يحمل عليها في سبيل الله وحمى أيضا الشرف انتهى. الثامن: ذكر الرافعي في الشرح الكبير الحديث السابق بلفظ: إنه (ص) حمى النقيع لابل الصدقة ونعم الجزية قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثه بعد أن ذكر روايات الحديث: تبين بهذا أن قوله: لابل الصدقة ونعم الجزية مدرج ليس في أصل الخبر انتهى والله أعلم. التاسع: قال المصنف في التوضيح: انظر ما في الحديث من قوله: حمى النقيع كما ذكر المصنف يعني ابن الحاجب وذكره الجوهري رباعيا فقال: أحميت المكان جعلته حمى انتهى. قلت: ليس في كلامه ما يقتضي أنه لا يستعمل منه إلا الرباعي، ونصه حميته أي دفعت عنه وهذا شئ حمى على فعل أي محظور لا يقرب، وأحميت المكان جعلته حمى انتهى. وقال في القاموس: حمى الشئ يحميه حميا وحماية بالكسر ومحمية منعه وكلا حمى كرضا محمى. ثم قال: وأحمى المكان جعله حمى لا يقرب انتهى. وقال في المشارق: الحمى بكسر الحاء مقصور الممنوع من الرعي. تقول حميت الحمى فإذا امتنع منه قلت أحميته، ومنه قولهم: حميت الماء القوم أي منعتهم انتهى. فعلم من كلامه في المشارق أنه يقال حميته

    [ 610 ]
    بالفعل الثلاثي وأنه لا يقال أحميته بالرباعي إلا بعد امتناع الناس منه والله أعلم. العاشر: قوله: لا حمى بلا تنوين وفي بعض الروايات بالتنوين. قال الكرماني: فتكون حينئذ لا بمعنى ليس أي فتكون للاستغراق على الاول بخلاف الثاني. الحادي عشر: قال الشافعية: وينبغي للوالي إذا حمى أن يجعل للحمى حافظا يمنع أهل القوة من الرعي فيه ويأذن للضعيف والعاجز، فإن دخله أحد من أهل القوة ورعى منع ولا غرم عليه ولا تعزير انتهى. قلت: وهو ظاهر وكلام أهل المذهب يقتضيه فقد قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: وقصح أن عمر رضي الله عنه قال لهني حين ولاه على الحمى: ادخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان اه‍. إلا أن قولهم: لا تعزير عليه فيه نظر والظاهر أن من بلغه النهي وتعدى بعد ذلك ورعي في الحمى فللامام أن يعزره بالزجر أو التهديد، فإن تكررت المخالفة فيعزره بالضرب. وقولهم لا غرم عليه ظاهر لا شك فيه والله أعلم. وما ذكره ابن عبد السلام عن عمر رضي الله عنه هو ما رواه مالك رضي الله عنه في آخر جامع الموطأ في باب ما يتقى من دعوة المظلوم عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان فإنهما إن تهلك مواشيهما يرجعان إلى المدينة إلى زرع ونخيل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتي ببينة فيقول يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلا أيسر علي من الذهب والورق. وأيم الله إنهم لا يرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا في الجاهلية وأسلموا عليه في الاسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا انتهى. الثاني عشر: هذا الحديث رواه البخاري في كتاب الجهاد عن إسماعيل يعني ابن أبي أويس عن مالك. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وهذا الحديث ليس في الموطأ. قال الدارقطني في غرائب مالك: هو حديث غريب صحيح انتهى. قلت: وهذا من الامر العجيب فإن الحديث موجود في جميع نسخ الموطأ وشروحه والله أعلم. الثالث عشر: قوله: مولى له يدعى هنيا هو بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء. قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: هكذا ضبطه ابن ماكولا وغيره من أهل الاتقان وكذا ضبطناه في صحيح البخاري والمهذب وغيرهما. قا: ورأيت بخط من لا تحقيق له أنه يقال أيضا بالهمز وهذا خطأ ظاهر نبهت عليه لئلا يغتر به. روى هني عن أبي بكر وعمر ومعاوية

    [ 611 ]
    وعمرو بن العاص رضي الله عنهم انتهى. وقال في فتح الباري: قوله: يدعى هنيا بالنون مصغرا من غير همز وقد يهمز. وهذا المولى لم أر من ذكره في الصحابة مع إدراكه. وقوله: على الحمى قال في فتح الباري: بين ابن سعد أنه كان على حمى الربذة. وقوله: اضمم جناحك عن الناس أي اكفف يدك عن ظلمهم في المال والبدن والجناح اليد قال الله تعالى: * (واضمم إليك جناحك) * وفي رواية البخاري: اضمم جناحك عن المسلمين. قال في فتح الباري: وفي رواية معن عن مالك عن الدارقطني في الغرائب اضمم جناحك للناس. وعلى هذا استرهم بجناحك وهو كناية عن الرحمة والشفقة. وقوله في هذه الرواية: اضمم جناحك للناس لعله على الناس فإني رأيته كذلك. وقال ابن عرفة: قال أبو عمر: قوله: اضمم جناحك يقول لا تستطل على أحد لمكانك مني. وقوله: واتق دعوة المظلوم كناية لطيفة عن النهي عن الظلم وهكذا رأيته في نسخ البخاري وذكره في فتح الباري بلفظ واتق دعوة المسلمين ثم قال: وفي رواية الاسماعيلي والدار قطني وأبي نعيم دعوة المظلوم. وقوله: فإن دعوة المظلوم مجابة هكذا في نسخ الموطأ. ولفظ البخاري: فإن دعوة المظلوم مستجابة. وقوله: وأدخل رب الصريمة والغنيمة أدخل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الخاء المعجمة ومتعلق الادخال محذوف والمراد المرعى. والصريمة بضم الصاد المهملة مصغر الصرمة بكسر الصاد وهي القطعة من الابل نحو الثلاثين. قاله في الصحاح. وقال الاسنوي في المهمات في كتاب إحياء الموات: ما بين العشرة إلى الثلاثين من الابل خاصة. وقال في القاموس: ما بين العشرة إلى الثلاثين أو إلى الخمسين أو الاربعين أو ما بين العشرة إلى الاربعين أو ما بين عشرة إلى بضع عشرة والغنيمة على وزن الصريمة مصغر أيضا هي ما بين الاربعين إلى المائتين. قاله الاسنوي أيضا. وقوله: وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ لا يقاس عليه عند جمهور النحويين. قال الاسنوي: وقد وقع للرافعي وغيره بالكاف، والوارد في رواية الشافعي وغيره إنما هو بالياء. وابن عوف هو عبد الرحمن، وابن عفان هو عثمان رضي الله عنهما، وخصهما بالذكر على طريق المثال لكثرة نعمهما لانهما من مياسير الصحابة. قال في فتح الباري: ولم يرد منعهما ألبتة وأنه أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى، فنهاه عن إيثارهما على غيرهما أو تقديمهما قبل غيرهما وقد بين حكمة ذلك انتهى. قلت: ظاهر الخبر أنه أراد منع نعمهما ليتوفر المرعى لابل الصدقة فتأمله. وقوله: يأتني ببنيه كذا في أكثر نسخ الموطأ يأتني بحذف الياء للجزم في جواب الشرط وهو الراجح، وفي بعض النسخ يأتيني بإثبات الياء وهو ضعيف. وقوله: ببنيته كذا في نسخ الموطأ بالنون قبل المثناة تحت جمع ابن وهي رواية الكشميهني في البخاري. ووقع عند أكثر رواة البخاري يبيته بالتاء التحتية ثم الفوقية بلفظ البيت والمعنى متقارب. وقوله: فيقول يا أمير المؤمنين

    [ 612 ]
    مقول القول محذوف لدلالة السياق عليه ولانه لا يتعين في لفظ مخصوص نحو يا أمير المؤمنين أنا فقير أنا محتاج إلى كذا. وقوله: أفتاركهم أنا استفهام إنكاري أي لا أتركهم محتاجين. وقوله: لا أبا لك بفتح الموحدة من غير تنوين ثم اختلف فيه، فعند سيبويه والجمهور أنه مضاف واللازم زائدة مؤكدة لمعنى الاضافة وهي معتد بها من حيث إن اسم لا لا يضاف لمعرفة فاللام لصورة الاضافة، وغير معتد بها من حيث إن ما قبلها منصوب بالالف واللام وإنما ينصب بها إذا كان مضافا، ويشكل عليهم لا أبالي بالالف واللام فإنه لا ينصب بالالف إذا أضيف للياء. وقال ابن الحاجب وابن مالك: إنه شبيه بالمضاف، ويشكل على قولهما حذف التنوين. وسمع من قولهم: لا أباك بدون لام وهو مشكل. وظاهر كلامهم أنه لم يسمع لا أبا لك ولو سمع لامكن توجيهه بأنه شبيه بالمضاف. والخبر على هذه الاوجه محذوف. وسمع من كلامهم لا أبا لك بالبناء على الفتح وهو القياس. وقوله: لك هو الخبر على هذا الوجه، ولو قال: لا أب لك بالرفع والتنوين صح، وهذا اللفظ ظاهره الدعاء عليه. قال في فتح الباري: وهو على المجاز لا على الحقيقة. وقوله: إنهم ليرون قال في فتح الباري: بضم التحتية أوله بمعنى الظن، وبفتحها بمعنى الاعتقاد قوله: إني قد ظلمتهم. فرع: قال ابن حجر: قال ابن التين: يريد أرباب المواشي الكثيرة، والذي يظهر لي أنه أراد أرباب المواشي القليلة لانهم الاكثر وهم أهل تلك البلاد من نواحي المدينة، ويدل على ذلك قوله: إنها لبلادهم. وقد أخرج ابن سعد في الطبقات أن عمر رضي الله عنه أتاه رجل من أهل البادية فقال: يا أمير المؤمنين. بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الاسلام ثم تحمي علينا، فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه. وأخرج الدارقطني في غرائب مالك نحوه وزاد: فلما رأى الرجل ذلك ألح عليه فلما أكثر عليه قال رضي الله عنه: المال مال الله والعباد عباد الله والارض أرض الله ما أنا بفاعل انتهى. قلت: والظاهر أن الضمير في يرون يعود إلى أصحاب المواشي الممنوعين، سواء كانت مواشيهم كثيرة أو قليلة. ثم قال في فتح الباري: وقال ابن المنير: لم يدخل ابن عفان ولا ابن عوف في قوله: قاتلوا عليها في الجاهلية فالكلام عائد على عموم أهل المدينة لا عليها انتهى. قال الشيخ ابن أبي زيد في النوادر: وقال عمر رضي الله عنه لرجل من العرب عاتبه في الحمى: بلاد الله حميت لمال الله انتهى. وقوله: لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله قال في فتح الباري: أي من الابل التي كان يحمل عليها من لا يجد مركبا. وجاء عن مالك أن عدة ما كان في الحمى في عهد عمر بلغ أربعين ألفا من إبل وخيل بينها انتهى. وقال الاسنوي: قوله: لولا المال الذي أحمل عليه أي الخيل التي أعددتها لاحمل عليها من لا مركوب له. قال مالك رضي الله عنه: وكانت عدتها أربعين ألفا انتهى. وهو مخاف لما ذكره في فتح الباري.

    [ 613 ]
    الرابع عشر: قال ابن عرفة: قال أبو عمر: فيه ما كان عليه عمر من التقى وأنه لا يخاف في الله لومة لائم لانه لم يداهن عثمان ولا عبد الرحمن، وآثر المساكين والضعفاء، وبين وجه ذلك، وامتثل قوله (ص): لا حمى إلا لله ولرسوله يعني إبل الصدقة اه‍. قال ابن عرفة لما ذكر عن الباجي أنه يحمي لماشية الصدقة قلت: يقوم منه طول تأخير صرف الزكاة إذا كان لتأخير مصرفها انتهى. الخامس عشر: قال الشافعية: إن ما حماه الرسول (ص) لا ينقض فلا ينقض حمى النقيع، وأما ما حماه غيره من الولاة فيجوز نقضه لمصلحة، وسواء كان الناقض هو الذي حماه أو غيره. قلت: هذا ظاهر إن ثبت أنه (ص) لما حمى النقيع أمر أن يجعل ذلك حمى للمسلمين دائما، وأما إذا حماه في سنة من السنين ولم يفهم أن ذلك حكم مستمر فالظاهر أنه لا يلزم استمراره ولو ثبت ذلك لاستمر عمل الخلفاء بعده على حمى ذلك الموضع، وقد تقدم أن الصديق رضي الله عنه حمى الربذة وكذلك عمر رضي الله عنه فتأمله والله أعلم. ص: (وإن مسلما إن قرب) ش: ظاهره أن الذمي يحمي في القريب بإذن الامام وهذا ليس بمنصوص للمتقدمين. قال ابن عبد السلام: لكن ركن إليه الباجي. وفي المسألة قول ثان لابن القصار. قال: للامام أن يأذن لاهل الذمة في الموات. قال في التوضيح: ولم يفرق بين قريب ولا بعيد. وفيها قول ثالث قال ابن عبد السلام: وهو المنصوص للمتقدمين. ابن عرفة: وهو المشهور أن حكمهم في البعيد حكم المسلمين، والقريب ليس لهم أن يحموه ولو أذن الامام، والقريب هو حريم العمارة مما يلحقونه غدوا ورواحا. قاله في التوضيح. وقاله في الجواهر ونصه: وأما البعيد فلا يفتقر إلى إذن الامام فيه وهو ما كان خارجا عما يحتاجه أهل العمران من محتطب ومرعى مما العادة أن الرعاء يصلون إليه ثم يعودون إلى منازلهم فيبيتون بها ويحتطب المحتطب ثم يعود إلى منزله انتهى. وقال ابن رشد في رسم الدور من سماع يحيى في كتاب السداد والانهار: وحد البعيد من العمران الذي يكون لمن أحياه دون إذن الامام ما لم ينته إليه مسرح العمران واحتطاب المحتطبين إذا رجعوا إلى المبيت في مواضعهم من العمران انتهى. تنبيه: يعترض على المؤلف بما اعترض به على ابن الحاجب، لان المؤلف قد قدم أن القرب من وجوه الاختصاص فلا يكون القريب مواتا. إذ الموات ما انفك عن الاختصاص فلا يتصور في القريب إحياء، لان الاحياء إنما يكون في الموات. والظاهر أن مراد المؤلف أن حريم

    [ 614 ]
    العمارة مانع من الاحياء بغير إذن الامام ثم ينظر فيه أي في حريم العمارة، فإن كان فيه ضرر فلا يجوز إحياؤه ولا يبحه الامام، وما لم يكن فيه ضرر فإنه يجوز إحياؤه بإذن الامام، ويكون الموات على ثلاثة أقسام كما قال ابن رشد في رسم الدور من سماع يحيى من كتاب السداد والانهار ونصه: الموات الذي يستحقه الناس بالاحياء لقول النبي (ص) من أحيا أرضا ميتة فهي له هي الارض التي لا نبات فيها. قال ذلك مالك رحمه الله في رواية ابن غانم عنه بدليل قوله تعالى * (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها) * فلا يصح الاحياء إلا في البوار. ثم قال: وحكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على ثلاثة أوجه: بعيد من العمران، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه، وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به. فأما البعيد من العمران فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الامام إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون. وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الامام على المشهور في المذهب. وقيل: إن استئذان الامام في ذلك مستحب وليس بواجب. واختلف إن وقع بإذنه على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه، قيل يمضي مراعاة للخلاف وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب، وقيل إنه يخرج منه ويكون له قيمة بنيانه منقوضا وهو القياس، ولو قيل إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه. وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالافنية التي يكون أخذ شئ منها ضررا بالطريق وشبه ذلك، فلا يجوز إحياؤه بحال ولا يبيحه الامام انتهى. وقد تقدم عنه. وقال في الرسم الذي قبله ما نصه على ما اختصره ابن عرفة قال ابن حبيب: الشعارى المجاورة للقرى والمتوسطة بينها لا يقطع الامام منها شيئا لانها ليست كالعفاء من الارض التي لعامة المسلمين، إنما هي حق من حقوقهم كالساحة للدور، وإنما العفاء ما بعد. وتعقب الفضل قوله فقال: وأين يقطع الامام إلا فيما قرب من العمران وهو لا يلزم لانه إنما أراد الشعارى القريبة من القرى جدا لان إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم منها التي كانوا يختصون بها لقربهم على ما سنذكره في رسم الدور انتهى. والذي في رسم الدور وهو ما تقدم. والشعارى هي الشجر المختلط أو الارض ذات الشجر، كذا فسرها أهل اللغة. فعلى هذا إنما يمتنع من إحياء القريب الذي في إحيائه ضرر، وأما ما لا ضرر في إحيائه فلا يمنع من ذلك ولو كان قريبا إلا أنه لا يجوز إحياؤه إلا بإذن الامام على المشهور والله أعلم.

    [ 615 ]
    فر: قال في المدخل: لا يجوز لاحد ا لبناء على شاطئ النهر للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر المحتاج إليها انتهى. ص: (وافتقر لاذن) ش: أي وافتقر إحياء الموات لاذن الامام. فرع: قال ابن رشد في كتاب السداد والانهار في شرح المسألة الحالثة من سماع أشهب: وليس للعامل أن يقطع شيئا من الموات إلا بإذن الامام انتهى. ص: (أو جعله متعديا) ش: قال ابن عبد السلام: فإذا فرعنا على القول الاول وهو المشهور من أن القريب الذي لا ضرر فيه يفتقر إلى إذن الامام فإذا أحياه أحد من غير استئذان تعقب الامام ما فعله هذا، فإن رأى إمضاءه أمضاه، وإن لم ير ذلك أخذه منه وأعطاه قيمة ما صنعه منقوضا إن رده لبيت المال، وإن شاء كلفه بهدمه، وإن شاء أقطعه لغيره فكان لذلك الذي أقطعه إياه الامام أن يأمر هذا بما كان الامام يأمره به، وهذا هو الذي أجمله المؤلف يعني ابن الحاجب بقوله أو جعله متعديا. انتهى كلام ابن عبد السلام. ومثله يقال على كلام المؤلف. وقال في التوضيح: المشهور ما قاله المؤلف يعني ابن الحاجب وهو قول مالك وابن القاسم أن للامام إمضاءه أو جعله متعديا فيعطى قيمة بنائه مقلوعا. ورأى اللخمي أنه يعطى قيمته قائما للشبهة. اللخمي: قال مطرف وابن الماجشون: الامام مخير بين أربعة أوجه: إن رأى أن يقره له أو للمسلمين أو يعطيه قيمته منقوضا أو يأمره بقلعه أو يقطعه لغيره ويكون للاول قيمته منقوضا. ابن رشد: وهو القياس. وقال في موضع آخر: وهو معنى ما في المدونة انتهى. وظاهر كلام التوضيح أن كلام مطرف وابن الماجشون خلاف المشهور، والظاهر أنه تفسير لقول مالك كما قال ابن عبد السلام وكما يظهر من قول ابن رشد والله أعلم.

    [ 616 ]
    تنبيه: لا ينبغي أن يفهم من قول المصنف وابن الحاجب أو جعله متعديا إنه يرجع عليه بالغلة بل ظاهر نصوصهم أنه لا يرجع عليه بالغلة بل تقدم في كلام التوضيح أن اللخمي رأى أن تكون له قيمة البناء قائما للشبهة، ونقل ابن عرفة عن ابن رشد أنه قال: له قيمته منقوضا قال: ولو قيل قائما للشبهة لكان له وجه انتهى. ص: (وقضاء دين) ش: يعني أنه يجوز قضاء الدين في المسجد لانه معروف بخلاف البيع والصرف. قال الطرطوشي في كتاب البدع: أراد بالقضاء المعتاد الذي فيه يسير العمل وقليل العين، وأما لو كان قضاء بمال جسيم يحتاج المؤنة والوزن والانتقاد ويكثر فيه العمل فإنه مكروه. فرع: قال في أواخر كتاب الجامع من الذخيرة: قال مالك: وينهى السؤال عن السؤال في المسجد والصدقة في المسجد غير محرمة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ويكره العمل في المساجد إلى آخره، ينبغي أن تنزه المساجد عن البيع والشراء. واستخف في البيان قضاء الدين وكتب الحق فيه ما لم يطل وإنشاد الضالة وعمل الصناعة والسؤال. قال ابن عبد الحكم في النوادر: من سأل فلا يعطى وأمر بحرمانهم وردهم خائبين. قال التادلي: كان

    [ 617 ]
    الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمران يغلظ عليهم في النهي وربما أمر بإخراجهم إلى السجن. وكان بعض الشيوخ على العكس منه فيرفق بهم ويسأل عن أحوالهم ويتصدق عليهم. فالاول تصرف بالشرع، والثاني بعين الحقيقة انتهى. وقال في الاكمال: لما تكلم على قوله (ص) إنما بنيت المساجد لما بنيت له قال بعض شيوخنا: إنما يمنع في المساجد من عمل الصناعات ما يختص بمنفعة آحاد الناس مما يتكسب به فلا يتخذ المسجد متجرا، فأما إن كانت لما يشمل المسلمين في دينهم مثل المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا مهنة في عمله للمسجد فلا بأس به انتهى. فرع: قال في الذخيرة: ويجعل الماء العذب في المساجد وكان في مسجد رسول الله (ص) انتهى. ص: (وإناء لبول إن خاف سبعا) ش: قال ابن العربي: وكذلك الغريب إذا لم يجد أين يدخل دابته فإنه يدخلها في المسجد إذا خاف عليها من اللصوص انتهى. ص: (ومنع عكسه) ش: تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الاجارة عند قول المصنف وسكنى فوقه بما فيه كفاية. فرع: قال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: لا خلاف أن لظاهر المسجد من الحرمة ما للمسجد ولا يورث المسجد ولا البنيان الذي فوقه

    [ 618 ]
    ويورث البنيان الذي تحته، وإنما اختلف في صلاة الجمعة عليه هل تكره ابتداء وتصح إن فعلت أو لا تصح ويعيد أبدا والله أعلم. ص: (كإخراج ريح) ش: عده المصنف في المحرمات. وقال ابن العربي في عارضته في باب تطييب المساجد في شرح قول عائشة أمر عليه الصلاة والسلام ببناء المساجد وأن تنظف وتطيب: ونظافتها أن لا تبقى فيها قمامة من الخرق والقذى والعيدان، وليس من ذلك الحدث يكون فيه من ريح أو صوت، ولا يناقض تنظيفه تعليق قنو فيه من ثمر يأكله المساكين، ولا أكل ما فيه إذا وضع لقاطة أو سقاطة ما يأكل في حجره أو كمه انتهى. وقال في باب المشي إلى المسجد وانتظار الصلاة فيه في شرح قوله (ص): لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث قال رجل محضر موت لابي هريرة: ما الحدث ؟ قال: فساء أو ضراط. فيه دليل على جواز إرسالهما في المسجد كما يرسله في بيته إذا احتاج إلى ذلك وأن المسجد إنما ينزه عن نجاسة عينية انتهى. ص: (ومكث بنجس) ش: هذا الذي صدر به ابن شعبان. قال في التوضيح: قال في مختصر ما ليس في المختصر: ويجب على من رأى في ثوبه دما كثيرا في الصلاة أن يخرج من المسجد ولا يخلعه فيه. قال: وقد قيل يخلعه ويتركه بين يديه ويغطي الدم انتهى. وقال القلشاني في شرح الرسالة: من رأى بثوبه كثير دم فقال ابن شعبان: يخرج من المسجد ولو كان في صلاة. وقال غيره: ينزعه ويتركه بين يديه ساترا نجاسته ببعضه. وقال القلشاني: قلت: وعليهما الخلاف في إدخال النعل الذي لحقته نجاسة في محفظة أو ملفوفة في خرقة كثيفة انتهى. وقال الاقفهسي: قال الجزولي: ودخول المسجد بالثوب النجس مكروه، وكذلك نعليه إذا كان فيهما نجاسة فلا يدخلهما المسجد حتى يحكهما ولا يغسلهما فإن ذلك يفسدهما انتهى. فما ذكره من الكراهة مخالف لما مشى عليه المصنف، وأما ما ذكره فظاهر ولا ينبغي أن يكون خلافا والله

    [ 619 ]
    أعلم. ص: (وبيع) ش: أي يكره البيع في المسجد. وفي جامع الذخيرة: وجوز مالك أن يساوم رجلا ثوبا عليه أو سلعة تقدمت رؤيتها انتهى. وقال الجزولي في شرح الرسالة: ولا يجوز البيع في المسجد ولا الشراء، واختلف إذا رأى سلعة خارج المسجد هل يجوز أن يعقد البيع في المسجد أم لا قولان من غير سمسار، وأما البيع بالسمسار فيه فممنوع باتفاق. فإن وقع البيع في المسجد فقال ابن بطال: الاجماع على أنه لا يفسخ وأنه ماض. انتهى. من باب السلام والاستئذان، وانظره في الاعتكاف، وقال الشيخ يوسف بن عمر: وإن حضرت السلعة والسوام

    [ 620 ]
    فذلك حرام. انتهى أوله بالمعنى. ص: (وإنشاد ضالة) ش: قال الطرطوشي في كتاب البدع: ولو لم يرفع بذلك صوته ولكن يسأل عن ذلك جلساءه غير رافع صوته فلا بأس بذلك لانه من جنس المحادثة وذلك غير ممنوع انتهى. يريد غير مكروه كما يفهم من كلامه. فرع: قال القرطبي في شرح مسلم في قوله إن عمر مر بحسان ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه قال - أي أومأ - إليه بعينه أن اسكت. وهذا يدل على أن عمر كان يكره إنشاد الشعر في المسجد، وكان قد بنى رحبة في خارج المسجد وقال: ومن أراد أن يلغط أو ينشد شعرا فليخرج إلى هذه الرحبة. وقد اختلف في ذلك فمن مانع مطلقا ومن مجيز مطلقا والاولى التفصيل، فما كان يقتضي الثناء على الله تعالى أو على رسوله أو الذب عنهما كما كان شعر حسان أو يتضمن الحث على الخير فهو حسن في المساجد وغيرها، وما لم يكن كذلك لم يجز لان الشعر لا يخلو في الغالب عن الكذب والفواحش والتزيين بالباطل، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر والمساجد منزهة عن ذلك لقوله تعالى * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * ولقوله عليه السلام إن هذه المساجد لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي للذكر والصلاة وقراءة القرآن انتهى. فرع: قال الطرطوشي في الكتاب المذكور: ولم أر لمالك شيئا في كتابة المصاحف في المساجد. قال: وأما الرجل المتقي الذي يصون المسجد ويكتب المصاحف فظاهره الجواز انتهى. فرع: وأما الوضوء في المسجد فقال الفاكهاني في شرح الرسالة في قوله ويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها. حكى الباجي في الوضوء في صحن المسجد قولين والقولان في الواضحة أيضا. قال ابن بشير: رأيت بعض أشياخي توضأ في المسجد وأظنه بلغ المضمضة

    [ 621 ]
    والاستنشاق أو كلاما هذا معناه انتهى. وقال في آخر سماع موسى من كتاب الطهارة: سئل ابن القاسم في الذي يتوضأ في صحن المسجد ضوءا طاهرا فقال: لا بأس بذلك وتركه أحب إلي. وسأل عنها سحنون فقال: لا يجوز. قال ابن رشد: لا وجه للتخفيف في ذلك. وقول سحنون لا يجوز أحسن لقوله تعالى * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * فواجب أن ترفع وتنزه عن أن يتوضأ فيها لما يسقط فيها من غسل الاعضاء من أوساخ ولتمضمضه فيه أيضا، وقد يحتاج إلى الصلاة في ذلك الموضع فيتأذى المصلي بالماء المهراق فيه، وقد روي أن رسول الله (ص) قال اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم ولقد كره مالك أن يتوضأ رجل في المسجد وأن يسقط وضوؤه في طست، وذكر أن هشاما فعله فأنكر الناس ذلك عليه، ونقله ابن عرفة في كتاب الصلاة. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة في هذا المحل: قال الباجي: واختلف أصحابنا في الوضوء فأجازه ابن القاسم في صحنه في رواية موسى بن معاوية، وكرهه سحنون لما في ذلك من مج الريق في المسجد. قال الباجي: ورحاب المسجد كالمسجد في التنزيه انتهى. قال في المدخل في الكلام على الامام والبدع المحدثة في المسجد لما تكلم على الخلاوي المبنية على سطح المسجد: وقد منع علماؤنا الوضوء فالمسجد ومن كان ساكنا في سطوحه فإنه يتوضأ فيه وذلك ممنوع كما لو توضأ داخل المسجد لان حرمة سطحه كحرمته، واختلف في الخطيب إذا أحدث أثناء خطبته أو بعد فراغه هل يجوز له أن يتوضأ في المسجد ؟ فروى ابن القاسم أنه لا بأس أن يتوضأ في المسجد في صحنه وضوءا طاهرا، وكرهه مالك وإن كان في طست. ومن يتوضأ في سطحه أو في البيوت التي فيه إنما يتوضأ في داخل المسجد وذلك ممنوع انتهى. وظاهره أنه حرام لا يجوز وأن الخلاف إنما هو في الخطيب فانظره مع ما تقدم. قال الزركشي من الشافعية في أحكام المساجد الثامن: قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد أن لا يتوضأ في مكان يتأذى الناس به فإنه مكروه. ويشترط أن لا يحصل تمخط بالاستنشاق ولا بصاق بالمضمضة ونحو ذلك من التنخم وإلا فينتهي إلى التحريم. وحكى المازري عن بعضهم الجواز مع ذلك لان البصاق إذا خالطه الماء صار في حكم المستهلك فكان كما تقدم، وهو يقتضي أنه مع بقاء العين يحرم ولا شك فيه. قال: وينبغي أن يبلع الماء الذي يتضمض به للخلاص من ذلك وتحصل به سنة المضمضة. ثم

    [ 622 ]
    قال: وحكى عن مالك كراهته تنزيها للمسجد. انظر بقية كلامه. ص: (ولذي ماجل وبئر) ش: نبه بقوله مأجل وبئر على أنه لا فرق بين ما ينقص بالاغتراف ولا يخلفه غيره كالماجل أو يخلفه غيره كالبئر. ص: (بهدم بئر) ش: هو متعلق بقوله خيف فيفهم منه أنه زرع على ماء وأنه لو زرع على غير أصل لم يجب على جاره دفع فضل مائه له وهو كذلك. قال في

    [ 623 ]
    المدونة في كتاب حريم الآبار: ولو حرث جار لك على غير أصل ماء له فلك منعه أن يسقي بفضل ماء بئرك التي في أرضك إلا بثمن إن شئت. أبو الحسن: قالوا: هذا إذا كان له ثمن. ابن يونس: أما إذا كان لا ثمن له ولا ينتفع صاحبه بفضله فما الذي يمنع الجار أن يبتدئ الزرع عليه وذكره أبو إسحاق انتهى. وقال ابن رشد في شرح آخر مسألة من نوازل عيسى من كتاب السداد والانهار: من حق من قرب من المياه أن ينتفع بما فضل منها دون ثمن إن لم يجد له صاحبه ثمنا باتفاق، وإن وجد فعلى اختلاف انتهى. ص: (وإن سال مطر بمباح سقي الاعلى) ش: تصوره ظاهر. وسئلت عن أرض كانت تشرب بالسيل من قديم الزمان بغير

    [ 624 ]
    تسبب للماء ثم يمر بعد شربها إلى أرض أسفل منها، ثم إن السيول تكاثرت وعظمت فأحرجت مشربها وأحالت الماء من ممره القديم إلى ممر آخر فصار يسقي السفلي وتعطلت العليا واندرس مشربها مدة سنين، فأراد أهل العليا أن يعمروا مشربهم ويتسببوا للماء فمنعهم أهل السفلى، فهل لهم ذلك أم لا ؟ فأجبت: أولا لاهل الارض العليا أن يعمروا مشربهم المندرس

    [ 625 ]
    وليس لاهل السفلى منعهم من ذلك، وليس لاهل الارض العليا أن يسدوا المشرب الذي أحدثته السيول للماء قبل بلوغه إلى أرضهم لان الماء غيث يسوقه الله إلى من يشاء. قال الله تعالى * (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا) * يريد المطر. فإذا صرفه إلى قوم فلا ينبغي لاحد أن يقطعه عنه. ثم حصل عندي توقف في ذلك لكون الارض التي تسقى أسفل من الارض الاخرى، أما إذا كان المشرب الذي انفتح تشرب به أرض أعلا من أرض هؤلاء الذين يريدون سد المشرب المنفتح فليس لهم ذلك بلا توقف، وقطعت السؤال الذي كتبت عليه الجواب أولا والله أعلم. والمسألة في سماع عيسى من كتاب السداد والانهار ونقله في النوادر ونقله ابن عرفة والله سبحانه أعلم.

    [ 626 ]
    باب وقف الملوك قال ابن عرفة: الوقف مصدرا إعطاء منفعة شئ مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا. فتخرج عطية الذوات والعارية والعمرى والعبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه لعدم لزوم بقائه في ملك معطيه لجواز بيعه برضاه مع معطاه. وقول ابن عبد السلام إعطاء منافع على سبيل التأبيد يبطل طرده بالمخدم حياته. ولا يرد بأن جواز بيعه ممنوع اندراجه تحت التأبيد لان التأبيد إنما هو في الاعطاء وهو صادق على المخدم المذكور لا في لزوم بقائه في ملك معطيه. وهو اسما ما أعطيت منفعته مدة إلى آخره. وصرح الباجي ببقاء ملك المحبس على محبسه وهو لازم تزكية حوائط الاحباس على ملك محبسها. وقول اللخمي آخر الشفعة الحبس يسقط ملك المحبس غلط انتهى. ويخرج من حد ابن عرفة الحبس غير المؤبد، وقد صرح بجوازه ابن الحاجب والمصنف ثم قال ابن عرفة: وهو مندوب إليه لانه من الصدقة ويتعذر عروض وجوبه بخلاف الصدقة انتهى. وقال في المقدمات: والاحباس سنة قائمة عمل بها رسول الله (ص) والمسلمون من بعده انتهى. وقال في اللباب: حكمه الجواز خلافا لابي حنيفة وحقيقته لغة الحبس، وشرعا حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد انتهى. قال النووي: وهو مما اختص به المسلمون. قال الشافعي رضي الله عنه: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل الاسلام انتهى. وقوله مملوك تصوره واضح. واحترز به من وقف الانسان نفسه على نوع ما من العبادات. كذا ذكر ابن عبد السلام عن الغزالي. ولما كان كلامه شاملا لكل مملوك بين ما هو داخل وما فيه تردد بقوله وإن بأجرة إلى قوله تردد. وظاهر كلامه سواء كان مشاعا أو غير مشاع. قال ابن الحاجب: يصح في العقار المملوك لا المستأجر من الاراضي والديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق شائعا وغيره. قال في التوضيح: قوله شائعا أو غيره يعني يجوز وقف العقار سواء كان شائعا كما لو وقف نصف دار أو غير شائع. ولا يريد المصنف أنه يجوز وقف المشاع من غير إذن شريكه فإن ذلك لا يجوز ابتداء أعني فيما لا يقبل القسمة. واختلف إن

    [ 627 ]
    فعل هل ينفذ تحبيسه أم لا، وعلى الثاني اقتصر اللخمي آخر الشفعة. قال: لان الشريك لا يقدر على بيع جميعها وإن فسد فيها شئ لم يجد من يصلحه معه، واختار ابن زرب الاول. اللخمي: وإن كانت مما تنقسم جاز له الحبس إذ لا ضرر عليه في ذلك. وسأل ابن حبيب ابن الماجشون عمن له شرك في دور ونخل مع قوم فتصدق بحصته من ذلك على أولاده أو غيرهم صدقة محبسة ومنها ما ينقسم ومنها ما لا ينقسم ومن الشركاء من يريد القسم قال: يقسم بينهم ما انقسم، فما أصاب المتصدق منها فهو على التحبيس، وما لا ينقسم بيع، فما أصاب المتصدق من الثمن في حصته اشترى به ما يكون صدقة محبسة في مثل ما سبلها فيه المتصدق، واختلف هل يقضى عليه بذلك انتهى. وبعضه في ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: وإطلاق ابن شاس وابن الحاجب إجازته في الشائع كقولها في آخر الشفعة. قال مالك: إن حبس أحد الشريكين في دار حظه منها على رجل وولده وولد ولده فباع شريكه حظه منها فليس له ولا للمحبس عليهم أخذه بالشفعة إلا أن يأخذه بالحبس فيجعله في مثل ما جعل حظه فيه. اللخمي: إن كانت الدار تحمل القسم جاز الحبس إذ لا ضرر على شريكه بذلك إن كره البقاء على الشركة قاسم. قلت: هذا على أن القسم تمييز حق، وعلى أنه بيع يؤدي إلى بيع الحبس، إلا أن يقال الممنوع بيعه ما كان معينا لا المعروض للقسم لانه كالمأذون في بيعه من محبسه قال: وإن كان مما لا ينقسم فللشريك رد الحبس. قلت: ومثله في نوازل الشعبي. قال: وإن كان علو وسفل لرجلين فلرب العلو رد تحبيس ذي السفل لانه إن فسد منه شئ لم يجد من يصلحه ولرب السفل رد تحبيس ذي العلو للضرر متى وهي منه ما يفسد سفله والحائط كالدار فيما ينقسم وما لا ينقسم. قلت: ومثل إطلاقها في تحبيس الشريك في الدار وقع في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من الشفعة، فتكلم فيه ابن رشد بحكم الشفعة وأعرض عن حكم الحبس المشاع. ولابن سهل عن ابن زرب: اختلف أهل العلم فيمن له حصة في دار لا تنقسم فحبسها فقال بعضهم تحبيسه لا ينفذ، وأجازه بعضهم وبإجازته أقول. ثم ذكر كلام ابن الماجشون ثم قال: قلت في جواز تحبيس مشاع ربع ورثوه مشترك فيه مطلقا ووقفه على إذن شريكه فيمالا ينقسم وإلا بطل ثالثها يجوز مطلقا ويجعل ثمن الحظ المحبس مما لا ينقسم مثل ما حبسه فيه لظاهرها مع ظاهر سماع ابن القاسم ونص ابن زرب عن اللخمي والمذهب وابن حبيب مع ابن الماجشون، ويتخرج القول بالجواز في العلو والسفل انتهى. وأقوى الاقوال الثاني لجعله اللخمي المذهب. ابن عرفة المتيطي: إن أقر بعض الورثة بتحبيس ربع نفذ إقراره في حظه فقط. قلت: مثله في النوادر لعبد الملك، وظاهره نفوذه مطلقا ولو كان فيما لا ينقسم. وهذا

    [ 628 ]
    على القول بجوازه مطلقا في تحبيس المشاع واضح، وعلى وقفه على إذن شريكه فيه نظر. قال: وأشد ما على المنكر الحلف على أنه لا يعرف أن المحبس حبس عليهم. قلت: يريد إن كان ممن يظن به العلم. قال: وليس له رد اليمين لان الحبس لا يملك ملك المبيع لان مصيره للاعقاب والمرجع ولا يحلف أحد عن أحد، ولو نكل إذا ردت اليمين عليه لم يبطل الحبس عليه بنكوله، فهذه وجوه تمنع رد اليمين في الحبس. والباجي: اختلف هل على المنكر يمين ؟ فقال بعضهم: عليه اليمين. وبعضهم: لا يمين عليه. ابن زرب: نزلت في رجل حبس مالا وثبت حوزه فادعى بعض ورثته أن الحبس رجع إليه وسكن فيه حتى مات وأراد تحليف المحبس عليهم فقلت: لا يمين عليهم. وقال بعض فقهاء عصرنا: عليهم اليمين، وهو عندي خطأ انتهى. وقول ابن الحاجب والمقابر نقله ابن عرفة عن اللخمي ثم قال: يريد بالمقابر المتخذة حيث يجوز اتخاذها. سمع ابن القاسم ثم ذكر كلام السماع مختصرا. ولنأت بالسماع من أصله ونصه: وسئل عن فناء قوم كانوا يرمون فيه وفيه عرض لهم ثم إنهم غابوا عن ذلك فاتخذ مقبرة ثم جاؤوا فقالوا نريد أن نسوي هذه المقابر ونرمي على حال ما كنا نرمي فقال مالك: أما ما قدم منها فأرى ذلك لهم، وأما كل شئ جديد فلا أحب لهم درس ذلك. ابن رشد: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لارباب الدور كالاملاك المحوزة التي لاربابها تحجيرها على الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذا ضاق الطريق عنهم بالاحمال وشبهها إلا أنهم أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرمي وغيره، فمن حقهم إذا اتخذت مقبرة في مغيبهم أن يعودوا إلى الانتفاع بالرمي فيها إذا قدموا إلا أنه كره لهم درسها إذا كانت جديدة مسنمة لم تدرس ولا عفت لما في درس القبور، وروي أن رسول الله (ص) قال لان يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه. وقال إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته. وقال ابن أبي زيد: إنما يكره درسها لانها من الافنية، ولو كانت من الاملاك المحوزة لم يكره ذلك وكان لهم الانتفاع بظاهرها. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: واروا في باطنها وانتفعوا بظاهرها. قال ابن رشد: ولو كانت من الاملاك المحوزة قد دفن فيها بغير إذنهم لكان من حقهم نبشهم منها وتحويلهم إلى مقابر المسلمين، وقد فعل ذلك بقتلى أحد لما أراد معاوية إجراء العين التي إلى جانب أحد، أمر مناديا فنادى في المدينة: من كان له قتيل فليخرج إليه وينبشه وليحوله. قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا لينين انتهى. ابن عرفة: في استدلاله بفعل معاوية نظر، لان قتلى أحد ما أقبروا إلا حيث جاز إقبارهم. واستدلاله بإخراجهم يوهم كون القبر غير حبس والاقرب أنه فعله لتحصيل منفعة عامة حاجية حسبما يأتي في بيع الحبس لتوسعة جامع الخطبة. ولابن عات: سأل بعضهم: أيجوز حرث البقيع بعد أربعين سنة دون دفن فيه وأخذ ترابه للبناء ؟ قال: الحبس لا يجوز أن يتملك انتهى. ولم يظهر لي في تعقيب ابن عرفة وجلبه لهذا الكلام كبير

    [ 629 ]
    فائدة فتأمله والله أعلم. ص: (وإن بأجرة) ش: هذا خلاف قول ابن الحاجب المتقدم لا المستأجر. قال ابن عبد السفي قول ابن الحاجب المملوك. ويمكن أن يريد المؤلف بهذا القيد اشتراط ملك الرقبة وإن ملك المنفعة وحدها لا يكفي في التحبيس، ويدل على ذلك قوله إلا المستأجر فيكون مراده المملوك رقبته لا منفعته بخصوصيتها، والاحسن أن يظهر فاعل اسم المفعول فيقول المملوك رقبته ويقول لا منفعة ويبقى مطلق المنفعة المقابل للرقبة ولا يختص ذلك بمنفعة الاستئجار انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب ويصح في العقار المملوك لا المستأجر انتصارا لقول ابن شاس لا يجوز وقف الدار المستأجرة. وفي كون مراد ابن شاس إن وقف مالك منفعتها أو بائعها نظر، وفسره ابن عبد السلام في لفظ ابن الحاجب بالاول وهو بعيد لخروجه بالمملوك والاظهر الثاني. وفي نقله الحكم بإبطاله نظر، لان الحبس إعطاء منفعة دائما، وأمد الاجارة خاص بالزائد عليه يتعلق به الحبس لسلامته من المعارض، ثم في لغو حوز المستأجر للحبس فيفتقر لحوزه بعد أمد الاجارة وصحته له فيتم من حين عقده قولان مخرجان على قولي ابن القاسم وأشهب في لغو حوز المستأجر ما في إجارته لمن وهب له بعد إجارته وصحته له انتهى. والذي استظهره في كلام ابن شاس فهمه القرافي عليه ونصه. فرع: قال في الجواهر: يمنع وقف الدار المستأجرة لاستحقاق منافعها للاجارة فكأنه وقف ما لا ينتفع به، ووقف ما لا ينتفع به لا يصح انتهى. وهذا التوجيه ليس بظاهر، بل الظاهر قول ابن عرفة بصحة الحبس فتأمله والله أعلم. واستبعاد ابن عرفة حمل ابن عبد السلام قول ابن الحاجب على المعنى الاول ليس بظاهر لقوله في ترجمة الاجار في الصناعات من كتاب الاجارة من المدونة: ولا بأس أن يكري أرضه على أن تتخذ مسجدا عشر سنين، فإذا انقضت كان النقض له انتهى. ونقله المصنف في الاجارة، ولان الوقف لا يشترط فيه التأبيد إلا أن كلام ابن عرفة جار على ما قدمه في حد الوقف، وتقدم أنه يخرج من حده الحبس غير المؤبد. قال الرصاع في شرح حدود ابن عرفة: فإن قلت إذا اكترى أرضا عشر سنين ليصيرها حبسا مسجدا في تلك المدة فكيف يصدق عليها حد الشيخ يعني ابن عرفة ؟ قلت: هذه الصورة ذكروها في الحبس وقالوا لا يشترط كون المحبس مالك الرقبة بل ما هو أعم كالمنفعة، وإلى ذلك أشار خليل بقوله وإن بأجرة فيحتاج هذا إلى تأمل في دخولها. انتهى كلام الرصاع والله أعلم. ص: (ولو حيوانا) ش: تصوره واضح.

    [ 630 ]
    فرع: وأما الثياب فقال ابن عرفة: وفي الثياب طريقان اللخمي: في جوازها ومنعه قولان، لها ولنقل ابن العطار مع القاضي. الباجي: لابن القاسم في العتبية: لم أسمع من مالك في الثياب شيئا ولا بأس به وأجازه أشهب. فعلى جوازه يلزم لموافقته الشرع وكونه من العقود اللازمة، وعلى كراهته ففي جوازه ولزومه روايتان. قلت: يريد بالجواز عدم اللزوم لا أحد أحكام الاقسام الخمسة وإلا لزام كون قسيم الشئ قسما منه وهو محال انتهى. ثم قال: وقول اللخمي والمتيطي الاصل في تحبيس ما سوى الارض قوله (ص): من حبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه في ميزانه. أخرجه البخاري. وهو شنيع في فهمه إن ضبط باء حبس بالتخفيف وفي روايته إن ضبطها بالتشديد وفي مثل هذا كان بعض من لاقيناه يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول: استدلالات بعض شيوخ مذهبنا لا ينبغي ذكرها خوف اعتقاد سامعها ولا سيما من هو من غير (أهل المذهب إن حال أهل المذهب أو جلهم مثل هذا المستدل. قال: ولقد رأيت لبعض متكلمي المتقدمين ردا على المنجمين وددت أنه لم يقله لسخافته ورأيت للآمدي ردا عليهم ليس منصفا وقف عليه انتهى. قلت: كلامه رحمه الله يقتضي أن لفظ الرواية في البخاري حبس بتخفيف الباء على وزن نصر و الذي في البخاري في كتاب الجهاد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي (ص) من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا وتصديقا بوعده فكان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة انتهى. فلفظ البخاري احتبس على وزن افتعل وكذلك نقله المنذري في الترغيب والترهيب عن البخاري. ومقتضى كلام ابن عرفة رحمه الله أن حبس بالتخفيف ليس معناه أوقف وهو مخالف لما قاله القاضي عياض في المشارق ونصه في باب الجامع في قوله: وأما خالد فإنه احتبس أدراعه أي أوقفها في سبيل الله، واللغة الفصيحة أحبس. قاله الخطابي. ويقال: حبس مخففا وحبس مشددا انتهى. فدل كلام القاضي على أن حبس بالتخفيف بمعنى حبس بالتشديد وهو الوقف فصح ما قاله اللخمي والمتيطي.

    [ 631 ]
    هذا إذا كانا نقلا الحديث بلفظ حبس. وإن كانا نقلاه بلفظ احتبس كما هو في صحيح البخاري فحرفه النساخ فمعنى احتبس أو كما تقدم. كذا قال النووي وغيره، فصح ما قالاه إن الحديث المذكور أصل في تحبيس ما سوى الارض، وكذا حديث خالد كما قاله القاضي عياض في شرح مسلم، وبقي النظر فيما اقتضاه كلامه من أن الرواية حبس فإنه خلاف ما في صحيح البخاري والله أعلم. ص: (كعبد على مرضى) ش: انظر المتيطي ص: (وفي وقف كطعام تردد) ش: أتى بالكاف لتدخل المثليات. ويشير بالتردد لما ذكره في الجواهر من منع وقف الطعام إن حمل كلامه على ظاهره. وما ذكره في البيان أن وقف الدنانير والدراهم، وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه مكروه. تنبيه: قال في الشرح الكبير: في هذا التردد نظر، لانك إن فرضت المسألة فيما إذا قصد بوقف الطعام ونحوه بقاء عينه فليس إلا المنع لانه تحجير من غير منفعة تعود على أحد، وذلك مما يؤدي إلى فساد الطعام المؤدي إلى إضاعة المال. وإن كان على معنى أنه أوقفه للسلف إن احتاج إليه محتاج ثم يرد عوضه، فقد علمت أن مذهب المدونة وغيرها الجواز، والقول بالكراهة ضعيف. وأضعف منه قول ابن شاس إن حمل على ظاهره والله أعلم انتهى. قال في التوضيح: ولعل مراد المصنف يعني ابن الحاجب وابن شاس أنه لا يصح وقفه بشرط بقاء عينه انتهى. وقال في الشامل: وفيها جواز وقف الدنانير والدراهم وحمل عليه الطعام، وقيل يكره انتهى ص: (على أهل للتملك) ش: هذا الضابط ليس بشامل لخروج نحو المسجد والقنطرة منه،

    [ 632 ]
    والصواب ما قاله ابن عرفة المحبس عليه ما جاز صرفه منفعة الحبس له أو فيه وإن كان معينا يصح رده اعتبر قبوله ابن شاس: لا يشترط في صحة الموقوف عليه قبوله إلا أن يكون معينا أهلا للرد والقبول، وفي كون قبوله شرطا في اختصاصه به أو في أصل الوقف خلاف انتهى. ص: (كمن سيولد له) ش: تصوره واضح. ولا معارضة بينه وبين قوله بعد هذا: كعلى ولدي ولا ولد له في كونه جعل له بيعه لانه هنا تكلم على صحة الوقف وهناك على لزومه وهما متغايران. قال ابن عرفة المتيطي: المشهور المعمول عليه صحته على الحمل. ابن الهندي: زعم بعضهم أنه لا يجوز على الحمل والروايات واضحة بصحته على ما سيولد له وبها احتج الجمهور على الحمل. وفي لزومه بعقده على من يولد قبل ولادته قولا ابن القاسم ومالك لنقل الشيخ: روى محمد بن المواز وابن عبدوس لمن حبس على ولده ولا ولد له بيع ما حبسه ما لم يولد له، ومنعه ابن القاسم قائلا: لو جاز لجاز بعد وجود الولد وموته. قلت: يرد بأنه لما لزم بوجوده استمر ثبوته لوجود متعلقه وقبله لا وجود لمتعلقه حكما. والاولى احتجاج غيره بأنه حبس قد صار على مجهول من يأتي فصار موقوفا أبدا ومرجعه لاولى الناس بالمحبس ولهم فيه متكلم انتهى. وهو قريب من قول ابن الماجشون. قال ابن الحاحب: ولو قال: على أولادي ولا ولد له ففي جواز بيعه قبل إياسه قولان. ابن الماجشون: يحكم بحبسه ويخرج إلى يد ثقة ليصح الحوز وتوقف ثمرته، فإن ولد له فلهم وإلا فلا قرب الناس إليه. قال في التوضيح: قول ابن الماجشون ثالث يرى أن الحبس قد تم وإن لم يولد له رجع إلى أقرب الناس بالمحبس. وقوله: فإن ولد له فلهم أي الحبس والثمرة وإذا بقي وقفا عليهم رد إليه لانه يصح حوزه لولده. قاله الباجي انتهى. ومن التوضيح عن ابن القاسم قال: وإن مات قبل أن يولد له صار ميراثا انتهى. مسألة: سئلت عنها وهي رجل قال في كتاب وقفه أوقف كاتبه الدار الفلانية على ولده فلان ثم بعده على أولاده الثلاثة فلان وفلان وفلان وعلى من يحدثه الله له من الاولاد، هل الضمير في قوله: له يرجع إلى الواقف أو إلى الولد ؟ فأجبت: إن الظاهر عوده على الولد لانه الاقرب وهو الذي يدل عليه السياق. فقال السائل: إن الواقف قال في وصيته إني أوقفت الدار على ولدي فلان وعلى من يحدثه الله لي

    [ 633 ]
    من الاولاد فبين مرجع الضمير. فأجبت بأنه يقبل قوله فإن ابن رشد قال في أجوبته: يجب أن يتبع قول المحبس في وجوه تحبيسه، فما كان من نص جلي لو كان حيا فقال إنه أراد ما يخالفه لم يلتفت إلى قوله ووجب أن يحكم به ولا يخالف حده فيه إلا أن يمنع منه مانع من جهة الشرع، وما كان من كلام محتمل لوجهين فأكثر حمل على أظهر محتملاته إلا أن يعارض أظهرهما أصل فيحمل على الاظهر من باقيها إذا كان المحبس قد مات ففات أن يسأل عما أراد بقوله من محتملاته، فيصدق فيه إذ هو أعرف بما أرادوا حق ببيانه من غيره انتهى. فعلم منه إذا كان حيا وفسر اللفظ بأحد احتمالاته قبل تفسيره ولو كان خلاف الظاهر ولا يقبل قوله في الصريح إذا ادعى أنه أراد خلاف معناه والله أعلم. ثم رأيت في مسائل الحبس من البرزلي: إذا قال حبس على فلان وكل ولد يحدثه الله له فقط، فالضمير عائد على الابن المحبس عليه لدلالة اللفظ عليه لان الضمير يعود على الاقرب انتهى. فرع: قريب من هذا المعنى: قال القرافي في الذخيرة في باب الحبس من كتاب الدعوى: فرع: وقع فيه النزاع بين فقهاء العصر وهو بعيد ينبغي الوقوف عليه وهو: إذا قال الواقف فمن مات منهم فنصيبه لاهل طبقته وقد تقدم قبل هذا الشرط ذكر الواقف فبقي الضمير دائرا بين طبقة الواقف والموقوف عليه، فينبغي تعيين المقصود في الكتابة. وإذا نص على طبقة الموقوف عليه فيميز بين الاخ وابن العم مع ابن عمه الجميع أولاد عم وهو مع أخيه الكل إخوة فكلا الجهتين طبقة واحدة، فينبغي أن يبين ذلك فيقول من إخوته أو يقول الاقرب فالاقرب فيتعين الاخ، فإنه وإن كان في الطبقة وابن العم كذلك إلا أن الاخ أقرب. فإن قال الاقرب فالاقرب فأفتوا بالتسوية في الشقيق والاخ للاب، فإن حجب الشقيق له ليس بالقرب بل بالقرعة، فإن قال طبقته وسكت فأفتى بعضهم بالاخ دون ابن العم قال: لانه حمل اللفظ على أتم مراده. وبعض الفقهاء يتوهم أنه إذا قيل في طبقته فلا احتمال فيه وليس كما قال لما بينت لك انتهى. وقوله: فلا احتمال فيه أنه إذا قيل في طبقته فإنما يدخل الاخوة فقط دون بني عم العم من غير احتمال. فحاصله أنه إذا قيل رجع نصيبه لمن في طبقته ولم يزد على ذلك إنما يتنزل منزلته إخوته فقط دون بني عم، إما أصالة كما قال بعضهم، أو يحمل اللفظ على أتم

    [ 634 ]
    مراده كما قاله القرافي والله أعلم وهو فرع حسن. ص: (وذمي) ش: ابن عرفة: تبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله: يجوز الوقف على الذمي وقبله ابن عبد السلام ولا أعرف فيها نصا للمتقدمين، والاظهر جريها على حكم الوصية انتهى. وقال المواق في نوازل ابن الحاج: من حبس على مساكين اليهود والنصارى جاز لقوله تعالى: * (ويطعمون الطعام) * [ الانسان: 8 ] ونقله ابن غازي في قول المصنف: وأقاربه أقارب جهتيه وإن نصارى ص: (وبطل على معصية) ش: وانظر الوقف على المكروه، والظاهر أنه إن كان مختلفا فيه فإنه يمضي، وإن اتفق على كراهته فلا يصرف في تلك الجهة ويتوقف في بطلانه أو صرفه إلى جهة قربة. وكذا قال الشيخ أبو عبد الله ابن الحاج في المدخل في فصل الاذان جماعة بعد أن قرر أن الاذان جماعة على صوت واحد مكروه قال: وفعلهم ذلك لا يخلو إما أن يكون لاجل الثواب فالثواب لا

    [ 635 ]
    يكون إلا بالاتباع، أو لاهل الجامكية والجامكية لا تصرف في بدعة كما أنه يكره الوقف عليها ابتداء انتهى. ص: (وكافر لكمسجد) ش: قال في الاكمال في كتاب الصلاة لما تكلم على بناء مسجده (ص) قال المازري: أما نبش القبول وإزالة الموتى فيمكن أن يقال لعله أن أصحاب الحائط لم يملكوهم تلك البقعة على التأبيد أو لعله تحبيس وقع منهم في حال الكفر والكافر لا تلزمه القربة كما قالوا إذا أعتق عبدا وهما كافران أن له أن يرده في الرق قبل إسلامهما ما لم يخرج من بلده ولم يقر أن أيدي أصحاب الحوائط زالت عن القبور لاجل من دفن فيها. قال عياض: لا يشترط في تحبيس أهل الكفر بقاء أيديهم أو زوالها إذ القربة لا تصح منهم وعقودهم فيها غير لازمة، فلهم عند أشياخنا - بلا خلاف - الرجوع في أحباسهم ومنعها والتصرف فيها كيف شاؤا، ويفترق من العتق الذي شرط في إمضائه شيوخنا خروجه من يده إذ صار ذلك حقا للمعتق برفع يده عنه وتسريحه إياه وتمليكه نفسه فأشبه عقود هباتهم وأعطيتهم اللازمة انتهى. ص: (وعلى بنيه دوبناته) ش: أما إذا لم يجعل لهم نصيبا فظاهر. وإذا شرط إخراجهن إذا تزوجن فصرح في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس بأن ذلك من إخراج البنات من الحبس وأنه يبطل. وانظر لو حبس على البنات دون البنين، وظاهر كلام المتيطي أنه صحيح فإنه لما ذكر صفة ما يكتب في اشتراط المحبس أن يكون الحبس لبنيه دون بناته عقبه بالخلاف في صحة ذلك، ثم ذكر بعده صفة ما يكتب في اشتراط المحبس أن يكون الحبس لبناته دون بنيه ولم يذكر فيه خلافا فدل كلامه على أنه جائز والله أعلم. وهو أيضا ظاهر كلام مالك في العتبية وكلام ابن رشد عليها ونص كلام مالك في آخر الرسم الاول من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، وهي آخر مسألة منه: سئل مالك عن رجل تصدق على بناته حبسا فإذا انقرض بناته فهي لذكور ولده وهو صحيح مبتل ذلك لهذا فيكون للاناث حتى يهلكن جميعهم وللرجل يوم هلكن كلهن ولد وولد ولد ذكور، فقال ولد الولد نحن من ولده ندخل في صدقة جدنا، وقال ولده لصلبه نحن آثر وأولى. فقال مالك: أرى أن يدخل معهم ولد الولد. قال ابن رشد: قوله: أنه يدخل ولد الولد بقوله: فهي لذكور ولده صحيح على المشهور في المذهب لان ولد الولد الذكر بمنزلة الولد إذا لم يكن ولد في الميراث،

    [ 636 ]
    فلما كان له حكم الولد في الميراث وجب أن يدخل في الحبس. وكذلك يدخل مع بناته لصلبه إذا تصدق على بناته بصدقة حبس بنات بنيه الذكور لان بنت الابن بمنزلة الابن في الميراث إذا لم يكن ابن ولا ابنة، فلا شئ لذكور ولد المحبس في هذه المسألة حتى تنقرض بناته وبنات بنيه الذكور انتهى. فقول ابن رشد: فلا شئ لذكور ولد المحبس إلى آخره مع جواب مالك عما سئل عنه من دخول ولد الولد مع الاولاد وعدم تعرضه للحكم في تخصيص البنات دون البنين، يدل على جواز ذلك ولو لم يكن ذلك جائزا لما سكت عنه فتأمله والله أعلم ص: (أو عاد لسكني منزله قبل عام) ش: وأما إن عاد إلى السكنى بعد عام فلا يبطل، وهذا في حق من يحوز لنفسه، وأما من يحوز له الواقف فإنه إن عاد إلى السكنى بطل الحبس والهبة.

    [ 637 ]
    انظر التوضيح وابن عرفة في كتاب الهبة، وانظر كلام الشيخ زروق في شرح الرسالة فإن لم يدع سكناه حتى مات بطلت. ص: (أو على أن النظر له) ش: هذا إذا لم يكن على صغار ولده أو من في حجره، وأما من كان كذلك فهو الذي يتولى حيازة وقفهم والنظر لهم كما صرح به في المدونة وغيرها والله أعلم. مسألة: سئلت عن رجل أوقف وقفا وشرط النظر لنفسه مدة حياته وحكم بصحة الوقف قاض مالكي، فانتقل القاضي المذكور والواقف بالوفاة بعد مدة فدعت زوجة الواقف أولاده إلى قاض مالكي آخر في ميراثها من الارض الموقوفة فأظهروا كتاب الوقف فأبطله وحكم لها بإرثها، فهل يصح نقض الثاني أم لا ؟ فأجبت: حكم القاضي الاول بصحة الواقف مخالف لمذهب إمامه وقد أخطأ في ذلك، ولكن لا يجوز لغيره أن ينقضه إذا كان ذلك القاضي الاول ممن تنفذ أحكامه بأن يكون غير معروف بالجور وأنه يتعمد الامور الباطنة أو بأنه يحكم بالجهل من غير مشاورة العلماء، فإن كان كذلك فحكمه باطل على كل حال، وكذلك الثاني إن كان معروفا بالجور أو بأنه يحكم بالجهل من غير مشاورة العلماء فأحكامه أيضا باطلة والله سبحانه أعلم. ص: (أو لم يحزه كبير ولو سفيها) ش: أشار بقوله: سفيها. إلى أن حيازة السفيه لما أوقف عليه جائزة على القول الراجح. وفي وثائق الباجي: إنها لا تصح. وظاهر كلام المصنف أن حيازة السفيه لما وقف عليه مطلوبة ابتداء وليس كذلك، بل الحائز له ابتداء وليه أو وصيه أو من يقدمه القاضي له، وإنما الخلاف إذا حاز لنفسه هل يصح حوزه أم لا. فالقول الراجح وهو الذي مشى عليه المصنف أن حيازته لما وقف عليه جائزة والذي في وثائق الباجي أنها لا تصح. قاله ابن رشد ونقله في التوضيح ونقله الشارح. والخلاف في صحة حيازة السفيه وعدم صحتها إنما هو إذا كان له ولي. قال في الشامل: فإن لم يكن له ولي جازت حيازته اتفاقا انتهى. وقاله ابن راشد ونقله في التوضيح. وأما حيازة وليه له فجائزة بلا خلاف بل هو المطلوب ابتداء. ولا يقال ظاهر كلام المؤلف أن الموقوف عليه إذا كان كبيرا سفيها فلا تكفي حيازة المولى له ولا بد من حوزه لما تقدم من أن الحائز له ابتداء إنما هو وليه، ويفهم ذلك من قول المصنف بعد إلا لمحجوره ص: (أو ولي صغير) ش: أشار به إلى أن الحكم ابتداء في الصغير أن الحائز له وليه ولو حاز لنفسه لصح حوزه كالسفيه فحكم

    [ 638 ]
    الصغير كالسفيه. قال في كتاب الطرر: ومن تصدق على صغير من أب أو غيره ثم أسلم الصدقة إلى ذلك الصغير وحاز ها في صحة المتصدق بها فإنها حيازة تامة وإن كان الحائز صغيرا وتنفذ الصدقة إلا أنه يكره ابتداء أن يحوز الصغير فإن وقع نفذ. تنبيهان: الاول: حكم الهبة حكم الوقف. نقله ابن عرفة في كتاب الهبة وحكى القولين والله أعلم. الثاني: قال في الشامل: وصح أي الحوز بوكالة من المحبس عليه وإن بحضوره، وإن قدم الواقف من يحوز له جاز، وفي الهبة والصدقة يجوز للغائب فقط ص: (قبل فلسه وموته ومرضه) ش: دخل في المرض الجنون. قال في المتيطية: قال ابن القاسم في العتبية: وكذلك إن فقد عقله قبل أن تحاز عنه الصدقة بطلت، يريد إلا أن يرجع إليه عقله قبل أن تحاز الصدقة عنه أو يصح من مرضه قبل أن يفوت فتنفذ الصدقة وتؤخذ منه انتهى ص: (إلا لمحجوره) ش: قال

    [ 639 ]
    في الشامل: وفي حوز الحاضن ثالثها إن كان أما أو جدة صح، ورابعها إن كان غير جدة وأخ وإلا فلا. وامنصوص ليس بحوز مطلقا، فلو شهدت بينة أن الاب صرف الغلة في مصالح نفسه فالمشهور البطلان والله أعلم ص: (أو على وارث بمرض موت) ش: قال ابن الحاجب: وإن شرك فما خص الوارث فميراث ويرجع بعد موت الوارث إلى مرجعه. قال في التوضيح: يعني فإن شرك المريض الوارث في الوقف مع غيره فذلك لا يوجب صحة الوقف مطلقا، وإنما يصح منه ما للاجنبي وما خص الوارث ميراث على جهة الملكية إن لم يكن معقبا، وإن كان معقبا رجع النصيب الموقوف بين جميع الورثة ولا يبطل الوقف بسبب ما فيه من التعقيب

    [ 640 ]
    ويبقى بيد جميع الورثة على حكم الارث ما دام المحبس عليه موجودا، فإذا انقرض المحبس عليه رجع إلى مرجعه انتهى. وانظر ابن عرفة في آخر كلامه على مسألة ولد الاعيان ص: (بحبست ووقفت أو تصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع أو لمجهول وإن حصر) ش: هذا هو الركن

    [ 641 ]
    الرابع وهو الصيغة. قال ابن الحاجب: أو ما يقوم مقامها. ثم بين ما يقوم مقامها بقوله: ولو أن في الصلاة مطلقا ولم يخص شخصا ولا زمانا فكالصريح انتهى. وقوله: فلو أذن في الصلاة مطلقا أي أذانا مطلقا أو في الصلاة مطلقا ولم يخص به فرضا ولا نفلا. وقال في المسائل الملقوطة: ولو بنى مسجدا وأذن في الصلاة فيه فذلك كالصريح لانه وقف وإن لم يخص زمانا ولا شخصا ولا قيد الصلاة فيه بفرض ولا نفل فلا يحتاج إلى شئ من ذلك ويحكم بوقفيته انتهى. وذكره والده في الباب السبعين من تبصرته ثم ذكر اللفظ ثم قال: ولفظ وقفت يفيد التأبيد. وقال ابن عبد السلام: يعني أنها أصرح ألفاظ الفصل ولانها دالة على التأبيد بغير ضميمة. وعزاه في التوضيح لعبد الوهاب وغيره من العراقيين قال: وقال صاحب المقدمات وان زرقون: لفظ الوقف والحبس سواء ويدخل في لفظ وقفت من الخلاف ما يدخل في حبست انتهى. وهذا الثاني هو الذي مشى عليه المصنف خلافا لابن الحاجب لانه قدم لفظ الحبس على لفظ الوقف، ولا بد أن يكون الشرط راجعا إلى الالفاظ الثلاثة. ثم قال ابن الحاجب: وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل على التأبيد من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد وإلا فروايتان. قال ابن عبد السلام: يعني أن لفظتي حبست وتصدقت لا يدلان على التأبيد بمجردهما بل لا بد مع ذلك من ضميمة قيد في كلام كقوله حبس لا يباع ولا يوهب وشبه ذلك من الالفاظ، أو الجمع بين اللفظتين معا كما وقع في بعض الروايات إذا قال حبسا صدقة أو ذكر لفظ التأبيد أو ضميمة جهة في الحبس لا تنقطع، ومراده عدم انحصار من يصرف إليه الحبس بأشخاص معينين كقوله: حبس على المساكين أو على المجاهدين أو طلبة العلم فإن انعدمت هذه القيود والجهات وشبهها ففي التأبيد حينئذ روايتان، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يختلف في التأبيد إذا وجدت هذه القيود أو الجهات وذلك قريب مما قال في المدونة إذا قال حبس صدقة أو حبس لا يباع ولا يوهب. أن قول مالك لم يختلف في هذا أنه صدقة محرمة ترجع بمراجع الاحباس ولا ترجع إلى المحبس ملكا. ومع ذلك فابن عبد الحكم حكى عن مالك أنها ترجع إليه ملكا بعد موت المحبس عليه وإن قال حبس صدقة. وكذا قال ابن وهب إنها ترجع ملكا إذا حبس على معينين، ولو قال لا يباع ولا يوهب. نعم يعز وجود الخلاف بل ينتفي إذا اقترن به شئ من الجهات غير المحصورة، والمرجع في ذلك كله إلى مدلول العرف انتهى. والذي يتحصل من كلامه في التوضيح أن الراجح من المذهب إن وقفت وحبست يفيدان التأبيد سواء أطلقا أو قيدا بجهة لا تنحصر أو على معينين أو غير ذلك إلا في الصورة الآتية وهي ما إذا قال وقف أو حبس على فلان المعين حياته أو على جماعة معينين حياتهم وقيد ذلك بقوله: حياتهم فإنه يرجع بعد موتهم ملكا للواقف إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا. وكذلك إذا ضرب لذلك أجلا فقال حبس عشر سنين أو خمسا أو نحو ذلك كما نص عليه اللخمي والمتيطي قالا: ولا خلاف في هذين الوجهين أي إذا ضرب للوقف أجلا أو قيده بحياة شخص. وأما لفظ الصدقة

    [ 642 ]
    فلا يفيد التأبيد إلا إذا قارنه قيد كقوله: لا يباع ولا يوهب أو جهة لا تنقطع كصدقة على الفقراء والمساكين وطلبة العلم والمجاهدين يسكنونها أو يستغلونها أو على مجهول ولو كان محصورا كعلى فلان وعقبه، وغير المحصور كعلى أهل المدرسة الفلانية أو الرباط الفلاني، فإن تجرد عن ذلك فلا يفيد الوقف، فإن كان على معين كقوله صدقة على فلان فهي له ملك، وإن كان لغير معين كالفقراء فالناظر يصرف ثمنها باجتهاده على المساكين يوم الحكم ولا يلزم التعميم. قال في المقدمات: وللتحبيس ثلاثة ألفاظ: حبس ووقف وصدقة. ثم قال: وأما الصدقة فإن تصدق بذلك على معينين ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار صدقة على فلان فهذا لا اختلاف فيه أنها لفلان ملك يبيعها ويهبها وتورث عنه. وإن تصدق بها على غير معينين ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار صدقة على المساكين أو في السبيل أو على بني زهرة أو بني تميم، فإنها تباع ويتصدق على المساكين على قدر الاجتهاد إلا أن يقول صدقة على المساكين يسكنونها أو يستغلونها فتكون حبسا على المساكين للسكنى والاغتلال ولا تباع، وإن تصدق بذلك على غير معينين إلا أنهم محصورون مثل أن يقول داري صدقة على فلان وعقبه، هل ترجع بعد انقراض العقب مرجع الاحباس على أقرب الناس بالمحبس أو تكون لآخر العقب ملكا مطلقا على قولين. روى أشهب عن مالك أنها تكون لآخر العقب ملكا مطلقا، وحكى ابن عبدوس أنها ترجع مرجع الاحباس وهو قول مالك وبعض رجاله في المدونة. وقد قيل في المسألة قول ثالث: إن ذلك إعمار وترجع بعد انقراض العقب إلى المصدق ملكا انتهى. فائدة: قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات: قولهم: لو اختلط عدد محصور بعدد محصور أو بغير محصور هذا اللفظ مما يتكرر في كتب الفقه وقل من يبين حقيقة الفرق بينهما، وقد نقلت في الروضة في آخر كتاب الصيد كلام الغزالي فيه. قال الامام الغزالي: إن قلت كل عدد فهو محصور في علم الله، ولو أراد إنسان حصر أهل البلد لقدر عليه إن تمكن منهم. فاعلم أن تحرير أمثال هذه الامور غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب فنقول: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عدده بمجرد النظر كالالف ونحوه فهو غير محصور، وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن، وما وقع الشك فيه استفتي فيه القلب. هذا كلام الغزالي انتهى كلام النووي. فرع: قال في التمهيد: قال مالك: إذا أعطي فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه، وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده. وذكر ابن القاسم عن مالك: قال: قال مالك: من حمل على فرس في سبيل الله فلا أرى له أن ينتفع من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقول له شأنك به فافعل به ما أردت، فإن قيل له ذلك فأراه مالا من ماله يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل به في ماله. قال: وكذلك لو أعطي ذهبا أو ورقا في سبيل الله. ومذهب مالك فيمن أعطي مالا ينفقه في سبيل الله أنه ينفقه في الغزو، فإن فضلت منه فضلة بعد ما مر غزوه لم

    [ 643 ]
    يأخذها لنفسه وأعطاها في سبيل الله أوردها إلى صاحبها. انتهى من شرح الحديث السادس عشر لنافع عن ابن عمر. وقال ابن يونس: وما جعل في سبيل الله من العلف والطعام لا يأخذ منه إلا أهل الحاجة، وما جعل في المسجد من الماء فليشرب منه كل أحد لان القصد منه عموم الناس ولا مهانة فيه انتهى. قال في المسائل الملقوطة: مسألة: فإن قيل: ما تقولون في كتب العلم توجد على ظهورها وهوامشها كتابة الوقف. هل للحاكم أن يحكم بكونها وقفا بذلك ؟ قيل: هذا يختلف باختلاف قرائن الاحوال فإن رأينا كتبا مودوعة في خزانة في مدرسة وعليها كتابة الوقف وقد مضى عليها مدة طويلة كذلك وقد اشتهرت بذلك لم يشك في كونها وقفا وحكمها حكم المدرسة في الوقفية، فإن انقطعت كتبها أو فقدت ثم وجدت وعليها تلك الوقفية وشهرة كتب المدرسة في الوقفية معلومة فيكفي في ذلك الاستفاضة ويثبت مصرفه بالاستفاضة. وأما إذا رأينا كتبا لا نعلم مقرها ولا نعلم من كتب عليها الوقفية فهذه يجب الوقف في أمرها حتى يتبين حالها، وهو عيب يثبت للمشتري به الرد، فإذا تقرر هذا فينبغي الاعتماد على ما يوجد على أبواب الربط والمدارس والاحجار المكتوبة عليها الوقفية وتخليص شروطها إذا كانت تلك الاحجار قديمة واشتهر ذلك، ويقبل قول المتولي لذلك الوقف في مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف. انتهى من التبصرة. انتهى كلام المسائل الملقوطة. وقاله البرزلي وابن فرحون في تبصرته والله أعلم. ص: (ورجع إن انقطع لاقرب فقراء عصبة المحبس) ش: فإن كان أهل المرجع أغنياء فقيل يرجع إلى أولى الناس بهم، وقيل يرجع إلى الفقراء والمساكين. انتهى من وثائق الجزيري. وقال في التوضيح: ما يقتضي أن المشهور أنه

    [ 644 ]
    يرجع إلى الفقراء والله أعلم. ص: (وعلى اثنين وبعدهما على الفقراء نصيب من مات لهم) ش: انظر القاضي عبد الوهاب والفاكهاني في شرح قول الرسالة: ومن مات من أهل الحبس رجع نصيبه على من بقي. انظر كلام ابن بطال في مقنعه وأظنه في النوادر، وقد نقلت بعضه في الهبة في الكلام على العمرى، ومن هذا الباب مسألتان سئلت عنهما. إحداهما في أمرة أوقفت دارا لها على ولدها عمر وعلى ذريته من بعده ثم على

    [ 645 ]
    أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا، والطبقة العلى اتحجب الطبقة السفلى. فتوفيت الواقفة وتسلم الوقف ولدها عمر المذكور، ثم مات عن ذكر وثلاث بنات، ثم توفي من البنات اثنتان كل واحدة عن أولاد فهل لاولادهم حصة مع وجود خالهم وخالتهم أم لا ؟ فأجبت: لاولاد كل ميتة حصة والدتهم وليس لخالهم ولا لخالتهم في ذلك شئ، ولا يمنع من ذلك قول الواقف الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى حسبما ذكر ابن رشد في أثناء شرح المسألة السادسة من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في مسألة من حبس على أولاده ثم على أولادهم من بعدهم أن من مات منهم فحظه لولده دون إخوته وأطال في ذلك، وذكر أن غيره من أهل زمانه خالفه في ذلك، ثم رد عليه وقال في آخر الرد خطأ صراح. وذكر ابن عرفة كلامه في ذلك قبل الكلام على تحقيق لفظ المحبس عليه في مسألة الوقف على زيد وعمرو ثم على الفقراء. وذكر ابن رشد المسألة أيضا في نوازله ونقلها عنه البرزلي أيضا في مسائل الحبس. وهذا الذي يؤخذ من قول الشيخ خليل: وعلى اثنين وبعدهما على الفقراء نصيب من مات منهم. وأفتى بذلك الشيخ شمس الدين اللقاني وغيره في هذه اللفظة أعني قوله: الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى وأن معناها أن الفروع لا تدخل مع أصولهم ولا يشاركونهم، وأن الولد يستحق ما كان لابيه معتمدين على ما تقدم لابن رشد من مسألة الشيخ خليل هذه والله أعلم. وأما إذا قال: وأولادهم فيدخل أولاد الاولاد مع الاولاد كما صرح به في مسائل الحبس من أحكام ابن سهل في مسألة قطيع حبس من جنة وفي غيره والله أعلم. والمسألة الثانية: شخص أوقف ماله الفلاني على من سيولد له من ظهره من الاولاد ذكرا كان أو أنثى، وعلى أولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده، أبدا ما تناسلوا وتعاقبوا بطنا بعد بطن وعقبا بعد عقب، يدخل في ذلك الابناء مع الآباء عد أولاد البنات من بنيه وبنات بنيه ومن

    [ 646 ]
    أسفل منهم فليس لهم دخول في ذلك وقفا صحيحا على من سيولد من ظهره وعلى من ذكر بعدهم يدخل في ذلك الابناء مع الآباء، فهل قوله بطنا بعد بطن يمنع الطبقة السفلى من الدخول مع الطبقة العليا أم لا ؟ فإن قلتم يمنع، فما معنى قوله يدخل الابناء مع الآباء ؟ وإن قلتم لا يمنع، فهل يقيد دخول الابناء بوجود الآباء بحيث إن من مات أبوه ها يدخل لان دخوله كان مقيدا بوجود أبيه ؟ فأجبت: لا أعلم هذه المسألة بخصوصها منصوصة أعني إذا قال الواقف بطنا بعد بطن ثم قال ويدخل الابناء مع الآباء. والذي يظهر أن ذلك لا يمنع مق دخول الابناء مع الآباء، وكلام الواقف يدل على دخولهم مع آبائهم في موضعين: الاول منهما أنه عطف الابناء على الآباء بالواو وهي مقتضية لدخولهم معهم كما جزم بذلك علماؤنا. والثاني: وهو أقواهما تصريحهم بدخولهم مع الآباء مرتين. وأما قوله بطنا بعد بطن وعقبا بعد عقب فالظاهر أنه إنما أراد به التنصيص على تأكيد استمرار الوقف وتأبيده على الوجه الذي ذكره على جميع البطون والاعقاب. وإذا ظهر دخولهم في الوقف مع آبائهم فدخول من مات أبوه في الوقف بعد موت أبيه أحرى وأولى، ولا يمنع من ذلك قول الواقف يدخل في ذلك الابناء مع الآباء لان ذلك من باب مفهوم الموافقة الذي يكون فيه المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق وهو المسمى بفحوى الخطاب، لان من المعلوم أن الناس يقصدون أن يكون ما كان لكل واحد من أولادهم لاولاده بعد موته، فإذا صرح الواقف بدخولهم مع أبيهم في حياته فدخولهم بعد موته أولى وأحرى. وأيضا فقد صرح علماؤنا فيما إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم ثم أولاد أولادهم بأن الابناء لا يدخلون مع آبائهم قالوا: فإذا مات ولد من أولاده وله أولاد فإن أولاده ويستحقون ما كان لابيهم ويدخلون في الوقف مع وجود أعمامهم، ولا يقال إن أولاد الاولاد لا يدخلون في الوقف إلا بعد انقراض جميع الاولاد. هذا هو الصحيح المعمول به. وأفتى شيوخنا المتأخرون الذين أدركناهم من أهل مصر وغيرهم بأن قول الواقف الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى إنما يمنع من دخول الولد مع أبيه لا من دخوله مع أعمامه ومن في طبقة أبيه، فإذا صرح الواقف بدخول الاولاد مع آبائهم فلا يشك في دخولهم بعد موته والله سبحانه وتعالى أعلم. ومن هذا المعنى مسألة راسلني بها شيخنا العلامة أحمد بن عبد الغفار من المدينة ونصه: وقعت لنا مسألة بالمدينة وهي شخص وقف على أولاده وأولادهم وشرط أن الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى ثم قال: على أن من مات وله ولد انتقل نصيبه لولده، فإن لم يكن له ولد فنصيبه لمن هو في طبقته من أهل الوقف. فمات شخص من طبقته عن غير ولد وثم شخص في طبقته إلا أن أبا هذا الشخص موجود وهو محجوب به ليس له في الوقف استحقاق، فهل يكون نصيب هذا الميت لهذا المحجوب بأبيه عملا بقول الواقف لمن هو في طبقته من أهل الوقف لانه من أهل الطبقة ومن أهل الوقف في الجملة لانه من أولاد الواقف ولا يعارضه قول الواقف تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى لان معناه أن كل واحد من

    [ 647 ]
    الطبقة يحجب فروعه لا فروع غيره، أو لا يستحق شيئا لانه ليس من أهل الوقف الآن إلا بالقوة لا بالفعل، والظاهر من قول الواقف من أهل الوقف إنما هو من كان مستحقا بالفعل الاحتمال الاول هو الذي ظهر لي ولم أجزم في المسألة بشئ فاكتب لي ما عندك فيها نقلا أو بحثا. انتهى كلامه والله أعلم. ص: (وفي كقنطرة لم يرج عودها في مثلها) ش: قال البرزلي في أوائل مسائل الحبس: وإن جعله على وجه معين غير محصور كقوله حبس في السبيل أو في وقيد مسجد أو إصلاح قنطرة كذا، فحكمه حكم المبهم المتقدم ذكره ويوقف على التأبيد، فإن

    [ 648 ]
    تعذر ذلك الوجه لخلاء البلد أو فساد موضع القنطرة حتى لا يمكن بناؤها وقف إن طمع بصرفه إليه أو صرفه في مثله. قلت: وقعت بتونس حبس الامير أبو الحسن كتبا لمدرسة ابتدأها بالقيروان وأخرى بتونس وجعل مقرها بيتا بجامع الزيتونة، فلما أيس من تمامها قسمت الكتب على مدارس تونس انتهى. ص: (ولا يشترط التنجيز) ش: ويصير كالمعتق إلى أجل لان المعتق إلى أجل لا يضره استحداث سيده دينا قبل الاجل وذلك يضر عند التحبيس. قاله ابن عبد السلام. قال ابن عرفة: ما قاله ابن عبد السلام ظاهر إن لم يحز عنه، وإن حيز عنه فإن له منفعته في الاجل لغيره لم يضره حدوث الدين، وإن أبقاها لنفسه بطل بحدوث الدين على

    [ 649 ]
    المشهور في لغو حوز المستأجر لغيره وعلى إعماله لا يبطل به. انتهى ص: (واتبع شرطه إن جاز لتخصيص مذهب) ش: مفهوم قوله إن جاز أنه إن شرط ما لا يجوز لا يتبع، وهذا والله أعلم إذا شرط شيئا متفقا على منعه وإلا فقد نص في النوادر والمتيطية وغيرهما أنه إذا شرط في وقفه إن وجد فيه ثمن رغبة بيع واشترى غيره أنه لا يجوز له ذلك، فإن وقع ونزل مضى وعمل بشرطه. قال في النوادر في ترجمة الرجوع في الحبس وهل يباع: قال ابن الماجشون: لا أرى أن يستثنى في الدار أن يقول إذا وجد في الدار ثمنا رغيبا فلتبع ويشترط بثمنها دارا، وكذلك الاصول فإن استثناه في حبسه جاز ومضى انتهى. وقال في المتيطية في ترجمة ما جاء في مراجع الاحباس: قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ في الواضحة: ولا

    [ 650 ]
    يجوز أن يستثنى من الحبس في الرباع إن وجد ثمنا رغيبا فقد أذنت في بيع ذلك وأن يبتاع بثمن ذلك ربعا مثله لان هذا لا يقع فيه من الحاجة إلى بيع ذلك والعذر في تغييره ما وقع في البيع عند الحاجة، وإن استثناه مستثن جاز ومضى. انتهى ونقله ابن سلمون أيضا. ومن ذلك اشتراط إخراج البنات من الوقف إذا تزوجن، وحصل ابن رشد فيها بعد الوقوع والنزول أربعة أقوال، ولنذكر كلام العتبية وكلامه برمته لما فيه من الفوائد. قال في العتبية في أثناء الرسم الاول من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس: قال مالك: من حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج البنات منه إذا تزوجن فإني لا أرى ذلك جائزا له. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: أترى أن يبطل ذلك ويسجل الحبس ؟ قال: نعم وذلك وجه الشأن فيه. قال ابن القاسم: ولكن إذا فات ذلك فهو على ما حبس. قال ابن القاسم: إن كان المحبس حيا ولم يحز الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الاناث، وإن كان قد حيزا ومات فهو كفوت ويكون على ما جعله عليه. قال ابن رشد: ظاهر قول مالك هذا أن الحبس لا يجوز ويبطل على كل حال خلاف مذهب ابن القاسم في أنه يمضي إذا فات ولا ينقص. وفوت الحبس عندي أن يحاز عن المحبس على ما قاله في هذه الرواية أو يموت، يريد أو يموت بعد أن حيز عنه ورأى أن الحبس إذا لم يحز عن المحبس عنه أن يبطل الحبس ويدخل الاناث فيه، وظاهر قوله وإن كره ذلك المحبس عليهم مراعاة لقول من يقول إن الصدقات والهبات والاحباس لا تلزم ولا يجب الحكم بها حتى تقبض، وقد روي عن مالك أن ذلك مكروه من العمل. فعلى قوله هذا لا يفسخ الحبس إلا أن يرضى المحبس عليهم بفسخه وهم كبار. وذهب محمد بن المواز إلى أن ذلك ليس باختلاف من قول مالك فقال إنما يفعل ما قاله مالك من فسخ الحبس وأن يجعله مسجلا إنما ذلك ما لم يأبه من حبس عليهم، فإن أبوا لم يجز له فسخه ويقر على ما حبس وإن كان حيا إلا أن يرضوا له برده وهو كبار. قال مالك: إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على صواب، ظاهره إن كان لم يحز عنه وهو على قياس القول بأن ذلك عنده مكروه من الفعل. وقال ابن القاسم: وإن خوصم فليقره على حاله. ومعنى ذلك على مذهبه إن كان قد حيز عنه وهو الذي ذهب إليه من التأويل في هذه المسألة عن ابن القاسم من أنه فرق في هذه الرواية في فسخ الحبس بأن يحازي عنه أو لا يحاز. وقد تأول على ما حكاه محمد ابن المواز عن مالك وابن القاسم أنه ليس له أن يفسخ الحبس وإن كان ذلك لم يحز عنه إلا بإذن المحبس عليهم ورضاهم، وقد تأول أيضا أن له أن يفسخه وإن كان قد حيز عنه وإن أبى المحبس عليهم مراعاة لقول من لا يرى إعمال الحبس جملة وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم شك بعد هذا من هذا السماع، وفي رسم نذر. وتأول على قولك مالك في هذه الرواية أن الحبس يفسخ على كل حال وإن مات المحبس عنه بعد أن حيز عنه الحبس، فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال: أحدها قول مالك هذا أن الحبس يفسخ على كل حال وإن مات المحبس بعد أن حيز

    [ 651 ]
    عنه الحبس ويرجع لملكه. والثاني أن المحبس يفسخه ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه. والثالث أنه يفسخه ويدخل فيه البنات ما لم يحز عنه فإن حيز عنه لم يفعل إلا برضا المحبس عليهم. والرابع أنه لا يفسخه ويدخل فيه الاناث وإن لم يحز عنه إلا برضا المحبس عليهم انتهى. وقال اللخمي: وإخراج البنات من الحبس اختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المجموعة أكره ذلك. وقال في العتبية: إن إخراج البنات إن تزوجن فالحبس باطل. وقال ابن القاسم: إن كان المحبس حيا فأرى أن يفسخه ويدخل فيه البنات، وإن حيز أو مات فات وكان على ما حبسه عليه. وقال في أيضا: إن كان المحبس حيا فليفسخه ويجعله مسجلا وإن مات لم يفسخ فجعل له أن يرده بعد الحوز ويجعله مسجلا ما لم يمت. وقال ابن شعبان: من أخرج البنات أبطل وقفه وهذا مثل قول مالك في العتبية فعلى القول الاول يكره، فإن نزل مضى، وعلى القول الآخر يبطل إن لم يشركهم فيه، وعلى أحد قولي ابن القاسم يفسخ ما لم يحزه، وعلى القول الآخر يفسخ وإن حيز ما لم يفت انتهى. ونقل ابن عرفة كلامهما برمته. وقال إثر كلام ابن رشد: قلت في قوله هو على قياس قوله أنه مكروه نظر لان المكروه إذا وقع أمضى ولم يفسخ، وذكر الاربعة ابن زرقون وقال: الاولان تأولا على قول مالك فسماع ابن القاسم، والثالث ظاهر قول ابن القاسم في سماعه، والرابع قول محمد. وقال الباجي قبل ذكرها ابن زرقون قال: قال ابن القاسم: إن فات ذلك مضى على شرطه وإن كان حيا ولم يحز عنه فأرى أن يرده ويدخل فيه البنات ونحوه لعيسى عن ابن القاسم وأنكره سحنون. قلت: انظر هل هذا زائد على الاربعة أو هو تقييد لما سوى الاول منها وأن الثلاثة إنما هي ما لم يمت فإن مات مضى وهو أبين. ثم قال: ففي الحبس على البنين دون البنات مطلقا أو إن تزوجن أربعة. ابن رشد: وخامسها جوازه، وسادسها كراهته، وسابعها فوته بحوزه وإلا فسخه ودخل فيه البنات للوقار، ورواية ابن عبدوس واللخمي عن أول قولي ابن القاسم انتهى. فعلى المشهور من أن إخراجهن لا يجوز مطلقا سواء بعد أن تزوجن أو قبل يتحصل في ذلك بعد الوقوع والنزول خمسة أقوال: الاول: أن الحبس يفسخ على كل حال وإن حيز عنه أو مات بعد أن حيز عنه ويرجع لملكه، وهو قول مالك في العتبية. الثاني: أنه يفسخ ويرجع لمالكه ما لم يحز عنه، وهو قول ابن القاسم على ما نقله اللخمي عنه. الثالث: أنه يفسخ ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه وهو متأول على قول مالك في العتبية. الرابع: أنه يفسخ ويدخل فيه البنات ما لم يحز عنه لم يدخلن إلا برضا المحبس عليهم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذا السماع. والخامس: أنه لا يفسخ ويدخل فيه الاناث وإن لم يأخذ عنه إلا برضا المحبس عليهم، وهو قول محمد بن المواز عنه والله أعلم. ومن ذلك ما نقله اللخمي وغيره ونصه: وإن حبس دارا وشرط على المحبس عليه أن يرمها إن احتاجت لم يصح ذلك ابتداء وذلك كراء وليس بحبس. فإذا نزل فقال في المدونة: مرمتها من غلتها فأجاز الحبس وأسقط الشرط. وقال محمد: يرد الحبس

    [ 652 ]
    ما لم يقبض انتهى. وذكر مسائل من هذا المعنى فيما لا يجوز ابتداء، واختلف فيه بعد الوقوع والنزول فراجعه والله أعلم. وقال في نوازل ابن رشد: وسئل عمن حبس حبسا وشرط في حبسه أنه إن تمادى به العمر واحتاج رجع في حبسه وباعه وأنفقه على نفسه هل ينفذ الحبس ويجوز الشرط، أو ينفذ الشرط ويبطل الحبس. فأجاب بأن قال: الشرط الذي ذكرت إن كان في التحبيس يوجب صرف الحبس بعد موت المحبس إلى معنى الوصية على مذهب مالك وأصحابه، فإن كان قد مات نفذ الحبس من ثلثه إن حمله الثلث وإن لم يحمله فما حمل منه الثلث. فروع: الاول: قال في رسم الاقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الحبس: وسئل عن الرجل يحبس الحائط صدقة على المساكين، أيقسم بينهم تمرا أم يباع ثم يقسم الثمن بينهم ؟ فقال: ذلك يختلف وذلك إلى ما قال فيه المتصدق أو إلى رأي الذي يلي ذلك واجتهاده إن كان المتصدق لم يقل في ذلك شيئا إن رأى خيرا أن يبيع ويقسم ثمنه، وإن رأى خيرا أن يقسم ثمره قسمه ثمرا فذلك يختلف، فربما كان الحائط نائيا بالمدينة، فإن حمل أضر ذلك بالمساكين حمله، وربما كان في الناس الحاجة إلى الطعام فيكون ذلك خيرا لهم من الثمن فيقسم إذا كان هكذا فهو أفضل وخير. وهذه صدقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها ما يباع فيقسم ثمنه ومنها ما يقسم ثمرا. ابن رشد: هذا بين على ما قاله أن ذلك يصرف إلى اجتهاد الناظر في ذلك إن لم يقل المتصدق في ذلك شيئا، وإن قال شيئا أو حد فيه حدا وجب أن يتبع قوله في صدقته ولا يخالف فيما حده انتهى. ونقله ابن بطال في مقنعه ولفظه. وفي المستخرجة من سماع أشهب: من حبس حائطا على المساكين إن لم ينص الميت في ذلك شيئا فلمتولي النظر فيه الاجتهاد، إن رأى بيع الثمرة وقسم ذلك ثمنا فعل، وإن رأى خيرا للمساكين قسمته ثمرا فعل، فرب حائط يبعد عن المدينة فيضر بهم حمله، وربما كانت بالناس حاجة إلى الطعام فيكون قسمته ثمرا خيرا لهم، وهذه صدقات عمر تباع ثمرته ويقسم ثمنها فإنما ذلك على النظر للمساكين انتهى. ونقله في الذخيرة عن الابهري عن مالك. الثاني: قال في المسائل الملقوطة: من أوقف وقفا على منافع الجامع صرف في العمارة والحصر والزيت وغير ذلك ولا يعطى منه الامام والمؤذن. ذكر ذلك الحفيد في مختصره الصغير. وكل جامع مسجد ولا ينعكس انتهى. قال ابن رشد في نوازله: من أوقف على منافع مسجد وقفا صرف في منافعه من بناء وحصر وبناء ما رث من الجدرات أنه لا يدخل في ذلك الامام، فإن صرف للامام شئ من غلة الوقف فلا يرجع به عليه ولا ضمان على من دفع ذلك إليه لان المحبس لما لم ينص أنه داخل في التحبيس ولا على أنه خارج حكمنا بظاهر اللفظ فلم يدخل إلا بيقين، وإذا قبض شيئا لم يغرمه إياه إلا بيقين ولا يقين عندنا في ذلك لاحتمال أن يكون المحبس قد أراد بحبسه خلاف ظاهر لفظه، ولعل إيهام ذلك تقصير من الكاتب. الثالث: قال البرزلي في مسائل الحبس: سئل القابسي عمن حبس كتبا وشرط في

    [ 653 ]
    تحبيسه أنه لا يعطى إلا كتاب بعد كتاب، فإذا احتاج الطالب إلى كتابين أو تكون كتبا شتى فهل يعطى كتابين منها أم لا يأخذ منها إلا كتابا بعد كتاب ؟ فأجاب: إن كان الطالب مأمونا واحتاج إلى أكثر من كتاب أخذه لان غرض المحبس أن لا يضيع، فإذا كان الطالب مأمونا أمن هذا، وإن كان غير معروف فلا يدفع إليه إلا كتاب واحد، وإن كان من أنواع العلوم خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد. قلت: تقدم بعض أحكام شروط الحبس من كلام أبي عمران وغيره، وظاهره أنه لا يتعدى ما شرطه لقوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم. وظاهر ما في هذا السؤال أنه يراعى قصد المحبس لا لفظه، ومنه ما جرى به العرف في بعض الكتب المحبسة يشترط عدم خروجها من المدرسة وجرت العادة في هذا الوقت بخروجها بحضرة المدرسين ورضاهم، وربما فعلوا ذلك في أنفسهم ولغيرهم وهو والله أعلم لما أشار إليه هذا الشيخ لا لفظه. ومثله ما فعلته أنا في مدرسة الشيخ التي بالقنطرة غيرت بعض أماكنها مثل الميضأة ورددتها بيتا ونقلتها إلى محل البئر لانقطاع الساقية التي كانت تأتيها، ورددت العلو المحبس على عقبة المذكور بيوتا لسكني الطلبة بعد إعطاء علو من المحبس يقوم مقامه في المنفعة بموجب مذكور في محله وكزيادة في رواتب طلبة لما أن كثروا يدخل شئ من خراجها بحيث لو كان المحبس حاضرا لارتضاه، وكان ذلك كله برضا الناظر في الحبس النظر التام كيف ظهر له الصواب يعطي حسبما ذلك مذكور في كتاب التحبيس. وعلى مراعاة لفظ المحبس في شرطه أفتى بعض أصحابنا فيمن بنى مدرسة وجعل فيها بيوتا للسكنى وشرط في أصل تحبيسها أن لا يسكنها إلا من يصلي الصلوات الخمس في مسجدها إن لم يكن إماما في غيرها، وأن يحضر الحزب المرتب فيها لقراءة القرآن إن كان قارئا ويحضر الميعاد في وقته ومن لم يفعل ذلك فليس له سكنى. فأجاب بأن الشروط المذكورة يجب الوفاء بها ولا يجوز مخالفتها. ومن هذا المعنى الدخول للمدارس لقضاء الحاجة بها والوضوء والشرب من مائها وهو لم يكن من أهلها ولا أعدت الميضأة والشرب إلا لاهلها، فسألت شيخنا الامام عنها فأجاب: إنه إن كان من جنس أهلها ساغ له ذلك لان الحبس لاهل ذلك الصنف وهو غير معين، فمتى وجد ذلك الصنف جرى حكمه على ما صح لاهلها، فإن كان من غير صنف أهل ذلك الحبس فلا يجوز له. وكذلك عارية بيت للسكنى من بعض أهل الحبس، فإن كان المستعير من أهل ذلك الحبس جاز وإلا لم يجز لوجهين: لفقدان شرط التحبيس عادة والتصرف في المنفعة بالهبة وهو لم يؤذن له في نفسه فقط. ووقعت هذه المسألة بالديار المصرية فسألت عن المسألة فأجبت بمنع عاريتها، ثم إني فعلت ذلك استعرت بيتا في مدرسة شيخون وآخر في الناصرية فتعقب ذلك

    [ 654 ]
    من فعلي ما ذكره فأجبت بما قال شيخنا فسلم ذلك لي انتهى. وذكره أيضا قبل هذا في مسائل الشركة وذكر ذلك مع مسألة النزول في الوظائف. الرابع: قال في المسائل الملقوطة: سأل الشيخ تقي الدين: إذا وقف كتاب على عامة المسلمين وشرط أن لا يعار إلا برهن، فهل يصح هذا الرهن أم لا ؟ فأجاب: لا يصح هذا الرهن لانها غير مأمونة في يد موقوف عليه، ولا يقال لها عارية أيضا بل الآخذ لها إن كان من أهل الوقف مستحقا للانتفاع فيده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، ويكون في يد الخازن للكتب أمانة لان فاسد العقود في الضمان كصحيحها والرهن أمانة. هذا إذا أريد الرهن الشرعي، وأما إن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشرط لانه غرض صحيح، وأما إذا لم يعلم مراد الواقف فيحتمل أن يقال بالبطلان بالشرط حملا على المعنى الشرعي، ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على المعنى وهو الاقرب لصحته انتهى. الخامس: إذا خص مسجدا بمعينين فقال في أسئلة الشيخ عز الدين عبد السلام الشافعي فيمن بنى مسجدا وشرط في وقفه أن لا يتولاه إلا مالكي المذهب مثلا، فهل يجب اتباع شرطه وتكون ولاية من خالفه باطلة أم لا ؟ وإذا وجب اتباعه وتولاه من هو على شرطه ثم انتقل إلى مذهب آخر، هل تفسخ ولايته أم لا ؟ وإذا لم يتحقق هذا الشرط من الواقف ولكن الغالب على أهل ذلك البلد اتباع مذهب كأهل الاسكندرية ومصر، فهل يتنزل هذا منزلة الشرط، وما حكم الائتمام بهذا الامام ؟ فأجاب: إن وقف الواقف على مذهب معين لم يجز أن يتناوله غيره، وإن خص المسجد بمعنيين لم يختص بهم، وإذا غلب في بعض البلاد مذهب على أئمة المساجد بحيث لا يكون فيها غيره حمل الوقف على ذلك ولا يستحقه من ينتقل عن مذهبه إلى مذهب آخر، وإن كان هذا الامام معتقدا لجواز ما يتناول ذلك فلا بأس بالائتمام به، وإن كان يعتقد تحريمه فالائتمام به اقتداء بفاسق والله أعلم. السادس: قال في المسائل الملقوطة: من ولاه الواقف على وظيفة بأجزة فاستناب فيها غيره ولم يباشر الوظيفة بنفسه فإنه لا يجوز له تناول الاجرة ولا لنائبه لانه لم يباشر الوظيفة بنفسه، وما عين له الناظر لا يستحقه إلا بمباشرته بنفسه ولا عين الناظر النائب في الوظيفة فما تناولاه حرام. قاله الشيخ جمال الدين الاقفهسي المالكي. انتهى يعني استناب فيها في غير أوقات الاعذار، وأما إذا استناب في أيام العذر له تناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع، ونقله القرافي في الفرق الخامس عشر والمائة والله أعلم. فرع: قال البرزلي في مسائل البيوع: سألت شيخنا الفقيه الامام رحمه الله، هل يجوز أن يأتي بوظيفة القراءة التي عليه في الصلاة ؟ فقال: لكنه جعله إجارة انتهى. ص: (أو ناظر) ش: قال ابن عرفة: والنظر في الحبس لمن جعله إليه محبسه. المتيطي: يجعله لمن يثق به في دينه فإن

    [ 655 ]
    غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للحاكم يقدم له من يرتضيه ويجعل للقائم به من كرائه ما يراه سدادا على حسب اجتهاده انتهى. قلت: قوله فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للحاكم هذا والله أعلم إذا لم يكن المحبس عليه معينا مالكا أمر نفسه، وأما إن كان مالكا أمر نفسه ولم يول المحبس على حبسه أحدا فهو الذي يجوز ويتولاه، يدل على ذلك غالب عبارات أهل المذهب في كتاب الحبس وكتاب الصدقة وكتاب الهبة من المدونة وكلام المصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وشرط الوقف حوزه صريح في ذلك، وانظر مسألة رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس ففيها إشارة إلى ذلك، وذكر فيها أن الناظر على الحبس إذا كان سيئ النظر غير مأمون فإن القاضي يعزله إلا أن يكون المحبس عليه مالكا أمر نفسه ويرضى به ويستمر. وفي رسم استأذن من سماع عيسى مسألة تتعلق بالناظر قال فيها: إنه لا يوصي بالنظر عند موته ولكن إن كان المحبس حيا كان النظر له فيمن يقدمه. وإن كان مات فإن كان المحبس عليهم كبارا أهل رضا تولوا حبسهم بأنفسهم وإلا قدم السلطان بنظره، وإن كان للمحبس وصي كان النظر له إلا أن يكون المحبس قال لمن ولاه إذا حدث بك الموت فأسنده إلى من شئت فإنه يسنده لمن شاء، وإن أوصى وصيا على ماله وعلى من كان في حجره كان له النظر في الحبس والله أعلم. وفي سماع سحنون مسألة تدل على أن المحبس عليهم إذا كانوا كبارا تولوا حبسهم بأنفسهم. وفي أحكام ابن سهل ما يدل على ذلك في مسألة كراء الاحباس مدة طويلة وهي في آخر ترجمة قطيع محبس باعته المحبسة، وفي مسألة الدار المحبسة على رجلين أكراها أحدهما. وانظر النوادر في ترجمة الحبس يزاد فيه أو يعمر من غلته وكراء الحبس السنين الكثيرة. تنبيهات: الاول: قال في النوادر: ومن المجموعة قال: قال ابن كنانة فيمن حبس حبسا وجعل امرأته تليه وتقسمه بين بنيها بقدر حاجتهم فكانت تلي ذلك فماتت قال: يلي ذلك من ورثتها أهل حسن الرأي منهم. انتهى من ترجمة جامع مسائل مختلفة من الاحباس والعمرى والخدمة. وهذا لعله في بلد ليس فيه حاكم أو فيه ولا يصل إليه ولا يلتفت للنظر في الاحباس أو يكون نظره فيها سببا لهلاكها وضيعتها والله أعلم. ثم قال بعد ذلك في ترجمة حوز الاب على من يولى عليه: ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا حبس على أولاده الكبار والصغار حبسا ووكل من يقوم به فذلك له، فإن بلغوا كلهم فأرادوا القيام بالحبس فليس لهم ذلك لانه لم يرض بهم والوكيل يقوم بحاله. قال محمد: ولو لم يكن فيهم كبير يوم وكل فلهم إذا كبروا قبض حبسهم، فأما إن كان فيهم كبير فهو بمنزلة أن لو كانوا كبارا كلهم يومئذ انتهى. وما قاله محمد إذا كانوا صغارا كهم ووكل عليهم أن لهم إذا كبروا قبض حبسهم إنما يكون ذلك والله أعلم إذا فهم أن ذلك مراد المحبس أو صرح بذلك وإلا فالظاهر أنه لا

    [ 656 ]
    ينزع من الناظر ما كان بيده. ثم قال: قال ابن القاسم: فإن مات الوكيل فليس له أن يوصي به إلى غيره إلا أن يكون جعل ذلك الاب إليه، قال أصبغ: وليرجع القيام بذلك إلى المحبس أو وصيه. انتهى فتأمله. الثاني: علم من كلام ابن القاسم أن الواقف إذا جعل النظر لشخص فليس للناظر أن يوصي بالنظر لاحد غيره إلا أن يجعله له الواقف، وقد تقدم ذلك أيضا في مسألة رسم استأذن من سماع عيسى وأنه ليس له أن يوصي به إلا أن يقول له اجعله إلى من شئت. ويؤخذ ذلك أيضا مما نقله في التوضيح في باب الاقضية كل من ملك حقا على وجه يملك معه عزله فليس له أن يوصي به كالقاضي والوكيل ولو مفوضا وخليفة القاضي للايتام وشبه ذلك انتهى. الثالث: لو غاب الناظر في بلدة بعيدة واحتاج الحبس إلى من ينظر في بعض شأنه، فهل للقاضي أن ينظر في ذلك أو يوقف الامر حتى يأتي الغائب ؟ الظاهر أن للقاضي أن ينظر في " ذلك ويمضي ما فعله في غيبة الناظر، وليس للناظر إبطال ما فعله القاضي في غيبته، ولم أر في ذلك نصا إلا فتيا وجدت منسوبة لبعض المالكية يسمى علي بن الجلال وصورتها. ما تقول: السادات العلماء في درس بمكة به مدرس وطلبة وناظر وقفه غائب القاهرة فشغرت وظيفة طلب بالدرس المذكور بحكم وفاة من كان بها، فولي قاضي مكة تلك الوظيفة شخصا لغيبة الناظر على الوقف المذكور بالقاهرة أو غيرها من البلاد الشاسعة، فهل تصح توليته أم لا ؟ وإذا صحت التولية فهل للناظر بعد أن بلغه تولية القاضي المذكور أن. يولي شخصا آخر خلاف من ولاه القاضي معتقدا أن القاضي لا نظر له أو ليس له ذلك ؟ فأجاب: ولاية قاضي مكة للشخص المذكور الوظيفة عند غيبة الناظر للمدرسة الغيبة البعيدة وشغور الوظيفة عمن كان بها بموته صحيحة واقعة بمحلها لانه ولي من لا ولي له كالمرأة إذا غاب وليها واحتاجت إلى التزويج فليس للناظر إبطال ما وقع من توليه الحاكم والحالة هذه والله أعلم. وكتبه علي بن الجلال المالكي، وأجاب بمثل ذلك الشافعية والحنيفة والحنابلة. وأجاب سراج الدين عمر البلقيني الشافعي بما نصه: نعم يصح تولية القاضي الوظيفة لمن ذكر، وليس للناظر أن يولي شخصا آخر خلاف من ولاه القاضي والاعتقاد المذكور غير صحيح. وأجاب الشيخ إبراهيم الانبابي الشافعي بما أجاب به البلقيني، وكذا أجاب كل من الشيخ محمد بن أحمد السعودي الحنفي والشيخ عبد المنعم البغدادي الحنبلي بمثل ذلك والله أعلم. وبذلك أيضا أفتى بعض أهل العصر وقال: للقاضي أن يقرر في ذلك وينظر، واحتج بأن أصل مذهب مالك القضاء على الغائب في سائر الحقوق إذا كانت غيبته غيبة بعيدة وبأن من يريد التقرير مثلا في الوظيفة في الوقف له شبه الحق على الناظر في وجوب إنفاذ أمر الواقف وعدم تعطيل وقفه، فإذا عين القاضي المذكور من هو أهل لها كان كحكمه عليه فيما يدعي به، وقد قال أهل المذهب فيما إذا ادعى على غائب بدين ساغ للحاكم أن يبيع دار الغائب لقضاء الدين، ثم إذا قدم الغائب ببراءة أو بما

    [ 657 ]
    يترك عنه الحق أن البيع ماض ويتبع بالثمن من أخذه، فإذا مضى حكم القاضي على الغائب فيما هو ملك له شرعا، فأحرى أن يمضي التقرير في الوظيفة المذكورة إذ ليس ملكا له، ويشهد لذلك أنه إذا غاب ولي المرأة زوجها الحاكم، وبما قاله أيضا في ترجمة القضاء على الغائب من النوادر ونصه: قال عبد الملك: إذا كان الغائب صغيرا لم يضرب له أجلا لانه لو حضر لم يكن يدافع عن نفسه ولا أخذ لها ولكن إن كان في ولاية أحد غائب ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم عنه، وإن لم يحضر حكم عليه وأشهد، وإن لم يكن عليه ولي فليول عليه الحاكم وليا يكون وليا له في هذه الخصومة وغيرها، ثم يحكم عليه وليه له ولا يخصه بالولاية في هذه الخصومة فقط فيكون قد نصب له وكيلا يخاصم عنه وهذا لا يكون. انتهى كلام المفتي. وقوله وإن لم يحضر حكم عليه أشهد لم أرها في النوادر ورأيتها بخط المفتي مزادة في الهامش والله أعلم. ويبقى هنا مسألة وهي لو جعل الواقف النظر في ذلك لشخص غائب عن البلد وإقامته إنما هي في بلدة أخرى ولا يمكن أن يأتي إلى بلد الواقف كما لو جعل النظر في حبسه الذي بمكة لمن كان سلطانا بمصر، فالظاهر هنا أنه ليس للقاضي أن ينظر في ذلك ويوقف الامر إلى أن يعلم ما يأمر به الناظر فتأمله والله أعلم. الرابع: قال ابن عرفة: لو قدم المحبس من رأى لذلك أهلا فله عزله واستبداله. سمع ابن القاسم: من حبس على بنات له وقد بلغن فخزن أموالهن وكان عمهن يلي حبسهن فاتهمنه في غلتهن وطلب بعضهن أن يوكل لحقه، فإن كان حسن النظر لم يكن له ذلك، وإن كان على غير ذلك جعل معه من يوكله بذلك. ابن رشد: معناه أن العم قدمه المحبس ولو كان بتقديمهن له لكان لمن شاء منهن توكيل غيره على حقها ولم يكن للسلطان في ذلك نظر. وقوله إن كان على غير ذلك يريد سيئ النظر أو غير مأمون وإنما رأى أن توكل لحقها ولم تعزله لانه رضيه بعضهن ولو لم ترضه واحدة منهن لعزله القاضي عنهن ولو كن غير مالكات لانفسهن لوجب تقديم السلطان غيره. وقال ابن دحون: لو اتهمه جميعهن لكان لهن عزله وإنما بقي لانهن اختلفن في تهمته وفي قوله نظر. قلت: قول ابن دحون هو معنى متقدم قول ابن رشد فتأمله. وقزلت في حبس حبسته حرة أخت أمير بلدنا وجعلته بيد شيخنا ابن عبد السلام على أنه يدر س به ثم نقلته لشيخنا ابن سلامة فقبله وشهد في العزل والتولية جميع الشهود الذين كانوا حينئذ منتصبين للشهادة وعللوا ذلك بالتفريط اه‍. ولكن في استدلاله بالمسألة المذكورة لذلك نظر لا يخفى فتأمله. وقال البرزلي: وسأل ابن دحون ابن زرب عن الوصي يتخلى عن النظر إلى رجل آخر قال: ذلك جائز وينزل منزلته. قيل له: فلو أراد العودة في نظره ؟ قال: ليس له ذلك وقد تخلى منه إلى الذي وكله.

    [ 658 ]
    قلت: يؤخذ من هذا أن من حبس شيئا وجعله على يد غيره ثم أراد عزله فليس له ذلك إلا بموجب يظهر كالقاضي إذا قدم أحدا. ونزلت بشيخنا الامام وكان يقدم على أحباسه من يستحسنه ويعزل من يظهر له عزله وهو عندي صواب. لان نظر المحبس أقوى من نظر القاضي في حبسه فلا يتسور عليه فيه ما دام حيا كما له التقديم في حياته وبعد مماته من غير أن ينظر عليه أحد من قاض أو غيره انتهى والله أعلم. الخامس: قال ابن عرفة ابن فتوح: للقاضي تقديم من ينظر في أحباس المسلمين ولا يرتفع تقديمه بموته ويرتفع برفعه من ولي بعده انتهى. قال البرزلي: وفي الوثائق المجموعة: إذا قدم القاضي أحدا على الحبس فلا يعزله من جاء بعده إلا بموجب لانه كحكمه في القضايا انتهى. السادس: قال ابن عرفة عن ابن فتوح: للقاضي أن يجعل لمن قدمه للنظر في الاحباس رزقا معلوما في كل شهر باجتهاده في قدر ذلك بحسب عمله وفعله الائمة. ابن عتاب عن المشاور: لا يكون أجره إلا من بيت المال، فإن أخذها من الاحباس أخذت منه ورجع بأجره في بيت المال، فإن لم يعط منها فأجره على الله. وإنما لم يجعل له فيها شئ لانه تغيير للوصايا، وبمثل قول المشاور أفتى ابن ورد وقال: لا يجوز أخذ أجرته من الاحباس إلا أن يحمل على من حبس. وخالفه عبد الحق وابن عطية وقال: ذلك جائز لا أعلم فيه نص خلاف انتهى. ونقل البرزلي كلام عبد الحق وابن عطية والله أعلم. السابع: قال البرزلي: وسئل السيوري عن إمام مسجد ومؤذنه ومتولي جميع أموره قام عليه محتسب بعد أعوام في غلة حوانيت له وقال فضلت فضلة عما أنفقت وقال لم يفضل شئ، فقال له بين للقاضي صفة الخروج. فقال: لا يجب علي ذلك ولو علمت أنه يجب علي ما توليته ولا قمت به ولا يوجد من يقوم به إلا هو ولولا هو لضاع، هل يقبل قوله أم لا ؟ فأجاب: القول قوله فيما زعم أنه أخرجه إذا كان يشبه ما قال البرزلي: وهذا إذا لم يشترط عليه دخلا ولا خرجا إلا بإشهاد انتهى. الثامن: قال في النوادر: القائم بالحبس إذا قال أعمرها من مالي ثم قال إنما عمرتها من الغلة جاز. قال: فإن قال من الغلة أنفقت فقد أنفذ الوصية، وإن قال من مالي عمرتها حلف ورجع بذلك في الغلة ولا يضره قوله أعمرتها من مالي انتهى. ويفهم منه أن للقائم على الحبس أن يستقرض عليه ويعمره والله أعلم. التاسع: لا يجوز للقاضي ولا للناظر التصرف إلا على وجه النظر، ولا يجوز على غير

    [ 659 ]
    ذلك، ولا يجوز للقاضي أن يجعل بيد الناظر التصرف كيف شاء. وتقدم كلام البرزلي في آخر الاقرار عند قوله وإن أبرأ فلانا ص: (أو تبدئة فلان بكذا وإن من غلة ثاني عام إن لم يقل من غلة كل عام) ش: تصوره واضح وكلامه شامل لما فرضه في المدونة من تبدئة فلان من غلة ثاني عام، ولما فرضه المتيطي من تبدئته من غلة العام الماضي إن كان بقي منها شئ والغلة والمبالغة بأن في قوله وإن من غلة ثاني عام ترشد لذلك فتأمله. قال في كتاب الوصايا الثاني من المدونة: ومن أوصى لرجل بدينار من غلة داره كل سنة، أو بخمسة أوسق من غلة حائطه كل عام والثلث يحمل الدار أو الحائط، فأخذ ذلك عاما ثم بار ذلك أعواما، فللموصى له أخذ وصية كل عام ما بقي من غلة العام الاول شئ فإن لم يبق منه شئ، فإذا أغل ذلك أخذ منه لكل عام مضى ولم يأخذ منه شيئا. ولو أكروا الدار في أول سنة بعشرة دنانير فضاعت إلا دينارا كان ذلك للموصى له لان كراء الدار لا شئ للورثة منه إلا بعد أخذ الموصى له منه وصيته، وكذلك غلة الجنان أو غيره. ولو قال أعطوه من غلة كل سنة خمسة أوسق أو من كراء كل سنة دينارا لم يكن له أن يأخذ غلة سنة عن سنة أخرى لم تغل، ولو أكريت الدار أول عام بأقل من دينار أو جاءت النخل بأقل من خمسة أوسق لم يرجع بتمام ذلك في عام بعده انتهى. ولو طلب أن يوقف له من غلة العام الاول شئ أو يعطاه في الصورة الاولى، فهل يجاب إلى ذلك في الصورة الاولى ؟ قال اللخمي: وإن اغتلت أول سنة عشرة دنانير وأخذ دينارا وبقي تسعة نظر في ذلك، فإن كانت الدار مأمونة أنها لا تبور أو إن بارت تأتي كل سنة بأكثر من دينار أخذ الورثة هذه التسعة، وإن كان يخشى أن لا تأتي بذلك وقف منها ما يخاف أن لا يأتي به إلا أن يكون الوارث مأمونا غير ملد ولا ممتنع ورضي أن يأخذها في ذمته فيكون أحق بها لان له فيها شبهة الملك والوقف غير مفيد للموصى له انتهى. ص: (أو أن من

    [ 660 ]
    احتاج إليه من المحبس عليه باع وإن تسور عليه قاض أو غيره رجع له أو لوارثه) ش: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب والوقف لازم ولو قال لي الخيار ما نصه: قد قال جماعة إن المحبس إذا شرط في حبسه أنه إن ذهب قاض أو غيره إلى التسور على حبسه أو النظر فيه فجميع حبسه راجع إليه إن كان حيا أو إلى ورثته أو صدقة لفلان إن له شرطه. وكذلك قالوا: إذا شرط إن من احتاج من المحبس عليهم باع الحبس أنه يصح هذا الشرط، ولزم المحبس عليه إثبات حاجته واليمين على ذلك إلا أن يشترط المحبس أنه مصدق فله البيع من غير إثبات انتهى. وقال البرزلي: قال في الوثائق

    [ 661 ]
    المجموعة: إذا لم يقل يصدق فعليه إثبات الحاجة ويحلف أنه لا مال له باطن يكتمه ولا ظاهر يعلمه فحينئذ يبيعه انتهى. وقال المتيطي: فإن شرط المحبس أن من ادعى منهم حاجة فهو مصدق فيصدق وينفذ الشرط، ومن ادعى منهم حاجة ولم يثبت غناه انطلق يده على بيعه انتهى. والمسألة الاولى في كلام المؤلف هنا الثانية في كلام التوضيح، وأصلها في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس. قال: سئل مالك عن رجل جعل دارا له حبسا صدقة على ولده لا تباع إلا أن يحتاجوا إلى بيعها، فإن احتاجوا إليها

    [ 662 ]
    واجتمع ملؤهم على ذلك باعوا فاقتسموا ثمنها، الذكر والانثى فيه سواء. فهلكوا جميعا إلا رجلا منهم فأراد بيعها إذ ذلك له وقد احتاج إلى بيعها. قال: نعم فقيل له: إن امرأة ثم وهي بنت أخت الباقي الذي يريد أن يبيع وهي من بنات المحبس قال إن بعت فأنا آخذ

    [ 663 ]
    ميراثي من أمي. قال: لا أرى لها في ذلك شيئا. قال ابن القاسم: ولو اجتمع ملؤهم على بيعها قسموا ثمنها على الذكر والانثى سواء لانها صدقة حازوها، وليست ترجع بما يرجع المواريث إلى عصبة الذي تصدق بها. ابن رشد: قوله: إلا أن يحتاجوا إلى بيعها يريد أو يحتاج أحدهم إلى بيع حظه منها قل الحبس لكثرة عددهم أو كثر لقلتهم فيكون لهم ويبطل الحبس فيه ويكون ثمنه مالا من ماله، وكذلك إن احتاجوا كلهم فباعوا كان الثمن لهم مالا من مالهم على قدر حقهم في الحبس قلوا أو كثروا، فإن لم يبق إلا واحد فاحتاج فله الثمن كله وبطل الحبس في الجميع بشرط المحبس، ومن مات منهم قبل أن يحتاج سقط حقه إلا أنه إنما مات عن حبس لا يورث عنه ويرجع إلى من معه في الحبس ولا يورث شئ منه عن محبس انتهى. فروع الاول: قال في المتيطية: وإذا قدم المحبس رجلا على الحوز لبنيه الصغار وجعل له البيع عليهم إن احتاجوا فأجاز ذلك أحمد. ابن بقي: وقال ابن لبابة ومحمد بن القاسم: ليس للمقدم بيع الحبس حتى يثبت عند القاضي العذر الذي له يبيع والسداد في الثمن وليس الوكيل كالمحبس عليه انتهى.

    [ 664 ]
    الثاني: قال البرزلي: قال مالك فيمن حبس على ولده حبسا وشرط لهم إن احتاجوا باعوا ذلك فلحقهم دين، أن لاصحاب الدين بيع الحبس من أجل ما شرطه المحبس لهم من البيع عند حاجتهم انتهى. والمسألة في العتبية في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس. بسئل مالك عمن تصدق على انتين بدار على وجه الحبس وكتب لهما في كتاب صدقته إن شاءتا باعتا وإن شاءتا أمسكتا، فرهق ابنتيه دين كثير داينتا به الناس فقام عليهما الغرماء وقالوا نحن بيع الدار قد كتب أبوكما في صدقته إن شئتما بعتما وإن شئتما امسكتما. قال مالك: صدقوا في ذلك لهم أن يبيعوا الدار حتى يستوفوا. قال ابن رشد: لمالك في كتاب ابن المواز خلاف قوله هذا أنه ليس للغرماء ذلك وهو الذي يأتي على ماله في كتاب التقليس من المدونة في الرجل يفلس وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال، أنه ليس للغرماء أن يجبروه على أن يأخذ أموالهم فيقضيها إياهم ولا لهم أن يأخذوا إلا أن يشاء هو أن يفعل ذلك انتهى. قال البرزلي بعد نقله المسألة: قلت: قد يفرق بينهما بأن منفعة الدار حاصلة الآن للديانة ورقبتها كذلك للحاجة إليها وقد انفك الحبس عنها ومال العبد الاصل أنه له حتى ينتزعه بدليل شرائه وهو يضاف للعبد لا للسيد بدليل جواز بيعه بحاله على المعروف، فالاصل بقاؤه على ملكه حتى يحدث فيه السيد حدثا يدل على الانتزاع، ولا يخالف هذا الاصل مسألة النذور والايمان على تأويل فيها وبعض مسائل العتق انتهى. الثالث: تقدم عند قول المصنف: واتبع شرطه حكم ما إذا شرط المحبس أنه إن وجد في الحبس ثمن رغبة فقد أذنت في البيع ويبتاع بثمنه ربعا مثله ص: (وتناول الذرية وولدي فلان وفلانة الخ) ش: تصوره واضح.

    [ 665 ]
    مسألة: إذا حبس على ولده وقال فلان وفلان ولم يسم الآخرين فهل يدخلون ؟ قال المشذالي في الوصايا الاول: قال الوانوغي: لو حبس على ولده وقال فلان وفلان ولم يسم الآخرين فهل هذه المسألة كمسألة الشيوخ المشهورة في أحكام ابن زياد فيمن أوصى وقال جعلت النظر على ولدي فلان وفلان إلى فلان وفي أولاده من لم يسم، فهل الايصاء قاصر على المسمين أو لا ؟ فيه تنازع بين ابن زرب وغيره. فهل مسألة التحبيس مثلها أو لا ؟ فقال بعض المشارقة: ليس مثلها لا يدخل في الحبس ويدخل في الايصاء، والفرق بينهما أن الوصية بالاولاد قد علم المقصود بها وهو القيام بهم وهو مظنة التعميم فالتسمية ليست للتخصيص، وأما في الوقف فالمقصود فيه صرف المنافع ويجوز قصرها على بعض دون بعض فيصح أن يقال للتسمية أثر. قال المشذالي: قلت: وهذا فرق لا بأس به. قال الوانوغي: وفي نوازل ابن رشد ونحوه اه‍. ص: (وولدي وولد وأولادي وأولاد أولادي وبني وبني بني) ش: ينبغي أن يكون مراد المصنف أن الواقف إذا قال وقف على ولدي وولد ولدي أو قال على أولادي أولادي أو قال على بني وبني بني، فإن الحفيد لا يتناوله

    [ 666 ]
    هذا اللفظ. وليس مراده أن الواقف أنى بلفظة من الالفاظ الستة فقال وقف على ولدي أو قال على ولد ولدي أو قال على أولادي أو قال أولاد أولادي أو قال على بني أو قال: بني بني، فإنه يفوته التنبيه على ما إذا جمع بين اللفظين والخلاف فيه قوي، فإن ابن العطار نص على أن أهل قرطبة كانوا يفتون بدخولهم قال: وقضى به محمد بن السليم بفتوى أهل زمانة. قال ابن رشد: وهو ظاهر اللفظ لان الولد يقع على الذكر والانثى. فإذا قال على ولدي أو على أولادي وولد ولدي فهو بمنزلة قوله على أولادي ذكورهم وإناثهم وعلى أعقابهم، وأما إذا قال وقف على ولدي وعلى أولادي فالمعروف من المذهب عدم دخولهم، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم إذا قال على ولد ولدي فقط فتأمله والله أعلم. (وبني أبي إخوته الذكور وأولادهم) ش: يريد الاخوة الاشقاء والاخوة للاب ولا يدخل في ذلك الاخوة للام، وكان المصنف اعتمد على أنه إذا لم يدخل في ذلك الاخوات الاشقاء والاخوات للاب مع أنهم

    [ 667 ]
    من أولاد أبيه، فأحرى الاخوة للام لخروجهم بقوله بني أبي. وقوله: وأولادهم يعني الذكور كما صرح به في الرواية. تنبيه: زاد في الرواية أنه يدخل مع ذكور إخوته وأولادهم الذكور ذكور ولده لانهم من ولد أبيه، قال في الجواهر: ولو قال على بني أبي دخل فيه إخوته لابيه وأمه وإخوته لابيه ومن كان ذكرا من أولادهم خاصة مع ذكور ولدهم انتهى. وقاله ابن شعبان في الزاهي. ص: (ومواليه المعتق) ش: ولم يتكلم رحمه الله على دخول المولى الاعلى، بل ظاهر كلامه أنه لا يدخل وهو كذلك إن لم يقم دليل على إرادته على مذهب المدونة. قاله ابن عرفة. وفي دخول المولى الاعلى مع الاسفل إن لم يقم دليل على إرادة أحدهما فقط قولاه لاشهب ونص وصاياها انتهى. ص: (وشمل الانثى كالارمل) ش: تصوره ظاهر. وسئلت عن وقف على من كان بمكة من فقراء الاندلس القاطنين بها، فهل يدخل

    [ 668 ]
    النساء إذا كن بهذه الصفات ؟ فأجبت بما صورته: الظاهر دخولهن كما يؤخذ من كلام أهل المذهب في مسائل متعددة أعني المذكورة هنا وما أشبهها، وكما يشهد بذلك العرف وبدخولهن في قوله تعالى * (إنما الصدقات للفقراء) * الآية. من غير خلاف والله أعلم. ص: (والملك للواقف) ش: ظاهره حتى في المساجد. ونقل القرافي الاجماع على أن المساجد ارتفع عنها الملك وهو خلاف ما حكاه في أول الحبس من النوادر أن المساجد باقية أيضا على ملك محبسها والله أعلم. ونصه في أثناء الترجمة الاول في الاستدلال على جواز التحبيس والرد على شريح القائل لا حبس على فرائض الله وبقاء أحباس السلف داثرة، دليل على منع بيعها وميراثها، والمساجد والاحباس لم يخرجها مالكها إلى ملك أحد وهي باقية على ملكه وأوجب تسبيل منافعها إلى من حبست عليه فلزمه ذلك كما يعقد في العبد الكتابة والاجارة والاسكان وأصل الملك له، فليس للورثة حل شئ مما أوجب في المرافق وإن كان الملك باقيا عليه. انتهى فتأمله

    [ 669 ]
    والله أعلم. ص: (ولا يقسم إلا ما مضى زمنه) ش: مسألة: قال ابن عرفة: وفيما تجب به الثمرة لمن حبس عليه اضطراب يعني إذا كان المحبس عليه معينا وذكر الخلاف في ذلك ثم قال: وإن لم يكونوا معينين كما لو حبس على رجل وعقبه ففي وجوبها بالطيب أو القسمة قولان. قلت: عزاهما ابن زرقون لابن القاسم مع مالك وابن الماجشون قال: وثالثها لاشهب بالابار انتهى. وما عزاه ابن زرقون لابن القاسم صرح به في كتاب الوصايا الثاني من المدونة ونبه على ذلك في التنبيهات، والرجراجي وعزاه أيضا لابن الحاجب وابن كنانة. قال الرجراجي: وإنما نبهت على إجماع المذهب أنها تكون غلة بالطيب في هذا الفصل وأين هم عما استخرجناه من الكتب واستشهدنا عليه بنصوص الامهات والتوفيق بيد الله يؤتيه من يشاء انتهى. فقد علمت أن القول الذي عزاه لابن الماجشون هو مذهب المدونة. قال ابن عرفة: وأما الحبس على بني زهرة فلا يجب إلا بالقسم، فمن مات قبله سقط حظه، ومن ولد قبله ثبت حظه، ومسألة الوقف على الفقراء وعلى بني تميم ونحوهم ثم قال: قلت: والحبس على القراء بمواضع معينين كقراء جامع الزيتونة إن كان بقيد أن

    [ 670 ]
    الثواب لمعين فهم كالاجراء، وتقدم كلام الشيوخ في المستأجر على الاذان والامام يمرض بعض الايام وإمام المسجد يموت وعليه دار محبسة وأهله بها، هل يخرج أو يقيم لتمام العدة، وإن كان الحبس لا بقيد كقراءة شفع المحراب بجامع الزيتونة فهم كالحبس على فلان وعقبه انتهى. قلت: ومثله الحبس على فقراء الرباط الفلاني والمدرسة الفلانية، ومذهب المدونة في ذلك لا يستحقون إلا بالقسم. تنبيه: على هذا القول إذا مات أحدهم وتقدم له فيها نفقة قال الرجراجي: فلا خلاف أن لورثته الرجوع بالنفقة لان أصحابه قد انتفعوا بنفقته فيما عمله لهم. واختلف المتأخرون هل الرجوع بالاقل فيما أنفق، أو بما ينوبه من الثمرة، أو إنما يرجع بقيمة النفقة نقدا ؟ وثمرة الخلاف إذا أجيحت الثمرة هل تسقط المطالبة وهو ظاهر المدونة أم لا وهو

    [ 671 ]
    ضعيف. انتهى باختصار. ص: (وإكراء ناظره إن كان على معين كالسنتين) ش: يعني أن الحبس إذا كان على معينين كبني فلان، فللناظر أن يكريه سنتين أو ثلاث سنين ولا يكريه أكثر من ذلك ولكن لا يكون كراؤه بالنقد. انظر النوادر في ترجمة الحبس يزاد فيه أو يعمر من غلته وكراء الحبس السنين الكثيرة. فرع: قال في البيان في رسم الاقضية الاول من سماع أشهب من كتاب الصدقات: فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة على القول بأنه لا يجوز فعثر على ذلك وقد مضى بعضها، فإن كان الذي بقي يسيرا لم يفسخ، وإن كان كثيرا فسخ على ما قاله في كتاب محمد اه‍. قلت: ولم يبين حد اليسير، والظاهر أنه كالشهر والشهرين كما في مسألة كراء الوصي ربع الصغير ثم يتبين رشده. وذكر البرزلي في مسائل الحبس عن نوازل ابن رشد فيمن حبس على بني فلان أكرى أحدهم نصيبه خمسين عاما فأجاب: إن وقع الكراء لهذه المدة على النقد فسخ، وفي جوازه على غير النقد قولان، الصحيح منهما عندي المنع. وهذا فيما ينفسخ فيه الكراء بموت المكري، وهذا كمسألتك، أما الحبس على المساجد والمساكين وشبههما فلا يكريها الناظر لاكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضا، أو أكثر من عام إن كانت دارا وهو عمل الناس ومضى عليه عمل القضاة، فإن أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظرا على مذهب ابن القاسم وروايته ولا يفسخ انتهى. وقال في الشامل: وجاز كراء بقعة من أرض محبسة على غير معين أربعين سنة لتبني دارا وعمل به انتهى. وانظر أحكام ابن سهل في أول كتاب الاقضية من مسائل الحبس في ترجمة قطيع محبس

    [ 672 ]
    باعته المحبسة، وانظر الاحكام الصغرى في مسائل الاقضية. ص: (أو على كولده ولم يعينهم فضل المتولي أهل الحاجة والعيال في غلة وسكنى) ش: قال ابن رشد: المبدأ في الحبس أهل الحاجة على الاغنياء في السكنى والغلة، فلا سكنى للاغنياء معهم إلا أن يفضل عنهم شئ، فإن استووا في الفقر والغنى ولم يسعهم أكرى ذلك عليهم وقسم الكراء بينهم شرعا، سواء إلا أن يرضى أحدهم أن يكون عليه بما يصير لاصحابه من الكراء ويسكن فيها فيكون له ذلك. قاله ابن المواز: انتهى من سماع سحنون من كتاب الحبس. وقال في الشامل: ومن وقف على قوم وأعقابهم أو من لا يحاط بهم فضل الناظر ذا حاجة وعيال في غلة وسكنى على المشهور باجتهاده، فإن استووا فقرا وغنى أوثر الاقرب فالاقرب ودفع الفضل لمن يليه، فأما على ولده أو ولد ولده أو مواليه ولم يعينهم فكذلك. وقيل: الغني والفقير سواء، فإن عينهم سوى بينهم، فإن كان للغني ولد فقير أعطي بقدر حاجته انتهى. وقال في النوادر: ومن المجموعة: من حبس على قوم وأعقابهم أن ذلك كالصدقة لا يعطي الغني منها شيئا ويعطي المسدد بقدر حاله، فإن ان للاغنياء أولاد كبار فقراء وقد بلغوا أعطوا بقدر حاجتهم، الباجي: يريد بالمسدد الذي له كفاية وربما ضاق حاله لكثرة عياله انتهى. وفهم من قوله ولم يعينهم أنه لو عينهم أنه يسوي بينهم وهو كذلك. مسألة: من نوازل ابن رشد: سأله عنها القاضي عياض وهو عقد تضمن تحبيس فلان على ابنيه فلان وفلان لجميع الرحا الكراء بالسوية بينهما ولاعتدال حبسها عليهما وعلم عقبهما حبسا مؤبدا وتمم عقد التحبيس على واجبه وحوزه، ومات الاب والابنان بعده وتركا عقبا كثيرا وعقب أحدهما أكثر من عبق الآخر وفي بعضهم حاجة، فكيف ترى قسمة هذا الحبس بين هؤلاء الاعقاب ؟ هل على الحاجة أم على السوية أم يبقى في يد كل عقب ما كان بيد أبيه ؟ فأجاب: الواجب في هذا الحبس إذا كان الامر فيه على ما وصفت أن يقسم على أولاد العقبين جميعا على عددهم وإن كان عقب الولد الواحد

    [ 673 ]
    أكثر من عقب الآخر بالسواء إن استوت حاجتهم، وإن اختلف فضل ذو الحاجة منهم على من سواه بما يؤدي إليه الاجتهاد على قدر العيال أو كثرتهم، ولا يبقى بيد ولد كل واحد منهما ما كان بيد أبيه قبله وبالله التوفيق. مسألة: سئل عنها الوالد عن أرض وقف تسمى بالرهط وتنسب لعمرو بن العاص رضي الله عنه وأنه أوقفها على ذريته، وذريته أفخاذ منهم الرخامي والحطامي والساري، وكل واحد منهم بيده قطعة أخذها من أبائه، فهل له أن يقسمها بين أولاده الذكور والاناث ويكون لمن مات من الاناث أن تنقل حظها لاولادها حتى إنهم لو كانوا من فخذ آخر أخذوا ما صار لهم من أبيهم، وما صار لهم من أمهم وليس ثم كتاب ولا شرط ؟ فأجاب: إذا ثبت الوقف بالبينة أو بالشيوع، فإن علم شرط الواقف بكتاب وقف أو بينة تشهد به ولو بالشيوع اتبع، وإن لم يعلم شرط الواقف وثبت له عادة قديمة فيصرف الوقف على ما جرت به العادة القديمة إذا لم تكن مخالفة للوجه الشرعي، وليس لمن صار بيده شئ من الوقف أن يبيعه ولا يقسمه بين أولاده ولا يؤجره مدة طويلة بل يبقى بيده، فإذا مات انتقل لمن جرت العوائد المذكورة أعلاه بانتقاله إليه. ثم سئل عنه مرة أخرى فأجاب عنه بما تقدم وزاد فيه: وإذا لم يثبت لهم شرط ولا عادة وثبت أن الوقف على الذرية قسم بينهم في كل سنة على السوية إلا أن يكون فيهم محتاج فللناظر أن يؤثره على غيره والله سبحانه أعلم. ومستنده في ذلك ما ذكره ابن فرحون في تبصرته في الباب السابع والخمسين والباب السبعين قال فيه: وقد تقدم أنه يقبل قول متولي نظر الوقف في مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف، وذكر أن العادة جرت بصرف غلته في الوجوه التي يذكرها والله أعلم. ص: (ولم يخرج ساكن لغيره إلا لشرط) ش: قال ابن عرفة: قال ابن الحاجب: ولا يخرج الساكن لغيره وإن غنيا. ابن عبد السلام لما تكلم على حكم المساواة والترجيح قبل السكنى فحث على ما إذا سكن أحدهم لموجب الفقر ثم استغنى

    [ 674 ]
    فإن ذلك الحكم لا يرتفع بارتفاع سببه وهو الفقر، ولعل ذلك لان عودته لا تؤمن وإلا فالاصل أن يخرج، وهذا في الوقف على غير معين. قال ابن عرفة: قلت: في لفظه ولفظ ابن الحاجب إجمال لان ظاهر لفظهما سواء كان الحبس على معقب ونحوه أو على الفقراء فسكن بعضهم لاتصافه بالفقر ثم استغنى أنه لا يخرج لغيره وليس الامر كذلك. قال ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم: من استحق مسكنا من حبس هو على الفقراء لفقرة أخرج منه إن استغنى. وفي رسم أدرك من سماع ابن القاسم: من استحق مسكنا من حبس هو على العقب وهو غني لانقطاع غيبة المحتاج ثم قدم أنه لا يخرج لانه لم يدخل عليه ولكنه سكن بها حيث لم يكن أحد أولى بها منه. وروى الباجي: لو سافر مستحق السكنى لبعض ما يعرض للناس كان له كراء مسكنه إلى أن يعود، ولو انتقل إليه أحد من أهل الحبس رد لمنزله وأخرج منه من دخل فيه. انتهى من آخر كتاب الحبس منه. وقال الفاكهاني في شرح قوله في الرسالة ومن سكن فلا يخرج لغيره ما نصه: إلا أن يرى الناظر إخراجه وإسكان غيره مصلحة للحبس فله ذلك لا سيما إن خاف من سكناه ضررا، ولمثل هذا جعل الناظر. انتهى من الشيخ زروق ناقلا له عن الفاكهاني وهو ظاهر فتأمله والله أعلم.
    مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الالكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...