65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الأحد، 21 مايو 2023

ج27. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)



 

ج27.

ج27. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

[باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}]

قوله: (قَالَ قَتَادَةُ: مَكْتُوبٌٍ): تَقَدَّمَ في (ابتداء الخلق) كيف تُقرأ التلاوة والتفسير، وكذا في أوَّل (التفسير)؛ فانظره، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ؛ أحدها: أنَّ التلاوة تُقرَأ بالرفع، وكذا التفسير، مبتدأٌ وخبرٌ، وإن شئتَ؛ قرأتَ التلاوة على سبيل الحكاية كيف كانت؛ مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، وقرأتَ التفسير بالرفع، وإن شئتَ؛ قرأتَ التلاوة كيف جاءت، وكذا التفسير مثلها، فهذه ثلاثةُ أوجهٍ، والله أعلم.

قوله: ({يُحَرِّفُونَ} [المائدة: 13]: يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ [1]، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ): اعلم أنَّ هذه المسألةَ تَقَدَّمَ الكلامُ عليها واختلافُ الناس فيها في أوائل (كتاب البيع)، وهي مسألةٌ عظيمةٌ، وقال شيخُنا هنا: ما ذكره في {يُحَرِّفُون} هو رأيُه، وهو أحدُ القولين، وتجويز أصحابنا الاستنجاءَ بأوراق التوراة والإنجيل معلِّلين بتبديلهما [2] يخالِفُه، انتهى، وقد نقل ابن الرِّفْعَة الفقيهُ نجمُ الدين جوازَ الاستنجاءِ بأوراق التوراة عن القاضي الحُسينِ فقط، وأمَّا شيخُنا؛ فإنَّه ذكر في «شرح التنبيه» ذلك في التوراة والإنجيل، انتهى، والذي يظهر لي أنَّ هذا وجهٌ، وليس بالمذهب، ويقابل ذلك أنَّ مسَّ التوراة والإنجيل وما نُسِخَت تلاوته من القرآن وحملَها يجوزُ على الصحيح، ففيه وجهٌ أنَّه لا يجوز، وهذا الوجهُ مبايِنٌ لِما نقله شيخُنا عن أصحاب الشَّافِعيِّ، والله أعلم، وقد ذكرت لك أنَّ ما قاله القاضي الحسينُ فهو وجهٌ، ويقابِله الوجهُ الآخَرُ.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (عَزَّ وَجَلَّ).

[2] في (أ): (بتبدليهما)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[ج 2 ص 896]

(1/13331)

[حديث: لما قضى الله الخلق كتب كتابًا عنده غلبت رحمتي غضبي]

7553# قوله: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه شبَّابٌ العُصْفُريُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال لي فلانٌ)؛ فإنه كـ (حَدَّثَنَا)، غير أنَّ الغالبَ أَخْذُهُ ذلك عنه في حال المذاكرة، والله أعلم، و (مُعْتَمِرٌ): هو ابن سليمان بن طَرْخان التَّيميُّ مولاهم، تَقَدَّمَ، و (أَبُو رَافِعٍ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (نُفَيع الصائغ، كان بالمدينة، ثُمَّ تحوَّل إلى البصرة، وقيل: إنَّه أدرك الجاهليَّة)، انتهى، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا، تَقَدَّمَ مِرارًا.

قوله: (غَلَبَتْ، أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ): تَقَدَّمَ الكلام على أنَّهما صفتان من صفات الله عزَّ وجلَّ قديمتان بِقِدَمه، لا يجوز سَبْقُ إحداهما الأخرى، ومعنى (سبقت): غلبت، وهو استعارةٌ لشمولها وعمومها.

(1/13332)

[حديث: إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي]

7554# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ): هذا هو القُوْمَسِيُّ الطَّيالسيُّ، عن يزيد بن هارون، وسعدويه، وغيرِهما، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وابن أبي داود، حافظٌ ثبتٌ، تُوُفِّيَ سنة (250 هـ)، فأمَّا مُحَمَّد بن أبي غالب صاحبُ هُشَيم؛ فروى عنه ابن أبي الدُّنيا، وعبد الله بن أحمد ابن حنبل، وَثَّق الثانيَ الخطيبُ، تُوُفِّيَ سنة (224 هـ)، ليس له في الكُتُب السِّتَّة شيءٌ، و (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ): هذا هو ابن أبي سمينة البصريُّ، عن معتمر بن سليمان وخلقٍ، وعنه: أبو داود، والبُخاريُّ عن رجلٍ عنه، والبغويُّ، وخلقٌ، ثقةٌ، مات سنة (230 هـ)، أخرج له مَن روى عنه مِن أصحاب الكُتُب السِّتَّة، له ترجمةٌ يسيرةٌ في «الميزان»، و (مُعْتَمِر): هو ابن سليمان بن طرخان، و (أَبُو رَافِعٍ): تَقَدَّمَ أعلاه.

قوله: (سَبَقَتْ غَضَبِي): تَقَدَّمَ الكلام عليه أعلاه وقبله، وأنَّهما صِفَتان قديمتان بِقِدَم البارئ عزَّ وجلَّ، لا يجوز سَبْقُ إحداهما الأخرى، وأنَّه استعارةٌ لشمولها وعمومها؛ كما قال: (غَلَبَت).

قوله: (فَوْقَ الْعَرْشِ): تَقَدَّمَ الكلام فيه في الكُرَّاسة التي قبل هذه على الصحيح.

==========

[ج 2 ص 896]

(1/13333)

[باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}]

قوله: (وَقَالَ [1] أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أبا ذرٍّ): جُنْدب بن جنادة، وقد تَقَدَّمَ بعض ترجمته، وأنَّه من السَّابقين الأوَّلِين، وتَقَدَّمَ (أبو هريرة): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ): تَقَدَّمَ أنَّ (الوفدَ) جمعُ (وافد)؛ كزائر وزَوْر، وهم القوم يأتون الملوكَ رُكْبانًا، وقد وَفَدَ وَفْدًا ووِفادة، سُمِّيَ القوم بالفعلِ، وقد ذكرت متى وفدوا في (كتاب الإيمان)؛ بكسر الهمزة، وأنَّهم وَفَدوا عام الفتح قبل خروجه عليه السَّلام إلى مكَّة، وأنَّهم كانوا أربعةَ عشرَ، وقد وقع لي منهم خمسةَ عشرَ، ذكرتُهم في المكان المشار إليه، وقيل: كانوا أربعين، والله أعلم، وقد ذكرتُهم في أوائل هذا التعليق في (الإيمان)؛ بكسر الهمزة.

==========

[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (قال)؛ بلا واو.

[ج 2 ص 896]

(1/13334)

[حديث أبي موسى: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

7555# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ): هذا هو الحَجَبيُّ البصريُّ، عن مالك وأبي عوانة، وعنه: البُخاريُّ، وتمتام، وأبو خليفة، ثبتٌ، مات سنة (228 هـ)، أخرج له البُخاريُّ والنَّسائيُّ، وَثَّقَهُ أبو حاتم وأبو داود، و (عَبْدُ الْوَهَّابِ) بعده: هو ابن عبد المجيد بن الصَّلْتِ بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاصي الثقفيُّ، أبو مُحَمَّد الحافظ، تَقَدَّمَ، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، تَقَدَّمَ، و (أَبُو قِلَابَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر القاف، وتخفيف اللام، وبعد الألف مُوَحَّدة، ثُمَّ تاء التأنيث، وأنَّ اسمَه عبدُ الله بن زيد الجَرْميُّ.

قوله: (من جَرْمٍ): هو بفتح الجيم، وإسكان الراء، بطن من العرب، وهذا مَعْرُوفٌ.

قوله: (وُدٌّ وَإِخَاءٌ): (الوُدُّ): بضَمِّ الواو وتشديد الدال، وبفتح الواو وتُكسَر: المودَّة.

قوله: (عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأميرُ، تَقَدَّمَ مترجمًا.

قوله: (فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ [1]): (قُرِّب): بضَمِّ القاف، وكسر الراء المُشَدَّدة، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (طعامٌ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ): (الدّجاج) و (الدّجاجة): مثلَّث الدال.

قوله: (وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللهِ): هذا الرجل لا أعرفه، وقال ابنُ شيخِنا البُلْقينيِّ: وقع في «السنن الكبير» للبيهقيِّ بإسناده إلى زَهْدَمٍ الجَرْميِّ قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكل لحمَ دجاج، قال: ادْنُ فكُلْ، فقلت: إنِّي حلفت لا آكلُه، فقال: ادْنُ، وسأخبرك عن يمينك هذه، قال: فدنوتُ فأكلتُ، وساقَ حديثَ سؤالِ الحُمْلان، ثُمَّ أخرجه من طريقٍ أخرى، فذكره ... إلى أن قال ابنُ شيخِنا البُلْقينيِّ: والظاهر أنَّهما معًا امتنعا؛ زَهْدَمٌ والرجلُ التيميُّ، ثُمَّ قال: وقد أخرج التِّرْمِذيُّ قصَّة زَهْدَمٍ مختصرةً، فساق سنده إلى زَهْدَم، قال: (دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا، فقال: ادْنُ فكلْ، فإنِّي رأيت رسول الله

[ج 2 ص 896]

(1/13335)

صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يأكله)، قال: وأخرج أبو عوانة في «صحيحه»؛ فساق سنده إلى زَهْدَم، قال: (قُرِّب إلى أبي موسى لحمُ دجاجة، فقال لي: ادْنُ فكُلْ، فقلت: إنِّي لا أريده، إنِّي حلفت لا آكلُها، إنِّي رأيتها تأكل قذرًا، فقال أبو موسى: أتينا رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نستحمله ... )؛ الحديث، انتهى مُلَخَّصًا.

قوله: (فَقَذِرْتُهُ): هو بكسر الذال المُعْجَمَة؛ أي: كرهته، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (فَقَالَ: هَلُمَّ): تَقَدَّمَ الكلام عليها بِلُغَتَيْها.

قوله: (فَلِأُحَدِّثْكَ): هو بكسر اللام، وسكون الثاء، ويجوز من حيث العربيةُ على قلَّة كسرُ اللام ونصب الثاء؛ على أنَّ اللامَ لامُ (كي)، وفي نسخة: (فلَأُحَدِثَنَّك)؛ بفتح اللام، ثُمَّ همزة مضمومة، مؤكَّدٌ بالنون، وهذه في أصلنا، والأولى في الطُّرَّة.

قوله: (فِي نَفَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (النَّفَر): ما دون العشرة من الرجال؛ كـ (الرهط).

قوله: (نَسْتَحْمِلُهُ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: نطلب منه الحُملَان، كما جاء في بعض طرقه، و (الحُمْلان): مصدرُ حَمَل يَحْمِل حُمْلانًا؛ وذلك أنَّهم أنفذوه يطلبُ منه عليه السَّلام شيئًا يركبون عليه، ويحمل متاعَهم.

قوله: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

ْقوله: (بِنَهْبِ إِبِلٍ): هو بفتح النون بلا خلافٍ أعلمه في ذلك، لا بكسرها، وقد تَقَدَّمَ في (الأيمان والنذور) مُطَوَّلًا، وقد قَيَّدهُ بفتح النون الشيخُ محيي الدين النَّوويُّ في «شرح مسلم» في أوَّل (كتاب الأيمان) في هذا الحديث، انتهى، وأمَّا الكسر؛ فلا أعلمه منقولًا، والله أعلم.

قوله: (بِخَمْسِ ذَوْدٍ): تَقَدَّمَ ما (الذَّود) في (كتاب الزكاة)، وما قاله ابنُ عَبْدِ البَرِّ، وما قاله أبو البقاء، وقد رُدَّ ما قاله فيه أبو البقاء؛ لأنَّ ابنَ عَبْدِ البَرِّ ذكره عن غيره ورَدَّه.

قوله: (غُرِّ الذُّرَا): أي: بِيض الأعالي، وأراد أنَّها بيضٌ، فعبَّر ببياض أعالِيها عن جملتها، وقد تَقَدَّمَ.

(1/13336)

ْقوله: (تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ): (تَغَفَّلْنا): بإسكان اللام، والضمير فاعل، و (رسولَ): مَنْصُوبٌ مفعولٌ، و (يمينَه): مفعولٌ ثانٍ، ومعنى: (تغفَّلنا)؛ أي: جعلناه غافلًا عن يمينه بسبب سؤالنا، وقيل: سألناه في وقت شغله، ولم ننتظر فراغَه، يقال: تغفَّلتُه واستغفلتُه؛ أي: تحيَّنتُ غفلَتَه، والله أعلم.

(1/13337)

[حديث: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع .. ]

7556# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ هذا هو أبو حفص الفَلَّاس الصَّيْرَفيُّ، أحد الأعلام، و (أَبُو عَاصِمٍ) بعده: هو الضَّحَّاك بن مخلد النَّبيل، تَقَدَّمَ، و (أَبُو جَمْرَةَ): بالجيم والراء، نصر بن عِمران الضُّبَعِيُّ، تَقَدَّمَ.

قوله: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ): تَقَدَّمَ في الصفحة التي قبل هذه الكلامُ على (الوفد)، ومتى وَفَد هؤلاء، وكم كانوا، وقد كانوا أربعةَ عشرَ، وقد ذكرته مُطَوَّلًا في (كتاب الإيمان)؛ بكسر الهمزة، وذكرت منهم خمسةَ عشرَ رجلًا، والله أعلم، وذكرت الأربعين أيضًا على القول بأنَّهم كانوا أربعين في (كتاب الإيمان)؛ بكسر الهمزة.

ْقوله: (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ): قد تَقَدَّمَ الكلام على ذلك مُطَوَّلًا في (كتاب الإيمان) في أوائل هذا التعليق.

قوله: (لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ): تَقَدَّمَ ما (الدُّبَّاء)، وكذا (النَّقِيرِ)، وَكذا (الْحَنْتَمَةِ)، وقدَّمْتُ هناك أنَّ هذا النهيَ عن الانتباذ في هذه الأواني الأربعةِ كان في أوَّل الإسلام، ثُمَّ نُسِخ، وناسِخُه حديثُ بريدة في «مسلمٍ»: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «كنتُ نهيتكم عن الانتباذ في الأَسْقِية، فانتبذوا في كلِّ وعاءٍ، ولا تشربوا مُسكرًا»، وأنَّ هذا هو مذهب الشَّافِعيِّ والجمهور، وأنَّ طائفةً ذهبت إلى أنَّ النهيَ باقٍ؛ منهم مالكٌ وأحمدُ وإسحاقُ، حكاه الخَطَّابيُّ عنهم، وهو مرويٌ عن عمر، وابن عَبَّاس، وعمر بن عبد العزيز، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ في رواية: (الأسقية)، وأنَّ النهيَ ما وقع عنها قطُّ، وأنَّ صوابَه: (في الأوعية)، ذكرت ذلك في (الأشربة)؛ فانظره إن أردته.

==========

[ج 2 ص 897]

(1/13338)

[حديث عائشة: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة.]

7557# قوله: (أَحْيُوا): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا الثانية.

==========

[ج 2 ص 897]

(1/13339)

[حديث ابن عمر: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة]

7558# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل السدوسيُّ عارمٌ، وتَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّ (العارمَ): الشريرُ أو الشَّرِسُ، وأنَّه بعيدٌ من العرامة، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ.

==========

[ج 2 ص 897]

(1/13340)

[حديث: قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي]

7559# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بضَمِّ الفاء، وفتح الضاد، وأنَّه مُحَمَّد بن فُضَيل بن غزوان، و (عُمَارَة) بعده: بضَمِّ العين، وتخفيف الميم، وأنُّه ابن القعقاع، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ اسمَه هَرِم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرَّحْمَن، وقيل: جرير، وقيل: عمرو، عن جدِّه جريرِ بن عبد الله البَجَليِّ، تَقَدَّمَ.

(1/13341)

[باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم]

قوله: (بَابُ قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ، وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلَاوَتُهُمْ): (أصواتُهم): مَرْفُوعٌ، وكذا (تلاوتُهم)، وكون (الأصوات) بالرفع فهو على الابتداء، كذا رأيته في نسخةٍ صحيحةٍ مقابَلةٍ على عدَّة نُسَخٍ، وفي أصلنا (الأصوات) و (التلاوة) مرفوعان ومجروران بالقلم، والجرُّ أيضًا في (الأصوات) و (التلاوة) عطفًا على (قراءةِ)، ويجوز جرُّ (الأصوات) ورفع (التلاوة) على أنَّ (الأصوات) معطوفةٌ، و (التلاوة) مبتدأ، و (لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ): الخبر، وهذا ما في نسخة الدِّمْيَاطيِّ.

==========

[ج 2 ص 897]

(1/13342)

[حديث: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة]

7560# قوله: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بضَمِّ الهاء، وإسكان الدال المُهْمَلَة، وبعدها مُوَحَّدة، ويُقال له أيضًا: هدَّاب، تَقَدَّمَ، و (هَمَّام): هو ابن يحيى العَوْذيُّ الحافظ، تَقَدَّمَ مِرارًا، و (أَبُو مُوسَى): هو عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ الأميرُ.

قوله: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ): تَقَدَّمَ الكلام على (الأُتْرُجِّ) في (سورة يوسف)، واعلم أنَّ في (الأُتْرُجِّ) منافعَ كثيرةً، وهو مركَّبُ من أربعة أشياء: قشر، ولحم، وحمض، وبزر، ولكلِّ واحدٍ منها مزاجٌ يخصُّه؛ فقشره: حارٌ يابِسٌ، ولحمه: باردٌ رَطْبٌ، وحمضه: باردٌ يابسٌ، وبزره: حارٌّ يابسٌ،

[ج 2 ص 897]

ومن منافع قِشْره: أنَّه إذا جُعِل في الثيَاب منعَ السُّوسَ، ورائحته تُصْلِحُ فسادَ الهواء والوَبَاء، وتطيِّب النكهةَ إذا أمسكها في فمه، ويحلِّل الرياح، وإذا جُعِل في الطعام كالأبازير؛ أعان على الهضم، قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة: قال صاحب «القانون»: وعصارة قشره تنفع من نهش الأفاعي شُربًا، وقشره ضِمادًا، وحراقةُ قِشره طلاءٌ جيِّدٌ للبَرَص، انتهى، وأمَّا لحمه؛ فمُطْفِئٌ لحرارة المَعِدة، نافعٌ لأصحاب المِرَّة الصفراء، قامعٌ للبخارات الحارَّة، وقال الغافقيُّ: أكل لحمه ينفع البواسير، انتهى

وأمَّا حُمَّاضُه؛ فقابضٌ كاسِرٌ للصفراء، ومُسَكِّنٌ للخفقان الحارِّ، نافعٌ من اليرقان شُربًا واكتحالًا، قاطعٌ للقيء الصفراويِّ، مُشَهٍّ للطعام، عاقلٌ للطبيعة، نافعٌ من الإسهال الصفراويِّ، وعصارةُ حُمَّاضِه تُسَكِّن علَّةَ [1] النِّساء، وتنفع طلاءً من الكَلَف، وتذهب بالقُوباء، ويستدلُّ على ذلك من فعله في الحِبْر إذا وقع على الثياب، وقلعِه له، وله قوَّةٌ تُلَطِّفُ وتقطع وتُبرد، ويُطفِئ حرارةَ الكبد، ويقوِّي المعدة، ويمنع حِدَّة المِرَّة الصفراء، ويزيل الغمَّ العارض منها، ويُسَكِّن العطش.

(1/13343)

وأمَّا بزره؛ فله قوَّةٌ محلِّلة مجفِّفة، وقال ابن ماسويه: خاصيَّةُ حَبِّه النفعُ من السُّموم القاتلة إذا شرب منه وزن مثقالَين بماءٍ فاتر أو طلاء مطبوخ، وإن دُقَّ ووُضِع على موضع اللسعة؛ نَفَعَ، وهو مليِّنٌ للطبيعة، مطيِّبٌ للنكهة، وأكثر هذا الفعل منه موجودٌ في قشره، وقال غيره: خاصيَّة حَبِّه النفعُ من لَسْع العقارب إذا شُرِب منه وزنُ مثقالَين مقشَّرًا بماء فاتر، وكذلك إذا دُقَّ ووُضِع على موضع اللَّدْغَة، وقال غيره: حَبُّه يصلح للسموم كلِّها، وهو نافعٌ من لدغ الهوامِّ، وذكر أنَّ بعض الأكاسرة غضب على قومٍ من الأطبَّاء، فأمر بحبسهم، وخيَّرهم أُدْمًا لا مزيدَ لهم عليه، فاختاروا الأُتْرُجَّ، فقيل لهم: لمَ اخترتموه على غيره؟ قالوا: لأنَّه في العاجل رَيحان، ومنظره مفرِّحٌ، وقشرُه طيِّبُ الرائحة، ولحمُه فاكهةٌ، وحمضُه أُدْمٌ، وحَبَّه ترياقٌ، وفيه دُهنٌ، انتهى.

وحكى شيخُنا الشارح عن العلَّامة عبدِ الوهَّاب بن سَحنون التنوخيِّ في كتاب «الأدوية القلبيَّة» نحوَ هذه العبارة عن بعض الحكماء: غضب عليه بعض الأكاسرة ... ؛ فذكره، قال ابن القَيِّمِ: وحقيقٌ بشيء هذه منافِعُه أن يُشَبَّه به خلاصةُ الوجود؛ وهو المؤمنُ الذي يقرأ القرآن، وكان بعض السَّلَف يحبُّ النظرَ إليه؛ لما في منظره من التفريح، انتهى.

==========

[1] كذا في (أ)، وفي مصدره: (غلمة).

(1/13344)

[حديث: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها]

7561# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ): (عليٌّ): هو ابن عبد الله ابن المَدينيِّ، و (هشامٌ): هو ابن يوسف، القاضي الصنعانيُّ، و (مَعْمَرٌ): بفتح الميمين، وإسكان العين بينهما، ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أوحد الأعلام، وشيخ الإسلام، العالم المشهور.

قوله: (ح): تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابةً وتلفُّظًا، في أوائل هذا التعليق، وها أنا أعيدُه؛ لطول الفصل، اعلم أنَّها جرت عادةُ أهل الحديث وكتَبَتِه: أنَّه إذا كان للحديث إسنادان فأكثرُ، وجمعوا بين الأسانيد في متنٍ واحدٍ؛ أنَّهم إذا انتقلوا من سندٍ إلى إسنادٍ آخرَ؛ كتبوا بينهما حاءً مفردةً مهملةً، صورة: (ح)، والذي عليه عملُ أهل الحديث أن ينطق القارئ بها كذلك مفردةً، واختاره أبو عمرو ابن الصلاح، وذهب عبد القادر الرُّهاويُّ الحافظ إلى أنَّ القارئ لا يتلفَّظ بها، وأنَّها حاءٌ من (حائل)؛ أي: تحوُّلٍ بين الإسنادَين، وأنكر كونَها من قولهم: (الحديث) وغير ذلك، لمَّا سأله ابنُ الصلاح أبو عمرو عن ذلك، قال ابن الصلاح: وذاكرت فيها بعضَ أهل العلم من أهل الغرب، وحكيتُ له عن بعض مَن لقيت من أهل الحديث أنَّها حاءٌ مهملةٌ إشارةً إلى قولنا: الحديث، فقال لي: أهل الغرب _وما عرفت بينهم اختلافًا_ يجعلونها حاءً مهملةً، ويقول أحدهم إذا وصل إليها: الحديثَ، قال ابن الصلاح: وحكى لي مَن جمعتني وإيَّاه الرحلةُ بخراسان عمَّن وصفه بالفضل من الأصبهانيِّين: أنَّها من التحويل؛ أي: من إسناد إلى إسنادٍ آخرَ، وقال ابن الصلاح: وجدتُ بخطِّ الأستاذ أبي عثمان الصابونيِّ، والحافظِ أبي مسلمٍ عمرَ بنِ عليٍّ الليثيِّ البُخاريِّ، والفقيهِ المحدِّث أبي سعيدٍ الخليليِّ في مكانها بدلًا عنها: (صح) صريحة، قال: وهذا يُشعِر بكونها رمزًا إلى (صح)، وحَسُنَ إثبات (صح) ههنا؛ لئلَّا يُتَوَهَّم أنَّ حديثَ هذا الإسنادِ سقط، ولئلَّا يُرَكَّب إسنادُ الثاني على الأوَّل، فيُجعَلَا إسنادًا واحدًا، والله أعلم.

(1/13345)

قوله: (وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا أحمد بن صالح المصريُّ، أبو جعفر الحافظ، المعروف بابن الطَّبَريِّ، كان أبوه جنديًّا من أهل طَبَرِسْتَان، وكان أبو جعفر من كبار الحُفَّاظ، ولد بمصر سنة سبعين ومئة، وروى عن ابن وهب، وابن عُيَيْنَة، وابن أبي فُدَيك، وعبدِ الرَّزَّاق، وعنبسة بن خالد، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وعمرٌو الناقد، وابن نُمَير، ومحمود بن غيلان، ومُحَمَّد بن المثنَّى، والأربعةُ من طبقته، وأبوَا زُرْعَة الدِّمَشْقيُّ والرازيُّ، وصالحٌ جَزَرة، ويعقوب الفَسَويُّ، وخلقٌ، تُوُفِّيَ في ذي القعدة سنة (248 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وهو ثبتٌ في الحديث، له ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه، و (عَنْبَسَةُ): هو ابن خالد، تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ أخرج له مقرونًا، وهو ههنا مقرونٌ، الأيليُّ، عن عمِّه يونس وابنِ جُرَيجٍ، وعنه: أحمد بن صالح وجماعةٌ، مات سنة (198 هـ)، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا _كما تَقَدَّمَ أعلاه وقبله_ وأبو داود، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد قدَّمته، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ»): هؤلاء الأناس لا أعرفهم، وقد قال بعض حُفَّاظ العَصْرِ: هم ربيعة بن كعب الأسلميُّ وقومُه، كما ثبت ذلك في «صحيح مسلم»، انتهى، تَقَدَّمَ أنَّ الكهانة كانت في العرب على ثلاثةٍ أضرُبٍ؛ أحدها: أن يكون للإنسان وليٌّ من الجِنِّ يخبره بما يسترق من السَّمْع عن السماء، وهذا القسمُ بَطَلَ مِن حينَ بعثَ اللهُ تعالى مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الثاني: أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض، وما خفيَ عنه ممَّا قَرُب أو بَعُد، وهذا لا يبعدُ وجودُه، ولكنَّهم يَصدُقُون فيه ويَكذِبون، والنهيُ عن تصديقهم والسماعِ منهم عامٌّ، الثالث: المنجِّمون، وهذا الضرب بخلق الله تعالى لبعض الناس قوَّةً ما، لكنَّ الكَذِب فيه أغلبُ، ومن هذا الفنِّ العَرَافَةَ، وصاحبها عَرَّافٌ؛ وهو الذي يستدلُّ على الأمور بأسبابٍ ومقدِّماتٍ يدَّعي معرفتَه [1] بها، وقد يعتضد بعضُ هذا الفنِّ في ذلك بالزَّجْرِ والطَّرْقِ والنُّجوم، وأسبابٍ

[ج 2 ص 898]

(1/13346)

معتادةٍ، وهذه [2] الأضرب كلُّها تُسمَّى كَهَانةً، وقد أكذبهم كلَّهم الشرعُ، ونهى عن تصديقهم وإتيانِهم، والله أعلم.

قوله: (لَيْسُوا بِشَيْءٍ): معناه: ليسوا بحقٍّ، قاله البُخاريُّ فيما تَقَدَّمَ في مكانٍ من «الصحيح» في ترجمةٍ، وفي كلامِ غيره: معناه: بطلان قولهم، وأنَّه لا حقيقةَ له، وفي هذا جوازُ إطلاقِ هذا اللفظِ على ما كان باطلًا.

قوله: (يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ (يخطَف) بفتح الطاء على الأفصح، وهي لغة القرآن، وتُكْسَر على لغةٍ، وقد تَقَدَّمَ الكلام في (الأدب) في (يَخْطَفُهَا) و (يَحْفَظُها)، ونذكره هنا؛ لبُعْدِ العهد به، قال ابن قُرقُول: وفي (كتاب الأدب): (تلك الكلمة يحفظها الجنيُّ)، كذا لهم، من الحفظ، وللقابسيِّ: (يحفظها [3])، وفي (كتاب التوحيد) _يعني هذا المكان_: (يخطفها) لكافَّتهم، وعند القابسيِّ وعُبدوس: (يحفظها)، وصوابه في الموضعين: (يخطفها)، وهو المذكور في غير هذا الموضع، ومنه: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]، انتهى، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ في الأصل: (يحفظها)، وقد ضبَّبَ عليها المِزِّيُّ بيده، وكتب في الهامش: (يخطفها)، وكتب بعدها (صح)، والله أعلم.

قوله: (فَيُقَرْقِرُهَا): هو بضَمِّ أوَّله، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى رواية: (فيَقُرُّها)، وأنَّها ثلاثيَّةٌ ورباعيَّةٌ، ومعنى ذلك كلِّه.

قوله: (كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّ (الدّجاجة) مُثَلَّثَة الدال، وكذا الجمع.

قوله: (مِئَةِ كذْبَةٍ): هي بالفتح والكسر في الكاف، وإسكان الذال فيهما.

==========

[1] في (أ): (معرفتها)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[2] في (أ): (وهذا)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[3] كتب فوقها في (أ): (لعله: يخطفها).

(1/13347)

[حديث: يخرج ناس من قبل المشرق ويقرؤون القرآن لا يجاوز]

7562# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل السدوسيُّ، وأنَّ لقبَ مُحَمَّدٍ عارمٌ، وأنَّ (العارمَ): الشِّريرُ، ويقال: الشَّرِس، وهو بعيدٌ من العرامة، قريبًا وبعيدًا، و (مُحَمَّد بْن سِيرِينَ) عَنْ أَخِيهِ (مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ): تَقَدَّمَ أنَّ أولادَ سيرين ستَّةٌ من التابعين: مُحَمَّد، وأنس، ويحيى، ومعبدٌ، وحفصةُ، وكريمةُ، كذا سمَّاهم ابنُ معين والنَّسائيُّ في «الكنى»، والحاكمُ في «علومه»، ولكنَّه نقل في «التاريخ» عن أبي عليٍّ الحافظِ تسميتَهم فزاد فيهم: خالدُ بن سيرين، مكان (كريمة)، والله أعلم، وذكر ابن سعد في «الطبقات» عمرةَ بنتَ سيرين وسودةَ بنت سيرين، أمُّهما أمُّ ولد كانت لأنس بن مالك، قال شيخُنا الحافظُ العِرَاقيُّ: ولم أرَ مِن ذكرٍ لها بين رواته، وقد اجتمع منهم ثلاثةٌ يروون في حديثٍ واحدٍ، وذلك فيما رواه الدَّارَقُطْنيُّ في كتاب «العلل» بإسناده من رواية هشام بن حسَّان، عن مُحَمَّد بن سيرين، عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك: أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «لبَّيك حجًّا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا»، وذكر مُحَمَّد بن طاهر المقدسيُّ في بعض تخاريجه: أنَّ هذا الحديثَ رواه مُحَمَّد بن سيرين، عن أخيه يحيى، عن أخيه معبد، عن أخيه أنس، فعلى هذا؛ اجتمع فيه أربعةٌ في إسنادٍ واحدٍ، وكذا ذكره ابن الجوزيِّ أبو الفرج في «تلقيحه»، وهو غريبٌ، وقد قَدَّمْتُ ذلك، والله أعلم، كَتَب بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين ما لفظه: هذا الذي استغربه شيخُنا رويته في الجزء الأوَّل من شيخه أبي الغنائم النرسيِّ، انتهى، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان، تَقَدَّمَ مِرارًا.

قوله: (يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ): (قِبَل): بكسر القاف، وفتح المُوَحَّدة، وهؤلاء (الناس): هم الخوارج، وقد قَدَّمْتُ في (كتاب استتابة المرتدِّين) عدَّةَ الخوارجِ الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه بما فيه من الخلاف، والله أعلم.

قوله: (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ): تَقَدَّمَ أنَّ (التراقيَ) جمع (تَرْقُوة)، وتَقَدَّمَ أنَّ (التَّرْقُوةَ): العظمُ الذي بين ثُغرة النحر والعاتق، وهي (فَعْلُوَة) بفتح التاء، ولا تقل: (تُرقوة)؛ بالضَّمِّ.

(1/13348)

قوله: (إِلَى فُوقِهِ): (الفُوْق): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الفاء، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ قاف، وهو موضع الوَتَر من السَّهْم، وقد يُعَبَّر بـ (الفُوْق) عن السهم نفسِه، و (الفُوْق): هو الذي يسمِّيه الناسُ اليومَ الكازَ.

قوله: (مَا سِيمَاهُمْ): (السِّيما)؛ بالقصر: العلامة، والأصل فيه بالواو، فقُلِبَت؛ لكسرةِ السين، قال الله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، وقد يجيء (السيماء) و (السيمياء) أيضًا ممدودَين، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (التَّحْلِيقُ): أي: حلقُ الشَّعر واستئصالُه، يُقال: حَلَق رأسَه بالتخفيف، وحلَّقوا رؤوسهم؛ شُدِّد للكثرة، ومن المشدَّد قال: (التحليق)، ولم يقل: الحَلْق.

قوله: (أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ): شكَّ الراوي أيَّ اللفظين قاله عليه السَّلام، ومعناهما متقاربٌ، و (التَّسْبِيد): بفتح التاء المُثَنَّاة فوق، ثُمَّ سين ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال، مهملتين؛ أي: الحَلْق واستئصال الشَّعر، وهو قولُ الأصمعيِّ، وقيل: ترك التدهُّنِ وغسلِ الرأس، وهذا قول أبي عبيد، والأوَّل أظهر؛ لموافقة الروايات بالتحليق، قاله ابن قُرقُول، وحكى القولَين أيضًا الجوهريُّ وكذا ابن الأثير من غير عزوٍ ولا ترجيح، غير أنَّهما قدَّما استئصالَ الشَّعر، وقال شيخنا في (اللباس) في (قصِّ الشارب) ما لفظه: وفي الحديث أنَّه قال في الخوارج: (سيماهم التَّسْبِيد)؛ وهو حلق الشارب من أصله، انتهى، ثُمَّ رأيت بعد ذلك ذكر (أنَّ علامةَ الخوارج حلقُ الرُّؤوس) في غضون كلامٍ، انتهى، وهذا الذي أعرفه، ومسألة حلق الشارب للعلماء فيها خلافٌ، وهي مسألةٌ مشهورةٌ، وفيها حديثٌ في «سنن النَّسائيِّ»، ونُسِبَ إلى الشذوذ، وفيها غير ذلك، وقد تَقَدَّمَت في (قصِّ الشارب)، والله أعلم.

تنبيهٌ: قال الصغانيُّ أبو مُحَمَّد الحسنُ اللغويُّ: سبَّد شعره؛ إذا حلقه واستأصله، وإذا كثَّره، ذكره في «الأضداد»، والمراد هنا: الاستئصال، والله أعلم.

==========

[ج 2 ص 899]

(1/13349)

[باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط} ... ]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [1] [الأنبياء: 47]): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: جمع البُخاريُّ في هذه الترجمةِ بين فوائدَ؛ منها: وصفُ الأعمال بالوزن، ومنها: إدراجُ الكلام في الأعمال؛ لأنَّه وصفَ الكلمتين بالخِفَّة على اللسان والثِّقَل في الميزان، دلَّ أنَّ الكلامَ يوزن، ومنها: أنَّه ختم كتابه بهذا التسبيح، وقد ورد في الحديث ما يدلُّ على استحباب خَتْمِ المجالس بالتسبيح، وأنَّه كفَّارةٌ لِما لعلَّه يتَّفق في أثناء الكلام ممَّا ينبغي محوُه، وهو نظيرُ كونه بدأ كتابه بحديث: «الأعمال بالنيَّات»، فكأنَّه تأدَّب في فاتحته وخاتمته بآداب السُّنَّة والحقِّ، والأدب في الابتداء: إخلاصُ القصد والنيَّةِ، [و] في الانتهاء: مراقبةُ الخواطر، ومناقشةُ النفس على الماضي، والاعتمادُ في تكفير ما لعلَّه يحتاج إلى التكفير بما جعله الشرع مكفِّرًا للهَفَوات، مُخْلِصًا للحسنات من النَّزَغَات، الداخلة في حيِّز الهَفَوات، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، انتهى.

اعلم أنَّه روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» وغيرُه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَن جلس في مجلسٍ، فكثر فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك؛ إلَّا غُفِرَ له ما كان في مجلسه ذلك»، قال التِّرْمِذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وفي «أبي داود» وغيرِه: عن أبي بَرْزَة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول بأَخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من مجلسه: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّا أنت،

[ج 2 ص 899]

(1/13350)

أستغفرك وأتوب إليك»، فقال رجلٌ: يا رسول الله؛ إنَّك لتقول قولًا ما كنتَ تقوله فيما مضى، قال: «ذلك كفَّارةٌ لِما يكون في المجلس»)، ورواه الحاكم في «المستدرك» من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: صحيح الإسناد، وفي «الحِلْيَة» لأبي نُعَيم أحمدَ بنِ عبد الله بن إسحاق الحافظِ عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: (مَن أحبَّ أن يكتال بالمكيال الأوفى؛ فليقل في آخر مجلسه، أو حين يقوم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182])، فهذا الظاهر الذي أشار إليه ابن المُنَيِّر وقبلَه البُخاريُّ، والله أعلم.

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] ... ) إلى آخر كلامه: قال ابن فَوْرَك: قد أنكرت المعتزلةُ الميزانَ؛ بناءً على أنَّ الأعراضَ يستحيل وزنُها؛ إذ لا تقوم بأنفسها، ومن المتكلِّمين مَن يقول ذلك، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاس: أنَّ الله يقلب الأعراضَ أجسامًا، فيزنُها يوم القيامة، وقد تَقَدَّمَ مثلُه في ذبح الموت: أنَّ الله يُجَسِّدُ المعانيَ أجسادًا، والصحيحُ أنَّ الموازينَ تثقل بالكتب، فيها الأعمال مكتوبةٌ، وبها تخفُّ، كما دلَّ عليها الحديثُ والكتابُ العزيز.

(1/13351)

قال ابن عمر: (توزن صحائف الأعمال)، وإذا ثبت هذا؛ فالصُّحُف أجسام، فيجعل الله رُجْحان إحدى الكِفَّتين على الأخرى دليلًا على كثرة أعماله بإدخاله الجنَّة والنَّار، ورُوِيَ عن مجاهد والضَّحَّاك والأعمش: أنَّ «الميزان» هنا بمعنى: العدل والقضاء، وذِكْرُ الوزن والميزان ضربُ مَثَلٍ، وقد نقل الذَّهَبيُّ في «الميزان»: أنَّه العدل عن عثمان بن مِقْسَم البُرِّيِّ، وهو أحد الأئمَّة على ضَعْفٍ فيه، وروى البُرِّيُّ عن منصور، وقتادة، والمقبريِّ، والكبار، وكان يُنكِر الميزانَ، ويقول: هو العدل، وهذا ليس بشيءٍ وإن كان سائغًا في اللغة؛ للسُّنَّة الثابتة في الميزان الحقيقيِّ، ووصفه بكِفَّتين ولسان، وأنَّ كلَّ كِفَّة طباقُ السماوات والأرض، وقد جاء أنَّ كِفَّة الحسنات من نور، والأخرى من ظلام، والكِفَّة النيِّرة للحسنات، والكِفَّة المظلمة للسيِّئات، ورُوِيَ عن سلمان أنَّه قال: (توضع الموازين يوم القيامة، فلو وُضِعت فيهنَّ السماوات والأرض؛ لوسعتهنَّ، فتقول الملائكة: يا ربَّنا؛ ما هذا؟ فيقول: أزِنُ به لمن شئتُ من خلقي، فتقول الملائكة عند ذلك: يا ربَّنا؛ ما عبدناك حقَّ عبادتك)، قال ابن عَبَّاس: (تُوزَن الحسناتُ والسيِّئاتُ في ميزانٍ له لسانٌ وكِفَّتان).

قال القرطبيُّ في «تذكرته»: قال علماؤنا: لو جاز حمل الميزان على ما ذكروه؛ لجاز حمله على الدِّين الحقِّ، والجنَّة والنَّار على ما يرد على الأرواح دونَ الأجساد من الأحزان والأفراح، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة، وهذا كلُّه فاسدٌ؛ لأنَّه ردٌّ لما جاء به الصادق، وفي «الصحيحين»: «فيُعطَى صحيفةَ حسناته»، وقولُه: «فتُخرَج له بطاقةٌ ... »؛ الحديث؛ فهذا يدلُّ على الميزان الحقيقيِّ، وأنَّ الموزونَ صحفُ الأعمال، والله أعلم.

قوله: (وَإِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ): (إنَّ): بكسر الهمزة، كما في أصلنا، وفي نسخةٍ صحيحةٍ مقابَلةٍ بعدَّة نسخٍ مقروءَةٍ: بالفتح ليس غير [2]، ولكلٍّ وجهٌ.

(1/13352)

قوله: (يُوزَنُ): قد اعتُرِض على البُخاريِّ بأنَّ الموزونَ الصحفُ التي تُكتَب فيها الأعمال _كما نُصَّ عليه في حديثِ التِّرْمِذيِّ في حديث البطاقة، وقال: حسنٌ غريبٌ، ورواه ابن ماجه_ لا الأعمال؛ إذ هي أعراضٌ عند أهل السُّنَّة لا ثقلَ لها ولا جسم، لكن قيل: إنَّ الله تعالى يُحَلِّيها في جواهرَ وأجسامٍ، فتصير أعمالُ المطيعين في صورةٍ حسنةٍ، وأعمالُ العاصين في صورةٍ قبيحةٍ، ثُمَّ يزنها، فصحَّ قوله: (يُوزَنُ)، وقد تَقَدَّمَ أعلاه الكلامُ في وزن الأعمال.

تنبيهٌ: حكى بعضُهم _كما قاله بعضُهم_ خلافًا، وقال: الراجح أنَّ الوزنَ في الآخرة يصعَد الراجحُ، عكس الوزن في الدنيا، وهو غريبٌ، انتهى، وهذا قيل: إنَّ السُّهَيليَّ نقله أو قاله، وهو مصادِمٌ للنصِّ في قوله: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ} [القارعة: 8]، {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ} [3] [القارعة: 6]، ولقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8]، ولحديث البطاقة: «فثقلت البطاقةُ، وطاشت السِّجلَّاتُ»، ولغيره من الأحاديث.

(1/13353)

تنبيهٌ: هذه البطاقة فيها: (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه)، ليست شهادةَ التوحيد، قاله الحكيم التِّرْمِذيُّ، قال: لأنَّ من شأنِ الميزانَ أن يُوضَع في كِفَّةٍ شيءٌ، وفي الأخرى ضدُّه، فتوضع الحسنات في كِفَّة، والسيِّئات في كِفَّة، فهذا غير مستحيل؛ لأنَّ العبد قد يأتي بهما جميعًا، ويستحيل أن يأتيَ بالكفر والإيمان جميعًا، فلذلك استحال أن تُوضَعَ شهادةُ التوحيد في الميزان، وأمَّا بعد أن آمن العبدُ؛ فإنَّ النطقَ بـ (لا إله إلَّا الله) حسنةٌ تُوضَع في الميزان مع سائر الحسنات، وقال غيره: إنَّ النطقَ بها زيادةُ ذِكْرٍ على حُسْنِ طاعةٍ، وتكون طاعةً قالها في خلوة وخفية من المخلوقين، فتكون له عند الله تعالى وديعةً يردُّها عليه في ذلك اليوم، فيعظم قدرها، ويجلُّ موقعُها، وترجح بخطاياه، والله يتفضَّل على مَن يشاء، ويدلُّ على هذا قولُه في الحديث: «بلى إنَّ لك عندنا حسنةً»، ولم يقل: عندنا إيمانًا، وقد سُئِل عليه السَّلام عن (لا إله إلَّا الله)؛ هي من الحسنات؟ فقال: «من أعظم الحسنات»، خرَّجه البيهقيُّ وغيرُه، ويجوز أن تكون هذه الكلمةُ هي آخرَ كلامه، كما في حديث معاذ عنه عليه السَّلام: «مَن كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنَّة»، وقد قيل: يجوز حمل هذه الشهادة على الشهادة التي هي الإيمان، ويكون ذلك في حقِّ كلِّ مؤمنٍ ترجح حسناته، ويُوزَن إيمانُه؛ كما تُوزَن سائر حسناته، وإيمانه يرجح بسيِّئاته، ويُدخِله الله النارَ بعد ذلك، فتطهِّره من ذنوبه، ويُدخِله الجنَّةَ بعد ذلك، وهذا مذهبُ قومٍ يقولون: إنَّ كلَّ مؤمنٍ يُعطَى كتابَه بيمينه، وكلَّ مؤمنٍ يثقل ميزانه، ويتأوَّلون قولَه تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8]؛ أي: الناجون من الخلود، وفي قوله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]؛ أي: يومًا ما، وكذلك قوله عليه السَّلام: «مَن كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنَّة»؛ أي: صائرٌ إليها لا محالةَ أصابه قبل ذلك ما أصابه، وهذا تأويلٌ فيه نظرٌ، يحتاج إلى دليلٍ من خارج، والذي يدلُّ عليه الآيُ والأخبار: أنَّ مَن ثَقُل ميزانُه؛ فقد نجا وسَلِمَ، وبالجنَّة أيقن، وعَلِم أنَّه لا يدخل النار بعد ذلك.

(1/13354)

فائدةٌ: خرَّج اللالْكائيُّ في «سننه» عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السَّلام)، انتهى.

تنبيهٌ: جاء في الخبر _ كما قاله القرطبيُّ_: «أنَّ الجنَّةَ توضع عن يمين العرش، والنارَ عن يسار العرش، ويؤتى بالميزان، فيُنصَب بين يدي الله تعالى، كِفَّة الحسنات عن يمين العرش مقابل الجنَّة، وكِفَّة السيِّئات عن يسار العرش مقابل النار»، ذكره الحكيم التِّرْمِذيُّ في «نوادر الأصول».

تنبيهٌ آخَرُ: إذا انقضى الحساب؛ كان بعده وزن الأعمال؛ لأنَّ الوزنَ للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة؛ فإنَّ المحاسبةَ لتقرير الأعمال، والوزنَ لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحَسْبِها.

فائدةٌ: ذكر الله تعالى الميزانَ في القرآن بلفظ الجمع، وجاءت السُّنَّة بلفظ الإفراد والجمع، فقيل: يجوز أن يكون هناك موازينُ للعامل الواحد، يُوزَن بكلِّ ميزانٍ منها صِنفٌ من أعماله، ويمكن أن تكون ميزانًا واحدًا عبَّر عنه بلفظ الجمع؛ كما قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123]، وكذا: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105]، وإنَّما هو رسولٌ واحدٌ، ويُقال: أراد بـ {الموازين}: جمعَ (موزون)؛ أي: الأعمال الموزونة، لا جمع (ميزان)، والله أعلم.

(1/13355)

تنبيهٌ: الميزان حقٌّ، ولا يكون في حقِّ كلِّ أحد؛ بدليل قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «فيقال: يا مُحَمَّد؛ أَدخِل الجنَّة من أمَّتك مَن لا حسابَ عليه ... »؛ الحديث، وقولِه تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} ... ؛ الآية [الرَّحْمَن: 41]، وإنَّما يكون لمن بقيَ من أهل المحشر ممَّن خَلَطَ عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا من المؤمنين، وقد يكون للكافرين؛ لقولِه تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 8 - 9]، وقولِه: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} ... ؛ الآية [الأعراف: 9]، ولغيرِ ذلك، والناسُ في الآخرة على ثلاث طبقات _كما قال العلماء_: مُنَقَّون لا كبائرَ لهم، ومُخَلِّطُون، وكفَّار، فأمَّا المنقَّون؛ فإنَّ حسناتِهم تُوضَع في الكِفَّة النيِّرة، وصغائرهم _إن كانت_ في الكِفَّة الأخرى، فلا يجعل لتلك الصغائر وزنًا، وتثقل الكِفَّة النيِّرة حتَّى لا تبرح، وترتفع الأخرى المظلمة ارتفاعَ الفارِغِ الخالي [4]، وأمَّا المُخَلِّطون؛ فحسناتهم توضع في النيِّرة، وسيِّئاتهم في المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسناتُ أثقلَ ولو بصُؤابةٍ؛ دخل الجنَّة، وإن كانتِ الأخرى أثقلَ ولو بصؤابةٍ؛ دخل النَّار إلَّا أن يعفوَ اللهُ تعالى، وإن تساوَتا؛ كان من أصحاب الأعراف؛ لما رواه خيثمة بن سليمان في «مسنده» عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «تُوضَع الموازين يوم القيامة، فتُوزَن الحسنات والسيِّئات، فمَن رجحت حسناته على سيِّئاته مثقالَ صؤابةٍ؛ دخل الجنَّة، ومَن رجحت سيِّئاته على حسناته مثقالَ صُؤَابَة؛ دخل النار»، قيل: يا رسول الله؛ فمن استوت حسناته وسيِّئاته؟ قال: «أولئك أصحاب الأعراف، لم يدخلوها وهم يطمعون»، وذكر عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر الهُذَليُّ عن سعيد الهُذَليِّ، عن سعيد بن جُبَيرٍ، عن ابن مسعود قال: (يحاسب الله تعالى الناسَ يوم القيامة، فمَن كانت حسناتُه أكثرَ من سيِّئاته بواحدةٍ؛ دخل الجنَّة، ومن كانت سيِّئاتُه أكثرَ من حسناته بواحدةٍ؛ دخل النار)، ثُمَّ قرأ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 - 103]، ثُمَّ قال:

(1/13356)

إنَّ الميزانَ يخفُّ بمثقال حَبَّةٍ، قال: (ومَن استوت حسناته وسيِّئاته؛ كان من أصحاب الأعراف)، وذكر الحديثَ، سعيدُ بن جُبَيرٍ لم يدرك عبدَ الله بن مسعود؛ لأنَّ سعيدًا قُتِل سنة خمس وتسعين وهو ابن تسع وأربعين سنةً، كذا قالوا، وقد قال لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنةً، انتهى، ولئن قلنا بهذا؛ فإنَّه لم يدركِ ابنَ مسعود؛ لأنَّه تُوُفِّيَ سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، ولم أعتبر بقيَّة السند، ولا سندَ خيثمةَ بن سليمان، وخيثمةُ حافظٌ، قال الخطيب: ثقةٌ ثقةٌ، وُلِد سنة (250 هـ)، وتُوُفِّيَ سنة (343 هـ)، وفي أصحاب الأعراف اثنا عشر قولًا لأهل التفسير بهذا القول الذي ذكرتُه، ذكرها القرطبيُّ في «تذكرته»، والظاهر أنَّه ذكرها في «تفسيره»، بل ذكره فيه، و (الأعراف): سورٌ بين الجنَّة والنار، وقيل: هو جبل أُحُد يُوضَع هناك، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ عنه عليه السَّلام من طريق أنسٍ، وذكره غيرُه أيضًا، والله أعلم.

هذا إن كانت الكبائر بينه وبين الله، وأمَّا إن كان عليه تبعاتٌ، وكان له حسناتٌ كثيرةٌ؛ فإنَّه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيِّئات، حمل عليه مِن أوزار مَن ظلمه، ثُمَّ يُعَذَّب على الجميع، هكذا اقتصَّته الأخبار، وأمَّا الكافر؛ فإنَّه يُوضَع كفرُه في المظلمة، ولا تُوجَد له حسنةٌ تُوضَع في الأخرى فتبقى فارغةً.

فائدةٌ: قال وَهْبُ بن مُنَبِّه في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]، قال: إنَّما يُوزَن من الأعمال خواتيمُها، وإذا أراد الله بعبد خيرًا؛ ختم له بخيرٍ، وإذا أراد بعبدٍ شرًّا؛ ختم له بشرِّ عمله، ذكره أبو نُعَيم، انتهى، وقد يدلُّ لهذا: «وإنَّما الأعمال بالخواتيم»، والله أعلم.

قوله: (الْقُسْطَاسُ: الْعَدْلُ، بِالرُّومِيَّةِ): (القسطاس)؛ بضَمِّ القاف وكسرها: الميزان، قاله الجوهريُّ، وهما قراءتان في السبع، قرأ حفصٌ وحمزةُ والكسائيُّ بالكسر، والباقون بالضَّمِّ.

قوله: (الْعَدْلُ، بِالرُّومِيَّةِ): بمعنى: أنَّ الروميَّةَ وافقتِ العربيَّةَ، وإلَّا؛ فما في القرآن غير عربيٍّ.

(1/13357)

قوله: (وَيُقَالُ: الْقِسْطُ مَصْدَرُ «الْمُقْسِطِ»؛ وَهْوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ؛ فَهْوَ الْجَائِرُ)، انتهى: (المُقسِط): هو العادل، كما قال، يُقال: أقسط يُقسِط، فهو مُقسِط؛ إذا عدل، وقَسَط يَقسِط؛ إذا جَارَ، فهو قاسطٌ، وكأنَّ الهمزة في (أقسط) للسلب؛ كما يُقال: (شكا إليه فأشكاه)، وفي «أفعال ابن القطاع» ما لفظه: وقسط قُسُوطًا وقَسْطًا: جار وعدل؛ ضدٌّ ... ، إلى أن قال: وأقسط الحاكمُ: عدل، وكذا الصغانيُّ ذكر: قسط؛ إذا جار وإذا عدل، ذكره في «الأضداد»، انتهى، فإن قيل: قوله: ويقال: القسط مصدر المُقسِط، وهذا يقتضي أن يكون المصدرُ مشتقًّا [5] من اسم الفاعل، وما للناس إلَّا قولان؛ أحدهما: أنَّ الفعلَ مشتقٌّ من المصدر، الثاني: العكس، والأوَّل مذهب أهل البصرة، وهو المنصور، والذي قاله شيخ الإسلام البُخاريُّ قولٌ ثالثٌ، فيُجَاب عنه بأن يُقال: (القسط) مصدرٌ لاسم الفاعل، ولاسم المفعول، والموضع، ولغيره؛ بمعنى: أنَّ الكلَّ مشتقَّةٌ منه على اختيار ابن مالك في «الشافية»، قاله بعض العلماء، أو يُقال: الذي يصدر عن (المقسط) هو (القِسْط)؛ أي: أنَّ المُقسِط يصدر عنه العدل؛ وهو القسط.

وقال شيخُنا في قوله: (مصدر المقسط): إنَّما أراد المصدرَ المحذوفَ الزوائد؛ كـ «القَدر» مصدر «قدرت»؛ إذا حذفت زوائده، ثُمَّ ذكر نصف بيت شاهدًا لما قاله، ثُمَّ قال: ومِثْلُه كثيرٌ، وإنَّما تُحذَف زوائد المصادر؛ ليُرَدَّ الكلامُ إلى أصله، ويدلَّ عليه، ومصدر «القسط» الجاري على فعله «الإقساط»، قال الإسماعيليُّ: (أقسط)؛ إذا عدل، و (قسط)؛ إذا جار، وهما يرجعان إلى معنًى متقارِبٍ؛ لأنَّه يُقال: عدل عن كذا؛ إذا مال عنه، وكذلك قسط؛ إذا عدل عن الحقِّ، وأقسط، كأنَّه لزم القِسْط؛ وهو العدل، انتهى.

==========

[1] {لِيَومِ القِيَامَةِ}: ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابتٌ في رواية أبي ذرٍّ.

[2] وهي رواية «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح.

[3] في (أ): (وأما)، والمثبت موافق للتلاوة.

[4] في (أ) إشارةٌ إلى استدراك كلامٍ لكنَّه مخرومٌ، وآخره لم يتبيَّن.

[5] في (أ): (مشتق)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

(1/13358)

[حديث: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان]

7563# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ): تَقَدَّمَ أنَّ (إشكاب) بكسر الهمزة، وبالشين المُعْجَمَة، ولا ينصرف؛ للعجمة والعلميَّة [2]، وقال شيخنا مجد الدين في «القاموس»: محدِّث، ممنوعٌ، انتهى؛ أي: ممنوعٌ من الصرف، وهو صفَّار، كنيته أبو عبد الله، الحضرميُّ الكوفيُّ، نزيل مصر، وقيل: أحمد بن معمر بن إشكاب، وأحمد بن عبيد الله بن إشكاب، يروي عن شَريك، وعبد السَّلام بن حرب، وابن فُضَيل، وجماعةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو أُمَيَّة الطَّرَسوسيُّ، وعَبَّاس الدُّوريُّ، وأبو بكر الصاغانيُّ، وبكر بن سهل الدِّمْيَاطيُّ، وطائفةٌ، قال أبو حاتم: ثقةٌ مأمونٌ، كتبتُ عنه، وقال عَبَّاس الدُّوريُّ: كتب عنه يحيى بن معين كثيرًا، قال ابن يونس: تُوُفِّيَ سنة سبع أو ثمان عشرة ومئتين، وقال أبو زرعة: كان صاحبَ حديث، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له دون أصحاب الكُتُب السِّتَّة، و (مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بضَمِّ الفاء، وفتح الضاد المُعْجَمَة، هو مُحَمَّد بن فُضَيل بن غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم،

[ج 2 ص 900]

(1/13359)

الحافظ، أبو عبد الرَّحْمَن، عن أبيه، ومغيرةَ، وحُصَين، وعنه: أحمد، وإسحاق، والعطارديُّ، ثقةٌ شيعيٌّ، مات سنة (194 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمةٌ في «الميزان»، وقد تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مترجمًا، و (عُمَارَة بن الْقَعْقَاعِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ العين، وتخفيف الميم، وهو عمارة بن القعقاع بن شُبْرُمة الضَّبِّيُّ، كان أكبرَ من عمِّه عبد الله بن شُبْرُمَة وأفضلَ، روى عن أبي زرعة البَجَليِّ، وعبد الرحيم بن أبي نُعَيم، والحارث العُكْليِّ، وعنه: الحارث أيضًا، والأعمش، والسفيانان، وعبد الواحد بن زياد، ومُحَمَّد بن فُضَيل، وطائفةٌ كبيرةٌ، قال ابن المَدينيِّ: له نحوُ ثلاثين حديثًا، وقال ابن معين والنَّسائيُّ: ثقةٌ، أخرج له الجماعة، تَقَدَّمَ مترجمًا، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ قريبًا في اسمه أقوالٌ؛ أصحُّها: هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: جرير، وقيل: عمرو بن عمرو، عن جدِّه جريرِ بن عبد الله البَجَلِيِّ، وأبي هريرة، ومعاوية، وعبد الله بن عمرو، وخَرَشَة بن الحُرِّ، وثابت بن قيس، وغيرِهم، وأرسل عن أبي ذرٍّ وعمرَ، وعنه: حفيداه جريرٌ ويحيى ابنا أيُّوب، وعمُّه إبراهيم بن جرير، وابن عمِّه جريرُ بن يزيد، والحارثُ العُكْلِيُّ، وعُمَارة بن القعقاع، وخلقٌ سواهم، وأكثرَ عن أبي هريرة، وكان من علماء التابعين، وَثَّقَهُ ابن معين وغيرُه، قال ابن المَدينيِّ: هرم أبو زرعة عن ثابت بن قيس عن أبي موسى ليس بالبَجَليِّ، هذا أبو زرعةَ آخَرُ، انتهى، أخرج لأبي زرعة بن عمرو بن جرير صاحبِ الترجمة الجماعةُ، و (أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ في اسمه واسمَ أبيه اختلافًا كثيرًا، قال الشيخ محيي الدين النَّوويُّ: في اسمه نحوُ ثلاثين قولًا، والصحيح: عبد الرَّحْمَن بن صخر، انتهى، وتَقَدَّمَ ما فيه، الدَّوسيُّ، روى عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأَكْثَرَ، وعن أبي بكر وعمر، وأُبيٍّ، وطائفةٍ، وعنه: ثمان مئة نَفْسٍ أو أكثرُ؛ منهم: إبراهيم بن عبد الله بن حُنين، وإسحاق مولى زائدة، والأغرُّ أبو مسلم، وأنس بن مالك، وبُسْر بن سعيد، وبشير بن نَهيك، وبُشَير بن كعب، ونعجة بن عبد الله الجهنيُّ، وخلائقُ، قال هشام بن عروة: تُوُفِّيَ هو وعائشة سنة سبع وخمسين، وفيها ورَّخه المدائنيُّ وطائفةٌ، وقال الهيثم بن عديٍّ وجماعةٌ: سنة ثمان وخمسين، وقال الواقديُّ

(1/13360)

وأبو عبيد وغيرُهما: سنة تسع وخمسين، قال الواقديُّ: صلَّى على عائشة في رمضان سنة ثمانٍ، وعلى أمِّ سلمة في شوَّال سنة تسع وخمسين، ثُمَّ تُوُفِّيَ بعدهما في هذه السَّنَة، انتهى، وقد قَدَّمْتُ أنَّ أمَّ سلمة تُوُفِّيَت بعد الحُسين بنِ عليِّ بن أبي طالب على الصحيح، وترجمة أبي هريرة رضي الله عنه مستقصاةٌ في «طبقات ابن سعد»، و «تاريخِ ابن عساكر»، و «تاريخِ الإسلام» لشيخ شيوخنا الحافظِ شمسِ الدين مُحَمَّد بن أحمد بن قايمازَ بن الذَّهَبيِّ، وكان أبو هريرة أحدَ مَن يفتي بالمدينة مع ابن عمر وابن عَبَّاس، قال عكرمة: كان أبو هريرة يسبِّح في اليوم اثنتي عشرة ألفَ تسبيحةٍ، وقال أبو عثمان النهديُّ: تضيَّفت أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأتُه وخادمُه يعتقبون الليلَ أثلاثًا؛ يصلِّي هذا، ثُمَّ يوقظ هذا ويصلِّي، فقلت: يا أبا هريرة؛ كيف تصوم؟ قال: أصوم من الشهر ثلاثًا، ورُوِيَ أنَّ أبا هريرة كان يصوم الخميس والاثنين، قال الواقديُّ _كما تَقَدَّمَ_: تُوُفِّيَ سنة تسع وخمسين وله ثمانٍ وسبعون سنةً، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، وأحمدُ في «المسند»، رضي الله عنه.

قوله: (كَلِمَتَانِ): خبرٌ مقدَّم، و (خَفِيفَتَانِ): صفةٌ له، والمبتدأ قولُه: (سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) وما بعده، وإنَّما قُدِّم الخبر؛ لقصد تشويق السامع إلى المبتدأ؛ كقوله:

~…ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا…شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالقَمَرُ

قال السَّكَّاكِيُّ: وكونُ التقديم يفيد التشويقَ حقُّه تطويل الكلام، وإلَّا؛ لم يحسن كلَّ الحُسْنِ؛ لأنَّه كلَّما كثر ذِكْرُ المشوَّق بالتطويل بذِكْرِ أوصافه الجارية عليه؛ ازداد شوق السامع إلى المبتدأ، وقد اشتمل هذا الحديثُ على أنواعٍ من البديع؛ كالسَّجْع، والمقابلة بين الخِفَّة والثِّقَل.

واختتامُه بحديث: «ثَقِيلَتَانِ في الْمِيزَان» نصٌّ في أنَّ الأعمالَ تُوزَن، وقد ظهر ما اشتمل عليه من المناسبة؛ كما ظهر في افتتاحه بحديث النيَّة، فكأنَّه يُذَكِّر نفسَه أنَّ عملَ ابن آدم يُوزَن، قولًا كان أو فعلًا، وهذا كتابه الذي جمعه من جملة عمله، وأشعر ذلك أنَّه وضعه قسطاسًا وميزانًا يُرجَع إليه، وذلك سهلٌ على مَن سهَّله الله عليه، وحدَّق بعين العناية إليه، وسُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده ملءُ الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغُ الرضا، وزنةُ العرش، والله أعلم.

(1/13361)

هذا آخر ما تيسَّر جمعه من المُسَوَّدَةِ التي كتبتُها في سنة ثلاث وتسعين وسبع مئة، ثُمَّ نقلتها إلى هنا مع زيادات، وابتدأتُ بهذه المُبَيَّضَة في غالب ظنِّي في ربيع الآخر من سنة أربع وعشرين وثمان مئة، وكان الخَتْمُ في عاشر جمادى الآخرة من سنة خمس وعشرين وثمان مئة، أحسن الله خاتمتَها بمُحَمَّد وآله، قاله إبراهيم بن مُحَمَّد بن خليل، سِبْطُ ابن العجميِّ، وكتب بخطِّه هذا، وذلك بحلبَ بالمدرسة الشَّرَفيَّة رحم الله واقفها، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحَمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّمَ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

أنهاه مطالعةً، وكتب منه، واستفاد داعيًا لشيخه وله بالرحمة والرضوان، ولذرِّيَّته بالجمع لهم بين خيرَي الدنيا والآخرة؛ كاتِبُه مُحَمَّدُ بن الناسخ المالكيُّ في خامسَ عشرَ رجب الفردِ الحرامِ، سنة خمس وتسع مئة.

وقفُ شيخِ الإسلامِ السيِّدِ فيض الله أفندي، غفر الله له ولوالديه، بشرط ألَّا يخرج من المدرسة التي أنشأها بقسطنطينيَّة سنة (1113 هـ).

==

[1] كذا في (أ) و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثَني).

[2] وهو في «اليونينيَّة» مصروفٌ، وفي (ق) معًا.

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...