65-استكمال مكتبات بريد جاري

مشاري راشد في سورة الأحقاف

Translate

Translate

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

ج15.شفاء الغرام

 ذكره، وسقط في النسخة التي رأيتها من "الثقات"، وإنما ذكرنا ذلك؛ لأن أبا قتادة ولي مكة لعلي -رضي الله عنه- كما سبق. ولم أر في الصحابة من اسمه قتادة بن ربعي، والله أعلم. ورأيت في "الكامل" لابن الأثير في أخبار سنة ست وثلاثين ذكر وفاة المحرز بن حارثة السابق، ثم قال: واستعمله علي -رضي الله عنه- على مكة، ثم عزله... انتهى، وعلي تصحيف؛ لأن عمر -رضي الله عنه- الذي ولاه وعزله كما سبق2، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- جماعة، لا أعرف من أولهم في الولاية، منهم: عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي3، وولايته على مكة لمعاوية ذكرها الفاكهي. ومنهم: خالد بن العاص بن هشام المخزومي المقدم ذكره، ورأيت في "الكامل"4 لابن الأثير أنه ولي مكة في سنة اثنتين وأربعين، وذكر ما يقتضي أنه كان على مكة في سنة ثلاث وأربعين أيضا. ورأيت في "مختصر ابن جرير الطبري"5، ما يقتضي أنه كان على مكة في سنة ثلاث وأربعين أيضا. ورأيت في "مختصر ابن جرير الطبري"6 ما يقتضي أنه كزان على مكة في سنة خمس وأربعين، وفي ست وسبع وثمان وأربعين، وفي سنة ثلاث وأربعين أيضا. ومنهم: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أبو عبد الملك، على ما ذكر ابن عبد البر؛ لأنه قال في ترجمته: وكان معاوية لما صار الأمر إليه ولاه المدينة، ثم جمع له إلى المدينة: مكة، والطائف. ثم عزله عن المدينة، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 جمهرة أنساب العرب "ص: 18". 2 الكامل لابن الأثير 3/ 263، وفيه: "الخليفة عمر". 3 تاريخ خليفة؛ ص: 205 و208. 4 الكامل لابن الأثير 3/ 420. 5 تاريخ الطبري 5/ 172، 211. 6 تاريخ الطبري 5/ 172، 211. ج / 2 ص -195- سنة ثمان وأربعين1، انتهى. وفي هذا إشعار بأن ولايته لمكة قبل سنة ثمان وأربعين، والله أعلم. ومنهم: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، الأموي، أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن، أحد أشراف قريش وأجودها، وفصحائها، ذكر ما يدل على لولايته على مكة صاحب "العقد" ابن عبد ربه؛ لأنه قال في الفضل الذي ذكره فيه الخطب عن العتبي، قال: استعمل سعيد بن العاص وهو والي المدينة ابنه عمرو بن سعيد على مكة2... انتهى. ومنهم: عمر بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص القرشي الأموي المعروف بالأشدق3، ولد سعيد المقدم ذكره، وولايته على مكة لمعاوية4 ذكرها الفاكهي، وذكر ما يقتضي أنها في حياة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما. وعلى هذا فتكون ولايته في أوائل عشرة الستين من الهجرة؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- مات في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة في قول الأكثرين5، والله أعلم. وولايته لمعاوية على مكة ذكرها ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة ستين من الهجرة: لما ولي يزيد بن معاوية، كان على مكة: عمرو بن سعيد بن العاص6... انتهى. وممن ولي مكة لمعاوية: عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص القرشي المقدم ذكره. وولايته على مكة لمعاوية ذكرها الفاكهي، وذكر الأزرقي ما يفهم ذلك، ويفهم تاريخ ولايته؛ لأنه ذكر خبرا فيه ما يقتضي أن معاوية بن أبي سفيان اشترى دار الندوة من بعض بني عبد الدار؛ فجاء شيبة بن عثمان فقال له: إن لي فيها حقا، فأخذتها بالشفعة، فقال له معاوية -رضي الله عنه- دار الندوة، وخرج من بابها الآخر، مسافرا وشيبة لا يشعر به، وفيه بعهد ذلك ما نصه: خرج إليه والي مكة عبد الله بن خالد بن أسيد، فقام إليه شيبة وقال: فأين أمير المؤمنين؟ قال: راح إلى الشام، قال شيبة: والله لا كلمته أبدا7... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الاستيعاب 3/ 426. 2 العقد الفريد 4/ 133. 3 لقب بالأشدق لفصاحته وبلاغته وقوة عارضته في الخطابة. 4 تاريخ خليفة "ص: 229". 5 تاريخ خليفة "ص: 219". 6 الكامل لابن الأثير 4/ 6، إتحاف الورى 2/ 53، مروج الذهب 4/ 398، البداية والنهاية 8/ 171، العقد الفريد 6/ 389، أخبار مكة للفاكهي 3/ 178. 7 أخبار مكة للأزرقي 1/ 269، 270. ج / 2 ص -196- وكانت هذه القصة في حجة معاوية -رضي الله عنه- الأولى؛ لأن في الخبر المشار إليه: فلما حج معاوية -رضي الله عنه- حجته الثانية؛ فذكر قصة بني شيبة ومعاوية -رضي الله عنه، وملخصها أنه لم يفتح له الكعبة لمنا سأله معاوية -رضي الله عنه- في ذلك، وبعث إليه حفيده شيبة بن جبير بن شيبة بين عثمان، ففتح له الكعبة، وكانت حجة معاوية -رضي الله عنه- الأولى سنة أربع وأربعين، على ما ذكر العتيقي في "أمراء الموسم". وحجته الثانية في سنة خمسين على ما ذكر العتيقي أيضا، وقيل في حجته الثانية غير ذلك. فاستفدنا مما ذكر العتيقي في حجة معاوية -رضي الله عنه- الأولى: أن عبد الله بن خالد بن أسيد كان على مكة في سنة أربع وأربعين1، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة يزيد بن معاوية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان جماعة، وهم: عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق المقدم ذكره، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي، وعثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب الأموي، والحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي المقدم ذكر والده، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي ابن أخي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. فأما ولاية عمرو بن سعيد الأشدق فذكرها ابن جرير2؛ لأنه ذكر في أخبار سنة ستين من الهجرة، أن عمرو بن سعيد حج بالناس فيها، وهو على مكة والمدينة، وأن يزيد بن معاوية ولاه بالمدينة، بعد أن عزل عنها الوليد بن عتبة، في شهر رمضان، وذكر ابن الأثير مثل ما ذكر ابن جرير بالمعنى، وذكر أن عمرو بن سعيد قدم المدينة لما بينهما من العداوة، وأنيس بن عمرو الأسلمي، في جيش نحو ألفي رجل؛ فقتل أنيس بذي طوى قتله أصحاب ابن الزبير بمكة، وأسروا عمرو بن الزبير، فأقاد منه أخوه عبد الله الناس بالضرب، كما صنع بهم في المدينة، حتى مات عمرو تحت السياط3. وأما ولاية الوليد بن عتبة فذكرها ابن الأثير4 وذكر سببها، وملخص ذلك: أن يزيد أتهم عمرو بن سعيد بمداهنة ابن الزبير؛ فإنه أظهر العصيان على يزيد بعد قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- بالعراق وبويع بعد ذلك ابن الزبير بمكة. وقيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 233، العقد الثمين 5/ 133، الجامع اللطيف "ص: 286". 2 تاريخ الطبري 5/ 343. 3 الكامل لابن الأثير 4/ 18، 19. 4 الكامل لابن الأثير 4/ 98، مآثر الإنافة 1/ 121. ج / 2 ص -197- ليزيد: لو شاء عمرو بن سعيد سرح إليك ابن الزبير؛ فعزل يزيد عمرا وولي مكانه الوليد، فقدم الوليد مكة، وأقام يريد غرة ابن الزبير، فلا يجده إلا محترزا ممتنعا، وكان ذلك في سنة إحدى وستين، وذكر ابن جرير نحو ذلك مختصرا بالمعنى. وأما ولاية عثمان فذكرها ابن الأثير وذكر سببها، وملخص ذلك أن الزبير كتب إلى يزيد في أمر الوليد يقول له: إنك بعثت إلينا رجلا أخرق، لا يتجه لرشد، ولا يرعوي لعظة1؛ فلو بعثتن رجلا سهل الخلق، رجوت أن يسهل من المور ما استوعر منها، وأن يجمع مال تفرق؛ فعزل يزيد الوليد وولي عثمان، وذلك في سنة اثنتين وستين2. وذكر ابن جرير نحو ذلك مختصرا بالمعنى3. وأما ولاية الحارث بن خالد وعبد الرحمن بن يزيد المذكورين، فذكر خليفة بن خياط فيما حكي عنه الحافظ أبو الحجاج المزي في "تهذيبه" أن يزيد لما عزل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عن مكة، ولاها الحارث بن خالد، ثم عزله، وولي عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، ثم عزل عبد الرحمن وأعاد الحارث فمنعه ابن الزبير الصلاة، فصلى بالناس مصعب بن عبد الرحمن بن عوف4... انتهى. وأما ولاية يحيى بن حكيم5 فذكرها الزبير بن بكار مع ولاية الحارث أيضا؛ لأنه قال: فولد حكيم بن صفوان يحيى بن حكيم6 ولي مكة ليزيد بن معاوية وكان عبد الله بن الزبير مقيما معه بمكة، لم يعرض له يحيى بن حكيم؛ فكتب الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة يذكر له مداهنة يحيى بن حكيم لعبد الله بن الزبير، فعزل يزيد، يحيى بن حكيم، وولي الحارث بن خالد مكة، فلم يدعه "ابن الزبير" يصلي بالناس، وكان الحارث يصلي في جوف داره بمواليه ومن أطاعه من أهله، وكان مصعب بن عبد الرحمن يصلي بالناس في المسجد الحرام، بأمر عبد الله بن الزبير، فلم يزل كذلك حتى وجه يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير: مسلم7 بن عقبة، فبويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بالنسا بمكة8... انتهى. ثم ولي مكة عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-، بعد أن لقي في ذلك عناء شديدا، سببه أن يزيد بن معاوية لما طرد أهل المدينة عامله عثمان بن محمد بن أبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 4/ 102. 2 الكامل لابن الأثير 4/ 102، إتحاف الورى 257، تاريخ الطبري 5/ 479. 3 تاريخ الطبري 5/ 479. 4 أخبار مكة للفاكهي 3/ 181، والعقد الثمين 4/ 268. 5 إتحاف الورى 2/ 57، والعقد الثمين 7/ 434. 6 هكذا في جميع النسخ. 7 تاريخ الطبري 5/ 484. 8 نسب قريش "ص: 39". ج / 2 ص -198- سفيان وغيره من بني أمية، إلى ولد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعث إليهم مسلم بن عقبة المري، وسمي مسرفا لإسرافه في القتل بالمدينة. وبعث معه اثني عشر ألفا، فيهم: الحصين بن نمير السكوني، وقيل: الكندي، ليكون على العسكر إن عرض لمسلم موت؛ فإنه كان عليلا؛ في بطنه الماء الأصفر، وأمر يزيد مسرفا إذا بلغ المدينة أن يدعوا أهلها ثلاثا، فإن أجابوه وإلا قاتلهم، فإذا ظهر عليهم أباحها ثلاثا، ثم يكف عن الناس ويسير إلى مكة لقتال ابن الزبير؛ فلما بلغ "مسلم" المدينة بمن معه، التقى مع أهلها بظاهر المدينة، فاقتتلوا، فقتل من أولاد المهاجرين ما يزيد عن ثلاثمائة نفر وجماعة من الصحابة، ودخل المدينة وأباحها ثلاثا، وكانت الوقعة بمكان يقال له: الحرة، وأقام لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، ثم سار إلأى مكة؛ فلما كان بالمشلل1 مات، وقيل مات بثنية هرشي2، بعد أن قدم على عسكره: "الحصين بن نمير"، فسار "الحصين" حتى بلغ مكة، لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين، وقد بايع أهل مكة والحجاز وغيرهم ابن الزبير، وأجمعوا عليه، وانضم إليه من انهزم من أهل المدينة، وكان قد بلغه خبر أهل المدينة مع مسلم هلال المحرم سنة أربع وستين، مع المسور بن مخرمة، فلحقه منهن أمر عظيم، واعتد هو وأصحابه واستعدوا للقتال، وقاتلوا الحصين أياما، وتحصن ابن الزبير وأصحابه في المسجد وحول الكعبة، وضرب أصحاب ابن الزبير في المسجد خياما ورقاقا يكتنون بها من حجارة المنجنيق، ويستظلون فيها من الشمس، وكان الحصين بن نمير قد نصب المنجنيق على أبي قبيس، وعلى الأحمر؛ فكان يمريهم بالحجارة، وتصيب الحجارة الكعبة فتوهنت، ودامت الحرب بينهم إلى أن فرج الله على ابن الزبير وأصحابه، بوصول نعي يزيد معاوية، وكان وصول نعيه ليلة الثلاثاء، لثلاث مضين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، وبلغ نعيه ابن الزبير قبل أن يبلغ الحصين، وبعث إلى الحصين من يعلمه بذلك، ويحسن له ترك القتال، ويعظم إليه أمر الحرام، وما أصاب الكعبة؛ فمال إلى ذلك، وأدبر إلى الشام لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة أربع وستين، بعد أن اجتمع بابن الزبير في الليلة التي تلي اليوم الذي بلغه فيه نعي يزيد، وسأله ابن الزبير في أن يبايع له هو ومن معه من أهل الشام، على أن يذهب معهم أبن الزبير إلى الشام ويؤمن النساء، ويهدر الدماء التي كانت بينهم وبين أهل الحرم، فأبى ابن الزبير ذلك3. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المشلل: قبل "قديد" بثلاثة أيام، وهي التي كانت عندها مناة الطاغية في الجاهلية "مناسك الحربي ص: 458". 2 مدينة بينها وبين ودان خمسة أميال "المرجع السابق ص: 554". 3 تاريخ الطبري 5/ 502. ج / 2 ص -199- وبويع ابن الزبير بعد رحيل الحصين عن مكة بالخلافة بالحرمين، ثم بويع بها في العراق، واليمن، وغير ذلك، حتى كاد تجتمع الأمة عليه؛ فولي في البلاد التي بويع له فيها العمال، ودامت ولايته على مكة إلى أن قتله الحجاج -قاتله الله- في جمادى الأولى، وقيل: يوم الثلاثاء من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، عن ثلاث وسبعين سنة، وبعد أن حاصره الحجاج بمن معه أزيد من نصف سنة، وهو ينتصف منهم، ويفضل عليهم في الغلب؛ لأنه كان نهاية في الشجاعة، وكذا في العبادة. وكان في اليوم الذي قتل فيه حمل على أهل الشام لما دخلوا عليه في أبواب المسجد، حتى أبلغهم الحجون. ولم يقتل حتى أدهش بآجرة رمي به وجهه ودمي؛ فعند ذلك تعاونوا عليه تعاونوا عليه وقتلوه. ولم يقتل إلا بعد أنلم يبق معه من أصحابه إلا اليسير لميلهم، عنه إلى الحجاج، وأخذهم الأمان من الحجاج، وكان ممن فعل ذلك ابناه: حمزة: وحبيب. وكان ابتداء حصار الحجاج له في ذي القعدة سنة اثنين وسبعين، وكان الحجاج في حال محاصرته لابن الزبير يرمي الكعبة بالمنجنيق من أبي قبيس، لكون ابن الزبير كان مكتنا في المسجد، وكان الحجاج نازلا ببئر ميمون، ومعه طارق بن عمرومولى عثمان، وكان عبد الملك قد أمد الحجاج بطارق، لما سأله النجدة على ابن الزبير؛ فقدم طارق في ذي الحجة، ومعه خمسة آلاف. وكان مع الحجاج ألفان -وقيل: ثلاثة- من أهل الشام، وكان الحجاج لما وصل من عند عبد الملك نزل الطائف؛ فكان يبعث منه خيلا إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير خيلا إلى عرفة، فيقتتلون بها، فتهزم خيل ابن الزبير، وتعود خيل الحجاج بالظفر، ثم استأذن عبد الملك في منازلة ابن الزبير، فأذن له؛ فكان من الأمر ما كان. وكان حصار الحجاج لابن الزبير ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، على ما ذكر ابن جرير1، وصلب ابن الزبير بعد قتله منكسا على الثنية اليمنى بالحجون، وبعث رأسه إلى عبد الملك بن مروان، فطيف به في البلدان. وولي مكة لابن الزبير في خلافته الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي، على ما ذكر ابن عبد البر؛ لأنه قال في ترجمته: واستعمل ابن الزبير الحارث بن حاطب على مكة سنة ست وستين. وقيل: إنه كان يلي المساعي أيام مروان2... انتهى. ثم ولي مكة لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير جماعة، وهم: ابنه مسلمة بن عبد الملك، والحجاج بن يوسف الثقفي، والحارث بن خالد المخزومي -المقدم ذكره- وخالد بن عبد الله القسري، وعبد الله بن سفيان المخزومي، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 6/ 187. 2 تاريخ الطبري 6/ 195، 201، 202. ج / 2 ص -200- وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص الأموي، ونافع بن علقمة الكناني، ويحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي. فأما ولاية الحجاج: فمشهورة، ذكرها غير واحد، ودامت إلى سنة خمس وسبعين. وولي مع مكة: المدينة، والحجاز، وقد ذكر ابن جرير ما يدل لذلك، ولمنتهى ولايته على الحجاز؛ لأنه ذكر في أخبار سنة أربع وسبعين أنه كان ولي على مكة والمدينة، وذكر في أخبار سنة خمس وسبعين أنه ولي العراق، وعزل عن الحجار، وذكر أنه انصرف إلى المدينة في صفر من سنة أربع وسبعين، وأقام بها ثلاثة أشهر، وأنه حج بالنسا في هذه السنة1. وأما ولاية الحارث بن خالد المخزومي؛ فذكر الزبير بن بكار ما يشهد بذلك؛ لأنه قال بعد أن ذكر تولية يزيد بن معاوية له على مكة، ومنع ابن الزبير له من الصلاة: ولم يزل معتزلا لابن الزبير حتى ولي عبد الملك بن مروان؛ فولاه مكة ثم عزله، فقدم عليه في دمشق، ولم ير عنده ما يحب فانصرف عنه، وقال في ذلك شعرا2... انتهى. وأما ولاية خالد بن عبد الله القسري: ففي "تاريخ الأزرقي" ما يدل لذلك؛ لأنه روى بسنده أن جده عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني كان يضع على طرف دالره مصباحا عظيما، فيضيء لأهل الطواف وأعلى المسجد، ثم قال: فلم يزل ذلك المصباح على حرف الدار، حتى كان خالد بن عبد الله القسري؛ فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبد الملك بن مروان، فمنعنا أن نضع ذلك المصباح3. وذكر في الترجمة التي ترجم عليها: "أول من أدار الصفوف حول الكعبة" ما يدل لذلك؛ لأنه روى فيها عن جده، عن عبد الرحمن بن حسن الأزرقي قال: فلما ولي خالد بن عبد الله القسري لعبد الملك بن مروان، فذكر إدارته للصفوف، والمعروف أن خالدا ولي مكة للوليد، وسليمان، ولدى عبد الملك بن مروان، والله أعلم. ويبعد أن يقال: لعل الأزرقي سها فيما ذكره من ولاية خالد لعبد الملك، لكونه كرر ذلك في غير موضع4، والله أعلم. وخالد القسري هو الذي حفر البئر التي ساق منها الماء، حتى أخرجه في المسجد الحرام عند زمزم، ليضاهي به زمزم، وحكي عنه في تفضيله على زمزم، وتفضيل الخليفة الذي أمره بذلك ما يستشبع ذكره، وقيل: إن ذلك لا يصح عنه، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الاستيعاب 1/ 29، درر الفرائد: "ص: 200"، إتحاف الورى "2/ 104". 2 نسب قريش "ص: 313". 3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 287، أخبار مكة للفاكهي 3/ 167. 4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 20. ج / 2 ص -201- وأما ولاية عبد الله بن سفيان المخزومي: فذكر الأزرقي ما يدل لها؛ لأنه قال لما ذكر سيل الجحاف: وكان سيل الجحاف سنة ثمانين في خلافة عبد الملك، وذكر خبرا فيه؛ فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان، ففزع لذلك، وبعث بمال عظيم، وكتب عامله على مكة عبد الله بن سفيان المخزومي -ويقال: بل كان عامله الحارث بن خالد المخزومي- يأمره بعمل ضفائر الدور الشارعة على الوادي1... انتهى. وما عرفت نسب عبد الله بن سفيان هذا؛ إلا أني لم أر له ذكرا في غير تاريخ الأزرقي2، وعلى ما ذكر في تاريخ الجحاف، وكتابة عبد الملك لعامله على مكة عبد الله أو الحارث المشار إليهما، بكون ولاية من كان واليا عبد الملك لعامله على مكة عبد الله أو الحارث المشار إليهما بكون ولاية من كان واليا فيهما في سنة ثمانين، وفي التي بعدها؛ لأن سيل الجحاف كان في زمن الحج، وما يصل خبره لعبد الملك، ويصل أمره ببناء ضفائر الدور إلا في سنة إحدى وثمانين، والله أعلم. وأمام ولاية عبد العزيز فذكرها الزبير بن بكار؛ لأنه قال: واستعمل عبد الملك بن مروان عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، على مكة3... انتهى. ورأيت في كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي، ما يوافق ذلك؛ ولكنه لم يحكه إلا بصيغة التمريض؛ لأنه قال: ولي مكة لسليمان بن عبد الملك، قيل: إنه وليها لعبد الملك أيضا... انتهى. وأما ولاية نافع بن علقمة الكناني، ويحيى بن الحكم؛ فذكر الزبير بن بكار ما يشهد لذلك4، وفي ذلك طول اختصرناه، ولأنا في الغالب لا نستدل إلا على ما يستغرب، أو يقع فيه اختلاف، وولاية مسلمة بن عبد الملك حكاها ابن قتيبة في "الإمامة والسياسة"5، وكلامه صريح في أنه وليها لأبيه، وأن خالدا القسري وليها أيضا لعبد الملك6؛ لأنه قال: وذكروا أن مسلمة بن عبد الملك كان واليا على مكة؛ فبينا هو يخطب على المنبر، إذ أقبل خالد بن عبد الله القسري من الشام واليا عليها، فدخل المسجد؛ فلما قضي مسلمة خطبته صعد خالد المنبر، فلما ارتقى في الدرجة الثانية تحت مسلمة أخرج طومارا ففضه، ثم قرأه الناس فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة، أما بعد فإني وليت عليكم خالد بن عبد الله القسري، فاسمعوا له وأطيعوا، ولا يجعلن امرؤ على نفسه سبيلا؛ فإنما هو القتل لا غيره، وقد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير والسلام". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 169. 2 له ذكر في فتوح البلدان للبلاذري 1/ 62. 3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 169. 4 نسب قريش "ص 283"، تاريخ خليفة "ص 310"، أخبار مكة للفاكهي 3/ 171. 5 الإمامة والسياسة لابن قتيبة 2/ 44. 6 انظر تاريخ خليفة "ص: 311". ج / 2 ص -202- ثم التفت إليهم خالد فقال: والذي يحلف به، ويحج إليه، لا أجده في دار أحد إلا قتلته، وهدمت داره، ودار كل من جاوره، واستبحت حرمه. وقد أجلت لكم فيه ثلاثة أيام، ثم نزل ودعا مسلمة برواحله، ولحق بالشام. فأتى رجل إلى خالد، فقال له: إن سعيد بن جبير بوادي كذا، من أودية مكة، مختفيا بمكان كذا؛ فأرسل خالد في طلبه، فأتاه الرسول، فلما نظر إليه قال لي: إنني أمرت بأخذك، وأتيت لأذهب بك، وأعوذ بالله من ذلك، فألحق بأي بلد شئت. وأنا معك. فقال سعيد بن جبير: ألك هاهنا أهل وولد؟ قال: نعم قال: إنهم يؤخذون بعدك، وينالهم من المكروه مثل الذي كان ينالني. قال: وإني أكلهم إلى الله -عز وجل، قال سعيد: لا يكون هذا؟ فأتى به إلى خالد فشدجه وثاقا ثم بعث به إلى الحجاج؛ فقال له رجل من أهل الشام: إن الحجاج قد أنذر به وأشعر قبلك، فما عرض له، فلو جعلته بينك وبين الله تعالى، لكان أزكى من كل عمر يتقرب به إلى الله -عز وجل. قال خالد -وظهره إلى الكعبة وقد استند إليها: والله لو علمت أن عبد الملك لا يرضى إلا بنقض هذا البيت حجرا لنقضته في مرضاته. وممن ولي مكة لعبد الملك بن مروان فيما أظن: هشام بن إسماعيل المخزومي؛ لأن الفاكهي ذكر ما يدل لولايته لها؛ إلا أنه لم يصرح بأنه ولي مكة لعبد الملك بن مروان، وولايته لها؛ إلا أنه لم يصرح بأنه ولي مكة لعبد الملك بن مروان، وولايته لها لا يبعد أن تكون في زمن عبد الملك بن مروان؛ لأنه ولي المدينة له، وحج في خلاته عدة سنين، وإذا كان ولي ذلك لعبد الملك فولايته على مكة لعبد الملك أقرب من ولايته عليها لغيره1، والله أعلم. وممن ولي مكة لعبد الملك بن مروان فيما أظن: إبان بن عثمان بن عفان2 -رضي الله عنهما، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة الوليد بن عبد الملكبن مروان رجلان فيما علمت: الإمام العادل عمر بن عبد العزيز3 بنمروان بن الحكم الأموي -رضي الله عنه، ثم خالد بن عبد الله القسري. فأما ولاية عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فقد ذكرها جماعة منهم: ابن كثير، وأفاد فيما ذكره تاريخ ابتدائها؛ لأنه قال في ترجمته: قالوا: ولما مات عبد الملك حزن عليه ولبس المسموح تحت ثيابه سبعين يوما. وولي الوليد، فعاملهما كان يعامله به، وولاه المدينة ومكة والطائف من سنة ست وثمانين، إلى سنة ثلاث وتسعين4... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ خليفة "ص: 311". 2 تاريخ خليفة "ص: 298، 299". 3 كانت توليته لمكة عام 87هـ "تاريخ خليفة ص: 301". 4 البداية والنهاية 9/ 194. ج / 2 ص -203- انتهى. وقيل: إن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- عزل عن مكة في سنة تسع وثمانين وقيل: سنة إحدى وتسعين. وأما ولاية خالد القسري: فاختلف في أولها، للخلاف في تاريخ عزل عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-1 ودامت ولايته إلى أن مات الوليد بن عبد الملك، وكان موته في جمادى الآخر سنة ست وتسعين2. ثم ولي مكة في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان ثلاثة نفر: خالد القسري، ثم طلحة بن داود الحضرمي، ثم عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص الأموي. فأما ولاية خالد القسري لسليمان: فقد ذكر الأزرقي ما يدل لها3، وكذلك الزبير بن بكار، وما ذكره في ذلك أصح مما ذكره الأزرقي؛ لأنه قال: وحدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال: إن خالد بن عبد الله القسري أخاف عبد الله الأصغر بن شيبة بن عثمان، وهو الأعجم؛ فهرب منه، فاستجار بسليمان بن عبد الملك، قال محمد بن الضحاك: عن أبيه، وخالد بن عبد الله يومئذ والي لسليمان بن عبد الملك على مكة، فكتب سليمان بن عبد الملك إلى خالد بن عبد الله ألا يهيجه، وأخبره أنه قد آمنه؛ فجاء بالكتاب، فأخذ الكتاب ووضعه ولم يفتحه، وأمر به فبرز فجلده، ثم فتح الكتاب؛ فقال: لو كنت قرأته ما جلدتك، فرجع عبد الله إلى سليمان، فأخبره الخبر، فأمر الكتاب -في خالد- أن تقطع يده، فكلمه فيه يزيد بن المهلب وقبل يده، وكتب مع عبد الله: إن كان خالد قرأ الكتاب، ثم جلده قطعت يده، وإن كان جلده قبل أن يقرأ الكتاب أقيد منه، فأقيد منه عبد الله4... انتهى باختصار. ولعل فعل خالد هذا سبب عزل سليمان له، وكان عزله في سنة ست وتسعين كما سيأتي بيانه. وأما ولاية طلحة: فذكرها ابن جرير؛ لأنه قال في أخبار سنة ست وتسعين من الهجرة: وعزل سليمان بن عبد الملك خالد بن عبد الله الفسري عن مكة، وولاها طلحة بن داود الحضرمي5، وذكر ابن جرير أيضا منا يدل على خلاف ما ذكره في تاريخ ولاية طلحة؛ لأنه قال في أخبار سنة سبع وتسعين: وفي هذه السنة قال الواقدي: حدثني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 جزم خليفة في تاريخه "ص: 302" والذهبي في تاريخ الإسلام 5/ 64: أنه ولي سنة 89هـ. 2 تاريخه خليفة "ص: 310". 3 أخبار مكة 1/ 287، ومآثر الإنافة 1/ 137. 4 نسب قريش "ص: 253"، إتحاف الورى 2/ 124، العقد الثمين 4/ 27. 5 تاريخ الطبري 6/ 522، الجامع اللطيف "ص: 288"، إتحاف الورى 2/ 129. ج / 2 ص -204- إبراهيم بن نافع عن ابن أبي مليكة قال: لما صدر سليمان بن عبد الملك من الحج عزل طلحة بن داود الحضرمي عن مكة، وكان عمله عليها ستة أشهر1... انتهى. وأما ولاية عبد العزيز بن عبد الله بن خالد: فكذرها ابن جرير، وحكى خلافا في ابتدائها؛ لأنه قال في أخبار سنة ست وتسعين، بعد أن ذكر ما سبق في عزل سليمان لخالد وتوليته طلحة، وحكي عن ابن أبي معشر أنه قال: كان الأمير على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد2، وقال في أخبار سنة سبع وتسعين، بعد أن حكى عن الواقدي ما سبق في عزله طلحة: فولي عليها عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان عبد العزيز على مكة في سنة ثمان وتسعين، على ما ذكر ابن جرير أيضا3. ثم ولي مكة لعمر بن عبد العزيز بن مروان -رضي الله عنه- في خلافته: عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد المذكور على مقتضى ما ذكر ابن جرير؛ لأنه ذكر في أخبار سنة تسع وتسعين أن عامل عمر بن عبد العزيز على مة في هذه السنة: عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد4، وذكر في أخبار سنة مائة5 ما يقتضي أنه كان والي مكة. وذكر الأزرقي ما يقتضي ذلك أيضا؛ لأنه روى عن أحمد بن ميسرة عن عبد الحميد بن أبي رواد عن أبيه قال: قدمت مكة سنة مائة وعليها عبد العزيز بن عبد الله أميرا فقدم كتابا من عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- ينهى عن كراء بيوت مكة، ويأمر بتسوية بيوت منى. قال: فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سراء ويسكنون6... انتهى. وولي مكة لعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- على ما قبل: محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، على ما ذكر ابن حبان، فيما حكي عنه الذهبي في "تذهيب مختصر التذهيب"7، وعروة بن عياض بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي8، على ما ذكر صاحب الكمال. ووجدت ذلك بخط الذهبي في ترجمته في "تاريخ الإسلام"، وعبد الله بن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 6/ 529، الكامل لابن الأثير 5/ 26. 2 تاريخ الطبري 6/ 522، الكامل لابن الأثير 5/ 20، مآثر الإنافة 1/ 144. 3 تاريخ الطبري 6/ 529، الكامل 5/ 10، إتحاف الورى 2/ 132، العقد الفريد 5/ 450. 4 تاريخ الطبري 6/ 554، الكامل 5/ 36. 5 كذا في الأصل، والصحيح سنة إحدى ومائة كما في تاريخ الطبري 6/ 589. 6 أخبار مكة للأزرقي 2/ 163، 164. 7 تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 236. 8 انظر ترجمة في التاريخ الكبير للبخاري 7/ 32 رقم 140، الجرح والتعديل 6/ 369 رقم 2208، تهذيب التهذيب 7/ 186 رقم 356. ج / 2 ص -205- قيس بن مخرمة بن المطلب، القرشي1، وعثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي، وولايتها ذكرها الفاكهي. وفي ولايتهما وولاية الذين من قبلهما على مكة لعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- في خلافته نظر، لما ذكره ابن جرير2 من أن عبد العزيز بن عبد الله كان عامل مكة لعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- مدة خلافته كما سبق، ولعل المذكورين ولوا مكة لعمر -رضي الله عنه- في زمن ولايته لها عن الوليد بن عبد الملك في المدة التي كان يقيمها بالمدينة؛ فإنها كانت في ولايته أيضا، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان جماعة أولهم: عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد المذكور؛ لأن ابن جرير ذكر أنه كان على مكة في سنة إحدى ومائة وذكر ذلك ابن الأثير، وذكر أنه كان على مكة في السنة اثنين ومائة3. ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس القرشي الفهري، مع المدينة، وولايته بمكة في سنة ثلاثة ومائة، وللمدينة في سنة إحدى ومائة4. ثم ولي مكة عبد الواحد بن عبد الله النصري بالنون من بني نصر بن معاوية -بعد عزل عبد الرحمن بن الضحاك في سنة أربع ومائة مع الطائف والمدينة5. ثم ولي مكة في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان جماعة، أولهم: عبد الواحد المذكور، ومدة ولايته لذلك في خلافة يزيد وهشام سنة وثمانية أشهر، على ما ذكر ابن الأثير6. ثم ولي مكة بعده إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك في سنة ستة ومائة. وولي مع ذلك الطائف والمدينة، ودامت ولايته على مكة إلى سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة ومائة7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 انظر: التاريخ الكبير 5/ 172، رقم 547، الجرح والتعديل 5/ 139 رقم 1650، تهذيب التهذيب 5/ 626، أخبار مكة للفاكهي 3/ 178، العقد الفريد 5/ 232. 2 تاريخ الطبري 6/ 554، الكامل 5/ 43. 3 الكامل لابن الأثير 5/ 102، تاريخ الطبري 6/ 589، 618. 4 تاريخ الطبري 7/ 12، تاريخ خليفة "ص: 332"، الكامل لابن الأثير 5/ 105، إتحاف الورى 2/ 136، العقد الفريد 5/ 359. 5 تاريخ خليفة "ص: 332"، الكامل لابن الأثير 5/ 13، العقد الفريد 5/ 359، وإتحاف الورى 2/ 137، البداية والنهاية 9/ 229. 6 الكامل لابن الأثير 2/ 138، البداية والنهاية 9/ 234. 7 الكامل لابن الأثير 2/ 148، مآثر الإنافة 1/ 154. ج / 2 ص -206- ثم ولي مكة بعده أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، ودامت ولايته إلى سنة خمس وعشرين على ما قيل1. وممن ولي مكة لهشام بن عبد الملك بن مروان: نافع بن علقمة الكناني، ذكر ولايته الفاكهي، وذكر أنه وليها لأبيه. وممن وليها في خلافة عبد الملك بن مروان، أو في خلافه أحد من أولاده الأربعة: أبو حراب محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر الأموي، ذكر ولايته على مكة الفاكهي، وهكذا نسبه، وذكر ما يقتضي أنه كان واليا على مكة في زمن عطاء بن أبي رباح. ثم ولي مكة في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان -بعد عزل محمد بن هشام خال الوليد المذكور- يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي، مع الطائف والمدينة في سنة خمس وعشرين2، ودامت إلى انقضاء خلافة الوليد بن يزيد، سنة ست وعشرين. ثم ولي مكة في خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان3، فيما أظن، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة مروان -المعروف بالحمار- ابن محمد بن مروان الأموي خاتمة خلفاء بني أمية: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان، ودامت ولايته إلى أن حج بالناس في سنة ثمان وعشرين4. ثم ولي مكة بعده عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، مع المدينة والطائف في سنة تسع وعشرين، ودامت ولايته إلى أن حج بالناس في هذه السنة5. ثم ولي مكة بعد الحج من هذه السنة أبو حمزة الإباضي الخارجي، واسمه المختار بن عوف، تغلب على مكة، وذلك أن عبد الله بن يحيى الأعور الكندي المسمى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 5/ 179، 275، تاريخ خليفة "ص: 357"، إتحاف الورى "2/ 155"، درر الفرائد "ص: 208"، أخبار مكة للفاكهي 3/ 182. 2 تاريخ الطبري 7/ 226، الكامل لابن الأثير 5/ 273. 3 تاريخ خليفة "ص: 370"، إتحاف الورى 2/ 157. 4 تاريخ خليفة "ص: 384"، الكامل لابن الأثير 5/ 340، إتحاف الورى 2/ 158، درر الفرائد "ص: 208". 5 تاريخ خليفة "ص: 385"، الكامل لابن الأثير 5/ 376، إتحاف الورى 2/ 159، مآثر الإنافة 1/ 166. ج / 2 ص -207- طالب الحق بعد أن ملك حضرموت1 وصنعاء وظفار، وطرد عنها عامل مروان: القاسم بن عمر الثقفي، بعث إلى مكة أبا حمزة الخارجي -المذكور- في عشرة آلاف؛ فخاف منهم عبد الواحد بن سليمان والي مكة، وخذله أهلها؛ ففارقها في النفر الأول، وقصد المدينة، فغلب أبو حمزة على مكة، ثم سار منها بعد أن استخلف عليها أبرهة بن الصباح الحميري؛ فلقي بقديد الجيش الذي انفذه عبد الواحد بن سليمان القتال أبي حمزة، فظفر أبو حمزة؛ وذلك في صفر من سنة ثلاثين، وسار إلى المدينة فدخلها، وقتل بها جماعة، منهم أربعون رجلا من بني عبد العزى، ولما بلغ مروان خبره جهز إليه عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، في أربعة آلاف فارس؛ فسار ابن عطية حتى لقي بوادي القرى2 بلجا، وهو على مقدمة أبي حمزة؛ فقتل بلجا وعاة أصحابه، ثم سار ابن عطية يطلب أبا حمزة؛ فأدركه بمكة بالأبطح، ومع أبي حمزة خمسة عشرة ألفا، ففرق عليه ابن عطية الخيل، من أسفل مكة ومن أعلاها، ومن قبل منى، فاقتتلوا إلى نصف النهار، فقتل أبرهة بن الصباح عند بئر ميمون، وقتل أبو حمزة، وقتل خلق من جيشه؛ هذا ملخص بالمعنى مما ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" نقلا عن خليفةبن خياط3 في خبر أبي حمزة. وفي تاريخ ابن الأثير ما يخالف ذلك، في مواضع: منها: أنه كان مع أبي حمزة لما وافى عرفة سبعمائة رجل4. ومنها: أنه كان ما يقتضي أن أبا حمزة لقي ابن عطية بوادي القرى، وأنه قتل في الواقعة التي بوادي القرى5، والله أعلم. وذكر ابن الأثير أن ابن عطية لما سار إلى اليمن لقتال طالب الحق، استخلف على مكة رجلا من أهل الشام6، ولم يسمه، ورأيت في مختصر تاريخ ابن جرير أن هذا الرجل يقال له ابن ماعز7، وهذا يقتضي أن يكون عبد الملك بن محمد السعدي المذكور ولي مكة لمروان، ولا يبعد أن يجعل ذلك مروان لعبد الملك، إذا نزع من أبي حمزة ما تغلب عليه، وقد يسر الله ذلك لابن عطية، وكان من أمره بعد مسيرة من مكة لقتال طالب الحق، أنهما، فقتل طالب الحق، وبعث عبد الملك برأسه إلى مروان، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 حضرموت: مدينة شهيرة باليمن. وهي إحدى محافظاتها الكبرى الآن، وهي تقع في جنوب اليمن. 2 وادي القرى: واد من أودية الحجاز المشهورة ويقع في الشمال بعد المدينة متجها إلى الشام، وهو كثير القرى والآبار والمزارع، ولذلك قيل وادي القرى. 3 تاريخ خليفة "ص 384 - 387". 4 الكامل لابن الأثير 5/ 373. 5 الكامل لابن الأثير 5/ 391. 6 الكامل لابن الأثير 5/ 392. 7 تاريخ الطبري 7/ 399. ج / 2 ص -208- وكتب مروان لعبد الملك كتابا بالقدوم إلى مكة لإقامة الحج والناس؛ فسار في نفر قليل، فخرج عليه بعض العرب، فقتلوه بعد أن أظهر لهم كتاب مروان بتأميره على الحج؛ فلم يقبلوا ذلك منه، وقالوا له ولمن معه: إنما أنتم لصوص1. وولي مكة لمروان: الوليد بن عروة السعدي ابن أخي عبد الملك على ما ذكر ابن جرير2، وذكر أنه كان على مكة في سنة إحدى وثلاثين ومائة، وعلى الطائف والمدينة من قبل عمه، وهذا لا يعارض ما سبق من أن عمه، قتل في سنة ثلاثين لإمكان أن يكون كتب إليه من اليمن بولاية ذلك، وأقره مروان على ذلك بعد قتل عمه، والله أعلم. وذكر ابن الأثير ما يقتضي أن محمد بن عبد الملك بن مروان كان يلي مكة والمدينة والطائف في سنة ثلاثين ومائة، وأنه حج بالناس فيها3، ولم أر في مختصر تاريخ ابن جرير ولايته لذلك؛ وإنما فيه أنه حج بالناس في سنة ثلاثين ومائة4، على أن النسخة التي رأيت فيها ذلك من تاريخ ابن الأثير لا تخلو من سقم، والله أعلم بالصواب. ورأيت في نسخة من تاريخ ابن الأثير اضطرابا في اسم ابن أخي عبد الملك الذي ولي مكة، كما سبق ذكره، هل هو الوليد بن عروة5 أو هو عروة بن الوليد؟ والصواب: الوليد، كما ذكر ابن جرير والعتيقي في "أمراء الموسم"، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العقد الثمين 7/ 158، إتحاف الورى 2/ 163. 2 تاريخ الطبري 7/ 411، الكامل لابن الأثير 5/ 402، إتحاف الورى 2/ 165، العقد الثمين 5/ 512. 3 الكامل لابن الأثير 5/ 393. 4 تاريخ الطبري 7/ 410. 5 الكامل لابن الأثير 5/ 394، تاريخ خليفه "ص: 398". الدولة العباسية: ثم ولي مكة في خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أول خلفاء بني العباس: عمه داود بن علي بن عبد الله العباس، في سنة اثنين وثلاثين ومائة، وولاه مع مكة: المدينة واليمن، واليمامة1، ودامت ولايته حتى مات في سنة ثلاث وثلاثين في ربيع الأول بالمدينة، بعد أن قتل من ظفر به بني أمية بمكة والمدينة2. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 اليمامة: منطقة في نجد بينها وبين البحرين عشرة أيام، وبها كانت منازل طسم، وجدس، وبها كانت دعوة مسيلة الكذب، وفتحها خالد بن الوليد في زمن أبي بكر الصديق، وبها قتل مسيلمة الكذاب، وعادت إلى الإسلام، ويقال: إنها كانت من مخاليف مكة -أي محلقاتها- وكان يضم إلى حكام مكة حكم اليمامة. 2 تاريخ خليفة "ص: 410"، الكامل لابن الأثير 5/ 445، إتحاف الورى 2/ 170. ج / 2 ص -209- ثم ولي مكة بعد داود: زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، خال السفاح، مع الطائف، والمدينة، واليمامة، ودامت ولايته إلى سنة ست وثلاثين ومائة، على ما يقتضيه كلام ابن الأثير1. ثم ولي مكة بعده: العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، في سنة ست وثلاثين ومائة للسفاح، على ما ذكر ابن الأثير2، وذكر ما يقتضي أن ولايته دامت على مكة حتى مات السفاح، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ذلك. وذكر ابن حزم أنه ولي مكة للسفاح وقال: كان رجلا صالحا3... انتهى. وممن ولي مكة للسفاح: عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي4، على ما ذكر ابن حزم في "الجمهرة"؛ وذلك غير ملائم لما ذكره ابن الأثير5، من كون زياد بن عبيد الله الحارثي دامت ولايته على مكة إلى سنة ست وثلاثين، وأن العباس بن عبد الله بن معبد وليها بعده حتى مات السفاح، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أخي السفاح: العباس بن عبد الله بن معبد المذكور؛ لأن ابن الأثير قال في أخبار سنة سبع وثلاثين: وعلى مكة العباس بن عبد الله بن معبد، ومات العباس بعد انقضاء الموسم6. ثم ولي مكة بعده زياد بن عبيد الله الحارث المقدم ذكره، على ما ذكر ابن الأثير وغيره، مع المدينة، والطائف، ودامت ولايته إلى سنة إحدى وأربعين ومائة7، وهو الذي تولى للمنصور عمارة ما زاده في المسجد الحرام8. ثم ولي مكة بعد عزل زياد: الهيثم بن معاوية العتكي الخراساني مع الطائف، في سنة إحدى وأربعين، ودامت ولايته إلى سنة ثلاث وأربعين9. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 5/ 448، 449، إتحاف الورى 2/ 171. 2 الكامل لابن الأثير 5/ 463، 483، إتحاف الورى 2/ 171. 3 جمهرة أنساب العرب "ص: 18". 4 ولي علي الكوفة في عهد مروان بن محمد الأموي، وولي على اليمن في عهد أبي العباس "تاريخ خليفة ص: 406، 413". 5 الكامل لابن الأثير 5/ 486. 6 الكامل لابن الأثير 5/ 483. 7 الكامل لابن الأثير 5/ 483-501، أخبار مكة للفاكهي 3/ 174. 8 أخبار مكة للأزرقي 1/ 313. 9 الكامل لابن الأثير 5/ 507، 512، إتحاف الورى 2/ 179، أخبار مكة للفاكهي 3/ 174، العقد الفريد 4/ 224. ج / 2 ص -210- ثم ولي مكة بعد عزله: السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب مع الطائف؛ فسار "السري" إلى مكة ودامت ولايته عليها إلى سنة خمس وأربعين ومائة. ثم ولي مكة بعده بالتغلب محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي الجعفري؛ لأن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية لما ثار في سنة خمسة وأربعين بالمدينة، وغلب عليها، استعمل محمدًا هذا على مكة، والقاسم بن إسحاق على اليمن، فسار إلى مكة، فخرج محمد إليها السري بن عبد الله المقدم ذكره، فلقيهما ببطن أذاخر1 فهزماه، ودخل محمد مكة وقام بها يسيرا، فأتاه كتاب محمد بن عبد الله بن الحسن يأمره بالمسير إليه فيمن معه، ويخبره بمسير عيسى بن موسى إليه لمحاربته، فسار إليه من مكة هو القاسم، فبلغه بنواحي "قديد" قتل محمد النفس الزكية، فهرب هو وأصحابه وتفرقوا، فلحق محمد بن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله أخي محمد بن عبد الله، فأقام عنده حتى قتل إبراهيم، ذكر هذا بالمعنى ابن الأثير2. ورأيت في كتاب "النسب" للزبير بن بكار ما يقتضي أن الذي ولاه محمد بن عبد الله بن الحسن على مكة: حسن بن معاوية والد محمد بن حسن المقدم ذكره، والله أعلم بالصواب. ثم ولي السري مكة، ودامت ولايته عليها إلى سنة ست وأربعين ومائة3. ثم ولي مكة بعده: عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي، عم المنصور والسفاح، وولي مع ذلك الطائف، ودامت ولايته إلى سنة تسع واربعين ومائة4، وقيل: إلى سنة خمسين5، وقيل: إنه كان على مكة في سنة سبع وخمسين6، وهذا إن صح فهو ولاية ثانية لعبد الصمد على مكة، والله أعلم. ثم ولي مكة بعد عبد الصمد: محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي، ودامت ولايته في غالب الظن إلى سنة ثمان وخمسين7. ثم ولي مكة في خلافة المهدي، محمد بن المنصور العباسي: إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، مع الطائف، بوصية من المنصور8. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أذاخر: الثنية العليا لمكة؛ ولا يزال معروفا بهذا الاسم. 2 الكامل لابن الأثير 5/ 542، إتحاف الورى 2/ 186. 3 الكامل لابن الأثير 5/ 572، 576، إتحاف الورى 2/ 187. 4 الكامل لابن الأثير 5/ 590، إتحاف الورى 2/ 187. 5 الكامل لابن الأثير 5/ 594. 6 الكامل لابن الأثير 6/ 13. 7 الكامل لابن الأثير 6/ 35، إتحاف الورى 2/ 190، مروج الذهب 4/ 402. 8 الكامل لابن الأثير 6/ 36، إتحاف الورى 2/ 193. ج / 2 ص -211- ثم ولي مكة: جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس العباس مع الطائف، وكان على ذلك في سنة إحدى وستين1، وفي سنة ثلاث وستين كان على المدينة2 في هذه السنة. ثم ولي مكة عبيد الله3 بن قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب مع الطائف، وكان واليا لذلك في سنة ست وستين، وفي سنة تسع وستين4. وممن ولي مكة في خلافة المهدي: محمد بن إبراهيم الإمام العباسي المقدم ذكره، ذكر ولايته على مكة للمهدي: الفاكهي. وممن ولي مكة في خلافة المهدي -فيما أظن والله أعلم: قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، والد عبيد الله المذكور؛ لأن ابن حزم قال في "الجمهرة" لما ذكر أولاد عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فمن ولده: قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ولي مكة واليمامة، وابنه عبيد الله5 بن قثم ولي مكة للرشيد6... انتهى. وإنما ظننا أن ولاية "قثم" في خلافة المهدي؛ لأن ابن الأثير ذكر في كل سنة من خلافة السفاح والمنصور من كان والي مكة، ولم يذكر ولاية قثم هذا في سنة من سنتين خلافة العباس والمنصور. وذكر ابن الأثير أيضا ولاة مكة في زمن الرشيد، في ترجمته ترجم عليها بقوله: ذكر ولاة مكة7، وسردهم كما سيأتي ذكره، ولم يذكر قثم المذكور، فغلب على الظن أنه ولي مكة في خلافة المهدي؛ لأنه لم يذكر في كل سنة من خلافته من ولي فيها مكة؛ وإنما ذكر ذلك في بعض السنين ولم يذكر ولاتها في خلافته جملة، كما ذكرها جملة في خلافة الرشيد، ويحتمل أن يكون وليها في خلافة المهدي قبل ابنه عبيد الله بن قثم أو بعده، والله أعلم. ثم ولي مكة في خلافة الهادي موسى بن المهدي العباس: عبيد الله بن قثم بن العباس المقدم ذكره، على مقتضى ما ذكر ابن جرير؛ لأنه قال في أخبار سنة تسع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 6/ 56، إتحاف الورى 2/ 206، تاريخ الطبري 9/ 341. 2 كان جعفر بن سليمان واليا على مكة والمدينة والطائف واليمامة، الكامل لابن الأثير 6/ . 3 جمرة أنساب العرب لابن حزم "ص19"، الكامل لابن الأثير 6/ 73. 4 الكامل لابن الأثير 6/ 94، إتحاف الورى 2/ 216، تاريخ الطبري 8/ 10. 5 الرحلة الحجازية "ص: 83"، إتحاف الورى 2/ 216. 6 جمهرة أنساب العرب "ص: 19". 7 الكامل لابن الأثير 6/ 214. ج / 2 ص -212- وستين وهي السنة التي في أولها أفضت الخلافة إلى الهادي، بعد أن ذكر من كان فيها علي ولاية المدينة وعلى مكة، والطائف عبيد الله بن قثم1... انتهى. وولي مكة في خلافة الهادي بالتغلب: الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني؛ لأنه ثار بالمدينة، وفتك بهم فيها من جماعة الهادي، ونهبوا بيت المال بالمدينة، وبويع على كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وخرج هو وأصحابه إلى مكة لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وستين. ولما بلغوا مكة أمر الحسين فنودي فيها: أيما عبد أتانا فهو حر؛ فأتاه العبيد. وكان الهادي لما انتهى إليه خبره كتب إلى محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن رجال من أهل بيته، ومعه خيل وسلاح، فقدموا مكة وطافوا وسعوا وحلوا من العمرة، وعسكروا بذي طوى، وانضم إليهم من حج من شيعتهم ومواليهم وقوادهم، والتقوا مع الحسين وأصحابه؛ فقتل الحسين في أزيد من مائة من أصحابه، وانهزم بعضهم إلى مصر وغيرها، وكانت القتال في يوم التروية بفخ، ظاهر مكة2. وقبر الحسين هذا معروف إلى الآن في قبة تكون على يمين الداخل إلى مكة، ويسار الخارج منها، بقرب الموضع المعروف بالزاهر، وحمل رأسه بعد قتله إلى الهادي؛ فلم يعجبه ذلك وقال: كأنكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت، إن أقل ما أجزيكم أن أحرمكم جوائزكم، فلم يعطهم شيئا. وكان الحسين شجاعا كريما، قدم على المهدي فأعطاه أربعين آلاف دينار، ففرقها في الناس ببغداد، والكوفة، وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه إلا فروة ما تحتها قميص؛ فالله -تعالى- يرحمه ويغفر له. وممن ولي مكة في خلافة الهادي أو الخلافة أخيه الرشيد: محمد بن عبد الرحمن السفياني، وولايته لأمر مكة ذكرها الفاكهي؛ لأنه قال: وكان ممن ولي مكة بعد ذلك محمد بن عبد الرحمن السفياني، كان على قضاء مكة وإمارتها... انتهى. وذكر الزبير بن بكار أن الهادي استقصاه على مكة، وأن الرشيد أقره حتى صرفه المأمون، فولاه قضاء بغداد شهرا ثم صرفه3... انتهى. ولعل محمد بن عبد الرحمن السفياني هذا ولي إمرة مكة مع قضائها في زمن الأخوين: الهادي والرشيد، أو في زمن أحدهما، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 8/ 204. 2 تاريخ الطبري 8/ 192-203. 3 نسب قريش "ص: 338". ج / 2 ص -213- ثم ولي مكة في خلافة الرشيد هارون بن المهدي العباسي جماعة، ذكرهم ابن الأثير من غير ترتيب في الأسماء ولا في الولاية، ولا رفع في أنسابهم، ونحن نذكرهم مرتبين في الأسماء، ونوضح في أنسابهم ما لم يوضحه ابن الأثير وهم: أحمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس، وحماد البربري، وسليمان بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، والعباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام، وعبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وعبيد الله بن قثم بن العباس المقدم ذكره، وعبيد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام وعلي بن موسى بن عيسى أخو العباس، والفضل بن العباس بن محمد بن عبد الله بن عباس، ومحمد بن إبراهيم الإمام، ومحمد بن عبد اللهبن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان بن عفان العثماني، وموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بنعلي والد العباس وعلى المقدم ذكرهما1. ولم يذكر ابن الأثير في تاريخه ولاية ولاة مكة الذين ذكرهم، إلا ولاية عبيد الله بن قثم؛ ذكر أنه كان على مكة سنة سبعين2؛ وإلا ولاية حماد البربري، والفضل بن العباس، وتاريخ ولاية حماد سنة أربع وثمانين3، وتاريخ ولاية الفضل سنة إحدى وتسعين4، وذكر أن الرشيد ولى حمادا اليمن مع مكة. ورأيت في تاريخ ابن جرير5 وابن كثير6 ما يقتضي أن ولاية محمد بن إبراهيم الإمام في خلافة الرشيد سنة ثمان وسبعين ومائة. ورأيت في "أخبار مكة" للفاكهي ما يقتضي أن العثماني كان واليا على مكة للرشيد سنة ست وثمانين، وأن ولاية سليمان بن جعفر بن سليمان لمكة في هذه السنة بعد عزل العثماني. وولي مكة في خلافة الأمين محمد بن هارون الرشيد العباسي7: داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، العباسي، وكان على مكة في سنة ثلاث وتسعين8، ودامت ولايته إلى انقضاء خلافة الأمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 6/ 214. 2 الكامل لابن الأثير 6/ 109. 3 الكامل لابن الأثير 6/ 166. 4 الكامل لابن الأثير 6/ 206، إتحاف الورى 2/ 247، درر الفرائد "ص 223"، المحبر "ص: 39". 5 تاريخ الطبري 8/ 260. 6 البداية والنهاية 10/ 173. 7 كانت خلافة خمسة أعوام، بدأت بوفاة والده عام 193هـ، وامتدت حتى مقتله عام 198هـ. 8 الكامل لابن الأثير 6/ 226، إتحاف الورى 2/ 248، المحبر "ص: 39"، درر الفرائد "ص: 223". ج / 2 ص -214- وولي للأمين المدينة أيضا، وهو الذي تولى خلع الأمين بمكة سنة ست وتسعين1. وولي مكة في خلافة المأمون عبد الله بن هارون الرشيد العباسي2: داود بن عيسى المذكور؛ لأنه لما خلع الأمين في رجب سنة ست وتسعين لنقضه العهد الذي كان عهده الرشيد بينه وبينأخيه المأمون، بايع للمأمون بالحرمين، وسار إلى المأمون حتى أعلمه بذلك، وتبصر به المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة، واستعمل عليهما داود، وأضاف إليه ولاية عك، وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة له، وسار إلى مكة، ودامت ولايته عليها إلى أن كان وقت الوقوف من سنة تسع وتسعين ومائة، ثم فارق مكة متخوفا من الحسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالأفطس مع قدرة داود على الدفع والقتال3. وولي مكة بعد خروج داود منها: الحسين الأفطس المذكور بالتغلب؛ لأن أبا السرايا السري بن منصور الشيباني داعية ابن طباطبا بعد استيلائه على الكوفة، وضربه بها الدراهم، وبعثه الجيوش إلى البصرة وواسط ونواحيها، ولي الحسين -المذكور- مكة وجعل إليه الموسم، ووجه أبو السرايا أيضا واليا على المدينة، وواليا على اليمن، ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبي السرايا للحسين فارق مكة هو ومن بها من شيعة بني العباس وقت الحج. وكان الحسين حين بلغ سرف4 تخوف من دخول مكة، حتى بلغه خلوها من ابن العباس؛ فدخلها في عشرة أنفس، فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، ومضوا إلى عرفة فوقفوا ليلا، ثم رجعوا إلى مزدلفة، فصلى حسين بالناس الصبح، وأقام بمنى أيام الحج، ثم صار إلى مكة. فلما كان مستهل المحرم من سنة مائتين نزع الحسين كسوة الكعبة، وكساها الكسوة التي أنفذها معه أبو السرايا، وكانت كسوتين من قز رقيق، إحداهما صفراء، والأخرى بيضاء. وأخذ ما في خزانة الكعبة، فقسمه مع كسوتها على أصحابه، وهرب الناس من مكة؛ لأن أصحاب الحسين كانوا يأخذون أموال الناس بحجة أنها ودائع لبني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 6/ 226، إتحاف الورى 2/ 206. 2 امتدت خلافة المأمون عشرين عاما من عام 198هـ- وهو العام الذي قتل فيه أخوه- حتى عام 218هـ، وكان قائد الجيش للمأمون طارق بن الحسين، وهو الذي تولى قتل الأمين. 3 الكامل لابن الأثير 6/ 307، إتحاف الورى 2/ 257. 4 سرف: موضع معروف بقرب مكة، وفيه توفيت السيدة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ج / 2 ص -215- العباس، ودامت ولاية الحسين على مكة إلى أن بلغه قتل أبي السرايا في سنة مائتين1. وذكر العتيقي في "أمراء الموسم" ما يقتضي أن الحسن الأفطس ولي مكة قبل التروية؛ لأنه قال: وكان أمير الموسم سنة تسع وتسعين محمد بن داود بن عيسى بن موسى؛ فلما كان بمنى قبل التروية بيوم، وثب ابن الأفطس العلوي بمكة، وغلب عليها، وصار إلى منى؛ فتنحى عنه محمد بن داود، ولم يمض إلى عرفة، ومضى الناس أإلى عرفات بغير إمام، ودفعوا بغير إمام، وأقام الأفطس الموقف ليلا؛ فوقف، ثم صار إلى المزدلفة، فصلى بالناس صلاة الفجر، ووقف بهم عند المشعر، ودفع بهم غداة جمع، وصار إلى منى... انتهى. وإنما ذكرنا ما ذكر العتيقي لمخالفته ما ذكرناه قبل في وقت استيلاء الحسين على مكة؛ فإن الذي ذكرناه قبل يقتضيانه لم يدخله مكة إلا ليلة عرفة، والله أعلم. ثم ولي مكة بعد الأطلس: محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالديباجة، لجمال وجهه؛ وسبب ذلك: أن حسينا الأفطس لما بلغه قتل أبي السرايا، رأى أن الناس تغيروا عليه لقبح سيرته وسيرة أصحابه؛ فأتى هو وأصحابه إلى محمد بن جعفر المذكور، وسألوه في المبايعة به بالخلافة؛ فكره محمد ذلك، فاستعانوا عليه باتبنه علي، ولم يزالوا به حتى بايعوه بالخلافة في ربيع ألأول سنة مائتين، وجمعوا الناس على بيعته طوعا وكرها، وسموا أمير المؤمنين، فبقي شهورا ليس له من الأمر شي، وابنه علي وحسين الأفطس وجماعتهم على أقبح سيرة، ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن فارا من إبراهيم بن موسى بن جعفر، فنزل المشاش، واجتمع إليه جماعة من أهل مكة هربوا من العلويين، واجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفرا، وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم، وحفروا خندقا؛ فقالتهم إسحاق، ثم كره القتال؛ فسار نحو العراق فلقيه الجند الذي أنفذهم هرثمة إلى مكة، وكان فيهم الجلودي، وورقاء بن جميل، فقال لإسحاق: ارجع معنا، ونحن نكفيك القتال، فرجع معهم ولقيهم الطالبيون ببئر ميمون، وكان قد اجتمع إلى محمد غوغاء أهل مكة وسودان البادية والأعراب، فالتقى الفريقان، فقتل جماع، ثم تحاجزوا، ثم التقوا من الغد، فانهزم العلويون ومن معهم، وطلب الديباجة الأمان، فأجلوه ثلاثا، ثم نزح عن مكة، وتفرق كل قوم من الطالبين من ناحية، ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة سنة مائتين، وتوجه ممج بن جعفر نحو بلاد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 6/ 306-311، إتحاف الورى 2/ 262. ج / 2 ص -216- جهينة، فجمع بها، وقاتل والي المدينة هارون بن المسيب عند الشجرة1 وغيرها مرات، وانهز محمد بن جعفر بعد أن فقئت عينه بنشابة، وقتل من أصحابه خلق كثير، ورجع إلى موضعه، ثم طلب الأمان من "الجلودي" ومن ورقاء؛ فأمناه، وضمن له ورقا عن المأمون وعن الفضل2 الأمان، فقبل والي مكة لعشر بقين من ذي الحجة سنة مائتين؛ فصعد به "الجلودي" المنبر بمكة والجلودي فوقه في المنبر، وعليه قباء أسود، فاعتذر من خروجه، بأنه بلغه موت المأمون،وقد صح عنده الآن حياته، وخلع نفسه واستغفر، ثم سار إلى العراق حتى بلغ المأمون بمرو، فعفا عنه، وبقي قليلا، ثم مات فجأة بجرجان؛ فصلى عليه المأمون، ونزل في لحده وقال: هذه رحم قطعت من سنين، وكان موته في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وسبب موته -على ما قبل- أنه جامع ودخل الحمام وافتصد في يوم واحد3. وولي مكة في خلافة المأمون بعد هزيمة الطالبيين: عيسى بن يزيد الجلودي؛ لأن في خبر الديباجة الذي حكاه الذهبي في "تاريخ الإسلام" أن عيسى الجلودي لما خرج بالديباجة إلى العراق استخلف على مكة ابنة محمدا... انتهى بالمعنى. وذكر ابن حزم في "الجمهرة"4 ما يدل لولاية الجلودي على مكة؛ لأنه ذكر أن يزيد بن محمد بن حنظلة المخزومي، استخلفه عيسى بن يزيد الجلودي على مكة؛ فدخلها عنوة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وقتل يزيد بن محمد... انتهى. فاستفدنا من هذا ولاية الجلودي على مكة، ونيابة ابن حنظلة له وقتله، وكان قتله في سنة اثنتين ومائتين، وإن كان إبراهيم بن موسى المذكور واليا على مكة في هذه السنة، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى، والله أعلم5. وولي مكة بعد عزل الجلودي: هارون بن المسيب؛ لأني نقلت من كتاب "مقاتل الطالبيين"، عن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن عمار الثقفي، فيما رواه من كتاب هارون بن عبد الملك الزيات، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الواحد بن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الشجرة: مكان قرب المدينة المنوة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرم منه إذا أراد الحج أو العمرة، وهي غير شجرة البيعة المذكورة في القرآن الكريم؛ فإن هذه الشجرة في الحديبية قريبا من مكة المكرمة في الطريق إلى جدة. 2 هو الفضل بن سهل وزير الخليفة العباسي "المأمون بن هارون الرشيد". 3 تاريخ الطبري 8/ 539، الكامل لابن الأثير 6/ 312، 313، الوافي بالوفيات 2/ 191، شذرات الذهب 2/ 7، إتحاف الورى 2/ 266. 4 جمهرة أنساب العرب "ص: 143". 5 تاريخ الطبري. ج / 2 ص -217- النصر بن القاسم مولى عبد الصمد بن علي: أن عيسى بن يزيد الجلودي أقام بمكة وهي مستقيمة له والمدينة، حتى قدوم هارون بن المسيب واليا على الحرمين؛ فبدأ بمكة، فصرف الجلودي عنها، وحج بالناس وانصرف إلى المدينة فأقام سنة... انتهى. وولي مكة للمأمون: حمدون بن علي بن عيسى بن ماهان، على ما ذكر الأزرقي1؛ لأنه في أخبار سيولة مكة: وجاء سيل في سنة اثنتين ومائتين، في خلافة المأمون، وعلى مكة يزيد بن محمد بن حنظلة2 خليفة لحمدون بن علي بن عيسى بن ماهان... انتهى. ولا تعارض بين ما ذكره ابن حزم من ولاية حنظلة للجلودي، وبين ما ذكره الأزرقي من ولاية ابن حنظلة لابن ماهان؛ لإمكان أن يكون وليها للجلودي ولابن ماهان، الله أعلم. ولا معارضة أيضا بين ما ذكره الذهبي من ولاية محمد بن الجلودي، على مكة لأبيه، وبين ما ذكره ابن حزم من ولاية حنظلة على مكة للجلودي؛ لإمكان أن يكون الجلودي ولي مكة لابنه ولابن حنظلة، والله أعلم. وولي مكة للمأمون: إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هكذا نسبه العتيقي، وذكر أنه حج بالناس سنة اثنتين ومائيتن، وهو أمير مكة للمأمون، وأخوه علي بن عيسى الرضا ولي عهد المأمون3... انتهى. ولا معارضة بين ما ذكره العتيقي من أن إبراهيم من أن إبراهيم كان على مكة في سنة اثنتين ومائتين، وبين ما ذكره الأزرقي من أن ابن حنظلة كان على مكة في سنة اثنتين ومائتين خليفة لحمدون بن علي4، لإمكان أن يكون "حمدون" كان على مكة في أول سنة اثنتين ومائتين، وإبراهيم كان على مكة في آخر هذه السنة5، والله أعلم. وولي مكة للمأمون: عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، مع المدينة، في سنة أربع ومائتين، وكان على مكة والمدينة أيضا في سنة خمس، وسنة ست ومائتين6، ولعل ولايته دامت إلى سنة تسع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 226، إتحاف الورى 2/ 278. 2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 170. 3 الكامل لابن الأثير 6/ 309-313. 4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 226، إتحاف الورى 2/ 279. 5 أو أن إبراهيم كان متغلبا لا متوليا من قبل خليفة. 6 الكامل لابن الأثير 2/ 280، إتحاف الورى 2/ 280، البداية والنهاية 10/ 25. ج / 2 ص -218- ثم ولي مكة: صالح بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي في سنة عشرة ومائتين1، ودامت -ولايته -فيما أظن- إلى أن حج بالناس في سنة اثنتي عشرة ومائتين، والله أعلم. ثم وليها بعده -فيما أظن- سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي؛ لأن يعقوب بن سفيان ذكر أنه ولي مكة والمدينة سنة أربع عشرة ومائتين، وكان ابنه علي مكة مرة، وعلى المدينة مرة، وكان هو وأبوه يتداولان العمل على المدينة ومكة2... انتهى. وولي مكة في خلافة المأمون: محمد بن سليمان المذكور؛ لأن الأزرقي قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: "ما جاء في أول من استصبح حول الكعبة": فلم يزل مصباح زمزم على عمود طويل مقابل الركن الأسود الذي وضعه خالد القسري؛ فلما كان محمد بن سليمان بن مكة في خلافة المأمون في سنة ست عشرة ومائتين وضع عمودا طويلا مقابله بحذاء الركن الغربي3... انتهى. والظاهر أنه ابن سليمان بن المذكور لقرب ولايتهما، ولتأخر ولاية محمد بن سليمان الزيني على مكة؛ فإنه لم يليها إلا في آخر خلافة المتوكل فيما علمت، ولا هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الذي أمره الهادي على حرب الحسين صاحب فخ؛ لكونه مات سنة ثلاث وسبعين ومائة، على ما ذكره المسيحي وغيره، والله أعلم. وممن ولي مكة للمأمون: عبيد الله بن عبد الله بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، ذكر ولايته عليها الزبير بن بكار، أفادني ذلك بعض أصحابنا المعتمدين. وممن ولي مكة للمأمون: الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل؛ إلا أنه لم يباشر ذلك بنفسه، وإنما عقدت له عليها الولاية؛ لأن المأمون في سنة ثمان وتسعين بعد أن قتل الأمين استعمل الحسن بن سهل على كل ما افتتحه طاهر بن الحسين، من كور الجبال، والعراق، وفارس، والأهواز، والحجاز، واليمن، على ما ذكر ابن الأثير4 وغيره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 يجعل صاحب مرآة الحرمين، وصاحب الرحلة الحجازية "ص 83" أن بدء ولايته كان عام "218هـ"، وجعلها ابن فهد سنة "210هـ"، انظر إتحاف الورى 2/ 284. 2 المعرفة والتاريخ 1/ 199، 200، إتحاف الورى 2/ 287. 3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 287، إتحاف الورى 2/ 288. 4 الكامل لابن الأثير 6/ 297. ج / 2 ص -219- وولي مكة في خلافة المعتصم محمد بن هارون الرشيد العباسي: صالح بن العباس المذكور، وكان على مكة في سنة تسع عشر ومائتين1، على ما ذكره الفاكهي. ثم وليها: محمد بن داود عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي الملقب ترنجة، في سنة اثنين وعشرين ومائتين2، ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل، والله أعلم. وممن ولي مكة في خلافة المعتصم: أشناس التركي أحد كبار قواد المعتصم؛ لأن ابن الأثير ذكر في أخبار سنة ست وعشرين ومائتين "أشناس" لما أراد الحج في هذه السنة جعل إليه المعتصم ولاية كل بلد يدخلها؛ فحج فيها، واستناب على الحج بالناس: محمد بن داود -يعني السابق ذكره- ودعى لأشناس على منابر الحرمين وغيرهما من البلاد التي اجتاز بها، حتى عاد إلى سامرا3... انتهى. وذكر ابن الأثير أيضا أن "أشناس" هذا مات في سنة ثلاثين ومائتين4. وولي مكة في خلافة المتوكل، أبي الفضل جعفر بن الواثق، هارون بن المعتصم: علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسي سنة ثمان وثلاثين، ودامت ولايته إلى أن توفي سنة تسع وثلاثين؛ هكذا ذكر ابتداء ولايته وانتهاءها بوفاته: المسبحي في تاريخه، وذكر ابن الأثير ما يقتضي أنه لم يكن واليا على مكة سنة ثمان وثلاثين، والله أعلم. وذكر ابن الأثير أيضا ولايته في سنة تسع وثلاثين5. ثم ولي بعده عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى العباسي المقدم ذكر والده؛ وذلك في سنة تسع وثلاثين، على ما ذكر المسجي، وذكر أن عبد الله حج بالناس سنة تسع وثلاثين6، ودامت ولايته إلى آخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، على متقضى ما ذكر ابن الأثير7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ خليفة "ص: 476"، إتحاف الورى 2/ 289، المحبر "ص: 42"، درر الفرائد "ص: 226"، مروج الذهب 4/ 405. 2 تاريخ خليفة "ص: 476"، المحبر "ص: 42"، درر الفرائد "ص: 227". 3 الكامل لابن الأثير 6/ 521، المحبر "ص: 42"، مروج الذهب 4/ 405، إتحاف الورى 2/ 296. 4 الكامل لابن الأثير 7/ 18. 5 ذكر ابن الأثير 7/ 72 في سنة "237هـ" ولم يذكره في السنتين التاليتين، وذكره ابن فهد في سنة "237هـ" 8/ 313. 6 كلام ابن الأثير 7/ 72، وابن فهد 2/ 313، يفيد أنه كان واليا سنة "239هـ". 7 الكامل لابن الأثير 7/ 80. ج / 2 ص -220- وذكر ابن جرير ما يقتضي أنه كان على مكة في سنة اثنتين وأربعين ومائتين1. ثم ولي مكة بعده عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي سنة اثنتين وأربعين على ما ذكر ابن الأثير، وذكر ذلك ابن كثير، وذكر أنه حج بالناس سنة ثلاث وأربعين، وهو نائب مكة2 انتهى. وولي مكة بعده محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام المعروف بالزينبي، على ما ذكر ابن جرير؛ لأنه ذكر أنه حج بالناس سنة خمس وأربعين، وهو والي مكة3. وولي مكة في خلافة المتوكي ابنه المنتصر محمد، الذي ولي الخلافة بعد أبيه؛ لأن أباه ولاه الحرمين، والطائف، واليمن، في رمضان ثلاث وثلاثين ومائتين، ثم عقد له على ذلك وغيره في سنة خمس وثلاثين4، وما أظنه باشر ولاية مكة، والله تعالى أعلم. وممن ولي مكة في خلافة المتوكل: إيتاخ الخزري مولى المعتصم، وأحد كبار قواد المتوكل؛ لأن ابن الأثير ذكر في أخبار سنة أربع وثلاثين ومائتين: وضع على إيتاخ من حسن له الحج، فاستأذن فيه المتوكل، فأذن له وصيره أمير كل بلد يدخله، وخلع عليه، ثم قال: وقيل: إن هذه القضية كانت سنة ثلاث وثلاثين5. ثم ذكر في أخبار سنة خمس وثلاثين، أنه لما عاد من الحج احتيل عليه حتى قبض عليه، ومات في جمادى الآخر من هذه السنة6. وولي مكة في خلافة المنتصر محمد بن المتوكل المذكور: محمد بن سليمان الزينبي المقدم ذكره، فيما أظن، والله أعلم. وولي مكة في خلافة المستعين أبي العباس أحمد بن المعتصم العباسي عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام -السابق ذكره- وكان على مكة في سنة تسع وأربعين، على ما ذكر ابن جرير وابن الأثير7. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 لم يذكره الطبري في حوادي سنة "242هـ" وإنما ذكره في حوادث سنة "241هـ" وذكره ابن فهد 2/ 323 في حوادث سنة "242هـ". 2 البداية والنهاية 10/ 344، تاريخ الطبري 9/ 209. 3 الكامل لابن الأثير 7/ 43، إتحاف الورى 2/ 325، المحبر "ص: 43"، درر الفرائد "ص: 229". 4 الكامل لابن الأثير 7/ 47، إتحاف الورى 2/ 301. 5 الكامل لابن الأثير 7/ 43. 6 الكامل لابن الأثير 7/ 47. 7 تاريخ الطبري 9/ 265، الكامل لابن الأثير 7/ 125. ج / 2 ص -221- ثم وليها بعده: جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى بن محمد وعلي بن عبد الله بن عباس العباسي المعروف بشاشان؛ وذلك في سنة خمسين ومائتين، ودامت ولايته إلى سنة إحدى وخمسين1. ثم وليها بعده في هذه السنة بالتغلب: إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب؛ لأنه ظهر بمكة، وهرب منه عاملها جعفر المذكور، وقتل الجند وجماعة من أهل مكة ونهب منزل جعفر ومنازل أصحاب السلطان، وأخذ من الناس نحو مائتي ألف دينار، وأخذ كسوة الكعبة، وما في الكعبة، وخزائنها من الأموال، وما حمل من المال لإصلاح العين، ونهب مكة، وأحرق بعضها، ثم خرج منا بعد مقامه فيها خمسين يوما، في شهر ربيع الأول إلى المدينة؛ فتوارى عنه عاملها، ثم رجع إلى مكة في رجب، فحصرهم حتى مات أهلها جوعا وعطشا، وبلغ الخبر ثلاث أواق بدرهم، ولقي أهل مكة منه كل بلاء، ثم سار إلى جدة بعد أن أقام سبعة وخمسين يوما؛ فحبس عن الناس فأفسد فيه كثيرا، وكان من أمره بعرفة ما سنذكره بعد -إن شاء الله، وبعد انفصاله من الموقف بعرفة سار إلى جدة، وأفنى أموالها. وما ذكرناه من خبره لخصناه بالمعنى من تاريخ ابن جرير وابن الأثير2، وفيه ما يقتضي أن ظهور إسماعيل بمكة كان في صفر من سنة إحدى وخمسين ومائتين؛ لأن فيه أنه خرج من مكة إلى المدينة في ربيع الأول بعد خمسين يوما، وذكر ابن حزم في "الجمهرة" ما يقتضي أنه ظهر بمكة في ربيع الأول، وذكر أنه مات في آخر سنة اثنتين وخمسين بالجدري، عن اثنين وعشرين سنة3. وذكر المسعودي ما يقتضي أن ظهوره كان سنة اثنتين وخمسين4. وولي مكة في خلافة المستعين: ابنه العباس؛ لأن المسعودي ذكر في أخبار سنة تسعه وأربعين ومائتين، أن المستعين: عقد لابنه العباس على مكة والمدينة والبصرة والكوفة، وعزم على البيعة له، فأخرها لصغر سنه... انتهى5 بالمعنى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 9/ 277، الكامل لابن الأثير 7/ 134، 165، إتحاف الورى 2/ 328، البداية والنهاية 11/ 6، مروج الذهب 4/ 406. 2 الكامل لابن الأثير 7/ 165، 166، تاريخ الطبري 9/ 346، 347، إتحاف الورى 2/ 1329، البداية والنهاية 11/ 9، العقد الفريد 3/ 312. 3 جمهرة أنساب العرب "ص: 46"، إتحاف الورى 2/ 331، العقد الفريد 3/ 313. 4 مروج الذهب 4/ 176، وفيه يسميه: "يوسف بن إسماعيل". 5 مروج الذهب 4/ 154. ج / 2 ص -222- وولي مكة في خلافة المستعين أيضا: محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين؛ لأن ابن الأثير ذكر في أخبار سنة ثمان وأربعين، أن المستعين عقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق، وجعل إليه الحرمين، والشرطة، ومعادن السواد، وأفرده به1... انتهى. وولي مكة في خلافة المعتز2 محمد، وقيل: طلحة، وقيل: الزبير بن المتوكل العباسي: عيسى بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، على ما ذكر ابن حزم3، وهكذا نسبه، وهو: عيسى بن محمد المخزومي الذي ذكر ابن الأثير أن المعتز أنفذه مع محمد بن العلوي، ولعل المعز ولي عيسى مكة في السنة التي بعثه فيها إلى مكة، وهي سنة إحدى وخمسين4 والله أعلم. وما عرفت إلى متى دامت ولايته على مكة. وذكر الفاكهي ولاية عيسى هذا لمكة، وأنه كان واليا عليها في سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وفي سنة أربع وخمسين ومائتين، وذكر الفاكهي ما يقتضي أنه ولي مكة مرتين5. وممن ولي مكة في خلافة المعتز، أو في خلافة المهتدي، محمد بن الواثق العباسي6 أو في خلافة المعتمد العباسي7: محمد بن أحمد المنصوري؛ هكذا رأيته مذكورا في كتاب الفاكهي؛ وذكر ما يدل لولايته على مكة؛ لأنه قال في الأوليات التي اتفقت بمكة: وأول من استصبح في المسجد الحرام في القناديل في الصحن: محمد بن أحمد المنصوري، جعل عمدا من خشب في وسط المسجد، وجعل بينهما جبالا، وجعل فيها قناديل يستصبح بها؛ فكان ذلك في ولايته، حتى عزل محمد بن أحمد، فعلقها عيسى بن محمد في إمارته الأخيرة... انتهى. وذكر العتيقي: محمد بن أحمد هذا، ووقع خلاف في نسبه؛ لأنه قال: وحج بالناس سنة ثلاث وخمسين ومائتين: محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور يعرف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 7/ 118. 2 كانت خلافة المعتز بن المتوكل ثلاث سنوات من "252-255 هـ". 3 جمهرة أنساب العرب "ص: 149". 4 أخبار مكة للفاكهي 3/ 240. 5 الكامل لابن الأثير 7/ 166، إتحاف الورى 2/ 330. 6 الكامل لابن الأثير، إتحاف الورى 2/ 330. 7 كانت خلافة المهتدي من "255 - 256 هـ". ج / 2 ص -223- بكعب البقر1، وقال بعد ذلك: وحج بالناس سنة ست وخمسين: محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور، وقال أيضا: وحج بالناس سنة سبع وخمسين ومائين: محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور كعب البقر... انتهى. فاستفدنا مما ذكره العتيقي في نسبه وحجة بالناس في هذه السنين، ولعله كان في إحداها واليا على مكة، والله أعلم. وما ذكرناه عن ابن الأثير من كون المعتز بعثه مع عيسى بن محمد المخزومي لحرب إسماعيل بن العلوي، يقتضي أنه محمد بن إسماعيل بن عيسى، ولعل إسماعيل تصحف بأحمد، فإن النسخة التي رأيت فيها ذلك من تاريخ ابن الأثير كثيرة السقم، والله أعلم. وممن ولي مكة في خلافة المهتدي محمد بن الواثق العباسي: علي بن الحسن الهاشمي، على ما ذكر الفاكهي، ولم يزد في ذكره على اسمه واسم أبيه، وذكر في غير موضع أنه هاشمي؛ وذكر الفاكهي أنه ولي مكة في سنة ست وخمسين ومائتين، وذكر ما يقتضي أنه كان واليا على مكة في الحرم وصفر، وفي شهر ربيع الأول منها، وأنه في ولايته حلى المقام وزاد من عنده في حليته2. وذكر في الأوليات بمكة أنه أول من فرق بين الرجال والنساء في جلوسهم في المسجد ا لحرام، أمر الجبال فربط بين الأساطين التي تقعد عندها النساء؛ فكن يقعدن دون الحبال، إذا جلس في المسجد الحرام، والرجال من وراء الحبال3... انتهى. وولي مكة في خلافة المعتمد أحمد بن المتوكل العباسي جماعة؛ وهم: أخوه أبو أحمد الموفق، واسمه طلحة، وقيل: محمد بن المتوكل العباسي، وإبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي الملقب برية، وأحمد بن طولون صاحب مصر، ومحمد بن أبي الساج، وأخوه يوسف بن أبي الساج، ومحمد بن عيسى بن محمد بن إسماعيل المخزومي أبو المغيرة ولد عيسى المقدم ذكره، وأبو عيسى محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن عبد الوهاب بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي، والفضل بن العباسي بن الحسين بن إسماعيل بن محمد العباسي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 4/ 334 و335، مروج الذهب 4/ 6، درر الفرائد "ص: 230، 231".؟ 2 أخبار مكة للفاكهي 1/ 477، والعقد الفريد 6/ 152. 3 أخبار مكة للفاكهي 3/ 242. ج / 2 ص -224- فأما ولاية الموافق: فذكرها ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة سبع و خمسين ومائيتن: لما اشتد أمر الزنج وعظم شرهم وأفسدوا في البلاد، أرسل "المعتمد على الله" مكة والحرمين واليمن1ض، انتهى باختصار لبعض ما ذكره من البلاد؛ وإنما ذكرنا كلامه بنصه؛ لإفادته ولاية الموفق للحرمين ولما فيه من إحضاره من مكة فإنه يبعد أن يكون فيها وولايتها لغيره، والله أعلم. وأما ولاية إبراهيم الملقب برية فذكرها ابن الأثير، وذكر أنه كان على مكة في سنة ستين ومائتين2 ولعله كان عليها في التي قبلها، وذكر ابن الأثير أنه رحل من مكة للغلاء الذي كان بها في سنة إحدى وستين، لما جلا الناس عنها لغلائها. وأما ولاية ابن طولون فذكر ابن جرير ما يدل لها، ولولاية هارون بن محمد المذكور؛ لأنه قال في أخبار سنة تسع وستين ومائتين: وفي ذي الحجة كانت وقعة بين قائدين، وجههما أحمد بن طولون في أربعمائة وسبعين فارسا وألفي راجل، فوافيا مكة لليلتين بقيتا من ذي القعدة؛ فأعطوا الجزارين والحناطين دينارين دينارين، والرؤساء سبعة، وهارون بن محمد عامل مكة، فوافاه جعفر بن الباغمردي3 لثلاث خلون من ذي الحجة في نحو مائتي فارس، وكان هارون في مائة وعشرين فارسا، ومائتي أسود، يقوى بهم، فالتقوا وأصحاب ابن طولون؛ فقتل من أصحاب ابن طولون ببطن مكة نحو مائتي رجل، وانهزم الباقون في الجبال، وأخذت دوابهم وأموالهم، وأمن جعفر المصريين والحناطين والجزارين، وقرئ كتاب في المسجد الحرام بلعن أحمد بن طولون، وسلم الناس أموال التجار4... انتهى. وذكر ابن الأثير نحو ذلك مختصرا، وأفاد فيما ذكره أن هارون حين وافاه المصريون كان ببستان ابن عامر، قد فارق مكة خوفا من المصريين5... انتهى. وبستان ابن عامر هو نخلة6 التي هي من عمل مكة؛ لأن أبا الفتح ابن سيد الناس قال في سيرته لما ذكر سرية عبد الله بن جحش: وذكر -يعني ابن سعد- أن النبي صلى الله عليه وسلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 7/ 241، وإتحاف الورى 2/ 335، البداية والنهاية 11/ 28، العقد الفريد 5/ 67. 2 الكامل لابن الأثير 7/ 272، إتحاف الورى 2/ 336. 3 في إتحاف الورى 2/ 336: "الباغمردي". 4 تاريخ الطبري 9/ 652، إتحاف الورى 3/ 343. 5 الكامل لابن الأثير 7/ 395. 6 نخلة: اسم لثلاثة مواضع: نخلة القصوى، ونخلة الشمالية، ونخلة اليمانية، والمقصود هنا: نخلة الشمالية، وهي قريبة من مر الظهران، وكلها قريبة من مكة. ج / 2 ص -225- بعث عبد الله بن جحش -رضي الله عنه- في اثنى عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة. وهو بستان ابن عامر... انتهى. أخبرني بذلك عن ابن سيد الناس غير واحد من أشياخي عنه1. وأما ولاية محمد بن أبي الساج: فذكرها ابن جرير؛ لأنه في أخبار سنة ست وستين ومائتين: وفي شهر ربيع الآخر أبو الساج بجنديسابور، وولي ابنه محمد الحرمين وطريق مكة... انتهى. وهكذا وجدته في مختصر تاريخ ابن جرير2. وذكر ابن حمدون في "تذكرته" وابن الأثير3 في "كامله" ولاية محمد بن أبي الساج، كما ذكر في التاريخ المذكور، وذكر أن عمرو بن الليث الصفار ولاه ذلك، ولعل الصفار لم يفعل ذلك إلا بعد أن جعل إليه ذلك الخليفة المعتمد ، أو أخوه أبو أحمد الموفق، والله أعلم. وهذا يدل على ولاية عمرو بن الليث لمكة، والله أعلم. وأما ولاية أخيه يوسف بن أبي الساج: فذكرها ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة إحدى وسبعين ومائتين: وفيها عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة، وطريق مكة؛ فوثب يوسف بن أبي الساج -وهو والي مكة- على بدر غلام الطائي، وكان أمير على الحجاج؛ فحاربه وأسره؛ فثار الجند والحاج بيوسف فقاتلوه، واستنقذوا بدرا، وأسروا يوسف وحملوه إلى بغداد، وكانت الموقعة بينهم على أبواب المسجد الحرام4... انتهى. وأما ولاية أبي المغيرة، وأبي عيسى المخزوميين، فذكرهما ابن حزم؛ لأنه قال بعد أن ذكر نسب أبي المغيرة، وأبي عيسى: وكان المعتمد قد ولي أبا عيسى هذا مكة، ثم عزله بأبي المغيرة المذكور، فتحاربا فقتل أبو عيسى، ودخل أبو المغيرة مكة ورأس أبي عيسى بين يديه5... انتهى. ولم أدر متى كانت ولاية أبي عيسى؟ وذكر الفاكهي ما يقتضي أن أبا عيسى محمد بن يحيى المخزومي ولي مكة نيابة عن الفضل بن العباس؛ فقال شاعر من أهل مكة: أتعجبون يا بني المغيرة فيه فبنو حفص منكم أمراء انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 عيون الأثر 1/ 259. 2 تاريخ الطبري 9/ 549. 3 الكامل لابن الأثير 7/ 333. 4 الكامل لابن الأثير 7/ 417، إتحاف الورى 2/ 344. 5 جمهرة أنساب العرب "ص: 149". ج / 2 ص -226- لأنه قال: وكان محمد بن يحيى المخزومي واليها، واستخلفه عليها الفضل بن عباس. ولا مانع من أن يكون أبو عيسى ولي مكة عن الفضل بن عباس نيابة، كما ذكر الفاكهي، وعن المعتمد استقلالا، كما ذكر ابن حزم، والله أعلم. وأما ولاية أبي المغيرة؛ فرأيت في كتاب الفاكهي ما يقتضي أنه كان أميرا على مكة في سنة ثلاث وستين ومائتين؛ لأنه قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: "تجريد الكعبة": فكانت الكسوة على الكعبة على ما وصفنا، حتى كانت سنة ثلاث وستين، فورد كتاب من أبي أحمد الموفق بالله على محمد بن عيسى وهو يومئذ على مكة، يأمره بتجريد الكعبة؛ فقرأ الكتاب في درا الإمارة لتسع ليال بقين من ذي الحجة1... انتهى. وما ذكرناه من كلام الفاكهي يشعر بأن أبا المغيرة ولي مكة عن أبي أحمد الموفق، وذكر ابن الأثير ما يدل على أنه وليها بعد ذلك لصاحب الزنج؛ لأن ابن الأثير قال في أخبار سنة خمس وستين ومائتين: وفيها كانت موافاة أبي المغيرة عيسى بن محمد المخزومي إلى مكة لصاحب الزنج2... انتهى. وما ذكر ابن الأثير في اسم أبي المغيرة وأبيه عكس ما ذكره ابن حزم في ذلك، ولعله سقط من كتاب ابن الأثير "ابن" بين أبو المغيرة وعيسى؛ وبذلك يتفق ما ذكره مع ما ذكره ابن حزم3، والله أعلم. وصاحب الزنج هو علي بن أحمد العلوي -بزعمه- لأنه كان ينتمي إلى يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ممن أكثر في الأرض الفساد، وأخباره في ذلك مشهورة. وذكر ابن الأثير شيئا من حال أبي المغيرة؛ لأنه قال في أخبار سنة ست وستين وفيها قدم محمد بن أبي الساج مكة، فحاربه ابن المخزومي، فهزمه محمد، واستباح ماله؛ وذلك يوم الترويه4... انتهى. وقال أيضا في أخبار سنة ثمان وستين: وفيها سار أبو المغيرة إلى مكة، وعاملها هارون بن محمد الهاشمي، فجمع هارون جمعا احتمى بهم؛ فصار المخزومي إلى مشاش فغور ماءها، وأتى جدة فنهب الطعام وأحرق بيوت أهلها، وصار الخبز في مكة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 7/ 328، إتحاف الورى 2/ 340. 2 الكامل لابن الأثير 7/ 328، إتحاف الورى 2/ 240. 3 جمهرة أنساب العرب "ص: 149". 4 الكامل لابن الأثير 7/ 336، إتحاف الورى 2/ 341، البداية والنهاية 11/ 39. ج / 2 ص -227- أوقيتين بدرهم، ثم قال: وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي، وابن أبي الساج على الأحداث والطريق1: وقال في أخبار سنة تسع وستين: وفيها وجه ابن أبي الساج جيشا بعدما انصرف من مكة، فسيره إلى جدة، وأخذ المخزومي مركبين فيهما مال وسلاح2... انتهى. وأما ولاية هارون بن محمد بن إسحاق العباسي فسبق ما يدل لها من كلام ابن جرير3 وابن الأثير، وذكرها ابن حزم4، وأفاد في ذلك مالم يفده غيره؛ لأنه قال بعد إن نسبه كما سبق ذكره: ولي المدينة ومكة، وحج بالناس من سنة ثلاث وستين ومائتين، إلى سنة ثمان وسبعين ولاء، ثم هرب من مكة عند الفتنة، فنزل مصر ومات به، وألف نسب العباسيين وغير ذلك... انتهى. وما ذكره ابن حزم من أنه حج بالناس من سنة ثلاث وستين ومائتين، إلى سنة ثمان وسبعين ولاء ذكر مثله "العتيقي" في "أمراء الموسم"؛ إلا أنه ذكر أن أول حجاته سنة أربع وستين. وذكر ابن الأثير ما يوافق ما ذكره ابن حزم والعتيقي في بعض ذلك؛ لأنه ذكر أن هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي حج بالناس سنة ثمان وستين5. وأما ولاية الفضل بن العباس فذكرها الفاكهي6، وذكر أنه كان واليا على مكة سنة ثلاث وستين ومائتين، واقتصر في نسبه على الفضل بن العباس، وما ذكرناه في نسبه ذكره العتيقي، وذكر أنه حج بالناس سنة ثمان وخمسين ومائتين، إلى آخر سنة ثلاث وستين ولاء؛ إلا سنة ستين فذكر فيها غيره. ثم ولي مكة في خلافة المعتضد، أبي العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل العباسي7، وفي خلافة أولاده المكتفي أبي محمد علي8، والمقتدر أبي الفضل جعفر والقاهر أبي منصور محمد9، وفي خلافة الراضي أبي العباس أحمد بن المقتدر10 وفي خلافة المتقي11 أبي إسحاق إبراهيم بن المقتدر، وفي خلافة المستكفي عبد الله بن المكتفي على بن المعتضد12، وفي خلافة المطيع أبي القاسم الفضل بن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 7/ 372، 373. 2 الكامل لابن الأثير 7/ 396. 3 تاريخ الطبري 9/ 541 و10/ 8-18، وفيه أنه حج بالناس 16سنة من "264 - 279 هـ"، الكامل لابن الأثير 7/ 321 و302، 337. 4 جمهرة أنساب العرب "ص: 33". 5 الكامل لابن الأثير 7/ 373. 6 أخبار مكة للفاكهي 3/ 184. 7 تولي الخلافة بعد موت المعتمد "279 - 289 هـ". 8 تولى الخلافة في الفترة "289-295هـ". 9 تولى الخلافة في الفترة "320 - 322 هـ". 10 تولى الخلافة في الفترة "322 - 328 هـ". 11 تولى الخلافة في الفترة "328 - 333 هـ". 12 تولى الخلافة في الفترة "333 - 334 هـ". ج / 2 ص -228- المقتدر العباسي جماعة، ما عرفت منهم غير عج بن حاج، ومؤنس المظفر، وابن ملاحظ. وما عرفته بغير هذا ، وابن مخلبة أو ابن محارب على الشك مني، ومحمد بن طفج الأخشد صاحب مصر، وابنيه أبي القاسم أو نجور، ومعنى أونجور: محمود، وأبي الحسن علي، والقاضي أبي جعفر محمد بن الحسن عبد العزيز العباسي، قاضي مصر. فأما ولاية عج بن حاج فذكرها إسحاق بن أحمد الخزاعي راوي تاريخ الأزرقي، في خبر زيادة دار الندوة، وترجم على ذلك بقوله: "باب ذكر بناء المسجد الجديد" الذي كان دار الندوة، وأضيف إلى المسجد الكبير: لأنه قال بعد أن ذكر أن المستعمل على بريد مكة في ذلك إلى الوزير عبيد الله بن سليمان في سنة إحدى وثمانين ومائتين: وسرح ذلك الأمير بمكة عج بن حاج، مولي أمير المؤمنين1... انتهى. وذكر ابن الأثير ما يدل على أنه كان واليا على مكة في سنة خمس وتسعين ومائتين؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: وفي هذه السنة كانت وقعة بين "عج بن حاج" وبين الأجناد بمنى ثاني عشر ذي الحجة، فقتل منهم جماعة؛ لأنهم طلبوا جائزة بيعة المقتدر، وهرب الناس إلى بستان ابن عامر2 ... انتهى. وأما ولاية "مؤنس"، فذكرها ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة ثلاثمائة: وفيها قلد مؤنس المظفر الحرمين والثغور3.... انتهى. وأما ولاية "ابن ملاحظ" فذكر النسابة أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في كتابه "الإكليل" ما يدل لها؛ لأنه قال: في أخبار بني حرب بالحجاز ما نصه: قال أبو جعفر بن المخائي: فمن أيام بني حرب في وقتنا وقبله بمديدة: "يوم الحرة"، ثم قال: ومنها "يوم شرف الإباية" يوم سار إليهم ابن ملاحظ وهو سلطان مكة؛ فقتلوا أصحابه وأسروه؛ فأقام عندهم وقتا، ثم منوا عليه وخلوا سبيله... انتهى. وما عرفت اسم ابن ملاحظ المذكور، ولا متى كانت ولايته على مكة؛ غير أني أظن أنه كان على ولايتها بعد سنة ثلاثمائة، أو قبلها بقليل، ومؤلف هذا الكتاب الهمداني النسابة كان حيا فسن اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وعاش بعدها إلى سنةتسع وعشرين، فيما أحسب، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 111، إتحاف الورى 2/ 348. 2 الكامل لابن الأثير 8/ 11، 12، إتحاف الورى 2/ 360. 3 الكامل لابن الأثير 8/ 75. ج / 2 ص -229- وأما ولاية "ابن مخلف": فذكرها ابن الأثير؛ لأنه قال لما ذكر ما فعله أبو طاهر القرمطي من القبائح بمكة في سنة سبع عشرة وثلاثمائة: فخرج إليه ابن مخلب أمير مكة في جماعة من الأشراف، فسألوه في أموالهم؛ فلم يشفهم، فقاتلوه، فقتلهم أجمعين1. وأما ولاية "ابن محارب": فذكرها الذهبي؛ لأنه قال لما ذكر خبر أبي طاهر وما فعل بمكة: وقتل ابن محارب أمير مكة... انتهى؛ هكذا قال: في "تاريخ الإسلام"2. وقال في "العبر"3: وقتل أمير مكة ابن محارب... انتهى. وأظن -والله أعلم- أن ابن مخلب4 أصوب؛ لأني وجدت في "تاريخ المسبحي" ما نصه في أخبار سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة: وفيها التقى محمد بن إسماعيل بن مخلب متولي معونة الحجاز مع أحمد بن الحسين الحسني... انتهى. نقلت ذلك من خط الرشيد بن الزكي المنذري في اختصاره لتاريخ المسبحي، والظاهر أن أمير مكة الذي سماه ابن الأثير "ابن مخلب" من أقارب ابن مخلب هذا، والله أعلم. وأما ولاية الأخشيدية فذكرها النويري في تاريخه5؛ لأنه ذكر أن "المتقي" الخليفة العباس ولي "محمج بن طغج" الحرمين، ومصر، والشام في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وعقد لولديه: "أبي القاسم أو نجور"، وأبي الحسن علي -المقدم ذكرهما- من بعده على ذلك؛ على أن يكفلهما خادمه كافرو الخصي المعروف بالإخشيدي. وذكر المسبحي مايدل لذلك لأنه ذكر في أخبار سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة: أنه حج جماعة من أعيان المصريين في هذه السنة، ثم قال: ووقع الخلف بين المصريين والعراقيين في ذي الحجة منها بمكة، في إقامة الدعوة لمعز الدولة ولأخيه ركن الدولة، ولولده عز الدولة، بعد المطيع. ومنعه من ذلك المصريون، وتمسكوا بعقد المتقي للإخشيد، ولوده بعده، من غير واسطة بينه وبين المطيع، وكثر الحكايات في شرح ما جرى بينهم6... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 8/ 207، 208. 2 تاريخ الإسلام للذهبي 1/ 192، حوادث سنة "317هـ". 3 العبر 2/ 167. 4 في تجارب الأمم 1/ 201، "ابن مجلب" وفي دول الإسلام للذهبي 1/ 192: "ابن محارب" ولم يصرح الهمداني في تكملة تاريخ الطبري "ص: 62" باسمه، وفي إتحاف الورى 2/ 383: "ابن مجلب". 5 نهاية الإرب 23/ 88 وما بعدها. 6 إتحاف الورى 2/ 298، درر الفرائد "ص: 243"، حسن الصفا والابتهاج "ص: 109". ج / 2 ص -230- وذكر العتيقي في "أمراء الموسم" ما يدل لذلك؛ لأنه قال: وحج بالنسا سنة سبع وأربعين: محمد بن عبد الله بن العلوي، وعلى الصلاة: عمر بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي، ومضى إلى مصر في هذه السنة، ومات بالقرب منها ودفن بها، وقلده بعده الصلاة: عبد العزيز وعبد السميع ابنا عمر بن الحسن بن عبد العزيز مكان أبيهما بمصر، والحرمين1... انتهى. ووجه الدلالة من هذا على ولاية الإخشيدية للحرمين أن تقليدهم الصلاة فيهما يقتضي أنهما في ولايتهم، وهو كذلك، بدليل ما حكي من عقد المتقي لهم الولاية على ذلك، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ما يدل لولايتهم على مكة، وما عرفت من كان يباشر للإخشيدية ولاية مكة، ولا من باشر ذلك لمؤنس، والله -سبحانه- أعلم. وأما ولاية القاضي أبي جعفر محمد بن الحسن بن عبد العزيز العباسي فذكرها بعض مؤرخي مصر في كتاب له ذكر فيه مصر وقضاتها2 ووزراءها وأخبار النيل، وغير ذلك، ورتبه على ترتيب السنين وجعل في كل سنة جداول تحتوي على المشار إليهم، فذكر في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة: أن قاضي مصر في هذه السنة كان أبا جعفر محمد بن الحسن بن عبد العزيز العباسي، إلى أن عزل وولي إمارة مكة. وهذا يشعر بأن محمد بن الحسن المذكور باشر ولاية مكة لعلي بن الإخشيد، والله أعلم. ثم ولي مكة في زمن الإخشيدية بالتغلب: جعفر بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني، على ما ذكر بن حزم في "الجمهرة"؛ لأنه قال بعد أن نسبه "هكذا: الذي غلب على مكة أيام الإخشيدية وولده إلى اليوم ولاة مكة"3... انتهى. ولعل ولاية جعفر هذا لمكة بعد موت كافور الإخشيدي قبل أخذ العبيديين لمصر من الإخشيدية؛ فإن دولتهم لم تتلاش إلا بعد موت كافور، وكان موت كافور في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وقيل: في سنة سبع وخمسين، فتكون ولاية جعفر في إحدى هاتين السنتين، أو في سنة ثمان وخمسين، فإن فيها: كان انقضاء دولة الإخشيدية على يد القائد "جوهر" مولى "المعز" العبيدي صاحب المغرب، ولا تخرج ولاية جعفر على أن تكون في هذه السنة، أو في إحدى السنتين قبلها، على تقدير موت كافور في سنة ست وخمسين، لقول ابن حزم: إن جعفرا غلب على مكة أيام الإخشدية، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 400. 2 يقصد بذلك كتاب "الولاة والقضاة" للمؤرخ المصري المشهور محمد بن يوسف الكندي "283 - 305هـ". 3 جمهرة أنساب العرب ص: 47. ج / 2 ص -231- وتصدق على ما بعد موت كافور، وحصول مصر للمغاربة في سنة ثمان وخمسين إنها: أيام الإخشيدية، ويبعد أن يلي جعفر مكة، في أيام كافور لعظم أمره، وقد رأيت في بعض التواريخ ما يدل على أنه كان يدعى له على المنابر بمكة، والله أعلم. وذكر شيخنا ابن خلدون1 في نسب جعفر هذا ما ذكره ابن حزم في نسبه، وحكى في نسبه وجها آخر، وهو أنه من ولد "محمد" القائم بالمدينة أيام المأمون بن سليمان بن داود بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وذكر نسب جعفر إلى محمد بن سليمان، فقال: جعفر بن أبي هاشم الحسن بن محمد بن سليمان، وذكر أن محمد بن سليمان من ولد محمد بن سليمان القائم بالمدينة أيام المأمون، وكلامه يقضي ترجيح هذه المقالة في نسب جعفر، وفي ذلك نظر، والله أعلم. وذكر أن جعفر هذا: دعا للمعز العبيدي لما استولى له خادمه جوهر على مصر. ثم ولي مكة بعد جعفر هذا: ابنه عيسى، على ما ذكر شيخنا ابن خلدون. وذكر أن في أيامه حصر جيش العزيز بن المعز العبيدي مكة، وضيقوا على أهلها كثيرا لمالم يخطبوا للعزيز بعد موت أبيه، ودامت ولايته على مكة، إلى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، على ما ذكر ابن خلدون؛ وذكر ابن حزم في "الجمهرة"2 ما يفهم أنه ولي مكمة في الجملة. ثم ولي مكة بعده: أخوه أبو الفتوح الحسن بن جعفر الحسني، على ما ذكر شيخنا ابن خلدون، وذكر أنه ملك المدينة وأزال عنها إمرة بني المهنا الحسيني في سنة تسعين وثلاثمائة، بأمر الحاكم العبيدي: وولاية أبي الفتوح لمكة مشهورة؛ وإنما عزوناها لابن خلدون؛ لإفادته تاريخ ابتداء دولته لها بها بعد أخيه عيسى، ولم أر ذلك لغيره3 وكذا ما ذكره في ملكه للمدينة4، والله أعلم. ودامت ولاية أبي الفتوح على مكة -فيما علمته- إلى أن مات في سنة ثلاثين وأربعمائة؛ إلا أن الحاكم العبيدي ولي ابن عم أبي الفتوح في المدة التي خرج فيها أبو الفتوح عن طاعة الحاكم، ثم أعاد أبو الفتوح إلى إمرة مكة لما رجع إلى طاعته. وكان سبب عصيانه أن الوزير "أبا القاسم بن المغرب" لما قتل الحاكم أباه، هرب من الحاكم واستجار ببعض آل الجراح؛ فبعث الحاكم إليهم من حاربهم، فكان الظفر لآل الجراح، فعند ذلك حسن لهم الوزير مبايعة أبي الفتوح بالخلافة، فمالوا إلى ذلك، فقصد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العبر وديوان المبتدأ والخبر - ابن خلدون 3/ 244. 2 جمهرة أنساب العرب ص: 47. 3 راجع الجمهرة ص: 47. 4 إتحاف الورى 2/ 423، العقد الثمين 4/ 69. ج / 2 ص -232- أبو القاسم أبا الفتوح، وحسن له طلب الخلافة؛ فاعتذر له أبو الفتوح بقلة ذات يده، فحسن أبو القاسم لأبي الفتوح أخذ ما في الكعبة المعظمة من المال؛ فأخذ أبو الفتوح ذلك مع مال عظيم لبعض التجار، مات بجدة، وخطب لنفسه، وبايعه بالخلافة شيوخ الحسينيين وغيرهم بالحرمين، وتلقب بالراشد، وخرج من مكة إلى الرملة قاصدا آل الجراح في جماعة من بني عمه، وألف عبد أسود -على ما قيل، ومعه سيفه، زعم أنه ذو الفقار، وقضيب زعم أنه قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما قرب من الرملة تلقاه العرب وقبلوا له الأرض، وسلموا إليه بالخلافة، ونزل الرملة، ونادى بالعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانزعج الحاكم لذلك، وما وسعه إلا الخضوع لآل الجراح، فاستمال حسان بن مفرج من آل الجراح، وبذل له ولإخوته أموال جزيلة جدا، فتخلوا عن أبي الفتوح، فعرف أبو الفتوح ذلك، فاستجار بمفرج -والد حسان- من الحاكم، فكتب "مفرج" إلى الحاكم فرده إلى مكة، وكان الحاكم قد ولي الحرمين لابن عم أبي الفتوح، وأنفذ له ولشيوخ بني حسن أموالا، وكان عصيان أبي الفتوح في سنة إحدى وأربعمائة1، على ما ذكر صاحب "المرآة" وغيره. ورأيت في تاريخ بعض شيوخنا أن ذلك في سنة اثنتين وأربعمائة، ورأيت في تاريخ النويري ما يشهد لذلك، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- قريبا؛ وإنما نبهنا على ذلك؛ لأن الذهبي ذكر في "تاريخ الإسلام"2 أن ذلك في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وذلك وهم بلا ريب؛ لأن الحاكم لم يل الخلافة إلا في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، كما ذكر الذهبي وغيره. ووجدت في بعض التواريخ أن ابن عم أبي الفتوح الذي ولاه الحاكم الحرمين يقال له: أبو الطيب، ولعله والله أعلم: أبو الطيب بن عبد الرحمن بن قاسم بن أبي الفاتك بن داود بن سليمان بن عبيد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني؛ هكذا رأيت أبا الطيب هذا منسوبا في حجر بالمعلاة، مكتوب فيه أنه قبر يحيى ابن الأمير المؤيد ابن الأمير قاسم بن غانم بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب، وساق بقية النسب كما سبق. وذكر ابن حزم في "الجمهرة" أبا الطيب هذا، وساق نسبه كما ذكرناه؛ إلا أنه أسقط في النسخة التي رأيتها من "الجمهرة" قاسما بين عبد الرحمن وأبي الفاتك، وسمي أبا الفاتك عبد الله، وذكر فيها أن لعبد الرحمن هذا اثنين وعشرين ذكرا، فذكرهم، وذكر أبا الطيب فيهم، ثم قال: سكنوا كلهم أذنه3، حاشا نعمة، وعبد الحميد، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 اتعاظ الحناف 2/ 87. 2 حوادث سنة 381 هـ ص 300. 3 أذنة: جبال شمالي شرقي الحجاز. ج / 2 ص -233- وعبد الحكيم؛ فإنهم سكنوا أمج1 بقرب مكة2... انتهى. ولعل سكناهم أذنه للخوف من أبي الفتوح، بسبب تأمر أبي الطيب بعده، وأستبعد -والله أعلم- أن يكون الذي ولاه الحاكم عوض أبي الفتوح: أبا الطيب بن عبد الرحمن، لكون ابن حزم لم يذكر لأبي الطيب بن عبد الرحمن ولايته، والله أعلم. ورأيت في تاريخ النويري ما يقتضي أن أبا الفتوح لما عصى على الحاكم خرج عليه بمكة إخوة؛ لأنه حكى أن أبا الفتوح لما بلغه استمالة الحاكم لآل الجراح، قال لهم: إن أخي قد خرج بمكة، وأخاف أن يستأصل ملكي بها، فأعادوه إلى مكة في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة... انتهى... وهذا هو الذي ذكرنا أنه يشهد لمن قال: إن تاريخ عصيان أبي الفتوح سنة اثنين، والله أعلم. وولي مكة بعد أبي الفتوح ابنه شكر بن أبي الفتوح، ودامت ولايته فيما علمت إلى أن مات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. وذكر شيخنا ابن خلدون أنه حارب أهل المدينة وملكها في بعض حروبه، وجمع بين الحرمين. قال: وذكر البيهقي وغيره: أنه ملك الحجاز ثلاثا وعشرين سنة... انتهى. وذكر ابن حزم في "الجمهرة" ما يفهم في الجملة ولاية أبي الفتوح، وابنه شكر مكة، وذكر ما يقتضي أن عقبهم انقرض، وأن مكة وليها بعد شكر عبد كان له؛ لأنه قال: وقد انقرض عقب جعفر المذكور؛ لأن أبا الفتوح لم يكن له ولد إلا شكر، ومات "شكر" ولم يولد له قط، وصار أمر مكة إلى عبد كان له3... انتهى. وذكر صاحب "المرآة" عن محمد بن هلال الصابي ما يقتضي أن لشكر بنتا، وسيأتي ذلك قريبا، وهو يخالف ما ذكره ابن حزم، والله أعلم. وولي مكة بعد "شكر" بنو أبي الطيب الحسنيون، ثم علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن، ثم أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسبن بن علي بن أبي طالب الحسني؛ لأن صاحب "المرآة" قال في أخبار سنة خمس وخمسين وأربعمائة: وفيها دخل الصليحي إلى مكة، واستعمل الجميل مع أهلها، وأظهر العدل والإحسان والأمن، وطابت قلوب الناس، ورخصت الأسعار، وكثرت له الأدعية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أمج: بلد من أعراض المدينة "مراصد الاطلاع 1/ 115". 2 جمهرة أنساب العرب ص: 47. 3 الجمهرة ص47، إتحاف الورى 2/ 467، درر الفرائد "ص: 255". ج / 2 ص -234- ثم قال: وكسا البيت ثيابا بيضا، ورد بني شيبة عن قبيح أفاعلهم، ورد إلى البيت من الحلي ما كان بنو أبي الطيب الحسنيون أخذوه لما ملكوا بعد "شكر". وكانوا قد غيروا في البيت الميزاب. ثم قال: بعد أن نقل عن محمد بن هلال الصابي بعض ما ذكره من دخول الصليحي إلى مكة، وما فعله من الجميل فيها: وأقام إلى يوم عاشوراء وراسله الحسنيون، وكانوا قد أنفذوا من مكة: أخرج من بلدنا ورتب منا من تختاره، فرتب محمد بن أبي هاشم في الإمارة، ورجع إلى اليمن1. ومحمد بن أبي هاشم صهر "شكر" على ابنته، وأمره على الجماعة وأصلح، بين العشائر، واستخدم له العساكر، وأعطاه مالا، وخمسين فرسا وسلاحا. ثم قال: وفي رواية: أنه أقام بمكة إلى ربيع الأول؛ فوقع في أصحابه الوباء، فمات منهم سبعمائة رجل. ثم عاد إلى اليمن؛ لأن العلويين جمعوا عليه، ولم يبق معه إلا نفر يسير، فسار إلى اليمن، وأقام محمد بن أبي هاشم بمكة نائبا عنه؛ فقصده الحسنيون بنو سليمان مع حمزة بن أبي وهاس؛ فلم يكن له بهم طاقة بحرهم وخرج من مكة فتبعو، فرجع فضرب واحدا منهم ضربة فقطع ذراعه وفرسه وجسده، ووصل إلى الأرض، فدهشوا ورجعوا عنه، وكان تحته فرس تسمى دنانير لا تكل ولا تمل، وليس له في الدنيا شبيه. ومضى إلى وادي الينبع، وقطع الطريق عن مكة والقافلة، ونهب بنو سليمان مكة، ومنع الصليحي الحج من اليمن، فغلت الأسعار وزادت البلية... انتهى2. ولعل بني أبي الطيب -المشار إليه في هذا الخبر- من أولاد الطيب الذي ذكرنا نسبه، ولعله حمزة بن أبي وهاس -المذكور في هذا الخبر أيضا -حفيد أبي الطيب المشار إليه؛ لأن ذلك يوافق ما في الحجر الذي رأيته بالمعلاة، والله أعلم. وهذا الذي ذكره صاحب "المرآة" يتضمن ولاية ابن أبي الطيب لمكة بعد "شكر"، ثم ولاية "الصليحي" لها، ثم ولاية ابن أبي وهاس. وذكر شيخنا ابن خلدون ما يقتضي أن ابن أبي هاشم ولي مكة في سنة أربع وخمسين، بعد أن قاتل السليمانيين قوم شكر وغلبهم ونفاهم عن الحجاز3، والله أعلم بذلك. وعاد إلى أبي هاشم بعد خروجه من مكة إلى إمرتها، ودامت ولايته عليها فيما أحسب إلى أن مات في سنة سبع وثمانين وأربعمائة4؛ إلا أنه خرج منها هاربا من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 اتعاظ الحنفا 2/ 268، 269. 2 إتحاف الورى 2/ 468، العقد الثمين 6/ 238، النجوم الزاهرة 5/ 72، البداية والنهاية 12/ 89. 3 العبر 4/ 103. 4 إتحاف الورى 2/ 487، العقد الثمين 1/ 439. ج / 2 ص -235- التركمان الذين استولوا عليها في سنة أربع وثمانين وأربعمائة، كما ذكر ابن الأثير1 وغيره. ورأيت في تاريخ ابن الأثير أن هؤلاء التركمان طلبوا من ابن أبي هاشم أموال الكعبة التي أخذها، وأنهم نهبوا مكة، وكانت فتنة عظيمة2... انتهى بالمعنى. وهو أول من أعاد الخطبة العباسية بمكة، بعد قطعها من الحجاز نحو مائة سنة، ونال بسبب ذلك مالا عظيما من السلطان "ألب أرسلان" السلجوقي؛ فإنه خطب له بمكة بعد القائم الخليفة العباسي، وصار بعد ذلك يخطب حينا للمقتدي عبد الله بن محمد الذخيرة ابن القائم عبد الله العباسي، وحينا للمستنصر العبيدي صاحب مصر، ويقدم في ذلك من تكون صلته أعظم، ولعل ذلك من سبب إرسال التركمان إليه. وذكر شيخنا ابن خلدون أن مدة إمرته على مكة ثلاثون سنة، وأنه ملك المدينة، والله أعلم بذلك. وقد بالغ ابن الأثير في ذم ابن أبي هاشم هذا؛ لأنه قال -لما ذكر وفاته: ولم يكن له ما يمدح به... انتهى. ولعل ذلك لنهبه الحاج في سنة ست وثمانين، وقتله منهم خلقا كثيرا، على ما ذكر ابن الأثير، ولأخذه لحلي الكعبة في سنة اثنتين وستين3 والله أعلم. وولي مكة بعده: ابنه قاسم بن محمد مدة يسيرة. ثم وليها بعده، أصبهبذ بن سرتكين4؛ لأنه في هذه السنة استولى على مكة عنوة. وهرب منها قاسم المذكور، وأقام به أصبهبذ إلى شوال سنة سبع وثمانين، ثم إن قاسما جمع عسكرا، وكسر أصبهبذ بعسفان؛ فانهزم أصبهبذ ومضى إلى الشام، ودخل قاسم مكة5، ودامت ولايته عليها فيما علمت حتى مات سنة ثمان عشرة وخمسمائة، هكذا ذكر وفاته ابن الأثير وغيره. ووجدت بخطي فيما نقلته من "تاريخ الإسلام" للذهبي أنه توفي سنة ثمان عشرة، ووجدت ذلك بخطي أيضا فيما نقلته من تاريخ شيخنا ابن خلدون6. وقال شيخنا ابن خلدون: في ترجمته: واستمرت إمرته ثلاثين سنة على الاضطراب... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 10/ 200، إتحاف الورى 21/ 485، العقد الثمين 1/ 442. 2 الكامل لابن الأثير 10/ 225. 3 الكامل لابن الأثير 10/ 239، دول الإسلام 2/ 15، إتحاف الورى 2/ 486، النجوم الزاهرة 5/ 138. 4 هكذا في النجوم الزاهرة 2/ 487. 5 إتحاف الورى 2/ 487، الكامل لابن الأثير 10/ 329، العقد الثمين 1/ 439. 6 ذكر ابن الأثير 10/ 617، وفاته في سنة "517هـ" وقيل: فيها أو التي بعدها، إتحاف الورى 2/ 498. ج / 2 ص -236- وولي مكة بعده ابنه "فليته بن قاسم"؛ هكذا سماه ابن الأثير وغيره، وسماه الذهبي في "تاريخ الإسلام" أبوفليتة، في موضعين من تاريخه، ودامت حتى مات في سنة سبع وعشرين وخمسمائة1. وولي مكة بعده هاشم بن فليتة، ودامت ولايته حتى مات في سنة تسع وأربعين وخمسمائة؛ لأن ابن خلكان ذكر أن الفقيه "عمارة" الشاعر اليمني حج في هذه السنة، فسيره قاسم بن هاشم بن فليتة صاحب مكة رسولا إلى الديار المصرية، فدخلها في شهر رضمان سنة خمسين2... انتهى. وهذا يقتضي أن هاشما توفي في هذه السنة؛ لأن قاسما ابنه إنما ولي بعده، فوجدت بخط بعض فقهاء المكيين ما يقتضي أن هاشما مات في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وأن قاسما ولي بعده، ولم يختلف عليه اثنان... انتهى. ودامت ولاية قاسم بن هاشم بعد أبيه إلى سنة ست وخمسين؛ لأنه فارق مكة متخوفا من أمير الحاج العراقي وقت الموسم من هذه السنة لإساءة السيرة فيها. وولي مكة بعد عمه عيسى بن فليته3. ثم إن قاسما استولى على مكة في شهر رمضان سنة سبع وخمسين، وأقام بها أياما يسيرة، ثم قتل. ووجدت بخط بعض المكيين ما يقتضي أنه قتل سنة ست وخمسين، والله أعلم4. واستقر الأمر لعمه عيسى، ودامت ولاية عيسى فيما علمت على مكة، إلى أن مات سنة سبعين وخمسمائة؛ إلا أن أخاه مالك بن فليته كان نازعه في الإمرة، واستولى على مكة نحو نصف يوم؛ لأنه دخل مكة في يوم عاشوراء من سنة ست وستين وخمسمائة، وجرى بين عسكره وعسكر أخيه فتنة إلى وقت الزوال، ثم خرج مالك واصطلحوا بعد ذلك. فولي مكة بعد عيسى: ابنه داود بن عيسى بن فليته، بعهد من أبيه، ودامت ولايته إلى ليلة النصف من رجب سنة إحدى وسبعين5. فوليها بعده أخوه مكثر بن عيسى، ثم عزل مكثر في موسم هذه السنة، وجرى بينه وبين "طاشتكين" أمير الركب العراقي حرب شديدة في موسم هذه السنة، كان الظفر فيها للأمير "طاشتكين"6. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل لابن الأثير 10/ 617، إتحاف الورى 2/ 499. 2 وفيات الأعيان 3/ 432، إتحاف الورى 2/ 515، العقد الثمين 7/ 361. 3 الكامل لابن الأثير 1/ 279، إتحاف الورى 2/ 523، البداية والنهاية 12/ 242. 4 إتحاف الورى 2/ 524، العقد الثمين 7/ 35. 5 الكامل لابن الأثير 11/ 432، إتحاف الورى 2/ 536، العقد الثمين 7/ 275. 6 الكامل لابن الأثير 11/ 432، إتحاف الورى 2/ 536. ج / 2 ص -237- ثم ولي مكة الأمير قاسم بن مهنا الحسيني أمير المدينة، وكان الخليفة المستضيء قد عقد له عليها الولاية بعد عزله "مكثر"، وأقامت مكة في ولايته ثلاثة أيام، ثم إنه رأى من نفسه العجز عن القيام بإمرة مكة فولي أمير الحج فيها: داود بن عيسى، وشرط عليه أن يسقط جميع المكوس، وما عرفت إلى متى دامت ولاية داود هذا. وكان بعدها يتداول هو وأخوه "مكثر" إمرة مكة، ثم انفرد بها "مكثر" عشر سنين متوالية، آخرها سنة سبع وتسعين، على الخلاف في انقضاء دولة "مكثر"، وهو آخر أمراء مكة المعروفين بالهواشم ولاية. وولي مكة في ولايته، أو في أخيه داود: سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخو السطان صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ وذلك في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة؛ لأنه في هذه السنة قدم مكة، ومنع من الأذان في الحرم بحي على خير العمل، وقتل جماعة من العبيد كانوا يفسدون، وهرب منه أمير مكة إلى قلعته بأبي قبيس، وشرط على العبيد أن لا يؤذوا الحاج، وضرب الدنانير والدراهم فيها اسم أخيه السلطان صلاح الدين1. ثم وليها بعد "مكثر": أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني الينبوعي في سبع وتسعين وخمسمائة، وقيل: إن ولايته لمكة في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وقيل: في نسة تسع وتسعين وخمسمائة2. ودامت ولايته إلى أن مات في سنة سبع عشرة، وقيل: وكانت ولايته ممتدة إلى ينبع3 وإلى "حلي"4، وكان يحارب صاحب المدينة، ويغلب كل منهما الآخر حينا. وولي مكة في زمن ولاية قتادة: "أقباش الناصري" فتى الخليفة الناصر لدين الله العباسي؛ إلا أنه لم يباشر إمرتها؛ وإنما مولاه عقد له على الحرمين وإمرة الحج لعظم مكانته عنده، وقتل بمكة بالمعلاة في السنة التي مات فيها قتادة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 553، العقد الثمين 5/ 62، الفرائد "ص: 265". 2 إتحاف الورى 2/ 566. 3 ينبع: بلد حجازي على ساحل البحر الأحمر من جهة الشمال الغربي لمكة المكرمة، ويقال لها: ينبع البحر، وقريب منها في الداخل بلد يقال لها: ينبع النخل، وهي قرية غناء ذات عيون ومزارع، وقد كانت عامرة. وقال ياقوت في معجمة "5/ 450": قال الشريف بن مسلمة بن عباس الينبغي: عددت بها مائة وسبعين عينا. 4 حلي: بلد حجازي على ساحل البحر الأحمر من جهة الجنوب الغربي لمكة. ج / 2 ص -238- وولي مكة بعد قتادة: ابنه حسن بن قتادة، وقتل أصحاب أقباش الناصري لاتهامهم له بأنه وطأ راجح بن قتادة على أن يوليه مكة عوض حسن، ودامت ولاية حسن إلى سنة تسع عشر، وقيل: إلى سنة عشرين وستمائة1. ووليها بعده الملك المسعود، واسمه يوسف، ويلقب بأقشبيس ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب اليمن؛ لأنه سار إليها وحارب هو وحسن بن قتادة بالمسعى؛ فانهزم حسن وفارق مكة فيمن معه، ونهبها عسكر الملك المسعود إلى العصر، ودامت ولايته عليها إلى أن مات في سنة ست وعشرين وستمائة. ووليها نيابة عن الملك المسعود نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي ولي السلطنة بعده ببلاد اليمن، وقصده حسن بن قتادة بجيش جاء به من ينبع؛ فخرج إليه نور الدين، وانكسر حسن. وولي مكة للملك المسعود الأمير حسام الدين ياقوت بن عبد الله الملكي المسعودي؛ لأني وجدت مكتوبا ببيع دار بمكة بأمر ياقوت المذكور، وترجم فيه بأمير الحاج والحرمين ومتولي الحرب بمكة ومدبر أحوال الجند بها والرعية، بالتولية الصحيحة الملكية المسعودية المتصلة بالأوامر الملكية الكاملية، وتاريخ المبيع ثالث جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة، فاستفدنا من هذا ولاية ياقوت لمكة في هذا التاريخ2. وولي مكة بعد الملك المسعود والده الملك الكامل، ودامت ولايته إلى شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين. ثم وليها نائب ابنه المسعود، ونائبه أيضا على اليمن: نور الدين بن عمر بن علي ابن رسول بعد أن بويع بالسلطنة في بلاد اليمن؛ لأنه بعث إلى مكة جيشا معهم راجح بن قتادة الحسني، فأخرجه من مكة متوليها للملك الكامل طغتكين، وهرب إلى ينبع، وعرف الملك الكامل بذلك، فجهز إليه جيشا كثيفا، مقدمهم الأمير فخر الدين ابن الشيخ علي -على ما قيل، ووصل طغتكين مع الجيش إلى مكة، فأخرجوا منها راجحا ومن معه من أهل اليمن، واستولى عليها طغتكين، وقيل: على الدرب كثيرا من أهل مكة؛ لخذلانهم له في النوبة الأولى، وكان استيلاؤه على مكة في رمضان من هذه السنة. وذكر ابن محفوظ ما يوهم أن أمير مكة من قبل الكامل الذي أخرجه عسكر صاحب اليمن، وأخرجهم هو منها في السنة المذكورة غير طغتكين؛ لأنه قال: وفي سنة تسع وعشرين وستمائة جهز الملك المنصور في أولها جيشا إلى مكة "وراجح" معه، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 32، الذيل على الروضتين "ص: 123"، النجوم الزاهرة 6/ 251. 2 إتحاف الورى 3/ 44، العقد الثمين 7/ 425. ج / 2 ص -239- فأخذها، وكان فيها أمير الملك الكامل يسمى شجاع الدين الدغكيني1؛ فخرج هاربا إلى نخلة2، وتوجه منها إلى ينبع، وكان الملك الكامل توجه إليه بجيش، ثم جاء إلى مكة في رمضان؛ فأخذها من نواب الملك المنصور، وقتل من أهل مكة ناسا كثيرا على الدرب، وكانت الكسرة على من بمكة... انتهى. وهذا الذي ذكره ابن محفوظ في تسمية أمير مكة الكامل في هذا التاريخ وهم لتفرده به فيما علمت، والقصة واحدة، والصواب أنه الأمير طغتكين، فقد سماه طغتكين غير واحد، والله أعلم. وقيل: إن فخر الدين ابن الشيخ كان على مكة لما وصلها عسكر صاحب اليمن، في سنة تسع وعشرين، ثم وليها عسكر صاحب اليمن مع راجح بن قتادة بغير قتال في صفر سنة ثلاثين، ثم وليها في آخر هذه السنة عسكر الملك الكامل، وكان المقدم على عسكر الملك الكامل أميرا يقال له: الزاهد، وترك في مكة أميرا يقال له: ابن مجلي. ثم وليها في سنة إحدى وثلاثين عسكر الملك المنصور صاحب اليمن، مع راجح بن قتادة. ثم وليها عسكر الملك الكامل، وكان عسكرا كبيرا في ألف فارس، وقيل: سبعمائة، وقيل: خمسمائة فارس وخمسة من الأمراء، مقدمهم: الأمير جفريل، ودامت ولايته عليها للملك الكامل إلى سنة خمس وثلاثين. ثم وليها الملك المنصور في هذه السنة، وكان سار إليها بنفسه، ودخلها بعد أن فارقها جفريل ومن معه. وكان دخول المنصور إلى مكة في رجب، وكان معه ألف فارس على ما قيل، ودامت ولايته عليها إلى سنة سبع وثلاثين، وقرر فيها رتبة مائة وخمسين فارسا، وقدم عليهم: ابن الوليدي وابن التغري. ثم وليها الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل صاحب مصر؛ لأنه جهز إليها ألف فارس مع الشريف شيحة صاحب المدينة، واستولوا على مكة بغير قتال في سنة سبع وثلاثين3. ثم وليها عسكر الملك المنصور، بعد أن هرب منها شيحة ومن معه، لما سمعوا بقدوم عسكر صاحب اليمن. ثم وليها عسكر الملك الصالح في سنة ثمان وثلاثين4. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 في إتحاف الورى 3/ 48: "الطغتكيني". 2 شفاء القلوب "ص: 365". 3 إتحاف الورى 3/ 56، العقد الثمين 6/ 346، غاية الأماني 1/ 242، العقود اللؤلؤية 1/ 64. 4 إتحاف الورى 3/ 57، العقود اللؤلؤية 1/ 69. ج / 2 ص -240- وممن وليها للملك الصالح: الأمير شهاب الدين أحمد التركماني. ثم وليها المك المنصور في سنة تسع وثلاثين، وسار إليها في هذه السنة بنفسه، ودخلها في رمضان بعد أن فارقها المصريون خوفا منه، ودامت ولايته عليها حتى مات. وأمر على مكة في هذه السنة مملوكة الأمير فخر الدين الشلاح، وابن فيروز، وجعل الشريف أبا سعد بن علي بن قتادة الحسني بالوادي مساعدا لعسكره، وكان قد استدعاه من ينبع وأحسن إليه، واشترى منه قلعة ينبع، وأمره بخرابها حتى لا يبقى قرارا للمصريين، واستمر مملوكة "الشلاح" على نيابة مكة إلى سنة ست وأربعين وستمائة، على ما ذكر بعض مؤرخي اليمن في عصرنا1. ووليها للمنصور في هذه السنة ابن المسيب، ووجدت بخط الميورقي أن ابن المسيب قدم مكة لعزل "الشلاح" في منتصف ربيع الأول سنة خمس وأربعين، وهذا يخالف ما سبق، والله أعلم2. وولي مكة بعد أبي المسيب: أبو سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني بعد قبضه على ابن المسيب في ذي القعدة، وقيل: في شوال سنة سبع وأربعين. ودامت ولايته إلى أن قتل لثلاث خلون من شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة، وقيل: إنه قتل في رمضان منها3. ثم ولي مكة بعده أحد قتلته جماز بن حسن بن قتادة الحسني، ودامت ولايته إلى آخر يوم من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين4. ثم وليها بعد جماز: عمه راجح بن قتادة الحسني الذي كان يليها مع عسكر صاحب اليمن، ودامت ولايته عليها إلى شهر ربيع الأول سنة اثنين وخمسين. ثم وليها بعد جماز: عمه راجح بن قتادة الحسني الذي كان يليها مع عسكر صاحب اليمن، ودامت ولايته عليها إلى شهر ربيع الأول سنة اثنين وخمسين. ثم وليها بعده: إدريس بن قتادة، وأبو نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة بعد قتال مات فيه ثلاثة نفر، ودامت ولايتهما عليها إلى الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وستمائة5. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 58، درر الفرائد "ص: 227، السلوك 1/ 2: 312. 2 إتحاف الورى 3/ 67، العقود اللؤلؤية 1/ 77. 3 إتحاف الورى 3/ 68، العقود اللؤلؤية 1/ 78. 4 إتحاف الورى 3/ 74، درر الفرائد "ص: 278". 5 إتحاف الورى 3/ 76، العقود اللؤلؤية 1/ 15. ج / 2 ص -241- ثم وليها: المبارز علي بن حسين بن برطاش؛ لأن الملك المظفر ابن الملك المنصور صاحب اليمن جهز بن برطاش إلى مكة في مائتي فارس، وتقاتل مع إدريس وأبي نمي ومن معهما؛ فكان الظفر لابن برطاش، ودامت ولايته عليها إلى يوم السبت لأربع ليال بقين من المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة1. ثم وليها إدريس، وابن أخيه أبو نمي؛ لأنهم قاتلوا ابن برطاش في هذا التاريخ، وسفكت الدماء بالحجز من المسجد الحرام، وأسر ابن برطاش، ففدا نفسه، وخرج ابن برطاش ومن معه من مكة2. ثم وليها أبو نمي بمفرده في سنة أربع وخمسين، لما راح عمه إدريس إلى أخيه راجح بن قتادة. ثم عاد إدريس لمشاركة أبي نمي في الإمرة؛ لأن راجح بن قتادة جاء مع عمه إدريس، وأصلح بينه وبين أبي نمي على ذلك. ثم ولي مكة أولاد حسن بن قتادة، وأقاموا بها ستة أيام من سنة ست وخمسين، بعد أن لزموا إدريس بن قتادة3. ثم جاء أبو نمي وأخرجهم منها، ولم يقتل منهم أحدا، ودامت ولاية إدريس، وأبي نمي على مكة إلى سنة سبع وستين وستمائة. ثم انفرد فيها أبو نمي بالإمرة قليلا، ثم اصطلح مع إدريس، وعادا للإمرة في السنة المذكورة، ودامت ولايتهما إلى ربيع الأول سنة تسع وستين وستمائة. ثم انفرد بها إدريس أربعين يوما، ثم قتل بعدها في هذه السنة بخليص4. ووليها أبو نمي ودامت ولايته عليها إلى سنة سبعين وستمائة. ثم وليها في صفر منها: جماز بن شيحة صاحب المدينة، وغانم بن إدريس بن حسن بن قتادة صاحب ينبع. ثم وليها أبو نمي بعد أربعين يوما من سنة سبعين وستمائة، وأخرج منها المذكورين5 ودامت ولايته عليها إلى سنة سبع وثمانين وستمائة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 77، العقد الثمين 6/ 152، غاية المرام 2/ 44. 2 إتحاف الورى 3/ 78، العقد الثمين 7/ 3، غاية المرام 2/ 47. 3 إتحاف الورى 3/ 80، السلوك 1/ 2: 412. 4 خليص: قرية قريبة من مكة في طريق المدينة المنورة، وانظر: إتحاف الورى 3/ 99، العقد الثمين 1/ 460، درر الفرائد "ص: 83". 5 إتحاف الورى 3/ 101، العقد الثمين 1/ 461 و7/ 3. ج / 2 ص -242- ثم وليها جماز بن شيحة صاحب المدينة، وأقام بها إلى آخر السنة وذلك مدة يسيرة. ثم وليها أبو نمي، ودامت ولايته عليها إلى قبل وفاته بيومين، وكانت وفاته يوم الأحد رابع صفر سنة إحدى وسبعمائة، وكانت إمرته على مكة خمسين سنة شريكا ومستقلا؛ وإمرته المستقلة تزيد على ثلاثين سنة يسيرا، وذكر صاحب "بهجة الزمن" أن إمرته أزيد من خمسين سنة، وفي ذلك نظر بيناه في ترجمته، ويظهر ذلك مما ذكرناه في تاريخ ابتداء ولايته. وأما إمرة عمه إدريس التي اشترك فيها مع أبي نمي فنحو ثمانية عشرة عاما، وإمرة عمه المستقلة أربعون يوما. وولي مكة في حال ولايتها للسلطان الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر، أمير يقال له: شمس الدين مروان نائب الأمير عز الدين جاندار ولاه الملك الظاهر بسؤال إدريس، وأبي نمي له في ذلك، ليرجع أمرهما إليه، ويكون الحل والعقد على يديه، على ما ذكره مؤلف سيرة الملك الظاهر1؛ وذلك في السنة التي حج فيها الملك الظاهر سنة سبع وستين وستمائة، وخرج مروان هذا من مكة سنة ثمان وستين. وولي مكة بعد أبي نمي ابناه: حميضة ورميثة ابنا أبي نمي في حياته، ودعي لهما على قبة زمزم يوم الجمعة ثاني صفر سنة إحدى وسبعمائة، قبل وفاة أبيهما بيومين، ودامت ولايتهما إلى موسم هذه السنة، ثم قبض عليهما2. وولي عوضهما أخواهما أبو الغيث3 وعطيفة4، وقيل: أبو الغيث، ومحمد بن إدريس بن قتادة الحسني، وكان المتولي لذلك الأمير بيبرس الجاشنكير الذي كان أستاذا للملك الناصر محمد بن قلاوون، وصار سلطانا بعده في آخره سنة ثمان وسبعمائة، بموافقة من حج معه من الأمراء في هذه السنة، تأديبا لحميضة ورميثة على إساءتهما إلى أخويهما: أبي الغيث وعطيفة. ثم عاد حميضة، ورميثة إلى إمرة مكة في سنة ثلاث وسبعمائة، وقيل: في سنة أربع وسبعمائة، بولاية من الملك الناصر صاحب مصر، ودامت ولايتهما إلى موسم سنة ثلاث عشر وسبعمائة، ثم وليها أبو الغيث بن أبي نمي بولاية من الملك الناصر، وجهز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر "ص: 351 و352". 2 الدرر الكامنة 3/ 188، رقم 11، غاية المرام 2/ 53 و78 إتحاف الورى 3/ 134. 3 الدرر الكامنة 3/ 218، رقم 529، غاية المرام 2/ 113، إتحاف الورى 3/ 137. 4 الدرر الكامنة 3/ 455، رقم 2628، غاية المرام 2/ 113، إتحاف الورى 3/ 137. ج / 2 ص -243- له عسكرا مصر والشام، بعد أن عزل حميضة ورميثة لكثرة الشكوى إليه منهما، ولم يصل أبو الغيث العسكر المجهز له إلى مكة إلى بعد أن فارقها "حميضة" و"رميثة" ولم تطل ولاية أبي الغيث على مكة؛ لأنه لسوء تدبيره قصر في حق من جهز معه من العسكر، وضاق بهم؛ فكتب لهم بخطه باستغنائه عنهم، ففارقوه بعد شهرين؛ فلم يملك بعد أن فارقوه إلا جمعة حتى وصل إليه حميضة وحاربه، فغلب حميضة أبا الغيث، ولجأ إلى هذيل بنخلة1 مكسورا، وأرسل حميضة إلى السلطان الملك الناصر ليستعطفه، فلم يرض عنه، وأرسل أبو الغيث يستنصر السلطان فوعده بالنصر، ثم التقى الأخوان في رابع ذي الحجة سنة أربع عشرة، فأسر حميضة أبا الغيث، ثم قتله2، ودامت وليته على مكة إلى شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة. ثم وليها رميثة في هذه السنة3 بولاية من الملك الناصر وجهز معه عسكرا كثيرا، ولم يصلوا مكة إلا بعد أن فارقها حميض؛ فقصده إلى الخلف والخليف، وكان لجأ إليه يستحصن به؛ فلم يظفروا به، وانهزم إلى العراق، وقصد خربندا. ودامت ولاية "رميثة" إلى انقضاء الحج من سنة سبع عشرة، أو أول سنة ثمان عشرة. ثم وليها حميضة بعد رجوعه من العراق، وأخرج منها رميثة إلى نخلة بموافقة أهل مكة له على ذلك، ويقال: إن ذلك بموافقة "رميثة" أيضا، ويقال: إنه قطع خطبة الملك الناصر وخطب لصاحب العراق أبي سعيد خربندا، ولم تطل ولاية حميضة هذه؛ لأن الملك الناصر لما علم بفعله جهز إليه في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة جيشا4. وأمرهم ألا يعودوا إلى بحميضة، فلم يظفروا به، ودام مهججا في البرية إلى أن قتل سنة عشرين وسبعمائة5، ولما انقضى الموسم من سنة ثمان عشرة قبض على مقدم العسكر الأمير بهادر الإبراهيمي لاتهامه بالتقصير في القبض على حميضة، وعلى رميثة، لاتهامه بأن ما يفعله أخوه من الشغب بموافقة، وحملهما إلى القاهرة. وولي مكة: عطيفة بن أبي نمي بولاية من ملك الناصر: وجهز معه عسكرا؛ وذلك في المحرم سنة تسع عشرة وسبعمائة6. ولما وصلوا إلى مكة كثر بها الأمن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 نخلة اليمانية: وهي جنوب مكة، وتمتد إلى الشامية، ونخلة اليمانية مشهورة عند أهل مكة، فيقولون: طريق اليمانية للذاهب إلى الطائف عن طريقها. 2 الدرر الكامنة 2/ 79، إتحاف الورى 3/ 153، درر الفرائد "ص: 294 و295". 3 الدرر الكامنة 2/ 111. 4 إتحاف الورى 3/ 159. 5 الدرر الكامنة 2/ 81، إتحاف الورى 3/ 168. 6 الدرر الكامنة 2/ 456، العقد الثمين 2/ 113، إتحاف الورى 3/ 163. ج / 2 ص -245- ودامت ولاية عجلان بمفرده إلى سنة ثمان وأربعين1. ثم وليها معه أخوه ثقبة، ودامت ولايته إلى سنة خمسين وسبعمائة، ثم استقل ثقبة بالإمرة في هذه السنة لما توجه فيها عجلان إلى مصر، ثم استولى عجلان على مكة في خامس شوال من سنة خمسين، ودامت ولايته إلى موسم سنة اثنين وخمسين. ثم وليها "ثقية" مع أخيه عجلان في موسم هذه السنة، بموافقة منهما على ذلك، وكان ثقبة قد وليها بمفرده في هذه السنة فلما وصلا إلى مكة في ذي القعدة من هذه السنة، لم يمكنه عجلان من البلاد؛ فأقام بخليص حتى جاء مع الحاج، وأصلح أمير الحاج بينه وبين أخيه على المشاركة في الإمرة2. ثم استقل "ثقبة" بالإمرة في أثناء سنة ثلاث وخمسين، بعد قبضة على أخيه "عجلان"، واستمر: "ثقبة" إلى أن قبض عليه في موسم سنة أربع وخمسين3. ووليها بعده أخوه عجلان، واستمر "عجلان" منفردا بالإمرة إلى أن اصطلح هو وأخوه "ثقبة" على الاشتراك فيها في تاسع عشر المحرم سنة سبع وخمسين4. ثم وليها عجلان بمفرده في موسم هذه السنة. ثم اشتركا في الإمراء في موسم سنة ثمان وخمسين، ودامت ولايتهما إلى أن عزلا في أثناء سنة ستين وسبعمائة بأخيهما "سند بن رميثة"، وابن عمهما "محم بن عطيفة ابن أبي نمي"، وجهز مع ابن عطيفة من مصر عسكرا فيه أربعة أمراء، مقدم الأمير جركتمر المارداني5 صاحب الحجاب بالقاهرة، وكان وصولهم مع ابن عطيفة إلى مكة في جمادى الآخر سنة ستين وسبعمائة، وكان سند باليمن مع إخوته؛ فوصل إلى مكة ولاءم الأمراء، ودامت ولايته وولايته ابن عطيفة إلى أن رحل الحاج من مكتة في سنة إحدى وستين وسبعمائة. ثم زالت ولاية ابن عطيفة بأثر ذلك، وسبب زوالها أن بعض بني حسن جرح بعض الترك الذين جهزهم الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون للإقامة بمكة، عوض "جركتمر" ومن معه من الأحرار، لتأييد سند وابن عطيفة في إمرة مكة؛ فغضب للتركي الأتراك، وغضب للحسني بنو حسن، وتخلى محمد بن عطيفة عن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الدرر الكامنة 2/ 112، غاية المرام 2/ 137. 2 إتحاف الورى 3/ 253، السلوك للمقريزي 2/ 3: 839. 3 إتحاف الورى 3/ 257، درر الفرائد "ص: 260". 4 إتحاف الورى 3/ 269. 5 الدرر الكامنة 1/ 534. ج / 2 ص -246- الفريقين، وظن أن أمره بمكة يكون مستقيما، وإن لم يكن العسكر بن مقيما؛ فقدر أن الترك انكسروا، وفي المسجد حصروا، وبما خف من أموالهم رحلوا، فرحل ابن عطيفة في إثرهم لتخوفه في المقام بعدهم، بسبب ما كان بين ذوي عطيفة والقواد والقتل، وهكذا ذكر لي رحيل ابن عطيفة بعد العسكر من يعتمد على خبره من أهل مكة، ووجدت بخط بعض أصحابنا، فيما نقله من خط ابن محفوظ، ما نصه بعد ذكره لهذه الحادثة: وراحوا1 الأمراء، وقعد محمد بن عطيفة، وسند في البلاد... انتهى، والله أعلم بصحة ذلك. وكان "ثقبة" جاء إلى مكة بإثر هذه الفتنة، واشترك مع أخيه "سند" في هذه الإمراء، إلى أن مات في شوال سنة اثنين وستين وسبعمائة2. وولي مكة في هذه السنة "عجلان"، وكان بمصر معتقلا؛ فأطلقه الأمير يلبغا المعروف بالخاسكي3، لما صار إليه تدبير المملكة، بعد قتل الملك الناصر حسن، وولي معه في الأمراء أخاه ثقبة، بسؤال عجلان، ووصل عجلان إلى مكة وثقبة عليل، ولم يدخل مكة حتى مات ثقبة؛ فولي معه في الإمراء ابنه أحمد بن عجلان4؛ وذلك في شوال سنة اثنتين وستين، وجعل له ربع المتحصل يصرفه في خاصة نفسه، وعلى عجلان كافية العسكر، ثم إن "سندا" استولى على "جده" ونازع في الإمراء، فلم يتم له أمر، واخترمته المنية، ودامت ولاية عجلان وابنه إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ثم انفرد أحمد بن عجلان بالإمرة بسؤال أبيه له في ذلك على شروط شرطها، منها: أن لا يقطع اسمه في الخطبة، والدعاء على زمزم، فوفى له ابنه بذلك. واستمر أحمد منفردا بالإمرة، إلى أن وليها معه ابنه محمد بن أحمد بن عجلان في سنة ثمانين وسبعمائة بسؤال أبيه على ما بلغني؛ إلا أن أباه لم يظهر لولاية محمد أثرا لاستبداده بالإمرة؛ وذلك لصغر سن ابنه، ودامت ولايتهما إلى أن مات أحمد بن عجلان في حادي وعشرين شعبان سنة ثمان وثمانين. ثم استقل محمد بن أحمد بالإمرة، حتى قتل في مستهل ذي الحجة من هذه السنة، وكان عمه كبيش يدبر له الأمر، ولما قتل هرب، وكان رأيه أن ابن أخيه لا يحضر لخدمة المحمل؛ فلم يسمع منه وحضر فقتل، ولكنه فاز بالشهادة، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هذه لغة ضعيفة، والصواب أن يقال: وراح الأمراء. 2 الدرر الكامنة 1/ 531. 3 في ترجمته في الدرر الكامنة 4/ 438 رقم 1218. 4 الدرر الكامنة 1/ 201، غاية المرام 2/ 181. ج / 2 ص -247- ثم وليها بعد قتل محمد: عنان بن مغامس بن مريثة بن أبي نمي1، واستولى على جدة أيضا، ثم استولى على جدة كبيش بمن معه من العرب وغيرهم، ونبهت الأموال التي بجدة للحضارم والغلال التي فيها لبعض الدولة بمصر، والتف عليهم لطمع بعض أصحاب عنان، ثم انتقلوا إلى الوادي، وعات العبيد في الطرقات، وعنان مقيم بمكة. واشترك معه في الإمرة بنو عمه: أحمد بن ثقبة2، وعقيل بن مبارك بن رميتة3، ثم أشرك عنان في الأمرة: علي بن مبارك4، بعد مفارقته لكبيش ومن معه وملاءمته لعنان، وكان يدعى لهم معه على زمزم، ورأى أن ذلك تقوية لأمره؛ فكان الأمر بخلاف ذلك، لكثرة ماحصل عليه من الاختلاف، ونمى الخبر إلى السلطان بمصر، فعزل عنانا، وولي عوضة "علي بن عجلان بن رميثة"، ووصل الخبر بولايته في شعبان سنة تسع وثمانين، وتوجه "علي" مع "كبيش" وآل عجلان، ومن جمعوا إلى مكة؛ فلم يمكنهم منها عنان وأصحابه، واقتتلوا في التاسع والعشرين من شعبان سنة تسع وثمانين بأذاخر5. فتقل "كبيش" وغيره ممن معه، ورجع آل عجلان إلى الوادي، ودخل عنان وأصحابه مكة وأقاموا بها إلى أن كان الموسم من سنة تسع وثمانين، ثم فارقوها وقصدوا الزيمة6 من وادي نخلة، ودخل مكة "علي بن عجلان" وجماعته، وكان قد توجه بعد وقعة أذاخر إلى السلطان بمصر، فولاه نصف إمرة مكة، وولي عنانا النصف الآخر، بشرط حضور عنان إلى خدمة المحمل المصري، وبلغ عنان النصف الآخر؛ فلما كاد أن يصل إليه خوف من آل عجلان عنان، ففر وتبعه أصحابه إلى الزيمة، وبعد رحيل الحاج من مكة نزلوا الوادي وشاركوا "علي بن عجلان" في إمرة جدة، ثم سافر عنان إلى مصر في أثناء سنة تسعين، واعتقل بها في السنة التي بعدها واصطلح "علي بن عجلان" والأشراف، واستمر منفردا بالإمرة إلى أن شاركه فيها عنان في أثناء سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، بولاية من الملك الظاهر7 في ابتداء دولته الثانية، ووصل إلى مكة من القاهرة في نصف شعبان من السنة المذكورة، واصطلح مع آل عجلان، وكان معه القواد، ومع "علي" الشرفاء، وكانوا غير متمكنين من القيام بمصالح البلد كما ينبغي؛ لمعارضة بني حسن لهما في ذلك، ودامت ولايتهما8 على هذه الصفة إلى الرابع والعشرين من صفر سنة أربعة وتسعين وسبعمائة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ترجمته في الضوء اللامع 6/ 147، غاية المرام 2/ 200. 2 الضوء اللامع 1/ 266، غاية المرام 2/ 223. 3 الضوء اللامع 5/ 1049، غاية المرام 2/ 224. 4 الضوء اللامع 5/ 149، غاية المرام 2/ 225. 5 أذاخر اسم للجبل الذي بشرقي مكة، وخلف واد أذاخر. 6 الزيمة معروفة في طريق الطائف وبها بساتين ومزارع. 7 هو الظاهر برقوق أول المماليك في مصر. 8 غاية المرام 2/ 227. ج / 2 ص -248- ثم انفرد بها علي بن عجلان، وسبب ذلك أن بعض جماعته1 هم بالفتك بعنان في السمعي؛ فلم يظفروا به لفراره منهم، ولم يدخل مكة إلا أن استدعى هو، وعلي بن عجلان للحضور إلى السلطان بمصر، ودخلها ليتجهز منها بعد أن أخليت له من العبيد، وأقام بها مدة قصيرة، ثم خرج فتوجه إلى مصر، ولحقه علي بن عجلان، وترك بمكة أخاه محمد بن عجلان مع العبيد، وتخلف عنان بمصر، وجاء "علي" إلى مكة في موسم سنة أربع وتسعين منفردا بولاية مكة، ودامت ولايته عليها إلى أن استشهد في تاسع شوال سنة سبع وتسعين. وكان في غالب ولايته مغلوبا مع الأشراف، وسبب ذلك أنه بعد شهر من وصوله من مصر قبض على جماعة من أعيان الأشراف والقواد، ثم خودع فيهم؛ فأطلقهم، وصاروا يشوشون عليه، ويكلفون ما لا تصل قدرته إليه، وأفضى الحال من تشويشهم عليه إلى أن قل الزمان بمكة، "وجدة"، فقصد التجار "ينبع"، ولحق أهل مكة من ذلك شدة. ولما قتل بأمر مكة أخوه "محمد بن عجلان" مع العبيد، إلى أن وصل أخوه السيد الشريف حسن بن عجلان2 من الديار المصرية، بولاية مكة عوض أخيه، وكان قدم مصر في سنة سبع وتسعين مغاضبا لأخيه، فاعتقله السلطان، ثم رضي عنه وولاه مكة بعد قتل أخيه، ودخل مكة في الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، وضبط أحوال البلاد وحسم مواد الفساد، وأخذ بثأر أخيه من الأشراف في حرب كانت بينه وبينهم، بمكان من وادي مر، يقال له الزبادة، في يوم الثلاثاء خامس عشر من شوال من السنة المذكورة، وكان المقتولون من الأشراف وجماعتهم نحو أربعين نفرا، ولم يقتل من عسكر السيد حسن إلا واحدًا أو اثنان. واستمر مفردا بالولاية إلى أن اشترك معه فيها ابنه السيد بركات3؛ وذلك في سنة تسع وثمانمائة، ووصل توقيعه بذلك في موسم هذه السنة، وهو مؤرخ بشعبان منها. ثم سعي لابنه السيد شهاب الدين أحمد بن حسن4 في نصف الإمرة التي كانت معه، فأجيب إلى سؤاله، وولي نصف الإمرة شريكا لأخيه، وولي أبوهما نيابة السلطنة لجميع بلاد الحجاز؛ وذلك في ربيع الأول سنة إحدى عشر وثمانمائة، وجرى توقيعهم بذلك في أوائل النصف الثاني من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، وصار يدعى له ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 غاية المرام 2/ 227. 2 الضوء اللامع 3/ 103- 105 رقم 417، غاية المرام 2/ 246. 3 الضوء اللامع 3/ 13، 14 رقم 50، غاية المرام 2/ 392. 4 الضوء اللامع 1/ 274، غاية المرام 2/ 467. ج / 2 ص -249- ولولديه في الخطبة بمكة، وعلى قبة زمزم، ويدعى للسيد حسن بمفرده في الخطبة بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. وسبب ذلك: أنه كان ولي المدينة عجلان بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني1، عوض أخيه ثابت بن نعير2؛ فإنه كان ولي إمرتها في هذه السنة، ومات ثابت في صفر من هذه السنة قبل وصوله توقيعه، واسشتمرت الخطبة باسم الشريفة حسن بالمدينة النبوية إلى أن عزل عنها "عجلان" بابن عمهم سليمان بن هبة الله بن جماز بن منصور3، في موسم سنة اثني عشرة وثمانمائة، وكان يقدم في الخطبة على عجلان. وفي هذه السنة أيضا عزل الشريف حسن وابناه عن ولايتهم، ولم يظهر لذلك أثر بمكة؛ لأن السلطان الملك الناصر4 فرج ابن الملك الظاهر برقوق أسرّ أمر عزلهم، ثم رضي عليهم بعد توجه الحجاج من القاهرة في هذه السنة؛ فأعادهم إلى ولايتهم، وبعث إليهم بتقليد وخلع بصحبة خادمه الحاج فيروز الشاقي5، وكتب إلى أمير الحج المصري يأمره بالكف عن محاربتهم؛ فأحمد الله -تعالى- الفتنة بذلك، وبدا من الشريف حسن بعد دخول الحجاج إلى مكة أمور محمودة، من حرصه على الكف عن إذاية الحجيج، ولولا ذلك لعظم عليهم البكاء والضجيج، والله يزيده توفيقا ويسهل له إلى كل خير طريقا. وتاريخ ولايتهم في هذه السنة: الثاني عشر من ذي القعدة الحرام، ووصل الخبر بها في آخر يوم من ذي القعدة، وولي السيد حسن المذكور تدبير الأمور والقيام بمصالح العسكر والبلاد، ودامت ولايته على ذلك إلى أثناء صفر سنة ثمان عشرة وثمانمائة. ثم ولي مكة بعد ذلك: السيد رميثة بن محمد بن عجلان بن رميثة6، وما دخل مكة ولا دعي له في الخطبة ولا على زمزم إلا في العشر الأول من ذي الحجة من السنة المذكورة، وكانت قراءة توقيعه في يوم دخوله إلى مكة، وهو مستهل ذي الحجة من السنة المذكورة، وتاريخه رابعه عشر من صفر؛ وصرح فيه بأنه ولي نيابة السلطنة بالحجاز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الضوء اللامع 5/ 145 رقم 497. 2 الضوء اللامع 3/ 50، رقم 194. 3 الضوء اللامع 3/ 270 رقم 1022. 4 وفي عهد فرج وقع الحريق في المسجد الحرام في ليلة السبت لليلتين بقيتا من شوال عام 802هـ، وسببه ظهور نار من رباط رامشت الملاصق لباب الحزورة من أبواب المسجد من الجانب الغربي، ورامشت: هو الشيخ الصوفي الفارسي ابو القاسم إبراهيم بن الحسين، وقفه على الصوفية عام 529هـ، ولما احترق رباط رامشت عام 802هـ أعيد بناؤه وسمي رباط الخاص، وصار ما اختنق من المسجد، وقد أتى هذا الحريق على ثلث المسجد الحرام. ثم قدر الله تعالى عمارته. 5 الضوء اللامع 6/ 175 رقم 595. 6 الضوء اللامع 3/ 230 رقم 868، غاية المرام 2/ 374. ج / 2 ص -250- عوضا عن عمه، وإمرة مكة عوضا عن ابن عمه، والله -تعالى- يسدده وإلى الخير يرشده. ثم عزل عن ذلك في ثامن عشرين من رمضان من سنة تسع عشرة وثمانمائة، وولي عمه السيد الشريف حسن بن عجلان1 دون ولديه إمره مكة، ودخلها لابسا خلعة السلطان الملك المؤيد نصرة الله تعالى بالولاية، في بكرة يوم الأربعاء السادس والعشرين من شوال من هذه السنة، وبإثر طوافه بالبيت قرئ توقيعه، وكان يوما مشهودا، وفي ليلة يوم الأربعاء المذكور فارق مكة السيد رميثة ومن معه بعد حرب شديدة كانت بينهم وبين عسكر السدي حسن بن عجلان بالمعلاة في يوم الثلاثاء خامس عشر من شوال ظهرت فيه عسكر السيد حسن بن عجلان بالمعلاة في يوم الثلاثاء خامس عشر من شوال، ظهرت فيه عسكر السيد حسن علي من عاداهم؛ لأنهم لما أقبلوا من الأبطح ودنوا من باب المعلاة أزالوا من كان على الباب وقربه من أصحاب رميثة بالرمي بالنشاب والأحجاب، وعمد بعضهم إلى باب المعلاة فدهنه وأوقد تحته النار، فاحترق حتى سقط إلى الأرض، وقصد بعضم طرف السور الذي يلي الجبل الشامي مما يلي المقبرة، فدخل منه جماعة من الترك وغيرهم، ورقوا موضعا مرتفعا من الجبل، ورموا منه بالنشاب وبالأحجار من كان داخل الدرب من أصحاب رميثة، فتعبوا لذلك كثيرا، ونقب بعضهم ما يلي الجبل الذي هم فيه من السور نقبا متسعا حتى اتصل بالأرض، ودخل منه جدماعة من الفرسان من عسكر السيد حسن إلى مكة، ولقيهم جماعة من أصحاب رميثة وقاتلوهم حتى أخرجوهم من السور، وقد حصل في الفريقين جراحات، وهي في أصحاب رميثة وقاتلوهم حتى أخرجوهم من السور، وقد حصل في الفريقين جراحات، وهي في أصحاب رميثة أكثر، وقصد بعض أصحاب حسن أصغر من القتال، وكان السيد حسن كارها للقتال رحمة منه لمن مع رميثة من القواد العجزة، ولو أرادوا الدخول إلى مكة بكل عسكره من الموضع الذي دخل منه بعض عسكره لقدر على ذلك، وأمضى الخيرة بترك القتال، وبإثر ذلك وصل إليه جماعة من الفقهاء والصالحين بمكة، ومعهم ربعات شريفة، وسألوه في كف عسكره عن القتال؛ فأجاب إلى ذلك على أن يخرج من عانده من مكة؛ فمضى الفقهاء إليهم وأخبروهم بذلك، فتأخروا عنه إلى جوف مكة بعد أن توثقوا ممن أضار من القتال، ودخل السيد حسن من السور بجميع عسكره، وخيم حول بركتي المعلاة، وأقام هناك حتى أصبح، وأمن المعاندين له خمسة أيام وتوجهوا في أثنائهم إلى جهة اليمن. وفي صغر من سنة عشرين وثمانمائة أتى السيد رميثة خاضعا لعمه واجتمعا بالشرف؛ فأكرم عمه وفادته، وتآلفا على الكرامة، فلله الحمد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الضوء اللامع 3/ 103 - 105 رقم 417. ج / 2 ص -251- ثم في أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة فوضت إمرة مكة للسيد حسن بن عجلان وابنه السيد زين الدين بركات1، في أول دولة الملك المظفر أحمد ابن الملك المؤيد، وكتب عنه بذلك عهد شريف مؤرخ بمستهل صفر سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وجهز لهما تشريفتين من خزانته الشريفة، ووصل ذلك مع العهد لمكة في ثاني عشر ربيع الأول، وقرئ العهد بالمسجد الحرام بظل زمزم في الحطيم، بحضور القضاة والأعيان في بكرة يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول، وقرئ بعد ذلك كتاب السلطان الملك المظفر، وهو يتضمن الأخبار بوفاة والده وعهد إليه بالسلطنة ومبايعة أهل الحل والعقد له بذلك، بعد وفاة أبيه وجلوسه على تخت المملكة، وغير ذلك من الأمور التي تصنع للملوك، وتفويضه إمرة مكة للسيد حسن بن عجلان وابنه السيد بركات وبحثهما على مصالح الرعية والتجار، وغير ذلك من مصالح المسلمين بمكة، وتاريخه الرابع عشر من صفر، وفيه أن وفاة الملك المؤيد في يوم الاثنين ثاني المحرم، ولبس السيد بركات تشريفته، وطاف عقب ذلك بالكعبة الشريفة والمؤذن يدعو له على حسب العادة فوق زمزم، وخرج من باب الصفا فركب ودار في شوارع مكة، وكان أبوه إذ ذاك غائبا بناحية الواديين من اليمن، ودامت ولاية السيد حسن بن عجلان وابنه السيد بركات إلى أوائل سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ثم ولي إمرة مكة السيد علي بن عنان بن مغامس بن رميثة الحسني2 بمفرده، وتوجه إليها من مصر صحبة اتلعسكر المنصور الأشرفي، واستولى على مكة بغير قتال؛ لأن السيد حسن وابنه وجماعتهم فارقوها، ودخل السيد علي بن عنان إلى مكة لابسا خلعه الولاية، ضحوة يوم الخميس سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وطاف بالكعبة المعظمة سبعا، والمؤذن يدعو له على زمزم، وبعد فراغه من صلاة الطواف قرئ توقيعه بالولاية بظل زمزم، وفيه أنه ولي إمرة مكة عوض السيد حسن بن عجلان، وركب بعد ذلك من باب الصفا، ودار في شوارع مكة والخلعة عليه؛ ثم مضى في ثالث يوم إلى جدة لتنجيل3 ما وصل إليهما من الهند وغير ذلك، ورفق بالقادمين، ودعا بالعسكر المنصور إلى مكة في سابع جمادى الآخرة، وضربت باسمه السكة، وابتدأت الخطبة باسمه السكة، وابتدأت الخطبة باسمه في سابع جمادى الأولى. واستمر ابن عنان متوليا إلى أول ذي الحجة سنة ثمان وعشرين، وهي هذا التاريخ وصل السيد حسن بن عجلان إلى مكة المشرفة بأمان من صاحب مصر السلطان الأشرف برسباي، ودخل مكة لابسا خلعة الولاية في يوم الأربعاء ذي الحجة من السنة، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الضوء اللامع 3/ 13 و14 رقم 50. 2 الضوء اللامع 5/ 272 و273 رقم 914. 3 التنجيل: إنزال التجارة من السفن إلى البر، وهي كلمة شائعة على ألسنة سكان جدة. ج / 2 ص -252- وفوضت إليه إمرة مكة، وخطبت له، وتوجه بعد الحج إلى مصر؛ فنال إكراما كثيرا، وقفرر في إمرة مكة في العشرين من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين، وهو عليل، واستمر كذلك حتى وفي في سادس عشر جمادى الآخر من السنة المذكورة بالقاهرة بعد أن تجهز للسفر إلى مكة. ثم إن السلطان استدعى ولده السيد بركات بن حسن بن عجلان إلى مصر؛ فقدمها في ثالث عشرين من رمضان، فوصى إليه إمرة مكة عوضا عن أبيه في سادس وعشرين من رمضان من السنة، واستقر إخوة السيد إبراهيم1 نائبا عنه، وخلع عليهما تشريفتين، وتوجها إلى مكة في عاشر شوال من السنة؛ فوصلوا إليها في أوائل العشر الأوسط من ذي القعدة منها، وقرئ عهد الشريف بركات بالولاية وليس الخلعة. هذا ما علمناه من خبر ولاة مكة في الإسلام، وقد أوعينا في تحصيل ذلك الاجتهاد، وما ذكرناه من ذلك غير واف بكل المراد؛ لأنه خفي علينا جماعة من ولاة مكة، وخصوصًا ولاتها من زمن المعتمد وإلى ابتداء ولاية الأشراف في آخر خلافة المطيع العباسي، وخفي علينا كثير من تاريخ ابتداء ولاية كثير منهم وتاريخ انتهائها، ومع ذلك فهذا الذي ذكرناه من ولاة مكة ليس له في كتاب نظير والذي لم نذكره من الولاة هو اليسير، وسبب الإقلال في ذلك والتقصير ما ذكرناه من أنا لم نر مؤلفا في هذا المعنى نستضيء به، وذلك مع المقدور لعدم العناية بتدوين كل قضية من أحوال الولاة عند وقوعها. وقد شرحنا كثيرا من أحوالهم، وما أجملناه من أخبارهم في كتابنا المسمى "بالعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين"، وفي مختصره المسمى: "عجالة القرى للراغب في تاريخ أم القرى"؛ فمن أراد معرفة ذلك فليراجع أحد الكتابين؛ فإنه يعلم من حالهم أمورا كثيرا، وفي هذين الكتابين فوائد كثيرة مستغرفبة وأخبار مستعذبة. والحمد لله على التوفيق، ونسأله الهداية إلى أحسن طريق. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الضوء اللامع 1/ 41. شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ج / 2 ص -253- الباب الثامن والثلاثون: في ذكر شيء من الحوادي المتعلقة بمكة في الإسلام: لا شك أن الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا، وخفي علينا كثير من ذلك، لعدم العناية بتدوينه في كل وقت، وقد سبق مما علمناه من ذلك أمور كثيرة في مواضع من هذا الكتاب؛ بعضها فيما يتعلق بسور مكة في الباب الأول من هذا الكتاب، وبعضها فيما يتعلق بأنصاب الحرم؛ وذلك في الباب الثالث من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بالكعبة في الباب السابع، والباب الثامن من هذا الكتاب وبعضها في أخبار المقام؛ وذلك في الباب السادس عشر من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بالحجر -بسكون الجيم- وذلك في الباب السابع عشر من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بالمسجد الحرام؛ وذلك في الباب الثامن عشر، والتاسع عشر من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بزمزم وسقاية العباس؛ وذلك في الباب العشرين من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بالأماكن المباركة بمكة وظاهرها؛ وذلك في الباب الحادي والعشرين من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بالأماكن التي لها تعلق بالمناسك؛ وذلك في الباب الثاني والعشرين من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقبة بالمآثر بمكة كالربط والمدارس وغير ذلك، وذلك في الباب الثالث والعشرين من هذا الكتاب، وبعضها في الأخبار المتعلقة بولاة مكة في الإسلام؛ وذلك في الباب السابع والثلاثين من هذا الكتاب، وبعضها يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الأخبار المتعلقة بسيول مكة، وما كان فيها من الغلاء والرخص والوباء؛ وذلك في الباب التاسع والثلاثين من هذا الكتاب، وبعضها أيضا يأتي إن شاء الله تعالى في الأخبار المتعلقة بأسواق مكة؛ وذلك في الباب الأربعين من هذا الكتاب. والمقصود ذكره في هذا الباب وهو الباب الثامن والثلاثون: أخبار تتعلق بالحجاج، ولها تعلق بمكة أو باديتها، وحج جماعة من الخلفاء والملوك في حال خلافتهم وملكهم، ومن خطب له من الملوك ج / 2 ص -254- وغيرهم في خلافة بني العباس، وما جرى بسبب الخطبة بمكة بين ملوك مصر والعراق، وما أسقط من المكوسات المتعلقة بمكة، وراعينا في ذكر ذلك تاريخ وقوعه، لا مناسبة كل حادثة لما قبلها، مع مراعاتها للاختصار في جمع ما ذكرناه. فمن الأخبار المقصود ذكرها هنا: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حج بالناس سنة اثنتي عشرة من الهجرة1، وهو الذي حج بالناس سنة تسع من الهجرة2. ومنها: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حج بالناس في جميع خلافته إلا السنة الأولى منها، وي سنة ثلاثة عشرة، فحج بالناس فيها عبد الرحمن بن عوف الزهري- رضي الله عنه3 ومنها: أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حج بالناس في جميع خلافته إلا في السنة الأولى منها، وهي سنة أربع وعشرين4؛ فحج بالناس فيها عبد الرحمن بن عوف الزهري -رضي الله عنه- وإلا السنة الأخيرة وهي سنة خمس وثلاثين من الهجرة، حج بالناس فيها عبد الله بن عباس بن عبد المطلب -رضي الله عنهما5. ومنها: أنه في سنة تسع وثلاثين من الهجرة، كاد أن يقع بمكة قتال بين قثم بن العباس رضي الله عنه عامل مكة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين يزيد بن شجرة الرهاوي، الذي بعثه معاوية -رضي الله عنه- لإقامة الحج وأخذ البيعة له بمكة، ونفي عامل علي -رضي الله عنه- عنها، ثم وقع الصلح بينهما، على أن يعتزل كل منهما الصلاة بالناس، ويختار الناس من يصلي بهم ويحج بهم. فاختاروا شيبة بن عثمان الحجبي فصلى بهم وحج بهم6. ومنها: أنه في سنة أربعين من الهجرة وقف الناس بعرفة في اليوم الثامن، وضعوا في اليوم التاسع، على ما ذكر العتيقي في "أمراء الموسم"؛ لأنه قال: وأقام للناس الحج لسنة أربعين المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- بكتاب افتعله على لسان معاوية -رضي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 4/ 27، والكامل 2/ 168، والبداية والنهاية 6/ 353، ومروج الذهب 4/ 396، والذهب المسبوك "ص: 12، 13". 2 تاريخ الذهب 4/ 396، والمحبر "ص: 11 - 17". 3 تاريخ الطبري 4/ 82، وفي الكامل لابن الأثير 2/ 188، أن الذي حج بالناس في هذه السنة هو عمر بن الخطاب. 4 الكامل 3/ 33. 5 تاريخ الطبري 5/ 139، الكامل 3/ 73، البداية والنهاية 7/ 187. 6 الكامل 3/ 164، تاريخ الطبري 6/ 79، مروج الذهب 4/ 397. ج / 2 ص -255- الله عنه- أنه ولاه الموسم، ثم خشي أن يفطن لذلك؛ فوقف بالناس يوم التروية على أنه يوم عرفة، وضحوا يوم عرفة1... انتهى. ونقل الذهبي في "تاريخ الإسلام"، عن الليث بن سعد رضي الله عنه ما يدل لما ذكره العتيقي، وأفاد في ذلك ما لم يفده العتيقي؛ لأنه قال في أخبار سنة أربعين من الهجرة: حج بالناس المغيرة بن شعبة، ودعا لمعاوية رضي الله عنه، وقال الليث بن سعد رضي الله عنه: حج لمعاوية سنة أربعين؛ لأنه كان معتزلا بالطائف؛ فافعل كتابا عام الجماعة، فقدم الحج يوما خشية أن يجيء أمير، فتخلف عنه ابن عمر -رضي الله عنهما، وصار معظم الناس مع ابن عمر -رضي الله عنهما. قال الليث: قال نافع: فلقد رأيتنا ونحن غادون من منى، وقد استقبلونا مفيضين من جمع، فأقمنا بعدهم ليلة2... انتهى. وهذا إن صح عن المغيرة رضي الله عنه، فلعله صح عنده رؤية هلال ذي الحجة3 على وفق ما فعل، ولم يصح ذلك عند من خالفه، فتأخروا عنه لذلك، والله أعلم. ومنها أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حج بالناس سنة أربع وأربعين من الهجرة4، وسنة خمسين5 منها على ما ذكر العتيقي. ومنها: أن عبد الله بن الزبير بن العوام -رضي الله عنهما- حج بالناس تسع حجج ولاء؛ أولها سنة ثلاث وستين6، وآخرها سنة إحدى وسبعين7 على ما ذكر العتيقي، وكان في سنة اثنتين وسبعين محصورا، حصره الحجاج8. ومنها: أنه في سنة ست وستين من الهجرة، وقف بعرفة أربعة ألوية؛ لواء ابن الزبير على الجماعة، ولواء لابن عامر على الخوارج، ولواء محمد ابن الحنفية على الشيعة، ولواء أهل الشام من مضر لبني أمية، وذكر ذلك المسبحي قال: وحج بالناس عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما9. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 3/ 174، مروج الذهب 4/ 398. 2 إتحاف الورى 2/ 31، 32. 3 إتحاف الورى 2/ 32، والكامل 3/ 174، وتاريخ الطبري 6/ 92. 4 تاريخ الطبري 6/ 123، الكامل 3/ 192، البداية والنهاية 8/ 28، الذهب المسبوك "ص: 24". 5 تاريخ الطبري 6/ 134، مروج الذهب 4/ 398، الكامل 3/ 202. 6 إتحاف الورى 2/ 58، العقد الثمين 5/ 353، 354، تاريخ الطبري 7/ 12، الكامل 4/ 52، مروج الذهب 4/ 398، المحبر "ص: 21". 7 تاريخ الطبري 7/ 190، المحبر "ص: 24". 8 تاريخ الطبري 7/ 195، الكامل 4/ 146، العقد الثمين 5/ 146، 147. 9 تاريخ الطبري 7/ 139، الكامل 4/ 109، إتحاف الورى 2/ 81، مروج الذهب 4/ 398. ج / 2 ص -256- ومنها: أن عبد الملك بن مروان حج بالناس في سنة خمس وسبعين1، وفي سنة ثمان وسبعين2، على ما ذكر العتيقي. ومنها: أن الوليد بن عبد الملك بن مروان حج بالناس سنة إحدى وتسعين3، وفي سنة خمس وتسعين4 على ما قيل. ومنها: أن سليمان بن عبد الملك بن مروان حج بالناس سنة تسع وتسعين5. ومنها: أن هشام بن عبد الملك بن مروان حج بالناس سنة ست ومائة6. ومنها: أنه في سنة تسع وعشرين ومائة؛ بينما الناس معرفة، ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح، ففزع الناس حين رأوهم، وسألوهم عن حالهم، فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان. فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان -وهو يومئذ على مكة والمدينة- وطلب منهم الهدنة؛ فقالوا نحن بحجنا أحق وعليه أشح، فصالحهم على أنهم جمعيا آمنون بعضهم من بعض بمنى في منزل السلطان، ونزل أبو حمزة الخارجي مقدم الفريق الآخر بقرن الثعالب7؛ فلما كان النفر الأول نفر فيه عبد الواحد وخلى مكة، فدخلها أبو حمزة8 بغير قتال، وكان من أمره ما سبق في باب الولاة بمكة9. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 130، تاريخ الطبري 7/ 210، الكامل 4/ 155، 156، مرآة الجنان 1/ 156. 2 تاريخ الطبري 7/ 281، المحبر "ص: 25"، دور الفرائد "ص: 202"، إتحاف الورى 2/ 108. 3 تاريخ الطبري 8/ 82، الكامل 4/ 227، المحبر "ص: 26"، الذهب المسبوك "ص: 31"، درر الفرائد "ص: 203". 4 الكامل 4/ 242، وفي تاريخ الطبري 8/ 96، ومروج الذهب 4/ 399: أن الذي حج بالناس في هذه السنة: "البشر بن الوليد بن عبد الملك". 5 الذي حج بالناس في هذا العام هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وينظر عن ذلك في: تاريخ الطبري 8/ 131، ومروج الذهب 4/ 399، والكامل 5/ 18، ودرر الفرائد "ص: 204"، وإتحاف الورى 2/ 134. 6 تاريخ الطبري 8/ 182، مروج الذهب 4/ 400، الكامل 5/ 52، البداية والنهاية 9/ 234، الذهب المسبوك "ص: 35". 7 قرن الثعالب: بلدة على بعد يوم وليلة من مكة، وهي ميقات أهل نجد، ويقال لها قرن المنازل. 8 هو: يحيى بن المختار بن عوف الخارجي الإباضي أحد زعماء الخوارج. 9 تاريخ الطبري 9/ 59، الكامل 5/ 151، العقد الثمين 7/ 153، إتحاف الورى 2/ 159 - 161. ج / 2 ص -257- ومنها: أن أبا جعفر المنصور -رضي الله عنه ثاني خلفاء بني العباس- حج بالناس، على ما ذكر العتيقي في سنة أربعين ومائة من الهجرة1، وفي سنة أربع وأربعين2، وفي سنة سبع وأربعين3، وفي سنة اثنتين وخمسين من الهجرة4، وهو الذي حج بالناس سنة ست وثلاثين، قبل أن تقضى إليه الخلافة5، وفيها أفضت إليه، وأراد الحج بالناس في سنة ثمان وخمسين ومائة من الهجرة؛ فحالت المنية بينه وبين ذلك، بعد أن كاد يدخل مكة، وكانت وفاته ببئر ميمون6 ظاهر مكة. ومنها: أن المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور العباسي حج بالناس سنة ستين ومائة7 من الهجرة، وفي سنة أربع وستين ومائة8 من الهجرة، وفي كل حجتيه يأمر بتوسعة المسجد الحرام؛ ففي الأولى جرد الكعبة مما عليها من الكسوة مخافة الثقل عليها، وكساها كسوة جديدة، وأنفق في حجته الأولى في الحرمين أموالا عظيمة، يقال عليها، وكساها كسوة جديدة، وأنفق في حجته الأولى في الحرمين أموالا عظيمة، يقال إنها ثلاثون ألف ألف درهم، وصل بها من العراق، وثلاثمائة ألف دينار وصلت إليه من مصر، ومائتا ألف دينار وصلت إليه من اليمن، ومائة ألف ثوب وخمسون ألف ثوب9. وما ذكرناه من حج المهدي مرتين، سنة ستين وفي سنة أربع وستين؛ ذكره الإمام الأزرقي في تاريخه9، وذكر أنه في كل منهما أمر بالزيادة في المسجد الحرام، ولم يذكر العتيقي إلا حجته الأولى، وذكر أنه في سنة وستين خرج إلى الحج، فرجح في العقبة لعله أصابته10. وهو أول خليفة حمل إليه الثلج إلى مكة، وذلك في حجته الأولى. ومنها: أن هارون الرشيد بن المهدي العباسي حج بالناس -على ما ذكر العتيقي- تسع حجج متفرقة وذلك في سنة سبعين ومائة11، وسنة ثلاث وسبعين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 النجوم الزاهرة 1/ 340، تاريخ الطبري 9/ 173، الكامل 5/ 202، المحبر "ص: 53"، درر الفرائد "ص: 210"، الذهب المسبوك "ص: 37". 2 الإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 91 - 95"، سمط النجوم العوالي 3/ 253 - 256. 3 تاريخ الطبري 9/ 275، مروج الذهب 4/ 401، الكامل 5/ 235. 4 الكامل 5/ 245، إتحاف الورى 2/ 1914. 5 تاريخ الطبري 9/ 159، 160، الكامل 5/ 189، درر الفرائد "ص: 109". 6 تاريخ الطبري 9/ 292، الكامل 6/ 8. 7 الكامل 6/ 18، تاريخ الخميس 2/ 33، مروج الذهب 4/ 204. 8 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78 - 80، الكامل 6/ 23، وفي مروج الذهب 4/ 402، والمحبر "ص: 37" أن الذي حج بالناس في هذه السنة هو: "صالح بن منصور". 9 أخبار مكة للأزرقي 2/ 74. 10 الكامل 6/ 23، درر الفرائد "ص: 217". 11 الإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 111، 112"، إتحاف الورى 2/ 22. ج / 2 ص -258- ومائة1، وسنة أربع وسبعين ومائة2، وسنة خمس وسبعين ومائة3، وسنة سبع وسبعين ومائة4، وسنة تسع وسبعين ومائة5، وسنة إحدى وثمانين ومائة6، وسنة ست وثمانين ومائة7، وسنة ثمان وثمانين ومائة8، وذكر ابن الأثير حج الرشيد بالناس في هذه السنين، وذكر أنه في سنة سبعين قسم الحرمين عطاء كثيرا9، وأنه فيسنة ثلاث وسبعين أحرم بالحج من بغداد10، وأنه في سنة أربع وسبعين قسم في الناس مالا كثيرا11، وأنه في سنة تسع وسبعين مشى من مكة إلى منى إلى عرفات، وشهد المشاعر كلها ماشيا، وأنه اعتمر في رمضان هذه السنة شكرا لله12 تعالى على قتل الوليد بن طريف13، وعاد إلى المدينة؛ فأقام بها إلى وقت الحج، وحج بالناس، وفعل ما سبق14، وأنه في سنة ست وثمانين بلغ عطاؤه في الحرمين ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار، وجعل في الكعبة العهد الذي عهده بين ولديه الأمين والمأمون، بعد أن عهد عليهما في الكعبة العهد الذي عهده بين ولديه الأمين والمأمون، بعد أن عهد عليهما في الكعبة بالوفاء15 وأنه في سنة ثمان وثمانين قسم أموالا كثيرة، قال: وهي آخر حجة حجها في قول بعضهم، وهو آخر خليفة حج من العراق16. ومنها: أنه في سنة تسع وتسعين ومائة، وقف الناس بعرفة بلا إمام، وصلوا بلا خطبة؛ وسبب ذلك، أن أبا السرايا داعية ابن طباطبا17 بعث حسينا الأفطس للاستيلاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 10/ 51، الكامل 6/ 43. 2 تاريخ الطبري 10/ 53، الكامل 6/ 43، القرى "ص: 58"، مروج الذهب 4/ 403. 3 العقد الثمين 4/ 347، إتحاف الورى 2/ 227. 4 تاريخ الطبري 10/ 62، الكامل 6/ 50، البداية والنهاية 10/ 171، مروج الذهب 4/ 403. 5 تاريخ الطبري 10/ 66، الكامل 6/ 53، الذهب المسبوك "ص: 49". 6 تاريخ الطبري 10/ 69، البداية والنهاية 10/ 177. 7 تاريخ الطبري 10/ 74، أخبار مكة للأزرقي 1/ 233. 8 تاريخ الطبري 10/ 94، الكامل 6/ 68، البداية والنهاية 10/ 194. 9 الإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 111". 10 مروج الذهب 4/ 403، القرى "ص: 58"، الكامل 6/ 43. 11 مروج الذهب 4/ 403، القرى "ص: 58". 12 تاريخ الطبري 10/ 66، والكامل 6/ 53، الذهب المسبوك "ص: 49". 13 انظر أخباره في: الكامل 6/ 51، تاريخ الطبري 10/ 62، 65. 14 إتحاف الورى 2/ 230. 15 أخبار مكة للأزرقي 1/ 233. 16 المحبر "ص: 38"، تاريخ الطبري 10/ 95، الكامل 6/ 68، البداية والنهاية 10/ 200، إتحاف الورى 2/ 245. 17 هو أبو السرايا السري بن منصور الشيباني داعية ابن طباطبا العلوي المكي، أحد زعماء الشيعة ودعاتهم، توفي سنة "199هـ". ج / 2 ص -259- على مكة، وأقام الموسم بها1؛ فلما آن وقت الحج فارق مكة واليها داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ومن كان معه بها من شيعة بني العباس مع قدرته على القتال والدفع، وافتعل كتابا من المأمون بتولية ابنه محمد بن داود على صلاة الموسم، وقال له: أخرج فصل بالناس بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وبت بمنى، وصل الصبح ثم اركب دابتك فانزل طريق عرفة، وخذ على يسارك في شعب عمرو2 حتى تأخذ طريق المشاش حتى تلحقني ببستان ابن عامر؛ ففعل ذلك؛ فلما زالت الشمس يوم عرفة تدافع للصلاة قوم من أهل مكة، وقيل لقاضي مكة: اخطب بالناس وصل بهم، قال: فلمن أدعو وقد هرب هؤلاء وظل هؤلاء على الدخول؟ فقيل له: لا تدع أحد، فلم يفعل، وقدموا وقدموا رجلا فصلى بالناس الصلاتين بلا خطبة، ثم مضوا فوقفوا بعرفة، ثم دفعوا بغير إمام. ولما بلغ الأفطس خلو مكة من بني العباس؛ دخلها قبيل الغروب في نحو عشرة من أصحابه؛ فطافوا وسعو ومضوا إلى عرفة، فوقفوا بها ليلا، وأتوا مزدلفة، فصلى حسين بالناس فيها صلاة الفجر، ودفع إلى منى، وأقام بها أيام الحج، ثم أتى مكة ففعل فيها ما سبق ذكره في باب الولاة من الأفعال القبيحة3. ومنها: أنه في سنة مائتين من الهجرة نهب الحجاج بستان ابن عامر، وسبب ذلك: أن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق أخا علي بن موسى الكاظم، بعد استيلائه على اليمن في هذه السنة، وجه إلى اليمن رجلا من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس؛ فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان، وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن؛ فعلم العقيلي أنه لا يقوى بهم، فأقام ببستان ابن عامر، فاختار قافلة من الحاج، معهم كسوة الكعبة وطيبها، فأخذوا أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها، وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين، فاستشار المعتصم أصحابه، قال الجلودي: أنا أكفيك ذلك، فرده، فانتخب مائة رجل وسار إلى العقيلي، فصبحهم فقاتلهم، فانهزموا، وأسر أكثرهم، وأخذ كسوة الكعبة، وأموال التجار إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك، فأخذ الأسرى فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط وأطلقهم، فرجعوا إلى اليمن يستطيعون الناس، فهلك أكثرهم في الطريق4... انتهى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 10/ 229، 230، الكامل 6/ 113، العقد الثمين 4/ 196 - 198. 2 هو أحد شعاب مكة، وهو ما يطلق عليه الملاوي العليا الممتدة إلى جهة منى، والذي يسيل منه شعب الملاوي اليوم. 3 تاريخ الطبري 10/ 229، 230، الكامل 2/ 181، 182، العقد الثمين 4/ 196 - 198. 4 تاريخ الطبري 10/ 233، الكامل 6/ 115. ج / 2 ص -260- وبستان ابن عامر1 هو ببطن نخلة كما سبق بيانه2. ومنها: أنه في سنة ثمان وعشرين ومائتين أصحاب الناس في الموقف حر شديد وأضر بهم. ثم أصابهم فيه برد، واشتد البرد عليهم بعد ساعة من ذلك الحر، وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة، فقتلت جماعة من الحجاج3... انتهى. ومنها: أنه في سنة إحدى وخمسين ومائتين لم يقف الناس بعرفة لا ليلا ولا نهارا، وقتل فيها خلق كثير، وسبب ذلك: أن إسماعيل بن يوسف العلوي -السابق ذكره في باب الولاة بمكة- بعد ظهوره بها في السنة، وما فعله فيها من الأفعال القبيحة بمكة والمدينة وجدة، ووافى الموقف بعرفة وبها محمد بن إسماعيل بن عيسى بن المنصور الملقب كعب البقر، وعيسى بن محمد المخزومي، وكان المعتز وجههما إليهما، فقاتلهم إسماعيل، وقتل من الحجاج نحو ألف ومائة، وسلب الناس، وهربوا إلى مكة، ولم يقفلوا بعرفة لا ليلا ولا نهارا. ووقف إسماعيل وأصحابه4... انتهى. ومنها: أنه في سنة اثنتين وستين ومائتين خاف الناس أن يبطل الحج، وسبب ذلك: أنه في هذه السنة وقع بين الجزارين والحناطين بمكة قتال يوم التروية، فخاف الناس أن يبطل الحج، ثم تحاجزوا إلى أن الحج الناس، وقتل منهم تسعة عشر رجلا5. ومنها: أنه في سنة تسع وستين ومائتين، وثب الأعراب على كسوة الكعبة وانتهبوها، فصار بعضهم إلى صاحب الزنج، وأصاب الحجاج فيها شدة شديدة6. ومنها: أنه في سنة تسع وستين ومائتين، كان قتال بين الحجاج المصريين أصحاب أحمد بن طولون، والعراقيين أصحاب أبي أحمد الموفق، وكان الظفر لأصحاب الموفق7. وقد سبق هذه الحادثة في باب الولاة مبسوطة. ومنها: أنه في سنة خمس وتسعين ومائتين كانت واقعة بين عج بن حاج8 وبين الأجناد بمنى، ثاني عشر ذي الحجة، فقتل منهم جماعة؛ لأنهم طالبوا جائزة بيعة المقتدر، وهرب الناس إلى بستان ابن عامر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو بستان قريب من مزدلفة. 2 الكامل 6/ 115. 3 تاريخ الطبري 1/ 9، إتحاف الورى 2/ 298. 4 تاريخ الطبري 11/ 136، الكامل 7/ 58، البداية والنهاية 11/ 9، مروج الذهب 4/ 406، العقد الثمين 3/ 312. 5 تاريخ الطبري 11/ 243، الكامل 7/ 109، البداية والنهاية 11/ 35. 6 تاريخ الطبري 11/ 258، المنتظم 5/ 56، الكامل 7/ 120. 7 تاريخ الطبري 11/ 320، الكامل 7/ 142، إتحاف الورى 2/ 343. 8 هو أمير الترك. ج / 2 ص -261- وأصاب الحجاج في عودهم عطش عظيم، فمات جماعة، وحكي أن أحدهم كان يبول في كفة ثم يشربه1. ومنها: أنه في سنة أربع عشرة وثلاثمائة2، وفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة3، وفي سنة ست عشرة وثلاثمائة4, لم يحج إلى مكة أحد من العراق، على ما ذكر العتيقي في أخبار هذه الثلاث سنين، للخوف من القرمطي. وذكرها ما يقتضي أن الحج في هذه السنين لم يبطل من مكة، وذكر أنهم -يعني أهل مكة- حجوا في سنة أربع عشرة، على قلة من الناس خوف5... انتهى. ومنها: أنه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة حج الناس من بغداد مع منصور الديلمي، وسلموا في طريق مكة من القرمطي، فوافدهم القرمطي مكة، وأسرف في قتلهم وأسرهم، وفعل في الكعبة ومكة أفعالا قبيحة، وقد ذكر أفعاله في هذه السنة جماعة من أهل الأخبار، منهم: أبو بكر عمر بن علي بن القاسم الذهبي في تاريخه، فيما حكاه عنه أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، وأفاد فيما ذكره ما لم يفده غيره، فاقتضى ذلك ذكرنا بنصه؛ وذلك أنه قال: إن أبا طاهر القرمطي عدو الله وافي مكة يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، في سبعمائة رجل من أصحابه، فقتل في المسجد الحرام نحوألف وسبعمائة من الرجال والنساء، وهم متعلقون بأستار الكعبة وردهم بهم زمزم، وفرش بهم المسجد وما يليه، وقتل في سكك مكة وشعابها من أهل خراسان والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك، وأقام بمكة ستة أيام ولم يقف أحد تلك السنة بعرفة، ولا وافى نسكا، وهي التي يقال لها سنة الحمامي. وأخذ حلي الكعبة، وهتك أستارها، وكان سدنة المسجد قد تقدموا إلى حمل المقام وتغييبه في بعض شعاب مكة، فتألم لفقده؛ إذ كان طلبه، فعاد عند ذلك عند الحجر الأسود فقلعه، وذكر من قلعه وتاريخ قلعه ما نقلناه عنه في أخبار الحجر الأسود. ثم قال: ولم يأخذ الميزاب، وكان من الذهب الأبريز، وسبب ذلك: أنه لم يقدر على قلعة أحد من القرامطة الذين على ظهر الكعبة، ورام خلعه شخص منهم؛ فأصيب من أبي قبيس بسهم في عجزة، فسقط فمات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تاريخ الطبري 1/ 406، الكامل 8/ 20، البداية والنهاية 11/ 108، المنتظم 6/ 82. 2 البداية والنهاية 11/ 154، النجوم الزاهرة 3/ 215، المنتظم 6/ 202. 3 إتحاف الورى 2/ 373، المنتظم 6/ 210. 4 إتحاف الورى 2/ 374، درر الفرائد "ص: 224". 5 مروج الذهب 4/ 407، درر الفرائد "ص: 234". ج / 2 ص -262- قال: ورمى الله القرمطي في جسده، وطال عذابه، حتى تقطعت أوصاله، وأراه الله تعالى عبرة في نفسه1... انتهى. وأما قول العتيقي في أخبار هذه السنة، ولم يحج أحد من العراق، ففيه نظر؛ لأنه إن أراد بالعراق عراق العجم، فهو يخالف مقتضى قول الذهبي السابق وقتل في سكك مكة وشعابها من أهل خراسان والمغاربة، وغيرهم زهاء ثلاثين ألفا... انتهى. وهذا يدل لحج أهل خراسان؛ وهم من عراق العجم، وإن أراد عراق العرب؛ فهو يخالف ما ذكره ابن الأثير؛ لأنه قال: في أخبار سنة سبع عشرة وثلاثمائة: حج بالناس هذه السنة منصور الديلمي2، سار بهم من بغداد إلى مكة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية3، فذكر من أفعاله القبيحة بمكة بعض ما سبق ذكره4. ومنها: أنه في سنة تسع عشرة وثلاثمائة لم يحج ركب العراق. على ما ذكر الذهبي في "تاريخ الإسلام"5. ومنها: أنه في سنة عشرين وثلاثمائة، بطل الحج من العراق، على ما ذكر العتيقي، والذهبي، وذكر العتيقي أن فيها حج ناس من أهل المغرب واليمن6. ومنها: أنه في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة بطل الحج من بغداد، على ما ذكر العتيقي وابن الأثير، لاعتراض القرمطي يلهم في الطريق فيما بين القادسية والكوفة7. ومنها: أنه في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بطل الحج من ناحية العراق، على ما ذكر العتيقي8. ومنها: أنه في سنة خمس وعشرين بطل الحج من العراق، على ما ذكره العتيقي والذهبي9. ومنها: أنه في سنة ست وعشرين بطل الحج من العراق، على ما ذكره الذهبي، وأما العتيقي فقال في أخبار هذه السنة: وخرج من بغداد نفر يسير من الحجاج رجالة، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البداية والنهاية 11/ 164، مرآة الجنان 2/ 274، تاريخ الخميس 2/ 350، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 163". 2 المنتظم 6/ 223، إتحاف الورى 2/ 374. 3 دول الإسلام 1/ 192، تاريخ الخميس 2/ 350، النجوم الزاهرة 3/ 224، سمط النجوم العوالي 3/ 360. 4 دول الإسلام 1/ 192، تاريخ الخميس 2/ 350، النجوم الزاهرة 3/ 224، سمط النجوم العوالي 3/ 360. 5 دول الإسلام 1/ 194. 6 النجوم الزاهرة 3/ 232، إتحاف الورى 2/ 382، 283. 7 الكامل 8/ 108، البداية والنهاية 11/ 123. 8 درر الفرائد "ص: 241"، مروج الذهب 4/ 408، إتحاف الورى 2/ 368. 9 النجوم الزاهرة 3/ 260، مروج الذهب 4/ 408. ج / 2 ص -263- وقوم أكثروا من العرب، ونحروا في مكة، وحجوا وعادوا من طريق الشام، وعاد منهم قوم على طريق الجادة1... انتهى. ومنها: أنه في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، بطل الحج من العراق؛ لبعد المتقي عن العراق، واضطرب البلاد، على ما ذكر العتيقي2. ومنها: أنه في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة بطل الحج على ما ذكر العتيقي3. ومنها: أنه في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة4، وسنة سبع وثلاثين وثلاثمائة5، وسنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة6، لم يحج أحد من العراق، على ما ذكر الذهبي في "تاريح الإسلام"، وذكر العتيقي ما يقتضي خلاف ذلك؛ لأنه قال: وحج بالناس في سنة خمس وثلاثين، وست وثلاثين، وسبع وثلاثين، وثمان وثلاثين، وتسع وثلاثين، عمر بن يحيى العلوي، بولاية السلطان له بذلك7... انتهى. ومنها: أنه في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة أو في التي قبلها كان بين الحجاج العراقيين والمصريين قتال بسبب الخطبة بمكة، على ما ذكر العتيقي؛ لأنه قال: وحج بالناس سنة أربعين وثلاثمائة، وسنة إحدى أربعين وثلاثمائة، أحمد بن الفضل بن عبد الملك من مكة، وعارضه أهل مصر مع عمر بن الحسن بن عبد العزيز، وصحت الصلاة لأحمد بن الفضل، وكان أمير الحاج في بغداد عمر بن يحيى العلوي، ووقع بين عمر بن يحيى العلوي وابن الحسين محمد بن عبيد الله العلوي -وكان حاجا- وبين المصريين للمنبر8 بعرفة. وأقام الحج عمر بن الحسن بن عبد العزيز بناحية بالأتراك والمصريين، وأقام لهم الحج9... انتهى. وذكر المسبحي ما يدل على أن هذه القصة كانت في سنة أربعين وثلاثمائة؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: وحج بالعراقيين أحمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمي أحمد، وحج بالمصريين أبو حفص عمر بن الحسن بن عبد العزيز وكانت سنة خلاف وفتنة حدثت بمكة... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 درر الفرائد "ص: 241". 2 درر الفرائد "ص: 242"، البداية والنهاية 11/ 207. 3 درر الفرائد "ص: 242". 4 النجوم الزاهرة 3/ 294. 5 إتحاف الورى 2/ 394. 6 النجوم الزاهرة 3/ 298، مرآة الجنان 2/ 326. 7 إتحاف الورى 2/ 393، 394. 8 النجوم الزاهرة 3/ 308، درر الفرائد "ص: 243". 9 حسن الصفا والابتهاج "ص: 109". ج / 2 ص -264- وذكر غيره ما يدل على أن ذلك في سنة إحدى وأربعين؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: وفيها كان حرب بينم أصحاب معز الدولة، وأصحاب ابن طغج، وكان الظفر لأصحاب معز الدين... انتهى. ووقع مثل ذلك في سنة اثنتين وأربعين، وفي سنة ثلاث وأربعين، على ما ذكر ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة اثنتين وأربعين: فيها سير الحجاج الشريفان أبو الحسن محمد بن عبد الله، وأبو عبد الله أحمد بن عمر بن يحيى العلويان؛ فجرى بينهما وبين عساكر المصريين من أصحاب ابن طغج حرب شديد، فكان الظفر لهما، فخطب لمعز الدولة بمكة؛ فلما خرجا من مكة لحقهما عساكر مصر، فقاتلهما فظفر بهم أيضا1. وقال في أخبار سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة: فيها وقعت الحرب بمكة بين أصحاب معز الدولة، وأصحاب ابن طغج من المصريين؛ فكانت الغلبة لأصحاب معز الدولة، فخطب بمكة والحجاز لركن الدولة، ومعز الدولة، وولده عز الدولة بختيار، وبعدهم لابن طفج2... انتهى. وذكر المسبحي ما كان بين الفريقين في سنة ثلاث وأربعين، وذكر ذلك غيره، وأفاد في ذلك غير ما سبق؛ لأنه قال: في أخبار سنة ثلاث وأربعين: وكان بها أيضا حرب عظيمة بين أصحاب معز الدولة بن بويه والإخشيد بن محمد بن طغج صاحب الديار المصرية، ومنع أصحاب معز الدولة أصحاب الإخشيد من الصلاة بمنى والخطبة، ومنع أصحاب الإخشيد أصحاب معز الدولة من الدخول إلى مكة، والطواف3... انتهى باختصار. ومنها: أنه كان يدعى على المنابر بمكة والحجاز جميعة لكافور الإخشيدي صاحب مصر، ذكر هذه الحادية الملك المؤيد صاحب حماة4، والظاهر أن الدعاء لكافور بمكة كان في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة؛ لأنه ولي السلطنة في هذه السنة بعد موت ابن أستاذه "علي بن محمد بن طغج الإخشيدي"، وكان هو المتولي لتدبير المملكة في سلطنة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المنتظم 6/ 372، الكامل 8/ 182، درر الفرائد "ص: 243". 2 درر الفرائد "ص: 243"، حسن الصفا والابتهاج "ص: 109"، وابن طغج هو: الأمير أنوجور بن محمد بن طغج الإخشيد الفرغاني التركي، تولى بعد أبيه سنة 334 بعهد من الخليفة المطيع لله على مصر، وعلى كل ما كان لأبيه من الولاة، ومات سنة 349هـ "انظر ترجمته في: النجوم الزاهرة 3/ 291 - 293". 3 درر الفرائد "ص: 243"، حسن الصفا والابتهاج "ص: 109". 4 المختصر في أخبار البشر 2/ 107. ج / 2 ص -265- ابن أستاذه المذكور، وسلطنة أخيه أبي القاسم، "أونجور" ومعناه بالعربي: محمود بن محمد بن طغج، ولعله كان يدعى لكافور في حال سلطنة المذكورين، لتوليه تدبير المملكة لهما، والله أعلم. ومنها: أنه في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة لم يحج أحد من الشام ولا من مصر، على ما ذكر الذهبي1. ومنها: أنه في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة خطب للمعز بن تميم بعد ابن المنصور العبيدي صاحب مصر؛ بمكة والمدينة واليمن، وبطلت الخطبة لبني العباس، وفرق فيه قائد حج مصر أموالا عظيمة في الحرمين؛ ذكر ذلك كله صاحب "المرآة" وذكر أن نقيب الطالبيين2 حج بالناس من بغداد فيها3. ومنها -على ما قال ابن الأثير في أخبار سنة تسع وخمسين وثلاثمائة: وفيها كان الخطبة بمكة للمطيع لله، والقرامطة الهجريين، وخطب بالمدينة للمعز لدين الله العلوي، وخطب أبو أحمد الموسوي -والد الشريف الرضي- خارج المدينة للمطيع لله4. وذكر صاحب "المرآة" أن فيها خطب للمطيع وللهجريين بعده بمكة، وأن الفاعل لذلك أبو أحمد النقيب الموسوي، وذكر أنه حد بالناس في سنة ستين وثلاثمائة، وهذا يخالف ما ذكره العتيقي من انقطاع الحج في هذه السنة، وفي سنة تسع وخمسين؛ لأنه قال: وبطل الحج من العراق سنة تسع وخمسين، وسنة ستين وثلاثمائة من العراق والمشرق، فلم يحج أحد من هذه الجهات، لاختلاف كان وقع من جهة القرامطة5... انتهى. ودامت الخطبة للمطيع بمكة والحجاز فيما علمت إلى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. ومنها: أنه في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة خطب للمعز لدين الله صاحب مصر، بمكة والمدينة في الموسم6. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 دول الإسلام 1/ 221، إتحاف الورى 2/ 405، النجوم الزاهرة 4/ 18، تاريخ الخلفاء "ص: 401". 2 هو أبو أحمد بن الحسين بن موسى "انظر ترجمته في النجوم الزاهرة 4/ 26". 3 إتحاف الورى 2/ 406، درر الفرائد "ص: 244". 4 المنتظم 7/ 53، الكامل 8/ 22، البداية والنهاية 11/ 268، درر الفرائد "ص: 245". 5 إتحاف الورى 2/ 406، 408 درر الفرائد "ص: 345". 6 المنتظم 7/ 75، الكامل 8/ 233، البداية والنهاية 11/ 277، مرآة الجنان 2/ 379، تاريخ الخلفاء "ص: 406". ج / 2 ص -266- وفيها: خرج بنو هلال وجمع من العربل على الحجاج، فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وضاق الوقت وبطل الحج، ولم يسلم إلا من مضى مع الشريف أبي أحمد الموسوي والد الرضي على طريق المدينة، فتم حجهم... انتهى من تاريخ ابن الأثير1. ومنها: أنه في سنة أربع وستين وثلاثمائة بطل الحج من العراق مع توجههم منه؛ لأنهم قدروا أنهم لا يدركون الحج لأمر عرض لهم في الطريق، فعدلوا إلى المدينة المنورة، فوقفوا بها. ذكر ذلك بالمعنى ابن الأثير2. وأما العتيقي فقال في أخبار هذه السنة: وحج بالناس سنة أربع وستين وثلاثمائة ابن القمر صاحب القرامطة3... انتهى. ومنها -على ما قال العتيقي: وبطل الحج في سنة خمس وستين وثلاثمائة، من ناحية العراق والمشرق، لاضطراب أمور البلاد4... انتهى. وفي هذه السنة -وهي خمس وستين- على ما ذكر صاحب "المرآة" حج بالناس علوي من جهة العزيز بن المعز العبيدي صاحب مصر، وخطب فيها بمكة والمدينة للعزيز5... انتهى. وذكر غيره ما يوافق ذلك، وأن العزيز أرسل جيشا في هذه السنة، فحصروا مكة وضيقوا على أهلها6. ومنها: أنه في سنة ست وستين وثلاثمائة حجت جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان حجا يضرب به المثل في التجمل وأفعال البر؛ لأنه كان معها أربعمائة محمل على لون واحد، ولم يعلم الناس في أيها كانت، وكست المجاورين في الحرمين، وأنفقت فيهم الأموال العظيمة، ولما شاهدت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار من ضرب أبيها... انتهى بالمعنى من "المرآة"7. وقد ذكر حج هذه المرأة جماعة من أهل الأخبار، منهم الذهبي؛ لأنه قال في أخبار سنة ست وستين: وفيها حجت جميلة بنت الملك ناصر حمدان، وصار حجها يضرب به المثل، فإنها أغنت المجاورين، وقيل: كان معها أربعمائة محمل، لا يدري في أيها هي، لكونهن في الحسن والزينة نسبة8، ونثرت على الكعبة لما دخلتها عشرة آلاف دينار9... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 8/ 233. 2 الكامل 8/ 239. 3 إتحاف الورى 2/ 412. 4 إتحاف الورى 2/ 413، درر الفرائد "ص: 246". 5 الكامل 8/ 241، المنتظم 7/ 80، المختصر في أخبار البشر 2/ 116، البداية والنهاية 11/ 283. 6 إتحاف الورى 2/ 413. 7 مرآة الجنان 2/ 385، أعلام النساء 1/ 214. 8 المنتظم 7/ 84، النجوم الزاهرة 4/ 126. 9 البداية والنهاية 11/ 287، دول الإسلام 1/ 227. ج / 2 ص -267- وقال غيره في ذكر حجها: أنه كان معها عشرة آلاف جمل، وألف عجوز، ولم يحوج الناس إلى مأكول ولا مشروب، وحج معها الناس من أقطار الأرض، وأنفقت بمكة عشرين ألف دينار، وزوجت كل علوي وعلوية، وأنفقت بالمدينة مثلها. ثم قال: ويقال: إنها أنفقت في هذه الحجة ألف ألف دينار، ومائة وخمسين ألف دينار، ولما رجعت إلى بغداد صادرها عضد الدولة بن بويه، واستصفى أموالها، ثم أراد حملها إليه، فخرجت مع رسله، وتحيلت حتى ألفت نفسها في دجلة، وكانت من أزهد الناس وأعبدهم وأجراهم دمعة؛ فكانت تقوم نافلة الليل، وتسمع العظات وتكثر الصدقات1... انتهى. ومنها: أنه في سنة سبع وستين -على ما قال ابن الأثير: سير العزيز بالله العلوي صاحب مصر وإفريقية أميرا على الموسم ليحج بالناس، وكانت الخطبة له بمكة، وكان الأمير على الموسم باديس بن زيري أخا يوسف بلكين خليفته بإفريقية؛ فلما وصل إلى مكة أتاه اللصوص بها، فقالوا له: نقبل الموسم منكم بخمسين ألف درهم ولا تتعرض لنا، فقال لهم: أفعل ذلك اجمعوا إلي أًصحابهم حتى يكون العقد مع جميعكم، فاجتمعوا -وكانوا نيفا وثلاثين رجلا- فقال: هل بقي منكم أحد؟ فحلفوا له أنه لم يبق منهم أحد، فقطع أيديهم كلهم2... انتهى ومنها: أنه في سنة سبعين وثلاثمائة خطب مكة والمدينة لصاحب مصر العزيز العبيدي دون الطائع العباسي على ما ذكر صابح "الرآة" وابن الأثير؛ إلا أنه لم يقل دون الطائع3. ومنها، على ما قال صاحب "المرآة" في أخبار سنة ثمانين وثلاثمائة: حج بالناس أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي نيابة عن الشريف أبي أحمد الموسوي4، وكان لهم من سنة إحدى وسبعين لم يحج أحد من العراق، بسبب الفتن والخلف من العراقيين والمصريين، وقيل: إنهم حجوا في سنة اثنتين وسبعين مع أبي الفتح العلوي، وفي سنة يثمان وسبعين وثلاثمائة، والله أعلم. وذكر العتيقي ما يخالف ذلك؛ لأنه قال: وحج بالناس سنة اثنتين وسبعين وثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وسبعين، وسنة ثمان وثلاثمائة: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يحيى بن عبيد الله العلوي... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البداية والنهاية 11/ 287، مرآة الجنان 2/ 385. 2 الكامل 8/ 251، البداية والنهاية 11/ 291، إتحاف الورى 2/ 416. 3 المنتظم 7/ 105، الكامل 9/ 4، النجوم الزاهرة 4/ 178. 4 المنتظم 7/ 153، الكامل 9/ 29، النجوم الزاهرة 4/ 157. ج / 2 ص -268- ومنها: أنه في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة لم يحج من العراق ولا من الشام أحد، على ما قال ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: فيها عاد الحاج من الثعلبية1، ولم يحج من الشام والعراق أحد، وسبب عودهم أن الأصفر أمير العرب اعترضهم وقال: إن الدراهم التي أرسلها السلطان عام أول كانت نقر مطلية وأريد العوض، وطالب المخاطبة والمراسلة، فضاق الوقت على الحجاج فرجعوا2... انتهى. وأما الذهبي فقال في أخبار هذه السنة: لم يحج من العراق ولا من الشام ولا من اليمن أحد على العادة، وحج الناس من مصر... انتهى. وأما الذهبي فقال في أخبار هذه السنة: لم يحج من العراق ولا من الشام ولا من اليمن أحد على العادة، وحج الناس من مصر... انتهى. ومنها: أنه في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة بطل الحج -على ما قال العتيقي؛ لأنه قال: وبطل الحج سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، لبعد السلطان منها واختلاف بين العرب3. ومنها: أنه في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، لبعد السلطان منها واختلاف بين العرب4. ومنها: أنه في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة لم يحج من العراق أحد، خوفا من الأصفر قال: وبطل الحج سنة اثنين وتسعين وثلاثمائة، لبعد السلطان منها واختلاف بين العرب5. ومنها: أنه في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة لم يحج من العراق أحد، خوفا من الأصفر الأعرابي؛ ذكر ذلك هكذا صاحب "المرآة" وغيره6. وذكر العتيقي ما يخالف ذلك؛ لأنه قال: وحج بالناس سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين أبو الحارث بن محمد بنعمر بن يحيى العلوي... انتهى. ومنها: أنه في سنة ست وتسعين وثلاثمائة خطب بمكة والمدينة للحاكم صاحب مصر على جاري7 العادة، وأمر الناس بالحرمين بالقيام عند ذكره، وكذلك كانت عادتهم بمصر والشام8. ومنها: أنه في سنة سبع سبع وتسعين، وثلاثمائة لم يحج الركب العراقي مع توجههم؛ لاعتراض ابن الجراح لهم بالثعلبية ومطالبته لهم بالمال، فرجعوا إلى بغداد لضيق الوقت عليهم. وحج الناس من مصر، وبعث الحاكم كسوة الكعبة وما لا لأهل الحرمين، وذكر ذلك صاحب "المرآة" وغيره9. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الثعلبية: من منازل الحج بطريق مكة بعد الشقوق وقبل الخزيمة، وهي على ثلثي الطريق. 2 درر الفرائد "ص: 247". 3 المنتظم 7/ 219، البداية والنهاية 1/ 330. 4 نفسه. 5 نفسه. 6 النجوم الزاهرة 4/ 207، البداية والنهاية 11/ 332. 7 النجوم الزاهرة 4/ 210، المنتظم 7/ 227. 8 إتحاف الورى 2/ 432. 9 المنتظم 7/ 234، الكامل 9/ 76، دول الإسلام 1/ 238، البداية والنهاية 1/ 337، إتحاف الورى 2/ 432، 433. ج / 2 ص -269- ومنها أنه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة لم يحجد من العراق أحد، على ما ذكر صاحب "المرآة"1. ومنها على ما قال العتيقي: وبطل الحج من العراق سنة إحدى وأربعمائة، ورجع الحجاج من بغداد2. ومنها على ما قال العتيقي: وبطل الحج في سنة ثلاث وأربعمائة لمسير رجل من القرامطة يعرف بابن عيسى المنتفقي والناير الخويلدي، وجماعة من العرب إلى ظاهر الكوفة، فحاصروها وانصرفوا، وقد فات الحجاج المسير فعادوا من الكوفة إلى بغداد3... انتهى. ومنها على ما قال العتيقي: وبطل الحج في سنة ست وأربعمائة لخراب الطريق واستيلاء العرب عليه؛ قال: وبطل الحج سنة سبع وأربعمائة بتأخر أهل خراسان4... انتهى. ومنها: أنه في سنة ثمان وأربعمائة لم يحج أحد من العراق، على ما ذكره صاحب "المرآة" وغيره5. ومنها على ما قال العتيقي" وبطل الحج في سنة تسعه وأربعمائة فخرجوا من بغداد مع عمر بن مسلم؛ فاعترضتهم العرب فيما بين القصر والحاجر، والتمسوا منهم زيادة مع عمر بن مسلم، فاعترضتهم العرب فيما بين القصر والحاجر، والتمسوا منهم زيادة على رسومهم، فرجعوا من القصر، وبطل الحج في هذه السنة6. وبطل الحج في سنة عشرة وأربعمائة بتأخر ورود أهل خراسان عن الحضور في هذه السنة في الحج7. وفي سنة إحدى عشرة وأربعمائة بتأخر ورود أهل خراسان في هذه السنة... انتهى. وذكر صاحب "المرآة" ما يوافق ذلك. ومنها: على ما قال العتيقي وبطل الحج في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، بتأخر ورود أهل خراسان8... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 433، درر الفرائد "ص: 250". 2 دول الإسلام 1/ 240، النجوم الزاهرة 4/ 227. 3 النجوم الزاهرة 4/ 232، المنتظم 7/ 260، درر الفرائد "ص: 251". 4 البداية والنهاية 12/ 2، إتحاف الورى 2/ 443. 5 البداية والنهاية 12/ 6، إتحاف الورى 2/ 444، النجوم الزاهرة 4/ 242. 6 النجوم الزاهرة 4/ 242، درر الفرائد "ص: 252". 7 المنتظم 7/ 293، الكامل 9/ 121، النجوم الزاهرة 4/ . 8 إتحاف الورى 2/ 450. ج / 2 ص -270- ومنها: أنه في سنة أربع عشرة وأربعمائة كان بمكة فتنة، قتل فيها جماعة من الحجاج المصريين ونهبوا بسبببها، وتجرأ بعض الملاحدة على الحجر الأسود فضربه بدبوس، وقد ذكر هذه الحادثة جماعة من أهل الأخبار، منهم ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار سنة أربع عشرة وأربعمائة: ذكر الفتنة بمكة في هذه السنة، كان يوم النفر الأول يوم الجمعة؛ فقام رجل من مصر بإحدى يديه سيف مسلول، وبالأخرى دبوس، بعدما فرغ الإمام من الصلاة فقصد ذلك الرجل الحجر الأسود فاستلمه، فضرب الحجر ثلاث ضربات بالدبوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر الأسود ومحمد وعلي؟ فليمنعني مانع من هذا؛ فإني أريد أن أهدم البيت، فخاف أكثر الحاضرين وترجعوا عنه وكاد يفلت، فثار به وأحرقوا، فثارت الفتنة، وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين رجلا، غير ما أخفى منهم، وألح الناس ذلك اليوم على المغاربة من القتلى أكثر من عشرين رجلا؛ غير ما أخفى منهم، وألح الناس ذلك اليوم فلما كان الغد ماج الناس واضطربوا، وأخذوا أربعة من أصحاب ذلك الرجل، وقالوا: نحن مائة رجل؛ فضربت أعناق هؤلاء الأربعة1... انتهى باختصار لما يتعلق بأمر الحجر الأسود. وذكر الذهبي2 هذه الحادثة في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ونقل ذلك عن ابن الأثير عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وذكر القصة بمعنى ما ذكر ابن الأثير، وزيادة منها: أنه كان على باب المسجد عشرة من الفرسان، على أن ينصروا الذي ضرب الحجر، وأنه كان أحمر أشقر تام القامة جسيما، ونقل عن هلال بن المحسن أن الضارب للحجر كان من استغواهم الحاكم العبيدي صاحب مصر، وأفسد أديانهم على ما قيل... انتهى. وذر بعضهم ما يوهم أن هذه الحادثة اتفقت في سنة نيف وستين وأربعمائة، وهذا وهم قطعا، وفي الخبر الذي فيه ذلك أن القاتل للرجل الضارب للحجر رجل من أهل اليمن من السكاسك؛ فالله تعالى يثيبه. ومنها على ما قال العتيقي: إن الحج بطل من العراق، لتأخر أهل خراسان في سنة خمس عشرة، وفيما بعدها إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة؛ إلا أنه قال في سنة إحدى وعشرين: حج من الكوفة قوم من العرب في قافلة كبيرة، ورجعوا سالمين إلى الكوفة في ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 9/ 128، درر الفرائد "ص: 253"، وفي دول الإسلام 1/ 46، المنتظم 8/ 8، 9، والبداية والنهاية 12/ 13، وفي النجوم الزاهرة 4/ 250، وإتحاف الورى 2/ 448: أن ذلك كان سنة "413هـ". 2 دول الإسلام 1/ 46. ج / 2 ص -271- آخر المحرم، وقال في سنة اثنتين وعشرين: وحج من الكوفة قوم من الرجالة، ومات منهم خلق عظيم في الطريق: وذكر الذهبي: مايوافق ذلك؛ إلا أنه لم يذكر شيئا في سنة خمس عشرة، ولا في سنة اثنتين وعشرين. ومنها على ما قال العتيقي: وبطل الحج في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، لتأخر ورود أهل خراسان، وكان وصولهم إلى بغداد سلخ شوال، وتأخروا عن الخروج، وأقاموا إلى سلخ ذي العقدة، ورجعوا إلى خراسان وحج قوم من الرجالة سيرا1... انتهى. وقال الذهبي في أخبار هذه السنة: ورد من مصر كسوة للكعبة، وأموال للصدقة وصلات لأمير مكة، ولم يحج ركب العراق لفساد الطريق2... انتهى. وقال ابن الأثير في أخبار هذه السنة: خرجت العرب على حجاج البصرة فأخذوهم ونهبوهم، وحج الناس من سائر البلاد إلا من العراق3. ومنها على ما قال العتيقي: وبطل الحج في سنة أربع وعشرين وأربعمائة؛ لتأخر أهل خراسان في هذه السنة، وخرج نفر يسير من الرجالة، وعمر الطريق، وقال: وبطل الحج في سنة خمس وعشرين وأربعمائة لتأخر أهل خراسان... انتهى. وقال الذهبي في أخبار سنة خمس وعشرين وأربعمائة، لم يحج العراقيون ولا المصريون خوفا من البادية، وحج أهل البصرة مع من يخفرهم؛ فغدروا بهم ونهبوهم4... انتهى. ومنها: أنه في سنة ست وعشرين وأربعمائة، لم يحج أحد من أهل العراق وخراسان5. ومنها: أنه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، لم يحج أحد من أهل العراق؛ لفساد البلاد واختلاف الكلمة. وذكر هاتين الحادثتين هكذا ابن كثير6. ومنها: أنه في سنة ثلاثين وأربعمائة، لم يحج فيها من العراق ومصر والشام أحد؛ ذكر ذلك هكذا الذهبي في "تاريخ الإسلام"، وأما ابن كثير فقال في أخبار هذه السنة: لم يحج فيها أحد من أهل العراق وخراسان7... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المنتظم 8/ 96، الكامل 9/ 160. 2 المنتظم 8/ 76، النجوم الزاهرة 4/ 276، إتحاف الورى 2/ 457. 3 الكامل 9/ 160. 4 البداية والنهاية 12/ 36، إتحاف الورى 2/ 457. 5 المنتظم 8/ 83، الكامل 9/ 166، البداية والنهاية 12/ 37. 6 البداية والنهاية 12/ 40، إتحاف الورى 2/ 458. 7 البداية والنهاية 12/ 45، إتحاف الورى 2/ 459، المنتظم 8/ 100. ج / 2 ص -272- ومنها: أنه في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، لم يحج فيها أحد من أهل العراق1. ومنها: أنه في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة لم يحج فيها أحد، ولا في اللواتي قبلها. ومنها: أنه في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة لم يحج أهل العراق في هذا العام2. ومنها: أنه في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة لم يحج أحد من ركب العراق في هذا العام3. ومنها: أنه في سنة أربعين وأربعمائة لم يحج أحد من أهل العراق؛ ذكر هذه الخمس حوادث هكذا ابن كثير4، وذكر ما يقتضي لم يحج أحد من أهل العراق في سنة إحدى وأربعين5، وكذلك عام ثلاثة وأربعين6، وكذلك عام ستة وأربعين7، وكذلك عام ثمانية وأربعين8. ومنها: أنه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة لم يحج أحد من أهل العراق في هذه السنة9. وكذلك سنة اثنتين وخمسين؛ غير أن جماعة اجتمعوا إلى الكوفة، وذهبوا مع طائفة من الحضر10. ومنها: أنه في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة لم يحج أحد في هذه السنة، ذكر هذه الحادثة هكذا ابن كثير11، وذكر اللتين قبلها كما ذكرناه. ومنها: أنه في سنة خمس وخمسين وأربعمائة حج علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن، وملك فيها مكة، وفعل فيها أفعالا جميلة من العدل والإحسان، ومنع المفسدين12. قال محمد بن هلال الصابي: وورد في صفر -يعني سنة ست وخمسين من الحج- من ذكر دخول الصليحي مكة في سادس ذي الحجة، واستعماله الجميل مع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البداية والنهاية 12/ 49، إتحاف الورى 2/ 459. 2 البداية والنهاية 12/ 54، النجوم الزاهرة 5/ 40، درر الفرائد "ص: 254". 3 البداية والنهاية 12/ 56، إتحاف الورى 2/ 262. 4 البداية والنهاية 12/ 57، إتحاف الورى 2/ 262. 5 البداية والنهاية 12/ 59. 6 النجوم الزاهرة 5/ 51، حسن الصفا والابتهاج "ص: 113". 7 البداية والنهاية 12/ 65، درر الفرائد "ص: 254". 8 إتحاف الورى 2/ 465. 9 البداية والنهاية 12/ 84. 10 البداية والنهاية 12/ 85. 11 البداية والنهاية 12/ 87. 12 البداية والنهاية 12/ 89، النجوم الزاهرة 5/ 72، الكامل 10/ 11، المنتظم 8/ 232، العقد الثمين 6/ 238. ج / 2 ص -273- أهلها، وإظهاره العدل فيها، وأن الحجاج كانوا آمنين أمنا لم يعهدوا مثله؛ لإقامة السياسة والهيبة حتى كانوا يعتمرون ليلا ونهارا وأموالهم محفوظة، ورحالهم محروسة. ويقدم بجلب الأقوات، فرخصت الأسعار وانتشرت له الألسن بالشكر، وأقام إلى يوم عاشوراء، ثم قال: وفي رواية: أقام بمكة إلى ربيع الأول. وذكر ما سبق من تأميره مكة لمحمد بن أبي هاشم المقدم ذكره1... انتهى. ومنها: أنه في سنة اثنين وستين وأربعمائة أعيدت الخطبة العباسية بمكة، وخطب فيها بمكة للسلطان ألب أرسلان السلجوقي مع "القائم" الخليفة العباسي، والفاعل لذلك محمد بن أبي هاشم أمير مكة، على ما ذكر غير واحد من أهل الأخبار؛ منهم ابن الأثير؛ لأنه قال: في أخبار سنة اثنتين وستين وأربعمائة: وفيها ورد رسول لصاحب مكة محمد بن أبي هاشم ومعه ولده إلى السلطان ألب أرسلان، بخبره بإقامة الخطبة للخليفة "القائم" وللسلطان بمكة، وإسقاط خطبة العلوي صاحب مصر، وترك الأذان بحي على خير العمر، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعا نفيسة، وأجرى له كل سنة عشرة آلاف دينار، وقال: لو فعل أمير المدينة منها كذلك أعطيته عشرين ألف دينار، وكل سنة خمسة آلاف دينار2... انتهى. وذكر ابن كثير ما يقتضي أن الخطبة العباسية أعيدت بمكة قبل هذا التاريخ؛ لأنه قال: في أخبار سنة تسع وخمسين وأربعمائة: حج بالناس أبو الغنائم النقيب، وخطب بمكة للقائم بأمر الله العباسي3... انتهى. وذكر بعض مشايخنا في تاريخه ما يقتضي أن ذلك وقع في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، بإشارة النقيب أبي الغنائم، محمد بن أبي هاشم، فعزله أهله على ما فعل، لقطع الميرة من مصر عن مكة... انتهى بالمعنى. فهذه ثلاثة أقوال في ابتداء الخطبة العباسية بمكة، والله أعلم بالصواب. ومنها: أنه في سنة سبع وستين قطعت الخطبة العباسية بمكة، وأعيدت خطبة المستنصر صاحب مصر؛ لإرساله هدية جليلة لابن أبي هاشم، وذكر ذلك ابن الأثير بالمعنى، قال: وكانت مدة الخطبة العباسية بمكة أربع سنين وخمسة أشهر4... انتهى. وذكر ابن الأثير إعادة الخطبة للمستنصر في ذي الحجة من هذه السنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 469، 470. 2 الكامل 10/ 22، النجوم الزاهرة 5/ 84، تاريخ الخلفاء "ص: 421"، العقد الثمين 1/ 440. 3 تاريخ الخلفاء "ص: 421"، إتحاف الورى 2/ 471. 4 إتحاف الورى 2/ 470. ج / 2 ص -274- ومنها: أنه في سنة ثمان وستين وأربعمائة أعيدت الخطبة العباسية في ذي الحجة منها، على ما ذكر ابن الأثير وابن كثير؛ إلا أنه لم يقل في ذي الحجة1. ومنها: كانت بمكة فتنة بين أمير الحجاج العراقي خليع2 التركي، مقطع الكوفة، وبين بعض العبيد؛ لأنه لما حج في هذه السنة نزل في بعض دور مكة، فكبسه بعض العبيد، فقتل منهم مقتله عظيمة، وهزمهم هزيمة شنيعة، وكان بعد ذلك ينزل بالزاهر، ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه ابن الساعي، فيما نقله عنه ابن كثير3. ومنها: أنه في سنة سبعين وأربعمائة أرسل وزير الخليفة العباسي من بغداد منبرا هائلا، عمله لتقام عليه الخطبة العباسية بمكة؛ فلما وصل المنبر إليها إذا الخطبة قد أعيدت للمصريين، فكر ذلك المنبر وحرق، ذكر ذلك ابن الجوزي بمعنى ما ذكرناه، وذكر ذلك غيره4. ومنها: أنه في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة قطعت خطبة المصريين بمكة وخطب فيها للمقتدي والسلطان5. ومنها أنه في سنة تسع وسبعين وأربعمائة قطعت خطبة المصريين من مكة والمدينة؛ ذكر هاتين الحادثتين هكذا ابن كثير6. ومنها: أنه في سنة خمس وثمانين وأربعمائة خطب بمكة للسلطان محمد بن السلطان ملك شاة السلجوقي، من بعد وفاة والده، وخطب له أيضا بالمدينة، وفي جميع ممالك أبيه7. ومنها: أنه في سنة ست وثمانين وأربعمائة -على ما قال ابن الأثير في أخبار هذه السنة- انقطع الحاج من العراق لأسباب أوجبت ذلك، وسار الحاج من دمشق مع أمير أقامه تاج الدولة تتش صاحبها؛ فلما قضوا حجهم وعادوا سائرين؛ سير أمير مكة -وهو محمد بن أبي هاشم- عسكرا فلحقوهم بالقرب من مكة ونهبوا كثيرًا من أموالهم وجمالهم فعادوا إليها أخبروه، وسألوه أن يعيد إليهم ما أخذ منهم، وشكوا إليه بعد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المنتظم 8/ 298، الكامل 10/ 36، إتحاف الورى 2/ 478. 2 في البداية والنهاية 12/ 113، والنجوم الزاهرة 5/ 123: "جنغل التركي". 3 البداية والنهاية 12/ 113. 4 المنتظم 8/ 311، البداية والنهاية 12/ 117. 5 المنتظم 8/ 323، البداية والنهاية 12/ 120. 6 الكامل 10/ 59، البداية والنهاية 12/ 131، تاريخ الخلفاء "ص: 425"، المنتظم 9/ 27. 7 البداية والنهاية 12/ 139، إتحاف الورى 2/ 486. ج / 2 ص -275- ديارهم؛ فأعاد بعض ما أخذه منهم، فلما أيسوا منه ساروا من مكة عائدين على أقبح صورة... انتهى باختصار لما تم عليهم من البلاء في عودهم من العرب، وأهلك الله ابن أبي هاشم في السنة التي بعد هذه السنة1. ومنها: أنه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة لم يحج أحد من الناس، لاختلاف السلاطين2. ومنها: أنه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة لم يحج أحد من أهل العراق فيها؛ ذكر هاتين الحادثتين هكذا ابن كثير3. ومنها: أنه في سنة تسع وثمانين وأربعمائة ذهب للحجاج، وهم نازلون بقرب وادي نخلة كثيرا من الأموال والدواب والأزواد؛ وذلك أنه أصابهم سيل عظيم فأغرقهم، ولم ينج منهم إلا من تعلق بالجبال4. ومنها: أنه في سنة ست عشرة وخمسمائة لم يحج الركب العراقي، على ما وجدت بخط بعض المكيين5. وأما ابن كثير فقال: وفي سنة ست عشرة وخمسمائة حج الناس، وفيه نظر6. ومنها: أنه في سنته ثلاثين وخمسمائة لم يحج الركب العراقي على ما وجدت بخط بعض المكيين7. ومنها: أنه في سنة ثلاثين وخمسمائة لم يحج الركب العراقي، على ما وجدت في "المرآة"8. ومنها: أنه في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة نهب أصحاب هاشم بن فليتة أمير مكة الحجاج وهم في المسجد الحرام يطوفون ويصلون، ولم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة؛ وذلك لوحشة بين أمير مكة وبين أمير الحاج. ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرنا ابن الأثير وغيره9. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 10/ 83، النجوم الزاهرة 5/ 138، درر الفرائد "ص: 257". 2 البداية والنهاية ي12/ 147، إتحاف الورى 2/ 487، درر الفرائد "ص: 258". 3 البداية والنهاية 12/ 149، إتحاف الورى 2/ 488، درر الفرائد "ص: 58". 4 البداية والنهاية 12/ 53، إتحاف الورى 2/ 488، درر الفرائد "ص: 258". 5 إتحاف الورى 2/ 498. 6 البداية والنهاية 12/ 188.؟ 7 إتحاف الورى 2/ 505، حسن الصفا "ص: 16". 8 إتحاف الورى 2/ 506. 9 الكامل 11/ 42، البداية والنهاية 12/ 219، العقد الثمين 1/ 326. ج / 2 ص -276- ومنها: أنه في سنة أربع وأربعين وخمسمائة أقام الحجاج بمكة إلى انسلاخ ذي الحجة من هذه السنة، ونهبهم العرب بعد رحيلهم من مكة في ثالث عشر المحرم سنة خمس وأربعين1. ومنها: أنه في سنة ست وخمسين وخمسمائة حج السلطان نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد صاحب دمشق وغيرها2. ومنها: أنه في سنة سبع وخمسين وخمسمائة كانت فيها فتنة بين أهل مكة والحاج العراقي؛ سبببها أن جماعة من عبيد مكة أفسدوا في الحاج بمنى؛ فنفر عليهم بعض أصحاب أمير الحاج برغش فقتلوا منهم جماعة، ورجع من سلم إلى مكة، وجمعوا جموعا أغاروا على جمال الحاج، وأخذوا منها قريبا من ألف جمل؛ فنادى أمير الحاج في جنده فركبوا بسلاحهم، ووقع القتال بينهم، فقتل جماعة، ونهب جماعة من الحجاج وأهل مكة، فرجع أمير الحاج ولم يدخل مكة، ولم يقم الحاج بالزاهر غير يوم واحد، وعاد كثير من الناس رجالة لقلة الجمال، ولقوا شدة، ورجع بعضهم قبل إكمال حجة، وهم الذين لم يدخلوا مكة يوم النحر للطواف والسعي. ذكر هذه الحادثة هكذا ابن الأثير. وذكر صاحب "المنتظم" أن أمير مكة بعث إلى أمير الحاج يستعطفه ليرجع؛ فلم يفعل، ثم جاء أهل مكة بخرق الدم، فضربت لهم الطبول؛ ليعلم أنهم قد أطاعوا3... انتهى. ومنها: أنه في سنة إحدى وستين وخمسمائة أطلق الحاج من غرامة المكس إكراما لصاحب عدن عمران بن محمد بن الزريع اليامي الهمداني؛ فإنه حمل إلى مكة في هذه السنة ميتا لكونه كان شديد الغرام إلى حج بيت الله الحرام واخترم الحمام، قبل بلوغ المرام، ووقف به بعرفات والمشعر الحرام، وصلي علي خلف المقام، ودفن بالمعلاة، في السنة المذكورة4، والله أعلم؟ ومنها: أنه في سنة خمس وستين وخمسمائة بات الحاج بعرفة إلى الصبح، وخاف الناس خوفا شديدا لما كان بين أمير مكة عيسى بن أخيه عيسى بن فليتة وأخيه ذلك، ولم يحج عيسى وحج مالك5. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 11/ 60، المنتظم 10/ 138، المختصر في أخبار البشر 3/ 22، درر الفرائد "ص: 260، 261". 2 إتحاف الورى 2/ 524. 3 الكامل 11/ 116، المنتظم 10/ 202، العقد الثمين 6/ 468، إتحاف الورى 2/ 525. 4 البداية والنهاية 12/ 251، إتحاف الورى 2/ 528، 529. 5 العقد الثمين 6/ 466. ج / 2 ص -277- ومنها: أن السلطان نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد صاحب دمشق، خطب له بالحرمين واليمن، لما كان ملكها الملك المعظم توران شاه، أخو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، ذكر هذه الحادثة الملك المؤيد صاحب حماة، وكان ملك توران شاه لليمن في سنة ثمان وستين وخمسمائة، فتكون الخطبة وللسلطان نور الدين بالحرمين في هذه السنة1. ومنها: أنه في سنة سبعين وخمسمائة بات الحاج العراقي بعرفة، ولم يبت بمزدلفة: ولم يصل إليها إلا في يوم عرفة، ولما دخل أمير الحاج العراقي طاشتكين للوداع، هم أهل مكة بكبسه؛ لمنازعة جرت بين بعض جماعة أمير الحاج وبعض أهل مكة. وسالمهم أمير الحاج إلى أن خرج إلى الزاهر، ثم حصل بين الفريقين قتال يسير بالزاهر بعد ذلك، قتل فيه من أصحاب أمير الحاج: رجلان: وجرح أناس من أهل الحجاز2. ومنها: أنه في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة لم يتمكن الحجاج العراقيون من إقامة غالب مناسك الحج؛ لفتنة كان بين أميرهم طاشتكين، وبين صاحب مكة مكثر بن عيسى، وكانت فتنة عظيمة اتفقت فيها أمور عجيبة، على ما ذكر غير واحد من أهل الأخبار، منهم ابن الأثير؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: في ذي الحجة كان بمكة حرب شديد بين أمير الحاج طاشتكين، وبين الأمير مكثر بن عيسى أمير مكة، وكان قد بنى قعلة على جبل أبي قبيس فلما سار الحاج من عرفات لم يبيتوا بالمزدلفة؛ وإنما اجتازوا بها، ولم يرموا الجمال إنما رمى بعضهم وهو سائر، ونزلوا الأبطح، فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربهم، وقتل من الفريقين. جماعة، وصاح الناس الغزاة إلى مكة، فهجموا عليها، فهرب أمير مكة مكثر، فصعد إلى القلعة التي بناها على جبل أبي قبيس، فحصروه بها، ففارقها وسار عن عكرمة، وولي أخوه داود الإمارة بها، ونهب كثير من الحاج بمكة، وأخذوا من أموال التجار المقيمين بها شيئا كثيرا، وأحرقوا دورا كثيرة. من أعجب ما جرى أن إنسانا زراقا ضرب دارتا فيها بقارورة نفط فأحرقها، وكانت لأيتام فأحرق ما فيها، ثم أخذ قارورة أخرى ليضرب مبها مكانا آخر، فأتاه حجر فأصاب القارورة فكسرها، واحترق هو فيها، فبقي ثلاثة أيام يتعذب بالحريق، ثم مات... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 534، العقد الثمين 1/ 188. 2 إتحاف الورى 2/ 535، 536، حسن الصفا "ص: 117". ج / 2 ص -278- وقد سبق في باب الولاة أن أمير المدينة قاسم بن مهنا الحسيني ولي مكة في هذه السنة بعد هرب مكثر؛ لكون الخليفة المستضيء العباسي عقد له الولاية على مكة، ولما رأى من نفسه العجز عن القيام بأمر مكة ولى فيها أمير الحاج أخا مكثر بن داود بن عيسى، وهذا لا يفهم من كلام ابن الأثير، بل يفهم منه أن الخليفة ولى داود، وما ذكرناه من ولاية الخليفة مكة لأمير المدينة ذكره ابن الجوزي. وكلام ابن الأثير يقتضي أن سبب عزل مكثر بناؤه القلعة على أبي قبيس، وما أظن سبب عزله إلا ما كان من تجرؤوا أهل مكة على أمير الحاج في السنة التي قبلها؛ فإنهم هموا فيها بكبسه فيها، وفعلوا معه ما أوجب غيظه. ووجدت بخط بعض المكيين أن الحجاج لما نزلوا الأبطح في هذه السنة تقاتلوا مع أهل مكة في يوم النحر، وثانية وثالثة، وفي اليوم الرابع سلم أمير مكة الحصن لأمير الحاج، فهدمه بعد ذلك، وذكر أنه لم يحج من أهل مكة إلا القليل، وذكر ما سبق من إحراق الدور بمكة ونهبها، وأن من الدور المنهوبة الدور التي على أطراف البلد من ناحية المعلاة1. ومنها: أنه في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة أسقط المكس عن الحجاج إلى مكة في البحر على طريق عيذاب على ما ذكر أبو شامة في "ذيل الروضتين"؛ لأنه قال في أخبار هذه السنة: كان الرسم بمكة أن يؤخذ من حجاج المغرب على عدد الرؤوس، بما ينسب إلى الضرائب والمكوس، ومن دخل منهم ولم يفعل ذلك حبس حتى يفوته الوقوف بعرفة، ولو كان فقيرا لا يملك شيئا، فرأى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إسقاط ذلك، ويعوض عنه أمير مكة، فقرر معه أن يحمل إليه في كل عام مبلغ ثمانية آلاف أردب قمح إلى ساحل جدة، ووقف على ذلك وقوفا، وخلد بها إلى قيام الساعة معروفا، فانبسط لذلك النفوس، وزاد السرور، وزال البؤس، وصار يرسل أيضا للمجاورين بالحرمين من الفقهاء والشرفاء، ومدحه على ذلك ابن جبير بقصيدة أولها: رفعت مغارم مكس الحجاز بإنعامك الشامل الغامر وذكر ابن جبي في أخبار رحلته شيئا من أخبار مكة هذا المكس؛ فقال: إنه كان يؤخذ من كل إنسان سبعة دنانير مصرية ونصف، فإن عجز عن ذلك عوقب بأليم العذاب؛ من تعليقه بالاثنيين وغير ذلك، وكانوا يؤدون ذلك بعيذاب، فمن لم يؤدها ووصل جدة، ولم يعلم على اسمه علامة الأداء عذب بها أضعاف العذاب بعيذاب إن لم يؤد، وكانت هذه البلية في مدة دولة العبيديين، وجعلوها معلومة لأمير مكة، وأزالها الله تعالى على يد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 11/ 176، المنتظم 10/ 260، العقد الثمين 4/ 354، إتحاف الورى 2/ 536. ج / 2 ص -279- السلطان صلاح الدين، وعوض أمير مكة عن ذلك ألفي دينار وألف أردب قمح، وإقطاعات بصعيد مصر وجهة اليمن1... انتهى بالمعنى. ومنها: أنه كان يخطب بمكة للسلطانة صلاح الدين يوسف بن أيوب، وما عرفت وقت ابتداء الخطبة له بمكة، وإنما ابن جبير ذكر في أخبار رحلته أنه كان يخطب بمكة للناصر العباسي2، ثم لمكثر صاحب مكة، ثم للسلطانم صلاح الدين3، وكانت رحلة ابن جبير سنة تسع وسبعين وخمسمائة4. ومنها: أنه في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ازدحم الحجاج في الكعبة فمات منهم أربعة وثلاثون نفرا ذكر هذه الحادثة ابن القادس، وابن البزوري في "ذيل المنتظم" لابن الجوزي5. ومنها: أنه في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة كانت بعرفة فتنة بين الحجاج العراقيين والشاميين استظهر فيها العراقيون على الشاميين، وقتل من الشاميين جماعة ونهبت أموالهم، وسبي نساؤهم إلا أنهن رددن عليهم، وجرح ابن المقدم -أمير الركب الشامي- جراحات أفضت به إلى الموت في يوم النحر، وسبب هذه الفتنة: أنه لم يسهل على طاشتكين أمير الركب العراقي ما قصده ابن المقدم من الدفع من عرفات قبله، فنهاه عن ذلك؛ فلم يقبل ابن المقدم ذلك، فأفضى الحال إلى قتال الفريقين، فكان ما جرى6. ومنها: على ما وجدت بخط ابن محفوظ في أخبار سنة سبع وستمائة كانت فيها وقعة عظيمة بمنى، بين الحاج العراقي وأهل مكة، وقتل فيها عبد للشريف قتادة يسمى بلالا، وهي مشهورة بسنة بلالا، وهي مشهورة بسنة بلال... انتهى. ولم أر من ذكر هذه الحادثة بين العراقيين وأهل مكة في هذه السنة؛ وإنما رأيت في أخبار هذه السنة أن قتادة صاحب مكة نهب الحاج اليمنى، ولو وقع بينه وبين الفريقين فتنة لذكر ذلك7، والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 رحلة ابن جبير "ص: 30، 31"، الروضتين 2/ 3، 4، النجوم الزاهرة 6/ 78، العقد الثمين 1/ 189، 7/ 288. 2 هو الناصر بن المستضيء العباس "576 - 622هـ". 3 هو السلطان صلاح الدين الأيوبي. 4 رحلة ابن جبير "ص: 37". 5 إتحاف الورى 2/ 554، العقد الثمين 1/ 189. 6 الكامل 11/ 229، الروضتين 2/ 123، المختصر في أخبار البشر 3/ 73، النجوم الزاهرة 6/ 105، العقد الثمين 2/ 128. 7 إتحاف الورى 3/ 10، درر الفرائد "ص: 269". ج / 2 ص -280- ومنها: أنه في سنة ثمان وستمائة كان بمنى ومكة فتنة عظيمة، قتل فيها الحجاج العراقيون ونهبوا نهبا ذريعا. وقد ذكر هذه الحادثة جماعة من أهل الأخبار، ولم يشرحوا من أمرها مثل ما شرحه أبو شامة المقدسي في "ذيل الروضتين"، فاقتضى ذلك ذكرنا لما ذكره، ونتبع ذلك بما لم يذكره، ولما خولف فيه، ونصه ما ذكره أبو شامة في أخبار هذه السنة: فيها نهب الحاج العراقي، وكان حج بالناس من العراق علاء الدين محمد بن ياقوت نيابة عن أبيه ومعه ابن أبي فراس يفقهه ويدبره. وحج من الشام الصمصام إسماعيل أخو شاروخ النجمي على حاج دمشق، وعلى حاج المقدس: الشجاع علي بن سلار، وكانت ربعية خاتون أخت الملك العادل في الحاج؛ فلما كان يوم النحر بمنى بعد ما رمى الناس الجمرة، وثب الإسماعيلية على رجل شريف من بني عم قتادة أشبه الناس به؛ وظنوه إياه، فقتلوه عند الجمرة. ويقال: إن الذي قتله كان مع أم جلال الدين، وثار عبيد مكة والأشراف، وصعدوا على الجبلين بمنى، وهللوا وكبروا وضربوا الناس بالحجارة والنبل والمقاليع والنشاب، ونهبوا الناس يوم العيد والليلة واليوم الثاني، وقتل من الفريقين جماعة؛ فقال ابن أبي فراس لمحمد بن ياقوت: ارحلوا بنا إلى الزاهر منزلة الشاميين؛ فلما حملت الأثقال على الجمال حمل قتادة أمير مكة والعبيد، فأخذوا الجميع إلا القليل. وكانت ربيعة خاتون بالزاهر ومعها ابن السلار وأخو شاروخ أمير حاج الشام، فجاء محمد بن ياقوت أمير الحج العراقي، فدخل خيمة ربيعة خاتون مستجيرا بها، ومعه خاتون أم جلال الدين. فبعثت ربيعة خاتون مع أبن السلار إلى قتادة تقول له: ما ذنب الناس؟ قد قتلت القاتل وجعلت ذلك وسيلة إلى نهب المسلمين، واستحللت الدماء في الشهر الحرام في الحرم والمال، وقالت له: قد عرفت من نحن، والله لئن لم تنته لأفعلن وأفعلن؛ فجاء إليه ابن السلار فخوفه وهدده، وقال: ارجع عن هذا وإلا قصدك الخليفة من العراق، ونحن من الشام؛ فكف عنهم وطلب مائة ألف دينار وإلا قصدك الخليفة من العراق، ونحن من الشام، فكف عنهم وطلب مائة ألف دينار، فجمعوا له ثلاثين ألفا من أمير الحاج العراقي، ومن خاتون أم جلال الدين، وأقام الناس ثلاث أيام حول خيمة ربيعة خاتون، بين قتيل وجريح ومسلوب وجائع وعريان. وقال قتادة: ما فعل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد يقرب أحد من بغداد إلى هنا لأقتلن الجميع. ويقال: إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألف ألف دينار، وأذن الناس في الدخول إلى مكة، فدخل الأصحاء والأقوياء، فطافوا وأي طواف، ومعظم الناس ما ج / 2 ص -281- دخل، ورحلوا إلى المدينة ودخول بغداد على غاية الفقر والذل والهوان، ولم ينتطح فيها عنزان1... انتهى. وأما قول أبي شامة: ولم ينتطح فيها عنزان، فسببه أن قتادة أرسل ولده، راجحا وجماعة من أصحابه إلى بغداد؛ فدخلوا ومعهم السيوف مسلولة، والأكفان، فقبلوا العتبة، واعتذروا مما جرى على الحاج، فقبل عذرهم، ووصل قتادة في سنة تسع وستمائة مع الركب العراقي مال وخلع، ولم يظهر له إنكار فيما تقدم من نهب الحاج؛ ولكنه استدرج باستدعائه بالحضور إلى بغداد فلم يفعل. وقال في ذلك أبياتا مشهورة, وذكر ابن الأثير ما يقتضي أن الحجاج العراقيين رحلوا من منى ونزلوا على الحجاج الشاميين بمنى، ثم رحلوا جميعا إلى الزاهر؛ لأنه قال بعد أن ذكر مبيت الحجاج بمنى بأسواء حال من خوف القتل والنهب في الليلة التي تلي يوم النحر: فقال بعض الناس لأمير الحاج: انتقل بالناس إلى منزلة حجاج الشام؛ فأمر الناس بالرحيل، ثم قال بعد أن ذكر نهبهم في حال رحلتهم: والتحق من سلم بحجاج الشام، فاجتمعوا بهم، ثم رحلوا إلى الزاهر... انتهى. وهذا يخالف ما ذكره أبو شامة، فإن كلامه يقتضي أن العراقيين لما رحلوا من منى نزلوا على الشامين بالزاهر. وذكر ابن الأثير أن القاتل للشريف بمنى كان باطنيا2. وذكر ابن سعيد المغربي هذه الحادثة في تاريخه، وذكر فيها أن القاتل للشريف بمنى شخص مجهول، فظن الأشراف أنه خشيش3 فقتلوه. وذكر قتلهم للحجيج العراقيين ونهبهم لهم بمنى، ثم قال: وفعلوا مثل ذلك بمن كان الحاج في مكة، وذكر ما سبق في أخذ أهل مكة ثلاثين ألف دينار من الحجاج العراقيين على تمكينهم من دخول مكة، لطواف الإفاضة. وذكر ابن محفوظ هذه الحادثة، وذكر فيها أن القاتل للشريف بمنى خشيش، وأن المقتول يسمى هارون، ويكنى أبا عزيز، ثم قال: وخرج من كان بمكة من نواب الخليفة ومن المجاورين، مثقلين من مكة سائر الأقطار4... انتهى باختصار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الذيل على الروضتين "ص: 78، 79" والكامل 12/ 23، العقد الثمين 7/ 47 - 49، مرآة الجنان 4/ 15، البداية والنهاية 13/ 62. 2 الكامل 12/ 123. 3 الخشيش هو الدخيل بلغة العامة في الحجاز، وفي العقد الثمين 7/ 49: "أن الأشراف قتلوا القاتل بمنى وظنوا أنه حشيش" والحشيش هو من ينتسب إلى الطائفة الإسماعيلية الذين نشؤوا في قلعة "الموت". 4 الكامل 12/ 123. ج / 2 ص -282- ومنها: أنه في سنة إحدى عشرة وستمائة حج الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وتصدق في الحرمين بمال عظيم، وحمل النقطتين وزودهم وأحسن إليهم، وجدد البرك والمصانع، وراعى في حجة ما يطلب فعله، ومما فعله من ذلك: أنه باب بمنى ليلة عرفة وصلى بها الصلوات الخمس، ثم سار إلى عرفة، ولما وصل إلى مكة تلقاه قتادة وحضر في خدمته؛ فقال له المعظم: أين ننزل؟ فقال قتادة: هناك، وأشار بسوطه إلى الأبطح، فاستكثر ذلك منه المعظم؛ لأن صاحب المدينة أنزل المعظم في داره بالمدينة، وسلم إليه مفاتيح المدينة، وبالغ في خدمته والإهداء إليه، ولأجل ذلك أعان المعظم أمير المدينة بجيش حارب به قتادة1. ومنها: أنه كان يخطب بمكة للعادل أبي بكر بن أيوب صاحب مصر والشام، وأظن أن ذلك بعد ملك حفيده الملك المسعود ابن الملك الكامل ابن العادل لليمن، وكان ملكه لليمن في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وقيل: سنة إحدى عشرة وستمائة ومنها: أنه قس شنة تشع عشرة وستمائة، كان بمكة وقت الحج فتنة غلقت فيها أبواب مكة دون الحجاج، وقتل فيها أمير الحجاج العراقيين أقباش الناصري؛ وسبب ذلك: أنه لما حج في هذه السنة اجتمع به في عرفات راجح بن قتادة، وسأله أن يوليه إمرة مكة؛ لأن أباه مات في هذه السنة فلم يجبه أقباش، وكان مع أقباش خلع وتقليد لحسن بن قتادة، فظن حسن أن أقباش ولي أخاه، فأغلق أبواب مكة، ووقعت الفتنة بين لحسن بن قتادة، على رمح، فنصبه بالمسعى عند دار العباس، ثم رده إلى جسده ودفنوه بالمعلاة، وأراد حسن نهب الحاج العراقي، فمنعه أمير الحاج الشامي وخوفه من الأخوين: الكامل ملك مصر والمعظم ملك دمشق2، وذكر ما يدل على أن حسن لم يكن له علم بما صنعه أصحابه مع أقباش؛ لأنه قال: قلت: وكان في حاج الشامي في هذه السنة شيخنا فخر الدين أبو منصور بن عساكر؛ فأخبرني بعض الحجاج في ذلك العام أن حسن بن قتادة أمير مكة جاء إليه وهو نازل داخل مكة، فقال له: قد أخبرت أنك خير أهل الشام، فأريد أن تسير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 النجوم الزاهرة 6/ 211، درر الفرائد "ص: 272"، البداية والنهاية 13/ 67، الذيل على الروضتين "ص: 87" العقد الثمين 7/ 24، إتحاف الورى 3/ 19. 2 الذيل على الروضتين "ص: 132"، السلوك 1/ 1: 213، العقد الثمين 4/ 171، 7/ 493. ج / 2 ص -283- معي إلى داري فلعل بركات تزول هذه الشدة؛ فسار معه إلى داره جماعة من الدمشقيين، فأكلوها شيئا، فما استتم خروجهم من عنده حتى قتل أقباش، وزال ذلك الاستيحاش... انتهى. وذكر ابن الأثير ما يقتضي أن هذه القضية كانت في سنة ثمان عشرة وستمائة1، وأن أقباش أجاب إلى تولية راجح؛ لأنه ذكر موت قتادة في هذه السنة، ثم قال بعد شرح شيء من حاله: فلما سار حجاج العراق كان الأمير عليهم مملوكا من مماليك الخليفة الناصر لدين الله اسمه أقباش، وكان حسن السيرة مع الحاج في الطريق كثير الحماية، فقصده راجع بن قتادة، وبذل له وللخليفة مالًا يساعده على مالك مكة، فأجابه إلى ذلك ووصلوا إلى مكة، فنزلوا بالزاهر، وتقدم إلى مكة مقاتلا لصاحبها حسن، وكان قد جمع جموع كثيرة من العرب وغيرها؛ فخرج إليه من مكة وقاتله، وتقدم أمير الحاج من بين عسكره منفردا، وصعد جبلا إدلالا بنفسه، وأنه لا يقدم أحد عليه، فاحتاط به أصحاب حسن وقتله، وعلقوا رأسه، فانهزم عسكر أمير الحاج، وأحاط أصحاب حسن بالحاج لينهبوهم؛ فأرسل إليهم حسن عمامته أمانا للحاج؛ فعاد أصحابه عنهم ولم ينهبوا منهم شيئا. وسكن الناس، وأذن لهم في دخول مكة، وفعل ما يريدون من الحج وغير ذلك، وأقاموا بمكة عشرة أيام، وعادوا فوصلوا إلى العراق سالمين، وعظم الأمر على الخليفة، فوصلته رسل حسن تعتذر وتطلب العفو منه، فأجيب إلى ذلك2. ومنها: أنه في سنة سبع وعشرة وستمائة لم يحج أحد من العجم بسبب التتار، على ما ذكره أبو شامة في "ذيل الروضتين"3. ومنها: أنه في سنة تسع عشرة وستمائة مات بالمسعى جماعة من الزحام؛ لكثرة الخلق الذين حجوا في هذه السنة من العراق والشام4. وفيها حج من اليمن صاحبها الملك المسعود، وبدا منه ما هو غير محمود، على ما ذكر أبو شامة؛ لأنه قال: قال أبو المظفر -يعني سبط ابن الجوزي: وحج بالناس من اليمن أقسيس بن الملك الكامل، ولقبه المسعود، في عسكر عظيم، فجاء إلى الجبل، وقد لبس هو وأصحابه السلاح، ومنع علم الخليفة أن يصعد به إلى الجبلِ، وأصعد علم أبيه الكامل وعلمه، وقال لأصحابه: إن أطلع البغاددة علم الخليفة فاكسروه وانهبوه، ووقفوا تحت الجبل من الظهر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الكامل 12/ 170. 2 إتحاف الورى 3/ 43 - 36، مفرج الكروب 4/ 125. 3 إتحاف الورى 3/ 31، الذيل على الروضتين "ص: 122". 4 إتحاف الورى 3/ 37، الذيل على الروضتين "ص: 132". ج / 2 ص -284- إلى غروب الشمس يضربون الكوسات ويتعرضون للعراقي، وينادون: يا ثارات ابن المقدم؛ فأرسل ابن فراس أباه شيخا كبيرا إلى أقسيس، وأخبره بما يجب من طاعة الخليفة وما يلزمه في ذلك من الشناعة؛ فيقال إنه أن في صعود العلم قبيل الغروب، وقيل: لم يأذن، قال: وبدا من أقسيس هذا في تلك السنة جبروت عظيم، حكى لي شيخنا جمال الدين الحصيري قال: رأيت أقسيسا قد صعد على قبة زمزم، وهو يرمي حمام مكة بالبندق، قال فرأيت غلمانه في المسعى يضربون الناس بالسيوف في أرجلهم، ويقولون: اسعوا قليلا قليلا فإن السلطان نائم سكران في دار السلطنة التي بالمسعى، والدم يجري من سيقان الناس. قلت: واستولى أقسيس هذا على مكة وأعمالها، وأذل المفسدين فيها وشتت شملهم، وهو الذي بنى القبة على ماقام إبراهيم عليه السلام، وكثر الجلب إلى مكة من مصر واليمن في أيام، فرخصت الأسعار، ولعظم هيبته قلت الأشرار وأمنت الطرق والديار1... انتهى. وذكر ابن الأثير ما يقتضي أن حج الملك المسعود ومنعه من طلوع علم الخليفة كان في سنة ثمان عشرة وستمائة؛ بعد ذكره لشيء من خبر قتادة وابنه حسن، وخبر أقباش: وفي هذه السنة حج بحجاج الشام كريم الدين الخلاطي، وحضر الملك المسعودي صاحب اليمن مكة، ومنع أعلام الخيفة من الطلوع إلى جبل عرفات، ومنع حاج العراق من الدخول إلى مكة يوما واحدا، ثم بعد ذلك لبس خلعة الخليفة، واتفق الأمر، وفتح باب مكة، وحج الناس، وطابت قلوبهم2... انتهى. وهذ الذي ذكره ابن الأثير من منع الملك المسعودي للحاج العراقي من دخول مكة، لم أره لغيره، والله أعلم... انتهى. ومنها: أن أبا شامة قال في أخبار سنة إحدى سنة إحدى وعشرين وستمائة: وهي أول السنين الأربع المتصلة التي وجدت الحج فيها هنيئا مريئا من رخص الأسعار، والأمن في الطرق الشامية وبالحرمين، أما في المدينة: فسببه أن أميرها كان من أتباع صاحب الشام الملك المعظم عيسى؛ فكان يدور الحرس على الحج الشامي ليلا وأما بمكة: فسببه أنها صارت في المملكة الكاملية المسعودية، فانقمع بها المفسد، وسهل على الحجاج أمر دخول الكعبة، فلم يزل بابها مفتوحا ليلا ونهارا مدة مقام الحج فيها، وكان الكامل قد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 37، الذيل على الروضتين "ص: 132". 2 الكامل 12/ 170، العقد الثمين 4/ 170، مفرج الكروب 4/ 125. ج / 2 ص -285- أرضي بني شيبة سدنة الكعبة بمال أطلقه لهم عما كانوا يأخذونه بإغلاق الباب وفتحه لمن أرادوا، وكان الناس ينالون من ذلك شدة، ويزدحمون عند فتح الباب، ويتسلق بعضهم على رقاب بعض؛ لأن الباب مرتفع عن الأرض بنحو قامة رجل، فيقع بعضهم على بعض، فيموت وينكسر بعض، ويشج بعض، فزال ذلك عن الناس تلك السنة وما بعدها مدة بقاء مكة في المملكة الكاملية1... انتهى. ومنها: أنه كان يخبط بمكة للملك الكامل ابن الملك العادل صاحب الديار المصرية، وأظن أن ملك ابنه الملك المسعود مكة، وقد سبق أنه ملك مكة بعد أبيه المسعود، وما جرى بين عساكره وعساكر صاحب اليمن الملك المنصور نور الدين عمر علي بن رسول في أمر ولاية مكة، واستيلاء عسكر كل منهم عليها حينا، وكان يخطب لكل منهما في حال استيلاء عسكره على مكة، والله أعلم. ومنها: أنه في سنة خمس وعشرين وستمائة، وفي سنة ست وعشرين، وسبع وعشرين وستمائة، لم يحج أحد من الناس من الشام في هذه الثلاث سنين، على ما ذكر ابن كثير2. وذكر أبو شامة ما يدل لذلك؛ لأنه قال في أخبار سنة أربع وعشرين: وانقطع ركب الحج بعدها، بسبب ما وقع بالشام من الاختلاف والفتن3... انتهى. ومنها: أنه في سنة أربع وعشرين، وستمائة حج ميافارقين4 سلطانها الشهاب غازي بن العادل بن أبي بكر بن أيوب، وكان ثقله على ستمائة جمل، على ما ذكر سبط ابن الجوزي5. ومنها: أنه في سنة تسع وعشرين وستمائة خطب بمكة للملك المنصور نور الدين صاحب اليمن، وهي أول سنة خطب له فيها بمكة، وكان يخطب له في المدة التي تكون في ولاية عسكره. ومنها: أنه في سنة إحدى وثلاثين وستمائة حج الملك المنصور نور الدين صاحب اليمن على النجب حجا هنيا، ورجا أن يصله بمكة تقليد من الخيلفة المستنصر بإرسال ذلك إليه إلى عرفة؛ فلم يصله ذلك في سنة حجه، ووصله في التي بعدها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الذيل على الروضتين "ص: 144، 143". 2 البداية والنهاية 13/ 127، الذيل على الروضتين "ص: 154، 158، 159"، إتحاف الورى 3/ 44، 46، 48. 3 الذيل على الروضتين "ص: 151". 4 هي أشهر مدن ديار بكر "بتركيا حاليا" "مراص الاطلاع 3/ 1341". 5 الذيل على الروضتين "ص: 159". ج / 2 ص -286- ومنها: أنه في سنة أربع وثلاثين وستمائة، على ما ذكر ابن البزوري، لم يحج فيها ركب العراق1، ولم يحج أيضا العراقيون خمس سنين متوالية بعد هذه السنة، من سنة خمس وثلاثين إلى سنة أربعين2، ذكر ذلك ابن البزوري في "ذيل المنتظم"، ووجدت بخط ابن محفوظ ما يقتضي أن الحجاج العراقيين لم يحجوا في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة؛ لأنه قال في أخبار سنة أربعين وستمائة: وحج العراقي في تلك السنة بعد أن أقام سبع سنين لم يحج... انتهى. ولا يستقيم ما ذكره من أن العراقي لم يحج سبع سنين إلا بأن يكون انقطع من الحج سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. ومنها أنه في سنة سبع وثلاثين وستمائة خطب بمكة لصاحب مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل أخي الملك المسعود، وقد سبق ما مكان بين عسكره وعسكر صاحب اليمن المنصور من استيلاء كل من العسكرين على مكة حينا3. ومنها: أنه في سنة تسع وثلاثين وستمائة حج الملك المنصور نور الدين عمر بن علي ابن رسول صاحب اليمن، وصام رمضان في هذه السنة بمكة. وفيها أبطل السلطان نور الدين المذكور عن مكة سائر المكوسات والجبايات والمظالم، وكتب بذلك مربعة، وجعلت قبالة الحجر الأسود، ودام هذه المربعة إلى أن قعلها ابن المسيب لما ولي بمكة في سنة ست وأربعين وستمائة، وأعاد الجبايات والمكوس بمكة4. ومنها: أن في سنة أربع وأربعين وستمائة، وسنة خمس وأربعين وستمائة، لم يحج الحاج العراقي على ما وجدت بخط ابن محفوظ5. ومنها: على ما وجدت بخطه أن في سنة خمسين وستمائة، فيها حج العراقي6، ولم يذكر أنه حج فيما بين سنة خمس وأربعين وهذه السنة؛ وذلك مشعر بتخلف العراق عن الحج في هذه السنة، والله أعلم. ومنها: أنه في سنة اثنتين وخمسين وستمائة خطب بمكة لصاحب مصر الملك الأشرف موسى ابن الملك الناصر يوسف ابن الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البداية والنهاية 13/ 145، السلوك 1/ 1: 255، مرآة الجنان 4/ 58، النجوم الزاهرة 6/ 296، شذرات الذهب 5/ 162، الذيل على الروضتين "ص: 165". 2 إتحاف الورى 2/ 55، 58، والسلوك 1/ 2: 312، وغاية الأماني 1/ 425. 3 العقود اللؤلؤية 1/ 64، غاية الأماني 1/ 424، إتحاف الورى 3/ 56، العقد الثمين 6/ 346. 4 العقود اللؤلؤية 1/ 96، السلوك 1/ 2: 313، العقد الثمين 6/ 347. 5 إتحاف الورى 3/ 64، 65، درر الفرائد "ص: 277"، البداية والنهاية 13/ 182. 6 العقد الثمين 4/ 176، السلوك س1/ 2: 385، دول الإسلام 5/ 157، البداية والنهاية 13/ 182. ج / 2 ص -287- ولأتابك الملك المعز أيبك التركماني الصالحي. وفيها تسلطن أيبك المذكور في شعبة 1. ومنها: أنه في سنة ثلاث وخمسين وستمائة كادت أن تقع الفتنة بين أهل مكة والركب العراقي، وسكن الفتنة الملك الناصر داود بن العظم عيسى صاحب الكرك، بعد أن ركب أمير الحاج العراقي بمن معه للقتال؛ لأن الناصر اجتمع بأمير مكة، وأحضره إلى أمير الحاج مذعنا بالطاعة، وقد حمل عمامته في عنقه، فرضي أمير الحاج وخلع عليه، وزاده على ما جرت به العادة من الرسم، وقضى الناس حجتهم، وهم داعون للمك الناصر شاكرون صنعه2. ومنها: على ما وجدت بخط الشيخ أبي العباس الميورقي أنه لم يحج سنة خمس وخمسين وستمائة من الآفاق ركب سوى حجاج الحجاز... انتهى. وما عرفت المانع لحجاج مصر والشام من الحج في هذه السنة، وأما العراقيون، فالمانع لهم التتار؛ لإفسادهم فيها وقصدهم الاستيلاء على بغداد، وتم لهم ذلك في سنة ست وخمسين، وقتلوا الخليفة المستعصم وغيره من الأعيان وغيرهم، وأسرفوا في القتل، حتى قيل إن هولاكو ملك التتار أرم بعد القتلى، فبلغوا ألفًا وثمانمائة ألف، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكثر بعد هذه السنة انقطاع الحجاج العراقيين من الحج، ولا سيما في بقية هذا القرن، فإني لا أعلم من حجهم في ذلك إلا اليسير، كما سيأتي بيانه. ولم يبق للحجاج العراقيين تقدم في أمر الحج وفي مشاعره، كما كان لهم ذلك في زمن الخلفاء العباسيين؛ لأن التتار بعد إزالتهم للخلافة العباسية من بغداد لم تكن لهم ولاية على الحرمين، وصار التقدم في إقامة الحج بمشاعره لأمير الحاج المصري، لكون السلطان بالديار المصرية نافذ الأمر في الحرمين الشريفين، ويقوم بمصالحهم من كسوة البيت الحرام. وأول من قام بذلك بعد العباسيين والخلفاء من ملوك مصر الملك الظاهر بيبرس البندقدراي الصالحي3، وقام بذلك بعده ملوك مصر، إلا أن كسوة الكعبة، صارت تعمل من غلة4 قرية ظاهرة القاهرة، وقفها الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر، على كسوة الكعبة في كل سنة، ومع ذلك فيكتب في كسوة الكعبة اسم السلطان بمصر، وكان أمر بيبرس نافذا في الحجاز، وخطب له به، وكذلك غالب من بعده من ملوك مصر، والذي أشك في الخطبة لهم بمكة من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العقد الثمين 1/ 191، إتحاف الورى 3/ 76. 2 النجوم الزاهرة 7/ 34، البداية والنهاية 13/ 186، درر الفرائد "ص: 279"، إتحاف الورى 3/ 78. 3 هو المؤسس الحقيقي لدولة المماليك البحرية في مصر والشام. 4 "غلة": هي خرقة تشد على رأس الإبريق، والغلة: ما يواري الإناء. والجمع: غلل. "المعجم الوسيط: 684".د ج / 2 ص -288- ملوك مصر بعد الظاهر بيبرس أبناءه: السعيد، وسلامش، والعادل كتبغا، ولاجين المنصوري، ويغلب على ظني أنه خطب لجميعهم غير سلامش؛ إلا أنه ربما قطعت خطبة بعضهم من مكة حينا، وخطب عوضه لصاحب اليمن، واتفق ذلك لصاحب مصر الأشرف خليل ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولا يبعد أن يكون اتفق قبل ذلك للمنصور قلاوون وللظاهر بيبرس وابنه السعيد، والله تعالى أعلم، لاضطراب حال أبي نمي أمير مكة في الميل حينا إل صاحب اليمن، وحينا إلى صاحب مصر. وأما ملوك مصر بعد الأشراف خليل غير كتبغا ولاجين، فما علمت أن أحدا منهم انقطعت خطبته من مكة، إلا ما قيل من أن حميضة بن أبي نمي لما استولى على مكة بعد رجوعه من العراق، قطع خطبة الملك الناصر صاحب مصر، وخطب لملك العراق أبي سعيد بن خرابندة؛ وذلك في آخر سنة سبع عشرة، أو في أول سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وبضع ملوك مصر هؤلاء لم يخطب له بمكة، وهو المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق1، لقصر مدته؛ فإنها كانت سبعين يوما في مدة اختفاء أخيه الناصر فرج، وما اتفق أنه أرسل نجابا إلى مكة يخبر بولايته، وحتى يخطب له؛ ولكن وصل الخبر بذلك من غير نجاب له، فترك الخطيب الخطبة للناصر، وصار يدعو لصاحب مصر بها، فلما عاد الناصر إلى السلطنة صرح باسمه في الخطبة، وكان ذلك في النصف الأول من سنة ثمان وثمانمائة، وكان للملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي من نفوذ الكلمة بالحجاز ما لم يكن لأحد قبله من م لوك الترك بمصر، بسبب أن الملك الناصر المذكور أرهب أولاد أبي نمي بالولاية، والعزل لهم في أمر مكة، والقبض على بعضهم، وتجهيز العساكر غير مرة إلى مكة، والقبض على بعضهم، وتجهيز العساكر غير مرة إلى مكة لإصلاح أمرها، وتقوية من يوليه أمرها، وتم لملوك مصر بعد الملك الناصر مثل ما تم له من كثرة نفوذ أوامرهم بالحجاز، وانفردوا بالولاية فيه دون ملوك اليمن وغيرهم. ومنها: أنه في سنة تسع وخمسين وستمائة حج الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي ابن رسول صاحب اليمن، وتصدق بصدقة جيدة عمت الناس، وغسل الكعبة بنفسه، وطيبها، ونثر عليها الذهب الفضة، وكسا البيت، وقام بما يطلب من مصالح الحرم وأهله، وهو أول من كسا البيت بعد الخلفاء العباسيين، وقام بمصالح الحرم، وتولى ذلك مع تولي ملوك مصر له في سنين، كان يخطب له في مكة في غالب مدة سلطنته، وخطب بمكة من بعده لذريته ملوك اليمن إلى تاريخه بعد ملوك مصر2. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو ثالث ملوك الجراسكة، وهو أخو الناصر فرج بن برقوق. 2 العقود اللؤلؤية 1/ 133 - 135، غاية الأمان 1/ 450، العقد الثمين 2/ 239. ج / 2 ص -289- ومنها على ما قال الميورقي: إنه لم ترفع راية لملك من الملوك سنة ستين، كسنة وخمس وخمسين وستمائة... انتهى منقولا من خطه، وأراد بذلك وقت الوقوف بعرفة1. ومنها: أنه في سنة ست وستين وستمائة، على ما قال الظهير الكازروني في ذيله، أمن الصاحب عن طريق الحجاز، وتوجه الحاج من بغداد في أمن... انتهى. وهذه السنة أول سنة حج فيها العراقيون بعد استيلاء التتار على بغداد فيما علمت2. ومنها: أنه في سنة سبع وستين وستمائة حج السلطان الظاهر بيبرس الصالحي صاحب مصر والشام، في ثلاثمائة مملوك وجماعة من أعيان الخليفة وغيرهم، وتصدق في الحرمين بمال عظيم، وأحسن إلى أمراء الحجاز؛ إلا أمير المدينة جماز بن شيحة وابن أخيه مالك بن منيف؛ لأنهما لم يواجهاه خوفا منه، وغسل الكعبة بنفسه، وزاد أميري مكة إدريس بن قتادة وأبا نمي جملة من المال والغلال في كل سنة بسبب تسبيل المسجد الحرام3. ومنها: على ما وجدت بخط ابن محفوظ أن في سنة سبع وستين وستمائة: لم يحج فيها أحد من مصر لا في البر ولا في البحر4... انتهى. ومنها: على ما قال الظهير الكازروني في أخبار سنة تسع وستين وستمائة: وحج الناس من بغداد5... انتهى. ومنها: أنه في سنة أربع وسبعين وستمائة أقام الحجاج بمكة ثمانية عشر يوما، وبالمدينة عشرة أيام، وهذا شيء لم يعهد، ذكر هذه الحادثة ابن الجزري6. ومنها على ما وجدت بخط الميورقي: أنه في الخميس رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وسبعين وستمائة ازدحم الحجاج في خروجهم إلى العمرة من باب المسجد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 2/ 87، العقد الثمين 1/ 192، درر الفرائد "ص: 280". 2 إتحاف الورى 3/ 92. 3 البداية والنهاية 13/ 254، 255، السلوك 1/ 2: 580، الذهب المسبوك "ص: 89، 93"، النجوم الزاهرة 7/ 146، إتحاف الورى 3/ 95. 4 إتحاف الورى 3/ 98. 5 العقد الثمين 1/ 192، السلوك 1/ 2، درر الفرائد "ص: 283". 6 إتحاف الورى 3/ 104، درر الفرائد "ص: 284"، السلوك 1/ 2: 624، تاريخ الملك الظاهر لابن شداد "ص: 137". ج / 2 ص -290- الحرام المعروف بباب العمرة؛ فمات بالزحمة جمع كثير يبلغون ثمانين نفرا، وقال لنا مكي: عدد خمسة وأربعين ميتا... انتهى باختصار. ووجدت هذه الحادثة بخط غيره، وذكر أنها في ثالث عشر ذي الحجة، وأنها اتفقت حين خرج إلى العمرة من باب العمرة من المسجد الحرام1. ومنها: أنه في سنة ثماني وستمائة وقف الناس بعرفة يومين يوم الجمعة والسبت احتياطا، وذكر هذه الحادثة ابن الفركاح في "تاريخه"2. ومنها: أنه في سنة ثلاث وثمانين وستمائة كان بين أبي نمي صاحب مكة وأمير الحج المصري علم الدين الباشقردي كلام، أفضى إلى أن أغلق أبو نمي أبواب مكة، ولم يمكن أحدا من دخولها؛ فلما كان يوم التروية أحرق الحجاج باب المعلاة، ونقبوا السور، وهجموا على البلد؛ فهرب أبو نمير وجمعه، ودخل الناس مكة، ووقع الصلح بينهم وبينأه لمكة على يد صاحب بدر الدين السنجاري، وذكر بعضهم أن سبب هذه الفتنة أن بعض أمراء بني عقبة حج في هذه السنة، وكان بينهم وبين أبي نمي معاداة، فتخيل أبو نمير أنه إنما جاء ليأخذه معه؛ فغلق أبوابها ولم يمكن أحدا من دخولها؛ فكان ما ذكرناه، وقد ذكر هذه الحادثة ابن الفركاح تاج الدين مفتي الشام، بمعن ما ذكرناه مختصرا. وقال بعد ذكره لها: أإن من الحجاج في هذه السنة بدر الدين بن جماعة، وأنه له في ذلك؛ فقال: السنة ما أحج، ولا بد أن تقع في مكة فتنة. قال: وهذا من كراماته، نفعنا الله به3. ومنها:" أنه في سنة ثمان وثماني وستمائة، على ما ذكر ابن الفركاح، وصل من العراق ركب كبير، ولم يصل ركب اليمن؛ وإنما جاء منهم آحاد، ووقف الناس يومين يوم الجمعة ويوم السبت؛ لأنه ثبت عند القاضي جلال الدين ابن القاضي حسام الدين، وكان في الركب الشامي: أن أول الشهر كان يوم الخميس، ولم يوافقه الشيخ محب الدين الطبري شيخ مكة وفقيه الحجاز، وقال: كان أول الشهر الجمعة4... انتهى. ومنها: أنه في سنة تسع وثمانين وستمائة -على ما قال ابن الفركاح- كانت فيها فتنة بين الحجاج وأهل مكة، وتقاتلوا في الحرم، وكان الأصل في ذلك أجناد من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 السلوك 1/ 2: 650، درر الفرائد "ص: 284"، إتحاف الورى 3/ 109، 110. 2 إتحاف الورى 3/ 113. 3 العقد الثمين 1/ 192، السلوك 1/ 3: 724، إتحاف الورى 3/ 116، 117. 4 إتحاف الورى 3/ 120، درر الفرائد "ص: 287". ج / 2 ص -291- المصريين، بسبب فرس؛ فانتهى الأمر إلى أن شهرت السيوف بالحرم الشريف، نحوا من عشرة آلاف سيف، ونهبت جماعة من الحجاج وجماعة الحجازيين، وقتل من الفريقين جمع كثير، قيل فوق أربعين نفسا، وجرح خلق كثير، ولو أراد الأمير أبو نمي أخذ الجميع أخذهم؛ ولكنه تثبت... انتهى. وقال ابن الجزري في أخبار سنة تسع وثمانين وستمائة: وكان مع ركب الشام الأمير عبية أمير بني عقبة، وكان بينهع وبين أبي نمي صاحب مكة معاداة؛ فتخيل صاحب مكة أنه ما جاء إلا ليأخذ مكة شرفها الله، فغلق باب مكة ولم يمكن أحد من أصحاب عبية من الدخول إلى مكة، فاضطلعوا أصحاب عبية من جبال مكة، ودخلوا قهرا وأحرق المصريون باب مكة شرفها الله -عز وجل، ونهبوا من الدباغات الطاقات الأديم، وجرى كل قبيح من الفريقين، وقتل من الطائفتين جماعة، ثم إنهم راسلوا صاحب مكة واتفقوا معه، فدخلوا وطافوا وقضوا حجهم، ثم قال: والذي حج بالناس من مصر الأمير علم الدين سنجر الباشقيري... انتهى. وإنما ذكرنا هذا لأنه يخالف ما ذكره ابن الفركاح في سبب الفتنة في هذه السنة، والله أعلم. وذكر ابن محفوظ ما يخالف ما ذكره ابن الجزري فيمن كان أمير الحاج في هذه السنة؛ لأنني وجدت بخطه سنة تسع وثمانين وستمائة حج أمير الحاج في هذه السنة، ولأنني وجدت بخطه أن في تسع وثمانين وستمائة حج أمير يقال له الفارقاني، ووقع بينه وبين أهل مكة قتال عند درب الثنية... انتهى. ودرب الثنية هو درب الشبيكة بأسفل مكة1. ومنها: أن ابن محفوظ قالفي أخبار سنة اثنتين وتسعين وستمائة: ووقف الناس الاثنين والثلاثاء2... انتهى. ومنها على ما وجدت بخط ابن محفوظ في أخبار سنة ثلاث وتسعين وستمائة: وحصل بعرفة جفلة عظيمة شنيعة، وكان سببها أن بعض أولاد أبي نمي نهى مملوكا فأخطأ عليه المملوك، فجفل الناس3... انتهى. ومنها: أنه في سنة أربع وتسعين حج فيها المجاهد أنس ابن السلطان مالك العادل كتبغا المنصوري صاحب الديار المصرية والشامية، وحج في خدمته جماعة من الأمراء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 درر الفرائد "ص: 286"، السلوك 1/ 3: 76، البداية والنهاية 13/ 317، إتحاف الورى 3/ 10. 2 السلوك 1/ 3/ 786. 3 إتحاف الورى 3/ 125، 126، درر الفرائد "ص: 288". ج / 2 ص -292- والأدر السلطانية1، وحصل بهم رفق كثير لأهل الحرمين، وشكر سيرة الملك أنس المذكور، وبذل المال لصاحب مكة وأتباعه، ويقال: إن الذي نال صاحب مكة منه نحو سبيعن ألف درهم2. وحجت في هذه السنة عمة صاحب ماردين3 مع الركب الشامي، وكان لها محمل كبير وسبيل كثير، وتصدق بمال كثير، وانتفع بها الحرمين وأمراء مكة والمدينة، وذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه ابن الجزري وغيره4. ومنها: أنه في سنة سبع وتسعين وستمائة حج الخليفة أبو العباس أحمد ابن الأثير حسن بن علي بن أبي بكر ابن الخليفة المسترشد بالله العباسي الملقب بالحاكم، ثاني الخلفاء العباسيين بعد المستعصم، وأول من أقام بمصر من الخلفاء العباسيين، وحج معه عياله، وأعطاه صاحب مصر المنصور لاجين سبعمائة ألف درهم، وحج فيها أمير العرب منها بن عيسى بن منها، وشكر سيرته؛ لأنه تصدق بأشياء كثيرة، وحخمل المنقطعين وأطعم العيش للناس كافة5. ومنها: أنه في سنة ثمان وتسعين وستمائة حصل للحاج تشويش بعرفات وهوشة في نفس مكة، ونبه خلق كثيرون، وأخذت ثيابهم التي عليهم، وقتل خلق وجرح جماعة، وقيل إن المقتولين في هذه الفتنة أحد عشرة نفرا، وحصل لأبي نمي صاحب مكة من الجمال المنهوبة خمسمائة جمل، ذكره هذه الحادثة والتي قبلها بمعنى ما ذكرناه ابن الجزري6. ومنها: أنه في سنة تسع وتسعين وستمائة لم يحج أحد من الشام، وحج الناس من الديار المصرية، ذكر هذه الحادثة الجزري7. ومنها: أنه في سنة سبعمائة لم يحج فيها أحد من الشام؛ إلا أنه خرج عن دمشق جماعة إلى غزة، ومن غزة إلى إيلة، وصحبوا المصريين. ذكر ذلك البرزالي8. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الأدر السلطانية: يراد بها حريم السلطان. 2 النجوم الزاهرة 8/ 58، البداية والنهاية 13/ 340، إتحاف الورى 3/ 127، درر الفرائد "ص: 288". 3 صاحب ماردين هو الملك السعيد شمس الدين داود ابن الملك المظفر فخر الدين ألب أرسلان "انظر ترجمته في النجوم الزاهرة 8/ 58". 4 إتحاف الورى 3/ 127، درر الفرائد "ص: 288". 5 العقد الثمين 1/ 193، إتحاف الورى 3/ 130. 6 درر الفرائد "ص: 289"، إتحاف الورى 3/ 131. 7 إتحاف الورى 3/ 131، درر الفرائد "ص: 289". 8 السلوك 1/ 3: 917، النجوم الزاهرة 8/ 146، درر الفرائد "ص: 289". ج / 2 ص -293- ومنها: أنه في سنة ثلاث وسبعمائة حج من مصر نائب السلطان بها الأمير سيف الدين سلار، وحج معه خمسة وعشرون أميرا، وتصدق سلار بصدقات كثيرة سد بها فاقة ذوي الحاجات، وانتفع بها المجاورون بمكة وأهلها الأشراف وغيرهم، وفعل بالمدينة مثل ذلك، وكان قد جهز للصدقة في البحر عشرة آلاف أردب قمح، وتصدق الأمراء الذين حجوا معه، وتوجهوا إلى المدينة ثم إلى القدس، وتوجهوا منه إلى مصر فدخلوها مع دخول الركب المصري؛ ذكر هذه الحادثة البرزالي بمعنى ما ذكرناه1. ومنها: أنه في سنة أربع وسبعمائة أبطل أمراء مكة حميصة ورميثة ابنا أبي نمي شيئا من المكوث في هذه السنة والتي قبلها2. ومنها: أنه في سنة خمس وسبعمائة حج من مصر ونواحي الغرب ومن بلاد العراق والعجم خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى3 ومنها: أنه في سنة خمس وسبعمائة كانت بمنى جفلة عظيمة، وحصل الحرب بين المصريين والحجازيين، وكان مقدم الركب المصري الأمير سيف الدين ألغيه، وكان كافر النفس مقداما على الجرائم، سفك من البشر جماعة، وجعل عوض نحر البدن نحرهم؛ ذكر هاتين الحادثتين هكذا صاحب "بهجة الزمن في تاريخ اليمن"، التاج عبد الباقي اليماني، وذكر هذه الحادثة التي في سنة أربع بمعنى ما ذكرناه3. وذكر البرزالي ما يقتضي أن الفتنة التي كانت بين المصريين والحجازيين في سنة خمس، على ما ذكر صاحب "البهجة"؛ لأنه قال في أخبار سنة ست وسبعمائة: فيها كان أمير الركب المصري سيف الدين ألغيه قفجق السلحدار، ثم قال: ووقع في أيام الحج بمنى، ونهب شيء: ثم تفاقم الأمر، ولم يحصل ذلك إلا بالسوق خاصة، وانطلق العسكر خلف من فعل ذلك، فلم يعلم، وهرب المكيون في الجبال، وانطلق معهم من السروز إلى ذيل الجبل، فحصل فيهم من العسكر، ووسط منهم نفر يسير عند الجمرة، لتسكين الأمر، وإظهار الهيبة والقدرة؛ فسكن الناس ولكن بقي عندهم خوف ووجل. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 السلوك 1/ 3: 954، البداية والنهاية 14/ 29. 2 العقد الثمين 4/ 234، 405، العقود اللؤلؤية 1/ 326. 3 إتحاف الورى 3/ 143، درر الفرائد "ص: 292". ج / 2 ص -294- ومنها: أنه في سنة تسع وسبعمائة لم يحج من الشام أحد على العامة إلا أن طائفة يسيرة من التجار وأهل الحجاز، خرجوا من دمشق إلى غزة، ومنها إلى إيله واجتمعوا بالمصريين وصحبوهم، ذكر هذه الحادثة البرزالي1. ومنها: أنه في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر، ومع خواص عكسره نحو أربعين أميرا؛ ذكر ذلك البرزالي. وذكر صاحب "بهجة الزمان": أن الملك الناصر -المذكور- حج في هذه السنة في مائة فارس وستة آلاف مملوك على الهجن، وسار من دمشق إلى مكة في اثنتين وعشرين يوما2... انتهى. ومنها: أنه في سنة ست عشرة وسبعمائة: حج فيها الأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري نائب السلطنة المعظمة بالقاهرة، وتصدق بصدقات كثيرة بمكة والمدينة3. وحج أيضا في سنة عشرين وسبعمائة، ومشي فيها من مكة إلى عرفة، وحج أيضا في سنة ست وعشرين وسبعمائة4، ذكر ذلك ابن الجزري. ومنها: أنه في سنة تسع عشرة وسبعمائة حج الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، وحج معه من الأمراء نحو الخمسين من المقدمين الطبلخانات والعشراوات وجماعة من أعيان دولته، وكان توجه من القاهرة في تاسع ذي القعدة، وتصد على أهل الحرمين، وأحسن وعمل معروفا كثيرا، وغسل الكعبة بيده؛ ذكر ذلك هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه5 البرزالي في تاريخه. ومنها: أنه في سنة عشرين وسبعمائة فعل الحاج سنة من سن الحج متروكة من قبل، وهي أنهم صلوا الصلوات الخمس من منى في يوم التروية وليلة التاسع، وأقاموا بمنى إلى أن أشرقت الشمس على ثبير، وتوجهوا إلى عرفة6؛ ذكر هذه الحادثة بمعنى قال: وهذه مكملة مائة جمعة وقفها المسلمون من الهجرة النبوية إلى الآن؛ ونرجو الله تعالى أن تكون ألوفا إلى يوم القيامة... انتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 146، درر الفرائد "ص: 293". 2 السلوك 2/ 1: 19، العقود اللؤلؤية 1/ 402، العقد الثمين 4/ 406. 3 النجوم الزاهرة 9/ 233، إتحاف الورى 3/ 156. 4 السلوك 2/ 1: 214، إتحاف الورى 3/ 170. 5 السلوك 2/ 1: 197، النجوم الزاهرة 9/ 59، درر الفرائد "ص: 297". 6 إتحاف الورى 3/ 170. ج / 2 ص -295- ومنها: أنه في سنة عشرين وسبعمائة -على ما قال البرزالي: حضر الموقف عالم كثير من جميع الأقاليم والبلاد، قال الشيخ رضي الله الطبري إمام المقام: من عمري أحج ولم أر مثل هذه الوقفة، قال: وفيها حضر الركب العراقي في محمل كثير، ومعهم محمل عليه ذهب كثير، وفيه لؤلؤ وجوهر، قوم بمائة تومان ذهبا، وحسبنا ذلك بمائتي ألف دينار وخمسين ألف دينار من الذهب المصري1... انتهى. وذكر ابن الجزري ذلك بالمعنى. ومنها: أنه في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة حج من دمشق نائبها الأمير تنكز الناصري2. ومنها: أنه في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة أبطل السلطان الملك الناصر المكس المتعلق بالمأكول فقط بمكة، وعوض صاحب مكة عطيفة عن ذلك ثلثي دمامين3 من صعيد مصر، وذكر ذلك البرزالي وابن الجزري4. ومنها: أنه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة حج ملك التكرور موسى، وحضر للحج معه أكثر من خمسة عشر ألفا من التكاررة5. ومنها: أنه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقف الناس بعرفة يوم السبت ويوم الأحد، بسبب الاختلاف في هلال ذي الحجة، وفيها رجع أكثر الركب المصري بسبب قلة الماء في المنازل؛ فلذلك قل الحج المصري، وحج العراقي وكان ركبا كبيرا، ذكر هذه الحوادث بمعنى ما ذكرناه البرزالي وابن الجزري6. ومنها: أنه في سنة سبع وعشرين وسبعمائة بات الحجاج الشاميون بمنى ليلة عرفة ولم يبت بها المصريون، وكان المصريون قليلا بالنسبة إلى العادة7. ومنها: أنه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة حج العراقيون ومعهم تابوت جوبان نائب أبي سعيد بن خرابندا ملك العراق؛ ليدفن بالتربة التي بناها بالمدينة عند باب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العقد الثمين 6/ 96، 97، إتحاف الورى 3/ 172. 2 البداية والنهاية 14/ 100، درر الفرائد "ص: 299". 3 هي بلدة من مركز الأقصر بمحافظة قنا تقع على شاطئ الغربي للنيل "الخطط التوفيقية لعلي مبارك" 11/ 20. 4 السلوك 2/ 1: 236. 5 البداية والنهاية 14/ 112، مرآة الجنان 4/ 271، السلوك 2/ 1: 255، إتحاف الورى 3/ 178، درر الفرائد "ص: 300". 6 إتحاف الورى 3/ 181، درر الفرائد "ص: 300". 7 إتحاف الورى 3/ 185. ج / 2 ص -296- الرحمة؛ فلم يدفن بها لعدم تمكين أمير المدينة من ذلك، حتى يأذن فيه صاحب مصر، وأحضروا تابوته في الموقف بعرفة، ودخلوا مكة ليلا، وطافوا به حول البيت، ثم ذهبوا به إلى المدينة؛ فكان من أمره فيها ما ذكرناه1، ذكر الملك البرزالي بمعنى ما ذكرناه، وذكر أن الوقفة كانت يوم الجمعة باتفاق... انتهى. وذكر ابن محفوظ أن قدوم الركب العراقي بجوبان كان في سنة سبع وعشرين، والله أعلم. ومنها: أنه في سنة ثلاثين وسبعمائة كانت فتنة عظيمة بين الحجاج المصريين وأهل مكة، وقد شرح قاضي مكة شهاب الدين الطبري شيئا من خبرها في كتاب كتبه إلى بعض أصحابه؛ لأن فيه: ونهى صدورها من حرام الله تعالى بعد توجه الركب السعيد على الحالة التي شاع ذكرها، ولا حيلة في القدرة، والله ما لأحد من أهل الأمر ذنب لا من هؤلاء ولا من هؤلاء؛ وإنما الذنب للغاغة والرعاع والعبيد والنفرية، على سبب مطالبة من أخدام الأشراف للعراقيين، بسبب عوائدهم، وحصلت ملالاة، وأوجبت معاداة؛ فقامت الهوسة والخطيب على المنبر، وكان السيد سيف الدين عند أمير الركب جالسا، فقام ليطفئ النوبة من ناحية، فانتفخت من نواحي، وقام الأمير سيف الدين يساعده، فاتسع الخرق وهاج الناس في بعضهم بعضا فمات من مات وفات من فات، ولزم الأشراف مكانهم بجياد، ولم يخرج منهم أحد إلى القتال إلا من انخلس من الفريقين. وذكر هذه الحادثة الحافظ علم الدين البرزالي، وشرح من أمرها ما لم يشرحه القاضي شهاب الدين الطبري؛ لأنه قال في أخباره سنة ثلاثين وسبعمائة: ووصل كتاب عفيف الدين الطبري يذكر فيه أمورا مما وقع للحجاج بمكة المشرفة، قال: وليس الخبر كالمعاينة، ولما كان يوم الجمعة عند طلوع الخطيب المنبر، حصلت شوشة ودخلت الخيل المسجد الحرام، وفيهم جماعة من بني حسن ملبين غائرين، وتفرق الناس وركب الأمراء من المصريين، وكانوا ينتظرون سماع الخطبة، فتركوها، وركب الناس بعضهم بعضا، ونهبت الأسواق، وقتل من الخلق جماعة من الحجاج وغيرهم، ونهبت الأموال وصلينا نحن الجمعة والسيوف تعمل، وطفت أنا ورفيقي طواف الوداع جريا، والقتل بين الترك والعبيد الحرامية من بني حسن، وخرج الناس إلى المنزلة، واستشهد من الأمراء سيف الدين ألدمر أمير جاندار وولده خليل، ومملوك لهم، وأمير عشرة يعرف بابن التاجي، وجماعة نسوة، وغيرهم من الرجال، وسلمنا من القتل، وكانت الخيل في إثرنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 العقد الثمين 3/ 447، والدرر الكامنة 2/ 79، إتحاف الورى 3/ 185، وفيها أن ذلك كان سنة "727 هـ" أو في التي بعدها. ج / 2 ص -297- يضربون بالسيوف يمينا وشمالا، وما وصلنا إلى المنزلة وفي العين قطرة، ودخل الأمراء راجعين بعد الهرب إلى مكة لطلب بعض الثأر، وخرجوا فارين مرة أخرى، ثم بعد ساعة جاء الأمراء خائفين وبنو حسن وغلمانهم خلفهم؛ فلما أشرفوا على ثنية كداء من أسفل مكة، فأمر بالرحيل، ولولا أن سلم الله الناس كانوا نزلوا عليهمولم يبق من الحجاج مخبر، فوقف أمراء المصريين في وجوههم، وأمر بالرحيل، فأخطبت الناس، وجعل أكثر الناس يتركون ما ثقل من أحمالهم، ونهب الحاج بعضه بعضا، وكان في جملة من راح جمل محمل لنا فيه جميع ما رزقنا الله من نفقة وثياب وزاد، واحتسبناه وحمدنا الله على سلامة أنفسنا1... انتهى. وذكر النويري هذه الحادثة في تاريخه، وذكر فيها ما يوافق ما ذكره الطبري، ثم قال: ووقع الخبر بذلك بالقاهرةن يوم الجمعة يوم مقتله يعني سيف الدين ألدمر جاندار سوار، ثم وصل الخبر بذلك مع المبشرين في ثالث المحرم2. ومنها: أنه في سنة ثلاثين وسبعمائة -أيضا- حج الركب العراقي، ومعهم فيل، وما عرفت مقصد أبي سعيد بن خربندا ملك التتار بإرساله، وقد ذكر خبره البرزالي نقلا عن العفيف المطري؛ لأنه قال: بعد ما سبق ذكره من خبر الفتنة: وكان الركب العراقي ركبا صغيرا، ووصل معهم فيل، وقفوا به3 المواقف كلها، وتفاءل4 الناس منذ رأوه بالشر، فتم ما تم وحصل ما حصل، وكنا خائفين أن يقع بسببه شر، إذا وصل إلى المدينة، فوصل إلى أن بلغ الفريش الصغير قبيل البيداء التي ينزل منها إلى بئر الحرام من ذي الحليفة؛ فجعل كلما أراد أن يقدم رجلا تأخر مرة بعد مرة، قفضربوه وطردوه، وكل ذلك يأبى إلا الرجوع القهقرى، إلى أن سقط إلى الأرض ميتا في يوم الأحد الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام؛ وذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من غرائب العجائب، والحمد لله على ذلك، وقد ذكر خبره النويري في تاريخه، بمعنى ما ذكره المطري، وقال: وقيل: أنه أنصرف عليه من حين خروجه من العراق إلى أن مات زيادة على ثلاثين ألف درهم، وما علم مقصد أبي سعيد في إرساله ذلك... انتهى5. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 النجوم الزاهرة 9/ 282، السلوك 2/ 2: 323: البداية والنهاية 14/ 149، العقد الثمين 3/ 327، إتحاف الورى 3/ 189. 2 السلوك 2/ 2: 323، درر الفرائد "ص: 302". 3 السلوك 2/ 2: 325، درر الفرائد "ص: 304". 4 كذا في الأصل، وفي السلوك 2/ 2: 325: "تشاءم" وهو الصحيح. 5 السلوك 2/ 2: 325، إتحاف الورى 3/ 192، 193. ج / 2 ص -298- ومنها: أنه في سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومعه نحو سبعين أميرا، وجماعة من أعيان الفقهاء وغيرهم بالقاهرة، وتصدق بعد حجة على أهل الحرم من المجاورين والفقهاء1. ومنها: أنه في سنة ست وثلاثين وسبعمائة لم يحج الركب العراقي في هذه السنة، لموت السلطان أبي سعيد بن خربندا ملك العراقيين، واختلاف الكلمة بعده، ودام انقطاع الحج من العراقيين سنين كثيرة على ما يأتي بيانه2 إن شاء الله تعالى. ومنها: أنه في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وقف الحجاج المصريون والشاميون بعرفة، يومين: يوم الجمعة ويوم السبت، ووقف أهل مكة السبت؛ ولكنهم حضروا عرفة ليلة السبت3. ومنها: أنه في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة حج صاحب اليمن الملك المجاهد على ابن مالك المؤيد داود بن المظفر، ولما حضر بعرفة كان في خدمته الأشراف والقواد، وحموه من أن يتعرض له المصريون بسوء، وأطلعوا علمه على جبل عرفة، وكان المصريون قد عزموا على منعه من ذلك، ومن نزول عرفة والوقوف عند الصخرات بها، وكان الأشراف والقواد في خدمته، إلى أن قضى مناسك الحج، وعم بصدقته أهل مكة، وكان دخوله إليها أول ذي الحجة، ورحل منها في العشرين من ذي الحجة، ورام أن يكسو الكعبة ويقلع بابها ويركب بابا من عنده؛ فلم يمكنه الأشراف من ذلك، فوجد عليهم في ذلك4. ومنها: أنه في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة حصل بين أمير الحاج المصري والأشراف قتال عظيم بعرفة، كان الظفر من يوم النفر الأول، ونزلوا بباب الشبيكة، وأقاموا به ليلة، ثم رحلوا في يوم النفر الثاني، ولم يعتمر أكثر الحجاج ولم يطوفوا طواف الوداع خوفا على أنفسهم، وتعرف هذه السنة بسنة المظلمة؛ لأن أهل مكة في نفرهم من عرفة سلكوا الطريق التي تخرجهم على البئر المعروفة بالمظلمة، وهي غير الطريق التي يسلكها الحجاج5. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 النجوم الزاهرة 9/ 104، والسلوك 2/ 2: 355. 2 إتحاف الورى 3/ 205، درر الفرائد "ص: 305". 3 إتحاف الورى 3/ 220، السلوك 2/ 3: 563، درر الفرائد "ص: 306". 4 العقود اللؤلؤية 2/ 70، 71، إتحاف الورى 3/ 220، 221. 5 السلوك 2/ 3: 636، العقد الثمين 2/ 146، إتحاف الورى 3/ 224، 225. ج / 2 ص -299- ومنها: أنه في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة حج العراقي بعد أن أقام إحدى عشر سنة لم يحج، وكان حاجا كثيرا، وكان حاج مصر والشام قليلا1. ومنها: أنه في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة حج الملك المجاهد صاحب اليمن وقبض عليه بمنى؛ وسبب ذلك أنه لم ينصف أمير مكة عجلان، ولا بني حسن، ولا أمير الحاج المصري "بزلار"، ولم يراع من المصريين إلا الأمير "طاز"؛ فأجمعوا عليه مع أمير مكة، وقصدوه في صبح اليوم الثالث من أيام منى إلى محطته، فقاتلهم أصحاب صاحب اليمن ساعة من نهار، ثم عظم عليهم الأمر باجتماع الناس عليهم للطمع في النهب، فنهب محطة المجاهد عن آخرها بما فيها من الخزائن، والخيول والبغال، والجمال، وغير ذلك، وكان من أسباب ذلك: عدم ظهوره للقتال، فإنه لم يركب، ولم ينصب علما ولا دق طبلا؛ وإنما صعد جبلا بمنى، فحصروه به إلى قرب غروب الشمس، ثم سلم نفسه بأمان، فأخذ سيفه وأركب بغلا واحتفظ به، وسافر مع المصريين تحت الحوطة، ولم يرم الجمار بمنى ولا ظهر بها، ولعله راعى في ترك القتال حرمة الزمان والمكان، وهما جديران بالاحترام، وكان من خبره بعد وصوله إلى مصر أن صاحبها الملك الناصر حسن بأن الملك الناصر محمد بن قلاوون أكرمه وسيره إلى بلده على طريق الحجاز، وفي خدمته بعض الأمراء؛ فلما كان بالدهناء قريبا من "ينبع" قبض عليه؛ لأن الأمير الذي في خدمته نقل عنه إلى الدولة بمصر ما أوجب تغير خاطرهم عليه، وذهب به إلى الكرك فاعتقل بها مع الأمير "بيبغاروس" الذي كان نائبا بالقاهرة، ثم أطلق بشفاعة الأمير يلبغا؛ لأنه كان أطلق قبله، وزار المجاهد القدس والخليل، وجاء إلى مصر فتوجه منها إلى بلاده على طريق عيذاب، فبلغ اليمن في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، ومنع الجلاب من السفر إلى مكة حنقا على أهلها2. ومنها: أنه في سنة خمس وخمسين وسبعمائة لم يحج الركب العراقي، وحج في التي بعدها، وهي سنة ست وخمسين وسبعمائة، وكان حاجا قليلا3. ومنها: أنه في سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقف الناس بعرفة يومين، وحصل للناس في آخر اليوم مطر جيد سالت به الشعاب، فاستقى الحاج ودوابهم، وكان ذلك من الله رحمة لعباده، وكان الحاج العراقي في هذه السنة كثيرا لم يعهد أن مثله حج من العراق، وحج فيها بعض العجم، وتصدق بذهب كثير على أهل مكة والمدينة4. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 236، درر الفرائد "ص: 308". 2 النجوم الزاهرة 10/ 226، السلوك 2/ 3: 832، العقود اللؤلؤية 2/ 84، درر الفرائد "ص: 308". 3 إتحاف الورى 3/ 268. 4 إتحاف الورى 3/ 270. ج / 2 ص -300- ومنها: أنه في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة حج العراقي وكان حاج مصر والشام قليلا1. ومنها: أنه في سنة تسع وخمسين وسبعمائة رحل الحجاج جميعهم من منى وقت الظهر من يوم النفر الأول، وكان الحاج قليلا من مصر والشام والعراق2. ومنها: أنه في جمادى الآخرة أو رجب سنة ستين وسبعمائة أسقط المكس المأخوذ من المأكولات بمكة من الحب، والتمر، والغنم، والسمن، وغير ذلك، وارتفع من مكة الجور والظلم، وانتشر العدل والأمان؛ وذلك بسبب أن الملك الناصر حسن صاحب مصر جهز إلى مكة عسكرا لإصلاح أمرها وللإقامة بها مع من ولاة إمرة مكة وهما الشريفان محمد بن عطيفة بن أبي نمي، وسند بن رميثة بن أبي نمي، ودام هذا مدة مقام هذا العسكر بمكة؛ وذلك إلى آخر سنة إحدى وستين وسبعمائة3. ومنها: أنه في سنة ستين وسبعمائة -أيضا- وصل الركب العراقي، وكان وصوله قبل الوقت الذي يعهد فيه وصوله بيومين وهو الخامس من ذي الحجة. ومنها: أنه في سنة إحدة وستين وسبعمائة كان بمكة فتنة بين أهلها من بني الحسن وبين الترك الذين قدموا إلى مكة للإقامة بها في موسم هذه السنة عوض الترك الذين كانوا قدموا مكة في سنة ستين وسبعمائة، وسبب هذه القتنة أن بعض الأشراف من ذوي المعروفة بدار المضيف عند باب الصفا، فطالبهم بالكراء بعض الأشراف من ذوي "علي بن قتادة"، وحصل بينهما منازعات أفضى الحال فيها إلى أن ضرب التركي الشريف فقتله الشريف، فثار عليه الترك، فصاح، فحمى له بعض الشرفاء فثارت الفتنة، وقيل في سبب الفتنة: إن بعض الترك أرادوا النزول في دار المضيف؛ فعارضه في ذلك بعض ذوي "علي" وضربوهم، فشكوا ذلك إلى "ابن قراسنقر"، وكانوا من جماعته، وكان إذ ذاك يطوف بالبيت الحرام محرما بعمرة، فقطع طوافه ولبس السلاح وثارت الفتنة، وركب هذا اليوم، وقصد بنو حسن أجياد، واستولوا على إسطبل ابن "قراسنقر" أحد مقدمي الترك المقيمين بمكة، وحصروا المقدم الآخر وهو الأمير المعروف "قراسنقر" أحد مقدمي "دار الزباع" بأجياد، وقاتلوه حتى غلبوه، ونجا بنفسه من موضع في الدار، فاستجار ببعض نساء الأشراف، واجتمع الترك في المدرسة المجاهدية، وفي المسجد الحرام، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إتحاف الورى 3/ 272. 2 إتحاف الورى 3/ 274، درر الفرائد "ص: 310". 3 العقد الثمين 2/ 141، 6/ 66. ج / 2 ص -301- وغلقوا أبوابه عليهم، وعملوا عند المدرسة المجاهدية جسرا من خشب يمنع بني حسن من قصدهم، وأزالوا الظلة التي على رأس الزقاق المقابل لباب أجياد، وقصدهم جماعة من بني حسن إلى جهة المجاهدين، فرموهم بالنشاب، ففر بنو حسن، ثم كر عليهم بعض من بني حسن ثانية، فقتل منهم جماعة منهم الشريف "مغامس بن رميثة"، ثم وصل الشريف "ثقبة بن رميثة" إلى مكة، بأثر الفتنة، فسكنها عن الترك، ووقع الاتفاق على أن ترحل الترك من مكة، فرحلوا بما خف من أموالهم. والتحقوا بالحجاج، فأدركوهم بينبع، وكانت هذه الفتنة بعد رحيل الحجاج من مكة بيوم أو يومين1. ومنها: أنه في سنة ست وستين وسبعمائة رسم السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر بإسقاط ما على الحج من المكوس بمكة في سائر ما يحمل إليها من المتاجر، سوى الكارم2 وتجار الهند وتجار العراق، وأسقط المكس المتعلق بالمأكولات، وبلغني أن المكس الذي كان يؤخذ من المأكولات بمكة مد حب جدي، وهو مدان مكيان من كل حلم حب يصل من جدة، ومد مكي وربع مكي من كل حمل حب يصل من وجهة الطائف وبجيلة3 وثمانية دنانير مسعودية على كل حمل من التمر اللبان4 الذي يصل إلى مكة، وثلاثة دنانير مسعودية على كل حمل ترم محشي5 يصل إلى مكة، وستة مسعودية على كل شاة يصل إليها، وسدس وثمن ما يباع بمكة من السمن والعسل والخضر؛ وذلك أنه يحصى ثمنها مسعودية، فإذا عرف أخذ على كل خمسة دنانير دينار مسعودية، ويؤخذ -أيضا- دينار مسعودية من ثمن السلة التمر إذا بيعت بالسوق من الثمار الذي باعها ليعيش منها، والمأخوذ على التمر أولا من جالبه إلى مكة، ويؤخذ شيء مما يباع في السوق من غير ما ذكرناه، وكان الناس يقاسون شدة؛ بحيث بلغني أن بعض الناس جلب شاة، فلم تساو المقدار المقرر عليها، فمسح بها في ذلك؛ فلم يقبل منه، فأزال الله -تعالى- جميع هذا الأشراف شعبان المذكور، بتنبيه بعض أهل الخير له على ذلك، وعوض صاحب مكة عن ذلك ثمانية وستين ألف درهم من بيت المال المعمور بالقاهرة، وألف أردب قمح، وقدر ذلك في دويان السلطان المذكور، وأمضى ذلك الولاة بالديار المصرية إلى تاريخه، وكتب خبر الإسقاط في أساطين بالمسجد الحرام في جهة باب الصفا وغيره، ولما وقعت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 السلوك 3/ 1: 48، العقد الثمين 2/ 141. 2 الكارم: هو نوع من الأحجار الكريمة. 3 قرية بالبادية حول الكعبة. 4 لعله يقصد الممحوس من التمر، وهو التمر الذي ذهب قشره من حرارة الشمس. ج / 2 ص -302- هذه الحسنة من الأمير يلبغا -المذكور- طابت بها نفس صاحب مكة -إذ ذاك- الشريف عجلان بن رميثة الحسن -رحمه الله- وعمل بها هو ومن عبده من أمراء مكة أثابهم الله تعالى1. ومنها: أنه في أثناء سنة عشر السبعين وسبعمائة -بتقديم السين، خطب بمكة للسلطان الشيخ أويس ابن الشيخ حسن الصغير صاحب بغداد وغيرها، بعد أن وصلت منه قناديل حسنة للكعبة، وهدية طائلة لأمير مكة عجلان، وهو الأمر لخطيب مكة بالخطبة له؛ فكان الخطيب إذ ذاك جدي لأبي، قاضي مكة أبي الفضل النويري، ثم تركت الخطبة لصاحب العراق، وماعرفت وقت ابتداء تركها، وخفي على كثير من خبر الحجاج العراقيين في عشر السبعين وسبعمائة، وفي عشر الثمانين وسبعمائة، وفي عشر التسعين وسبعمائة، ويغلب على ظني أن حجهم في هذه الأعشار أكثر من انقطاعهم عن الحج فيها، والله أعلم. ومنها: أنه في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة كان الحجاج من مصر في غاية القلة، بسب ما اتفق في عقبة إيلة من ثورة الترك على الملك الأشرف شعبان صاحب مصر، وكان قد توجه إلى الحج في هذه السنة في تجمل كثير، وفر إلى القاهرة؛ فتبعه الناس إلا نفرا يسيرا، وكان من خبره أنه دخل في القاهرة متخفيا؛ لأن الأمراء الذي تركهم بها سلطنوا ولده المنصور عليا، وظفروا به بعد مدة يسيرة، واستشهد -رحمة الله تعالى- في بقية السنة2. ومنها: أنه في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة حج محمل لصاحب اليمن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن الملك المجاهد في البر، وأراد بعض الأمراء المصريين توهين حمرة هذا المحمل؛ فلم يمكنهم من ذلك صاحب مكة الشريف أحمد بن عجلان، وكان أمير الحج مع هذا المحمل ابن السنبلي، وليس هذا المحمل أول محمل حج من اليمن؛ فقد رأيت ما يدل على أن في السنة التي ولي فيها الملك المؤيد السلطنة ببلاد اليمن حج له محمل إلى مكة3. ومنها: أنه في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة كان بمكة فتنة في أيام الموسم، وحج الناس خائفين، وسبب هذه الفتنة أن بعض الباطنية قتل أمير مكة محمد بن أحمد بن عجلان عندما حضر لخدمة المحمل المصري على جاري عادات الأمراء -أي أمراء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البداية والنهاية 14/ 309، إتحاف الورى 3/ 302. 2 النجوم الزاهرة 11/ 73، الذهب المسبوك "ص: 118"، بدائع الزهور 1/ 3: 171، السلوك 3/ 1: 272. 3 النجوم الزاهرة 11/ 196، السلوك 3/ 1: 374، إتحاف الورى 3/ 335. ج / 2 ص -303- الحجاز- وتولى بعده عنان بن مغامس بن رميثة إمرة مكة، وقصدها في جماعته، ومعه أمير الحج المارديني؛ فحاربهم من كان بمكة من ذوي عجلان زمنا يسيرا، ثم انهزموا، واستولى عنان ومن معه على مكة1. ومنها: أنه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة كان بمكة قتل ونهب في الحجاج في يوم التروية، وفي ليلة عرفة بطريق عرفة، وسبب هذه الفتنة: أن بعض القواد اختطف شيئا في المسجد الحرام، واحتمى ببعض أصحابه؛ فجرى بينهم وبين الحجاج مقاولة بالمسجد الحرام أفضت إلى مقاتلته، فشهرت السيوف بالمسجد الحرام وصارت الفتنة به وفي خارج المسجد، ونهبت الأموال، وجاء أمير الحج الحلبي المعروف بابن الزين غائرا من الأبطح في خيل ورجل، فلقيه بعض القواد بأسفل مكة إلى جهة الشبيكة، وجرى بين الفريقين قتال كان الظفر فيه للقواد، وطمح الحرامية في الحجاج، فنهبوهم نهبا ذريعا في خروجهم إلى منى، وفي ليلة عرفة بالموضع المعروف بالمضيق بين عرفة ومزدلفة وقتلوهم، وتعدى النهب إلى أهل مكة واليمن، وحج الناس خائفين، ورحل الحجاج أجمع في يوم النفر الأول، وكان في هذه السنة قدم مع الحجاج الشاميين محمل من حلب، ولم يعهد مثل ذلك فيما علمت إلا في سنة سبع وثمانين وسبعمائة2، والله أعلم. وفيها حج العراقي عند انقطاعه مدة، وكان قدومه يوم الصعود، وكان حاجا قليلا جدا، يقال: إنه كان فيه خمسمائة جمل2. ومنها: أنه في سنة ثمانمائة حج لصاحب اليمن الملك الأشرف مع طواشي من جهته وفي خدمته الشريف محمد بن عجلان، وحج معه جماعة من أعيان التجار والفقهاء المكيين وغيرهم، وحصل للحجاج الذين كانوا مع المحمل اليمني عطش بقرب مكة، مات فيه جماعة منهم -رحمهم الله تعالى- ووقف بعرفة مع المحامل، وكانت الوقفة يوم الجمعة3. ومنها: أنه في سنة ثلاث وثمانمائة لم يحج من الشام أحد على الطريق المعتادة، وسبب ذلك أن تيمورلنك قصد البلاد الشامية في هذه السنة واستولى عليها وأخربها؛ وكان ما حصل من الخراب بدمشق أكثر من غيرها من البلاد الشامية بسبب إحراق التترية لها لما استولوا عليها، بعد أن فارقها الملك الناصر فرج، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 السلوك 3/ 2: 545، نزهة النفوس 1/ 132، بدائع الزهور 1/ 2: 370، العقد الثمين 3/ 53. 2 إتحاف الورى 3/ 395. 3 إتحاف الورى 3/ 408. ج / 2 ص -304- وقصد الديار المصرية لأمر اقتضاه الحال. والتترية منازلون لدمشق، وكان استيلاء التترية على دمشق بصورة أمان، والتزام من أهل دمشق لهم بمال يؤدونه؛ لأنهم بعد رحيل السلطان من دمشق حصروا القلعة بدمشق وأخربوا بعضها، وكادوا يستولون عليها؛ فاقتضى ذلك خروج الشاميين إليهم لطلب الأمان والتزامهم لهم بالمال؛ فلما صار بأيديهم ما التزموا لهم به من المال وأكثر منه بكثير، فارقوا البلد، بعد أن أحرقوها في ثالث شعبان من السنة المذكورة، ثم عمرت القلعة والجامع الأموي ومواضع حوله من البلد وظاهرها عمارة حسنة، وأكثر البلد متخرب إلى الآن؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله1. ومنها: أنه في سنة ست وثمانمائة حج الركب الشامي على طريقته المعتادة، ومعه محمل، وكان قد بطل من سنة ثلاث وثمانمائة، وحج الشامي في سنة سبع وثمانمائة كحجة في سنة ست بمحمل وعلى طريقته المعتادة2. ومنها: أنه في سنة سبع وثمانمائة حج العراقيون بمحمل من قبل متولى بغداد من أولاد تيمورلنك، ومات تيمورلنك في هذه السنة في سابع عشر شعبان منها، بعلة الإسهال القولنجي. ومنها: أنه في سنة ثمان وثمانمائة لم يحج الشاميون على طريقتهم المعتادة ولا حج لهم محمل؛ وإنما حج فيها من الشام تجار، جاؤوا من دمشق إلى غزة، ومنها إلى إيلة، ومنها إلى مكة3. ومنها: أنه في سنة تسع وثمانمائة، حج الشاميون بمحمل على طريقتهم المعتادة، وتخوف الناس أن يقع بين أميرهم وبين أمير الركب المصري قتال، فسلم الله، وسبب توقع القتال في هذه السنة؛ أن الأمير "جكم"4 بايع لنفسه بالسلطنة، وتلقب بالملك العادل، وخطب له بحبل وغيرها من البلاد الشامية؛ حتى أنه خطب له بدمشق -ولكن زمن الخطبة له بدمشق يسيرا دون شهر- وأعيدت الخطبة بها للملك الناصر، فرج ابن الملك الظاهر صاحب مصر، وضربت السكة باسم جكم، ورأيت دراهم مكتوبة عليها اسمه، وكان ذلك من الأمير جكم في هذه السنة أو في آخرها، أو في أول التي بعدها، وقتل من سهم أصابه على غفلة منه في حرب كانت بينه وبين بعض التركمان. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 القعد الثمين 4/ 96. 2 العقد الثمين 1/ 197، درر الفرائد "ص: 317". 3 العقد الثمين 1/ 197، درر الفرائد "ص: 317"، إتحاف الورى 3/ 449. 4 العقد الثمين 1/ 197، درر الفرائد "ص: 318". ج / 2 ص -305- ومنها: أنه في سنة عشر وثمانمائة نفر الحجاج جميعهم في النفر الأول، ولم يزر المدينة المنورة من الركب المصري إلا القليل، وسار معظمهم مع أمير الحاج إلى "ينبع"، وسبب ذلك: أن أمير الحج المصري تخوف من أهل الشام أن يقصدوا الحجاج بسوء من جهة "إيلة"، بسبب القبض بمكة على أمير الركب الشامي في هذه السنة، وكان صورة القبض عليه: أن المصريين تكلموا مع أمير مكة في القبض عليه؛ فقصده أمير مكة في المسجد الحرام بعد طوافه يوم قدومه بالبيت، وقيل سعيه، وأشار على أمير الحج الشامي بأن يمضي معه للسلام على أمير الحج المصري؛ فلم يجد بدا من الموافقة على ذلك؛ لانفراده عن عسكره؛ فسار إلى أمير الحج المصري، فقبض عليه وحج معه محتفظا به، وذهب به تحت الخوطة إلى مصر، وكانت الموافقة يوم الجمعة1. ومنها: أنه في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة كان بين بني حسن من أهل مكة وبين أمير الحاج المصري مشاجرة عظيمة، أفضت إلى قتله بعض الحجاج ونهبهم غير مرة، ولم يحج بسبب ذلك من أهل مكة إلا اليسير، وسبب هذه الفتنة: أن صاحب مصر الملك الناصر فرج انحرف على الشريف حسن بن عجلان نائب السلطنة ببلاد الحجاز؛ فعزله عن ذلك، وعزل ابنيه عن إمرة مكة، وأسر ذلك إلى أمير الحج المصري "بيسق"2؛ فاستعد للحرب، واستصحب معه أنواعا من السلاح والمكاحل والمدافع وغير ذلك،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور

  ال كتاب: المزهر في علوم اللغة وأنواعها{2 جزء} المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي ...